تفسير شبر سوره آل عمران - تفسير شبر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسير شبر - نسخه متنی

السید عبدالله العلوی الحسینی المشتهر بالشبر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير شبر سوره آل عمران

( 3 ) سورة آل عمران مائتا آية ( 200 ) مدنية

بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم‏(1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ‏(2) نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَب بِالْحَقّ‏ِ مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيْهِ وَ أَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَ الانجِيلَ‏(3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَ أَنزَلَ الْفُرْقَانَإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايَتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شدِيدٌوَ اللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ‏(4) إِنَّ اللَّهَ لا يخْفَى عَلَيْهِ شىْ‏ءٌ فى الأَرْضِ وَ لا فى السمَاءِ(5) هُوَ الَّذِى يُصوِّرُكمْ فى الأَرْحَامِ كَيْف يَشاءُلا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ‏(6)

« بسم الله الرحمن الرحيم ألم» مر تأويله و عن الصادق (عليه‏السلام‏) معناه أنا الله المجيد « الله لا إله إلا هو الحي القيوم» روي أنه اسم الله الأعظم « نزل عليك الكتاب» القرآن « بالحق» بالصدق في إخباره أو بما يحقق إنه منه تعالى و هو حال و كذا « مصدقا لما بين يديه» من الكتب « و أنزل التوراة و الإنجيل» جملة على موسى و عيسى « من قبل» قبل تنزيل القرآن « هدى للناس» لقومهما « و أنزل الفرقان» كل آية محكمة في الكتاب أو ما يفرق به بين المحق و المبطل أو القرآن و كرر ذكره بوصفه المادح تعظيما لشأنه « إن الذين كفروا بآيات الله» من كتبه و غيرهما « لهم عذاب شديد» بكفرهم « و الله عزيز» غالب « ذو انتقام» لا يقدر على مثله أحد « إن الله لا يخفى عليه شي‏ء» كلي أو جزئي إيمان أو كفر كائن « في الأرض و لا في السماء» أي في العالم فعبر عنه بهما إذ الحس لا يتجاوزهما « هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء» من حسن أو قبيح ذكر أو أنثى تقرير للقيومية و إثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين « لا إله إلا هو» لا يعلم غيره علمه و لا يقدر قدرته « العزيز» في سلطانه « الحكيم» في أفعاله « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات»

تفسير شبر ص :86

هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْك الْكِتَب مِنْهُ ءَايَتٌ محْكَمَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَبِ وَ أُخَرُ مُتَشبِهَتٌفَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِوَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُوَ الرَّسِخُونَ فى الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَاوَ مَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُوا الأَلْبَبِ‏(7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَ هَب لَنَا مِن لَّدُنك رَحْمَةًإِنَّك أَنت الْوَهَّاب‏(8) رَبَّنَا إِنَّك جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْب فِيهِإِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِف الْمِيعَادَ(9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنىَ عَنْهُمْ أَمْوَلُهُمْ وَ لا أَوْلَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شيْئاًوَ أُولَئك هُمْ وَقُودُ النَّارِ(10) كدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْكَذَّبُوا بِئَايَتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْوَ اللَّهُ شدِيدُ الْعِقَابِ‏(11) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ستُغْلَبُونَ وَ تُحْشرُونَ إِلى جَهَنَّمَوَ بِئْس الْمِهَادُ(12) قَدْ كانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فى فِئَتَينِ الْتَقَتَافِئَةٌ تُقَتِلُ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ أُخْرَى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْى الْعَينِوَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَشاءُإِنَّ فى ذَلِك لَعِبرَةً لأُولى الأَبْصرِ(13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُب الشهَوَتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنَطِيرِ الْمُقَنطرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسوَّمَةِ وَ الأَنْعَمِ وَ الْحَرْثِذَلِك مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَاوَ اللَّهُ عِندَهُ حُسنُ الْمَئَابِ‏(14)

أحكمت عبارتها بالحفظ من الإجمال « هن أم الكتاب» أصله يرد إليها غيرها و أفرد أم على إرادة كل واحد أو المجموع « و أخر متشابهات» تحتمل وجوها و روي المحكم ما يعمل به و المتشابه ما يشتبه على جاهله « فأما الذين في قلوبهم زيغ» ميل عن الحق إلى البدع « فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة» طلب إيقاع الناس في الكفر فيه أن يفتنوا عن تأويله « و ابتغاء تأويله» بما يناسب رأيهم الفاسد « و ما يعلم تأويله» تأويل القرآن كله الذي يجب أن يحمل عليه « إلا الله و الراسخون في العلم» الثابتون فيه من لا يختلف في علمه عن الصادق (عليه‏السلام‏) نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله و من وقف من الجمهور على الله فسر المتشابه بما استأثر تعالى بعلمه كوقت قيام الساعة و نحوه « يقولون ءامنا به» حال من الراسخين أو خبر له إن جعل مبتدأ و روي أن القائل شيعتهم « كل» أي من المتشابه و المحكم « من عند ربنا و ما يذكر إلا أولوا الألباب» مدح للراسخين بإلقاء الذهن و إعمال الفكر في رد المتشابه إلى المحكم « ربنا لا تزغ قلوبنا» من مقول الراسخين أي لا تبلينا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا « بعد إذ هديتنا» إلى الحق « و هب لنا من لدنك رحمة» نعمة أو لطفا نثبت به على الإيمان « إنك أنت الوهاب» النعم « ربنا إنك جامع الناس» لحساب يوم أو جزائه « لا ريب فيه» في وقوعه « إن الله لا يخلف الميعاد» الوعد « إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا» أي بدل رحمته أو من عذابه « و أولئك هم وقود النار» حطبها « كدأب» أي شأن هؤلاء كشأن « ءال فرعون» في الكفر أو النصب بتغني أو وقود أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم كما توقد بأولئك « و الذين من قبلهم» عطف على آل فرعون « كذبوا بآياتنا» تفسير لدأبهم أو بيان لسببه أي « فأخذهم الله» أهلكهم « بذنوبهم و الله شديد العقاب» ترهيب للكفرة « قل للذين كفروا» مشركي مكة « ستغلبون» أي بيوم بدر « و تحشرون إلى جهنم و بئس المهاد» جهنم أو ما مهدوا لأنفسهم « قد كان لكم آية» خطاب للمشركين أو اليهود أو المؤمنين « في فئتين التقتا» يوم بدر « فئة تقاتل في سبيل الله و أخرى كافرة يرونهم مثليهم» يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريب ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة و ستة و عشرين قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم كما قال و يقللكم في أعينهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين و كانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ثقة بالنصر الذي وعدوه في فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و قرى‏ء ترونهم بالخطاب « رأي العين» رؤية ظاهرة « و الله يؤيد بنصره من يشاء» كما أيد أهل بدر « إن في ذلك» التقليل و التكثير و نصر القليل على الكثير « لعبرة لأولي الأبصار» عظة لذوي العقول « زين للناس حب الشهوات» أي المشتهيات جعلها شهوات مبالغة « من النساء و البنين و القناطير» جمع قنطار و هو المال الكثير

تفسير شبر ص :87

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُب الشهَوَتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنَطِيرِ الْمُقَنطرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسوَّمَةِ وَ الأَنْعَمِ وَ الْحَرْثِذَلِك مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَاوَ اللَّهُ عِندَهُ حُسنُ الْمَئَابِ‏(14) قُلْ أَ ؤُنَبِّئُكم بِخَيرٍ مِّن ذَلِكمْلِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّتٌ تَجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَ أَزْوَجٌ مُّطهَّرَةٌ وَ رِضوَنٌ مِّنَ اللَّهِوَ اللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ(15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ قِنَا عَذَاب النَّارِ(16) الصبرِينَ وَ الصدِقِينَ وَ الْقَنِتِينَ وَ الْمُنفِقِينَ وَ الْمُستَغْفِرِينَ بِالأَسحَارِ(17) شهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَ الْمَلَئكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قَائمَا بِالْقِسطِلا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ‏(18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسلَمُوَ مَا اخْتَلَف الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْوَ مَن يَكْفُرْ بِئَايَتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الحِْسابِ‏(19) فَإِنْ حَاجُّوك فَقُلْ أَسلَمْت وَجْهِىَ للَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِوَ قُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب وَ الأُمِّيِّينَ ءَ أَسلَمْتُمْفَإِنْ أَسلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَواوَّ إِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَغُوَ اللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ(20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ حَقّ‏ٍ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏(21) أُولَئك الَّذِينَ حَبِطت أَعْمَلُهُمْ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ مَا لَهُم مِّن نَّصِرِينَ‏(22) أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الْكتَبِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتَبِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَ هُم مُّعْرِضونَ‏(23)

و قيل مل‏ء مشك ثور و قيل مائة ألف دينار « المقنطرة» مبنية منه للتأكيد كبدرة مبدرة « من الذهب و الفضة و الخيل المسومة» المعلمة من السومة و هي العلامة أو المرعية من أسام الدابة و سومها « و الأنعام» الإبل و الغنم و البقر « و الحرث ذلك» المذكورة « متاع الحيوة الدنيا و الله عنده حسن المآب» المرجع « قل أؤنبئكم بخير من ذلكم» المتاع الفاني « للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهرة» من الأدناس خلقا و خلقا « و رضوان من الله» و هو أصل النعم « و الله بصير بالعباد» أي بأعمالهم فيجازيهم بها « الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار» صفة المتقين أو مدح منصوب أو مرفوع « الصابرين» على الطاعة و البلاء عن المعاصي « و الصادقين و القانتين» المطيعين « و المنفقين» أموالهم في سبيل الله « و المستغفرين بالأسحار» عن الصادق (عليه‏السلام‏) من استغفر الله سبعين مرة في السحر فهو من أهل هذه الآية « شهد الله أنه لا إله إلا هو» بدلالته على وحدانيته يعجب صنعه « و الملائكة» بالإقرار بها « و أولوا العلم» به « قائما بالقسط» مقيما للعدل في أمور خلقه « لا إله إلا هو» كرر تأكيدا « العزيز الحكيم» الذي لا مغالب له و لا يخل بالعدل و هما مقرران للوحدانية و العدل و عن الباقر (عليه‏السلام‏) إن أولي العلم الأنبياء و الأوصياء « إن الدين عند الله الإسلام» أي الدين المرضي له تعالى الإسلام أو الانقياد له في جميع أوامره و نواهيه « و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب» اليهود و النصارى و أهل الكتب السالفة في دين الإسلام فأثبته قوم و خصه قوم بالعرب و نفاه قوم أو في التوحيد فثلث النصارى و قالت اليهود عزير ابن الله و قيل هم اليهود اختلفوا بعد موسى و قيل النصارى اختلفوا في أمر عيسى « إلا من بعد ما جاءهم العلم» بشرائعهم أو بعد أن علموا الحق أو تمكنوا من العلم به بالدلائل « بغيا» حسدا و طلبا للرئاسة « بينهم و من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب» وعيد لهم « فإن حاجوك» في الدين « فقل أسلمت وجهي» أخلصت نفسي « لله» عبر به عن النفس لأنه أشرف الأعضاء « و من اتبعني» عطف على التاء و حسن للفصل « و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين» من لا كتاب لهم كمشركي العرب « أ أسلمتم» بعد وضوح الحجج أم كنتم على كفركم و مثله فهل أنتم منتهون و فيه توبيخ لهم بالمعاندة « فإن أسلموا فقد اهتدوا» نفعوا أنفسهم بإخراجهم من الضلال « و إن تولوا» لم يضروك « فإنما عليك البلاغ» لا الجدال و لا الإجبار على الإسلام « و الله بصير بالعباد» تهديد لمن لا يسلم « إن الذين يكفرون بآيات الله و يقتلون النبيين بغير حق» فسر في البقرة « و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس» فيشتمل أهل الكتاب الذين قتلوا أنبياءهم و متابعيهم و من يقتل من يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر

تفسير شبر ص :88

أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الْكتَبِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتَبِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَ هُم مُّعْرِضونَ‏(23) ذَلِك بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تَمَسنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَّعْدُودَتٍوَ غَرَّهُمْ فى دِينِهِم مَّا كانُوا يَفْترُونَ‏(24) فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْب فِيهِ وَ وُفِّيَت كلُّ نَفْسٍ مَّا كسبَت وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ‏(25) قُلِ اللَّهُمَّ مَلِك الْمُلْكِ تُؤْتى الْمُلْك مَن تَشاءُ وَ تَنزِعُ الْمُلْك مِمَّن تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَن تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَن تَشاءُبِيَدِك الْخَيرُإِنَّك عَلى كلّ‏ِ شىْ‏ءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ الَّيْلَ فى النَّهَارِ وَ تُولِجُ النَّهَارَ فى الَّيْلِوَ تُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَىّ‏ِوَ تَرْزُقُ مَن تَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ‏(27) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَوَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك فَلَيْس مِنَ اللَّهِ فى شىْ‏ءٍ إِلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةًوَ يُحَذِّرُكمُ اللَّهُ نَفْسهُوَ إِلى اللَّهِ الْمَصِيرُ(28) قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فى صدُورِكمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُوَ يَعْلَمُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِوَ اللَّهُ عَلى كلّ‏ِ شىْ‏ءٍ قَدِيرٌ(29) يَوْمَ تَجِدُ كلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَت مِنْ خَيرٍ محْضراً وَ مَا عَمِلَت مِن سوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيداًوَ يُحَذِّرُكمُ اللَّهُ نَفْسهُوَ اللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ(30) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكمْ ذُنُوبَكمْوَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏(31)

« فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا» لم ينالوا المدح و الثناء و حقن الأموال و الدماء « و الآخرة» لم يستحقوا بها الأجر و الثواب « و ما لهم من ناصرين» يدفعون عنهم العذاب « أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب» التوراة أو جنس الكتب المنزلة و تنكير النصيب للتعظيم أو التحقير أريد بهم أحبار « يدعون إلى كتاب الله» القرآن أو التوراة « ليحكم بينهم» في نبوة محمد أو في أن دين إبراهيم الإسلام أو في أمر الرجم « ثم يتولى فريق منهم» استبعاد لتوليهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه « و هم معرضون» شأنهم الإعراض « ذلك» التولي و الإعراض « بأنهم قالوا» بسبب قولهم « لن تمسنا النار إلا أياما معدودات» قلائل « و غرهم في دينهم ما كانوا يفترون» من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم « فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه» تهويل لما أعد لهم في الآخرة « و وفيت كل نفس ما كسبت» جزاءه « و هم لا يظلمون» الضمير لكل نفس لأنه بمعنى كل الناس « قل اللهم مالك الملك» كله نداء ثاني أو صفته « تؤتي الملك» أي ما تشاء منه « من تشاء» و كذا « و تنزع الملك ممن تشاء» فالملك الأول عام و الآخران خاصان و قيل الملك هنا النبوة و نزعه نقلها من قوم إلى قوم « و تعز من تشاء و تذل من تشاء» في الدنيا و الدين بالنصر و الإدبار و التوفيق و الخذلان « بيدك الخير» لم يذكر الشر إيماء إلى ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيئة فمن نفسك أو لأن أفعاله تعالى بين نافع و ضار للمصالح فكلها خير « إنك على كل شي‏ء قدير تولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل» بإدخال كل منهما في الآخر بالزيادة و النقص « و تخرج الحي من الميت» المؤمن من الكافر و الحيوان من النطفة « و تخرج الميت من الحي» بالعكس « و ترزق من تشاء بغير حساب» غير محاسب له أو غير مضيق عليه « لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء» نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية « من دون المؤمنين» إشارة إلى أن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة « و من يفعل ذلك فليس من الله» من ولايته « في شي‏ء» إذ لا يجتمع موالاة متعاديين « إلا أن تتقوا منهم تقاة» تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه و خص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم و هي التقية التي تدين بها الإمامية و دلت عليه الأخبار المتواترة و قوله تعالى إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان « و يحذركم الله نفسه و إلى الله المصير» فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه و هو ترهيب بليغ « قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه» من ولاية الكفار و غيرها « يعلمه الله و يعلم ما في السموات و ما في الأرض» فيعلم سركم و علنكم « و الله على كل شي‏ء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه» بين ذلك اليوم « أمدا بعيدا» مسافة بعيدة « و يحذركم الله نفسه» ترهيب للحث على عمل الخير و ترك السوء و الأول للمنع من موالاة الكفرة فلا تكرار « و الله رءوف بالعباد» و من رأفته أن حذرهم عقابه « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله»

تفسير شبر ص :89

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكمْ ذُنُوبَكمْوَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏(31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسولَفَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يحِب الْكَفِرِينَ‏(32) إِنَّ اللَّهَ اصطفَى ءَادَمَ وَ نُوحاً وَ ءَالَ إِبْرَهِيمَ وَ ءَالَ عِمْرَنَ عَلى الْعَلَمِينَ‏(33) ذُرِّيَّةَ بَعْضهَا مِن بَعْضٍوَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ‏(34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَت عِمْرَنَ رَب إِنى نَذَرْت لَك مَا فى بَطنى مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنىإِنَّك أَنت السمِيعُ الْعَلِيمُ‏(35) فَلَمَّا وَضعَتهَا قَالَت رَب إِنى وَضعْتهَا أُنثى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضعَت وَ لَيْس الذَّكَرُ كالأُنثىوَ إِنى سمَّيْتهَا مَرْيَمَ وَ إِنى أُعِيذُهَا بِك وَ ذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيْطنِ الرَّجِيمِ‏(36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسنٍ وَ أَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسناً وَ كَفَّلَهَا زَكَرِيَّاكلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاًقَالَ يَمَرْيَمُ أَنى لَكِ هَذَاقَالَت هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ‏(37) هُنَالِك دَعَا زَكرِيَّا رَبَّهُقَالَ رَب هَب لى مِن لَّدُنك ذُرِّيَّةً طيِّبَةًإِنَّك سمِيعُ الدُّعَاءِ(38) فَنَادَتْهُ الْمَلَئكَةُ وَ هُوَ قَائمٌ يُصلى فى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشرُك بِيَحْيى مُصدِّقَا بِكلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ سيِّداً وَ حَصوراً وَ نَبِيًّا مِّنَ الصلِحِينَ‏(39) قَالَ رَب أَنى يَكُونُ لى غُلَمٌ وَ قَدْ بَلَغَنىَ الْكبَرُ وَ امْرَأَتى عَاقِرٌقَالَ كَذَلِك اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ(40) قَالَ رَب اجْعَل لى ءَايَةًقَالَ ءَايَتُك أَلا تُكلِّمَ النَّاس ثَلَثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزاًوَ اذْكُر رَّبَّك كثِيراً وَ سبِّحْ بِالْعَشىّ‏ِ وَ الابْكرِ(41)

أي لا يكون العبد محبوبا لله حتى يعمل بطاعته متبعا لحججه « و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم» قيل نزلت حين قال اليهود نحن أبناء الله و أحباؤه أو حين قال وفد نجران إنا نعبد المسيح حبا لله .

« قل أطيعوا الله و الرسول فإن تولوا» ماضي أو مضارع « فإن الله لا يحب الكافرين» لا يرضى عنهم و عدل عن الضمير إلى الظاهر للتعميم و الدلالة أن التولي كفر أو اختصاص محبته بالمؤمنين « إن الله اصطفى ءادم و نوحا و ءال إبراهيم و ءال عمران على العالمين» بالنبوة و الإمامة و العصمة و آل إبراهيم إسماعيل و إسحق و أولادهما دخل فيهم النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ، تلا الباقر (عليه‏السلام‏) هذه الآية فقال نحن منهم و نحن بقية تلك العترة و آل عمران موسى و هارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب أو عيسى و مريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود بن أيشا من ولد يهودا بن يعقوب و كان بين عمرانين ألف و ثلاثمائة سنة « ذرية بعضها من بعض» من نسل بعض « و الله سميع» للأقوال « عليم» بالنيات و الأعمال « إذ قالت امرأة عمران» بن ماثان حنة بنت فاقودا جدة عيسى و كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من هارون فظن أن المراد امرأته و يبطله كفالة زكريا لمعاصرته لابن ماثان و تزوج بنته أيشاع أم يحيى أخت مريم للأب « رب إني نذرت لك ما في بطني محررا» معتقا لخدمة بيت المقدس « فتقبل مني إنك أنت السميع» لقولي « العليم» بنيتي « فلما وضعتها» الضمير لما في بطني و أنث لأنه كان أنثى أو لتأويله بالنفس أو النسمة « قالت» تحسرا إذ كانت ترجو ذكرا « رب إني وضعتها أنثى و الله أعلم بما وضعت» اعتراض و هو قول الله و قرى‏ء على التكلم فيكون كلامها تسلية لنفسها « و ليس الذكر كالأنثى» في الخدمة و اللام للعهد و إن كان من قولها فللجنس أي و ليس الذكر كالأنثى فيما نذرت « و إني سميتها مريم» و هي في لغتهم بمعنى العابدة « و إني أعيذها» أجيرها « بك و ذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها» رضي بها في النذر مكان الذكر « بقبول حسن» بوجه حسن يقبل به النذور « و أنبتها نباتا حسنا» رباها تربية حسنة بما يصلحها في جميع أحوالها « و كفلها» أي الله جعل كفيلها « زكريا» و قرى‏ء بالتخفيف و كان زوج أختها « كلما دخل عليها زكريا المحراب» الصومعة التي بناها لها أو المسجد أو أشرف مواضعه سمي به لأنه محل محاربة الشيطان « وجد عندها رزقا» فاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء « قال يا مريم أنى» من أين « لك هذا قالت هو من عند الله» قيل تكلمت صغيرة كعيسى و ما رضعت قط و كان رزقها يأتيها من الجنة كرامة لها « إن الله يرزق من يشاء بغير حساب» بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا « هنالك» في ذلك المكان

تفسير شبر ص :90

قَالَ رَب اجْعَل لى ءَايَةًقَالَ ءَايَتُك أَلا تُكلِّمَ النَّاس ثَلَثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزاًوَ اذْكُر رَّبَّك كثِيراً وَ سبِّحْ بِالْعَشىّ‏ِ وَ الابْكرِ(41) وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكةُ يَمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطفَاكِ وَ طهَّرَكِ وَ اصطفَاكِ عَلى نِساءِ الْعَلَمِينَ‏(42) يَمَرْيَمُ اقْنُتى لِرَبِّكِ وَ اسجُدِى وَ ارْكَعِى مَعَ الرَّكِعِينَ‏(43) ذَلِك مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكوَ مَا كُنت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ مَا كنت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏(44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكَةُ يَمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشرُكِ بِكلِمَةٍ مِّنْهُ اسمُهُ الْمَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏(45) وَ يُكلِّمُ النَّاس فى الْمَهْدِ وَ كهْلاً وَ مِنَ الصلِحِينَ‏(46) قَالَت رَب أَنى يَكُونُ لى وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسسنى بَشرٌقَالَ كذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُإِذَا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏(47) وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتَب وَ الْحِكمَةَ وَ التَّوْرَاةَ وَ الانجِيلَ‏(48) وَ رَسولاً إِلى بَنى إِسرءِيلَ أَنى قَدْ جِئْتُكُم بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكمْأَنى أَخْلُقُ لَكم مِّنَ الطينِ كَهَيْئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طيرَا بِإِذْنِ اللَّهِوَ أُبْرِئُ الأَكمَهَ وَ الأَبْرَص وَ أُحْىِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِوَ أُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكلُونَ وَ مَا تَدَّخِرُونَ فى بُيُوتِكمْإِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏(49) وَ مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَ لأُحِلَّ لَكم بَعْض الَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكمْوَ جِئْتُكم بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ‏(50)

أو الوقت « دعا زكريا ربه» لما رأى كرامة مريم على الله « قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة» كما وهبتها لحنة العاقر العجوز أو لما رأى الفاكهة في غير وقتها طمع في ولادة العاقر يسأل الولد « إنك سميع الدعاء» مجيبه « فنادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب أن» أي بأن « الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله» أي بعيسى لأنه وجد بقوله تعالى كن من غير أب « و سيدا» رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته « و حصورا» لا يأتي النساء « و نبيا من الصالحين قال رب أنى يكون لي غلام» تعجبا « و قد بلغني الكبر» أدركني كبر السن و أضعفني و كان له تسع و تسعون سنة و لامرأته ثمان و تسعون « و امرأتي عاقر» لا تلد « قال كذلك» مثل خلق الولد من الهرمين « الله يفعل ما يشاء قال رب اجعل لي آية» علامة لوقت الحمل لأتلقاه بالشكر أو أعلم بها أن ذلك البشارة منك « قال ءايتك ألا تكلم الناس» لا تقدر على تكليمهم « ثلاثة أيام» بلياليهن « إلا رمزا» إشارة كان يومى‏ء برأسه « و اذكر ربك كثيرا» في أيام المنع و فيه تأكيد لما قبله « و سبح بالعشي» من الزوال إلى الغروب « و الإبكار» من الفجر إلى الضحى « و إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك» أولا حين تقبلك من أمك رباك و أكرمك برزق الجنة « و طهرك» مما يستقذر من النساء أو من السفاح « و اصطفاك» آخرا بالهداية و تكليم الملائكة و الولد بلا أب « على نساء العالمين» عالمي زمانك و فاطمة سيدة نساء العالمين مطلقا « يا مريم اقنتي لربك و اسجدي و اركعي» أمرت بالصلوات بذكر أركانها « مع الراكعين» أي في الجماعة أو مع من يركع في صلاته لا مع من لا يركع « ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك» أي ما سبق من الغيوب التي لا تعرف إلا بالوحي « و ما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم» التي كانوا يكتبون بها التوراة للإقراع أو قداحهم ليعلموا « أيهم يكفل مريم و ما كنت لديهم إذ يختصمون» تنافسا في كفالتها « إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح» في لغتهم مسيحا لأنه معناه المبارك « عيسى ابن مريم وجيها» حال من كلمة سوغه وصفها « في الدنيا» بالنبوة « و الآخرة» بالشفاعة « و من المقربين» من الله « و يكلم الناس في المهد و كهلا» من غير تفاوت في الحالين بكلام الله قيل رفع شابا فالمراد كهلا بعد نزوله و ذكر تقلب أحواله دليل على نفي إلهيته « و من الصالحين» حال رابع من كلمة « قالت رب أنى يكون لي ولد و لم يمسسني بشر» تعجب أو استفهام « قال» جبرائيل أو الله و هو المبلغ « كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون» قادر

