محصل المطالب
في
تعليقات المكاسب
(ج 3)
تأليف: صادق الطهوري
الموضوع: الفقه
طبع ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي
تعريف الكتاب 2
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل بريته المبعوث رحمة للعالمين و
الناسخ بشريعته السمحاء شرائع الأولين، وعلى عترته الذين هم كرائم القرآن وكنوز الرحمن
وعيبة علم الملك العلام، أساس الدين وعماد اليقين، فسعد من اهتدي بهداهم وشقى من تخلف عن
ركبهم.
اما بعد، فنشكر الله تبارك وتعالي ونحمده على توفيقه لنا في تقديم هذا الجزء (الجزء الثالث)، من
موسوعتنا، وهو يتضمن مبحث (القول في المجيز) إلى (شروط العوضين) ما عدي مبحث أولياء
العقد، لما رمنا اليه من استيعاب البحث فيه بسرد آراء الماضين والمعاصرين، فمهدنا له كتابا "
مستقلا " مذكورا " فيه الأقوال والمباني (من الماضين والمعاصرين) بصورة مبسوطة ومحققة.
اما بعد، فلا يخفى على القراء الكرام ان طريقتنا في هذه الموسوعة (من أول الجزء الثاني) هو الاتيان
بكل كلمات المعلقين وعباراتهم، بصورة مرتبة ومنظمة في مواضع مناسبة من متن المكاسب دون
إهمال أي منها.
مضافا " إلى: اننا قمنا بتصحيح وتنقيح الحواشي من الأغلاط والأخطاء قدر الامكان مع مراعاة
جانب الأمانة في النقل.
يري الناس دهنا " في قوارير صافيا ولم يدر ما يجرى على رأس سمسم
قم المقدسة - سنة 1421 ه. ق - لثمان خلون من شهر ربيع الآخر
في ذكرى ولادة أبي الحجة (عجل الله تعالى فرجه) الامام الزكي الحسن بن علي العسكري (صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين)
المحتاج إلى رحمة ربه: صادق الطهوري (نوروزي)
مقدمة الكتاب 3
بيع الفضولي
* القول في المجيز *
1
القول في المجيز القول في المجيز فاستقصائه يتم ببيان أمور
الأول: يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرف بالبلوغ والعقل والرشد، ولو
أجاز المريض بني نفوذها على نفوذ منجزات المريض، ولا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف
والنقل. (1)
3
الثاني: هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد، فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير
مصلحه ولا ينفعه إجازته إذا بلغ أو إجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع أم لا يشترط؟
قولان: أولهما للعلامة في ظاهر القواعد.] (2)
6
واستدل له بأن صحة العقد والحال هذه ممتنعة، فإذا امتنع في زمان امتنع دائما ". (3)
7
وبلزوم الضرر على المشتري، لامتناع تصرفه في العين - لامكان عدم الإجازة، ولعدم تحقق المقتضي - ولا في الثمن، لامكان تحقق الإجازة، فيكون قد خرج عن ملكه. (4)
11
ويضعف الأول - مضافا " إلى ما قيل: من إنتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه
عادة -: (5)
منع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه دائما "، سواء قلنا بالنقل أم
بالكشف. (6)
12
وأما الضرر فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة. (7)
هذا كله مضافا " إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا " الشاملة لصورة وجود ولي
النكاح وإهماله الإجازة إلى بلوغهم، وصورة عدم وجود الولي، بناء على عدم ولاية الحاكم
على الصغير في النكاح، وانحصار الولي في الأب والجد والوصي، على خلاف فيه.
وكيف كان، فالأقوى عدم الاشتراط، وفاقا " للمحكي عن ابن المتوج البحراني والشهيد
والمحقق الثاني وغيرهم، بل لم يرجحه غير العلامة رحمه الله.
13
ثم اعلم أن العلامة في القواعد مثل لعدم وجود المجيز: ببيع مال اليتيم. وحكي عن بعض العامة -
وهو البيضاوي على ما قيل - الايراد عليه بأنه لا يتم على مذهب الإمامية من وجود الإمام عليه السلام
في كل عصر.
وعن المصنف قدس سره (8) أنه أجاب بأن الامام غير متمكن من الوصول إليه.
وانتصر للمورد بأن نائب الإمام عليه السلام - وهو المجتهد الجامع للشرائط - موجود، بل لو
فرض عدم المجتهد فالعدل موجود، بل للفساق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول.
لكن الانتصار في غير محله، إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الامام يمكن عدم اطلاع نائبه
من المجتهد والعدول أيضا "،
فإن أريد وجود ذات المجيز، فالأولى منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الإمام عليه السلام
، وإن أريد وجوده مع تمكنه من الإجازة، فيمكن فرض عدمه في المجتهد والعدول إذا لم
يطلعوا على العقد.
فالأولى ما فعله فخر الدين والمحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف
المصلحة، فيرجع الكلام أيضا " إلى اشتراط إمكان فعلية الإجازة من المجيز، لا وجود ذات من من
شأنه الإجازة، فإنه فرض غير واقع في الأموال. (9)
14
الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد. (10)
15
سواء كان عدم التصرف لاجل عدم المقتضي أو للمانع.
وعدم المقتضي قد يكون لاجل عدم كونه مالكا " ولا مأذونا " حال العقد، وقد يكون لاجل
كونه محجورا " عليه لسفه أو جنون أو غيرهما. والمانع كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ثم
فك الرهن. (11)
16
فالكلام يقع في مسائل، (12)
17
المسألة الأولى
أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز
التصرف لحجر.
والأقوى: صحة الإجازة بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير،
كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن، فإنه لا حاجة إلى الإجازة كما صرح به في
التذكرة. (13)
19
المسألة الثانية
أن يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره.
لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول، وهو ما لو باع شيئا " ثم ملكه وهذه تتصور
على صور، لان غير المالك إما أن يبيع لنفسه أو للمالك. والملك إما أن ينتقل إليه باختياره
كالشراء، أو بغير اختياره كالإرث. ثم البائع الذي يشتري الملك إما أن يجيز العقد الأول،
وإما أن لا يجيزه، فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له.
والمهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك وأجاز، وما لو باع واشتري
ولم يجز، إذ يعلم حكم غيرهما منهما.
أما المسألة الأولى: فقد اختلفوا فيها فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر - فيما إذا باع
المالك النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه - انه صح البيع والرهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم
حصة الفقراء قال الشيخ رحمه الله صح البيع والرهن. (14)
33
وفيه إشكال، لان العين مملوكة، وإذا أدي العوض ملكها ملكا " مستأنفا "، فافتقر بيعها إلى
إجازة مستأنفة، كما لو باع غيره ثم اشتراه، إنتهي.
بل يظهر مما حكاه عن الشيخ: عدم الحاجة إلى الإجازة، إلا أن يقول الشيخ بتعلق الزكاة
بالعين كتعلق الدين بالرهن، فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم ولم يحتج
إلى إجازة مستأنفة. (15)
36
وبهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في الدروس، وهو ظاهر المحكي عن الصيمري.
والمحكي عن المحقق الثاني في تعليق الارشاد: هو البطلان ومال إليه بعض المعاصرين
تبعا "، لبعض معاصريه.
والأقوى هو الأول، للأصل والعمومات السليمة عما يرد عليه. (16)]
38
ما عدا أمور لفقها بعض من قارب عصرنا مما يرجع أكثرها إلى ما ذكر في في الايضاح وجامع
المقاصد:
الأول: أنه قد باع مال الغير لنفسه، وقد مر الاشكال فيه، (17)
39
وربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك. (18)
40
وربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.
وفيه: أنه قد سبق إن الأقوى صحته (19)]
43
الثاني: إنا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك ورضي المالك والقدرة على التسليم
اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز، لأنه البائع حقيقة والفرض هنا عدم إجازته وعدم وقوع
البيع عنه. (20)
45
وفيه: أن الثابت هو إعتبار رضا من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد أم لا، لان
الداعي على إعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلها لغير ملاكها بغير طيب
أنفسهم وقبح التصرف فيها بغير رضاهم، وهذا المعني لا يقتضي أزيد مما ذكرنا. (21)
وأما القدرة على التسليم فلا نضائق من اعتبارها في المالك حين العقد، ولا يكتفي بحصولها
فيمن هو مالك حين الإجازة وهذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع المذكور، لان
الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها. (22)
50
الثالث: إن الإجازة حيث صحت كاشفة - على الأصح - مطلقا "، لعموم الدليل الدال عليه،
ويلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه. (23)
هو بعينه المالك القادر على التسليم حين العقد فلا دليل عليه. (ج 2 ص 165)
53
--------------------------------------------------------------------------------
لا يخفى ابتناء الجواب على المنع من كاشفية الإجازة عن تحقق النقل من حين العقد في المقام بل
الكشف في المقام بالمقدار الممكن، وهو النقل من حين انتقال المبيع اليه بالشراء عن مالكه فحاصل
جوابه هو دعوى صحة هذا البيع من جهة تمامية مقتضيه وعدم المانع عنه.
اما تمامية المقتضي فلشمول عمومات أدلة البيع له وعدم قصورها في الشمول، واما عدم
المانع فلان المانع المتصور هو كون الإجازة بناء على الكشف مقتضية لانتقال المبيع عن البايع الفض ولي إلى
مشتريه من حين البيع، وهو ممنوع بل اللازم على الكشف هو الالتزام به بمقدار يمكن الالتزام به
وهو في المقام دعوى حصول النقل من حين انتقال المبيع عن مالكه الأصلي إلى البايع الفضولي، لا
من حين بيعه.
هذا، وفيما أفاده منع، اما بالنسبة إلى ما أفاده في وجود المقتضي للصحة فلما تقدم في الاشكال من
المنع عن شمول العمومات للمقام من جهة المنع عن كونه بيعا عرفيا بعد فرض كون البيع عرفا
وحقيقة تبديل طرفي الإضافة على ما تقدم شرحه.
واما بالنسبة إلى ما أفاده في عدم المانع فلان ما ذكره انما يستقيم في مثل الإجازة، إذا وقعت فضولا
بالنسبة إلى زمان ملكية المالك للمنفعة وزمان لا يملكه، أعني مجموع زماني مالكيته وغيره، فأجاز
حيث إن اجازته هذه كاشفة عن انتقال المنفعة إلى المستأجر من زمان تملك المالك المجيز لها من حين
العقد، ولا يتم هذا في عقد البيع، إذ ليس فيه تقطيع لملكية المبيع بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن العقد
حتى يقال بتعلق الإجازة بقطعة منها دون الأخرى، بل العقد الواقع يقتضي الملكية على الاطلاق، وانما
استمرارها ببقائها لا أنه يقتضي استمرار الملكية إلى الأبد.
وبعبارة أوضح: عقد الإجارة يورث ملكية منفعة زمان معين محدود مذكور في العقد، لكن عقد البيع
لا يقتضي ملكية العين في زمان معين محدود بحد قليل أو كثير كما لا يخفى فحينئذ على الكشف اما
لا بد من الالتزام بحصول الملك من حين البيع أو ببطلان الإجازة، ولا يصح القول بحصوله من حين
انتقال المبيع إلى البايع، إذ ليس في ذاك الزمان عقد تكشف الإجازة عن تأثيره وتأثير العقد السابق
في الملكية من ذاك الحين موقوف على التقطيع في الملكية الذي قد عرفت منعه.
59
--------------------------------------------------------------------------------
والحاصل تمامية هذا الوجه في اثبات بطلان بيع من باع ثم ملك. (ج 2 ص 167)
النائيني (منية الطالب): (بناء على ما قلناه في التعليقة السابقة تحت الرقم 23) لا يستقيم الجواب عنه
بما أفاده المصنف قدس سره من أن مقدار الكشف تابع لصحة البيع لان للمستدل المنع عن أصل
اقتضاء البيع للصحة في المقام لما مر في الوجه السادس من أن بيع الأصيل ماله من البائع الفضولي
يقتضي بطلان بيع الفضولي، لان الرد كما يتحقق بالقول يتحقق بالفعل أيضا ".
ثم لو سلم تحقق المقتضي فله أن يدع وجود المانع عن الصحة بدعوى أنه لا خصوصية للإجازة في
المقام تقتضي التأثير من حين اشتراء البائع لامن حين العقد فإذا امتنع العمل بما تقتضيه في المقام كان
اللازم فساد البيع.
ولا يمكن تصحيحه بأن مقدار كشف الإجازة تابع لصحة
البيع إلا بعد ورود الدليل على صحة هذا البيع حتى يكون تخصيصا " لما اقتضته الإجازة من كشفها عن تحقق الملك حين العقد وإلا يكفي
للبطلان عدم إمكان العمل بما تقتضيه وصحته تتوقف على أمرين:
الأول: عدم إعتبار كون شخص خاص طرفا " للمعاوضة لا بمعنى إمكان كونه كليا " فان هذا غير
معقول، لان الإضافة تتوقف على مضاف إليه معين بل بمعنى عدم إعتبار خصوص كونه زيدا " أو
بكرا " فلو اشترى من شخص باعتقاد كونه زيدا فتبين كونه بكرا " لا يضر وليس البيع كالنكاح.
الثاني: كون مسألة من باع شيئا " ثم ملك كمسألة إختلاف المالك حال العقد والإجازة بسبب الموت
والوراثة بأن يكون تبدل الملك كتبدل المالك فإذا تم هذان الأمران فلا محيص عن الالتزام بالصحة في
المقام وإنكار اقتضاء الإجازة كشفها الملك من حين العقد في جميع المقامات.
والامر الأول لا إشكال فيه.
واما الثاني فقد ظهر في أول مباحث البيع الفرق بين الإرث والبيع وان في الإرث التغيير والتبديل في
المالك وفي البيع التبديل في الملك فإذا باع الفضولي ملك المورث ثم انتقل إلى الوارث فحيث إن الملك
على حاله ودل الدليل على قيام الوارث مقام المورث فالوارث يجيز نفس هذا التبديل واما لو باع
الفضولي مال زيد ثم انتقل إلى نفسه فاجازته لا تتعلق بما وقع أولا "، لان التبديل وقع بين ملك زيد
60
--------------------------------------------------------------------------------
والمشتري والإجازة تتعلق بملك المشتري والفضولي الذي لم يكن ملكه طرف الإضافة.
