وضوء على ضوء الكتاب و السنّة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وضوء على ضوء الكتاب و السنّة - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة


     بسم الله الرحمن الرحيم

    1

    آية الوضوء آية محكمة

    اتّفق المسلمون تبعا ً للذكر الحكيم على أنّ الصلاة لا تصحّ إلاّبطهور، والطهور هو الوضوء والغسل والتيمّم وقد بَيّن سبحانه سرَّ التكليف بتحصيل الطهور قبل الصلاة بقوله: (ما يُريدُ اللّهُ لِيَجعلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلكن يُريد ليُطهّركُمْ) .([3])

    وقد حظا الوضوء في التشريع الإسلامي بأهمية بالغة كما نطق بها الكتاب والسنّة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) :»لا صلاة إلاّ بطهور».([4]) وفي كلام آخر له: «الوضوء شطر الإيمان».([5])

    فإذا كانت هذه مكانةَ الوضوء فمن واجب المسلم التعرّف على أجزائه وشرائطه ونواقضه ومبطلاته، وقد تكفّلت الكتب الفقهية بيانَ هذه المهمة.

    والذي نركِّز عليه في المقام هو تبيين ما اختلفت فيه كلمة الفقهاء، أعني: حكم الأرجل من حيث المسح والغسل، فنقول:

    قال سبحانه في كتابه العزيز مبيِّناً وجوب الوضوء وكيفيته بقوله:

    (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيديَكُمْ إِلى المَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسكُمْ وَأَرجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فاطّهرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرضى أَوْ عَلى سَفَر أَوْ جاءَ أَحدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجوهكُمْ وَأَيديكُمْ مِنْهُ ما يُريدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّركُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) .([6])

    الآية تشكِّل إحدى آيات الأحكام التي تُستنبط منها الأحكام الشرعية العملية الراجعة إلى تنظيم أفعال المكلّفين فيما يرتبط بشؤون حياتهم الدينية والدنيوية.

    وهذا القسم من الآيات يتمتع بوضوح التعبير،ونصوع الدلالة، فإنّ المخاطب فيها هو الجماهير المؤمنة التي ترغب في تطبيق سلوكها العملي عليها، وبذلك تفترق عن الآيات المتعلّقة بدقائق التوحيد ورقائق المعارف العقلية التي تُشدّ إليها أنظار المفكّرين المتضلِّعين، خاصة فيما يرتبط بمسائل المبدأ والمعاد.

    والإنسان إذا تأمّل في هذه الآيات ونظائرها من الآيات التي تتكفَّل بيان وظيفة المسلم، كالقيام إلى الصلاة في أوقات خمسة، يجدها محكمةَ التعبير، ناصعةَ البيان، واضحةَ الدلالة، تخاطب المؤمنين كافّة لتُرسم لهم وظيفتهم عند القيام إلى الصلاة.

     والخطاب ـ كما عرفت ـ يجب أن يكون بعيداً عن الغموض والتعقيد، وعن التقديم والتأخير، وعن تقدير جملة أو كلمة حتّى يقف على مضمونها عامة المسلمين على اختلاف مستوياتهم من غير فرق بين عالم بدقائق القواعد العربية وغير عالم بها.

    فمن حاول تفسير الآية على غير هذا النمط فقد غفل عن مكانة الآية ومنزلتها، كما أنّ من حاول تفسيرها على ضوء الفتاوى الفقهية لأئمّة الفقه فقد دخل من غير بابها.

    نزل الروح الأمين بهذه الآية على قلب سيّد المرسلين، فتلاها على المؤمنين وفهموا واجبَهم تجاهها بوضوح، دون تردد، ودون أن يشوبها أىّ إبهام أو غموض، وإنّما دبّ الغموضُ فيها في عصرِ تضارب الآراء وظهور الاجتهادات.

    فمن قرأ الآية المباركة بإمعان يقول في قلبه ولسانه:  سبحانك اللهم ما أبلغ كلامَك وأفصح بيانَك، قد أوضحت الفريضةَ وبيّنت الوظيفةَ فيما يجب على المسلم فعلهُ قبل الصلاة، فقلت:

    (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاة) .

    ثمّ قلتَ مبيّناً لكيفية الوظيفة وانّها أمران:

    أ. (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيديكُمْ إِلى المَرافِق) .

    ب. (وَامْسَحُوا بِرُءُوسكُمْ وَأَرجلكُمْ إِلى الكَعْبَين) .

    سبحانك ما أبقيت إجمالاً في كلامك، ولا إبهاماً في بيانك، فأوصدتَ باب الخلاف، وسددتَ باب الاعتساف بتوضيح الفريضة وبيانها.

    سبحانك اللّهم إن كان كتابك العزيز هو المهيمن على الكتب السماوية كما قلت: (وَأَنْزَلْنا اِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَديه مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)([7]) فهو مهيمن ـ بالقطع واليقين ـ على المأثورات المرويّة عن  النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي بين آمرة بغسل الأرجل و آمرة بمسحها.

    فماذا نفعل مع هذه المأثورات المتناقضة المروية عمّن لا ينطق إلاّ عن الوحي،ولا يناقض نفسه في كلامه؟

    سبحانك لا محيص لنا إلاّ الأخذ بما نادى به كتابك العزيز وقرآنك المجيد وقدبيّنه في جملتين تعربان عن واقع الفريضة وأنّها تتألّف من غسلتين، (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيديَكُمْ إِلَى الْمَرافِق) .

    كما تتألّف من مسحتين: (فَامْسَحُوا بِرُءُوسكُمْ وَأَرجُلكُمْ إِلى الْكَعْبَين).

    (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً).([8])

     2

    بداية الاختلاف

    كان المسلمون قبل عهد الخليفة الثالث على وفاق في أمر الوضوء، فلم يكن آنذاك أىُّ خلاف بارز في مسح الرجلين أو غسلهما، وإنّما بدأ الخلاف في عهد الخليفة الثالث كما يظهر من كثير من الروايات البيانيّة المروية عن عثمان، وقد ذكر مسلم طائفة منها في صحيحه.

    2. أخرج مسلم عن حُمران مولى عثمان قال: أتيتُ عثمانَ بن عفان بوضوء فتوضأ، ثمّ قال: إنّ ناساً يتحدّثون عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)أحاديث لا أدري ما هي؟ ألا إنّي رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) توضّأ مثل وضوئي هذا، ثمّ قال: من توضّأ هكذا، غفر له ما تقدّم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى  المسجد نافلة.([9])

    2. أخرج مسلم عن أبي أنس انّ عثمان توضّأ بالمقاسمة فقال: ألا أُريكم وضوء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم توضّأ ثلاثاً ثلاثاً. وزاد قتيبة في روايته، قال سفيان: قال أبو النضر عن أبي أنس قال: وعنده رجال من أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم).

