تفسير قمي سوره بقره - تفسیر قمی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر قمی - نسخه متنی

علی بن ابراهیم القمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير قمي سوره بقره

تفسير القمي ج : 1ص :30

2 سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية 286

بسم الله الرحمن الرحيم ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) قال أبو الحسن علي بن إبراهيم حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال الكتاب علي (عليه‏السلام‏) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون قال مما علمناهم ينبئون و مما علمناهم من القرآن يتلون و قال الم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المتقطع في القرآن الذي خوطب به النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و الإمام فإذا دعا به أجيب و الهداية في كتاب الله على وجوه أربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد و الإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه فمنه إقرار باللسان قد سماه الله إيمانا و منه تصديق بالقلب و منه الأداء و منه التأييد .

( الأول ) الإيمان الذي هو إقرار باللسان و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا و نادى أهله به لقوله يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا و إن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا و لئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم و بينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما قال الصادق (عليه‏السلام‏) لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق و أهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان و لكن قد سماهم الله مؤمنين
بإقرارهم و قوله « يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله و رسوله » فقد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم ثم قال لهم صدقوا .

تفسير القمي ج : 1ص :31

( الثاني ) الإيمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله « الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة » يعني صدقوا و قوله « و قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة » أي لا نصدقك و قوله « يا أيها الذين آمنوا آمنوا » أي يا أيها الذين أقروا صدقوا فالإيمان الحق هو التصديق و للتصديق شروط لا يتم التصديق إلا بها و قوله « ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلوة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون » فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق .

( الثالث ) الإيمان الذي هو الأداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال أصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت فأنزل الله تبارك و تعالى « و ما كان الله ليضيع إيمانكم » فسمى الصلاة إيمانا .

( الرابع ) من الإيمان و هو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان فقال « لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه » و الدليل على ذلك قوله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) « لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن يفارقه روح الإيمان ما دام على بطنها فإذا

تفسير القمي ج : 1ص :32

قام عاد إليه » قيل و ما الذي يفارقه قال « الذي يدعه [ يرعد ] في قلبه ثم قال (عليه‏السلام‏) « ما من قلب إلا و له أذنان على أحدهما ملك مرشد و على الآخر شيطان مغتر هذا يأمره و هذا يزجره » و من الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن [ خبيث و طيب ] حيث قال « ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب » و منهم من يكون مؤمنا مصدقا و لكنه يلبس إيمانه بظلم و هو قوله « الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون » فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس إيمانه بظلم فلا ينفعه الإيمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس إيمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله .

قوله و الذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك قال بما أنزل من القرآن إليك و ما أنزل على الأنبياء قبلك من الكتب .

قوله إن الذين كفروا سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون فإنه حدثني أبي عن بكر بن صالح عن أبي عمر الزبيدي [ الزبيري ] عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود و هو على وجهين جحود بعلم و جحود بغير علم فأما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله و قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلا الدهر و ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون و قوله « إن الذين كفروا سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » فهؤلاء كفروا و جحدوا بغير علم و أما الذين كفروا و جحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك و تعالى و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلاء كفروا و جحدوا بعلم قال و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال هذه

تفسير القمي ج : 1ص :33

الآية نزلت في اليهود و النصارى يقول الله تبارك و تعالى « الذين آتيناهم الكتاب يعني التورية و الإنجيل يعرفونه يعني رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) كما يعرفون أبناءهم » لأن الله عز و جل قد أنزل عليهم في التوراة و الزبور و الإنجيل صفة محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و صفة أصحابه و مبعثه و هجرته و هو قوله « محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية و مثلهم في الإنجيل » هذه صفة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أصحابه في التوراة و الإنجيل فلما بعثه الله عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله « فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به » فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجي‏ء النبي أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة و يكون هجرته بالمدينة و هو آخر الأنبياء و أفضلهم في عينيه حمرة و بين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة و يجتزي بالكسرة و التميرات و يركب الحمار عرية و هو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه و لا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر و ليقتلنكم الله به يا معشر العرب قتل عاد ، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه و كفروا به كما قال الله « و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به » و منه كفر البراءة و هو قوله « ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض » أي يتبرأ بعضكم من بعض ، و منه كفر الشرك لما أمر الله و هو قوله « و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر » أي ترك الحج و هو مستطيع فقد كفر ، و منه كفر النعم و هو قوله « ليبلوني ء أشكر أم أكفر و من شكر فإنما يشكر لنفسه و من كفر » أي و من لم يشكر نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله .

تفسير القمي ج : 1ص :34

قوله و من الناس من يقول آمنا بالله و اليوم الآخر و ما هم بمؤمنين فإنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله الإسلام و كانوا إذا رأوا الكفار قالوا « إنا معكم » و إذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون و كانوا يقولون للكفار « إنا معكم إنما نحن مستهزءون » فرد الله عليهم « الله يستهزى‏ء بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون » و الاستهزاء من الله هو العذاب « و يمدهم في طغيانهم يعمهون » أي يدعهم .

قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و الضلالة هنا الحيرة و الهدى هو البيان و اختاروا الحيرة و الضلالة على الهدى و البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون قوله صم بكم عمي و الصم الذي لا يسمع و البكم الذي يولد من أمه أعمى و العمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله أو كصيب من السماء أي كمطر من السماء و هو مثل الكفار قوله يخطف أبصارهم أي يعمي قوله إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا أي في شك قوله فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم يعني الذين عبدوهم و أطاعوهم من دون الله إن كنتم صادقين قوله كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و أتوا به متشابها قال يؤتون من فاكهة واحدة على ألوان متشابهة قوله و لهم فيها أزواج مطهرة أي لا يحضن و لا يحدثن .

و أما قوله إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم و أما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا فإنه قال الصادق (عليه‏السلام‏) إن هذا القول من الله عز و جل رد على من زعم أن الله تبارك و تعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عز و جل إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال و حدثني أبي عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس

تفسير القمي ج : 1ص :35

عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) إن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) فالبعوضة أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و ما فوقها رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و الدليل على ذلك قوله « فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم » يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) الميثاق عليهم له « و أما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا » فرد الله عليهم فقال « و ما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه في علي و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل » يعني من صلة أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و الأئمة (عليهم‏السلام‏) « و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون » قوله و كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم أي نطفة ميتة و علقة و أجرى فيكم الروح فأحياكم ثم يميتكم بعد ثم يحييكم في القيامة ثم إليه ترجعون و الحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة ، فمن الحياة ابتداء خلق الإنسان في قوله « فإذا سويته و نفخت فيه من روحي » فهي الروح المخلوق خلقه الله و أجرى في الإنسان « فقعوا له ساجدين » .

و الوجه الثاني من الحياة يعني به إنبات الأرض و هو قوله يحيي الأرض بعد موتها و الأرض الميتة التي لا نبات لها فإحياؤها بنباتها .
و وجه آخر من الحياة و هو دخول الجنة و هو قوله « استجيبوا لله و لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم » يعني الخلود في الجنة و الدليل على ذلك قوله « و إن الدار الآخرة لهي الحيوان » .

و أما قوله و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال سئل عما ندب الله الخلق إليه أ دخل فيه الضلالة ؟ قال نعم و الكافرون دخلوا فيه لأن الله تبارك و تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة و إبليس فإن إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله و كانت .

تفسير القمي ج : 1ص :36

الملائكة تظن أنه منهم و لم يكن منهم فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم (عليه‏السلام‏) أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن مثلهم فقيل له (عليه‏السلام‏) فكيف وقع الأمر على إبليس و إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟ فقال كان إبليس منهم بالولاء و لم يكن من جنس الملائكة و ذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم و كان إبليس منهم حاكما في الأرض فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السماء و كان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك و تعالى آدم (عليه‏السلام‏) .

فحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن [ أبي ] مقدام عن ثابت الحذاء عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه (عليهم‏السلام‏) عن أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) قال إن الله تبارك و تعالى أراد أن يخلق خلقا بيده و ذلك بعد ما مضى من الجن و النسناس في الأرض سبعة آلاف سنة و كان من شأنه خلق آدم كشط عن أطباق السماوات قال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن و النسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم و غضبوا و تأسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن و هذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك و يعيشون برزقك و يتمتعون بعافيتك و هم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه فيك قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال إني جاعل في الأرض خليفة يكون حجة لي في الأرض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك أ تجعل فيها من يفسد فيها

تفسير القمي ج : 1ص :37

كما أفسد بنو الجان و يسفكون الدماء كما سفك بنو الجان و يتحاسدون و يتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نتحاسد و لا نتباغض و لا نسفك الدماء و نسبح بحمدك و نقدس لك قال جل و عز إني أعلم ما لا تعلمون إني أريد أن أخلق خلقا بيدي و أجعل من ذريته أنبياء و مرسلين و عبادا صالحين أئمة مهتدين و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي و ينذرونهم من عذابي و يهدونهم إلى طاعتي و يسلكون بهم طريق سبيلي و أجعلهم لي حجة عليهم و أبيد النسناس من أرضي و أطهرها منهم و أنقل مردة الجن العصاة من بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي و أجعل بين الجن و بين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن و لا يجالسونهم و لا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم و أسكنتهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم و لا أبالي قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مائة عام ، قال فلاذوا بالعرش و أشاروا بالأصابع فنظر الرب عز و جل إليهم و نزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به و دعوا العرش فإنه لي رضى فطافوا به و هو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون أبدا فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء و وضع الكعبة توبة لأهل الأرض فقال الله تبارك و تعالى « إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين » قال و كان ذلك من الله تعالى في آدم قبل أن يخلقه و احتجاجا منه عليهم ( قال ) فاغترف ربنا عز و جل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات و كلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك أخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين و الأئمة المهتدين و الدعاة إلى الجنة و أتباعهم إلى يوم القيامة و لا أبالي و لا أسأل عما

تفسير القمي ج : 1ص :38

أفعل و هم يسألون ، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين و الفراعنة و العتاة و إخوان الشياطين و الدعاة إلى النار إلى يوم القيامة و أشياعهم و لا أبالي و لا أسأل عما أفعل و هم يسألون قال و شرطه في ذلك البداء و لم يشترط في أصحاب اليمين ثم أخلط

تفسير القمي ج : 1ص :39

المائين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه و هما سلالة من طين ثم أمر الله

تفسير القمي ج : 1ص :40

الملائكة الأربعة الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور أن يجولوا على هذه السلالة من الطين

