تفسير قمي سوره شوري
42 سورة الشورى مكية آياتها ثلاث و خمسون 53بسم الله الرحمن الرحيم حم عسق هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع يؤلفه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أو الإمام (عليهالسلام) فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب ثم قال : كذلك يوحي إليك و إلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم حدثنا أحمد بن علي و أحمد بن إدريس قالا : حدثنا محمد بنتفسير القمي ج : 2ص :268أحمد العلوي عن العمركي عن محمد بن جمهور قال : حدثنا سليمان بن سماعة عن عبد الله بن القاسم عن يحيى بن مسيرة [ ميسرة ] الخثعمي عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : سمعته يقول حم عسق أعداد سني القائم و قاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فحضره السماء من ذلك الجبل و علم كل شيء في عسق .و قال علي بن إبراهيم في قوله : تكاد السموات يتفطرن من فوقهن و الملائكة يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون لمن في الأرض قال للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصة ، و لفظ الآية عامة و معناه خاص و قوله : و كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى و من حولها قال : أم القرى مكة سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض لقوله« إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا » و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله يتفطرن من فوقهن أي يتصدعن و قوله لتنذر أم القرى مكة و من حولها سائر الأرض و قوله و تنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة و فريق في السعير قال : فإنه حدثني الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي [ النحلي ] عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله (عليهالسلام) عن آبائه (عليهمالسلام) قال لما بلغ أمير المؤمنين (عليهالسلام) أمر معاوية و أنه في مائة ألف قال من أي القوم ؟ قالوا من أهل الشام ، قال (عليهالسلام) لا تقولوا من أهل الشام و لكن قولوا من أهل الشوم هم من أبناء مضر لعنوا على لسان داود فجعل الله منهم القردة و الخنازير ، ثم كتب (عليهالسلام) إلى معاوية لا تقتل الناس بيني و بينك و هلم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النار أنت و تستريح الناس منك و من ضلالتك و إن قتلتني فأنا إلى الجنة و يغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى أرد مكرك و بدعتك ، و أنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة و الإنجيل بمؤازرة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ، و أنا أول من بايع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) تحت الشجرة في قوله :« لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة » .تفسير القمي ج : 2ص :269فلما قرأ معاوية كتابه و عنده جلساؤه قالوا و الله قد أنصفك فقال معاوية و الله ما أنصفني و الله لأرمينه بمائة ألف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل إلي ، و و الله ما أنا من رجاله ، و لقد سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يقول و الله يا علي لو بارزك أهل الشرق و الغرب لقتلتهم أجمعين ، فقال له رجل من القوم فما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم و تخبر فيه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بما تخبر ؟ ما أنت و نحن في قتاله إلا على الضلالة ! فقال معاوية : إنما هذا بلاغ من الله و رسالاته و الله ما أستطيع أنا و أصحابي رد ذلك حتى يكون ما هو كائن . قال : و بلغ ذلك ملك الروم و أخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا ؟ فقيل له رجل بالكوفة و رجل بالشام قال : فلمن الملك الآن فأمر وزراءه فقال تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي ، فأتي برجلين من تجار الشام و رجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزائنه أخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال : الشامي ضال و الكوفي هاد ، ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك و كتب إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، فأسمع منهما ثم أنظر في الإنجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر و خشي على ملكه ، فبعث معاوية يزيد ابنه و بعث أمير المؤمنين الحسن ابنه (عليهالسلام) فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده و قبلها ثم قبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي (عليهماالسلام) فقال : الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا و لا نصرانيا و لا مجوسيا و لا عابدا للشمس و القمر و لا الصنم و لا البقر و جعلني حنيفا مسلما و لم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم و الحمد لله رب العالمين ، ثم جلس لا يرفع بصره ، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة و ثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الأنبياء و قد زينت بزينة كل نبي مرسلتفسير القمي ج : 2ص :270فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا و لا يجيب منها بشيء ثم سأله عن أرزاق الخلائق و عن أرواح المؤمنين أين تجتمع ؟ و عن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا ؟ فلم يعرف من ذلك شيئا ثم دعا الملك الحسن بن علي (عليهماالسلام) ؟ فقال : إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم و يعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف لي أبوك و أبوه و نظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و الوزير عليا (عليهالسلام) فنظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) . فقال له الحسن : سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل و عما في التوراة و عما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى ، فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صورة القمر فقال الحسن (عليهالسلام) : هذه صفة آدم أبو البشر ثم عرض عليه أخرى في صفة الشمس فقال الحسن (عليهالسلام) : هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه آخر في صورة حسنة فقال : هذه صفة شيث بن آدم و كان أول من بعث و بلغ عمره في الدنيا ألف سنة و أربعين عاما ، ثم عرض عليه أخرى فقال : هذه صفة نوح صاحب السفينة كان عمره ألفا و أربعمائة سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عرض عليه آخر فقال : هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ثم عرض عليه صنما آخر فقال : هذه صفة موسى بن عمران و كان عمره مائتين و أربعين سنة و كان بينه و بين إبراهيم خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنما آخر فقال : هذه صفة إسرائيل و هو يعقوب ثم أخرج إليه صنما آخر فقال : هذه صفة إسماعيل ثم أخرج إليه صنما آخر فقال : هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم أخرج إليه صنما آخر فقال : هذه صفة داود صاحب المحراب [ الحرب ] ثم أخرج إليه صنما آخر فقال : هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله و كلمته و كان عمره في الدنيا ثلاثة و ثلاثين سنة ثم رفعه الله إلىتفسير القمي ج : 2ص :271السماء و يهبط إلى الأرض بدمشق و هو الذي يقتل الدجال . ثم عرض عليه صنما صنما فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الأوصياء و الوزراء فكان يخبر باسم وصي وصي و وزير وزير ثم عرض عليه أصناما بصفة الملوك فقال الحسن (عليهالسلام) هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان فلعلها من صفة الملوك فقال الملك : أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الأولين و الآخرين و علم التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و ألواح موسى (عليهالسلام) ثم عرض عليه صنما يلوح ، فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا ، فقال له الملك ما يبكيك ؟ فقال : هذه صفة جدي محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) كثيف اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة ، أقنى الأنف ، أفلج الأسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان ، كان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، بلغ عمره ثلاثا و ستين سنة و لم يخلف بعده إلا خاتما مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و كان يختم بيمينه و خلف سيفه ذا الفقار و قضيبه و جبة صوف و كساء صوف كان يتسرول به ، لم يقطعه و لم يخطه حتى لحق بالله ! فقال الملك : إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق به على سبطيه فهل كان ذلك ؟ فقال له الحسن (عليهالسلام) : قد كان ذلك ، فقال الملك فبقي لكم ذلك فقال لا ، فقال الملك أول فتنة هذه الأمة غلبا أباكما و هما الأول و الثاني على ملك نبيكم و اختيار هذه الأمة على ذرية نبيهم ، منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر . قال : ثم سأل الملك الحسن (عليهالسلام) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم ، فقال الحسن (عليهالسلام) أول هذه آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة صالح ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن ، قال : ثم سأله عن أرزاق الخلائق ، فقال الحسن (عليهالسلام) : أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ينزل بقدر و يبسط بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا ؟ قال :تفسير القمي ج : 2ص :272تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة و هو عرش الله الأدنى منها بسط الله الأرض و إليها يطويها و منها المحشر و منها استوى ربنا إلى السماء أي استولى على السماء و الملائكة ، ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع ؟ قال : تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق و نارا من المغرب و يتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة و يزلف الميعاد و تصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة و فيها الفلق و السجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها و من وجبت له النار دخلها و ذلك قوله« فريق في الجنة و فريق في السعير » فلما أخبر الحسن (عليهالسلام) بصفة ما عرض عليه من الأصنام و تفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية و قال : أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه الله بمؤازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى و غيره فقد طبع الله على قلبه و آثر دنياه على آخرته و هواه على دينه و هو من الظالمين . قال : فسكت يزيد و خمد قال : فأحسن الملك جائزة الحسن و أكرمه و قال له : ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني و بين ذلك و أظنه سما مرديا و عذابا أليما ، قال : فرجع يزيد إلى معاوية : و كتب إليه الملك أنه من آتاه الله العلم بعد نبيه و حكم التوراة و ما فيها و الإنجيل و ما فيه و الزبور و ما فيه و الفرقان و ما فيه فالحق و الخلافة له و كتب إلى علي (عليهالسلام) أن الحق و الخلافة لك و بيت النبوة فيك و في ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك فإن من قاتلك نجده في الإنجيل أن عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين و عليه لعنة أهل السماوات و الأرضين .