تفسير شبر ص :91

وَ مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَ لأُحِلَّ لَكم بَعْض الَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكمْوَ جِئْتُكم بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ‏(50) إِنَّ اللَّهَ رَبى وَ رَبُّكمْ فَاعْبُدُوهُهَذَا صرَاطٌ مُّستَقِيمٌ‏(51) فَلَمَّا أَحَس عِيسى مِنهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصارِى إِلى اللَّهِقَالَ الْحَوَارِيُّونَ نحْنُ أَنصارُ اللَّهِ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ اشهَدْ بِأَنَّا مُسلِمُونَ‏(52) رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنزَلْت وَ اتَّبَعْنَا الرَّسولَ فَاكتُبْنَا مَعَ الشهِدِينَ‏(53) وَ مَكرُوا وَ مَكرَ اللَّهُوَ اللَّهُ خَيرُ الْمَكِرِينَ‏(54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَعِيسى إِنى مُتَوَفِّيك وَ رَافِعُك إِلىَّ وَ مُطهِّرُك مِنَ الَّذِينَ كفَرُوا وَ جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوك فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِثُمَّ إِلىَّ مَرْجِعُكمْ فَأَحْكمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏(55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شدِيداً فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ مَا لَهُم مِّن نَّصرِينَ‏(56) وَ أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْوَ اللَّهُ لا يُحِب الظلِمِينَ‏(57) ذَلِك نَتْلُوهُ عَلَيْك مِنَ الاَيَتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏(58) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَخَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏(59) الْحَقُّ مِن رَّبِّك فَلا تَكُن مِّنَ الْمُمْترِينَ‏(60) فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكمْ وَ نِساءَنَا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنفُسنَا وَ أَنفُسكُمْ ثُمَّ نَبْتهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَت اللَّهِ عَلى الْكذِبِينَ‏(61)

أن يخلق الأشياء بلا أسباب كما خلقها بأسباب « و يعلمه الكتاب» الكتابة أو جنس الكتب المنزلة « و الحكمة و التوراة و الإنجيل» خصا لفضلهما « و رسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم» أي بقبول أرسلت رسولا « أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه» الضمير للكاف بمعنى مثل « فيكون طيرا بإذن الله» و أمره إشارة إلى أن إحياءه من الله لا منه « و أبرى‏ء الأكمه» الذي ولد أعمى « و الأبرص» قيل ربما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق أتاه و من لم يطق أتاه عيسى و ما يداوي إلا بالدعاء « و أحيي الموتى» و ممن أحيا سام بن نوح « بإذن الله» كرر لدفع توهم الألوهية « و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم» أي بالمغيبات من أحوالكم « إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين» مصدقين بالمعجزات « و مصدقا لما بين يدي من التوراة» أي و جئتكم مصدقا « و لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم» في شريعة موسى كلحم الإبل و الشحوم و الثرب و بعض الطير و السمك « و جئتكم بآية من ربكم» ذكر ذلك أولا تمهيدا للحجة ثم كرره بعد ذكر الحجة تذكيرا يترتب عليه « فاتقوا الله و أطيعون إن الله ربي و ربكم فاعبدوه» إشارة إلى العلم و العمل « هذا» أي الجمع بين الأمرين « صراط مستقيم» موصل إلى النجاة « فلما أحس عيسى منهم الكفر» لما سمع و رأى أنهم يكفرون و علم ذلك منهم كعلم ما يدرك بالحواس « قال من أنصاري إلى الله» الجار متعلق بأنصاري أي من يضيف نفسه إلى الله في نصري « قال الحواريون» حواري الرجل خالصته من الحور و هو البياض الخالص لنقاء قلوبهم و خلوص نيتهم « نحن أنصار الله» أنصار دينه و رسوله « ءامنا بالله و اشهد بأنا مسلمون» استشهدوه لأن الرسل يوم القيامة يشهدون لقومهم و عليهم « ربنا ءامنا بما أنزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين» بالوحدانية أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع أمة محمد لقوله لتكونوا شهداء على الناس « و مكروا» أي اليهود الذين أحس منهم الكفر بتوكيلهم من يقتله غيلة « و مكر الله» برفعه عيسى و إلقاء شبهة على من أراد اغتياله حتى قتل و أسند المكر إليه تعالى للمقابلة « و الله خير الماكرين» أنفذهم كيدا « إذ قال الله» ظرف خبر الماكرين أو لمكر الله « يا عيسى إني متوفيك» مستوفي أجلك و عاصمك من قتلهم إلى أجلك المسمى أو متسلمك من الأرض أو قابضك إلى غير موت « و رافعك إلي» إلى سمائي و مقر ملائكتي « و مطهرك من الذين كفروا» من سوء جوارهم « و جاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة» يعلونهم بالحجة و السيف في أكثر الأحوال و متبعوه هم المسلمون دون من كذبه و كذب عليه من اليهود

تفسير شبر ص :92

فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكمْ وَ نِساءَنَا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنفُسنَا وَ أَنفُسكُمْ ثُمَّ نَبْتهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَت اللَّهِ عَلى الْكذِبِينَ‏(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصص الْحَقُّوَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُوَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏(62) فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِالْمُفْسِدِينَ‏(63) قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ تَعَالَوْا إِلى كلِمَةٍ سوَاءِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَ لا نُشرِك بِهِ شيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِفَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشهَدُوا بِأَنَّا مُسلِمُونَ‏(64) يَأَهْلَ الْكتَبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فى إِبْرَهِيمَ وَ مَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَ الانجِيلُ إِلا مِن بَعْدِهِأَ فَلا تَعْقِلُونَ‏(65) هَأَنتُمْ هَؤُلاءِ حَجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْس لَكُم بِهِ عِلْمٌوَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏(66) مَا كانَ إِبْرَهِيمُ يهُودِيًّا وَ لا نَصرَانِيًّا وَ لَكِن كانَ حَنِيفاً مُّسلِماً وَ مَا كانَ مِنَ الْمُشرِكِينَ‏(67) إِنَّ أَوْلى النَّاسِ بِإِبْرَهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَذَا النَّبىُّ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواوَ اللَّهُ وَلىُّ الْمُؤْمِنِينَ‏(68) وَدَّت طائفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَوْ يُضِلُّونَكمْ وَ مَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسهُمْ وَ مَا يَشعُرُونَ‏(69) يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ أَنتُمْ تَشهَدُونَ‏(70) يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَلْبِسونَ الْحَقَّ بِالْبَطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏(71) وَ قَالَت طائفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ ءَامِنُوا بِالَّذِى أُنزِلَ عَلى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَ اكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏(72)

و النصارى « ثم إلي مرجعكم» أي عيسى و من تبعه و كفر به « فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون» في أمر الدين « فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا و الآخرة و ما لهم من ناصرين و أما الذين ءامنوا و عملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم» تفصيل للحكم و قرى‏ء يوفيهم بالياء و الباقون بالنون « و الله لا يحب الظالمين» لا يرضى عنهم « ذلك» المذكور من نبأ موسى و غيره « نتلوه عليك من الآيات و الذكر الحكيم» القرآن الناطق بالحكمة أو المحكم أو اللوح المحفوظ « إن مثل عيسى» في الخلقة من غير أب « عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب» من غير أب و لا أم ، شبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم « ثم قال له كن فيكون» حكاية حال ماضية « الحق» خبر محذوف أي هذا أو هو أو مبتدأ خبره « من ربك فلا تكن من الممترين» نهيه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من باب التهيج لزيادة اليقين أو من باب إياك أعني « فمن حاجك» من النصارى « فيه» في عيسى « من بعد ما جاءك من العلم» بأنه عبد الله و رسوله « فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم» أي يدعو كل منا و منكم أبناءه و نساءه و من هو كنفسه إلى المباهلة « ثم نبتهل» نباهل بأن نلعن الكاذب منا و البهلة بالفتح و الضم اللعنة « فنجعل لعنة الله على الكاذبين» دعاهم إلى الشهادتين و أن عيسى عبد مخلوق يأكل و يشرب و يحدث فأبوا فقال فليحضر كل منا و منكم نفسه و أعزة أهله فندعوا على الكاذب من الفريقين فقبلوا فأتى (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بأمير المؤمنين و فاطمة و الحسنين (عليهم‏السلام‏) فخافوا و لم يرضوا و رضوا بالجزية و انصرفوا « إن هذا» الذي قص من نبإ عيسى « لهو القصص» النبأ « الحق و ما من إله إلا الله» رد على النصارى في تثليثهم « و إن الله لهو العزيز الحكيم» لا يشارك في الحكمة و القدرة « فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين» وعيد لهم و لم يقل بهم ليدل على أن الإعراض عن الحجج و التوحيد إفساد للدين بل للعالم « قل يا أهل الكتاب» يعم أهل الكتابين أو نصارى نجران أو يهود بالمدينة « تعالوا إلى كلمة سواء» مستوية « بيننا و بينكم» لا نخلف فيها الرسل و الكتب و هي « ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا» في عبادة و غيرها « و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله» لا نقول عزير ابن الله و لا المسيح ابن الله و لا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحليل و التحريم إذ من أصغى إلى ناطق فقد عبده « فإن تولوا» عن التوحيد « فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم « يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم» ادعى كل من اليهود و النصارى أنه منهم « و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده أ فلا تعقلون» و كان إبراهيم قبل موسى بألف سنة و قبل عيسى بألفين فكيف يكون على اليهودية و النصرانية « ها» للتنبيه « أنتم هؤلاء حاججتم» جادلتم « فيما لكم به علم» مما في التوراة و الإنجيل « فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم»

تفسير شبر ص :93

وَ قَالَت طائفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ ءَامِنُوا بِالَّذِى أُنزِلَ عَلى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَ اكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏(72) وَ لا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَن تَبِعَ دِينَكمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكمْ عِندَ رَبِّكُمْقُلْ إِنَّ الْفَضلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُوَ اللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ‏(73) يَخْتَص بِرَحْمَتِهِ مَن يَشاءُوَ اللَّهُ ذُو الْفَضلِ الْعَظِيمِ‏(74) وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك وَ مِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائماًذَلِك بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْس عَلَيْنَا فى الأُمِّيِّينَ سبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلى اللَّهِ الْكَذِب وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏(75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَ اتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِب الْمُتَّقِينَ‏(76) إِنَّ الَّذِينَ يَشترُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمَنهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئك لا خَلَقَ لَهُمْ فى الاَخِرَةِ وَ لا يُكلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنظرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ لا يُزَكيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏(77) وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُنَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَبِ لِتَحْسبُوهُ مِنَ الْكتَبِ وَ مَا هُوَ مِنَ الْكِتَبِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَ مَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَ يَقُولُونَ عَلى اللَّهِ الْكَذِب وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏(78) مَا كانَ لِبَشرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَب وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لى مِن دُونِ اللَّهِ وَ لَكِن كُونُوا رَبَّنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَب وَ بِمَا كُنتُمْ تَدْرُسونَ‏(79)

و لا ذكر في كتابيكم من دين إبراهيم « و الله يعلم» ذلك « و أنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا» مائلا عن الأديان الباطلة « مسلما» مخلصا لله « و ما كان من المشركين» فيه تعريض بشركهم .

« إن أولى الناس بإبراهيم» أخصهم به و أقربهم منه « للذين اتبعوه» سابقا « و هذا النبي و الذين ءامنوا» معه لموافقتهم له في أكثر شريعته أصالة « و الله ولي المؤمنين» ناصرهم « ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم» قيل هم اليهود دعوا حذيفة و عمار و معاذ إلى اليهودية و لو بمعنى أن « و ما يضلون إلا أنفسهم» لا يلحق وبال ضلالهم إلا بهم إذ يضاعف به عذابهم « و ما يشعرون» بذلك « يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله» في كتبكم الناطقة بنبوة محمد « و أنتم تشهدون» بصدقها « يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل» تخلطونه بالتحريف « و تكتمون الحق» من نبوة محمد « و أنتم تعلمون و قالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا» أظهروا الإيمان بالقرآن « وجه النهار» أوله « و اكفروا» به « ءاخره لعلهم يرجعون» في دينهم لذلك و يرجعون عنه « و لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم» أي لا تصدقوا إلا لأهل دينكم أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم فإنهم أرجى رجوعا « قل إن الهدى هدى الله» يوفق من يشاء للإسلام و يثبته عليه « أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم» يتعلق بلا تؤمنوا أي لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم و لا تفشوه للمسلمين لئلا يزيدهم ثباتا و لا للمشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام أو بمحذوف أي قلتم ذلك و دبرتموه لأن يؤتى يعني دعاكم الحسد إلى ذلك و يؤيده قراءته أن يؤتى على الاستفهام للتوبيخ أي لأن يؤتى دبرتم كذا و قوله « إن الهدى هدى الله» اعتراض حتى « أو يحاجوكم» به « عند ربكم» فيقطعوكم و الواو لأحد لأنه في معنى الجمع « قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم» فلا هداية و لا توفيق إلا من لطفه « و من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك» كعبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا و مائتي أوقية ذهبا فأداه إليه « و منهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك» كفنحاص بن عازورا استودعه قرشي دينارا فجحده « إلا ما دمت عليه قائما» تطالبه بالعنف « ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين» في مال من ليس من أهل الكتاب « سبيل» عقاب و ذم « و يقولون على الله الكذب» بما ادعوا « و هم يعلمون» كذبهم « بلى» عليهم فيهم سبيل « من أوفى بعده و اتقى فإن الله يحب المتقين» استئناف مقرر لما نابته بلى ، و الضمير في بعده لله أو لمن و عموم المتقين باب العائد من

تفسير شبر ص :94

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا المَْلَئكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْبَاباًأَ يَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسلِمُونَ‏(80) وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكم مِّن كتَبٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكمْ رَسولٌ مُّصدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنصرُنَّهُقَالَ ءَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذَلِكُمْ إِصرِىقَالُوا أَقْرَرْنَاقَالَ فَاشهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُم مِّنَ الشهِدِينَ‏(81) فَمَن تَوَلى بَعْدَ ذَلِك فَأُولَئك هُمُ الْفَسِقُونَ‏(82) أَ فَغَيرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسلَمَ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ طوْعاً وَ كرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏(83) قُلْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ مَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَ مَا أُنزِلَ عَلى إِبْرَهِيمَ وَ إِسمَعِيلَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب وَ الأَسبَاطِ وَ مَا أُوتىَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسلِمُونَ‏(84) وَ مَن يَبْتَغ غَيرَ الاسلَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فى الاَخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ‏(85) كَيْف يَهْدِى اللَّهُ قَوْماً كفَرُوا بَعْدَ إِيمَنهِمْ وَ شهِدُوا أَنَّ الرَّسولَ حَقٌّ وَ جَاءَهُمُ الْبَيِّنَتوَ اللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ‏(86) أُولَئك جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلَئكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏(87) خَلِدِينَ فِيهَا لا يخَفَّف عَنْهُمُ الْعَذَاب وَ لا هُمْ يُنظرُونَ‏(88) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِك وَ أَصلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏(89)

الجزاء إلى من و أقيم مقام الضمير إشارة إلى العلة و اعتناء بالتقوى و هي أداء الواجبات و ترك المحرمات « إن الذين يشترون بعهد الله» من الإيمان بالرسول و الوفاء بالأمانات « و أيمانهم» و بما حلفوا به من قولهم و الله لنؤمنن به و لننصرنه « ثمنا قليلا» عرض الدنيا « أولئك لا خلاق» لا نصيب « لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله» بكلام خير « و لا ينظر إليهم يوم القيامة» لا يصيبهم بخير « و لا يزكيهم» و لا يثني عليهم « و لهم عذاب أليم» على فعلهم قيل نزلت في أحبار كتموا أمر محمد و حرفوا التوراة للرشوة أو في رجل حلف كاذبا في إنفاق سلعة « و إن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب» يفتلونها بتلاوته عن المنزل إلى المحرف « لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون» تأكيد و تسجيل بتعمد الكذب على الله « ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله» تكذيب لعبده عيسى « و لكن» يقول « كونوا ربانيين» الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف و النون و هو الكامل علما و عملا « بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون» تقرءون أي بسبب كونكم معلمين الكتاب و بكونكم دارسين إذ ثمرة التعليم و التعلم كسب العلم و العمل « و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا أ يأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون» إنكار ، و الضمير المستتر للبشر أو الله « و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه» أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا أن يبشروا أممهم به و يأمروهم بتصديقه و نصره أو أخذ على الأنبياء و أممهم بذلك و استغنى بذكرهم عن الأمم ، و عن الصادق (عليه‏السلام‏) معناه أخذ ميثاق أممهم بالعمل بما أتوا به فما وفوا « قال أ أقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا» فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار « و أنا معكم من الشاهدين» عليكم و على أممكم و هو تحذير بليغ « فمن تولى بعد ذلك» الميثاق « فأولئك هم الفاسقون» « أ فغير دين الله يبغون» و قرى‏ء بتاء الخطاب و قدم المفعول لتوجه الإنكار إليه « و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها» طائعين بالنظر إلى الحجج و كارهين بالسيف « و إليه يرجعون» بالتاء و الياء « قل ءامنا بالله و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسمعيل و إسحق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم»

تفسير شبر ص :95

إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِك وَ أَصلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏(89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَنِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولَئك هُمُ الضالُّونَ‏(90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ مَاتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْ‏ءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدَى بِهِأُولَئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَ مَا لَهُم مِّن نَّصِرِينَ‏(91) لَن تَنَالُوا الْبرَّ حَتى تُنفِقُوا مِمَّا تحِبُّونَوَ مَا تُنفِقُوا مِن شىْ‏ءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ‏(92) كلُّ الطعَامِ كانَ حِلاًّ لِّبَنى إِسرءِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسرءِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنزَّلَ التَّوْرَاةُقُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صدِقِينَ‏(93) فَمَنِ افْترَى عَلى اللَّهِ الكَذِب مِن بَعْدِ ذَلِك فَأُولَئك هُمُ الظلِمُونَ‏(94) قُلْ صدَقَ اللَّهُفَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفاً وَ مَا كانَ مِنَ المُْشرِكِينَ‏(95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَ هُدًى لِّلْعَلَمِينَ‏(96) فِيهِ ءَايَت بَيِّنَتٌ مَّقَامُ إِبْرَهِيمَوَ مَن دَخَلَهُ كانَ ءَامِناًوَ للَّهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استَطاعَ إِلَيْهِ سبِيلاًوَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنىٌّ عَنِ الْعَلَمِينَ‏(97) قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ‏(98) قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونهَا عِوَجاً وَ أَنتُمْ شهَدَاءُوَ مَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏(99)

بالتصديق و التكذيب « و نحن له مسلمون» منقادون موحدون « و من يبتغ غير الإسلام» غير الانقياد لله و توحيده « دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم و شهدوا أن الرسول حق و جاءهم البينات» أي كيف يلطف بهم و قد علم تصميمهم على الكفر « و الله لا يهدي القوم الظالمين» لا يلطف بهم لعنادهم « أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين خالدين فيها» في اللعنة أو العقوبة « لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك» الارتداد « و أصلحوا» ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح « فإن الله غفور رحيم» قيل نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه سلوا هل لي من توبة فأرسلوا إليه بالآية فأتى المدينة فتاب « إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا» هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد أو بمحمد بإيمانهم به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم و طعنهم فيه و صدهم عن الإيمان « لن تقبل توبتهم» لنفاقهم فيها ، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند المعاينة « و أولئك هم الضالون إن الذين كفروا و ماتوا و هم كفار فلن يقبل من أحدهم مل‏ء الأرض ذهبا» جي‏ء بالفاء إشعارا بأن سبب امتناع قبول الفدية الموت على الكفر « و لو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم و ما لهم من ناصرين» قيل التقدير فلن يقبل من أحدهم فدية و لو افتدى بمل‏ء الأرض ذهبا أو لو افتدى بمثله أي معه و كثر حذف المثل إذ المثلين كشي‏ء واحد « لن تنالوا البر» رحمة الله و رضوانه و لن تبلغوا كمال البر و لن تكونوا أبرارا « حتى تنفقوا مما تحبون» من المال و الجاه و النفس و عنهم (عليهم‏السلام‏) ما تحبون « و ما تنفقوا من شي‏ء» طيب أو خبيث « فإن الله به عليم كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل» يعقوب « على نفسه» و هو لحم الإبل « من قبل أن تنزل التوراة» فما حرم عليهم بعد نزولها كان لظلمهم و بغيهم « قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين» أن تحريم الطيبات كان قديما « فمن افترى على الله الكذب» بزعمه أن تحريم ذلك قديم « من بعد ذلك» بعد لزوم الحجة « فأولئك هم الظالمون» بمكابرة الحق الواضح « قل صدق الله» و أنتم الكاذبون « فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين» تعريض بشركهم « إن أول بيت وضع للناس» ليكون متعبدا لهم « للذي ببكة» لغة في مكة و قيل موضع المسجد و مكة البلد من البك أي الزحم أو الدق للازدحام فيها و دقها أعناق العتاة و عنه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أول مسجد وضع المسجد الحرام ثم بيت المقدس ، و عن علي (عليه‏السلام‏) كان قبله بيوت و لكنه أول بيت وضع للعبادة « مباركا» كثير الخير و النفع « و هدى للعالمين» لأنه قبلتهم و متعبدهم « فيه آيات بينات» لقهره لمن تعرض له بسوء « مقام إبراهيم»

تفسير شبر ص :96

قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونهَا عِوَجاً وَ أَنتُمْ شهَدَاءُوَ مَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏(99) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ كَفِرِينَ‏(100) وَ كَيْف تَكْفُرُونَ وَ أَنتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ ءَايَت اللَّهِ وَ فِيكمْ رَسولُهُوَ مَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِى إِلى صرَطٍ مُّستَقِيمٍ‏(101) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تمُوتُنَّ إِلا وَ أَنتُم مُّسلِمُونَ‏(102) وَ اعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُواوَ اذْكُرُوا نِعْمَت اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّف بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنتُمْ عَلى شفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنهَاكَذَلِك يُبَينُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَتِهِ لَعَلَّكمْ تهْتَدُونَ‏(103) وَ لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الخَْيرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالمَْعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَ أُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏(104) وَ لا تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَتوَ أُولَئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏(105) يَوْمَ تَبْيَض وُجُوهٌ وَ تَسوَدُّ وُجُوهٌفَأَمَّا الَّذِينَ اسوَدَّت وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ‏(106) وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضت وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ‏(107) تِلْك ءَايَت اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقّ‏ِوَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظلْماً لِّلْعَلَمِينَ‏(108) وَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِوَ إِلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(109)

أي منها المقام لتأثير قدميه في الحجر و منها الحجر الأسود و منها منزل إسمعيل « و من دخله كان ءامنا» في الآخرة من النار ، أو أمر ليؤمن من دخله جانيا خارجه و لا يتعرض له و لكن يلجأ إلى الخروج « و لله على الناس حج البيت» أي الحج و العمرة جميعا « من استطاع إليه سبيلا» بأن يكون صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد و راحلة « و من كفر» ترك و هو مستطيع « فإن الله غني عن العالمين» أكد أمر الحج بإيجابه بصيغة الخبر و الجملة الإسمية و إيراده على وجه يفيد أنه حق لله في رقاب الناس و تخصيص الحكم بعد تعميمه و هو تكرير للمراد و بيان بعد إبهام و تغليظ تركه بتسميته كفرا كما سمي تاركه في الخبر يهوديا أو نصرانيا و ذكر الاستغناء الدال على المقت و السخط و إبدال عن عنه بعن العالمين « قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله» الدالة على صدق محمد « و الله شهيد على ما تعلمون» فيجازيكم بها « قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن و تبغونها عوجا» حال من الواو ، أي طالبين لها اعوجاجا بتلبيسكم على الناس لتوهموا أن فيه عوجا أو بإغوائكم بين المؤمنين ليختل أمر دينهم « و أنتم شهداء» أنها سبيل الله و الصاد عنها ضال « و ما الله بغافل عما تعملون» وعيد لهم « يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين» كما حكى الله عنهم ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد إيمانكم كفارا « و كيف تكفرون و أنتم تتلى عليكم ءايات الله و فيكم رسوله» استبعاد لكفرهم حال وجود ما يدعوهم إلى الإيمان و يصرفهم عن الكفر « و من يعتصم بالله» يتمسك بدينه « فقد هدي إلى صراط مستقيم» جي‏ء بالماضي لتحقق وقوعه « يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته» عن الصادق (عليه‏السلام‏) ، هو أن يطاع فلا يعصى و يذكر فلا ينسى و يشكر فلا يكفر « و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون» لا تكونوا على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت و قرى‏ء بالتشديد أي منقادون للرسول ثم الإمام من بعده « و اعتصموا بحبل الله» بدينه أو كتابه و عنهم (عليهم‏السلام‏) نحن حبل الله و روي القرآن و الولاية فإنهما « جميعا» لا يفترقان « و لا تفرقوا» عن الحق تفرق أهل الكتاب باختلافهم « و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم» بالإسلام « فأصبحتم بنعمته إخوانا» متواصلين متحابين في الله « و كنتم على شفا حفرة من النار» مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم « فأنقذكم منها» بمحمد و بالإسلام « كذلك يبين الله لكم آياته» للناس « لعلكم تهتدون» لكي تثبتوا على الهدى أو تزادوه « و لتكن منكم» بعضكم و هو خاص غير عام يدل على أنهما كفائيان « أمة» و قرى‏ء أئمة « يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر» روي : أنما يجب على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر « و أولئك هم المفلحون» الأحقاء بالفلاح « و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا» في الدين كاليهود و النصارى

تفسير شبر ص :97

تِلْك ءَايَت اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقّ‏ِوَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظلْماً لِّلْعَلَمِينَ‏(108) وَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِوَ إِلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(109) كُنتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِوَ لَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكتَبِ لَكانَ خَيراً لَّهُممِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكثرُهُمُ الْفَسِقُونَ‏(110) لَن يَضرُّوكمْ إِلا أَذًىوَ إِن يُقَتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصرُونَ‏(111) ضرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَ بَاءُو بِغَضبٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ضرِبَت عَلَيهِمُ الْمَسكَنَةُذَلِك بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ‏ٍذَلِك بِمَا عَصوا وَّ كانُوا يَعْتَدُونَ‏(112) لَيْسوا سوَاءًمِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ أُمَّةٌ قَائمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَتِ اللَّهِ ءَانَاءَ الَّيْلِ وَ هُمْ يَسجُدُونَ‏(113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسرِعُونَ فى الْخَيرَتِ وَ أُولَئك مِنَ الصلِحِينَ‏(114) وَ مَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيرٍ فَلَن يُكفَرُوهُوَ اللَّهُ عَلِيمُ بِالْمُتَّقِينَ‏(115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنىَ عَنْهُمْ أَمْوَلُهُمْ وَ لا أَوْلَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شيْئاًوَ أُولَئك أَصحَب النَّارِهُمْ فِيهَا خَلِدُونَ‏(116) مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فى هَذِهِ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صرٌّ أَصابَت حَرْث قَوْمٍ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَأَهْلَكتْهُوَ مَا ظلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لَكِنْ أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ‏(117)

« من بعد ما جاءهم البينات» الدلائل الموجبة للاتفاق على الحق « و أولئك لهم عذاب عظيم» وعيد للمتفرقين « يوم تبيض وجوه» من النور « و تسود وجوه» من الظلمة أو يوسم أهل الحق ببياض الوجه و الصحيفة و شق النور بين يديه و بيمينه و أهل الباطل بضد ذلك « فأما الذين اسودت وجوههم» فيقال لهم « أ كفرتم بعد إيمانكم» توبيخ أو تعجب من حالهم و هم المرتدون أو أهل البدع أو أهل الكتاب كفروا بالنبي بعد إيمانهم به قبل مبعثه أو جميع الكفار كفروا بعد إقرارهم في عالم الذر أو تمكنوا من الإيمان بالنظر إلى الحجج « فذوقوا العذاب» أمر إهانة « بما كنتم تكفرون» بسبب كفركم « و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله» ثوابه الدائم « هم فيها خالدون تلك ءايات الله» المتضمنة للوعد و الوعيد « نتلوها عليك» متلبسة « بالحق و ما الله يريد ظلما للعالمين» لأحد من خلقه إذ لا يظلم إلا جاهل أو محتاج و هو منزه عن ذلك و بين غناه بقوله « و لله ما في السموات و ما في الأرض» ملكا و خلقا « و إلى الله ترجع الأمور» فيجازي كلا بما يستحقه « كنتم خير أمة» هم آل محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و قرى‏ء كنتم خير أئمة « أخرجت» أظهرت « للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله» تضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به « و لو ءامن أهل الكتاب» إيمانا يعتد به « لكان خيرا لهم» مما هم عليه « منهم المؤمنون» كعبد الله بن سلام و أضرابه « و أكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى» ضررا يسيرا كطعن و وعيد « و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار» منهزمين و لا يضروكم بقتل و لا أسر « ثم لا ينصرون» عليكم « ضربت عليهم الذلة» فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله « أينما ثقفوا» وجدوا « إلا بحبل من الله و حبل من الناس» استثناء من أعم الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين بذمة الله و ذمة المسلمين « و باءو» رجعوا « بغضب من الله و ضربت عليهم المسكنة» فاليهود غالبا فقراء مساكين « ذلك» الضرب و البوء « بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله و يقتلون الأنبياء بغير حق» ذلك الكفر و القتل « بما عصوا و كانوا يعتدون» حدود الله مع الكفر و القتل و يفيد خطابهم بالفروع « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة» مستقيمة عادلة بيان لنفي استوائهم « يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون» عبر عن تهجدهم بالتلاوة و السجود لأنه أبلغ في المدح أو أريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها « يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين» الذين صلحت أحوالهم عند الله « و ما يفعلوا من خير فلن يكفروه» لن تنقصوا ثوابه و قرى‏ء بالباء « و الله عليم بالمتقين إن الذين كفروا لن تغني» لن تدفع « عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله» عذابه

تفسير شبر ص :98

مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فى هَذِهِ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صرٌّ أَصابَت حَرْث قَوْمٍ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَأَهْلَكتْهُوَ مَا ظلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لَكِنْ أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ‏(117) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْوَهِهِمْ وَ مَا تُخْفِى صدُورُهُمْ أَكْبرُقَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاَيَتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ‏(118) هَأَنتُمْ أُولاءِ تحِبُّونهُمْ وَ لا يحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتَبِ كلِّهِ وَ إِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْا عَضوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِقُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْإِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(119) إِن تمْسسكُمْ حَسنَةٌ تَسؤْهُمْ وَ إِن تُصِبْكُمْ سيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَاوَ إِن تَصبرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضرُّكمْ كَيْدُهُمْ شيْئاًإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ محِيطٌ(120) وَ إِذْ غَدَوْت مِنْ أَهْلِك تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَعِدَ لِلْقِتَالِوَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ‏(121) إِذْ هَمَّت طائفَتَانِ مِنكمْ أَن تَفْشلا وَ اللَّهُ وَلِيهُمَاوَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ‏(122) وَ لَقَدْ نَصرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنتُمْ أَذِلَّةٌفَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ‏(123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَثَةِ ءَالَفٍ مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُنزَلِينَ‏(124) بَلىإِن تَصبرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بخَمْسةِ ءَالَفٍ مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُسوِّمِينَ‏(125) وَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشرَى لَكُمْ وَ لِتَطمَئنَّ قُلُوبُكُم بِهِوَ مَا النَّصرُ إِلا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحَْكِيمِ‏(126)

« شيئا و أولئك أصحاب النار» و ملازموها « هم فيها خالدون مثل ما ينفقون» سمعة أو قربة أو في عداوة الرسول « في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر» برد شديد « أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم» بالمعاصي « فأهلكته» شبه ما أنفقوا في ضياعه بحرث عصاة أهلكه البرد فذهب حطاما و هو من التشبيه المركب « و ما ظلمهم الله» بضياع نفقاتهم « و لكن أنفسهم يظلمون» حيث لم يأتوا بها خالصة « يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة» هو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به مشبه ببطانة الثوب « من دونكم» كائنة من غير المسلمين أو متعلق بلا تتخذوا « لا يألونكم خبالا» لا يقصرون في الفساد و الإلواء التقصير « ودوا ما عنتم» تمنوا ضرركم و مشقتكم « قد بدت البغضاء من أفواههم» من عدم تمالكهم أنفسهم لفرط بغضهم « و ما تخفي صدورهم أكبر» مما بدا و الواو للحال « قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون» ما بينا و الجمل الأربع مستأنفات للتعليل و قيل الثلاث الأول نعوت لبطانة « ها أنتم أولاء» الخطان في موالاة الكفار « تحبونهم و لا يحبونكم» بيان لخطئهم « و تؤمنون بالكتاب» بجنسه « كله» أي لا يحبونكم و الحال أنكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم و هم لا يؤمنون بكتابكم و فيه توبيخ في أنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم « و إذا لقوكم قالوا ءامنا» نفاقا و تعزيزا و تغريرا « و إذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ» من أجله فإن المغتاظ و النادم يعض الأنامل « قل موتوا بغيظكم» دعاء عليهم بزيادة غيظهم بازدياد عز الإسلام « إن الله عليم بذات الصدور» بخفياتها « إن تمسسكم حسنة» نعمة « تسؤهم و إن تصبكم سيئة» محنة « يفرحوا بها و إن تصبروا» على عداوتهم « و تتقوا» موالاتهم لا يضركم « كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط» علما « و إذ» و اذكر إذ « غدوت» خرجت غدوة « من أهلك» لغزوة أحد « تبوى‏ء المؤمنين» تهيى‏ء لهم « مقاعد للقتال» مواطن و مواقف له « و الله سميع» لأقوالكم « عليم» بنياتكم « إذ همت طائفتان منكم» بنو سلمة و بنو حارثة « أن تفشلا» أن تجبنا و تضعفا « و الله وليهما» ناصرهما فما لهما تفشلان « و على الله فليتوكل المؤمنون» .

« و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة» ضعفاء و جمع القلة للدلالة على قلتهم مع ذلتهم « فاتقوا الله» في الثبات « لعلكم تشكرون» بتقواكم و روي أن عدتهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر للمؤمنين « إذ تقول للمؤمنين» .

ظرف لينصركم أو بدل ثان من إذ غدوت « أ لن يكفيكم أن يمد ربكم بثلاثة ءالاف من الملائكة منزلين» إنكار أ لا يكفيهم ذلك و قرى‏ء منزلين بالتشديد « بلى» يكفيكم « إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم» أي المشركين « من فورهم هذا» أي من ساعتهم « يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملائكة مسومين» معلمين بأنهم

تفسير شبر ص :99

وَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشرَى لَكُمْ وَ لِتَطمَئنَّ قُلُوبُكُم بِهِوَ مَا النَّصرُ إِلا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحَْكِيمِ‏(126) لِيَقْطعَ طرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائبِينَ‏(127) لَيْس لَك مِنَ الأَمْرِ شىْ‏ءٌ أَوْ يَتُوب عَلَيهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظلِمُونَ‏(128) وَ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذِّب مَن يَشاءُوَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏(129) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَأْكلُوا الرِّبَوا أَضعَفاً مُّضعَفَةًوَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏(130) وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتى أُعِدَّت لِلْكَفِرِينَ‏(131) وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسولَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ‏(132) وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضهَا السمَوَت وَ الأَرْض أُعِدَّت لِلْمُتَّقِينَ‏(133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فى السرَّاءِ وَ الضرَّاءِ وَ الْكظِمِينَ الْغَيْظ وَ الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِوَ اللَّهُ يحِب الْمُحْسِنِينَ‏(134) وَ الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَحِشةً أَوْ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَن يَغْفِرُ الذُّنُوب إِلا اللَّهُ وَ لَمْ يُصرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏(135) أُولَئك جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ جَنَّتٌ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَاوَ نِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ‏(136) قَدْ خَلَت مِن قَبْلِكُمْ سنَنٌ فَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَانظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏(137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَ هُدًى وَ مَوْعِظةٌ لِّلْمُتَّقِينَ‏(138) وَ لا تَهِنُوا وَ لا تحْزَنُوا وَ أَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏(139)

ملائكة و كانت عليهم العمائم البيض المرسلة « و ما جعله الله» أي إمدادكم بالملائكة « إلا بشرى» بشارة « لكم» بالنصر « و لتطمئن قلوبكم به و ما النصر إلا من عند الله العزيز» الذي لا يغالب « الحكيم» في النصر و الخذلان بحسب المصلحة لا من العدد و العدة و لا من الملائكة و إنما أمدهم و وعدهم بذلك بشارة و تقوية لقلوبهم « ليقطع طرفا من الذين كفروا» متعلق بنصركم أو و ما النصر أي ليهلك طائفة منهم بالقتل و الأسر و هو ما كان يوم بدر من قتل سبعين و أسر سبعين من رؤسائهم « أو يكبتهم» يخزيهم « فينقلبوا خائبين» ينهزموا منقطعي الأمل « ليس لك من الأمر شي‏ء» مفترضة « أو يتوب عليهم» إن أسلموا « أو يعذبهم» إن أصروا أي إن الله مالك أمرهم فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب أو يعذب ليس لك من أمرهم شي‏ء إنما أنت عبد مأمور منذر و قرى‏ء إن يتب عليهم أو يعذبهم و أن تتوب عليهم أو تعذبهم بتاء الخطاب فيهما « فإنهم ظالمون» مستحقون للعذاب بظلمهم « و لله ما في السموات و ما في الأرض» فله الأمر كله « يغفر لمن يشاء» من مذنبي المؤمنين « و يعذب من يشاء» ممن لم يتب « و الله غفور رحيم» للمؤمنين « يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة» لا تأخذوا زيادة مكررة و لعل التقييد بحسب ما وقع إذ كان الرجل يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى و هكذا و قرى‏ء مضعفة « و اتقوا الله» في مناهيه « لعلكم تفلحون» راجين الفلاح « و اتقوا النار التي أعدت للكافرين و أطيعوا الله و الرسول لعلكم ترحمون» ترغيب بالوعد بعد الترهيب بالوعيد « و سارعوا إلى مغفرة من ربكم» أي إلى ما يوجبها و هو أداء الفرائض أو الطاعة أو التوبة « و جنة عرضها السموات و الأرض» إذا وضعتا مبسوطتين و قيل عرضها كعرضهما ، و ذكر العرض مبالغة في وصفها بالسعة لأنه دون الطول قيل : كسبع سموات و سبع أرضين لو تواصلت « أعدت» هيئت « للمتقين» فهي مخلوقة اليوم كما تواتر في الأخبار « الذين ينفقون في السراء و الضراء» حال اليسر و العسر أو كل الأحوال إذ لا تخلوا من مسرة و مضرة « و الكاظمين الغيظ» الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه « و العافين عن الناس» إذا جنوا عليهم « و الله يحب المحسنين» العهد إشارة إلا هؤلاء أو الجنس و يدخلون فيه « و الذين إذا فعلوا فاحشة» سيئة بالغة في القبح بتعدي أثرها « أو ظلموا أنفسهم» بارتكاب ذنب لا يتعدى « ذكروا الله» تذكروا وعيده و عظمته « فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله» استفهام معناه النفي معترض لبيان سعة رحمته و مغفرته و حث على التوبة و تقوية للرجاء « و لم يصروا على ما فعلوا» لم يقيموا على الذنب « و هم يعلمون» أي لم يصروا على القبيح عالمين به « أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين»

تفسير شبر ص :100

وَ لا تَهِنُوا وَ لا تحْزَنُوا وَ أَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏(139) إِن يَمْسسكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَس الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُوَ تِلْك الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنكُمْ شهَدَاءَوَ اللَّهُ لا يحِب الظلِمِينَ‏(140) وَ لِيُمَحِّص اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكَفِرِينَ‏(141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَ يَعْلَمَ الصبرِينَ‏(142) وَ لَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنتُمْ تَنظرُونَ‏(143) وَ مَا محَمَّدٌ إِلا رَسولٌ قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهِ الرُّسلُأَ فَإِين مَّات أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْوَ مَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرَّ اللَّهَ شيْئاًوَ سيَجْزِى اللَّهُ الشكرِينَ‏(144) وَ مَا كانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوت إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَباً مُّؤَجَّلاًوَ مَن يُرِدْ ثَوَاب الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنهَا وَ مَن يُرِدْ ثَوَاب الاَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنهَاوَ سنَجْزِى الشكِرِينَ‏(145) وَ كَأَيِّن مِّن نَّبىّ‏ٍ قَتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصابهُمْ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ مَا ضعُفُوا وَ مَا استَكانُواوَ اللَّهُ يحِب الصبرِينَ‏(146) وَ مَا كانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ إِسرَافَنَا فى أَمْرِنَا وَ ثَبِّت أَقْدَامَنَا وَ انْصرْنَا عَلى الْقَوْمِ الْكفِرِينَ‏(147) فَئَاتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَاب الدُّنْيَا وَ حُسنَ ثَوَابِ الاَخِرَةِوَ اللَّهُ يحِب المُْحْسِنِينَ‏(148) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكمْ عَلى أَعْقَبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَسرِينَ‏(149)

أجرهم « قد خلت» مضت « من قبلكم سنن» وقائع سنها الله في أمم مكذبة « فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين» لتتعظوا بحالهم « هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين» إشارة إلى قوله « قد خلت» إلى ما ذكر من أمر المتقين و التائبين « و لا تهنوا» لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم « و لا تحزنوا» على ما أصابكم من قتل و أذى « و أنتم الأعلون» أعلى منهم لأن قتالكم لله و قتالهم للشيطان و قتلاكم في الجنة و قتلاهم في النار ، أو الأعلون في العاقبة « إن كنتم مؤمنين» إن صح إيمانكم « إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله» بفتح القاف و ضمها لغتان في الجراح أو الفتح لها و الذم لآلها يعني إن نالوا منكم بأحد فقد نلتم منهم ببدر و أنتم الأعلون و ترجون من الله ما لا يرجون « و تلك الأيام نداولها» نصرفها « بين الناس» تارة لهؤلاء و أخرى لغيرهم « و ليعلم الله الذين ءامنوا» أي ليتميز الثابتون على الإيمان و ليس المراد ثبات علمه بل متعلقه أو المعنى ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء و هو العلم بالشي‏ء موجودا « و يتخذ منكم شهداء» يكرم بعضكم بالشهادة « و الله لا يحب الظالمين» اعتراض « و ليمحص الله الذين ءامنوا» يخلصهم من ذنوبهم إن كانت الدولة عليهم « و يمحق» يهلك « الكافرين أم حسبتم» إنكاري « أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم» أي و لما تجاهدوا أريد بنفي العلم نفي متعلقه « و يعلم الصابرين» نصب بإضمار أن « و لقد كنتم تمنون الموت» بالشهادة حين سمعتم ما فعل الله بشهداء بدر من الكرامة « من قبل أن تلقوه» تشاهدوه و تعرفوا شدته « فقد رأيتموه و أنتم تنظرون» معاينين لقتل من قتل منكم « و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل» فسيخلو كما خلوا « أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» إنكار لانقلابهم عن دينهم لخلوه بموت أو قتل مع علمهم بخلو الرسل قبله و بقاء دينهم ، روي أن إبليس نادى فيهم : أنه قد قتل فانهزموا و ارتدوا عن الدين « و من ينقلب على عقبيه» يرتد « فلن يضر الله شيئا» بل يضر نفسه « و سيجزي الله الشاكرين» نعمة الإسلام بثباتهم عليه « و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله» بعلمه و أمره و فيه تشجيع على الجهاد « كتابا» مصدر مؤكد أي كتب الموت كتابا « مؤجلا» موقتا لا يتقدم و لا يتأخر « و من يرد ثواب الدنيا نؤته منها و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها و سنجزي الشاكرين» للنعمة الذين لم يؤثروا على الجهاد شيئا « و كأين» كم « من نبي قاتل معه ربيون كثير» ربانيون علماء عباد أو جماعات و قرى‏ء قتل « فما وهنوا» فتروا « لما أصابهم في سبيل الله» من قتل و ذل « و ما ضعفوا» عن الجهاد « و ما استكانوا» خضعوا لعدوهم

تفسير شبر ص :101

يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكمْ عَلى أَعْقَبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَسرِينَ‏(149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَامْوَ هُوَ خَيرُ النَّصرِينَ‏(150) سنُلْقِى فى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشرَكوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ سلْطناًوَ مَأْوَاهُمُ النَّارُوَ بِئْس مَثْوَى الظلِمِينَ‏(151) وَ لَقَدْ صدَقَكمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسونَهُم بِإِذْنِهِحَتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَ تَنَزَعْتُمْ فى الأَمْرِ وَ عَصيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَمِنكم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَ مِنكم مَّن يُرِيدُ الاَخِرَةَثُمَّ صرَفَكمْ عَنهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْوَ لَقَدْ عَفَا عَنكمْوَ اللَّهُ ذُو فَضلٍ عَلى الْمُؤْمِنِينَ‏(152) إِذْ تُصعِدُونَ وَ لا تَلْوُنَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسولُ يَدْعُوكمْ فى أُخْرَاكُمْ فَأَثَبَكمْ غَمَّا بِغَمّ‏ٍ لِّكيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فَاتَكمْ وَ لا مَا أَصبَكمْوَ اللَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ‏(153) ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمّ‏ِ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشى طائفَةً مِّنكُمْوَ طائفَةٌ قَدْ أَهَمَّتهُمْ أَنفُسهُمْ يَظنُّونَ بِاللَّهِ غَيرَ الْحَقّ‏ِ ظنَّ الجَْهِلِيَّةِيَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شىْ‏ءٍقُلْ إِنَّ الأَمْرَ كلَّهُ للَّهِيخْفُونَ فى أَنفُسِهِم مَّا لا يُبْدُونَ لَكيَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شىْ‏ءٌ مَّا قُتِلْنَا هَهُنَاقُل لَّوْ كُنتُمْ فى بُيُوتِكُمْ لَبرَزَ الَّذِينَ كُتِب عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْوَ لِيَبْتَلىَ اللَّهُ مَا فى صدُورِكمْ وَ لِيُمَحِّص مَا فى قُلُوبِكُمْوَ اللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(154)

« و الله يحب الصابرين» فينصرهم و يرضى عنهم « و ما كان قولهم» مع أنهم ربانيين « إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين» أضافوا الذنوب و الإسراف إلى أنفسهم فاستغفروا « فآتيهم الله» بما قالوا « ثواب الدنيا» النصر و الغنيمة و حسن الذكر « و حسن ثواب الآخرة» الجنة و الرضوان « و الله يحب المحسنين» خص ثواب الآخرة بالحسن إيذانا بأنه المعتد به عنده « يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين» قيل نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين إخوانكم و قيل : عام في إطاعة الكفر فإنها تجر إلى موافقتهم « بل الله مولاكم» ناصركم « و هو خير الناصرين» لا تحتاجون معه إلى غيره « سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب» قذف في قلوبهم الخوف يوم أحد فرجعوا من غير سبب « بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا» بسبب إشراكهم آلهة ليس على إشراكها حجة « و مأواهم النار و بئس مثوى الظالمين» أي مثواهم و عدل إلى الظاهر للتعليل « و لقد صدقكم الله وعده» إياكم بالنصر بشرط الصبر و التقوى و كان كذلك حتى خالفهم الرماة « إذ تحسونهم» تبطلون حسهم بقتلهم « بإذنه» من حسه أي أبطل حسه « حتى إذا فشلتم» جبنتم و ضعف رأيكم « و تنازعتم في الأمر» حين انهزم المشركون فقال بعض الرماة فما موقفنا هاهنا ، و قال آخرون لا نخالف أمر النبي فلبث أميرهم في نفر دون العشرة و نفر الباقون للنهب و هو معنى « و عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون» من النصر و الغنيمة و حذف جواب إذا و هو ابتلاكم « منكم من يريد الدنيا» و هم من أخلوا مراكزهم للغنيمة « و منكم من يريد الآخرة» و هم من ثبتوا طاعة لأمر الرسول « ثم صرفكم» كفكم « عنهم» اذكروا عليكم فغلبوكم « ليبتليكم» ليمتحن صبركم « و لقد عفا عنكم» بعد أن عصيتم أمر الرسول « و الله ذو فضل على المؤمنين إذ تصعدون» تفرون و تبعدون متعلق بصرفكم أو ليبتليكم أو باذكر مقدرا « و لا تلون على أحد» لا يقف أحد لأحد « و الرسول يدعوكم» و يقول إلى عباد الله « في أخراكم» ساقتكم و جماعتكم الأخرى « فأثابكم غما بغم» عطف على صرفكم أي فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه الرسول بعصيانكم له أو فجازاكم عن فشلكم و عصيانكم غما متصل بغم بالإرجاف بقتل الرسول و ظفر المشركين و القتل و الجرح « لكيلا تحزنوا على ما فاتكم» من المنافع « و لا ما أصابكم» من المضار « و الله خبير بما تعملون» عالم بأعمالكم « ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة» أمنا مفعول « نعاسا» بدل عن أبي طلحة : غشينا الناس في مصافنا و كان السيف يسقط من