    وهناك([10]) روايات بيانية أُخرى على لسان عثمان لم يذكرها مسلم وإنّما ذكرها غيره يشير الجميع إلى أنّ ظهور الاختلاف في كيفية وضوء النبي كان في عصره، وأمّا ما هو سبب الاختلاف فسيوافيك بيانه.

     3

    القرآن هو المهيمن

    و

    المرجع الوحيد عند اختلاف الآثار

    القرآن الكريم هو المهيمن على الكتب السماوية، وهو ميزان الحقّ والباطل فما ورد فيها يؤخذ به إذا لم يخالف الكتابَ العزيز وإلاّ فيضرب عرض الجدار.

    فإذا كان هذا موقف القرآن الكريم بالنسبة إلى الكتب السماوية، فأولى به أن يكون كذلك بالنسبة إلى السنن المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فالكتاب مهيمن عليها، فيؤخذ بالسنّة ـ إذا صحت الاسناد ـ مادامت غير مخالفة للكتاب.

    ولا يعني ذلك الاكتفاء، بالكتاب وحذف السنّة من الشريعة، فانّه من عقائد الزنادقة، بل السنّة حجّة ثانية للمسلمين ـ بعد الكتاب العزيز ـ بشرط ان لا تضاد السنة الحاكيةُ السندَ القطعي عند المسلمين.

    فإذا كان القرآن ناطقاً بشي من المسح أو الغسل فما قيمة الخبر الآمر بخلافه، فلو أمكن الجمع بين القرآن والخبر، بحمل الثاني على فترة من الزمن ثمّ نسخه القرآن فهو، و إلاّ فيضرب عرض الجدار.

    قال الرازي: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا رُوي لكم حديث فأعرضوه على كتاب اللّه، فان وافقه فاقبلوه، وإلاّ فردّوه».([11])

    4

    سورة المائدة آخر سورة نزلت

    إنّ سورة المائدة هي آخر سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس فيها آية منسوخة.

    أخرج أحمد، وأبوعبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي وابن المنذر، والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير.

    قال: حججت فدخلتُ على عائشة فقالت لي: يا جُبير تَقرأ المائدة، قلت: نعم، فقالت: أما إنّها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلِّوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرِّموه.

    وأخرج أبو عبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس قالا: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : »المائدة من آخر القرآن تنزيلاً، فأحلّوا حلالها، وحرّموا حرامها«.

    وأخرج الفريابي وأبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن أبي ميسرة، قال: في المائدة ثماني عشرة فريضة ليس في سورة من القرآن غيرها وليس فيها منسوخ، وعدّمنها (وَإِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاة فاغْسِلُوا) .

    وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: لم ينسخ من المائدة شي.

    وأخرج عبد بن حميد قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة؟ قال: لا.([12])

    كلّ ذلك يدلّ على أنّ سورة المائدة آخر سورة نزلت على النبي، فلا محيص من العمل على وفقها وليس فيها أي نسخ.

    وقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على أنّ سورة المائدة آخر سورة نزلت وليس فيها آية منسوخة.

    أخرج محمد بن مسعود العياشي السمرقندي باسناده عن علي (عليه السلام) :»كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً، وإنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بآخره، وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء».([13])

    أخرج الشيخ الطوسي باسناده عن الصادق والباقر (عليهما السلام) ، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، إذ قال في حديث طويل: «وسبق الكتاب الخفّين، إنّما نزلت السورة قبل أن يُقبض بشهرين».([14])

    وعلى ضوء ذلك لو دلّ الكتاب على شي من المسح والغسل، فالآثار المخالفة له، إمّا تُؤوّل بكونها منسوخة بالقرآن أو تُطرح.

    5

    مصدر الاختلاف

    فإذا كانت بداية الاختلاف في عهد الخليفة الثالث، فهناك سؤال يطرح نفسه: ما هو سبب الاختلاف في أمر الوضوء بعد ما مضت قرابة عشرين سنة من رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فنقول: هناك وجوه واحتمالات:

    1. اختلاف القراءة

    ربما يتصوّر انّ مصدر الخلاف في ذلك العصر هو اختلاف القراءة حيث إنّ القرّاء اختلفوا في إعراب (وأرجلكم) في قوله سبحانه: (فَامْسَحُوا بِرُءُوسكم وَأَرجلكم)، فمنهم من قرأ بالجرِّ عطفاً على الرؤوس الذي يستلزم وجوب المسح على الأرجل، ومنهم من قرأ

    بالفتح عطفاً على (وجوهكم) في قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الذي يستلزم الغسل.

    إنّ هذا الوجه باطل جداً، فانّ العربي الصميم إذا قرأ الآية مجرّداً عن أي رأي مسبق لا يرضى بغير عطف الأرجل على الرؤوس، سواء أقرأ بالنصب أم بالجر، وأمّا عطفه على وجوهكم فلا يخطر بباله حتّى يكون مصدراً للخلاف.

    فعلى من يبتغي تفسير الآية وفهم مدلولها، أن يجعل نفسه كأنّه الحاضر في عصر نزول الآية ويسمع كلام اللّه من فم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أصحابه، فما يفهمه عند ذاك حجة بينه و بين ربه، وليس له عند ذاك، الركون إلى الاحتمالات والوجوه المختلفة التي ظهرت بعد ذلك الوقت .

    فلو عرضنا الآية على عربي بعيد عن الأجواء الفقهية، وعن اختلاف المسلمين في كيفية الوضوء وطلبنا منه تبيين ما فهمه لقال بوضوح:

    إنّ الوضوء غسلتان و مسحتان دون أن يفكّر في أنّ الأرجل هل هي معطوفة على الرؤوس أو معطوفة على وجوهكم؟ فهو يدرك بأنّها تتضمّن جملتين صُرّح فيهما بحكمين:

    بدئ في الجملة الأُولى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) بغَسْل الوجوه ثمّ عطفت الأيدي عليها، فوجب لها من الحكم مثل حكم الوجوه لأجل العطف.

    ثمّ بدئ في الجملة الثانية: (وَامسحوا برءُوسكم وأرجلكم إلى الكَعبين) بمسح الرؤوس ثمّ عطفت الأرجل عليها، فوجب أن يكون لها من الحكم مثل حكم الرؤوس لأجل العطف، والواو تدلّ على مشاركة مابعدها لما قبلها في الحكم.

    والتفكيك بين حكم الرؤوس وحكم الأرجل لا يحتمله عربي صميم، بل يراه مخالفاً لظهور الآية.

    2. التمسّك بروايات الغسل المنسوخة

    يظهر من غير واحد من الروايات أنّ غسل الرجلين كان سنّة أمر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فترة من عمره، ولمّا نزلت سورة المائدة وفيها آية الوضوء والأمر بمسح الأرجل مكان الغسل، أخذ ـ بعد فترة من الزمن ـ مَن لا يعرف الناسخ والمنسوخ بالسنّة المنسوخة، وأثار الخلاف غافلاً عن أنّ الواجب عليه الأخذ بالقرآن الناسخ للسنّة وفيه سورة المائدة التي هي آخر سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

    أخرج ابن جرير عن أنس قال: نزل القرآن بالمسح، والسنّة بالغسل.([15])

    ويريد من السنّة عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل نزول القرآن، ومن المعلوم أنّ القرآن حاكم وناسخ.

    وقال ابن عباس:أبى الناس إلاّ الغسل، ولا أجد في كتاب اللّه إلاّ المسح.([16])وبهذا يمكن الجمع بين ما حكي من عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغسل وبين ظهور الآية في المسح، وانّ الغسل كان قبل نزول الآية.

    ونرى نظير ذلك في المسح على الخفّين، فقد روى حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي أنّه قال: »سبق الكتابُ الخفّين«.([17])

    وروى عكرمة عن ابن عباس قال: سبق الكتاب الخفّين. ومعنى ذلك انّه لو صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فترة من عمره، المسح على الخفّين، فقد جاء الكتاب على خلافه ناسخاً له حيث قال: (وَامسحوا برءُوسكم وأرجلكم) أي امسحوا على البشرة لا على النعل ولا على الخفّ ولا الجورب.([18])

    3. إشاعة الغسل من قبل السلطة

    كان الحكام مصرّين على غسل الأرجل مكان المسح ويُلزمون الناس على ذلك بدل المسح لخبث باطن القدمين، وبما انّ قسماً كثيراً منهم كانوا حفاة، فراق في أنفسهم تبديل المسح بالغسل، ويدلّ على ذلك بعض ما ورد في النصوص.

    1. روى ابن جرير عن حميد، قال: قال موسى بن أنس ونحن عنده: يا أبا حمزة انّ الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه وذكر الطهور، فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، وانّه ليس شي من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.

    فقال أنس: صدق اللّه وكذب الحجاج قال اللّه تعالى: (وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.([19])

    2. وممّا يعرب عن أنّ الدعاية الرسمية كانت تؤيد الغسل، وتؤاخذ من يقول بالمسح، حتّى أنّ القائلين به كانوا على حذر من إظهار عقيدتهم فلا يصرّحون بها إلاّخفية، ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن أبي مالك الأشعري انّه قال لقومه: اجتمعوا أُصلّـي بكم صلاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلمّـا اجتمعوا، قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: لا، إلاّابن أخت لنا، قال: ابن اخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماء، فتوضّأ ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه، ثمّ صلّى.([20])

    هذه وجوه ثلاثة يمكن أن يُبرّر بها الغَسْل مكان المسح مع دلالة الكتاب العزيز على المسح، والأقرب هو الثاني ثمّ الثالث.

    6

    ما هو العامل في قوله: (وأرجلكم)؟

    إنّ آية الوضوء هي الدليل المبرم على وجوب الوضوء وكيفيته، وهي آية واضحة نزلت لتبيين ما هو تكليف المصلّي قبل الصلاة، وطبيعة الحال تقتضي أن تكون آية واضحة المعالم، محكمة الدلالة، دون أن يكتنفها إجمال أو إبهام، قال سبحانه:

    (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاة).

    (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيديَكُمْ إِلى المَرافِق).

    (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرجلَكُمْ إِلى الكَعْبَين).

    وتعيين أحد القولين من مسح الرجلين أو غسلهما رهن تشخيص العامل في لفظة (وأرجلكم).

    توضيحه: إنّ في الآية المباركة عاملين وفعلين كل يصلح في بدء النظر لأن يكون عاملاً في قوله: (وأرجلكم) إنّما الكلام في تعيين ما هو العامل حسب ما يستسيغه الذوق العربي؟

    والعاملان هما:

    فاغسلوا:

    وامسحوا:

    فلو قلنا: إنّ العامل هو الأوّل يجب غسلهما، ولو قلنا بأنّ العامل هو الثاني يجب مسحهما، فملاك إيجاب واحد منهما رهن تعيين العامل في »أرجلكم«.

    لا شكّ انّ الإمعان في الآية ، مع قطع النظر عن كل رأي مسبق وفعل رائج بين المسلمين، يُثبت انّ الثاني، أي (فامسحوا) هو العامل دون الأوّل البعيد.

    وإن شئت قلت: إنّه معطوف على القريب، أي الرؤوس لا على البعيد، أعني: الوجوه، ونوضح ذلك بالمثال التالي:

    لو سمعنا قائلاً يقول: أحب زيداً وعمراً ومررت بخالد وبكر من دون أن يُعرب »بكر« بالنصب أو الجرّ، نحكم بأنّ »بكر« معطوف على »خالد« و العامل فيه هو الفعل الثاني وليس معطوفاً على »عمرو«حتّى يكون العامل فيه هو الفعل الأوّل.

    وقد ذكر علماء العربية أنّ العطف من حقّه أن يكون على الأقرب دون الأبعد، وهذا هو الأصل والعدول عنه يحتاج إلى قرينة موجودة في الكلام، وإلاّربما يوجب اللُّبس واشتباه المراد بغيره.

    فلنفرض أنّ رئيساً قال لخادمه: أكرم زيداً وعمراً واضرب بكراً وخالداً، فهو يميز بين الجملتين ويرى أنّ »عمراً« عطف على »زيداً«، وأمّا خالداً فهو عطف على »بكراً«، ولا يدور بخلده خلاف ذلك.

    قال الرازي: يجوز أن يكون عامل النصب في قوله (أرجلكم) هو قوله : (وامسحوا) ويجوز أن يكون هو قوله (فاغسلوا) لكن العاملين إذا اجتمعا على

    معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله: (أرجلكم) هو قوله: (وامسحوا).

    فثبت انّ قوله: (وأرجلكم) بنصب اللام توجب المسح.([21])

    فإذا كانت الحال كذلك ولا يجوز الخروج عن القواعد في الأمثلة العرفية، فأولى أن يكون كلام ربّ العزة كذلك.

    وليس المثال منحصراً بما ذكرنا، بل بإمكانك الإدلاء بأمثلة مختلفة شريطة أن تكون مشابهة لما في الآية.

    فلو إنّك عرضت الآية على أىّ عربىّ صميم يجرّد نفسه عن المذهب الذي يعتنقه، وسألته عن دلالة الآية يجيبك:

    إنّ هناك أعضاءً يجب غسلها، وهي الوجوه والأيدي. واعضاءً يجب مسحها وهي الرؤوس والأرجل.

    ولو أُلفت نظره إلى القواعد العربية تجده انّه لا يتردد انّ العامل في الرؤوس والأرجل شي واحد وهو قوله: (فامسحوا) ولا يدور بخلده التفكيك بين الرؤوس والأرجل بأن يكون العامل في الرؤوس قوله (فامسحوا) والعامل في قوله (وأرجلكم) هو قوله: (فاغسلوا) .

    فإذا اتّضحت دلالة الآية على واحد من المسح والغسل فلا نحتاج إلى شي آخر، فالموافق منه يؤكّد مضمون الآية، والمخالف يعالج بنحو من الطرق أفضلها انّها منسوخة بالكتاب.

    7

    القراءتان والمسح على الأرجل

    إنّ اختلاف القرّاء في لفظة: (وأرجلكم) بالفتح والجر لا يؤثر في دلالة الآية على وجوب المسح، فالقراءتان تنطبقان على ذلك القول بلا أي إشكال.

    توضيح ذلك:

    إنّه قرأ نافع و ابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه قوله: (وأرجلكم) بالنصب، وهذه هي القراءة المعروفة التي عليها المصاحف الرائجة في كلّ عصر وجيل.

    وقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجرّ.

    ونحن نقول:إنّ القراءتين تنطبقان على القول  بالمسح بلا تريّث وتردد.

    أمّا الثاني أي قراءة الجر، فهو أقوى شاهد على أنّه معطوف على قوله: (برءُوسكم) إذ ليس لقراءة الجرِّ وجه سوى كونه معطوفاً على ما قبله. وعندئذ تكون الأرجل محكومة بالمسح بلا شك.

    وأمّا قراءة النصب فالوجه فيه أنّه عطف على محل (برءُوسكم) لأنّه منصوب محلاً مفعول لقوله: (وامسحوا) وعندئذ تكون الأرجل أيضاً محكومة بالمسح فقط، والعطف على المحل أمر شائع في اللغة العربية، وقد ورد أيضاً في القرآن الكريم.

    أمّا القرآن فقال سبحانه: (اِنَّ اللّهَ بَريٌ مِنَ الْمُشرِكين وَرَسُولُه) ([22]) فقراءة: (ورسوله) بالضم هي القراءة المعروفة الرائجة و لا وجه لرفعه إلاّ كونه معطوفاً على محل اسم إنّ، أعني: لفظ الجلالة في (انّ اللّه) لكونه  مبتدأ.

    وقد ملئت مسألةُ العطف على المحل كتبَ الأعاريب، فقد عقد ابن هشام باباً خاصاً للعطف على المحل وذكر شروطه.([23])

    وأمّا في الأدب العربي فحدِّث عنه ولا حرج، قال القائل:

    معاوي انّنا بشر فاسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا

    فقول: »ولا الحديدا« بالنصب عطف على محل »بالجبال« لأنّها خبر ليس في قوله »فلسنا«.

    فخرجنا بالنتيجة التالية:

    إنّ اختلاف القراءتين لا يؤثّر في تعيّن القول بالمسح، وسوف يوافيك دراسة القراءتين على القول بالغسل.

    ثمّ إنّ لفيفاً من أعلام السّنة صرحوا بدلالة الآية على المسح قائلين بأنّ قوله (وأرجلكم) معطوف على الأقرب لا الأبعد، وانّ العامل فيه هو (فامسحوا) ، ونذكر بعض تلك الكلمات:

    1. قال ابن حزم: وأمّا قولنا في الرجلين، فانّ القرآن نزل بالمسح ، قال تعالى: (وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم)، وسواء قرئ بخفض اللام أو فتحها، فهي على كلّ حال عطف على الرؤوس امّا على اللفظ و إمّا على الموضع، ولا يجوز غير ذلك.([24])

    وقال الرازي: أمّا القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل.

    وأمّا القراءة بالنصب، فقالوا ـ أيضاً ـ انّها توجب المسح، وذلك لأنّ قوله (وامسحوا برءُوسكم) في محل النصب، ولكنّها مجرورة بالباء، فإذا عطف الأرجل على  الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور النحاة.([25])

    2. وقال الشيخ السندي الحنفي ـ بعد ان جزم انّ ظاهر القرآن هو المسح ـ ما هذا لفظه: و إنّما كان المسح هو ظاهر القرآن، لأنّ قراءة الجر ظاهرة فيه، وقراءة النصب محمول على جعل العطف على المحل.([26])

    ولعلّ هذا المقدار من النقول يكفي في تبيين انّ كلتا القراءتين تدعمان المسح فقط وتنطبقان عليه بلا إشكال.

    8

    القراءتان وغسل الأرجل

    قد عرفت أنّ اختلاف القراءة في قوله: (وأرجلكم) لا يؤثر في القول بمسح الرجلين، سواء أقرأنا قوله: (وأرجلكم) بالنصب أم قرأناه بالجر، فكلتا القراءتين تدعمان المسح وبالتالي العامل في قوله: (أَرْجلكم) هو قوله: (فامسحوا) و لفظة (وأرجلكم) معطوفة على (برءُوسكم) إمّا لفظاً أو محلاً.

    إنّما الكلام في إمكانية تطبيق القول بالغسل على القراءتين المعروفتين ومقدار انسجامه معهما والقواعد العربية. وسيتضح من خلاله انّ فرض الغسل على الآية خرق واضح للقواعد العربية، وإليك البيان:

    الغَسْل وقراءة النصب

    فلو قلنا بدلالة الآية على غسل الأرجل، فلا محيص من أن يكون العامل هو قوله في الجملة المتقدّمة (فاغسلوا) وأن يكون معطوفاً على قوله: (وجوهَكم ) وهذا يستلزم الفصل بين المعطوف (وأرجلكم) و المعطوف عليه (وجوهكم) بجملة أجنبية وهي (وامسحوا برءُوسكم) مع أنّه لا يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بمفرد فضلاً عن جملة أجنبية، ولم يُسمع في كلام العرب الفصيح قائل يقول:»ضربت زيداً« و »مررت ببكر وعمراً« بعطف »عمراً« على »زيداً«.

    1. قال ابن حزم: لا يجوز عطف أرجلكم على وجوهكم، لأنّه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدئة.([27])

    2. وقال أبو حيان: ومن ذهب إلى أنّ قراءة النصب في (وأرجلكم) عطف على قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) وفصل بينهما بهذه الجملة التي هي قوله: (وامسحوا برءُوسكم) فهو بعيد، لأنّ فيه الفصل بين المتعاطفين بجملة إنشائية.([28])

    3. وقال الشيخ الحلبي في تفسير الآية: نصب (وأرجلكم) على المحل وجرها على اللفظ، ولا يجوز أن يكون النصب للعطف على وجوهكم، لامتناع العطف على وجوهكم للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية هي (وامسحوا برءُوسكم)والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة، ولم يسمع في الفصيح نحو ضربت زيداً ومررت ببكر وعمراً بعطف عمراً على زيد.([29])

    4. وقال الشيخ السندي: وحمل قراءة النصب بالعطف على المحل أقرب لاطّراد العطف على المحل، وأيضاً فيه خلوص عن الفصل بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه، فصار ظاهر القرآن هو المسح.([30])

    إلى غير ذلك من الكلمات التي تصرح بأنّ قراءة النصب واستفادة الغسل يتوقّف على خرق قاعدة نحوية، وهي الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه بجملة أجنبية.

