فنون وآداب
أهل البيت
في الشعر
العربي(1)
(صفي
الدين الحلي
شاعر الولاء
الصادق)
الشيخ * عبدالمجيد فرج اللهالدين الحلي
شاعر الولاء
الصادق)
( العراق )
أيا رب قدعوّدتني منك نعمةً
فاُقسمُ ما دامتْ عطاياك
إذا بخِلتْ كفّي بنعمةِ منعم
فقد ساءَ في تكرارِ نعمتِهِ ظني
أجود بها للوافدين بلا منِّ
جمّةً ونعماك لا خيّبتُ ذا
فقد ساءَ في تكرارِ نعمتِهِ ظني
فقد ساءَ في تكرارِ نعمتِهِ ظني
وجـوه عـدد من قراء هذا العنوان، ونخـصّ منهم
اولئك الـذين سمعـوا وقرأوا شعر الشاعر
الكبير صفي الدين الحلي، المبثوت في كتب
الفكاهة والمجون والهجاء، لانهم عرفوه من
خلالِ ابيات مثل هذه:
عَبثَ النسيمُ بقدِّهِ فتأوّدا
قمرٌ هدى أهل الضلالِ بوجهِهِ
قاسوك بالغصنِ الرطيبِ جهالةً
حسنُ الغصونِ إذا اكتستْ أوراقها
ونراك احسنَ ما تكونُ مجرّدا
وسرى الحياءُ بخدِّهِ فتورّدا
واضلَّ بالفرعِ الاثيثِ من اهتدى
تاللّهِ قد ظلمَ المشبّهُ واعتدى
ونراك احسنَ ما تكونُ مجرّدا
ونراك احسنَ ما تكونُ مجرّدا
معالينا» لما عُرِفَ عن هذا الشاعر غير ذلك،
ولنُسيت قصائد ومقطوعات جميلة تقطر بالولاء
والاستغفار من قبيل:([1])
يا ربّ انّي دخلتُ بيتَكَ
لا يختشي سُخْطَهُ عليهِ ولا
فكيفَ يرتاعُ من اناخَ بكَ الرَحْلَ
لا يسأل العبدُ غيرَ من هو
بالعفوِ جديرٌ وانتَ أجدرُ بِهْ
والداخلُ بيتَ الكريمِ في حَسَبِهْ
يحذرُ من مكرِهِ ولا غَضَبِهْ
ويخشى من سوءِ منقلبِهْ(*)
بالعفوِ جديرٌ وانتَ أجدرُ بِهْ
بالعفوِ جديرٌ وانتَ أجدرُ بِهْ
راسخ، وشعور عميق بالاطمئنان والخلود إلى
الرحمة الالهية، وهي تحثُّ بذكاء أدبي على
سلوك طريق الرجاء والنور، ضمن تضمين رائع
للايات الشريفة. مثال ذلك:
تُبْ وَثُبْ وادعُ ذا الجلالِ بصدق
لا تَخَفْ مَعْ رجاءِ ربّكَ ذنباً
«اِنّهُ يغفرُ الذنوبَ جميعا»
تجدِ اللّهَ للدّعاءِ سميعا
«اِنّهُ يغفرُ الذنوبَ جميعا»
«اِنّهُ يغفرُ الذنوبَ جميعا»
بالولاء الصادق لرسول الله(صلى الله عليه
وآله)وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، وهذا
هو محور بحثنا الاصلي في شعر «عبد العزيز بن
سرايا» ـ الاسم الحقيقي للشاعر ـ وقد يظن احد
اننا بقولنا هذا ندافع عن الرجل، ونبرّئ
ساحته بدوافع عاطفية. كلا، ولكننا لا نريد ان
نظلم احداً، فقد يكون مقترفاً اخطاءً وذنوباً
في فترة من فترات حياته ثم تاب كما تصرح بذلك
ابياته([2]).
امسيتُ ذا ضر وفي يدِكَ الشِفا
وعلمتُ أنَّ الصفحَ منكَ مؤمّلٌ
جعلتُ عذري الاعترافَ بزلّتي
فإذا انتقمت فإن ذنبْي موجبٌ
ولئِنْ عفوتَ فإنَّ مثلَك مَن عفا
لمّا غدوتُ من الذنوبِ على شَفا
والعفو مرجوٌّ لديكَ لمن هفا
إذْ ما بها في طيّ علمِك مِنْ خفا
ولئِنْ عفوتَ فإنَّ مثلَك مَن عفا
ولئِنْ عفوتَ فإنَّ مثلَك مَن عفا
يعمر قلبه فيُغدق عليه الامن والاطمئنان، وهو
حين ينساب من قريحته فإنه يتدفق بهدوء ناعم
ترى فيه الرقة والبساطة والبعد عن التكلّف
والتزويق اللفظي والبديعي، وتعرف أنه شاعر
يمتلك ثقافة عقيدية وتاريخية كبيرة، وقد أبدع
في إدخال الجدل العقيدي إلى أشعاره دون أن يحس
المتلقي بنفرة من هذا الجدل الهادئ، الذي
يأتي من باب خلفي مقتحماً بوداعة هادئة القلب
والعقل معاً، ليرسّخ أخيراً فكرة الشاعر في
الذهن والروح بخفة وذكاء، بالاضافة الى
لوحاته الجميلة جداً، ولفتاته الابداعية
المحببة، فإن جوانبَ بلاغيةً شفافة تُريكَ
مقدرة الشاعر وخفّةَ ريشته وهو يوشّي خطوطه
الاسرة بلمساته البديعية الاخيرة، تلك التي
اشتهر بها شعر هذا الرجل، وهي جذابة ـ بشرط
البعد عن الاغراق والتكلّف ـ لكن لا مجال
للحديث عنها في هذا البحث.
ودعنا نلتقط الابيات التي ضمت بعضاً
مما قلناه في قصيدته التي يمدح بها الرسول(صلى
الله عليه وآله):
تشرفتِ الاقدامُ لمّا تتابعتْ
وفاخرت الافواهُ نورَ عيونِنا
بتربِكَ لمّا قبّلتْهُ ثغورُها
اليكَ خُطاها واستمرَّ مريرُها
بتربِكَ لمّا قبّلتْهُ ثغورُها
بتربِكَ لمّا قبّلتْهُ ثغورُها
المْ تَرَ للتقصير جُزّتْ شعورُها([3])
فالشفاه والعيون في مناظرة افتخار،
فالعيون ترى مرقدَ الرسول، ومسجدَ الرسول،
والاشياءَ المقدسةَ التي شمّتْ رائحةَ
الرسول، ولامست بشرتَهُ الشريفة وملابسَه
الطاهرة. والشفاهُ تفتخر بهذه القبل التي
تطبعها على ارض المرقد المطهّر، المُوصِلِ
بين حرقتها وبينَ حرارةِ جسده الموارى على
مقربة من هذه اللهفة العارمة المستعرة مع
الزفرات.
وتأمّلْ هذه الصورة، حيث يرسل الشاعر
أمانيه الجميلة مادّةً رقابها الصافية كأنها
تشكو فقدانَ شيء، فإذا بها تعود بعدما
يوشّحُها الرسول الكريم بالورد والحلي
والجمال:
بعثتُ الاماني عاطلات لتبتغي
نداك فجاءت حاليات نحورُها
ولا ينسى الشاعر أبداً ان يذكر صنو
رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمفضّلَ
عنده، وهو ابن عمه الامام علي(عليه السلام)،
فيوجّه نحوهما معاً مشاعره الصادقة، مارّاً
على مناقبهم. فهذا رسول الله ينشق له القمر
نصفين، ثم يلتئم مرة اخرى ليعود من جديد إلى
عيون الناس الحائرة، وهو يبارك الاُمة
برسولها، وهذه آية من آيات نبوّته. والامام
علي رُدّت له الشمس بعد غروبها، وهاتان
المعجزتان مذكورتان بالتفصيل في كتب التاريخ.
