تفسير قمي سوره فاطر
35 سورة فاطر مكية آياتها خمس و أربعون 45بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السموات و الأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع قال الصادق (عليهالسلام) خلق الله الملائكة مختلفة و قد رأى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) جبرئيل و له ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء و الأرض و قال : إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة و الأخرى في الأرض السابعة و إن لله ملائكة أنصافهم من برد و أنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد و النار ثبت قلوبنا على طاعتك ، و قال : إن لله ملكا بعد ما بين شحمة أذنيه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير ، و قال : إن الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و لا ينكحون و إنما يعيشون بنسيم العرش ، و إن لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة ، و إن لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة ، ثم قال أبو عبد الله (عليهالسلام) قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما من شيء مما خلق الله أكثر من الملائكة و إنه ليهبط في كل يوم أو في كل ليلة سبعون ألف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم يأتون أمير المؤمنين (عليهالسلام) فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين (عليهالسلام) فيقيمون عنده ، فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا ، و قال أبو جعفر (عليهالسلام) إن الله خلق إسرافيل و جبرائيل و ميكائيل منتفسير القمي ج : 2ص :207تسبيحة واحدة و جعل لهم السمع و البصر و جودة العقل و سرعة الفهم ، و قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) في خلقة الملائكة .« و ملائكة خلقتهم و أسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة و لا عندهم غفلة و لا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، و أخوف خلقك منك ، و أقرب خلقك إليك و أعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون و لا سهو العقول و لا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب و لم تتضمنهم الأرحام و لم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاء فأسكنتهم سماواتك و أكرمتهم بجوارك و ائتمنتهم على وحيك و جنبتهم الآفات و وقيتهم البليات و طهرتهم من الذنوب و لو لا قوتك لم يقووا و لو لا تثبيتك لم يثبتوا و لو لا رحمتك لم يطيعوا و لو لا أنت لم يكونوا ، أما إنهم على مكانتهم منك و طواعيتهم إياك و منزلتهم عندك و قلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم و لآزروا على أنفسهم و لعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا و معبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك » أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن مالك بن عبد الله بن أسلم عن أبيه عن رجل من الكوفيين عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها قال : و المتعة من ذلك ، و عنه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله : أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون قال : نزلت في زريق و حبتر .تفسير القمي ج : 2ص :208قال علي بن إبراهيم : ثم احتج عز و جل على الزنادقة و الدهرية فقال : الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت و هو الذي لا نباتفيه فأحيينا به الأرض بعد موتها أي بالمطر ثم قال : كذلك النشور و قوله إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه قال كلمة الإخلاص و الإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض و الولاية ترفع العمل الصالح إلى الله ، و عن الصادق (عليهالسلام) أنه قال الكلم الطيب قول المؤمن« لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله و خليفة رسول الله » و قال : و العمل الصالح الاعتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم و صدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله و إذا قال و خالف قوله عمله رد قوله على عمله الخبيث و هوى به في النار .و قال علي بن إبراهيم في قوله : و ما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب يعني يكتب في كتاب و هو رد على من ينكر البداء ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : و ما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح أجاج فالأجاج المر قوله و ترى الفلك فيه مواخر يقول الفلك مقبلة و مدبرة بريح واحدة .و قال علي بن إبراهيم في قوله : و الذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير قال : الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الأصنام فقال : إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم إلى قوله بشرككم يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة و قوله : و لا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل آثمة إثم أخرى و قوله : و إن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء و لو كان ذا قربى أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من يأمر به فيحمله الآمر و المأمور و قوله : و ما يستوي الأعمى و البصير مثل ضربه الله للمؤمن و الكافر و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور فالظلتفسير القمي ج : 2ص :209الناس و الحرور البهائم و قال و ما يستوي الأحياء و لا الأموات ثم قال : إن الله يسمع من يشاء و ما أنت بمسمع من في القبور قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور و قوله : و إن من أمة إلا خلا فيها نذير قال : لكل زمان إمام .ثم ذكر كبرياءه فقال : أ لم تر يا محمد أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها إلى قوله و غرابيب سود و هو الغربان و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء و معناه يخشاه عباده العلماء .ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال : إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلوة و أنفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور أي لن تخسر ، ثم خاطب نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال : و الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم ذكر آل محمد فقال ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا و هم الأئمة (عليهمالسلام) ثم قال فمنهم ظالم لنفسه من آل محمد غير الأئمة و هو الجاحد للإمام و منهم مقتصد و هو المقر بالإمام و منهم سابق بالخيرات بإذن الله و هو الإمام ، ثم ذكر ما أعده الله لهم عنده فقال جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب إلى قوله و لا يمسنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب قال : النصب العناد اللغوب الكسل و الضجر و دار المقامة دار البقاء .ثم ذكر ما أعده لأعدائهم و من خالفهم و ظلمهم فقال و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا إلى قوله و هم يصطرخون فيها أي يصيحون و ينادون ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل فرد الله عليهم فقال : أ و لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر أي عمرتم حتى عرفتم الأمور كلها و جاءكم النذير يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فذوقوا فما للظالمين من نصيرتفسير القمي ج : 2ص :210ثم حكى الله عز و جل قول قريش فقال : و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني الذين هلكوا فلما جاءهم نذير يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض و مكر السيىء و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة و عظم خطإ طلحة و الزبير فقال :« و أي خطيئة أعظم مما أتيا أخرجا زوجة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من بيتها و كشفا عنها حجابا ستره الله عليها و صانا حلائلهما في بيوتهما ، ما أنصفا لا لله و لا لرسوله من أنفسهما ، ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي و المكر و النكث ، قال الله : يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم و قال : و من نكث فإنما ينكث على نفسه و قال : و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله و قد بغيا علينا و نكثا بيعتي و مكرا بي .و قوله : أ و لم يسيروا في الأرض قال : أ و لم ينظروا في القرآن و في أخبار الأمم الهالكة فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم قوله : و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى قال : لا يأخذهم عند المعاصي و عند اغترارهم بالله ، قال : و حدثني أبي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهالسلام) قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) سبق العلم و جف القلم و مضى القضاء و تم القدر بتحقيق الكتاب و تصديق الرسل بالسعادة من الله لمن آمن و اتقى و بالشقا لمن كذب و كفر بالولاية من الله للمؤمنين و بالبراءة منه للمشركين ، ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) الله يقول : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسكتفسير القمي ج : 2ص :211ما تريد و بفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي و بقوتي و عصمتي و عافيتي أديت إلي فرائضي و أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بذنبك مني ، الخير مني إليك واصل بما أوليتك و الشر مني إليك بما جنيت جزاء و بكثير من تسليطي [ تسلطي ] لك انطويت عن طاعتي و بسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد و الحجة عليك بالبيان ، و لي السبيل عليك بالعصيان و لك الجزاء الحسن عندي بالإحسان ثم لم أدع تحذيرك بي ثم لم آخذك عند غرتك و هو قوله :« و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة » لم أكلفك فوق طاقتك و لم أحملك من الأمانة إلا ما قررت بها على نفسك و رضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني ثم قال عز و جل : و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا .