تفسير قمي سوره مريم
تفسير القمي ج : 2ص :4819 سورة مريم مكية و آياتها ثمان و تسعون 98بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص قال : حدثنا جعفر بن أحمد [ محمد ] عن عبيد الله [ عبد الله ] عن الحسن بن علي عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال هذه كهيعص أسماء الله مقطعة و أما قوله كهيعص قال الله هو الكافي الهادي العالم ذو الأيادي الصابر على الأعادي الصادق ذو الأيادي العظام و هو قوله كما وصف نفسه تبارك و تعالى ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله ذكر رحمة ربك عبده زكريا يقول ذكر ربك زكريا فرحمه إذ نادى ربه نداءا خفيا قال رب إني وهن العظم مني يقول الضعف و لم أكن بدعائك رب شقيا يقول لم يكن دعائي خائبا عندك و إني خفت الموالي من ورائي يقول خفت الورثة من بعدي و كانت امرأتي عاقرا و لم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه و يرثه و كانت هدايا بني إسرائيل و نذورهم للأحبار و كان زكريا رئيس الأحبار و كانت امرأة زكريا أخت مريم بنت عمران بن ماثان ، و بنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل و بنو ملوكهم و هم من ولد سليمان بن داود فقال زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا يقول لم يسم باسم يحيى أحد قبله قال رب أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيا فهو اليئوس قال كذلك قال ربك هو علي هين و قد خلقتك من قبل و لم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا صحيحا من غير مرض ، و عن علي بن إبراهيم قال ثم قص الله عز و جل خبر مريم (عليهاالسلام) فقال : و اذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا قال : خرجت إلىتفسير القمي ج : 2ص :49النخلة اليابسة فاتخذت من دونهم حجابا قال في محرابها فأرسلنا إليها روحنا يعني جبرئيل (عليهالسلام) فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا يعني إن كنت من يتقي الله قال لها جبرئيل إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فأنكرت ذلك لأنها لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل فقالت أنى يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و لم أك بغيا و لم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها كذلك قال ربك هو علي هين و لنجعله آية للناس و رحمة منا و كان أمرا مقضيا قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى (عليهالسلام) بالليل فوضعته بالغداة و كان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئيل (عليهالسلام) و هزي إليك بجذع النخلة أي هزي النخلة اليابسة فهزت ، و كان ذلك اليوم سوق فاستقبلها الحاكة و كانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة ؟ فاستهزءوا بها و زجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم بورا و جعلكم في الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم مريم جعل الله البركة في كسبكم و أحوج الناس إليكم فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى (عليهالسلام) فلما نظرت إليه قالت يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا ما ذا أقول لخالي و ما ذا أقول لبني إسرائيل فناديها عيسى من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا أي نهرا و هزي إليك بجذع النخلة أي حركي النخلة تساقط عليك رطبا جنيا أي طيبا و كانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل ، فمدت يدها إلى النخلة فأورقت و أثمرت و سقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها فقال لها عيسى قمطيني و سويني ثم افعلي كذا و كذا فقمطته و سوته و قال لها عيسى كلي و اشربي و قري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما و صمتا كذا نزلت فلن أكلم اليوم إنسيا ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها و خرج خالهاتفسير القمي ج : 2ص :50زكريا فأقبلت و هو في صدرها و أقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل و زكريا فقالوا لها يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي عظيما من المناهي يا أخت هارون ما كان أبوك أمرا سوء و ما كانت أمك بغيا و معنى قولهم : يا أخت هارون إن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به من أين هذا البلاء الذي جئت به و العار الذي ألزمته لبني إسرائيل ، فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها كيف نكلم من كان في المهد صبيا فأنطق الله عيسى بن مريم (عليهماالسلام) فقال : إني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا إلى قوله ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون أي يخاصمون فقال الصادق (عليهالسلام) في قوله« و أوصاني بالصلوة و الزكوة » قال زكاة الرءوس لأن كل الناس ليس لهم أموال و إنما الفطرة على الفقير و الغني و الصغير و الكبير ، حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله« و جعلني مباركا أين ما كنت قال نفاعا .و قال علي بن إبراهيم في قوله : و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة و هم لا يؤمنون فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سئل عن قوله« و أنذرهم يوم الحسرة » قال : ينادي مناد من عند الله و ذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار يا أهل الجنة و يا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور فيقولون لا فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار ثم ينادون جميعا أشرفوا و انظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت أبدا يا أهل النار خلود فلا موت أبدا و هو قوله« و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة » أي قضي على أهل الجنة بالخلود و على أهلتفسير القمي ج : 2ص :51النار بالخلود فيها و قوله إنا نحن نرث الأرض و من عليها قال كل شيء خلقه الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عز و جل قصة إبراهيم (عليهالسلام) فقال : يا أبت لم تعبد ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنك شيئا إلى قوله عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم يعني إبراهيم (عليهالسلام) و ما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق و يعقوب و كلا جعلنا نبيا و وهبنا لهم من رحمتنا يعني لإبراهيم و إسحاق و يعقوب من رحمتنا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و جعلنا لهم لسان صدق عليا يعني أمير المؤمنين (عليهالسلام) حدثني بذلك أبي عن الحسن بن علي العسكري (عليهماالسلام) ثم ذكر موسى ثم ذكر إسماعيل (عليهالسلام) فقال : و اذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد قال : وعد وعدا فانتظر صاحبه سنة و هو إسماعيل بن حزقيل ع .و قوله : و اذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا و رفعناه مكانا عليا فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إن الله تبارك و تعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه و ألقاه في جزيرة من جزائر البحر فبقي ما شاء الله في ذلك البحر فلما بعث الله إدريس (عليهالسلام) جاز ذلك الملك إليه فقال : يا نبي الله ادع الله أن يرضى عني و يرد علي جناحي ، قال نعم فدعا إدريس فرد الله عليه جناحه و رضي عنه قال الملك لإدريس أ لك إلي حاجة قال : نعم أحب أن ترفعني إلى السماء حتى أنظر إلى ملك الموت فإنه لا عيش لي مع ذكره ، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به إلى السماء الرابعة فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا فسلم إدريس على ملك الموت و قال له : ما لك تحرك رأسك ؟ قال : إن رب العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة و الخامسة فقلت : يا رب و كيف هذا و غلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام و من السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام و من السماء الثالثة إلى الثانية خمسمائة عام و كل سماء و ما بينهما كذلك فكيف يكون هذا ثم قبض روحه بين السماءتفسير القمي ج : 2ص :52الرابعة و الخامسة و هو قوله و رفعناه مكانا عليا قال : و سمي إدريس لكثرة دراسته الكتب و قوله فخلف من بعدهم خلف و هو الدني [ الردي ] و الدليل على ذلك قوله أضاعوا الصلوة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم استثنى عز و جل فقال : إلا من تاب و ءامن و عمل صالحا إلى قوله لا يسمعون فيها يعني في الجنة لغوا إلا سلاما و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة و الدليل على ذلك قوله : بكرة و عشيا فالبكرة و العشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد و إنما يكون الغدو و العشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين و تطلع فيها الشمس و القمر .و قوله عز و جل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال : و يقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أ و لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل و لم يك شيئا أي لم يكن ثم ذكره و قوله و إن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا يعني مفي البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة ، و في حديث آخر هي منسوخة بقوله« إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون » أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد [ أحمد بن محمد ] بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله« و إن منكم إلا واردها » قال : أ ما تسمع الرجل يقول وردنا ماء بني فلان فهو الورود و لم يدخله و قال علي بن إبراهيم في قوله : و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا و رئيا قال : عنى به الثياب و الأكل و الشرب و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال الأثاث المتاع و أما رئيا فالجمال و المنظر الحسن و قال علي بن إبراهيم في قوله حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب و إما الساعة قال العذاب القتل و الساعة الموت و قوله : و يزيد الله الذين اهتدوا هدى رد على من زعم أن الإيمان لا يزيد و لا ينقصو قوله : و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير مردا قال : الباقيات الصالحات هو قول المؤمن : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر .تفسير القمي ج : 2ص :53و حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيتها قيعان يقق و رأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب و لبنة من فضة و ربما أمسكوا فقلت لهم ما لكم ربما بنيتم و ربما أمسكتم ؟ فقالوا : حتى تجيئنا النفقة قلت لهم و ما نفقتكم ؟ فقالوا قول المؤمن في الدنيا : ( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ) فإذا قال بنينا و إذا أمسك أمسكنا و قوله أ لم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا قال : نزلت في مانعي الخمس و الزكاة و المعروف يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة و الخمس في غير طاعة الله و يعذبه الله على ذلك و قوله فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا فقال لي ما هو عندك ؟ قلت : عدد الأيام ، قال : لا أن الآباء و الأمهات ليحصون ذلك و لكن عدد الأنفاس و أما قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سأل علي (عليهالسلام) رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) عن تفسير قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال : يا علي أن الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله و اختصهم و رضي أعمالهم فسماهم الله المتقين ثم قال : يا علي أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم و بياض وجوههم كبياض الثلج عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلألأ .تفسير القمي ج : 2ص :54و في حديث آخر قال إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة عليها رحائل الذهب مكللة بالدر و الياقوت و جلالها الإستبرق و السندس و خطامها جدل
الأرجوان و أزمتها من زبرجد فتطير بهم إلى المحشر ، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه و عن يمينه و عن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم و على باب الجنة شجرة ، الورقة منها يستظل تحتها مائة ألف من الناس و عن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية فيسقون منها شربه فيطهر الله قلوبهم من الحسد و يسقط عن أبشارهم الشعر و ذلك قوله : و سقاهم ربهم شرابا طهورا من تلك العين المطهرة ثم يرجعون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها و هي عين الحياة فلا يموتون أبدا ثم يوقف بهم قدام العرش و قد سلموا من الآفات و الأسقام و الحر و البرد أبدا ، قال : فيقول الجبار للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنة و لا تقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي عنهم و وجبت رحمتي لهم فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات و السيئات فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله و أعدها لأوليائه فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة و يقول بعضهن لبعض قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين و الآدميين فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم ، و يقول لهن أولياء الله مثل ذلك ، فقال ( علي ) (عليهالسلام) : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فقال (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : يا علي هؤلاء شيعتك و شيعتنا المخلصون [ لولايتك ] و أنت إمامهم و هو قول الله : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله أ فرأيت الذي كفر بآياتنا و قال لأوتين مالا و ولدا و ذلك أن العاص
بن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي و هو أحد المستهزءين و كان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق فأتاه يتقاضاه فقال له العاص : أ لستم تزعمون أن في الجنة الذهب و الفضة و الحرير قال بلى قال فموعد ما بيني و بينك الجنة فوالله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا الضد القرين الذي يقترن به .تفسير القمي ج : 2 ص :55حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبيد الله [ عبد الله ] بن موسى قال : حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله : و اتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضدا يوم القيامة أي يكونون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله عليهم ضدا يوم القيامة و يتبرءون منهم و من عبادتهم إلى يوم القيامة ثم قال : ليست العبادة هي السجود و لا الركوع و إنما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده و قوله« إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا » قال : لما طغوا فيها و في فتنتها و في طاعتهم مد لهم في طغيانهم و ضلالهم أرسل عليهم شياطين الإنس و الجن تؤزهم أزا أي تنخسهم نخسا و تحضهم على طاعتهم و عبادتهم فقال الله :« و لا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا » أي في طغيانهم و فتنهم و كفرهم .و قال علي بن إبراهيم في قوله : لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقص في مروته ، قلت : يا رسول الله و كيف يوصيتفسير القمي ج : 2ص :56الميت عند الموت ؟ قال : إذا حضرته الوفاة و اجتمع الناس إليه قال : اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم إني أعهد إليك في دار الدنيا إني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك و أشهد أن محمدا عبدك و رسولك و أن الجنة حق و أن النار حق و أن البعث حق و الحساب حق و القدر و الميزان حق و أن الدين كما وصفت و أن الإسلام كما شرعت و أن القول كما حدثت و أن القرآن كما أنزلت و أنك أنت الله الملك الحق البين جزى الله محمدا خير الجزاء و حي الله محمدا و آله بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي و يا صاحبي عند شدتي و يا وليي في نعمتي يا إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك إن تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشر و أبعد من الخير و أسرى في الفتن وحدي فآنس في القبر وحشتي و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته و تصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فهذا عهد الميت و الوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية و يتعلمها و قال علي (عليهالسلام) : علمنيها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قال : علمنيها جبرئيل (عليهالسلام) .و قوله : لقد جئتم شيئا إدا أي ظلما و أما قوله : إن الذين ءامنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنه قال الصادق (عليهالسلام) كان سبب نزول هذه الآية أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) كان جالسا بين يدي رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال له قل يا علي« اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فأنزل الله : إن الذين ءامنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ثم خاطب الله عز و جل نبيه فقال : إنما يسرناه بلسانك يعني القرآن لتبشر به المتقين و تنذر به قوما لدا قال أصحاب الكلام و الخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال : و كم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا أي حسا .تفسير القمي ج : 2ص :57حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد الله [ عبد الله ] بن موسى عن الحسن بن علي بن
أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله :« و لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا » قال لا يشفع و لا يشفع لهم و لا يشفعون إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين و الأئمة (عليهمالسلام) من بعده فهو العهد عند الله قلت قوله« و قالوا اتخذ الرحمن ولدا » قال : هذا حيث قالت قريش إن لله ولدا و إن الملائكة إناث ، فقال الله تبارك و تعالى ردا عليهم« لقد جئتم شيئا إدا » أي عظيما تكاد السموات يتفطرن منه يعني مما قالوه و مما موهوا به [ رموه به ] و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا مما قالوا إن دعوا للرحمن ولدا فقال الله تبارك و تعالى و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم و عدهم عدا و كلهم آتيه يوم القيمة فردا واحدا واحدا ، قلت قوله إن الذين ءامنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا قال : ولاية أمير المؤمنين (عليهالسلام) هي الود الذي ذكره الله ، قلت قوله فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوما لدا قال إنما يسره الله على لسان نبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) حتى أقام أمير المؤمنين (عليهالسلام) علما فبشر به المؤمنين و أنذر به الكافرين و هم القوم الذين ذكرهم الله قوما لدا أي كفارا ، قلت قوله و كم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا قال أهلك الله من الأمم ما لا يحصون له فقال يا محمد هل نحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا أي ذكرا .