تفسير قمي سوره مؤمنون
23 سورة المؤمنون مكية آياتها مائة و ثمان عشرة 118بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون قال الصادق (عليهالسلام) لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت :« قد أفلح المؤمنون » و قوله : و الذين هم في صلوتهم خاشعون قال غضك بصرك في صلواتك و إقبالك عليها و الذين هم عن اللغو معرضون يعني الغناء و الملاهي و الذين هم للزكوة فاعلون قال الصادق (عليهالسلام) من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة له و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهمتفسير القمي ج : 2ص :89يعني الإماء فإنهم غير ملومين و المتعة حدها حد الإماء فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون قال من جاوز ذلك فأولئك هم العادون و قوله : و الذين هم على صلوتهم يحافظون قال على أوقاتها و حدودها و قوله : أولئك هم الوارثون فإنه حدثني أبي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا و في النار منزلا فإذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أشرفوا فيشرفون على أهل النار و ترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها يعني النار قال فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ، ثم ينادي مناد يا أهل النار ارفعوا رءوسكم فيرفعون رءوسهم فينظرون منازلهم في الجنة و ما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم لدخلتموها قال فلو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء و يورث هؤلاء منازل هؤلاء و ذلك قول الله أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون .و قوله : و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين قال السلالة الصفوة من الطعام و الشراب الذي يصير نطفة و النطفة أصلها من السلالة و السلالة هي من صفوة الطعام و الشراب و الطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله : من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين يعني في الرحم ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا ءاخر فتبارك الله أحسن الخالقين و هذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعون يوما ثم تصير علقة .تفسير القمي ج : 2ص :90و زعمت المعتزلة أنا نخلق أفعالنا و احتجوا بقول الله أحسن الخالقين و زعموا أن هاهنا خالقين غير الله عز و جل و معنى الخلق هاهنا التقدير مثل قول اللهلعيسى بن مريم و ليس ذلك كما ذهبت المعتزلة أنهم خالقون لأفعالهم و قوله : خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين إلى قوله ثم أنشأناه خلقا ءاخر فهم ستة أجزاء و ست استحالات و في كل جزء و استحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا ، و في العلقة أربعون دينارا ، و في المضغة ستون دينارا و في العظم ثمانون دينارا ، و إذا كسي لحما فمائة دينار حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة فحدثني بذلك أبي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال قلت فإن خرج في النطفة قطرة دم قال في القطرة عشر النطفة ففيها اثنان و عشرون دينارا قلت قطرتان قال أربعة و عشرون دينارا قلت فثلاث قال ستة و عشرون دينارا قلت فأربع قال ثمانية و عشرون دينارا قلت فخمس قال ثلاثون دينارا و ما زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتى تصير علقة فيكون فيها أربعون دينارا ، قلت فإن خرجت النطفة متخضخضة بالدم ؟ قال : قد علقت إن كان دما صافيا أربعون دينارا و إن كان دما أسود فذلك من الجوف فلا شيء عليه إلا التعزير لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد و ما كان من دم أسود فهو من الجوف ، قال فقال أبو شبل فإن العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق و اللحم ؟ قال : اثنان و أربعون دينارا العشر قال قلت فإن عشر الأربعين أربعة ، قال لا إنما عشر المضغة إنما ذهب عشرها فكلما ازدادت زيد حتى تبلغ الستين قلت فإن رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس ؟ قال : إن ذلك عظم أول ما يبتدىء ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزاد أربعة دنانير حتى تبلغ مائة قلت فإن كسي العظم لحما قال كذلك إلى مائة قلت فإن ركزها فسقط الصبي لا يدرى أ حيا كان أو ميتا ، قال : هيهات يا أبا شبل
إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة و قد استوجب الدية و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : ثم أنشأناه خلقا ءاخر فهو نفخ الروح فيه .تفسير القمي ج : 2ص :91و قال علي بن إبراهيم في قوله : و لقد خلقنا فوقكم سبع طرائق قال السماوات و قوله : و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للآكلين قال شجرة الزيتون و هو مثل لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين (عليهالسلام) و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله : و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض فهي الأنهار و العيون و الآبار و قوله :« و شجرة تخرج من طور سيناء » فالطور الجبل و السيناء الشجرة و أما الشجرة التي تنبت بالدهن فهي الزيتون .و قال علي بن إبراهيم في قوله : و إن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها و لكم فيها منافع كثيرة و منها تأكلون و عليها و على الفلك تحملون يعني السفن و في رواية أبي الجارود في قوله فجعلناهم غثاء و الغثاء اليابس الهامد من نبات الأرض و قوله : ثم أرسلنا رسلنا تترى يقول بعضهم في أثر بعض و قال علي بن إبراهيم في قوله : و جعلنا ابن مريم و أمه ءاية إلى قوله و معين قال الربوة : الحيرة و ذات قرار و معين أي الكوفة ثم خاطب الله الرسل فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا إلى قوله أمة واحدة قال على مذهب واحد و قوله : كل حزب بما لديهم فرحون قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به ، ثم خاطب الله نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال فذرهم يا محمد في غمرتهم أي في سكرتهم و شكهم حتى حين ثم قال عز و جل : أ يحسبون يا محمد أنما نمدهم به من مال و بنين هو خير نريده بهم بل لا يشعرون أن ذلك شر لهم ثم ذكر عز و جل من يريد بهم الخير فقال إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إلى قوله يؤتون ما ءاتوا قال من العبادة و الطاعة و قلوبهم وجلة أي خائفة أنهم
