مؤتمرات الثلاثة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مؤتمرات الثلاثة - نسخه متنی

فارس حسون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد


 


الشيخ فارس الحسون
المقدمة
عرض سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه
بنو بويه وعقيدتهم
الصحابة وعدالتهم
إحياء ذكرى عاشوراء وكونه سنة مؤكدة
إحياء ذكرى الغدير وكونه سنة مؤكدة
ذكر الأحداث حسب تسلسل السنين
المجازر والتعصبات الطائفية
في عهد الشيخ المفيد 336 ه‍ 413 ه‍
فارس الحسون
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله سابغ النعم، والصلاة والتحية على رسوله المرسل إلى العرب والعجم،
وعلى أهل بيته أصحاب الجود والكرم.
المؤرخ المنصف عليه أن يتجنب فيما يكتبه كل التعصبات لأي فرقة وإن
كانت الفرقة التي ينتمي إليها ويتحرى الواقع فحسب، وهذا الشرط أساسي
للمؤرخين كافة، والألم يحصل اطمئنان بنقلهم.
والمؤرخ المنصف كما ينقل في تاريخه ما حدث وما شاهد من مسرات
ومشاهد مشرقة، عليه أن ينقل ما شاهد أو نقل إليه عن الثقات من أحزان ومشاهد
مظلمة... وينقل التاريخ كما هو إلى من يأتي بعده... وينقل ما حصل على هذه
الفرقة أو تلك من مصائب وظلم وتشريد.
ومن المؤسف عليه أن مؤرخينا لم يلتزموا بهذا الشرط في النقل، وخرجوا عن
الإنصاف، وغطوا على كثير من المسائل لأسباب غير خفية.
وأكثر من وقع في حقه الاجحاف في النقل الفرقة الشيعية، فانعقد شبه اتفاق
من المؤرخين على طمس أخبار هذه الفرقة وتشويه الأحداث المرتبطة بها، وإلقاء
الاتهامات عليها!
ولا يشك الناظر في التاريخ أن لشيعة أهل البيت عليهم السلام اليد الطولى في
ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيضوا صفحات التأريخ ونوروها.
ولا يشك أيضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب
وقتل
5

وحرق وإبعاد، وهذا ضريبة ولائهم أهل بيت نبيهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل وإجحاف، فالصفحات المشرقة بدلها
بصفحات مظلمة، ونقلها إلى المجتمع مع تزوير وبهتان!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئا يسيرا من الحقائق مع الغمز والتشكيك
فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتاب يجمع بين دفتيه ما جرى على
الشيعة من مصائب وطرد وإباحة من الصدر الأول وإلى يومنا الحاضر، سواء في
ذلك من قبل الحكام أم الناس، استخرجناه من الفلتات التي فلتت من أقلام
المؤرخين، وإلا فهم لا يذكرون أمثال هذه الأحداث ويحاولون طمسها بكل ما
لديهم من قوة.
كل هذا ليعرف الخلق كافة أي حرية كانت في التفكير واختيار المذهب
آنذاك، وأن الفرد إذا اختار مذهبا معينا يخالف مذهب أكثر الناس، وله أدلة عقلية
ونقلية تدل على اختياره، بأي أسلوب كان يتعامل معه؟ هل بالدليل والمجادلة بالتي
هي أحسن؟ أم يقابلون أدلة بالسياط والقتل والتبعيد؟!!
ولقرب انعقاد المؤتمر العالمي بمناسبة مرور الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد
اقترح علي سماحة العلامة المحقق الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي أن أكتب ما
جرى على الشيعة من مجازر في عهد الشيخ المفيد، من ولادته (336 ه‍) وإلى
وفاته (413 ه‍).
فبدأت بترتيب هذه المقالة مع ضيق الوقت، وذكرت فيها ما جرى على شيعة
أهل البيت من مصائب، وترجمت للأعلام والبلدان وبعض الفرق غير المعروفة،
وربما ذكرت بعض الحوادث لا ترتبط كل الارتباط بالموضوع تتميما للفائدة،
6

وقدمت للبحث خمس مقدمات لا بد منها، هي:
(1) عرض سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه.
(2) بنو بويه وعقيدتهم.
(3) الصحابة وعدالتهم.
(4) إحياء ذكرى عاشوراء وكونه سنة مؤكدة.
(5) إحياء ذكرى الغدير وكونه سنة مؤكدة.
وهذه المقدمات الثلاثة الأخيرة تمتاز بأهمية كبيرة، لكون أكثر المجازر إنما تدور
حولها، لاعتقاد السنة عدالة كل الصحابة، والشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل
عليهم كسائر الرواة، وكون الشيعة تعتقد بأن إحياء ذكرى عاشوراء والغدير سنة
مؤكدة، واعتقاد بعض أهل السنة بكونها بدعة شنيعة!!.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على طاعته ويجنبنا عن كل تعصب وزيغ،
ويجعلنا نروم الحق لا غير، إنه سميع مجيب.
قم المقدسة
ليلة الخامس عشر من شهر
رمضان المبارك
ذكرى ميلاد الإمام المجتبى عليه السلام
فارس الحسون
7

المقدمة الأولى
عرض سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه
سنة 333 ه‍:
فيها: خلع توزون الخليفة المتقي لله وكحله، وأحضر عبد الله بن المكتفي،
فبايعوه ولقبوه المستكفي بالله.
وفيها: استولى أحمد بن بويه على البصرة وواسط والأهواز، فسار توزون
لحربه، فدام القتال بينهما مدة أشهر، ورد ابن بويه إلى الأهواز وقدم توزون بغداد.
وفيها: تملك سيف الدولة حلب وأعمالها، فجيش الأخشيد عسكرا فهزمهم
سيف الدولة، وافتتح مدينة الرستن ثم سار فأخذ دمشق.
وفيها: كانت وقعة بين سيف الدولة والأخشيد بقنسرين انكسر فيها سيف
الدولة ودخل الأخشيد حلب. سنة 334 ه‍:
فيها: اصطلح سيف الدولة والأخشيد على أن تكون لسيف الدولة حلب
وأنطاكية وحماة وحمص.
وفيها: قصد أحمد بن بويه بغداد وغلب عليها، وبايع المستكفي بالله، فلقبه
8

بمعز الدولة ولقب أخاه عليا عماد الدولة والحسن ركن الدولة.
وفيها خلع معز الدولة المستكفي بالله وكحله، لنفوذ القهرمانة عنده وإهانته
للشيعة، وأحضر معز الدولة الفضل بن المقتدر، فبايعوه ولقب بالمطيع لله، فكان
تحت يد معز الدولة لا حول له ولا قوة.
وفيها: وقعت حرب بين ناصر الدولة ومعز الدولة في سامراء، فانكسر ناصر
الدولة. سنة 335 ه‍:
فيها: تملك سيف الدولة دمشق بعد الأخشيد، وحاربه المصريون غير مرة.
وفيها: اصطلح معز الدولة وناصر الدولة ابن حمدان. سنة 336 ه‍:
فيها: سار الخليفة ومعز الدولة لمحاربة ابن البريدي، فتفرق جمع ابن البريدي
وهرب إلى القرامطة. سنة 337 ه‍:
فيها: ضعف أمر ناصر الدولة مع معز الدولة، والتزم بأن يحمل إليه في السنة
ثمانية آلاف درهم.
وفيها: التقى سيف الدولة والروم على مرعش، فهزم الروم سيف الدولة
وأخذوا مرعش.
9

سنة 339 ه‍:
فيها: غزا سيف الدولة بلاد الروم، فانتصر في بادئ أمره، لكن أخذت الروم
عليه الدروب فاستولوا على عسكره وانهزم.
وفيها: تولى الوزارة أبو محمد المهلبي. سنة 340 ه‍:
فيها: هزم الوزير المهلبي القرامطة واستباح عسكرهم.
وفيها: غزا سيف الدولة أرض الروم فغنم وسلم وأوطأهم ذلا. سنة 341 ه‍:
فيها: استباح الروم بلد سروج. سنة 342 ه‍:
فيها: رجع سيف الدولة مؤيدا منصورا قدامه قسطنطين ولد الدمستق.
وفيها: سار ابن محتاج على خراسان فالتقاه ركن الدولة ابن بويه وتمت بينهم
حروب وعجائب. سنة 343 ه‍:
فيها: انتصر سيف الدولة على الدمستق ومن كان معه من الروم والبلغار
والترك والروس والخرز.
10

سنة 345 ه‍:
فيها: غلبت الروم على طرطوس، فقتلوا وسبوا وأحرقوا القرى.
وفيها: انتصر معز الدولة على الروزبهان الديلمي لما قصد بغداد وأسره. سنة
347 ه‍:
فيها: فتكت الروم ببلاد المسلمين وعظمت المصيبة، وأخذوا عدة حصون مما
يلي آمل وميا فارقين ووصلوا إلى حلب، فالتقاهم سيف الدولة فعجز عنهم وانهزم.
وفيها: سار معز الدولة إلى الموصل، فاستولى عليها، وهرب منه نصار الدولة،
وذهب إلى أخيه سيف الدولة، فتوسط بينهما وصالحهما. سنة 349 ه‍:
فيها: غزا مملوك سيف الدولة نجا الروم فقتل وأسر. سنة 351 ه‍:
فيها: أقبل الدمستق في مائة وستين ألفا، فنزل عين زربة، فأخذها بالأمان، ثم
نكث وقتل أمما وأحرقها.
وفيها: حاصر الدمستق أهل حلب مدة، ثم دخلوها وأخذوا حلب بالسيف،
فقتلوا حتى كلوا.
11

سنة 352 ه‍:
فيها: قتل ملك قسطنطينية، وولي الملك الدمستق، اسمه تكفور. سنة
353 ه‍:
فيها: حاصر الدمستق المصيصة، ثم ترحل عنها للغلاء المفرط.
وفيها: وقعت حرب بين معز الدولة وصاحب الموصل ناصر الدولة، انتهت
بانتصار ناصر الدولة، وأخذ خزائن معز الدولة. سنة 354 ه‍:
فيها: نازل الدمستق المصيصة وافتتحها بالسيف وافتتح الطرطوس بالأمان.
سنة 356 ه‍:
فيها: مات معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي، وتملك بعده ابنه عز الدولة.
وفيها: مات صاحب الشام سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي
بحلب.
وفيها: مات صاحب مصر كافور الأخشيدي. سنة 358 ه‍:
فيها: خرجت الروم، فقتلوا وسبوا واستولوا على مدائن ووصلوا إلى حمص.
وفيها: أقبلت العبيدية من المغرب مع القائد جوهر المعزي، فأخذوا الديار
12