تفسير القمي ج : 1ص :41

فأمرءوها و أنشئوها ثم أنزوها و جزوها و فصلوها و أجروا فيها الطبائع الأربعة الريح و الدم و المرة و البلغم فجالت الملائكة عليها و هي الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور و أجروا فيها الطبائع الأربعة ، الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال و البلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا و المرة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور و الدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب ، قال فاستقلت النسمة و كمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء و طول الأمل و الحرص ، و لزمه من ناحية البلغم حب الطعام و الشراب و البر و الحلم و الرفق ، و لزمه من ناحية المرة الحب و الغضب و السفه و الشيطنة و التجبر و التمرد و العجلة ، و لزمه من ناحية الدم حب الفساد و اللذات و ركوب المحارم و الشهوات ، قال أبو جعفر وجدناه هذا في كتاب أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) ، فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا فكان يمر به إبليس اللعين فيقول لأمر ما خلقت فقال العالم (عليه‏السلام‏) فقال إبليس لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينه ، قال ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله قال الصادق (عليه‏السلام‏) فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك و تعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من

تفسير القمي ج : 1ص :42

الحسد فأبى أن يسجد فقال الله عز و جل « ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين » قال الصادق (عليه‏السلام‏) فأول من قاس إبليس و استكبر و الاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال فقال إبليس يا رب اعفني من السجود لآدم (عليه‏السلام‏) و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب و لا نبي مرسل قال الله تبارك و تعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال الله تعالى « فاخرج منها فإنك رجيم و إن عليك لعنتي إلى يوم الدين » فقال إبليس يا رب كيف و أنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا و لكن اسأل من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيتك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد أعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال قد سلطتك قال أجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال و لا يلد لهم ولد إلا و يلد لي اثنان قال و أراهم و لا يروني و أتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم أوطانا قال رب حسبي فقال إبليس عند ذلك « فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم و لا تجد أكثرهم شاكرين » قال و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال لما أعطى الله تبارك و تعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته على ولدي و أجريته مجرى الدم في العروق و أعطيته ما أعطيته فما لي و لولدي ؟ فقال لك و لولدك السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدني قال أغفر و لا أبالي قال حسبي قال قلت له جعلت فداك بما ذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه فقال بشي‏ء كان منه شكره الله عليه قلت و ما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة .

تفسير القمي ج : 1ص :43

و أما قوله و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فإنه حدثني أبي رفعه قال سئل الصادق (عليه‏السلام‏) عن جنة آدم أ من جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر و لو كانت من جنان الآخرة ما أخرج منها أبدا آدم و لم يدخلها إبليس قال أسكنه الله الجنة و أتى جهالة إلى الشجرة فأخرجه لأنه خلق خلقة لا تبقى إلا بالأمر و النهي و اللباس و الأكنان و النكاح و لا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوقيف فجاءه إبليس فقال إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين و بقيتما في الجنة أبدا و إن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة و حلف لهما أنه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه « ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين » فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله « بدت لهما سوءاتهما » و سقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنة و أقبلا يستتران بورق الجنة « و ناداهما ربهما أ لم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين » فقالا كما حكى الله عز و جل عنهما « ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين » فقال الله لهما اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين قال إلى يوم القيامة ، قوله فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين فهبط آدم على الصفا و إنما سميت الصفا لأن صفوة الله نزل عليها و نزلت حواء على المروة و إنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل (عليه‏السلام‏) فقال يا آدم أ لم يخلقك الله

تفسير القمي ج : 1ص :44

بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته قال بلى قال و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته ؟ قال يا جبرئيل إن إبليس حلف لي بالله إنه لي ناصح و ما ظننت أن خلقا يخلقه الله أن يحلف بالله كاذبا ، قال و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال إن موسى (عليه‏السلام‏) سأل ربه أن يجمع بينه و بين آدم (عليه‏السلام‏) فجمع فقال له موسى يا أبة أ لم يخلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته ؟ فقال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة ؟ قال بثلاثين ألف سنة قبل أن خلق آدم قال فهو ذاك قال الصادق (عليه‏السلام‏) فحج آدم موسى (عليه‏السلام‏) .

و أما قوله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال إن آدم (عليه‏السلام‏) بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة و على خروجه من الجنة من جوار الله عز و جل فنزل عليه جبرئيل (عليه‏السلام‏) فقال يا آدم ما لك تبكي فقال يا جبرئيل ما لي لا أبكي و قد أخرجني الله من الجنة من جواره و أهبطني إلى الدنيا فقال يا آدم تب إليه قال و كيف أتوب فأنزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فأمر الله جبرئيل أن يضع عليه الأعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية و أمره أن يغتسل و يحرم و أخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل (عليه‏السلام‏) إلى منى فبات بها فلما أصبح أخرجه إلى عرفات و قد كان علمه حين أخرجه من مكة الإحرام و علمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية و أمره أن يغتسل فلما صلى العصر أوقفه بعرفات و علمه الكلمات التي تلقاها من ربه و هي « سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا

تفسير القمي ج : 1ص :45

و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك خير الغافرين سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم » فبقي إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع و يبكي إلى الله فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات و تاب إليه ثم أفضى إلى منى و أمره جبرئيل أن يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فأتى به عند الجمرة الأولى فعرض له إبليس عندها فقال يا آدم أين تريد ؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات فرمى و أن يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره أن يرميه بسبع حصيات فرمى و كبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة فأمره أن يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة فذهب إبليس لعنه الله و قال له جبرئيل إنك لن تراه بعد هذا اليوم أبدا ، فانطلق به إلى البيت الحرام و أمره أن يطوف به سبع مرات ففعل فقال له إن الله قد قبل توبتك و حلت لك زوجتك قال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا يا آدم بر حجك أما أنا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام ، قال و حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) قال كان عمر آدم (عليه‏السلام‏) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة و ثلاثين سنة و دفن بمكة و نفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه و أسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله و أخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس و ما بات فيها . و أما قوله علم آدم الأسماء كلها قال أسماء الجبال و البحار و الأودية و النبات و الحيوان ثم قال الله عز و جل للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فقالوا كما حكى الله سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فقال الله يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم فقال الله أ لم أقل لكم

تفسير القمي ج : 1ص :46

إني أعلم غيب السموات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون فجعل آدم (عليه‏السلام‏) حجة عليهم ، و أما قوله يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أوفوا بعهدي أوف بعهدكم و إياي فارهبون فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال له رجل جعلت فداك إن الله يقول « ادعوني أستجب لكم » و إنا ندعو فلا يستجاب لنا ، قال لأنكم لا تفون الله بعهده و إن الله يقول « أوفوا بعهدي أوف بعهدكم » و الله لو وفيتم لله لوفى الله لكم ، و أما قوله أ تأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم قال نزلت في القصاص و الخطاب و هو قول أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و على كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله و على رسوله و على كتابه ، و قال الكميت في ذلك .

مصيب على الأعواد يوم ركوبها
لما قال فيها مخطى‏ء حين ينزل و لغيره في هذا المعنى .

و غير تقي يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي الناس و هو عليل .

و قوله جل ذكره و استعينوا بالصبر و الصلاة قال الصبر الصوم و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين يعني الصلاة و قوله الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم و أنهم إليه راجعون قال الظن في الكتاب على وجهين فمنه ظن يقين و منه ظن شك ففي هذا الموضع الظن يقين و إنما الشك قوله تعالى « إن نظن إلا ظنا و ما نحن بمستيقنين » و قوله « و ظننتم ظن السوء » و أما قوله يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أني فضلتكم على العالمين قال لفظ العالمين عام و معناه خاص و إنما فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها مثل المن و السلوى و الحجر الذي انفجر منه اثنتا عشرة عينا و قوله و اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا و لا يقبل منها شفاعة و لا يؤخذ منها عدل و هو قوله (عليه‏السلام‏) و الله لو أن كل ملك مقرب أو نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا و قوله و إذ نجيناكم من آل

تفسير القمي ج : 1ص :47

فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم و إن فرعون لما بلغه أن بني إسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون و أصحابه على يده كان يقتل أولادهم الذكور و يدع الإناث ، و أما قوله و إذ واعدنا موسى أربعين ليلة الآية فإن الله تبارك و تعالى أوحى إلى موسى (عليه‏السلام‏) أني أنزل عليكم التوراة و فيها الأحكام التي يحتاج إليها إلى أربعين يوما و هو ذو القعدة و عشرة من ذي الحجة فقال موسى (عليه‏السلام‏) لأصحابه إن الله قد وعدني أن ينزل على التوراة و الألواح إلى ثلاثين يوما فأمره الله أن لا يقول لهم إلى أربعين يوما فتضيق صدورهم و نكتب خبره في سورة طه و قوله و إذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم فإن موسى (عليه‏السلام‏) لما خرج إلى الميقات و رجع إلى قومه و قد عبدوا العجل قال لهم « يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم » فقالوا و كيف نقتل أنفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس و معه سكين أو حديدة أو سيف فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى (عليه‏السلام‏) و صعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل عشرة آلاف و أنزل الله ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم و قوله و إذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية فهم السبعون الذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام الله فلما سمعوا الكلام قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم أحياهم الله بعد ذلك و بعثهم أنبياء فهذا دليل على الرجعة في أمة محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فإنه قال (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لم يكن في بني إسرائيل شي‏ء إلا و في أمتي مثله و قوله و ظللنا عليكم الغمام و أنزلنا عليكم

تفسير القمي ج : 1ص :48

المن و السلوى الآية ) فإن بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا و قتلتنا و أخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل و لا شجر و لا ماء و كانت تجي‏ء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس و ينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات و الشجر و الحجر فيأكلونه و بالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلوا و شبعوا طار و كان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب كل سبط في رحله و كانوا اثني عشر سبطا فلما طال عليهم الأمد قالوا يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها و الفوم الحنطة فقال لهم موسى أ تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم فقالوا « يا موسى إن فيها قوما جبارين و إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » فنصف الآية في سورة البقرة و تمامها و جوابها لموسى في المائدة و قوله و قولوا حطة أي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك و قالوا « حنطة » و قال الله فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون و قوله إن الذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين قال الصابئون قوم لا مجوس لا يهود و لا نصارى و لا مسلمين و هم يعبدون الكواكب و النجوم و قوله و إذ أخذنا ميثاقكم و رفعنا فوقكم الطور

تفسير القمي ج : 1ص :49

خذوا ما آتيناكم بقوة فإن موسى (عليه‏السلام‏) لما رجع إلى بني إسرائيل و معه التوراة لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم و قال لهم موسى لئن لم تقبلوا ليقعن الجبل عليكم و ليقتلنكم فنكسوا رءوسهم فقالوا نقبله .