تفسير شبر ص :102

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمّ‏ِ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشى طائفَةً مِّنكُمْوَ طائفَةٌ قَدْ أَهَمَّتهُمْ أَنفُسهُمْ يَظنُّونَ بِاللَّهِ غَيرَ الْحَقّ‏ِ ظنَّ الجَْهِلِيَّةِيَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شىْ‏ءٍقُلْ إِنَّ الأَمْرَ كلَّهُ للَّهِيخْفُونَ فى أَنفُسِهِم مَّا لا يُبْدُونَ لَكيَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شىْ‏ءٌ مَّا قُتِلْنَا هَهُنَاقُل لَّوْ كُنتُمْ فى بُيُوتِكُمْ لَبرَزَ الَّذِينَ كُتِب عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْوَ لِيَبْتَلىَ اللَّهُ مَا فى صدُورِكمْ وَ لِيُمَحِّص مَا فى قُلُوبِكُمْوَ اللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصدُورِ(154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَْمْعَانِ إِنَّمَا استزَلَّهُمُ الشيْطنُ بِبَعْضِ مَا كَسبُواوَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنهُمْإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏(155) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قَالُوا لاخْوَنِهِمْ إِذَا ضرَبُوا فى الأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَّوْ كانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَ مَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِك حَسرَةً فى قُلُوبهِمْوَ اللَّهُ يحْىِ وَ يمِيتوَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(156) وَ لَئن قُتِلْتُمْ فى سبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيرٌ مِّمَّا يجْمَعُونَ‏(157) وَ لَئن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لالى اللَّهِ تحْشرُونَ‏(158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنت لَهُمْوَ لَوْ كُنت فَظاًّ غَلِيظ الْقَلْبِ لانفَضوا مِنْ حَوْلِكفَاعْف عَنهُمْ وَ استَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فى الأَمْرِفَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يحِب الْمُتَوَكلِينَ‏(159) إِن يَنصرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِب لَكُمْوَ إِن يخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصرُكُم مِّن بَعْدِهِوَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ‏(160) وَ مَا كانَ لِنَبىٍ أَن يَغُلَّوَ مَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَمَةِثُمَّ تُوَفى كلُّ نَفْسٍ مَّا كَسبَت وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ‏(161) أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضوَنَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُوَ بِئْس المَْصِيرُ(162) هُمْ دَرَجَتٌ عِندَ اللَّهِوَ اللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ‏(163)

يد أحدنا فيأخذه « يغشى» النعاس و قرى‏ء بالتاء أي الأمنة « طائفة منكم» خلص المؤمنين « و طائفة» هم المنافقين « قد أهمتهم أنفسهم» ما بهم إلا هم خلاص أنفسهم « يظنون بالله» صفة أخرى لطائفة أو حال أو استيناف « غير» الظن « الحق» الذي يجب أن يظن به « ظن الجاهلية» بدل « يقولون» للرسول « هل لنا من الأمر» أمر الله أي النصر و الفتح « من شي‏ء» نصيب « قل إن الأمر كله لله» النصر أو مطلقا لله و أوليائه « يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك » يظهرون أنهم مسترشدون و يبطنون النفاق « يقولون» في أنفسهم أو بعضهم لبعض « لو كان لنا من الأمر» النصر الموعود به « شي‏ء» أو كان لنا اختياره « ما قلنا هاهنا» لما غلبنا و قتل أصحابنا هنا « قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل» في علم الله « إلى مضاجعهم» مصارعهم ليكون ما علم كونه و « ليبتلي الله ما في صدوركم» من الإخلاص علة لمحذوف أي فعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي برزوا لمصالح و للابتلاء « و ليمحص ما في قلوبكم» ليخلصه من الشك « و الله عليم بذات الصدور» بأسرارها قبل ظهورها و فيه وعد و وعيد « إن الذين تولوا» انهزموا « منكم يوم التقى الجمعان» يوم أحد « إنما استزلهم» حملهم على الزلة « الشيطان ببعض ما كسبوا» أي كان انهزامهم بسبب ترك المركز و الميل إلى الغنيمة بتسويل الشيطان أو بسبب ذنوب قدموها و الذنب يجر إلى الذنب كالطاعة « و لقد عفا الله عنهم» لتوبتهم « إن الله غفور» للذنوب « حليم» لا يعجل العقاب « يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا» أي المنافقين « و قالوا لإخوانهم» لأجلهم و إخوتهم في النسب أو المذهب « إذا ضربوا» سافروا « في الأرض» لتجارة و نحوها « أو كانوا غزى» جمع غاز « لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا» مقول قالوا « ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم» متعلق بقالوا و اللام للعاقبة « و الله يحيي و يميت» لا الحضر و السفر « و الله بما تعملون بصير و لئن قتلتم في سبيل الله أو متم» في سبيله « لمغفرة من الله و رحمة خير مما يجمعون» من منافع الدنيا لو لم يموتوا « و لئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون» لا غيره فيعظم أجركم « فبما رحمة من الله لنت لهم» ما مزيدة للتأكيد و تقديم الظرف للحصر « و لو كنت فظا» جافيا « غليظ القلب» قاسية « لانفضوا من حولك» و تفرقوا عنك « فاعف عنهم» فيما يختص بك « و استغفر لهم» فيما لله « و شاورهم في الأمر» أمر الحرب و نحوه مما لم يوح إليك تطييبا لنفوسهم و تأسيسا لسنة المشاورة للأمة « فإذا عزمت» على شي‏ء بعد الشورى « فتوكل على الله» في إمضائه « إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله» كما نصركم ببدر « فلا غالب لكم و إن يخذلكم» كما في أحد « فمن ذا الذي ينصركم من بعده» بمعنى النفي « و على الله فليتوكل المؤمنون» إذ لا ناصر سواه « و ما كان»

تفسير شبر ص :103

هُمْ دَرَجَتٌ عِندَ اللَّهِوَ اللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ‏(163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَث فِيهِمْ رَسولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ ءَايَتِهِ وَ يُزَكيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَب وَ الْحِكمَةَ وَ إِن كانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضلَلٍ مُّبِينٍ‏(164) أَ وَ لَمَّا أَصبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصبْتُم مِّثْلَيهَا قُلْتُمْ أَنى هَذَاقُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْإِنَّ اللَّهَ عَلى كلّ‏ِ شىْ‏ءٍ قَدِيرٌ(165) وَ مَا أَصبَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَْمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏(166) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواوَ قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواقَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَكُمْهُمْ لِلْكفْرِ يَوْمَئذٍ أَقْرَب مِنهُمْ لِلايِمَنِيَقُولُونَ بِأَفْوَهِهِم مَّا لَيْس فى قُلُوبهِمْوَ اللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يَكْتُمُونَ‏(167) الَّذِينَ قَالُوا لاخْوَنهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونَا مَا قُتِلُواقُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكمُ الْمَوْت إِن كُنتُمْ صدِقِينَ‏(168) وَ لا تحْسبنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فى سبِيلِ اللَّهِ أَمْوَتَابَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‏(169) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَ يَستَبْشرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏(170) يَستَبْشرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ فَضلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ‏(171) الَّذِينَ استَجَابُوا للَّهِ وَ الرَّسولِ مِن بَعْدِ مَا أَصابهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسنُوا مِنهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ‏(172)

ما صح « لنبي أن يغل» يخون في الغنيمة ، فقدت يوم بدر قطيفة حمراء من الغنيمة فقال رجل ما أظن إلا رسول الله أخذها فنزلت « و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة» يأتي بالذي غل يحمله على ظهره كما في الخبر أو بما حمل من وباله « ثم توفى كل نفس ما كسبت» تعطى جزاؤه وافيا و لم يقل يوفى ما كسبت للمبالغة فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله شمل الحكم الغال و غيره « و هم لا يظلمون أ فمن اتبع رضوان الله» بالطاعة « كمن باء بسخط من الله» بالمعصية « و مأواه جهنم و بئس المصير» يفرق بينه و بين المرجع بمخالفته للحالة الأولى بخلاف المرجع « هم درجات عند الله» أي متفاوتون في الثواب و العقاب تفاوت الدرجات أو ذوو درجات « و الله بصير بما يعملون» عليم بأعمالهم و درجاتها يجازيهم بحسبها « لقد من الله على المؤمنين» خصوا مع عموم نعمة البعث لأنهم المنتفعون بها « إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم» عربيا مثلهم ليسهل عليهم فهم كلامه أو من نسبهم ليكونوا عارفين صدقه « يتلو عليهم آياته» القرآن و كانوا من قبل جهالا لم يسمعوا وحيا « و يزكيهم» يطهرهم من دنس العقائد و الأعمال « و يعلمهم الكتاب و الحكمة» القرآن و السنة « و إن كانوا من قبل» قبل بعثه « لفي ضلال مبين» ظاهر « أ و لما أصابتكم مصيبة» الهمزة للتقريع و الواو عطف الجملة على قصة أحد و لما ظرف قلتم مضاف إلى أصابتكم أي حين أصابتكم مصيبة و هي قتل سبعين منكم بأحد و الحال أنكم « قد أصبتم مثليها» ضعفها ببدر « قلتم أنى هذا» من أين هذا أصابنا و قد وعدنا النصر « قل هو من عند أنفسكم» أنتم السبب فيه لترككم المركز أو لاختياركم الخروج من المدينة أو الفداء يوم بدر « إن الله على كل شي‏ء قدير» فيقدر على النصر و منعه « و ما أصابكم يوم التقى الجمعان» بأحد « فبإذن الله» بتخلية الكفار سميت إذنا لأنها من لوازمه « و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا» ليتميز الفريقان فيظهر إيمان المؤمنين و كفر المنافقين « و قيل لهم» عطف على نافقوا أو كلام مبتدأ « تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا» خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن أنفسهم أو المعنى قاتلوا العدو أو ادفعوا بتكثيركم سواد المجاهدين فإن كثرة السواد مما يروعهم « قالوا لو نعلم» لو نحسن « قتالا لاتبعناكم» أو لو نعلم ما يسمى قتالا لاتبعناكم فيه لكنه ليس بقتال بل إلقاء النفس إلى التهلكة « هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان» أي هذا القول أمارة كفرهم ، أو أنه تقوية لقول المشركين « يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون» من النفاق « الذين قالوا لإخوانهم» لأجلهم يعني من قتل بأحد من جنسهم و أقاربهم « و قعدوا» أي قالوا و قد قعدوا عن القتال « لو أطاعونا» على القعود « ما قتلوا» كما لم نقتل « قل فادرءوا» فادفعوا « عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين» أنكم تقدرون على دفع الموت و أسبابه عمن كتب عليه

تفسير شبر ص :104

الَّذِينَ استَجَابُوا للَّهِ وَ الرَّسولِ مِن بَعْدِ مَا أَصابهُمُ الْقَرْحُلِلَّذِينَ أَحْسنُوا مِنهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ‏(172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَناً وَ قَالُوا حَسبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكيلُ‏(173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ فَضلٍ لَّمْ يَمْسسهُمْ سوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضوَنَ اللَّهِوَ اللَّهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ‏(174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشيْطنُ يخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ فَلا تخَافُوهُمْ وَ خَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏(175) وَ لا يحْزُنك الَّذِينَ يُسرِعُونَ فى الْكُفْرِإِنَّهُمْ لَن يَضرُّوا اللَّهَ شيْئاًيُرِيدُ اللَّهُ أَلا يجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فى الاَخِرَةِوَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏(176) إِنَّ الَّذِينَ اشترَوُا الْكُفْرَ بِالايمَنِ لَن يَضرُّوا اللَّهَ شيْئاً وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏(177) وَ لا يحْسبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلى لَهُمْ خَيرٌ لأَنفُسِهِمْإِنَّمَا نُمْلى لَهُمْ لِيزْدَادُوا إِثْماًوَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏(178) مَّا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتى يَمِيزَ الخَْبِيث مِنَ الطيِّبِوَ مَا كانَ اللَّهُ لِيُطلِعَكُمْ عَلى الْغَيْبِ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يجْتَبى مِن رُّسلِهِ مَن يَشاءُفَئَامِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسلِهِوَ إِن تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏(179) وَ لا يحْسبنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيراً لَّهُمبَلْ هُوَ شرٌّ لَّهُمْسيُطوَّقُونَ مَا بخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَمَةِوَ للَّهِ مِيرَث السمَوَتِ وَ الأَرْضِوَ اللَّهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(180) لَّقَدْ سمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نحْنُ أَغْنِيَاءُسنَكْتُب مَا قَالُوا وَ قَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ‏ٍ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيقِ‏(181)

« و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا» نزلت في شهداء بدر أو أحد و الخطاب للرسول أو لكل أحد « بل» هم « أحياء عند ربهم» مقربون شرفا « يرزقون فرحين بما ءاتاهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم» زمانا أو رتبة « ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون» و فيه حث على الجهاد و ترغيب في الشهادة و ازدياد الطاعة « يستبشرون» كرر ليتعلق به ما هو بيان لقوله « أن لا خوف» ، أو الأول بحال إخوانهم و الثاني بحال أنفسهم « بنعمة من الله» أجرا لأعمالهم « و فضل» زيادة عليه و نكر تعظيما « و أن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله و الرسول» بالخروج إلى بدر الصغرى لغزوة أبي سفيان و قومه « من بعد ما أصابهم القرح» بأحد « للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم» و من للبيان إذ المستجيبون كلهم محسنون متقون لما رجع أبو سفيان و أصحابه فبلغوا الروحاء ندموا و هموا بالعود فبلغ ذلك النبي فندب أصحابه لطلبهم و قال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج في جماعة على ما بهم من القرح حتى بلغوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا « الذين قال لهم الناس» هو نعيم بن مسعود الأشجعي كان أبو سفيان خرج في أهل مكة يريد قتال رسول الله ببدر الصغرى فألقى الله عليه الرعب فرجع فلقي نعيم فوعده عشرة من الإبل إن تثبط أصحاب محمد من القتال ففترهم فقال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و الذي نفسي بيده لأخرجن و لو وحدي فخرج في سبعين و هم يقولون حسبنا الله « إن الناس» أي أبو سفيان و أصحابه « قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم» المقول أو القول أو القائل « إيمانا» قوي يقينهم و عزمهم على الجهاد « و قالوا حسبنا الله» كافيا « و نعم الوكيل» هو « فانقلبوا» رجعوا من بدر « بنعمة من الله» بعافية و زيادة إيمان « و فضل» ربح من التجارة التي وافوا بها سوق بدر « لم يمسسهم سوء» من كيد عدو « و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان» يعني المثبط نعيما أو أبا سفيان أي هو قول الشيطان « يخوف أولياءه» القاعدين عن الخروج مع النبي أو يخوفكم من أوليائه أبي سفيان و أتباعه « فلا تخافوهم و خافون» فأطيعوا رسولي و جاهدوا معه « إن كنتم مؤمنين» إذ المؤمن لا يخاف إلا الله « و لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر» يقعون فيه سريعا « إنهم لن يضروا الله شيئا» بكفرهم و إنما يضرون أنفسهم « يريد الله ألا يجعل لهم حظا» نصيبا من الثواب « في الآخرة» و في ذكر الإرادة إشعار ببلوغهم الغاية في الكفر حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم « و لهم عذاب عظيم» بدل الثواب « إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا و لهم عذاب أليم»

تفسير شبر ص :105

لَّقَدْ سمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نحْنُ أَغْنِيَاءُسنَكْتُب مَا قَالُوا وَ قَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ‏ٍ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيقِ‏(181) ذَلِك بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْس بِظلامٍ لِّلْعَبِيدِ(182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسولٍ حَتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكلُهُ النَّارُقُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسلٌ مِّن قَبْلى بِالْبَيِّنَتِ وَ بِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ‏(183) فَإِن كذَّبُوك فَقَدْ كُذِّب رُسلٌ مِّن قَبْلِك جَاءُو بِالْبَيِّنَتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتَبِ الْمُنِيرِ(184) كلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ المَْوْتِوَ إِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِفَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَوَ مَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَعُ الْغُرُورِ(185) لَتُبْلَوُنَّ فى أَمْوَلِكمْ وَ أَنفُسِكمْ وَ لَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب مِن قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيراًوَ إِن تَصبرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِك مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(186) وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظهُورِهِمْ وَ اشترَوْا بِهِ ثمَناً قَلِيلاًفَبِئْس مَا يَشترُونَ‏(187) لا تحْسبنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّ يحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تحْسبَنهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِوَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏(188) وَ للَّهِ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِوَ اللَّهُ عَلى كلّ‏ِ شىْ‏ءٍ قَدِيرٌ(189)

تكرير للتأكيد أو عام و الأول خاص بالمنافقين أو المرتدين « و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما» استيناف يعلل ما قبله و ما كافة و اللام للعاقبة « و لهم عذاب مهين ما كان الله ليذر» ليترك « المؤمنين على ما أنتم عليه» من اختلاط « حتى يميز» بالتخفيف و التشديد « الخبيث من الطيب» بإخبار الرسول بأحوالكم أو بالتكاليف الصعبة كبذل النفس و المال لله ليظهر به ما تظهرون « و ما كان الله ليطلعكم على الغيب» فتعرفوا الإخلاص و النفاق « و لكن الله يجتبي من رسله» يختار لرسالته « من يشاء فآمنوا بالله و رسله» مخلصين « و إن تؤمنوا» حق الإيمان « و تتقوا» النفاق « فلكم أجر عظيم» على ذلك « و لا يحسبن» بالتاء و الياء « الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو» البخل « شر لهم» و يفسره « سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة» يلزمون وباله إلزام الطوق ، و عنه (عليه‏السلام‏) : ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة و تلاها « و لله ميراث السموات و الأرض» يرث ما يمنعونه و يبقى عليهم وباله « و الله بما تعملون» من إعطاء و منع « خبير» فيجازيهم به و قرى‏ء بالتاء على الالتفات « لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير و نحن أغنياء» قالته اليهود حين سمعوا من ذا الذي يقرض الله أي إنه لم يخف عليه و إنه أعد لهم العقوبة « سنكتب ما قالوا» في صحف الحفظة أو نحفظه في علمنا و قرنه بقوله « و قتلهم الأنبياء بغير حق» بيانا بأنهما في العظم سيان فإن هذا ليس بأول عظيمة اجترحوها و أن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا القول و قرى‏ء سيكتب بالياء مجهولا « و نقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك» العذاب « بما قدمت أيديكم» من المعاصي و ذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال بها « و أن الله ليس بظلام للعبيد» إن عذب فبعدله « الذين قالوا» هم جماعة من اليهود « إن الله عهد إلينا» في التوراة « أن» بأن « لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار» كانت هذه معجزة لأنبياء بني إسرائيل أن يقرب بقربان فيدعوا النبي فتنزل نار من السماء فيحترق قربان من قبل منه « قل» في إلزامهم « قد جاءكم رسل من قبلي» كزكريا و يحيى « بالبينات» الموجبة للتصديق « و بالذي قلتم» و اقترحتم « فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين» أنكم تؤمنون بذلك « فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات» تسلية له (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) عن تكذيب قومه و اليهود « و الزبر» و قرى‏ء و بالزبر جمع زبور و الكتاب المتضمن للحكم و الزواجر « و الكتاب المنير» التوراة و الإنجيل و الزبور « كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة» تعطون جزاء أعمالكم « فمن زحزح» نجي « عن النار و أدخل الجنة فقد فاز» فاز ظفر بالبغية « و ما الحياة الدنيا» و شهوتها « إلا متاع الغرور لتبلون» لتمتحن « في أموالكم» بإخراج الزكاة « و أنفسكم» بالتوطين على الصبر بالقتل و الأسر و الجراح و المصائب « و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا»

تفسير شبر ص :106

وَ للَّهِ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِوَ اللَّهُ عَلى كلّ‏ِ شىْ‏ءٍ قَدِيرٌ(189) إِنَّ فى خَلْقِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلَفِ الَّيْلِ وَ النهَارِ لاَيَتٍ لأُولى الأَلْبَبِ‏(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكرُونَ فى خَلْقِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَطِلاً سبْحَنَك فَقِنَا عَذَاب النَّارِ(191) رَبَّنَا إِنَّك مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُوَ مَا لِلظلِمِينَ مِنْ أَنصارٍ(192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلايمَنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَئَامَنَّارَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ كفِّرْ عَنَّا سيِّئَاتِنَا وَ تَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ(193) رَبَّنَا وَ ءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلى رُسلِك وَ لا تخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَمَةِإِنَّك لا تخْلِف المِْيعَادَ(194) فَاستَجَاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثىبَعْضكُم مِّن بَعْضٍفَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِن دِيَرِهِمْ وَ أُوذُوا فى سبِيلى وَ قَتَلُوا وَ قُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنهُمْ سيِّئَاتهِمْ وَ لأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّتٍ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ ثَوَاباً مِّنْ عِندِ اللَّهِوَ اللَّهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ‏(195) لا يَغُرَّنَّك تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فى الْبِلَدِ(196) مَتَعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُوَ بِئْس المِْهَادُ(197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِوَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِّلأَبْرَارِ(198)

من هجاء النبي و الطعن في الدين و الصد عن الإيمان ، أخبروا بذلك قبل كونه ليوطنوا أنفسهم على الصبر حتى لا يرهقهم وقوعه « و إن تصبروا» على ذلك « و تتقوا» المعاصي « فإن ذلك من عزم الأمور» مما يجب العزم عليه منها أو مما عزم الله عليه أي أوجب « و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب» أي العلماء به « لتبيننه للناس و لا تكتمونه» حكاية مخاطبتهم و قرى‏ء بالياء « فنبذوه» أي الميثاق « وراء ظهورهم» كناية عن الطرح و ترك الاعتناء « و اشتروا به» أخذوا بدله « ثمنا قليلا» من عرض الدنيا « فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب» فائزين بنجاة منه « و لهم عذاب أليم» بكفرهم و كذبهم نزلت في اليهود إذ سألهم (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) عن شي‏ء في التوراة فأخبروه بخلاف ما فيها و أروه أنهم صدقوا و فرحوا بما فعلوا ، أو في المنافقين إذ يفرحون بمنافقتهم المسلمين و يستحمدوا إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة « و لله ملك السموات و الأرض» فيملك أمرهم « و الله على كل شي‏ء قدير» فيقدر على عقابهم « إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار» كل يخلف الآخر « لآيات لأولي الألباب» على وجود الصانع و وحدته و علمه و قدرته و حكمته عن النبي ويل لمن قرأها و لم يتفكر « الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم» يذكرونه دائما على كل الحالات أو يصلون على هذه الأحوال « و يتفكرون في خلق السموات و الأرض» اعتبارا و هو أفضل العبادات عنه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لا عبادة كالتفكر « ربنا ما خلقت هذا باطلا» يتفكرون قائلين ذلك « سبحانك» تنزيها لك عن العبث « فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته» بالغت في جزائه نظير فقد فاز ، لم يقل : أحرقته لأن العذاب الروحاني أشد « و ما للظالمين من أنصار» يدفعون عنهم العذاب « ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان» هو الرسول و القرآن « أن» بأن « ءامنوا بربكم فآمنا» فأجبنا « ربنا فاغفر لنا ذنوبنا» كبائرنا « و كفر عنا سيئاتنا» صغائرنا بتوفيقنا لاجتناب الكبائر « و توفنا مع الأبرار» مصاحبين لهم معدودين من جملتهم « ربنا و ءاتنا ما وعدتنا على رسلك» على تصديقهم من الثواب أو على ألسنتهم ، أو متعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك « و لا تخزنا يوم القيامة» لا تفضحنا أو لا تهلكنا « إنك لا تخلف الميعاد» بإثابة المؤمن و إجابة الداعي ، و تكرير ربنا للمبالغة في السؤال و الابتهال أو باستقلال الطلبات « فاستجاب لهم ربهم» ما طلبوا « أني» بأني « لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى» بيان لعامل « بعضكم من بعض» بجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد أو الإسلام « فالذين هاجروا» الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين « و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي» من أجل ديني و بسببه « و قاتلوا» المشركين « و قتلوا» و استشهدوا و الواو لا توجب الترتيب إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا « لأكفرن»

تفسير شبر ص :107

لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِوَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِّلأَبْرَارِ(198) وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكتَبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ خَشِعِينَ للَّهِ لا يَشترُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاًأُولَئك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْإِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الْحِسابِ‏(199) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصبرُوا وَ صابِرُوا وَ رَابِطوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏(200)

لأمحون « عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله» يستحقونه منه « و الله عنده حسن الثواب» على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه « لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد» خطاب للنبي أريد به الأمة أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من السعة و الحظ أو لا تغتر بما ترى من تصرفهم في البلدان يتكسبون فتقلبهم « متاع قليل» في جنب ما أعد الله للمؤمنين لزواله « ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد» أي ما مهدوا لأنفسهم « لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا» ما بعد النازل من الكرامة « من عند الله و ما عند الله خير للأبرار» مما يتقلب فيه الفجار « و إن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله» نزلت في ابن سلام و أصحابه أو غيرهم « و ما أنزل إليكم و ما أنزل إليهم» من الكتابين « خاشعين لله» حال من فاعل يؤمن و جمع نظرا إلى المعنى « لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا» كما يفعل المحرفون « أولئك لهم أجرهم عند ربهم» الأجر المختص بهم الموعود في أولئك يؤتون أجرهم مرتين « إن الله سريع الحساب يا أيها الذين ءامنوا اصبروا» على المصائب و مشاق التكاليف و عن المعاصي « و صابروا» على الفرائض أو غالبوا عدوكم في الصبر على القتال أو على مخالفة الهوى « و رابطوا» على الأئمة أو على الصلاة أي انتظروا الصلاة بعد الصلاة أو أقيموا في الثغور رابطين خيولكم مستعدين للغزو « و اتقوا الله» فيما أمركم به و افترض عليكم « لعلكم تفلحون» لكي تظفروا بالبغية.

/ 1