فلننظر من أيةِ زاوية اختار صفي الدين الحلي
صورته التي التقطها لهذين العظيمين:
مدينةُ علم وابنُ عمِك بابُها
شموسٌ لكم في الغربِ رُدّتْ
شُقّتْ بدورُها
بحارٌ إذا ما الارضُ غارت بحورُها
الرسول صلّى الله عليه وعليهم:
محبتُها نُعمى قليلٌ شَكورُها
وانْ سوجِلَتْ في الفضلِ عَزَّ نظيرُها([4])
وانْ سوجِلَتْ في الفضلِ عَزَّ نظيرُها([4])
فمِنْ غيرِ ذاكَ البابِ لم يُؤتَ سورُها
شموسُها بدورٌ لكم في الشرقِ
جبالٌ إذا ما الهَضبُ دُكّتْ جبالُها
كذلك لابدّ للحديث ان يتطرق الى آل
فآلُك خيرُ الالِ والعترةُ التي
إذا جُولِستْ للبذلِ ذلَّ نُضارُها
وانْ سوجِلَتْ في الفضلِ عَزَّ نظيرُها([4])
ينتبه ويُنبّه إلى نقطة جوهرية مهمة، هي
المحافظة والحرص على تجنّب إثارة شيء من
البغضاء العمياء التي تضطرم في نفوس المغفلين
من الناس، الذين ضلّلهم الاعلام الاُموي
والعباسي، وبقي تأثيره ممتداً حتى أيام
الشاعر، بل حتى زماننا هذا.
ويا للاسف، فقد نجحوا في توظيف ذلك من
أجل ان يُنفّروا الناس من كلّ شاعر يذكر أهل
البيت بخير، وبالتالي يُنفّرونهم حتى من اهل
البيت ومن كلّ إشارة إليهم قريبة أو بعيدة.
ولقد تنبّه شاعرنا ونبّه إلى ذلك،
واستطاع ان ينتصر لانه كان يريد ـ كما نستشف
ذلك من أشعاره ـ ان يرى المسلمين امة واحدة لا
تفرّقُها المذاهب.
وهو يقول معلناً عن ولائه الصادق
لامير المؤمنين وابنائه(عليهم السلام)،
ومعبراً عن فوز محبيهم ومواليهم، ومؤكداً على
وجوب تولّيهم بنص حديث الغدير المتواتر:
تـوالَ عــليـاً وابـــناءَهُ
إمـامٌ لـه عقـدُ يـومِ الغـديرِ
لَــهُ فــي التشــهّدِ بـعْدَ
حــالِهِ
وذكــرِ النــبيِّ ســوى آلِــه
وذكــرِ النــبيِّ ســوى آلِــه
تَفُـزْ فـي المعـادِ واهـوالِـهِ
بــنصِّ النبـيّ وأقــوالِـهِ
الصـلاة مــقامٌ يُــخبّرُ عـن
فــهلْ بـعد ذكْــرِ الـهِ الســماءِ
وذكــرِ النــبيِّ ســوى آلِــه
السلام) واطلاعه على العقائد ومعرفته بمعاني
الايات والاحاديث من خلال مقطوعات عديدة منها:
يا عترةَ المختارِ يا مَنْ بِهِمْ
اُعرفُ في الحشر بُحبّي لكمْ
وكذلك هذه المقطوعة:
ارجو نجاتي من عذاب اليمْ
وسرُّ ودّي في هواكم مُقيمْ
صراطُ ديني بكُمُ مُستقيمْ
فقد «اتى اللهَ بقلب سليمْ»
فقد «اتى اللهَ بقلب سليمْ»
يفوزُ عبدٌ يتولاهُمُ
إذْ يُعَرفُ الناسُ بسيماهُمُ
يا عترةَ المختار يا مَنْ بهمْ
حديث حبّي لكمُ سائرٌ
قد فزتُ كلَّ الفوزِ إذ لم يَزَلْ
فمن اتى الله بعرفانكُمْ
فقد «اتى اللهَ بقلب سليمْ»
تَميُّزُها بالسهولة والعذوبة والابتعاد عن
التعقيدِ والغموض والاغراقِ في التصنّعِ
والتكلّف والهالات والمحسنات البديعية،
ولعلّ السبب في ذلك عائد إلى أنّ الشاعر قالها
في حالات هي اقرب إلى الارتجال، أو إلى حديث
النفس ـ بتعبير ادق ـ حيث تفيضُ دون سابقِ قصد
واختيار طافحةً على لسانه من أغوارِ ذاتِه،
حيث تتنفسُ هناك من سماء روحه، وتنبض في قطرات
دمائه، لتخرج في اجلى لحظات الصفاء والصدق مع
الذات، وهذا يَدُلُّ على تمكّن عقيدته بأهل
البيت من نفسه ووجدانه الفيّاضين بالشعر
والولاء وحب الخير والحياة النيّرة.
وللرسول الكريم مكانة خاصة في روح
الشاعر، فهو يبوح له وحده بما يجيش في صدره،
وهو يتوسل إلى الله ان يُنيله شفاعة رسوله
الكريم، فقد اثقلت ذنوبُهُ كاهلَه، وقد جاءَ
للاستغفارِ والانابةِ والتوبة:
بكُمْ يهتدي يا نبيَّ الهدى
به يكسبُ الاجرَ في بعثِهِ
وقد أَمَّ نحوَك مستشفعاً
سلِ اللهَ يجعلْ لَهُ مخرجاً
«ويرزُقْه من حيثُ لا يحتسبْ»
وليٌّ إلى حُبّكُمْ ينتسِبْ
ويخلصُ من هولِ ما يكتسِبْ
الى اللهِ ممّا إليهِ نُسبْ
«ويرزُقْه من حيثُ لا يحتسبْ»
«ويرزُقْه من حيثُ لا يحتسبْ»
البديعية في المدائح النبوية) التي جمعت
أنواع المذهب البديعي في الشعر العربي
وأسراره هي تُغني عن كثير من الكتب المطوّلة
المؤلّفة في هذا العلم، وهي خير دليل على
اتصاله الروحي برسول الله(صلى الله عليه وآله).
ونحن هنا لا نتناولها من جانب اشتمالها على
علم البديع ودقائقه، لان ذلك يستدعي وضع كتاب
كامل لشرحها وكشف اسرارها ومخابئها، ولكننا
نتناولها من زاوية اتصالها برسول الله(صلى
الله عليه وآله)، فالشاعر نظمها بعد ما «أراد
ان يؤلف كتاباً يُحيط بُجلّ انواع البديع،
فعرته علّةٌ طالت مدتها، واشتدت شدتها، فاتفق
أنه رأى في منامه رسالة من النبي(صلى الله
عليه وآله) يتقاضاه المدح ويعده البرء من
سقمه، فعدل عن تأليف ذلك الكتاب إلى نظم قصيدة
تجمع اشتات البديع، وتتطرز بمدح محتده
الرفيع، فنظم قصيدة عدتها مائة وخمسة وأربعون
بيتاً في بحر البسيط، تشتمل على مائة وواحد
وخمسين نوعاً من محاسن البديع»(*).([5])
والذي يُهمنا هو هذا الاتصال بين
شاعرنا وبين سيده الرسول الكريم، ذلك الاتصال
الذي انتج هذه القصيدة النادرة بفنّها
وأفكارها ولمساتها الابداعية الجميلة، وهي
تكشف الغطاء عن شاعرية فذّة، ومقدرة أدبية
كبيرة، يتمتع بها هذا الرجل، إضافة إلى
سيطرته القوية على الالفاظ، وسعة اطلاعه على
الاسرار اللغوية، ودقة تصرّفه بمفرداتها.