المصرية وبنوا القاهرة.
وفيها: مات صاحب الموصل ناصر الدولة بن حمدان، وقام بالملك ابنه
الغضنفر. سنة 359 ه‍:
فيها: أخذ تكفور أنطاكية بالأمان. سنة 360 ه‍:
فيها: استولى على دمشق جعفر بن فلاح نائب العبيدية بعد حصار أيام،
فانتدب لحربه الحسن بن أحمد القرمطي، فأسره القرمطي وقتله. سنة 362 ه‍:
فيها: أخذت الروم نصيبين بالسيف، فبعث عز الدولة عسكرا فالتقوا الروم
فنصرهم الله وأسروا جماعة من البطارقة.
وفيها: كتب المعز بالله إلى الخليفة المطيع لله ودعاه إلى خلع نفسه، للفالج الذي
به، ففعل، وخلع نفسه على الخلافة وولاها ولده عبد الكريم، ولقبوه الطائع لله. سنة
365 ه‍:
فيها: قسم ركن الدولة على أولاده ما في يده: فأقر عضد الدولة على مملكة
فارس وكرمان، وأعطى فخر الدولة حمدان والدينور، وأعطى مؤيد الدولة الري
13

وأصبهان. سنة 366 ه‍:
فيها: كانت المصاف بين عز الدولة وابن محمد عضد الدولة، فأسر مملوك لعز
الدولة. سنة 367 ه‍:
فيها: انتصر عضد الدولة على عز الدولة بعد أن استعان بالقرامطة ونفرق
الجند عن عز الدولة صاحب بغداد، وخرج الخليفة الطائع لله لتلقي عضد الدولة.
سنة 369 ه‍:
فيها: قدمت رسل العزيز بغداد، فأجابهم عضد الدولة إلى الصلح. سنة
370 ه‍:
فيها: سار ملك بغداد عضد الدولة إلى حمدان، فلما رجع بعث يأمر الخليفة
الطائع لله أن يتلقاه، ففعل!. سنة 372 ه‍:
فيها: مات عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي بعلة
الصرع، فحضر ولده من شيراز صمصام الدولة، فولاه الطائع لله السلطنة.
14

سنة 376 ه‍:
فيها: مال العسكر عن صمصام الدولة إلى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام،
فقدم شرف الدولة بغداد وتملك. سنة 379 ه‍:
فيها: مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة بالاستسقاء، وتملك
بعده أخوه أبو نصر، ولقبه الطائع لله بهاء الدولة. سنة 381 ه‍:
فيها: قبض بهاء الدولة على الطائع لله، وذلك لأمر الطائع بحبس أبي الحسين
ابن المعلم، وأكره الطائع على خلع نفسه، وأحضروا القادر بالله أحمد بن الأمير
إسحاق بن المقتدر بالله فبايعوه. سنة 382 ه‍:
فيها: ثارت الجند يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلم أبو الحسن
علي بن محمد، وصمموا على هذا، وخيروا الملك بين بقاء الملك أو بقاء ابن المعلم،
فقبض عليه وحبس وقتل. سنة 386 ه‍:
فيها: مات صاحب مصر العزيز بالله بن معز بالله معد العبيدي، وحكم بعده
ابنه الحاكم.
15

سنة 391 ه‍:
فيها: قتل صاحب الموصل حسام الدولة مقلد بن المسيب، ثم تملك بعده ابنه
معتمد الدولة قرواش. سنة 396 ه‍:
فيها: خطب بالحرمين لصاحب مصر الحاكم. سنة 398 ه‍:
فيها: ولي نيابة دمشق حامد بن ملهم من قبل الحاكم بعد ابن فلاح. سنة
401 ه‍:
فيها: أقام صاحب الموصل الدعوة ببلاده للحاكم، وأقيمت الخطبة للحاكم
بالكوفة والمدائن بأمر صاحب الموصل قراوش، فأرسل الخليفة القادر إلى الملك بهاء
الدولة وأنفق مع الجيش مائة ألف دينار، ثم خاف قرواش، فأرسل يعتذر وأعاد
الخطبة العباسة. سنة 402 ه‍:
فيها: مات الوزير عميد الجيوش، فقام بعده فخر الملك. سنة 403 ه‍:
فيها: مات صاحب بغداد بهاء الدولة ابن عضد الدولة بعلة الصراع، وقام بعده
16

ابنه سلطان الدولة.
وفيها: قتل الوزير فخر الملك ببغداد. سنة 410 ه‍:
فيها: افتتح السلطان محمود بن سبكتكين قسما كبيرا من الهند. سنة
411 ه‍:
فيها: تملك الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعز العبيدي الحجاز ومصر
والشام، وقتل في شوال، جهزت أخته ست الملك عليه من قتله غيلة، وأقامت ولده
الظاهر بأمر الله. سنة 413 ه‍:
فيها: مات صاحب العراق والعجم سلطان الدولة ابن بهاء الدولة بشيراز،
وتملك بعده أخوه مشرف الدولة، ثم قدم بغداد فتلقاه الخليفة.
وفيها: افتتح السلطان محمود مدينة بالهند.
17

المقدمة الثانية
بنو بويه وعقيدتهم
بويه هو أبو شجاع بن فنا خسرو بن تمام بن كوهي من الفرس، وينسب إلى
الديلم لطول مقامهم ببلادهم، والديلم جيل سموا بأرضهم.
كان صيادا يعيش من صيد السمك، فرأى في منامه أنه بال فخرج من ذكره
عمود من نار، ثم تشعب يمنة ويسرة وأماما وخلفا حتى ملأ الدنيا، فلما قص رؤياه
على معبر، قال له: ألك أولاد؟ قال: نعم، قال: أبشر فإنهم يملكون الأرض ويبلغ
سلطانهم فيها على قدر ما احتوت عليه النار.
ولبويه خمسة أولاد، المشهور منهم ثلاثة، وهم: عماد الدولة أبو الحسين علي،
وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد، وهؤلاء ملكوا، وله
ابنان آخران هما: محمد وإبراهيم، قتل أحدهما مع الناصر للحق والآخر مع الحسن
بن القاسم الداعي.
وارتقت الحال ببويه فصار جنديا، وخرج مع الناصر للحق الحسن بن علي
العلوي، وكان يلحظه بعين التقدم لشجاعته، وكذلك أولاده خدموا في العسكر،
18

وكانوا أصحاب شجاعة وهمة عالية، وصاروا أمراء.
وفي سنة 319 ه‍ خرج مردادنج الديلمي، فاستولى على حمدان، فراسله
الخليفة المقتدر بالله سنة 320 ه‍ يلاطفه، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع،
وأمكنه من آذربايجان وأرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان.
وفي سنة 322 ه‍ في خلافة القاهر بالله خرج عن طاعة مردادنج أمير
من أمرائه، وهو علي بن بويه بعد أن اقتطع مالا جزيلا، فحاربه أمير فارس محمد
بن ياقوت فهزم أمام ابن بويه، واستولى علي بن بويه على إقليم فارس، فكان هذا
أول ظهور بني بويه.
واستمر حكمهم على البلدان كافة، وكانوا قد بايعوا للخليفة العباسي،
وانحطت الخلافة إلى رتبة أصبح الخليفة لا حول له ولا قوة ولا أمر، والأمر كله بيد
بني بويه، ومر في الفصل الذي قبله ذكر من حكم منهم في عهد الشيخ المفيد.
وكان آخر ملوك بني بويه هو ملك الملك الرحيم أبي نصر خسرو، توفي سنة
450 ه‍، وهي آخر سنة مملكتهم، وشرعت بعدهم الدولة السلجوقية.
راجع: دول الإسلام: 173 و 176، النجوم الزاهرة: 3 / 244 / 245، معجم
البلدان: 2 / 544، المنتظم: 6 / 268 271، الكامل في التاريخ: 8 / 275
278، شذرات الذهب: 2 / 188، نهاية الأرب: 26 / 163 267.
وأما عقيدة بني بويه، فإنهم كانوا شيعة إمامية اثني عشرية، وما نسب إليهم من
أنهم زيدية لا دليل عليه، وكانوا يعتقدون بالتشيع وأنه المذهب الحق، ويدافعون عن
الشيعة، بيد أنهم كانوا يؤثرون مصالحهم السياسية على الاعتبارات الدينية، وكان
مقر حكومتهم بغداد العاصمة السنية التي يقطنها أقلية شيعية، فكانوا مع الشيعة ما
دامت مصالحهم لم تتعرض إلى خطر، فإذا تعرضت تركوا كل شئ،
19

حتى أنهم حبسوا علماء الشيعة وأبعدوهم وحكموا بعض الأمراء من أهل السنة من
لم يرحم الشيعة ووقع فيهم قتلا ونهبا!!.
ويرشدنا إلى عقيدة بني بويه ويوضحه لنا نص نقله ابن كثير، قال:
... لأن بني بويه ومن معهم من الديلم كان فيهم تعسف شديد، يرون أن بني
العباس قد غصبوا الأمر من العلويين، حتى عزم معز الدولة على تحويل الخلافة إلى
العلويين، واستشار أصحابه، فكلهم أشار عليه بذلك، إلا رجلا واحدا من أصحابه
كان سديد الرأي فيهم، فقال: لا أرى لك ذلك! فقال: ولم ذاك؟ قال: لأن هذا
خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الإمارة، حتى لو أمرت بقتله قتله
أصحابك، ولو وليت رجلا من العلويين اعتقدت أنت وأصحابك ولايته صحيحة،
فلو أمرت بقتله لم تطع بذلك، ولو أمر بقتلك لقتلك أصحابك، فلما فهم ذلك
صرفه عن رأيه الأول، وترك ما كان عزم عليه للدنيا لا لله، انتهى نص ابن كثير.
ويظهر للمتأمل بوضوح من عدة قرائن أن بني بويه عزموا على المساواة بين
الشيعة والسنة، واعتبروا أنفسهم قادة لكل المسلمين، وأعطوا الحرية لبقية المذاهب.
فمثلا كانوا يحكمون على بغداد حكام سنة، ويعطوهم الحرية التامة، وكان
القضاة في بغداد بيد السنة، حتى أنهم جعلوه في سنة لعالم شيعي، فلم يمضه
الخليفة، وسكتوا ولم يجبروه على القبول.
وكثيرا ما كان الحكام على بغداد يمنعون الشيعة من إقامة مراسم محرم والغدير،
فلم يعارضهم بنو بويه بشئ، بل كانت في بعض الأحيان تصدر أوامر من الحكام
بتبعيد علماء الشيعة ومنعهم من الجلوس للدرس ولا اعتراض ولا أي شئ يحدث
من قبل البويهيين!!.
20

