تفسير قمي سوره نور
24 سورة النور مدنية آياتها أربع و ستون 64بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها و فرضناها و أنزلنا فيها ءايات بينات لعلكم تذكرون يعني كي تذكروا و قوله : الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و هي ناسخة لقوله و اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية و قوله : و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني و الزانية في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر في إقامة الحد عليهما .و كانت آية الرجم نزلت : الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة نكالا من الله و الله عليم حكيم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : و ليشهد عذابهما يقول ضربهما طائفة من المؤمنين يجمع لهم الناس إذا جلدوا .و قال علي بن إبراهيم ثم حرم الله عز و جل نكاح الزواني فقال الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين و هو رد على من يستحل التمتع بالزواني و التزويج بهن و هن المشهوراتالمعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن ، و نزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا سارة و حنتمة و الرباب كن يغنين بهجاء رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فحرم الله نكاحهن ، و جرت بعدهن في النساء من أمثالهن .تفسير القمي ج : 2ص :96و الزنا على وجوه و الحد فيه على وجوه فمن ذلك أنه أحضر عمر بن الخطاب ستة نفر أخذوا بالزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد و كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) جالسا عند عمر فقال يا عمر ليس هذا حكمهم ، قال : فأقم أنت عليهم الحد ، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه و قدم الثاني فرجمه و قدم الثالث فضربه الحد و قدم الرابع فضربه نصف الحد و قدم الخامس فعزره و أما السادس فأطلقه فتعجب عمر و تحير الناس ، فقال عمر : يا أبا الحسن ستة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم ست عقوبات ليس منها حكم يشبه الآخر فقال نعم أما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة و خرج عن ذمته فالحكم فيه السيف ، و أما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه ، و أما الثالث فغير محصن فحددناه ، و أما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد ، و أما الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناه و أدبناه و أما السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط منه التكليف .و أما قوله : و الذين يرمون المحصنات إلى قوله و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا فإنه حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال القاذف يجلد ثمانين جلدة و لا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة أو يكذب نفسه فإن شهد له ثلاثة و أبى واحد يجلد الثلاثة و لا يقبل شهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة ، و من شهد على نفسه أنه زنى لم تقبل شهادته حتى يعيد أربع مرات .تفسير القمي ج : 2ص :97حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله (عليهالسلام) أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال له يا أمير المؤمنين
إني زنيت فطهرني فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : أ بك جنة ؟ فقال : لا قال أ فتقرأ من القرآن شيئا ؟ قال : نعم فقال له : ممن أنت ؟ فقال : أنا من مزينة أو جهينة قال : اذهب حتى أسأل عنك فسأل عنه ، قالوا : يا أمير المؤمنين هذا رجل صحيح العقل مسلم ، ثم رجع إليه فقال : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني ، فقال : ويحك أ لك زوجة ؟ قال : نعم ، قال : فكنت حاضرها أو غائبا عنها ؟ قال : بل كنت حاضرها قال : اذهب حتى ننظر في أمرك ، فجاء إليه الثالثة فذكر له ذلك ، فأعاد عليه أمير المؤمنين (عليهالسلام) فذهب ثم رجع في الرابعة ، فقال : إني زنيت فطهرني ، فأمر أمير المؤمنين بحبسه ثم نادى أمير المؤمنين (عليهالسلام) : أيها الناس إن هذا الرجل يحتاج أن نقيم عليه حد الله فاخرجوا متنكرين لا يعرف بعضكم بعضا و معكم أحجاركم فلما كان من الغد أخرجه أمير المؤمنين (عليهالسلام) بالغلس و صلى ركعتين ثم حفر حفيرة و وضعه فيها ثم نادى : أيها الناس إن هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عنده لله حق مثله فمن كان لله عليه حق مثله فلينصرف فإنه لا يقيم الحد من الله من لله عليه الحد فانصرف الناس فأخذ أمير المؤمنين (عليهالسلام) حجرا فكبر أربع تكبيرات فرماه ثم أخذ الحسن (عليهالسلام) مثله ثم فعل الحسين (عليهالسلام) مثله فلما مات أخرجه أمير المؤمنين (عليهالسلام) و صلى عليه فقالوا : يا أمير المؤمنين أ لا تغسله ؟ قال : قد اغتسل بما هو منها طاهر إلى يوم القيامة ثم قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : أيها الناس من أتى هذه القاذورة فليتب إلى الله فيما بينه و بين الله فوالله لتوبة إلى الله في السر لأفضل من أن يفضح نفسه و يهتك ستره .تفسير القمي ج : 2ص :98و أما قوله و الذين يرمون أزواجهم إل إلى قوله إن كان من الصادقين فإنها نزلت في اللعان ، يو كان سبب ذلك أنه لما رجع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من غزوة تبوك جاءه عويمر بن ساعدة العجلاني و كان من الأنصار فقال يا رسول الله إن امرأتي زنى بها شريك بن السمحا و هي منه حامل فأعرض عنه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأعاد عليه القول ، فأعرض عنه حتى فعل ذلك أربع مرات ، فدخل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) منزله فنزلت عليه آية اللعان ، فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و صلى بالناس العصر و قال لعويمر : ائتني بأهلك فقد أنزل الله فيكما قرآنا ، فجاء إليها ، فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يدعوك و كانت في شرف من قومها فجاء معها جماعة فلما دخلت المسجد قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لعويمر تقدما إلى المنبر و التعنا ، قال فكيف أصنع ؟ فقال تقدم و قل : أشهد بالله إني إذا لمن الصادقين فيما رميتها به ، قال فتقدم و قالها فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أعدها فأعادها ثم قال أعدها حتى فعل ذلك أربع مرات ، فقال له في الخامسة عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال و الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أن اللعنة لموجبة إن كنت كاذبا ثم قال له تنح فتنحى عنه ، ثم قال لزوجته تشهدين كما شهد و إلا أقمت عليك حد الله ، فنظرت في وجوه قومها فقالت لا أسود هذه الوجوه في هذه العشية ، فتقدمت إلى المنبر و قالت : أشهد بالله أن عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به ، فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أعيديها فأعادتها حتى أعادتها أربع مرات فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به فقالت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ويلك ويلك أنها موجبة إن كنت كاذبة ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لزوجها اذهب فلا تحل لك أبدا قال يا رسول الله فما لي الذي أعطيتها ؟ قال إن كنت كاذبا فهوتفسير القمي ج : 2ص :99أبعد لك منه و إن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها . ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : إن جاءت بالولد أخمش الساقين و أخفش العينين جعد قطط فهو للأمر السيىء و إن جاءت به أشهل أصهب فهو لأبيه فيقال إنها جاءت به على الأمر السيىء ، فهذه لا تحل لزوجها و إن جاءت بولد لا يرثه أبوه و ميراثه لأمه و إن لم يكن له أم فلأخواله و إن قذفه أحد جلد حد القاذف ، و أما قوله : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة و ما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة و أما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية و ما رمتها به عائشة و المنافقات .حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبد الله [ محمد ] بن بكير عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول لما مات إبراهيم بن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) حزن عليه حزنا شديدا فقالت عائشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح ، فبعث رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) عليا و أمره بقتله فذهب علي (عليهالسلام) إليه و معه السيف و كان جريح القبطي في حائط و ضرب علي (عليهالسلام) باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا (عليهالسلام) عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا و لم يفتح الباب فوثب علي (عليهالسلام) على الحائط و نزل إلى البستان و اتبعه و ولى جريح مدبرا فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة و صعد علي (عليهالسلام) في أثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال و لا ما للنساء فانصرف علي (عليهالسلام) إلى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال
يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوتر أم أثبت ؟ قال فقال لا بل اثبت ، فقال و الذي بعثك بالحق ما له ما للرجال و لا ما للنساء فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت .تفسير القمي ج : 2ص :100و قال علي بن إبراهيم في قوله : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه و ما سمعت أذناه كان من الذين قال الله فيهم« إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة » ثم أدب الله تعالى خلقه فقال : يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم إلى قوله فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم قال معناه معلما للناس فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولي القربى و هي قرابة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا يقول يعفو بعضكم عن بعض و يصفح فإذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم يقول الله : أ لا تحبون أن يغفر الله لكم و الله غفور رحيم و قوله : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات يقول غافلات عن الفواحش و قوله : الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثاتتفسير القمي ج : 2ص :101و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون يقول الخبيثات من الكلام و العمل للخبيثين من الرجال و النساء يلزمونهم و يصدق عليهم من قال و الطيبون من الرجال و النساء من الكلام و العمل للطيبات و أما قوله : حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها قال الاستيناس هو الاستيذان حدثني علي بن الحسين قال حدثني أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال الاستيناس وقع النعل و التسليم .و قال علي بن إبراهيم في قوله : و إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركه طيبة قال هو سلامك على أهل البيت و ردهم عليكم فهو سلامك على نفسك ثم رخص الله تعالى فقال : ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال الصادق (عليهالسلام) هي الحمامات و الخانات و الأرحية تدخلها بغير إذن و قوله : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم .فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه و لا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها فهي الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكف و السوار ، و الزينة ثلاث : زينة للناس و زينة للمحرم و زينة للزوج ، فأما زينة الناس فقد ذكرناه ، و أما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها و الدملج و ما دونه و الخلخال و ما أسفل منه و أما زينة للزوج فالجسد كله و أما قوله : أو التابعينتفسير القمي ج : 2ص :102غير أولي الإربة من الرجال فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء و الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء و أما قوله : و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن يقول و لا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال و أما قوله : و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر الله المسلمين أن ينكحوا الأيامى ، و قال علي بن إبراهيم : الأيم التي ليس لها زوج و أما قوله : و الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا فإن العبيد و الإماء كانوا يقولون لأصحابهم كاتبونا و معنى ذلك أنهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدون ثمنهم في نجمين أو ثلاثة أنجم فيمتنعون عليهم فقال : كاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا و معنى قوله : و ءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم قال إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا و قوله و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا قال كانت العرب و قريش يشترون الإماء و يجعلون عليهن الضريبة الثقيلة و يقولون اذهبن و ازنين و اكتسبن فنهاهم الله عز و جل عن ذلك فقال و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إلى قوله غفور رحيم أي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال هذه الآية منسوخة نسختها« فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب » حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسن الصائغ قال حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال سمعت أبا عبد اللهتفسير القمي ج : 2ص :103(عليهالسلام) يقول في قول الله الله نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكوة المشكاة فاطمة (عليهاالسلام) فيها مصباح المصباح الحسن و الحسين في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري كأن فاطمة (عليهاالسلام) كوكب دري بين نساء أهل الأرض يوقد من شجرة مباركة يوقد من إبراهيم عليه و على نبينا و آله السلام لا شرقية و لا غربية يعني لا يهودية و لا نصرانية يكاد زيتها يضيء يكاد العلم يتفجر منها و لو لم تمسسه نار نور على نور إمام منها بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء يهدي الله للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا و يضرب الله الأمثال للناس و الله بكل شيء عليم حدثنا حميد بن زياد عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهالسلام) في هذه الآية« الله نور السموات و الأرض » قال بدا بنور نفسه تعالى« مثل نوره » مثل هداه في قلب المؤمن« كمشكوة فيها مصباح المصباح » و المشكاة جوف المؤمن و القنديل قلبه و المصباح النور الذي جعله الله في قلبه« يوقد من شجرة مباركه » قال الشجرة المؤمن« زيتونة لا شرقية و لا غربية » قال على سواء الجبل لا غربية أي لا شرق لها و لا شرقية أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها و إذا غربت الشمس غربت عليها« يكاد زيتها يضيء » يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضيء و إن لم يتكلم« نور على نور » فريضة على فريضة و سنة على سنة« يهدي الله لنوره من يشاء » يهدي الله لفرائضه و سننه من يشاء« و يضرب الله الأمثال للناس » فهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، قال فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور ، مدخله نور و مخرجه نور و علمه نور و كلامه نور و مصيره يوم القيامة إلى الجنة نور ، قلت لجعفر بن محمد (عليهماالسلام) جعلت فداك يا سيدي إنهم يقولون مثل نور الرب ؟ قال سبحان الله ليس لله مثل قال الله لا تضربوا لله الأمثال .تفسير القمي ج : 2ص :104حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال حدثنا القاسم
بن الربيع عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه قال هي بيوت الأنبياء و بيت علي (عليهالسلام) منها قال علي بن إبراهيم في قوله :« الله نور السموات و الأرض إلى قوله و الله بكل شيء عليم » فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن جندب قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) أسأل عن تفسير هذه الآية فكتب إلي الجواب : أما بعد فإن محمدا كان أمين الله في خلقه فلما قبض النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) كنا أهل البيت ورثته فنحن أمناء الله في أرضه عندنا علم المنايا و البلايا و أنساب العرب و مولد الإسلام و ما من فئة تضل مائة به و تهدي مائة به إلا و نحن نعرف سائقها و قائدها و ناعقها و إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان و حقيقة النفاق و إن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم أخذ الله علينا و عليهم الميثاق يردون موردنا و يدخلون مدخلنا ليس على ملة الإسلام غيرنا و غيرهم إلى يوم القيامة ، نحن آخذون بحجزة نبينا و نبينا آخذ بحجزة ربنا و الحجزة النور و شيعتنا آخذون بحجزتنا ، من فارقنا هلك و من تبعنا نجا و المفارق لنا و الجاحد لولايتنا كافر و متبعنا و تابع أوليائنا مؤمن ، لا يحبنا كافر و لا يبغضنا مؤمن و من مات و هو يحبنا كان حقا على الله أن يبعثه معنا ، نحن نور لمن تبعنا ، و هدى لمن اهتدى بنا