وبالجملة: كل ما تعلقت الإجازة بما انتقل من المجيز إلى الآخر ولو في عقود متتابعة فهي مؤثرة.
واما لو تعلقت بغيره فلا تؤثر وان كان الملك حين الإجازة ملكا " له، لان الإجازة ليست
عقدا " إبتدائيا " حتى يقع التبديل بها فعلا " ولو على النقل فضلا " عن الكشف.
ولا يمكن قياس مسألتنا هذه على مسألة الإرث لأنه لو أجاز الوارث العقد الواقع على ملك مورثه
تؤثر إجازته بناء على الكشف من حين العقد ولا يمكن الالتزام بهذا في المقام وليست جهة الفرق إلا أن
تبديل المالك واختلافهما لا يوجب تفاوتا في المملوك وفي المقام يوجب ذلك فالمنشأ لا تتعلق به
الإجازة والمجاز ليس هو المنشأ. (ج 1 ص 265)
الإيرواني: وقد أجاب المصنف عن ما ذكرناه الذي هو خلاصة الدليلين بأن الالتزام بالكشف من
حال العقد إذا لم يمكن لم يوجب ذلك ترك عمومات الصحة رأسا " الحكم بالفساد بل يؤخذ بالعمومات
وبما دل على أن الإجازة كاشفة ونتيجة الجمع بين الدليلين الحكم بالصحة ثم الكشف من حيث يمكن
وهو في المقام من زمان انتقال الملك إلى المالك الثاني ويرفع اليد عن الكشف قبل ذلك إلى زمان
وقوع عقد الفضولي للاستحالة العقلية أعني: لزوم خروج الملك عن المالك الثاني قبل دخول فيه ولزوم
تعدد الملاك واحد. وبما حررنا يظهر لك اندفاع هذا الجواب فان الدليل على صحة بيع الفضولي
وعلى كون الإجازة كاشفة دليل واحد لا دليلان كي يجمع بينهما بالالتزام بالكشف من حيث يمكن
وهذا الدليل باطلاقه يقتضي صحة بيع الفضولي وباقتضاء مادته أعني: مادة الوفاء الذي هو القيام
بمقتضي العقد من مبدأ تحققه يقتضي الكشف ان أخذنا بهذا المدلول، فاللازم القول بالكشف من
حين العقد وإن لم نأخذ فاللازم تركه رأسا " والذهاب إلى فساد بيع الفضولي.
واما التبعيض بالأخذ به في الحكم بالصحة والالتزام بالكشف من حيث يمكن فذلك مبني على أن
للعقد الواحد وفاءات متعددة بحسب الأزمنة وبإزاء كل وفاء خطاب إلزامي فإذا خرج وفائه في
زمان عن حيز الخطاب لمخصص شرعي أو لمحذور عقلي أخذ بعموم أوفوا بالنسبة إلى وفائه في ما لا
مخصص فيه ولا محذور عقلي له من الأزمنة لكن المبني باطل، إذ ليس للعقد الواحد إلا وفاء واحد
61
فإن كان لا بد من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة، أو في القول بأن الواجب في الكشف
عقلا " أو شرعا " أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد.
وقد عرفت أن لا كلام في مقتضى الصحة، ولذا لم يصدر من المستدل على البطلان، وأنه
لا مانع عقلا " ولا شرعا " من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها. (25)
63
الرابع: أن العقد الأول إنما صح وترتب عليه أثره بإجازة الفضولي، وهي متوقفة على صحة
العقد الثاني المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي، (28) فيكون صحة الأول
مستلزما " لكون المال المعين ملكا " للمالك والمشتري معا " في زمان واحد، وهو محال، لتضادهما
66
فوجود الثاني يقتضي عدم الأول، وهو موجب لعدم الثاني أيضا "، فيلزم وجوده وعدمه في آن
واحد، وهو محال. (29)
فإن قلت: مثل هذا لازم في كل عقد فضولي، لان صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة المتوقفة
على بقاء ملك المالك والمستلزمة لملك المشتري كذلك، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك
والمشتري معا " في آن واحد، فيلزم إما بطلان عقد الفضولي مطلقا " أو بطلان القول بالكشف،
فلا اختصاص لهذا الايراد بما نحن فيه. (30)
قلنا: يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا "، وهو الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لأنها
في الحقيقة رفع اليد وإسقاط للحق، ولا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني. (31)
67
أقول: قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب على العقد الأول بعد إجازة
العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد، لا من حين العقد وحينئذ فتوقف إجازة
العقد الأول على صحة العقد الثاني مسلم، وتوقف صحة العقد الثاني على بقاء الملك على
ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلم أيضا "، (32)
69
فقوله: (صحة الأول يستلزم كون المال ملكا للمالك والمشتري في زمان) ممنوع، بل صحته
تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي. (33)
نعم إنما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادعي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد،
ولكن هذا أمر تقدم دعواه في الوجه الثالث وقد تقدم منعه، فلا وجه لاعادته بتقرير آخر، كما لا يخفى. (34)
70
وهذا إشكال آخر تعرض لاندفاعه أخيرا "، غير الاشكال الذي استنتجه من المقدمات
المذكورة، وهو لزوم كون الملك للمالك الأصلي وللمشتري. (35)
نعم، يبقي في المقام الاشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف، وهو كون الملك
حال الإجازة للمجيز والمشتري معا "،
71
نعم، يلزم من ضم هذا الاشكال العام إلى ما يلزم في المسألة على القول بالكشف من حين
العقد اجتماع ملاك ثلاثة على ملك واحد قبل العقد الثاني، لوجوب التزام الأصلي حتى يصح
العقد الثاني، ومالكية المشتري له. (36)
72
لان الإجازة تكشف عن ذلك وملكية العاقد له لان ملك المشتري لا بد أن يكون عن ملكه،
وإلا لم ينفع إجازته في ملكه من حين العقد، لان إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير إلى
غيره.
ثم إن ما أجاب به عن الاشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن ولا يغني، لان الإجازة إذا
وقعت، فإن كشفت عن ملك المشتري قبلها كشفت عما يبطلها، لان الإجازة لا تكون إلا من
المالك الواقعي، والمالك الظاهري إنما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا " حين
الإجازة، ولذا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته، لان المالكية من
الشرائط الواقعية دون العلمية. (37)
73
ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني - من كفاية الملك الظاهري في الأول دون
الثاني - تحكم صرف، خصوصا " مع تعليله بأن الإجازة رفع لليد وإسقاط للحق، فليت شعري
إن اسقاط الحق كيف يجدي وينفع مع عدم الحق واقعا "؟! مع إن الإجازة رفع لليد من الملك
أيضا بالبديهة. (38)
74
والتحقيق أن الاشكال إنما نشأ من الاشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة على الوجه
المشهور من كونها شرطا " متأخرا " يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه. (39)
76
الخامس: أن الإجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الأول وعن كون المال ملك المشتري
الأول، فقد وقع العقد الثاني على ماله، فلا بد من إجازته له كما لو بيع المبيع من شخص آخر
فأجاز المالك البيع الأول، فلا بد من إجازة المشتري البيع الثاني حتى يصح ويلزم، (40)
78
فعلي هذا يلزم توقف إجازة كل من الشخصين على إجازة الآخر، وتوقف صحة كل من
العقد والإجازة على إجازة المشتري الغير الفضولي، (41)
80
وهو من الأعاجيب! بل من المستحيل، لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الأصيل شيئا " من الثمن
والمثمن، (42)
82
وتملك المشتري الأول المبيع بلا عوض (43) إن اتحد الثمنان، ودون تمامه إن زاد الأول، ومع
زيادة إن نقص، لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له، وقد كان المبيع له أيضا بما بذله من
الثمن، وهو ظاهر.
والجواب عن ذلك: ما تقدم في سابقه من ابتنائه على وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك
من حين العقد، وهو ممنوع.
والحاصل: ان منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة شئ واحد، والمحال على تقديره مسلم بتقريرات
مختلفة قد نبه عليه في الايضاح وجامع المقاصد.
83
السادس: أن من المعلوم أنه يكفي في إجازة المالك وفسخه فعل ما هو من لوازمهما، ولو باع
المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه وتملك الثمن، وهو لا يجامع صحة
العقد الأول، فإنها تقتضي تملك المالك للثمن الأول، وحيث وقع الثاني يكون فسخا " له وإن لم
يعلم بوقوعه، فلا يجدي الإجازة المتأخرة. (44)
85
وبالجملة: حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجايزة بل أولي منها، فكما أن
التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي. (45)
والجواب: إن فسخ عقد الفضولي هو إنشاء رده، وأما الفعل المنافي لمضيه - كتزويج المعقودة
فضولا " نفسها من آخر وبيع المالك ماله المبيع فضولا " من آخر - فليس فسخا " له، خصوصا " مع
عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضولي، غاية ما في الباب إن الفعل المنافي لمضي العقد مفوت
لمحل الإجازة، فإذا فرض وقوعه صحيحا " فات محل الإجازة ويخرج العقد عن قابلية الإجازة،
إما مطلقا كما في مثال التزويج، أو بالنسبة إلى من فات محل الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال
البيع، فإن محل الإجازة إنما فات بالنسبة إلى الأول، فللمالك الثاني أن يجيز.
87
نعم، لو فسخ المالك الأول نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعا "، ولعموم
تسلط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها. (46)
فالحاصل: أنه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا ": أنه إبطال لاثر العقد في الجملة، فهو مسلم
ولا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلى المالك الثاني، فيكون له الإجازة.
وإن أريد أنه إبطال العقد رأسا " فهو ممنوع، إذ لا دليل على كونه كذلك، وتسميته مثل ذلك
الفعل ردا " في بعض الأحيان، من حيث أنه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعله بحيث
يكون الإجازة منه بعده لغوا ".
88
نعم، لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا "، لم يبعد كونه
كالانشاء بالقول، لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب، إذ المقصود أن مجرد بيع المالك لا
يوجب بطلان العقد، ولذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد على حاله من قابلية
لحوق الإجازة.
وأما الالتزام في مثل الهبة والبيع في زمان الخيار بانفساح العقد من ذي الخيار بمجرد الفعل
المنافي، فلان صحة التصرف المنافي يتوقف على فسخ العقد، وإلا وقع في ملك الغير، بخلاف ما
نحن فيه، فإن تصرف المالك في ماله المبيع فضولا " صحيح في نفسه لوقوعه في ملكه، فلا
يتوقف على فسخه، غاية الامر أنه إذا تصرف فات محل الإجازة. (47)
ومن ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله أخيرا ": (وبالجملة: حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود
الجائزة بل أولي)
فإن قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث، على المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق،
فضلا " عن دعوى الأولوية، وسيجئ مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد. (48)
92
السابع: الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن بيع ما ليس عندك،
فإن النهي فيها إما لفساد البيع المذكور مطلقا " بالنسبة إلى المخاطب وإلي المالك، فيكون
دليلا " على فساد العقد الفضولي، وإما لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصة - كما استظهرناه
سابقا " - فيكون دالا على عدم وقوع بيع مال الغير لبايعه مطلقا " ولو ملكه فأجاز، بل الظاهر
إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع، وإلا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج إلى
البيان. (49)
94
وخصوص رواية يحيي بن الحجاج المصححة إليه. قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام: عن
الرجل يقول لي اشتر لي هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها، أربحك كذا وكذا. قال: لا بأس بذلك،
اشترها، ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها. (50) ورواية خالد بن الحجاج قال:
قلت لابي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني ويقول: اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا. قال:
أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت: بلي. قال: لا بأس به، إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام
بناء على أن المراد بالكلام عقد البيع، فيحلل نفيا " ويحرم إثباتا "، كما فهمه في الوافي، أو يحلل
إذا وقع بعد الاشتراء ويحرم إذا وقع قبله، أو إن الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان
بعنوان العقد الملزم ويحلل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة. (51)]
96
وصحيحة ابن مسلم، قال: سئلته عن رجل أتاه رجل، فقال له: ابتع لي متاعا " لعلي أشتريه منك
بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله، قال: ليس به بأس إنما يشتريه منه بعدما يملكه. (52)
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أمر رجلا ليشتري له متاعا "
فيشتريه منه، قال: لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه.
وصحيحة معاوية بن عمار، قال: سئلت أبا عبد الله عليه السلام يجيئني الرجل فيطلب مني بيع
الحرير، وليس عندي شئ فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتى يجتمع على شئ، ثم
أذهب لاشتري الحرير فأدعوه إليه، فقال: أرأيت إن وجد مبيعا " هو أحب إليه مما عندك،
أيستطيع أن تصرف عنه وتدعه؟ قلت: نعم. قال: لا بأس، وغيرها من الروايات.
ولا يخفى ظهور هذه الأخبار - من حيث المورد في بعضها ومن حيث التعليل في بعضها
الآخر - في عدم صحة البيع قبل الاشتراء، وإنه يشترط في البيع الثاني تملك البائع له
واستقلاله فيه، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام والتزام سابق بذلك المال. (53)
98
والجواب عن العمومات: انها إنما تدل على عدم ترتب الأثر المقصود من البيع، وهو النقل
والانتقال المنجز على بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتب الأثر على هذا البيع، لامن طرف البائع بأن يتصرف في الثمن، ولا من طرف المشتري بأن يطالب
البائع بتسليم المبيع. (54)
99
ومنه يظهر الجواب عن الاخبار، فإنها لا تدل - خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام ولو تواجبه
البيع قبل أن تستوجبها - إلا على أن الممنوع منه هو الالزام والالتزام من المتبايعين بآثار
البيع المذكور قبل الاشتراء، فكذا بعده من دون حاجة إلى إجازة، وهي المسألة الآتية، أعني: لزوم
البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة إلى الإجازة، وسيأتي إن الأقوى فيها البطلان. (55)
102
وما قيل: من أن تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأول مفروض في مورد
الروايات وهي إجازة فعلية.
