وقفة مع الجزائري نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وقفة مع الجزائري - نسخه متنی

حسن عبدالله

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 وقفة مع الجزائري


 


الشيخ حسن عبد الله


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق
أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، وعلى أصحاب محمد الميامين الخيرين ومن تبع
نهج الثقلين الكتاب والعترة إلى قيام يوم الدين وبعد: -
لقد ألف المدعو أبو بكر جابر الجزائري مؤلفا بعنوان (هذه
نصيحتي إلى كل شيعي) وقد حشى هذا الرجل مؤلفه هذا وملأه
بالكثير من الدجل والمغالطات والافتراء والكذب والتدليس ضد الشيعة
الإمامية الإثنى عشرية أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام.

1

وقد سعيت ولله الحمد وبتوفيق من الله عز وجل للرد عليه ضمن
سلسلة من الحلقات جمعتها تحت عنوان: (وقفة مع الجزائري في
نصيحته إلى كل شيعي) وأتمنى من الله العلي القدير أن أكون قد
وفقت في دحض أباطيل هذا الرجل ورد شبهاته ومغالطاته، وأسأله
سبحانه وتعالى أن يجعل هذا لي ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا
من أتى الله بقلب سليم.

2

حسن عبد الله
الحلقة الأولى

3

قال الجزائري: (الحقيقة الأولى استغناء آل البيت عن القرآن
الكريم بما عند آل البيت من الكتب الإلهية الأولى هي التوراة
والإنجيل! إن الذي يثبت هذه الحقيقة ويؤكدها ويلزمك أيها الشيعي بها
: هو ما جاء في كتاب الكافي ج 1 كتاب الحجة ص 207 ومن قول
مؤلفه (باب إن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من
الله عز وجل وأنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها) مستدلا على
ذلك بحديثين يرفعهما إلى أبي عبد الله وأنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة
والزبور بالسريانية.
وقصد المؤلف من وراء هذا معروف وهو أن آل البيت وشيعتهم
تبع لهم يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب
الأولين. وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين
إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه
من الوجوه فقد خرج من الإسلام وانسلخ من جماعة المسلمين أليس
من الرغبة عن القرآن الذي يربط الأمة الإسلامية بعقائده وأحكامه
وآدابه فيجعلها أمة واحدة؟ أليس من الرغبة عنه دراسة الكتب
المحرفة المنسوخة والعناية بها والعمل بما فيها؟!
وهل الرغبة عن القرآن لا تعد مروقا من الإسلام وكفرا؟ وكيف
تجوز قراءة تلك الكتب المنسوخة المحرفة والرسول صلى الله عليه
وسلم يرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي يده ورقه من التوراة
فينتهره قائلا: ألم آتكم بها بيضاء نقيه؟!
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض لعمر
مجرد النظر في تلك الورقة من التوراة فهل يعقل أن أحدا من آل
البيت الطاهرين

4

يجمع كل هذه الكتب القديمة ويقبل عليها يدرسها بألسنتها المختلفة
ولماذا؟! أ لحاجة إليها أم لأمر ما يريده منها؟!
اللهم إنه لاذا ولا ذاك وإنما هو افتراء المبطلين على آل بيت
رسول الله رب العالمين من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين.
وأخيرا فإن الذي ينبغي أن يعرفه كل شيعي هو أن اعتقاد
الاستغناء عن القرآن الكريم كتاب الله الذي حفظه الله في صدور
المسلمين وهو الآن بين أيديهم لم تنقص منه كلمة ولم تزد فيه أخرى
ولا يمكن ذلك أبدا لأن الله تعهد بحفظه في قوله: (إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر الآية: 9 وهو كما نزل به
جبريل الأمين علي سيد المرسلين وكما قرأه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقرأه عنه آلاف أصحابه وقرأه من بعدهم من ملايين المسلمين
متواترا إلى يومنا هذا. إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه
بأي حال من الأحوال هو ردة عن الإسلام ومروق منه لا يبقيان
لصاحبها نسبة إلى الإسلام ولا إلى المسلمين).
أقول: إن الحديثين اللذين أشار إليهما الجزائري وذكر أن الشيخ
الكليني عليه الرحمة وقدس الله سره أوردهما في كتابه الكافي تحت
العنوان المذكور هما كالتالي: -
الأول: (علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن إبراهيم عن
يونس عن هشام بن الحكم في حديث برية أنه لما جاء معه إلى أبي
عبد الله عليه السلام فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبرية:
يا برية كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، ثم قال: كيف ثقتك
بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه، قال: فابتدأ أبو الحسن عليه
السلام يقرأ الإنجيل، فقال برية: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو
مثلك، قال: فآمن برية وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه

5

فدخل هشام وبرية والمرأة على أبي عبد الله فحكى له هشام الكلام
الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام وبين برية فقال أبو عبد
الله عليه السلام: {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم} فقال
برية: أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا
وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا، إن الله لا
يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول لا أدري) (1).
الثاني: (علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد
عن بكر بن صالح عن محمد بن سنان عن مفضل بن عمر قال: أتينا
باب أبي عبد الله عليه السلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم
بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه ثم خرج
إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه، فقلت: أصلحك الله أتيناك نريد الإذن
عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم
بكيت فبكينا لبكائك فقال: نعم ذكرت الياس النبي وكان من عباد بني
إسرائيل، فقلت كما يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا والله
ما رأينا قسا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه به، ثم فسره لنا بالعربية،
فقال: كان يقول في سجوده: أتراك معذبي وقد أظمأت لك
هواجري أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي، أتراك
معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد سهرت لك ليلي
قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك، قال:
فقال: إن قلت: لا أعذبك ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال:
فأوحى الله إليه أن أرفع رأسك فإني غير معذبك إني إذا وعدت وعدا
وفيت به).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الكافي 1 / 273 طباعة بيروت نشر دار التعارف للمطبوعات ضبط وتحقيق وتعليق
الشيخ محمد جعفر شمس الدين.
(2) الكافي 1 / 284، الطبعة المذكورة أعلاه.
6

والحديث الأول ضعيف، قال عنه الشيخ محمد باقر المجلسي
عليه الرحمة في مرآة العقول: (مجهول) (1). ففي سنده الحسن
ابن إبراهيم وهو مجهول الحال، قال الشيخ المامقاني عنه في تنقيح
المقال: (وظاهره كونه إماميا إلا أنه مجهول) (2).
والحديث الثاني كذلك ضعيف السند، قال عنه الشيخ المجلسي
في مرآة العقول: (الحديث الثاني ضعيف) (3). ففي سند هذا
الحديث أكثر من راو ضعيف فبكر بن صالح ضعيف قال عنه الشيخ
النجاشي في رجاله: (ضعيف) وقال عنه ابن الغضائري: (ضعيف
جدا كثير التفرد بالغرائب) وقال المامقاني في تنقيح المقال: (ضعف
بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه السلام مما لا
ينبغي الريب فيه، واشتراك غيره معه من دون تمييز صحيح يسقط
كل رواية لبكر بن صالح عن الاعتبار) (4). كما ضعفه غير هؤلاء
أنظر ترجمته في (نقد الرجال للسيد مصطفى التفريشي 1 / 292).
وأما محمد بن سنان فالمشهور بين العلماء أنه ضعيف فقد ضعفه
النجاشي في رجاله وابن عقدة وابن الغضائري والشيخ الطوسي في
رجاله والفهرست وكثيرون غيرهم وقال السيد الخوئي عليه الرحمة
في كتابه معجم رجال الحديث: (تضعيف هؤلاء الأعلام يصدنا عن
الاعتماد عليه والعمل برواياته) (5). وقال العلامة الحلي في
الخلاصة: (والوجه عندي التوقف فيما يرويه) (6).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مرآة العقول: 3 / 24.
(2) تنقيح المقال: 1 / 265.
(3) مرآة العقول: 3 / 28.
(4) تنقيح المقال: 1 / 178.
(5) معجم رجال الحديث: 16 / 160.
(6) خلاصة الأقوال ص 394.
7

وأما سهل بن زياد ففيه قولان والمشهور بين علمائنا أنه ضعيف
حيث اختار تضعيفه النجاشي وابن الغضائري والشيخ الطوسي في
الفهرست والعلامة الحلي في الخلاصة وابن داود في رجاله وغيرهم
وقال السيد الخوئي قدس سره في معجم رجال الحديث: (وكيف كان
فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزما، أو لم تثبت وثاقته) (1).
فهذا حال هاتين الروايتين من حيث السند، ولو أغضضنا النظر
عن ضعف الروايتين سندا وأردنا مناقشتهما من حديث الدلالة، فنسأل
الجزائري في أي كلمة أو مقطع أو عبارة من هاتين الروايتين يوجد
ما يدل على قوله: (أن آل البيت وشيعتهم تبع لهم يمكنهم
الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأولين) فهل
يرشدنا هذا المفتري أو من يروج لباطله هذا على عبارة أو لفظ في
الروايتين يدل على ذلك؟ ثم من أين علم أن قصد المؤلف " أي الشيخ
الكليني " من وراء إيراده هاتين الروايتين هو ما ذكر؟ هل أشار
الشيخ الكليني إلى ذلك في كتابه الكافي أو في غيره؟ أم هو افتراء
وبهتان عظيم عليه من هذا الدجال الذي يريد أن يستر الحقائق بأكاذيبه
وتدجيله وتدليسه؟ بلى إنه رجم بالغيب. حاشا أئمة أهل البيت عليهم
السلام أن يدعوا الاستغناء عن القرآن الكريم وحاشا الشيخ الكليني أن
يعتقد بذلك أو يريده من وراء إيراده لهاتين الروايتين، فالشيخ الكليني
عليه الرحمة قد عقد بابا كاملا في كتابه الكافي سماه (كتاب فضل
القرآن) ذكر فيه أكثر من مائة وعشرين حديثا موزعة على الأبواب

--------------------------------------------------------------------------------

(1) معجم رجال الحديث: 8 / 340.
8

التالية: -
(1) باب فضل حامل القرآن.
(2) باب من يتعلم القرآن بمشقة.
(3) باب من حفظ القرآن ثم نسيه.
(4) باب في قراءته.
(5) باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن.
(6) باب ثواب قراءة القرآن.
(7) باب قراءة القرآن في المصحف.
(8) باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن.
(9) باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن.
(10) باب في كم يقرأ ويختم.
(11) باب في أن القرآن يرفع كما أنزل.
(12) باب فضل القرآن.
فليس في الحديث الأول ولا الثاني ما يدل على أن أهل البيت
عليهم السلام وشيعتهم استغنوا عن القرآن الكريم بكتب الأولين فأقصى
ما يدل عليه الحديث الأول هو أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
عندهم هذه الكتب غير محرفة ولا مبدلة ورثوها عن سيد الأنبياء

9

والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم يعرفونها ويقرؤونها
على اختلاف ألسنتها وأن الإمام أبا الحسن موسى بن جعفر عليه
السلام قد قرأ من الإنجيل على برية ما جعله يعتنق الدين الإسلامي
فلعله والله العالم أنه قرأ عليه ما يثبت صحة نبوة ورسالة سيدنا محمد
صلى الله عليه وآله وسلم ونسخ شريعته لشريعة نبي الله عيسى عليه
السلام الأمر الذي جعله يؤمن بالدين الإسلامي.
وغاية ما يدل عليه الحديث الثاني أن الإمام الصادق عليه السلام
كان يدعو بدعاء للنبي إلياس عليه السلام باللغة السريانية ولم تتعرض
هذه الرواية إلى ذكر أن هذا الدعاء مذكور في أحد الكتب السماوية
وأن الإمام عليه السلام قرأه منه، فلربما وصل هذا الدعاء إليه من
خلال آبائه عن طريق روايتهم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فالدعاء بمثل هذا الدعاء وغيره من الأدعية التي دعا بها
الأنبياء السالفين لا يدل على الرغبة عن القرآن الكريم وما جاء به
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الجزائري اختار هذين الحديثين الضعيفين رغم عدم دلالتهما
على شئ مما استنتجه منهما كما وضحنا أعلاه وكما هو ظاهر
نصهما فزعم أنهما يدلان على أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم
قد استغنوا عن القرآن الكريم بالكتب القديمة المحرفة وذلك ليصل إلى
هدف يريده وهو أن كل من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم فهو
خارج عن حضيرة المسلمين مرتد عن الإسلام كافر والشيعة يعتقدون
ذلك فهم كذلك. وهذا ما أشار إليه بقوله: (وهذه خطوة عظيمة
في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين إذ ما من شك في أن من
اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من
الإسلام وانسلخ من جماعة المسلمين أليس من الرغبة عن القرآن الذي
يربط الأمة الإسلامية بعقائده وأحكامه وآدابه فيجعلها أمة واحدة؟
أليس من الرغبة عنه دراسة الكتب المحرفة المنسوخة والعناية بها

10

والعمل بما فيها؟! وهل الرغبة عن القرآن لا تعد مروقا من الإسلام
وكفرا؟).
ولكن كما علمت أيها القارئ الكريم أن هذه النتيجة التي أرادها
هذا الدجال الجزائري بناها على استنتاج خطأ من الروايتين
المذكورتين أعلاه حيث حملهما من الدلالة ما لا يحتملانه، بل غير
خفي علينا أن هذا الرجل كان يعلم أن هاتين الروايتين لا تدلان على
شئ مما ذكره " ولذلك لم يذكر نص الروايتين في نصيحته " ولكنه
فعل ذلك بغية النيل من أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ومذهبهم
لينتصر إلى باطله الذي هو عليه بطمس الحقائق من خلال المغالطات
والكذب والتدليس.
وأما حول قوله: (وكيف تجوز قراءة تلك الكتب المنسوخة
المحرفة والرسول صلى الله عليه وسلم يرى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه وفي يده ورقة من التوراة فينتهره قائلا: ألم آتكم بها بيضاء
نقيه؟! إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض لعمر مجرد
النظر في تلك الورقة من التوراة فهل يعقل أن أحدا من آل البيت
الطاهرين يجمع كل هذه الكتب القديمة ويقبل عليها يدرسها بألسنتها
المختلفة ولماذا؟! أ لحاجة إليها أم لأمر ما يريده منها؟!).
أقول: ما هو دليل الجزائري على عدم جواز قراءة الكتب
المنسوخة والمحرفة؟ إن العلماء يفتون بجواز اقتناء الإنجيل والتوراة
حتى هذه المحرفة بل حتى كتب الضلال لنقضها والاحتجاج بها على
من يعتقد بها والاحتجاج بالتوراة والإنجيل على اليهود والنصارى
جائز لا إشكال فيه حيث روى البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن
عمر: (أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه {وآله} وسلم
برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟
قالوا: نحممهما ونضربهما، فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟

11

فقالوا: لا نجد فيها شيئا، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا
بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم
كفه على آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية
الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد،
فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة) (1).
فلعل اقتناء أهل البيت عليهم السلام لهذه الكتب كان لأجل هذه
الغاية، فلا يستخرجون شيئا منها إلا وقت الحاجة إليه، كما صنع
الإمام عليه السلام مع برية، وأما ما نقله عن نهي الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم لعمر عندما رأى في يده ورقة من التوراة فعلى فرض
صحة ذلك فلعل ذلك قبل استقرار الأحكام والقواعد الدينية يقول ابن
حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري في
شرح الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله
: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن
كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) يقول: (أي لا ضيق
عليكم في الحديث عنهم، لأنه كان قد تقدم منه صلى الله عليه {وآله}
وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في
ذلك، وكأن النهي قد وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد
الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك في سماع
الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار) (2).
كما نجد في بعض الروايات الواردة من طرق أهل السنة أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بعض أصحابه بتعلم السريانية
والعبرية حتى يقرأ له كتبهم ويكتب إليهم بلغتهم وهذا مما يدل على
جواز قراءة تلك الكتب بلغاتها، ففي كتاب جامع الأصول جاء فيه:
(خ د ت) " وهو إشارة إلى أن الحديث رواه البخاري وأبو داود

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح البخاري: 6 / 46.
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 6 / 388.
12

والترمذي " أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم فتعلمت كتاب يهود. وفي رواية بالسريانية
. وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مر بي نصف شهر
حتى تعلمته وحذقته فكنت أكتب له إليهم وأقرأ له كتبهم. (1)
(وليس غريبا أن يقرأ الأئمة عليهم السلام التوراة والإنجيل
بلغاتها، فقد كانت هذه اللغات معروفة عند الناس، وعند المتعلمين
والمهتمين بشؤون الأديان في العصور الأولى من بداية الدعوة
الإسلامية، وحري بالأئمة عليهم السلام أن يعرفوها بلغاتها، لأنهم
علماء هذه الأمة والدعاة إلى دين الله وهم الهداة والقادة إلى صراط الله
المستقيم وإلى دين جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
ولمزيد من الدحض لأقوال الجزائري نورد هنا مجموعة من
الروايات الواردة في كتب ومصنفات الشيعة الإمامية الإثنى عشرية
عن الأئمة المعصومين الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام والتي
يظهر منها مدى اهتمامهم عليهم السلام بالقرآن الكريم وحثهم شيعتهم
وأتباعهم بالاهتمام به وتعلمه وقراءته وتدارسه والعمل بما فيه من
تعاليم وتشريع.
فقد روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه عيون أخبار
الرضا عليه السلام عن محمد بن موسى الرازي عن أبيه قال: (ذكر
الرضا عليه السلام يوما القرآن فعظم الحجة فيه والآية المعجزة في
نظمه، فقال: هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته المثلى
، المؤدي إلى الجنة، والمنجي من النار، لا يخلق من الأزمنة، ولا
يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل

--------------------------------------------------------------------------------

(1) جامع الأصول: 8 / 30 الحديث رقم (5864).
13

البرهان، وحجة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه تنزيل من حكيم حميد) (1).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه ثواب الأعمال
والأمالي، بسنده عن الصادق عليه السلام قال: (الحافظ للقرآن،
العامل به مع السفرة الكرام البررة) (2).
وروى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن الإمام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
: (خياركم من تعلم القرآن وعلمه) (3).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه ثواب الأعمال عن
الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إن الذي يعالج القرآن ليحفظه
بمشقة منه، وقلة حفظ له أجران) (4).
وروى الصدوق عليه الرحمة أيضا في كتابه ثواب الأعمال
بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (من قرأ القرآن
وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، جعله الله مع السفرة
الكرام البررة، وكان القرآن حجيجا عنه يوم القيامة ويقول: يا رب
كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلغ به كريم عطاياك،
فيكسوه الله عز وجل حلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج
الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد
كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا. قال: فيعطى الأمن بيمينه،
والخلد بيساره، ثم يدخل الجنة فيقال له: إقرأ آية واصعد درجة، ثم

--------------------------------------------------------------------------------

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 130.
(2) ثواب الأعمال ص 92، أمالي الشيخ الصدوق ص 36.
(3) أمالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 367.
(4) ثواب الأعمال ص 92.
14

يقال له: بلغنا به وأرضيناك فيه؟ فيقول: اللهم نعم. قال: ومن قرأ
كثيرا وتعاهد من شدة حفظه أعطاه الله أجر هذا مرتين) (1).
وروى الشيخ الصدوق قدس الله سره في كتابه الأمالي عن الإمام
الباقر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: (من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين،
ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من
القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة
آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين،
ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار، والقنطار خمسون ألف مثقال ذهب،
والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها بين
السماء والأرض) (2).
وروى الشيخ الصدوق طيب الله ثراه في أماليه بسنده عن الإمام
الصادق عليه السلام أنه قال: (عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عز
وجل يحبها، وإياكم ومذام الأفعال، فإن الله عز وجل يبغضها،
وعليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عداد آيات القرآن، فإذا
كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق فكلما قرأ آية رقا
درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم،
وعليكم بحسن الجوار، فإن الله عز وجل أمر بذلك، وعليكم بالسواك،
فإنها مطهرة، وسنة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدوها وعليكم
بمحارم الله فاجتنبوها) (3).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (عليكم

--------------------------------------------------------------------------------

(1) ثواب الأعمال ص 91.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق ص 36.
(3) الأمالي للشيخ الصدوق ص 216.
15

بكتاب الله فإنه الحبل المتين والنور المبين، والشفاء النافع، والرأي
الناقع، والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ
فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد، وولوج السمع، من قال به صدق،
ومن عمل به سبق) (1).
وقال عليه السلام أيضا: (... ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا
تطفأ مصابيحه وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره،
ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه، وفرقانا لا يخمد
برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزا لا
تهزم أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته،
وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام
وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعين
لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل
نهجها المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون، وآكام لا يجوز
عنها القاصدون، جعله الله ريا لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء
، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونورا ليس معه
ظلمة، وحبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وعزا لمن تولاه،
وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وعذرا لمن انتحله، وبرهانا
لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وحاملا
لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وآية لمن توسم، وجنة لمن استلأم،
وعلما لمن وعى وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى...) (2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (... واعلموا أن هذا القرآن
هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا

--------------------------------------------------------------------------------

(1) نهج البلاغة الرقم 154 من الخطب.
(2) نهج البلاغة الرقم 196 من الخطب.
16

يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان:
زيادة في هدى أو نقصان من عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل
القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم،
فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال،
فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه
العباد إلى الله بمثله.
واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له
القرآن يوم القيامة شفع، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه،
فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة
عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على
ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا
فيه أهواءكم.... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام.... وإن الله
سبحانه لم يعط أحدا بمثل هذا القرآن فإنه حبل الله المتين، وسببه
الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع
أنه قد ذهب المتذكرون، وبقي الناسون والمتناسون..... الخ) (1).
فيا أيها الجزائري هذه هي منزلة ومكانة كتاب الله عز وجل
ودستوره عند أئمة الشيعة عليهم السلام، وعند شيعتهم الذي هم تبعا
لأئمتهم يقدسون القرآن الكريم ويتعاهدونه بالتعلم والحفظ والقراءة،
والدرس، يتلونه آناء الليل والنهار، ويسعون للعمل بتعاليمه
وتشريعات الله وأحكامه الواردة فيه، فهل من يصدر منه هذا

--------------------------------------------------------------------------------

(1) نهج البلاغة الرقم 174 من الخطب.
17

الكلام في حق هذا الكتاب يكون مستغن عنه بغيره؟!!!.
نعم لقد سولت لك نفسك أمرا، فرميت أئمة أهل البيت عليهم السلام
وشيعتهم بهذه الفرية العظيمة، إن الشيعة تروي عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قوله المتواتر عنه: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به
لن تضلوا بعده أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير
أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فيرى الشيعة
واستنادا إلى هذا الحديث الشريف أن رفض التمسك بالقرآن الكريم
والاستغناء عنه ضلالة ما بعدها ضلالة، وأن من يريد النجاة والهدى
والسعادة والوصول إلى مرضاة الله عز وجل ونيل النعيم الدائم الخالد
في الآخر فما عليه سوى التمسك بكتاب الله عز وجل والعمل بما جاء
فيه وكذلك التمسك بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم الأئمة
المعصومون من أهل البيت عليهم السلام.

18

الحلقة الثانية
قال الجزائري:) الحقيقة الثانية، اعتقاد أن القرآن الكريم لم
يجمعه ولم يحفظه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي
والأئمة من آل البيت. هذا الاعتقاد أثبته صاحب كتاب الكافي (ج 1
كتاب الحجة ص 26) جازما به مستدلا عليه بقوله: عن جابر قال
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع
القرآن كله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزل إلا علي بن أبي طالب
والأئمة من بعده والآن فعلم أيها الشيعي هداني الله وإياك إلى الحق
وصراطه المستقيم أن اعتقادا كهذا وهو عدم وجود من جمع القرآن
وحفظه من المسلمين إلا الأئمة من آل البيت وشيعتهم وكفى بذلك
فسادا وباطلا وشرا والعياذ بالله تعالى. وإليك بيان ذلك.
تكذيب كل من ادعى حفظ كتاب الله وجمعه في صدره أو في
مصحفه كعثمان وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود
وغيرهم من مئات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وتكذيبهم يقتضي فجورهم وإسقاط عدالتهم، وهذا ما لا يقوله أهل
البيت الطاهرون، وإنما يقوله أعداء الإسلام وخصوم المسلمين للفتنة
والتفريق.
ضلال عامة المسلمين ما عدا شيعة آل البيت وذلك أن من عمل
ببعض القرآن دون البعض لا شك في كفره وضلاله لأنه لم يعبد الله
تعالى بكل ما شرع، إذ من المحتمل أن يكون بعض القرآن الذي لم
يحصل عليه المسلمون مشتملا على العقائد والعبادات والآداب
والأحكام.

19

هذا الاعتقاد لازمه تكذيب الله في قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون} وتكذيب الله تعالى كفر، وأي كفر؟
هل يجوز لأهل البيت أن يستأثروا بكتاب الله تعالى وحدهم دون
المسلمين إلا من شاءوا من شيعتهم؟! أليس هذا احتكار لرحمة الله،
واغتصابا لها يتنزه عنه آل البيت؟ اللهم إنا لنعلم أن آل بيت رسولك
براء من هذا الكذب، فالعن اللهم من كذب عليهم وافترى.
لازم هذا الاعتقاد أن طائفة الشيعة هم وحدهم أهل الحق
والقائمون عليه لأنهم هم الذين بأيديهم كتاب الله كاملا غير منقوص
فهم يعبدون الله بكل ما شرع وأما من عداهم من المسلمين فهم ضالون
لحرمانهم من كثير من كتاب الله تعالى وهدايته فيه. يا أيها الشيعي
إن مثل هذا الهراء يتنزه عنه الرجل العاقل فضلا عمن ينسب إلى
الإسلام والمسلمين إنه ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
أكمل الله تعالى نزول كتابه وأتم بيانه وحفظه المسلمون في صدورهم
وسطورهم وانتشر فيهم وعمهم وحفظه الخاص والعام ولم يكن آل
البيت في شأن القرآن وجمعه وحفظه إلا كسائر المسلمين وسواء
بسواء فكيف يقال إنه لم يجمع القرآن ولم يحفظه أحد إلا آل البيت ومن
ادعى ذلك فهو كاذب؟ أرأيت لو قيل لهذا القائل: أرنا هذا القرآن
الذي خص به آل البيت شيعتهم أرنا منه صورة أو صورا يتحداه في
ذلك فما يكون موقفه؟ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
أقول: لقد تصرف الجزائري في الرواية التي استشهد بها على
كلامه والتي نقلها من كتاب الكافي فحرفها مما أدى تحريفه لها إلى
تغيير كبير في معنى الرواية، فنص الرواية في كتاب الكافي هو:
(محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمرو بن
أبي المقدام عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما
ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه
وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة

20

من بعده عليهم السلام) (1).
ومن خلال المقارنة بين النص الذي ذكره الجزائري والنص
الأصلي المذكور في الكافي نجد أنه قد حذف عبارة (كما أنزل)
الواقعة في العبارة التالية: (جمع القرآن كله كما أنزل إلا
كذاب) فكتب هذه العبارة هكذا: (جمع القرآن كله إلا كذاب)
كما أنه أيضا أبدل عبارة (كما أنزله الله تعالى) الواقعة في قول
الإمام التالي: (وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي
ابن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام) أبدلها
بعبارة (كما نزل) وإن كانت العبارة الثانية التي أبدلها لم تغير من
معنى الحديث شيئا فإن حذفه لعبارة (كما أنزل) غير معنى الحديث
كثيرا، وهو بهذا قد غش القاري الكريم ودلس وكذب عليه بتزييفه
للحقائق وتبديله لها، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {
فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
ثانيا: إن المراد بجمع القرآن الكريم وحفظه كما أنزله الله
سبحانه وتعالى هو جمعه مرتبا حسب النزول، السابق نزولا قبل
اللاحق، والمكي قبل المدني، والمنسوخ قبل الناسخ وهكذا
كما يحتمل كبيرا أن المراد به إضافة إلى ذلك العلم بتفسيره حسب
تفسير الوحي له للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فمما لا شك ولا
إشكال فيه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد تفرد
بكتابة القرآن الكريم وجمعه على التنزيل وحسب تسلسل السور
والآيات من حيث النزول.
نقل عن ابن سيرين أنه قال: (إن عليا كتب في مصحفه الناسخ

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الكافي 1 / 284 نشر دار التعارف للمطبوعات ضبط وتصحيح وتعليق محمد جعفر
شمس الدين.
21

والمنسوخ) وعنه: (تطلبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلى المدينة فلم
أقدر عليه) (2).
وعنه أيضا أنه قال: (فبلغني أنه " علي " كتبه على تنزيله،
ولو أصيب الكتاب لوجد فيه علم كثير) (2).
وعن ابن جزي قال: (لو وجد مصحفه عليه السلام لكان فيه
علم كثير) (3).
ونقل الزركشي الشافعي في كتابه البرهان في علوم القرآن
1 / 259 قال: (وقال القاضي أبو بكر الطيب، فإن قيل، قد اختلف
السلف في ترتيب القرآن، فمنهم من كتب في المصحف السور على
تاريخ نزولها، وقدم المكي على المدني ومنهم من جعل أوله: (اقرأ
باسم ربك الذي خلق) وهو أول مصحف علي إلى آخر كلامه).
إن هذا القول يدل على تفرد الإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام بكتابة القرآن وجمعه وفق تسلسل نزول السور والآي، وهو
مصداق لما جاء في حديث الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام.
وقد كان صلوات الله وسلامه عليه أعلم وأعرف الأمة " بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بكتاب الله وتفسيره ومعارفه

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الإتقان في علوم القرآن ج 1 ص 58.
(2) الاستيعاب المطبوع بهامش الإصابة 2 / 253.
(3) التمهيد في علوم القرآن 1 / 226 عن التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 4.
22

وأحكامه ففي طبقات ابن سعد الكبرى، يروي بسنده عن سليمان
الأحمسي عن أبيه قال: (قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت
فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا
ولسانا طلقا) (1). كما أخرجه أيضا أبو نعيم الأصفهاني في حلية
الأولياء (2).
ويروي ابن سعد أيضا في نفس المصدر بسنده عن أبي الطفيل
قال: (قال علي: سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد
عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل). وقد أخرج ابن
عساكر في كتابه تاريخ دمشق وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء
عن عبد الله قال: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف
إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر
والباطن) (3).
وورد من طرق الشيعة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام قال: (ما نزلت على رسول الله " صلى الله عليه وآله
وسلم " آية من القرآن إلا أقرأنيها، وأملاها علي، فكتبتها بخطي
وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها الخ) (4).
وفي كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي عليه الرحمة (5) نقلا
عن كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب عن أمير المؤمنين

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الطبقات الكبرى 2 / 101.
(2) حلية الأولياء 1 / 68.
(3) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 3 / 32، حلية الأولياء 1 / 65.
(4) أنظر المصادر التالية: (بصائر الدرجات ص 198 كمال الدين 1 / 284 البحار
89 / 41 التمهيد في علوم القرآن 1 / 57).
(5) بحار الأنوار ج 89 ص 52.
23

علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (لو ثنيت لي الوسادة،
لأخرجت لهم مصحفا، كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم).
وقد ورث بقية الأئمة عليهم السلام واحدا تلو الآخر علم جدهم
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالقرآن الكريم وتفسيره
الذي هو بدوره أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أنهم
ورثوا المصحف المذكور " أي الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام
والذي لا يختلف عن القرآن الموجود والمتداول في أيدي المسلمين
بشئ إلا من حيث الترتيب، وما به من تفسير للآيات حسب الوارد
في تفسيرها من طرق الوحي " وهو الآن موجود عند الإمام الحجة
المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. وعليه فإن الإمام الباقر عليه
السلام لا يدعي أنه لا يوجد أحد جمع آيات كتاب الله سبحانه وتعالى
كاملة أو أنه لم يحفظ آياته أحد من الأمة كما فهم الجزائري " بفهمه
السقيم " بل يريد الإمام عليه السلام من قوله هذا أنه لم يجمع القرآن
ويحفظه بالكيفية التي ذكرناها سابقا أحد من الأمة سوى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين عليهم السلام من ولده وأنهم
الأعلم بتفسيره ومعرفة أحكامه ومعارفه حسب الواقع دون غيرهم
وذلك لما عندهم من تفسير للقرآن الكريم حسب ما أخبر به الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام وكتبه عنه وانتقل
ذلك إليهم.
وبهذا تكون جميع اللوازم التي ساقها الجزائري والتي رتبها على
فهمه السقيم لقول الإمام الباقر عليه السلام ساقطة ولا مكان لها.

24

الحلقة الثالثة
قال الجزائري: (الحقيقة الثالثة استئثار آل البيت وشيعتهم دون
المسلمين بآيات الأنبياء كالحجر والعصا: يشهد لهذه الحقيقة ويثبتها ما
أورده صاحب الكافي بقوله: عن أبي بصير عن جعفر عليه السلام
قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة مظلمة وهو يقول:
همهمة، همهمة، وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم،
وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى!!. وأورد أيضا قوله في ج 1
كتاب الحجة ص 227 عن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة
النبيين!!. وبعد أيها الشيعي إن هذا المعتقد في الحقيقة بالذات يلزمك
أمورا في غاية الفساد والقبح، ولا يمكنك وأنت العاقل إلا أن تبرأ منها
ولا تعترف بها وهي: -
1 - تكذيب علي رضي الله عنه في قوله: وقد سئل: هل
خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم آل البيت بشئ؟ فقال: لا.
إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها أمور
أربع ذكرها أهل الحديث كالبخاري ومسلم.
2 - الكذب عليه رضي الله عنه بنسبة هذا القول إليه.
3 - الازدراء من نفس صاحب هذا المعتقد والدلالة القاطعة على
تفاهة فهمه ونقصان عقله وعدم احترامه لنفسه، إذ لو قيل له: أين
العصا، وأين الألواح مثلا؟ لما حار جوابا ولما استطاع أن يأتي
بشئ من ذلك، وبه يتبين كذب القصة من أولها إلى آخرها، وأوضح

25

من ذلك: فإنه قد يقال لو كان ما قيل حقا لم لا يستخدم آل البيت هذه
الآيات كالعصا والخاتم في تدمير أعدائهم! والقضاء عليهم وهم قد
تعرضوا لكثير من الشر قبلهم؟.
4 - إن الهدف من هذا الكذب المرذول هو إثبات هداية الشيعة
وضلال من عداهم من المسلمين، والقصد من وراء ذلك الإبقاء على
المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية ليتحقق
لرؤساء الطائفة، ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع
الخبيثة ما يريدونه من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل
الأمة، وإذا كان هذا المعتقد يحقق مثل هذا الفساد والشر فبئس من
معتقد هو، وبئس من يعتقده، أو يرضى به).
أقول: أولا: إن الحديث الأول الذي ذكره الجزائري والذي
رواه الشيخ الكليني عليه الرحمة بسنده عن أبي بصير عن الإمام
الباقر عليه السلام هو كالتالي: (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين
عن موسى بن سعدان عن أبي الحسن الأسدي عن أبي بصير عن أبي
جعفر عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة بعد
عتمة وهو يقول همهمة همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه
قميص آدم وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليه السلام).
وهذا الحديث ضعيف سندا قال العلامة المجلسي عليه الرحمة
في مرآة العقول عنه: (ضعيف) (1).
ففي سنده موسى بن سعدان الحناط قال عنه الشيخ النجاشي عليه
الرحمة في رجاله (289): (موسى بن سعدان الحناط ضعيف في
الحديث) وقال عنه ابن الغضائري (2) والعلامة الحلي في

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مرآة العقول 3 / 39.
(2) تنقيح المقال 3 / 265.
26

الخلاصة (1): (موسى بن سعدان الحناط كوفي روى عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام ضعيف في مذهبه غلو).
وأما الحديث الثاني فقد رواه الشيخ الكليني بسنده عن أبي حمزة
عن الإمام الصادق عليه السلام فهو كالتالي: (أحمد بن إدريس عن
عمران بن موسى عن موسى بن جعفر البغدادي عن علي بن أسباط
عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سمعته يقول: ألواح عيسى عليه السلام عندنا، وعصا
موسى عندنا ونحن ورثة النبيين). وهذا الحديث ضعيف لجهالة
بعض رواته قال عنه العلامة المجلسي قدس الله سره في مرآة العقول
: (مجهول) (2).
فالحديث في سنده عمران بن موسى والاسم مشترك بين عمران
بن موسى الأشعري وهو مجهول الحال وعمران بن موسى الخشاب
وهو مجهول الحال أيضا، وبين عمران بن موسى الزيتوني وهو ثقة
. وفي سنده موسى بن جعفر البغدادي وهو مجهول الحال أيضا. وفي
سنده محمد بن الفضيل والاسم مشترك بين الضعيف والمجهول ففي
تنقيح المقال: (الرجل إما ضعيف أو مجهول اتحد أو تعدد) (3).
وعليه فالحديثان ضعيفان سندا لا يلزمان أحدا ولا يلزم بهما
أحد.
ثانيا: لقد أورد الجزائري على هذين الحديثين الضعيفين أربعة
من اللوازم الثالث والرابع منهما لوازم ابتدعها من بطنه ليس في نص
الحديثين ما يمكن أن يستنتج منه شئ مما أورده هذا الدجال

--------------------------------------------------------------------------------

(1) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ص 406.
(2) مرآة العقول 3 / 38.
(3) تنقيح المقال 3 / 172.
27

المغالط، أما بالنسبة إلى اللازم الأول وهو وقوله: (تكذيب علي
رضي الله عنه في قوله: وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم آل البيت بشئ؟ فقال: لا. إلا ما كان في قراب سيفي
هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها أمور أربع ذكرها أهل الحديث
كالبخاري ومسلم} فيلاحظ عليه التالي: -
1 - الحديث الذي ذكره الجزائري والذي رواه أهل السنة في
كتبهم وارد فقط من طرقهم وليس من طرق الشيعة فلم تثبت صحته
عند الشيعة ولا يعلمون قطعا بصدور هذا الكلام من أمير المؤمنين
عليه السلام حتى يعتبر ذلك تكذيب له سلام الله عليه فلا يلزم الشيعة
ولا يحتج عليهم بأحاديث وردت من طرق غيرهم أو لم تثبت عندهم
صحتها.
2 - تناقض الروايات التي ذكرها أهل السنة بما يخص السؤال
الموجه لأمير المؤمنين عليه السلام (هل خصكم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بشئ؟) أولا: من حيث الأمور المذكورة في
الصحيفة التي أخرجها أمير المؤمنين من قراب سيفه والتي ذكرت
الروايات أنه ادعى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد خصهم بها
فنجد مثلا أن البيهقي في السنن الكبرى ومسلم في صحيحه وأحمد بن
حنبل في مسنده والبخاري في الأدب المفرد كل هؤلاء يرون بأسانيدهم
عن أبي الطفيل واللفظ للأخير قال: (سئل علي هل خصكم النبي
صلى الله عليه وسلم بشئ لم يخص به الناس كافة، قال: ما خصنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ لم يخص به الناس إلا ما في

--------------------------------------------------------------------------------

(1) السنن الكبرى 9 / 250.
(2) صحيح مسلم 3 / 1567.
(3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 152، 118.
(4) الأدب المفرد ص 20.
28

قراب سيفي ثم أخرج صحيفة فإذا فيها مكتوب لعن الله من ذبح لغير
الله، لعن الله من سرق منار الأرض، لعن الله من لعن والديه، لعن
الله من آوى محدثا).
بينما نجد أن البيهقي في سننه يروي بسنده عن الحارث بن سويد
قال: (قيل لعلي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصكم بشئ
دون الناس عامة؟ قال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشئ لم يخص الناس ليس شيئا في قراب سيفي هذا فأخذ صحيفة فيها
شئ من أسنان الإبل وفيها أن المدينة حرم ما بين ثور إلى عير فمن
أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا كان عليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمة المسلمين واحدة
فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه
صرف ولا عدل) (1).
ونجد أحمد بن حنبل يروي في مسنده بسنده عن الحارث بن
سويد قال: (قيل لعلي رضي الله تعالى عنه: إن رسولكم كان
يخصكم بشئ دون الناس عامة؟ قال: ما خصنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بشئ لم يخص به الناس إلا بشئ في قراب سيفي هذا
فأخرج صحيفة فيها شئ من أسنان الإبل وفيها أن المدينة حرم ما
بين ثور إلى عائر فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فإن عليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل
وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ومن تولى مولى بغير
إذنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة
صرف ولا عدل) (2)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) سنن البيهقي 2 / 486.
(2) مسند أحمد بن حنبل 1 / 151.
29

والبخاري يروي في صحيحه (1) والنسائي في المجتبى من
السنن (2) والسنن الكبرى (3) وأحمد بن حنبل في المسند (4) وابن
ماجة في سننه (5) والبيهقي في سننه (6) وأبو داود في سننه (7)
وأبو يعلى في مسنده (8) والترمذي في سننه (9) كل واحد منهم بسنده
عن أبي جحيفة واللفظ لسنن الترمذي قال: (قلت لعلي يا أمير
المؤمنين هل عندكم سوداء في بيضاء ليس في كتاب الله قال لا والذي
فلق الحبة وبرأ النسمة ما علمته إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن
وما في الصحيفة قلت وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن
لا يقتل مؤمن بكافر).
فبعض هذه الروايات تقول بأن الذي مكتوب في الصحيفة هو
(لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من سرق منار الأرض، لعن الله
من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا) وبعضها يذكر أن فيها:
(شئ من أسنان الإبل وفيها أن المدينة حرم ما بين ثور إلى عائر
فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فإن عليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمة
المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ومن تولى مولى بغير

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح البخاري 1 / 53، 3 / 1110، 6 / 2531.
(2) المجتبى من السنن 8 / 23.
(3) السنن الكبرى 4 / 220.
(4) مسند أحمد بن حنبل 1 / 79.
(5) سنن ابن ماجة 4 / 24.
(6) سنن البيهقي 8 / 28، 9 / 226.
(7) سنن أبي داود ص 15.
(8) مسند أبي يعلى 1 / 350.
(9) سنن الترمذي 4 / 24.
30

إذنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة
صرف ولا عدل) وبعضها يذكر أنها تحتوي على (العقل وفكاك
الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر).
وثانيا: تناقضها من حيث طبيعة السؤال الموجه لأمير المؤمنين
عليه السلام وإليك أخي القارئ الكريم النصوص المتناقضة التي
ذكرتها هذه الروايات للسؤال الذي سئل أمير المؤمنين عليه السلام:
1 - سئل علي هل خصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشئ لم
يخص به الناس كافة؟
2 - قلت لعلي يا أمير المؤمنين هل عندكم سوداء في بيضاء
ليس في كتاب الله؟
3 - هل عندكم عن رسول الله شئ سوى كتاب الله؟
4 - هل عندكم من الوحي شئ؟
5 - هل عندكم من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم شئ
سوى القرآن؟
6 - هل عندكم شئ من العلم ليس عند الناس؟
7 - عندكم كتاب؟
وكل هذا التناقض يجعلنا نضع علامة استفهام على هذه الروايات
لأنها متناقضة تناقضا واضحا.

31

ثالثا: - إن الأمور التي ذكرت هذه الروايات " بغض النظر
عن تناقضها " أن الصحيفة التي أخرجها أمير المؤمنين عليه السلام
من قراب سيفه قد احتوت عليها ليس مما اختص به الإمام علي عليه
السلام وبقية أهل البيت عليهم السلام دون سائر المسلمين، فكيف
تدعي هذه الروايات أن عليا عليه السلام أخرجها للسائل على أنها مما
اختص به آل البيت عليهم السلام يقول أبو الطيب العظيم آبادي في
عون المعبود: (ليس يخفى أن ما في كتابه " أي صحيفته علي عليه
السلام " ليس من الأمور المخصوصة) (1) ومثله قول السندي في
حاشيته على سنن النسائي (2).
رابعا: - وأما بالنسبة إلى اللازم الثاني وهو وقوله: (الكذب
عليه رضي الله عنه بنسبة هذا القول إليه) فنقول: لا ندري لم جزم
الجزائري بأن عليا عليه السلام لم يقل ذلك القول، فكونه خبرا ضعيفا
لا يدل على عدم وقوعه وإن كان بعض رواته معروفا بالكذب لأن
الكذوب قد يصدق، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن
يتبينوا في أخبار الفاسقين، حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا إن
جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبوا على ما
فعلتم نادمين} فأمر بالتبين في أخبارهم ولم يأمر بردها فجزم
الجزائري بأن هذا الخبر مكذوب على أمير المؤمنين عليه السلام في
غير محله لعدم جريانه على القواعد العلمية، اللهم إلا إذا كان يدعي
أن لديه ملكة قدسية نورانية يستطيع بها تمييز الحديث المكذوب من
غيره!!!!! وعليه أن يثبت لنا ذلك. والشيخ الكليني عليه الرحمة
عندما روى ذلك في كتابه الكافي حدث به عن مجموعة من الرواة
فكيف يكون الكليني عليه الرحمة كاذبا على أمير المؤمنين؟ فهو لم
ينسب هذا القول لأمير المؤمنين عليه السلام مع علمه بعدم صدوره

--------------------------------------------------------------------------------

(1) عون المعبود 12 / 260
(2) سنن النسائي بشرح السيوطي 8 / 19.
32

منه سلام الله عليه حتى يكون كاذبا فالكاذب على الغير هو الذي ينسب
إلى الغير قولا أو فعلا يعلم أنه لم يصدر منه.
خامسا: بغض النظر عن صحة الحديثين أو عدم صحتهما فليس
من المستحيل ولا شئ يدعو للغرابة أو يمنع أن يكون عند الأئمة من
أهل البيت عليهم السلام خاتم سليمان وعصا موسى وأن يكونوا ورثة
النبيين، وهم اللذين اصطفاهم الله تعالى من بين سائر الناس كما
اصطفى إمامهم ومعلمهم ومربيهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
فهم ورثة النبيين حقا وصدقا وهم علماء هذه الأمة وصديقوها
وشهداؤها.
روى العلامة الشيخ حسام الدين المردي الحنفي في كتابه آل
محمد قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أنت
صاحب حوضي وصاحب لوائي وحبيب قلبي ووصيي ووراث علمي
وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي، وعلي باب علمي ومبين
لأمتي ما أرسلت به من بعدي حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه
رأفة ومودته عبادة) (1).
وروى العلامة الشيخ سليمان البلخي القندوزي الحنفي في كتابه
ينابيع المودة قال: (وفي المناقب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا
علي أنت صاحب حوضي وصاحب لوائي وحبيب قلبي ووصيي
ووارث علمي وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي.... الخ) (2)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) آل محمد ص 45.
(2) ينابيع المودة ص 133.
33

الحلقة الرابعة
قال الجزائري: (الحقيقة الرابعة: اعتقاد اختصاص آل البيت
وشيعتهم بعلوم ومعارف نبوية وإلهية دون سائر المسلمين ومستند هذه
الحقيقة ما أورده صاحب الكافي في ج 1 كتاب الحجة ص 138 بقوله:
عن أبي بصير قال دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت جعلت
فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم عليا
عليه السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب قال: فقال: يا أبا
محمد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليا عليه السلام ألف باب
يفتح له من كل باب ألف باب. فال: قلت: هذا بذاك، قال: ثم قال يا
أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريك ما الجامعة؟ قال: قلت:
جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراها بذراع
النبي صلى الله عليه وسلم، وأملاه من فلق فيه، وخط علي بيمينه كل
حلال وحرام وكل شئ يحتاج له الناس حتى الأرش والخدش. قال:
قلت هذا والله العلم! قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم
قال: عندنا الجفر ما يدريكم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم
النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال:
قلت: إن هذا العلم! قال: إنه العلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم
قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف
فاطمة؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل
قرآنكم هذا ثلاث مرات! والله ما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد! قال
: قلت: هذا والله العلم! قال: وإن عندنا علم ما كان، وما هو كائن
إلى أن تقم الساعة!!!!. انتهى بالحرف الواحد.
وبعد إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن تكون
إلا كما يلي: -

34

1 - الاستغناء عن كتاب الله تعالى وهو كفر صراح.
2 - اختصاص آل البيت بعلوم ومعارف دون سائر المسلمين،
وهو خيانة صريحة تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبة
الخيانة إليه صلى الله عليه وسلم، كفر لا شك فيه ولا جدال.
3 - تكذيب علي رضي الله عنه في قوله الثابت الصحيح: لم
يخصنا رسول الله آل البيت بشئ، وكذب على علي، كالكذب على
غيره، حرام لا يحل أبدا.
4 - الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من
أعظم الذنوب، وأقبحها عند الله، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (إن
كذبا علي ليس ككذب على أحدكم من كذب علي متعمدا فل يلج النار)
.
5 - الكذب على فاطمة رضي الله عنها، بأن لها مصحفا خاصا
يعدل القرآن ثلاث مرات، وليس فيه من القرآن حرف واحد.
6 - صاحب هذا الاعتقاد لا يمكن، أن يكون من المسلمين، أو
يعد من جماعتهم، وهو يعيش على علوم ومعارف، وهداية ليس
للمسلمين منها شئ.
وأخيرا فهل مثل هذا الهراء، الباطل والكذب السخيف، تصح
نسبته إلى الإسلام، دين الله الذي لا يقبل الله دينا غيره؟!. (ومن
يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
وعليه فقل أيها الشيعي معي لننجو معا من هذه الورطة الكبيرة: اللهم
إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء الكاذبون عليك وعلى رسولك وآل بيته
الطاهرين. من أجل إظلال عبادك، وإفساد دينك، وتمزيق شمل أمة
نبيك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم).

35

أولا: الحديث الذي استشهد به الجزائري هو صحيح من حيث
السند لا غبار عليه.
ثانيا: إن الجزائري بنى على هذا الحديث نتائج عجيبة وأمورا
غريبة ولوازم ليس في الحديث المذكور ما يدل على شئ منها حيث
قال: (وبعد: إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن
تكون إلا كما يلي: 1 - الاستغناء عن كتاب الله تعالى، وهو كفر
صراح) أقول ما هو دليل الجزائري على بطلان الاعتقاد بأن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام ألف باب من العلم ينفتح له من كل باب ألف ألف باب أو
الاعتقاد بأن عندهم صحيفة تسمى الجامعة فيها الحلال والحرام وهي
من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط يمين الإمام علي
عليه السلام أو الاعتقاد بأن عندهم وعاءا يسمى الجفر فيه علوم الأنبياء
السالفين والوصيين والعلماء من بني إسرائيل، أو الاعتقاد بأن عندهم
ما يسمى بمصحف فاطمة الذي هو ليس بقرآن " كما سنبين ذلك لاحقا
" بل فيه علوم ومعارف أخرى أو الاعتقاد بأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم خص أهل البيت عليهم السلام ببعض العلوم والمعارف مما
أخبر به عن طريق الوحي مما قد كان وما يكون؟ ليأتي لنا الجزائري
أو أعوانه المروجين لباطله بدليل واحد يدل على أن من يعتقد ذلك
يكون اعتقاده باطلا، وليثبتوا لنا بالدليل بطلان هذا الاعتقاد وأما قوله
أن الاعتقاد بذلك يعني الاستغناء عن كتاب الله سبحانه وتعالى فليس في
الحديث ما يدل على ذلك ويشير إليه فهو " أي الحديث " يشير ويبين
ما خص به أهل البيت عليهم السلام من الصحائف والكتب وما عندهم
من العلوم الشرعية والمعارف الإلهية التي لم تأتي لغيرهم من الناس.
فهذه النتيجة أتى بها الجزائري من جعبته المليئة بالحقد
والعداوة والبغضاء والكراهية لشيعة أهل البيت عليهم السلام.

