بحث في جواز العتق عن الغير وكفايته عن الكفارة
ثم إنه بقي هنا أمران، ويهمنا التعرض لهما:الأمر الأول
أنه إذا قلنا بجواز العتق عن غيره فهل يجزي ذلك عنالعتق الواجب كالكفارة ونحوها أم لا.التحقيق أنه لو قلنا بجواز العتق عن شخص آخر لم يجز ذلك عن العتق
الواجب، لأنا ذكرنا في مبحث التعبدي والتوصلي أن اطلاق الأوامر
المتوجهة إلى المكلفين يقتضي مباشرتهم بامتثالها، ومن هنا لا تسقط
الواجبات العبادية كالصوم والصلاة والحج ونحوها عن أي مكلف
بامتثال غيره، ولا يقاس ذلك بالديون المالية التي يجوز أداؤها لكل أحد
مجانا، إذ علم في الشريعة المقدسة، ضرورة أنه يجوز لأي شخص أن
يؤدي دين أخيه المؤمن تبرعا، بل هو أمر استحبابي جزما.
الأمر الثاني
أنه هل يحكم بضمان المعتق عنه للمالك إذا استدعى منهعتاق عبده أم لا.لا شبهة في عدم ضمانه بذلك إذا كان عتق المالك عبده عن غيره تبرعا
ومجانا، وإن لم يكن قصد المالك العتق المجاني فإن علم من حال
المستدعي التماس العتاق مجانا فلا شبهة في عدم الضمان أيضا كما هو
كذلك في موارد التسول وإلا فيحكم بالضمان، ونظير ذلك قول القائل
لأحد: احمل هذا المتاع إلى محل فلأني، أو احلق رأسي أو غير ذلك،
فإن الأمر في جميع هذه الموارد يضمن عمل المأمور جزما (1).
1 - بقي الكلام في أمرين:
أحدهما: أنه بناء على صحة العتق عن غير المالك ووصول ثوابه إليه، فهل تسقط ذمته إذا
كان مشغولا بالعتق بنذر أو غيره أو لا، ظاهر السيد والمحقق النائيني (قدس سرهما) في الحاشية هو
الأول، والصحيح هو الثاني، ولا يبعد كونه مختار المسالك أيضا، فإن سقوط التكليف المتوجه
إلى أحد بفعل غيره على خلاف القاعدة، ففي كل مورد ثبت الدليل، كما في عتق الولد عن والده
الميت، نقول به، وإلا فلا، ومجرد الصحة لا يلازم سقوط ذمة الغير كما هو واضح.أما ما ذكره السيد (قدس سره) من التمسك بفحوى قوله (عليه السلام): دين الله أحق أن يقضى، حيث طبق
الإمام (عليه السلام) الدين على قضاء الفوائت، ثم أمر بأن دين الله أحق أن يقضى، فمخدوش من
وجهين: الأول: أن تلك الرواية ضعيفة السند، ولم نجد لها مأخذا صحيحا، الثاني: أن مؤداها
حكم على خلاف القاعدة لا بد من الاقتصار على موردها، وهو أداء الدين القربى عن الميت
لا عن الحي.ثانيهما: أن الأمر بالعتق هل يوجب الضمان أم لا، وأما إذا قصد المالك التبرع أو أقام السائل
قرينة على المجانية فلا اشكال في عدم الضمان، لأن المالك أتلف ماله مجانا، وأما إذا لم يكن
شئ منهما فاحترام مال المسلم يقتضي ضمان الأمر بمجرد أمره، وعليه سيرة العقلاء
والمتشرعة في الأموال والأفعال، فلا وجه للقول بثبوت الضمان على الأمر من جهة دخول
المال في ملكه وخروجه عنه، كما يظهر من المحقق النائيني (قدس سره)، وعليه فإذا عين الثمن في
الأمر يكون الضمان به، وإلا فيضمن بالمثل أو بالقيمة - المحاضرات 2: 92.