( بسم الله الرحمن الرحيم ) الحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم و الفرقان الحكيم على النبي الحليم الذي هو على خلق عظيم و جعله الدليل على خير سبيل و كتابا فيه تفصيل و بيان و تحصيل ، ظاهره أنيق و باطنه عميق لا تحصى عجائبه و لا تبلى غرائبه و الصلاة على من أرسل حجة للعالمين و كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و آله بحار العلوم و الحقائق و كنوز المعارف و الدقائق الذين أوتوا علم الكتاب تأويلا و تفسيرا و أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت و طهرهم تطهيرا ( أما بعد ) فيقول المذنب الجاني و الأسير الفاني أفقر الخلق إلى ربه الغني عبد الله ( شبر ) بن محمد رضا الحسيني رضي الله عنهما و أرضاهما و جعل الجنة مأواهما و مثواهما : هذه كلمات شريفة و تحقيقات منيفة و بيانات شافية و إشارات وافية تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية و غرائب الفقرات الفرقانية و نتحرى غالبا ما ورد عن خزان أسرار الوحي و التنزيل و معادن جواهر العلم و التأويل الذين نزل في بيوتهم جبرائيل بأوجز إشارة و ألطف عبارة و فيما يتعلق بالألفاظ و الأغراض و النكات البيانية تفسير وجيز فإنه ألطف التفاسير بيانا و أحسنها تبيانا مع وجازة اللفظ و كثرة المعنى و الله المستعان و عليه التكلان .
( 1 ) ( سورة الفاتحة ) سبع آيات ( 7 ) مكية
و قيل نزلت ثانيا بالمدينة و تسمى فاتحة الكتاب لأنها مفتتحة و أم الكتاب لاشتمالها على جمل معانيه و الحمد لله لذكره فيها و السبع المثاني لأنها سبع آيات اتفاقا لكنهم بين عاد للبسملة دون « أنعمت عليهم» و عاكس ، و تثنى في الفريضة أو الإنزال .
سورة الفاتحة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(1) الْحَمْدُ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) إِيَّاك نَعْبُدُ وَ إِيَّاك نَستَعِينُ(5) اهْدِنَا الصرَط الْمُستَقِيمَ(6) صِرَط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيرِ الْمَغْضوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضالِّينَ(7)« بسم الله الرحمن الرحيم» آية من الفاتحة و من كل سورة بإجماعنا و نصوصنا و الباء للاستعانة أو المصاحبة و الاسم من السمو أو من السمة و لم يقل بالله لأن التبرك باسمه و ليعم كل أسمائه ( و الله ) أصله إله حذفت الهمزة و عوضت عنها أداة التعريف و هو علم شخصي للذات المقدس الجامع لكل كمال و « الرحمن الرحيم» صفتان مشبهتان من رحم بالكسر و وصف تعالى بهما باعتبار غايتهما و الرحمن أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني أما باعتبار الكم لكثرة أفراد المرحومين و قلتها و عليه حمل يا رحمان الدنيا لشمول المؤمن و الكافر و رحيم الآخرة للاختصاص بالمؤمن أو باعتبار الكيف و عليه حمل يا رحمان الدنيا و الآخرة و رحيمهما لجسامة نعم الآخرة كلها بخلاف نعم الدنيا ، و إنما قدم الرحمن و مقتضى الترقي العكس لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم و الوصف فناسب توسيطه بينهما أو لأن الملحوظة في مقام التعظيم جلائل النعم و غيرها كالتتمة فقدم و أردف بالرحيم للتعميم تنبيها على أن جلائلها و دقائقها منه تعالى و خص البسملة بهذه الأسماء إعلاما بأن الحقيق بأن يستعان به في مجامع الأمور و هو المعبود الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها المولى للنعم كلها « الحمد لله» على ما أنعم علينا « رب العالمين» مالك الجماعات من كل مخلوق و خالقهم و سائق أرزاقهم إليهم و مدبر أمورهم و حافظهم و العالم كالطبائع ما يعلم به الصانع من الجواهر و الأعراض و إنما جمع و التعريف الاستغراقي يفيد الشمول للدلالة على أن للعالم أجناس مختلفة الحقائق كعالم الأرواح و عالم الأفلاك و عالم العناصر و نحوها و ربوبيته تعالى شاملة لها و جمع بالواو و النون لما فيه من معنىتفسير شبر ص :39الوصفية من الدلالة على العلم فغلب العقلاء و اختص بهم « الرحمن الرحيم» كرر تأكيدا و اهتماما و بيانا لعلة تخصيص الحمد به تعالى « مالك» « يوم الدين» أي الجزاء أو الحساب و قرأ ملك كما عن أهل البيت (عليهمالسلام) و سوغ وصف المعرفة به قصد معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو قصد الاستمرار الثبوتي أي ملك الأمر كله في ذلك اليوم أو له الملك بكسر الميم فيه فإضافته حقيقية و كذا إضافة ملك إذ لا مفعول للصفة المشبهة و تخصيص اليوم بالإضافة مع أنه مالك و ملك جميع الأشياء في كل الأوقات لتعظيم اليوم « إياك نعبد و إياك نستعين» قدم المعمول للحصر و لتقدمه تعالى في الوجود و للإشعار بأن العابد و المستعين ينبغي أن يكون نظرهما بالذات إلى الحق و كرر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى و لبسط الكلام مع المحبوب و لعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل و لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة و لمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من العباد على مطلوبهم و لأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه فعقبه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى و الضمير المستكن في الفعلين للقارىء و أثره على المفرد و المقام مقام تحقير لدخول الحفظة أو حاضري الجماعة أو كل موجود أو كل عضو من أعضائه « و إن من شيء إلا يسبح بحمده» و إيذانا بحقارة نفسه عن عرض العبادة و طلب المعونة منفردا بدون الانضمام إلى جماعة تشاركه كما يصنع في عرض الهدايا و رفع الحوائج إلى الملوك و احترازا عن الكذب لو انفرد في ادعائه و حسن الالتفات هنا أن إظهار مزايا المحمود يحسن عند غيره بخلاف العبادة و نحوها فإنه ينبغي كتمانها عن غير المعبود فناسب الخطاب و لأنه أقرب إلى الإخلاص و الإشارة إلى قوله (عليهالسلام) اعبد الله كأنك تراه و الله تعالى لغاية ظهوره كأنه حاضر مشاهد « اهدنا الصراط المستقيم» أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد و الهداية و الرشاد و التثبت و الصراط ، الجادة و المستقيم المستوي أي طريق الحق و هو ملة الإسلام « صراط الذين أنعمت عليهم» بالتوفيق لدينك و طاعتك من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا « غير المغضوب عليهم» ) من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله و غضب عليه « و لا الضالين» النصارى الذين قال الله فيهم « قد ضلوا من قبل و أضلوا كثيرا» و صح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد و حد و إنما دخلت لا في « و لا الضالين» لما في غيره من معنى النفي و إنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب و الضلال تأدبا و إشارة إلى تأسيس مباني الرحمة و أن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى و لحسن التصريح بالوعد و التعريض بالوعيد كما في قوله « لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم إن عذابي لشديد» دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب و الانتقام و نحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم .