محصل المطالب في تعليقات المكاسب (جزء 3) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

محصل المطالب في تعليقات المكاسب (جزء 3) - نسخه متنی

صادق طهوری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محصل المطالب


في
تعليقات المكاسب
1
محصل المطالب
في
تعليقات المكاسب
الجزء الرابع
موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب
وتعليقات هامة وشيقة للعلماء الأعاظم
الآخوند الخراساني * الطباطبائي اليزدي *
الإيرواني * النائيني * الأصفهاني *)
صادق الطهوري
انتشارات مؤسسه فرهنگى سماء
محصل المطالب في تعليقات المكاسب ج 4
المؤلف: صادق الطهوري (نوروزي)
المطبعة: سپهر
الطبعة الأولى. 1421 ق گ 1379 ش
حق الطبع محفوظ للناشر
2
شروط العوضين: المالية يشترط في كل منهما كونه متمولا، لان البيع - لغة - مبادلة مال بمال (1)
3
وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء، محللة في الشرع، لان
الأول ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ونفي الفائدة
عنها، والثاني ليس بمال شرعا كالخمر والخنزير. ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى
خسة الشئ كالحشرات، وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة وذكروا: أنه ليس مالا وإن
كان يصدق عليه الملك، ولذا يحرم غصبه إجماعا. وعن التذكرة: أنه لو تلف لم يضمن
أصلا "، واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل. (2)
والأولى أن يقال: إن ما تحقق أنه ليس بمال عرفا، فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز
وقوعه أحد العوضين، إذ لا بيع الا في ملك. (3)
7
وما لم يتحقق فيه ذلك، فإن كان أكل المال في مقابله أكلا " بالباطل عرفا "، فالظاهر فساد
المقابلة (4)
8
وما لم يتحقق فيه ذلك، فإن ثبت دليل من نص أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو، (5)
وإلا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة، (6)
9
وخصوص قوله عليه السلام في المروي عن تحف العقول: وكل شئ يكون لهم فيه الصلاح
من جهة من الجهات، فكل ذلك حلال بيعه إلى آخر الرواية، وقد تقدمت في أول الكتاب (7)
ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس: كالماء،
والكلأ، والسموك والوحوش قبل اصطيادها، لكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل (8)
10
واحترزوا أيضا به عن الأرض المفتوحة عنوة، ووجه الاحتراز عنها: أنها غير مملوكة
لملاكها على نحو سائر الاملاك بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض وإن قل،
ولذا لا يورث، بل ولا من قبيل الوقف الخاص على معينين، لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا،
ولا كالوقف على غير معينين كالعلماء والمؤمنين، ولا من قبيل تملك الفقراء للزكاة
والسادة للخمس - بمعنى كونهم مصارف له - لعدم تملكهم لمنافعها بالقبض، لان مصرفه
منحصر في مصالح المسلمين، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم، فهذه
الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل عليه الدليل، ومعناها: صرف حاصل الملك في مصالح
الملاك (9)

14

ثم إن كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ودل عليه النص كمرسلة حماد
الطويلة وغيرها. (10)

17

أقسام الأرضين واحكامها
وحيث جري الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين، فلا بأس بالإشارة إجمالا " إلى جميع
أقسام الأرضين وأحكامها،
فنقول ومن الله الاستعانة: الأرض إما موات وإما عامرة، وكل منهما إما أن يكون
كذلك أصلية أو عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها: (1)

19

الأول: ما يكون مواتا بالأصالة، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة ولا إشكال ولا خلاف منا في
كونها للإمام عليه السلام، والاجماع عليه محكي عن الخلاف والغنية وجامع المقاصد
والمسالك وظاهر جماعة أخرى والنصوص بذلك مستفيضة، بل قيل: إنها متواترة وهي من
الأنفال، (2)

21

نعم أبيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض (3)

23

وعليه يحمل ما في النبوي: موتان الأرض لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم هي لكم
مني أيها المسلمون ونحوه الاخر: عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني. (4)

24

وربما يكون في بعض الاخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه السلام كما في صحيحة
الكابلي، قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام: أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين قال: أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون، والأرض كلها لنا،
فمن أحيا أرضا " من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي، وله ما
أكل منها الخبر. (5)

28

نعم، ذكر في التذكرة: أنه لو تصرف في الموات أحد بغير إذن الامام كان عليه طسقها
ومصححة عمر بن يزيد: أنه سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا
تركها أهلها، فعمرها وأجري أنهارها وبني فيها بيوتا، وغرس فيها نخلا وشجرا، فقال أبو
عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له،
وعليه طسقها يؤديه إلى الإمام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه
على أن تؤخذ منه. (7) ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور، والا فالظاهر
عدم الخلاف في عدم وجوب مال للامام في الأراضي في حال الغيبة، (8)

31

بل الاخبار متفقة على أنها لمن أحياها، وسيأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها
ملكا بالاحياء. (9)
الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة، أي لا من معمر والظاهر أنها أيضا للإمام عليه السلام وكونها من الأنفال، وهو ظاهر إطلاق قولهم: وكل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي
للإمام عليه السلام، (10)

32

وعن التذكرة: الاجماع عليه وفي غيرها نفي الخلاف عنه، لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق
بن عمار المحكية عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام، حيث عد من الأنفال:
كل أرض لا رب لها، ونحوها المحكي عن تفسير العياشي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه
السلام.
ولا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الاخبار، حيث جعل فيها من الأنفال كل أرض ميتة
لا رب لها، بناء على ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز، لان الظاهر ورود الوصف
مورد الغالب، لان الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا. (11)

40

وهل تملك هذه بالحيازة؟ وجهان: من كونه مال الامام، ومن عدم منافاته للتملك بالحيازة،
كما يملك الموات بالاحياء مع كونه مال الامام، فدخل في عموم النبوي: من سبق إلى ما لم
يسبقه إليه مسلم فهو أحق به (12)

42

الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت وهو ملك للمحيي، فيصير ملكا له بالشروط المذكورة
في باب الاحياء بإجماع الأمة كما عن المهذب، وبإجماع المسلمين كما عن التنقيح، وعليه عامة
فقهاء الأمصار كما عن التذكرة، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف،
لا نفس الرقبة، فلا بد من الملاحظة. (13)

45

الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة فإن كانت العمارة أصلية، فهي مال الامام (14)
وإن كانت العمارة من معمر، ففي بقائها على ملك معمرها، أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا
لمن عمرها ثانيا، خلاف معروف في كتاب إحياء الموات، منشؤه اختلاف الاخبار (15)

46

ثم القسم الثالث، إما أن تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفار
فإن كان من المسلمين فملكهم لا يزول الا بناقل أو بطرو الخراب على أحد القولين وإن
كان من الكفار، فكذلك إن كان في دار الاسلام وقلنا بعدم اعتبار الاسلام (16)

62

وإن اعتبرنا الاسلام، كان باقيا على ملك الإمام عليه السلام (17) وإن كان في دار الكفر،
فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم، وبالاغتنام، كسائر أموالهم (18)

63

ثم ما ملكه الكافر من الأرض: إما أن يسلم عليه طوعا فيبقي على ملكه كسائر أملاكه (19)

64

وإما أن لا يسلم عليه طوعا فإن بقي يده عليه كافرا، فهو أيضا كسائر أملاكه تحت
يده (20) وإن ارتفعت يده عنها: فإما أن يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين أو
بموت أهلها وعدم الوارث، فيصير ملكا للإمام عليه السلام، ويكون من الأنفال التي لم
يوجف عليها بخيل ولا ركاب (21)

65

وإن رفعت يده عنها قهرا وعنوة، فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة - كالنخل والأشجار
والبنيان - للمسلمين كافة إجماعا، على ما حكاه غير واحد، كالخلاف والتذكرة وغيرهما، (22)

66

والنصوص به مستفيضة: ففي رواية أبي بردة - المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج -
قال عليه السلام: من يبيعها؟! هي أرض المسلمين! قلت: يبيعها الذي في يده قال: يصنع
بخراج المسلمين ماذا؟! ثم قال: لا بأس، اشتر حقه منها، ويحول حق المسلمين عليه،
ولعله يكون أقوي عليها وأملي بخراجهم منه. (23)

77

وفي مرسلة حماد الطويلة: (ليس لمن قاتل شئ من الأرضين وما غلبوا عليه، الا ما حوي
العسكر إلى أن قال: والأرض التي اخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من
يعمرها ويحييها ويقوم عليها، على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج: النصف
أو الثلث أو الثلثين، على قدر ما يكون لهم صالحا ولا يضر بهم إلى أن قال: فيؤخذ ما
بقي بعد العشر، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها، فيدفع
إليهم أنصباءهم على قدر ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على
دين الله، وفي مصلحة ما ينوبه، من تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد، وغير
ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير) الخبر (24)

81

وفي صحيحة الحلبي، قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ قال:
هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد فقلنا:
أنشتريه من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلا أن تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين
، فإن شاء ولي الامر أن يأخذها أخذها قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يرد عليه رأس ماله،
وله ما أكل من غلتها بما عمل.) (25)

84

ورواية ابن شريح: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج،
فكرهه وقال: إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها؟
فقال: لا بأس، إلا أن يستحيي من عيب ذلك.) (26)

85

ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، ففيها: (وسألته عن رجل اشتري أرضا من أرض
الخراج، فبني بها أو لم يبن، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة
البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال.) (27)

86

..

87

وفي خبر أبي الربيع: (لا تشتر من أرض السواد شيئا، الا من كانت له ذمة فإنما هي فئ
للمسلمين) إلى غير ذلك. (28) وظاهره - كما تري - عدم جواز بيعها حتى تبعا للآثار
المملوكة فيها على أن تكون جزءا من المبيع، فيدخل في ملك المشتري. (29)

88

نعم، يكون للمشتري على وجه كان للبائع، أعني مجرد الأولوية وعدم جواز مزاحمته إذا
كان التصرف وإحداث تلك الآثار بإذن الإمام عليه السلام أو بإجازته ولو لعموم الشيعة،
كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو بإذن الحاكم الشرعي، بناء على عموم
ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الإمام عليه السلام (30)

89

لكن ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف فيها،
قال: يجوز التصرف فيها ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة، ولا يصح أن يبني دور أو منازل ومساجد وسقايات،
ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك، ومتي فعل شيئا من ذلك كان التصرف
باطلا، وهو على حكم الأصل. ويمكن حمل كلامه على صورة عدم الاذن من الإمام عليه السلام
حال حضوره ويحتمل إرادة التصرف بالبناء على وجه الحيازة والتملك وقال في
الدروس: لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة الا بإذن الامام، سواء كان بالبيع أو الوقف
أو غيرهما نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك، وأطلق في المبسوط: أن التصرف فيها لا ينفذ
وقال ابن إدريس: إنما نبيع ونوقف تحجيرنا وبناءنا وتصرفنا، لا نفس الأرض، انتهي وقد
ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور، فيجوز التصرف في الأول ولو
بالبيع والوقف، لا في الثاني الا بإذن الإمام عليه السلام، وكذا إلى جامع المقاصد وفي النسبة
نظر، بل الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة: من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة بإحداث
الآثار وجواز نقل الأرض تبعا " للآثار، فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار، والمعني: أنها
مملوكة ما دام الآثار موجودة قال في المسالك - في شرح قول المحقق: ولا يجوز بيعها ولا هبتها
ولا وقفها -: إن المراد: لا يصح لك في رقبة الأرض مستقلة، أما فعل ذلك بها تبعا لاثار
التصرف - من بناء وغرس وزرع ونحوها - فجائز على الأقوى قال: فإذا باعها بائع مع
شئ من هذه الآثار دخل في المبيع على سبيل التبع، وكذا الوقف وغيره، ويستمر كذلك
ما دام شئ من الآثار باقيا، فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري والموقوف عليه وغيرهما
عنها، هكذا ذكره جمع، وعليه العمل، انتهي
نعم، ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة، حيث قال:
إن قال قائل: إن ما ذكرتموه إنما دل على إباحة التصرف في هذه الأرضين، ولا يدل على
صحة تملكها بالشراء والبيع، ومع عدم صحتها لا يصح ما يتفرع عليها

90

قلنا: إنا قد قسمنا الأرضين على ثلاثة أقسام: أرض أسلم أهلها عليها فهي ملك لهم
يتصرفون فيها، وأرض تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها، فقد أبحنا شراءها وبيعها، لان لنا
في ذلك قسما، لأنها أراضي المسلمين، وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على
هذا الوجه وأما الأنفال وما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء وإنما أبيح لنا التصرف
فيها حسب ثم استدل على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة الدالة على جواز
بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض ودليله قرينة على توجيه كلامه. وكيف كان، فما ذكروه
من حصول الملك تبعا للآثار مما لا دليل عليه إن أرادوا الانتقال. (31) نعم، المتيقن هو ثبوت
حق الاختصاص للمتصرف ما دام شئ من الآثار موجودا فالذي ينبغي أن يصرف الكلام
إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرف معه حتى يثبت حق الاختصاص، فنقول: أما في
زمان الحضور والتمكن من الاستئذان، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف على إذن
الإمام عليه السلام، لأنه ولي المسلمين فله نقلها عينا ومنفعة ومن الظاهر أن كلام الشيخ -
المطلق في المنع عن التصرف - محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السلام مع حضوره
(32)

91

وأما في زمان الغيبة، ففي: عدم جواز التصرف الا فيما أعطاه السلطان الذي حل قبول
الخراج والمقاسمة منه أو جوازه مطلقا، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق الأرض
للشيعة، لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام، (33)

97

وربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض، فيجوز التصرف في عينها مجانا أو
عدم جوازه الا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه السلام أو التفصيل بين من يستحق
أجرة هذه الأرض، فيجوز له التصرف فيها، لما يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في
بعض أخبار حل الخراج: وإن لك نصيبا في بيت المال، وبين غيره الذي يجب عليه حق
الأرض، (34) ولذا أفتي غير واحد - على ما حكي - بأنه لا يجوز حبس الخراج وسرقته
عن السلطان الجائر والامتناع عنه، واستثني بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه السلام
أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح، وبين الباقية على عمارتها من
حين الفتح فيجوز إحياء الأول، لعموم أدلة الاحياء وخصوص رواية سليمان بن خالد
ونحوها وجوه، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس. (35)

98

ومما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة، كأوراق الأشجار وأثمارها، وأخشاب
الأبنية والسقوف الواقعة، والطين المأخوذ من سطح الأرض، والجص والحجارة ونحو ذلك،
فإن مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين، ولذا
صرح جماعة، كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم - على ما حكي عنهم - بتقييد
جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض (36)
نعم الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين، لأنه مما ينقل وحينئذ، فمقتضى القاعدة: عدم
صحة أخذها الا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع، مع إمكان أن يقال: لا مدخل
لسلطان الجور، لان القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض، لا أجزاؤها، إلا أن يكون
الاخذ على وجه الانتفاع لا التملك، فيجوز ويحتمل كون ذلك بحكم المباحات، لعموم
من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به.

99

ويؤيده، بل يدل عليه: استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة
من تربة أرض العراق من الاجر والكوز والأواني وما عمل من التربة الحسينية، ويقوي هذا
الاحتمال بعد انفصال هذه الاجزاء من الأرض (37)

100

القول في شروط العوضين
الطليقة

103

مسألة
من شروط العوضين: كونه طلقا
واعلم: أنه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية: كونه
طلقا. (1)

105

وفرعوا عليه: عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني، ولا الرهن الا بإذن المرتهن أو إجازته،
ولا أم الولد الا في المواضع المستثناة والمراد ب‍ الطلق تمام السلطنة على الملك بحيث يكون
للمالك أن يفعل بملكه ما شاء، ويكون مطلق العنان في ذلك (2)

108

لكن هذا المعني في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل المالك بنقله ويكون نقله ماضيا
فيه، لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون إذن ذي الحق، فمرجعه إلى أن من شرط
البيع أن يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا، وهذا مما لا محصل له، فالظاهر أن هذا
العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف والمرهون وأم الولد، بل
الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة وغيرها مما ثبت منعه عن تصرف
المالك - كالنذر والخيار ونحوهما - وهذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق فمعني
الطلق: أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لاحد الحقوق التي ثبت منعها
للمالك عن التصرف في ملكه، فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن
التصرف، لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا، بل الامر في الفرعية والأصالة بالعكس.
ثم إن أكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق الا الثلاثة المذكورة، ثم عنونوا حق
الجاني واختلفوا في حكم بيعه وظاهر أن الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة،
وقد أنهاها بعض من عاصرناه إلى أزيد من عشرين، فذكر - بعد الأربعة المذكورة في
عبارة الأكثر: - النذر المتعلق بالعين قبل البيع، (3)

111

والخيار المتعلق به، (4) والارتداد، (5) والحلف على عدم بيعه، (6)

114

وتعيين الهدي للذبح (7)، واشتراط عتق العبد في عقد لازم (8)، والكتابة المشروطة أو المطلقة
بالنسبة إلى ما لم يتحرر منه، حيث إن المولي ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل
الأداء. (9)

115

والتدبير المعلق على موت غير المولي، بناء على جواز ذلك، فإذا مات المولي ولم يمت من
علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه، (10) وتعلق حق الموصي له بالموصى به بعد موت الموصي وقبل قبوله، بناء على منع الوارث
من التصرف قبله، (11)

116

وتعلق حق الشفعة بالمال، (12) فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك، فللشفيع
بعد الاخذ بالشفعة إبطالها، وتغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشتري أمة حبلي
فوطأها فأتت بالولد، (13) بناء على عدم جواز بيعها،

117

وكونه مملوكا ولد (14) من حر شريك في أمه حال الوطء، فإنه مملوك له لكن ليس له
التصرف فيه الا بتقويمه وأخذ قيمته، وتعارض السبب المملك والمزيل للملك، (15)

118

كما لو قهر حربي أباه، والغنيمة قبل القسمة، بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون
القسمة، لاستحالة بقاء الملك بلا مالك وغير ذلك مما سيقف عليه المتتبع، لكنا نقتصر على ما
اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف، ثم أم الولد، ثم الرهن، ثم الجناية، إن شاء الله (16)

119

مسألة
لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة ومحكيا (1)

121

ولعموم قوله عليه السلام الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (2)

127

ورواية أبي علي بن راشد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام، قلت: جعلت فداك إني
اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي فلما عمرتها خبرت أنها وقف فقال: (لا يجوز شراء
الوقف، ولا تدخل الغلة في ملكك، إدفعها إلى من أوقفت عليه.) قلت: لا أعرف لها ربا، قال: (
تصدق بغلتها) (3)

128

مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام - في صورة وقف أمير المؤمنين عليه
السلام -: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب - وهو حي سوى -
تصدق بداره التي في بني زريق، صدق لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث
السماوات والأرض، وأسكن فلانا " هذه الصدقة ما عاش وعاش عقبه، فإذا انقرضوا فهي
لذوي الحاجة من المسلمين الخبر) فإن الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة لا
لشخصها، ويبعد كونها شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص، (4)

129

مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد، أعني الموقوف عليهم، خصوصا مع
كونه اشتراطا عليهم (5)

132

مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على الاطلاق فاسدا، بل مفسدا،
لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد: كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو
رفعه، أو طروء الحاجة، أو صيرورته مما لا ينتفع به أصلا " (6)

133

إلا أن يقال: إن هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع
لا لعذر (7)، مع أن هذا التقييد مما لا بد منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا
خارجيا " (8)

134

مع احتمال علم الإمام عليه السلام بعدم طرو هذه الأمور المبيحة، وحينئذ يصح أن
يستغني بذلك عن التقييد على تقدير كون الصفة شرطا، بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في
النوع، فإن العلم بعدم طرو مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف
في النوع، كما لا يخفى. فظهر: أن التمسك بإطلاق المنع عن البيع على كون الوصف
داخلا في أصل الوقف - كمصدر عن بعض من عاصرناه - لا يخلو عن نظر، وإن كان
الانصاف ما ذكرنا: من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع. (9)

135

ومما ذكرنا ظهر: أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة: حق الواقف، حيث جعلها بمقتضي
صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها وحق البطون المتأخرة عن بطن البائع والتعبد
الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فإن الوقف متعلق لحق الله، حيث يعتبر فيه التقرب
ويكون لله تعالي عمله وعليه عوضه وقد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقي الباقي، وقد يرتفع
كلها، وسيجئ التفصيل. (10)

138

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه،
فمعني جواز بيع العين الموقوفة: جواز إبطال وقفها إلى بدل أو لا إليه، فإن مدلول صيغة
الوقف وإن اخذ فيه الدوام والمنع عن المعاوضة عليه، (11)

150

إلا أنه قد يعرض ما يجوز مخالفة هذا الانشاء، كما أن مقتضى العقد الجائز كالهبة تمليك
المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده، ومع ذلك يجوز مخالفته وقطع سلطنته
عنه، فتأمل. (12) (12)

157

إلا أنه ذكر بعض في هذا المقام: أن الذي يقوي في النظر بعد إمعانه: أن الوقف ما دام
وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد.
نعم، إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه، (13) ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة
لبيعه

158

وقد سبقه إلى ذلك بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث استدل على المنع عن بيع
الوقف بعد النص والاجماع، بل الضرورة -: بأن البيع وأضرابه ينافي حقيقة الوقف، لاخذ
الدوام فيه، وأن نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء.
وفيه: أنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره - وهو جواز البيع المسبب عن سقوط حق
الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها وعن بدلها، حيث قلنا بكون الثمن للبطن
الذي يبيع - فهذا لا محصل له، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن إمعانه. (14)

159

وإن أريد به انتفاء أصل الوقف - كما هو ظاهر كلامه حيث جعل المنع من البيع من
مقومات مفهوم الوقف، ففيه - مع كونه خلاف الاجماع، إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع
الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف وخروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك
الواقف - (15)

160

أن المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه (16)، بل هو في غير المساجد وشبهها قسم من
التمليك (17)

161

ولذا يطلق عليه الصدقة (18)، ويجوز إيجابه بلفظ تصدقت، (19) إلا أن المالك له بطون
متلاحقة، (20)

162

فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا عن جميع الملاك في إبدال مالهم بمال آخر، وإذا جاز
لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - فقد جعل الشارع لهم حق
إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم، فإذا لم يبيعوا لم يبطل، (21)

163

ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع أو لم يتفق البيع، كان الوقف على
حاله، ولذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف وإن بلغ حدا يجوز بيعه، معللا
باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (22)

164

الأقوال في الخروج عن عموم منع بيع الوقف
إذا عرفت أن مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع، فاعلم أن لأصحابنا في
الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا: أحدها: عدم الخروج عنه أصلا، وهو الظاهر من
كلام الحلي، حيث قال في السرائر - بعد نقل كلام المفيد قدس سره -: والذي يقتضيه مذهبنا
أنه بعد وقفه وتقبيضه لا يجوز الرجوع فيه، ولا تغييره عن وجوهه وسبله، ولا بيعه، سواء
كان بيعه أدر عليهم أم لا، وسواء خرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان
وغيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا، أم لا (23)
قال الشهيد رحمه الله - بعد نقل أقوال المجوزين -: وابن إدريس سد الباب، وهو نادر
مع قوته.

166

وقد ادعي في السرائر عدم الخلاف في المؤبد، قال: إن الخلاف الذي حكيناه بين أصحابنا
إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم،
وأما إذا كان الوقف على قوم ومن بعدهم على غيرهم وكان الواقف قد اشترط رجوعه
إلى غيره إلى أن يرث الله الأرض، لم يجز بيعه على وجه، بغير خلاف بين أصحابنا، انتهي.
وفيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد (24)
وحكي المنع مطلقا عن الإسكافي وفخر الاسلام أيضا الا في آلات الموقوف وأجزائه التي
انحصر طريق الانتفاع بها في البيع قال الإسكافي - فيما حكي عنه في المختلف -: إن
الموقوف رقيقا " أو غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبله من منفعته فلا بأس ببيعه وإبدال
مكانه بثمنه إن أمكن، أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته، أو رد ثمنه على منافع ما
بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح، انتهي
وقال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده قدس سرهما: ولو خلق حصير المسجد،
وخرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق، فالأقرب جواز
بيعه، قال - بعد احتمال المنع، بعموم النص في المنع -: والأصح عندي جواز بيعه وصرف
ثمنه في المماثل إن أمكن، والا ففي غيره، انتهي
ونسبة المنع إليهما على الاطلاق لا بد أن تبني على خروج مثل هذا عن محل الخلاف،
وسيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا، فلاحظ (25)

167

الثاني: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد (26)، وهو المحكي عن
القاضي، حيث قال في محكي المهذب: إذا كان الشئ وقفا على قوم ومن بعدهم على
غيرهم وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله تعالي الأرض ومن
عليها، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه، فإن كان وقفا على قوم مخصوصين وليس فيه
شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما قدمناه، وحصل الخوف من هلاكه أو فساده
، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع
خلف بينهم يؤدي إلى فساده، فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب
استحقاقهم، فإن لم يحصل شئ من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ولا يجوز هبة
الوقف، ولا الصدقة به أيضا "

168

وحكي عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي، لكن العبارة المحكية عن كافيه لا
تساعده، بل ربما استظهر منه المنع على الاطلاق، فراجع وحكي
التفصيل المذكور عن الصدوق والمحكي عن الفقيه: أنه قال - بعد رواية علي بن
مهزيار الآتية -: إن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم، ولو كان عليهم وعلي
أولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله تعالي الأرض ومن
عليها، لم يجز بيعه أبدا ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق
والقاضي، كما لا يخفى.
ثم إن هؤلاء إن كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه، فللقول
بجواز بيعه وجه أما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى
الواقف أو ورثته، فلا وجه للحكم بجواز بيعه وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم (27)
وقد حكي القول بهذين عن القاضي

169

إلا أن يوجه بأنه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حين الوقف حتى يكون حبسا، بل
هو وقف حقيقي وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم، وحينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف
نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبد. (28)
لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن الحلبي، المحكي عنه القول المتقدم، حيث إنه يقول ببقاء
الوقف مطلقا على ملك الواقف.

170

الثالث: الخروج عن عموم المنع والحكم بالجواز في المؤبد في الجملة، وأما المنقطع فلم
ينصوا عليه وإن ظهر من بعضهم التعميم ومن بعضهم التخصيص بناء على قوله برجوع
المنقطع إلى ورثة الواقف، كالشيخ وسلار قدس سرهما ومن حكم برجوعه بعد انقراض
الموقوف عليه إلى وجوه البر - كالسيد أبي المكارم ابن زهرة - فلازمه جعله كالمؤبد (29)

171

وكيف كان، فالمناسب أولا نقل عبائر هؤلاء، فنقول: قال المفيد في المقنعة: الوقوف في
الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها، إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من
معونتهم والتقرب إلى الله بصلتهم، أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أدر عليهم وأنفع
لهم من تركه على حاله وإذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه، لم يجز له
الرجوع في شئ منه، ولا تغيير شرائطه، ولا نقله عن وجوهه وسبله ومتي اشترط الواقف
في الوقف: أنه متي احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه، جاز له
فعل ذلك وليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيروا
شيئا من شروطه، إلا أن يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره،
أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه وكذلك إن حصلت لهم
ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله، ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات
انتهي كلامه رحمه الله. وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد جواز بيع الوقف
في خمسة مواضع، وضم صورة جواز الرجوع وجواز تغير الشرط إلى المواضع الثلاثة
المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ووفاة الواقف، فلاحظ وتأمل.
ثم إن العلامة ذكر في التحرير: أن قول المفيد بأنه: لا يجوز الرجوع في الوقف إلا أن
يحدث - إلى قوله: - أنفع لهم من تركه على حاله، متأول ولعله من شدة مخالفته للقواعد
لم يرتض بظاهره للمفيد وقال في الانتصار - على ما حكي عنه -: ومما انفردت الإمامية به:
القول بأن الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه
والانتفاع بثمنه، وأن أرباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه،
ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ثم احتج باتفاق الامامية، ثم ذكر خلاف ابن الجنيد، ورده
بكونه مسبوقا وملحوقا بالاجماع، وأنه إنما عول في ذلك على ظنون له وحسبان وأخبار

172

شاذة لا يلتفت إلى مثلها ثم قال: وأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه،
لشدة فقرهم، فالأحوط ما ذكرناه: من جواز بيعه، لأنه إنما جعل لمنافعهم، فإذا بطلت منافعهم
منه فقد انتقض الغرض منه ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الذي ذكرناه، انتهي.
وقال في المبسوط: وإنما يملك الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا، وهو أنه إذا خيف على
الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم
بيعه، ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه، انتهي ثم احتج على ذلك بالاخبار.
وقال سلار - فيما حكي عنه -: ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم: من أن يبقي
ويبقوا على الحال التي وقف فيها، أو يتغير الحال، فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع
الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا تغيير شئ من أحواله، وإن تغير الحال في الوقف حتى
لا ينتفع به على أي وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه وصرف ثمنه
فيما هو أنفع لهم، انتهي
وقال في الغنية - على ما حكي عنه -: ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار
بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه،
بدليل إجماع الطائفة، ولان غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه، فإذا لم يبق له منفعة الا
على الوجه الذي ذكرنا جاز، انتهي وقال
في الوسيلة: ولا يجوز بيعه - يعني الوقف - الا بأحد شرطين: الخوف من خرابه، أو حاجة
بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به، انتهي
وقال الراوندي في فقه القرآن - على ما حكي عنه -: وإنما يملك بيعه على وجه عندنا،
وهو إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة، انتهي
وقال في الجامع - على ما حكي عنه -: فإن خيف خرابه، أو كان بهم حاجة شديدة، أو خيف
وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس، جاز بيعه،

173

انتهي وعن النزهة: لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه، أو يؤدي المنازعة فيه بين أربابه
إلى ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف أصلح لهم، انتهي.
وقال في الشرائع: ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه ويكون
البيع أعود وقال في كتاب الوقف: ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشي خرابه
جاز بيعه، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه، بل كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز بيعه،
والوجه المنع، انتهي
ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين.
وقال في التحرير: لا يجوز بيع الوقف بحال، ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن
الوقف، ولم يجز بيعها ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه على
ما رواه أصحابنا ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا وتنزيله قول بعض
الأصحاب بالجواز على المنقطع، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبد ثم قال: ولو قيل بجواز
البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية - كدار انهدمت وعادت مواتا ولم يتمكن من عمارتها -
ويشتري بثمنه ما يكون وقفا، كان وجها "، انتهي
وقال في بيع التحرير: ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، ولو أدي بقاؤه إلى خرابه جاز،
وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف، انتهي
وعن بيع الارشاد: لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب، أو يؤدي إلى الخلف بين أربابه على
رأي وعنه في باب الوقف: لا يصح بيع الوقف، إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف
يخشي به الخراب.
وقال في التذكرة في كتاب الوقف - على ما حكي عنه -: والوجه أن يقال: يجوز بيع
الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها
فساد، انتهي

174

وقال في كتاب البيع: لا يصح بيع الوقف، لنقص الملك فيه، إذ القصد منه التأبيد نعم،
لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز
أكثر علمائنا بيعه، انتهي
وقال في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين: خوف الفساد بالاختلاف، وإذا كان البيع
أعود مع الحاجة وقال في الدروس: لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه أو خلف
أربابه المؤدي إلى فساده وقال في اللمعة: لو أدي بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه،
فالمشهور الجواز، انتهي
وقال في تلخيص الخلاف - على ما حكي عنه -: إن لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعددة،
أشهرها: جوازه إذا وقع بين أربابه خلف وفتنة وخشي خرابه ولا يمكن سد الفتنة بدون
بيعه، وهو قول الشيخين، واختاره نجم الدين والعلامة، انتهي
وقال في التنقيح - على ما حكي عنه -: إذا آل إلى الخراب لاجل الاختلاف بحيث لا ينتفع
به أصلا، جاز بيعه وعن تعليق الارشاد: يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس
وعن إيضاح النافع: أنه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا " يخاف معه القتال ونهب
الأموال ولم يندفع الا بالبيع قال: فلو أمكن زواله ولو بحاكم الجور لم يجز، ولا اعتبار
بخشية الخراب وعدمه، انتهي ومثله كلامه المحكي عن تعليقه على الشرائع
وقال في جامع المقاصد - بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى موافقة الأكثر -: إن المعتمد
جواز بيعه في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به، كحصر
المسجد إذا اندرست وجذوعه إذا انكسرت.
ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال، ومستنده صحيحة علي بن
مهزيار ويشتري بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا
لمطلوب الواقف بحسب الامكان ويتولى ذلك الناظر الخاص إن كان، والا فالحاكم

175

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلة وغيرها، لرواية
جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام انتهي كلامه، رفع مقامه.
وقال في الروضة: والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة على ابن مهزيار عن أبي جعفر
الجواد عليه السلام: من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد، وعلله عليه السلام بأنه:
ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس، وظاهره أن خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس
بشرط، بل هو مظنة لذلك قال: ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن احتاج إليه أرباب
الوقف ولم يكفهم غلته، أو كان أعود، أو غير ذلك مما قيل، لعدم دليل صالح عليه، انتهي.
ونحوه ما عن الكفاية هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية.
والظاهر أن المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه: حصول الظن بذلك، الموجب لصدق الخوف،
لا التأدية على وجه القطع، فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا
مع عنوان خوفها وخشيتها في بعضها الاخر، ولذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا، وأخرى بذاك كما
اتفق للفاضلين والشهيد ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر كالعلامة في التذكرة،
وإلى الأشهر كما عن إيضاح النافع، وآخر عنوان التأدية إلى الأكثر كجامع المقاصد، أو إلى
المشهور كاللمعة.
فظهر من ذلك: أن جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين
المجوزين، لكن المتيقن من فتوى المشهور: ما كان من أجل اختلاف أربابه.
اللهم إلا أن يستظهر من كلماتهم - كالنص - كون الاختلاف من باب المقدمة وأن الغاية
المجوزة هي مظنة الخراب.
إذا عرفت ما ذكرنا، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد، وأخرى في المنقطع

176

الوقف المؤبد
أما الأول: فالذي ينبغي أن يقال فيه: إن الوقف على قسمين: أحدهما: ما يكون ملكا
للموقوف عليهم، فيملكون منفعته، فلهم استئجاره وأخذ اجرته ممن انتفع به بغير حق. (30)
(30) الأصفهاني: توضيح المقام: إن الكلام في موضعين: أحدهما: في أن الوقف يقتضي الخروج
عن ملك الواقف أم لا؟
ثانيهما: أنه على فرض الخروج هل يقتضي الدخول في ملك الموقوف عليه خاصا أو عاما أو لا
يقتضي أصلا أو يفصل بين الخاص والعام؟ فنقول: أما الكلام في الموضع الأول: فما يستند إليه
تارة هو الدليل على دخوله في ملك الموقوف عليه فيلازم الخروج عن ملك الواقف، لاستحالة
ورود الملكين المستقلين على شئ واحد أو لغويته، وأخري ما يدل على الخروج في نفسه وإن لم
نقل بالدخول في ملك الموقوف عليه، والعمدة هو الثاني فلا موجب للتكلم في الأول هنا،
وما يستند إليه في الخروج أمور: أحسنها اقتضاء الوقف عرفا، لان اعتبار الملك للواقف مع
الممنوعية عن التصرفات الناقلة في العين ومع رجوع منافعها إلى الموقوف عليه لغو، ولا يقاس
بالحبس والسكنى والرقبى والعمرى، لان المحبوسية لها أمد مخصوص فيها فلا يقاس بالمحبوسية
الدائمة، كما لا يقاس بالرهن الممنوع فيه عن التصرفات، فإنه يجوز بإذن المرتهن، مع أن منافعه
لمالكه، بخلاف العين الموقوفة فإنه لا يجوز التصرف الناقل فيها ولو مع إذن الموقوف عليه، كما
لا ترجع منافعها إليها بوجه
. وأما الاستدلال للخروج بعدم ضمان الغاصب للواقف فلو كان باقيا على ملكه لضمنها له.
فيمكن دفعه بأن للمغصوب حيثية المالية وحيثية الملكية، والأولي مقتضية لضمانها ببدلها، والثانية
مقتضية لحرمة التصرف بدون إذن من تضاف إليه بإضافة الملكية رعاية لهذه الحيثية، وحيث إن
جميع منافع العين مسبلة وخارجة عن ملك الواقف فليس للعين المضافة إليه على الفرض حيثية
مقتضية لضمانها له، فإن مالية العين بلحاظ منافعها الخارجة جميعا عن ملك الواقف، فتدبر.

177

والثاني: ما لا يكون ملكا لاحد، بل يكون فك ملك نظير التحرير، كما في المساجد
والمدارس والربط، بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة (31)
فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه
ليس عليه أجرة المثل.

182

والظاهر أن محل الكلام في بيع الوقف إنما هو القسم الأول، وأما الثاني فالظاهر عدم الخلاف
في عدم جواز بيعه، لعدم الملك. (32)
وبالجملة، فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق، لا فيما لم يكن ملكا، وحينئذ فلو خرب
المسجد وخربت القرية وانقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد، لم يجز بيعه وصرف
ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره، والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.

183

نعم، ذكر بعض الأساطين - بعد ما ذكر: أنه لا يصح بيع الوقف العام مطلقا "، لا لعدم
تمامية الملك، بل لعدم أصل الملك، لرجوعها إلى الله ودخولها في مشاعره -: أنه مع اليأس
عن الانتفاع به في الجهة المقصودة تؤجر للزراعة ونحوها، مع المحافظة على الآداب اللازمة
لها إن كان مسجدا - مثلا - وإحكام السجلات، لئلا يغلب اليد فيقضي بالملك، وتصرف
فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب والأحوج والأفضل احتياطا، ومع التعارض
فالمدار على الراجح، وإن تعذر صرف إلى غير المماثل كذلك، فإن تعذر صرف في مصالح
المسلمين (33) وأما غير الأرض من الآلات والفرش والحيوانات
وثياب الضرائح ونحوها،
فإن بقيت على حالها وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي أعدت له، كانت على حالها،
والا جعلت في المماثل، والا في غيره، والا ففي المصالح، على نحو ما مر،

188

وإن تعذر الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه، أشبهت الملك
بعد إعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع إلى حكم الإباحة، والعود ملكا للمسلمين
لتصرف في مصالحهم، والعود إلى المالك، ومع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول
المالك، ويحتمل بقاؤه على الوقف ويباع، احترازا عن التلف والضرر ولزوم الحرج،
وتصرف مرتبا على النحو السابق وهذا هو الأقوى كما صرح به بعضهم، انتهي (34)

189

وفيه: أن إجارة الأرض وبيع الآلات حسن لو ثبت دليل على كونها ملكا للمسلمين ولو
على نحو الأرض المفتوحة عنوة، لكنه غير ثابت، والمتيقن خروجه عن ملك مالكه
. أما دخوله في ملك المسلمين فمنفي بالأصل.
نعم، يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين، لأصالة الإباحة، ولا يتعلق عليهم أجرة. (35)
ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب
الكعبة وهبته، مثل رواية مروان بن عبد الملك: قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
اشتري من كسوة الكعبة ما قضي ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده، هل يصلح له أن يبيع
ما أراد؟ قال: يبيع ما أراد، ويهب ما لم يرد، وينتفع به ويطلب بركته.
قلت: أيكفن به الميت؟ قال: لا، قيل: وفي رواية أخرى: يجوز استعماله، وبيع نفسه
وكذلك ما ذكروه في بعض حصر المسجد إذا خلقت، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع، (36)

190

اللهم إلا أن يقال: إن ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد، بل هما مبذولان
للبيت والمسجد، فيكون كسائر أموالهما، ومعلوم أن وقفية أموال المساجد والكعبة من
قبيل القسم الأول وليس من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العام
التصرف فيها بالبيع. (37)

191

نعم، فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد، فهذا يجوز للناظر
بيعه مع المصلحة ولو لم يخرج عن حيز الانتفاع، بل كان جديدا غير مستعمل، وبين ما
يكون من الأموال وقفا على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل ويضعه في المسجد،
والثوب الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه
الا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف (38)

192

ثم الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد: أن الحصير يتصور فيه كونه وقفا على
المسلمين، لكن يضعه في المسجد، لأنه أحد وجوه انتفاعهم، كالماء المسبل الموضوع في
المسجد، فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به ولو في مسجد آخر، بل يمكن
الانتفاع به في غيره ولو مع حاجته (39) لكن يبقي الكلام في مورد الشك، مثل ما إذا
فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه، وإن كان الظاهر في الأول الاختصاص -
وأوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه - وفي الثاني العموم، فيجوز التوضؤ منه وإن لم يرد
الصلاة في المسجد. (40)

193

والحاصل: أن الحصير وشبهها - الموضوعة في المساجد وشبهها - يتصور فيها أقسام كثيرة
يكون الملك فيها للمسلمين، وليست من قبيل نفس المسجد وأضرابه، فتعرض الأصحاب
لبيعها لا ينافي ما ذكرنا. (41)

194

نعم، ما ذكرنا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان، مع
أن المحكي عن العلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني جواز بيعه وإن اختلفوا في تقييد
الحكم وإطلاقه كما سيجئ، إلا أن نلتزم بالفرق بين أرض المسجد، فإن وقفها وجعلها
مسجدا فك ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار، فإنها تصير
ملكا للمسلمين، فتأمل (42)

195

وكيف كان، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها مع
التصرف في منافعها - كما تقدم عن بعض الأساطين - أو بدونه وأما أجزاؤه - كجذوع
سقفه وآجره من حائطه المنهدم - فمع المصلحة في صرف عينه فيه تعين، لان مقتضى
وجوب إبقاء الوقوف وأجزائها على حسب ما يوقفها أهلها وجوب إبقائه جزءا للمسجد،
لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمؤونته، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال
وإن لم يكن مصلحة في رده جزءا للمسجد، فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد
وأضرابه فك ملك، لم يجز بيعه، لفرض عدم الملك وحينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة
الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب، تعين صرفه في مصالح ذلك، كإحراقه لاجر المسجد
ونحو ذلك - كما عن الروضة - والا صرف في مسجد آخر - كما في الدروس - والا صرف
في سائر مصالح المسلمين قيل: بل لكل أحد حيازته وتملكه، وفيه نظر (43) (43)

196

وقد الحق بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات والمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة
المعروفة، والكتب الموقوفة على المشتغلين، والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها،
والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة، والبواري الموضوعة لصلاة المصلين، وغير ذلك مما قصد
بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين، لا لتحصيل
المنافع بالإجارة ونحوها وصرفها في مصارفها كما في الحمامات والدكاكين ونحوها، لان
جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامة
والأسواق (44) وهذا كله حسن على تقدير كون الوقف فيها فك ملك، لا تمليكا

197

* بقي أمور *

201

ولو أتلف شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان وجهان: من عموم
على اليد فيجب صرف قيمته في بدله ومن أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه، والمفروض
عدم المطالبة باجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو
محرزا (45)،

207

وأن الظاهر من التأدية في حديث اليد الايصال إلى المالك فيختص بأملاك الناس، والأول
أحوط، وقواه بعض (46)

209

صور جواز بيع الوقف
إذا عرفت جميع ما ذكرنا، فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور،
الأولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالحيوان المذبوح والجذع
البالي والحصير الخلق والأقوى جواز بيعه، وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم لعدم
جريان أدلة المنع (47)

210

أما الاجماع، فواضح
وأما قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه إلى غير هذه الحالة. (48)

213

وأما قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فلا يدل على المنع هنا، لأنه
مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في انشاء الوقف، وليس منها عدم بيعه، بل
عدم جواز البيع من أحكام الوقف وإن ذكر في متن العقد، للاتفاق على أنه لا فرق بين
ذكره فيه وتركه، وقد تقدم ذلك وتضعيف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز
بيعه (49)

214

نعم يثبت بها الملك الطلق للواقف وورثته. (ص 174)

216

ولو سلم أن المأخوذ في الوقف إبقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود
انتفاع البطون به مع بقاء العين، والمفروض تعذره هنا. (50)
والحاصل: أن جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه، فهو ملك للبطون يجوز
لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، وهو الحاكم أو المتولي. (51)

218

والحاصل: أن الامر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه، وبين انتفاع البطن الموجود به
بالاتلاف، وبين تبديله بما يبقي وينتفع به الكل. (52)

219

والأول تضييع مناف لحق الله وحق الواقف وحق الموقوف عليه، وبه يندفع استصحاب
المنع (53)، مضافا إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف، (54)
وهو انتفاع جميع البطون بعينه، وقد ارتفع قطعا، فلا يبقي ما كان في ضمنه.

221

وأما الثاني - فمع منافاته لحق سائر البطون (55) - يستلزم جواز بيع البطن الأول، إذ لا فرق
بين إتلافه ونقله والثالث هو المطلوب (56)

222

نعم، يمكن أن يقال: إذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي إلى آخر البطون،
فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقي لهم، فينتهي ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه،
فتأمل. (57) وكيف كان، فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص
البطن الموجود في إتلافه.

223

ومما ذكرنا يظهر: أن الثمن على تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود، وفاقا لمن تقدم
ممن يظهر منه ذلك - كالإسكافي والعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني، وحكي عن
التنقيح والمقتصر ومجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك، (58)

224

فإن المبيع إذا كان ملكا " للموجودين بالفعل وللمعدومين بالقوة كان الثمن كذلك، فإن
الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها، فكما أن الموجود مالك
له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف، فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضي تمليك
الواقف وعدم تعقل الملك للمعدوم إنما هو في الملك الفعلي، لا الشأني. (59)

229

ودعوى: أن الملك الشأني ليس شيئا محققا موجودا، يكذبها انشاء الواقف له كانشائه لملك
الموجود فلو جاز أن تخرج العين الموقوفة إلى ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم
على نهج دخول المعوض، جاز أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود وإليه أشار
الشهيد قدس سره في الفرع الآتي، حيث قال: إنه - يعني الثمن - صار مملوكا على حد الملك
الأول، إذ يستحيل أن يملك لا على حده خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة، واختاره
المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول
ولعل وجهه: أن الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الامر تعلق حق البطون اللاحقة به، فإذا
فرض جواز بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا، ولا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع
تعلقه بالثمن، ولا دليل عليه ومجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظي
يقتضي البدلية والتنزيل، بل هو بدل له في الملكية وما يتبعها من حيث هو ملك.
وفيه: أن ما ينقل إلى المشتري إن كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود، لزم
منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق إلى البطن اللاحق، فلا يملكه المشتري ملكا
مستمرا وإن كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا يزول الا بالناقل، فهو لا يكون الا
بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له، فالثمن لهم على نحو المثمن. (60)

231

ومما ذكرنا تعرف أن اشتراك البطون في الثمن أولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول،
حيث إنه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف، فجاز عقلا منع سراية حق
البطون اللاحقة إليه، بخلاف الثمن، فإنه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم
على وجه المعاوضة الحقيقية، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض. (61)

233

ومن هنا اتضح أيضا أن هذا أولي بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا، لان حق
الرهنية متعلق بالعين من حيث إنه ملك لمالكه الأول، فجاز أن يرتفع، لا إلى بدل بارتفاع
ملكية المالك الأول، بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه ليس قائما بالعين من
حيث إنه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن الموجود، منشأ
بانشائه، مقارن له بحسب الجعل، متأخر عنه في الوجود (62)

234

وقد تبين مما ذكرنا: أن الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا " لجميع البطون على
ترتيبهم، فإن كان مما يمكن أن يبقي وينتفع به البطون على نحو المبدل وكانت مصلحة
البطون في بقائه أبقي، والا أبدل مكانه ما هو أصلح. (63) ومن هنا ظهر عدم الحاجة إلى
صيغة الوقف في البدل، بل نفس البدلية تقتضي كونه كالمبدل، ولذا علله الشهيد قدس سره في
غاية المراد بقوله: لأنه صار مملوكا على حد الملك الأول، إذ يستحيل أن يملك لا على حده.
(64)

235

ثم إن هذه العين حيث صارت ملكا للبطون، فلهم أو لوليهم أن ينظر فيه ويتصرف فيه
بحسب مصلحة جميع البطون ولو بالابدال بعين أخرى أصلح لهم، بل قد يجب إذا كان
تركه يعد تضييعا للحقوق وليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه الا لعذر، لان ذلك كان حكما
من أحكام الوقف الابتدائي، وبدل الوقف إنما هو بدل له في كونه ملكا للبطون، فلا يترتب
عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي. (65)

237

ومما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف - كما هو ظاهر التذكرة
والارشاد وجامع المقاصد والتنقيح والمقتصر ومجمع الفائدة - بل قد لا يجوز إذا كان
غيره أصلح، لان الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين والمعدومين فاللازم
ملاحظة مصلحتهم، خلافا للعلامة وولده والشهيد وجماعة فأوجبوا المماثلة مع الامكان،
لكون المثل أقرب إلى مقصود الواقف (66)

238

وفيه - مع عدم انضباط غرض الواقف، إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة،
وقد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين، وقد يكون الغرض
خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته فبيع، فدار الامر بين أن
يشتري بثمنه بستان في موضع لا يصل إليهم الا قيمة الثمرة، وبين أن يشتري ملك آخر
يصل إليهم أجرة منفعته، فإن الأول وإن كان مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلى غرض الواقف:
أنه لا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب إلى مقصوده، إنما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في
انشاء الوقف، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فالحاصل: أن الوقف ما دام
موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه الا مدلول كلام الواقف، وإذا بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف
عليهم لم يلاحظ فيه الا مصلحتهم هذا وقال العلامة في محكي التذكرة: كل مورد جوزنا
بيع الوقف فإنه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف، فإن أمكن شراء مثل تلك العين مما
ينتفع به كان أولي، والا جاز شراء كل ما يصح وقفه، والا صرف الثمن إلى الموقوف
عليه يعمل به ما شاء، لان فيه جمعا بين التوصل إلى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه
على الدوام، وبين النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث شرط التأبيد، فإذا لم
يمكن التأبيد بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب، لأنه موافق لغرض الواقف وداخل
تحت الأول الذي وقع العقد عليه، ومراعاة الخصوصية الكلية تفضي إلى فوات الغرض
بأجمعه، ولان قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه،
مع أنه يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الأول، ويقدر وجوده حال الوقف
وقال بعض علمائنا والشافعية: إن ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف الثمن على
الموقوف عليهم على رأي، انتهي ولا يخفى عليك مواقع الرد والقبول في كلامه قدس سره (67)

242

ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون ويحتمل
أن يكون هذا إلى الناظر إن كان، لأنه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف، (68)

243

إلا أن يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى التصرف في نفس العين (69)
والظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف (70)

245

ويحتمل بقاؤه، لتعلق حقه بالعين الموقوفة، فيتعلق ببدلها (71)
ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله، ولم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه - كالنقدين -
فلا يجوز دفعه إلى البطن الموجود، لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون،
وحينئذ فيوضع عند أمين حتى يتمكن من شراء ما ينتفع به ولو مع الخيار إلى مدة (72)

246

ولو طلب ذلك البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته، (73) ولا يعطل الثمن حتى يوجد ما
يشتر به من غير خيار. نعم، لو رضي الموجود بالاتجار به وكانت المصلحة في التجارة،
جاز مع المصلحة إلى أن يوجد البدل (74)

248

والربح تابع للأصل ولا يملكه الموجودون، لأنه جزء من المبيع، وليس كالنماء الحقيقي، (75)
ثم لا فرق فجميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض الخراب لكله أو
بعضه، فيباع البعض المخروب ويجعل بدله ما يكون وقفا ولو كان صرف ثمنه في باقيه
بحيث يوجب زيادة منفعة جاز مع رضا الكل، (76) لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون،
فلهم التصرف فيه على ظن المصلحة (77) ومنه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم على
نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم ولو خرب
بعض الوقف وخرج عن الانتفاع وبقي بعضه محتاجا " إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع
البطون اللاحقة،

249

فهل يصرف ثمن المخروب إلى عمارة الباقي وإن لم يرض البطن الموجود؟ وجهان آتيان
فيما إذا احتاج إصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة إلى صرف
منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود إذا لم يشترط الواقف اخراج مؤونة الوقف
عن منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم. وهنا فروع اخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.
(78)

250

الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به، بحيث يصدق عرفا أنه لا
منفعة فيه، كدار انهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به
فإن كان ثمنه على تقدير البيع لا يعطي به الا ما كان منفعته كمنفعة العرصة، فلا ينبغي
الاشكال في عدم الجواز وإن كان يعطي بثمنه ما يكون منفعته أكثر من منفعة العرصة،
بل يساوي منفعة الدار، ففي جواز البيع وجهان: من عدم دليل على الجواز مع قيام
المقتضي للمنع، وهو ظاهر المشهور، حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا
يجدي نفعا، وقد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه: لو انهدمت الدار لم تخرج
العرصة من الوقف، ولم يجز بيعها (79)

251

اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتد به بحسب حال العين، فإن
الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو
عشرة لغرض جزئي - كجمع الزبائل ونحوه - يصدق عليه أنه لا يجدي نفعا، وكذا القرية
الموقوفة، فإن خرابها بغور أنهارها وهلاك أهلها، ولا تكون بسلب منافع أراضيها رأسا،
ويشهد لهذا ما تقدم عن التحرير: من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية
مع أنها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية فالظاهر دخول الصورة المذكورة في إطلاق
كلام كل من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا، ويشمله الاجماع المدعي
في الانتصار والغنية، لكن الخروج بذلك عن عموم أدلة وجوب العمل بمقتضي وقف الواقف
الذي هو حبس العين، وعموم قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف مشكل. (80)
ويؤيد المنع حكم أكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة، بناء على جواز
الانتفاع بها في وجوه اخر، كالتسقيف وجعلها جسرا ونحو ذلك بل ظاهر المختلف - حيث
جعل النزاع بين الشيخ والحلي رحمهما الله لفظيا، حيث نزل تجويز الشيخ على صورة عدم
إمكان الانتفاع به في منفعة أخرى - الاتفاق على المنع إذا حصل فيه انتفاع ولو قليلا، كما
يظهر من التمثيل بجعله جسرا ".

253

لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز، لانصراف قوله
عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف إلى غير هذه الحالة (81) وكذا حبس العين وتسبيل المنفعة،
إنما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتد بها موجودة، والا فمجرد حبس العين وإمساكه
ولو من دون منفعة، لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الأولى. (82)
ثم إن الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر غير الخراب،
لجريان ما ذكرنا فيه.
ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنه ذكر بعض: أن جواز بيع الوقف لا يكون الا مع بطلان
الوقف - وعرفت وجه النظر فيه - (83)

254

ثم وجه بطلان الوقف في الصورة الأولى بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء
والاستدامة، وهو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها. (84)
وفيه: ما عرفت سابقا من أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا " لا وجه له في الوقف
المؤبد، (85)

255

مع أنه لا دليل عليه (86) مضافا إلى أنه لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في
الاستدامة، (87)

256

فإن الشروط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، (88) فإنه قد يخرج المبيع عن المالية
ولا يخرج بذلك عن ملك المشتري (89) مع أن جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل
يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز، كما تقدم (90)

257

ثم ذكر: أنه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا - - مثلا -
ملاحظا في عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل
منفعتها أصلا لامكان الانتفاع بها دارا - مثلا - لكن ليس من عنوان الوقف واحتمال بقاء
العرصة على الوقف باعتبار أنها جزء من الوقف وهي باقية، وخراب غيرها وإن اقتضي
بطلانه فيه لا يقتضى بطلانه فيها، يدفعه: أن العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث
كونه بستانا، لا مطلقا، فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه، (91)

258

ولو فرض إرادة وقفها لتكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها، لعدم ذهاب عنوان
الوقف. (92)

259

وربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية: من أنه لو أوصي بدار فانهدمت قبل
موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء موضوعها. نعم، لو لم تكن الدارية والبستانية ونحو
ذلك - مثلا - عنوانا للوقف وإن قارنت وقفه، بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت
على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير أحواله.
ثم ذكر: أن في عود الوقف إلى ملك الواقف أو وارثه بعد البطلان أو الموقوف عليه
وجهين. (93)

260

أقول: يرد على ما قد يقال - بعد الاجماع على أن انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف،
بل ولا جواز البيع وإن اختلفوا فيه عند الخراب أو خوفه، لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفى
. (94) -: أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لأنه: إن أريد بالعنوان ما جعل مفعولا
في قوله: وقفت هذا البستان، فلا شك في أنه ليس إلا كقوله: بعت هذا البستان أو وهبته،
فإن التمليك المعلق بعنوان، لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان، فالبستان إذا صار ملكا
فقد ملك منه كل جزء خارجي وإن لم يكن في ضمن عنوان البستان، وليس التمليك من
قبيل الاحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات. (95)

261

وإن أريد بالعنوان شئ آخر، فهو خارج عن مصطلح أهل العرف والعلم، ولا بد من بيان
المراد منه، هل يراد ما اشترط لفظا، أو قصدا في الموضوع زيادة على عنوانه؟ (96)

263

وأما تأييد ما ذكر بالوصية، فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها
وخروج البستان عن ملك الموصي بموته وقبول الموصي له (97)، فهل يرضي أحد بالتزام
بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة؟
نعم، الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها وبطلانها من جهات آخر (98)

264

ثم ما ذكره من الوجهين، مما لا يعرف له وجه بعد إطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد
عن ملك الواقف على عدم عوده إليه أبدا ". (99)

265

الصورة الثالثة: أن يخرب بحيث يقل منفعته، لكن لا إلى حد يلحق بالمعدوم (100)
والأقوى هنا المنع، وهو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة، حيث جوز الشيخ رحمه
الله في محكي الخلاف بيعها، محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها الا على هذا الوجه، لان الوجه
الذي شرطه الواقف قد بطل ولا يرجي عوده، (101)

266

ومنعه الحلي قائلا: ولا يجوز بيعها، بل ينتفع بها بغير البيع، مستندا إلى وجوب إبقاء
الوقف على حاله مع إمكان الانتفاع، وزوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لامكان
التسقيف بها ونحوه، وحكي موافقته عن الفاضلين والشهيدين، والمحقق الثاني وأكثر
المتأخرين وحكي في الايضاح عن والده قدس سرهما: أن النزاع بين الشيخ والحلي
لفظي، واستحسنه، لان في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها، والحلي فرض وجود
منفعة ومنع لذلك بيعها. قيل: ويمكن بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما
هو الظاهر من تعليل الشيخ، ولا يخلو عن تأمل.
وكيف كان، فالأقوى هنا المنع، وأولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب،
فلا يجوز بذلك البيع الا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان أعود، وسيجئ تفصيله (102)

267

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه وظاهر المراد منه: أن
يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه. (103)

269

وقد نسب جواز البيع هنا إلى المفيد، وقد تقدم عبارته، فراجع وزيادة النفع قد تلاحظ
بالنسبة إلى البطن الموجود، وقد تلاحظ بالنسبة إلى جميع البطون إذا قيل بوجوب شراء
بدل الوقف بثمنه.
والأقوى المنع مطلقا، وفاقا للأكثر، بل الكل، بناء على ما تقدم: من عدم دلالة قول
المفيد على ذلك، وعلي تقديره فقد تقدم عن التحرير: أن كلام المفيد متأول. (104)
وكيف كان، فلا إشكال في المنع، لوجود مقتضى المنع، وهو وجوب العمل على طبق
انشاء الواقف، الموقوفة ونقلها. (105)

271

وقوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، وغير ذلك وعدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن
محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
وقف غلة له على قرابته من أبيه، وقرابته من أمه، وأوصي لرجل ولعقبه من تلك
الغلة - ليس بينه وبينه قرابة - بثلاثمائة درهم في كل سنة، ويقسم الباقي على قرابته من
أبيه وقرابته من أمه، فقال عليه السلام: جائز للذي أوصي له بذلك قلت: أرأيت إن لم
يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها الا خمسمائة درهم؟ فقال: أليس في وصيته أن
يعطي الذي أوصي له من الغلة ثلاثمائة درهم، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وأمه؟
قلت: نعم قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفي الموصي له ثلاثمائة درهم،
ثم لهم ما يبقي بعد ذلك. (106)

273

قلت: أرأيت إن مات الذي أوصي له؟ قال: إن مات كانت الثلاث مائة درهم لورثته
يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإن انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم
لقرابة الميت، يرد إلى ما يخرج من الوقف، ثم يقسم بينهم، يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت
الغلة (107) قلت: فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج
من الغلة؟ قال: نعم، إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم، باعوا.
والخبر المروي عن الاحتجاج: أن الحميري كتب إلى صاحب الزمان - جعلني الله فداه -: أنه
روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور: أن الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم وأعقابهم
فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري من
بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن
الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ (108)

278

فأجاب عليه السلام: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم
من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين، إن شاء الله (109)
دلت على جواز البيع، إما في خصوص ما ذكره الراوي - وهو كون البيع أصلح - وإما مطلقا،
بناء على عموم الجواب، لكنه مقيد بالأصلح، لمفهوم رواية جعفر (110)

281

كما أنه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر على صورة بيع تمام الوقف، لا اعتباره
في بيع كل واحد، بقرينة رواية الاحتجاج. (111) ويؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار
الآتية لبيع حصة ضيعة الإمام عليه السلام من الوقف.
والجواب أما عن رواية جعفر:، فبأنها إنما تدل على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم، لا
لمجرد كون البيع أنفع، فالجواز مشروط بالامرين كما تقدم عن ظاهر النزهة وسيجئ
الكلام في هذا القول (112) بل يمكن أن يقال: إن المراد بكون البيع خيرا لهم: مطلق النفع
الذي يلاحظه الفاعل ليكون منشأ لإرادته، فليس مراد الإمام عليه السلام بيان اعتبار ذلك
تعبدا، (113)

282

بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل، يعني: إذا كان الامر على ما ذكرت من المصلحة
في بيعه جاز، كما يقال: إذا أردت البيع ورأيته أصلح من تركه فبع، وهذا مما لا يقول به
أحد. ويحتمل أيضا أن يراد من الخير خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل (114)
وعن المختلف وجماعة الجواب عنه بعدم ظهوره في المؤبد، لاقتصاره على ذكر الاعقاب (115)

283

وفيه نظر، لان الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل على الاختصاص، إذ يصح أن يقال في
الوقف المؤبد: إنه وقف على الأولاد مثلا، وحينئذ فعلي الإمام عليه السلام أن يستفصل إذا
كان بين المؤبد وغيره فرق في الحكم، فافهم. (116)
وكيف كان، ففي الاستدلال بالرواية - مع ما فيها من الاشكال - على جواز البيع بمجرد
الأنفعية إشكال، مع عدم الظفر بالقائل به، عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة. (117)
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري ثم لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن
للبطن الأول البائع يتصرف فيه على ما شاء. (118)
ومنه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد، فإن مقتضى كون العين مشتركة بين
البطون كون بدله كذلك، كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع، فيكون
تجويز البيع في هذه الصورة والتصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في اسقاط حق
اللاحقين آنا ما قبل البيع - نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب - لئلا يقع البيع
على المال المشترك، فيستحيل كون بدله مختصا "

284

الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة وقد تقدم عن جماعة تجويز
البيع في هذه الصورة، بل عن الانتصار والغنية: الاجماع عليه ويدل عليه رواية جعفر المتقدمة. (119)

286

ويرده: أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع عدم كفاية غلة الأرض لمؤونة سنة الموقوف
عليهم، كما لا يخفى وهذا أقل مراتب الفقر الشرعي والمأخوذ في عبائر من تقدم من
المجوزين اعتبار الضرورة والحاجة الشديدة، وبينها وبين مطلق الفقر عموم من وجه، إذ قد
يكون فقيرا ولا يتفق له حاجة شديدة، بل مطلق الحاجة، لوجدانه من مال الفقراء ما
يوجب التوسعة عليه وقد يتفق الحاجة والضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على
مؤونة سنته، فالرواية بظاهرها غير معمول بها، مع أنه قد يقال: إن ظاهر الجواب جواز
البيع بمجرد رضا الكل وكون البيع أنفع ولو لم يكن حاجة. وكيف كان، فلا يبقي
للجواز عند الضرورة الشديدة الا الاجماعان المعتضدان بفتوى جماعة، وفي الخروج بهما عن قاعدة
عدم جواز البيع وعن قاعدة وجوب كون الثمن على تقدير البيع غير مختص بالبطن
الموجود - مع وهنه بمصير جمهور المتأخرين وجماعة من القدماء إلى الخلاف، بل معارضته
بالاجماع المدعي في السرائر - إشكال. (120)

289

الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة، أو إذا كان فيه مصلحة البطن
الموجود أو جميع البطون، أو عند مصلحة خاصة على حسب ما يشترط فقد اختلف
كلمات العلامة ومن تأخر عنه في ذلك فقال في الارشاد: ولو شرط بيع الوقف عند
حصول الضرر - كالخراج والمؤن من قبل الظالم - وشراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز، انتهي
(121)

290

وفي القواعد: ولو شرط بيعه عند الضرورة - كزيادة خراج وشبهه - وشراء غيره بثمنه، أو
عند خرابه وعطلته، أو خروجه عن حد الانتفاع، أو قلة نفعه، ففي صحة الشرط إشكال
(122) ومع البطلان، ففي إبطال الوقف نظر، انتهي. وذكر في الايضاح في وجه الجواز
رواية جعفر بن حنان المتقدمة، قال: فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولي وفي وجه المنع:
أن الوقف للتأبيد، والبيع ينافيه، قال: والأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال، انتهي (123)
وقال الشهيد في الدروس: ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة بينهم
فأولي بالجواز، انتهي.

294

ويظهر منه: أن للشرط تأثيرا، وأنه يحتمل المنع من دون الشرط، والتجويز معه.
وعن المحقق الكركي أنه قال: التحقيق أن كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف يجوز اشتراط
البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة، لأنه شرط مؤكد، وليس بمناف للتأبيد المعتبر في
الوقف، لأنه مقيد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع (124)، ومالا، فلا، للمنافاة، فلا
يصح حينئذ حبسا "، لان اشتراط شراء شئ بثمنه يكون وقفا مناف لذلك، لاقتضائه الخروج
عن المالك فلا يكون وقفا ولا حبسا، انتهي (125)

295

أقول: يمكن أن يقال - بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها
والمؤمنون عند شروطهم - (126)

296

بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف (127)، فلعله مناف لاطلاقه، ولذا يجتمع
الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته، (128) فإن التحقيق - كما عرفت سابقا - أن
جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه، فإذا بيع خرج عن كونه وقفا " (129)

300

ثم إنه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه للبطن الموجود وأكل ثمنه، وأما تبديله بوقف آخر فلا
تنافي بينه وبين مفهوم الوقف فمعنى كونه حبسا: كونه محبوسا من أن يتصرف فيه بعض
طبقات الملاك على نحو الملك المطلق، وأما حبس شخص الوقف فهو لازم، (130)

301

لاطلاقه وتجرده عن مسوغات الابدال، شرعية كانت كخوف الخراب، أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد، فتأمل (131)

302

ثم إنه روي صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في كيفية وقف ماله في عين
ينبع، وفيه: فإن أراد - يعني الحسن عليه السلام - أن يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين
فليفعل إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله سري الملك وإن ولد على ومواليهم
وأموالهم إلى الحسن بن علي وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن
يبيعها فليبعها إن شاء (132)، ولا حرج عليه فيه فإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث،
فيجعل ثلثا في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب، وثلثا في آل أبي طالب،
وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله ثم قال: وإن حدث في الحسن أو في الحسين حدث، فإن
الاخر منهما ينظر في بني على - إلى أن قال: - فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم،
وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك هذا المال على أصوله وينفق الثمرة حيث أمره
به من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لا يباع
شئ منه ولا يوهب ولا يورث الرواية (133)
وظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود، فضلا عن البيع لجميع
البطون وصرف ثمنه فيما ينتفعون به (134)

303

والسند صحيح، والتأويل مشكل، والعمل أشكل. (135)

305

الصورة السابعة: أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنا، وهو المعبر عنه بخوف الخراب
في كثير من العبائر المتقدمة (136) والأداء إلى الخراب قد يكون للخلف بين أربابه، وقد
يكون لا له والخراب المعلوم أو المخوف، قد يكون على حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدا
به، (137) وقد يكون على وجه نقص المنفعة.

307

وأما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر كانتفاعه السابق أو أزيد، فلا يجوز
بيعه الا على ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا: من أن تغير عنوان الوقف يسوغ
بيعه وقد عرفت ضعفه. (138)
وقد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى الخراب ولو لغير الاختلاف،
ومن أخرى تقييدهم به.

308

الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس وإن
لم يعلم أو يظن بذلك فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك، خصوصا من
عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب. (139)
الصورة التاسعة: أن يؤدي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم من غير تقييد بتلف المال،
فضلا عن خصوص الوقف.
الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح منه الأنفس.
والأقوى: الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا،
سواء كان لاجل الاختلاف أو غيره، والمنع في غيره من جميع الصور. (140)

309

أما الجواز في الأول، فلما مر من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع، فإن الغرض
من عدم البيع عدم انقطاع شخصه، فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه، فدار الامر
بين انقطاع شخصه ونوعه، وبين انقطاع شخصه لا نوعه كان الثاني أولي، فليس فيه
منافاة لغرض الواقف أصلا ". (141) وأما الأدلة الشرعية، فغير ناهضة، لاختصاص
الاجماع وانصراف النصوص إلى غير هذه الصورة
وأما الموقوف عليهم، فالمفروض إذن الموجود منهم، وقيام الناظر العام أو الخاص مقام غير
الموجود.
نعم، قد يشكل الامر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه، للزوم تعطيل الانتفاع
إلى زمان وجدان البدل، أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي.

313

ومما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء، مع عدم فوات الاستبدال
فيه، ومع فوته ففي تقديم البيع إشكال. (142) ولو دار الامر بين بيعه والابدال به، وبين
صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حق البطن الذي يفوته المنفعة
أو حق الواقف وسائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الوقف وجهان، لا يخلو أولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدما على الموقوف عليه. (143)

316

وقد يستدل على الجواز فيما ذكرنا، بما عن التنقيح: من أن بقاء الوقف على حاله والحال
هذه إضاعة وإتلاف للمال، وهو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا " (144)

317

ولعله أراد الجواز بالمعني الأعم، فلا يرد عليه: أنه يدل على وجوب البيع.
وفيه: أن المحرم هو إضاعة المال المسلط عليه، لا ترك المال الذي سلطان عليه إلى أن
يخرب بنفسه، والا لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخراب بغير البيع مهما أمكن
مقدما على البيع، أو إذا لم يمكن البيع. (145)
والحاصل: أن ضعف هذا الدليل بظاهره واضح، ويتضح فساده على القول بكون الثمن
للبطن الموجود لا غير (146)

318

ويتلوه في الضعف ما عن المختلف والتذكرة والمهذب وغاية المرام: من أن الغرض من
الوقف استيفاء منافعه وقد تعذرت، فيجوز اخراجه عن حده، تحصيلا للغرض منه، (147)
والجمود على العين مع تعطيلها تضييع للغرض، كما أنه لو تعطل الهدي ذبح في الحال وإن
اختص بموضع، فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاة الخاص المتعذر.

319

وفيه: أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لأنه الذي دل عليه
صيغة الوقف، والمفروض تعذره فيسقط وقيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص
- لكونه أقرب إلى مقصود الواقف - فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى
غرض الواقف بعد تعذر أصل الغرض، (148) فالأولى منع جريان أدلة المنع مع خوف
الخراب المسقط للمنفعة رأسا، وجعل ذلك مؤيدا "

320

وأما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة وفيما عداها من الصور اللاحقة لها،
فلعموم قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك، فإن ترك
الاستفصال فيه عن علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوزة وعدمه
الموجب لحمل فعل البائع على الصحة - يدل على أن الوقف ما دام له غلة لا يجوز بيعه.
(149) وكذا قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله، وما دل على
أنه: يترك حتى يرثها وارث السماوات والأرض. (150)
هذا كله، مضافا إلى الاستصحاب في جميع هذه الصور. (151)

321

وعدم الدليل الوارد عليه، عدا المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه
الصور فيها، (152) وهي مكاتبة ابن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:
أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها، وجعل لك في الوقف الخمس، ويسأل عن رأيك في بيع
حصتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقوفة؟ فكتب إلى:
أعلم فلانا أني آمره ببيع حصتي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك إلى، إن ذلك رأيي إن شاء الله
تعالي، أو يقومها على نفسه. إن كان ذلك أوفق له. (153)

323

لكنه إذا علم أن استنادهم فيما صاروا اليه كان إليها، وهو محل تأمل بل منع، فتأمل جيدا.

324

قال: وكتبت إليه: أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافا شديدا
، وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف، ويدفع إلى
كل انسان منهم ما وقف له من ذلك، أمرته فكتب بخطه: وأعلمه أن رأيي: إن كان قد
علم الاختلاف بين أرباب الوقف أن بيع الوقف أمثل فليبع، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف
الأموال والنفوس حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة
(154)، بناء على أن قوله: فإنه الخ تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، وأن المراد بالمال
هو الوقف، فإن ضم النفوس إنما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف، (155)

329

لا أن المناط في الحكم هو اجتماع الامرين كما لا يخفى، فيكون حاصل التعليل: أنه كلما
كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.
وفيه: أن المقصود جواز بيعه إذا أدي بقاؤه إلى الخراب علما أو ظنا، لا مجرد كونه ربما
يؤدي إليه - المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح، على ما هو الظاهر من لفظة ربما كما
لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالاته - ولا أظن أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال أداء
بقائه إلى الخراب، (156)

330

لان كلمات من عبر بهذا العنوان - كما عرفت ج بين قولهم: أدي بقاؤه إلى خرابه، وبين
قولهم: يخشي أو يخاف خرابه والخوف عند المشهور، كما يعلم من سائر موارد
إطلاقاتهم ج مثل قولهم: يجب الافطار والتيمم مع خوف الضرر، ويحرم السفر مع خوف
الهلاك - لا يتحقق الا بعد قيام أمارة الخوف هذا، مع أن مناط الجواز - على ما ذكر -
تلف الوقف رأسا، وهو القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، فلا
يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف (157) مع أنه لا وجه - بناء على عموم التعليل -
للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف
(158)

331

وأما تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة - وهي صورة وقوع
الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال والنفوس - فهو: أن الحكم بالجواز معلق على
الاختلاف، إلا أن قوله: فإنه ربما الخ مقيد بالاختلاف الخاص - وهو الذي لا يؤمن معه
من التلف -، لان العلة تقيد المعلول، كما في قولك: لا تأكل الرمان لأنه حامض.
وفيه: ان اللازم على هذا تعميم الجواز في كل مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال
والنفوس. (159)
وإن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم، فيجوز بيع الوقف لاصلاح كل فتنة وإن لم
يكن لها دخل في الوقف. (160)

332

اللهم إلا أن يدعي سوق العلة مساق التقريب، لا التعليل الحقيقي حتى يتعدى إلى جميع
موارده لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن، ممنوع وهو الذي فهمه الشهيد
رحمه الله في الروضة - كما تقدم كلامه - لكن الحكم على هذا الوجه مخالف للمشهور فلا
يبقي حينئذ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات والقواعد، مع ما فيها من
ضعف الدلالة، كما سيجئ إليه الإشارة.
ومما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة ورده. (161)
وأما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو: أن ضم تلف النفس إلى تلف الأموال -
مع أن خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا - يدل على اعتبار بلوغ الفتنة في
الشدة إلى حيث يخاف منه تلف النفس، ولا يكفي بلوغه إلى ما دون ذلك بحيث يخاف منه
تلف المال فقط.
وفيه: أن اللازم على هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم،
بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة، (162)

333

مع أن ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس،
والمقصود - كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة - هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس
(163)
والحاصل: أن جميع الفتاوي المتقدمة في جواز بيع الوقف - الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء
الوقف علما أو ظنا أو احتمالا إلى مطلق الفساد، أو فساد خاص، أو اعتبار الاختلاف مطلقا،
أو اختلاف خاص - مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.
والأظهر في مدلولها: هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس،
لا مطلق الاختلاف، لان الذيل مقيد، ولا خصوص المؤدي علما أو ظنا، لان موارد
استعمال لفظة ربما أعم من ذلك، ولا مطلق ما يؤدي إلى المحذور المذكور، لعدم ظهور
الذيل في التعليل بحيث يتعدى عن مورد النص. (164)

334

وإن كان فيه إشارة إلى التعليل وعلي ما ذكرنا، فالمكاتبة غير مفتي بها عند المشهور،
لان الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب الغير الملازم للفتنة الموجبة
لاستباحة الأموال والأنفس، فيكون النسبة بين فتوى المشهور ومضمون الرواية عموما
من وجه. (165)
لكن الانصاف: أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية وقصور مقاومتها للعمومات
المانعة، بالشهرة، لان اختلاف فتاوي المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط
الذي أنيط به الجواز من قوله عليه السلام: إن كان قد علم الاختلاف المنضم إلى قوله: فإنه
ربما جاء في الاختلاف. (166)

335

وأما دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام، فهي - على تقدير
قصورها - منجبرة بالشهرة، فيندفع بها ما يدعي من قصور دلالتها من جهات، مثل:
عدم ظهورها في المؤبد، لعدم ذكر البطن اللاحق، وظهورها في عدم إقباض الموقوف
عليهم وعدم تمام الوقف، كما عن الايضاح، وأوضحه الفاضل المحدث المجلسي، وجزم به
المحدث البحراني، ومال إليه في الرياض قال الأول - في بعض حواشيه على بعض كتب
الاخبار -: إنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة
عليهم، ولم يدفعها إليهم، وحاصل السؤال: أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل
بينهم الاختلاف ويشتد، لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في
أمر آخر، فهل يدعها موقوفة ويدفعها إليهم، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد
ويدفع إليهم ثمنها؟ أيهما أفضل؟ انتهي موضع الحاجة.
والانصاف: أنه توجيه حسن، لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك، فلا يجوز
رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال في الجواب كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب
ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد على ذكر
بعض البطون، فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبد.
والحاصل: أن المحتاج إلى الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبد، لا تعيين
ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه، أو غير ذلك مما تقدم من
الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين.
نعم، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة أخرى، وهي: أن مقتضى القاعدة - كما عرفت -
لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا " بين جميع البطون،

337

وظاهر الرواية تقريره عليه السلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف على الموجودين، فلا بد:
إما من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة الا بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا
ما قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم وإما من حمل السؤال على الوقف المنقطع، أعني:
الحبس الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف، أو على الوقف الغير التام، لعدم
القبض، أو لعدم تحقق صيغة الوقف وإن تحقق التوطين عليه وتسميته وقفا بهذا الاعتبار.
ويؤيده: تصدي الواقف بنفسه للبيع، إلا أن يحمل على كونه ناظرا، أو يقال: إنه أجنبي
استأذن الإمام عليه السلام في بيعه عليهم حسبة بل يمكن أن يكون قد فهم الإمام عليه السلام
من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها - مع أن المركوز في الأذهان
اشتراك جميع البطون في الوقف وبدله - أن مورد السؤال هو الوقف الباقي على ملك
الواقف، لانقطاعه أو لعدم تمامه.
ويؤيده: أن ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه السلام هو هذا النحو
أيضا " إلا أن يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبد التام، ويقال: إنه لا
بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف، وموجبا لتكلف
الالتزام بسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع، أو نمنع تقرير الإمام عليه السلام
للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين ويبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز
البيع، وقد عرفت الأظهر منها، لكن في النفس شئ من الجزم بظهوره، فلو اقتصر على
المتيقن من بين المحتملات - وهو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا إلى تلف خصوص مال
الوقف ونفوس الموقوف عليهم - كان أولي والفرق بين هذا والقسم الأول من الصورة
السابعة الذي جوزنا فيه البيع: أن المناط في ذلك القسم: العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا
والمناط هنا: خراب الوقف، الذي يتحقق به تلف المال وإن لم يتلف الوقف، فإن الزائد
من المقدار الباقي مال قد تلف.

338

وليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتى يتحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا
يناسب هذا ما هو الغالب في تلف الضيعة التي هي مورد الرواية، فإن تلفها غالبا لسقوطها
عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها.
ثم إن الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكي عن الأكثر: أن الثمن في هذا البيع للبطن
الموجود إلا أن ظاهر كلام جماعة، بل صريح بعضهم - كجامع المقاصد - هو: أنه يشتري
بثمنه ما يكون وقفا " على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان
وهذا منه قدس سره مبني على منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن على
الموجودين، أو على منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك
جميع البطون في البدل كالمبدل، لكن الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما
يباع، للحاجة الشديدة، تمسكا برواية جعفر، فتعين الأول، وهو منع التقرير لكنه خلاف
مقتضى التأمل في الرواية.

339

الوقف المنقطع
وأما الوقف المنقطع، وهو: ما إذا وقف على من ينقرض - بناء على صحته كما هو
المعروف - فإما أن نقول ببقائه على ملك الواقف، وإما أن نقول بانتقاله إلى الموقوف
عليهم وعلي الثاني: فإما أن يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند
انقراضهم، وإما أن يقال بعوده إلى ملك الواقف، وإما أن يقال بصيرورته في سبيل الله
فعلي الأول: لا يجوز للموقوف عليهم البيع، لعدم الملك وفي جوازه للواقف مع جهالة
مدة استحقاق الموقوف عليهم إشكال، من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم
التام على وجه ينتفع به، (167)

340

ولذا منع الأصحاب - كما في الايضاح - بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء، لجهالة مدة
العدة، مع عدم كثرة التفاوت.
نعم، المحكي عن جماعة - كالمحقق والشهيدين في المسالك والدروس وغيرهم -: صحة
البيع في السكني الموقتة بعمر أحدهما، بل ربما يظهر من محكي التنقيح: الاجماع عليه ولعله
إما لمنع الغرر، (168) وإما للنص، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة - في الصحيح أو الحسن -
عن الحسين بن نعيم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكني لرجل
زمان حياته ولعقبه من بعده، قال: هي له ولعقبه من بعده كما شرط قلت: فإن احتاج
إلى بيعها؟ قال: نعم قلت: فينقض البيع السكني؟ قال: لا ينقض البيع السكني، كذلك
سمعت أبي يقول: قال أبو جعفر عليه السلام: لا ينقض البيع الإجارة ولا السكني، ولكن يبيعه
على أن الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكني على ما شرط الخبر.
ومع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة وولده والمحقق الثاني ولو باعه من الموقوف عليه
المختص بمنفعة الوقف، فالظاهر جوازه، لعدم الغرر ويحتمل العدم، لان معرفة المجموع
المركب من ملك البائع وحق المشتري لا توجب معرفة المبيع وكذا لو باعه ممن انتقل إليه
حق الموقوف عليه.

351

مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح: من أنه لو اتفق الواقف والموقوف عليه
على البيع في المنقطع جاز، سواء أراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدل عليه
كلامه المحكي عنه في مسألة السكني، حيث أجاز استقلال مالك العين بالبيع ولو من دون
رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم، لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك
للمنفعة - كما في السكني على قول - صح ما ذكره، لامكان سقوط الحق بالاسقاط، بخلاف
المال، فتأمل (170)
وتمام الكلام في هذه المسائل في باب السكني والحبس إن شاء الله تعالي وعلى الثاني: فلا
يجوز البيع للواقف، لعدم الملك، ولا للموقوف - عليه، لاعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى
انقراضهم.
وعلي الثالث: فلا يجوز البيع للموقوف عليه وإن أجاز الواقف، لمنافاته لاعتبار الواقف في
الوقف بقاء العين، كما لا يجوز أيضا للواقف الغير المالك فعلا وإن أجاز الموقوف عليه. (171)

353

الا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال (172)، بناء على أن الموقوف
عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة، لعدم تسلطه على النقل، فإذا انقرض الموقوف
عليه وملكه الواقف لزم البيع.
ثم إنه قد أورد على القاضي قدس سره حيث جوز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع
قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف.
ويمكن دفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة - وهو ملك الموقوف
عليهم ثم عوده إلى الواقف - إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك
الموقوف في الوقف المنقطع، ويتضح ذلك بمراجعة المسألة في كتاب الوقف (173)

354

وعلي الرابع: فالظاهر أن حكمه حكم الوقف المؤبد - كما صرح به المحقق الثاني على ما
حكي عنه - لأنه حقيقة وقف مؤبد كما لصرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف
عليه الخاص. (174)

355

ثم إن ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع فإنما هو بالنسبة إلى البطن الذي لا بطن بعده يتلقي
الملك من الواقف وأما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم، فإن قلنا بعدم تملكهم
للمنقطع فهو كما تقدم. (175)
وأما على تقدير القول بملكهم، فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون
في الوقف المؤبد، فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا، وفي الجواز في الصور التي
جوزنا، لاشتراك دليل المنع، ويتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد البيع.

356

مسألة
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: كونه مرهونا فإن الظاهر - بل المقطوع به -:
الاتفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون. (1)
وحكي عن الخلاف: إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك، وقد حكي الاجماع عن غيره
أيضا ".
وعن المختلف - في باب تزويج الأمة المرهونة - أنه أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف.

357

وإنما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على الإجازة، أو
سقوط حقه بإسقاطه أو بالفك؟ (2)

358

فظاهر عبائر جماعة من القدماء وغيرهم الأول، إلا أن صريح الشيخ في النهاية وابن حمزة
في الوسيلة وجمهور المتأخرين - عدا شاذ منهم - هو كونه موقوفا، وهو الأقوى، للعمومات
السليمة عن المخصص، لان معقد الاجماع والاخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو
الاستقلال، كما يشهد به عطف المرتهن على الراهن، مع ما ثبت في محله من وقوع
تصرف المرتهن موقوفا، لا باطلا (3) وعلي تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا، فهي
موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه.

