تفسير قمي سوره انعام
6 سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية 165بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السموات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال نزلت الأنعام جملة واحدة و يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح و التهليل و التكبير فمن قرأها سبحوا له إلى يوم القيامة ، و أماتفسير القمي ج : 1ص :194قوله هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا و أجل مسمى عنده فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله و حتمه و المسمى هو الذي فيه البداء يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء ، و المحتوم ليس فيه تقديم و لا تأخير ، و حدثني ياسر عن الرضا (عليهالسلام) قال ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر و أن يقر له بالبداء أن يفعل الله ما يشاء و أن يكون في تراثه الكندر و قوله و هو الله في السموات و في الأرض يعلم سركم و جهركم و يعلم ما تكسبون قال السر ما أسر في نفسه و الجهر ما أظهره و الكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه و قوله و ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين إلى قوله و أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين و لو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين فإنه محكم ثم قال حكاية عن قريش و قالوا لو لا أنزل عليه ملك يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و لو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون فأخبر عز و جل أن الآية إذا جاءت و الملك إذا نزل و لم يؤمنوا هلكوا ، فاستعفى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من الآيات رأفة و رحمة على أمته و أعطاه الله الشفاعة ثم قال الله و لو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون و لقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قل لهم يا محمد سيروا في الأرض ثم انظروا أي انظروا في القرآن و أخبار الأنبياء فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ثم قال قل لهم لمن ما في السموات و الأرض ثم رد عليهم فقال قل لهم لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة يعني أوجب الرحمة على نفسه و قوله و له ما سكن في الليل و النهار و هو السميع العليم يعني ما خلقتفسير القمي ج : 1ص :195بالليل و النهار هو كله لله ، ثم احتج عز و جل عليهم فقال قل لهم أ غير الله أتخذ وليا فاطر السموات و الأرض أي مخترعها و قوله و هو يطعم و لا يطعم إلى قوله و هو القاهر فوق عباده و هو الحكيم الخبير فإنه محكم ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم و ذلك أن مشركي أهل مكة قالوا يا محمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك ، ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول ، و ذلك في أول ما دعاهم و هو يومئذ بمكة ، قالوا و لقد سألنا عنك اليهود و النصارى و زعموا أنه ليس لك ذكر عندهم فتأتينا من يشهد أنك رسول الله ، قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) « الله شهيد بيني و بينكم » الآية قال إنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، يقول الله لمحمد فإن شهدوا فلا تشهد معهم ، قال لا أشهد قل إنما هو إله واحد و إنني بريء مما تشركون و أما قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الآية فإن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم ؟ قال نعم و الله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان و الذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني ، قال الله الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون و قال علي بن إبراهيم ثم قال قل لهم يا محمد « أي شيء أكبر شهادة » يعني أي شيء أصدق قولا ثم قال « قل الله شهيد بيني و بينكم و أوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به و من بلغ » قال من بلغ هو الإمام قال محمد ينذر و إنا نقول كما أنذر به النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قوله و من أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون فإنه محكم ، و قوله و يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم أي كذبهم إلا أن قالوا و الله ربنا ما كنا مشركين و الدليل على أن الفتنة هاهنا الكذب قوله انظر كيف كذبوا على أنفسهم و ضل عنهمتفسير القمي ج : 1ص :196ما كانوا يفترون أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال و منهم من يستمع إليك و جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه يعني غطاء و في آذانهم وقرا أي صمما و إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك أي يخاصمونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين أي أكاذيب الأولين ، و قوله و هم ينهون عنه و ينؤن عنه قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و يمنعون قريشا عنه و ينأون عنه أي يباعدون عنه و يساعدونه و لا يؤمنون ، و قوله و لو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين قال نزلت في بني أمية ثم قال : بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل قال من عداوة أمير المؤمنين (عليهالسلام) و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال و قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا و ما نحن بمبعوثين فقال الله و لو ترى إذ وقفوا على ربهم قال قال حكاية عن قول من أنكر قيام الساعة فقال : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون يعني آثامهم و قوله و ما الحيوة الدنيا إلا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون أ فلا تعقلون محكم .