مدفوع: بأن التسليم إذا وقع باعتقاد لزوم البيع السابق وكونه من مقتضيات لزوم العقد
وإنه مما لا اختيار للبائع فيه بل يجبر عليه إذا امتنع، فهذا لا يعد إجازة ولا يترتب عليه احكام
الإجازة في باب الفضولي، لان المعتبر في الإجازة قولا " وفعلا " ما يكون عن سلطنة واستقلال،
لان ما يدل على إعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا " لغيره، يدل على عدم
كفاية ذلك. (56)
103
نعم، يمكن أن يقال: إن مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد المقدمة بأن المشتري إن شاء
أخذ وإن شاء ترك: ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه على الأصيل، وهذا محقق فيما
نحن فيه، بناء على ما تقدم من: أنه ليس للأصيل في عقد الفضولي فسخ المعاملة قبل إجازة
المالك أو رده، لكن الظاهر - بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم - إرادة اللزوم من
الطرفين. (57)
104
والحاصل: أن دلالة الروايات عموما " وخصوصا " على النهي عن البيع قبل الملك مما لا مساغ
لانكاره، ودلالة النهي على الفساد أيضا مما لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة، (58)
105
إلا أنا نقول: أن المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار، في مقابل الصحة
التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع، مثلا " لو فرض حكم الشارع بصحة
بيع الشئ قبل تملكه على الوجه الذي يقصده أهل المعاملة، كان يترتب عليه بعد البيع النقل
والانتقال، وجواز تصرف البائع في الثمن، وجواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من
مالكه وتسليمه، وعدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه، ففساد البيع بمعنى عدم
ترتب جميع ذلك عليه، وهو لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممن
يملكه بعد العقد.
ولا يجب على القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر أصلا "، كما
يستفاد من وجه دلالة النهي على الفساد. فإن حاصله: دعوى دلالة النهي على إرشاد
المخاطب وبيان ان مقصوده من الفعل المنهي عنه - وهو الملك والسلطنة من الطرفين - لا
يترتب عليه، فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين، لا أنه لغو من جميع الجهات فافهم. (59)
106
اللهم إلا أن يقال: ان عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرد إنشائه مع وقوع
مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة - كالقبض في الهبة
ونحوها والإجازة في الفضولي - لا يقتضي النهي عنها بقول مطلق، إذ معني صحة المعاملة شرعا
أن يترتب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه ولو مع شرط لاحق، وعدم بناء المتعاملين
على مراعاة ذلك الشرط لا يوجب النهي عنه إلا مقيدا بتجرده عن لحوق ذلك الشرط،
فقصدهم ترتب الملك المنجز على البيع قبل التملك بحيث يسلمون الثمن ويطالبون المبيع لا
يوجب الحكم عليه بالفساد. (60)
107
فالانصاف: أن ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع وعدم
ترتب أثر الانشاء المقصود منه عليه مطلقا " حتى مع الإجازة،
وأما صحته بالنسبة إلى المالك إذا أجاز، فلان النهي راجع إلى وقوع البيع المذكور للبائع،
فلا تعرض فيه لحال المالك إذا أجاز، فيرجع فيه إلى مسألة الفضولي. (61)
نعم، قد يخدش فيها: أن ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة، ورودها في بيع الكلي، وإنه لا يجوز
بيع الكلي في الذمة ثم اشتراء بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري الأول، والمذهب جواز ذلك
وإن نسب الخلاف فيه إلى بعض العباير، (62)
108
فيقوي في النفس: أنها وما ورد في سياقها في بيع الشخصي أيضا " - كروايتي يحيي وخالد
المتقدمتين - أريد بها الكراهة، أو وردت في مقام التقية، لان المنع عن بيع الكلي حالا " مع عدم
وجوده عند البائع حال البيع مذهب جماعة من العامة - كما صرح به في بعض الاخبار -
مستندين في ذلك إلى النهي النبوي عن بيع ما ليس عندك، (63)
لكن الاعتماد على هذا التوهين في رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع
الشخصي، وعموم مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلي، خلاف الانصاف، إذ غاية
الامر حمل الحكم في مورد تلك الأخبار - وهو بيع الكلي قبل التملك - على التقية، وهو لا
يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا "، فتدبر. (64)
110
فالأقوى: العمل بالروايات والفتوى بالمنع عن البيع المذكور. (65)
111
مما يؤيد المنع - مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف من دعوى الاتفاق -: رواية
الحسن بن زياد الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه، قال: قلت لابي عبد الله عليه
السلام إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني بعد، فأجدد النكاح فقال:
علموا إنك تزوجت؟ قلت نعم، قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا ". قال: ذلك إقرار منهم،
أنت على نكاحك. الخبر، فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق على ما فعله
بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة
للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلى الاستفصال عن أن المولي سكت أم لا، للزوم العقد
حينئذ على كل تقدير. (66)
113
ثم إن الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات، وهو ما لو باع البائع لنفسه
واشتري المشتري غير مترقب لإجازة المالك ولا إجازة البائع إذا صار مالكا " (67)
114
وهذا هو الذي ذكره العلامة رحمه الله في التذكرة نافيا " للخلاف في فساده، قال: لا يجوز أن يبيع
عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلمها، وبه قال الشافعي وأحمد، ولا نعلم فيه خلافا "، لقول
النبي ص: لا تبع ما ليس عندك ولاشتمالها على الغرر، فإن صاحبها قد لا يبيعها، وهو غير
مالك لها ولا قادر على تسليمها، أما لو اشترى موصوفا في الذمة - سواء كان حالا " أو
مؤجلا " - فإنه جائز إجماعا "، إنتهي
وحكي عن المختلف أيضا الاجماع على المنع أيضا "، واستدلاله بالغرر وعدم القدرة على
التسليم ظاهر، بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة مجيز، بل وقع على وجه يلزم
على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه (68) فحينئذ لو تبايعا على أن يكون العقد
موقوفا على الإجازة، فاتفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملكه، لم يدخل في مورد
الاخبار ولا في معقد الاتفاق. ولو تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفا على تملك البائع دون
إجازته، فظاهر عبارة الدروس: أنه من البيع المنهي عنه في الاخبار المذكورة، حيث قال:
وكذا لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز، ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس
عنده، وقد نهي عنه، إنتهي
119
لكن الانصاف: ظهورها في الصورة الأولى، وهي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل والانتقال
وعدم الوقوف على شئ. (69)
120
وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك، حيث علل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم.
وأصرح منه كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد والنسية. (70)
ولو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلى البائع فأجازه فالظاهر أيضا الصحة، لخروجه عن مورد
الاخبار. نعم، قد يشكل فيه من حيث أن الإجازة لا متعلق لها، لان العقد السابق كان إنشاء
للبيع عن المالك الأصلي، ولا معنى لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه. (71)
121
ويمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة وهي ما لو باعه الفضولي لنفسه،
فأجازه المالك لنفسه، فتأمل. (72)
122
ولو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا " عليه عدوانا "، فإن أجاز المالك فلا كلام في الصحة، بناء
على المشهور من عدم إعتبار وقوع البيع عن المالك، وإن ملكه الثالث وأجازه، أو ملكه
البائع فأجازه، فالظاهر أنه داخل في المسألة السابقة. (73)
124
(المسألة الثانية)
ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الأخرى، وهي ما لو لم يجز البائع
بعد تملكه، (74) فإن الظاهر بطلان البيع الأول لدخوله تحت الاخبار المذكورة يقينا "، (75)
127
مضافا إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، وعدم صيرورتها حلالا " من دون طيب النفس،
فإن المفروض إن البائع بعدما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأول، والتزامه
قبل تملكه بكون هذا المال المعين للمشتري ليس التزاما إلا بكون مال غيره له. (76)
129
اللهم إلا أن يقال: ان مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كل عاقد وشارط
هو اللزوم على البائع بمجرد انتقال المال إليه وإن كان قبل ذلك أجنبيا " لا حكم لوفائه
ونقضه (77)
130
ولعله لاجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الايضاح - بناء على صحة الفضولي - صحة العقد
المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف على الإجازة.
قيل: ويلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك، وقد سبق استظهاره من عبارة الشيخ
المحكية في المعتبر.
لكن يضعفه: أن البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب، والمقام مقام استصحاب
حكم الخاص، لا مقام الرجوع إلى حكم العام، فتأمل. (78)
132
مضافا " إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلها لغيرهم إلا
عن طيب النفس، (79)
135
وفحوى الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه وأن
عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لولا سكوت المولي الذي هو بمنزلة الإجازة. (80)
ثم لو سلم عدم التوقف على الإجازة فإنما هو فيما إذا باع الفضولي لنفسه، أما لو باع فضولا
للمالك أو لثالث ثم ملك هو، فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع
أشكل. (81)
138
ولو باع وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكل، فلا إشكال في عدم وقوع البيع له بدون
الإجازة ولا معها، نعم يقع للوارث مع إجازته. (82)
139
* تنبيهات *
140
المسألة الثالثة
ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف. وعدم جواز التصرف
المنكشف خلافه، إما لعدم الولاية فانكشف كونه وليا "، وإما لعدم الملك فانكشف كونه
مالكا ". وعلى كل منهما، فإما أن يبيع عن المالك، وإما أن يبيع لنفسه، فالصور أربع (83)
142
الأولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا " على البيع. فلا ينبغي الاشكال في اللزوم حتى
على القول ببطلان الفضولي. (84)]
145
لكن الظاهر من المحكي عن القاضي: أنه إذا أذن السيد لعبده في التجارة فباع واشتري وهو لا
يعلم بإذن سيده ولا علم به أحد، لم يكن مأذونا في التجارة، ولا يجوز شئ مما فعله، فإن علم بعد
ذلك واشتري وباع جازما فعله بعد الاذن، ولم يجز ما فعله قبل ذلك، فإن أمر السيد قوما " أن
يبايعوا العبد والعبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه وشرائه منهم جائزا "، وجري ذلك مجري الاذن
الظاهر، فإن اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم وباع جاز، إنتهي. (85)
146
الثانية: أن يبيع لنفسه وانكشف كونه وليا ". (87)
149
فالظاهر أيضا صحة العقد، لما عرفت من أن قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع ولا يقدح، وفي
توقفه على إجازته للمولي عليه وجه، (88)
151
لان قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، فتأمل. (89)
153
الثالثة: أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا ". (90)
154
وقد مثله الأكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا " (91)
والمشهور الصحة، بل ربما استفيد من كلام العلامة في القواعد والارشاد في باب الهبة
الاجماع، ولم نعثر على مخالف صريح، إلا أن الشهيد رحمه الله ذكر في قواعده: أنه لو قيل
بالبطلان أمكن، وقد سبقه في احتمال ذلك العلامة وولده في النهاية والايضاح، لأنه إنما قصد
نقل المال عن الأب، لاعنه، ولأنه وإن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق، والتقدير: إن مات
مورثي فقد بعتك، ولأنه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده أن المبيع لغيره، إنتهي. (92)
156
أقول: أما قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه، لأنه إنما قصد نقل الملك عن الأب
من حيث أنه مالك باعتقاده، ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك لكن أخطأ في اعتقاده إن
المالك أبوه، وقد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة، أي: ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنه ملكه.
(93)
نعم، من أبطل عقد الفضولي لاجل إعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده
هنا، لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه، - ولذا نقول نحن كما سيجئ - باشتراط
الإجازة من المالك بعد العقد، لعدم حصول طيب النفس حال العقد].
157
وأما ما ذكر من: أنه في معني التعليق، ففيه مع مخالفته لمقتضي الدليل الأول، كما لا يخفى: (94)
منع كونه في معني التعليق، لأنه إذا فرض أنه يبيع مال أبيه لنفسه، كما هو ظاهر هذا
الدليل، فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع الغاصب مبني على دعوى
على المال، لا على تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالإرث عن مورثه، لان ذلك لا يجامع مع
ظن الحياة. (95)
اللهم إلا أن يراد أن القصد الحقيقي إلى النقل معلق على تملك الناقل، وبدونه فالقصد صوري،
على ما تقدم من المسالك من أن الفضولي والمكره قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله.
لكن فيه حينئذ: أن هذا القصد الصوري كاف، ولذا قلنا بصحة عقد الفضولي.
160
ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد، معللا بعلمه بكون
المبيع لغيره. (96)
وكيف كان، فلا ينبغي الاشكال في صحة العقد، إلا أن ظاهر المحكي من غير واحد لزوم العقد
وعدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، لان المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه، (97)
162
وتوضيحه: ان انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد
حتى يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه، وإنما هو من الأحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب
إختلافها في التوقف على الأمور المتأخرة وعدمه، (100)
171
مع أن عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف، (101)
172
بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه (102)، فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في
اللزوم هو عموم تسلط الناس على أموالهم، وعدم حلها لغيرهم إلا بطيب أنفسهم، وحرمة
أكل المال إلا بالتجارة عن تراض. (103)
وبالجملة: فأكثر أدلة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا.
173
وأما ما ذكرناه من أن قصد نقل ملك نفسه إن حصل أغني عن الإجازة، وإلا فسد العقد.
ففيه: إنه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد إلى نقل المال المعين. وقصد
كونه ماله أو مال غيره مع خطائه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح ولا ينفع، ولذا بنينا
على صحة العقد بقصد مال نفسه مع كونه مالا لغيره. (104)
174
وأما أدلة إعتبار التراضي وطيب النفس، فهي دالة على إعتبار رضا المالك بنقل خصوص
ماله بعنوان أنه ماله، لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في الواقع، فإن حكم طيب النفس
والرضا لا يترتب على ذلك، فلو أذن في التصرف في مال معتقد إنه لغيره، والمأذون يعلم انه
له، لم يجز له التصرف بذلك الاذن.
ولو فرضنا إنه أعتق عبدا عن غيره فبان إنه له لم ينعتق، وكذا لو طلق امرأة وكالة عن
غيره فبانت زوجته، لان القصد المقارن إلى طلاق زوجته وعتق مملوكه معتبر فيهما، فلا تنفع
الإجازة.
ولو غره الغاصب فقال: (هذا عبدي اعتقه عنك) فأعتقه عن نفسه، فبان كونه له، فالأقوى
أيضا عدم النفوذ، وفاقا للمحكي عن التحرير وحواشي الشهيد وجامع المقاصد مع حكمه
بصحة البيع هنا ووقوفه على الإجازة، لان العتق لا يقبل الوقوف، فإذا لم يحصل القصد إلى
فك ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة، بخلاف البيع، فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق
وصحة البيع مع الإجازة، كما يتوهم. نعم، ينبغي إيراد التناقض على من حكم هناك بعدم
النفوذ، وحكم في البيع باللزوم وعدم الحاجة إلى الإجازة، فإن القصد إلى إنشاء يتعلق بمعين
هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به، إن كان يكفي في طيب النفس والرضا المعتبر في
جميع إنشاءات الناس المتعلق بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق، وإن اعتبر في طيب النفس
المتعلق باخراج الأموال عن الملك، العلم بكونه مالا له ولم يكف مجرد مصادفة الواقع، وجب
الحكم بعدم لزوم البيع. فالحق: إن القصد إلى الانشاء المتعلق، بمال معين مصحح للعقد، بمعنى
قابليته للتأثير، ولا يحتاج إلى العلم بكونه مالا له، لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج عن
ماله بمجرد الانشاء، ثم إن كان ذلك الانشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما
في العقود، وإلا وقع الانشاء باطلا كما في الايقاعات. (105)
175
ثم إنه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف على الإجازة: إن هذا الحق للمالك
من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ، (106)
176
فعقده متزلزل من حيث الحدوث، لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا، وتبعه بعض من
عاصرناه، معللا بقاعدة نفي الضرر،
إذ فيه: أن الخيار فرع الانتقال، وقد تقدم توقفه على طيب النفس.
وما ذكراه من الضرر المترتب على لزوم البيع، ليس لامر راجع إلى العوض والمعوض، وإنما
هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه ورضاه، إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين أن
يجهل أصل الانتقال كما يتفق في الفضولي، أو يعلمه ويجهل تعلقه بماله. (107)
177
ومن المعلوم: أن هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي على الإجازة، إذ لا يلزم من
لزومه بدونها سوي هذا الضرر. (108)
ثم إن الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة على القول بصحة عقد الفضولي بل يجئ
على القول بالبطلان، (109)
184
إلا أن يستند في بطلانه بما تقدم من قبح التصرف في مال الغير، فيتجه عنده حينئذ البطلان، ثم
يغرم المثمن وان كان جاهلا ". (110)
186
الرابعة: أن يبيع لنفسه باعتقاد أنه لغيره فانكشف أنه له، والأقوى هنا أيضا الصحة ولو على
القول ببطلان الفضولي والوقوف على الإجازة، بمثل ما مر في الثالثة، (111)
188
وفي عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة، ولذا قوي اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في
الثالثة. (112)
190
بيع الفضولي
* القول في المجاز *
193
وأما القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور:
الأول: يشترط فيه كونه جامعا " لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك (1).
195
فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء، (2) ولا إحراز سائر الشروط بالنسبة إلى الأصيل
فقط على الكشف، للزومه عليه حينئذ (3) بل مطلقا "، لتوقف تأثيره الثابت - ولو على القول
بالنقل - عليها، (4) وذلك لان العقد إما تمام السبب أو جزئه، (5)
198
وعلى أي حال فيعتبر إجتماع الشروط عنده، ولهذا لا يجوز الايجاب في حال جهل القابل
بالعوضين، (6) بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا، لان الإجازة على القول بالنقل
أشبه بالشرط (7)، ولو سلم كونها جزء فهو جزء للمؤثر لا للعقد، فيكون جميع ما دل من
النص والاجماع على إعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل والانتقال
بالعقد. (8)
200
نعم، لو دل دليل على إعتبار شرط في ترتب الأثر الشرعي على العقد من غير ظهور في
اعتباره في أصل الانشاء، أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة، (9)
ولعل من هذا القبيل: القدرة على التسليم، وإسلام مشتري المصحف والعبد المسلم. (10)
201
--------------------------------------------------------------------------------
بما هي معاملة، ومن إن لم تكن موجبة إلا لاستناد المعاملة إلى المالك، إلا أن المالك بسبب الإجازة
يصير طرفا " للعقد، فكأنه يصير عاقدا " فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر في المتعاقدين.
ويؤيده: مناسبة الحكم والموضوع بالنسبة إلى بعض تلك الشرائط، فان اعتبار معلومية العوضين
مثلا "، انما هو لاجل رفع الخطر في المعاملة الراجع إلى المالك، فإنه هو الذي يقع في الخطر من ناحية
الجهالة، فالمناسب في اعتبار المعلومية انما هو اعتبار علم المالك الذي ينشأ من جهله الخطر،
وعلى هذا فيمكن ان يفصل في الشرائط بين ما إذا كان كذلك كالمعلومية فيقال فيها باعتبارها في
المجيز، وبين ما لم يكن كذلك فيقال فيها بعدم الاعتبار.
لكن الكلام الكلي هو القول بالاعتبار مطلقا "، سواء كان مما تقتضي المناسبة بين الحكم والموضوع
اعتبارها أم لا، وذلك لان العقد وان كان قائما بالمتعاقدين الفضول والطرف الأصيل، لكن المعاملة
قائمة بالفضول والمالك المجيز معا من طرف والطرف الأصيل من طرف آخر، لتوقف تحققها على
إجازة المالك، ومع قيام المعاملة بهما معا " يعتبر اجتماع الشرائط فيهما فيعتبر تحقق الشرائط في المجيز
بعين ملاك تحققها في الفضول، لكن اللازم من ذلك اعتبار الشرائط في المالك المجيز حين الإجازة.
واما اعتبارها حين العقد أو استمرارها من حين العقد إلى حين الإجازة فليس عليه دليل أصلا ".
ومما ذكرناه ظهر الفرق بين الفضولي في المقام وبين الوكيل المفوض في باب المضاربة، حيث إن المعتبر
في الوكيل المفوض هو واجديته للشرائط دون المالك بخلاف المقام، فإنه يعتبر جامعية العاقد الفضولي
والمالك المجيز للشرائط المعتبرة في المتعاقدين معا "، ووجه الفرق هو قيام المعاملة بالمالك المجيز في المقام
كقيامها على الفضول بخلاف باب المضاربة، فان المعاملة فيه قائمة بالوكيل ولا استناد لها إلى المالك
أصلا ". (ج 2 ص 212)
الأصفهاني: ومن الشرائط ما يعتبر في من له العقد سواء كان مالكا " للعين أو للتصرف كالولي، وهو
كالقدرة على التسليم، فإن العمدة في وجه اعتبارها ج كما سيجئ إن شاء الله تعالي - دليل نفي الغرر،
204
ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلى زمان الإجازة، أم لا؟ لا ينبغي الاشكال في
عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما على القول بالنقل. (11)
208
وأما شروط العوضين، فالظاهر اعتبارها بناء على النقل، وأما بناء على الكشف فوجهان،
واعتبارها عليه أيضا غير بعيد. (13)
211
الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل - من تعيين العوضين، وتعيين نوع
العقد من كونه بيعا أو صلحا، فضلا " عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها - أم يكفي
العلم الاجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان: من كون الإجازة كالاذن السابق فيجوز
تعلقه بغير المعين (14)
215
إلا إذا بلغ حدا " لا يجوز معه التوكيل، (15)
218
هنا يظهر قوة احتمال إعتبار العلم بوقوع العقد، ولا يكفي مجرد إحتماله فيجيزه على
تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه، لان الإجازة وإن لم تكن من العقود حتى يشملها معاقد
إجماعهم على عدم جواز التعليق فيها، إلا أنها في معناها (17)، ولذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء
بالعقد السابق، أن الوفاء بالعقد السابق لا يكون إلا في حق العاقد، فتأمل. (18)
222
الثالث: المجاز، إما العقد الواقع على نفس مال الغير، وإما العقد الواقع على عوضه، (19)
224
....
229
وعلى كل منهما إما أن يكون المجاز أول عقد وقع على المال أو عوضه، أو آخره، (20)
239
أو عقدا " بين سابق ولاحق واقعين على مورده، أو بدله، أو بالاختلاف. (21)
ويجمع الكل: فيما إذا باع عبدا لمالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب، ثم باعه الثالث بدينار،
وباع البائع الفرس بدرهم، وباع الثالث الدينار بجارية، وباع بائع الفرس الدرهم برغيف، ثم
بيع الدرهم بحمار، وبيع الرغيف بعسل.]
241
أما إجازة العقد الواقع على مال المالك - أعني العبد بالكتاب - فهي ملزمة له ولما بعده مما
وقع على مورده - أعني العبد بالدينار - بناء على الكشف، (22)
242
وأما بناء على النقل، فيبني على ما تقدم من إعتبار ملك المجيز حين العقد وعدمه، وهي فسخ
بالنسبة إلى ما قبله مما ورد على مورده، أعني بيع العبد بفرس بالنسبة إلى المجيز. (23)
أما بالنسبة إلى من ملك بالإجازة وهو المشتري بالكتاب فقابليته للإجازة مبنية على مسألة
اشتراط ملك المجيز حين العقد هذا حال العقود السابقة واللاحقة على مورده، أعني مال المجيز.
وأما العقود الواقعة على عوض مال المجيز: - فالسابقة على هذا العقد وهو بيع الفرس
بالدرهم - يتوقف لزومها على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس، واللاحقة له - أعني
بيع الدينار بجارية - (24) تلزم بلزوم هذا العقد. (25)
246
وأما إجازة العقد الواقع على العوض - أعني بيع الدرهم برغيف - فهي ملزمة للعقود السابقة
عليه، سواء وقعت على نفس مال المالك - أعني بيع العبد بالفرس - أو على عوضه وهو بيع
الفرس بالدرهم، وللعقود اللاحقة له إذا وقعت على المعوض، وهو بيع الدرهم بالحمار. (26)
247
أما الواقعة على هذا البدل المجاز - أعني بيع الرغيف بالعسل - فحكمها حكم العقود الواقعة
على المعوض ابتداء. (27)
وملخص ما ذكرنا: أنه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز، فإن وقعت من
أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا " لما قبله وإجازة لما بعده على الكشف (28) وإن
وقعت من شخص واحد انعكس الامر. (29)
248
ولعل هذا هو المراد من المحكي عن الايضاح والدروس في حكم ترتب العقود من: أنه إذا
أجاز عقدا " على المبيع صح وما بعده، وفي الثمن ينعكس، فإن العقود المترتبة على المبيع
لا يكون إلا من اشخاص متعددة، (30)
وأما العقود المترتبة على الثمن، فليس مرادهما أن يعقد على الثمن الشخصي مرارا، لان حكم
ذلك حكم العقود المترتبة على المبيع، على ما سمعت سابقا من قولنا: أما الواقعة على هذا
البدل المجاز إلى أخره، بل مرادهما ترامي الأثمان في العقود المتعددة، كما صرح بذلك المحقق
والشهيد الثانيان. (31)
وقد علم من ذلك أن مرادنا بما ذكرنا في المقسم من العقد المجاز على عوض مال الغير، ليس
العوض الشخصي الأول له، بل العوض ولو بواسطة. (32)
251
ثم إن هنا إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب، أشار إليه
العلامة رحمه الله في القواعد، وأوضحه قطب الدين والشهيد في الحواشي المنسوبة إليه. (33)
252
فقال الأول فيما حكي عنه: أن وجه الاشكال إن المشتري مع العلم يكون مسلطا للبائع
الغاصب على الثمن، ولذا لو تلف لم يكن له الرجوع، ولو بقي ففيه الوجهان، (34)
فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه، ومن أن الثمن
عوض عن العين المملوكة ولم يمنع من نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك، فإذا أجاز
جري مجري الصادر عنه، إنتهي. (35) وقال في محكي الحواشي: أن المشتري مع علمه بالغصب
يكون مسلطا للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل في ملك رب العين، (36) فحينئذ إذا اشترى
به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه وأتلفه عند الدفع إلى البائع فيتحقق ملكيته للمبيع، فلا
يتصور نفوذ الإجازة هنا لصيرورته ملكا للبائع.]