    الغسل وقراءة الجر

    إنّ القائلين بغسل الأرجل برّروا قراءة النصب بوجه قد عرفت ضعفه وعدم انسجامه مع القواعد العربية، ولكنّهم لمّا وقفوا على قراءة الجرّ وانّها تدلّ على المسح دون الغَسْل حاروا في تبريرها وتوجيهها مع القول بالغسل، فانّ قراءة الجر صريحة في أنّ لفظة (وأرجلكم) معطوفة على (برءُوسكم) فيكون حكمها حكم الرؤوس، وعند ذلك مالوا يميناً ويساراً حتّى يجدوا لقراءة الخفض مع القول بالغَسل مبرّراً، وليس هو إلاّ القول بالجرّ بالجوار.

    وحاصله: انّ قوله (وأرجلكم) محكوم حسب القواعد بالنصب لكونها معطوفة على قوله: (وجوهكم)، ولكنّه اكتسب اعراب الجرّ من قوله: (برؤوسكم) لأجل وقوعه في جنب لفظ مجرور وهذا ما يقال له: »الجرّ بالجوار« وهو ترك اللفظ اعرابه الطبيعي واكتساب اعراب اللفظ المجاور معه، وقد مثلوا له بقولهم »جحر ضبّ خرب« فانّ قوله »خرب« خبر لقوله: »جحر« ولكنّه قرأ بالجرّ لوقوعه في جنب كلمة ضبّ حيث إنّه مجرور باعتبار كونه مضاف إليه.

    وبما انّ الجرّ بالجوار إمّا غير واقع في فصيح اللغة، وعلى فرض وقوعه فله شروط مفقودة في المقام، نعقد لبيان الموضوع الفصل التالي.

    9

    الجر بالجوار صحة وشرطاً

    لما كان القائلون بغسل الأرجل يفسّرون قراءة الجرّ بالجوار، نذكر كلمات أعلام الأُدباء في المقام ليُعلم مدى صحّة الجرّ بالجوار، و على فرض صحّته ما هي شروطه؟

    1. قال الزجاج: ربما يقال: (وأرجلكم) مجرور لأجل الجوار، أي لوقوعه في جنب الرؤوس المجرورة، نظير قول القائل: جُحر ضب خرب، فإن »خرب« خبر »لجحر« فيجب أن يكون مرفوعاً، لكنّه صار مجروراً لأجل الجوار.

    هذا، ثمّ ردَّ عليـه بقوله: وهـو غير صحيح، لاتّفـاق أهل العربية عـلى أنّ الاعراب بالمجاورة شاذ نـادر، ومـا هـذا سبيله لا يجوز حمل القرآن عليه من غيـر ضرورة يُلجأ إليها.([31])

    2. قال علاء الدين البغدادي في تفسيره المسمى بالخازن: وأمّا من جعل كسر اللام في »الأرجل« على مجاورة اللفظ دون الحكم. واستدل بقولهم: »جحر ضب خرب« و قال: الخرب نعت للجحر لا الضب، وإنّما أخذ إعراب الضب للمجاورة فليس بجيّد لوجهين:

    أ. لأنّ الكسر على المجاورة إنّما يحمل لأجل الضرورة في الشعر، أو يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس، لأنّ الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر.

    ب. ولأنّ الكسر بالجوار إنّما يكون بدون واو العطف، امّا مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.([32])

    3. أنكر السيرافي وابن جنّي الخفض على الجوار وتأوّلا قولهم »خرب« بالجر على أنّه صفة للضب، و من أراد التفصيل فليرجع إلى المغني.([33])

    4. قال ابن هشام: ولا يكون الجر بالجوار في النسق، لأنّ العاطف يمنع التجاور.([34])

    ويتلخص من هذه الكلمات التي نقلناها بالإيجاز الأُمور التالية:

    أوّلاً: انّ الخفض بالجوار لم يثبت في الكلام الفصيح.

    ثانياً: انّ الخفض بالجوار على فرض ثبوته إمّا لضرورة الشعر أو لأجل استحسان الطبع المماثلةَ بين اللفظين المتجاورين، وكلّ من الوجهين منتفيان في المورد فليس هنا ضرورة شعرية ولا استحسان الطبع في إخلاء لفظ (وأرجلكم) من إعرابه الواقعي واكتسابه إعراب جاره.

    ثالثاً: انّ العطف بالجوار إنّما يجوز فيما إذا يؤمن عن  الاشتباه كما في المثل المعروف فان »خرب« وصف للجحر لا للضبّ وان جرَّ ، بخلاف المقام فانّ قراءة الجرّ تورث الاشتباه، فلو كان الأرجل في الواقع محكومة بالغسل فالجرّ بالجوار يوهم كون الأرجل محكومة بالمسح وانّها معطوفة على الرؤوس من دون أن يلتفت المخاطبُ إلى أنّ الجرّ للجوار فلا داعي لارتكاب هذا النوع من الخفض الذي يضاد بظاهره مراد القائل.

    ورابعاً: لم يثبت الجر بالجوار إلاّ في الوصف والبدل وأمثالهما لا في المعطوف كما في الآية .

    وظهر من هذا البحث الضافي انّ القول بالمسح ينطبق على كلتا القراءتين بلا أدنى تأويل وحرج، وهذا بخلاف القول بالغسل فانّه لا ينسجم لا مع قراءة النصب ولا مع قراءة الجرّ.

    10

    الاجتهاد تجاه النص

    إنّ آفة الفقه هو التمسك بالاعتباريات والوجوه الاستحسانيّة أمام النصّ، لأنّه يضاد مذهب التعبديّة، فالمسلم يتعبد بالنص ـ و إن بلغ ما بلغ ـ و لا يقدِّم رأيه على كتاب اللّه وسنّة رسوله الصحيحة، وهو آية الاستسلام أمام اللّه وأمام رسوله وكتابه وسننه، قال سبحانه: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّه وَرَسُوله ِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم).([35])

    أي لا تتقدّموا على اللّه ورسوله بافتراض رأيكم على الرسول والأُمّة المسلمة. إنّ تقديم الوجوه الاستحسانية على النصّ تقدّمٌ على اللّه ورسوله، ونعم ما قال الإمام الشافعي: »من استحسن فقد شرّع«.

    وقد وقف غير واحد من أعلام السنّة على أنّ ظاهر الآية أو صريحها هو مسح الرجلين واعترفوا بذلك بوجدانهم أو بلسانهم وقلمهم، ولكن التعبد بمذهب الأئمّة الأربعة وغيرهم عاقهم عن الأخذ بمضمون الآية، فاتبعوا المذهبَ الموروث بدل الاتّباع للقرآن الكريم، ولولا انّهم نشأوا على هذه الفكرة منذ نعومـة أظفارهم، لما قدّمـوا اجتهاداتهم على كتاب اللّه العزيز الدالّ على المسح، وحرّروا تفكّرهم عن قيد التقليد، وإليك شيئاً من هذه الاجتهـادات التـي لا يرتضيهـا العقل ولا الـوجدان الحرّ .

