تفسير قمي سوره انفال - تفسیر قمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر قمی - نسخه متنی

علی بن ابراهیم القمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير قمي سوره انفال

8 سورة الأنفال مدنية خمس و سبعون آية 75

بسم الله الرحمن الرحيم يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله و الرسول و اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين فحدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه‏السلام‏) عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي لله و للرسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من أرض الجزية لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب ، و كل أرض لا رب لها و المعادن منها ، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال ، و قال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) على ثلاث فرق ، فصنف كانوا عند خيمة النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و صنف أغاروا على النهب ، و فرقة طلبت العدو و أسروا و غنموا فلما جمعوا الغنائم و الأسارى تكلمت الأنصار في الأسارى فأنزل الله تبارك و تعالى « ما كان لنبي

تفسير القمي ج : 1ص :255

أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض » فلما أباح الله لهم الأسارى و الغنائم تكلم سعد بن معاذ و كان ممن أقام عند خيمة النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ، فقال يا رسول الله ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الجهاد و لا جبنا عن العدو و لكنا خفنا أن نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين ، و قد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين و الأنصار و لم يشك أحد منهم فيما حسبته و الناس كثيرون يا رسول الله و الغنائم قليلة و متى تعطي هؤلاء لم يبق لأصحابك شي‏ء ، و خاف أن يقسم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) الغنائم و أسلاب القتلى بين من قاتل و لا يعطي من تخلف عليه عند خيمة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) شيئا ، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقالوا لمن هذه الغنائم فأنزل الله « يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله و الرسول » فرجع الناس و ليس لهم في الغنيمة شي‏ء ثم أنزل الله بعد ذلك و اعلموا أنما غنمتم من شي‏ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فقسم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بينهم ، فقال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أ تعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف ؟

فقال النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ثكلتك أمك و هل تنصرون إلا بضعفائكم ! قال فلم يخمس رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ببدر و قسمه بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر ، و نزل قوله « يسألونك عن الأنفال » بعد انقضاء حرب بدر فقد كتب ذلك في أول السورة و كتب بعده خروج النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى الحرب .

و قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى قوله لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم فإنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و أبي ذر و سلمان و المقداد ثم ذكر بعد ذلك الأنفال و قسمة الغنائم ، و خروج

تفسير القمي ج : 1ص :256

رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى الحرب فقال كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و إن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون و كان سبب ذلك أن عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم ، فأمر رسول الله أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم أن الله قد وعده إحدى الطائفتين إما العير و إما قريش إن أظفر بهم ، فخرج في ثلاث مائة و ثلاثة عشر رجلا ، فلما قارب بدر كان أبو سفيان في العير فلما بلغه أن الرسول (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا و مضى إلى الشام فلما وافى البهرة اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير و أعطاه قلوصا و قال له امض إلى قريش و أخبرهم أن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فأدركوا العير و أوصاه أن يخرم ناقته و يقطع أذنها حتى يسيل الدم و يشق ثوبه من قبل و دبر فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير و صاح بأعلى صوته يا آل غالب ! اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا ! و ما أراكم تدركون ، فإن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم ، فخرج ضمضم يبادر إلى مكة و رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كان راكبا قد دخل مكة ينادي يا آل عذر يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث ثم وافى بجملة على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهده من الجبل فما ترك من دور قريش إلا أصابها منه فلذة و كان وادي مكة قد سأل من أسفله دما فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة

تفسير القمي ج : 1ص :257

مصيبة تحدث في قريش و فشت الرؤيا في قريش و بلغ ذلك أبا جهل فقال ما رأت عاتكة هذه الرؤيا و هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب و اللات و العزى لننتظر ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت و إن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا و لا نساء من بني هاشم ، فلما مضى يوم قال أبو جهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال أبو جهل هذان يومان قد مضيا ، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي « يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا و ما أراكم تدركون فإن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم » فتصايح الناس بمكة و تهيئوا للخروج و قام سهيل بن عمرو و صفوان بن أمية و أبو البختري بن هشام و منية و بنية ابنا الحجاج و نوفل بن خويلد فقال يا معشر قريش و الله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه أن يطمع محمد و الصباة عن أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم فو الله ما قرشي و لا قرشية إلا و لها في هذه العير شي‏ء فصاعدا و أنه الذل و الصغار أن يطمع محمد في أموالكم و يفرق بينكم و بين متجركم فاخرجوا ، و أخرج صفوان بن أمية خمس مائة دينار و جهز بها و أخرج سهيل بن عمرو خمس مائة و ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالا و حملوا و قووا و أخرجوا على الصعب و الذلول ما يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى : خرجوا من ديارهم بطرا و رئاء الناس ، و خرج معهم العباس بن عبد المطلب و نوفل بن الحارث و عقيل بن أبي طالب و أخرجوا معهم القينان يشربون الخمر و يضربون بالدفوف و خرج رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في ثلاث مائة و ثلاثة عشر رجلا ، فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن أبي الرعبا [ بن أبي الدعناء ] و مجد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر و أناخا راحلتيهما و استعذبا من الماء ، و سمعا جاريتين قد تشبثت إحداهما بالأخرى و تطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت

تفسير القمي ج : 1ص :258

عير قريش نزلت أمس في موضع كذا و كذا و هي تنزل غدا هاهنا و أنا أعمل لهم و أقضيك ، فرجع أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إليه فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير و أقبل وحده حتى انتهى إلى ماء بدر و كان بها رجل من جهينية يقال له كسب الجهني فقال له يا كسب هل لك علم بمحمد و أصحابه ؟ قال لا ، قال و اللات و العزى لإن كتمتنا أمر محمد لا يزال قريش معادية لك آخر الدهر فإنه ليس أحد من قريش إلا و له في هذه العير النش فصاعدا فلا تكتمي ، فقال و الله ما لي علم بمحمد و ما بال محمد و أصحابه بالتجار ألا و إني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا و استعذبا من الماء و أناخا راحلتيهما و رجعا فلا أدري من هما ، فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففت أبعار الإبل بيده فوجد فيها النوى فقال هذه علايف يثرب هؤلاء عيون محمد ، فرجع مسرعا و أمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر و تركوا الطريق و مروا مسرعين و نزل جبرئيل على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فأخبره أن العير قد أفلتت و أن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها و أمره بالقتال و وعده النصر ، و كان نازلا ماء الصفراء فأحب أن يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه أن ينصروه في الدار ، فأخبرهم أن العير قد جازت و أن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها و أن الله قد أمرني بمحاربتهم ، فجزع أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من ذلك و خافوا خوفا شديدا ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أشيروا علي ، فقام الأول فقال يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها .

ما آمنت منذ كفرت و لا ذلت منذ عزت ، و لم تخرج على هيئة الحرب ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) له اجلس فجلس قال أشيروا علي فقام الثاني فقال مثل مقالة الأول فقال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) اجلس فجلس ثم

تفسير القمي ج : 1ص :259

قام المقداد فقال يا رسول الله و إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق من عند الله و لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا و شوك الهراش خضنا معك و لا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى « اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون » و لكنا نقول « امض لأمر ربك فإنا معك مقاتلون » فجزاه النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) خيرا ثم جلس ثم قال أشيروا علي ، فقام سعد بن معاذ ، فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله كأنك أردتنا ؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره قال نعم قال بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت و خذ من أموالنا ما شئت و اترك منه ما شئت و الذي أخذت منه أحب إلي من الذي تركت منه ، و الله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ، فجزاه خيرا ثم قال سعد بأبي أنت و أمي يا رسول الله و الله ما خضت هذا الطريق قط و ما لي به علم و قد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم و لو علموا أنه الحرب لما تخلفوا و لكن نعد لك الرواحل و نلقي عدونا فإنا نصبر عند اللقاء ، أنجاد في الحرب و إنا لنرجوا أن يقر الله عينك بنا فإن يك ما تحب فهو ذلك و إن يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أو يحدث الله غير ذلك ، كأني بمصرع فلان هاهنا و بمصرع فلان هاهنا و بمصرع أبي جهل و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و منية و بنية ابني الحجاج فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين و لن يخلف الله الميعاد ، فنزل جبرئيل (عليه‏السلام‏) على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بهذه الآية « كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى قوله و لو كره المجرمون » فأمر
رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بالرحيل حتى نزل عشاء على ماء بدر و هي العدوة الشامية .

تفسير القمي ج : 1ص :260

و أقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية ، و بعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و حبسوهم ، فقالوا لهم من أنتم ؟ قالوا نحن عبيد قريش ، قالوا فأين العير ؟ قالوا لا علم لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم ، و كان رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يصلي فانفتل من صلاته فقال إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم علي بهم ، فأتوا بهم فقال لهم من أنتم ؟ قالوا يا محمد نحن عبيد قريش ، قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم ، قال كم ينحرون في كل يوم جزورا ؟ قالوا تسعة أو عشرة ، فقال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) تسعمائة أو ألف ، ثم قال فمن فيهم من بني هاشم ؟ قال العباس بن عبد المطلب و نوفل بن الحارث و عقيل بن أبي طالب ، فأمر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بهم فحبسوهم ، و بلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا ، و لقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام [ بن هاشم بن عبد المطلب ] فقال له أ ما ترى هذا البغي و الله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا و قد أفلتت فجئنا بغيا و عدوانا ، و الله ما أفلح قوم قط بغوا و لوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كله و لم نسر هذا الميسر ، فقال له أبو البختري إنك سيد من سادات قريش ، تحمل العير التي أصابها محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أصحابه بنخلة [ بنخيلة ] و دم ابن الحضرمي فإنه حليفك ، فقال عتبة أنت علي بذلك و ما على أحد منا خلاف إلا ابن حنظلة يعني أبا جهل فسر إليه و أعلمه أني قد تحملت العير التي قد أصابها محمد و دم ابن الحضرمي .

تفسير القمي ج : 1ص :261

فقال أبو البختري فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعا له فقلت له إن
أبا الوليد بعثني إليك برسالة ، فغضب ثم قال أ ما وجد عتبة رسولا غيرك ؟ فقلت أما و الله لو غيره أرسلني ما جئت و لكن أبا الوليد سيد العشيرة ، فغضب أشد من الأولى ، فقال تقول سيد العشيرة ! فقلت أنا أقوله ؟ و قريش كلها تقوله ، إنه قد تحمل العير و دم ابن الحضرمي ، فقال إن عتبة أطول الناس لسانا و أبلغهم في الكلام و يتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف و ابنه معه ، و يريد أن يحذر [ يخذل ] بين الناس لا و اللات و العزى حتى نقتحم عليهم بيثرب و نأخذهم أسارى فندخلهم مكة و تتسامع العرب بذلك و لا يكونن بيننا و بين متجرنا أحد نكرهه .

و بلغ أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا و بكوا و استغاثوا فأنزل الله على رسوله إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين و ما جعله الله إلا بشرى و لتطمئن به قلوبكم و ما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم فلما مشى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و جنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا و أنزل الله تبارك و تعالى عليهم السماء و كان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم فأنزل الله عليهم السماء حتى تثبت أقدامهم على الأرض و هو قول الله تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به و يذهب عنكم رجس الشيطان و ذلك أن بعض أصحاب النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) احتلم و ليربط على قلوبكم و يثبت به الأقدام و كان المطر على قريش مثل العزالي و كان على أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) رذاذا بقدر ما لبد الأرض .

تفسير القمي ج : 1ص :262

و خافت قريش خوفا شديدا فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات فبعث
رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) عمار بن ياسر و عبد الله بن مسعود فقال ادخلا في القوم و أتياني بأخبارهم ، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون إلا خائفا ذعرا إذا صهل الفرس وثب على جحفلته فسمعوا منبه بن الحجاج يقول :

لا يترك الجزع [ الجوع ] لنا مبيتا
لا بد أن نموت أو نميتا قال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و الله كانوا شباعي [ سباعي ] و لكنهم من الخوف قالوا هذا و ألقى الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فلما أصبح رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) عبا أصحابه و كان في عسكره (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فرسان فرس للزبير بن العوام و فرس للمقداد ، و كان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها فكان رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و مرثد بن أبي مرثد الغنوي و علي بن أبي طالب (عليه‏السلام‏) على جمل يتعاقبون عليه و الجمل لمرثد و كان في عسكر قريش أربعمائة فرس .

فعبأ رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أصحابه بين يديه و قال غضوا أبصاركم لا تبدوهم بالقتال و لا يتكلمن أحد ، فلما نظر قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قال أبو جهل : ما هم إلا أكلة رأس و لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد ، فقال عتبة بن ربيعة أ ترى لهم كمينا و مددا ؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي ، و كان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ثم صعد الوادي و صوت ثم رجع إلى قريش ، فقال ما لهم كمين و لا مدد و لكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع ، أ ما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم و ما أراهم يولون حتى يقتلون ، و لا يقتلون حتى يقتلون
بعددهم ، فارتئوا رأيكم ، فقال أبو جهل كذبت و جبنت و انتفخ منخرك حين نظرت إلى سيوف يثرب .

تفسير القمي ج : 1ص :263

و فزع أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) حين نظروا إلى كثرة قريش و قوتهم فأنزل الله على رسوله و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله و قد علم الله أنهم لا يجنحون و لا يجيبون إلى السلم و إنما أراد سبحانه بذلك ليطيب قلوب أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فبعث رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى قريش ، فقال يا معشر قريش ما أحد من العرب أبغض إلي ممن بدأ بكم خلوني و العرب فإن أك صادقا فأنتم أعلى بي عينا و إن أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا ، فقال عتبة و الله ما أفلح قوم قط ردوا هذا ، ثم ركب جمالا له أحمر فنظر إليه رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يجول في العسكر و ينهى عن القتال ، فقال إن يكن عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر فإن يطيعوه يرجعوا و يرشدوا ، فأقبل عتبة يقول يا معشر قريش اجتمعوا و استمعوا ثم خطبهم فقال يمن رحب فرحب مع يمن يا معشر قريش ! أطيعوني اليوم و اعصوني الدهر و ارجعوا إلى مكة و اشربوا الخمور و عانقوا الحور فإن محمدا له إل و ذمة و هو ابن عمكم فارجعوا و لا تنبذوا رأيي و إنما تطالبون محمدا بالعير التي أخذها محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بنخيلة و دم ابن الحضرمي و هو حليفي و علي عقله ، فلما سمع أبو جهل ذلك عاظه و قال إن عتبة أطول الناس لسانا و أبلغهم في الكلام و لئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ثم قال يا عتبة ! نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب و جبنت و انتفخ سحرك و تأمر الناس بالرجوع و قد رأينا ثارنا بأعيننا ، فنزل عتبة عن جمله و حمل على أبي جهل

تفسير القمي ج : 1ص :264

و كان على فرس فأخذ بشعره فقال الناس يقتله ، فعرقب فرسه و قال أ مثلي يجبن و ستعلم قريش اليوم أينا ألأم و أجبن و أينا المفسد لقومه ، لا يمشي إلا أنا و أنت إلى الموت عيانا ثم قال هذا حبائي و خياره فيه ، و كل جان يده إلى فيه [ ثم أخذ بشعره يجره ] فاجتمع الناس فقالوا يا أبا الوليد الله الله لا تفت في أعضاد الناس تنهى عن شي‏ء و تكون أوله .

فخلصوا أبا جهل من يده فنظر عتبة إلى أخيه شيبة ، و نظر إلى ابنه الوليد ، فقال قم يا بني فقام ثم لبس درعه و طلبوا له بيضة تسع رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتم بعمامتين ثم أخذ سيفه و تقدم هو و أخوه و ابنه ، و نادى يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار عود و معود و عوف من بني عفرا ، فقال عتبة من أنتم ؟ انتسبوا لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفرا أنصار الله و أنصار رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ، قالوا ارجعوا ، فإنا لسنا إياكم نريد ، إنما نريد الأكفاء من قريش ، فبعث إليهم رسول الله أن ارجعوا فرجعوا و كره أن يكون أول الكرة بالأنصار ، فرجعوا و وقفوا موقفهم ، ثم نظر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، و كان له سبعون سنة فقال له قم يا عبيدة ! فقام بين يديه بالسيف ، ثم نظر إلى حمزة بن عبد المطلب ، فقال قم يا عم ! ثم نظر إلى أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) فقال له قم يا علي ! و كان أصغرهم ، فقال فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم قد جاءت قريش بخيلائها و فخرها تريد أن تطفى‏ء نور الله و يأبى الله إلا أن يتم نوره ، ثم قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يا عبيدة عليك بعتبة ، و قال لحمزة عليك بشيبة و قال لعلي عليك بالوليد بن عتبة ، فمروا حتى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة من أنتم ؟ انتسبوا لنعرفكم ،

تفسير القمي ج : 1ص :265

فقال عبيدة : أنا عبيدة بن حارث بن عبد المطلب ، فقال كفو كريم فمن هذان ؟ قال حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب (عليه‏السلام‏) ، فقال كفوان كريمان لعن الله من أوقفنا و إياكم هذا الموقف ، فقال شيبة لحمزة من أنت ؟ فقال أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله ، و قال له شيبة لقد لقيت أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله ! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته ، و ضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها ، و سقطا جميعا ، و حمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما ، و كل واحد يتقي بدرقته .

و حمل أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه ، فقال علي (عليه‏السلام‏) فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ، ثم اعتنق حمزة و شيبة فقال المسلمون يا علي أ ما ترى الكلب قد أبهر عمك ، فحمل علي (عليه‏السلام‏) ثم قال يا عم طأطى‏ء رأسك و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) على رأسه فطير نصفه ، ثم جاء إلى عتبة و به رمق فأجهز عليه ، و حمل عبيدة بين حمزة و علي حتى أتيا به رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فنظر إليه رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و استعبر ، فقال يا رسول الله بأبي و أنت و أمي أ لست شهيدا ؟ فقال بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي قال أما لو كان عمك حيا لعلم أني أولى بما قال منه ، قال و أي أعمامي تعني ؟ قال أبو طالب حيث يقول (عليه‏السلام‏) :

كذبتم و بيت الله نبرأ محمدا
و لما نطاعن دونه و نناضل
و ننصره حتى نصرع حوله
و نذهل عن أبنائنا و الحلائل فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أ ما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله و رسوله و ابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة فقال يا رسول الله أ سخطت علي في هذه الحالة
فقال ما سخطت عليك و لكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك .

تفسير القمي ج : 1ص :266

و قال أبو جهل لقريش لا تعجلوا و لا تبطروا كما عجل و بطر أبناء ربيعة ، عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا و عليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها و كان فتية من قريش أسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر و هم على الشك و الارتياب و النفاق منهم قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو قيس بن الفاكهة و الحارث بن ربيعة و علي بن أمية بن خلف و العاص بن المنية ، فلما نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة ، فأنزل الله على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم و من يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم و جاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم أنا جاركم ادفعوا إلي رايتكم ، فدفعوها إليه و جاء بشياطينه يهول بهم على أصحاب رسول الله و يخيل إليهم و يفزعهم و أقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية فنظر إليه رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ، فقال غضوا أبصاركم و عضوا على النواجذ و لا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء و قال « يا رب إن تهلك هذه العصابة لم تعبد و إن شئت أن لا تعبد لا تعبد » ثم أصابه الغشي فسري عنه و هو يسلت العرق عن وجهه و يقول :

هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين قال فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله و قائل يقول أقدم حيزوم أقدم حيزوم ! و سمعنا قعقعة السلاح من الجو و نظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع و رمى باللواء فأخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبه ثم قال ويلك يا سراقة تفت في أعضاد الناس فركله إبليس ركلة في صدره و قال إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله و هو قول الله و إذ زين لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه
و قال إني بري‏ء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله و الله شديد العقاب ثم قال عز و جل و لو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم و ذوقوا عذاب الحريق .

