تفسير شبر سوره رحمن
( 55 ) سورة الرحمن ست أو سبع أو ثمان و سبعون آية ( 76 - 77 - 78 ) مكية
و قيل إلا آية يسئله من في السموات .
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْءَانَ(2) خَلَقَ الانسنَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4)
« بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن» صدر به السورة لتضمنها تعديد نعم الدارين و قدم أجلها قدرا فقال « علم القرآن» المشتمل على أصول الدين و فروعه « خلق الإنسان» أي جنسه « علمه البيان» هو إفهام الغير ما في الضمير بالمنطق
تفسير شبر ص :497
الشمْس وَ الْقَمَرُ بحُسبَانٍ(5) وَ النَّجْمُ وَ الشجَرُ يَسجُدَانِ(6) وَ السمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضعَ الْمِيزَانَ(7) أَلا تَطغَوْا فى الْمِيزَانِ(8) وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسطِ وَ لا تخْسِرُوا الْمِيزَانَ(9) وَ الأَرْض وَضعَهَا لِلأَنَامِ(10) فِيهَا فَكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذَات الأَكْمَامِ(11) وَ الحَْب ذُو الْعَصفِ وَ الرَّيحَانُ(12) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(13) خَلَقَ الانسنَ مِن صلْصلٍ كالْفَخَّارِ(14) وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ(15) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(16) رَب المَْشرِقَينِ وَ رَب المَْغْرِبَينِ(17) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يخْرُجُ مِنهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ(22) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(23) وَ لَهُ الجَْوَارِ المُْنشئَات فى الْبَحْرِ كالأَعْلَمِ(24) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(25) كلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ(26) وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّك ذُو الجَْلَلِ وَ الاكْرَامِ(27) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(28) يَسئَلُهُ مَن فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِكلَّ يَوْمٍ هُوَ فى شأْنٍ(29) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(30) سنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ(31) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(32) يَمَعْشرَ الجِْنِّ وَ الانسِ إِنِ استَطعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ فَانفُذُوالا تَنفُذُونَ إِلا بِسلْطنٍ(33)
« الشمس و القمر بحسبان» يجريان في منازلهما بحساب مضبوط لا تفاوت فيه « و النجم» ما نجم أي طلع من النبات بلا ساق « و الشجر» ما له ساق « يسجدان» ينقادان لأمره و تدبيره « و السماء رفعها و وضع الميزان» أثبت العدل الذي قامت به السموات و الأرض أو آلة الوزن للعدل بينكم « ألا تطغوا» أن لا تجوروا « في الميزان» آلة الوزن « و أقيموا الوزن بالقسط» بالعدل « و لا تخسروا الميزان» لا تنقصوه « و الأرض وضعها» خفضها مبسوطة « للأنام» للخلق من كل ذي روح أو للثقلين « فيها فاكهة» ما يتفكه به « و النخل ذات الأكمام» أوعية ثمرها أو كلما يغطى من ليف و نحوه « و الحب» كالحنطة و الشعير « ذو العصف» ورق الزرع اليابس و التين « و الريحان» الرزق أو المشموم « فبأي ءالاء ربكما تكذبان» خطاب للثقلين بدلالة الأنام أو أيها الثقلان عليهما و كررت تجديدا كتذكير الناسي و تنبيه الساهي « خلق الإنسان» آدم « من صلصال» طين يابس إذا نقر صلصل أي صوت « كالفخار» كالخزف « و خلق الجان» أبا الجن قيل هو إبليس « من مارج» لهب صاف من الدخان « من نار» بيان لمارج « فبأي ءالاء ربكما تكذبان رب المشرقين و رب المغربين فبأي ءالاء ربكما تكذبان مرج» أرسل « البحرين» من العذب و الملح « يلتقيان» متلاصقين « بينهما برزخ» حاجز من قدرته تعالى « لا يبغيان» لا يبغي أحدهما على الآخر فيمازجه « فبأي ءالاء ربكما تكذبان يخرج» ببناء الفاعل و المفعول « منهما» من مجموعهما فالخارج من أحدهما و هو الملح كالخارج من الآخر « اللؤلؤ» كبار الدر « و المرجان» صغاره أو الخرز الأحمر « فبأي ءالاء ربكما تكذبان و له الجوار » أي السفن « المنشئات» المرفوعات الشرع أو المحدثات « في البحر كالأعلام» كالجبال ارتفاعا « فبأي ءالاء ربكما تكذبان كل من عليها» على الأرض من حيوان و غيره و من للتغليب « فان» هالك « و يبقى وجه ربك» ذاته « ذو الجلال» العظمة « و الإكرام» التعظيم أو التفضيل « فبأي ءالاء ربكما تكذبان» و كون الفناء نعمة لأنه وصلة إلى الحياة الباقية و السعادة الدائمة و لما فيه من العبرة و التذكير « يسئله من في السموات و الأرض» نطقا أو حالا ما يحتاجون إليه و هو كناية عن غناه و افتقارهم « كل يوم» وقت « هو في شأن » من إيجاد و إعدام و قبض و بسط و نحوها « فبأي ءالاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم» سنقصد لحسابكم أو سنتجرد له مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك ، إذ المتجرد للشيء أقدر عليه « أيها الثقلان» الجن و الإنس ، سميا بذلك لثقلهما على الأرض « فبأي ءالاء ربكما تكذبان» و كون التهديد نعمة لأنه لطف للمكلف « يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا» تخرجوا
تفسير شبر ص :498