و قوله قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون فإنها قرئت على أبي عبد الله (عليهالسلام) فقال بلى و الله لقد كذبوه أشد التكذيب و إنما نزل « لا يأتونك » أي لا يأتون بحق يبطلون حقك ، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث [ البختري ] قال قال أبو عبد الله (عليهالسلام) يا حفص إن من صبر صبر قليلا و إن من جزع جزع قليلا ثمتفسير القمي ج : 1ص :197قال عليك بالصبر في جميع أمورك فإن الله بعث محمدا و أمره بالصبر و الرفق فقال « و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجرا جميلا » فقال « ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم » فصبر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) حتى قابلوه بالعظائم و رموه بها فضاق صدره ، فأنزل الله « و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون » ثم كذبوه و رموه فحزن لذلك فأنزل الله تعالى قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون و لقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا و أوذوا حتى أتاهم نصرنا فألزم نفسه الصبر (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقعدوا و ذكروا الله تبارك و تعالى بالسوء و كذبوه ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قد صبرت في نفسي و أهلي و عرضي و لا صبر لي على ذكرهم إلهي فأنزل الله « و لقد خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام و ما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون » فصبر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في جميع أحواله ، ثم بشر في الأئمة من عترته و وصفوا بالصبر « و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون » فعند ذلك قال (عليهالسلام) الصبر من الإيمان كالرأس من البدن فشكر الله له ذلك فأنزل الله عليه « و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون » فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) آية بشرى و انتقام ، فأباح الله قتل المشركين حيث وجدوا فقتلهم على يدي رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أحبائه و عجل الله له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة .تفسير القمي ج : 1ص :198و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله و إن كان كبر عليكإعراضهم قال كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يحب إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف دعاه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أن يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأنزل الله و إن كان كبر عليك إعراضهم إلى قوله نفقا في الأرض يقول سربا فقال علي بن إبراهيم في قوله نفقا في الأرض أو سلما في السماء قال إن قدرت أن تحفر الأرض و تصعد السماء أي لا تقدر على ذلك ، ثم قال : و لو شاء الله لجمعهم على الهدى أي جعلهم كلهم مؤمنين و قوله فلا تكونن من الجاهلين مخاطبة للنبي و المعنى للناس ثم قال إنما يستجيب الذين يسمعون يعني يعقلون و يصدقون و الموتى يبعثهم الله أي يصدقون بأن الموتى يبعثهم الله و قالوا لو لا نزل عليه آية أي هلا أنزل عليه آية ، قال إن الله قادر على أن ينزل آية و لكن أكثرهم لا يعلمون قال لا يعلمون أن الآية إذا جاءت و لم يؤمنوا بها ليهلكوا و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « إن الله قادر على أن ينزل آية » و سيريكم في آخر الزمان آيات ، منها دابة في الأرض ، و الدجال ، و نزول عيسى بن مريم (عليهماالسلام) و طلوع الشمس من مغربها و قوله و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم يعني خلق مثلكم ، و قال كل شيء مما خلق خلق مثلكم ما فرطنا في الكتاب من شيء أي ما تركنا ثم إلى ربهم يحشرون و قوله و الذين كذبوا بآياتنا صم و بكم في الظلمات يعني قد خفي عليهم ما تقوله من يشأ الله يضلله أي يعذبه و من يشأ يجعله على صراط مستقيم يعني يبين له و يوفقه حتى يهتدي إلى الطريق .حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عبد الله قال حدثنا كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « الذين كذبوا بآياتنا صم بكم » يقول صم عن الهدى و بكم لا يتكلمون بخير « في الظلمات » يعنيتفسير القمي ج : 1ص :199ظلمات الكفر « من يشأ الله يضلله و من يشأ يجعله على صراط مستقيم » و هو رد على قدرية هذه الأمة ، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين و النصارى و المجوس ، فيقولون « و الله ربنا ما كنا مشركين » يقول الله « انظر كيف كذبوا على أنفسهم و ضل عنهم ما كانوا يفترون » قال فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ألا إن لكل أمة مجوس ، و مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر و يزعمون أن المشية و القدرة إليهم و لهم أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله « و الله ربنا ما كنا مشركين » بولاية علي (عليهالسلام) ، حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول الله عز و جل « الذين كذبوا بآياتنا صم بكم في الظلمات من يشأ الله يضلله و من يشأ يجعله على صراط مستقيم » فقال أبو جعفر نزلت في الذين كذبوا بأوصيائهم ، صم بكم ، كما قال الله في الظلمات ، من كان من ولد إبليس فإنه لا يصدق بالأوصياء و لا يؤمن بهم أبدا و هم الذين أضلهم الله ، و من كان من ولد آدم آمن بالأوصياء فهم على صراط مستقيم ، قال و سمعته يقول كذبوا بآياتنا كلها في بطن القرآن أن كذبوا بالأوصياء كلهم ، ثم قال قل لهم يا محمد أ رأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أ غير الله تدعون إن كنتم صادقين ثم رد عليهم فقال : بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء و تنسون ما تشركون قال تدعون الله إذا أصابكم ضر ثم إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون ، أي تتركون الأصنام ، و قوله عز و جل لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضراء .تفسير القمي ج : 1ص :200لعلهم يتضرعون يعني كي يتضرعوا ثم قال فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا و لكن قست قلوبهم و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا و أغناهم عقوبة لفعلهم الردي فلما فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون أي آيسون و ذلك قول الله تبارك و تعالى في مناجاته لموسى (عليهالسلام) ، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال كانت مناجاة الله لموسى (عليهالسلام) يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين ، و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته ، فما فتح الله على أحد هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك فلا يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول الله عز و جل فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء قال أما قوله « فلما نسوا ما ذكروا به » يعني فلما تركوا ولاية علي أمير المؤمنين (عليهالسلام) و قد أمروا به « فتحنا عليهم أبواب كل شيء » يعني دولتهم في الدنيا و ما بسط لهم فيها و أما قوله « حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون » يعني بذلك قيام القائم حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط ، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية على محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سألته عن الورع فقال الذي يتورع عن محارم الله و يجتنب الشبهات و إذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه و إذا رأى المنكر و لم ينكره و هو يقدر عليه فقد أحب أن يعصي الله اختيارا و من أحب أن يعصي الله فقد بارز الله بالعداوة