تفسير القمي ج : 1ص :267

قال و حمل جبرئيل على إبليس فطلبه حتى غاص في البحر ، و قال رب أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين ، روي في الخبر أن إبليس التفت إلى جبرئيل و هو في الهزيمة فقال يا هذا أ بدا لكم فيما أعطيتمونا ؟ فقيل لأبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أ ترى كان يخاف أن يقتله ؟ فقال لا و لكنه كان يضربه ضربا يشينه منها إلى يوم القيامة و أنزل على رسوله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان قال أطراف الأصابع ، فقد جاءت قريش بخيلائها و فخرها تريد أن تطفى‏ء نور الله و يأبى الله إلا أن يتم نوره ، و خرج أبو جهل من بين الصفين فقال إن محمدا (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قطعنا الرحم و أتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة فأنزل الله على رسوله إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح و إن تنتهوا فهو خير لكم و إن تعودوا نعد و لن تغني عنكم فئتكم شيئا و لو كثرت و أن الله مع المؤمنين ثم أخذ رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) كفا من حصى فرمى به وجوه قريش و قال « شاهت الوجوه » فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام فقتل منهم سبعون ، و أسر منهم سبعون ، و التقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل بن هشام على فخذيه و ضرب أبو جهل عمرا على يده فأبانها من العضد فتعلقت بجلده فاتكأ عمرو على يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت

تفسير القمي ج : 1ص :268

الجلدة و رمى بيده ، و قال عبد الله بن مسعود انتهيت إلى أبي جهل و هو يتشحط في دمه فقلت الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه فقال إنما أخزى الله عبد بن أم عبد الله لمن الدين ويلك قلت لله و لرسوله و إني قاتلك و وضعت رجلي على عنقه فقال ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم أما إنه ليس شي‏ء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم أ لا تولى قتلي رجل من المطمئنين أو رجل من الأحلاف فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته و أخذت رأسه و جئت به إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد لله شكرا و أسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب (عليه‏السلام‏) و جاء بهما إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال له هل أعانك عليهما أحد ؟ قال نعم رجل عليه ثياب بياض ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) للعباس أفد نفسك و ابن أخيك ، فقال يا رسول الله قد كنت أسلمت و لكن القوم استكرهوني ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقا فإن الله يجزيك عليه و أما ظاهر أمرك فقد كنت علينا ثم قال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يا عباس إنكم خاصمتم الله فخصمكم ، ثم قال أفد نفسك و ابن أخيك و قد كان العباس أخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فلما قال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) للعباس أفد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لا ، ذاك أعطانا الله منك ، فأفد نفسك و ابن أخيك ، فقال العباس فليس لي مال غير الذي ذهب مني ، قال بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة .

فقلت لها إن حدث علي حدث فاقسموه بينكم .

فقال ما تتركني إلا و أنا أسأل الناس بكفي .

تفسير القمي ج : 1ص :269

فأنزل
الله على رسوله في ذلك يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم و الله غفور رحيم ثم قال و إن يريدوا خيانتك في علي فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم و الله عليم حكيم ثم قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لعقيل قد قتل الله يا أبا يزيد أبا جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شبيب بن ربيعة و منية و بنية ابني الحجاج و نوفل بن خويلد و سهيل بن عمرو و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط و فلانا و فلانا ، فقال عقيل إذا لا تنازع في تهامة فإن كنت قد أثخنت القوم و إلا فاركب أكتافهم فتبسم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من قوله .

و كان القتلى ببدر سبعين و الأسرى سبعين قتل منهم أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) سبعة و عشرين و لم يؤسر أحدا ، فجمعوا الأسارى و قرنوهم في الجمال و ساقوهم على أقدامهم و جمعوا الغنائم و قتل من أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) تسعة رجال فمنهم سعد بن خثيمة و كان من النقباء فرحل رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و نزل الأثيل عند غروب الشمس و هو من بدر على ستة أميال فنظر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث بن كلدة و هما في قران واحد ، فقال النضر لعقبة يا عقبة أنا و أنت من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لأن محمدا قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل ، فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يا علي علي بالنضر و عقبة و كان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي فأخذ بشعره فجره إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال النضر يا محمد أسألك بالرحم الذي بيني و بينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني و إن فاديتهم فاديتني و إن أطلقتهم أطلقتني فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لا رحم بيني و بينك قطع الله الرحم بالإسلام قدمه يا علي فاضرب عنقه ، فقال عقبة يا محمد أ لم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا ، قال أ فأنت من قريش ؟ إنما أنت علج من أهل صفورية لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له لست منها قدمه

تفسير القمي ج : 1ص :270

يا علي فاضرب عنقه ، فقدمه و ضرب عنقه فلما قتل رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) النضر و عقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقالوا يا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قد قتلنا سبعين و أسرنا سبعين و هم قومك و أساراك هبهم لنا يا رسول الله و خذ منهم الفداء و أطلقهم فأنزل الله عليهم ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة و الله عزيز حكيم لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء و يطلقوهم و شرط أنه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) سبعون رجلا فقال من بقي من أصحابه يا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ما هذا الذي أصابنا و قد كنت تعدنا بالنصر ! فأنزل الله عز و جل فيهم أ و لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ببدر قتلتم سبعين و أسرتم سبعين قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم بما اشترطتم .

رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم قال العير أو قريش و قوله و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب و يريد الله أن يحق الحق بكلماته قال الكلمات الأئمة (عليهم‏السلام‏) و قوله : ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله أي عادوا الله و رسوله ، ثم قال عز و جل يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا أي يدنوا بعضكم من بعض فلا تولوهم الأدبار و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال يعني يرجع أو متحيزا إلى فئة يعني يرجع إلى صاحبه و هو الرسول أو الإمام فقد كفروا باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير ثم قال فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم أي أنزل الملائكة حتى قتلوهم ثم قال و ما رميت إذا رميت و لكن الله رمى يعني الحصى الذي حمله

تفسير القمي ج : 1ص : 271

رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و رمى به في وجوه قريش و قال « شاهت الوجوه » ثم قال ذلكم و أن الله موهن كيد الكافرين أي مضعف كيدهم و حيلتهم و مكرهم ، و قوله يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال الحياة الجنة و قوله و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه أي يحول بين ما يريد الله و بين ما يريده .

حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم » يقول ولاية علي بن أبي طالب (عليه‏السلام‏) فإن اتباعكم إياه و ولايته أجمع لأمركم و أبقى للعدل فيكم ، و أما قوله « و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه » يقول يحول بين المؤمن و معصيته التي تقوده إلى النار و يحول بين الكافر و بين طاعته أن يستكمل به الإيمان و اعلموا أن الأعمال بخواتيمها ، و قوله و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فهذه في أصحاب النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قال الزبير يوم هزم أصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية و ما أحسب أني من أهلها حتى كان اليوم لقد كنت أتقيها و لا أعلم أني من أهلها .

رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله « و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة » قال نزلت في الزبير و طلحة لما حاربا أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و ظلموه و قوله و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيديكم بنصره و رزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون نزلت في قريش خاصة و قوله يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر فلفظ الآية عام و معناها خاص و هذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة ، و قد كتبت في هذه السورة مع أخبار بدر و كانت بدر على رأس ستة عشر شهرا

تفسير القمي ج : 1ص :272

من مقدم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) المدينة و نزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله « آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا » الآية نزلت في أبي لبابة فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله على نبيه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) .

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله « يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون » فخيانة الله و الرسول معصيتهما و أما خيانة الأمانة فكل إنسان مأمون على ما افترض الله عليه .

رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق و الباطل و يكفر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم و الله ذو الفضل العظيم و قوله و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين فإنها نزلت بمكة قبل الهجرة و كان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس و الخزرج ، فقال لهم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) تمنعوني و تكونون لي جارا حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة ؟

فقالوا نعم خذ لربك و لنفسك ما شئت ، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا و رجعوا إلى منى ، و كان فيهم ممن قد حج بشر كثير ، فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة و لا تنبهوا نائما و لينسل واحد فواحد ، فجاء سبعون رجلا من الأوس و الخزرج فدخلوا الدار ، فقال لهم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) تمنعوني و تجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة ؟ فقال سعد بن زرارة و البراء بن مغرور [ معرور ] و عبد الله بن حزام نعم يا رسول الله اشترط لربك و لنفسك ما شئت ، فقال أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم و تمنعوا أهلي مما تمنعون أهاليكم
و أولادكم ، فقالوا و ما لنا على ذلك ؟

تفسير القمي ج : 1ص :273

فقال الجنة في الآخرة و تملكون العرب و تدين لكم العجم في الدنيا ، فقالوا قد رضينا ، فقال أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فأشار إليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس فمن الخزرج سعد بن زرارة و البراء بن مغرور و عبد الله بن حزام و [ و هو ] أبو جابر بن عبد الله و رافع بن مالك و سعد بن عبادة و المنذر بن عمر و عبد الله بن رواحة و سعد بن الربيع و عبادة بن الصامت و من الأوس أبو الهشيم بن التيهان و هو من اليمن و أسد بن حصين و سعد بن خثيمة ، فلما اجتمعوا و بايعوا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) صاح إبليس يا معشر قريش و العرب ! هذا محمد و الصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى و هاجت قريش فأقبلوا بالسلاح و سمع رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) النداء فقال للأنصار تفرقوا ! فقالوا يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لم أومر بذلك و لم يأذن الله لي في محاربتهم ، قالوا أ فتخرج معنا قال أنتظر أمر الله فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح ، و خرج حمزة و أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و معهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش إليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له ؟ فقال حمزة ما اجتمعنا و ما هاهنا أحد و الله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة و قالوا لا نأمن من أن يفسد أمرنا و يدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ، فاجتمعوا في الندوة و كان لا يدخل دار الندوة إلا من قد أتى عليه أربعون سنة ، فدخلوا أربعون رجلا من مشايخ قريش ، و جاء إبليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال
له البواب من أنت فقال أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم ، فقال الرجل ادخل فدخل إبليس .