يقول كاهن: كانوا يتوقون إلى إقامة نوع من الحكومة العباسية الشيعية
المشتركة، يأمن فيها الشيعة ولا يحتاجون معها إلى التقية، ويكون لهم وللسنة
كيان رسمي منظم، حقا كان هدفهم من وجه نظر شيعية إحياء ما كان يحلم
به معظم العباسيين في عصر المأمون، معتقدين بأنهم سيكسبون أتباعا أقوياء بهذا
العمل دون الابتعاد عن سائر الناس في نفس الوقت، انتهى.
وهذا لا يعني عدم اهتمامهم بالشيعة والتشيع، بل نظموا العلويين في تجمع
واحد له نقيب، وجعلوا الحج والمظالم، و... بيد الشيعة، وقربوهم للحكومة،
واهتموا بالمشاهد المشرفة لأهل البيت عليهم السلام، وجري الصدقات على الفقراء
فيها، ودافعوا عن التشيع في بعض الأحيان عندما ضايقت عليهم السنة، وعزلوا
بعضهم الأمراء لمضايقتهم على الشيعة.
حتى أن الوزير أبا محمد المهلبي لما قبض على رجل من أصحاب أبي جعفر بن
أبي العز الملحد وأراد قتله، أظهر هذا الرجل أنه شيعي وأنه برئ من الاتهامات،
فلم يقتله المهلبي خوفا على نفسه من معز الدولة.
ولما ادعى شاب أن روح علي بن أبي طالب حلت فيه وادعت امرأة أن روح
فاطمة حلت فيها وادعى خادم لبني بسطام أنه ميكائيل، فلما أراد الوزير المهلبي أن
يقتلهم ادعوا أنهم شيعة، فخاف الوزير أن يقيم على تشدده في أمرهم فينسب إلى
ترك التشيع.
فكل هذه الشواهد تدل بوضوح على أنهم كانوا يهدفون المساواة بين
المذاهب، وأنهم زعماء للمسلمين كافة.
راجع: البداية والنهاية: 11 / 212 313 و 224، الكامل في التاريخ:
8 / 495، مرآة الجنان: 2 / 333، النجوم الزاهرة: 3 / 193 194، مقالة
البويهيين لكاهل طبعت في دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 1352، نظريات علم
الكلام عند الشيخ المفيد: 43.
21

المقدمة الثالثة
الصحابة وعدالتهم
كثير من الحوادث التي تذكر هنا، ترتبط بهذا المطلب، وهو: ذهاب أهل السنة
إلى أن كل من له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو عادل يجب الاقتداء
به ولا يجوز أن ينال منه، ونحن نذكر شيئا يسيرا عن هذا المطلب، ونحيل في آخره
إلى المطولات والبحوث التي كتبت عنه.
فنقول: القرآن صريح في عدم عدالة كل الصحابة، وأن منهم منافقين و...
وهنا نذكر عدة آيات تدل على المطلب:
" إنما الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث
على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " الفتح: 10.
هذه الآية صريحة بأن بعضا من الصحابة يفي بما عاهد عليه الله، وبعضهم
ينكث، ونكثه على نفسه، وهي صريحة أيضا أن الصحابة ليسوا سواء، فالذي يفي
هو الذي يستحق المدح الوارد في القرآن للصحابة، ومن نكث يستحق العذاب،
وليس له من العدالة والاقتداء به نصيب.
22

ط
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " آل
عمران: 144.
" ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم
يردون إلى عذاب عظيم " التوبة: 74.
" إذا جائك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسول الله
والله يشهد أن المنافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله أنهم ساء
ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون "
المنافقون: 3.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين من نفاق بعض الأصحاب الذين
صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وكلموه، ونزلت في حقهم أكثر من مائة وخمسين
آية تدل على نفاقهم وانحرافهم.
والمقصودين بهذه الآيات غير معلومين، لأن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه في
شأنهم: " لا تعلمهم نحن نعلمهم "، فهم غير مشخصين من بين الصحابة، فأي دليل
يبقى لإثبات عدالة كل الصحابة والاقتداء بهم؟
نعم تجري عليهم قواعد الجرح والتعديل شأنهم شأن بقية الرواة، فمن كان
منهم عادلا وأوفى بما عاهد الله عليه وجب تعظيمه واحترامه والاقتداء به، ومن
ثبت نفاقه وانحرافه ونكثه وجب رفضه والبراءة منه، حتى سبه ولعنه وتعريفه
للمجتمع.
فباب النقاش في الصحابة غير مسدود، وهو حق كل فرد يروم معرفة الحق.
وأما الأحاديث فهي أيضا صريحة في هذا الباب، نذكر أربعة منها:
أ قوله عليه السلام في خطبة حجة الوداع: فلا ترجعوا بعدي كفارا
يضرب
23

بعضكم رقاب بعض.
رواه البخاري في صحيحه كتاب الفتن، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان.
ب قوله عليه السلام: أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم،
حتى إذا أهويت لأناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي ربي أصحابي! يقول: لا تدري
ما أحدثوا بعدك.
رواه البخاري في صحيحه 9 / 83 كتاب الفتن، ومسلم في صحيحه 4 / 1796
حديث الحوض.
ج قوله عليه السلام: أني أيها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام
رجال، فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال
هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم
القهقرى.
المستدرك 4 / 74 75، وقال بعد ذكره للحديث: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه.
د وقال عليه السلام لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر
الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي!!!.
الموطأ: 2 / 462 كتاب الجهاد.
فهذه أحاديث أربعة من كثير من الأحاديث الواردة في هذا الشأن صريحة بأن
من الأصحاب من ينحرف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى أن الحديث
الثالث يدل بوضوح أن الذين يأتون إلى رسول الله وهو غير راض عنهم هم من
أعيان الصحابة والبارزين الذين يتوقعون أنهم في الدرجات العليا في الجنان، بقرينة
قولهم لرسول الله صلى الله عليه وآله: أنا فلان..، وقول رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى.
24

والحديث الرابع أكثر صراحة من كل الأحاديث، لأن رسول الله يخاطب أبا
بكر وهو صحابي معروف، ولا يقول له: وأشهد عليكم، بعد اعتراضه عليه
بشهادته على شهداء أحد، بل يشكك فيهم ويقول: لا أدري ما تحدثون بعدي!!!.
فالقرآن والسنة صريحان بأن من الأصحاب منافقين وأحدثوا أحداثا أخرجتهم
عن الإسلام.
وثم، من هم أصحاب الإفك؟ ألم يكونوا من الصحابة؟! ألم يوجد ذمهم
وانحرافهم في القرآن؟!
ثم، أن كثيرا من الأصحاب كانوا رأس فتن كثيرة ذهبت ضحيتها الآلاف!!
ومنهم من بدت منه أمور صريحة في خلاف الإسلام.
وأما الأحاديث الواردة في تنزيه الصحابة، كقوله عليه السلام: احفظوني في
أصحابي، ولا تسبوا أصحابي، وأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
فهذه أحاديث لم يثبت صحتها من جهة السند وفي متناقضة مع الأحاديث
السابقة أن أريد منها كما يفهمه أهل السنة، وإلا فهي قابلة للحمل على معان
أخرى يرتفع بها التناقض بينها وبين من سبقها من الأحاديث.
قال الإمام علي بن موسى الرضا بعد أن سئل عن هذه الأحاديث: هذا
صحيح: يريد من لم يغير بعده ولم يبدل، لما يروونه من أنه صلى الله عليه وآله قال:
ليذادن برجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرائب الإبل عن
الماء، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك،
فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعدا لهم وسحقا لهم.
عيون أخبار الرضا: 2 / 78.
وبعد هذا كله، تبينت لك عزيزي القارئ هذه المسألة بوضوح، وأن الشيعة
تعرضوا للقتل والسب والإباحة و..!! بسبب أنهم عملوا بالسنة، وأجروا قواعد
25

الجرح والتعديل على الصحابة، فمن كان منهم مؤمنا لم يحدث بعد رسوله أبقوا له
مكانة الصحابة التي هي أرقى مقام ووقروه وبجلوه، ومن كان منهم بخلاف ذلك:
بأن أحدث بعد رسوله وانحرف و...، نزعوا عنه هذا اللقب المبارك، وعرفوه
للناس، وبينوا حقيقته، لأجل هذا ازداد تعصب العامة ضد الشيعة، وواجهوا
برهانهم ودليلهم بالحرق والإبادة العامة، كما ستمر عليك الأحداث.
وأول سبة حدثت في الإسلام هي من قبل الخليفة عمر، فإنه قال يوم السقيفة:
اقتلوا سعدا قتل الله سعدا.
وجاوز الخليفة مرة أخرى السب، وهجم على بيت فاطمة، وهدد من فيها
وهم علي عليه السلام وخيرة الصحابة بأنهم إن لم يخرجوا أحرقها، فلما قيل له:
في البيت فاطمة، قال: وإن!.
أليس سعدا من الصحابة؟! أليس عليا وأصحابه من الصحابة؟! أليست فاطمة
بضعة من رسول الله من آذاها آذاه ومن آذاه آذى الله ومن آذى الله غضب عليه
وله عذاب أليم؟!.
فما هو معنى الصحابة في نظر الخليفة عمر؟.
ثم، عائشة قالت في حق عثمان: هذا قميص رسول الله لم يبل، وقد أبلى
عثمان سنته، اقتلوا نعثلا فقد كفر.. اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.
ألم يكن طلحة والزبير أشد من ألب على عثمان حتى قتل؟!.
ألم ينكث طلحة والزبير بيعة أمير المؤمنين وحاربها حتى قتلا؟!
26