36

وقال: (2 - اختصاص آل البيت بعلوم ومعارف دون سائر
المسلمين وهو خيانة صريحة تنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
، ونسبة الخيانة إليه كفر لا شك فيه ولا جدال).
أقول: إن هذا الجزائري حاطب بليل لا يدري ما يقول فهو
يرمي الكلام على عواهنه فمن أي دليل استفاد على أن اختصاص النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته بعلوم أو معارف دون غيرهم يعد
خيانة؟ لا والله لا يعد خيانة ولا شئ من ذلك خصوصا إذا كان في
ذلك منفعة عامة أو خاصة فقد خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم
حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه بأسماء المنافقين دون غيره من
الناس حتى سمي صاحب سر رسول الله، وخص أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام بما لم يخص به غيره فقد أخرج الترمذي
بسنده في سننه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه
قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم الطائف
فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه) (1).
قال الملا علي القاري في شرح الحديث في مرقاة المصابيح:
(والمعنى أني بلغته عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه على سبيل النجوى
، وقال: قال الطيبي رحمه الله: كان ذلك أسرار إلهية وأمور غيبية
جعله من خزانها) (2). وأخرج أحمد في مسنده والحاكم النيسابوري
في المستدرك (3) عن أم سلمة قالت: (والذي أحلف به إن كان علي

--------------------------------------------------------------------------------

(1) سنن الترمذي 5 / 639.
(2) مرقاة المصابيح 10 / 471.
(3) مسند أحمد 6 / 300، المستدرك على الصحيحين 3 / 138.
37

لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: عدنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة بعد غداة، يقول: جاء علي
؟ مرارا. قالت فاطمة: كان بعثه في حاجة. قالت: فجاء بعد. قالت
: فظننت أن إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت
من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه، ثم قبض
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه، فكان علي أقرب الناس
به عهدا). وقال الحاكم عن هذا الحديث: (هذا حديث صحيح الإسناد
ولك يخرجاه ووافقه الذهبي). والحديث أيضا مذكور في كتاب فضائل
الصحابة (1).
وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى (2) وأبو نعيم الأصفهاني
في حلية الأولياء (2) والكنجي الشافعي في كفاية الطالب (3) عن ابن
عباس قال: (كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد
إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره).
وقال الجزائري: (3 - تكذيب علي رضي الله عنه في قوله
الثابت الصحيح: لم يخصنا رسول الله آل البيت بشئ، وكذب على
علي كالكذب على غيره حرام لا يحل).
أقول: لقد بينت سابقا في - الحلقة الثالثة - أن هذا الحديث لم
يرد من طريق الشيعة الإمامية ولم تثبت صحته لديهم فلا يصح
الاحتجاج به عليهم وهو غير متواتر يفيد القطع بصدوره من أمير
المؤمنين حتى يلزم القول بخلافه وبما يناقضه تكذيب

--------------------------------------------------------------------------------

(1) فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 686.
(2) الطبقات الكبرى 2 / 338.
(3) حلية الأولياء 1 / 68.
(4) كفاية الطالب ص 291.
38

لأمير المؤمنين عليه السلام إضافة إلى أننا أثبتنا هناك أن هذه
الروايات التي رواها أهل السنة متناقضة من حيث نص السؤال الموجه
إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومن حيث أسماء وعدد المواد والأمور
المذكورة في الصحيفة التي تقول الروايات أنه سلام الله أخرجها من
قراب سيفه. وفوق كل ذلك لقد ذكرنا سابقا بعض الروايات ومن
مصادر سنية تقول أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خص
عليا عليه السلام ببعض الأمور وعهد إليه الكثير من العهود مما لم
يخص أو يعهد به إلى غيره، فهذه الروايات أيضا مناقضة لرواية (لم
يخصنا).
وقال الجزائري: (الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهو من أعظم الذنوب وأقبحها عند الله إذ قال عليه الصلاة
والسلام إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم من كذب علي متعمدا
فليلج النار).
أقول: لا ندري أين يكمن الكذب على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في حديث الكافي فإن كان يقصد أن ما جاء في الحديث
من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم عليا عليه السلام ألف
باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب فهذا الحديث مروي أيضا
في كتبهم فقد أخرجه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع
بهامش مسند أحمد بن حنبل (1) عن علي عليه السلام أنه قال:
(علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب كل باب يفتح
ألف باب). وفيه عن ابن عباس قال: (إن عليا خطب الناس فقال:
يا أيها الناس ما هذه المقالة السيئة التي تبلغني عنكم؟ والله لتقتلن طلحة
والزبير ولتفتحن البصرة، ولتأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف
وخمسمائة وستين أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين، قال ابن عباس:

--------------------------------------------------------------------------------

(1) منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل 5 / 43.
39

فقلت: الحرب خدعة. قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس: كم أنتم
فقالوا: كما قال، فقلت: هذا مما أسره إليه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، إنه علمه ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف ألف كلمة).
وفي تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى: {إن الله
اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} (1) قال
: (قال علي عليه السلام: علمني رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب) ثم قال:
(فإذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي صلى الله عليه (وآله)
وسلم) (2).
وفي ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق
روى الحافظ ابن عساكر بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال في مرضه: (ادعوا لي أخي... فدعي له علي بن أبي طالب،
فستره بثوب وانكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال النبي
لك؟ قال: علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب) (3).
كما يؤيد هذا القول الكثير من الأحاديث منها قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت
الباب) (4).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) آل عمران: 33.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي 8 / 21.
(3) ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ج 2 ص 485.
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 137، 138 وقال عنه: (هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه).
40

وفي كتاب الإستيعاب (1) وأسد الغابة (2) والرياض النضرة
في مناقب العشرة (3) عن عبد الله بن عباس قال: (والله لقد أعطي
علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد
شارككم في العشر العاشر).
وفي أسد الغابة (4) والاستيعاب (5) وفيض القدير (6)
والرياض النضرة (7) عن عبد الملك بن سليمان قال: قلت لعطاء:
أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم أعلم من علي؟
قال: لا والله لا أعلم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى هبيرة قال: (خطبنا
الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم
يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا
ينصرف حتى يفتح الله على يديه) (8).
وروى الحاكم في مستدركه على الصحيحين بسنده عن قيس بن
أبي حازم قال: (كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت
أحجار الزيت فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم
علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الإستيعاب 3 / 40.
(2) أسد الغابة 4 / 100.
(3) الرياض النضرة 3 / 141.
(4) أسد الغابة 4 / 100.
(5) الإستيعاب 3 / 40.
(6) فيض القدير 3 / 47.
(7) الرياض النضرة 3 / 141.
(8) مسند الإمام أحمد 1 / 199.
41

فوقف عليهم فقال ما هذا فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب فتقدم
سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه فقال يا هذا على ما تشتم علي بن أبي
طالب ألم يكن أول من أسلم ألم يكن أول من صلى مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ألم يكن أزهد الناس ألم يكن أعلم الناس وذكر
حتى قال ألم يكن ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته ألم
يكن صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته ثم استقبل
القبلة ورفع يديه وقال اللهم إن هذا يشتم وليا من أوليائك فلا تفرق هذا
الجمع حتى تريهم قدرتك قال قيس فوالله ما تفرقنا حتى ساخت به
دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات) ثم قال
الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) (1).
وفي تاريخ بغداد (2) وترجمة الإمامة علي من تاريخ مدينة
دمشق (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنا مدينة
الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب).
وفي مجمع الزوائد للهيثمي (4) ومسند أحمد بن حنبل (5)
والمعجم الكبير للطبراني (6) عن معقل بن يسار قال: (وضأت النبي
صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل لك في فاطمة نعودها فقلت نعم
فقام متوكئا علي فقال أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك قال

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 571.
(2) تاريخ بغداد ج 11 ص 204 رقم 5908.
(3) ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ج 2 ص 476 ح 1003
(4) مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 101، 102، 114.
(5) مسند أحمد بن حنبل 5 / 29.
(6) المعجم الكبير للطبراني 20 / 229.
42

فكأنه لم يكن علي شئ حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام فقال كيف
نجدك فقالت والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي قال
عبد الله وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال أما ترضين
أن أزوجك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما).
وفي طبقات ابن سعد (1) والإصابة لابن حجر (2) والاستيعاب
لابن عبد البر (3) عن أبي الطفيل قال: (قال علي بن أبي طالب "
عليه السلام -: سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت
بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل).
إلى غيرها من الكثير من الأحاديث الكثيرة في هذا المضمار التي
تبين منزلة ومكانة أمير المؤمنين عليه السلام العلمية وما خصه
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم به من علوم ومعارف لم يخص بها
غيره وإذا صح عندهم أن أبا هريرة كان عنده وعاءان من العلم تلقاهما
من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مدة قصيرة فكيف يستبعد
أن يحوي علي عليه السلام ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف
باب مع قرب منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكثرة
ملازمته له وطول صحبته وكثرة مسائلته لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وشدة ذكائه وقوة حافظته.
وأما إذا أراد أن ما جاء في الحديث من أن الجامعة هي من
إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو كذب على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، فنقول من أين جزم الجزائري بعدم وقوع ذلك
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعتبر القول بذلك كذبا على

--------------------------------------------------------------------------------

(1) طبقات ابن سعد 2 / 338.
(2) الإصابة 2 / 509.
(3) الاستيعاب 3 / 43.
43

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ مع أننا قد أوردنا سابقا من
الروايات ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتجي
عليا عليه السلام كثيرا، وتفيد الروايات أن عليا عليه السلام كان يسأل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجيبه بل كان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم هو الذي يبتدؤه بالتعليم، فلعل عليا عليه السلام كان يكتب كل
ذلك ويسجله فتكونت منه صحيفة سميت فيما بعد بالجامعة.
قال الجزائري: (5 - الكذب على فاطمة رضي الله عنها بأن
لها مصحفا يعدل القرآن ثلاث مرات، وليس فيه من القرآن حرف
واحد).
أقول: كيف يكون كاذبا من يقول بأن للسيدة الزهراء عليها
السلام مصحفا؟ مع ورود الروايات الصحيحة من طرقنا التي تذكر
ذلك، فمصحف فاطمة ليس هو قرآن ولا به شئ من الآيات القرآنية
والرواية عن الإمام عليه السلام صريحة في ذلك حيث يقول الإمام
الصادق عليه السلام: (والله ما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد) وإنما
هو من حيث حجمه يعدل القرآن الكريم ثلاث مرات، ولا يوجد شيعي
يقول بأن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن وآيات قرآنية منزلة من
الله سبحانه وتعالى، وحقيقة مصحف فاطمة هي أنه كتاب فيه علم ما
يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة وعلوم أخرى من إملاء
جبريل عليه السلام وخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
وسمي بالمصحف لأنه كتاب جامع لصحف مكتوبة وكل ما كان كذلك
فهو مصحف لغة قال في لسان العرب: (المصحف والمصحف بضم
الميم وكسرها: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين، كأنه أصحف).

44

قال الجزائري: (6 - صاحب هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون
من المسلمين أو يعد من جماعتهم وهو يعيش على علوم ومعارف
وهداية ليس للمسلمين منها شئ).
أقول: كيف يكون من يعتقد نتيجة للأخبار الصحيحة عنده أن
أهل البيت عليهم السلام خصوا بمعارف وعلوم لم يخص بها غيرهم
من بقية الناس كافرا خارجا من دائرة الإسلام وحضيرة المسلمين؟
لماذا لم يسق الجزائري أدلته على ذلك؟ لماذا يقول من دون دليل؟
لماذا لا يأتي لنا من كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه محمد صلى الله
عليه وآله وسلم بدليل يثبت لنا أن مثل هذا الاعتقاد يؤدي بالعبد إلى
الكفر والخروج عن ملة الإسلام؟ وأنى له أن يأتي بذلك. لأن هذا
الاعتقاد لو سلمنا جدلا ببطلانه فصاحبه لم يجحد ما علم ثبوته في الدين
بالضرورة حتى يكفر ويخرج من ربقة الإسلام. وتعليل خروج من
يعتقد بهذا الأمر عن دائرة الإسلام وجماعة المسلمين بأنه يعيش على
علوم ومعارف وهداية ليس للمسلمين منها شئ تعليل باطل، فهذه
العلوم والمعارف المخصوصة بأهل البيت عليهم السلام هي بيد أئمة
المسلمين من أهل البيت عليهم السلام وهم عترة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم اللذين جعلهم عدل القرآن الكريم وأمر بالتمسك بهم
وملازمتهم والتعلم منهم والاقتداء بهم فقد أثر عنه صلوات الله وسلامه
عليه قوله: (إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين
أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (1).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) ستأتي الإشارة إلى بعض مصادر هذا الحديث (أنظر الحلقة السابعة من هذا الرد).
45

هذا مضافا إلى أن الفرقة الناجية لا بد وأن تكون لها هداية
ومعارف ليست لغيرها من الطوائف، وإلا لما كان في المسلمين فرقة
ناجية واحدة، ووجب أن يكون كل فرق المسلمين ناجية وهو باطل.
قال الجزائري: (7 - وأخيرا فهل مثل هذا الهراء الباطل
والكذب السخيف تصح نسبته إلى الإسلام، دين الله الذي لا يقبل غيره
؟! ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين).
أقول: لقد وضحنا حقيقة الأمر فلا هراء باطل ولا كذب
سخيف ولا غير ذلك بل غاية ما في الأمر أن الجزائري وأشكاله
ينظرون إلى كل فضيلة خص بها أهل البيت عليهم السلام على أنها
كذب وهراء أما ما ينسب لغيرهم ممن يتفاعل معهم هؤلاء من فضائل
ومناقب وإن كانت منسوبة إليهم كذبا فهي من الإسلام الذي لا يقبل الله
سبحانه وتعالى غيره فلا نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

46

الحلقة الخامسة
قال أبو بكر الجزائري: (الحقيقة الخامسة!!! اعتقاد أن
موسى الكاظم قد فدى الشيعة بنفسه، أورد صاحب الكافي هذه الحقيقة
في ج 1 كتاب الحجة ص 260 بقوله: إن أبا الحسن الكاظم - وهو
الإمام السابع من أئمة الشيعة الإثنى عشرية - قال: الله عز وجل،
غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فوقيتهم نفسي، والآن أيها
الشيعي فما هو مدلول هذه الحكاية التي ألزموك باعتقادها بعد ما
فرضوا عليك الإيمان بها وتصديق مدلولها حسب ألفاظها؟ إن موسى
الكاظم رحمه الله تعالى قد رضي بقتل نفسه فداء لأتباعه من أجل أن
يغفر الله لهم ويدخلهم الجنة بغير حساب، تأمل أيها الشيعي وفقني الله
وإياك لما يحبه ويرضاه من صالح المعتقد والقول والعمل، تأمل هذه
الفرية ولا أقول غير الفرية لمجانبتها الحق وبعدها كل البعد عن الواقع
والصدق، تأملها فإنك تجدها تلزم معتقدها بأمور عظيمة كل واحد
منها لا ترضى أن ينسب إليك أو تنسب أنت إليه ما دمت ترضى بالله
ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا وتلك الأمور هي:
1 - الكذب على الله عز وجل في أنه أوحى إلى موسى الكاظم
بأنه غضب على الشيعة، وأنه خيره نفسه أو شيعته وأنه فداهم بنفسه
، فهذا والله لكذب عليه عز وجل وهو يقول {ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا}.
2 - الكذب على موسى الكاظم رحمه الله وبهته بهذه الفرية التي
هو منها والله لبراء.
3 - الكذب على موسى الكاظم رحمه الله وما هو والله بنبي ولا
رسول فقول المفتري: إن الله أخبر موسى الكاظم بأنه غضبان على

47

الشيعة! وأنه يخيره بين نفسه وشيعته ورضي لنفسه بالقتل فداء لهم
يدل دلالة واضحة بمنطوقه ومفهومه على نبوة موسى الكاظم!!!!!!!!
مع العلم بأن المسلمين مجمعون على كفر من اعتقد نبوة أحد بعد النبي
صلى الله عليه وسلم وذلك لتكذيبه بصريح قوله تعالى (ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
4 - اتحاد الشيعة والنصارى في عقيدة الصلب والفداء فكما أن
النصارى يعتقدون أن عيسى فدا البشرية بنفسه إذ رضي بالصلب
تكفيرا عن خطيئة البشرية وفداء لها من غضب الرب وعذابه فكذلك
الشيعة يعتقدون بحكم هذه الحقيقة أن موسى الكاظم خيره ربه بين
هلاك شيعته أو قتل نفسه فرضي بالقتل وفدى الشيعة من غضب الرب
وعذابه، فالشيعة إذا والنصارى عقيدتهما واحدة، والنصارى كفار
بصريح كتاب الله عز وجل فهل يرضى الشيعي بالكفر بعد الإيمان؟!
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
وأخيرا، أنقذ نفسك أيها الشيعي وتبرأ من هذه الخزعبلات
والأباطيل ودونك صراط الله وسبيل المؤمنين).
أقول: إن هذا الحديث الذي استشهد به الجزائري من كتاب
الكافي هو وسنده كالتالي: (علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن
بعض أصحابنا عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إن الله عز
وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم فوقيتهم والله بنفسي)
وهذا الحديث ضعيف ففي سنده إرسال كما واضح قال عنه الشيخ
المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول (1): (مرسل).
وكما أسلفنا سابقا فالحديث الضعيف لا يلزم ولا يلزم به أحد

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مرآة العقول 3 / 126.
48

وهذا الدجال الجزائري عندما نقل هذه الرواية من الكافي بلا
شك أنه رأى أن في سندها إرسال وضعيفة سندا لجهة الإرسال فيها إلا
أنه مع كل ذلك اتخذها وسيلة للتشنيع على الشيخ الكليني عليه الرحمة
والشيعة وألزمها مع كل ذلك لوازم ونتائج ليس في الرواية ما يدل
على شئ منها وأكتفي في الرد عليه بذلك لأنني وحسب تتبعي لم أجد
لهذه الرواية شاهدا صحيحا لا بلفظها ولا بمعناها يستدعي الأمر منا
لذلك أن نتعرض لمضمونها بالشرح والتوضيح.

49

الحلقة السادسة
قال الجزائري: (الحقيقة السادسة، اعتقاد أن أئمة الشيعة،
بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصمة والوحي والطاعة
وغيرها، إلا في أمر النساء، فلا يحل لهم ما يحل له صلى الله عليه
وسلم. هذا المعتقد الذي يجعل أئمة الشيعة بمنزلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أثبته صاحب الكافي بروايتين.
أولهما: - ما جاء في كتاب الحجة ص 229 أنه قال: قال
كان المفضل عند أبي عبد الله فقال له: جعلت فداك، أيفرض الله
طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ فقال له أبو عبد الله
" الإمام " لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده، من أن يفرض طاعة
عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء. فهذه
الرواية تثبت بمنطوقها أن أئمة الشيعة قد فرض الله طاعتهم على
الناس مطلقا، كما فرض طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم
" أئمة الشيعة " يوحى إليهم، ويتلقون خبر السماء صباحا مساء،
وهم بذلك أنبياء مرسلين سواء بسواء.
واعتقاد نبي يوحى إليه بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم،
ردة في الإسلام، وكفر بإجماع المسلمين، فسبحان الله كيف يرضى
الشيعي المغرور بعقيدة تفترى له افتراء، ويلزم اعتقادها ليعيش بعيدا
عن الإسلام كافرا من حيث أنه ما اعتقد هذا الباطل إلا من أجل
الإيمان والإسلام ليفوز بهما ويكون من أهلهما...... اللهم اقطع يد
الإجرام الأولى التي قطعت هؤلاء الناس عنك، وأظلتهم عن سبيلك.
وثانيهما: - ما جاء ج 1 كتاب الحجة ص 229 قال: عن
محمد بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأئمة
بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا
يحل لهم من النساء ما يحل للنبي، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول

50

الله صلى الله عليه وسلم.
هذه الرواية فإنها وإن كان في ظاهرها بعض التناقض فإنها
كسابقتها تقرر عصمة الأئمة، ووجوب طاعتهم، وأنهم يوحى إليهم،
لأن عبارة الأئمة بمنزلة رسول الله إلا في موضوع النساء صريحة في
أنهم معصومون، وأن طاعتهم واجبة، وأن لهم جميع الكمالات
والخصائص التي هي للنبي صلى الله عليه وسلم.
والقصد الصحيح من وراء هذا الاختلاق والكذب الملفق " أيها
الشيعي " هو دائما ص فصل أمة الشيعة عن الإسلام والمسلمين
للقضاء على الإسلام والمسلمين بحجة أن أمة الشيعة في غنى عما عند
المسلمين من وحي الكتاب الكريم، وهداية السنة النبوية على صاحبها
أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذلك بما لديها من مصحف فاطمة
الذي يفوق القرآن الكريم، والجفر والجامعة، وعلوم النبيين السابقين
ووحي الأئمة المعصومين الذين هم بمنزلة الرسول صلى الله عليه
وسلم، إلا في مسألة نكاح أكثر من أربع نسوة، وما إلى ذلك مما
سلخ أمة الشيعة من المسلمين، انسلاخ الشعرة من العجين.
ألا قاتل الله روح الشر، التي اقتطعت قطعة عزيزة من جسم
أمة الإسلام باسم الإسلام وأبعدت خلقا كثيرا عن طريق آل البيت باسم
نصرة آل البيت).
أقول: لقد ثبت للشيعة بالأدلة الكثيرة أن علي بن أبي طالب
والحسن بن علي الزكي والحسين بن علي الشهيد وعلي ابن الحسين
زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق،
وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي
الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري ومحمد
بن الحسن المهدي المتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، هم خلفاء

51

النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقادة وولاة الأمر على الأمة من بعده
واحدا تلو الآخر، اختارهم الله سبحانه وتعالى للقيام بهذه المهمة وهذا
الدور، وإذ ثبتت إمامتهم وإمرتهم وولايتهم، ثبت أيضا عصمتهم
ووجوب طاعتهم، فأما بالنسبة للعصمة، فإن الدليل العقلي يدل على
أن الإمام وولي أمر الأمة القائم بأمورها وشؤونها الدينية والدنيوية
يجب أن يكون معصوما، لأن الذي يدعو إلى وجوب نصب الإمام هو
جواز الخطأ على الأمة، فإذا جاز الخطأ على الإمام أحتاج إلى إمام
ثان يرفع خطأه، وهذا الثاني إما أن يكون مثل الأول فيحتاج إلى
ثالث، وهكذا فيلزم إما التسلسل أو الدور وكلا الأمرين باطل، وإما
أن لا يكون كذلك " أي لا يجوز عليه الخطأ - فيثب المطلوب وهو
العصمة.
هذا من ناحية الدليل العقلي، وأما أدلة عصمتهم من ناحية
الشرع فكثيرة منها:
1 - قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) (1) وظاهر الآية الكريمة يدل على أن
الله سبحانه وتعالى أمر بإطاعة أولي الأمر على وجه الإطلاق
والجزم في جميع الحالات دون أن يقيد طاعتهم بحالة معينة أو شئ
ما، ومن كان الأمر بطاعتهم على هذا الشكل فإنه يجب أن يكونوا
معصومين، وإلا لما صح الأمر بطاعتهم على وجه الإطلاق وبلا قيد
أو شرط.
وقد استفاد من الآية الكريمة من أهل السنة دلالتها على العصمة

--------------------------------------------------------------------------------

(1) النساء: 59.
52

الفخر الرازي حيث صرح بذلك في تفسيره مفاتيح الغيب عند تفسيره
للآية الكريمة فقال: (إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل
الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع،
لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ
كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك
أمرا بفعل الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يقضي إلى
اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنه محال،
فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن
كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن
الخطأ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن
يكون معصوما) (1).
2 - قوله سبحانه وتعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي
الظالمين) (2).
ففي الآية الكريمة أن إبراهيم عليه السلام لما أن قال له سبحانه
وتعالى (إني جاعلك للناس إماما) طلب هذا المنصب لبعض ذريته
بقوله كما يحكيه تعالى (قال ومن ذريتي) فرد الله عز وجل عليه
بقوله: (لا ينال عهدي الظالمين) فنفى أن ينال هذا المنصب الظالم،
والمراد بالظالم في الآية الكريمة مطلق من اتصف بهذه الصفة ولو في
آن من آنات حياته، فمن تلبس بالظلم ولو في آن ما فإنه لا يصلح أن
يتولى منصب الإمامة حتى لو تاب من ظلمه. وعليه فإن الآية تدل
على أن الإمام يجب أن يكون معصوما لأن الذي لا يمارس ظلما ولا
يتلبس به هو المعصوم. وطبعا ليس المراد بمنصب الإمامة في الآية
الكريمة والذي أعطاه الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام هو

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مفاتيح الغيب 10 / 144.
(2) البقرة / 124.
53

منصب النبوة أو الرسالة فإن منصب النبوة هو منصب تحمل الوحي،
ومنصب الرسالة هو منصب إبلاغه للناس، وقد كان الخليل عليه
السلام قائما بوظائفهما سنين طويلة قبل أن يعطى منصب الإمامة الذي
هو منصب القيادة وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة، أما هذا
المنصب " الإمامة - فقد أعطي إياه في أخريات عمره، يدل على
ذلك أنه طلب هذا المنصب لبعض ذريته، ومعلوم أنه رزق الذرية في
الكبر (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) (1)
وقد كان نبيا رسولا قبل أن يرزق الذرية، فطلبه هذا المنصب لبعض
ذريته يدل على وجود خلف وذرية له، وإلا من غير المناسب "
وخصوصا من الخليل الذي آيس من الذرية " أن يطلبه لمن لا يعلم
بوجوده.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن الله اتخذ إبراهيم
عبدا قبل أن يتخذه نبيا وأن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وأن الله
اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وأن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه
إماما، فلما جمع له الأشياء قال: إني جاعلك للناس إماما، قال فمن
عظمها في عين إبراهيم عليه السلام قال (من ذريتي، قال لا ينال
عهدي الظالمين) قال: لا يكون السفيه إمام التقي) (2).
هذه هي بعض الأدلة على عصمة الإمام بما هو إمام، أما الأدلة
على عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام فكثيرة منها:
1 - قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) (3) وقبل أن نثبت دلالة هذه الآية على العصمة،
لا بد أولا من بيان مصداق مفهوم أهل البيت في الآية الكريم. إن

--------------------------------------------------------------------------------

(1) إبراهيم: 39.
(2) الاختصاص للشيخ المفيد: ص 22.
(3) الأحزاب: 33.
54

الروايات المستفيضة في كتب الفريقين سنة وشيعة تثبت أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم حدد هذا المفهوم في الآية الكريمة بالخمسة
أصحاب الكساء وهم: (النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة
والحسن والحسين عليهم السلام) دون غيرهم ومن ذلك على سبيل
المثال لا الحصر: _
1 - روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن أبي
عمار قال: حدثني واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: (جئت أريد
عليا رضي الله تعالى عنه فلم أجده فقالت فاطمة رضي الله عنها
انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يدعوه فاجلس،
فجاء مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فدخل ودخلت معهما
، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حسنا وحسينا
فأجلس كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم
لف عليهم ثوبه وأنا شاهد فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا، اللهم هؤلاء أهل بيتي). ثم قال الحاكم
النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم
يخرجاه) (1).
2 - روى الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن عطاء بن
يسار عن أم سلمة قالت: (في بيتي نزلت {إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت} قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي) ثم
قال النيسابوري: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم
يخرجاه) (2) وقال الذهبي في التلخيص: (على شرط البخاري).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 451.
(2) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 158.
55

3 - وأخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي عمار عن واثلة
بن الأسقع قال: (أتيت عليا فلم أجده فقالت لي فاطمة انطلق إلى
رسول الله يدعوه فجاء مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
الحسن والحسين فأقعد كل واحد منهما على فخذيه وأدنى فاطمة من
حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ثم قال هؤلاء أهل بيتي اللهم أهل
بيتي أحق). قال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه) (1) وقال الذهبي في التلخيص: (على
شرط مسلم).
4 - وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن صفية
بنت شيبة قالت: (حدثتني أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:
(خرج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم غداة وعليه مرط مرجل من
شعر أسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاءت فاطمة
فأدخلها معهما ثم جاء علي فأدخله معهم ثم قال: إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال الحاكم: (هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) (2). وقال الذهبي في
التلخيص: (على شرط البخاري ومسلم).
5 - وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن عطاء
بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (في بيتي نزلت هذه
الآية {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} قالت فأرسل
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إلى علي وفاطمة والحسن
والحسين رضوان الله عليهم أجمعين فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي، قالت
أم سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت قال إنك أهلي خير وهؤلاء

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 159.
(2) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 159.
56

أهل بيتي اللهم أهلي أحق) قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على
شرط البخاري ولم يخرجاه) (1). وقال الذهبي في التلخيص (على
شرط مسلم).
6 - وأخرج الترمذي في صحيحه بسنده عن عمر بن أبي سلمة
قال: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا في بيت أم سلمة
فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجللهم
بكساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله قال أنت على مكانك وأنت
على خير) قال الترمذي: (هذا حديث غريب من حديث عطاء عن
عمر بن أبي سلمة) (2) وقد صحح الشيخ الألباني هذا الحديث.
7 - وأخرج الترمذي أيضا في صحيحه بسنده عن عمر بن أبي
سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية على
النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا في بيت أم سلمة فدعا النبي صلى الله عليه
وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله
بكساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله قال أنت على مكانك وأنت
إلى خير) قال الترمذي: (وفي الباب عن أم سلمة ومعقل بن يسار
وأبي الحمراء وأنس قال وهذا حديث غريب من هذا الوجه) (3).
وقد صحح الشيخ الألباني هذا الحديث في سلسلته.

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 451.
(2) صحيح الترمذي ج 5 ص 351.
(3) صحيح الترمذي ج 5 ص 663.
57

8 - وأخرج الترمذي في صحيحه بسنده عن شهر بن حوشب
عن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن
والحسين وعلي وفاطمة كساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي
أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا معهم يا
رسول الله قال إنك إلى خير) قال الترمذي: (هذا حديث حسن وهو
أحسن شئ روي في هذا وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة وأنس بن
مالك وأبي الحمراء ومعقل بن يسار وعائشة) (1).
9 - وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن شداد أبي عمار
قال: (دخلت على واثلة وعنده قوم فذكروا عليا فشتموه فشتمته معهم
فقال ألا أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت
بلى قال أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت توجه إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فجلس فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي
وحسن وحسين كل واحد منهما آخذ بيده فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما
بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم
ثوبه أو قال كساءه ثم تلا هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق) (2).
10 - روى الطبري في تفسيره بسند صحيح عن بكير بن مسمار قال سمعت
عامر بن سعد قال: قال سعد (قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حين نزل
عليه الوحي فأخذ عليا وابنيه وفاطمة وأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: رب هؤلاء أهلي
وأهل بيتي) (3).
11 - وأخرج النسائي في كتابه السنن الكبرى بسند صحيح عن

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 699.
(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 370.
(3) تفسير الطبري ج 10 ص 298.
58

عمرو بن ميمون قال: (إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط
فقالوا إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا يا هؤلاء وهو يومئذ صحيح قبل
أن يعمى قال أنا أقوم معكم فتحدثوا فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو
ينفض ثوبه وهو يقول أف وتف يقعون في رجل له عشر، وقعوا في
رجل قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) لأبعثن رجلا يحب الله
ورسوله لا يخزيه الله أبدا فأشرف من استشرف فقال أين علي؟ هو
في الرحا يطحن وما كان أحدكم ليطحن فدعاه وهو أرمد ما يكاد أن
يبصر فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فدفعها إليه فجاء بصفية بنت
حيي وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث عليا خلفه فأخذها منه فقال لا
يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه، ودعا رسول الله صلى الله عليه
(وآله) الحسن والحسين وعليا وفاطمة فمد عليهم ثوبا فقال اللهم هؤلاء
أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وكان أول من أسلم
من الناس بعد خديجة، ولبس ثوب رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم ونام فجعل المشركون يرمون كما يرمون رسول الله صلى الله
عليه (وآله) وهم يحسبون أنه نبي الله صلى الله عليه (وآله) وسلم
فجاء أبو بكر فقال يا نبي الله، فقال علي إن نبي الله صلى الله عليه
(وآله) وسلم قد ذهب نحو بئر ميمون فاتبعه فدخل معه الغار وكان
المشركون يرمون عليا حتى أصبح وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال
علي أخرج معك فقال لا فبكى فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنك لست بنبي ثم قال: أنت خليفتي في كل
مؤمن من بعدي قال وسد أبواب المسجد غير باب علي فكان يدخل
المسجد وهو جنب وهو في طريقه ليس له طريق غيره، وقال من
كنت وليه فعلي وليه...) (1).
12 - وأخرج النسائي في كتابه خصائص الإمام علي عليه
السلام بسند صحيح عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال:

--------------------------------------------------------------------------------

(1) سنن النسائي ج 5 ص 112.
59

(أمر معاوية سعدا، فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أنا
ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلن أسبه
لأن يكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه، فقال
له علي: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟ وسمعته يقول يوم خيبر:
لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله،
فتطاولنا إليها، فقال: ادعوا لي عليا فأتي به أرمد فبصق في عينه
ودفع الراية إليه... ولما نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا} دعا رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي).
فهذه الروايات صريحة وواضحة أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قد خصص وحدد مفهوم أهل البيت في هذه الآية في أصحاب
الكساء فقط دون غيرهم، يفهم ذلك من له أدنى مسكة إلمام باللغة
العربية فهو يقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) وفي رواية الترمذي
السالفة (وخاصتي) ومعنى هذا أن هؤلاء هم أهل بيته فقط دون
غيرهم وهم المقصودون بأهل البيت في الآية دون غيرهم ولو كان
المفهوم يشمل هؤلاء وغيرهم " من الموجودين في عصره " من
نسائه أو عشيرته لكان الأصح والأنسب أن يقول: (اللهم هؤلاء من
أهل البيت) لا أن يقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) الذي يفيد حصر
المفهوم كله فيهم.
وبعد هذا فنقول أن دلالة الآية الكريمة على عصمة هؤلاء في
غاية الوضوح فالله سبحانه وتعالى " كما هو ظاهر الآية " أذهب
عنهم بإرادته (التكوينية) التي لا يتخلف المراد فيها عن الإرادة
أذهب عنهم الرجس الذي هو كل قذارة مادية ومعنوية وطهرهم من

60

كل رجس ودنس تطهيرا وهذا عين العصمة وحقيقتها.
2 - حديث الثقلين المتواتر الذي من ألفاظه قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: (إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي
الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض) (1).
وحديث الثقلين يدل على عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام من عدة
وجوه: -
1 - إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر في هذا الحديث
باتباع أهل البيت عليهم السلام على وجه الإطلاق بدون قيد أو شرط
ومن كان الأمر بطاعته كذلك يكون معصوما فحاشا النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أن يأمر بهذا النوع من الأمر بالاتباع لمن يعلم
ويحتمل خطأه ومخالفته للكتاب والسنة.
2 - أنه جعل التمسك بهم مانعا من الضلال كالكتاب، ومن
كان جائزا عليه الضلال لا يكون مانعا منه، فالنتيجة أن أهل البيت
عليهم السلام غير جائز في حقهم الضلال ومن كان كذلك كان
معصوما.
3 - أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بالكتاب وأمر باتباعهما
معا فكما أن الكتاب منزه من كل باطل فأهل البيت كذلك، وهو عين
العصمة.
4 - أنه صلى الله عليه وآله وسلم صرح بأنهم لا يفارقون

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مسند أحمد ج 3 ص 59.
61

الكتاب، والكتاب لا يفارقهم، فهم لا يخالفونه في زمن من الأزمنة
ووقت من الأوقات، فإذا كانوا كذلك كانوا معصومين.
هذه أربعة وجوه في حديث الثقلين تدل على عصمة عترة النبي
صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته وفي نصوص أخرى لهذا
الحديث توجد وجوه أخرى، وفيما ذكرنا كفاية.
3 - قوله عليه الصلاة والسلام: (النجوم أمان لأهل الأرض
من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة
اختلفوا فصاروا حزب إبليس). (1)
فلو كان أهل البيت عليهم السلام يخطئون لجازت مخالفتهم في
الخطأ، ولا يكون مخالفهم " حال ذلك " من حزب إبليس، ولما
اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مخالفهم مطلقا يكون من
حزب إبليس علمنا أنهم لا يخطئون ومن لا يخطئ مطلقا هو
المعصوم، فالنتيجة أن أهل البيت عليهم السلام معصومون.
4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من
ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) (2).
والحديث واضح الدلالة على عصمتهم لأن التخلف عنهم حال

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 162 وقال عنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وانظر
أيضا المستدرك ج 2 ص 486 و ج 3 ص 516.
(2) المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 373 و ج 3 ص 163 وقال عنه: حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه، والمعجم الأوسط للطبراني ج 5 ص 355 و ج 6 ص 85،
والمعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 45 و ج 3 ص 46 و ج 12 ص 34، ومسند الشهاب ج 2
ص 273 و ج 2 ص 274، وحلية الأولياء ج 4 ص 306، وفضائل الصحابة ج 2 ص
785، أخبار مكة للفاكهي ج 3 ص 134.
62

الخطأ لا يعد هلاكا، والنبي هنا جزم بأن النجاة في اتباعهم والهلاك
في التخلف عنهم فثبت أنهم لا يخطئون، فإذا هم معصومون.
5 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يحيا حياتي
ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرس ربي قضبانها بيده،
فليتوال عليا من بعدي، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي
خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي،
القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) (1).
(وهل هناك دلالة على عصمتهم من الخطأ أوضح من قوله
صلى الله عليه وآله وسلم (خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي) وأصرح
من قوله (فليقتد بأهل بيتي)؟ وذلك لأن طينته معصومة فتجب عصمتهم
لأنه لو لم يكونوا معصومين لوقع منهم الخطأ، فيجب الاقتداء بهم في
الأمر بالخطأ ولا شئ من الخطأ يجوز الاقتداء به، ولما ثبت وجوب
الاقتداء بهم مطلقا ثبت أنهم معصومون من الخطأ) (2).
وهناك أدلة أخرى كثيرة في كتب أهل السنة على عصمتهم عليهم السلام فضلا
عن ما ورد من طرق الشيعة (3) فالإمام قائم بوظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من بعده " وإن لم يكن نبيا " فوظيفته هي هداية الناس إلى الطريق القويم، وإذا
جاز عليه الخطأ

--------------------------------------------------------------------------------

(1) منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ج 5 ص 94 وقريبا منه في حلية الأولياء
لأبي نعيم الأصفهاني ج 1 ص 86.
(2) مع الدكتور على أحمد السالوس في كتابه فقه الشيعة الإمامية ص 163 -
164.
(3) روى الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة 1 / 240 بسند صحيح عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا
وجعلنا شهداء على خلقه وحججا في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا
لا نفارقه ولا يفارقنا).
63

والمعصية انتفت الغاية من نصبه، ولما اطمأن إليه الناس ولما وثقوا بأفعاله وأقواله.
فثبت كونه معصوما.
أما بالنسبة لوجوب طاعتهم فكل الأدلة التي سقناها سابقا لإثبات عصمة الإمام
والأئمة من أهل البيت أدلة أيضا على وجوب طاعة الأئمة عليهم السلام، فبعد ثبوت
عصمته " الإمام - وأنه الهادي للأمة والمنقذ لها من الضلال وفي اتباعه الهداية والنجاة
، فبلا شك أن من كان هكذا حاله وجبت طاعته، وأصرح الأدلة قوله تعالى: (يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وعليه فقد ثبت أن قول الشيعة بأن الأئمة عليهم السلام في العصمة ووجوب
الطاعة كالأنبياء مدعوم بالدليل والبرهان، وما دامت عقيدتهم هذه مستندها القرآن
والسنة فكيف يحق لهذا الجزائري وأضرابه من الوهابية أن يشنعوا بها عليهم؟!!! أليس
من الأفضل له ولغيره من هؤلاء أن يناقشوا أدلتهم هذه ويردونها بدليل " إن كان
لديهم ذلك " بدل هذا التشنيع؟.
أما بالنسبة للوحي فالشيعة لا يعتقدون بأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
ينزل عليهم الوحي كالأنبياء ويوحى إليهم بقرآن أو شئ من ذلك والرواية الأولى التي
استشهد بها لإثبات فريته بأن الشيعة يعتقدون بأن الأئمة يوحى عليهم ليس فيها دلالة
على ذلك غاية ما ورد فيها أن الإمام لا يحجب عنه خبر السماء أما ما هي أخبار
السماء التي لا تحجب عن الإمام وما هو طريق اتصاله بأخبار السماء فلم تشر إليه هذه
الرواية لا من قريب ولا من بعيد، فلربما يكون اتصاله بالسماء عن طريق التحديث أو
الإلهام أو طرق أخرى غير ذلك.
يقول العلامة المجلسي عليه الرحمة في كتابه مرآة العقول في شرح أخبار آل
الرسول عند شرحه لهذا الحديث: (خبر السماء، أي الخبر النازل من السماء سواء
نزل عليه بالتحديث أو نزل على من

64

قبله) وقال: (وكون مثل هذا العالم بين العباد لطف ورأفة بالنسبة إليهم ليرجعوا إليه
في كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم والله أرأف من أن يمنعهم مثل هذا اللطف،
ويفرض طاعة من ليس كذلك فيصير سببا لمزيد تحيرهم) (1)
إضافة إلى ذلك فالرواية ضعيفة سندا فمن جملة رواتها جماعة بن سعد وقد
ضعفه غير واحد من علماء الشيعة، ضعفه السيد الخوئي في معجم رجال الحديث (2)
والعلامة الحلي في الخلاصة (3) والمامقاني في تنقيح المقال (4) وغيرهم.
والرواية الثانية التي أوردها " وإن حاول أن يحملها ما لا تدل عليه " فقد ورد
في نصها نفي كون الأئمة عليهم السلام أنبياء (إلا أنهم ليسوا بأنبياء) نعم يشارك
الأئمة عليهم السلام الأنبياء في بعض السمات ومنها العصمة ووجوب الطاعة كما
أسلفنا ذلك، والرواية أيضا ضعيفة سندا ففي سندها عبد الله بن بحر ضعفه كثيرون
كالسيد الخوئي في معجم رجال الحديث (5) والسيد محسن الحكيم في مستمسك
العروة الوثقى (6) والشيخ يوسف البحراني في الحدائق (7) وغيرهم.
أما حول قوله: (والقصد الصحيح من هذا الاختلاق والكذب الملفق " أيها
الشيعي " هو دائما فصل أمة الشيعة عن الإسلام والمسلمين للقضاء على الإسلام
والمسلمين بحجة أن أمة الشيعة في

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مرآة العقول ج 3 ص 130.
(2) معجم رجال الحديث ج 4 ص 143.
(3) الخلاصة ص 211.
(4) تنقيح المقال ج 1 ص 230.
(5) معجم رجال الحديث ج 10 ص 118.
(6) مستمسك العروة الوثقى (1 ج ص 335.
(7) الحدائق الناظرة ج 24 ص 222.
65

غنى عما عند المسلمين من وحي الكتاب الكريم.... الخ)
نقول: إن الأدلة الكثيرة والبراهين القاطعة قادة الشيعة إلى أن
الأئمة من أهل البيت عليهم السلام هم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وأوصياءه من بعده على أمته، كما قادتهم أيضا إلى كونهم
معصومين واجبي الطاعة فدانت بإمامتهم واعتقدت بعصمتهم ووجوب
طاعتهم، فلا كذب ولا اختلاق في المسألة، وهل بعد قيام الأدلة على
إمامة هؤلاء الأئمة وعصمتهم ووجوب طاعتهم إذا ما قال المسلم
بإمامتهم وعصمتهم ووجوب طاعتهم يكون هدفه هو القضاء على
الإسلام والمسلمين؟ إن هذا لشئ عجيب من مثل هذا الرجل، فهل
في اتباع القرآن الكريم وأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "
الدالة على ذلك - والأخذ والالتزام بها انفصال عن الإسلام وأمة
الإسلام؟ لا والله ليس شئ من ذلك بل هو عين الالتزام بالإسلام
والعيش في نطاق إطار الإسلام وأمة الإسلام.
وكتاب الله سبحانه وتعالى هو المصدر الأول من مصادر
التشريع عند الشيعة الإمامية وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وسنة الأئمة المعصومين من البيت عليهم السلام الواصلة إلينا من
طريق صحيح هي المصدر الثاني للتشريع، وما قول الدجال
الجزائري هذا بأن الشيعية في غنى عن القرآن والسنة إلا محض كذب
وافتراء وما ذكره حول مصحف فاطمة عليها السلام والجفر والجامعة
وعلوم النبيين السابقين قد تحدثنا عنه فيما سبق فراجع، وهذه الكتب
هي من مختصات الأئمة عليهم السلام فمجرد وجودها عندهم لا يدل
على استغنائهم عن الكتاب العزيز، وأحاديثهم عليهم السلام الحاثة
لأتباعهم على الاهتمام بالقرآن ودراسته وحفظه وتعلمه والعمل بتعاليمه
لخير دليل على صحة ما نقول.
ومسألة الوحي أيضا قد بينا حقيقتها فلا انسلاخ ولا انسلال
للشيعة من الإسلام في شئ من عقائدها التي تعتقدها، ولكن الذي

66

انسلخ وانسل من القيم والأخلاق والآداب الإسلامية وكل الأعراف
النبيلة هو أنت أيها الجزائري الذي تفتري على أمة وتريد من ذلك أن
تسلخها من الإسلام بالقوة وبواسطة الكذب والافتراء.
وحول قوله: (ألا قاتل الله روح الشر التي اقتطعت قطعة
عزيزة من جسم أمة الإسلام باسم الإسلام وأبعدت خلقا كثيرا عن
طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت).
نقول: ألا قاتل الله الدجل الذي عشعش في نفسك أيها الجزائري
وخصال الكذب والإفك والافتراء التي تخصلت بها فأتيت لتلفق
الأكاذيب على الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام لتفصلهم بذلك عن
أمة الإسلام ولكن جهودك والحمد لله باءت بالفشل وخاب سعيك واعلم
أن الشيعي ليس بهذه الدرجة من الغباء والسذاجة حتى تنطلي عليه
أكاذيبك ومغالطاتك وشبهاتك هذه.

67

الحلقة السابعة
قال الجزائري: (الحقيقة السابعة، اعتقاد ردة وكفر أصحاب
الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته ما عدا آل البيت ونفرا قليلا
كسلمان، وعمار، وبلال، هذا المعتقد يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة
: من فقهائهم، وبذلك تنطق تآليفهم وتصرح كتبهم، ومات ترك
الإعلان به أحد منهم غالبا إلا من باب التقية الواجبة عندهم، وتدليلا
على هذه الحقيقة وتوكيدا لها نورد النصوص الآتية:
1 - جاء في كتاب روضة الكافي للكليني صاحب كتاب الكافي
ص 202 قوله: عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر قال: هم المقداد
وسلمان وأبو ذر، كما جاء في تفسير الصافي " والذي هو من أشهر
وأجل تفاسير الشيعة وأكثرها اعتبارا " روايات كثيرة تؤكد هذا
المعتقد وهو أن أصحاب رسول الله قد ارتدوا بعد وفاته إلا آل البيت
ونفرا قليلا كسلمان وعمار وبلال رضي الله تعالى عنهم)
أقول: إن مسلسل الافتراء والكذب من هذا الرجل على الشيعة
الإمامية الإثنى عشرية لا زال مستمرا فهو يفتري هنا ويكذب عليهم
بأنهم يعتقدون أن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتدوا
وكفروا من بعد وفاته ما عدا آل البيت ونفرا قليلا من الصحابة، وهذا
الكلام غير صحيح بالمرة، ورأي الشيعة في صحابة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم معروف ومشهور وهو أوسط الآراء، قال السيد
شرف الدين الموسوي في كتابه أجوبة مسائل جار الله: (إن من
وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط فيه
تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين
وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم قالوا
بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة بعدالة كل فرد ممن سمع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين مطلقا، واحتجوا بحديث
كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين. أما نحن فإن

68

الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها " بما هي ومن
حيث هي " غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول
وهم عظماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من
المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في
الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي أخي النبي، وسائر أهل
الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن
أرطاة وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال
نتوقف فيه حتى نتبين أمره...) (1).
يدعم هذه العقيدة القرآن الكريم، فهو يقسم صحابة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ممن رآه وعايشة، وسمع منه إلى عدة فئات منهم
المؤمنون الذين أخلصوا لله عز وجل وجاهدوا في سبيله بأموالهم
وأنفسهم وكانوا في أعلى درجات الإيمان يقول تعالى: {لقد رضي الله
عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل
السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} (2). وقال تعالى أيضا: {والسابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله
عنهم رضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها
أبدا ذلك الفوز العظيم} (3). وقال تعالى أيضا: {محمد رسول الله
والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون
فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك
مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره
فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله
الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما} (4).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) أجوبة مسائل جار الله ص 14 - 15.
(2) الفتح: 18.
(3) التوبة: 100.
(4) الفتح: 29.
69

ومنهم المنافقون منهم من كان معروفا للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم ولبعض المؤمنين من صحابته سلام الله عليه، وهؤلاء أنزل الله
سبحانه وتعالى في حقهم سورة كاملة ذمهم وفضحهم فيها وهي سورة
(المنافقون)، ومنهم من لا يعرفهم ولا يعلمهم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم يقول تعالى عن هؤلاء في سورة التوبة: {وممن حولكم
من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم
نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} (1).
ومنهم " أي الصحابة - ضعفاء الإيمان الذين إذا سمعوا أي نبأ
دنيوي عن تجارة أو غير ذلك يسارعون إلى الخروج من المسجد
والرسول الكريم قائم خطيبا على المنبر يقول تعالى في سورة الجمعة
: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} (2).
ومنهم من قال عنه سبحانه وتعالى: {سيقول لك المخلفون من
الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم} (3).
ومنهم من قال عنه تعالى: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق
مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء} (4).
ومنهم من قال الله في حقه: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا
كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا}. (5)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) التوبة: الآية 101.
(2) الجمعة: الآية 11.
(3) الفتح: الآية 11.
(4) التوبة: الآية 101.
(5) التوبة: الآية 74.
70

فهذا القرآن الكريم شاهد حق وصدق على صدق وحقيقة ما نقول
من أن الصحابة ليسوا كلهم عدول أو ثقات بل فيهم المؤمن الصالح
العادل السائر على نهج الله ورسوله وفيهم المنافق المتجاهر بنفاقه
والمتستر به، وفيهم ضعيف الإيمان ومن خلط عملا صالحا وآخر
سيئا.
بل إن صحاح ومسانيد وكتب السنن عند أهل السنة مليئة
بالروايات التي تدل على أن من الصحابة من سيرتد ويغير ويبدل بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن قسما من هؤلاء سيرد النار أعاذنا
الله منها فقد أخرج البخاري في صحيحه (1) والشاشي في مسنده (2)
بسنديهما كلاهما عن أبي وائل قال " واللفظ للأول -: قال عبد الله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن
إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول: أي
رب أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك).
وأخرج أيضا البخاري في صحيحه (3) ومسلم بن الحجاج في
صحيحه (4) وأحمد بن حنبل في مسنده (5) - واللفظ للبخاري - عن
أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا فرطكم على الحوض، من ورده
شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد علي أقوام
أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني
النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال: هكذا سمعت سهلا؟
فقلت: نعم. فقال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح البخاري ج 6 ص 2587.
(2) مسند الشاشي ج 2 ص 42.
(3) صحيح البخاري ج 5 ص 2406.
(4) صحيح مسلم ج 4 ص 1793.
(5) مسند أحمد ج 5 ص 333 و 339.
71

فيه، قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول:
سحقا سحقا لمن بدل بعدي).
وأخرج البخاري في صحيحه (1) ويعقوب السدوسي في مسند
عمر بن الخطاب كلاهما عن أبي هريرة الدوسي " واللفظ للبخاري "
أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يرد
علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون على الحوض، فأقول: يا
رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا
على أدبارهم القهقري).
وأخرج البخاري في صحيحه (2) ومسلم في صحيحه (3) وابن
حبان في صحيحه (4) والحاكم النيسابوري في مستدركه (5)
والترمذي في سننه (6) والنسائي في سننه (7) بأسانيدهم جميعا عن
ابن عباس أنه قال " واللفظ لمسلم -: (قام فينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم خطيبا بموعظة فقال يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله
حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ألا
وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء
برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت
عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت
على كل شئ شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح البخاري ج 5 ص 2407.
(2) صحيح البخاري ج 3 ص 1222 و 1271 و ج 4 ص 1691 و 1766
و ج 5 ص 2391.
(3) صحيح مسلم ج 4 ص 2194.
(4) صحيح ابن حبان ج 16 ص 344.
(5) المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 486.
(6) سنن الترمذي ج 4 ص 615 و ج 5 ص 321.
(7) سنن النسائي ج 1 ص 668 و ج 6 ص 339 و 408.
72

العزيز الحكيم قال فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ
فارقتهم...).
وأخرج البخاري في صحيحه (1) عنه أيضا عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال: (بينما أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج
رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار
والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم
القهقري، ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم
، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟
قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري. فلا أراه يخلص منهم إلا
مثل همل النعم).
يقول في فتح الباري في شرح صحيح البخاري (2): (والمعنى
أنه لا يرده منهم إلا القليل لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره).
وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده (3) وأبو يعلى في مسنده (2)
- عن عبد الله بن مسعود " واللفظ لأحمد - عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال لأصحابه: (أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن
أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا ربي أصحابي، فيقول: إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك).
ومن أمثال هذه الأحاديث يوجد الكثير في كتب أهل السنة،
وهي صريحة في أن مجموعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ممن كان يعرفهم ويعرفونه سيحدثون بعده أمورا ما أنزل الله بها

--------------------------------------------------------------------------------

(1) صحيح البخاري ج 5 ص 2407.
(2) فتح الباري ج 11 ص 475.
(3) مسند أحمد ج 1 ص 384 و 406 و 425.
(4) مسند أبي يعلى ج 1 ص 126.
73

من سلطان وليست من الدين ويبدلون ويغيرون ويرتدون على أدبارهم
القهقري بحيث أنهم يذادون يوم القيامة عن الحوض ويمنعون من
الشرب منه ويؤمر بهم إلى النار والعياذ بالله.
وأما الرواية التي نقلها ونسبها إلى روضة الكافي فلا يوجد في
الروضة ولا في بقيت أجزاء ومجلدات كتاب الكافي رواية بهذا النص
الذي ذكره، نعم توجد رواية في روضة الكافي ص 245 هذا نصها:
(حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل
ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟
فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله
وبركاته عليهم ثم عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت
عليهم الرحا, وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام
مكرها فبايع وذلك قول الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من
قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}).
وأولا: إن هذه الرواية ضعيفة فيها إرسال فالواسطة بين الشيخ
الكليني عليه الرحمة وحنان بن سدير غير معروفة.
وثانيا: ليس المراد بالردة في هذه الرواية ردة الكفر أو الإرتداد
عن الإسلام بل المراد به تخلفهم عن إحدى أهم الواجبات الدينية وهي
مبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم خليفة وإماما للأمة بعد أن نص عليه النبي في
حياته في مواقف أشهرها نص غدير خم بعد رجوعه صلى الله عليه
وآله وسلم من حجة الوداع، وبهذا المعنى " أي معنى الإرتداد الذي
أشرنا إليه " فسر ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الأثر ج 2
ص 241 لفظ الإرتداد الوارد في أحاديث الحوض حيث قال: (وفي
حديث القيامة والحوض، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم
القهقري، أي متخلفين عن بعض الواجبات، ولم يرد ردة الكفر...)