275
وإن أمكن إجازة البيع مع احتمال عدم نفوذها أيضا "، لان ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له
في إتلافه فلا يكون ثمنا "، فلا تؤثر الإجازة في جعله ثمنا، فصار الاشكال في صحة البيع وفي
التتبع، ثم قال: إنه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع، لاستحالة كون
المبيع بلا ثمن فإذا قيل: إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا " أيضا، إنتهي. (37)
واقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد أخيرا في وجه سراية هذا الاشكال إلى صحة
عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب والمحكي عن الايضاح: ابتناء وجه بطلان جواز تتبع
العقود للمالك مع علم المشتري على كون الإجازة ناقلة، فيكون منشأ الاشكال في الجواز
والعدم: الاشكال في الكشف والنقل. (38)
276
قال في محكي الايضاح: إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته والربح
في سلسلتي الثمن والمثمن، وأما إذا كان عالما بالغصب فعلي قول الأصحاب من: أن المشتري
إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه، فيكون قد ملك الغاصب
مجانا، لأنه بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الأصحاب،
والمالك قبل الإجازة لم يملك الثمن، لان الحق أن الإجازة شرط أو سبب، فلو لم يكن للغاصب
فيكون الملك بغير مالك، وهو محال، فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك
المالك له - أي الإجازة - فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله، ويكون ما
يشتري الغاصب بالثمن وربحه له، وليس للمالك أخذه لأنه ملك الغاصب. (39)
وعلى القول بأن إجازة المالك كاشفة، فإذا أجاز العقد كان له، ويحتمل أن يقال: لمالك العين
حق تعلق بالثمن، فإن له إجازة البيع وأخذ الثمن، وحقه مقدم على حق الغاصب، لان
الغاصب يؤخذ بأخس أحواله وأشقها عليه، والمالك مأخوذ بأجود الأحوال. (40)
277
ثم قال: والأصح عندي انه مع وجود عين الثمن، للمشتري العالم أخذه، ومع التلف ليس له
الرجوع به. إنتهي كلامه رحمه الله وظاهر كلامه: أنه لا وقع للاشكال على تقدير الكشف،
وهذا هو المتجه، (41) إذ حينئذ يندفع ما استشكله القطب والشهيد: بأن تسليط المشتري
للبائع على الثمن على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه الغير بالعقد السابق على التسليط
الحاصل بالاقباض، فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل مقتضاه،
وإذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا " من المشتري على ماله، فليس له أن يسترده، بناء على ما نقل من الأصحاب. (42)
278
نعم، على القول بالنقل يقع الاشكال في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن، لان إجازة مالك
المبيع له موقوفة على تملكه للثمن، لان قبلها أجنبي عنه، والمفروض أن تملكه الثمن موقوف
على الإجازة على القول بالنقل. (43) وكذا الاشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع بعد
قبض البايع الثمن أو بعد اتلافه إياه على الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري على
الثمن بصورة التلف وعدمه، لان تسليط المشتري للبايع على الثمن قبل انتقاله إلى مالك
المبيع بالإجازة، فلا يبقي مورد للإجازة.]
279
وما ذكره في الايضاح من: احتمال تقديم حق المجيز لأنه أسبق وإنه أولي من الغاصب
المأخوذ بأشق الأحوال، فلم يعلم له وجه بناء على النقل، لان العقد جزء سبب لتملك المجيز،
والتسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب، فكيف يكون حق المجيز أسبق.؟! (44)
280
نعم، يمكن أن يقال: إن حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن، لعله لاجل التسليط المراعي بعدم
إجازة مالك المبيع، (45)
281
لا لان نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب على تقديري الرد والإجازة، وحيث أن
حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة على عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع على عقد
فاسد، وجب الاقتصار فيه على المتيقن، وهو التسليط على تقدير عدم الإجازة، فافهم. (46)].
282
بيع الفضولي * احكام الرد *
283
* المدخل *
285
مسألة
في أحكام الرد
لا يتحقق الرد قولا إلا بقوله: (فسخت) و (رددت) وشبه ذلك مما هو صريح في الرد، (1)
289
لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل وقابليته من طرف المجيز، وكذا يحصل بكل فعل مخرج
له عن ملكه بالنقل أو بالاتلاف وشبههما، كالعتق والبيع والهبة والتزويج (2) ونحو ذلك،
والوجه في ذلك: أن تصرفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الإجازة، لفرض خروجه عن ملكه. (3)
291
لان صحة الإجازة على هذا النحو توجب وقوعها باطلة، وإذا فرض وقوعها صحيحة منعت
عن وقوع الإجازة. (5)
305
والحاصل: أن وقوع هذه الأمور صحيحة، مناقض لوقوع الإجازة لأصل العقد، فإذا وقع أحد
المتنافيين صحيحا " فلا بد من امتناع وقوع الآخر، أو إبطال صاحبه، أو إيقاعه على غير وجهه،
وحيث لا سبيل إلى الأخيرين تعين الأول.
وبالجملة: كل ما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثر من حين العقد فوقوعه صحيحا
مانع من لحوق الإجازة، لامتناع إجتماع المتنافيين. (6)
308
نعم، لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسكني واللبس، كان عليه أجرة المثل إذا أجاز فتأمل. (7)
309
ومنه يعلم: أنه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع على وقوع العقد، ووقوعها بدونه، لان
التنافي بينهما واقعي. ودعوى: أنه لا دليل على اشتراط قابلية التأثير من حين العقد في
الإجازة، ولذا صحح جماعة كما تقدم إجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا " ثم ملكه.
مدفوعة: بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه. (8)
315
نعم، لو قلنا: بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي - الراجع إلى كون المؤثر التام هو العقد
الملحوق بالإجازة (9) - كانت التصرفات مبنية على الظاهر، وبالإجازة ينكشف عدم مصادفتها
للملك، (10) فتبطل هي وتصح الإجازة.
316
بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد، كتعريض المبيع للبيع،
والبيع الفاسد، وهذا أيضا على قسمين: لأنه إما أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد
من الفضولي على ماله، وإما أن يقع في حال عدم الالتفات. (11)
317
أما الأول، فهو رد فعلي للعقد، (12) والدليل على إلحاقه بالرد القولي - مضافا " إلى صدق الرد
عليه، فيعمه ما دل على أن للمالك الرد، مثل: ما وقع في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه، (13)
320
وما ورد فيمن زوجته أمه وهو غائب، من قوله عليه السلام: (إن شاء قبل وإن شاء ترك) (14)
321
إلا أن يقال: أن الاطلاق مسوق لبيان أن له الترك، فلا تعرض فيه لكيفيته -: أن المانع من
صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي، وهو خروج المجيز بعد الرد عن كونه
بمنزلة أحد طرفي العقد، (15)
324
مضافا ": إلى فحوى الاجماع المدعي على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل، كالوطء والبيع
والعتق، فإن الوجه في حصول الفسخ هي دلالتها على قصد فسخ البيع، (16)]
325
وإلا فتوقفهما على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، (17) بل يوجب بطلانها، لعدم حصول الملك المتوقف على الفسخ قبلها حتى تصادف
الملك.
326
وأما الثاني - وهو ما يقع في حال عدم الالتفات - فالظاهر عدم تحقق الفسخ به، لعدم دلالته
على إنشاء الرد، والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللاحقة، (18) وكيف كان، فإذا صلح
الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثر فعلا "، صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث
الحدوث القابل للتأثير، بطريق أولي.
ولا يكفي مجرد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف على
القصد والالتفات إلى وقوع المردود، نظير إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا ولو مع عدم
الالتفات إلى وقوع الطلاق، على ما يقتضيه إطلاق كلامهم. (19)
327
نعم، لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هنا بطريق أولي، كما عرفت، لكن لم يثبت ذلك
هناك، فالمسألة محل إشكال. (20) بل الاشكال في كفاية سابقه أيضا "، فإن بعض المعاصرين
يظهر منهم دعوى الاتفاق على إعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة (21)، ولذا استشكل في
القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلقها جاهلا " بفساده، وقرره في الايضاح
وجامع المقاصد على الاشكال. (22)
330
والحاصل: أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي، وفي حكمه تفويت محل الإجازة بحيث لا يصح
وقوعها على وجه يؤثر من حين العقد. وأما الرد الفعلي - وهو الفعل للمنشأ به مفهوم الرد -
فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به. (23)
331
وأما مجرد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد - لعدم الالتفات
إلى وقوع العقد - فالاكتفاء به مخالف للأصل. (24)
333
وفي حكم ما ذكرنا: الوكالة والوصاية، ولكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي أوضح. (25)
وأما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار، فهو منحصر باللفظ أو الرد الفعلي.
وأما فعل ما لا يجامع صحة العقد - كالوطء والعتق والبيع - فالظاهر أن الفسخ بها من باب
تحقق القصد قبلها، لا لمنافاتها لبقاء العقد، (26)
334
لان مقتضى المنافاة بطلانها، لا انفساخ العقد، عكس ما نحن فيه، وتمام الكلام في محله.
ثم إن الرد إنما يثمر في عدم صحة الإجازة بعده، وأما انتزاع المال من المشتري لو أقبضه
الفضولي فلا يتوقف على الرد، بل يكفي فيه عدم الإجازة، والظاهر أن الانتزاع بنفسه رد مع
القرائن الدالة على إرادته منه، لا مطلق الاخذ، لأنه أعم، ولذا ذكروا أن الرجوع في الهبة لا
يتحقق به. (27)
335
* فروع *
336
بيع الفضولي
احكام الرد
* حكم المشتري من الفضولي *
339
مسألة
لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده فهو، وإلا فله انتزاعه ممن وجده في يده مع بقائه، (1)
ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها - على الخلاف المتقدم في البيع الفاسد. -
ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده بقيمته يوم التلف أو بأعلى القيم من زمان وقع في يده (2)
ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر، وفرض زيادة القيمة عنده، ثم نقصت عند الأخير، (3) إختص
السابق بالرجوع بالزيادة عليه، كما صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة.
هذا كله حكم المالك مع المشتري.]
341
وأما حكم المشتري مع الفضولي، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن، وأخري فيما يغرمه للمالك
زائدا " على الثمن، فهنا مسئلتان:
الأولى
أنه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا " بكونه فضوليا "، سواء كان باقيا " أو تالفا " (4)]
346
نعم لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد - كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام
البينة - لم يرجع بشئ. ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد أو إلى غيره، ففي الاخذ بظاهر
الحال من استناده إلى اليد أو بظاهر لفظ (الاقرار) من دلالته على الواقع وجهان. (6)
351
وإن كان عالما " بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استرده وفاقا " للعلامة وولده والشهيدين
والمحقق الثاني رحمه الله، إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا "، ومجرد تسليطه عليه لو
كان موجبا " لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد، لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله.
(7)
353
ولان الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك - كما هو المشهور - يستلزم تملك المالك للثمن، فإن تملكه
البائع قبله يلزم فوات محل الإجازة، لان الثمن إنما ملكه الغير، فيمتنع تحقق الإجازة فتأمل. (8)
356
وهل يجوز للبائع التصرف فيه؟ وجهان، بل قولان، أقواهما العدم، لأنه أكل مال بالباطل. (9)
358
هذا كله إذا كان باقيا "، وأما لو كان تالفا "، فالمعروف عدم رجوع المشتري، بل المحكي عن
العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه، (10) ووجهه - كما صرح به
بعضهم كالحلي والعلامة وغيرهما ويظهر من آخرين أيضا " -: أنه سلطه على ماله بلا
عوض. (11)
362
توضيح ذلك: أن الضمان إما لعموم (على اليد ما أخذت) (12)
363
وإما لقاعدة الاقدام على الضمان الذي استدل به الشيخ وغيره على الضمان في فاسد ما
يضمن بصحيحه. (13)
368
والأول مخصص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه إليه لحفظه كما في
الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة، فإن
الدفع على هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان، فالتسليط على التصرف فيه وإتلافه له مما لا
يوجب ذلك بطريق أولي. (14)
371
قلت: الضمان كون الشئ في عهدة الضامن وخسارته عليه، وإذا كان المضمون به ملكا لغير
الضامن واقعا فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك. (16)]
377
وما ذكر: من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال
الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك منهما إدعاء مع عدم كون البائع أهلا
لذلك في الواقع، وإلا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة
إليهما، ولذا ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة.
والحاصل: أنه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن، (17)
378
وأما رجوع المشتري مع إعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ - مع أنه
إنما ضمنه بمال الغير - فلعدم طيب نفسه على تصرف البائع فيه من دون ضمان، وإن كان ما
ضمنه به غير ملك له. (18) ولا يتحقق به التضمين، لأنه إنما طاب نفسه بتصرف البائع
لاعتقاد المثمن ملكا " له وصيرورته مباحا " له بتسليطه عليه، وهذا مفقود فيما نحن فيه، لان
طيب النفس بالتصرف والاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل. (19)]
379
ومما ذكرنا يظهر - أيضا " - فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشتري بالفساد، حيث إنه ضمن
البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به. وكذا البائع مع علمه بالفساد ضمن المشتري بما يعلم
أن المشتري لا يضمن به، فكأنه لم يضمنه بشئ.
وجه الفساد: أن التضمين الحقيقي حاصل هنا، لان المضمون به مال الضامن. (20)
غاية الامر أن فساد العقد مانع عن مضي هذا الضمان والتضمين في نظر الشارع، لان
المفروض فساده، فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص صار أصل إقدام الشخص على الضمان
الحقيقي، أو قاعدة إثبات اليد على مال من دون تسليط مجاني واستيمان عن مالكه، موجبا "
لضمانه - على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه - وشئ منهما غير
موجود فيما نحن فيه، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه،
380
وحاصله: أن دفع المال إلى الغاصب ليس إلا كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا " للمبيع
وتسليطه على إتلافه، في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث.
نعم، لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك - كالخمر والخنزير والحر - قوي إطراد ما
ذكرنا فيه: من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال، كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد. (21)
381
هذا، ولكن إطلاق قولهم: (أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) يقتضي الضمان فيما
نحن فيه وشبهه، نظرا " إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ففاسده كذلك، (22)
383
إلا أن يفسر بما أبطلناه سابقا " من: أن كل عقد يضمن على فرض صحته يضمن على فرض
فساده، ولا ريب أن العقد فيما نحن فيه - وفي مثل المبيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة - إذا فرض
صحيحا " لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم بالفساد. (23)
385
لكنك عرفت ضعف هذا المعني فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية، فإن معناه ان كل
عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه، فيختص موردها
بما إذا كان للعقد فردان فعليان، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا " وأخري فاسدا ".
نعم، يمكن تطبيق المعني المختار فيما نحن فيه وشبهه، بأن لا يكون المراد من العقد في موضوع
القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود - كالبيع والصلح - بل يراد مطلق المعاملة
المالية التي يوجد لها فردان صحيح وفاسد. (24)
386
وبالجملة: فمستند المشهور في مسئلتنا لا يخلو من غموض فيقال: أن ما نحن فيه والبيع بلا
ثمن والإجارة بلا أجرة، تمليك بلا عوض من مال الآخر، والفرد الصحيح من هذه المعاملة
وهي الهبة الغير المعوضة - لا ضمان فيها، ففاسدها كذلك، فتأمل. (25)
ولذا لم يصرح أحد بعدم الضمان في (بعتك بلا ثمن) مع اتفاقهم عليه هنا، (26)
387
وصرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه.