و من لم يكن منا فليس من الإسلام في شيء و بنا فتح الله الدين و بنا يختمه ، و بنا أطعمكم الله عشب الأرض ، و بنا أنزل الله قطر السماء ، و بنا آمنكم الله من الغرق في بحركم و من الخسف في بركم و بنا نفعكم الله في حياتكم و في قبوركم و في محشركم و عند الصراط و عند الميزان و عند دخولكم الجنان ، مثلنا فيتفسير القمي ج : 2ص :105كتاب الله كمثل مشكاة و المشكاة في القنديل فنحن المشكاة فيها مصباح ، المصباح محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم)« المصباح في زجاجة » من عنصرة طاهرة« الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية » لا دعية و لا منكرة« يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار » القرآن« نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء و يضرب الله الأمثال للناس و الله بكل شيء عليم » فالنور علي (عليهالسلام) يهدي الله لولايتنا من أحب ، و حق على الله أن يبعث ولينا مشرقا وجهه منيرا برهانه ظاهرة عند الله حجته حق على الله أن يجعل أولياءنا المتقين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات و لشهيد شيعتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات نحن النجباء و نحن أفراط الأنبياء و نحن أولاد الأوصياء و نحن المخصوصون في كتاب الله و نحن أولى الناس برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و نحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك يا محمد و ما وصينا به إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب ، قد علمنا و بلغنا ما علمنا و استودعنا علمهم و نحن ورثة الأنبياء و نحن ورثة أولي العلم و أولي العزم من الرسل أن أقيموا الدين و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون كما قال الله« و لا تتفرقوا فيه و إن كبر على المشركين ما تدعوهم إليه » من الشرك من أشرك بولاية علي (عليهالسلام)« ما تدعوهم إليه » من ولاية علي (عليهالسلام) يا محمد« فيه هدى و يهدي إليه من ينيب » من يجيبك إلي بولاية علي (عليهالسلام) و قد بعثت إليك بكتاب فتدبره و افهمه فإنه شفاء لما في الصدور و نور ، و الدليل على أن هذا مثل لهم .تفسير القمي ج : 2ص :106قوله في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال إلى قوله بغير حساب ثم ضرب الله مثلا لأعمال من نازعهم فقال و الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة و السراب هو الآل تراه بالمفازة
يلمع من بعيد كأنه الماء و ليس في الحقيقة بشيء فإذا جاء العطشان لم يجده شيئا و البقيعة المفازة المستوية حدثنا محمد بن همام عن [ جعفر بن ] محمد بن مالك عن محمد بن الحسين الصائغ عن الحسن بن علي عن صالح بن سهل قال : سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في قول الله أو كظلمات فلان و فلان في بحر لجي يغشاه موج يعني نعثل من فوقه موج طلحة و زبير ظلمات بعضها فوق بعض معاوية و يزيد و فتن بني أمية إذا أخرج يده في ظلمة فتنتهم لم يكد يريها و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور يعني إماما من ولد فاطمة (عليهاالسلام) فما له من نور فما له من إمام يوم القيامة يمشي بنوره يعني كما في قوله : يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم قال : إنما المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم من الجنان .و قال علي بن إبراهيم في قوله : أ لم تر أن الله يسبح له من في السموات و الأرض و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه فإنه حدثني أبي عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) إن لله ملكا في صورة الديك الأملح الأشهب براثينه في الأرض السابعة و عرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق و جناح بالمغرب فأما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج و أما الجناح الذي بالمغرب فمن نار فكلما حضر وقت الصلاة قام الديك على براثينه و رفع عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على الأرض يصفق بهما كما يصفق الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفىء النار و لا الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين و أن وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة و الروح ، فلا يبقى فيتفسير القمي ج : 2ص :107الأرض ديك إلا أجابه و ذلك قوله :« و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه » أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي الوشاء عن صديق بن عبد الله عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال ما من طير يصاد في البر و لا في البحر و لا يصاد شيء من الوحش إلا بتضييعه التسبيح .و قال علي بن إبراهيم في قوله : أ لم تر أن الله يزجي سحابا أي يثيره فيعصره فينزل منه الماء من الأرض ثم يؤلف بينه فإذا غلظ [ علا ] بعث الله ملكا من الرياح و هو قوله : فترى الودق يخرج من خلاله أي المطر و قوله : و الله خلق كل دابة من ماء أي من مياه فمنهم من يمشي على بطنه و منهم من يمشي على رجلين و منهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير قال على رجلين الناس و على بطنه الحيات و على أربع البهائم و قال أبو عبد الله (عليهالسلام) و منهم من يمشي على أكثر من ذلك و قوله : و يقولون ءامنا بالله و بالرسول و أطعنا إلى قوله و ما أولئك بالمؤمنين فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين (عليهالسلام) و الثالث و ذلك أنه كان بينهما منازعة في حديقة فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) نرضى برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال عبد الرحمن بن عوف له لا تحاكمه إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فإنه يحكم له عليك و لكن حاكمه إلى ابن أبي شيبة اليهودي فقال لأمير المؤمنين (عليهالسلام) لا أرضى إلا بابن شيبة اليهودي فقال ابن شيبة له تأتمنون محمدا [ رسول الله ] على وحي السماء و تتهمونه في الأحكام فأنزل الله على رسوله و إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم إلى قوله أولئك هم الظالمون ثم ذكر أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا إلى قوله أولئك هم الفائزون و قوله : قل أطيعوا اللهتفسير القمي ج : 2ص :108و أطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل قال ما حمل النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من النبوة و عليكم ما حملتم من الطاعة ثم خاطب الله الأئمة و وعدهم أن يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم و غصبهم فقال : وعد الله الذين ءامنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم إلى قوله لا يشركون بي شيئا و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله و هو معطوف على قوله :« رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله » .و أما قوله : يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم إلى قوله ثلاث عورات لكم قال : إن الله تبارك و تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب و لا أخت و لا أم و لا خادم إلا بإذن هذه و الأوقات بعد طلوع الفجر و نصف النهار و بعد العشاء الآخرة ، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال : ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهن يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات و قوله و القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة قال نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من المحيض و التزويج أن يضعن الثياب ثم قال و أن يستعففن خير لهن أي لا يظهرن للرجال ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج و ذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعزلون الأعمى و الأعرج و المريض و كانوا لا يأكلون معهم و كانت الأنصار فيهم تيه و تكرم فقالوا : إن الأعمى لا يبصر الطعام و الأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام و المريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية و كانوا يرون عليهم في مؤاكلتهم جناحا و كان الأعمى و المريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم فاعتزلوا مؤاكلتهم فلما قدم النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) سألوه عن ذلك فأنزل الله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا .تفسير القمي ج : 2ص :109و قال علي بن إبراهيم في قوله أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإنها نزلت لما هاجر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى المدينة و آخى بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار و آخى بين أبي بكر و عمر و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف و بين طلحة و الزبير و بين سلمان و أبي ذر و بين المقداد و عمار و ترك أمير المؤمنين (عليهالسلام) فاغتم من ذلك غما شديدا ، فقال : يا رسول الله بأبي أنت و أمي لم لا تؤاخي بيني و بين أحد ؟ فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و الله يا على ما حبستك إلا لنفسي أ ما ترضى أن تكون أخي و أنا أخوك و أنت أخي في الدنيا و الآخرة و أنت وصيي و وزيري و خليفتي في أمتي تقضي ديني و تنجز عداتي و تتولى علي غسلي و لا يليه غيرك و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فاستبشر أمير المؤمنين بذلك فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين و يقول له خذ ما شئت و كل ما شئت فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله« ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا » يعني إن حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه و قوله : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله قال يقول إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم و إن لم يكن فيه أحد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة و قيل إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه يقول السلام عليكم و رحمة الله يقصد به الملكين الذين عليه شهودا .تفسير القمي ج : 2ص :110و قال علي بن إبراهيم في قوله إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله و رسوله
- إلى قوله حتى يستأذنوه فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لأمر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عز و جل عن ذلك و قوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم قال نزلت في حنظلة بن أبي عياش و ذلك أنه تزوج في الليلة التي في صبيحتها حرب أحد ، فاستأذن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أن يقيم عند أهله فأنزل الله هذه الآية فأذن لمن شئت منهم فأقام عند أهله ثم أصبح و هو جنب فحضر القتال و استشهد فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحائف فضة بين السماء و الأرض فكان يسمى« غسيل الملائكة » و قوله : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ثم قال : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة يعني بلية أو يصيبهم عذاب أليم قال القتل و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا يقول لا تقولوا يا محمد و لا يا أبا القاسم لكن قولوا يا نبي الله و يا رسول الله قال : الله« فليحذر الذين يخالفون عن أمره » أي يعصون أمره« أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .