المساقاة
محمد تقي الخوئي
1
الطبعة الأولى
عام الطبع: 1409 ه - ق
2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين
3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه
محمد وعترته الطيبين الطاهرين وبعد فقد لاحظت شطرا
وافرا مما كتبه ولدي وقرة عيني العزيز السيد محمد تقي
حفظه الله وبلغه مناه تقريرا لأبحاثي الفقهية فوجدته
حسن الأسلوب وجميل التعبير وسطا بين الايجاز
والاطناب كافيا ووافيا بالمراد وإني أسأل المولى
جل شأنه أن يبلغ به مقصده ويتم له مرامه وأن
يجعله علما من أعلام الدين وحافظا لشريعة سيد
المرسلين فإنه ولي التوفيق أبو القاسم الموسوي الخوئي
5 جمادى الأولى
1404
5
مباني العروة الوثقى
7
كتاب المساقاة
9
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المساقاة
وهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها،
ولا
اشكال في مشروعيتها في الجملة، ويدل عليه مضافا إلى
العمومات (1)، خبر يعقوب بن شعيب (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام: " سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه،
وفيها رمان أو نخل أو فاكهة، ويقول: أسق هذا من
الماء واعمره ولك نصف ما أخرج، قال: (ع) لا بأس " (1)
وجملة من أخبار خيبر، منها: صحيح الحلبي قال:
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 9 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة،
ح 2.
11
(أخبرني أبو عبد الله (ع) أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
أعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدركت الثمرة
بعث عبد الله بن رواحة.... " " 1 " هذا مع أنها من
المعاملات العقلائية ولم يرد نهي عنها (1) ولا غرر فيها
حتى يشملها النهي عن الغرر.
ويشترط فيها أمور:
(الأول): الايجاب والقبول (2) ويكفي فيها كل
لفظ دال على المعنى المذكور (3) ماضيا كان أو مضارعا
أو أمرا، بل الجملة الإسمية مع قصد الانشاء بأي لغة
كانت، ويكفي القبول الفعلي بعد الايجاب القولي، كما أنه يكفي المعاطاة (4).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 10 من أبواب بيع الثمار، ح 2.
12
(الثاني): البلوغ والعقل والاختيار (1).
(الثالث): عدم الحجر لسفه أو فلس (2).
14
(الرابع): كون الأصل مملوكة عينا ومنفعته، أو منفعة فقط
أو كونه نافذ التصرف فيها لولاية أو وكالة أو تولية (1).
(الخامس): كونها معينة عندهما معلومة لديهما (2).
(السادس): كونها ثابتة مغروسة، فلا تصح في
الودي (3) أي الفسيل قبل الغرس
(السابع): تعيين المدة بالأشهر والسنين (4) وكونها
15
بمقدار يبلغ فيه الثمر غالبا (1). نعم لا يبعد جوازها في
العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر، لأنه
معلوم بحسب التخمين. ويكفي ذلك في رفع الغرر (2)
مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة (3).
(الثامن): أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل
البلوغ (4) بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر،
16
وأما إذا لم يكن كذلك ففي صحتها إشكال (1) وإن كان
محتاجا إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك.
(التاسع) أن يكون الحصة معينة مشاعة (1)، فلا
تصح مع عدم تعينها إذا لم يكن هناك انصراف، كما
لا تصح إذا لم تكن مشاعة بأن يجعل لأحدهما مقدارا معينا
والبقية للآخر. نعم لا يبعد جواز أن يجعل لأحدهما أشجارا
معلومة وللآخر (2)، بل وكذا لو اشترط اختصاص
17
أحدهما بأشجار معلومة (1) والاشتراك في البقية، أو اشترط
لأحدهما مقدار معين مع الاشتراك في البقية إذا علم كون
الثمر أزيد من المقدار وأنه تبقى بقية.
(العاشر): تعيين ما على المالك من الأمور وما على
العامل من الأعمال (2) إذا لم يكن هناك انصراف.
(مسألة 1): لا اشكال في صحة المساقاة قبل ظهور
الثمر (3)، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والادراك
بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف (4) واختلفوا
18
في صحتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ (1)، والأقوى (2)
- كما أشرنا إليه - صحتها، سواء كان العمل مما يوجب
الاستزادة أولا، خصوصا إذا كان في جملتها بعض الأشجار
التي بعد لم يظهر ثمرها (3).
(مسألة 2): الأقوى جواز المساقاة على الأشجار
التي لا ثمر لها وإنما ينتفع بورقتها (4)،
19
كالتوت والحناء ونحوهما.
(مسألة 3): لا يجوز عندهم المساقاة على أصول غير
ثابتة كالبطيخ والباذنجان والقطن وقصب السكر ونحوها وإن
تعددت اللقطات فيها كالأولين، ولكن لا يبعد الجواز
للعمومات (1) وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة، بل
لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك، فإن مقتضى العمومات
الصحة بعد كونه من المعاملات العقلائية، ولا يكون من
الغررية عندهم غاية الأمر أنها ليست من المساقاة المصطلحة (2)
(مسألة 4): لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى
السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمص أصولها من رطوبات
الأرض وإن احتاجت إلى أعمال أخر، ولا يضر عدم
صدق المساقاة حينئذ، فإن هذه اللفظة لم ترد في خبر من
الأخبار (3) وإنما هي اصطلاح العلماء وهذا التعبير منهم
20
مبني على الغالب ولذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد
ظهور الثمر واستغنائها من السقي، وإن ضويق نقول
بصحتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة (1).
(مسألة 5): يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن
21
لم تكن مثمرة إلا بعد سنتين (1)، بشرط تعيين مدة تصير
مثمرة فيها (2) ولو خمس سنين أو أزيد.
(مسألة 6): قد مر أنه لا تصح المساقاة على ودي
غير مغروس، لكن الظاهر جواز ادخاله في المعاملة على
الأشجار المغروسة، بأن يشترط (3) على العامل غرسه في
البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة
بعد أن يصير مثمرا، بل مقتضى العمومات (4) صحة المعاملة
على الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة وإن لم
تكن من المساقاة المصطلحة.
(مسألة 7): المساقاة لازمة (5) لا تبطل إلا بالتقايل
22
أو الفسخ بخيار الشرط أو تخلف بعض الشروط أو بعروض
مانع عام موجب للبطلان أو نحو ذلك.
(مسألة 8): لا تبطل بموت أحد الطرفين (1)،
فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه (2)، ومع موت
العامل يقوم مقامه وارثه. لكن لا يجبر على العمل (3) فإن
اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله، وإلا فيستأجر الحاكم
من تركته (4) من يباشره إلى بلوغ الثمر، ثم يقسم بينه
وبين المالك (5). نعم لو كانت المساقاة مقيدة بمباشرة
العامل تبطل بموته (6). ولو اشتراط عليه (7) المباشرة
23
لا بنحو التقييد فالمالك مخير بين الفسخ - لتخلف الشرط -
واسقاط حق الشرط والرضا باستئجار من يباشر (1).
(مسألة 9): ذكروا أن مع اطلاق عقد المساقاة جملة
من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك، وضابط
الأولى ما يتكرر كل سنة، وضابط الثانية ما لا يتكرر نوعا
وإن عرض له التكرر في بعض الأحوال. فمن الأول
اصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه، وما يتوقف عليه
من الآلات وتنقية الأنهار والسقي ومقدماته كالدلو والرشا
واصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو
نحوه وإزالة الحشيش المضرة وتهذيب جرائد النخل والكرم
والتلقيح واللقاط والتشميس واصلاح موضعه وحفظ الثمرة
إلى وقت القسمة. ومن الثاني حفر الآبار والأنهار وبناء
الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك مما لا يتكرر نوعا.
واختلفوا في بعض الأمور أنه على المالك أو العامل مثل
البقر الذي يدير الدولاب والكش للتلقيح وبناء الثلم ووضع
الشوك على الجدران وغير ذلك. ولا دليل على شئ من
الضابطين (2). فالأقوى أنه إن كان هناك انصراف في
24
كون شئ على العامل أو المالك فهو المتبع (1)، وإلا
فلا بد من ذكر ما يكون على كل منهما رفعا للغرر، ومع
الاطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معا، لأن المال مشترك
بينهما، فيكون ما يتوقف عليه تحصيله عليهما (2).
(مسألة 10): لو اشترطا كون جميع الأعمال على
المالك فلا خلاف بينهم في البطلان، لأنه خلاف وضع
25
المساقاة (1). نعم لو أبقى العامل شيئا من العمل عليه
واشترط كون الباقي على المالك فإن كان يوجب زيادة
الثمرة فلا اشكال في صحته (2)، وإن قيل بالمنع من جواز
جعل العمل على المالك ولو بعضا منه، وإلا - كما في الحفظ
ونحوه - ففي صحته قولان أقواهما الأول (3). وكذا
الكلام (4) إذ كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر
وعدم بقاء عمل إلا مثل الحفظ ونحوه، وإن كان الظاهر
في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه، كما مر.
26
(مسألة 11): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه
من بعض الأعمال، فإن لم يفت وقته فللمالك اجباره على
العمل (1) وإن لم يمكن فله الفسخ (2). وإن فات
وقته فله الفسخ بخيار تخلف الشرط (3). وهل له أن لا
يفسخ ويطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلى حصته (4) بمعنى
أن يكون مخيرا بين الفسخ وبين المطالبة بالأجرة؟ وجهان
بل قولان: أقواهما ذلك (5).
27
(ودعوى): أن الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط
لمن له على وجه يكون من أمواله، بل أقصاه التزام من
عليه الشرط بالعمل واجباره عليه والتسلط على الخيار بعدم
الوفاء به.
(مدفوعة): بالمنع من عدم إفادته التمليك وكونه
قيدا في المعاملة لا جزءا من العوض يقابل بالمال، لا ينافي
إفادته لملكية من له الشرط إذا كان عملا من الأعمال على
من عليه.
والمسألة سيالة في سائر العقود، فلو شرط في
عقد البيع على المشتري - مثلا - خياطة ثوب في وقت معين
وفات الوقت فللبايع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخياطة وهكذا.
(مسألة 12): لو شرط العامل على المالك أن يعمل
غلامه معه صح (1)، أما لو شرط أن يكون تمام العمل
28
على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على
المالك، وقد مر عدم الخلاف في بطلانه، لمنافاته لمقتضى
وضع المساقاة (1) ولو شرط العامل على المالك أن يعمل
غلامه في البستان الخاص بالعامل فلا ينبغي الاشكال في
صحته، وإن كان ربما يقال بالبطلان، بدعوى: أن عمل
الغلام في قبال عمل العامل فكأنه صار مساقيا بلا عمل منه
ولا يخفى ما فيها (2) ولو شرطا أن يعمل غلام المالك
للعامل تمام عمل المساقاة، بأن يكون عمله له بحيث يكون
كأنه هو العامل - ففي صحته وجهان لا يبعد الأول (3)،
لأن الغلام حينئذ كأنه نايب عنه في العمل بإذن المالك،
29
وإن كان لا يخلو عن اشكال مع ذلك: ولازم القول
بالصحة الصحة في صورة اشترط تمام العمل على المالك
بعنوان النيابة عن العامل.
(مسألة 13): لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة
مباشرا للعمل بنفسه (1)، فيجوز له أن يستأجر في بعض
أعمالها أو في تمامها ويكون عليه الأجرة، ويجوز أن يشترط
كون أجرة بعض الأعمال على المالك، والقول بالمنع لا وجه
له (2)، وكذا يجوز أن يشترط كون الأجرة عليهما معا
30
في ذمتهما (1) أو الأداء من الثمر (2)، وأما لو شرط
على المالك أن يكون أجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر
ففي صحته وجهان: (أحدهما): الجواز، لأن التصدي
لاستعمال الأجرة نوع من العمل، وقد تدعو الحاجة إلى
من يباشر ذلك لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم
31
وعدمها، والمالك ليس له معرفة بذلك. (الثاني):
المنع لأنه خلاف وضع المساقاة والأقوى الأول (1)
هذا ولو شرطا كون الأجرة حصة مشاعة من الثمر بطل
للجهل بمقدار مال الإجارة (2)، فهي باطلة.
(مسألة 14): إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل
32
العقد (1) وكان جميعه للمالك (2)، وحينئذ فإن شرط
انفراد العامل به استحق أجرة المثل لعلمه (3) وإن شرطا
انفراد المالك به لم يستحق العامل شيئا لأنه حينئذ متبرع
بعمله (4).
(مسألة 15): إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل
والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه فالظاهر عدم
اعتبار العلم بمقدار كل واحد (5). فيجوز المساقاة عليها
33
بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم يعلم عدد كل نوع،
إلا إذا كان الجهل بها موجبا للغرر (1).
34
(مسألة 16): يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة
للحصة من النوع الآخر، كأن يجعل النخل بالنصف والكرم
بالثلث والرمان بالربع مثلا وهكذا (1) واشترط بعضهم
في هذه الصورة العلم بمقدار كل نوع، ولكن الفرق بين
هذه الصورة وصورة اتحاد الحصة في الجميع غير واضح (2)
35
والأقوى الصحة (1) مع عدم الغرر (2) في الموضعين،
والبطلان معه فيهما.
(مسألة 17): لو ساقاه بالنصف - مثلا - إن سقي
بالناضح وبالثلث إن سقي بالسيح ففي صحته قولان،
36
أقواهما الصحة (1)، لعدم إضرار مثل هذه الجهالة، لعدم
ايجابها الغرر مع أن بناءها على تحمله. خصوصا على
القول بصحة مثله في الإجارة (2)، كما إذا قال: إن
خطت روميا فبدرهمين وإن خطت فارسيا فبدرهم.
(مسألة 18): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر
شيئا من ذهب أو فضة أو غيرهما (3) مضافا إلى الحصة من
الفائدة، والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئا
من ذهب أو فضة، ومستندهم في الكراهة غير واضح
كما أنه لم يتضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها
بالعكس أيضا، وكذا اختصاصها بالذهب والفضة أو
جريانها في مطلق الضميمة، والأمر سهل.
(مسألة 19): في صورة اشتراط شئ من الذهب
37
والفضة أو غيرهما على أحدهما إذ تلف بعض الثمرة هل
ينقص منها شئ أو لا؟ وجهان: أقواهما العدم (1) فليس
قرارهما مشروطا بالسلامة، نعم لو تلفت الثمرة بجميعها
أو لم تخرج أصلا ففي سقوط الضميمة وعدمه أقوال،
ثالثها الفرق بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط وبين العكس
38
فلا تسقط (1)، رابعها الفرق بين صورة عدم الخروج
40
أصلا فتسقط وصورة التلف فلا (1). والأقوى عدم
السقوط مطلقا (2) لكونه شرطا في عقد لازم فيجب الوفاء
به. (ودعوى): أن عدم الخروج أو التلف كاشف عن
عدم صحة المعاملة من الأول لعدم ما يكون مقابلا للعمل،
أما في صورة كون الضميمة للمالك فواضح، أما مع كونها
للعامل، فلأن الفائدة ركن في المساقاة، فمع عدمها لا
يكون شئ في مقابل العمل، والضميمة المشروطة لا تكفي
في العوضية فتكون المعاملة باطلة من الأول، ومعه لا يبقى
وجوب الوفاء بالشرط. (مدفوعة) مضافا إلى عدم
تماميته بالنسبة إلى صورة التلف (3) لحصول العوض بظهور
41
الثمر وملكيتها وإن تلف بعد ذلك، بأنا نمنع (1) كون
المساقاة معاوضة بين حصة من الفائدة والعمل بل حقيقتها
تسليط من المالك للعامل على الأصول للاستمناء له وللمالك
ويكفيه احتمال الثمر وكونها في معرض ذلك. ولذا
لا يستحق العامل أجرة عمله (2) إذا لم يخرج أو خرج وتلف
42
بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضم الضميمة بدعوى
الكشف عن بطلانها من الأول واحترام عمل المسلم، فهي
نظير المضاربة حيث إنها أيضا تسليط على الدرهم أو الدينار
للاسترباح له وللعامل، وكونها جايزة دون المساقاة لا يكفي
في الفرق. كما أن ما ذكره في الجواهر من الفرق بينهما
بأن في المساقاة يقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التي يراد
منها الحصة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وأما
المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول الثمرة ولا يكفي
الاحتمال، مجرد دعوى لا بينة لها.
و (دعوى): أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر
عدم خروج الثمر لا يصح المساقاة، ولازمه البطلان إذا
لم يعلم ذلك ثم انكشف بعد ذلك (1)، (مدفوعة):
بأن الوجه في عدم الصحة كون المعاملة سفهية (2) مع العلم
43
بعدم الخروج من الأول بخلاف المفروض، فالأقوى
ما ذكرنا من الصحة (1) ولزوم الوفاء بالشرط - وهو
تسليم الضميمة - وإن لم يخرج شئ أو تلف بالآفة. نعم
لو تبين عدم قابلية الأصول للثمر - إما ليبسها أو لطول
عمرها أو نحو ذلك - كشف عن بطلان المعاملة من الأول (2)
ومعه يمكن استحقاق العامل للأجرة إذا كان جاهلا بالحال (3).
(مسألة 20): لو جعل المالك للعامل مع الحصة من
الفائدة ملك حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا ففي صحته
مطلقا، أو عدمها كذلك، أو التفصيل بين أن يكون
44
ذلك بنحو الشرط فيصح أو على وجه الجزئية فلا، أقوال
والأقوى الأول (1).
45
للعمومات (1)، ودعوى: أن ذلك على خلاف وضع
المساقاة، كما ترى (2)، كدعوى: أن مقتضاها أن يكون
العمل في ملك المالك (3)، إذ هو أول الدعوى. والقول
بأنه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه. ففيه:
أنه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه غرض أو فائدة، كما
في المقام حيث إن تلك الأصول وإن لم يكن للمالك الشارط
46
إلا أن عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصته من نمائها.
ودعوى: أنه إذا كانت تلك الأصول للعامل بمقتضى الشرط
فاللازم تبعية نمائها لها. مدفوعة: بمنعها بعد أن كان
المشروط له الأصل فقط في عرض تملك حصة من نماء
الجميع. نعم لو اشترط كونها له على وجه يكون نماءها
له بتمامه كان كذلك، لكن عليه تكون تلك الأصول
بمنزلة المستثنى من العمل، فيكون العمل فيما عداها مما هو
للمالك بإزاء الحصة من نماءه مع نفس تلك الأصول.
(مسألة 21): إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج
الثمر أصلا هل يجب على العامل اتمام السقي؟ قولان،
أقواهما العدم (1).
(مسألة 22): يجوز أن يستأجر المالك أجيرا للعامل
مع تعينه نوعا ومقدارا بحصة من الثمرة أو بتمامها بعد
47
الظهور وبدو الصلاح (1)، بل وكذا قبل البدو (2)، بل
قبل الظهور أيضا إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين (3)
وأما قبل الظهور عاما فالظاهر عدم جوازه، لا لعدم
معقولية تمليك ما ليس بموجود (4). لأنا نمنع عدم
48
المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده المستقبلي، ولذا يصح
مع الضميمة أو عامين، حيث إنهم اتفقوا عليه في بيع
الثمار، وصرح به جماعة ههنا. بل لظهور اتفاقهم على
عدم الجواز، كما هو كذلك في بيع الثمار. ووجه المنع
هناك خصوص الأخبار الدالة عليه، وظاهرها أن وجه
المنع الغرر، لا عدم معقولية تعلق الملكية بالمعدوم، ولولا
ظهور الاجماع في المقام لقلنا بالجواز (1) مع الاطمئنان
بالخروج بعد ذلك، كما يجوز بيع ما في الذمة مع عدم
كون العين موجودا فعلا عند ذيها، بل وإن لم يكن في
الخارج أصلا، والحاصل: أن الوجود الاعتباري يكفي
في صحة تعلق الملكية، فكأن العين موجودة في عهدة الشجر
كما أنها موجودة في عهدة الشخص.
49
(مسألة 23): كل موضع بطل فيه عقد المساقاة
يكون الثمر للمالك (1) وللعامل أجرة المثل لعمله (2)، إلا
إذا كان عالما بالبطلان ومع ذلك أقدم على العمل (3) أو
كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك (4)،
50
حيث أنه بمنزلة المتبرع في هاتين الصورتين، فلا يستحق
أجرة المثل على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة.
51
(مسألة 24): يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة
كأن يقول: ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن
أساقيك على هذا الآخر بالثلث. والقول بعدم الصحة
لأنه كالبيعين في بيع المنهي عنه (1) ضعيف لمنع كونه من
هذا القبيل (2)، فإن المنهي عنه البيع حالا بكذا ومؤجلا
بكذا، أو البيع على تقدير كذا بكذا، وعلى تقدير آخر
بكذا (3)، والمقام نظير أن يقول: بعتك داري بكذا
على أن أبيعك بستاني بكذا، ولا مانع منه، لأنه شرط
مشروع في ضمن العقد.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 12 باب 12 من أبواب عقد البيع، ح 12
(2) التهذيب: ج 7 ص 230.
52
(مسألة 25): يجوز تعدد العامل (1)، كأن يساقي
اثنين بالنصف له والنصف لهما، مع تعيين عمل كل منهما
بينهم أو فيما بينهما (2)، وتعيين حصة كل منهما (3).
وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل، كما إذا كان البستان
مشتركا بين اثنين فقالا لواحد: ساقيناك على هذا البستان
بكذا، وحينئذ فإن كانت الحصة المعينة للعامل منهما سواء
- كالنصف أو الثلث مثلا - صح وإن لم يعلم العامل كيفية
شركتهما (4) وأنها بالنصف أو غيره، وإن لم يكن سواء
- كان يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر
بالثلث مثلا - فلا بد من علمه بمقدار حصة كل منهما،
53
لرفع الغرر والجهالة في مقدار حصته من الثمر (1).
(مسألة 26): إذا ترك العامل العمل بعد اجراء العقد ابتداءا
أو في الأثناء فالظاهر أن المالك مخير بين الفسخ أو الرجوع
54
إلى الحاكم الشرعي (1) فيجبره على العمل، وإن لم يمكن
أستأجر من ماله من يعمل عنه أو بأجرة مؤجلة إلى وقت
الثمر فيؤديها منه، أو يستقرض عليه ويستأجر من يعمل
عنه، وإن تعذر الرجوع إلى الحاكم أو تعسر فيقوم بالأمور
المذكورة عدول المؤمنين (2) بل لا يبعد جواز اجباره
نفسه (3)
55
أو المقاصة من ماله (1) أو استئجار المالك عنه (2) ثم
الرجوع عليه أو نحو ذلك. وقد يقال بعدم جواز الفسخ
إلا بعد تعذر الاجبار (3) وأن اللازم كون الاجبار من
الحاكم مع امكانه (4)، وهو أحوط وإن كان الأقوى
56
التخيير بين الأمور المذكورة (1). هذا إذا لم يكن مقيدا
بالمباشرة وإلا فيكون مخيرا بين الفسخ والاجبار (2) ولا
يجوز الاستيجار عنه للعمل (3). نعم لو كان اعتبار
المباشرة بنحو الشرط (4) لا القيد يمكن اسقاط حق
الشرط (5) والاستيجار عنه أيضا.
(مسألة 27): إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل
جاز إذا لم يشترط المباشرة (6)، بل لو أتى به من غير
57
قصد التبرع عنه أيضا كفى (1) بل ولو قصد التبرع عن
المالك كان كذلك أيضا (2)، وإن كان لا يخلو من اشكال
فلا يسقط حقه من الحاصل، وكذا لو ارتفعت الحاجة
إلى بعض الأعمال، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج
إلى النزح من الآبار، خصوصا إذا كانت العادة كذلك
وربما يستشكل بأنه نظير الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع
بنفسه فإن الأجير لا يستحق الأجرة لعدم صدور العمل
المستأجر عليه منه، فاللازم في المقام أيضا عدم استحقاق
ما يقابل ذلك العمل. ويجاب بأن وضع المساقاة وكذا
المزارعة على ذلك، فإن المراد حصول الزرع والثمرة،
فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل، وإن استغنى عنه
بفعل الله أو بفعل الغير سقط واستحق حصته، بخلاف
58
الإجارة، فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه.
ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحيانا
- كالاستقاء بالمطر - مع بقاء ساير الأعمال، وأما لو كان
على خلافه - كما إذا لم يكن عليه إلا السقي واستغنى عنه
بالمطر أو نحوه كلية - فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور
عمل منه أصلا مشكل (1).
(مسألة 28): إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل
عن اتمام العمل يكون الثمر له (2) وعليه أجرة المثل (3)
للعامل بمقدار ما عمل، هذا إذا كان قبل ظهور الثمر،
59
وإن كان بعده يكون للعامل حصته (1) وعليه الأجرة
للمالك (2) إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء وإلا فله
60
الاجبار على القطع بقدر حصته، إلا إذا لم يكن له قيمة
أصلا فيحتمل أن يكون للمالك كما قبل الظهور (1).
(مسألة 29): قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك
العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه ويرجع عليه إما
مطلقا - كما لا يبعد - (2) أو بعد تعذر الرجوع إلى الحاكم
لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالاشهاد
على الاستيجار عنه، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه
حتى بينه وبين الله، وفيه ما لا يخفى (3) فالأقوى أن الاشهاد
للاثبات ظاهرا، وإلا فلا يكون شرطا للاستحقاق، فمع
العلم به أو ثبوته شرعا يستحق الرجوع وإن لم يكن أشهد
على الاستيجار. نعم لو اختلفا في مقدار الأجرة فالقول
61
قول العامل في نفي الزيادة وقد يقال (1) بتقديم قول
المالك لأنه أمين وفيه ما لا يخفى.
وأما لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد الرجوع
عليه، فالظاهر تقديم قول المالك، لاحترام ماله وعمله إلا
إذا ثبت التبرع، وإن كان لا يخلو عن إشكال بل يظهر من
بعضهم تقديم قول العامل.
(مسألة 30): لو تبين بالبينة أو غيرها (2) أن
62
الأصول كانت مغصوبة فإن أجاز المغصوب منه المعاملة
صحت المساقاة (1)
63
وإلا بطلت (1)، وكان تمام الثمر للمالك المغصوب منه (2)
ويستحق العامل أجرة المثل على الغاصب (3) إذا كان
جاهلا بالحال (4) إلا إذا كان مدعيا عدم الغصبية وأنها
64
كانت للمساقي، إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه، لاعترافه
بصحة المعاملة وأن المدعي أخذ الثمرة منه ظلما. هذا إذا
كانت الثمرة باقية. وأما لو اقتسماها وتلفت عندهما،
فالأقوى أن للمالك الرجوع بعوضها على كل من الغاصب
والعامل بتمامه (1) وله الرجوع على كل منهما بمقدار
65
حصته (1) فعلى الأخير لا إشكال (2). وإن رجع على
أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصته (3)، إلا
إذا اعترف بصحة العقد وبطلان دعوى المدعي للغصبية
لأنه حينئذ معترف بأنه غرمه ظلما، وقيل: إن المالك
مخير بين الرجوع على كل منهما بمقدار حصته وبين الرجوع
على الغاصب بالجميع (4) فيرجع هو على العامل بمقدار
حصته، وليس له الرجوع على العامل بتمامه، إلا إذا
كان عالما بالحال (5). ولا وجه له بعد ثبوت يده على
الثمر بل العين أيضا. فالأقوى ما ذكرناه (6)، لأن يد
67
كل منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين
ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان
عليه. هذا ويحتمل (1) في أصل المسألة كون قرار الضمان
68
على الغاصب مع جهل العامل، لأنه مغرور من قبله
ولا ينافيه ضمانه لأجرة عمله، فإنه محترم، وبعد فساد
المعاملة لا يكون الحصة عوضا عنه، فيستحقها، واتلافه
الحصة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له.
(مسألة 31): لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي
غيره مع اشتراط المباشرة (1) أو مع النهي عنه (2).
وأما مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقا - كما في الإجارة
والمزارعة - وإن كان لا يجوز تسليم الأصول إلى العامل
الثاني إلا بإذن المالك (3)، أو لا يجوز مطلقا وإن أذن
المالك، أو لا يجوز إلا مع إذنه، أو لا يجوز قبل ظهور
الثمرة ويجوز بعده (4) أقوال،
69
أقواها الأول (1) ولا دليل على القول بالمنع مطلقا أو
70
في الجملة بعد شمول العمومات (1) من قوله تعالى:
(أوفوا بالعقود) و (تجارة عن تراض). وكونها على
خلاف الأصل (2) فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم (3)
ممنوع بعد شمولها (4). ودعوى: أنه يعتبر فيها كون
الأصل مملوكا للمساقي أو كان وكيلا من المالك، أو وليا
عليه، كما ترى، إذ هو أول الدعوى (5).
(مسألة 32): خراج السلطان في الأراضي الخراجية
على المالك (6) لأنه إنما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين
71
لا الغرس الذي هو للمالك، وإن أخذ على الغرس
فبملاحظة الأرض، ومع قطع النظر عن ذلك أيضا كذلك
فهو على المالك مطلقا (1) إلا إذا اشترط كونه على العامل (2)
أو عليهما بشرط العلم بمقداره.
(مسألة 33): مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل
للحصة من الثمر من حين ظهوره، والظاهر عدم الخلاف
فيه (3) إلا من بعض العامة حيث قال بعدم ملكية له إلا
بالقسمة قياسا على عامل القراض، حيث إنه لا يملك الربح
إلا بعد الانضاض. وهو ممنوع عليه حتى في المقيس عليه (4)
72
نعم لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحته (1).
ويتفرع على ما ذكرنا فروع: (منها) ما إذا مات
العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل
فإن المعاملة تبطل من حينه والحصة تنتقل إلى وارثه على
ما ذكرنا (2).
73
(ومنها): ما إذا أفسخ أحدهما بخيار الشرط أو
الاشتراط بعد الظهور (1) وقبل القسمة أو تقايلا.
74
(ومنها): ما إذا حصل مانع عن اتمام العمل بعد
الظهور (1).
(ومنها): ما إذا خرجت الأصول عن القابلية لادراك
الثمر ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور، فإن
الثمر في هذه الصورة مشترك بين المالك والعامل وإن لم
يكن بالغا (2).
75
(ومنها): في مسألة الزكاة فإنها تجب على العامل
أيضا إذا بلغت حصته النصاب، كما هو المشهور، لتحقق
سبب الوجوب، وهو الملكية له حين الانعقاد أو بدو
الصلاح على ما ذكرنا، بخلافه إذا قلنا بالتوقف على
القسمة (1): نعم خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة
هنا وفي المزارعة، بدعوى: أن ما يأخذه كالأجرة، ولا
يخفى ما فيه من الضعف، لأن الحصة قد ملكت بعقد
المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة، لا بطريق الأجرة (2).
مع أن مطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزكاة، بل إذا
تعلق المالك بها بعد الوجوب وأما إذا كانت مملوكة
قبله فتجب زكاتها كما في المقام وكما لو جعل مال الإجارة
لعمل زرعا قبل ظهور ثمره فإنه يجب على المؤجر زكاته
إذا بلغ النصاب، فهو نظير ما إذا اشترى زرعا قبل
76
ظهور الثمر.
هذا وربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في
المقام، ويعلل بوجهين آخرين:
(أحدهما): أنها إنما تجب بعد اخراج المؤن، والفرض
كون العمل في مقابل الحصة فهي من المؤن، وهو كما
ترى (1)، وإلا لزم احتساب أجرة عمل المالك والزارع
لنفسه أيضا، فلا نسلم أنها حيث كانت في قبال العمل
تعد من المؤن.
77
(الثاني): أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكن
من التصرف، وفي المقام وإن حصلت الملكية للعامل
بمجرد الظهور، إلا أنه لا يستحق التسلم إلا بعد تمام
العمل. وفيه: مع فرض تسليم عدم التمكن من التصرف
أن اشتراطه مختص بما يعتبر في زكاته الحول - كالنقدين
والأنعام - لا في الغلات (1)، ففيها وإن لم يتمكن من
78
التصرف حال التعلق يجب اخراج زكاتها بعد التمكن على
الأقوى، كما بين في محله. ولا يخفى أن لازم كلام هذا
القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصة على المالك أيضا (1)
- كما اعترف به - فلا يجب على العامل، لما ذكر، ولا
يجب على المالك لخروجها عن ملكه.
(مسألة 34): إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه
فالقول قول منكره (2)، وكذا لو اختلفا في اشتراط
شئ على أحدهما وعدمه (3) ولو اختلفا في صحة العقد
وعدمها قدم قول مدعي الصحة (4) ولو اختلفا في قدر
79
حصة العامل قدم قول المالك المنكر للزيادة (1) وكذا
لو اختلفا في المدة (2). ولو اختلفا في قدر الحاصل قدم
قول العامل (3) وكذا لو ادعى المالك عليه سرقة أو
اتلافا أو خيانة (4). وكذا لو ادعي عليه أن التلف كان
بتفريطه إذا كان أمينا له كما هو الظاهر.
ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدعيه
عليه، بناءا على ما هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة (5)
خلافا للعلامة في التذكرة في المقام.
80
(مسألة 35): إذا ثبت الخيانة من العامل بالبينة أو
غيرها، هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان:
أقواهما العدم (1)، لأنه مسلط على ماله، وحيث إن
المالك أيضا مسلط على حصته فله أن يستأجر أمينا يضمه
81
مع العامل، والأجرة عليه لأن ذلك لمصلحته. ومع عدم
كفايته في حفظ حصته جاز رفع يد العامل (1) واستيجار
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 17 ب 12 من أبواب كتاب احياء الموات، ح 1.
82
من يحفظ الكل والأجرة على المالك أيضا (1).
(مسألة 36): قالوا المغارسة باطلة (2) وهي أن
يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس
بينهما سواء اشترط كون حصة من الأرض أيضا للعامل
أو لا. ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف
القاعدة. بل ادعى جماعة الاجماع عليه. نعم حكي عن
الأردبيلي وصاحب الكفاية الاشكال فيه، لامكان استفادة
الصحة من العمومات. وهو في محله (3) إن لم يتحقق
83
الاجماع ثم على البطلان يكون الغرس لصاحبه (1) فإن
كان من مالك الأرض فعليه أجرة عمل الغارس (2) إن
كان جاهلا بالبطلان (3)، وإن كان للعامل فعليه أجرة
85
الأرض للمالك (1) مع جهله به (2)، وله الابقاء بالأجرة (3)
أو الأمر بقلع الغرس (4)، أو قلعه بنفسه (5)، وعليه
أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع (6) ويظهر من
86
جماعة أن عليه تفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا. ولا
دليل عليه بعد كون المالك مستحقا للقلع (1). ويمكن
حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل
بسبب القلع إذا حصل، بأن انكسر - مثلا - بحيث لا يمكن
غرسه في مكان آخر. ولكن كلمات الآخرين لا تقبل هذا
الحمل، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم
والمقلوع، حيث قالوا: مع ملاحظة أوصافه الحالية من
كونه في معرض الابقاء مع الأجرة أو القلع. ومن الغريب
ما عن المسالك من ملاحظة كون قلعه مشروطا بالأرش
لا مطلقا، فإن استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته،
87
فينبغي أن يلاحظ أيضا في مقام التقويم. مع أنه مستلزم
للدور (1)، كما اعترف به. ثم إنه إن قلنا بالبطلان يمكن
تصحيح المعاملة بادخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة
أو نحوهما مع مراعاة شرائطهما (2)، كأن تكون الأصول
مشتركة بينهما إما بشرائها بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر
نصفا منها - مثلا - إذا كانت من أحدهما فيصالح صاحبه
الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه - مثلا - أو بنصف
عينها على أن يشتغل بغرسها وسيقه إلى زمان كذا أو
يستأجره للغرس والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة
الأرض مثلا.
(مسألة 37): إذا صدر من شخصين مغارسة ولم
يعلم كيفيتها وأنها على الوجه الصحيح أو الباطل - بناءا
على البطلان - يحمل فعلهما على الصحة (3) إذا ماتا أو
اختلفا في الصحة والفساد.
88
تذنيب:
في الكافي عن أبي عبد الله (ع): (من أراد أن يلقح
النخل إذا كان لا يجود عملها ولا يتبعل بالنخل فيأخذ
حيتانا صغارا يابسة فيدقها بين الدقين ثم يذر في كل طلعة
منها قليلا ويصر الباقي في صرة نظيفة ثم يجعله في قلب
النخل ينفع بإذن الله تعالى) (1).
وعن الصدوق في كتاب العلل بسنده عن عيسى بن
جعفر العلوي عن آبائه (ع): " إن النبي صلى الله عليه وآله قال:
مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود فسألوا إليه
ما بهم، فقال (ع): دواء هذا معكم وليس تعلمون،
أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب، وليس هكذا
يجب، بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثم
تصبوا التراب، كي لا يقع الدود، فاستأنفوا كما وصف
فأذهب عنهم ذلك " (2).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 6 من أبواب المزارعة والمساقاة ح 1.
(2) الوسائل: ج 13 باب 2 من أبواب المزارعة والمساقاة ح، 1.
90
وفي خبر عن أحدهما (ع): قال: تقول إذا غرست
أو زرعت: ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت
وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) (1).
وفي خبر آخر (إذا غرست غرسا أو نبتا فأقرأ على كل
عود أو حبة: سبحان الباعث الوارث، فإنه لا يكاد
يخطئ إن شاء الله (2).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 5 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 5.
(2) الوسائل: ج 13 باب 5 من أبواب المزارعة والمساقاة، ح 4.
91
كتاب الضمان
93
كتاب الضمان
وهو من الضمن (1)، لأنه موجب لتضمن ذمة الضامن
للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له، فالنون فيه
أصلية كما يشهد له سائر تصرفاته من الماضي والمستقبل
وغيرهما. وما قيل (2) من احتمال كونه من الضم، فيكون
النون زائدة، واضح الفساد، إذ - مع منافاته لساير مشتقاته - (3)
لازمه كون الميم مشددة وله اطلاقان: اطلاق بالمعنى
95
الأعم الشامل للحوالة والكفاية أيضا، فيكون بمعنى التعهد
بالمال أو النفس. واطلاق بالمعنى الأخص، وهو التعهد
بالمال عينا أو منفعة أو عملا، وهو المقصود من هذا
الفصل.
ويشترط فيه أمور:
أحدها: الايجاب (1)، ويكفي فيه كل لفظ دال،
بل يكفي الفعل الدال (2) - ولو بضميمة القرائن - على
التعهد والالتزام بما على غيره من المال.
الثاني: القبول من المضمون له (3). ويكفي فيه
أيضا كل ما دل على ذلك من قول أو فعل وعلى هذا
فيكون من العقود المفتقرة إلى الايجاب والقبول. كذا
ذكروه. ولكن لا يبعد (4)
96
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 2 من أبواب كتاب الضمان، ح 1.
97
دعوى عدم اشتراط القبول على حد سائر العقود اللازمة
بل يكفي رضى المضمون له سابقا أو لاحقا، كما عن
الإيضاح والأردبيلي، حيث قالا: يكفي فيه الرضا ولا
يعتبر القبول العقدي، بل عن القواعد: وفي اشتراط
قبوله احتمال (1)، ويمكن استظهاره من قضية الميت
المديون الذي امتنع النبي صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه حتى
98
ضمنه علي (ع) (1) وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في
العقود من الترتيب والموالاة وساير ما يعتبر في قبولها.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 3 من أبواب كتاب الضمان، ح 2 و 3.
(2) الوسائل: ج 13 باب 2 من أبواب كتاب الضمان، ح 2.
99
وأما رضى المضمون عنه فليس معتبرا فيه (1)، إذ يصح
الضمان التبرعي، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا حيث
لا يعتبر رضاه.
وهذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان
100
عنه ضررا عليه أو حرجا (1) من حيث كون تبرع هذا
الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه، كما إذا تبرع وضيع دينا
عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا.
الثالث: كون الضامن بالغا عاقلا، فلا يصح ضمان
الصبي (2)
101
وإن كان مراهقا (1) بل وإن أذن الولي على اشكال (2)
ولا ضمان المجنون (3) إلا إذا كان أدواريا في دور إفاقته (4)
وكذا يعتبر كون المضمون له بالغا عاقلا (5). وأما
102
المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك (1)، فيصح كونه صغيرا
مجنونا، نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض (2).
الرابع: كونه مختارا (3) فلا يصح ضمان المكره (4).
الخامس: عدم كونه محجورا لسفه (5) إلا بإذن الولي
103
وكذا المضمون له (1) ولا بأس بكون الضامن مفلسا (2)
فإن ضمانه نظير اقتراضه، فلا يشارك المضمون له مع
الغرماء.
وأما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلسا (3)
ولا بأس بكون المضمون عنه (4) سفيها أو مفلسا،
لكن لا ينفع إذنه في جواز الرجوع عليه (5).
104
السادس: أن لا يكون الضامن مملوكا غير مأذون من
قبل مولاه على المشهور، لقوله تعالى: (لا يقدر على
شئ) (1). ولكن لا يبعد صحة ضمانه وكونه في ذمته
يتبع به بعد العتق، كما عن التذكرة والمختلف، ونفي
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 15 باب 45 من أبواب مقدمات الطلاق ح 1.
106
القدرة منصرف عما لا ينافي حق المولى (1). ودعوى.
أن المملوك لا ذمة له، كما ترى، ولذا لا اشكال في ضمانه
لمتلفاته هذا، وأما إذا أذن له مولاه فلا اشكال في صحة
107
ضمانه (1). وحينئذ فإن عين كونه في ذمته نفسه، أو في
ذمة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه، فهو المتبع (2)
أن أطلق الإذن ففي كونه في ذمة المولى، أو في كسب
المملوك، أو في ذمته يتبع به بعد عتقه أو كونه متعلقا
برقبته، وجوه وأقوال أوجهها الأول، لانفهامه عرفا (3)
كما في إذنه في الاستدانة لنفقته أو لأمر آخر، وكما في إذنه
في التزويج حيث أن المهر والنفقة على مولاه ودعوى:
الفرق بين الضمان والاستدانة، بأن الاستدانة موجبة لملكيته
وحيث أنه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه،
بخلاف الضمان حيث إنه لا ملكية فيه. مدفوعة: بمنع
108
عدم قابلية للملكية (1). وعلى فرضه أيضا لا يكون
فارقا بعد الانفهام العرفي (2).
السابع: التنجيز (3)، فلو علق الضمان على شرط كأن
110
يقول أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي، أو ضامن
إن لم يف المديون إلى زمان كذا، أو إن لم يف أصلا
بطل على المشهور، لكن لا دليل عليه بعد صدق الضمان
وشمول العمومات العامة إلا دعوى الاجماع في كلي العقود
على أن اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير
111
أو دعوى منافاة التعليق للانشاء (1) وفي الثاني ما لا يخفى (2)
112
وفي الأول منع تحققه في المقام (1) وربما يقال: لا يجوز
تعليق الضمان، ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع
كون الضمان مطلقا. وفيه: أن تعليق الوفاء عين تعليق
الضمان ولا يعقل التفكيك (2). نعم في المثال الثاني يمكن
113
أن يقال: بامكان تحقق الضمان منجزا مع كون الوفاء معلقا
على عدم وفاء المضمون له (1)، لأنه يصدق أنه ضمن
الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة، إذ حقيقته
قضية تعليقية، إلا أن يقال: بالفرق بين الضمان العقدي
والضمان اليدي.
114
الثامن: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه،
سواء كان مستقرا كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار
فيه، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري كما إذا
115
ضمن الثمن الكلي للبايع أو المبيع الكلي للمشتري أو البيع
الشخصي قبل القبض (1)، وكالمهر قبل الدخول ونحو
ذلك، فلو قال أقرض فلانا كذا وأنا ضامن، أو بعه
116
نسيئة وأنا ضامن، لم يصح على المشهور (1). بل عن
التذكرة الاجماع. قال: (لو قال لغيره مهما أعطيت فلانا
فهو علي لم يصح اجماعا). ولكن ما ذكروه من الشرط
ينافي جملة من الفروع الآتية. ويمكن أن يقال (2) بالصحة
117
إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلا، بل مطلقا
لصدق الضمان وشمول العمومات العامة، وإن لم يكن من
الضمان المصطلح عندهم (1)، بل يمكن منع عدم كونه
منه أيضا.
التاسع: أن لا تكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون
عنه بمثل الدين الذي عليه، على ما يظهر من كلماتهم في
بيان الضمان بالمعنى الأعم، حيث قالوا: إنه بمعنى التعهد
بمال أو نفس، فالثاني الكفالة والأول إن كان ممن عليه
للمضمون عنه مال فهو الحوالة، وإن لم يكن فضمان
بالمعنى الأخص. ولكن لا دليل على هذا الشرط (2)،
118
فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضمانا فإن
كان بأذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان (1)، وإلا فيبقى
الذي للمضمون عنه عليه، وتفرغ ذمته مما عليه بضمان
الضامن تبرعا، وليس من الحوالة، لأن المضمون عنه على
التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتى تكون حوالة،
ومع الاغماض عن ذلك غاية ما يكون أنه يكون داخلا في
كلا العنوانين، فيترتب عليه ما يختص بكل منهما مضافا
إلى ما يكون مشتركا.
119
العاشر: امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه
عند الضامن على وجه يصح معه القصد إلى الضمان.
ويكفي التميز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن (1). فالمضر
هو الابهام والترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين، ولو
لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع
فرض تحقق الدينين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو
لواحد، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد
ولو قال: ضمنت الدين الذي على فلان، ولم يعلم أنه
لزيد أو لعمرو، أو الدين الذي لفلان، ولم يعلم أنه على
120
زيد أو على عمرو صح (1) لأنه متعين واقعا. وكذا لو قال:
ضمنت لك على الناس، أو قال: ضمنت عنك كلما
كان عليك لكل من كان من الناس. ومن الغريب
ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون
له بالوصف والنسب، أو العلم باسمهما ونسبهما: مع أنه
لا دليل عليه أصلا، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو
أضيق دائرة من سائر العقود.
(مسألة 1): لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار
الدين، ولا بجنسه، ويمكن أن يستدل عليه مضافا إلى
العمومات العامة (2)، وقوله صلى الله عليه وآله: (الزعيم غارم) (3)
121
بضمان علي بن الحسين (ع) لدين عبد الله بن الحسن،
وضمانه لدين محمد بن أسامة (1)، لكن الصحة مخصوصة
بما إذا كان له واقع معين، وأما إذا لم يكن كذلك
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 1 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
(2) الوسائل: ج 13 باب 55 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
122
- كقولك - ضمنت شيئا من دينك - فلا يصح (1) ولعله
مراد من قال: إن الصحة إنما هي فيما إذا كان يمكن
العلم به بعد ذلك، فلا يرد عليه ما يقال: من عدم الاشكال
في الصحة مع فرض تعينه واقعا، وإن لم يمكن العلم به
فيأخذ بالقدر المعلوم. هذا وخالف بعضهم فاشتراط العلم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 2 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
123
به، لنفي الغرر والضرر. ورد بعدم العموم في الأول
لاختصاصه بالبيع، أو مطلق المعاوضات (1) وبالاقدام
في الثاني (2) ويمكن الفرق بين الضمان التبرعي والإذني
124
فيعتبر في الثاني دون الأول، إذ ضمان علي بن الحسين (ع)
كان تبرعيا (1) واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع
بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضات (2)، إذا كان بالإذن
مع قصد الرجوع على الإذن. وهذا التفصيل لا يخلو
عن قرب.
(مسألة 2): إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة
انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وتبرأ
125
ذمة المضمون عنه، بالاجماع والنصوص (1)، خلافا
للجمهور حيث أن الضمان عندهم ضم إلى ذمة. وظاهر
كلمات الأصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به
على هذا النحو. ويمكن الحكم بصحته حينئذ للعمومات (2).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 2 من أبواب كتاب الضمان، ح 1،
126
(مسألة 3): إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن برئت
ذمته وذمة المضمون عنه (1) وإن أبرأ ذمة المضمون عنه
127
لم يؤثر شيئا، فلا تبرء ذمة الضامن، لعدم المحل للابراء
بعد برائته بالضمان، إلا إذا استفيد منه الابراء من الدين
الذي كان عليه، بحيث يفهم منه عرفا ابراء ذمة الضامن
وأما في ضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة فإن أبرء ذمة
المضمون عنه برئت ذمة الضامن أيضا، وإن أبرء ذمة
الضامن فلا تبرء ذمة المضمون عنه كذا قالوا، ويمكن
أن يقال: ببراءة ذمتها على التقديرين (1)
128
(مسألة 4): الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون
له (1)، فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون
129
عنه، وتبين اعساره (1) وكذا لا يجوز للمضمون له
فسخه والرجوع على المضمون عنه، لكن بشرط ملاءة
الضامن حين الضمان أو علم المضمون له باعساره (2)،
بخلاف ما لو كان معسرا حين الضمان وكان جاهلا باعساره
ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور، بل الظاهر
عدم الخلاف فيه، ويستفاد من بعض الأخبار أيضا (3)
130
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 4 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
131
والمدار - كما أشرنا إليه - في الاعسار واليسار على حال
الضمان، فلو كان موسرا ثم أعسر لا يجوز له الفسخ (1)
133
كما أنه لو كان معسرا ثم أيسر يبقى الخيار (1) والظاهر
عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالاعسار بين كون
المضمون عنه أيضا معسرا أو لا (2).
وهل يلحق بالاعسار
تبين كونه مماطلا مع يساره في ثبوت الخيار أو لا؟
وجهان (3).
134
(مسألة 5): يجوز اشتراط الخيار في الضمان (1)
135
للضامن والمضمون له، لعموم أدلة الشروط (1) والظاهر
136
جواز اشتراط شئ لكل منهما (1) كما إذا قال الضامن:
(أنا الضمان بشرط أن تخيط لي ثوبا)، أو قال المضمون
له: (أقبل الضامن بشرط أن تعمل لي كذا). ومع
التخلف يثبت للشارط خيار تخلف الشرط (2).
(مسألة 6): إذا تبين كون الضامن مملوكا وضمن
من غير إذن مولاه أو بأذنه وقلنا إنه يتبع بما ضمن بعد
137
العتق، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له (1).
(مسألة 7): يجوز ضمان الدين الحال حالا (2)
ومؤجلا (3) وكذا ضمان المؤجل حالا ومؤجلا بمثل ذلك
الأجل أو أزيد أو أنقص (4) والقول بعدم صحة الضمان
إلا مؤجلا (5)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كتاب النهاية ص 315.
138
وأنه يعتبر فيه لأجل كالسلم، ضعيف (1)، كالقول
بعدم صحة ضمان الدين المؤجل حالا (2) أو بالنقص ودعوى
139
أنه من ضمان ما لم يجب، كما ترى (1).
(مسألة 8): إذا ضمن الدين الحال موجلا بإذن
المضمون عنه فالأجل للضامن لا للدين، فلو أسقط الضامن
أجله وأدى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون
عنه (2) لأن الذي عليه كان حالا ولم يصر مؤجلا بتأجيل
140
الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحل ما عليه
وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه
واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجلا حتى بالنسبة إلى
المضمون عنه ضعيف (1).
(مسألة 9): إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك،
فمات وحل ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع
على المضمون عنه إلا بعد حلول أجل أصل الدين، لأن
الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول (2) على
المضمون عنه وكذا لو أسقط أجله وأدى الدين قبل الأجل
141
لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء
الأجل (1).
(مسألة 10): إذا ضمن الدين المؤجل حالا بإذن
المضمون عنه فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز
للضامن ذلك، وإلا فلا يجوز إلا بعد انقضاء الأجل (2)
الإذن في الضمان أعم من كونه حالا.
(مسألة 11): إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله
وأداه ليس له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء
أجله (3). وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأداه
جاز له الرجوع عليه، على ما مر من أن أجل الضمان
142
لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجلا. وكذا إذا مات
بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته
فإنه يرجع على المضمون عنه (1).
(مسألة 12): إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه
برئت ذمته، ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه
أو أمره (2) إلا أن يأذن له في الأداء عنه تبرعا منه في
وفاء دينه، كأن يقول: (أد ما ضمنت عني وأرجع
به علي) على اشكال (3) في هذه الصورة أيضا من حيث
إن مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به، وإذا
143
ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء (1) وإن لم يكن بإذنه
لأنه بمجرد الإذن في الضمان اشتغلت ذمته من غير توقف
على شئ، نعم لو إذن له في الضمان تبرعا فضمن ليس
له الرجوع عليه، لأن الإذن على هذا الوجه كلا إذن.
(مسألة 13): ليس للضامن الرجوع على المضمون
عنه في صورة الإذن إلا بعد أداء مال الضمان (2) على
المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه وإنما يرجع عليه بمقدار
ما أدى، فليس له المطالبة قبله، إما لأن ذمة الضامن وإن
اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة المضمون عنه
144
لا تشتغل إلا بعد الأداء وبمقداره، وإما لأنها تشتغل
حين الضمان لكن بشرط الأداء، فالأداء على هذا كاشف
عن الاشتغال من حينه، وإما لأنها وإن اشتغلت بمجرد
الضمان إلا أن جواز المطالبة مشروط بالأداء. وظاهرهم
هو الوجه الأول. وعلى أي حال لا خلاف في أصل الحكم
وإن كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة واشتغال ذمته من
حين الضمان (1) في قبال اشتغال ذمة الضامن سواء أدى
أم لم يؤد. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ثبت
145
بالاجماع وخصوص الخبر: (عن رجل ضمن ضمانا
ثم صالح عليه، قال: ليس له إلا الذي صالح عليه (1)
بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلا ما خسر.
ويتفرع على ما ذكروه: أن المضمون له لو أبرء ذمة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 6 من أبواب أحكام الضمان، ح 1،
(2) الوسائل: ج 13 باب 6 من أبواب أحكام الضمان، ح 2.
146
الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه
أصلا (1) وإن أبرأه من البعض ليس له الرجوع بمقداره
وكذا لو صالح معه بالأقل - كما هو مورد الخبر - وكذا
لو ضمن عن الضامن ضامن تبرعا فأدى، فإنه حيث لم يخسر
بشئ لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه (2).
وكذا لو وفاه عنه غيره تبرعا.
(مسألة 14): لو حسب المضمون له على الضامن
ما عليه خمسا أو زكاة أو صدقة، فالظاهر أن له الرجوع
على المضمون عنه (3)، ولا يكون في حكم الابراء.
147
وكذا لو أخذه منه ثم رده عليه هبة (1). وأما لو وهبه
ما في ذمته فهل هو كالابراء أو لا؟ وجهان (2). ولو
مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع
به على المضمون عنه (3).
148
(مسألة 15): لو باعه أو صالحه المضمون له بما
يساوي أقل من الدين، أو وفاه الضامن بما يساوي أقل
منه، فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه
إلا بمقدار ما يساوي. وهو مشكل بعد كون الحكم على
خلاف القاعدة (1) وكون القدر المسلم غير هذه الصور،
149
وظاهر خبر الصلح الرضا من الدين بأقل منه (1)، لا ما
إذا صالحه بما يساوي أقل منه. وأما لو باعه أو صالحه
أو وفاه الضامن بما يساوي أزيد فلا إشكال في عدم جواز
الرجوع بالزيادة (2).
(مسألة 16): إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن
مقدار ما ضمن قبل أدائه، فإن كان ذلك بعنوان، الأمانة
ليحتسب بعد الأداء عما عليه، فلا اشكال ويكون في يده
150
أمانة، لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط (1).
وإن كان بعنوان وفاء ما عليه، فإن قلنا باشتغال ذمته حين
الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن، أو
قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف
فهو صحيح ويحتسب وفاءا، لكن بشرط حصول الأداء
من الضامن على التقدير الثاني، وإن قلنا: أنه لا تشتغل
ذمته إلا بالأداء وحينه - كما هو ظاهر المشهور - (2)
فيشكل صحته وفاءا، لأن المفروض عدم اشتغال ذمته بعد
فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد (3)، وبعد الأداء
151
ليس له الاحتساب إلا بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به (1).
152
(مسألة 17): لو قال الضامن للمضمون عنه: (ادفع
عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان) فدفع برئت
ذمتها معا، أما الضامن: فلأنه قد أدى دينه، وأما
المضمون عنه: فلأن المفروض أن الضامن لم يخسر. كذا
قد يقال: والأوجه أن يقال: إن الضامن حيث أمر المضمون
عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء (1). والمفروض
أن ذمة المضمون عنه أيضا مشغولة له، حيث أنه أذن له
في الضمان. فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن
من حيث كونه بأمره، ولاشتغال ذمة المضمون عنه حيث
إن الضمان بإذنه، وقد وفي الضامن (2). فيتهاتران،
أو يتقاصان (3) واشكال صاحب الجواهر في اشتغال ذمة
153
الضامن بالقول المزبور (1) في غير محله (2).
(مسألة 18): إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له
من غير إذن الضامن برئا معا (3). كما لو دفعه أجنبي عنه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كتاب الجواهر ج 26 ص 155.
155
(مسألة 19): إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن
بإذنه وأدى ليس له الرجوع على المضمون عنه (1)، بل
على الضامن (2). بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه
ضامن بإذنه (3)، فإنه بالأداء يرجع على الضامن، ويرجع
هو على المضمون عنه الأول (4).
(مسألة 20): يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا
المضمون له (5). وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه (6).
156
وفي الصورة الأولى لا يرجع على المضمون عنه مع أذنه في
الضمان إلا بذلك الأقل (1) كما أن في الثانية لا يرجع عليه
إلا بمقدار الدين (2)، إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان
بالزيادة (3).
(مسألة 21): يجوز الضمان بغير جنس الدين (4)
158
كما يجوز الوفاء بغير الجنس (1)، وليس له أن يرجع على
المضمون عنه إلا بالجنس الذي عليه (2) إلا برضاه.
(مسألة 22): يجوز الضمان بشرط الرهانة، فيرهن
بعد الضمان (3)
159
بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو
شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان (1).
161
(مسألة 23): إذا كان على الدين الذي على المضمون
عنه رهن فهل ينفك بالضمان أو لا؟ يظهر من المسالك
والجواهر انفكاكه (1)، لأنه بمنزلة الوفاء. لكنه لا يخلو
عن اشكال. هذا مع الاطلاق، وأما مع اشتراط البقاء
162
أو عدمه فهو المتبع (1).
(مسألة 24): يجوز اشتراط الضمان في مال معين على
وجه التقييد (2)
163
أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام
في الالتزام (1) وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك
المال (2) بمعنى صرفه فيه وعلى الأول: إذا تلف ذلك
المال يبطل الضمان (3) ويرجع المضمون له على المضمون
عنه. كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته.
وعلى الثاني: لا يبطل بل يوجب الخيار (4) لمن له
164
الشرط من الضامن أو المضمون له أو هما. ومع النقصان
يجب على الضامن الاتمام (1) مع عدم الفسخ وأما جعل
الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن، بأن
يكون الدين في عهدة ذلك المال، فلا يصح (2).
165
(مسألة 25): إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في
كسبه، فإن قلنا أن الضامن هو المولى - للانفهام العرفي (1)
أو لقرائن خارجية - يكون من اشتراط الضمان في مال معين
وهو الكسب الذي للمولى، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى
ذمة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود
ويبطل إن كان على وجه التقييد (2) وإن انعتق يبقى
166
وجوب الكسب عليه (1). وإن قلنا أن الضامن هو
المملوك، وأن مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى
الضمان، فإذا مات لا يجب على المولى شئ (2)، وتبقى
ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها. وإن
انعتق يبقى الوجوب عليه (3).
167
(مسألة 26): إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد (1)
فإما أن يكون على التعاقب، أو دفعة. فعلى الأول:
الضامن من رضي المضمون له بضمانه (2) ولو أطلق الرضا
بها كان الضامن هو السابق. ويحتمل قويا (3) كونه كما
إذا ضمنا دفعة، خصوصا بناءا على اعتبار القبول من
المضمون له، فإن الأثر حاصل بالقبول نقلا لا كشفا.
168
وعلى الثاني: إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن (1)
وإن رضي بهما معا ففي بطلانه - كما عن المختلف وجامع
المقاصد واختاره صاحب الجواهر - أو التقسيط بينهما بالنصف
أو بينهم بالثلث - إن كانوا ثلاثة - وهكذا. أو ضمان كل
منهما، فللمضمون له مطالبة من شاء - كما في تعاقب
الأيدي - وجوه أقواها: الأخير (2). وعليه: إذا أبرء
169
المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر (1) إلا إذا علم
أرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمة ذلك الواحد.
172
(مسألة 27): إذا كان له على رجلين مال، فضمن
كل منهما ما على الآخر بإذنه، فإن رضي المضمون له بهما
صح (1)، وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنسا وقدرا
تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر. ويظهر الثمر في
الاعسار واليسار (2) وفي كون أحدهما عليه رهن دون
الآخر، بناءا على افتكاك الرهن بالضمان. وإن كانا مختلفين
قدرا أو جنسا أو تعجيلا وتأجيلا أو في مقدار الأجل
فالثمر ظاهر. وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر
كان الجميع عليه (3) وحينئذ فإن أدى الجميع رجع على
الآخر بما أدى، حيث إن المفروض كونه مأذونا منه.
173
وإن أدى البعض، فإن قصد كونه مما عليه أصلا أو مما
عليه ضمانا فهو المتبع (1) ويقبل قوله إن ادعى ذلك (2)
وأن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط. ويحتمل
القرعة. ويحتمل كونه مخيرا في التعيين بعد ذلك والأظهر
الأول (3).
174
وكذا الحال في نظائر المسألة (1) كما إذا كان عليه دين
177
وعليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدى مقدار أحدهما
أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن المبيع،
وهكذا. فإن الظاهر في الجميع التقسيط. وكذا الحال
إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد
كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي. ويقبل قوله
إذا أدعى التعيين في القصد (1) لأنه لا يعلم إلا من قبله.
(مسألة 28): لا يشترط علم الضامن حين الضمان
بثبوت الدين على المضمون عنه (2) كما لا يشترط العلم
بمقداره (3) فلو ادعى رجل على آخر دينا فقال: " علي
178
ما عليه " صح. وحينئذ فإن ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه
سواء كانت سابقة أو لاحقة (1)، وكذا إن ثبت بالاقرار
السابق على الضمان، أو باليمين المردودة (2) كذلك (3)
وأما إذا أقر المضمون عنه بعد الضمان أو ثبت باليمين
المردودة فلا يكون حجة على الضامن إذا أنكره (4) ويلزم
عنه بأدائه في الظاهر (5) ولو اختلف الضامن والمضمون
179
له في ثبوت الدين أو في مقداره، فأقر الضامن أو رد
اليمين على المضمون له فحلف، ليس له الرجوع على
180
المضمون عنه إذا كان منكرا (1) وإن كان أصل الضمان
بإذنه. ولا بد في البينة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين
الضمان، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم
181
سبقه على الضمان أو لحقه لم يجب على الضامن أداءه (1).
(مسألة 29): لو قال الضامن: (علي ما تشهد به
البينة) وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا
الكلام، لأنها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين
ثابتا حينه. فما في الشرائع من الحكم بعدم الصحة لا وجه
له، ولا للتعليل الذي ذكره بقوله: (لأنه لا يعلم ثبوته
في الذمة) (2). إلا أن يكون مراده في صورة اطلاق
182
البينة المحتمل للثبوت بعد الضمان (1) وأما ما في الجواهر
من أن مراده بيان عدم صحة ضمان ما يثبت بالبينة من حيث
كونه كذلك (2)، لأنه من ضمان ما لم يجب حيث لم يجعل
العنوان ضمان ما في ذمته لتكون البينة طريقا (3) بل جعل
العنوان ما يثبت بها، والفرض وقوعه قبل ثبوته بها.
فهو - كما ترى - لا وجه له (4).
183
(مسألة 30): يجوز الدور في الضمان (1)، بأن
يضمن عن الضامن ضامن آخر، ويضمن عنه المضمون عنه
الأصيل. وما عن المبسوط من استلزامه صيرورة الفرع
أصلا وبالعكس (2)، ولعدم الفائدة، لرجوع الدين
كما كان. مدفوع: بأن الأول غير صالح للمانعية (3)،
185
بل الثاني أيضا كذلك (1). مع أن القاعدة تظهر في
الاعسار واليسار (2)، وفي الحلول والتأجيل، والإذن
وعدمه. وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال (3).
(مسألة 31): إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن
عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها
من الوجوه التي تنطبق عليه (4)، إذا كانت ذمته مشغولة
186
بها فعلا، بل وإن لم تشتغل فعلا، على اشكال.
187
(مسألة 32): إذا كان الدين الذي على المديون
زكاة أو خمسا جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي (1)
188
بل ولآحاد الفقراء على اشكال (1).
(مسألة 33): إذا ضمن في مرض موته، فإن كان
بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل،
190
لأنه ليس من التبرعات، بل هو نظير القرض والبيع
بثمن المثل نسيئة (1). وإن لم يكن بإذنه، فالأقوى
خروجه من الأصل كسائر المنجزات (2). نعم على القول
بالثلث يخرج منه.
(مسألة 34): إذا كان ما على المديون يعتبر فيه
مباشرته لا يصح ضمانه (3) كما إذا كان عليه خياطة ثوب
191
مباشرة وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معين للمديون (1)
192
وكذا لا يجوز ضمان الكلي في المعين (1)، كما إذا باع صاعا
من صبرة معينة، فإنه لا يجوز الضمان عنه والأداء من
غيرها مع بقاء تلك الصبرة موجودة.
(مسألة 35): يصح ضمان النفقة الماضية للزوجة،
لأنه دين على الزوج (2)، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها
193
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة آية 233.
194
إذا كانت ممكنة في صبيحته، لوجوبها عليه حينئذ (1)
وإن لم تكن مستقرة لاحتمال نشوزها في أثناء النهار، بناءا
على سقوطها بذلك. وأما النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها
عندهم، لأنه من ضمان ما لم يجب (2) ولكن لا يبعد
صحته (3) لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية، وأما
196
نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى، لعدم
كونها دينا على من كانت عليه (1). إلا إذا أذن للقريب
أن يستقرض وينفق على نفسه (2)، أو أذن له الحاكم في
ذلك (3)، إذ حينئذ يكون دينا عليه وأما بالنسبة إلى
ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب مضافا إلى أن وجوب الانفاق
حكم تكليفي ولا تكون النفقة في ذمته. ولكن مع ذلك
لا يخلو عن اشكال (4).
197
(مسألة 36): الأقوى جواز ضمان مال الكتابة، سواء
كانت مشروطة أو مطلقة، لأنه دين في ذمة العبد (1)،
وإن لم يكن مستقرا لامكان تعجيز نفسه.
والقول بعدم
الجواز مطلقا (2)، أو في خصوص المشروطة (3) معللا
بأنه ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم. ضعيف كتعليله (4)
198
وربما يعلل: بأن لازم ضمانه لزوم، مع أنه بالنسبة إلى
المضمون عنه غير لازم، فيكون في الفرع لازما مع أنه
في الأصل غير لازم. وهو أيضا كما ترى (1).
199
(مسألة 37): اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة
قبل الاتيان بالعمل، وكذا مال السبق والرماية، فقيل
بعدم الجواز، لعدم ثبوته في الذمة قبل العمل، والأقوى
وفاقا لجماعة - الجواز (1)، لا لدعوى ثبوته في الذمة
من الأول وسقوطه إذا لم يعمل، ولا لثبوته من الأول
بشرط مجئ العمل في المستقبل، إذ الظاهر أن الثبوت
إنما هو بالعمل، بل لقوله تعالى: (ولمن جاء به حمل
بعير وأنا به زعيم " 1 ") (2).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة يوسف آية 72.
200
ولكفاية المقتضي للثبوت في صحة الضمان (1) ومنع اعتبار
الثبوت الفعلي كما أشرنا إليه سابقا.
201
(مسألة 38): اختلفوا في جواز ضمان الأعيان
المضمونة - كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما -
202
على قولين، ذهب إلى كل منهما جماعة والأقوى الجواز (1)
203
سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردها عينا ومثلها
204
أو قيمتها على فرض التلف أو كان المراد ضمانها بمعنى
التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وآله:
(الزعيم غارم " 1 ") (1)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مستدرك الوسائل: باب 1 من أبواب كتاب الضمان، ح 2.
205
والعمومات العامة (1)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 1 من أبواب الضمان، ح 1.
206
مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود " 1 "). ودعوى: أنه
على التقدير الأول يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام
بردها مع أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى.
وأيضا لا اشكال في أن الغاصب أيضا مكلف بالرد،
فيكون من ضم ذمة إلى أخرى، وليس من مذهبنا، وعلى
الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنه على الأول
أيضا كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف.
مدفوعة: بأنه لا مانع منه بعد شمول العمومات، غاية
الأمر أنه ليس من الضمان المصطلح. وكونه من ضمان
ما لم يجب، لا يضر بعد ثبوت المقتضي (1)، ولا دليل
على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نص أو اجماع (2)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المائدة: 1.
207
- وإن اشتهر بين الألسن - بل في جملة من الموارد حكموا
بصحته، وفي جملة منها اختلفوا فيه فلا اجماع.
وأما ضمان الأعيان غير المضمونة - كمال المضاربة
والرهن والوديعة قبل تحقق سبب ضمانها من تعد أو
تفريط - فلا خلاف بينهم في عدم صحته. والأقوى
بمقتضى العمومات صحته أيضا (1).
(مسألة 39): يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان
درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقا للغير،
أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته إذا كان
ذلك بعد قبض الثمن - كما قيد به الأكثر - أو مطلقا
208
- كما أطلق آخر - وهو الأقوى (1). قيل: وهذا مستثنى
من عدم ضمان الأعيان (2). هذا وأما لو كان البيع
صحيحا وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل
209
القبض، فعلى المشهور لم يلزم الضامن فيرجع على البائع
لعدم ثبوت الحق وقت الضمان (1)، فيكون من ضمان
210
ما لم يجب. بل لو صرح بالضمان إذا حصل الفسخ لم
يصح بمقتضى التعليل المذكور. نعم في الفسخ بالعيب
السابق أو اللاحق اختلفوا في أنه هل يدخل في العهدة
ويصح الضمان أو لا؟ فالمشهور على العدم (1) وعن
بعضهم: دخوله، ولازمه الصحة مع التصريح (2)
ودعوى: أنه من ضمان ما لم يجب. مدفوعة: بكفاية
وجود السبب (3). هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن
إذا حصل الفسخ، وأما بالنسبة إلى مطالبة الأرش، فقال
بعض من منع من ذلك بجوازها، لأن الاستحقاق له ثابت
عند العقد (4)، فلا يكون من ضمان ما لم يجب وقد
عرفت أن الأقوى صحة الأول أيضا، وأن تحقق السبب
211
حال العقد كاف (1). مع امكان دعوى: أن الأرش
أيضا لا يثبت إلا بعد اختياره ومطالبته (2)، فالصحة فيه
أيضا (3) من جهة كفاية تحقق السبب ومما ذكرنا ظهر
حال ضمان درك المبيع للبائع (4).
(مسألة 40): إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض
المبيع مستحقا، فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك
البعض (5). وفي البعض الآخر يتخير المشتري بين الامضاء
والفسخ لتبعيض الصفقة، فيرجع على البايع بما قابله.
214
وعن الشيخ: جواز الرجوع على الضامن بالجميع، ولا
وجه له (1).
(مسألة 41): الأقوى (2) - وفاقا للشهيدين - صحة
215
ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة
إذا ظهر كونها مستحقة للغير وقلع البناء والغرس، فيضمن
الأرش، وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن البايع.
خلافا للمشهور، لأنه من ضمان ما لم يجب. وقد عرفت
ضعفه هذا ولو ضمنه البايع قيل: لا يصح أيضا كالأجنبي
وثبوته بحكم الشرع لا يقتضي صحة عقد الضمان المشروط
بتحقق الحق حال الضمان. وقيل: بالصحة (1)، لأنه
لازم بنفس العقد، فلا مانع من ضمانه، لما مر من كفاية
تحقق السبب، فيكون حينئذ للضمان سببان: نفس العقد
والضمان بعقده، وتظهر الثمرة فيما إذا أسقط المشتري
عنه حق الضمان الثابت بالعقد، فإنه يبقي الضمان العقدي
217
كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما. وقد
يورد عليه بأنه لا معنى لضمان شخص عن نفسه، والمقام
من هذا القبيل. ويمكن أن يقال: لا مانع منه مع تعدد
الجهة (1). وأما إذا اشترط ضمانه فلا بأس به، ويكون
مؤكدا لما هو لازم العقد (2).
(مسألة 42): لو قال عند خوف غرق السفينة:
(الق متاعك في البحر وعلي ضمانه) صح بلا خلاف بينهم
218
بل الظاهر الاجماع عليه (1) وهو الدليل عندهم. وأما إذا
لم يكن لخوف الغرق، بل لمصلحة أخرى من خفة السفينة
أو نحوها، فلا يصح عندهم. ومقتضى العمومات صحته
أيضا (2).
219
تتمة
221
قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة - الاتفاقية أو
الخلافية: - أن ما ذكروه في أول الفصل من تعريف الضمان
وأنه نقل الحق الثابت من ذمة إلى أخرى، وأنه لا يصح
في غير الدين، ولا في غير الثابت حين الضمان، لا وجه
له، وأنه أعم من ذلك حسب ما فصل (1).
(مسألة 1): لو اختلف المضمون له والمضمون عنه
في أصل الضمان (2)، فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره
المضمون له، فالقول قوله (3) وكذا لو ادعى أنه ضمن
223
تمام ديونه وأنكره المضمون له، لأصالة بقاء ما كان عليه (1)
ولو اختلفا في اعسار الضامن حين العقد ويساره (2) فادعى
المضمون له اعساره، فالقول قول المضمون عنه (3)
224
وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه (1)
فإن القول قول المضمون عنه (2).
وكذا لو اختلفا في
صحة الضمان وعدمها (3).
(مسألة 2): لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل
الضمان، أو في ثبوت الدين وعدمه، أو في مقداره أو في مقدار
ما ضمن أو في اشتراط تعجيله، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا
أو في اشتراط شئ عليه زائدا على أصل الدين، فالقول
قول الضامن (4)، ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه
228
حالا، أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا، أو وفاء أو براء
المضمون له عن جميعه أو بعضه، أو تقييده بكونه من مال
معين (1) والمفروض تلفه، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن (2)
أو اشتراط شئ على المضمون له، أو اشتراط كون الضمان
بما يساوي الأقل من الدين، قدم قول المضمون له (3).
(مسألة 3): لو اختلف الضامن والمضمون عنه في
الإذن وعدمه، أو في وفاء الضامن حتى يجوز له الرجوع
229
وعدمه، أو في مقدار الدين الذي ضمن وأنكر المضمون
عنه الزيادة أو في اشتراط شئ على المضمون عنه (1) أو
اشتراط الخيار للضامن (2)، قدم قول المضمون عنه (3)
ولو اختلفا في أصل الضمان أو في مقدار الدين الذي ضمنه
وأنكر الضامن الزيادة، فالقول قول الضامن (4).
230
(مسألة 4): إذا أنكر الضامن الضمان فأستوفي الحق منه
بالبينة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو
الدين (1)، لاعترافه بكونه أخذ منه ظلما. نعم لو كان
مدعيا مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان، ولم يكن منكرا
لأصل الدين، وفرض كون المضمون عنه أيضا معترفا
بالدين والإذن في الضمان (2) جاز له الرجوع عليه، إذ
231
لا منافاة بين انكار الضمان وادعاء الإذن في الأداء، فاستحقاقه
الرجوع معلوم (1) غاية الأمر أنه يقول إن ذلك للإذن في
الأداء والمضمون عنه يقول إنه للإذن في الضمان، فهو كما (2)
232
لو ادعى على شخص أنه يطلب منه عشر قرانات قرضا،
والمدعي ينكر القرض ويقول: إنه يطلبه من باب ثمن
المبيع، فأصل الطلب معلوم. ولو لم يعترف المضمون عنه
بالضمان أو الإذن فيه وثبت عليه ذلك بالبينة فكذلك يجوز
له الرجوع عليه مقاصة عما أخذ منه (1) وهل يجوز للشاهدين
233
على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان
كونه الإذن في الضمان أو كونه الإذن في الأداء؟ الظاهر
ذلك (1)، وإن كان لا يخلو عن اشكال. وكذا في نظائره (2).
234
كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضا وبينته
تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض، فيجوز
لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو
لثمن البيع على اشكال.
(مسألة 5): إذا ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون
له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه
في ذلك (1)، وإن صدقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه (2)
وتقبل شهادته له بالأداء (3) إذا لم يكن هناك مانع من
تهمة (4) أو غيرها مما يمنع من قبول الشهادة.
235
(مسألة 6): لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا
ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه (1) ولو ادعى الوفاء
وأنكر الإذن قبل قول المأذون، لأنه أمين من قبله (2).
237
ولو قيد الأداء بالاشهاد وادعى الاشهاد وغيبة الشاهدين
قبل قوله أيضا (1) ولو علم عدم اشهاده ليس له الرجوع (2)
نعم لو علم أنه وفاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع
عليه (3)، لأن الغرض من الاشهاد العلم بحصول الوفاء
والمفروض تحققه.
(تم كتاب الضمان)
238
كتاب الحوالة
239
كتاب الحوالة
وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة. والأولى
أن يقال: إنها إحالة المديون داينه إلى غيره، أو إحالة المديون
دينه من ذمته إلى ذمة غيره. وعلى هذا فلا ينتقض فيه طرده
بالضمان، فإنه وأن كان تحويلا من الضامن للدين من ذمة
المضمون عنه إلى ذمته، إلا أنه ليس فيه الإحالة المذكورة (1)
خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه ويشترط فيها
مضافا إلى البلوغ والعقل والاختيار (2)
241
وعدم السفه (1)
243
في الثلاثة من المحيل (1) والمحتال (2)
244
والمحال عليه (1) وعدم الحجر بالسفه (2) في المحتال (3)
والمحال عليه (4)، بل والمحيل إلا إذا كانت الحوالة على
البرئ فإنه لا بأس به (5) فإنه نظير الاقتراض منه - أمور -:
(أحدهما): الايجاب والقبول، على ما هو المشهور
بينهم عدوها من العقود اللازمة. فالايجاب من المحيل
والقبول من المحتال. وأما المحال عليه فليس من أركان
العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان بريئا، فإن
مجرد اشتراط الرضا لا يدل على كونه طرفا وركنا للمعاملة
245
ويحتمل أن يقال: يعتبر قبوله أيضا (1)، فيكون العقد
مركبا من الايجاب والقبولين. وعلى ما ذكروه يشترط فيها
ما يشترط في العقود اللازمة من الموالاة بين الايجاب والقبول
ونحوها، فلا تصح مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما،
246
بأن أوقع الحوالة بالكتابة (1). ولكن الذي يقوى عندي
كونها من الايقاع (2)
247
غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه
ومجرد هذا لا يصيره عقدا، وذلك لأنها نوع من وفاء
الدين، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة
المحال عليه، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو
لا يكون عقدا وإن احتاج إلى الرضا من الآخر، كما في
الوفاء بغير الجنس، فإنه يعتبر فيه رضا الداين ومع ذلك
ايقاع، ومن ذلك يظهر أن الضمان أيضا من الايقاع، فإنه
نوع من الوفاء وعلى هذا فلا يعتبر فيها شئ مما يعتبر
في العقود اللازمة، ويتحققان بالكتابة ونحوها (1). بل
248
يمكن دعوى أن الوكالة أيضا كذلك (1) - كما أن الجعالة
كذلك - وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر.
ألا ترى أنه لا فرق (2) بين أن يقول: (أنت مأذون في
بيع داري) أو قال: (أنت وكيل)، مع أن الأول من
الايقاع قطعا.
249
(الثاني): التنجيز فلا تصح مع التعليق على شرط
أو وصف - كما هو ظاهر المشهور -. ولكن الأقوى عدم
اعتباره (1) - كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين -.
251
(الثالث): الرضا من المحيل والمحتال بلا اشكال (1)
وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرع
المحال عليه بالوفاء، بأن قال للمحتال: (أحلت بالدين
الذي لك على فلان على نفسي)، وحينئذ فيشترط رضا
المحتال والمحال عليه دون المحيل. لا وجه له، إذ المفروض
لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان (2). وكذا من
المحال عليه إذا كان بريئا، أو كانت الحوالة بغير جنس
252
ما عليه (1). وأما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (2)
253
ولا يبعد التفصيل (1) بين أن يحول عليه بما له عليه، بأن
يقول: (أعطه من الحق الذي لي عليك) فلا يعتبر
رضاه، فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه (2) وإن كان
254
بنحو اشتغال ذمته للمحتال وبراءة ذمة المحيل بمجرد
الحوالة، بخلاف ما إذا وكله (1) فإن ذمة المحيل
مشغولة إلى حين الأداء. وبين أن يحوله عليه من غير نظر
إلى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة على البرئ، فيعتبر
رضاه، لأن شغل ذمته بغير رضاه على خلاف القاعدة (2)
وقد يعلل باختلاف الناس في الاقتضاء فلا بد من رضاه.
ولا يخفى ضعفه، كيف، وإلا لزم عدم جواز بيع دينه
على غيره مع أنه لا اشكال فيه (3).
(الرابع): أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل
255
سواء كان مستقرا أو متزلزلا (1)، فلا تصح في غير
الثابت سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق
والرماية قبل حصول السبق، أو لم يوجد سببه أيضا كالحوالة
بما يستقرضه هذا هو المشهور. ولكن لا يبعد كفاية
حصول السبب كما ذكرنا في الضمان (2)
256
بل لا يبعد الصحة (1) فيما إذا قال: (أقرضني كذا وخذ
عوضه من زيد) فرضي ورضي زيد أيضا، لصدق الحوالة
وشمول العمومات، فتفرغ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال
بعد العمل وبعد الاقراض.
(الخامس): أن يكون المال المحال به معلوما جنسا
وقدرا للمحيل والمحتال، فلا تصح الحوالة بالمجهول على
257
المشهور للغرر. ويمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلا إلى
العلم (1) كما إذا كان ثابتا في دفتره، على حد ما مر في
الضمان من صحته مع الجهل بالدين، بل لا يبعد الجواز مع
عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن (2)
بل وكذا لو قال: (كلما شهدت به البينة وثبت خذه من
فلان) (3).
نعم لو كان مبهما كما إذا قال: (أحد الدينين الذين
لك علي خذه من فلان) بطل (4)، وكذا لو قال:
(خذ شيئا من دينك من فلان). هذا ولو أحال الدينين
258
على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحته (1) لعدم الابهام فيه حينئذ.
259
(السادس): تساوي المالين - أي المحال به والمحال
عليه - جنسا ونوعا ووصفا، على ما ذكره جماعة، خلافا
لآخرين. وهذا العنوان وإن كان عاما إلا أن مرادهم
- بقرينة التعليل بقولهم: تفصيا من التسلط على المحال عليه
بما لم تشتغل ذمته به، إذ لا يجب عليه أن يدفع الأمثل
ما عليه - فيما كانت الحوالة على مشغول الذمة بغير ما هو
مشغول الذمة به، كأن يحيل من له عليه دراهم على من
له عليه دنانير، بأن يدفع بدل الدنانير دراهم، فلا يشمل
ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البرئ بأن يدفع
الدنانير (1) أو على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع
الدراهم (2) ولعله لأنه وفاء بغير الجنس برضا الدائن.
فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك
الجنس. والوجه في عدم الصحة: ما أشير إليه من أنه
260
لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه. وأيضا الحكم على
خلاف القاعدة.
ولا إطلاق في خصوص الباب، ولا سيرة كاشفة،
والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارف. ووجه الصحة:
أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به.
وهذا هو الأقوى (1). ثم لا يخفى أن الاشكال إنما هو فيما
إذا قال: (إعط مما لي عليك من الدنانير دراهم) بأن
أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه. وأما إذا أحال
عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا
ينبغي الاشكال فيه، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم
على البرئ، بأن يدفع الدنانير، وحينئذ فتفرغ ذمة
المحيل من الدراهم، وتشتغل ذمة المحال عليه بها، وتبقى
261
ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمة المحيل له
بالدراهم، فيتحاسبان بعد ذلك ولعل الخلاف أيضا مختص
بالصورة الأولى، لا ما يشمل هذه الصورة أيضا (1) وعلى
هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت
الحوالة على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف ما عليه من
الحق بغير جنسه، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم.
(مسألة 1): لا فرق في المال المحال به بين أن يكون
عينا في الذمة أو المنفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة (2)
262
ولو مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة والقراءة (1)،
سواء أكانت على البرئ أو على مشغول الذمة بمثلها (2)
وأيضا لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام أو قيميا كالعبد
والثوب (3) والقول بعدم الصحة في القيمي للجهالة،
ضعيف، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها (4).
263
(مسألة 2): إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل (1)
وإن لم يبرءه المحتال (2). والقول بالتوقف على ابرائه،
ضعيف (3). والخبر (4) الدال على تقييد عدم الرجوع
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 11 من أبواب الضمان، ح 2.
264
على المحيل بالابراء من المحتال، المراد منه القبول، لا اعتبارها
بعده أيضا. وتشتغل ذمة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين
إلى ذمته وتبرأ ذمة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة
بالمثل بقدر المال المحال به، وتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه
إن كانت على برئ أو كانت بغير المثل، ويتحاسبان بعد ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الوسائل: ج 13 باب 11 من أبواب الضمان، ح 1.
(2) الوسائل: ج 13 باب 11 من أبواب الضمان، ح 3.
(3) الوسائل: ج 13 باب 11 من أبواب الضمان، ح 4.
265
(مسألة 3): لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن
كانت على ملي (1).
(مسألة 4): الحوالة لازمة (2)، فلا يجوز فسخها
بالنسبة إلى كل من الثلاثة. نعم لو كانت على معسر مع
268
جهل المحتال باعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل (1)
والمراد من الاعسار أن يكون له ما يوفي دينه زائدا على
مستثنيات الدين. وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم
ولا يعتبر فيه كونه محجورا (2). والمناط الاعسار والايسار
حال الحوالة وتماميتها (3) ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ (4).
269
ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط الخيار، للانصراف
على إشكال (1). وكذا مع وجود المتبرع.
270
(مسألة 5): الأقوى جواز الحوالة على البرئ (1)
ولا يكون داخلا في الضمان (2).
271
(مسألة 6): يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من
الثلاثة (1).
(مسألة 7): يجوز الدور في الحوالة (2) وكذا يجوز
الترامي (3) بتعدد المحال واتحاد المحتال (4)، أو بتعدد
272
المحتال واتحاد المحال عليه (1).
(مسألة 8): لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت
ذمته (2). وكذا لو ضمن عنه ضامن (3) برضا المحتال (4)
وكذا لو تبرع المحيل عنه (5)،
(مسألة 9): لو أحال عليه فقبل وأدى ثم طالب
المحيل بما أداه، فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال
عليه، فالقول قوله مع عدم البينة (6) فيحلف على
براءته ويطالب عوض ما أداه، لأصالة البراءة (7) من
شغل ذمته للمحيل. ودعوى: أن الأصل أيضا عدم
273
اشتغال ذمة المحيل بهذا الأداء. مدفوعة: بأن الشك في
حصول اشتغال ذمته وعدمه مسبب عن الشك في اشتغال
ذمة المحال عليه وعدمه (1) وبعد جريان أصالة براءة
ذمته (2) يرتفع الشك. هذا على المختار من صحة الحوالة على
البرئ، وأما على القول بعدم صحتها فيقدم قول المحيل،
لأن مرجع الخلاف إلى صحة الحوالة وعدمها، ومع اعتراف
المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي الصحة وهو المحيل.
ودعوى: أن تقديم قول مدعي الصحة إنما هو إذا كان
النزاع بين المتعاقدين، وهما في الحوالة المحيل والمحتال،
274
وأما المحال عليه فليس طرفا وإن اعتبر رضاه في صحتها.
مدفوعة: - أولا - بمنع عدم كونه طرفا، فإن الحوالة
مركبة من ايجاب وقبولين (1).
- وثانيا - يكفي اعتبار رضاه في الصحة (2) في جعل
اعترافه بتحقق المعاملة حجة عليه بالحمل على الصحة.
نعم لو لم يعترف بالحوالة، بل ادعى أنه أذن له في أداء
دينه يقدم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمته (3) فبإذنه
في أداء دينه له مطالبة عوضه، ولم يتحقق هنا حوالة حتى
تحمل على الصحة وإن تحقق بالنسبة إلى المحيل والمحتال
لاعترافهما بها.
275
(مسألة 10): قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة
حيث قالوا: (لو أحال عليه فقبل وأدى) فجعلوا محل
الخلاف ما إذا أن النزاع بعد الأداء، أن حال الحوالة
حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلا بعد الأداء
فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال، لكن
ذمة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البرئ إلا بعد الأداء.
والأقوى حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرد قبول
المحال عليه (1).
281
إذ كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده
282
فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا
كان مديونا له، وحصول شغل ذمة المحيل له إذا كان بريئا (1)
ومقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون
283
عنه للضامن بمجرد ضمانه (1)، إلا أن الاجماع وخبر
الصلح دلا على التوقف على الأداء فيه، وفي المقام لا
اجماع ولا خبر، بل لم يتعرضوا لهذه المسألة. وعلى هذا
فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء (2) بل وكذا لو
أبرأه المحتال أو وفاه بالأقل، أو صالحه بالأقل، فله عوض
ما أحاله عليه بتمامه مطلقا إذا كان بريئا.
(مسألة 11): إذا أحال السيد بدينه على مكاتبه بمال
الكتابة المشروطة أو المطلقة صح (3)، سواء كان قبل
حلول النجم أو بعده لثبوته في ذمته، والقول بعدم صحته
قبل الحلول، لجواز تعجيز نفسه ضعيف، إذ غاية ما يكون
284
كونه متزلزلا (1) فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن
في زمن الخيار. واحتمال عدم اشتغال ذمة العبد، لعدم
ثبوت ذمة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفيا. كما
ترى (2)
285
ثم إن العبد بقبول الحوالة يتحرر (1)، لحصول وفاء مال
الكتابة بالحوالة (2) ولو لم يحصل الأداء منه (3)، فإذا
أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه (4). وما عن المسالك
من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء، لأن الحوالة ليست
286
في حكم الأداء، بل في حكم التوكيل وعلى هذا إذا أعتقه
المولى صح وبطلت الكتابة، ولم يسقط عن المكاتب مال
الحوالة، لأنه صار لازما للمحتال، ولا يضمن السيد
ما يغرمه من مال الحوالة. فيه نظر من وجوه (1) وكأن
دعواه أن الحوالة ليست في حكم الأداء إنما هي بالنظر إلى
287
ما مر (1) من دعوى توقف شغل ذمة المحيل للمحال عليه
على الأداء - كما في الضمان - فهي وإن كان كالأداء بالنسبة
إلى المحيل والمحتال فبمجردها يحصل الوفاء وتبرأ ذمة المحيل
لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك. وفيه
منع التوقف المذكور كما عرفت، فلا فرق بين المقامين في
كون الحالة كالأداء فيتحقق بها الوفاء.
(مسألة 12): لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله
بثمنها صح (2)، لأن حاله حال الأحرار، ومن غير
288
فرق بين سيده وغيره وما عن الشيخ من المنع ضعيف (1)
289
(مسألة 13): لو كان للمكاتب دين على أجنبي
فأحال سيده عليه من مال الكتابة صح (1) فيجب عليه
تسليمه السيد (2)، ويكون موجبا لانعتاقه، سواء أدى
المحال عليه المال للسيد أم لا (3).
(مسألة 14): لو اختلفا في أن الواقع منهما كانت
حوالة أو وكالة، فمع عدم البينة يقدم قول منكر الحوالة
سواء كان هو المحيل أو المحتال، وسواء كان ذلك قبل
القبض من المحال عليه أو بعده، وذلك لأصالة بقاء
اشتغال ذمة المحيل للمحتال وبقاء اشتغال ذمة المحال عليه
للمحيل، وأصالة عدم ملكية المال المحال به للمحتال (4)
ودعوى: أنه إذا كان بعد القبض يكون مقتضى اليد
ملكية المحتال، فيكون المحيل المنكر للحوالة مدعيا، فيكون
القول قول المحتال في هذه الصورة.
290
مدفوعة: بأن مثل هذه اليد لا يكون أمارة على ملكية
ذيها (1). فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص
وادعى أنه دفعه أمانة وقال الآخر: دفعتني هبة أو قرضا
فإنه لا يقدم قول ذي اليد. هذا كله إذا لم يعلم اللفظ
الصادر منهما، وأما إذا علم وكان ظاهرا في الحوالة أو في
الوكالة فهو المتبع. ولو علم أنه قال: (أحلتك على فلان)
وقال (قبلت) ثم اختلفا في أنه حوالة أو وكالة، فربما
يقال: إنه يقدم قول مدعي الحوالة، لأن الظاهر من لفظ
(أحلت) هو الحوالة المصطلحة، واستعماله في الوكالة
مجاز فيحمل على الحوالة. وفيه: منع الظهور المذكور (2).
291
نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة، وأما
ما يشتق منها كلفظ: (أحلت) فظهوره فيها ممنوع. كما
أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة، وأما لفظ:
(أوصيت) أو (أوصيك بكذا) فليس كذلك (1) فتقديم
292
قول مدعي الحوالة في الصورة المفروضة محل منع.
(مسألة 15): إذا أحال البائع من له عليه دين على
المشتري بالثمن، أو أحال المشتري بالثمن على أجنبي
برئ أو مديون للمشتري ثم بان بطلان البيع، بطلت الحوالة
في الصورتين، لظهور عدم اشتعال ذمة المشتري للبائع
واللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال (1) هذا في الصورة
الثانية، وفي الصورة الأولى وإن كان المشتري محالا عليه
ويجوز الحوالة على البرئ، إلا أن المفروض إرادة الحوالة
عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته، فهي في الحقيقة
حوالة على ما في ذمته لا عليه (2). ولا فرق بين أن يكون
انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده، فإذا كان بعد
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مريم: 31.
293
القبض يكون المقبوض باقيا على ذلك المشتري (1) فله
الرجوع به ومع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الأولى
وعلى البائع في الثانية.
(مسألة 16): إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثم
انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة،
لوقوعها في حال اشتغل ذمة المشتري بالثمن، فيكون كما
لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل إليه ثم حصل الفسخ
295
فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع (1). ولا فرق بين أن
يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده (2)، فهي
تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري (3) بالثمن. وما
عن الشيخ وبعض آخر من الفرق بين الصورتين والحكم
بالبطلان في الصورة الثانية - وهي ما إذا أحال المشتري
البايع بالثمن على أجنبي - لأنها تتبع البيع في هذه الصورة
حيث إنها بين المتبايعين بخلاف الصورة الأولى. ضعيف (4)
296
والتبعية في الفسخ وعدمه ممنوعة (1) نعم هي تبع للبيع
حيث إنها واقعة على الثمن، وبهذا المعنى لا فرق بين
الصورتين. وربما يقال ببطلانها إن قلنا أنها استيفاء،
وتبقى إن قلنا أنها اعتياض. والأقوى البقاء وإن قلنا إنها
استيفاء، لأنها معاملة مستقلة لازمة لا تنفسخ بانفساخ
البيع، وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة، كما إذا
اشترى شيئا بدراهم مكسرة فدفع إلى البايع الصحاح أو
دفع بدلها شيئا آخر وفاءا، حيث إنه إدا انفسخ البيع يرجع
إليه ما دفع من الصحاح أو الشئ الآخر، لا الدراهم
المكسرة، فإن الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة (2)
297
بل يتبع البيع في الانفساخ، بخلاف ما نحن فيه، حيث أن
الحوالة عقد لازم وإن كان نوعا من الاستيفاء.
(مسألة 17): إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال
معين خارجي فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل
المحتال والمحال عليه (1)
298
وجب عليه الدفع إليه (1)، وإن لم يكن من الحوالة
المصطلحة (2). وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل لبقاء
شغل ذمته. ولو لم يتمكن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل
299
المحال عليه (1) إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندا
إليه للغرور.
(تم كتاب الحوالة)
300