ألم يكن أصحاب الشورى كلهم من الصحابة، ومن العشرة المبشرة كما
وضعوا هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فلم يأمر عمر
بقتلهم أجمعين؟!.
كل هذا وهم يقولون: بأيهم اقتديتم اهتديتم!!! فعلي عليه السلام وكثير من
الصحابة في جهة من المعركة، وطلحة والزبير وهما صحابيان في جهة أخرى،
فالمسلم مع أي الفريقين يلتحق؟ وكذا حرب علي ومعاوية!!! فهل يا ترى يبقى
للحديث الذي يروونه: بأيهم اقتديتم اهتديتم، معنى يقبله عاقل حر؟!.
وترى أهل السنة يحترمون أهل الذمة الذين لا يعتقدون بأي شئ
ويضعون لهم حرمة في الإسلام، وتحقن دماؤهم ويؤدون مراسمهم، ولكن لما يصل
الأمر إلى الشيعة يقذفوهم بالرفض، وأنهم لا يقبلون عدالة الصحابة كافة، وعليه
فدماؤهم وأموالهم كلها مباحة! أهذا هو الإنصاف أيتها الأمة المرحومة؟!!.
ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع راجع: تقريب المعارف وما نقله عن
تاريخ الثقفي والواقدي، الطرائف: 373 381، نهج الحق وكشف الصدق:
314، نقض الوشيعة: 41، بحث حول حديث أصحابي كالنجوم للسيد الميلاني،
ثم اهتديت: 77 122، فسئلوا أهل الذكر: 113 170، منهج في الانتماء
المذهبي: 231 293.
27

المقدمة الرابعة
إحياء ذكرى عاشوراء وكونه سنة مؤكدة
قضية الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي سلام الله عليهما، وإقامة المأتم عليه
والبكاء والنوح، لم تكن قضية مستجدة، بل لها وجود حتى قبل ولادة الحسين عليه
السلام، وشيعة الحسين في كل عام تقيم مراسم العزاء على الحسين في يوم مقتله
العاشر من المحرم، وذلك تأسيا منها بنبيها وأئمتها أولاد رسول الله صلى الله عليه
وآله والصحابة الكرام، حيث كانت تقام المآتم على الحسين الشهيد قبل شهادته
وبعدها، حتى الجمادات والحيوانات ناحت وبكت على الحسين الشهيد.
ومعلوم لدى الكل أن مراسم الفرح والسرور تختلف باختلاف الأمم، بل
وباختلاف الزمن، فكل أمة تقيم مراسم العزاء بشكل ما، ويختلف هذا الرسم
بزمان عن آخر.
فالشيعة على مر القرون كانت ملتزمة بإقامة العزاء على سيد شباب أهل
الجنة، وفي جميع أنحاء العالم، وبأشكال مختلفة باختلاف المكان والزمان.
28

ونحن هنا نذكر نبذة يسيرة ورؤوس مطالب عن كون إقامة العزاء على الحسين
عليه السلام سنة مؤكدة، على المسلمين بأجمعهم إقامة هذا الشعار والالتزام به:
1 لما ولد الحسين، أتت به أسماء النبي صلى الله عليه وآله فأذن في أذنه
اليمنى وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى، فلما سألته أسماء عن سبب
بكائه أجاب: على ابني هذا، فقالت: إنه ولد الساعة! قال: تقتله الفئة الباغية، لا
أنالهم الله شفاعتي، ثم أمرها أن لا تخبر الزهراء، فإنها قريبة عهد بولادته.
مقتل الحسين: 1 / 88، ذخائر العقبى: 119.
وهذا أول مأتم يقام على الحسين، وهو ساعة ولادته، فرسول الله يبكي عليه
ويقيم مراسم العزاء.
2 روي عن أم الفضل مرضعة الحسين: أنها دخلت يوما على رسول الله
صلى الله عليه وآله، فوضعت الحسين في حجره، فرأت عينا رسول الله تهريقان من
الدموع، فلما سألته عن السبب؟ قال: أتاني جبرئيل فأخبرني: أن أمتي ستقتل ابني
هذا، فقالت أم الفضل هذا! فقال: نعم.
المستدرك: 3 / 176، تاريخ الشام ترجمة الحسين عليه السلام: 183 رقم
232، مقتل الحسين: 1 / 158 159، الفصول المهمة: 154، الصواعق:
115، الخصائص الكبرى: 2 / 125، كنز العمال: 6 / 223، الروض النضير:
1 / 148.
وهنا النبي صلى الله عليه وآله مرة أخرى يبكي على الحسين، والحسين في
السنة الأولى من عمره لم يتم الرضاعة، فحري بنا أن نسميه مأتم الرضوعة.
3 لما أتى على الحسين عليه السلام سنة كاملة هبط على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم اثنا عشر ملكا، محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم، وهم
يخبرون النبي بما سينزل على الحسين عليه السلام.
29

مقتل الحسين: 1 / 163.
4 لما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر، فلما
كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك؟ فقال: هذا
جبرئيل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها: كربلاء، يقتل فيها ولدي
الحسين....
ثم رجع من سفره مغموما، فصعد المنبر، فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع
الحسن، ثم أخبر أصحابه بأن جبرئيل أخبره بأن الحسين مقتول مخذول.
فضج الناس في المسجد بالبكاء.
وهذه المرة رسول الله يقيم المأتم في مسجده أمام الصحابة، ورسول الله يقرأ
المأتم، والناس يبكون.
مقتل الحسين: 1 / 163.
5 وتكرر إخبار جبرئيل والملائكة النبي بما يجري على الحسين وفي أزمنة
مختلفة وفي أماكن متفرقة، والنبي صلى الله عليه وآله يخبر من حوله بما يجري على
الحسين ويبكي ويقيم مأتما عليه، ففي بيت أم سلمة.. وعائشة.. وزينب بنت
جحش.. وفي دار أمير المؤمنين.. وفي مجمع من الصحابة.. وفي داره.. وفي أماكن
أخرى كثيرة، أقام النبي المأتم، وأخرج ما أعطاه جبرئيل من تربة كربلاء، وشاهدها
كثيرون، وهم يبكون.
المستدرك: 4 / 398، المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 147، كنز
العمال: 13 / 111، تاريخ الإسلام: 3 / 10، الخصائص الكبرى: 2 / 125، سيرتنا
وسنتنا للأميني، إحقاق الحق: 11 / 339.
قال الأميني: وربما يظن وظن الألمعي يقين أن تكرر المآتم التي أقامها
30

رسول الله صلى الله عليه وآله في بيوت أمهات المؤمنين... إنما كان على حلول
الأعوام والسنين، إما نظرا إلى ميلاد الحسين... أو إلى يوم استشهد فيه، أو إلى هذا
وذاك معا " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تحويلا " الأحزاب:
62.
6 وعند مسير علي عليه السلام إلى صفين: مر بكربلاء، فوقف وسأل عن
اسم الأرض؟ فقيل: كربلاء، فبكى حتى بل الأرض من دموعه، ثم أخبرهم بما
أخبره رسول الله بما يجري على الحسين عليه السلام.
الصواعق المحرقة: 191.
7 ولما أخبر جبرئيل نبيه بما سيجري على الحسين وأعطاه من تربة كربلاء
شيئا، خرج والتربة بيده وهو يبكي، وأخبر عائشة بما يجري على الحسين، ثم خرج
إلى الصحابة وأخبرهم أيضا وهو يبكي.
المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد: 9 / 187.
8 وفي اللحظات الأخيرة للنبي قبل موته، ضم الحسين إلى صدره، وقال في
حقه كلمات طيبة، ثم أغمي عليه، فلما أفاق قال: إن لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما
بين يدي ربي وخصومة....
مقتل الحسين: 1 / 173.
وفي هذه اللحظات الأخيرة من حياته المباركة لم ينس رسول الله الحسين، بل
يقيم عليه المأتم وبحضور الحسين عليه السلام، ويتوجع ويتألم ويهدد قاتله بالنار.
9 وشهد النبي صلى الله عليه وآله قتل الحسين كما رأته أم سلمة في المنام
وعلى رأسه ولحيته التراب، فلما سألته عن حالته؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.
صحيح الترمذي: 13 / 193، المستدرك: 4 / 19، مصابيح السنة: 207، أسد
31

الغابة: 2 / 22، كفاية الطالب: 286.
ورأى ابن عباس النبي في المنام وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فلما
سأله عن الدم؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم، فاستيقظ
ابن عباس من نومه واسترجع وقال: قتل الحسين، فلما أحصي ذلك اليوم وجدوه
قتل فيه.
مسند أحمد: 1 / 283، المعجم الكبير للطبراني، تاريخ بغداد: 142 / 1،
المستدرك: 4 / 497، البداية والنهاية: 8 / 200.
10 وبعد قتل الحسين عليه السلام نزلت الأنبياء عند مقتله، وهم يعزون
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولده، وكثر البكاء والنحيب عنده.
مقتل الحسين: 2 / 87، نور الأبصار: 125.
!! ويحدث رسول الله: أن ابنته فاطمة تحشر يوم القيامة ومعها ثياب
مصبوغة بالدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش، فتقول: يا عدل احكم بيني وبين
قاتل ولدي.
مقتل الحسين: 52، الفردوس لابن شيرويه، ينابيع المودة، المناقب لابن
المغازلي.
فتلاحظ بوضوح عزيزي القارئ أن النبي صلى الله عليه وآله من ولادة
الحسين وإلى شهادته يواظب على ذكر الحسين وإقامة المأتم عليه والبكاء، فهو مع
مسيرة الحسين عليه السلام، فالشيعة يقتدون بنبيهم في إقامة مراسم الحسين وتعظيم
الشعائر، لا أنهم يبتدعون!!.
12 وبعد قتل الحسين مطرت السماء دما، فأصبح الناس وكل شئ لهم
ملئ دما، حتى جبابهم وجرارهم، وكان المطر في كل مكان: من المدينة وخراسان
والشام والكوفة و....
32

وقال ابن عباس: هذه الحمرة التي في السماء ظهرت يوم قتله، ولم تر قبله.
مقتل الحسين 2 / 89، ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق، الصواعق المحرقة:
116، الخصائص الكبرى: 126، ينابيع المودة: 220، ومصادر أخرى كثيرة. 13
لما جئ برأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد شوهدت حيطان دار الإمارة
تسايل دما.
ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق لابن عساكر، الصواعق: 192.
14 لما قتل الحسين مكثت السماء أياما مثل العلقة.
المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد: 9 / 196، الخصائص الكبرى: 2 / 127.
15 لما قتل الحسين مكث الناس سبعة أيام إذا صلوا العصر نظروا إلى
الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، والكواكب كأنها تضرب
بعضها ببعض.
المعجم الكبير، مجمع الزوائد: 9 / 197، تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام
النبلاء: 3 / 210، تاريخ الخلفاء: 80.
16 لما قتل الحسين عليه السلام مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما لطخت
الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.
تذكرة الخواص: 284، الكامل في التاريخ: 3 / 301، البداية والنهاية:
8 / 171.
17 لما قتل الحسين صار الورس الذي في العسكر رمادا، ونحروا ناقة فكانوا
يرون في لحمها المرار.
مقتل الحسين 2 / 90، تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام النبلاء: 3 / 311،
تهذيب التهذيب: 2 / 353، المحاسن والمساوي: 62، تاريخ الخلفاء: 80.
18 اظلمت الدنيا ثلاثة أيام بعد قتل الحسين، ثم ظهرت هذه الحمرة في
33