تفسير القمي ج : 1ص :274

فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا ، نحن أهل الله تغدو إلينا العرب في السنة مرتين و يكرموننا و نحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه و سكونه و صدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ و أكرمناه ادعى أنه رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شبابنا و فرق جماعتنا و زعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شي‏ء أعظم من هذا ، و قد رأيت فيه رأيا قالوا و ما رأيت ؟ قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله ، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات ، فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا و كيف ذلك ؟ قال لأن قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ؟ فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم و حلفاؤهم من خزاعة و أن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض فيقع بينكم الحروب في حرمكم و تتفانوا .

فقال آخر منهم فعندي رأي آخر ، قال و ما هو ؟ قال نثبته في بيت و نلقي إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير و النابغة و إمرؤ القيس فقال إبليس هذا أخبث من الآخر .

قال و كيف ذلك ؟ قال لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم و اجتمعوا عليكم فأخرجوه ، قال آخر منهم لا و لكنا نخرجه من بلادنا و نتفرغ نحن لعبادة آلهتنا ، قال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين قالوا و كيف ذاك ؟ قال لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها و أنطق الناس لسانا و أفصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم و يسحرهم بلسانه فلا يفجأكم

تفسير القمي ج : 1ص :275

إلا و قد ملأها عليكم خيلا و رجلا ، فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس فما الرأي فيه يا شيخ ؟ قال ما فيه إلا رأي واحد ، قالوا و ما هو ؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد و يكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها ، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه و قد شاركوا فيه ، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم و عشر ديات ، ثم قالوا الرأي رأي الشيخ النجدي ، فاجتمعوا و دخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ، و نزل جبرئيل (عليه‏السلام‏) على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك و أنزل عليه في ذلك « و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين » و اجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه و خرجوا إلى المسجد يصفرون و يصفقون و يطوفون بالبيت فأنزل الله و ما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاء و تصدية فالمكاء التصفير و التصدية صفق اليدين و هذه الآية معطوفة على قوله « و إذ يمكر بك الذين كفروا » و قد كتبت بعد آيات كثيرة .

فلما أمسى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل فإن في الدار صبيانا و نساء و لا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة ، فإذا أصبحنا دخلنا عليه ، فناموا حول حجرة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أمر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أن يفرش له ففرش له فقال لعلي بن أبي طالب أفدني بنفسك ، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي و التحف ببردتي فنام علي على فراش رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و التحف ببردته و جاء جبرئيل فأخذ

تفسير القمي ج : 1ص :276

بيد رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فأخرجه على قريش و هم نيام و هو يقرأ عليهم « و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون » و قال له جبرئيل خذ على طريق ثور ، و هو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور ، فدخل الغار و كان من أمره ما كان فلما أصبحت قريش و أتوا إلى الحجرة و قصدوا الفراش ، فوثب علي في وجوههم ، فقال ما شأنكم ؟ قالوا له أين محمد ؟ قال أ جعلتموني عليه رقيبا ؟

أ لستم قلتم نخرجه من بلادنا ، فقد خرج عنكم ، فأقبلوا يضربون أبا لهب و يقولون أنت تخدعنا منذ الليلة ، فتفرقوا في الجبال ، و كان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقفو الآثار ، فقالوا له يا أبا كرز اليوم اليوم ، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال هذه قدم محمد و الله إنها لأخت القدم التي في المقام و كان أبو بكر استقبل رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فرده معه ، فقال أبو كرز و هذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال و هاهنا عبر ابن أبي قحافة فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ، ثم قال ما جاوزا هذا المكان إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض ، و بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، و جاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب و صرفهم الله عن رسوله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ثم أذن لنبيه في الهجرة .

و قوله و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فإنها نزلت لما قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لقريش إن

تفسير القمي ج : 1ص :277

الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا و أجر الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب و تدين لكم بها العجم و تكونوا ملوكا في الجنة ، فقال أبو جهل اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، حسدا لرسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ثم قال كنا و بنو هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا و نطعن إذا طعنوا و نوقد إذا أوقدوا فلما استوى بنا و بهم الركب قال قائل منهم منا نبي ، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم و لا يكون في بني مخزوم ، ثم قال غفرانك اللهم فأنزل الله في ذلك و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون حين قال غفرانك اللهم ، فلما هموا بقتل رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أخرجوه من مكة قال الله و ما لهم ألا يعذبهم الله و هم يصدون عن المسجد الحرام و ما كانوا أولياءه يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة إن أولياؤه إلا المتقون أنت و أصحابك يا محمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا ، قال و حدثني أبي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) قال قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول « و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم » و مفارقتي إياكم خير لكم فقالوا يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا ؟ قال أما إن مفارقتي إياكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض علي كل خميس و اثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها و ما كان من سيئة استغفرت الله لكم و أما قوله إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم و أخبرهم بخروج رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في طلب العير فأخرجوا أموالهم

تفسير القمي ج : 1ص :278

و حملوا و أنفقوا و خرجوا إلى محاربة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ببدر فقتلوا و صاروا إلى النار و كان ما أنفقوا حسرة عليهم و قوله و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي كفرا و هي ناسخة لقوله « كفوا أيديكم » و لقوله « و دع أذاهم » قوله و اعلموا أنما غنمتم من شي‏ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربى .

و هو الإمام و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فهم أيتام آل محمد خاصة و مساكينهم و أبناء سبيلهم خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس و يقسم على ستة أسهم : سهم لله و سهم لرسول الله و سهم للإمام ، فسهم الله و سهم الرسول يرثه الإمام (عليه‏السلام‏) فيكون للإمام ثلاثة أسهم من ستة و ثلاثة أسهم لأيتام آل الرسول و مساكينهم و أبناء سبيلهم ، إنما صارت للإمام وحده من الخمس ثلاثة أسهم لأن الله قد ألزمه ما ألزم النبي من تربية الأيتام و مؤن المسلمين و قضاء ديونهم و حملهم في الحج و الجهاد و ذلك قول رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لما أنزل الله عليه « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم » و هو أب لهم فلما جعله الله أبا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال عند ذلك من ترك مالا فلورثته و من ترك دينا أو ضياعا فعلى الوالي ، فلزم الإمام ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة أسهم .

قوله و إذ أنتم بالعدوة الدنيا و هم بالعدوة القصوى يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية و رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) حيث نزل بالعدوة الشامية و الركب أسفل منكم و هي العير التي أفلتت ثم قال و لو تواعدتم للحرب لما وفيتم و لكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة قال يعلم من بقي أن الله نصره و قوله إذ يريكهم الله في منامك قليلا و لو أريكهم كثيرا لفشلتم و لتنازعتهم في الأمر فالمخاطبة لرسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏)
و المعنى لأصحابه أراهم الله قريشا في نومهم أنهم قليل و لو أراهم كثيرا لفزعوا .

تفسير القمي ج : 1ص :279

حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون قال أبو جعفر (عليه‏السلام‏) نزلت في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون قوله الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة فهم أصحابه الذين فروا يوم أحد قوله و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء نزلت في معاوية لما خان أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) قوله و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة قال السلاح قوله و إن جنحوا للسلم فاجنح لها قال هي منسوخة بقوله « و لا تهنوا و تدعوا إلى السلم و أنتم الأعلون و الله معكم » نزلت هذه الآية أعني قوله « و إن جنحوا للسلم » قبل نزول قوله « يسئلونك عن الأنفال » و قبل الحرب و قد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء أخبار بدر و قوله و إن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم قال نزلت في الأوس و الخزرج .

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) قال إن هؤلاء قوم كانوا معه من قريش فقال الله « فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين و ألف بين قلوبهم » إلى آخر الآية فهم الأنصار كان بين الأوس و الخزرج حرب شديد و عداوة في الجاهلية فألف الله بين قلوبهم و نصر بهم نبيه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فالذين ألف بين قلوبهم هم الأنصار خاصة ، رجع إلى رواية علي بن إبراهيم قوله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا قال كان الحكم في أول النبوة في أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أن

تفسير القمي ج : 1ص :280

الرجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفار ، فإن هرب منهم فهو الفار من الزحف و المائة يقاتلون ألفا ثم علم الله أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فأنزل الله الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ففرض الله عليهم أن يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فإن فر منهما فهو الفار من الزحف ، فإن كانوا ثلاثة من الكفار و واحد من المسلمين ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف ، و قوله إن الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك بعضهم أولياء بعض فإن الحكم كان في أول النبوة أن المواريث كانت على الأخوة لا على الولادة ، فلما هاجر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى المدينة آخا بين المهاجرين و بين الأنصار فكان إذا مات الرجل يرثه أخوه في الدين و يأخذ المال و كان ما ترك له دون ورثته ، فلما كان بعد بدر أنزل الله « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين و المهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا » فنسخت آية الأخوة بقوله « أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض » قوله و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‏ء حتى يهاجروا و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم و بينهم ميثاق فإنها نزلت في الأعراب و ذلك أن رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) صالحهم على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا إلى المدينة و على أنه إن أرادهم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) غزا بهم و ليس لهم في الغنيمة شي‏ء و أوجبوا على النبي أنه إن أرادهم الأعراب من غيرهم أو دهاهم دهم من عدوهم أن ينصرهم إلا على قوم بينهم و بين الرسول عهد و ميثاق إلى مدة و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال إلا تفعلوه يعني إن لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف تكن فتنة في الأرض و فساد كبير
ثم قال و الذين آمنوا من بعد و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قال نسخت قوله « و الذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم » .

تفسير القمي ج : 1ص :281

/ 1