و من أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصيتفسير القمي ج : 1ص :201الله إن الله تبارك و تعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال « فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين » و قوله قل أ رأيتم إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم و ختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قال قل لقريش إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم و ختم على قلوبكم من يرد ذلكم عليكم إلا الله و قوله « ثم هم يصدفون » أي يكذبون ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « قل أ رأيتم إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم و ختم على قلوبكم » يقول إن أخذ الله منكم الهدى من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول يعترضون ، و أما قوله قل أ رأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون فإنها نزلت لما هاجر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى المدينة و أصاب أصحابه الجهد و العلل و المرض فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأنزل الله عز و جل قل لهم يا محمد أ رأيتم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ، أي إنهم لا يصيبهم إلا الجهد و الضرر في الدنيا ، فأما العذاب الأليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلا القوم الظالمين .و قوله و ما نرسل المرسلين إلا مبشرين و منذرين فمن آمن و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ثم قال قل لهم يا محمد لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب و لا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قال ما أملك لكم خزائن الله و لا أعلم الغيب و أما قوله إنها من عند الله ثم قال هل يستوي الأعمى و البصير أي من يعلم و من لا يعلم أ فلا تتفكرون ثم قال و أنذر به يعني بالقرآن الذين يخافون أي يرجون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي و لا شفيع لعلهم يتقون .تفسير القمي ج : 1ص :202و أما قوله و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء و ما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين فإنه كان سبب نزولها أنه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون أصحاب الصفة ، و كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أمرهم أن يكونوا في الصفة يأوون إليها ، و كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يتعاهدهم بنفسه و ربما حمل إليهم ما يأكلون ، و كانوا يختلفون إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فيقربهم و يقعد معهم و يؤنسهم و كان إذا جاء الأغنياء و المترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك و يقولون له اطردهم عنك فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و عنده رجل من أصحاب الصفة قد لزق برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يحدثه ، فقعد الأنصاري بالبعد منهما ، فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) تقدم فلم يفعل ، فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لعلك خفت أن يلزق فقره بك فقال الأنصاري اطرد هؤلاء عنك ، فأنزل الله « و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ... إلخ ثم قال و كذلك فتنا بعضهم ببعض أي اختبرنا الأغنياء بالغناء لننظر كيف مواساتهم للفقراء و كيف يخرجون ما فرض الله عليهم في أموالهم ، فاختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر و عما في أيدي الأغنياء و ليقولوا أي الفقراء أ هؤلاء الأغنياء من الله عليهم من بيننا أ ليس الله بأعلم بالشاكرين ثم فرض الله على رسوله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أن يسلم على التوابين و الذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال و إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة يعني أوجب الرحمة لمن تاب و الدليل على ذلك قوله إنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده و أصلح فإنه غفور رحيم و قوله و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين يعني مذهبهم و طريقتهم تستبين إذا وصفناهم ، ثم قال قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا و ماتفسير القمي ج : 1ص :203أنا من المهتدين ، قل إني على بينة من ربي و كذبتم به أي بالبينة التي أنا عليها ما عندي ما تستعجلون به يعني الآيات التي سألوها إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين أي يفصل بين الحق و الباطل ثم قال قل لهم لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني و بينكم يعني إذا جاءت الآية هلكتم و انقضى ما بيني و بينكم و قوله و عنده مفاتح الغيب يعني عالم الغيب لا يعلمها إلا هو و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة إلا يعلمها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين قال الورقة السقط ، و الحبة الولد ، و ظلمات الأرض الأرحام ، و الرطب ما يبقى و يحيا ، و اليابس ما تغيض الأرحام ، و كل ذلك في كتاب مبين و قوله و هو الذي يتوفيكم بالليل يعني بالنوم و يعلم ما جرحتم بالنهار يعني ما عملتم بالنهار و قوله ثم يبعثكم فيه يعني ما عملتم من الخير و الشر و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله ليقضى أجل مسمى قال هو الموت ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون و أما قوله و هو القاهر فوق عباده و يرسل عليكم حفظة يعني الملائكة الذين يحفظونكم و يحفظون أعمالكم حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا و هم الملائكة و هم لا يفرطون أي لا يقصرون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين و قوله قل من ينجيكم من ظلمات البر و البحر تدعونه تضرعا و خفية إلى قوله ثم أنتم تشركون فإنه محكم و قوله قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض فقوله « يبعث عليكم عذاباتفسير القمي ج : 1ص :204من فوقكم » قال السلطان الجائر أو من تحت أرجلكم قال السفلة و من لا خير فيه أو يلبسكم شيعا قال العصبية و يذيق بعضكم بأس بعض قال سوء الجوار ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « و هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم » هو الدخان و الصيحة « أو من تحت أرجلكم » و هو الخسف « أو يلبسكم شيعا » و هو اختلاف في الدين و طعن بعضكم على بعض « و يذيق بعضكم بأس بعض » و هو أن يقتل بعضكم بعضا ، و كل هذا في أهل القبلة كذا يقول الله انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون و كذب به قومك و هم قريش و قوله لكل نبأ مستقر يقول لكل نبأ حقيقة و سوف تعلمون و أيضا قال انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون يعني كي يفقهوا و قوله و كذب به قومك و هو الحق يعني القرآن كذبت به قريش قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر أي لكل خبر وقت و سوف تعلمون .