السماء، ولم يمس أحد من زعفران قوم الحسين شيئا فجعله على وجهه إلا احترق.
تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 192، نظم درر السمطين: 220.
19 لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين، وبكاء
السماء أن تحمر.
تاريخ دمشق لابن عساكر، كفاية الطالب: 289، سير أعلام النبلاء:
3 / 210، تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 193.
20 انكسفت الشمس حيث قتل الحسين كسفة بدت الكواكب نصف
النهار، حتى ظن الناس أنها هي.
المعجم الكبير للطبراني، كفاية الطالب: 296، مقتل الحسين: 2 / 89، نظم
درر السمطين: 220، مجمع الزوائد: 9 / 197.
21 ما رفع حجر من الدنيا يوم شهادة الحسين إلا وتحته دم عبيط.
الصواعق المحرقة: 192، تذكرة الخواص: 284، نظم درر السمطين: 220،
ينابيع المودة، 356، تاريخ الإسلام: 2 / 349، كفاية الطالب: 295.
22 ما رفع حجر بالشام يوم قتل الحسين إلا عن دم.
المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 145.
23 لم يرفع حجر ببيت المقدس يوم قتل الحسين إلا وجد تحته دم.
المعجم الكبير للطبراني، تهذيب التهذيب: 2 / 353، كفاية الطالب: 296،
تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام النبلاء: 3 / 212، العقد الفريد: 2 / 220،
الخصائص الكبرى: 2 / 126.
24 امتنعت العصافير من الأكل يوم قتل الحسين.
مقتل الحسين: 2 / 91.
34

25 سطوع النور من الإجانة التي فيها رأس الحسين، وترفرف الطيور حولها.
مقتل الحسين: 2 / 101، الكامل في التاريخ: 3 / 296.
26 تلطخ غراب بدم الحسين، ثم طار فأتى على جدار فاطمة بنت
الحسين. مقتل الحسين: 2 / 92.
27 وبعد قتل الحسين عليه السلام ناحت الجن عليه في أماكن متفرقة:
المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 150، تاريخ الإسلام: 2 / 349، سير أعلام
النبلاء: 3 / 214، نظم درر السمطين: 223، الإصابة: 1 / 334، مجمع الزوائد:
9 / 199، البداية والنهاية: 6 / 231، تاريخ الخلفاء: 80، الصواعق المحرقة: 194،
ومصادر أخرى كثيرة جدا ذكرت نوح الجن عن رواة كثيرين، وأنهم كانوا
يسمعون نوح الجن ويبكون على الحسين عليه السلام، وكان نوح الجن بصور
مختلفة، عرضنا عن ذكرها خوفا من الإطالة، راجعها في إحقاق الحق: 11 / 570
589.
فهذا حسيننا، وعلى مثل هذا نقيم المأتم ونبكي، وعلى المسلمين كافة أن
يعظموا هذا اليوم ويقيموا العزاء أحسن قيام بكل ما بوسعهم، تأسيا منهم بنبيهم،
فإن الحسين لأجل الإسلام والحفاظ عليه ضحى بمهجته وبأهله وأصحابه، حتى بكى
عليه الجن والسماء والحيوانات والجمادات... وكل شئ، أفلا يحق لنا أن نبكي
عليه بدل الدموع دما؟!.
ولا أعلم، لم يتهمون الشيعة بالبدعة في إقامتهم العزاء والبكاء على الحسين،
وهذه كتبهم تشهد عليهم بأن إقامة العزاء سنة، أقامها رسول الله صلى الله عليه
وآله؟!
وهل مجازات من يقيم العزاء على ابن بنت رسول الله مع كل هذا التأكيد
يوجب القتل والنهب والحرق والإبادة العامة؟ وهذا غير مختص بعهد الشيخ المفيد،
بل من بعد شهادة الحسين، وإلى يومنا وزماننا هذا، زماننا الذي يعبر عنه
35

بزمان النور والتقدم والحرية!! ففي بلاد الهند والباكستان وغيرهما تقع مجازر في كل
سنة بسبب إقامة الشيعة العزاء على الحسين، ويتعصبون ضد الشيعة، ويحرقون
مساجدهم ويقتلون المقيمين للعزاء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن أراد التفصيل حول هذا المطلب وما يرتبط بالحسين الشهيد، فعليه بكتاب
سيرتنا وسنتنا للعلامة الأميني، وكتاب إحقاق الحق الجزء الحادي عشر، ومقتل
الحسين للخوارزمي، والبحار للمجلسي، والمقاتل الأخرى وكتب التاريخ
والحديث.
36

المقدمة الخامسة
إحياء ذكرى الغدير وكونه سنة مؤكدة
روى النسائي في كتاب خصائص أمير المؤمنين: 21 27 عن سعد ابن أبي
وقاص قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بطريق مكة وهو متجه إليها،
فلما بلغ غدير خم وقف للناس، ثم رد من سبقه، ولحقه من تخلف، فلما اجتمع
الناس إليه قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله، ثلاثا، ثم أخذ بيد علي
بن أبي طالب، ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه.
هذا الحديث روي بطرق مختلفة وبأشكال مختلفة، فرواه عن النبي نحو المائة
وعشرين من الصحابة، ذكرهم العلامة الأميني على ترتيب الحروف الهجائية، ومن
التابعين 360 تابعيا ذكرهم الأميني على ترتيب الحروف الهجائية، وألف الكثير
كتابا مستقلا عن الغدير ذكرهم العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي في بحثه الغدير
في التراث الإسلامي، ذكر فيه أكثر من (120) مؤلفا.
ولا يوجد في السنة النبوية حديث آخر روته هذه الكثرة من الصحابة والتابعين
ولا نصف هذا العدد، فهذا الحديث أصح الأحاديث سندا وأكثره رواية
37

فهو متواتر بالإجماع.
ومع هذا كله فبالقياس إلى من سمع الحديث، والمكان الذي أذاعه فيه الرسول،
فإنه لم يقله في بيته حتى ولا في مسجده، بل أعلنه صرخة أمام عشرات الآلاف من
الحجاج، وأوصاهم بإبلاغ الحاضر الغائب، فيكون حديث الغدير رواته قليلون
جدا.
وهذا اليوم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، هو يوم عيد اشترك فيه
السنة والشيعة، وإن كانت الشيعة تبدي له اهتماما ملحوظا، لكنه يوم فرح وعيد
عند الفريقين.
فأما عند العامة، فأدل دليل على أنه يوم عيد ما ذكروه عقيب ذكرهم ليوم
الغدير، فروى الطبري في كتاب الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم، عن رسول الله،
وذكر حديث الغدير، وفي آخره جاء: قال رسول الله: معاشر الناس قولوا أعطيناك
على ذلك عهدا عن أنفسنا وميثاقا بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى أولادنا وأهلينا،
لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيدا، قولوا ما قلت لكم
وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا الحمد لله الذي هدانا...
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله
ورسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه وآله وعليا: أبو بكر
وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس، إلى أن صلى
الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلى العشائين في وقت واحد...
ورواه أحمد بن محمد الطبري في كتابه مناقب علي، وذكر في كتاب النشر
والطي.
وفي مرآة المؤمنين لولي الله اللكهنوي: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئا
38

يا بن أبي طالب أصبحت مولاي....
وفي روضة الصفا لابن خاوند المتوفى سنة 903 ه‍... وأمر (النبي) أمير
المؤمنين أن يجلس في خيمة أخرى، وأمر أطباق الناس بأن يهنئوا عليا في خيمته،
ولما فرغ الناس من التهنئة له أمر رسول الله أمهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنئنه،
ففعلن...
وحديث التهنئة، وهو قول الناس هنيئا لك يا ابن طالب، بعد البيعة، ومن جملة
من هنأ عمر، فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى
كل مؤمن ومؤمنة، روى هذا الكثير من المحدثين، مثل الحافظ ابن أبي شيبة المتوفى
سنة 235 ه‍ في المصنف، وأحمد بن حنبل في مسنده 4 / 281، والحافظ أبو
العباس الشيباني، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، و... حتى أوصلهم الأميني إلى
ستين نفرا.
والتهنئة من خواص الأعياد والأفراح.
وذكر أبو هريرة: أن يوم قال رسول الله: من كنت مولاه... هو يوم غدير
خم، من صام ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا.
تاريخ بغداد 8 / 290، شواهد التنزيل 157 / 211.
وهذا هو دليل آخر على أن لهذا اليوم شأنا لا بد للمسلمين أو يعرفوه.
وكثير من مؤرخي العامة عبروا عن هذا اليوم بالعيد، كما في الوفيات لابن
خلكان 1 / 60 و 2 / 223 وغيره.
وعده البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية: 334: مما استعمله أهل
الإسلام في الأعياد.
وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي صفحة 53: يوم غدير خم، ذكره
39

أمير المؤمنين في شعره، وصار ذلك اليوم عيدا وموسما، لكونه كان وقتا خصه
رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه المنزلة العلية وشرفه بها دون الناس كلهم.
وفي كتاب شرف المصطفى للحافظ أبي سعيد الخركوشي المتوفى سنة
407 ه‍: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعد تبليغ الغدير: هنئوني هنئوني،
إن الله تعالى خصني النبوة وخص أهل بيتي بالإمامة...
وهذا أيضا خير شاهد على كونه عيدا، حيث رسول الله يطلب من الناس أن
يهنئوه.
ولما نزلت آية " اليوم أكملت لكم دينكم... " قال طارق بن شهاب الكتابي
الذي حضر مجلس عمر: لو نزلت فينا هذه الآية لاتخذنا يوم نزولها عيدا، ولم ينكر
عليه أحد من الحضور.
أخرجه الأئمة الخمسة مسلم ومالك والبخاري والترمذي والنسائي.
وحاول أعداء علي أن يمحوا ذكر يوم الغدير، لكن أبى الله إلا أن يتم نوره،
فأمير المؤمنين بدأ بالمناشدة به في عدة مجالس، وكذا أهل بيته عليهم السلام وكثير
من العلماء.
وهذه المناشدات كان لها الدور الفعال في بقاء الغدير على مر العصور.
حتى أن أمير المؤمنين أعلن عن الغدير وأنه يوم عيد سنة اتفق فيها الجمعة
والغدير، ومن خطبته أن قال: أن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا
اليوم عيدين عظيمين كبيرين، لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ليكمل عندكم جميل
صنعه... إلى أن قال: عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم
وبالبر بإخوانكم...
مصباح المتهجد: 524.
40

