تفسير قمي سوره حجرات
تفسير القمي ج : 2ص :31849 سورة الحجرات مدنية آياتها ثمان عشرة 18بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله و اتقوا الله إن الله سميع عليم نزلت في وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمد ! اخرج إلينا ، و كانوا إذا خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) تقدموه في المشي ، و كانوا إذا تكلموا رفعوا أصواتهم فوق صوته و يقولون يا محمد يا محمد ! ما تقول في كذا و كذا كما يكلمون بعضهم بعضا فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون إلى قوله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات و هم بنو تميم أكثرهم لا يعقلون ثم قال و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم و الله غفور رحيم .و قوله : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم (عليهالسلام) و كان سبب ذلك أن عائشة قالت لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن إبراهيم ليس هو منك و إنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم ، فغضب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قال لأمير المؤمنين (عليهالسلام) : خذ السيف و أتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين (عليهالسلام) السيف ثم قال : بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو أمضي على ذلك ؟ فقال لهتفسير القمي ج : 2ص :319رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : بل تثبت ، فجاء أمير المؤمنين (عليهالسلام) إلى مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه و صعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين (عليهالسلام) و قال له انزل ، فقال له يا علي ! اتق الله ما هاهنا أناس ، إني مجبوب ثم كشف عن عورته ، فإذا هو مجبوب ، فأتى به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : ما شأنك يا جريح ! فقال : يا رسول الله إن القبط يجبون حشمهم و من يدخل إلى أهليهم و القبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها و أخدمها و أؤنسها فأنزل الله عز و جل« يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ » الآية ، و في رواية عبد الله [ عبيد الله ] بن موسى عن أحمد بن رشيد [ راشد ] عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أمر بقتل القبطي و قد علم أنها قد كذبت عليه ، أ و لم يعلم و إنما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت علي (عليهالسلام) ؟ فقال بلى قد كان و الله أعلم و لو كانت عزيمة من رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) القتل ما رجع علي (عليهالسلام) حتى يقتله ، و لكن إنما فعل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لترجع عن ذنبها ، فما رجعت و لا اشتد عليها قتل رجل مسلم بكذبها .حدثنا محمد بن جعفر عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم يعني أمير المؤمنين و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان فلان و فلان و فلان .تفسير القمي ج : 2ص :320و أما قوله : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوابينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين فإنه سيف على أهل البغي و التأويل قال حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين (عليهالسلام) و كان السائل من محبينا فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : بعث الله محمدا (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها و لن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، و سيف منها ملفوف و سيف منها مغمود سله إلى غيرنا و حكمه إلينا ، فأما السيوف الثلاثة الشاهرة .
فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى :« اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا يعني آمنوا فإخوانكم في الدين » فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و أموالهم و ذراريهم سبي على ما سبى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فإنه سبى و عفا و قبل الفداء (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) . و السيف الثاني على أهل الذمة قال الله جل ثناؤه :« و قولوا للناس حسنا » نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله :« قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون » فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل و مالهم و ذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم و أموالهم و حلت مناكحتهم و لا يقبل منها إلا الجزية أو القتل . و السيف الثالث على مشركي العجم يعني الترك و الديلم و الخزرج قال الله جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم فقال :
تفسير القمي ج : 2ص :321« فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد
- يعني بعد السبي منهم و إما فداء » يعني المفاداة بينهم و بين أهل الإسلام فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و لا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب . و أما السيف الملفوف فسيف على أهل البغي و التأويل قال الله عز و جل :« و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله » فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من هو ؟ قال : هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين (عليهالسلام) و قال عمار بن ياسر قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثلاثا و هذه الرابعة و الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ، فكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين (عليهالسلام) على ما كان من رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في أهل مكة يوم فتح مكة فإنه لم يسب لهم ذرية ، فقال : من أغلق بابه فهو آمن ، و من ألقى سلاحه فهو آمن و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، و كذلك قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) فيهم : لا تسبوا لهم ذرية و لا تجهزوا على جريح ، و لا تتبعوا مدبرا و من أغلق بابه فهو آمن . و أما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله تعالى« النفس بالنفس و الجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له » فسله إلى أولياء المقتول و حكمه إلينا ، فهذه السيوف بعث الله بها نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرتها و أحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) .تفسير القمي ج : 2ص :322و أما قوله يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن فإنها نزلت في صفية بنت حي بن أخطب ، و كانت زوجة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و ذلك أن عائشة و حفصة
كانتا تؤذيانها و تشتمانها و تقولان لها يا بنت اليهودية ، فشكت ذلك إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال لها : أ لا تجيبنهما ؟ فقالت بما ذا يا رسول الله قال قولي أبي هارون نبي الله و عمي موسى كليم الله و زوجي محمد رسول الله فما تنكران مني ؟ فقالت لهما فقالتا هذا علمك رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأنزل الله في ذلك يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم إلى قوله و لا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان و قوله : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا قال الشعوب العجم و القبائل العرب و قوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم و هو رد على من يفتخر بالأحساب و الأنساب ، و قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يوم فتح مكة : يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها إن العربية ليست بأب و والدة و إنما هو لسان ناطق ، فمن تكلم به فهو عربي ، ألا إنكم من آدم و آدم من تراب و أكرمكم عند الله أتقاكم قوله قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا أي استسلمتم بالسيف و لما يدخل الإيمان في قلوبكم و قوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا أي لا ينقصكم قوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا أي لم يشكوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله ، الآية قال نزلت في أمير المؤمنين (عليهالسلام) و قوله قل أ تعلمون الله بدينكم أي أ تعلمون الله دينكم و قوله يمنون عليك أن أسلموا نزلت في عثكن يوم الخندق و ذلك أنه مر بعمار بن ياسر و هو يحفر الخندق و قد ارتفع الغبار من الحفر فوضع كمه على أنفه و مر ، فقال عمار :
لا يستوي من يبني المساجد
كمن يمر بالغبار حائدا
يعرض عنه جاحدا معاندا
فيصلي فيها راكعا و ساجدا
يعرض عنه جاحدا معاندا
يعرض عنه جاحدا معاندا
لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين أي لستم صادقين إن الله يعلم غيب السموات و الأرض و الله بصير بما تعملون .
تفسير القمي ج : 2ص :323