74

يشهد لما قلناه ما ورد في الحديث أعلاه (... ثم عرف أناس
بعد يسير) أي عرف أناس من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بعد وقت قليل يسير من الزمن أن علي بن أبي طالب عليه السلام هو
الأولى بالأمر من غيره. وكذلك ما ورد فيه: (... وأبو أن يبايعوا
حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع...) فهذا القول
صريح في أن المراد بالارتداد هنا هو تخلفهم عن مبايعة أمير
المؤمنين علي عليه السلام ومبايعة غيره ممن لم ينص عليه من الله
ورسوله.
والخلاصة: أن الشيعة لا تقول بارتداد وكفر أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وخروجهم عن دائرة الإسلام ما عدا أهل
البيت ونفر قليل ثلاثة أو خمسة، - كما يزعم " وكان عليه أن
يرجع إلى قول علماء المذهب المجمع عليه عندهم لا إلى الروايات
المنقولة في كتبهم لأنها لا تكون حجة عليهم لمجرد وجودها في مؤلف
من مؤلفاتهم ما لم يأخذ بها ويقول بمضمونها علماء المذهب،
والروايات الوارد فيها مثل ذلك، فعلماء المذهب يؤلونها ولا يقبلونها
على ظاهرها ويفسرون الإرتداد الوارد فيها بالمعنى الذي ذكرناه أعلاه
لا بمعنى الإرتداد عن الدين، فليس من عقيدة الشيعة هذه العقيدة التي
اختلقها لهم هذا المفتري الجزائري.
قال الجزائري: (أما بخاصة الشيخين أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما ففي كتب القوم نصوص لا تحصى كثيرة في تكفير الشيعة
لهم، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكليني صفحة 20 حيث قال: سألت
أبا جعفر عن الشيخين فقال: فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما
صنعا بأمير المؤمنين فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
وأورد أيضا في صفحة 107 قوله تسألني عن أبي بكر وعمر؟
فلعمري لقد نافقا وردا على الله كلامه وهزئا برسوله، وهما الكافران
عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

75

أقول: ففي حين يقول الجزائري في مقدمة نصيحته إلى كل
شيعي: (... حتى أشار علي أحد الإخوان بالنظر في كتاب لهذه
الجماعة لاستخلاص الحكم الصحيح عليها ووقع الاختيار علي كتاب
الكافي وهو عمدة القوم في إثبات مذهبهم وطالعته وخرجت منه
بحقائق علمية جعلتني أعذر من كان يخطئني في عطفي علي القوم
...) - وهو في كلامه هذا يقر على نفسه بأنه لم يقرأ أي كتاب للشيعة
عند كتابته لفضائحه هذه غير كتاب الكافي " تجده يقول أعلاه: (ففي
كتب القوم نصوص لا تحصى كثيرة في تكفير الشيعة لهم...) حيث
يدل هذا القول على أنه اطلع على كتب الشيعة جميعها أو أغلبها فوجد
فيها نصوص كثيرة لا تحصى في تكفير الشيعة للشيخين.
نعم لقد صدق المثل القائل: (حبل الكذب قصير). وهو مع
أنه يدعي أن في كتب الشيعة نصوصا كثيرة لا تعد ولا تحصى على
تكفير الشيعة للشيخين نجده لا يأتي إلا بروايتين ينسبهما إلى كتاب
الروضة من الكافي أما الثانية فقد اختلقها من عنده ليس في روضة
الكافي رواية بالنص الذي ذكره وأما الأولى فهي ضعيفة سندا، ولفظة
الشيخين الواردة فيها مبهمة، فتعيين أن المراد منها أبو بكر وعمر أو
غيرهما يحتاج إلى دليل وأنا له أن يأتي بهذا الدليل، ثم أنه أيضا
حرف في الرواية فلم يرد في الرواية أن الرواي عن الإمام الباقر عليه
السلام سأل عن الشيخين كما ذكر بقوله: (... حيث قال: سألت أبا
جعفر عن الشيخين فقال:.....) فليس في نص الرواية هذا النص.
قال: (وبعد أيها الشيعي فهل من المعقول الحكم بالكفر والردة
على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حواريون وأنصار
دينه، وحملة شريعته رضي الله عنهم في كتابه وبشرهم بجنته على
لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، حمى الله بهم الدين، وأعز بهم الدين
، وخلد لهم ذكرا في العالمين، وإلى يوم الدين، فقل لي بربك أيها
الشيعي، ألم يكن لهذا التكفير واللعن والبراء لأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم هدف وغاية؟ بلى أيها الشيعي، إن الهدف هو

76

القضاء على الإسلام خصم اليهودية والمجوسية وعدو كل شرك
ووثنية، وإن الغاية هي إعادة دولة المجوس الكسروية بعد أن هدم
الإسلام أركانها، وقوض عروشها، ومحا أثر وجودها وإلي الأبد إن
شاء الله تعالى، وهاك إشارة مغنية عن عبارة: ألم يقتل ثاني خليفة
للمسلمين بيد غلام مجوسي؟)
أقول: هذا صاحبنا وبعد أن يختلق ويلفق على الشيعة ما يريده
يأتي بلوازم لهذا الاختلاق والتلفيق والافتراء والكذب، ولكن أيها
القارئ الكريم قد أثبتنا لك أعلاه أن الشيعة لا تقول بردة ولا كفر
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن رأيهم في أصحاب رسول
الله هو أوسط الآراء بلا تفريط ولا إفراط ونقول له أن حواري محمد
صلى الله عليه وآله وسلم وأنصار دينه وحملة شريعته هم المؤمنون
الذين مضوا على سبيله ونهجه حتى آخر لحظة من لحظات حياتهم
ممن قضى شهيدا في حياته صلوات الله وسلامه عليه أو مات حتف
أنفه وممن بقي بعده لم يغير ولم يبدل ولم يرتد أو يحدث ما يخالف
الدين، هؤلاء هم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه هؤلاء هم حماة
الدين الذين أعز الله بهم دينه، وليس المنافقين والمغيرين والمبدلين
والمرتدين، ثم إن من أعجب العجب قوله أن الله سبحان وتعالى بشر
جميع الصحابة بالجنة على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وكان عليه أن يأتي بالدليل على هذه البشارة من أحاديث الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم لا أن يرمي كلامه هكذا رميا بدون برهان أو دليل
فهل التكليف عن من صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرفوع
حتى يبشر جميعهم بالجنة؟ أو هم معصومون عن الذنوب والأخطاء
فلا يفعلون شيئا من ذلك؟ فيكون النبي بشرهم بذلك لأنهم كذلك، لا
هذا ولا ذاك فهم مكلفون كسائر المسلمين وليسوا بمعصومين أيضا،
والجنة كما هو صريح القرآن الكريم ليست إلا للمتقين المؤمنين. أما
المنافقون والمبدعون في الدين فمصيرهم جهنم وبئس المصير. فمتى
كان رأي الشيعة " الذي عليه الدليل من القرآن والروايات " في

77

الصحابة هو لإعادة دولة المجوس وما علاقة هذا بذلك؟!!! فهل يجد
هذا المفتري في عقائد الشيعة التي هم عليها الآن ما يتوافق مع عقائد
المجوس حتى يهذي بما هذى به.
ثم ما علاقة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية بأبي لؤلؤة قاتل عمر
ابن الخطاب وبمذهبهم وعقائدهم؟ ما هذا التهريج والتدجيل والتخريف
أيها الجزائري، فأبو لؤلؤة كان عبدا للمغيرة بن شعبة، وهو ليس
مجوسيا بل نصراني كما يقول الطبري (1) وقد تظلم عند عمر بن
الخطاب ضد سيده المغيرة بن شعبة فلم ينصره، فما كان منه إلا أن
حمله غضبه إلى أن يحمل سكينا ويضرب بها عمر بن الخطاب منتقما
لنفسه، وقد قام عبد الله بن عمر وثأرا لأبيه، فقتل أبا لؤلؤة وابنته
الصغيرة وامرأته والهرمزان المسلم وجفينة العبادي (2) فالمسألة
شخصية لا علاقة لها بالإسلام ولا بالمجوسية ولا بالنصرانية ولا
بشئ من ذلك.
قال: (ألم يحمل راية الفتنة ضد الخليفة عثمان فيذهب
ضحيتها وتكون أول بذرة للشر والفتنة في ديار المسلمين اليهودي عبد
الله بن سبأ؟ وفي هذه الرحم المشؤومة تخلق شيطان الشيعة، وولد
من ساعته يحمل راية بدعة الولاية والإمامة كسيفين مصلتين على
رأس الإسلام والمسلمين... وبالدعوة إلى الولاية كفر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولعنوا وكفروا كل من يرضى أو يترضى
عليهم من المسلمين... وببدعة الإمامة حيكت المؤامرات ضد خلافة
المسلمين وأثيرت الحروب الطاحنة بين المسلمين وسفكت الدماء وهدم
بناء، وعاش الإسلام مفكك الأوصال، مزعزع الأركان أعداؤه منه
كأعدائه من غيره، وخصومه من المنتمين إليه كخصومه من الكافرين

--------------------------------------------------------------------------------

(1) تاريخ الطبري ج 4 ص 136، أحداث سنة 21 ط. دار المعارف بمصر،
وانظر الكامل في التاريخ ج 3.
(2) أنظر شرح الأخبار للقاضي أبي حنيفة النعمان ج 2 ص 13.
78

به..... إلى آخر تخريفه).
أقول: لو أن هذا الرجل ليس بمغرض وكان قد قرأ التاريخ بعين
بصيرة لأدرك أن السبب الذي جعل المسلمين من صحابة وتابعين
يثورون على الخليفة عثمان بن عفان، إن بعضا من أفعاله وتصرفاته
هي التي ألبت هؤلاء ضده، فأنصح من يريد الحق ومعرفة هذه
الحقيقة أن يرجع لكتب التاريخ والسير عند المسلمين ليعرف سبب نقمة
وهيجان الناس على عثمان، وكمثال على ذلك أذكر هنا بعضا مما
أورده بعض علماء أهل السنة عن الأسباب التي جعلت الناس تنقم على
عثمان بن عفان ففي تاريخ أبي الفداء المسمى بالمختصر في أخبار
البشر منشورات دار الكتب العلمية بيروت، لبنان الطبعة الأولى
1417 ه‍ - 1997 م ج 1 ص 333: (... ثم دخلت سنة أربع
وثلاثين فيها قدم سعيد إلى عثمان، وأخبره بما فعله أهل الكوفة،
وأنهم يختارون أبا موسى الأشعري، فولى عثمان أبا موسى الكوفة،
فخطبهم أبو موسى وأمرهم بطاعة عثمان، فأجابوا إلى ذلك، وتكاتب
نفر من الصحابة بعضهم إلى بعض أن أقدموا فالجهاد عندنا، ونال
الناس من عثمان، وليس أحد من الصحابة ينهى عن ذلك، ولا يذب
إلا نفر منهم زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك،
وحسان بن ثابت، ومما نقم الناس عليه رده الحكم بن العاص طريد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر أيضا، وإعطاء
مروان بن الحكم خمس غنائم إفريقية وهو خمس مائة ألف دينار)
وفيه أيضا: (وأقطع مروان بن الحكم فدكا وهي صدقة رسول الله
صلى الله عليه وسلم التي طلبتها فاطمة......).
وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني قال: (ووقعت في زمانه
" أي عثمان " اختلافات كثيرة، وأخذوا عليه أحداثا كلها محالة على
بني أمية، منها: رده الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان يسمى طريد رسول الله، وبعد أن تشفع
إلى أبي بكر وعمر (رض) أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه

79

عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا. ومنها: نفيه أبا ذر إلى الربذة
، وتزويجه مروان بن الحكم بنته، وتسليمه خمس غنائم إفريقية له،
وقد بلغت مائتي ألف دينار. ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبي
سرح وكان رضيعه بعد أن أهدر النبي عليه السلام دمه، وتوليته إياه
مصر بأعمالها، وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما
أحدث... إلى غير ذلك مما نقموا عليه، وكان أمراء جنوده معاوية
بن أبي سفيان عامل الشام وسعد بن أبي وقاص عامل الكوفة، وبعده
الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر عامل البصرة
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل مصر، وكلهم خذلوه ورفضوه
حتى أتى عليه قدره..) (1).
وفي كتاب أنساب الأشراف للبلاذري المتوفى سنة (279 ه‍) عن
سعيد بن المسيب قال: (لما ولي عثمان كره ولايته نفر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن عثمان كان يحب قومه،
فولي الناس اثنتي عشرة حجة وكان كثيرا ما يولي من بني أمية من لم
يكن له مع النبي صحبة، فكان يجئ من أمرائه ما ينكره أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان
في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن
أبي سرح مصر فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون
منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر
وعمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار
وأخلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار
بن ياسر....).
نعم فهذه الأسباب وغيرها هي التي كانت السبب في ثورة أولئك
الثوار على عثمان والتي انتهت بقتله، وأن القول بأن عبد الله بن سبأ
اليهودي " هذا على فرض حقيقة شخصيته " هو الذي أجج نار الفتنة

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 32.
80

ضد عثمان بن عفان وجعل أولئك المسلمين من صحابة وتابعين
يثورون عليه قول لا يمكن للعقل أن يقبله فكيف يستطيع شخص مثل
ابن سبأ أن يخدعهم فيشعلوا الفتنة ويجهزوا على خليفتهم؟ فهل كان
أولئك المسلمون من السذاجة والبساطة والضحالة في التفكير بحيث
ينطلي عليهم مكر وخداع هذا الرجل؟
ثم أن الكثير من المحققين أثبتوا أن عبد الله بن سبأ هذا شخصية
وهمية خرافية مختلقة، يقول الدكتور طه حسين في كتابه علي وبنوه
(1): (إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا
، قد اخترع بأخرة، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق
الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب
عنصرا يهوديا، إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم...)
وقال الدكتور عبد العزيز الهلابي الأستاذ في قسم التاريخ بكلية
الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض في كتابه عبد الله بن سبأ ص 26
: (... وعلى أية حال، فسيف " أي راوي قصة ابن سبأ " أراد
طعن الشيعة في الصميم، وذلك بنسبة مذهب التشيع إلى يهودي حاقد
على الإسلام، يريد تقويضه من الداخل، وأن أفكار الشيعة "
المعتدلين منهم والغلاة " ليست سوى أفكار هذا اليهودي).
وقال الدكتور الأستاذ سهيل زكار محقق كتاب المنتظم لابن
الجوزي في المجلد الثالث من المنتظم هامش صفحة 301: (المرجح
أن ابن سبأ لم يوجد بالمرة بل هو شخصية مخترعة).
وقال الدكتور علي سامي النشار في كتابه تيارات الفكر
الإسلامي ص 203: (من المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ

--------------------------------------------------------------------------------

(1) علي وبنوه ص 518.
81

شخصية موضوعة أو أنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر كما فعل
الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، ومن المحتمل أن يكون عبد الله
ابن سبأ هو مجرد تغليف لأسم عمار بن ياسر).
وسواء كان ابن سبأ شخصية وهمية أو حقيقية فلا علاقة له
بالشيعة والتشيع من قريب أو بعيد، ونقول لهذا الدجال الجزائري إن
التشيع لم يتخلق ولم يوجد في أيام عثمان ولا كان نتيجة إفرازات الفتنة
في تلك الفترة، بل كانت ولادة التشيع لعلي بن أبي طالب عليه السلام
في زمان وعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي بذر بذرته
الأولى، وتعهدها بالسقي والنماء فهو الذي دعى ووجه المسلمين في
عصره إلى مشايعته عليه السلام من خلال دعوته إلى موالاته
والاقتداء به ومحبته، وبيان ما لعلي من مكانة ومنزلة عند الله سبحانه
وتعالى وكذلك لمواليه والمقتدين به والمشايعين له، فقد نقل جلال
الدين السيوطي في تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال لعلي: (هو أنت وشيعتك) (1).
ونقل ذلك أيضا ابن حجر في الصواعق المحرقة (2)
والشبلنجي في نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي الأطهار (3).
كما نقول له أيضا: أن الذي دعى لولاية وإمامة الإمام علي بن
أبي طالب عليه السلام وبقية الأئمة من أهل البيت عليهم السلام هو
نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، وكتب أهل السنة حافلة
بالنصوص الصحيحة الصريحة والأدلة الكثيرة على ذلك ونحن ننقل
هنا نماذج منها فقط تدليلا على قولنا هذا فقد روى أحمد بن حنبل في

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الدر المنثور ج 6 ص 379.
(2) الصواعق المحرقة ص 161.
(3) نور الأبصار ص 80.
82

مسنده (1) بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال: (بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي
بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال إذا التقيتم فعلي على
الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال فلقينا بني زيد من
أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا
الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه قال بريدة فكتب معي خالد
بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبره بذلك فلما أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب
في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا
مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقع في علي فإنه مني وأنا
منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي) ورواه
أيضا في فضائل الصحابة (2) وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (3)
وأيضا في كتابه خصائص الإمام علي عليه السلام (4).
وأخرجه أيضا الطبراني في معجمه الأوسط باختلاف في ألفاظه
فقد روى بسنده عن ابن بريدة عن أبيه قال: (بعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليا أميرا على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل
فقال إن اجتمعتما فعلي على الناس فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم
يصيبوا مثله وأخذ علي جارية من الخمس فدعا خالد بن الوليد بريدة
فقال اغتنمها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع فقدمت المدينة
ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله وناس من
أصحابه على بابه فقالوا ما الخبر يا بريدة فقلت خير فتح الله على
المسلمين فقالوا ما أقدمك قال جارية أخذها علي من الخمس فجئت
لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم قالوا فأخبره فإنه يسقطه من عين

--------------------------------------------------------------------------------

(1) مسند أحمد ج 5 ص 356.
(2) فضائل الصحابة ج 2 ص 688.
(3) السنن الكبرى ج 5 ص 133.
(4) خصائص الإمام علي ص 144.
83

رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع
الكلام فخرج مغضبا وقال ما بال أقوام ينتقصون عليا من ينتقص عليا
فقد انتقصني ومن فارق عليا فقد فارقني إن عليا مني وأنا منه خلق من
طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها
من بعض والله سميع عليم وقال يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من
الجارية التي أخذ وأنه وليكم من بعدي فقلت يا رسول الله بالصحبة إلا
بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديدا قال فما فارقته حتى بايعته
على الإسلام) (1).
وأخرج ابن حبان في صحيحه (2) بسنده عن عمران بن الحصين
قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم
عليا قال فمضى علي في السرية فأصاب جارية فأنكر ذلك عليه
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إذا لقينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي قال عمران وكان
المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم
فسلموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم فلما قدمت السرية
سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أحد الأربعة فقال يا
رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا فأعرض عنه ثم قال آخر
فقال يا رسول الله ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا فأعرض عنه ثم قام
آخر فقال يا رسول الله ألم تر أن علينا صنع كذا وكذا فأقبل إليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون
من علي ثلاثا إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي)
وأخرجه الترمذي في سننه (3) وقال عنه بأنه حسن غريب، قال ابن

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المعجم الأوسط للطبراني ج 6 ص 163.
(2) صحيح ابن حبان ج 15 ص 373.
(3) سنن الترمذي ج 5 ص 632.
84

حجر العسقلاني في الإصابة (1): (وأخرج الترمذي بإسناد قوي عن
عمران بن الحصين في قصة قال فيها: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما تريدون من علي، إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل
مؤمن بعدي).
وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه (2) وابن حنبل في
مسنده (3)، والروياني في مسنده (4) والطيالسي في مسنده (5) وأبو
يعلى في مسنده (6)، والطبراني في معجمه الكبير (7) وأبو نعيم في
حلية الأولياء (8) وابن حنبل أيضا في فضائل الصحابة (9).
وأخرج ابن أبي عاصم في كتابه السنة (10) بسنده عن عمران
ابن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علي مني
وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ثم قال: إسناده صحيح ورجاله
ثقات على شرط مسلم. كما أخرجه بهذا النص المختصر النسائي في
السنن الكبرى (11).
وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عمرو
بن ميمون قال: (إني لجالس عند بن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الإصابة ج 4 ص 569.
(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 373.
(3) مسند أحمد ج 4 ص 437.
(4) مسند الروياني ج 1 ص 125.
(5) مسند الطيالسي ج 1 ص 111.
(6) مسند أبي يعلى ج 1 ص 293.
(7) المعجم الكبير للطبراني ج 18 ص 128.
(8) حلية الأولياء ج 6 ص 294.
(9) فضائل الصحابة ج 2 ص 605 و 620.
(10) السنة ج 2 ص 564.
(11) السنن الكبرى ج 5 ص 45.
85

يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء قال فقال
بن عباس بل أنا أقوم معكم قال وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال
فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا قال فجاء ينفض ثوبه ويقول أف
وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره وقعوا
في رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم لأبعثن رجلا لا يخزيه
الله أبدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها مستشرف
فقال أين علي فقالوا إنه في الرحى يطحن قال وما كان أحدهم ليطحن
قال فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر قال فنفث في عينيه ثم هز الراية
ثلاثا فأعطاها إياه فجاء علي بصفية بنت حيي قال بن عباس ثم بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه
فأخذها منه وقال لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه فقال بن
عباس وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني عمه أيكم يواليني في
الدنيا والآخرة قال وعلي جالس معهم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأقبل على رجل منهم فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا
فقال لعلي أنت وليي في الدنيا والآخرة قال بن عباس وكان علي أول
من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها قال وأخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين
وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
قال بن عباس وشري علي نفسه فلبس ثوب النبي صلى الله عليه
وسلم ثم نام في مكانه قال بن عباس وكان المشركون يرمون رسول
الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر رضي الله عنه وعلي نائم قال
وأبو بكر يحسب أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقال يا نبي
الله فقال له علي إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر
ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال وجعل علي
رضي الله عنه يرمى بالحجارة كما كان رمي نبي الله صلى الله عليه
وسلم وهو يتضور وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم
كشف عن رأسه فقالوا إنك للئيم وكان صاحبك لا يتضور ونحن نرميه
وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك فقال بن عباس وخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وخرج بالناس معه قال فقال له

86

علي أخرج معك قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فبكى علي
فقال له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي قال بن عباس
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ولي كل مؤمن بعدي
مؤمنة قال بن عباس وسد رسول صلى الله عليه وسلم أبواب المسجد
غير باب علي فكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق
غيره قال بن عباس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت
مولاه فإن مولاه علي...) وقال عن هذا الحديث: (وهذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه) (1).
وأخرجه إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده (2)، وأخرجه
الطبراني في المعجم الكبير (3)، وأخرجه أيضا إمام الحنابلة في
فضائل الصحابة (4).
وأخرج الطيالسي في مسنده (5) بسنده عن عمرو بن ميمون
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لعلي:
(أنت ولي كل مؤمن بعدي).
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير (6) بسنده عن دكين عن
وهب بن حمزة قال: (صحبت عليا من المدينة إلى مكة فرأيت منه
بعض ما أكره فقلت لئن رجعت إلى رسول الله لأشكونك إليه فلما
قدمت لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت رأيت من علي كذا

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 143.
(2) مسند أحمد ج 1 ص 330.
(3) المعجم الكبير ج 12 ص 98.
(4) فضائل الصحابة ج 2 ص 684.
(5) مسند الطيالسي ج 1 ص 360.
(6) المعجم الكبير ج 22 ص 135.
87

وكذا فقال لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي) قال الهيثمي في
مجمع الزوائد بعد أن نقل هذا الحديث عن الطبراني: (رواه
الطبراني وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله
وثقوا) وذكره المناوي في فيض القدير (1).
وأخرج أبو نعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء (2) بسنده
عن حذيفة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن
يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله
بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي).
وروى الخطيب البغدادي في كتابه تالي تلخيص المتشابه (3)
بسنده عن زيد بن أرقم قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني
ربي فإن ربي تعالى غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب
فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة).
وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من يريد أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد
التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى
ولن يدخلكم في ضلالة) ثم قال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه) (4).
وفي حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني قال: (في مغ الثعلبي

--------------------------------------------------------------------------------

(1) فيض القدير ج 4 ص 357.
(2) حلية الأولياء ج 1 ص 86. وأخرجه أيضا في ج 4 ص 174.
(3) تالي تلخيص المتشابه ج 2 ص 418.
(4) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 139.
88

قال ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي قال ثنا عمار بن زريق عن أبي
إسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أحب أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة
الخلد التي وعدني ربي عز وجل غرس قضبانها بيديه فليتول علي بن
أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة) (1).
وروى الطبري في تاريخه (2) بسنده عن عبد الله بن عباس عن
علي بن أبي طالب قال: (لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال لي يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين
فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى بهذا الأمر أرى منهم ما أكره
فصمت عليه حتى جاءني جبرئيل فقال يا محمد إنك إلا تفعل ما تؤمر
به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رحل شاة واملأ
لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما
أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا
يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس
وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به
فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية من اللحم
فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا بسم الله فأكل
القوم حتى ما لهم بشئ حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم وأيم الله
الذي نفس علي بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت
لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا
منه جميعا وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام
فقال لهد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى

--------------------------------------------------------------------------------

(1) حلية الأولياء. ج 9 ص 349.
(2) تاريخ الطبري ج 1 ص 543.
89

الله عليه وسلم فقال الغد يا علي إن هذا الرجل إلى ما قد سمعت من
القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم
اجمعهم إلي قال ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل
كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة ثم قال اسقهم فجئتهم
بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب
جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة
وقد أمرني الله تعالى أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على
أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم قال فأحجم القوم عنها جميعا
وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا
أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي
ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال فقام القوم يضحكون
ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع).
وأخرج الحاكم النيسابوري بسند صحيح في مستدركه عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: (كان علي يقول في حياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن الله يقول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن
على ما قاتل عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليه وابن عمه
ووارث علمه من أحق به مني).
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير (2) بسنده عن أبي سعيد
الخدري عن سلمان قال: (قلت يا رسول الله لكل نبي وصي فمن
وصيك فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال يا سلمان فأسرعت إليه
قلت لبيك قال تعلم من وصي موسى قلت نعم يوشع بن نون قال لم

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 136.
(2) المعجم الكبير للطبراني ج 6 ص 221.
90

قلت لأنه كان أعلمهم قال فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك
بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب) (1).
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن زيد بن ثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني قد تركت فيكم خليفتين
كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض) وقال
الهيثمي في مجمع الزوائد بعد أن نقل هذا الحديث: (رواه الطبراني
في الكبير ورجاله ثقات) (3). وأخرجه أيضا أحمد بن حنبل في
مسنده (4) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5): (رواه أحمد وإسناده
جيد).
وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين قال:
(حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد حدثنا أبو
قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي حدثنا يحيى بن حماد وحدثني أبو
بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا حدثنا عبد الله
بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا يحيى بن حماد وحدثنا أبو نصر
أحمد بن سهل الفقيه ببخارا حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي
حدثنا خلف بن سالم المخرمي حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة
عن سليمان الأعمش قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن
زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال كأني
قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر

--------------------------------------------------------------------------------

(1) أنظر كنز العمال للهندي ج 5 الحديث 443، وذخائر العقبى لمحب الدين
الطبري ص 71، والرياض النضرة في مناقب العشرة ج 2 ص 178.
(2) المعجم الكبير ج 5 ص 153.
(3) مجمع الزوائد ج 1 ص 170.
(4) مسند أحمد ج 5 ص 181 و ج 5 ص 189.
(5) مجمع الزوائد ج 9 ص 163.
(6) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 118.
91

كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا
حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل
مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال من كنت مولاه فهذا وليه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث بطوله هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله شاهده حديث سلمة بن
كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على شرطهما).
(وأخرج حديث التمسك بالثقلين (الكتاب والعترة) في مصادر
كثيرة لأهل السنة وجل أسانيد هذا الحديث صحيحة فقد أخرجه الحاكم
في المستدرك (1) والدارمي في سننه (2) والبيهقي في سننه (3)
والنسائي في سننه الكبرى (4)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5)،
والطبراني في المعجم الأوسط (6)، وأحمد بن حنبل في مسنده (7)
والطبراني في المعجم الصغير (8)، وأبو يعلى في مسنده (9)، وابن
الجعد في مسنده (10)، والطبراني في المعجم الكبير (11) وهبة الله
اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (12) وابن أبي عاصم في السنة (13)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 160.
(2) سنن الدارمي ج 2 ص 524.
(3) سنن البيهقي ج 10 ص 113.
(4) السنن الكبرى ج 5 ص 45 و 130.
(5) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 133.
(6) المعجم الأوسط للطبراني ج 3 ص 374 و ج 4 ص 33.
(7) مسند أحمد ج 3 ص 14 و 17 و 26، وغيرها.
(8) المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 226 و 232.
(9) مسند أبي يعلى ج 2 ص 297، و ج 2 ص 303.
(10) مسند ابن الجعد ج 1 ص 397.
(11) المعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 65 و ج 5 ص 154 و 166 و 169 و
170 و 186.
(12) اعتقاد أهل السنة ج 1 ص 81.
(13) السنة ج 2 ص 643 و 644.
92

والبيهقي في الاعتقاد (1) وابن الجوزي في العلل المتناهية (2)، وابن
حنبل في فضائل الصحابة (3)، والنسائي في فضائل الصحابة (4).
وفي مجمع الزوائد للهيثمي قال: (وعن عمرو بن ذي مر
وسعيد بن وهب وعن زيد بن بثيع قالوا سمعنا عليا يقول نشدت الله
رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم لما
قام فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال فأخذ
بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه وأحب من أحبه وأبغض من يبغضه وانصر من نصره واخذل
من خذله) قال الهيثمي: (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير
فطر بن خليفة وهو ثقة) (5).
وفي مجمع الزوائد للهيثمي أيضا قال: (وعن حبشي بن جنادة
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم اللهم
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وانصر من نصره وأعن من أعانه) ثم قال: (رواه الطبراني
ورجاله وثقوا) (6).
وحديث الغدير أخرجه جماعة كبيرة من أهل السنة فقد رواه ابن
حبان في صحيحه (7) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (8)

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الاعتقاد ج 1 ص 325.
(2) العلل المتناهية ج 1 ص 269.
(3) فضائل الصحابة ج 2 ص 779.
(4) فضائل الصحابة للنسائي ج 1 ص 15.
(5) مجمع الزوائد ج 9 ص 105.
(6) مجمع الزوائد ج 9 ص 106.
(7) صحيح ابن حبان ج 15 ص 376
(8) المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 118، 126، 419.
93

وأبو عبد الله الحنبلي المقدسي في الأحاديث المختارة (1) وعلي بن
أبي بكر الهيثمي في موارد الظمآن (2)، والنسائي في السنن الكبرى
(3)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4)، والطبراني في معجمه الأوسط
(5)، والبزار في مسنده (6)، وابن حنبل في مسنده (7)، والطبراني
في معجمه الصغير (8)، وأبو يعلى في مسنده (9)، والطبراني في
معجمه الكبير (10) والمحاملي في أماليه (11)، والنسائي في فضائل
الصحابة (12) وأحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (13).
أليست هذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيها
الجزائري _ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " التي
تصرح بإمامة وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وأنه خليفة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه وإمام الأمة من بعده
ووليها؟ أليس حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صريح في

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الأحاديث المختارة ج 2 ص 105، 106، 174، 274، ج 3 ص
213.
(2) موارد الظمآن ج 1 ص 544.
(3) السنن الكبرى ج 5 ص 45، 130، 132، 134، 136، 154.
(4) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 368، 369، 372.
(5) المعجم الأوسط ج 2 ص 24، 275.
(6) مسند البزار ج 2 ص 133 و ج 3 ص 35 و 171.
(7) مسند أحمد ج 1 ص 118، 119 و ج 4 ص 281، 368، 372.
(8) المعجم الصغير ج 1 ص 119.
(9) مسند أبي يعلى ج 1 ص 429، ج 11 ص 307.
(10) المعجم الكبير ج 2 ص 357 ج 3 ص 180 ج 4 ص 16، 173 ج 5
ص 166، 170، 171، 175، 192، 193، 194، 195، 202،
204، 212 و ج 12 ص 122.
(11) أمالي المحاملي ج 1 ص 192.
(12) فضائل الصحابة للنسائي ج 1 ص 15.
(13) فضائل الصحابة لابن حنبل ج 2 ص 585، 586، 596، 599،
610، 682 / 705.
94

أنه خلف على أمته الثقلين الكتاب والعترة؟ فإذا الولاية والإمامة
لأهل البيت مما نص بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بها
وليست هي من مختلقات أحد ولا من مبتدعاته، فالشيعة في قولهم
بإمامة وولاية الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أخذوا بهذه الأحاديث
وأمثالها، وفي الختام أقول: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين ومن
سار على نهجهم ووالاهم إلى قيام يوم الدين.
حسن عبد الله

95

/ 1