نعم، ذكر الشهيد رحمه الله وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا أجرة. (27)]
388
ويؤيد ما ذكرنا: ما دل من الاخبار على كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا ". (28)
389
وإن أمكن الذب عنه بأن المراد التشبيه في التحريم، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت. (29)
390
ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن: ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي
غير بائع لنفسه، بل باع عن المالك ودفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلى
المالك فتلف في يده، إذ لم يسلطه عليه ولا إذن له في التصرف فيه، فضلا " عن إتلافه، ولعل
كلماتهم ومعاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع لنفسه، وإن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم
في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضولية.
وكذا يقوي الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري، بل أخذه بناء على العقد
الواقع بينهما، فإنه لم يحصل هنا من المشتري تسليط إلا بالعقد، والتسليط العقدي مع فساده
غير مؤثر في دفع الضمان، ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع
الغاصب فيه مع اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة. (30)
391
وكذا يقوي الضمان لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها. (31)
393
ولو كان الثمن كليا " فدفع إليه المشتري بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع، لأنه كالثمن
المعين في تسليطه عليه مجانا ". (32)
394
تنبيهان *
395
المسألة الثانية
396
فإما أن يكون من مقابل العين، كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري، كأن
كانت القيمة المأخوذة منه عشرين والثمن عشرة.
وإما أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري، كسكني الدار ووطي الجارية واللبن والصوف
والثمرة.
وإما أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع، كالنفقة وما صرفه في العمارة، (34) وما تلف
منه أو ضاع من الغرس والحفر، أو إعطائه قيمة للولد المنعقد حرا ونحو ذلك، أو نقص من
الصفات والاجزاء.
397
ثم المشتري، إن كان عالما فلا رجوع في شئ من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه. (35)
وإن كان جاهلا "، فأما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب - كما في الرياض وعن
الكفاية -: رجوع المشتري الجاهل بها على البائع، بل في كلام بعض تبعا " - للمحكي عن فخر
الاسلام في شرح الارشاد - دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع
وفي السرائر: أنه يرجع قولا واحدا "، وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين - في كتاب الضمان -:
نفي الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك. وبالجملة: فالظاهر
عدم الخلاف في المسألة، للغرور فإن البائع مغرر للمشتري وموقع إياه في خطرات الضمان
ومتلف ما يغرمه فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع عن شهادته (36)
399
مضافا " إلى ظاهر رواية جميل أو فحواها (عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم
يجئ مستحق الجارية، قال يأخذ الجارية المستحق، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على
من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه.) فإن حرية ولد المشتري إما أن يعد نفعا
عائدا إليه أو لا، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها (أخذت
منه) نوع إشعار بعلية الحكم فيطرد في سائر ما أخذت منه. (38)
404
وأما السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الاخبار، فهو لعدم كونه مسوقا لذلك.
كرواية زرارة: (في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه
أولادا "، ثم أتاها من يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة، قال: يقبض ولده ويدفع إليه
الجارية، ويعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها) (39)
405
ورواية زريق، قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام يوما " إذ دخل عليه رجلان، فقال
أحدهما: إنه كان على مال لرجل من بني عمار، وله بذلك ذكر حق وشهود، فأخذ المال ولم
أسترجع عنه الذكر بالحق، ولا كتبت عليه كتابا "، ولا أخذت منه براءة بذلك، وذلك لأني
وثقت به، وقلت له: مزق الذكر الحق الذي عندك، فمات وتهاون بذلك ولم يمزقه، وعقيب هذا
طالبني بالمال وراثه وحاكموني وأخرجوا بذلك ذكر الحق، وأقاموا العدول فشهدوا عند
الحاكم، فأخذت بالمال، وكان المال كثيرا "، فتواريت عن الحاكم، فباع على قاضي الكوفة معيشة
لي وقبض القوم المال، وهذا رجل من إخواننا أبتلي بشراء معيشتي من القاضي.
ثم إن ورثة الميت أقروا أن أباهم قد قبض المال، وقد سألوه أن يرد على معيشتي ويعطونه
الثمن في أنجم معلومة، فقال: إني أحب أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذا.
فقال الرجل - يعني المشتري -: كيف أصنع جعلت فداك؟ قال: تصنع أن ترجع بمالك على
الورثة، وترد المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها. (40)
قال: فإذا فعلت ذلك، له أن يطالبني بغير هذا؟
قال: نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار، وكل ما كان مرسوما في
المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك، إلا ما كان من زرع زرعته أنت، فإن للزارع إما
قيمة الزرع، وإما أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له، ورد
عليك القيمة وكان الزرع له. (41)
407
قلت: جعلت فداك! فإن كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا "؟ قال: له قيمة
ذلك، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه. قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو
بناء فقلع الغرس وهدم البناء؟ فقال: يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا رد جميع ما أخذ من
غلاتها على صاحبها ورد البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان، أورد القيمة كذلك، يجب
على صاحب الأرض كلما خرج منه في إصلاح المعيشة، من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في
مصلحة المعيشة، ودفع النوائب عنها كل ذلك فهو مردود إليه.) (42)
وفيه: - مع أنا نمنع ورودها إلا في مقام حكم المشتري مع المالك -: إن السكوت في مقام
البيان لا يعارض الدليل (43)
409
مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلى البائع (44)، مع أن البائع في قضية
زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجه إليه غرم، (45) لان الحاكم من قبل
الشارع ليس غارا من جهة حكمه على طبق البينة المأمور بالعمل بها،
410
وإن كان قضاؤه باطلا " - كما هو الظاهر - فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف
وتصرفه في أمور المسلمين، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له. (46)
411
وأما الثاني، وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء، ففي الرجوع بها
خلاف، أقواها الرجوع، وفاقا للمحكي عن المبسوط والمحقق والعلامة في التجارة والشهيدين
والمحقق الثاني وغيرهم، وعن التنقيح: أن عليه الفتوى، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من
قدم مال الغير إلى غيره الجاهل فأكله. (47)
412
ويؤيده: قاعدة نفي الضرر، فإن تغريم من أقدم على إتلاف شئ من دون عوض مغرورا من
آخر بأن له ذلك مجانا "، من دون الحكم برجوعه إلى من غره، في ذلك ضرر عظيم ومجرد رجوع
عوضه إليه لا يدفع الضرر. (48)
414
وكيف كان، فصدق الضرر وإضرار الغار به مما لا يخفى، خصوصا في بعض الموارد.
فما في الرياض من: أنه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود
في المقام، لوصول العوض إلى المشتري، لا يخلو عن شئ. (49)
416
مضافا إلى ما قيل عليه: من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور.
417
بل هي مبنية على قوة السبب على المباشر. لكنه لا يخلو من نظر، لأنه إنما يدعي إختصاص
دليل الغرور من النصوص الخاصة والاجماع بصورة الضرر.
وأما قوة السبب على المباشر، فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور، إلا إذا كان السبب
بحيث استند التلف عرفا إليه، كما في المكره وكما في الريح العاصف الموجب للاحراق،
والشمس الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها. (51)
420
والمتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره
لكون المباشر بمنزلة الآلة وأما في غير ذلك فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلى دليل
مفقود فلا بد من الرجوع بالآخرة إلى قاعدة الضرر أو الاجماع المدعي في الايضاح على تقديم
السبب إذا كان أقوي أو بالاخبار الواردة في الموارد المتفرقة (52)
429
أو كون الغار سببا في تغريم المغرور فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ بشهادته ولا ريب
في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه أما الأخير فواضح (53)
430
وأما الأول فقد عرفته وأما الاجماع والاخبار فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة إلا أن
تحققها في نظائر المسألة كاف فإن رجوع آكل طعام الغير إلى من غره بدعوى تملكه وإباحته
له مورد الاجماع ظاهرا ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الاخبار ولا يوجد فرق
بينهما وبين ما نحن فيه أصلا (54)
431
وقد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد
مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبرى إلى منع الصغرى (55)
فإن الانصاف ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب الاتلاف وإن كان غير منقح إلا أن
المتيقن منه ما كان إتلاف المغرور لمال الغير وإثبات يده عليه لا بعنوان أنه مال الغير بل
قصده إلى إتلافه مال نفسه أو مال من أباح له الاتلاف (56) فيكون غير قاصد لاتلاف مال
الغير (57)
433
فيشبه المكره في عدم القصد (58)
434
هذا كله مضافا إلى ما قد يقال: من دلالة رواية جميل المتقدمة بناء على أن حرية الولد منفعة
راجعة إلى المشتري وهو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرايع في باب الغصب بناء على
تفسير المسالك وفيه تأمل. (59)
435
* تنبيهات *
436
ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة
على الثمن الحاصلة وقت العقد، كما لو باع ما يسوي عشرين بعشرة، فتلف فأخذ منه المالك
عشرين، فإنه لا يرجع بعشرة الثمن، وإلا لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغره في ذلك،
لأنه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكية لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع
التالف، فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع.
وأما العشرة الزائدة فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في دعواه، فحصل الغرور فوجب
الرجوع. (60)
439
ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع من: أن المشتري إنما أقدم على ضمان
العين وكون تلفه منه، كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه، ومع الاقدام لا غرور،
ولذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن (61)
440
توضيح الاندفاع: إن الاقدام إنما كان على ضمانه بالثمن، إلا أن الشارع جعل القبض على
هذا النحو من الاقدام - مع فساد العقد وعدم إمضاء الشارع له - سببا لضمان المبيع بقيمته
الواقعية، فالمانع من تحقق الغرور و - هو الاقدام - لم يكن إلا في مقابل الثمن، والضمان المسبب
عن هذا الاقدام لما كان لاجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع كان المترتب عليه من
ضمان العشرة الزائدة مستقرا على الغار، فغرامة العشرة الزائدة وإن كانت مسببة عن الاقدام،
إلا أنها ليست مقدما عليها. (62)
442
هذا كله، مع أن التحقيق - على ما تقدم سابقا " - أن سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض
الواقع لا على وجه الائتمان، وان ليس الاقدام على الضمان علة له مع عدم إمضاء الشارع
لذلك الضمان وإن استدل به الشيخ وأكثر من تأخر عنه، وقد ذكرنا في محله توجيه ذلك بما
يرجع إلى الاستدلال باليد، فراجع. (63)
وكيف كان، فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولي منه فيما حصل في مقابلته نفع. (64)
445
هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد، ولو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولي. (65)]
447
هذا كله فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة.
وأما ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة، فالظاهر إن حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد
على ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله - على ما اخترناه - ويجئ على القول الآخر عدم
الرجوع في تمام ما يغرمه. (66)
448
وأما ما يغرمه بإزاء أوصافه، فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن - كما عدا وصف الصحة من
الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري فرجع
المالك عليه بالتفاوت - فالظاهر رجوع المشتري على البائع، لأنه لم يقدم على ضمان ذلك. (67)
449
ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه - إنما هو إذا كان البيع المذكور
صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك،
أما لو كان فاسدا من جهة أخري فلا رجوع على البائع، لان الغرامة لم تجئ من تغرير البائع
في دعوى الملكية، وإنما جاءت من جهة فساد البيع، فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل
الغرامة، (68)
غاية الامر كون المغروم له هو البائع على تقدير الصدق، والمالك على تقدير كذبه فحكمه
حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على تقديري صدق البائع وكذبه.
451
ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن كلما يرجع المشتري
به على البائع إذا رجع إليه، فلا يرجع البائع به على المشتري إذا رجع عليه، لان المفروض قرار الضمان على البائع. (69)
454
وأما ما لا يرجع المشتري به على البائع - كمساوي الثمن من القيمة - فيرجع البائع به على
المشتري إذا غرمه للمالك، والوجه في ذلك حصول التلف في يده.
فإن قلت: إن كلا من البائع والمشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي
سبب للضمان، وحصول التلف في يد المشتري ولا دليل على كونه سببا لرجوع البائع عليه. (70)
458
نعم، لو أتلف بفعله رجع، لكونه سببا " لتنجز الضمان على السابق. (71)
460
قلت: توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف
وصيرورته في عهدة كل منهما، مع أن الشئ الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة واحدة
وإن الموصول في قوله عليه السلام (على اليد ما أخذت) شئ
واحد، كيف يكون على كل واحدة من الأيادي المتعددة؟ (72)
461
فنقول: معني كون العين المأخوذة على اليد: كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه، فإذا فرض أيدي متعددة يكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي، (73)
465
لكن ثبوت الشئ الواحد في العهدات المتعددة معناه: لزوم خروج كل منها عن العهدة عند
تلفه، وحيث أن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه: تسلط
المالك على مطالبة كل منهم بالخروج عن العهدة عند تلفه، فهو يملك ما في ذمة كل منهم على
البدل، بمعنى أنه إذا استوفى أحدها سقط الباقي، لخروج الباقي عن كونها تداركا "، لان
المتدارك لا يتدارك. (74)
والوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي: إن مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل ولا
بدله، فأيها حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شئ له في ذمة واحدة لم يكن
بعنوان البدلية، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.
ويتحقق مما ذكرنا: أن المالك إنما يملك البدل على سبيل البدلية، ويستحيل اتصاف شئ منها
بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف وأصلا إلى المالك.]
466
ويمكن ان يكون نظير ذلك: ضمان المال على طريقة الجمهور، حيث أنه ضم ذمة إلى ذمة أخري، (75)
467
....