    1. الغَسْل يشمل المسح

    زعم الجصاص انّ آية الوضوء مجملة فلابدّ من العمل بالاحتياط، وهو الغَسْل المشتمل على المسح أيضاً، بخلاف المسح فانّه خال عن الغسل ثمّ رفع ابهام الآية بادعاء اتّفاق الجميع على انّه لو غَسَل فقد أدّى الفرض.([36])

    يلاحظ عليه: أوّلاً: بأنّه كيف يرمي الآية بالإجمال مع أنّها واضحة الدلالة، لأنّها بصدد بيان ما هو الواجب على عامة المصلّين عند القيام إلى الصلاة، ومثل هذا يجب أن يكون مبيّن المراد، غير محتمل إلاّ لمعنى واحد، وإنّما دعاه إلى القول بالإجمال الفرار عن ظاهر الآية الدالّ على أنّ فريضة الأرجل هو المسح لا الغسل.

    وثانياً: أنّ ما يقوله إنّ الغسل يشمل المسح دون العكس فانّه خال من الغسل، غير صحيح، لأنّ المراد من الغسل في المقام هو إسالة الماء على العضو، كما أنّ المراد من المسح فيها هو إمرار اليد على العضو بالبلل  المتبقّى في اليد، وعندئذ يُصبح الغَسْل والمسح فريضتين مختلفتين على نحو يغاير كلّ الآخر، فلا الغسل يشتمل على المسح ولا المسح على الغسل .

    وثالثاً: أنّ ادعاء رفع ابهام الآية بانّه إذا غسل فقد أدّى فرضه باتّفاق الجميع مصادرة بالمطلوب إذ كيف يدعي الاتفاق عليه مع انّ القائلين بالمسح بين الصحابة والتابعين كما سيوافيك أسماؤهم، ليسوا بأقلّ من القائلين بالغسل كما أنّ الإمامية وهم ربع المسلمين يرون بطلان الغسل ولزوم المسح فأين اتّفاق الجميع على الغَسْل.

    2. نسخ السنّة للكتاب

    وهناك من يرى دلالة الآية على المسح بوضوح ويبطل القول بأنّ أرجلكم معطوف على قوله: »وجوهكم« ويقول: لا يجوز ألبتة أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بخبر غير الخبر عن المعطوف، لأنّه إشكال وتلبيس  وإضلال لا بيان. لا تقول: ضربت محمداً و زيداً و مررت بخالد وعمراً، وأنت تريد أنّك ضربت عمراً أصلاً، فلما جاءت السنّة بغسل الرجلين صحّ انّ المسح منسوخ عنهما.([37])

    يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه لا يصحّ نسخ الكتاب إلاّبالسنّة القطعية، لأنّ الكتاب دليل قطعي لا ينسخه إلاّ دليل قطعي مثله.

    وأمّا المقام فالسنّة الدالة على الغسل متعارضة مع السنّة الدالة على المسح، فكيف يمكن أن نقدّم أحد المتعارضين على القرآن الكريم بغير مرجح؟ وستوافيك الروايات المتضافرة الدالة على أنّ النبي وأصحابه كانوا يمسحون الأرجل مكان الغسل.

    وثانياً: اتّفقت الأُمّة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّها لم تنسخ آية منها، وقد مرّ من  الروايات وأقوال الصحابة ما يدلّ على ذلك.

    وثالثاً: كان اللازم على ابن حزم أن يجعل الآية دليلاً على منسوخية السنّة، ولو ثبت انّ النبي غسل رجليه في فترة من الزمن فالآية ناسخة لها لا أنّها ناسخة للقرآن.

    3. التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء

    وقد وقف الزمخشري على أنّ قراءة الجر تُلزم الإنسان بمسح الأرجل لا غسلهما، فصار بصدد منع الدلالة، وانّ الأرجل وإن كانت معطوفة على الرؤوس ومع ذلك يفقد العطفُ الدلالةَ على الغسل، قال: قرأ جماعة (وأرجلكم) بالنصب فدلّ على أنّ الأرجل مغسولة.

    فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟

    قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تُغسل بصب الماء عليها، فكان مظنة للإسراف المذموم  المنهىّ عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتُمسح ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها وقيل إلى الكعبين.([38])

    يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ ما ذكره من الوجه إنّما يصحّ إذا كانت النكتة ممّا تعيه عامة المخاطبين من المؤمنين، وأين هؤلاء من هذه النكتة التي ابتدعها الزمخشري توجيهاً لمذهبه؟

    وبعبارة أُخرى: انّما يصحّ ما ذكره من النكتة إذا أمن من الالتباس لا في مثل المقام الذي لا يؤمن منه، وبالتالي يحمل ظاهر اللفظ على وجوب المسح غفلة عن النكتة البديعة!! للشيخ الزمخشري.

    وثانياً: أنّ الأيدي أيضاً مظنة للإسراف مثل الأرجل، فلماذا لم ينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء فيها أيضاً؟! كل ذلك يعرب عن أنّ هذا الوجه توجيه للمذهب الذي نشأ وترعرع صاحب الكشاف عليه ، ولولا ذلك لم يرد بخلده هذا الوجه.

    4. سهولة غسل الرجلين دون الشعر

    لما وقف ابن قدامة على أنّ مقتضى عطف الأرجل على الرؤوس هو المسح، سواء أقرئت بالنصب أو بالجر، أخذ يتفلسف ويجتهد أمام الدليل الصارم ويقول: إنّ هناك فرقاً بين الرأس والرجل، ولأجله لا يمكن أن يحكم عليهما بحكم واحد، وهذه الوجوه عبارة عن:

    1. انّ الممسوح في الرأس شعر يشقّ غسله، والرجلان بخلاف ذلك فهما أشبه بالمغسولات.

    2. انّهما محدودان بحد ينتهي إليه فأشبها باليدين.

    3. انّهما معرّضتان للخبث لكونهما يُوطّأ بهما على الأرض بخلاف الرأس.([39])

    يلاحظ عليه: أنّه اجتهاد مقابل النص وتفلسف في الأحكام.

    فأمّا الأوّل: فأىّ مشقّة في غسل الشعر إذا كان المغسول جزءاً منه فإنّه الواجب في المسح، فليكن كذلك عند الغسل.

    وأمّا الثاني: فلأنّ التمسك بالشَّبه ضعيف جداً، إذ كم من متشابهين يختلفان في الحكم.

    وأفسد منه هو الوجه الثالث فإنّ كون الرِّجْلين معرّضتين للخبث لا يقتضي تعيّـن الغسل، فإنّ القائل بالمسح يقول بأنّه يجب أن تكون الرِّجل طاهرة من الخبث ثمّ تمسح.

    ولعمري إنّ هذا الوجه وما تقدّمه للزمخشري تلاعب بالآية لغاية دعم المذهب، والجدير بالفقيه الواعي هو الأخذ بالآية، سواء أوافقت مذهب إمامه أم لا. ولصاحب المنار كلمة قيّمة في حقّ هؤلاء الذين يقدّمون فتاوى الأئمّة على الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة يقول:

    إنّ العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب اللّه وسنّة رسوله.([40])

    5. اتّباع السلف في الغسل

    لمّا وقف ابن تيمية على أنّ قراءة الخفض تستلزم العطف على الرؤوس فيلزم حينئذ مسح الرجلين لا غسلهما، التجأ إلى تأويل النص، وقال:

    «ومن قرأ بالخفض فليس معناه وامسحوا أرجلكم كما يظنه بعض الناس، لأوجه: أحدها: انّ الذين قرأوا ذلك من السلف، قالوا: عاد الأمر إلى الغسل».([41])

    يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ما ذكره لزم القول بأنّ السلف تركوا القرآن وراء ظهورهم وأخذوا بما لا يوافق القرآن، ولو كان رجوعهم لأجل نسخ الكتاب فقد عرفت أنّ القرآن لا ينسخ بخبر الواحد. ولو سلّمنا جواز النسخ فسورة المائدة لم يُنسَخ منها شي.

    ومن العجب أنّ ابن تيميّة ناقض نفسه فقد ذكر في الوجه السابع ما هذا نصه:»إنّ التيمّم جُعل بدلاً عن الوضوء عند الحاجة فحذف شطر أعضاء الوضوء وخُفّ الشطر الثاني، وذلك فإنّه حذف ما كان ممسوحاً ومسح ما كان مغسولاً«.([42])

    فلو كان التيمّم على أساس حذف ما كان ممسوحاً فقد حذف حكم الأرجل في التيمّم، فلازم ذلك أن يكون حكمه هو المسح حتّى يصحّ حذفه، فلو كان حكمه هو الغسل لم يحذف، بل يبقى كالوجه واليد ويُمسح.

    6. التحديد آية الغسل

    إنّ المفسر المعروف بالشيخ إسماعيل حقي البروسوي أيّد القول بالغسل بأنّ المسح لم يعهد محدوداً وإنّما جاء التحديد في المغسولات.([43]) يريد بكلامه هذا انّ الأرجل حُدّدت بالكعبين فأشبه غَسْل الكعبين بغسل الأيدي المحدَّد بالمرافق، فيحكم عليها بالغسل بحكم الاشتراك في التحديد.

    يلاحظ عليه: أنّ كلاً من المغسول والممسوح جاء في الآية محدّداً وغير محدّد، فالوجوه في الآية تغسل ولم تحدد، والأيدي تغسل وحُدّدت بقوله:»إلى المرافق«، فيعلم من ذلك انّ الغسل تارة يكون محدّداً وأُخرى غير محدد، فلا التحديد دليل على وجوب الغَسْل ولا عدم التحديد دليل على وجوب المسح، وهكذا الحال في الممسوح فالأرجل ـ على المختار ـ تُمسح ويكون محدداً إلى الكعبين والرأس تمسح وهو غير محدد، فجعل التحديد علامة للغسل أشبه بجعل الأعم دليلاً على الأخص، وما ذكره من أنّه لم يجئ في شي من المسح تحديد، أوّل الكلام، وهو من قبيل أخذ المدّعى في الدليل.

    ولو قلنا بهذه الاستحسانات، فالذوق الأدبي يقتضي أن تكون الأرجل ممسوحة لا مغسولة.

    قال المرتضى: إنّ الآية تضمّنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه وعطف عليه مغسول محدود وهما اليدان، ثمّ استؤنف ذكر عضو ممسوح غير محدود وهو الرأس فيجب أن تكون الأرجل ممسوحة وهي محدودة ومعطوفة عليه دون غيره، لتتقابل الجملتان في عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود وفي عطف ممسوح محدود على ممسوح غير محدود.([44])

    7. المرجع هو السنّة بعد تعارض القراءتين

    ذهب الآلوسي إلى أنّ القراءتين المتواترتين المتعارضتين كأنّهما آيتان متعارضتان، والأصل في مثله هو السقوط والرجوع إلى السنّة؟

    قال: إنّ القراءتين متواترتان بإجماع الفريقين، بل بإطباق أهل الإسلام كلّهم، ومن القواعد الأُصولية عند الطائفتين انّ القراءتين المتواترتين إذا تعارضتا في آية احدة فلهما حكم آيتين، فلابدّ لنا أن نسعى ونجتهد في تطبيقهما أوّلاً، مهما أمكن، لأنّ الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال كما تقرر عند أهل الأُصول، ثمّ نطلب بعد ذلك الترجيح بينهما، ثمّ إذا لم يتيسر لنا الترجيح فنتركهما ونتوجّه إلى الدلائل الأُخر من السنّة.([45])يلاحظ عليه: أنّ من الغرائب أن نجعل القراءتين متعارضتين ثمّ نسعى في رفع التعارض بالوجوه التي ذكرها القائل، فانّ فرض التعارض بين القراءتين رهن فرض المذهب على القرآن وتطبيقه عليه وإلاّ فالقراءتان ليس فيهما أي تعارض وتهافت وكلتاهما تهدفان إلى أمر واحد وهو مسح الرجلين، لأنّ قوله: (وَأَرجلكم) على كلتا القراءتين معطوف على لفظ واحد وهو قوله: (رءُوسكم) ، لكن إمّا عطفاً على المحل فتُنصب أو عطفاً على الظاهر فتُجر.

    8. الغسل إضافة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

    ذهب جمال الدين القاسمي إلى أنّ الآية صريحة في أنّ الفريضة هي المسح كما قاله ابن عباس وغيره، ولكن إيثار غسلهما في المأثور عنه إنّما هو للتزيّد في الفرض والتوسّع فيه حسب عادته، فانّه سنّ في كلّ فرض سنناً تدعمه وتقوّيه في الصلاة والزكاة والصوم والحجّ.

    وممّا يدلّ على أنّ واجبهما المسح تشريع المسح على الخفّين والجوربين ولا سند له إلاّ هذه الآية ، فانّ كلّ سنّة أصلها في كتاب اللّه منطوقاً أو مفهوماً، فاعرف ذلك واحتفظ به واللّه الهادي.([46])

    يلاحظ عليه: حاشا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيد أو ينقص في الفرائض، بل هو يتّبع الوحي، وكان شعاره (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قُل إِنّما أتّبع ما يوحى اِلىَّ مِنْ رَبّي)([47]) وقوله: (قُلْ ما يَكُونُ لي  أَنْ أُبدّلَهُ مِنْ تِلْقاءِنَفسي اِنْ أَتِّبعُ إِلاّما يُوحى اِلَيَّ) ([48]) ولو زاد في الصلوات فإنّما بأمر من اللّه سبحانه.