و أما قوله و إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة الآية ) قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل و علمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له و خطبها ابن عم لذلك الرجل و كان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (عليه‏السلام‏) فقال يا نبي الله هذا ابن عمي قد قتل قال موسى من قتله ؟ قال لا أدري و كان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله ؟ و كان في بني إسرائيل رجل له بقرة و كان له ابن بار و كان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته و كان مفتاح بيته تحت رأس أبيه و كان نائما و كره ابنه أن ينبهه و ينغض عليه نومه فانصرف القوم و لم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال له يا بني ما ذا صنعت في سلعتك ؟ قال هي قائمة لم أبعها لأن المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن أنبهك و أنغض عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك و شكر الله لابنه ما فعل بأبيه و أمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى و بكوا و ضجوا قال لهم موسى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا فقالوا أ تتخذنا هزوا نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين فعلموا أنهم قد أخطئوا فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض و لا

تفسير القمي ج : 1ص :50

بكر و الفارض التي قد ضربها الفحل و لم تحمل و البكر التي لم يضربها الفحل قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها أي شديدة الصفرة تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا و إنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض أي لم تذلل و لا تسقي الحرث أي لا تسقي الزرع مسلمة لا شية فيها أي لا نقط فيها إلا الصفرة قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها و ما كادوا يفعلون هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها إلا بمل‏ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لا بد لكم من ذبحها بعينها بمل‏ء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فأوحى الله تعالى إليه قل لهم اضربوه ببعضها و قولوا من قتلك ؟ فأخذوا الذنب فضربوه به و قالوا من قتلك يا فلان فقال فلان ابن فلان ابن عمي الذي جاء به و هو قوله فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى و يريكم آياته لعلكم تعقلون .

و قوله أ فتطمعون أن يؤمنوا لكم و قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه و هم يعلمون الآية ) فإنما نزلت في اليهود و قد كانوا أظهروا الإسلام و كانوا منافقين و كانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا معكم و إذا رأوا اليهود قالوا إنا معكم و كانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و أصحابه و قالوا لهم كبراؤهم و علماؤهم أ تحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أ فلا تعقلون فرد الله عليهم فقال أ و لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون و منهم أميون أي من اليهود لا يعلمون الكتاب إلا أماني و إن هم إلا يظنون و كان قوم منهم يحرفون التوراة و أحكامها ثم يدعون أنه من عند الله فأنزل الله فيهم فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما

تفسير القمي ج : 1ص :51

كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون و قوله و قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قال بنو إسرائيل لن تمسنا النار و لن نعذب إلا الأيام المعدودات التي عبدنا فيها العجل فرد الله عليهم فقال و قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل يا محمد لهم أ تخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون و قوله و قولوا للناس حسنا نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » .

و أما قوله و إذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم و أنتم تشهدون الآية و إنما نزلت في أبي ذر رحمة الله عليه و عثمان بن عفان و كان سبب ذلك لما أمر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر و كان عليلا متوكئا على عصاه و بين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي و أصحابه حوله ينظرون إليه و يطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي فقال أبو ذر « يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير ؟ » فقال عثمان بل « مائة ألف درهم » قال أ ما تذكر أنا و أنت و قد دخلنا على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له

تفسير القمي ج : 1ص :52

بآبائنا و أمهاتنا دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من في‏ء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها و خفت أن يدركني الموت و هي عندي و قد قسمتها اليوم و استرحت منها فنظر عثمان إلى كعب الأحبار و قال له يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا ؟ فقال لا و لو اتخذ لبنة من ذهب و لبنة من فضة ما وجب عليه شي‏ء فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا بن اليهودية الكافرة ما أنت و النظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال « الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون » فقال عثمان « يا أبا ذر إنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك و لو لا صحبتك لرسول الله لقتلتك » فقال « كذبت يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال لا يفتنونك يا أبا ذر و لا يقتلونك و أما عقلي فقد بقي منه ما أحفظه حديثا سمعته من رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فيك و في قومك » فقال و ما سمعت من رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في و في قومي قال سمعت يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا و كتاب الله دغلا و عباده خولا و الفاسقين حزبا و الصالحين حربا » فقال عثمان « يا معشر أصحاب محمد ! هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله ؟ فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله » فقال عثمان ادع عليا فجاء أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) فقال له عثمان : يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب » فقال أمير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يقول « ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة ( اللهجة اللسان ) أصدق من أبي ذر » فقال أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) صدق أبو ذر و قد سمعنا هذا من رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه

تفسير القمي ج : 1ص :53

إلى هذا المال ظننتم أني أكذب على رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال أنا فقالوا أنت تقول إنك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في هذه الجبة و هو عني راض و أنتم قد أحدثتم أحداثا كثيرة و الله سائلكم عن ذلك و لا يسألني فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلا ما أخبرتني عن شي‏ء أسألك عنه فقال أبو ذر و الله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أيضا لأخبرتك فقال أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فقال مكة حرم الله و حرم رسول الله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا و لا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قال لا و لا كرامة لك فسكت أبو ذر فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر قد سألتني فصدقتك و أنا أسألك فاصدقني قال نعم قال أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين فأسروني فقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال كنت أفديك قال فإن قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال كنت أفديك قال فإن قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال كنت أفديك قال أبو ذر الله أكبر قال حبيبي رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يوما « يا أبا ذر و كيف أنت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله و حرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا و لا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا و لا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فيقال لك سر إليها » فقلت و إن هذا لكائن فقال « إي و الذي نفسي بيده إنه لكائن » فقلت يا رسول الله أ فلا أضع سيفي هذا على عاتقي فأضرب به قدما قدما قال لا اسمع و اسكت و لو لعبد حبشي و قد أنزل الله فيك و في عثمان آية فقلت و ما هي يا رسول الله فقال قوله تعالى « و إذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون

تفسير القمي ج : 1ص :54

دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم و أنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم و تخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم و العدوان و إن يأتوكم أسارى تفادوهم و هو محرم عليكم إخراجهم أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب و ما الله بغافل عما تعملون » .

و أما قوله و أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أحبوا العجل حتى عبدوه ثم قالوا نحن أولياء الله فقال الله عز و جل إن كنتم أولياء الله كما تقولون فتمنوا الموت إن كنتم صادقين لأن في التوراة مكتوب إن أولياء الله يتمنون الموت و لا يرهبونه و قوله قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه و هدى و بشرى للمؤمنين فإنما نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إن لنا في الملائكة أصدقاء و أعداء فقال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من صديقكم و من عدوكم ؟ فقالوا جبرئيل عدونا لأنه يأتي بالعذاب و لو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك فإن ميكائيل صديقنا و جبرئيل ملك الفضاضة و العذاب و ميكائيل ملك الرحمة فأنزل الله قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه و هدى و بشرى للمؤمنين من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين و قوله ( و اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه إلى قوله كانوا يعلمون فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) قال إن سليمان بن داود أمر الجن و الإنس فبنوا له بيتا من قوارير قال فبينما هو متكى‏ء على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون

تفسير القمي ج : 1ص :55

و ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ، ففزع منه و قال من أنت ؟ قال أنا الذي لا أقبل الرشى و لا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبضه و هو متكى‏ء على عصاه فمكثوا سنة يبنون و ينظرون إليه و يدانون له و يعملون حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته و هي العصا فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان قال فلا تكاد تراها في مكان إلا وجد عندها ماء و طين فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر و كتبه في كتاب ثم طواه و كتب على ظهره « هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا و كذا فليفعل كذا و كذا » ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان (عليه‏السلام‏) يغلبنا إلا بهذا و قال المؤمنون بل هو عبد الله و نبيه فقال الله جل ذكره « و اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت » إلى قوله فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) قال سأله عطاء و نحن بمكة عن هاروت و ماروت فقال أبو جعفر إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم و ليلة يحفظون أوساط أهل الأرض من ولد آدم و الجن و يكتبون أعمالهم و يعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل السماء من معاصي أهل الأرض فتآمروا فيما بينهم مما يسمعون و يرون من افترائهم الكذب على الله تبارك و تعالى و جرأتهم عليه و نزهوا الله مما يقول فيه خلقه و يصفون فقال طائفة من الملائكة « يا ربنا ما تغضب

تفسير القمي ج : 1ص :56

مما يعمل خلقك في أرضك و مما يصفون فيك الكذب و يقولون الزور و يرتكبون المعاصي و قد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم و هم في قبضتك و قدرتك و خلال عافيتك » قال أبو جعفر (عليه‏السلام‏) فأحب الله أن يرى الملائكة القدرة و نافذ أمره في جميع خلقه و يعرف الملائكة ما من به عليهم و مما عدله عنهم من صنع خلقه و ما طبعهم عليه من الطاعة و عصمهم من الذنوب ، قال فأوحى الله إلى الملائكة أن انتخبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم أجعل فيهما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي ، فندبوا إلى ذلك هاروت و ماروت و كانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم و استيثار غضب الله عليهم ، قال فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبائع الطعام و الشراب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ، قال ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا و لا تقتلا النفس التي حرم الله و لا تزنيا و لا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر و لباسهم فهبطا ناحية بابل فوقع لهما بناء مشرق فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة نحوهما ، قال فلما نظرا إليها و ناطقاها و تأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة و خذلان و راوداها عن نفسهما فقالت لهما إن لي دينا أدين به و ليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به فقالا لها و ما دينك ، قالت لي إله من عبده و سجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني ، فقالا لها و ما إلهك قالت إلهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهانا عنهما الشرك و الزنا لأنا إن سجدنا لهذا الصنم و عبدناه أشركنا بالله و إنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا و هو ذا نحن نطلب الزنا و ليس نخطأ إلا بالشرك فائتمرا بينهما

تفسير القمي ج : 1ص :57

فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما ، فقالا لها فإنا نجيبك ما سألت فقالت فدونكما فاشربا هذا الخمر فإنه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان ، فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك و الزنا و شرب الخمر و إنما ندخل في شرب الخمر و الشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما ، فقالا ما أعظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت ، قالت فدونكما فاشربا من هذا الخمر و اعبدا هذا الصنم و اسجدا له ، فشربا الخمر و عبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما و تهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل ، فلما رآهما و رأياه ذعرا منه فقال لهما إنكما لامرءان ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء ، إنكما لرجلا سوء و خرج عنهما فقالت لهما لا و إلهي لا تصلان الآن إلي و قد اطلع هذا الرجل على حالكما و عرف مكانكما و يخرج الآن و يخبر بخبركما و لكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما و يفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما و أنتما مطمئنان آمنان ، قال فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها و بدت لهما سوآتهما و نزع عنهما رياشهما و أسقط في أيديهما ، قال فأوحى الله إليهما إنما أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها فلم تراقباني فلم تستحيا مني و قد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض للمعاصي و أستجز أسفي و غضبي عليهم ، و لما جعلت فيكما من طبع خلقي و عصمني إياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما ، اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة ، فقال الآخر إن عذاب الدنيا له مدة و انقطاع و عذاب الآخرة قائم لا انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا و كانا يعلمان الناس السحر في أرض بابل ثم لما
علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة .

تفسير القمي ج : 1ص :58

و أما قوله يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا أي لا تقولوا تخليطا و قولوا أفهمنا و قوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فقوله ننسها أي نتركها و نترك حكمها فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية و قوله « أو مثلها » فهي زيادة إنما نزل « نأت بخير مثلها » و أما قوله و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها فإنما نزلت في قريش حين منعوا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) دخول مكة و قوله و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم

تفسير القمي ج : 1ص :59

وجه الله فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر و أما الفرائض فقوله « و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره » يعني الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة و أما قوله و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال هو ما ابتلاه الله مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم (عليه‏السلام‏) و عزم عليها و سلم فلما عزم و عمل بما أمره الله قال الله تعالى « إني جاعلك للناس إماما » قال إبراهيم و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية و هي الطهارة و هي عشرة أشياء خمسة في الرأس و خمسة في البدن فأما التي في الرأس فأخذ الشارب و إعفاء اللحى و طم الشعر و السواك و الخلال و أما التي في البدن فحلق الشعر من البدن و الختان و قلم الأظفار و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء فهذه خمسة في البدن و هو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله « و اتبع ملة إبراهيم حنيفا » و أما قوله و إذ جعلنا البيت مثابة للناس و أمنا فالمثابة العود إليه و قوله طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود قال الصادق (عليه‏السلام‏) يعني نحى عن المشركين و قال لما بنى إبراهيم البيت و حج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك و تعالى ما تلقى من أيدي المشركين و أنفاسهم فأوحى الله إليها قري كعبة فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر و يتخللون و قوله و ارزق أهله من الثمرات من آمن

تفسير القمي ج : 1ص :60

منهم بالله و اليوم الآخر فإنه دعا إبراهيم ربه أن يرزق من آمن به فقال الله يا إبراهيم و من كفر أيضا أرزقه فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار و بئس المصير و أما قوله و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل الآية ) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن هشام عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال إن إبراهيم (عليه‏السلام‏) كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر و تغمه فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز و جل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعتها و إن أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج إسماعيل و أمه ( فقال يا رب إلى أي مكان ؟ قال إلى حرمي و أمني و أول بقعة خلقتها من الأرض و هي مكة فأنزل الله عليه جبرائيل بالبراق فحمل هاجر و إسماعيل و كان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر و نخل و زرع إلا قال يا جبرئيل إلى هاهنا إلى هاهنا فيقول لا امض ، امض حتى أتى مكة فوضعه في موضع البيت و قد كان إبراهيم (عليه‏السلام‏) عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها ، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء و كان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم إبراهيم و وضعهم و أراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس و لا ماء و لا زرع فقال إبراهيم الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء و هو جبل بذي طوى التفت إليهم إبراهيم فقال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم و ارزقهم

تفسير القمي ج : 1ص :61

من الثمرات لعلهم يشكرون ثم مضى و بقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل و طلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى و نادت هل في الوادي من أنيس ، فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصفا و لمع لها السراب في الوادي و ظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي و سعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع و هي على المروة نظرت إلى إسماعيل و قد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت « زمزم » و كانت جرهم نازلة بذي المجاز و عرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير و الوحش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة و صبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة و قد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت و ما شأنك و شأن هذا الصبي ؟ فقالت أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن و هذا ابنه أمره الله أن ينزلنا هاهنا فقالوا لها أيها المباركة أ فتأذني لنا أن نكون بالقرب منكما ؟ فقالت حتى يأتي إبراهيم فلما زارهم إبراهيم (عليه‏السلام‏) يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله إن هاهنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أ فتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم نعم فأذنت فنزلوا بالقرب منهم و ضربوا خيامهم فأنست هاجر و إسماعيل بهم فلما زارهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بهم سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل (عليه‏السلام‏) و كانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة و شاتين فكانت هاجر و إسماعيل يعيشان بها . فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم (عليه‏السلام‏) أن يبني البيت فقال يا رب في أي بقعة قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح (عليه‏السلام‏)

تفسير القمي ج : 1ص :62

فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة و غرقت الدنيا إلا موضع البيت فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما أمر الله عز و جل إبراهيم (عليه‏السلام‏) أن يبني البيت و لم يدر في أي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل (عليه‏السلام‏) فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة و كان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما لمسته أيدي الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت و نقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم (عليه‏السلام‏) و وضعه في موضعه الذي هو فيه الأول و جعل له بابين باب إلى المشرق و باب إلى المغرب و الباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر و الإذخر و علقت هاجر على بابه كساء كان معها و كانوا يكنون تحته . فلما بناه و فرغ منه حج إبراهيم (عليه‏السلام‏) و إسماعيل و نزل عليهما جبرئيل (عليه‏السلام‏) يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى و عرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم (عليه‏السلام‏) فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت « رب اجعل هذا بلدا آمنا و ارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله و اليوم الآخر » قال من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم و يعودوا إليهم .

و أما قوله ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم فإنه يعني من ولد إسماعيل (عليه‏السلام‏) فلذلك قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) « أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه‏السلام‏) » و قوله فإنما هم في شقاق يعني في كفر قوله صبغة الله و من أحسن من الله صبغة يعني به الإسلام .

تفسير القمي ج : 1ص :63

و قوله سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فإن هذه الآية متقدمة على قوله « قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك
قبلة ترضيها » لأنه نزل أولا « قد نرى تقلب وجهك في السماء » ثم نزل « سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها » و ذلك أن اليهود كانوا يعيرون برسول الله و يقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم من ذلك رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) غما شديدا و خرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر بأمر الله تبارك و تعالى في ذلك ، فلما أصبح و حضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين ، فنزل جبرئيل (عليه‏السلام‏) فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة ، فأنزل الله عليه « قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام » فصلى ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود و السفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، و تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بمكة ثلاثة عشر سنة إلى البيت المقدس و بعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى البيت المقدس سبعة أشهر ، ثم حول الله عز و جل القبلة إلى البيت الحرام ثم قال الله عز و جل و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم يعني و لا الذين ظلموا منهم و « إلا » في موضع « و لا » و ليست هي استثناء و أما قوله و كذلك جعلناكم أمة وسطا يعني أئمة وسطا أي عدلا و واسطة بين الرسول و الناس و الدليل على أن هذا مخاطبة للأئمة (عليهم‏السلام‏) قوله في سورة الحج « ليكون الرسول شهيدا عليكم » يا معشر الأئمة « و تكونوا أنتم شهداء على الناس » و إنما نزلت « و كذلك جعلناكم أئمة وسطا .

تفسير القمي ج : 1ص :64

و قوله إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح
عليه أن يطوف بهما فإن قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا و المروة و كانوا يتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ما كان في غزاة الحديبية و صده عن البيت و شرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنها فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة و قال لقريش ارفعوا أصنامكم من بين الصفا و المروة حتى أسعى ، فرفعوها فسعى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) بين الصفا و المروة و قد رفعت الأصنام ، و بقي رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لم يطف فلما فرغ رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من الطواف ردت قريش الأصنام بين الصفا و المروة فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال قد ردت قريش الأصنام بين الصفا و المروة و لم أسع فأنزل الله عز و جل « إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما » و الأصنام فيهما و قوله أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون قال كل من قد لعنه الله من الجن و الإنس يلعنهم ، قوله و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون فإنما البهائم إذا زجرها صاحبها فإنها تسمع الصوت و لا تدري ما يريد و كذلك الكفار إذا قرأت عليهم و عرضت عليهم الإيمان لا يعلمون مثل البهائم و قوله فمن اضطر غير باغ و لا عاد فالباغي من يخرج في غير طاعة الله ، و العادي الذي يعتدي على الناس و يقطع الطريق و قوله فما أصبرهم على النار يعني ما أجرأهم ، و قوله ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر فهي شروط الإيمان الذي هو التصديق ، قوله و الصابرين في البأساء و الضراء قال في الجوع و العطش و الخوف و المرض و حين البأس قال عند القتل ، و قوله كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد

تفسير القمي ج : 1ص :65

و الأنثى بالأنثى فهي ناسخة لقوله النفس بالنفس و قوله و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب قال يعني لو لا القصاص لقتل بعضكم بعضا و قوله كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقا على المتقين فإنما هي منسوخة بقوله « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين » و قوله فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص فقال فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال الصادق (عليه‏السلام‏) إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصيته يوصيها ، بل يمضيها على ما أوصى ، إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصية و يظلم فالموصى إليه جائز له أن يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته و يحرم بعضا فالوصي جائز له أن يرده إلى الحق و هو قوله « جنفا أو إثما » فالجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض و الإثم أن يأمر بعمارة بيوت النيران و اتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشي‏ء من ذلك .

و قوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فإنه قال أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء ، و لم يفرضه على الأمم ، فلما بعث الله نبيه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) خصه بفضل شهر رمضان هو و أمته ، و كان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أياما ثم نزل شهر رمضان الذي

تفسير القمي ج : 1ص :66

أنزل فيه القرآن قال و سئل الصادق (عليه‏السلام‏) عن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن كيف كان ، و إنما أنزل القرآن في طول عشرين سنة ؟ فقال إنه نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثم نزل من البيت المعمور إلى النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في طول عشرين سنة و قوله و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه أن يقضي و يتصدق عن كل يوم بمد من الطعام ، و قوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فإنه حدثني أبي رفعه قال قال الصادق (عليه‏السلام‏) كان النكاح و الأكل محرمان في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء و نام و لم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار و كان النكاح حراما في الليل و النهار في شهر رمضان ، و كان رجل من أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يقال له خوات بن جبير الأنصاري أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه و بقي في اثني عشر رجلا فقتل على باب الشعب ، و كان أخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا و كان صائما مع رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في الخندق فجاء إلى أهله حين أمسى فقال عندكم طعام فقالوا لا نم حتى نصنع لك طعاما فأبطأت أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم الله علي الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه ، فرآه رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فرق له ، و كان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله عز و جل « أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل » و أحل الله تبارك و تعالى النكاح بالليل في شهر رمضان و الأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله « حتى يتبين لكم الخيط

تفسير القمي ج : 1ص :67

الأبيض من الخيط الأسود من الفجر » قال هو بياض النهار من سواد الليل و قوله و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال قلت لأبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أشغل نفسي بالدعاء لإخواني و لأهل الولاية فما ترى في ذلك ؟ فقال إن الله تبارك و تعالى يستجيب دعاء غائب لغائب و من دعا للمؤمنين و المؤمنات و لأهل مودتنا رد الله عليه من آدم إلى أن تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة ثم قال إن الله فرض الصلوات في أفضل الساعات ، عليكم بالدعاء في أدبار الصلاة ثم دعا لي و لمن حضره و قوله و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم قال العالم (عليه‏السلام‏) قد علم الله أنه يكون حكاما يحكمون بغير الحق فنهى أن يتحاكم إليهم فإنهم لا يحكمون بالحق فتبطل الأموال .

و قوله و يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج فإن المواقيت منها معروفة مشهورة في أوقات معروفة ، و منها مبهمة فأما المواقيت المعروفة المشهورة فأربعة ، الأشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله « منها أربعة حرم » و الاثنا عشر شهرا التي خلقها الله تعرف بالهلال ، أولها المحرم و آخرها ذو الحجة ، و الأربعة الحرم رجب مفرد و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم متصلة ، حرم الله فيها القتال ، و يضاعف فيها الذنوب و كذلك الحسنات ، و أشهر السياحة معروفة و هي عشرون من شهر ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر [ ون ] من شهر ربيع الآخر ، و هي التي أحل الله فيها قتال المشركين في قوله « فسيحوا في الأرض أربعة أشهر » و أشهر الحج معروفة ، و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة و إنما صارت أشهر الحج لأنه من اعتمر في هذه الأشهر في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة و نوى أن يقيم بمكة حتى يحج فقد تمتع بالعمرة إلى الحج ،

تفسير القمي ج : 1ص :68

و من اعتمر في غير هذه الأشهر ثم نوى أن يقيم إلى الحج أو لم ينو فليس هو ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لأنه لم يدخل مكة في أشهر الحج فسمى هذه أشهر الحج فقال الله تبارك و تعالى « الحج أشهر معلومات » و شهر رمضان معروف ، و أما المواقيت المبهمة التي إذا حدث الأمر وجب فيها انتظار تلك الأشهر فعدة النساء في الطلاق ، و المتوفى عنها زوجها ، فإذا طلقها زوجها فإن كانت تحيض تعتد الأقراء التي قال الله عز و جل ، و إن كانت لا تحيض تعتد بثلاثة أشهر بيض لا دم فيها ، و عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا ، و عدة المطلقة الحبلى أن تضع ما في بطنها و عدة الإيلاء أربعة أشهر ، و كذلك في الديون إلى الأجل الذي يكون بينهم [ و شهرين متتابعين في الظهار ] و صيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطإ و عشرة أيام للصوم في الحج لمن لم يجد الهدي ، و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب ، فهذه المواقيت المعروفة و المبهمة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه « يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج » .

و أما قوله ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى و أتوا البيوت من أبوابها قال نزلت في أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) لقول رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) « أنا مدينة العلم و علي (عليه‏السلام‏) بابها و لا تدخلوا المدينة إلا من بابها » .

و قوله و أتموا الحج و العمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإنه إذا عقد الرجل الإحرام بالتمتع بالعمرة إلى الحج و أحرم ثم أصابته غلة في طريقه قبل أن يبلغ إلى مكة و لا يستطيع أن يمضي ، فإنه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه و يبعث من عنده هديا إن كان غنيا فبدنة و إن كان بين ذلك فبقرة و إن كان فقيرا فشاة ، لا بد منها و لا يزال مقيما على إحرامه ، و إن كان في رأسه وجع أو قروح حلق شعره و أحل و لبس ثيابه و يفدي فأما أن يصوم ستة أيام أو يتصدق على عشرة مساكين أو نسك و هو الدم يعني ذبح شاة ، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه أن يشترط عند الإحرام فيقول

تفسير القمي ج : 1ص :69

« اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك فإن عاقني عائق أو حبسني حابس فحلني حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي » ثم يلبي من الميقات الذي وقته رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فيلبي و يقول « لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك حجة [ بحجة ] بعمرة تمامها و بلاغها عليك .

فإذا دخل مكة و نظر إلى أبيات مكة قطع التلبية و طاف بالبيت سبعة أشواط ، و صلى عند مقام إبراهيم ركعتين و سعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط ثم يحل و يتمتع بالثياب و النساء و الطيب و يقيم على الحج إلى يوم التروية فإذا كان يوم التروية أحرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج ثم خرج ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية و يقف بعرفات في الدعاء و التكبير و التهليل و التحميد ، فإذا غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها فإذا أصبح قام بالمشعر الحرام و دعا و هلل الله و سبحه و كبره ثم ازدلف منها إلى منى و رمى الجمار و ذبح و حلق ، إن كان غنيا فعليه بدنة و إن كان بين ذلك فعليه بقرة و إن كان فقيرا فعليه شاة ، فمن لم يجد ذلك فعليه أن يصوم ثلاثة أيام بمكة فإذا رجع إلى منزله صام سبعة أيام فتقوم هذه الأيام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه و هو قوله فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة و ذلك لمن ليس هو مقيم بمكة و لا من أهل مكة ، أما أهل مكة و من كان حول مكة على ثمانية و أربعين ميلا فليست لهم متعة و إنما يفردون الحج لقوله ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام و أما قوله فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث الجماع ، و الفسوق الكذب ، و الجدال الخصومة ، و هي قول « لا و الله و بلى و الله » و قوله فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا قال

تفسير القمي ج : 1ص :70

كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا و أبيك لا و أبي و أمر الله أن يقولوا لا و الله و بلى و الله و قوله فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة و ما له في الآخرة من خلاق فإنه حدثني أبي عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال سأل رجل من أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) بعد منصرفه من الموقف فقال أ ترى يجيب الله هذا الخلق كله ؟ فقال أبو عبد الله (عليه‏السلام‏) ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس مؤمن و لا كافر إلا غفر الله له ، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل ، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و أعتقه من النار و ذلك قوله « و منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار » و مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه و قيل له أحسن فيما بقي فذلك قوله « فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر و أما العامة فإنهم يقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد ، أ فترى أن الله تبارك و تعالى حرم الصيد بعد ما أحله لقوله « و إذا حللتم فاصطادوا » و في تفسير العامة معناه فإذا حللتم فاتقوا الصيد ، و كافر وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له من ذنبه ما تقدم إن تاب من الشرك و إن لم يتب وافاه الله أجره في الدنيا و لم يحرمه ثواب هذا

تفسير القمي ج : 1ص :71

الموقف و هو قوله « من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون » و قوله و اذكروا الله في أيام معدودات قال أيام التشريق الثلاثة ، و الأيام المعلومات العشرة من ذي الحجة ، و قوله و يهلك الحرث و النسل قال الحرث في هذا الموضع الدين ، و النسل الناس ، و نزلت في فلان و يقال في معاوية و قوله و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال ذلك أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و معنى يشري نفسه أي يبذل و قوله ادخلوا في السلم كافة قال في ولاية أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) و قوله كان الناس أمة واحدة قال قبل نوح على مذهب واحد فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و قوله كتب عليكم القتال و هو كره لكم نزلت بالمدينة و نسخت آية « كفوا أيديكم » التي نزلت بمكة .

و أما قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير و صد عن سبيل الله و كفر به و المسجد الحرام و إخراج أهله منه أكبر عند الله و الفتنة أكبر من القتل فإنه كان سبب نزولها أنه لما هاجر رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لعير قريش ، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة ، و هي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش حين أقبلت من الطائف عليها الزبيب و الأدم و الطعام ، فوافوها و قد نزلت العير و فيهم عمر بن عبد الله الحضرمي و كان حليفا لعتبة بن ربيعة ، فلما نظر الحضرمي إلى عبد الله بن جحش و أصحابه فزعوا و تهيئوا للحرب و قالوا هؤلاء أصحاب محمد ، فأمر عبد الله بن جحش أصحابه أن ينزلوا و يحلقوا رءوسهم ، فنزلوا فحلقوا رءوسهم فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم بأس ، فلما

تفسير القمي ج : 1ص :72

اطمأنوا و وضعوا السلاح حمل عليهم عبد الله بن جحش فقتل ابن الحضرمي و أفلت أصحابه و أخذوا العير بما فيها و ساقوها إلى المدينة و كان ذلك في أول يوم من رجب من أشهر الحرم ، فعزلوا العير و ما كان عليها و لم ينالوا منها شيئا ، فكتبت قريش إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) أنك استحللت الشهر الحرام و سفكت فيه الدم و أخذت المال و كثر القول في هذا ، و جاء أصحاب رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقالوا يا رسول الله أ يحل القتل في الشهر الحرام فأنزل الله « يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ... إلخ » قال القتال في الشهر الحرام عظيم و لكن الذي فعلت قريش بك يا محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من الصد عن المسجد الحرام و الكفر بالله و إخراجك منها هو أكبر عند الله و الفتنة يعني الكفر بالله أكبر من القتل ثم أنزلت « الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم » و قوله و يسألونك ما ذا ينفقون قل العفو قال لا إقتار و لا إسراف .

و قوله يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير و إن تخالطوهم فإخوانكم فإنه حدثني أبي عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أنه لما أنزلت « إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا » أخرج كل من كان عنده يتيم و سألوا رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) في إخراجهم ، فأنزل الله تعالى « و يسألونك عن اليتامى ... إلخ » و قال الصادق (عليه‏السلام‏) لا بأس أن تخلط طعامك بطعام اليتيم فإن الصغير يوشك أن يأكل الكبير معه و أما الكسوة و غيره فيحسب على كل رأس صغير و كبير كما يحتاج إليه ، و أما قوله و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و لأمة مؤمنة خير من مشركة

تفسير القمي ج : 1ص :73

و لو أعجبتكم و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا فقوله « و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن » منسوخ بقوله « و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » و قوله « و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا » على حالة لم ينسخ و قوله و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن فإذا تطهرن أي اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله و قوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي متى شئتم و تأولت العامة في قوله « أنى شئتم » أي حيث شئتم في القبل و الدبر ، و قال الصادق (عليه‏السلام‏) « أنى شئتم » أي متى شئتم في الفرج و الدليل على قوله في الفرج قوله تعالى « نساؤكم حرث لكم » فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد ، و قال الصادق (عليه‏السلام‏) من أتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه أن يتصدق بدينار و عليه ربع حد الزاني خمسة و عشرون جلدة ، و إن أتاها في آخر أيام حيضها فعليه أن يتصدق بنصف دينار و يضرب اثني عشر جلدة و نصف و قوله و لا تجعلوا الله عرضه لأيمانكم أن تبروا و تتقوا و تصلحوا بين الناس قال هو قول الرجل في كل حالة لا و الله و بلى و الله و أما قوله للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم و إن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم فإنه حدثني أبي عن صفوان بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال الإيلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته ألا يجامعها فإن صبرت عليه فلها أن تصبر ، فإن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك إما أن ترجع إلى المناكحة و إما أن تطلق و إلا حبستك أبدا ، و روي عن أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) أنه بنى حظيرة من قصب و جعل فيها رجل آلى من امرأته بعد أربعة أشهر و قال له إما

تفسير القمي ج : 1ص :74

ترجع إلى المناكحة أو أن تطلق و إلا أحرقت عليك الحضيرة ، و قوله و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال و المطلقة تعتد ثلاثة قروء إن كانت تحيض قوله و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر قال لا يحل للمرأة أن تكتم حملها أو حيضها أو طهرها و قد فرض الله على النساء ثلاثة أشياء الطهر و الحيض و الحبل و قوله و للرجال عليهن درجة قال حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال .

و قوله الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال في الثالثة و هو طلاق السنة ، حدثني أبي عن إسماعيل بن مهران [ مرار ] عن يونس عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال سألته عن طلاق السنة قال هو أن يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ثم يتركها حتى تعتد ثلاثة قروء فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة ، و حلت للأزواج و كان زوجها خاطبا من الخطاب إن شائت تزوجته و إن شائت لم تفعل فإن تزوجها بمهر جديد كانت عنده بثنتين باقيتين و مضت بواحدة ، فإن هو طلقها واحدة على طهر بشهود ثم راجعها و واقعها ثم انتظر بها حتى إذا حاضت و طهرت طلقها طلقة أخرى بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي أقراؤها الثلاثة ، فإذا مضت أقراؤها الثلاثة قبل أن يراجعها فقد بانت منه بثنتين و قد ملكت أمرها و حلت للأزواج و كان زوجها خاطبا من الخطاب فإن شائت تزوجته و إن شائت لم تفعل ، و إن هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت عنده بواحدة باقية و قد مضت ثنتان فإن أراد أن يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره تركها حتى إذا حاضت و طهرت أشهد على طلاقها تطليقة واحدة ، و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

تفسير القمي ج : 1ص :75

فأما طلاق الرجعة ، فإنه يدعها حتى تحيض و تطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها و يواقعها ثم ينتظر بها الطهر ، فإن حاضت و طهرت أشهد شاهدين على تطليقة أخرى ثم يراجعها و يواقعها ثم ينتظر بها الطهر فإن حاضت و طهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة كل تطليقة على طهر بمراجعة ، و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره و عليها أن تعتد ثلاثة أقرؤ من يوم طلقها التطليقة الثالثة لدنس النكاح ، و هما يتوارثان ما دامت في العدة فإن طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض و تطهر ثم طلقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا جائزا ، لأنه طلق طالقا لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتى يراجعها ، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده فإن طلقها على طهر بشهود ثم راجعها و انتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت و طهرت و هي عنده ثم طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لأنه طلقها التطليقة الثانية في طهر الأولى ، و لا ينقض الطهر إلا بمواقعة بعد الرجعة و كذلك لا تكون التطليقة الثالثة إلا بمراجعة و مواقعة بعد الرجعة ثم حيض و طهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس مواقعة بشهود .

قوله و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فإن هذه الآية نزلت في الخلع ، حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال الخلع لا يكون إلا أن تقول المرأة لزوجها لا أبر لك قسما و لأخرجن بغير إذنك و لأوطين فراشك غيرك و لا أغتسل لك من جنابة أو تقول لا أطيع لك أمرا أو تطلقني ، فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها و كل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها فإذا تراضيا على ذلك طلقها

تفسير القمي ج : 1ص :76

على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة ، و هو خاطب من الخطاب فإن شائت تزوجته و إن شائت لم تفعل ، فإن تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين ، و ينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة أن ارتجعت في شي‏ء مما أعطيتني فأنا أملك ببضعك ، و قال لا خلع و لا مباراة و لا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، و المختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها تحل للأول أن يتزوج بها ، و قال لا رجعة للزوج على المختلعة و لا المباراة إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها و قوله فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره يعني الطلاق الثالث ، و قوله فلا جناح عليهما أن يتراجعا في الطلاق الأول و الثاني .

و قوله إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال إذا طلقها لا يجوز له أن يراجعها إن لم يردها فيضر بها و هو قوله و لا تمسكوهن ضرارا أي لا تحبسوهن و أما قوله و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف يعني إذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال و قوله و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف يعني إذا مات الرجل و ترك ولدا رضيعا لا ينبغي للوارث أن يضر بنفقة المولود بل ينبغي له أن يحزي عليه بالمعروف و قوله لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال لا ينبغي للرجل أن يمتنع من

تفسير القمي ج : 1ص :77

جماع المرأة فيضار بها إذا كان لها ولد مرضع ، و يقول لها لا أقربك فإني أخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي و كذا المرأة لا يحل لها أن تمتنع عن الرجل ، فتقول إني أخاف أن أحبل فأقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل و المرأة و قوله و على الوارث مثل ذلك لا تضار المرأة التي لها ولد و قد توفي زوجها فلا يحل للوارث أن يضار أم الولد في النفقة فيضيق عليها و قوله فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما يعني إذا اصطلحت الأم و الوارث فيقول خذي الولد و اذهبي به حيث شئت .

و قوله و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا فهي ناسخة لقوله « و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » فقد قدمت الناسخة على المنسوخة في التأليف و قوله و لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم فهو أن يقول الرجل للمرأة في العدة إذا توفي عنها زوجها لا تحدثي حدثا و لا يصرح لها النكاح و التزويج ، فنهى الله عز و جل عن ذلك و السر في النكاح و قال و لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا و قال من السر أيضا أن يقول الرجل في عدة المرأة للمرأة موعدك بيت فلان و قال الأعشى في ذلك
فلا تنكحن جارة إن سرها
عليك حرام فانكحن أو تأبدا و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله أي تعتد و تبلغ الذي في الكتاب أجله أربعة أشهر و عشرا و أما قوله لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فهو أن يطلق الرجل المرأة التي قد تزوجها و لم يدخل بها و لم يسم لها صداقا ، فعليه إذا طلقها أن يمتعها على قدر حاله

تفسير القمي ج : 1ص :78

كما قال الله عز و جل على الموسع قدره و على المقتر قدره فالموسع يمتع بالأمة و الدراهم و الثوب على قدر سعته و المقتر يمتع بالخمار و ما يقدر عليه ، و إن تزوج بها و قد سمى لها الصداق و لم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و هو الولي و الأب و لا يعفوان إلا بأمرها و هو قوله و إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و تتزوج من ساعتها و لا عدة عليها و العدة على اثنين و عشرين وجها فالمطلقة تعتد ثلاثة أقرؤ ، و القرء هو اجتماع الدم في الرحم ، و العدة الثانية إذا لم تحض فثلاثة أشهر بيض و إذا كانت تحيض في الشهر الأقل أو الأكثر و طلقت ثم حاضت قبل أن يأتي لها ثلاثة أشهر حيضة واحدة فلا تبين من زوجها إلا بالحيض ، و إن مضى ثلاثة أشهر لها و لم تحض فإنها تبين بالأشهر البيض ، فإن حاضت قبل أن يمضي لها ثلاثة أشهر فإنها تبين بالدم ، و المطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة فلا تبين حتى تطهر من الدم الثالث ، و المطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها فإن طلقها اليوم و وضعت في الغد فقد بانت ، و المتوفى عنها زوجها و هي الحامل تعتد بأبعد الأجلين فإن وضعت قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا فلتتم أربعة أشهر و عشرا فإن مضى لها أربعة أشهر و عشرا فلم تضع فعدتها أن تضع ، و المطلقة و زوجها غائب عنها تعتد من يوم طلقها إذا شهد عندها شاهدان عدلان أنه طلقها في يوم معروف تعتد من ذلك اليوم فإن لم يشهد عندها أحد و لم تعلم أي يوم طلقها تعتد من يوم يبلغها ، و المتوفى عنها زوجها و هو غائب تعتد من يوم يبلغها ، و التي لم يدخل بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها ، فإن مات عنها و لم يدخل بها تعتد أربعة أشهر و عشرا .

تفسير القمي ج : 1ص :79

و العدة على الرجال أيضا إن كان له أربعة نسوة و طلق إحداهن لم يحل
له أن يتزوج حتى تعتد التي طلقها ، فإذا أراد أن يتزوج أخت امرأته لم تحل له حتى يطلق امرأته و تعتد ثم يتزوج أختها ، و المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت ، و المطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة تعتد حيث شاءت و لا تبيت عن بيتها ، و التي للزوج عليها رجعة لا تعتد إلا في بيت زوجها و تراه و يراها ما دامت في العدة ، و عدة الأمة إذا كانت تحت الحر شهران و خمسة أيام .

و عدة المتعة خمسة و أربعون يوما و عدة السبي استبراء الرحم ، فهذه وجوه العدة .

و أما المرأة التي لا تحل لزوجها أبدا فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين و تتزوج زوجا غيره فيطلقها و يتزوج بها الأول الذي كان طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة [ على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ] فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول الذي قد طلقها ست تطليقات على طهر و تزوجت زوجين غير زوجها الأول ثم يطلقها هذا زوجها الأول ثلاث تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين ، فهذه التي لا تحل لزوجها الأول أبدا لأنه قد طلقها تسع تطليقات و تزوج بها تسع مرات ، و تزوجت ثلاثة أزواج فلا تحل للزوج الأول أبدا ، و من طلق امرأته من غير أن تحيض أو كانت في دم الحيض أو نفساء من قبل أن تطهر فطلاقه باطل .

و قوله حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أنه قرأ « حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى صلاة العصر و قوموا لله قانتين » فقوله « قوموا لله قانتين » قال إقبال الرجل على صلاته و محافظته حتى لا يلهيه و لا يشغله عنها شي‏ء و قوله فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فهي رخصة بعد العزيمة للخائف أن يصلي راكبا و راجلا ، و صلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك

تفسير القمي ج : 1ص :80

و تعالى « و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك و ليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم و لتأت طائفة أخرى لم يصلوا فيصلوا معك و ليأخذوا حذرهم و أسلحتهم » فهذا وجه .

و الوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص و السباع في السفر فإنه يتوجه إلى القبلة و يفتتح الصلاة و يمر على وجه الأرض الذي هو فيه فإذا فرغ من القراءة و أراد أن يركع و يسجد ولى وجهه إلى القبلة إن قدر عليه و إن لم يقدر عليه ركع و سجد حيث ما توجه و إن كان راكبا أومأ برأسه .

و صلاة المجادلة [ المجاهدة ] و هي المضاربة في الحرب إذا لم يقدر أن ينزل ، يصلي و يكبر و لكل ركعة تكبيرة و يصلي و هو راكب فإن أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) صلى و أصحابه خمس صلوات بصفين على ظهور الدواب لكل ركعة تكبيرة و صلى و هو راكب حيث ما توجهوا .