469
وضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشتري عندنا - كما في الايضاح - (76)
486
وضمان الأعيان المضمونة على ما استقر به في التذكرة وقواه في الايضاح، (77)
487
وضمان الاثنين لواحد كما إختاره ابن حمزة. (78)
488
وقد حكي فخر الدين والشهيد عن العلامة رحمه الله في درسه: أنه نفي المنع من ضمان الاثنين
على وجه الاستقلال، قال: (ونظيره في العبادات الواجب الكفائي. وفي الأموال
الغاصب من الغاصب.) هذا حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي. (79)
489
وأما حال بعضهم بالنسبة إلى بعض، فلا ريب في أن اللاحق إذا رجع عليه لا يرجع إلى
السابق ما لم يكن السابق موجبا لايقاعه في خطر الضمان، كما لا ريب في أن السابق إذا رجع
عليه وكان غارا للاحقه لم يرجع إليه، إذ لا معني لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه
له (80)
490
فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له، فنقول: إن الوجه في رجوعه هو ان السابق اشتغلت
ذمته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل، فهذا الضمان
يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان المبدل معينا من
دون البدل، وإلا خرج بدله عن كونه بدلا "، (81)
491
فما يدفعه الثاني فإنما هو
تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول، بخلاف ما يدفعه الأول، فإنه تدارك نفس العين معينا، إذ لم يحدث له
تدارك آخر بعد، فإن أداه إلى المالك سقط تدارك
الأول له. (83)
ولا يجوز دفعه إلى الأول قبل دفع الأول إلى المالك، لأنه من باب الغرامة والتدارك، فلا
اشتغال للذمة قبل حصول التدارك، وليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول. (84)
فحال الأول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنه لا يستحق الدفع إليه إلا بعد
الأداء.
والحاصل: أن من تلف المال في يده ضامن لاحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه
في اليد، فيشتغل ذمته إما بتدارك العين وإما بتدارك ما تداركها، وهذا اشتغال شخص واحد
بشيئين لشخصين على البدل، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمة أشخاص على البدل
بشئ واحد لشخص واحد.
505
وربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه إن ذمة من تلف في يده لو
رجع عليه: إن ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وإن جاز له إلزام غيره باعتبار
الغصب بأداء ما اشتغل ذمته به، (85)
فيملك حينئذ من أدي بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية، قال: (وبذلك
اتضح الفرق بين من تلف المال في يده، وبين غيره الذي خطا به بالأداء شرعي لا ذمي، إذ لا
دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو) إنتهي
وأنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده وخطاب غيره بأن خطابه ذمي
وخطاب غيره شرعي، مع كون دلالة (على اليد ما أخذت) بالنسبة إليهما على السواء،
والمفروض أنه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره، مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من
الخطاب بالأداء والخطاب الذمي.
506
مع أنه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كل من ذوي الأيدي مشغول الذمة بالمال
فعلا " ما لم يسقط بأداء أحدهم أو إبراء المالك، نظير الاشتغال بغيره من الديون في اجباره
على الدفع أو الدفع عنه من ماله، وتقديمه على الوصايا والضرب فيه مع الغرماء، ومصالحة
المالك عنه مع آخر، إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمة. (86)
509
مع أن تملك غير من تلف المال لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل، لا يعلم له
سبب اختياري ولا قهري، بل المتجه على ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد
أداء غيره، لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك. مع أن اللازم مما ذكره أن لا يرجع
الغارم فيمن لحقه في اليد العادية إلا إلى من تلف في يده، مع أن الظاهر خلافه، فإنه يجوز له
أن يرجع إلى كل واحد ممن بعده. (87) نعم، لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلى أحد
لواحقه إلى أن يستقر على من تلف في يده. هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري.
511
بيع الفضولي
* بيع المملوك وغيره *
535
مسألة
لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه (1) فعلي القول ببطلان الفضولي فالظاهر أن حكمه
حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله، والحكم فيه: الصحة، لظهور الاجماع، بل دعواه عن
غير واحد، (2)
537
مضافا " إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان الفضولي من قوله عليه السلام: (لا يجوز
بيع ما لا يملك، وقد وجب الشراء فيما يملك) ولما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي
كالشيخ وابن زهرة والحلي وغيرهم. (3)
538
....
539
نعم، لولا النص والاجماع أمكن الخدشة فيه بما سيجئ في بيع ما يملك وما لا يملك. (4)
540
وأما على القول بصحة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة، بل وكذا مع الرد، (5)
543
فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك (6) غاية الامر ثبوت الخيار حينئذ للمشتري مع جهله
بالحال عند علمائنا - كما عن التذكرة، (7) وسيجئ في أقسام الخيار - بل عن الشيخ في الخلاف
تقوية ثبوت الخيار للبائع، لكن عن الغنية الجزم بعدمه،
551
ويؤيده صحيحة الصفار المتقدمة.
وربما حمل كلام الشيخ على ما إذا إدعي البائع الجهل أو الاذن، وكلام الغنية على العالم. (8)
ثم إن صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة
مانع شرعي، كلزوم ربا، وبيع آبق من دون ضميمة، وسيجئ الكلام في محلها. (9)
553
....
555
....
557
ثم إن البيع المذكور صحيح بالنسبة إلى المملوك بحصته من الثمن، وموقوف في غيره بحصته.
(10)
560
....
561
وطريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلي: أن يقوم كل منهما منفردا، فيؤخذ
لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين، (11)
مثاله - كما عن السرائر -: ما إذا كان ثمنها ثلاث دنانير، وقيل: (إن قيمة المملوك قيراط)
وقيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن.
562
وما ذكرنا من الطريق هو المصرح به في الارشاد، حيث قال: (ويسقط المسمي على القيمتين.)
ولعله أيضا مرجع ما في الشرايع والقواعد واللمعة من: أنهما يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما،
ولذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الارشاد، حيث قال: (طريق تقسيط المسمي على
القيمتين إلخ) (12)
564
لكن الانصاف: إن هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الارشاد
التي اخترناها في طريق التقسيط واستظهرناه من السرائر، إذ لو كان المراد من (تقويمهما معا ")
تقويم كل منهما - لا تقويم المجموع - لم يحتج إلى قولهم: (ثم يقوم أحدهما، ثم تنسب قيمته) إذ
ليس هنا إلا أمران: تقويم كل منهما، ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين (13)، فالظاهر إرادة
قيمتهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.
566
ومن هنا أنكر عليهم جماعة - تبعا لجامع المقاصد - إطلاق القول بذلك. (14)
567
إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة، كما في مصراعي باب
وزوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة وتقويم أحدهما بدرهمين وكان الثمن خمسة، فإنه
إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة استحق من البائع
واحدا من الخمسة فيبقي للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد، مع أنه لم يستحق من الثمن
إلا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين ونصفا ". (15)
والحاصل: إن البيع إنما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الإجازة،
ويصح في نصيب المالك بحصة كان يأخذها مع إجازة المالك الجزء الآخر.
568
هذا، ولكن الظاهر إن كلام الجماعة إما محمول على الغالب من: عدم زيادة القيمة ولا
نقصانها بالاجتماع، أو مرادهم من (تقويمهما) تقويم كل منهما منفردا، ويراد (من تقويم أحدهما
ثانيا ") ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين، (16) وإلا ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج
إلى النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها - وإن كان ضعيفا " -
بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد وبين قيمة المجموع، بل ينتقض بصورة مدخلية
الاجتماع في نقصان القيمة بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد، فإن
هذا فرض ممكن (17) - كما صرح به في رهن جامع المقاصد وغيره - فإن الالتزام هنا بالنسبة
المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن، كما لو باع جارية مع أمها قيمتها مجتمعين عشرة،
وقيمة كل واحد منهما منفردة عشرة، بثمانية، فإن نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع
القيمتين نسبة الشئ إلى مماثله، فرجع بكل الثمانية. وكان من أورد عليهم ذلك غفل عن
هذا، أو كان عنده غير ممكن. فالتحقيق في جميع الموارد: ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل
منهما منفردا "، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين. فالزيادة ظلم على المشتري، وإن
كان ما أوهمه عبارة الشرائع وشبهها - من أخذ البائع أربعة، والمشتري واحدا " - أشد ظلما "،
كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة، فاللازم أن يقسط الثمن على قيمة كل من الملكين
منفردا وعلى هيئته الاجتماعية، ويعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا "، ويبقي
للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا وقيمة هيئته الاجتماع.
569
فإن قلت: أن المشتري إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر، وهذا
الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما، فالبائع إنما يستحق من الثمن ما يوزع على ماله
منفردا "، فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة، وهو درهم واحد،
قلت: فوات وصف الانضمام - كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة - ليس مضمونا في باب
المعاوضات وإن كان مضمونا في باب العدوان، غاية الامر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك
الصفة. (18)
570
ولا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع وملك غيره متعددين في الوجود كعبد وجارية، أو
متحدا كعبد ثلثه للبائع وثلثاه لغيره، فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا "، لان
الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان، لكونه أقل رغبة منه، بل يلاحظ قيمة الثلث وقيمة
الثلثين ويؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة. هذا كله في القيمي.
أما المبيع المثلي، فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن على نفس المبيع، فيقابل كل من حصتي
البائع والأجنبي بما يخصه، (19)
571
وإن كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي من: ملاحظة قيمتي الحصتين
وتقسيط الثمن على المجموع، فافهم. (20)
572
بيع الفضولي
* بيع نصف الدار *
575
مسألة لو باع من له نصف الدار نصف ملك الدار، فإن علم أنه أراد نصفه أو نصف الغير عمل به، (1)
577
وإلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله: (بعتك نصف الدار) إلا مفهوم هذا اللفظ،
ففيه إحتمالان: حمله على نصفه المملوك له، وحمله على النصف المشاع بينه وبين الأجنبي (2)
583
--------------------------------------------------------------------------------
فظهر مما ذكرنا: ان التحقيق في المقام الثاني هو الحكم بالصحة مع الحمل على الإشاعة كما في باب
الاقرار وان حكم الفقهاء بالحمل على حصته المختصة لان كلامهم انما هو في
المقام الأول لا في هذا المقام ومن العجب حمل المصنف قدس سره كلماتهم على هذا المقام.
واعجب منه، اعمال الظهورات المذكورة مع أنها لا محل لها فيه أصلا وعلى فرض الرجوع إليها لا
اشكال في حكومتها على ظهور النصف في الإشاعة من غير فرق بين جعل الظاهر لفظ النصف في
مقام البيع أو الفعل الذي هو التمليك كما عرفت فلا وجه لتخصيصه الحكومة بالثاني فتدبر.
ثم إنه إذا كان وليا أو وكيلا في النصف وأجنبيا في النصف الآخر ففي المقام الثاني (اي هذا المقام)
يحمل على الإشاعة على ما هو المختار.
واما إذا كان مالكا للنصف ووليا " أو وكيلا " في النصف الآخر فحال المقام الثاني (اي هذا المقام)
كما مر. ثم هذا كله فيما كان مالكا للنصف المشاع أو وكيلا فيه.
واما إذا كان مالكا للنصف المفروز فباع النصف ولم يعلم انه أراد نصفه المختص المفروز أو المشاع
المشترك، كان علم أنه لم يقصد شيئا من الامرين وانما قصد مفهوم النصف فالتحقيق ان البيع فيه باطل،
وذلك لان النصف كلي من حيث الانفراد والإشاعة فلا بد من قصد أحدي الخصوصيتين مع فرض
العدم فالبيع باطل، بل نقول إذا كان كل الدار له فباع النصف من غير قصد إلى الافراز والإشاعة
يكون بيعه باطلا لمكان جهالة البيع فتدبر. هذا كله بالنسبة إلى هذا المقام (اي المقام الثاني). (ص 192)
النائيني (منية الطالب): لا يخفى ان ظاهر العنوان اختصاص مورد البحث بما إذا علم بان البايع لم
يقصد من قوله بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ.
واما لو علم بأنه أراد من النصف شيئا معينا من نصفه المختص أو نصف غيره أو النصف المشاع في
الحصتين واشتبه المراد، فخارج عن موضوع البحث، مع أنه لا شبهة في تعميم النزاع، لأنه إذا حمل
النصف على الإشاعة أو النصف المختص فيما إذا علم بأنه لم يقصد من قوله: (بعتك نصف الدار) الا
مفهوم هذا اللفظ اجمالا وهو ما ارتكز في أذهان الناس.
586
ولذا يحمل الاقرار على الإشاعة - كما سيجيئ - أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه:
لان بيع مال الغير لا بد فيه: إما من نية الغير، أو إعتقاد كون المال لنفسه، (4)
599
وإما من بنائه على تملكه للمال عدوانا " - كما في بيع الغاصب - والكل خلاف المفروض هنا.
(5)
مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه، وبين قول البائع: (بعت غانما ") مع كون الاسم
مشتركا بين عبده وعبد غيره، حيث إدعي فخر الدين الاجماع على انصرافه إلى عبده، فقاس
عليه ما نحن فيه، إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير فبقي ظهور البيع في وقوعه
لنفس البائع، وانصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف، سليمين عن المعارض،
فيفسر بهما إجمال لفظ المبيع. (6)
600
ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه، فهل هو كالأجنبي؟ وجهان (7)
601
مبنيان على أن المعارض لظهور النصف في المشاع هو إنصراف لفظ (المبيع) إلى مال البائع في
مقام التصرف، أو ظهور التمليك في الأصالة (8)
604
....