    ثمّ لو زاد ما زاد فإنّما يزيد فيما ثبت أصله بالسنّة، لا بالكتاب العزيز كاضافة ركعتين في الرباعية وركعة في الثلاثيّة.

    أخرج مسلم عن ابن عباس قال: فرض اللّه الصلاة على لسان نبيّكم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين.([49])

    فلو افترضنا أنّ الفريضة كانت هي المسح دون الغسل وانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زاد في الفرض بحكم الروايات الآمرة بالغسل، لكن ماذا نفعل عندئذ بالروايات الآمرة بالمسح، وهي روايات صحاح هائلة كما سيوافيك، فهل هنا ملجأ بعد التعارض إلاّ الذكر الحكيم؟!

    وكلّ هذه الكلمات تعرب عن أنّ أصحابها اتّخذوا موقفاً مسبقاً حيال الآية الصريحة الواضحة الدلالة، وفرضوا مذهبهم عليها، الأمر الذي أوقعهم في حيص بيص ومأزق، وطرقوا كافة الأبواب للخروج منه وتشبّثوا بوجوه استحسانية لا تغني عن الحقّ شيئاً.

    9. التمسّك بالمصالح

    لما استشعر صاحب المنار، بأنّ الآية ظاهرة في مسح الرجلين باليد المبلّلة بالماء حاول صرف الآية عن ظاهرها بالتمسّك بالمصالح، وقال:

    لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبلّلة بالماء حكمة، بل هو خلاف حكمة الوضوء، لأنّ طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار أو وسخ يزيده وساخة، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة.([50])

    يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره استحسان لا يُعرَّج عليه مع وجود النص، فلا شك أنّ الأحكام الشرعية تابعة  للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها، فأي مصلحة في المسح على الرأس ولو بمقدار اصبع أو اصبعين حتى قال الشافعي: إذا مسح الرأس باصبع واحدة أو بعض اصبع أو باطن كفه، أو أمر مَن يمسح له أجزأه ذلك؟!

    وهناك كلمة قيّمة للإمام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها، قال (رحمه الله): نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كل ما كلّفهم به من أحكامه الشرعية، فلم يأمرهم إلاّ بما فيه مصلحتهم، ولم ينههم إلاّ عمّـا فيه مفسدة لهم، لكنّه مع ذلك لم يجعل شيئاً من مدارك تلك الأحكام منوطاً من حيث المصالح والمفاسد ب آراء العباد، بل تعبّدهم بأدلّة قويّة عيّنها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة عنها إلى ما سواها. وأوّل تلك الأدلّة الحكيمة كتاب اللّه عزّ وجلّ، وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء، فلا مندوحة عن البخوع لحكمه، أمّا نقاء الأرجل من الدنس

    فلابدّ من إحرازه قبل المسح عليها عملاً بأدلّة خاصّة دلّت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه .([51])

    10. اعتراض جملة: (فَامْسَحُوا...) لبيان الترتب

    إنّ الفصل بين المتعاطفات بقول: (فامسحوا برءُوسكم) لبيان تقدّم المسح على غسل الأرجل.([52])

    يلاحظ عليه: بأنّ في وسع المتكلم أن يجمع بين ذكر الترتيب ووضوح البيان بتكرار الفعل بأن يقول: »فامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم« فيكون كلامه مبيّناً لمقصده وفي الوقت نفسه نزيهاً عن اللُّبس.


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] .  المائدة: 3 .

    [2] .  آل عمران: 103 .

    [3] . المائدة:6.

    [4] . الوسائل: 1، الباب1 من أبواب الوضوء.

    [5] . الوسائل: 1، الباب1 من أبواب الوضوء.

    [6] . المائدة:6.

    [7] . المائدة:48.

    [8] . الأنعام:114.

    [9] . صحيح مسلم بشرح النووي:3/115، برقم 229.

    [10] . صحيح مسلم بشرح النووي:3/115، برقم 230.

    [11] . مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير:3/252، ط سنة 1308 بمصر .

    [12] . الدر المنثور:3/3ـ4.

    [13] .  نور الثقلين:1/483.

    [14] .  نور الثقلين:1/483.

    [15] . الدر المنثور:3/1، 4.

    [16] . الدر المنثور:3/1، 4.

    [17] . مصنف ابن أبي شيبة:1/213، باب من كان لا يرى المسح، الباب217.

    [18] . مصنف ابن أبي شيبة:1/213، باب من كان لا يرى المسح، الباب217.

    [19] . تفسير القرآن لابن كثير:2/25; تفسير القرآن للطبري:6/82.

    [20] . مسند أحمد:5/342; المعجم الكبير :3/280 برقم 3412.

    [21] . التفسير الكبير:11/161.

    [22] .  التوبة:3.

    [23] . مغني اللبيب: الباب4، مبحث العطف. قال: الثاني: العطف على المحل ثمّ ذكر شروطه.

    [24] .  المحلى:2/56.

    [25] .  التفسير الكبير:11/161.

    [26] .  شرح سنن ابن ماجة:1/88، قسم التعليقة.

    [27] .  المحلى:2/56.

    [28] .  تفسير النهر الماد:1/558.

    [29] .  غنية المتملي في شرح منية المصلي المعروف بالحلبي الكبير:16.

    [30] .  شرح سنن ابن ماجة:1/88.

    [31] .  معاني القرآن واعرابه:2/153.

    [32] .  تفسير الخازن:2/16.

    [33] .  مغني اللبيب، الباب الثامن، القاعدة الثانية،359.

    [34] .  مغني اللبيب، الباب الثامن، القاعدة الثانية،359.

    [35] .  الحجرات:1.

    [36] .  أحكام القرآن:2/346.

    [37] .  الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم:1/510.

    [38] .  الكشاف:1/326.

    [39] .  المغني:1/124.

    [40] .  محمد رشيد رضا،المنار:2/386.

    [41] .  التفسير الكبير: 4 / 48.

    [42] .  التفسير الكبير :4 /50.

    [43] .  روح البيان:2/351.

    [44] .  الانتصار:24.

    [45] .  روح المعاني:6/74.

    [46] .  التأويل:6/112.

    [47] . الأعراف:203.

    [48] .  يونس:15.

    [49] .  صحيح مسلم:2/143، باب صلاة المسافرين.

    [50] .  تفسير المنار : 6 / 234 .

    [51] . مسائل فقهية چ 82 . وقد علّق في الهامش قائلاً : ولذا ترى حفاة الشيعة والعمال منهم ـ كأهل الحرث وأمثالهم وسائر من لا يبالون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة المشروطة بالطهارة ـ إذا أرادوا الوضوء غسلوا أرجلهم ثمّ توضّأوا فمسحوا عليها نقيّة جافّة.

    [52] .  مجلة الفيصل العدد235 صفحة 48، مقالة أبي عبدالرحمن الظاهري.


    

/ 1