لننتقِ ابياتاً منها، كي نستدل بها
على ما نقول:
لا لقّبتني المعالي بابن بجدتها
ان لم احثَّ مطايا العزم مثقلةً
فِجارُ لفظي الى سوقِ القبول بها
من كلّ معربةِ الالفاظ معجمة
محمد المصطفى الهادي النبي اجـ
خير النبيين والبرهانُ متّضحٌ
كم بينَ من اقسمَ اللهُ العليُّ به
ابدى العجائبَ فالاعمى بنفثتهِ
عزيزُ جار لو الليلُ استجارَ به
فما أروع هذه اللوحة الفنية التي
عزيزُ جار لو الليل استجار به
ولا ينسى الشاعر آل البيت، فحبهم
يستسلم لذاك الحب قائلاً:
لقدرهمْ سورةُ الاحزابِ بالعِظمِ
للهِ إلاّ وكانوا سادةَ الاُممِ
وينجابُ الظلامُ ويهمي صيّبُ الدِيمِ
وينجابُ الظلامُ ويهمي صيّبُ الدِيمِ
يومَ الفخارِ ولا برَّ التقى قسمي
من القوافي تؤمُّ المجد عن أممِ
من لُجّةِ الفكرِ تُهدي جوهرَ الكلمِ
يزينُها مدحُ خيرِ العربِ والعجمِ
ـلّ المرسلين ابن عبد اللهِ ذي الكرمِ
في الحجْرِ عقلاً ونقلاً واضحُ اللقَمِ
وبينَ من جاءَ باسم اللهِ في القسمِ
غدا بصيراًوفي الحرب البصيرُ عمي
من الصباحِ لعاش الناسُ في الظلمِ
تضمّنها هذا البيت؟
من الصباح لعاش الناس في الظُلمِ
يُفعم قلبه، لهذا فإنه بعد أبيات كثيرة نراه
وآلهُ امناءُ اللهِ من شَهدت
آلُ الرسول محلُّ العلمِ ما حكموا
هُمُ النجومُ بهمْ يُهدى الانامُ
وينجابُ الظلامُ ويهمي صيّبُ الدِيمِ
في ذكرى مولد الرسول الكريم(صلى الله عليه
وآله)دليل آخر على مدى التواصل والاتصال بين
شاعرنا وبين الرسول الحبيب، وقد جمعت باقة
زاهرة من معاجزه وفضائله في اسلوب شعري جذاب،
وان كان قد تأثر بالمباشرة التي لابدّ من أن
تطفح على وجه قصيدة تأخذ على عاتقها إحصاء
مناقب وحوادث تاريخية تحتاج وصفاً ولغةً
نثرية مُضرّة بلغة الشعر الرقراقة:
خمدت لفضلِ ولادك النيرانُ
نُسختْ بمظهرك المظاهر بعدما
وبك استغاث الانبياءُ جميعُهم
وبكَ استغاث اللهَ آدمُ عندما
وبك التجا نوحٌ وقد ماجتْ بهِ
وبكَ اغتدى ايوبُ يسألُ ربَّه
كشف البلاءِ فزالت الاحزانُ
وانشقَّ من فرح بكَ (الايوانُ)
نُسختْ بملّةِ دينك الاديانُ
عند الشدائدِ ربَّهم ليعانوا
نُسب الخلافُ اليه والعصيانُ
دسر السفينةِ إذ طغى الطوفانُ
كشف البلاءِ فزالت الاحزانُ
كشف البلاءِ فزالت الاحزانُ
فعليك من ربّ السلامِ سلامهُ
وعلى صراطِ الحقِ آلكَ كلَّما
واخيك في يوم الغديرِ وقد بدا
وعلى صحابتكَ الذين تتبّعوا
طُرقَ الهدى فهداهمُ الرحمانُ
والفضلُ والبركاتُ والرضوانُ
هبَّ النسيمُ ومالتِ الاغصانُ
نورُ الهدى وتآختِ الاقرانُ
طُرقَ الهدى فهداهمُ الرحمانُ
طُرقَ الهدى فهداهمُ الرحمانُ
الكثير من الفنية والجمال، وهي تصبُّ بعد
مقدمة وصفية ذكية الخطوط والالوان في غرضه
الاصلي، وهو المدح الولائي للرسول واهل بيته(صلى