تفسير القمي ج : 2ص :273و أما قوله : و لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة قال : و لو شاء أن يجعلهم كلهم معصومين مثل ملائكة بلا طباع لقدر عليه و لكن يدخل من يشاء فيرحمته و الظالمون آل محمد حقهم ما لهم من ولي و لا نصير و قوله : و ما اختلفتم فيه من شيء من المذاهب و اخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله [ إلى الله ] يوم القيامة و قوله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعني النساء و من الأنعام أزواجا يعني ذكرا و أنثى يذرؤكم فيه يعني النسل الذي يكون من الذكور و الإناث ثم رد الله على من وصف الله فقال : ليس كمثله شيء و هو السميع البصير و قوله : شرع لكم من الدين مخاطبة لمحمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك يا محمد و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين أي تعلموا الدين يعني التوحيد و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و السنن و الأحكام التي في الكتب و الإقرار بولاية أمير المؤمنين (عليهالسلام) و لا تتفرقوا فيه أي لا تختلفوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه من ذكر هذه الشرائع ثم قال الله يجتبي إليه من يشاء أي يختار و يهدي إليه من ينيب و هم الأئمة الذين اجتباهم الله و اختارهم قال و ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم قال لم يتفرقوا بجهل و لكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم و عرفوه فحسد بعضهم بعضا و بغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضل أمير المؤمنين (عليهالسلام) بأمر الله فتفرقوا في المذاهب و أخذوا بالآراء و الأهواء ثم قال عز و جل : و لو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم قال : لو لا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا اختلفوا و أهلكهم و لم ينظرهم و لكن أخرهم إلى أجل مسمى مقدر و إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم قال : فلذلك فادع يعني لهذه الأمور و الدين الذي تقدم ذكره و موالاة أمير المؤمنين (عليهالسلام) و استقم كما أمرت .تفسير القمي ج : 2ص :274قال : فحدثني أبي عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
في قول الله : أن أقيموا الدين قال الإمام و لا تتفرقوا فيه كناية عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) ثم قال : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه من أمر ولاية علي (عليهالسلام) الله يجتبي إليه من يشاء كناية عن علي (عليهالسلام) و يهدي إليه من ينيب ثم قال : فلذلك فادع و استقم كما أمرت يعني إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) و لا تتبع أهواءهم فيه و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب و أمرت لأعدل بينكم الله ربنا و ربكم إلى قوله و إليه المصير ثم قال عز و جل الذين يحاجون في الله أي يحتجون على الله بعد ما شاء الله أن يبعث إليهم الرسل و الكتب فبعث الله إليهم الرسل و الكتب فغيروا و بدلوا ثم يحتجون يوم القيامة على الله فحجتهم داحضة أي باطلة عند ربهم و عليهم غضب و لهم عذاب شديد ثم قال الله الذي أنزل الكتاب بالحق و الميزان قال الميزان أمير المؤمنين (عليهالسلام) و الدليل على ذلك قوله في سورة الرحمن و السماء رفعها و وضع الميزان قال يعني الإمام ، و قوله يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها كناية عن القيامة فإنهم كانوا يقولون لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أقم لنا الساعة و ائتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فقال الله : ألا إن الذين يمارون في الساعة أي يخاصمون و قوله : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه يعني ثواب الآخرة و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب قال : حدثني أبي عن بكير [ بكر ] بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال المال و البنون حرث الدنيا و العمل الصالح حرث الآخرة و قد يجمعهما الله لأقوام و قوله : و لو لا كلمة الفصل لقضي بينهم قال الكلمة الإمام و الدليل على ذلك قوله و جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون يعني الإمامة ثم قال و إن الظالمين يعني الذين ظلموا هذه الكلمة لهم عذاب أليم ثم قال ترى الظالمين يعني الذين ظلموا آل محمد حقهم مشفقين مما كسبوا أي خائفين مما ارتكبوا و عملوا و هو واقع بهم أي ما يخافونه ثم ذكر الله الذينتفسير القمي ج : 2ص :275آمنوا بالكلمة و اتبعوها فقال : و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنات إلى قوله يبشر الله عباده الذين آمنوا بهذه الكلمة و عملوا الصالحات مما أمروا به .
ثم قال : قل لهم يا محمد لا أسألكم عليه أجرا يعني على النبوة إلا المودة في القربى قال : حدثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول في قول الله« قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » يعني في أهل بيته قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقالوا : إنا قد آوينا و نصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فأنزل الله« قل لا أسألكم عليه أجرا » يعني على النبوة« إلا المودة في القربى » يعني في أهل بيته ثم قال : أ لا ترى أن الرجل يكون له صديق و في نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله شيء على أهل بيته [ أمته ] ففرض عليهم المودة في القربى فإن أخذوا أخذوا مفروضا و إن تركوا تركوا مفروضا ، قال : فانصرفوا من عنده و بعضهم يقول عرضنا عليه أموالنا فقال : قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي ، و قالت طائفة ما قال هذا رسول الله و جحدوه و قالوا كما حكى الله أم يقولون افترى على الله كذبا فقال الله فإن يشأ الله يختم على قلبك قال لو افتريت و يمحو الله الباطل يعني يبطله و يحق الحق بكلماته يعني بالنبي و بالأئمة و القائم من آل محمد إنه عليم بذات الصدور ثم قال : و هو الذي يقبل التوبة من عباده إلى قوله و يزيدهم من فضله يعني الذين قالوا القول« ما قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) » ثم قال و الكافرون لهم عذاب شديد و قال أيضا : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال : أجر النبوة أن لا تؤذوهم و لا تقطعوهم و لا تغصبوهم و تصلوهم و لا تنقضوا العهد فيهم لقوله تعالى« و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل » قال : جاءت الأنصار إلى رسول اللهتفسير القمي ج : 2ص :276(صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقالوا : إنا قد نصرنا و فعلنا فخذ من أموالنا ما شئت فأنزل الله« قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » يعني في أهل بيته ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بعد ذلك من حبس أجيرا أجره فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا و هو محبة آل محمد ثم قال و من يقترف حسنة و هي إقرار الإمامة لهم و الإحسان إليهم و برهم و صلتهم نزد له فيها حسنا أي نكافىء على ذلك بالإحسان و قوله و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض قال الصادق (عليهالسلام) لو فعل لفعلوا و لكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض و استعبدهم بذلك و لو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا في الأرض و لكن ينزل بقدر ما يشاء مما يعلم أنه يصلحهم في دينهم و دنياهم إنه بعباده خبير بصير و قوله : و هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا أي يئسوا و ينشر رحمته و هو الولي الحميد قال : حدثني أبي عن العرزمي [ العزرمي ] عن أبيه عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال سئل عن السحاب أين يكون ؟ قال : يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليه فإذا أراد الله أن يرسل أرسل ريحا فأثاره و وكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق و هو البرق فيرتفع .و قوله و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير قال فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال سمعته يقول إني أحدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم ، أن يعيه ثم أقبل علينا فقال : ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان الله أحلم و أمجد و أجود من أن يعود في عقابه يوم القيامة و ما ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا و عفا عنه إلا كان الله أمجد و أجود و أكرم من أن يعود في عقوبته يوم القيامة ، ثم قال (عليهالسلام) : و قد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله ثم تلا هذه الآية« و ما أصابكم من مصيبة ... إلخ »تفسير القمي ج : 2ص :277و حثا بيده ثلاث مرات ، قال : فحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عز و جل« و ما أصابكم من مصيبة ... إلخ » قال أ رأيت ما أصاب عليا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم ؟ و هم أهل الطهارة معصومون قال إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) كان يتوب إلى الله و يستغفره في كل يوم و ليلة مائة مرة من غير ذنب إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب ، قال الصادق (عليهالسلام) لما أدخل علي بن الحسين (عليهماالسلام) على يزيد نظر إليه ثم قال : يا علي بن الحسين و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ! فقال علي بن الحسين (عليهماالسلام) كلا ! ما فينا هذه نزلت و إنما نزلت فينا« ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم » فنحن الذين لا نأسو على ما فاتنا من أمر الدنيا و لا نفرح بما أوتينا و قوله : و إذا ما غضبوا هم يغفرون قال أبو جعفر (عليهالسلام) من كظم غيظا و هو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا و إيمانا يوم القيامة قال : و من ملك نفسه إذا رغب و إذا رهب و إذا غضب حرم الله جسده على النار و قوله : و الذين استجابوا لربهم قال : في إقامة الإمام و أقاموا الصلوة و أمرهم شورى بينهم أي يقبلون ما أمروا به و يشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم كما قال الله« و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم » .و أما قوله : و الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون يعني إذا بغي عليهم ينتصرون و هي الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار إن شاء فعل و إن شاء ترك ثم جزى ذلك فقال و جزاء سيئة سيئة مثلها أي لا تعتدى و لا تجازى بأكثر مما فعل بك ثم قال فمن عفا و أصلح فأجره على الله ثم قال و ترى الظالمين آل محمد حقهم لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل أي إلى الدنياتفسير القمي ج : 2ص :278حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال سمعته يقول و لمن انتصر بعد ظلمه يعني القائم (عليهالسلام) و أصحابه فأولئك ما عليهم من سبيل و القائم إذا قام انتصر من بني أمية و من المكذبين و النصاب هو و أصحابه و هو قول الله إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم و قوله ترى الظالمين آل محمد حقهم لما رأوا العذاب و علي (عليهالسلام) هو العذاب في هذا الوجه يقولون هل إلى مرد من سبيل فنوالي عليا (عليهالسلام) و تراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل لعلي ينظرون إلى علي من طرف خفي و قال الذين آمنوا يعني آل محمد و شيعتهم إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين آل محمد حقهم في عذاب مقيم قال : و الله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لعلي و ذريته (عليهمالسلام) و المكذبين و ما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله و من يضلل الله فما له من سبيل و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله يهب لمن يشاء إناثا أي ليس معهن ذكر و يهب لمن يشاء الذكور يعني ليس معهم أنثى أو يزوجهم ذكرانا و إناثا جميعا يجمع له البنين و البنات أي يهبهم جميعا لواحد .تفسير القمي ج : 2ص :279و قال علي بن إبراهيم في قوله لله ملك السموات و الأرض يخلق ما يشاء إلى قوله و يجعل من يشاء عقيما قال : فحدثني أبي عن المحمودي و محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل الرازي عن محمد بن سعيد أن يحيى بن أكثم
سأل موسى بن محمد عن مسائل و فيها أخبرنا عن قول الله« أو يزوجهم ذكرانا و إناثا » فهل يزوج الله عباده الذكران و قد عاقب قوما فعلوا ذلك فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري (عليهالسلام) و كان من جواب أبي الحسن أما قوله« أو يزوجهم ذكرانا و إناثا » فإن الله تبارك و تعالى يزوج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين و إناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين و معاذ الله أن يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة لارتكاب المأثم قال و من يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا إن لم يتب و قوله و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء قال وحي مشافهة و وحي إلهام و هو الذي يقع في القلب أو من وراء حجاب كما كلم الله نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و كما كلم الله موسى (عليهالسلام) من النار أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء قال وحي مشافهة يعني إلى الناس ثم قال لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان روح القدس هي التي قال الصادق (عليهالسلام) في قوله« و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي » قال : هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و هو مع الأئمة ثم كنى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال : و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا و الدليل على أن النور أمير المؤمنين (عليهالسلام) قوله عز و جل و اتبعوا النور الذي أنزل معه الآية حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم قال : حدثنا محمد بنتفسير القمي ج : 2ص :280علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قول الله لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم)« ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نورا » يعني عليا و علي هو النور فقال نهدي به من نشاء من عبادنا يعني عليا (عليهالسلام) به هدى من هدى من خلقه قال و قال الله لنبيه و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم يعني إنك لتأمر بولاية علي و تدعو إليها و علي هو الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات و ما في الأرض يعني عليا أنه جعله خازنه على ما في السموات و ما في الأرض من شيء و ائتمنه عليه إلا إلى الله تصير الأمور .و قال علي بن إبراهيم في قوله :« و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم » أي تدعو إلى الإمامة المستوية ثم قال :« صراط الله » أي حجة الله الذي له ما في السماوات و ما في الأرض« ألا إلى الله تصير الأمور » حدثني محمد بن همام قال : حدثني سعد بن محمد عن عباد بن يعقوب عن عبد الله بن الهيثم عن صلت بن الحرة قال كنت جالسا مع زيد بن علي ( ع ) فقرأ و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم قال : هدي الناس و رب الكعبة إلى علي (عليهالسلام) ضل عنه من ضل و اهتدى من اهتدى .