يَمَعْشرَ الجِْنِّ وَ الانسِ إِنِ استَطعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ فَانفُذُوالا تَنفُذُونَ إِلا بِسلْطنٍ(33) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(34) يُرْسلُ عَلَيْكُمَا شوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَ نحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ(35) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(36) فَإِذَا انشقَّتِ السمَاءُ فَكانَت وَرْدَةً كالدِّهَانِ(37) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(38) فَيَوْمَئذٍ لا يُسئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَ لا جَانّ(39) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(40) يُعْرَف الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَصى وَ الأَقْدَامِ(41) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتى يُكَذِّب بهَا المُْجْرِمُونَ(43) يَطوفُونَ بَيْنهَا وَ بَينَ حَمِيمٍ ءَانٍ(44) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(45) وَ لِمَنْ خَاف مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ(48) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تجْرِيَانِ(50) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(51) فِيهِمَا مِن كلِّ فَكِهَةٍ زَوْجَانِ(52) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشِ بَطائنهَا مِنْ إِستَبرَقٍ وَ جَنى الْجَنَّتَينِ دَانٍ(54) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(55) فِيهِنَّ قَصِرَت الطرْفِ لَمْ يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانّ(56) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(57) كَأَنهُنَّ الْيَاقُوت وَ الْمَرْجَانُ(58) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(59) هَلْ جَزَاءُ الاحْسنِ إِلا الاحْسنُ(60)
« من أقطار السموات و الأرض» من نواحيهما هاربين من قضاء الله « فانفذوا» أمر تعجيز « لا تنفذون» لا تستطيعون النفوذ « إلا بسلطان» بقوة و لا قوة لكم على ذلك و النعمة هنا الوعظ و التحذير و المساهلة فلذا قال « فبأي ءالاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران فبأي ءالاء ربكما تكذبان فإذا انشقت السماء» انصدعت « فكانت وردة» أي حمراء كوردة « كالدهان» في الذوبان جمع دهن أو اسم لما يدهن به أو كالأديم الأحمر و جواب إذا محذوف كوقع أمر فظيع « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس و لا جان» و لا ينافي قوله فوربك لنسألنهم أجمعين لأنه في وقت آخر « فبأي ءالاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيماهم» بعلامتهم من سواد الوجوه و زرقة العيون « فيؤخذ بالنواصى و الأقدام» مضمومة ناصية كل منهم إلى قدميه أو يؤخذ بهذه مرة و بهذه أخرى « فبأي ءالاء ربكما تكذبان» و يقال لهم « هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها» يصلونها « و بين حميم» ماء حار « ءان» متناه في الحرارة « فبأي ءالاء ربكما تكذبان و لمن خاف مقام ربه» الذي يقيم فيه العباد للحساب أو قيامه عليه رقيبا فيترك معاصيه « جنتان» جنة عدن و جنة نعيم أو روحانية و جسمانية « فبأي ءالاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان» أنواع من النعم « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان» صنفان غريب و معروف « فبأي ءالاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من استبرق» ديباج غليظ فتكون ظهائرها أعلى و أجل « و جنى الجنتين» ثمرهما « دان» قريب يناله القائم و القاعد و المضطجع « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهن» في الجنان لدلالة الجنتين عليهن أو فيما اشتملتا عليه من القصور و المجالس « قاصرات الطرف» البصر على أزواجهن « لم يطمثهن» لم يفتضهن « إنس قبلهم و لا جان» فهن أبكار من الحوراء و نساء الدنيا المنشئات خلقا آخر « فبأي ءالاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت و المرجان» أي اللؤلؤ صفاء و حمرة و بياضا « فبأي ءالاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان» في العمل « إلا الإحسان» بالثواب
تفسير شبر ص :499
فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(61) وَ مِن دُونهِمَا جَنَّتَانِ(62) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(63) مُدْهَامَّتَانِ(64) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضاخَتَانِ(66) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(67) فِيهِمَا فَكِهَةٌ وَ نخْلٌ وَ رُمَّانٌ(68) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(69) فِيهِنَّ خَيرَتٌ حِسانٌ(70) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(71) حُورٌ مَّقْصورَتٌ فى الخِْيَامِ(72) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(73) لَمْ يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانّ(74) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضرٍ وَ عَبْقَرِىٍ حِسانٍ(76) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(77) تَبَرَك اسمُ رَبِّك ذِى الجَْلَلِ وَ الاكْرَامِ(78)
« فبأي ءالاء ربكما تكذبان و من دونهما» دون الجنتين المذكورين للخائفين المقربين « جنتان» لمن دونهم من أصحاب اليمين « فبأي ءالاء ربكما تكذبان مدهامتان» من ادهام كاسواد لفظا و معنا أي سوداوان من شدة الخضرة « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان» فوارتان بالماء « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة و نخل و رمان» عطفا عليها لفضلهما « فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهن» أي الجنتين أو أماكنهما « خيرات» أي خيرات الأخلاق « حسان» الصور « فبأي ءالاء ربكما تكذبان حور» بيض أو شديدات سواد العيون و بياضها « مقصورات في الخيام» مخدرات مصونات في خيام من در مجوف « فبأي ءالاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم» قبل أزواجهن « و لا جان فبأي ءالاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر» جمع رفرفة أي بسط أو وسائد أو رياض الجنة « و عبقري حسان» أي طنافس جمع عبقرية أو جنس وصف بالجمع للمعنى و نسبة إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد الجن فينسبون إليه كل عجيب « فبأي ءالاء ربكما تكذبان تبارك» تعالى « اسم ربك» تعالى مسماه و قيل الاسم مقحم « ذي الجلال و الإكرام» .