الله عليه وآله). وانت تلمس منذ البيت الاول
فنيتها الرائعة ودفقات ريشته الناعمة،
وانغام ظلالها الهامسة باتساق حلو، وهي تكشف
عن مقدرة تصويرية كبيرة من خلال مساحات
ضرباته الدقيقة التي تجود بها ريشته المبدعة
على لوحات فيّاضة بالفن والسحر الحلال:
فيروزجُ الصبح أم ياقوتةُ الشفقِ
ام صارمُ الشرقِ لما راح مختضباً
ومالت القُضبُ إذ مرَّ النسيمُ بها
وكلّل الطلُّ اوراق الغصون ضحىً
والظلُّ يسرقُ بينَ الدوح خطوتَهُ
وقد بدا الوردُ مفترّاً مباسمُهُ
والنرجسُ الغضُ فيها شاخصُ الحدقِ
بَدتْ فهيّجت الورقاء في الورَقِ
كما بدا السيفُ محمراً من العلقِ
سكرى كما نُبّه الوسنانُ من اَرقِ
كما تكلّلَ خدُّ الخودِ بالعرقِ
وللمياه دبيبٌ غيرُ مسترق
والنرجسُ الغضُ فيها شاخصُ الحدقِ
والنرجسُ الغضُ فيها شاخصُ الحدقِ
التأمل والاستنطاق، تراها غنيةً بإشعاع
الضوء وانكسارات الظلال الاسرة، كلّما
أغرقْتَ في تصورها واستحضارها في خيالك. كل
ذلك من أجل ان يوصلك الى عالم الرسول الطاهر،
المشرق بالنور والربيع الاخضر، وصفاء السماء
الزرقاء الحبلى بقصاصات سحب بيضاء صغيرة هنا
وهناك. إلى ان يقول:
وفاحَ من ارجِ الازهار منتشراً
كأنَّ ذكر رسول الله مرَّ بها
محمد المصطفى الهادي الذي اعتصمتْ
ومن له اخذ اللهُ العهود على
كلِّ النبيينَ من باد وملتحقِ
نشرٌ تعطّر منه كلُّ منتشِق
فأُكسبت ارجاً من نشرهِ العبقِ
به الورى فهداهم اوضح الطرقِ
كلِّ النبيينَ من باد وملتحقِ
كلِّ النبيينَ من باد وملتحقِ
الشريفة، وأنه كيف كان الانبياء يتقربون الى
الله سائلين الفرج والنصر، وهم يقدمون اسم
النبي الحبيب بين يدي حاجاتهم في اثناء
مناجاتهم ربَّ العالمين.
وتستوقفنا ابيات وصور في اثناء رحلتنا
جودٌ تكفَّلتَ ارزاق العباد بهِ
لو انَّ جودك للطوفان حين طمت
لو تجعلُ النقع يوم الحرب متصلاً
بالليل ما كشفته غرّةُ الفلق([6])
في عالم هذه القصيدة العصماء. منها:
فناب فيهم مناب العارض الغدقِ
امواجه ما نجا (نوحٌ) من الغرق
بالليل ما كشفته غرّةُ الفلق([6])
بالليل ما كشفته غرّةُ الفلق([6])
النبي»، فيا ترى ما هو، أو بالاحرى من هو سرّ
النبي؟
جُمعت في صفاتك الاضدادُ
زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ
شيمٌ ما جمعن في بشر قطُّ
خُلقٌ يخجلُ النسيم من العطفِ
فلهذا تعمقت فيك اقوامٌ
وغلت في صفات فضلك (ياسين)
ظهرت منك للورى معجزاتٌ
ان يُكذّب بها عداك فقد كذّ
انتَ سرُّ النبي والصنو وابنُ العـ
لو رأى غيرك النبيُّ لاخاه
بكُمُ باهلَ النبيُّ ولَمْ يُلفِ
كنت نفساً له وعرسُك وابنــ
جلَّ معناك أن يُحيط بهِ الشعرُ
إنّما اللهُ عنكُمُ اذهبَ الرجسَ
ذاك مدحُ الاله فيكُمْ فانْ فُهـ
ـتُ بمدح فذاكَ قولٌ معادُ
فلهذا عزّت لك الاندادُ
ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ
ولا حاز مثلهنَّ العبادُ
وبأسٌ يذوبُ منهُ الجمادُ
بأقوالهم فزانوا وزادوا
و(صادٌ) وآلُ سين وصادُ([7])
فأقرّت بفضلك الحسادُ
ب منْ قبلُ (قومُ لوط) و(عادُ)
ـمِ والصهرُ والاخُ المستجادُ
وإلاّ فاخطأ الانتقادُ
لكم خامساً ـ سواهُ ـ يُزادُ
ــاك لديهِ النساءُ والاولادُ
وتُحصي صفاتِهِ النُقّادُ
فرُدّتْ بغيظها الاحقادُ
ـتُ بمدح فذاكَ قولٌ معادُ
ـتُ بمدح فذاكَ قولٌ معادُ
اُخرى تعبر عن ولاء هذا الشاعر وصدق عقيدته
بأهل البيت(عليهم السلام)، من قبيل رثائه احد
السادة ينتهي نسبه إلى الرسول الكريم(صلى
الله عليه وآله) كان قد توفي يوم العاشر من
المحرم، ومن خلال قوة انفعال الشاعر مع
ذكريات ملحمة الطف، خرجت القصيدة منبئة عن
قلب ملتهب، فوّار الحسرة، لانه كان يعيش تلك
الذكريات بقلبه وخياله وعواطفه الملتاعة،
وحينما يسمع خبر وفاة أحد ابناء الحسين فإنه
يُفرّغ نفثةً في طيات قصيدته تشير إلى ذلك:
اليومَ زُعزعَ ركنُ المجد وانهدما
ما مِنْ وفيٍّ بكى دمعاً بغيرِ دَم
الاّ غدا في صفاءِ الودّ متّهما
فُحقَّ للخلقِ أن تذري الدموعَ دما
الاّ غدا في صفاءِ الودّ متّهما
الاّ غدا في صفاءِ الودّ متّهما
يابنَ الائمةِ والقومِ الذين سمَوا
مثواكَ في يوم عاشوراء يُخبرنا
بُقربِ اصلكَ من آبائك الكُرما
على الانامِ فكانوا للهدى علما
بُقربِ اصلكَ من آبائك الكُرما
بُقربِ اصلكَ من آبائك الكُرما
المحاسن عبد العزيز بن سرايا من خلال قابليته
الشعرية الفذة ولاءَهُ وحبَّهُ وعقيدته.
المهم أنَّ هذا الشاعر في حقيقةِ
وجدانهِ، وبواطن ضميره شاعرٌ يحمل في قلبه
وحناياه اماكنَ انارتها عقيدتُهُ الاسلامية
الطافحةُ بالولاءِ لله ولرسولهِ وللذينَ
آمنوا، وهو شاعرُ وحدة لا بوقُ فُرقة، ما خدش
شعور طائفة من المسلمين في الوقت الذي صرّح به
عن مذهبه الذي طبع آثارهُ الرقيقة واضحةً على
معالمِ شعرِه الشفّافة الاسرة.
ويبقى التاريخُ يشكو بمرارة أفعال
كثير من المُزيّفين والمحرفين والمتطاولين
على تراث امتنا العظيمة وإبداعها.
(*)
هكذا ورد في الديوان، وفيه خلل عروضي، وربما
كان الصواب «ويخشى لسوء منقلبه».
([2])
ليس فيها تصريح بارتكابه للذنوب، إذ كثير من
الملتزمين في مقام المثول امام الله تعالى
تصدر منهم مثل هذه الاقوال. (التحرير)
([3])
التقصير: احد واجبات الحج وهو قص الشعر
والاظافر، وكان الشاعر حاجّاً حينما قال هذه
القصيدة.
([4])
النضار: الذهب.
(*)
مقدمة القصيدة مثبتة في الديوان بقلم الشاعر
نفسه.
([6])
النقع: الغبار، والضمير في «كشفته» يعود إلى
الليل، أي لما كشفت الليل غرةُ الفجر.
([7])
اسماء سور قرآنية نزلت آياتٌ منها في فضل
الامام علي(عليه السلام).