605
الأقوى هو الأول، لان ظهور التمليك في الأصالة من باب الاطلاق، (9)
608
وظهور النصف في المشاع وإن كان كذلك أيضا "، (10) إلا أن ظهور المقيد وارد على ظهور المطلق. (11)] -
610
وما ذكره الشهيد الثاني من: عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ، وإن كان مرجعه إلى ظهور
وارد على ظهور المقيد، (12) الا انه مختص بالفضولي، لان القصد الحقيقي موجود في الوكيل والولي،
613
فالأقوى فيهما: الاشتراك في البيع، تحكيما " لظاهر النصف، (13) إلا أن يمنع ظهور (النصف) إلا
في النصف المشاع في المجموع، وأما ملاحظ المالكين وإرادة الإشاعة في الكل من حيث
أنه مجموعهما فغير معلومة، بل معلوم العدم بالفرض. (14)
614
ومن المعلوم: أن النصف المشاع بالمعني المذكور يصدق على نصفه المختص، فقد ملك كليا يملك
مصداقه، (15) فهو كما لو باع كليا سلفا "، مع كونه مأذونا " في بيع ذلك من غيره أيضا "، (16)
617
لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره، فإن الظاهر وقوعه
لنفسه، لأنه عقد على ما يملكه، فصرفه إلى الغير من دون صارف لا وجه له. (17)
618
ولعله لما ذكرنا ذكر جماعة - كالفاضلين والشهيدين وغيرهم - لو أنه أصدق المرأة عينا "،
فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي، لا نصف الباقي
وقيمة نصف الموهوب. (18)
619
وإن ذكروا ذلك احتمالا "، وليس إلا من جهة صدق (النصف) على الباقي، فيدخل في قوله
تعالي: (فنصف ما فرضتم)
وإن كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم: بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا "
للربع التالف من الزوج، ومساويا له من جميع الجهات، (19) بل لا تغاير بينهما إلا بالاعتبار،
فلا وجه لاعتبار القيمة، (20) نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيمية.
لكن الظاهر أنهم لم يريدوا هذا الوجه، وإنهم عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه، (21)
622
فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام (22)
623
ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا: ما ذكروه في باب الصلح من: أنه إذا أقر من بيده المال لاحد
المدعيين للمال بسبب موجب للشركة - كالإرث - فصالحه المقر له على ذلك النصف كان
النصف مشاعا " في نصيبهما فإن أجاز شريكه نفذ في المجموع وإلا نفذ في الربع (23)
624
فإن مقتضى ما ذكروه هنا إختصاص المصالح بنصف المقر له، لأنه إن أوقع مع غير المقر أو
معه، وإن أوقعه على مطلق النصف المشاع إنصرف أيضا إلى حصته، فلا وجه لاشتراكه بينه
وبين شريكه، ولذا اختار سيد مشايخنا قدس الله أسرارهم اختصاصه بالمقر له.
وفصل في المسالك ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف، وبين ما إذا وقع على
النصف الذي أقر به ذو اليد (24)، فاختار مذهب المشهور في الثالث، لان الاقرار منزل على
الإشاعة، وحكم بالاختصاص في الأولين، لاختصاص النصف وضعا في الأول وانصرافا في
الثاني إلى النصف المختص.
واعترضه في مجمع الفائدة: بأن هذا ليس تفصيلا "، بل مورد كلام المشهور هو الثالث،
لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقر به، وتمام الكلام في محله.
632
وعلى كل حال، فلا إشكال في أن لفظ (النصف) المقر به إذا وقع في كلام المالك للنصف
المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه إلى نصفه، يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب
شريكه، (25)
633
ولهذا أفتوا ظاهرا على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف
العين: بأن ثلث العين لفلان، حمل على الثلث المشاع في النصيبين، فلو كذبه الشريك الآخر،
دفع المقر إلى المقر له نصف ما في يده، لان المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف
، لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلى المقر والمقر له على حد سواء، (26) فإنه قدر تالف من العين المشتركة، فيوزع الاستحقاق.
634
ودعوى: أن مقتضى الإشاعة تنزيل المقر به على ما في يد كل منهما، فيكون في يد المقر
سدس، وفي يد المنكر سدس، كما لو صرح بذلك، وقال: (إن له في يد كل منهما سدسا)
وإقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع، فلا يجب إلا أن يدفع إليه ثلث ما في يده
وهو السدس المقر به، وقد تلف السدس الآخر بزعم المقر على المقر له بتكذيب المنكر.
مدفوعة: بأن ما في يد الغير ليس عين ماله، فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره
ودار غيره، وهو مقدار حصته المشاعة، كحصة المقر وحصة المقر له بزعم المقر، إلا أنه لما لم
يجبر المكذب على دفع شئ مما في يده فقد تلف سدس مشاع، يوزع على المقر والمقر له، فلا
معني لحسابه على المقر له وحده، إلا على احتمال ضعيف، وهو تعلق الغصب بالمشاع وصحة
تقسيم الغاصب مع الشريك، فيتمحض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه وما يأخذه الشريك
لنفسه، لكنه احتمال مضعف في محله (27)
643
وإن قال به أو مال إليه بعض - على ما حكي - للحرج أو السيرة. (28)
646
نعم، يمكن أن يقال: بأن التلف في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له
باعتقاد المقر، والشارع إنما أذن له في أخذ ما يأخذه على أنه من مال المقر له، (29)
647
....
648
فالشارع إنما حسب السدس في يد المنكر على المقر له، فلا يحسب منه على المقر شئ، وليس
هذا كأخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتى يحسب على كلا
الشريكين.
والحاصل: ان أخذ الجزء كان بإذن الشارع وإنما أذن له على أن يكون من مال المقر له، و
لعله لذا ذكر الأكثر - بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب - في مسألة الاقرار بالنسب: إن
أحد الأخوين إذا أقر بثالث، دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده، وهو الثلث، ولا يدفع إليه
نصف ما في يده، نظرا إلى أنه أقر بتساويهما في مال المورث، فكل ما حصل كان لهما، وكلما
توي كان كذلك. (30)
649
هذا، ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال من جهة، أن الشارع الزم - بمقتضي الاقرار -
معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به، (30)
ومن المعلوم: أن مقتضى الواقع - لو فرض العلم بصدق المقر - هو كون ما في يده على حسب
اقراره بالمناصفة، وأما المنكر عالما، فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه إلا ما قابل
حقه مما في يدهما، والزائد حق لهما عليه.
وأما مسألة الاقرار بالنسب، فالمشهور وإن صاروا إلى ما ذكر، وحكاه الكليني عن الفضل
بن شاذان على وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته، إلا أنه صرح جماعة ممن تأخر
عنهم بمخالفته للقاعدة حتى قوي في المسالك الحمل على الإشاعة، وتبعه سبطه وسيد الرياض
في شرحي النافع. (31)
650
والظاهر: أن مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث، كالفضل
والكليني، بل وغيرهما. فروي الصدوق مرسلا والشيخ مسندا عن أبي البختري
ووهب بن وهب، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام، قال: (قضي أمير المؤمنين عليه السلام - في
رجل مات وترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه -: أنه يلزم في حصته بقدر ما ورث،
ولا يكون ذلك في ماله كله، وإن أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة،
وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا، وكذلك إن أقر أحد الورثة بأخ أو أخت
فإنما يلزمه ذلك في حصته. وبالاسناد قال: (قال علي عليه السلام: من أقر لأخيه فهو شريك
في المال، ولا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان فكذلك، إلا أن يكونا عدلين، فيثبت نسبه ويضرب
في الميراث معهم.) وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد، وتمام الكلام في
محله من كتاب الاقرار والميراث إنشاء الله. (32)
652
شروط المتعاقدين
* بيع مالا يقبل التملك وما لا يقبله *
653
مسألة
لو باع ما يقبل التملك وما لا يقبله - كالخمر والخنزير - صفقة بثمن واحد، صح في المملوك
عندنا، كما في جامع المقاصد، وإجماعا "، كما عن الغنية. (1)
655
ويدل عليه: إطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة.
ودعوى: انصرافه إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة. (2)
656
بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة، بل اللزوم في العقود، عدا ما يقال من: أن التراضي
والتعاقد إنما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا "، فالحكم بالامضاء في البعض مع
عدم كونه مقصودا إلا في ضمن المركب يحتاج إلى دليل آخر غير ما دل على حكم العقود
والشروط والتجارة عن تراض، (3)
659
ولذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه. (4) وقد نبه عليه في جامع المقاصد في باب فساد
الشرط، وذكر: أن في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا "، وتمام الكلام في باب الشروط، (5)
662
ويكفي هنا الفرق بالنص والاجماع (6). نعم، ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري (7)
663
--------------------------------------------------------------------------------
وكذا على القول بصحته إذا علم عدم الإجازة بل مع عدم الرجاء بحصولها، وذلك لاشتراك وجه
البطلان وهو: الافضاء إلى الجهل بالثمن عند التقسيط.
نعم، إذا كان عالما بان البعض مال الغير لكنة كان واثقا بحصول الإجازة، يمكن الحكم بالصحة لان
المعاملة بحسب الظاهر واثقة على المجموع والمدار على معلومية ثمنه.
واما في الصورتين المتقدمتين، فالمعاملة كأنها واقعة من الأول على خصوص ماله وثمنه مجهول.
ثم لا يخفى انه لا يكفي جهل المشتري فقط، بل لا بد من جهلهما معا "، والا فمع علم البايع فقط أيضا
يكون البيع باطلا " من أجل جهله بالثمن عند التوزيع، وكذا الحال في المسألة المتقدمة ولا يمكن
الالتزام بالبطلان من طرف البايع والصحة من طرف المشتري، لان العقد متقوم بطرفين، فلا يمكن
التفكيك بينهما في الصحة البطلان، فلا وجه لنفي البعد عنه فتدبر. (ص 196)
الإيرواني: يعني: يقيد الحكم بالصحة في المملوك بصورة جهل المشتري بعدم تملك الجزء الآخر ليكون
الثمن في البيع المتوجه انشائه إلى المجموع معلوما " وإن لم يعلم ما يقع منه بإزاء الجزء المملوك واقعا "،
فان المعتبر معلومية ثمن ما أنشأ بيعه لا ما نفذ بيعه والثمن فيما إذا أعتق القبول الجزئين للتملك،
فوجه الانشاء إليهما معلوم بخلاف ما إذا علم بعدم قبول الجزء للتملك والنقل، فإنه لا يتأتى منه
الانشاء إلى نقله الا صوريا " وما يتأتي انشاء نقله بجهل ثمنه.
وهذا البيان ان تم، فإنما يتم فيما لا يقبل الملك والنقل حتى عرفا "، مثل الحر وما لا يجري عليه الملك
لخسة.
اما مثل الخمر والخنزير المتمولين عرفا "، فالقصد إلى بيعهما منفردا فضلا " عن بيعهما منضما " متحقق
بالوجدان، فإذا ضمهما إلى ما هو قابل للنقل شرعا " وعرفا " وانشاء بيع مجموعهما بثمن معلوم صح
البيع في الجزء القابل للنقل بحصته من الثمن وإن لم يعلم مقدار ما يقع بإزائه منه، بناء على أن
المعتبر معلومية العوضين المجعولين في المعاملة دون العوضين الواقعيين الذين نفذت معاملتهما.
ثم لا وجه للتقييد بجهل المشتري في عبارة الكتاب بل اللازم التقييد بجهل المتبايعين جميعا ". (ص 153)
664
....
665
لما ذكره في المسالك وفاقا للمحكي في التذكرة عن الشافعي -: من جهة إفضائه إلى الجهل
بثمن المبيع (8)، قال في التذكرة بعد ذلك: وليس عندي بعيدا " من الصواب الحكم بالبطلان فيما إذا علم
المشتري حرية الآخر، أو كونه مما لا ينقل إليه، إنتهي.
668
ويمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلى نقله عرفا " (9)
وإن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له، فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل حقيقة، (10)
669
فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع وحكمه عليه بالفساد، هو ما كان غررا في نفسه مع قطع
النظر عما يحكم عليه من الشارع، (11)
670
مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن إلى المملوك، لا البطلان: (12)
671
لان المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم على
ضمان المملوك وحده بالثمن، (13)
كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه، حيث قال: (إن هذا الحكم مقيد بجهل
المشتري بعين المبيع أو حكمه وإلا لكان البذل بإزاء المملوك ضرورة ان القصد إلى الممتنع
كلا قصد.) إنتهي. (14)
672
لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور، حيث حكموا بالتقسيط وإن كان مناسبا " لما
ذكروه في بيع مال الغير من العالم من: عدم رجوعه بالثمن إلى البائع، لأنه سلطه عليه مجانا
فإن مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك.
اما لوقوع المجموع في مقابل المملوك - كما عرفت من الحواشي - وإما لبقاء ذلك القسط له
مجانا " - كما قد يلوح من جامع المقاصد والمسالك - (15) إلا أنك قد عرفت إن الحكم هناك لا
يكاد ينطبق على القواعد.
674
تذنيب
675
ثم إن طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال
الغير (16) من: أن العبرة بتقويم كل منهما منفردا "، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.
677
لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك، وقد ذكروا: أن الحر يفرض عبدا بصفاته
ويقوم، والخمر والخنزير يقومان بقيمتهما عند من يراهما مالا "، ويعرف تلك القيمة بشهادة
عدلين مطلعين على ذلك، لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفار.
ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنها شاة.
والخمر بعنوان أنها خل فبان الخلاف، بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل والشاة
كالحر. (17)
678
شروط المتعاقدين
* بيع المصحف من الكافر *
683
مسألة
المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر (1)، ذكره الشيخ والمحقق في الجهاد، والعلامة في
كتبه وجمهور من تأخر عنه.
وعن الإسكافي أنه قال: ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا "، وما يجب على المسلم تعظيمه،
ولا صغيرا من الأطفال، إنتهي.
واستدلوا عليه بوجوب احترام المصحف، وفحوى المنع من بيع العبد المسلم من الكافر. (2)
وما ذكروه حسن وإن كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع.
685
وفي إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف كما صرح به في - المبسوط - والكراهة كما هو صريح
الشرايع (3)، ونسبه الصيمري إلى المشهور، قولان، تردد بينهما العلامة في التذكرة.
ولا يبعد أن يكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلي الله عليه وآله وسلم من طرق الآحاد حكمها
حكم ما علم صدوره منه صلي الله عليه وآله وسلم، وإن كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال
النبي صلي الله عليه وآله وسلم المعلوم صدورها عنه صلي الله عليه وآله وسلم. (4)
وكيف كان، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي صلي الله عليه وآله
وسلم
689