363

هذا كله، مضافا إلى ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة، معللا ب‍ - أنه لم يعص الله
وإنما عصي سيده، (4) إذ المستفاد منه: أن كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع
المنع ويحصل التأثير بارتفاع المنع وحصول الرضا، وليس ذلك كمعصية الله أصالة في
إيقاع العقد التي لا يمكن أن يلحقها رضا الله تعالي هذا كله، (5)

364

مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي. (6) لكن الظاهر من التذكرة: أن كل من أبطل عقد
الفضولي أبطل العقد هنا. وفيه نظر: لان من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل قوله
صلى الله عليه وآله وسلم: لا بيع الا في ملك لا يلزمه البطلان هنا، (7) بل الأظهر ما سيجئ
عن إيضاح النافع: من أن الظاهر وقوف هذا العقد وإن قلنا ببطلان الفضولي. (8)

365

وقد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان، متمسكا بظاهر
الاجماعات والاخبار المحكية على المنع والنهي، (9)
قال: وهو موجب للبطلان وإن كان لحق الغير، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد لا لامر خارج
عنه، وهو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاه في بيع الوقف وأم الولد وغيرهما، مع
استواء الجميع في كون سبب النهي حق الغير. (10)

366

ثم أورد على نفسه بقوله: فإن قلت: فعلي هذا يلزم بطلان عقد الفضولي وعقد المرتهن
، مع أن كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن والمرتهن في المنع - كما دلت عليه الرواية -
فيلزم بطلان عقد الجميع أو صحته، فالفرق تحكم قلنا: إن التصرف المنهي عنه إن كان
انتفاعا بمال الغير فهو محرم، ولا تحلله الإجازة المتعقبة وإن كان عقدا أو إيقاعا، فإن وقع
بطريق الاستقلال لا على وجه النيابة عن المالك، فالظاهر أنه كذلك - كما سبق في
الفضولي - وإلا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي، فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما،
وقد لا يكون كذلك وكذا الصادر عن المرتهن إن وقع بطريق الاستقلال المستند إلى البناء
على ظلم الراهن وغصب حقه، أو إلى زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه
وإن كان بقصد النيابة عن الراهن في مجرد إجراء الصيغة، فلا يزيد عن عقد الفضولي، فلا
يتعلق به نهي أصلا " وأما المالك، فلما حجر على ماله برهنه وكان عقده لا يقع الا مستندا
إلى ملكه لانحصار المالكية فيه ولا معني لقصده النيابة، فهو منهي عنه، لكونه تصرفا
مطلقا ومنافيا للحجر الثابت عليه، فيخصص العمومات بما ذكر ومجرد الملك لا يقضي
بالصحة، إذ الظاهر بمقتضي التأمل: أن الملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك
التصرف فيه، ولذا لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك وكان ناقصا، للمنع عن
التصرف. (11)

368

ثم قال: وبالجملة، فالذي يظهر بالتتبع في الأدلة: أن العقود ما لم تنته إلى المالك فيمكن
وقوعها موقوفة على إجازته، وأما إذا انتهت إلى إذن المالك أو إجازته أو صدرت منه
وكان تصرفه على وجه الأصالة فلا تقع على وجهين، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة
إذا كان وضع ذلك العقد على اللزوم. (12)

372

وأما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح من قوله: لم يعص الله وإنما عصي
سيده إلى آخره، فهو جار في من لم يكن مالكا كما أن العبد لا يملك أمر نفسه، وأما
المالك المحجور عليه، فهو عاص لله بتصرفه.
ولا يقال: إنه عصي المرتهن، لعدم كونه مالكا، وإنما منع الله من تفويت حقه بالتصرف،
وما ذكرناه جار في كل مالك متول لامر نفسه إذا حجر على ماله لعارض - كالفلس وغيره
- فيحكم بفساد الجميع وربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة
كالشفعة، فالقول بالبطلان هنا - كما اختاره أساطين الفقهاء - هو الأقوى، انتهي كلامه
رفع مقامه. (13)

374

ويرد عليه - بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه الاستقلال وبيعه على
وجه النيابة، ومنع اقتضاء مطلق النهي، لا لامر خارج، للفساد -: (14)

375

أولا: أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن، فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن ولا ينوي
الاستقلال، وقد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا، ولا حرمة في شئ من ذلك. (15)

377

وثانيا: أن المتيقن من الاجماع والاخبار على منع الراهن كونه على نحو منع المرتهن على
ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع والاخبار، أعني قولهم: الراهن والمرتهن ممنوعان، (16)
ومعلوم أن المنع في المرتهن إنما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا، وحاصله يرجع إلى
منع العقد على الرهن والوفاء بمقتضاه على سبيل الاستقلال وعدم مراجعة صاحبه في ذلك
وإثبات المنع أزيد من ذلك يحتاج إلى دليل، ومع عدمه يرجع إلى العمومات. (17)

378

وأما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلى الفرق بينهما،
فلم أتحقق الفرق بينهما، بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير، فإن منع
الله جل ذكره من تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير، من غير فرق
بين بيع الفضولي ونكاح العبد وبيع الراهن.
وأما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف وأم الولد، ففيه: أن الحكم فيهما
تعبد، ولذا لا يؤثر الاذن السابق في صحة البيع، فقياس الرهن عليه في غير محله.
وبالجملة، فالمستفاد من طريقة الأصحاب، بل الاخبار: أن المنع من المعاملة إذا كان لحق
الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الابطال رأسا، بل إنما يقتضي الفساد، بمعنى عدم
ترتب الأثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذي الحق ويندرج في ذلك: الفضولي وعقد
الراهن، والمفلس، والمريض، وعقد الزوج لبنت أخت زوجته أو أخيها، وللأمة على الحرة
وغير ذلك، فإن النهي في جميع ذلك إنما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من
العقد عرفا، وهو صيرورته سببا مستقلا لإثارة من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين
وقد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا، بناء على ما سيجئ: من أن ظاهرهم كون الإجازة
هنا كاشفة، حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن - وهو المشتري - رهنا للبائع. (18)

379

وبعبارة أخرى: الرهن والبيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد، أعني: ما قبل
الإجازة، وهذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه من أنه على تقدير صحة
البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع. (19)
ويدفعه: أن القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع (20)، والا لجري ذلك في
عقد الفضولي أيضا، لان فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ الإجازة يوجب تملك مالكين
تملك واحد قبل الإجازة. وأما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه فلا يلزم في مسألة
إجازة المرتهن، نعم يلزم في مسألة افتكاك الرهن، وسيجئ التنبيه عليه، إن شاء الله تعالي (21)

380

ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة، هو الكلام في مسألة الفضولي.
(22)

383

ومحصله: أن مقتضى القاعدة النقل، إلا أن الظاهر من بعض الاخبار هو الكشف، والقول
بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى، (23) لان إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي، (24)

388

وهي هنا من قبيل رفع المانع، ومن أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة
المرتهن، مع أن الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة والاعتذار عن ذلك ببناء العتق على
التغليب - ما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني
على العبد المرهون - مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق، (25) مع أن العلامة قدس
سره في تلك المسألة قد جوز العفو مراعي بفك الرهن (26) هذا إذا رضي المرتهن بالبيع
وأجازه أما إذا أسقط حق الرهن، ففي كون الاسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك
الرهن أو إبراء الدين.

389

ثم إنه لا إشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة، وهو واضح. (27)
وهل ينفع الإجازة بعد الرد؟ وجهان: من أن الرد في معني عدم رفع اليد عن حقه فله
إسقاطه بعد ذلك، وليس ذلك كرد بيع الفضولي، لان المجيز هناك في معني أحد المتعاقدين،
وقد تقرر أن رد أحد العاقدين مبطل لانشاء العاقد الآخر، بخلافه هنا، فإن المرتهن أجنبي
له حق في العين ومن أن الايجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك والمرتهن، فرضا كل منهما
جزء مقوم للإيجاب المؤثر، فكما أن رد المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم،
كذلك رد المرتهن، (28)

390

وهذا هو الأظهر من قواعدهم. (29)

391

بعد انشائه عدم الاسقاط. (ص 192) ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة، لسقوط حق المرتهن بذلك، كما صرح
به في التذكرة وحكي عن فخر الاسلام والشهيد في الحواشي، وهو الظاهر من المحقق
والشهيد الثانيين. (30)
ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك - كما احتمله في القواعد - بل بمطلق السقوط الحاصل
بالاسقاط أو الابراء أو بغيرهما، نظرا إلى أن الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن،
وسقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه والفرق بين الإجازة والفك: أن مقتضى ثبوت الحق
له هو صحة إمضائه للبيع الواقع في زمان حقه، وإن لزم من الإجازة سقوط حقه، فيسقط
حقه بلزوم البيع. وبالجملة: فالإجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه - أعني
حال العقد - بما يوجب سقوط حقه، نظير إجازة المالك بخلاف الاسقاط أو السقوط
بالابراء أو الأداء، فإنه ليس فيه دلالة على مضي العقد حال وقوعه، فهو أشبه شئ ببيع
الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملكهما، وقد تقدم الاشكال فيه عن جماعة.
مضافا إلى استصحاب عدم اللزوم الحاكم على عموم أوفوا بالعقود، بناء على أن هذا العقد
غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص وليس ذلك محل التمسك بالعام، إذ ليس
في اللفظ عموم زماني حتى يقال: إن المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط، فيبقي ما بعد
السقوط داخلا في العام. (31)

392

ويؤيد ما ذكرناه - بل يدل عليه -: ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد
بدون إذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق الإجازة ولو بالرضا المستكشف من سكوت السيد
مع علمه بالنكاح هذا، ولكن الانصاف ضعف الاحتمال المذكور، من جهة أن عدم تأثير
بيع المالك في زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم على حق المالك بتسليط
المالك، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي، وإنما هو من جهة المانع، فإذا زال أثر
المقتضي (32) ومرجع ما ذكرنا إلى أن أدلة سببية البيع المستفادة من نحو أوفوا بالعقود
والناس مسلطون على أموالهم ونحو ذلك، عامة، وخروج زمان الرهن يعلم أنه من جهة
مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب (33)

393

ولا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع، للعلم بمناط المستصحب وارتفاعه، فالمقام من باب
وجوب العمل بالعام، لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم (34)
وأما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون إذن سيده، فهو قياس مع الفارق، لان المانع
عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير، لا مزاحمة
حق السيد لمقتضي النكاح، إذ لا منافاة بين كونه عبدا وكونه زوجا، ولأجل ما ذكرنا لو
تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره، ثم انعتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف هذا،
فافهم. (35)

394

ولكن مقتضى ما ذكرنا: كون سقوط حق الرهانة بالفك أو الاسقاط أو الابراء أو غير
ذلك ناقلا ومؤثرا من حينه، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه، (36) خصوصا بناء
على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا: من أن مقتضى مفهوم
الإجازة إمضاء العقد من حينه، فإن هذا غير متحقق في افتكاك الرهن، فهو نظير بيع
الفضولي ثم تملكه للمبيع، حيث إنه لا يسع القائل بصحته الا التزام تأثير العقد من حين
انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين العقد، والا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا
لغير مالكه كما كان يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف
الإجازة للتأثير من حين العقد هذا، ولكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول
بالكشف وقد تقدم عن القواعد - في مسألة عفو الراهن عن الجاني على المرهون -: أن الفك
يكشف عن صحته. ويدل على الكشف أيضا ما استدلوا به على الكشف في الفضولي: من
أن العقد سبب تام إلى آخر ما ذكره في الروضة وجامع المقاصد

395

ثم إن لازم الكشف - كما عرفت في مسألة الفضولي - لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من
طرف الراهن كالمشتري الأصيل، فيجوز له فسخه، بل ولا إبطاله بالاذن للمرتهن في
البيع. (37)

399

نعم، يمكن أن يقال بوجوب فكه من مال آخر، إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني الا بذلك،
فالوفاء بمقتضي الرهن غير مناف للوفاء بالبيع. (38)
ويمكن أن يقال: إنه إنما يلزم الوفاء بالبيع، بمعنى عدم جواز نقضه، وأما دفع حقوق الغير
وسلطنته فلا يجب، ولذا لا يجب على من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه
ويدفعه إليه، بناء على لزوم العقد بذلك
وكيف كان، فلو امتنع، فهل يباع عليه، لحق المرتهن، لاقتضاء الرهن ذلك وإن لزم من
ذلك إبطال بيع الراهن، لتقدم حق المرتهن؟ أو يجبر الحاكم الراهن على فكه من مال آخر،
جمعا بين حقي المشتري والمرتهن اللازمين على الراهن البائع؟ وجهان ومع انحصار المال
في المبيع فلا إشكال في تقديم حق المرتهن.

400

القول في شروط العوضين
* القدرة على التسليم *

405

الثالث من شروط العوضين: القدرة على التسليم
فإن الظاهر، الاجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد، وفي التذكرة: أنه
إجماع وفي المبسوط: الاجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء.
وعن الغنية: أنه إنما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه
ذلك، كالسمك في الماء والطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف. (1)

407

واستدل في التذكرة على ذلك بأنه: نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، وهذا
غرر، والنهي هنا يوجب الفساد إجماعا، على الظاهر المصرح به في موضع من الايضاح،
واشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله. (2)

412

أما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء وأهل اللغة، حيث مثلوا
للغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء، (3)

421

مع أن معني الغرر - على ما ذكره أكثر أهل اللغة - صادق عليه، والمروي عن أمير المؤمنين
عليه السلام: أنه عمل ما لا يؤمن معه من الضرر وفي الصحاح: الغرة: الغفلة، والغار:
الغافل، وأغره، أي: أتاه على غرة منه، واغتر بالشئ، أي: خدع به، والغرر: الخطر، ونهي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، وهو مثل بيع السمك في الماء والطير في
الهواء - إلى أن قال: - والتغرير: حمل النفس على الغرر،
انتهي. وعن القاموس ما ملخصه: غره غرا " وغرورا " وغرة " - بالكسر -، فهو مغرور وغرير
- كأمير -: خدعه وأطمعه في الباطل - إلى أن قال: - غرر بنفسه تغريرا وتغرة "، أي:
عرضها للهلكة، والاسم الغرر محركة - إلى أن قال: - والغار: الغافل، واغتر: غفل، والاسم
الغرة بالكسر، انتهي (4)

423

وعن النهاية بعد تفسير الغرة - بالكسر - بالغفلة: أنه نهي عن بيع الغرر، وهو ما كان له
ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا
ثقة، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول، وقد تكرر في الحديث،
ومنه حديث مطرف: إن لي نفسا واحدة، وإني لأكره أن أغرر بها، أي أحملها على غير
ثقة، وبه سمي الشيطان غرورا، لأنه يحمل الانسان على محابه، ووراء ذلك ما يسوؤه، انتهي
وقد حكي أيضا عن الأساس والمصباح والمغرب والمجمل والمجمع تفسير الغرر بالخطر، ممثلا
له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك في الماء والطير في الهواء وفي التذكرة: أن أهل اللغة
فسروا بيع الغرر بهذين، ومراده من التفسير التوضيح بالمثال، وليس في المحكي عن النهاية
منافاة لهذا التفسير، كما يظهر بالتأمل.
وبالجملة: فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معني الغرر، سواء تعلق الجهل بأصل وجوده،
أم بحصوله في يد من انتقل إليه، أم بصفاته كما وكيفا. (5)

424

وربما يقال: إن المنساق من الغرر المنهي عنه: الخطر، من حيث الجهل بصفات المبيع
ومقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه وعدمه، ضرورة حصوله في بيع كل غائب،
خصوصا إذا كان في بحر ونحوه، بل هو أوضح شئ في بيع الثمار والزرع ونحوهما.
والحاصل: أن من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم
وعدمه، خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر. (6) وفيه: أن الخطر من حيث حصول المبيع في
يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة
خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين واحتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع
لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن
التسليم لا للجهالة بالصفات. (7)

425

وأما المجهول المعلوم الحصول ومجهول الصفة فليس غررا وبينهما عموم وخصوص من
وجه، لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل أو وصف
الآن، ووجود الجهل بدون الغرر في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر وقد يتوغل في
الجهالة، كحجر لا يدري أذهب، أم فضة، أم نحاس، أم صخر، ويوجدان معا في العبد
الآبق المجهول الصفة ويتعلق الغرر والجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود،
وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود، وبالجنس كحب لا يدري ما هو، وسلعة من
سلع مختلفة، وبالنوع كعبد من عبيد، وبالقدر ككيل لا يعرف قدره والبيع إلى مبلغ السهم،
وبالعين كثوب من ثوبين مختلفين، وبالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض
الأصحاب ولو اشترط أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل، كما لو شرط
صيرورة الزرع سنبلا والغرر قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعا
وقد يكون بما يتسامح به عادة لقلته، كاس الجدار وقطن الجبة، وهو معفو عنه إجماعا،
ونحوه اشتراط الحمل. (9)

428

وقد يكون بينهما، وهو محل الخلاف، كالجزاف في مال الإجارة والمضاربة، والثمرة قبل بدو
الصلاح، والآبق بغير ضميمة، انتهي (10)

429

وفي بعض كلامه تأمل، ككلامه الاخر في شرح الارشاد، حيث ذكر في مسألة تعين الأثمان
بالتعيين عندنا قالوا - يعني المخالفين من العامة -: تعيينها غرر، فيكون منهيا عنه.
أما الصغرى، فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع. (11)
وأما الكبرى، فظاهرة - إلى أن قال: - قلنا: نمنع الصغرى، لان الغرر إجمال مجتنب عنه
في العرف بحيث لو تركه وبخ عليه، وما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه، انتهي
فإن مقتضاه: أنه لو اشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل، لم يكن غررا، لان
العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير وكذا لو اشتري المجهول المردد بين
ذهب ونحاس بقيمة النحاس، بناء على المعروف من تحقق الغرر بالجهل بالصفة وكذا شراء
مجهول المقدار بثمن المتيقن منه، فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء، بل يوبخون من
عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالأولى: أن هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة
المفضية إلى التنازع في المعاملات، وليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء
أو المتسفهة.

430

ثم إنه قد حكي عن الصدوق في معاني الاخبار: تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في
الجاهلية - كبيع المنابذة والملامسة وبيع الحصاة - بكونها غررا، مع أنه لا جهالة في بعضها
كبيع المنابذة، بناء على ما فسره به من أنه قول أحدهما لصاحبه: أنبذ إلى الثوب أو أنبذه
إليك فقد وجب البيع، وبيع الحصاة بأن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، ولعله
كان على وجه خاص يكون فيه خطر، والله العالم. (12) وكيف كان، فلا إشكال في صحة
التمسك لاعتبار القدرة على التسليم بالنبوي المذكور، (13) إلا أنه أخص من المدعي، لان ما
يمتنع تسليمه عادة - كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة ونحوه - ليس في بيعه خطر، لان
الخطر إنما يطلق في مقام يحتمل السلامة ولو ضعيفا، (14)

431

لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة وكون أكل الثمن في مقابله
أكلا للمال بالباطل، بل لا يعد مالا عرفا وإن كان ملكا، فيصح عتقه، ويكون لمالكه لو
فرض التمكن منه، إلا أنه لا ينافي سلب صفة التمول عنه عرفا، ولذا يجب على غاصبه
رد تمام قيمته إلى المالك، فيملكه مع بقاء العين على ملكه على ما هو ظاهر المشهور. (15)

432

ثم إنه ربما يستدل على هذا الشرط بوجوه اخر:
منها: ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: (لا تبع ما ليس عندك) بناء
على أن كونه عنده لا يراد به الحضور، لجواز بيع الغائب والسلف إجماعا، فهي كناية،
لا عن مجرد الملك، لان المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام، ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة
على تسليمه، لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة والعامة به على عدم جواز بيع العين
الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها، خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو
من نفسه، فإن السلطنة والقدرة على التسليم حاصلة هنا، مع أنه مورد الرواية عند
الفقهاء.
فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت
اليد حتى كأنه عنده وإن كان غائبا. (16)

433

وعلي أي حال، فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بأدلته، أو بحمله على النهي المقتضي
لفساده بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك وكيف كان، فتوجيه الاستدلال بالخبر على
ما نحن فيه ممكن وأما الايراد عليه بدعوى: أن المراد به الإشارة إلى ما هو المتعارف في
تلك الأزمنة، من بيع الشئ الغير المملوك ثم تحصيله بشرائه ونحوه ودفعه إلى المشتري،
فمدفوع بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد، وليس في الاخبار المتضمنة لنقل هذا
الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد نعم، يمكن أن يقال: إن غاية ما يدل عليه هذا
النبوي - بل النبوي الأول أيضا " -: فساد البيع، بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب الأثر
المقصود، فلا ينافي وقوعه مراعي بانتفاء صفة الغرر وتحقق كونه عنده. (17)

436

ولو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعنى لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي،
دار الامر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر، وبين اخراج بيع الرهن، وبيع ما يملكه بعد
البيع وبيع العبد الجاني عمدا وبيع المحجور لرق أو سفه أو فلس، فإن البائع في هذه الموارد
عاجز شرعا عن التسليم، ولا رجحان لهذه التخصيصات، فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع
بيع كل ما يعجز عن تسليمه. (18) مع رجاء التمكن منه مراعي بالتمكن منه في زمان لا
يفوت الانتفاع المعتد به. وقد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضال والمجحود من غير
إباق مراعي بإمكان التسليم، واحتمله في التذكرة. لكن الانصاف: أن الظاهر من حال
الفقهاء اتفاقهم على فساد بيع الغرر بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت من الايضاح.

438

ومنها: أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين إلى صاحبه، فيجب أن
يكون مقدورا، لاستحالة التكليف بالممتنع. (19)

444

ويضعف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا، منعنا الملازمة، (20)

446

وإن أريد مطلق وجوبه، فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن، كما لو تجدد العجز بعد العقد (21)
وقد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب (22)، ثم يدفع بمعارضته بأصالة عدم تقيد البيع
بهذا الشرط. (23)

448

وفي الاعتراض والمعارضة نظر واضح، فافهم. (24)

449

ومنها: أن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه، ولا يتم الا بالتسليم.
ويضعفه: منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم، بل منع عدم كون الغرض منه الا
الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق. (25)

451

ومنها: أن بذل الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا وأكله أكلا بالباطل.
وفيه: أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها، بل تركه
اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم
ثم إن ظاهر معاقد الاجماعات - كما عرفت - كون القدرة شرطا، كما هو كذلك في التكاليف،
وقد اكد الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة، حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه
التسليم، فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط. (26)

452

ومع ذلك كله فقد استظهر بعض من تلك العبارة: أن العجز مانع، لا أن القدرة شرط. (27)
قال: ويظهر الثمرة في موضع الشك. (28)

459

ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال والضالة، وجعله دليلا على أن القدر المتفق عليه
ما إذا تحقق العجز.
وفيه - مع ما عرفت من أن صريح معاقد الاجماع، خصوصا " عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح
بالانتفاء عند الانتفاء، هي شرطية القدرة -: أن العجز أمر عدمي، لأنه عدم القدرة عمن
من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر، فكيف يكون مانعا؟! مع أن المانع هو الامر
الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم (29)

463

ثم لو سلم صحة إطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه، لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي،
ولا في غيرهما، (30) فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة والعجز مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها،
أو لا معه فالأصل عدمها - أعني العجز - سواء جعل القدرة شرطا أو العجز مانعا،
وإذا شككنا في أن الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة. (31)
أو شككنا في أن المراد بالعجز ما يعم التعسر - كما حكي - أم خصوص التعذر، فاللازم
التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا. (32)
والحاصل: أن التردد بين شرطية الشئ ومانعية مقابله إنما يصح ويثمر في الضدين مثل
الفسق والعدالة، لا فيما نحن فيه وشبهه كالعلم والجهل وأما اختلاف الأصحاب في مسألة
الضال والضالة فليس لشك المالك في القدرة والعجز، ومبنيا على كون القدرة شرطا أو العجز
مانعا - كما يظهر من أدلتهم على الصحة والفساد - بل لما سيجئ عند التعرض لحكمها

464

ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان استحقاق التسليم، فلا ينفع وجودها حال
العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم، كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق ولو حين
العقد. (33)

465

ويتفرع على ذلك: عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري، (34)
وفيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشتري من ينعتق عليه، فإنه ينعتق بمجرد
الشراء ولا سبيل لاحد عليه. (35)

467

وفيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد، إما لاشتراط تأخيره مدة، وإما لتزلزل العقد كما
إذا اشتري فضولا، فإنه لا يستحق التسليم الا بعد إجازة المالك، فلا يعتبر القدرة على
التسليم قبلها. (36)

468

لكن يشكل على الكشف، من حيث إنه لازم من طرف الأصيل، فيتحقق الغرر بالنسبة
إليه إذا انتقل إليه ما لا يقدر على تحصيله نعم، هو حسن في الفضولي من الطرفين. (37)

470

ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكه. (38)

473

بل وكذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم، لان تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف
على تحققه فلا يلزم غرر ولو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلى تعذر الشرط، (39)

474

ومن المعلوم: أن تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح (40)، بل لا يقدح العلم بتعذره
فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله، فإن الشروط المتأخرة لا يجب إحرازها حال
العقد ولا العلم بتحققها فيما بعد. (41)
والحاصل: أن تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه، لا من شروط تأثيره
والسر فيه: أن التسليم فيه جزء الناقل، فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور
وبعبارة أخرى: الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل، ولهذا لا يقدح كونه عاجزا
قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده، والمفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من
الناقل - وهو القبض - حاصل في يد المشتري، فالقبض مثل الإجازة بناء على النقل.
وأولي منها بناء على الكشف وكذلك الكلام في عقد الرهن، فإن اشتراط القدرة على
التسليم فيه - بناء على اشتراط القبض - إنما هو من حيث اشتراط القبض، فلا يجب
إحرازه حين الرهن ولا العلم بتحققه بعده، فلو رهن ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في
يد المرتهن أثر العقد أثره، وسيجئ الكلام في باب الرهن. (42)

475

اللهم إلا أن يقال: إن المنفي في النبوي هو كل معاملة تكون بحسب العرف غررا،
فالبيع المشروط فيه القبض - كالصرف والسلم - إذا وقع على عوض مجهول قبل القبض أو
غير مقدور، غرر عرفا، (43) لان اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي، فيصدق
الغرر والخطر عرفا وإن لم يتحقق شرعا، إذ قبل التسليم لا انتقال وبعده لا خطر، لكن
النهي والفساد يتبعان بيع الغرر عرفا ومن هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع
لنفسه - لا عن المالك - ما لا يقدر على تسليمه. (44)

479

اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع على كون أثر المعاملة شرعا على وجه لا يلزم
منه خطر، فإن العرف إذا اطلعوا على انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا،
وهكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة، فتأمل. (45)

480

ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر الا من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقق الثاني،
حيث حكي عنه أنه قال في إيضاح النافع: إن القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط،
لا أنها شرط في أصل صحة البيع، فلو قدر على التسلم صح البيع وإن لم يكن البائع
قادرا عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز وينتقل إليه،
ولا يرجع على البائع، لعدم القدرة إذا كان البيع على ذلك مع العلم، فيصح بيع المغصوب
ونحوه نعم، إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع، لأنه
في معني أكل مال بالباطل، وربما احتمل إمكان المصالحة عليه. (46)

481

ومن هنا يعلم: أن قوله - يعني المحقق في النافع -: لو باع الآبق منفردا لم يصح، إنما هو مع
عدم رضا المشتري، أو مع عدم علمه، أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا، ولو أراد غير
ذلك فهو غير مسلم، انتهي (47)
وفيه: ما عرفت من الاجماع، ولزوم الغرر الغير المندفع بعلم المشتري، لان الشارع نهي
عن الاقدام عليه، إلا أن يجعل الغرر هنا بمعنى الخديعة، فيبطل في موضع تحققه، وهو عند
جهل المشتري وفيه ما فيه. (48)

482

ثم إن الظاهر - كما اعترف به بعض الأساطين -: أن القدرة على التسليم ليست مقصودة
بالاشتراط الا بالتبع، وإنما المقصد الأصلي هو التسلم، ومن هنا لو كان المشتري قادرا دون
البائع كفي في الصحة، كما عن الإسكافي والعلامة وكاشف الرموز والشهيدين والمحقق
الثاني.
وعن ظاهر الانتصار: أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلمه مما انفردت به
الامامية، وهو المتجه، لان ظاهر معاقد الاجماع - بضميمة التتبع في كلماتهم وفي استدلالهم
بالغرر وغيره - مختص بغير ذلك.
ومنه يعلم أيضا: أنه لو لم يقدر أحدهما على التحصيل، لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما
عند استحقاق المشتري للتسليم، كما لو اعتاد الطائر العود صح، وفاقا للفاضلين والشهيدين
والمحقق الثاني وغيرهم. (49)

483

نعم، عن نهاية الاحكام: احتمال العدم، بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم، وأن
عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث.
وفيه: أن العادة باعثة كالعقل، مع أن الكلام على تقدير الوثوق.
ولو لم يقدرا على التحصيل وتعذر عليهما الا بعد مدة مقدرة عادة وكانت مما لا يتسامح فيه
كسنة أو أزيد، ففي بطلان البيع، لظاهر الاجماعات المحكية، ولثبوت الغرر، أو صحته، (50)
لان ظاهر معقد الاجماع التعذر رأسا، ولذا حكم مدعيه بالصحة هنا، والغرر منفي مع العلم
بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدة، كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة، وجهان
، بل قولان، تردد فيهما في الشرائع، ثم قوي الصحة، وتبعه في محكي التحرير والمسالك والكفاية
وغيرها. (51) نعم، للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة.

484

ولو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة - كالعبد المنفذ إلى الهند لحاجة لا يعلم زمان
قضائها - ففي الصحة إشكال: من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء،
لجهالة وقت تسليم العين وقد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع. (52)

485

ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين، لان الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية (53)

486

ولو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع وتجددها بعد ذلك صح، ولو لم يتجدد
بطل والمعتبر هو الوثوق، فلا يكفي مطلق الظن ولا يعتبر اليقين. (54)
ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا، لا ما إذا كان وكيلا في مجرد العقد،
فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه وأما لو كان وكيلا في البيع ولوازمه بحيث يعد
الموكل أجنبيا عن هذه المعاملة فلا إشكال في كفاية قدرته وهل يكفي قدرة الموكل؟
الظاهر نعم، مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد، فإن اعتقد قدرته لم يشترط
علمه بذلك. (55)

488

وربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل رضي المالك برجوع المشتري
عليه، (56)

494

وفرع على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي، لان التسليم المعتبر من العاقد غير
ممكن قبل الإجازة، وقدرة المالك إنما تؤثر لو بني العقد عليها وحصل التراضي بها حال
البيع، لان بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الاذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور وهو غير
متحقق في الفضولي والبناء على القدرة الواقعية باطل (57)، إذ الشرط هي القدرة المعلومة
دون الواقعية - إلى أن قال: - والحاصل: أن القدرة قبل الإجازة لم توجد، وبعدها إن
وجدت لم تنفع.
ثم قال: لا يقال: إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك وأنه لا يخرج عن رأيه،
فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد، لان هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه
فضوليا، لمصاحبة الاذن للبيع، غاية الامر حصوله بالفحوى وشاهد الحال، وهما من أنواع
الاذن، فلا يكون فضوليا ولا يتوقف صحته على الإجازة، ولو سلمنا بقاءه على الصفة
فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض وفيما ذكره من مبني
مسألة الفضولي، ثم في تفريع الفضولي
. ثم في الاعتراض الذي ذكره، ثم في الجواب عنه أولا وثانيا، تأمل، بل نظر، فتدبر. (58)

495

/ 1