و قوله و إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره يعني الذين يكذبون بالقرآن و يستهزءون ، ثم قال فإن أنساك الشيطان في ذلك الوقت عما أمرتك به فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى بن أعين قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم إن الله يقول في كتابه « فإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ... إلخ » و قوله و ما على الذين يتقون من حسابهم من شيء أي ليس يؤخذ المتقون بحساب الذين لا يتقون و لكن ذكرى أي أذكر لعلهم يتقون كي يتقوا ثم قال و ذر الذين اتخذوا دينهم لعبا و لهوا و غرتهم الحيوة الدنيا يعني الملاهيتفسير القمي ج : 1ص :205و ذكر به أن تبسل نفس أي تسلم ليس لها من دون الله ولي و لا شفيع و أن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء و لا صرف أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا أي أسلموا بأعمالهم لهم شراب من حميم و عذاب أليم بما كانوا يكفرون و قوله احتجاجا على عبدة الأوثان قل لهم أ ندعو من دون الله ما لا ينفعنا و لا يضرنا و نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله و قوله كالذي استهوته الشياطين أي خدعتهم في الأرض فهو حيران .و قوله له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا يعني ارجع إلينا و هو كناية عن إبليس فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد إن هدى الله هو الهدى و أمرنا لنسلم لرب العالمين و قوله و أقيموا الصلوة و اتقوه و هو الذي إليه تحشرون و هو الذي خلق السموات و الأرض بالحق و يوم يقول كن فيكون قوله الحق و له الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير فإنه محكم .ثم حكى عز و جل قول إبراهيم (عليهالسلام) و إذ قال إبراهيم لأبيه آزر أ تتخذ أصناما آلهة إني أريك و قومك في ضلال مبين فإنه محكم و أما قوله و كذلك نري إبراهيم ملكوت السموات و الأرض و ليكون من الموقنين فإنه حدثني أبي عن إسماعيل بن ضرار [ مرار ] عن يونس بن عبد الرحمن عن هشام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال كشط له عن الأرض و من عليها و عن السماء و من فيها و الملك الذي يحملها و العرش و من عليه ، و فعل ذلك برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير عنتفسير القمي ج : 1ص :206أبي عبد الله (عليهالسلام) قال لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ثم رأى ثالثة فدعا عليهم فماتوا ، فأوحى الله يا إبراهيم إن دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم ، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف ، صنف يعبدوني و لا يشركون بي شيئا فأثيبه ، و صنف يعبدون غيري فليس يفوتني ، و صنف يعبدون غيري فأخرج من صلبه من يعبدني ، و أما قوله فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربي فلما أفل أي غاب قال لا أحب الآفلين فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان قال قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين و يدعو إلى دين آخر ، فقال نمرود في أي بلاد يكون ؟ قال في هذه البلاد ، و كان منزل نمرود بكوني ربا [ كوثي ريا ]تفسير القمي ج : 1ص :207فقال له نمرود قد خرج إلى الدنيا ؟ قال آزر لا ، قال فينبغي أن يفرق بين الرجال و النساء ، ففرق بين الرجال و النساء ، و حملت أم إبراهيم (عليهالسلام) و لم تبين حملها ، فلما حان ولادتها قالت يا آزر إني قد اعتللت و أريد أن أعتزل عنك ، و كان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها ، فخرجت و اعتزلت عن زوجها و اعتزلت في غار ، و وضعت بإبراهيم (عليهالسلام) فهيئته و قمطته ، و رجعت إلى منزلها و سدت باب الغار بالحجارة ، فأجرى الله لإبراهيم (عليهالسلام) لبنا من إبهامه ، و كانت أمه تأتيه و وكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر ، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، و كان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر ، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه ، فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها ، فقال يا أمي أخرجيني ، فقالت له يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ، فلما خرجت أمه و خرج من الغار و قد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء ، فقال هذا ربي فلما أفلت قال لو كان هذا ربي ما تحرك و لا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب ، فلما نظر إلى المشرق رأى و قد طلع القمر ، قال هذا ربي هذا أكبر و أحسن فلما تحرك و زال قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما أصبح و طلعت الشمس و رأى ضوءها و قد أضاءت الدنيا لطلوعها قال هذا ربي هذا أكبر و أحسن فلما تحركت و زالت كشف الله له عن السماوات حتى رأى العرش و من عليه و أراه الله ملكوت السماوات و الأرض فعند ذلك قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا و ما أنا من المشركين فجاء إلى أمه و أدخلته دارها و جعلته بين أولادها و سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن قول إبراهيم هذا ربي أشرك في قوله هذا ربي ؟ فقال لا من قال هذا اليوم فهو مشرك ، و لم يكن من إبراهيم شرك و إنماتفسير القمي ج : 1ص :208كان في طلب ربه و هو من غيره شرك ، فلما دخلت أم إبراهيم بإبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك و الملك يقتل أولاد الناس فقالت هذا ابنك ولدته في وقت كذا و كذا و حين اعتزلت عنك ، فقال ويحك إن علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده و كان آزر صاحب أمر نمرود و وزيره و كان يتخذ الأصنام له و للناس و يدفعها إلى ولده و يبيعونها ، فقالت أم إبراهيم لآزر لا عليك إن لم يشعر الملك به ، بقي لنا ولدنا و إن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه و كان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا و كان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع إخوته ، فكان يعلق في أعناقها الخيوط و يجرها على الأرض و يقول من يشتري ما [ لا ] يضره و لا ينفعه و يغرقها في الماء و الحمأة ، و يقول لها كلي و اشربي و تكلمي ، فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله و لم يدعه يخرج و حاجه قومه فقال إبراهيم أ تحاجوني في الله و قد هدان أي بين لي و لا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أ فلا تتذكرون ثم قال لهم و كيف أخاف ما أشركتم و لا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون أي أنا أحق بالأمن حيث أعبد الله أو أنتم الذين تعبدون الأصنام .و أما قوله الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أي صدقوا و لم ينكثوا و لم يدخلوا في المعاصي فيبطل إيمانهم ثم قال أولئك لهم الأمن و هم مهتدون و تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم يعني ما قد احتج إبراهيم على أبيه و عليهم .