و منها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه ، فوجه منها هو أن الرجل يكون في مفازة و لا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب ، و الوجه الثاني ، من فاتته الصلاة و لم يعرف أي صلاة هي فإنه يجب أن يصلي ثلاث ركعات و أربع ركعات و ركعتين فإن كانت المغرب فقد قضاها ، و إن فاتته العتمة فقد قضاها و إن كانت الفجر فقد قضاها و إن كانت الظهر و العصر فقد قامت الأربعة مقامها ، و من كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو قذر أو جنابة و لم يدر أي الثوبين أصاب القذر ، فإنه يصلي في هذا و في هذا فإذا وجد الماء غسلهما جميعا .

تفسير القمي ج : 1ص :81

و أما قوله أ لم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم فإنه كان وقع الطاعون بالشام في بعض الكور
فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم ، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن الطريق ثم أحياهم الله و ردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا و دفنوا .

و قوله أ لم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله إلى قوله و الله عليم بالظالمين قال حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) أن بني إسرائيل بعد موسى (عليه‏السلام‏) عملوا المعاصي و غيروا دين الله و عتوا عن أمر ربهم ، و كان فيهم نبي يأمرهم و ينهاهم فلم يطيعوه ، و روي أنه أرميا النبي ، فسلط الله عليهم جالوت ، و هو من القبط فأذلهم و قتل رجالهم و أخرجهم من ديارهم و أموالهم و استعبد نساءهم ، ففزعوا إلى نبيهم و قالوا سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، و كانت النبوة في بني إسرائيل في بيت و الملك و السلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك و النبوة في بيت واحد ، فمن ذلك « قالوا ابعث لنا ملكا ... إلخ » و قوله فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا فغضبوا من ذلك و قالوا أنى يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه و لم يؤت سعة من المال و كانت النبوة في ولد لاوي و الملك في ولد يوسف ، و كان طالوت من ولد بنيامين أخي يوسف لأمه لم يكن من بيت النبوة و لا من بيت المملكة ، فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم و الله يؤتي ملكه من يشاء و الله واسع عليم و كان أعظمهم جسما و كان شجاعا قويا و كان أعلمهم إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال ، فقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك آل موسى و آل هارون تحمله الملائكة و كان التابوت الذي أنزل الله على موسى فوضعته فيه أمه و ألقته في اليم ، فكان في بني إسرائيل معظما

تفسير القمي ج : 1ص :82

يتبركون ، به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح و ما كان عنده من آيات النبوة و أودعه يوشع وصيه ، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به و كان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز و شرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي و استخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت و قوله « فيه سكينة من ربكم » فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو و بين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان ، حدثني أبي عن الحسن بن خالد عن الرضا (عليه‏السلام‏) أنه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين و الكفار فإن تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل أو يغلب ، و من رجع عن التابوت كفر و قتله الإمام .

فأوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى (عليه‏السلام‏) و هو رجل من ولد لاوي بن يعقوب (عليه‏السلام‏) اسمه داود بن آسي ، و كان آسي راعيا و كان له عشرة بنين أصغرهم داود ، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل و جمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن أحضر ولدك ، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه درع موسى (عليه‏السلام‏) ، منهم من طالت عليه و منهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك أحدا ؟ قال نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث إليه ابنه فجاء به فلما دعي أقبل و معه مقلاع قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته و كان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا ، فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه ، ففصل طالوت بالجنود

تفسير القمي ج : 1ص :83

و قال لهم نبيهم يا بني إسرائيل إن الله مبتليكم بنهر ) في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من حزب الله ، و من لم يشرب منه فإنه من حزب الله إلا من اغترف غرفة بيده ، فلما وردوا النهر أطلق الله لهم أن يغرف كل واحد منهم غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا و هذا امتحان امتحنوا به كما قال الله ، و روي عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أنه قال القليل الذين لم يشربوا و لم يغترفوا ثلاث مائة و ثلاث عشر رجلا ، فلما جاوزوا النهر و نظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده و قال الذين لم يشربوا ربنا أفرغ علينا صبرا و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين فجاء داود (عليه‏السلام‏) حتى وقف بحذاء جالوت ، و كان جالوت على الفيل و على رأسه التاج و في ياقوت يلمع نوره و جنوده بين يديه ، فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت ، فمر في الهواء و وقع عليهم فانهزموا و أخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا و رمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته و وصل إلى دماغه و وقع إلى الأرض ميتا فهو قوله فهزموهم بإذن الله و قتل داود جالوت و آتاه الله الملك و الحكمة و أما قوله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال أبو عبد الله (عليه‏السلام‏) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ، و لو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا ، و إن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا و لو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا ، و إن الله ليدفع بمن

تفسير القمي ج : 1ص :84

يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا و لو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا ، و هو قول الله « و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ... إلخ » و أما قوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات و آتينا عيسى بن مريم البينات و أيدناه بروح القدس الآية فإنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) يوم الجمل فقال يا علي على ما تقاتل أصحاب رسول الله و من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ؟ فقال علي آية في كتاب الله أباحت لي قتالهم ، فقال و ما هي قال قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات و آتينا عيسى بن مريم البينات و أيدناه بروح القدس و لو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر و لو شاء الله ما اقتتلوا و لكن الله يفعل ما يريد » فقال الرجل كفر و الله القوم و قوله يوم لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة أي صداقة .

و أما آية الكرسي فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد أنه قرأ أبو الحسن الرضا (عليه‏السلام‏) : [ الم ] الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السموات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم قال « ما بين أيديهم » فأمور الأنبياء و ما كان « و ما خلفهم » أي ما لم يكن بعد ، قوله « إلا بما شاء » أي بما يوحي إليهم و لا يؤوده حفظهما أي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات و ما في الأرض و قوله لا إكراه في الدين أي لا يكره أحد على دينه إلا بعد أن قد تبين له الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم فقد استمسك بالعروة الوثقى يعني الولاية

تفسير القمي ج : 1ص :85

لا انفصام لها أي حبل لا انقطاع له يعني أمير المؤمنين و الأئمة بعده (عليه‏السلام‏) الله ولي الذين آمنوا و هم الذين اتبعوا آل محمد (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يخرجهم من الظلمات إلى النور و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت هم الظالمون آل محمد و الذين اتبعوا من غصبهم يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون و الحمد لله رب العالمين كذا نزلت ، حدثني أبي عن النضر بن سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) في قوله وسع كرسيه السموات و الأرض سألته أيما أوسع الكرسي أو السماوات و الأرض ؟ قال لا بل الكرسي وسع السماوات و الأرض و كل شي‏ء خلق الله في الكرسي .

حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الأصبغ بن نباتة أن عليا (عليه‏السلام‏) سئل عن قول الله عز و جل « وسع كرسيه السموات و الأرض » قال السماوات و الأرض و ما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي و له أربعة أملاك يحملونه بإذن الله ( فأما الملك الأول ) ففي صورة الآدميين و هي أكرم الصور على الله و هو يدعو الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لبني آدم ( و الملك الثاني ) في صورة الثور و هو سيد البهائم و هو يطلب إلى الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع البهائم ( و الملك الثالث ) في صورة النسر و هو سيد الطير و هو يطلب إلى الله و يتضرع إليه و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع الطير ( و الملك الرابع ) في صورة الأسد و هو سيد السباع و هو يرغب إلى الله و يطلب الشفاعة و الرزق لجميع السباع ، و لم يكن في هذه الصور أحسن من الثور و لا أشد انتصابا منه حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل إلها ، فلما عكفوا عليه و عبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء من الله أن عبد من دون الله شي‏ء يشبهه و تخوف أن ينزل به العذاب ، ثم قال (عليه‏السلام‏) إن الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن و جل أن يكون له ولد ، فكادت

تفسير القمي ج : 1ص :86

السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا ، فعند ذلك اقشعر الشجر و صار له شوك حذار أن ينزل به العذاب ، فما بال قوم غيروا سنة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و عدلوا عن وصيته في حق علي و الأئمة (عليهم‏السلام‏) و لا يخافون أن ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية « الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار » ثم قال نحن و الله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده و بنا فاز من فاز و قوله أ لم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي و يميت قال أنا أحيي و أميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فإنه لما ألقى نمرود إبراهيم (عليه‏السلام‏) في النار و جعلها الله عليه بردا و سلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك ؟ قال ربي الذي يحيي و يميت ، قال نمرود أنا أحيي و أميت فقال له إبراهيم كيف تحيي و تميت ، قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد و قتل واحدا فأكون قد أحييت و أمت ، فقال إبراهيم إن كنت صادقا فأحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فإن ربي يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عز و جل « فبهت الذي كفر » أي انقطع و ذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه .

و أما قوله أو كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي و عتوا عن أمر ربهم فأراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم و يقتلهم فأوحى الله تعالى إلى أرميا يا أرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان و غرست فيه من كرائم الشجر فأخلف فأنبت خرنوبا ؟ فأخبر أرميا أخيار علماء بني إسرائيل فقالوا له راجع

تفسير القمي ج : 1ص :87

ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل ) فصام أرميا سبعا ، فأوحى الله إليه يا أرميا أما البلد فبيت المقدس و أما ما أنبت فيها فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي و غيروا ديني و بدلوا نعمتي كفرا ، فبي حلفت لأمتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا و لأسلطن عليهم شر عبادي ولادة و شرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم و يسبي حريمهم و يخرب ديارهم التي يغترون بها و يلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة ، فأخبر أرميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء و المساكين و الضعفاء ، فصام أرميا سبعا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شي‏ء ثم صام سبعا و أكل أكلة و لم يوح إليه شي‏ء ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا أرميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك في قفاك ، قال ثم أوحى الله تعالى إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فقال أرميا رب أعلمني من هو حتى آتيه و آخذ لنفسي و أهل بيتي منه أمانا قال ائت موضع كذا و كذا فانظر إلى غلام أشدهم زمانا و أخبثهم ولادة و أضعفهم جسما و شرهم غذاء فهو ذلك ، فأتى أرميا ذلك البلد فإذا هو غلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان و إذا له أم تزني بالكسر و تفت الكسر في القصعة و تحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله ، فقال أرميا إن كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا ، فدنى منه فقال له ما اسمك ؟ فقال بخت نصر ، فعرفه أنه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني ؟ قال لا أنت رجل صالح ، قال أنا أرميا نبي بني إسرائيل ، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم و تفعل بهم كذا و كذا ، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال أرميا اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا ، و كان يخرج في الجبل و يحتطب و يدخله المدينة و يبيعه .

تفسير القمي ج : 1ص :88

فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه و كان مسكنهم في بيت المقدس و أقبل بخت نصر نحو بيت المقدس و اجتمع إليه بشر كثير ، فلما بلغ أرميا إقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له و معه الأمان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل إليه أرميا من كثرة جنوده و أصحابه ، فصير الأمان على قصبة و رفعها ، فقال من أنت ؟ فقال أنا أرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل و هذا أمانك لي ، قال أما أنت فقد أمنتك و أما أهل بيتك فإني أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي و إن لم تصل فهم آمنون ، و انتزع قوسه و رمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس ، فقال لا أمان لهم عندي ، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة و إذا دم يغلي وسطه كلما ألقي عليه التراب خرج و هو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا ؟

دم نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل و دمه يغلي و كلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي ، فقال بخت نصر لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم و كان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (عليهماالسلام‏) و كان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل و كان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله أيها الملك ، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر « أيها الملك اقتل هذا » فأمر أن يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (عليه‏السلام‏) في طشت و كان الرأس يكلمه و يقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا ، ثم غلى الدم في طشت حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلي و لا يسكن ، و كان بين قتل يحيى و بين خروج بخت نصر مائة سنة ، و لم يزل بخت نصر يقتلهم و كان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال و النساء و الصبيان و كل حيوان و الدم يغلي و لا يسكن حتى أفناهم فقال أ بقي أحد في هذه البلاد ؟ قالوا عجوز في موضع كذا و كذا فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن ، و كانت آخر من بقي ، ثم أتى بابل فبنى بها

تفسير القمي ج : 1ص :89

مدينة و أقام و حفر بئرا فألقى فيها دانيال و ألقى معه اللبوة فجعلت اللبوة تأكل من طين البئر و يشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا ، فأوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس أن اذهب بهذا الطعام و الشراب إلى دانيال و أقرئه مني السلام ، قال و أين دانيال يا رب ؟ قال في بئر ببابل في موضع كذا و كذا قال فأتاه فاطلع في البئر فقال يا دانيال ، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرئك السلام و قد بعث إليك بالطعام و الشراب فأدلاه إليه فقال دانيال « الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمد لله الذي يكشف حزننا [ ضرنا ] عند كربتنا الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا » . قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد و رجليه من نحاس و صدره من ذهب ، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت ؟ قالوا ما ندري و لكن قص علينا ما رأيت ؟ فقال و أنا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا و كذا و لا تدرون ما رأيت في المنام ، فأمر بهم فقتلوا ، قال فقال له بعض من كان عنده ، إن كان عند أحد شي‏ء فعند صاحب الجب فإن اللبوة لم تعرض له و هي تأكل الطين و ترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام ؟ قال رأيت كأن رأسك من حديد و رجليك من نحاس و صدرك من ذهب ، قال هكذا رأيت فما ذاك ؟ قال قد ذهب ملكك و أنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس ، قال فقال له إن علي سبع مدائن ، على باب كل مدينة حرس و ما رضيت بذلك حتى وضعت بطة

تفسير القمي ج : 1ص :90

من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب إلا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له إن الأمر كما قلت لك قال فبث الخيل و قال لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان و كان دانيال جالسا عنده ، و قال لا تفارقني هذه الثلاثة أيام فإن مضت قتلتك ، فلما كان اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس و هو لا يعلم أنه من أهل فارس ، فدفع إليه سيفه و قال له يا غلام لا تلقى أحدا من الخلق إلا و قتلته و إن لقيتني أنا فاقتلني ، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله . فخرج أرميا على حماره و معه تين قد تزوده و شي‏ء من عصير فنظر إلى سباع البر و سباع البحر و سباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها و قد أكلتهم السباع ، فأماته الله مكانه و هو قول الله تبارك و تعالى « أو كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه » أي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل و أهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا ، و كان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها و بقي أرميا ميتا مائة سنة ثم أحياه الله تعالى فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقى‏ء البيض فنظر فأوحى الله تعالى إليه كم لبثت قال لبثت يوما ثم نظر إلى الشمس و قد ارتفعت فقال أو بعض يوم فقال الله تعالى بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنه أي لم يتغير و انظر إلى حمارك و لنجعلك آية للناس و انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع إليه و إلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا و هاهنا
و يلتزق بها حتى قام و قام حماره فقال أعلم أن الله على كل شي‏ء قدير .

تفسير القمي ج : 1ص :91

و أما قوله و إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا و اعلم أن الله عزيز حكيم فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أن إبراهيم (عليه‏السلام‏) نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكله سباع البر و سباع البحر ثم تحمل السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب إبراهيم (عليه‏السلام‏) « فقال رب أرني كيف تحيي الموتى ... إلخ » فأخذ إبراهيم (عليه‏السلام‏) الطاووس و الديك و الحمام و الغراب فقال الله عز و جل « فصرهن إليك » أي قطعهن ثم اخلط لحمهن و فرقهن على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن و ادعهن يأتينك سعيا ، ففعل إبراهيم ذلك و فرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال أجيبني بإذن الله تعالى ، فكانت تجمع و يتألف لحم كل واحد و عظمه إلى رأسه و طارت إلى إبراهيم ، فعند ذلك قال إبراهيم إن الله عزيز حكيم .

و قوله و الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا و لا أذى الآية فإنه قال الصادق (عليه‏السلام‏) قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من أسدى إلى مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس و لا يؤمن بالله و اليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شي‏ء مما كسبوا و الله لا يهدي القوم الكافرين و قال من أكثر منه و أذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان ، و الصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة فيجي‏ء المطر فيغسل التراب عنها و يذهب به ، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم أتبعه بالمن و الأذى ، و قال الصادق (عليه‏السلام‏) ما شي‏ء أحب إلي من

تفسير القمي ج : 1ص :92

رجل سلف مني إليه يد أتبعته أختها و أحسنت بها له لأني رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، ثم ضرب مثل المؤمنين مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله و تثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل و الله بما تعملون بصير قال « مثلهم كمثل جنة » أي بستان في موضع مرتفع « أصابها وابل » أي مطر « فأتت أكلها ضعفين » أي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف أجر من أنفق ماله « ابتغاء مرضات الله » و الطل ما يقع بالليل على الشجر و النبات ، و قال أبو عبد الله (عليه‏السلام‏) و الله يضاعف لمن يشاء لمن أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ، قال فمن أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كما قال الله أ يود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل و أعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات و أصابه الكبر و له ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت قال الإعصار الرياح ، فمن امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار و هو شيخ ضعيف له أولاد صغار ضعفاء فتجي‏ء ريح أو نار فتحرق ماله كله ، و أما قوله يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه فإنه كان سبب نزولها أن قوما كانوا إذا صرموا النخل عمدوا إلى أرذل تمورهم فيتصدقون بها ، فنهاهم الله عن ذلك ، فقال « و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه » أي أنتم لو دفع ذلك إليكم لم تأخذوه و أما قوله الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء فإن الشيطان يقول لا تنفق فإنك تفتقر و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا أي يغفر لكم إن أنفقتم لله « و فضلا » قال يخلف عليكم ، و قوله يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم‏السلام‏) ، و قوله إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال الزكاة المفروضة تخرج علانية و تدفع علانية

تفسير القمي ج : 1ص :93

و بعد ذلك غير الزكاة إن دفعته سرا فهو أفضل و قوله ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا فهم الذين لا يسألون الناس إلحافا من الراضين و المتجملين في الدين الذين لا يسألون الناس إلحافا و لا يقدرون أن يضربوا في الأرض فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف عن السؤال .

و قوله الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال قال رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه ، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، و قوله يمحق الله الربا و يربي الصدقات قال قيل للصادق (عليه‏السلام‏) قد نرى الرجل يربي و ماله يكثر فقال يمحق الله دينه و إن كان ماله يكثر و قوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإنه كان سبب نزولها أنه لما أنزل الله تعالى « الذين يأكلون الربا إلخ » فقام خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فقال يا رسول الله ربا أبي في ثقيف و قد أوصاني عند موته بأخذه فأنزل الله تبارك و تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله قال من أخذ الربا وجب عليه القتل و كل من أربى وجب عليه القتل ، و أخبرني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال درهم من ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام ، قال إن
للربا سبعين جزءا أيسره أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام .

تفسير القمي ج : 1ص :94

و أما قوله و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فإنه حدثني أبي عن السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب عن عائشة أنها قالت سمعت رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين و استبان للوالي عسرته إلا برى‏ء هذا المعسر من دينه و صار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين ، قال (عليه‏السلام‏) و من كان له على رجل مال أخذه و لم ينفقه في إسراف أو في معصية فعسر عليه أن يقضيه فعلى من له المال أن ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه ، و إن كان الإمام العادل قائما فعليه أن يقضي عنه دينه لقول رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) من ترك مالا فلورثته و من ترك دينا أو ضياعا فعلى الإمام ما ضمنه الرسول ، و إن كان صاحب المال موسرا تصدق بماله عليه أو تركه فهو خير له لقوله و أن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون و أما قوله يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه فقد روي في الخبر أن في سورة البقرة خمس مائة حكم و في هذه الآية خمسة عشر حكما و هو قوله « يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه و ليكتب بينكم كاتب بالعدل و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله » ثلاثة أحكام « فليكتب » أربعة أحكام « و ليملل الذي عليه الحق » خمسة أحكام و هو إقراره إذا أملأ « و ليتق الله ربه و لا يبخس منه شيئا و لا يخونه » ستة أحكام « فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو » أي لا يحسن أن يمل « فليملل وليه بالعدل » يعني ولي المال سبعة أحكام استشهدوا شهيدين من رجالكم ثمانية أحكام « فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى » يعني إن تنسى إحداهما فتذكر أخرى تسعة أحكام « و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا » عشرة أحكام « و لا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله » أي لا تضجروا

تفسير القمي ج : 1ص :95

أن تكتبوه صغير السن أو كبيرا أحد عشر حكما « ذلكم أقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى أن لا ترتابوا » أي لا تشكوا « إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها » اثنا عشر حكما « و اشهدوا إذا تبايعتم » ثلاثة عشر حكما « و لا يضار كاتب و لا شهيد » أربعة عشر حكما « و إن تفعلوا فإنه فسوق بكم » خمسة عشر حكما « و اتقوا الله و يعلمكم الله و الله بكل شي‏ء عليم » و قوله و إن كنتم على سفر و لم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا أي يأخذ منه رهنا فإن أمنه و لم يأخذ منه رهنا « فليتق الله ربه » الذي أخذ المال و قوله « و لا تكتموا الشهادة » معطوف على قوله « و استشهدوا شهيدين من رجالكم » .

و أما قوله آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) أن هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) ليلة أسري به إلى السماء قال النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) انتهيت إلى محل سدرة المنتهى و إذا بورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى الله عز و جل فناداني ربي تبارك و تعالى « آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه » فقلت أنا مجيب عني و عن أمتي و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله لا نفرق بين أحد من رسله و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير فقال الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت فقلت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا و قال الله لا أؤاخذك ، فقلت ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا فقال الله لا أحملك ، فقلت ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك و لأمتك ، فقال الصادق (عليه‏السلام‏) ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) حيث سأل لأمته هذه الخصال .

/ 1