ولنا أن نقرب الوجه الثالث ببيان آخر أيضا، وهو أن يقال: إن الصلاة بحسب
طبعها ووضعها تامة، فلا يحتاج ثبوت الإتمام فيها إلى موجب، وإنما القصر يتوقف
على علة تقتضيه وتوجبه، وقد دلت الأخبار على أن سفر الثمانية علة له ثم
وردت أخبار أخر دالة على أن حيثية العصيان تمنع السفر عن تأثيره في القصر الذي
شرع إرفاقا، فيثبت حكم الإتمام للعاصي لا من جهة كونه أثرا للعصيان بما هو
عصيان بل من جهة كونه أصلا في الصلاة، فيثبت بعد ما لم يؤثر موجب القصر أثره.وبالجملة مفاد أخبار الباب هو كون حيثية العصيان مانعة عن تأثير السفر في
إيجاب القصر الذي شرع للإرفاق، ومقتضى ذلك كون وجود السفر في هذا الحال
كالعدم بالنسبة إلى هذا التأثير، سواء لوحظ بالنسبة إلى الصلوات الواقعة في زمانه
أو بالنسبة إلى الصلوات الأخر، فافهم.هذا كله فيما إذا لم يكن قسمة الطاعة بنفسها مسافة، وقد عرفت أن الوجوه
المحتملة فيه ثلاثة، والأقوى هو الوجه الثالث.
القسم الثاني
أن يكون قسمة الطاعة بنفسها مسافة ويكون مجموعها في أولالسفر. والظاهر ثبوت القصر في قسمة الطاعة والإتمام في قسمة المعصية، ووجههما
واضح (1).
ومنه يظهر حكم القسم الثالث
أيضا، أعني كون قسمة الطاعة بنفسها مسافة معوقوعها في آخر السفر.
القسم الرابع
أن يكون قسمة الطاعة بنفسها مسافة وتكون واقعة في الطرفين.1 - لا يخفى أن مقتضى اختياره (مد ظله) في القسم الأول ثبوت الإتمام مطلقا كون التقييد
بعدم العصيان ملحوظا في ناحية موضوع القصر، أعني السفر، لا في جانب الحكم، فأخبار
الباب ناظرة إلى أخبار المسافة، وتبين أن موضوع القصر هو المسافة التي لا يكون سيرها
باطلا، ولازم ذلك ثبوت القصر في القسم الثاني حتى في قسمة المعصية، لأن موضوع
القصر قد تحقق في بادئ الأمر، وبحصوله يثبت الحكم ما لم يحصل إحدى قواطع
السفر، المفروض أن حيثية العصيان لا تصرف لها في ناحية الحكم، فتدبر. ح ع - م.