إلى ربهم راجعون ثم قال أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون و هو معطوف على قوله أ يحسبون إنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات .تفسير القمي ج : 2ص :92و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون هو علي بن أبي طالب (عليهالسلام) لم يسبقه أحد و قوله : بل قلوبهم في غمرة من هذا يعني من القرآن و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل أن يخلقوا هم لذلك الأعمال المكتوبة عاملون و قال علي بن إبراهيم في قوله : و لدينا كتاب ينطق بالحق أي عليكم ثم قال : بل قلوبهم في غمرة من هذا أي في شك مما يقولون و قوله : حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب يعني كبراءهم بالعذاب إذا هم يجئرون أي يضجون فرد الله عليهم لا تجئروا اليوم إنكم منا لا تنصرون إلى قوله مستكبرين به سامرا تهجرون أي جعلتموه سمرا و هجرتموه و قوله : أم يقولون به جنة يعني برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فرد الله عليهم بل جاءهم بالحق و أكثرهم للحق كارهون و قوله : و لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات و الأرض و من فيهن قال : الحق رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين (عليهالسلام) و الدليل على ذلك قوله :« قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم » يعني بولاية أمير المؤمنين (عليهالسلام) و قوله :« و يستنبؤنك » أي يا محمد أهل مكة في علي« أ حق هو » إمام هو« قل إي و ربي إنه لحق » أي لإمام ، و مثله كثير و الدليل على أن الحق رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين (عليهالسلام) قول الله عز و جل : و لو اتبع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أمير المؤمنين (عليهالسلام) قريشا لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن ، ففساد السماء إذا لم تمطر و فساد الأرض إذا لم تنبت و فساد الناس في ذلك و قوله و إنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم قال إلى ولاية أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : و إن الذينتفسير القمي ج : 2ص :93لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون قال عن الإمام لحائدون ثم حكى الله عز و جل قول الدهرية قالوا أءذا متنا و كنا ترابا و عظاما إءنا لمبعوثون إلى قوله أساطير الأولين يعني أكاذيب الأولين فرد الله عليهم فقال : بل ءاتيناهم بالحق و إنهم لكاذبون ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بإلهين فقال الله تعالى : ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض قال : لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا و لا يخلق هذا و يريد هذا و لا يريد هذا و يطلب كل واحد منهما الغلبة و إذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا و بهيمة في حالة واحدة و هذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير و الصنع لواحد و دل أيضا التدبير و ثباته و قوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد و ذلك قوله : ما اتخذ الله من ولد إلى قوله لعلا بعضهم على بعض ثم قال آنفا سبحان الله عما يصفون و قوله : و قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين و قوله : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها فإنها نزلت في مانع الزكاة و الخمس .و حدثني أبي عن خالد عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال ما من ذي مال ذهب و لا فضة يمنع زكاة ماله أو خمسة إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر و سلط عليه سباعا تريده و تحيد عنه [ فيه ] فإذا علم أنه لا محيص له أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل و ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر ينطحه كل ذات قرن بقرنها و كل ذي ظلف بظلفها و ما من ذي مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله إلى يوم القيامة و رفع أرضه إلى سبع أرضين يقلده [ يقلبه ] إياه و قوله : و من ورائهم برزختفسير القمي ج : 2ص :94إلى يوم يبعثون قال البرزخ هو أمر بين أمرين و هو الثواب و العقاب بين الدنيا و الآخرة و هو رد على من أنكر عذاب القبر و الثواب و العقاب قبل القيامة و هو قول الصادق (عليهالسلام) و الله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم ، و قال علي بن الحسين (عليهماالسلام) إن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : أم تسئلهم خرجا فخراج ربك خير ، يقول أم تسألهم أجرا فأجر ربك خير و هو خير الرازقين و قوله : و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون فهو الجوع و الخوف و القتل و قوله : حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون يقول آيسون و أما قوله : غلبت علينا شقوتنا فإنهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة أن الشقي كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها و لا تكلمون فبلغني و الله أعلم أنهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم .و قال علي بن إبراهيم في قوله : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون فإنه رد على من يفتخر بالأنساب قال الصادق (عليهالسلام) لا يتقدم يوم القيامة أحد إلا بالأعمال و الدليل على ذلك قول رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يا أيها الناس إن العربية ليست بأب و جد و إنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا أنكم ولد آدم و آدم من تراب و الله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي عصى الله و إن أكرمكم عند الله أتقاكم و الدليل على ذلك قوله عز و جل : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون فمن ثقلت موازينه يعني بالأعمال الحسنة فأولئك هم المفلحون و من خفت موازينه قال من الأعمال الحسنة فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون و قوله تلفح وجوههم النار قال أي تلهب عليهم فتحرقهم و هم فيها كالحون أي مفتوحي الفم متربدي الوجوه و قوله : قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يومتفسير القمي ج : 2ص :95فاسأل العادين قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الأيام و يكتبون ساعاتنا و أعمالنا التي اكتسبناها فيها على الأنام فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أ فحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون و قوله : و من يدع مع الله إلها ءاخر لا برهان له به أي لا حجة له به فإنما حسابه عند ربه أنه لا يفلح الكافرون و قل يا محمد رب اغفر و ارحم و أنت خير الراحمين .