الصلاة أوّل ما افترض الله سبحانه على الناس[1] ، وأوّل مايجب تعلّمه من الفرائض[2] ، وأوّل مايُنظر فيه من عمل ابن آدم ، وأوّل مايُحاسَب به ، إن قُبلت قبِل ماسواها ، وإن رُدّت رُدّ ماسواها[3] .الصلاة عمود الدين وقوامه ووجهه ، وموضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد ، ومَثَلها مَثَل عمود الفسطاط[4] .الصلاة خير موضوع ، وأفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه[5] ، وأفضل ما توسّل به المتوسّلون للتقرّب إليه[6] ، وهي معراج المؤمن[7] .الصلاة تطرد الشيطان[8] ، وتمنع من البطر والطغيان ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر[9] ، وتزيل الكبر وأنواع الرذائل القلبيّة[10] ، وتُذهب السيّئات[11] وتطهّر النفس[12] .الصلاة مفتاح كلّ خير[13] ، ينوّر بها الوجه والقلب[14] ، وتطمئنّ بها النفس[15] ، وتُستنزل بها الرحمة[16] ، وتُبدّل بها السيّئات بالحسنات[17] ، ويُستعان بها على الجهاد الأكبر والأصغر[18] .الصلاة آخر وصيّة الأنبياء لاسيّما خاتمهم محمّد صلّى الله عليه و آله فإنّه كان من آخر وصاياه : «الصلاة ، الصلاة وما ملكت أيمانكم ، حتّى جعل نبيّ الله صلّى الله عليه و آله يُلَجلِجها في صدره ، وما يفيض بها لسانه»[19] .لاريب أنّ الصلاة أكمل وسيلة للبناء والسير والسلوك إلى الله تعالى ، وهي المغزى الأساس لبلوغ الهدف الأعلى للإنسانيّة والمجتمع الإنسانيّ المثاليّ . ومن المدهش والمؤسف حقّاً أنّ عامّة الناس ـ بل كثيراً من خاصّتهم ـ لايعرفون هذا المغزى الّذي هو مغزى الحياة والحركة والازدهار حقّ معرفته ، ولا يستفيدون منه كما ينبغي ، مع جميع ماورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة من نصوص تؤكّد الدور الإعجازيّ للصلاة في بناء الفرد والمجتمع .كثيرون هم الّذين يصرفون وقتاً من حياتهم للتفكير في بناء أنفسهم وممارسة مايهديهم في سيرهم وسلوكهم ، فيبحثون عن مرشدٍ يهتدون بأذكاره وأوراده ورياضاته ليطووا مراحل الكمال ومراتب الكشف والشهود ، ولكن نلحظ في كثير من الحالات أنّهم ربما يقعون في فخّ الماكرين الّذين لايعرفون من السير والسلوك إلّا الاسم ، متّخذين من ذلك وسيلة للارتزاق والشهرة واستغلال المريدين الجهلة بشتّى ضروب الاستغلال .ويعلم السالكون الواعون والمسلمون المتبصّرون الصادقون أنّ الصلاة هي أفضل التعليمات التوجيهيّة في السلوك وتزكية النفس ، وأقرب الطرق إلى مواجهة الغزو الثقافي لأعداء الإسلام ، وأحسن الجهاد ثمراً لتحقيق القيم الإنسانيّة وتطبيق المعرفة الإسلاميّة الأصيلة في المجتمعات البشريّة .ونقرأ في الوصيّة الأخلاقيّة الثمينة الّتي عهد بها الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه إلى ولده العزيز السيّد أحمد رحمه الله : أنّ الأنانيّة هي اُمّ المصائب البشريّة ، وأنّ السعي الّذي يُبذل لعلاج جذر الفساد هذا هو الجهاد الأكبر ، وأنّ الفوز في هذا الجهاد يُفضي إلى إصلاح كلّ شي ء في الحياة .وبعد أن يبيّن الإمام هذه المفاهيم ، يرى بأنّ الصلاة هي السبيل إلى تحقيق ذلك الفوز .يقول ـ قدّس سرّه ـ : «أي بُنيّ! دَع عنك الأنانيّة والعُجب والزهو ، فإنّها من مواريث الشيطان الّذي عصى ربّه جلّ وعلا حين أبى الخضوع لوليّه وصفيّه ، منطلقاً من زهوه وكبْره ، واعلم أنّ كافّة المصائب البشريّة من إرث الشيطان الّذي هو أصل الفتنة ، ولعلّ الآية الشريفة : وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ِللهِ في بعض مراحلها إشارة إلى الجهاد الأكبر ومكافحة أصل الفتنة ـ المتمثّلة بالشياطين الكبار وجنودهم ـ الضاربة جذورها في أعماق قلوب الناس ، وعلى كلّ إنسان أن يجاهد لِقَمْع الفتنة في باطنه وظاهره ، وهذا هو الجهاد الّذي لو أفلح فيه فإنّ