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده عن فرات بن أحنف، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر
والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال: فقال لي: نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها
عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل على نبيه: " اليوم أكملت
لكم دينكم... " قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: فقال لي: إن أنبياء بني إسرائيل
كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده فعل ذلك، جعلوا ذلك
اليوم عيدا، وأنه اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليا للناس
علما... قال: قلت: فما ينبغي أن نعمل في ذلك اليوم؟ قال: هو يوم عبادة وصلاة
وشكر لله وحمد وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا، فإني أحب لكم أن
تصوموه.
وروى الكليني في شأن هذا اليوم عدة أحاديث، وأنه يوم عيد وعبادة ويستحب
فيه إكثار الصلاة على محمد وآله والبراءة إلى الله ممن ظلمهم.
الكافي 1 / 204 و 303، وكذا روى الشيخ الصدوق في الخصال والطوسي في
المصباح عدة أحاديث في شأن الغدير.
فهذا هو الغدير عند الشيعة... وهذه عقيدتهم، وهم أخذوها من النبي والأئمة
من أهل بيته سلام الله عليهم، فأين البدعة؟ وأي شئ أدخلوه في الشرع وهو ليس
منه كي يتهموا بالبدعة؟
فلماذا إذن كل هذا الظلم والجور ضدهم لأجل إقامة مراسم الغدير؟! كما
ستمر عليك الأحداث، أليس هذا كله تعصب ضد الشيعة؟!
وما نسبة النويري والمقريزي وغيرهما من أن هذا العيد ابتدعه معز الدولة بن
بويه سنة 352 ه‍، فهو تعصب محض وقلة معرفة بالتاريخ.
قال الأميني: وما عساني أن أقول في بحاثة يكتب عن تأريخ الشيعة قبل أن
41

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها
لأمر دبر بليل، أو أنه ما يبالي بما يقول.
أوليس المسعودي المتوفى 346 ه‍ يقول في التنبيه والأشراف ص 221: وولد
علي رضي الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم؟!
أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة 329 ه‍؟ وقبله
فرات بن إبراهيم الكوفي المفسر الراوي لحديثه الآخر...
فالكتب هذه ألفت قبل ما ذكراه النويري والمقريزي من التأريخ
(352).
أوليس الفياض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259 ه‍ وذكر أنه
شاهد الإمام الرضا سلام الله عليه المتوفى سنة 203 يتعيد في هذا اليوم
ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.
والإمام الصادق المتوفى سنة 148 ه‍ قد علم أصحابه بذلك كله وأخبرهم بما
جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيدا...
هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف
الصالح وصوراه بدعة معزوة إلى معز الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على
كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.
الغدير: 1 / 287 289، نهاية الأرب: 1 / 177، الخطط: 2 / 222.
ولزيادة الاطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيد
هاشم البحراني، عبقات الأنوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني،
منهج في الانتماء المذهبي: 90 156، الغدير في التراث الإسلامي للعلامة السيد
عبد العزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد
عبد العزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيد محمد جواد الشبيري،
ومصادر أخرى كثيرة.
42

ذكر الأحداث حسب تسلسل السنين
336 ه‍ 413 ه‍
43

سنة 336 ه‍:
فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمد بن محمد بن النعمان بن
عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن
سعيد ابن سنان بن عبد الدار بن الريان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن
ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن
يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وقيل: مولده سنة 338 ه‍.
قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنف كتبا
كثيرة في ضلالاتهم والذب عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين
من الصحابة والتابعين وعام الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به
خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.
وما ذكره الخطيب ليس هو إلا فردا من أفراد التعصب الذي جرى لكثير من
المؤرخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلمية وازدادوا
تقى كثر تعصب علماء السنة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا
أسوء الألفاظ في حقهم، وهذا هو التعصب بعينه وخروج عن إنصاف وسوء أدب.
ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان
والمجادلة بالتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق
وألطف تعبير.
وأما الذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ
الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجة لمعرفة الحق في أي
44

طرف من كفتي الميزان.
وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع
وأخلاقه العظيمة ودليله القاطع بين معتقده خدمة للحق، فوقف أمامه العامة،
وأبدوا تعصبا ملحوظا تجاهه، وبدل ردهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء
الألفاظ في حقه وأغلظوا معه في القول، حتى بعد عن وطنه عدة مرات.
قال معاصره الأكبر منه سنا ابن النديم: ابن المعلم أبو عبد الله، في عصرنا انتهت
إليه رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر،
شاهدته فرأيته بارعا.
قال ابن أبي طي: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام
والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية،
وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.
قال الشيخ أبو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر
من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.
قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنف على مذهبهم، ومن أصحابه
المرتضى، وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافة
العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.
فهرست ابن النديم: 178، رجال النجاشي: 399 403 ترجمة رقم
1067، تاريخ بغداد: 3 / 231، المنتظم: 8 / 11 12، العبر: 3 / 114
155، مرآة الجنان: 3 / 28. سنة 338 ه‍:
فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنة، ونهبت الكرخ.
45

المنتظم: 6 / 363 364، البداية والنهاية: 11 / 221، شذرات الذهب:
2 / 345.
الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلة باب البصرة وأهلها
سنة، وفي جنوبها المحلة المعروفة بنهر القلائين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلة
تعرف بباب المحول وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.
معجم البلدان: 4 / 448، المنجد: 856.
وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافية نشاهد بوضوح أنها محاصرة بين
عدة مدن يقطنها العامة المتعصبون ضد الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحية عند
وقوع أي اختلاف، فكأن السنة على أهبة الاستعداد يتوقعون الفرص للهجوم على
الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!! سنة 340 ه‍:
فيها: في شهر رمضان وقعت فتنة عظيمة بسبب المذهب.
البداية والنهاية: 11 / 224. سنة 345 ه‍:
فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل أصبهان وأهل قم بسبب المذاهب،
وكان سببها أنه قيل: عن رجل قمي أنه سب بعض الصحابة، وكان من أصحاب
شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون
كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقا كثيرا، ونهب أهل أصفهان
أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل
46

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الأثير أن ركن الدولة غضب
لذلك وأرسل إليها فطرح على أهلها مالا كبيرا.
الكامل في التاريخ: 8 / 517، البداية والنهاية: 11 / 230.
وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معز الدولة، ملك أصفهان سنة
328 ه‍، وملك طبرستان سنة 336 ه‍، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان
حليما كريما، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لرد
المظالم ويتعهد العلويين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من
المحرم سنة 336، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدة إمارته أربعا وأربعين سنة.
نهاية الأرب: 26 / 175 179.
ولا أعلم على أي قانون كانوا يسيرون وعلى أي أسس اعتمدوا، فهل سب
واحد من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كل هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب
الآخرين؟!
وهذا مبني على أن الصحابة كلهم عدول، وأي دليل ينهض على هذا؟ وهل
الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلا؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما
ذكرناه في المقدمة مفصلا حول الصحابة. سنة 346 ه‍:
فيها: في آخر المحرم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال
ابن كثير: في سنة 346 ه‍ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب،
فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعين أي شهر وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون
فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.
المنتظم 6 / 384، البداية والنهاية: 11 / 232.
47

سنة 348 ه‍:
فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع
حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.
المنتظم: 6 / 390، الكامل في التاريخ: 8 / 527، البداية والنهاية: 11 / 234،
شذرات الذهب: 2 / 376.
وباب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق أسماء.
معجم البلدان: 5 / 308. سنة 349 ه‍:
فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حد تعبير ابن الجوزي،
وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة في
القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطلت الجمعة من الغد في جميع المساجد
من الجانبين سوى مسجد براثا فإن الصلاة تمت فيه، ولم ينقل لنا المؤرخون سبب
الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معز الدولة
ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثم قبض معز الدولة على جماعة من أهل
السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على
جماعة من الهاشميين فسكنت الفتنة.
المنتظم: 6 / 394 395، الكامل في التاريخ: 8 / 533، دول الإسلام:
193، البداية والنهاية: 11 / 236، النجوم الزاهرة: 3 / 323، العبر: 2 / 280،
مرآة الجنان: 2 / 342 343، تاريخ الإسلام: 231 حوادث ووفيات 341 ه‍
350 ه‍، شذرات الذهب
48

2 / 379.
والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق
الحراني، جددت عدة مرات.
معجم البلدان: 4 / 406.
ومسجد براثا واقع في محلة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب
محول، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مر بها علي بن أبي طالب عليه السلام
لقتال الحرورية الخوارج بالنهروان وصلى في موضع من الجانب المذكور، وتعرض
هذا المسجد عدة مرات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله
حتى سوى به الأرض، ثم أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.
معجم البلدان: 1 / 362 363.
ومعز الدولة هو: أحمد بن بويه، مر شئ من أخباره في المقدمة في أحوال بني
بويه، استولى على بغداد سنة 334 ه‍ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد
جهز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى
بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع
عشر ربيع الآخر سنة 356 ه‍، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر
شهرا، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثم نقل إلى مشهد بني له في مقابر
قريش.
المنتظم: 7 / 38 39، نهاية الأرب: 26 / 182 192.
وأما سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معز الدولة
بعض الهاشميين كان لإقناع السنة الذين يشكلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدل
على حقانيتهم، ومعز الدولة كان شيعيا ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا
49

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في
المقدمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم. سنة 253 ه‍:
فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب
المذاهب على حد تعبير ابن الأثير، وبسبب السب على حد تعبير ابن كثير، قتل
فيها خلق كثير وجم غفير.
الكامل في التاريخ: 8 / 544، البداية والنهاية: 11 / 241.
وسبب الفتنة أيضا غير واضح، والسب لوحده غير مبرر لهجوم السنة على
الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة. سنة 352 ه‍:
فيها: في اليوم العاشر من المحرم غلقت الأسواق ببغداد، وعطل البيع، ولم يذبح
القصابون، ولا طبخ الهراسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في
الأسواق، وعلقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههن على الحسين،
وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.
وذكر بعض المؤرخين أن هذا كان بأمر معز الدولة، وبعضهم نقله من دون أن
يذكر أنه بأمر أحد.
وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة،
ولأن السلطان معهم.
ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم
50

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل
الملائكة، حتى الجن أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدمة
عن هذا الموضوع.
وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا أول ما نيح عليه،
اللهم ثبت علينا عقولنا.
وما هو مقصوده من: اللهم ثبت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة
العزاء على سيد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول
الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجن؟!!
راجع المقدمة حول هذا الموضوع.
وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية
ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معز الدولة بن بويه، ثم اقتدى به من جاء بعده من
بني بويه وكل منهم رافضي!! خبيث!!
أقول: ألم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه
السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو أول
عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدمة، فمتى صار إحياء ذكرى
الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارئ محاولة بعض
المؤرخين بجعل إقامة المأتم على الحسين إنما كان ابتداؤه زمن معز الدولة!! وهذا
جهل وتعصب منهم، راجع المقدمة الرابعة حول قضية الحسين كي يتبين لك
الأمر.
المنتظم: 7 / 15، الكامل في التاريخ: 8 / 549، مرآة الجنان: 2 / 347، تاريخ
الإسلام: 11 حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، العبر: 2 / 294، دول
الإسلام: 195،
51

البداية والنهاية: 11 / 243، تكملة تاريخ الطبري: 397، شذرات الذهب: 3 / 9،
النجوم الزاهرة: 3 / 334.
وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم عيد غدير خم
أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس إلى مقابر قريش،
وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان
يوما مشهودا.
وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!
وقال ابن كثير: فكان وقتا عجيبا وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!
ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوذ بالله منها، ألم
ينصب رسول الله عليا في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي
مولاه، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل بإكمال الدين بعد
هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليا يوم الغدير واحدا بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئا
لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحق
للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق
الخاصة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيدا، والتفصيل راجع المقدمة
الخامسة حول هذا الموضوع.
المنتظم: 7 / 16، الكامل في التاريخ: 8 / 549 550، مرآة الجنان:
2 / 347، شذرات الذهب: 3 / 9، البداية والنهاية: 11 / 243، تكملة تاريخ
الطبري: 400، تاريخ الإسلام: 12 حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍،
دول الإسلام: 195 196. سنة 353 ه‍:
52

فيها: في العاشر من المحرم عملت الشيعة المأتم على سيد الشهداء الحسين عليه
السلام، وعطلت الأسواق وأقامت النوح، فلما أضحى النهار يومئذ وقعت فتنة
عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنة والشيعة، واقتتلا قتالا
شديدا، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.
المنتظم: 7 / 19، الكامل في التاريخ: 8 / 558، تاريخ الإسلام: 13 حوادث
ووفيات 351 380، البداية والنهاية: 11 / 253، النجوم الزاهرة: 3 / 336.
وقطيعة أم جعفر: محلة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الذي فيه مشهد
موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة أم جعفر
بنهر القلائين، ولعلها اثنتان، وأم جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد
الأمين.
معجم البلدان: 4 / 376.
وهذه هي التعصبات الجاهلية ضد الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها
تسير عليها، وتقيم مأتما على إمامها وتنصب له العزاء في كل سنة، فأي دخل لفرقة
أخرى حتى تمنعها، وأي قانون يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل إقامة العزاء
على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أي إنسان حر الضمير
يقبل هذا؟! سنة 354 ه‍:
فيها: في العاشر من المحرم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيد الشهداء
والنوح واللطم وعطلت الأسواق.
53

وقال الأتابكي: ولم يتحرك لهم السنية خوفا
من معز الدولة ابن بويه.
وكأن المؤرخين يتعجبون كيف تنقضي المراسم من دون تعرض السنة لهم،
فصار المنع جاريا والقتل والنهب عادة، حتى أن المراسم لما تمت بسلام، تذكره أبناء
العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع
سفك دماء الشيعة!!!
وقال ابن كثير: ثم تسلطت أهل السنة على الروافض، فكبسوا مسجدهم
مسجد براثا الذي هو عش الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!
والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها أن هذه السنة أيضا لم تنقض المراسم
بدون قتل ونهب.
المنتظم: 7 / 23، تاريخ الإسلام: 17 حوادث ووفيات 351 380،
النجوم الزاهرة: 3 / 339، البداية والنهاية: 11 / 255.
وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلف لا حاجة
إليه في الإسلام، ولو كان هذا أمرا محمودا لفعله خير القرون وصدر هذه الأمة
وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيرا ما سبقونا إليه، وأهل السنة يقتدون ولا
يبتدعون.
البداية والنهاية: 11 / 255.
ونحن نقول لابن كثير: لو سلمنا لك أن هذا تكلف لا حاجة إليه في الإسلام،
فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.
وأما قوله: لو كان هذا أمرا محدودا لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير
القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلى الله عليه وآله أقام المأتم على
الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار
جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمة أهل البيت في اليوم
54

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدمة.
وأما قوله: وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبرر لقتلهم الشيعة
ونهبهم أموالهم وحرق بيوتهم؟!
وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبي، أو صلاها؟!
ومن أسقط القول بحي على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول الله
وأسقط بعده؟!
ألم يعترفوا بأن السنة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختم باليمين جعلوا
السنة التختم باليسار.
ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
؟!
ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم؟!
ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم؟!
ومن منع المغالاة في صداق النساء؟!
ومن أتم الصلاة بمنى أربعا؟!.
واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوما باسم يوم الغار وفي
مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله
الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!
وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجة أقامت الشيعة مراسم عيد الغدير، ولم
يتحدث التاريخ لنا بشئ حدث فيه.
وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير
خم...
وهو غلط واضح لعله من النساخ، إذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.
55

المنتظم: 7 / 24، البداية والنهاية: 11 / 255. سنة 355 ه‍:
فيها: في العاشر من محرم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه
السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شئ والحمد لله.
وقال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم
الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.
وهنا ابن كثير يتألم كيف انتهت المراسم بسلامة، ولم يقتل السنة الشيعة ولم
يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد
جرح عواطف الشيعة الذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
المنتظم: 7 / 33، البداية والنهاية: 11 / 260، النجوم الزاهرة: 4 / 11. سنة
356 ه‍:
فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرم، ولم ينقل لنا التاريخ
وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.
المنتظم: 7 / 48، مرآة الجنان: 2 / 358، العبر: 2 / 203، تاريخ الإسلام: 37
حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، شذرات الذهب: 3 / 18، البداية
والنهاية: 11 / 262، النجوم الزاهرة: 4 / 14. سنة 357 ه‍:
فيها: في اليوم العاشر من المحرم تمت مراسم العزاء بسلام، والحمد لله.
56

المنتظم: 7 / 43، البداية والنهاية: 11 / 265، النجوم الزاهرة: 4 / 18، الكامل في
التاريخ: 8 / 589، تاريخ الإسلام: 39 حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍.
وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عملت الشيعة مراسم الفرح
والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنة، والحمد لله.
المنتظم: 7 / 43، الكامل في التاريخ: 8 / 589، تاريخ الإسلام: 39 حوادث
ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 265. سنة 358 ه‍:
فيها: في اليوم العاشر من المحرم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن
علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال
ولا فتنة، والحمد لله.
وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...
الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلى هذه الدرجة كي يعبر عن إقامة
المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كل
موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن وأقاموا المأتم على الحسين،
كل هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتما على الحسين، فيا عجبا من أمة تقتل ابن
بنت رسولها وتسمي من يجلس له مأتما ويبكي عليه: شعارا جاهليا!
المنتظم: 7 / 47، الكامل في التاريخ: 8 / 600، تاريخ الإسلام: 43 حوادث
ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 266، النجوم الزاهرة:
4 / 25.
وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار
الفرح بيوم عيد الغدير الأغر، ولم يتعرض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.
57

المنتظم: 7 / 47، البداية والنهاية: 11 / 266، النجوم الزاهرة: 4 / 25، تاريخ
الإسلام: 43 حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍. سنة 359 ه‍:
فيها: في العاشر من المحرم تمت مراسم العزاء من دون منع وتعرض، والحمد
لله.
وقال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....
وقال الأتابكي: أقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....
وهنا أيضا لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم
يسلم من المؤرخين!
المنتظم: 7 / 51، تاريخ الإسلام: 45 حوادث ووفيات 351 ه‍
380 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 267، النجوم الزاهرة: 4 / 56. سنة 360 ه‍:
فيها: في يوم العاشر من المحرم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل
التاريخ حدوث فتنة أو تعرض، والحمد لله.
قال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الرافضة بدعتهم المحرمة....
ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرمة غير قوله تعالى: " في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا ".
المنتظم: 7 / 53، النجوم الزاهرة: 4 / 57، تاريخ الإسلام: 47 حوادث
ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍.
58

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة
عيد الغدير الأغر، ولم يحدث شئ من القتل والنهب، والحمد لله.
تاريخ الإسلام: 47 حوادث ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، النجوم الزاهرة:
4 / 57. سنة 361 ه‍:
فيها: في يوم العاشر من المحرم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد
الشهداء، ولم يحدث شئ، وله الحمد والمنة.
قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....
وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.
ومرة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرخين
الجارحة!.
المنتظم: 7 / 75، النجوم الزاهرة: 4 / 62، تاريخ الإسلام: 245 حوادث
ووفيات 351 ه‍ 380 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 271.
وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيارون
وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أن العامة لما تجهزت للغزاة
وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق أهل السنة دور الشيعة في
الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفير، وجرى
بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي
وعداوة.
الكامل في التاريخ: 8 / 619، البداية والنهاية: 11 / 271.
والنقيب أبو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن
موسى بن جعفر، ولد سنة 304 ه‍، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب
والأوحد،
59