و قوله و وهبنا له إسحاق و يعقوب يعني لإبراهيم كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس كل من الصالحين و إسمعيلتفسير القمي ج : 1ص :209و اليسع و يونس و لوطا و كلا فضلنا على العالمين و من آبائهم و ذرياتهم و إخوانهم و اجتبيناهم أي اختبرناهم و هديناهم إلى صراط مستقيم فإنه محكم و حدثني أبي عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال قال لي أبو جعفر (عليهالسلام) يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين قلت ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قال فبأي شيء احتججتم عليهم ؟ قلت يقول الله عز و جل في عيسى بن مريم « و من ذريته داود و سليمان إلى قوله و كذلك نجزي المحسنين » فجعل عيسى بن مريم من ذرية إبراهيم قال فبأي شيء قالوا لكم ؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد و لا يكون من الصلب ، قال فبأي شيء احتججتم عليهم ؟ قال قلت احتججنا عليهم بقول الله « قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم » قال فأي شيء قالوا لكم ؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب أبناء رجل و الآخر يقول أبناؤنا قال فقال أبو جعفر (عليهالسلام) و الله يا أبا الجارود لأعطينك من كتاب الله أنهما من صلب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و لا يردها إلا كافر ، قال قلت جعلت فداك و أين ؟
قال من حيث قال الله « حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم » الآية إلى أن ينتهي إلى قوله « و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم » فسلهم يا أبا الجارود هل حل لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا نعم فكذبوا و الله و فجروا و إن قالوا لا فهما و الله أبناؤه لصلبه و ما حرمتا عليه إلا للصلب . ثم قال عز و جل ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده و لو أشركوا يعني الأنبياء الذين قد تقدم ذكرهم لحبط عنهم ما كانوا يعملون ثم قال أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة فإن يكفر بها هؤلاء يعني أصحابه و قريش و من أنكروا بيعة أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقد وكلنا بها قوما ليسوا بهاتفسير القمي ج : 1ص :210بكافرين يعني شيعة أمير المؤمنين (عليهالسلام) ثم قال تأديبا لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده يا محمد ثم قال قل لقومك لا أسألكم عليه أجرا يعني على النبوة و القرآن أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين و قوله و ما قدروا الله حق قدره قال لم يبلغوا من عظمة الله أن يصفوه بصفاته إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء و هم قريش و اليهود فرد الله عليهم و احتج و قال قل لهم يا محمد من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا و هدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها يعني تقرءون ببعضها و تخفون كثيرا يعني من أخبار رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و علمتم ما لم تعلموا أنتم و لا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ثم قال و هذا كتاب يعني القرآن أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه يعني التوراة و الإنجيل و الزبور و لتنذر أم القرى و من حولها يعني مكة و إنما سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقت و الذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به أي بالنبي و القرآن و هم على صلاتهم يحافظون .قوله و من أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي و لم يوح إليه شيء و من قال سأنزل مثل ما أنزل الله فإنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح و كان أخا عثمان من الرضاعة حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان بن عفان من الرضاعة قدم المدينة و أسلم و كان له خط حسن و كان إذا نزل الوحي على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من الوحي و كان إذا قال له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) سميع بصير يكتب سميع عليم و إذا قال و الله بما تعملون خبير يكتب بصير ، و يفرق بين التاء و الياء و كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يقول هو واحد ، فارتد كافرا و رجع إلى مكة و قال لقريش و الله ما يدري محمد ما يقول أنا أقول مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك فأنا أنزل مثل ما أنزل الله فأنزل الله علىتفسير القمي ج : 1ص :211نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في ذلك « و من أظلم ممن افترى على الله كذبا ... إلخ » فلما فتح رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) مكة أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بقتله ، فجاء به عثمان قد أخذ بيده و رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم أعاد فسكت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم أعاد فقال هو لك ، فلما مر قال رسول الله لأصحابه أ لم أقل من رآه فليقتله ، فقال رجل كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلي فأقتله ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن الأنبياء لا يقتلون بالإشارة ، فكان من الطلقاء ثم حكى عز و جل ما يلقى أعداء آل محمد عليه و آله السلام عند الموت فقال : و لو ترى إذ الظالمون آل محمد حقهم في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون قال العطش بما كنتم تقولون على الله غير الحق و كنتم عن آياته تستكبرون قال ما أنزل الله في آل محمد تجحدون به ثم قال و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة و تركتهم ما خولناكم وراء ظهوركم و ما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء و الشركاء أئمتهم لقد تقطع بينكم يعني المودة و ضل عنكم أي بطل ما كنتم تزعمون حدثني أبي عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال نزلت هذه الآية في معاوية و بني أمية و شركائهم و أئمتهم و قوله إن الله فالق الحب و النوى قال الحب ما أحبه و النوى ما ناء عن الحق و قال أيضا الحب أن يفلق العلم من الأئمة و النوى ما بعد عنه يخرج الحي من الميت و مخرج الميت من الحي قال المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن ذلكم الله فأنى تؤفكون أي تكذبون و قوله فالق الإصباح و جعل الليل سكنا فقوله فالق الإصباح يعني مجيء النهار و الضوء بعد الظلمة و قوله و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر قال النجوم آل محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قوله و هو الذي أنشأكم من نفس واحدة قال من آدمتفسير القمي ج : 1ص :212فمستقر و مستودع قال المستقر الإيمان الذي يثبت في قلب الرجل إلى أن يموت و المستودع هو المسلوب منه الإيمان و قوله و هو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا يعني بعضه على بعض و من النخل من طلعها قنوان دانية و هو العنقود و جنات من أعناب يعني البساتين و قوله انظروا إلى ثمره إذا أثمر و ينعه أي بلوغه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون و جعلوا لله شركاء الجن قال و كانوا يعبدون الجن و خلقهم و خرقوا له بنين و بنات بغير علم أي موهوا و حرفوا فقال الله عز و جل ردا عليهم بديع السموات و الأرض أنى يكون له ولد و لم تكن له صاحبة و خلق كل شيء و هو بكل شيء عليم و قوله لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به و هو يدرك الأبصار أي يحيط بها و خلق كل شيء و هو اللطيف الخبير و قوله قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه و من عمي فعليها يعني على النفس و ذلك لاكتسابها المعاصي و هو رد على المجبرة الذين يزعمون أنه ليس لهم فعل و لا اكتساب و قوله و كذلك نصرف الآيات و ليقولوا درست و لنبينه لقوم يعلمون قال كانت قريش تقول لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن الذي تخبرنا به من الأخبار تتعلمه من علماء اليهود و تدرسه و قوله اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو و أعرض عن المشركين منسوخ بقوله « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » و قوله و لو شاء الله ما أشركوا فهو الذي يحتج به المجبرة إنا بمشيئة الله نفعل كل الأفعال و ليس لنا فيها صنع فإنما معنى ذلك أنه لو شاء الله أن يجعل الناس كلهم معصومين حتى كان لا يعصيه أحد لفعل ذلك و لكن أمرهم و نهاهم و امتحنهم و أعطاهم ما أزال علتهم و هي الحجة عليهم من الله يعني الاستطاعة ليستحقوا الثواب و العقاب و ليصدقوا ما قال الله من التفضل و المغفرة و الرحمة و العفو و الصفح و قوله و لا تسبوا الذينتفسير القمي ج : 1ص :213يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم فإنه حدثني أبي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إنه سئل عن قول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء ، فقال كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله و كان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون فقال : « و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم » و قوله كذلك زينا لكل أمة عملهم يعني بعد اختبارهم و دخولهم فيه فنسبه الله إلى نفسه و الدليل على أن ذلك لفعلهم المتقدم قوله ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون .ثم حكى قولهم و هم قريش فقال و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها فقال الله عز و جل قل إنما الآيات عند الله و ما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون يعني قريشا و قوله و نقلب أفئدتهم و أبصارهم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « و نقلب أفئدتهم و أبصارهم » يقول ننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها و نعمي أبصارهم فلا يبصرون بالهدى ، و قال علي بن أبي طالب (عليهالسلام) إن أول ما يغلبون [ يقلبون ] عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا و لم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا يقبل خيرا أبدا كما لم يؤمنوا به أول مرة يعني في الذر و الميثاق و نذرهم في طغيانهم يعمهون أي يضلون ثم عرف الله نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما في ضمائرهم و أنهم منافقون و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شيء قبلا أي عيانا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله و هذا أيضا ما يحتجون به المجبرة و معنى قوله إلا أن يشاء الله إلا أن يجبرهم على الإيمان .تفسير القمي ج : 1ص :214و قوله و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا يعني ما بعث الله نبيا إلا و في أمته شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض أي يقول بعضهم لبعض لا تؤمنوا بزخرف القول غرورا فهذا وحي كذب ، و حدثني أبي عن الحسين بن سعيد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال ما بعث الله نبيا إلا و في أمته شيطانان يؤذيانه و يضلان الناس بعده فأما صاحبا نوح فقنطيفوص [ فغنطيغوص ] و خرام ، و أما صاحبا إبراهيم فمكثل [ مكيل ] و رزام ، و أما صاحبا موسى فالسامري و مرعقيبا [ مرعتيبا ] و أما صاحبا عيسى فبولس [ يرليس يرليش ] و مريتون [ مريبون ] و أما صاحبا محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فحبتر [ جبتر ] و زريق [ زلام ] و قوله و لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة تصغى إليه أي يستمع لقوله المنافقون و يرضونه بألسنتهم و لا يؤمنون بقلوبهم و ليقترفوا أي ينتظروا ما هم مقترفون ثم قال قل لهم يا محمد أ فغير الله أبتغي حكما و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا يعني يفصل بين الحق و الباطل و قوله و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبيتفسير القمي ج : 1ص :215عبد الله (عليهالسلام) قال إذا خلق الله الإمام في بطن أمه يكتب على عضده الأيمن و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم و حدثني أبي عن حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد قال قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إن الله إذا أحب أن يخلق الإمام أخذ شربة من تحت العرش من ماء المزن أعطاها ملكا فسقاها إياه فمن ذلك يخلق الإمام ، فإذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الإمام أن يكتب بين عينيه « و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم » فإذا مضى ذلك الإمام الذي قبله رفع له منارا يبصر به أعمال العباد ، فلذلك يحتج به على خلقه .ثم قال عز و جل لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله يعني يحيروك عن الإمام فإنهم مختلفون فيه إن يتبعون إلا الظن و إن هم إلا يخرصون أي يقولون بلا علم بالتخمين و التقريب فكلوا مما ذكر اسم الله عليه قال من الذبائح ثم قال و ما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه و قد فصل لكم ما حرم عليكم يعني بين لكم إلا ما اضطررتم إليه و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين و قوله و ذروا ظاهر الإثم و باطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون قال الظاهر من الإثم المعاصي و الباطن الشرك و الشك في القلب و قوله « بما كانوا يقترفون » أي يعملون و قوله و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال من ذبائح اليهود و النصارى و ما يذبح على غير الإسلام ثم قال و إنه لفسق و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم يعني وحي كذب و فسوق و فجور إلى أوليائهم من الإنس و من يطيعهم ليجادلوكم أي ليخاصموكم و إن أطعتموهم إنكم لمشركون و قوله أ و من كان ميتا فأحييناه قال جاهلا عن الحق و الولاية فهديناه إليها و جعلنا له نورا يمشي به في الناس قال النور الولاية كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها يعني في ولاية غيرتفسير القمي ج : 1ص :216الأئمة (عليهمالسلام) كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون و قوله و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها يعني رؤساء ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون أي يمكرون بأنفسهم لأن الله يعذبهم عليه فإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله قال قالت الأكابر لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي الرسل من الوحي و التنزيل فقال الله تبارك و تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله و عذاب شديد بما كانوا يمكرون أي يعصون الله في السر و قوله فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا فالحرج الذي لا مدخل له فيه و الضيق ما يكون له المدخل الضيق كأنما يصعد في السماء قال يكون مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر أن تلقي أغصانها يمنة و يسرة فتمر في السماء و تسمى حرجة ، فضرب بها مثلا ثم قال كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون و قوله هذا صراط ربك مستقيما يعني الطريق الواضح قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون و قوله لهم دار السلام عند ربهم يعني في الجنة و السلام الأمان و العافية و السرور ثم قال و هو وليهم اليوم بما كانوا يعملون يعني الله جل و عز وليهم أي أولى بهم و قوله و يوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس و قال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض قال كل من والى قوما فهو منهم و إن لم يكن من جنسهم ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا يعني القيامة و قوله و كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون قال نولي كل من تولى أولياءهم فيكونون معهم يوم القيامة ، ثم ذكر عز و جل احتجاجا على الجن و الإنس يوم القيامة فقال : يا معشر الجن و الإنس أ لم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا و غرتهم الحيوة الدنيا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرينتفسير القمي ج : 1ص :217و قوله ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم و أهلها غافلون يعني لا يظلم أحدا حتى يبين لهم ما يرسل إليهم فإذا لم يؤمنوا هلكوا و لكل درجات مما عملوا يعني لهم درجات على قدر أعمالهم و ما ربك بغافل عما يعملون ثم قال و ربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم و يستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين و قوله إن ما توعدون لآت يعني من القيامة و الثواب و العقاب و ما أنتم بمعجزين و قوله و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم و هذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله و ما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون فإن العرب إذا زرعوا زرعا قالوا هذا لله و هذا لآلهتنا و كانوا إذا سقوها فحرف الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه و قالوا الله أغنى ، و إذا حرف من الذي للأصنام في الذي لله سدوه و قالوا الله أغنى ، و إذا وقع شيء من الذي لله في الذي للأصنام لم يردوه و قالوا الله أغنى ، و إذا وقع شيء من الذي للأصنام في الذي لله ردوه و قالوا الله أغنى ، فأنزل الله في ذلك على نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و حكى فعلهم ، و قولهم فقال « و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبا ... إلخ » و قوله : و كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم قال يعني أسلافهم زينوا لهم قتل أولادهم ليردوهم و ليلبسوا عليهم دينهم يعني يغيروهم و لو شاء الله ما فعلوه فذرهم و ما يفترون و قوله و قالوا هذه أنعام و حرث حجر قال الحجر المحرم لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم قال كانوا يحرمونها على قوم و أنعام حرمت ظهورها يعني البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام و أنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرمتفسير القمي ج : 1ص :218على أزواجنا و إن يكن ميتة فهم فيه شركاء فكانوا يحرمون الجنين الذي يخرجوه من بطون الأنعام يحرمونه على النساء فإذا كان ميتا يأكلوه الرجال و النساء ، فحكى الله قولهم لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال و قالوا ما في بطون هذه الأنعام إلى قوله سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ثم قال قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم أي بغير فهم و حرموا ما رزقهم الله و هم قوم يقتلون أولادهم من البنات للغيرة و قوم كانوا يقتلون أولادهم من الجوع ، و هذا معطوف على قوله « و كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم » فقال الله « و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم و إياهم » و قوله و هو الذي أنشأ جنات معروشات و غير معروشات قال البساتين و قوله و النخل و الزرع مختلفا أكله و الزيتون و الرمان متشابها و غير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر و قوله و آتوا حقه يوم حصاده قال يوم حصاد و كذا نزلت ، قال فرض الله يوم الحصاد من كل قطعة أرض قبضة للمساكين و كذا في جزاز [ جذاذ ] النخل و في الثمرة و كذا عند البذر أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوله « و آتوا حقه يوم حصاده » قال الضغث من السنبل و الكف من التمر إذا خرص قال سألت هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله بيته ؟ قال لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته ، و عنه عن أحمد البرقي عن سعد بن سعد عن الرضا (عليهالسلام) قال قلت فإن لم يحضر المساكين و هو يحصد كيف يصنع ؟ قال ليس عليه شيء و قوله و من الأنعام حمولة و فرشا يعني الثياب من الفرش كلوا مماتفسير القمي ج : 1ص :219رزقكم الله و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين و قوله ثمانية أزواج من الضأن اثنين و من المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ، و من الإبل اثنين و من البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فهذه التي أحلها الله في كتابه في قوله « و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج » ثم فسرها في هذه الآية فقال : « من الضأن اثنين » و من المعز اثنين و من الإبل اثنين و من البقر اثنين ، فقال (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : « من الضأن اثنين » عنى الأهلي و الجبلي « و من المعز اثنين » عنى الأهلي و الوحشي الجبلي « و من البقر اثنين » يعني الأهلي و الوحشي الجبلي « و من الإبل اثنين » يعني البخاتي و العراب فهذه أحلها الله ، و قد احتج قوم بهذه الآية قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فتأولوا هذه الآية أنه ليس شيء محرما إلا هذا ، و أحلوا كل شيء من البهائم ، القردة و الكلاب و السباع و الذئاب و الأسد و البغال و الحمير و الدواب ، و زعموا أن ذلك كله حلال لقوله « قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه » و غلطوا في هذا غلطا بينا و إنما هذه الآية رد على ما أحلت العرب و حرمت ، لأن العرب كانت تحلل على نفسها أشياء و تحرم أشياء فحكى الله ذلك لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما قالوا ، فقال : و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة
لذكورنا و محرم على أزواجنا فكان إذا سقط الجنين حيا أكله الرجال و حرم على النساء ، و إذا كان ميتا أكله الرجال و النساء ، و قد مضى ذكره و هو قوله « و ما قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ... إلخ » .تفسير القمي ج : 1ص :220و قوله و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر » يعني اليهود ، حرم الله عليهم لحوم الطير ، و حرم عليهم الشحوم و كانوا يحبونها إلا ما كان على ظهور الغنم أو في جانبه خارجا من البطن و هو قوله و حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أي الجنبين أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم و إنا لصادقون و معنى قوله جزيناهم ببغيهم أنه كان ملوك بني إسرائيل يمنعون فقراءهم من أكل لحم الطير و الشحوم فحرم الله ذلك عليهم ببغيهم على فقرائهم ، ثم قال الله لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة و لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ثم قال سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا و لا آباؤنا و لا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل يا محمد لهم هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن و إن أنتم إلا تخرصون ثم قال قل لهم فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين قال لو شاء لجعلكم كلكم على أمر واحد و لكن جعلكم على اختلاف ، ثم قال قل يا محمد لهم هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا و هو معطوف على قوله « و قالوا ما في بطون هذه الأنعام » ثم قال فإن شهدوا فلا تشهد معهم و لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا و الذين لا يؤمنون بالآخرة و هم بربهم يعدلون ثم قال لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قل لهم تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا قال الوالدين رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين (عليهالسلام) .تفسير القمي ج : 1ص :221و قوله و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم
وصاكم به لعلكم تعقلون فإنه محكم و قوله و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و بعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون فهذا كله محكم و قوله و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه قال الصراط المستقيم الإمام فاتبعوه و لا تتبعوا السبل يعني غير الإمام فتفرق بكم عن سبيله يعني لا تفرقوا و لا تختلفوا في الإمام إن تختلفوا في الإمام تضلوا عن سبيله ، أخبرنا حسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله « و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » قال نحن السبيل فمن أبى فهذه السبل فقد كفر ، ثم قال ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون يعني كي تتقوا ، و قوله ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن يعني تم له الكتاب لما أحسن و تفصيلا لكل شيء و هدى و رحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون هو محكم و قوله و هذا كتاب أنزلناه يعني القرآن مبارك فاتبعوه و اتقوا لعلكم ترحمون يعني كي ترحموا ، و قوله إن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا و إن كنا عن دراستهم لغافلين يعني اليهود و النصارى و إن كنا لم ندرس كتبهم أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم يعني قريشا ، قالوا لو أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى و أطوع منهم فقد جاءكم بينة من ربكم و هدى و رحمة يعني القرآن فمن أظلم ممن كذب بآيات الله و صدف عنها يعني دفع عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا أي يدفعون و يمنعون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ثم قال هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله
يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قال نزلت « أو اكتسبت في إيمانها خيرا » قل انتظروا إنا معكم منتظرون قال إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم لا ينفعه إيمانه .تفسير القمي ج : 1ص :222و قوله إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون قال فارقوا أمير المؤمنين (عليهالسلام) و صاروا أحزابا ، حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله « إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا » قال فارقوا القوم و الله دينهم ، و قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها و هم لا يظلمون فهذه ناسخة لقوله « من جاء بالحسنة فله خير منها » و قوله قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين و الحنيفية هي العشرة التي جاء بها إبراهيم (عليهالسلام) قل إن صلوتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ثم قال قل لهم يا محمد أ غير الله أبغي ربا و هو رب كل شيء و لا تكسب كل نفس إلا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل آثمة إثم أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون و قوله و هو الذي جعلكم خلائف الأرض و رفع بعضكم فوق بعض درجات قال في القدر و المال ليبلوكم أي يختبركم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب و إنه لغفور رحيم .