ولاه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكنه القادر بالله، ولي النقابة عدة مرات، توفي
سنة 400 ه‍ عن سبع وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثم
نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.
المنتظم 7 / 247، الكامل في التاريخ: 9 / 182.
والوزير أبو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيرا لعز الدولة،
وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة 363 ه‍ وعمره تسع
وخمسون سنة.
وهنا تلاحظ بوضوح أن السنة تحركت ضد الشيعة لما تجهزت للغزاة، فلما
أحست السنة بالقوة وكثرة الجمع والتجهز بالسلاح، حملوا على الشيعة، وأحرقوا
دورهم بالكرخ، فهم على استعداد كامل للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى
حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كل ما لديهم من قوة ضد الشيعة، وكأنهم يهود
أو نصارى، كلا حتى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير
من معاملتهم مع الشيعة!. سنة 362 ه‍:
فيها: في العاشر من المحرم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:
فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح
وغلق الأسواق كما تقدم قبلها.
وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على
المسلمين من الروم، وكان عز الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين
ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنة، فمنهم من ذلك.
60

البداية والنهاية: 11 / 273، النجوم الزاهرة: 4 / 65.
وما ذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كر
وفر؟! ولكن التعصب ضد الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنة
يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممر العصور مظلومون من قبل الحكام
والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنة تتضاعف
أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعز الدولة كان قد أعطى للشيعة نوعا
من الحرية، ففي غيابه أبدت السنة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعللوه
بما جرى على المسلمين من الروم!!!.
وعز الدولة هو أبو منصور بختيار بن معز الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده
من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرم سنة 344 ه‍، وبايع له الأجناد، جلس
في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة
356 ه‍، قتل في الثامن عشر من شوال سنة 367 ه‍ بعد أن أسره عضد الدولة
ابن محمد وأمر بقتله.
نهاية الأرب 26 / 194 210.
وسبكتكين هو حاجب معز الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك
وطوقه ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.
شذرات الذهب: 3 / 48.
وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلا من العامة فمات، فثارت عليه العامة
وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل دارا فأخرجوه مسجونا وقتلوه وحرقوه،
فركب الوزير أبو الفضل الشيرازي وكان شديد التعصب للسنة وبعث
حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور
والأموال، من
61

ذلك ثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا وسبعة عشر ألف إنسان، فعند ذلك
عزله بختيار عن الوزارة.
البداية والنهاية: 11 / 273.
فصاحب المعونة يضرب رجلا من العامة لا نعلم سببه، وهو لا يقصد قتله،
لكنه قد مات، فهرب صاحب المعونة واختفى في بيت، فأخرج وقتل، فإذا كان
جزاؤه القتل لأنه قتل فقد قتل، لكن العامة لا تكتفي بهذا، بل أحرقوا دور الشيعة
في الكرخ، وطرقت سمعك الإحصائيات المدهشة الناشئة عن هذا الحريق!! أليس
هذا هو التعصب بحقيقته؟!. سنة 363 ه‍:
فيها: في العاشر من المحرم أقامت الشيعة المأتم على الحسين عليه السلام.
وقال ابن كثير:... عملت البدعة الشنعاء!.
البداية والنهاية: 11 / 275.
وفيها: قويت السنة على الشيعة، وكانت السنة تنادي بشعار سبكتكين
والأتراك، والشيعة تنادي بشعار عز الدولة والديلم، واتصلت الحروب، وكبس أهل
السنة المنازل وأحرقوا الكرخ حريقا ثانيا!!!.
البداية والنهاية: 11 / 275، 7 / 68.
ولا أعلم في أي وقت تقوى السنة على الشيعة، وهل أعطوا للشيعة حتى فرصة
الدفاع عن النفس ومواجهة الاتهامات الواردة عليها والافتراءات؟.
وفيها: كما قال ابن كثير: وقعت فتنة عظيمة ببغداد بني أهل السنة والرافضة،
ذلك أن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة وسموها عائشة، وتسمى بعضهم بطلحة
62

وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي!!! فقتل بسبب ذلك من الفريقين
خلق كثير.
البداية والنهاية: 11 / 275.
لما يصل مؤرخو السنة إلى أمثال هذه الأفاعيل الشنيعة التي تمس شخصية علي
ابن أبي طالب، وتجرح قلوب الشيعة، والمقصود من ورائها الفتنة لا غير، يذكرون
الحدث ويمروا عليه مر الكرام، وأما مراسم عاشوراء والغدير، فالعامة يستعملوا
أشنع الألفاظ مقابل الشيعة لأجل إحيائها هذين المناسبتين، فالبدعة الشنيعة...
والصلعاء... وشعار الجاهلية، والسنة القبيحة، و... فأين ذهب الإنصاف يا
ترى... وأين العدالة التي ينادون بها بأعلا أصواتهم؟!. سنة 366 ه‍:
فيها: كما قال الأتابكي: عمل في الديار المصرية المأتم في يوم عاشوراء على
الحسين بن علي رضي الله عنهما وهو أول ما صنع ذلك بديار مصر،
فدامت هذه السنة القبيحة! سنين إلى أن انقرضت دولتهم.
النجوم الزاهرة: 4 / 126. سنة 367 ه‍:
فيها: كما قال ابن الجوزي: دخل عضد الدولة إلى بغداد وقد هلك أهلها قتلا
وحرقا وجوعا، للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء
القصاص، يغرون بعضهم ببعض، ويحرضونهم على سفك دمائهم وأخذ أموالهم،
فنادى في البلد: لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل بأحد من
63

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن
خالف فقد أباح دمه.
المنتظم: 7 / 88.
وقال ابن كثير: وقيل لعضد الدولة: إن أهل بغداد قد قلوا كثيرا بسبب
الطاعون، وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنة، وأصابهم حريق وغرق،
فقال: إنما يهيج الشر بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ...
البداية والنهاية: 11 / 289. سنة 369 ه‍:
فيها: في صفر قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي، نقيب
الطالبيين، وقد كان أمير الحج مدة سنين، اتهم بأنه يفشي الأسرار، ووجدوا كتابا
بخطه في إفشاء الأسرار، فأنكر أنه خطه، وكان مزورا عليه، وعزل عن النقابة،
وكان مظلوما.
البداية والنهاية: 11 / 295.
والذي يظهر للمتأمل: أن أهل السنة زوروا عليه هذا الكتاب لما وجدوه مقربا
عند بني بويه ونفوذ أمره ودفاعه عن التشيع والشيعة. سنة 371 ه‍:
فيها: في ربيع الأول وقع حريق بالكرخ من حد درب القراطيس إلى بعض
البزازين من الجانبين، وأتى على الأساكفة والحذائين، واحترق فيه جماعة من الناس،
وبقي لهبه أسبوعا.
64

المنتظم: 7 / 107 108، تاريخ الإسلام: 471 472 حوادث ووفيات
351 ه‍ 380 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 297.
والكرخ هي مقر الشيعة ومسكنهم كما ذكرناه سابقا، ولم يذكر لنا
المؤرخون سبب هذا الحريق المهيب. سنة 372 ه‍:
فيها: أطلق شرف الدولة عن الشريف أبي الحسين محمد بن عمر العلوي
والنقيب أبي أحمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى، وكان عضد الدولة
حبسهم.
الكامل في التاريخ: 9 / 22 23.
وشرف الدولة هو ابن عضد الدولة، نفذ أمره بين خراسان والموصل وديار
بكر والعراق ومدن أخرى، وكانت إمارته ست سنين وسبعة أشهر، ملك فيها
بغداد سنتين، وكان يحب الخير، توفي ببغداد في مستهل جمادى الآخرة سنة
379 ه‍ وقيل في ثانيه، وكانت علته الاستسقاء.
نهاية الأرب: 26 / 233 234. سنة 379 و 380 ه‍:
فيهما: اشتد البلاء وعظم الخطب في بغداد، وزاد أمر العيارين في جانبي بغداد،
ووقعت بينهم حروب وعظمت الفتنة، واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة،
وصار في كل حزب أمير وفي كل محلة متقدم، وقتل طائفة ونهبت الأموال وتواترت
الفتن وأحرق بعضهم دور بعض، ووقع حريق في نهر الدجاج احترق فيه
65

شئ كثير للناس، وتوسط الشريف أبو أحمد الموسوي الأمر.
المنتظم: 7 / 153، تاريخ الإسلام: 487 حوادث ووفيات 351 ه‍
380 ه‍، العبر: 3 / 10 11، البداية والنهاية: 11 / 308.
وباب البصرة: تكون بين شرق الكرخ وقبلتها، وأهلها كلهم سنة.
ونهر الدجاج: محلة ببغداد قرب الكرخ من الجانب الغربي وأهلها شيعة. معجم
البلدان: 4 / 448، و 5 / 320. سنة 381 ه‍:
وفيها: في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير على حد تعبير ابن
الجوزي، واليوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو يوم عيد الغدير على حد تعبير ابن
كثير، جرت فتنة بين أهل الكرخ الشيعة وباب البصرة السنة، واقتتلوا، فقتل منهم
خلق كثير، واستظهر أهل باب البصرة، وحرقوا أعلام السلطان، فقتل جماعة اتهموا
بفعل ذلك وصلبوا على القناطر ليرتدع أمثالهم.
وقال ابن الأثير: وفيها كثرت الفتن بين العامة ببغداد وزالت هيبة السلطان
وتكرر الحريق في المحال واستمر الفساد.
المنتظم: 7 / 163 164، الكامل في التاريخ: 9 / 91، البداية والنهاية:
11 / 309.
وما ذكره ابن الجوزي من كون عيد الغدير في اليوم الثاني عشر من ذي
الحجة، وابن كثير من كونه في اليوم الثالث عشر منه، معلوم فساده، لقيام الإجماع
على كونه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة.
66

سنة 382 ه‍:
فيها: استولى الوزير أبو الحسن ابن المعلم على أمور السلطان بهاء الدولة كلها
ببغداد، ومنع الشيعة من أهل الكرخ وباب الطاق من إقامة العزاء والنوح في يوم
العاشر من المحرم على الحسين الشهيد بعد أن كان يقام من ثلاثين سنة.
المنتظم: 7 / 167 168، مرآة الجنان: 2 / 415، البداية والنهاية:
11 / 311، شذرات الذهب: 3 / 102، تاريخ الإسلام: 12 13 حوادث
ووفيات 381 400 ه‍، العبر: 3 / 20، دول الإسلام: 207، النجوم الزاهرة:
4 / 162.
وأبو الحسن ابن المعلم هو علي بن محمد الكوكبي، استولى على أمور بهاء
الدولة في بغداد سنة 382 ه‍، وشغب الجند وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن
يسلم إليهم ابن المعلم، وصمموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك اختر
بقاءه أبو بقاءك، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه، فما زالوا به حتى قتلوه.
مرآة الجنان: 2 / 415، شذرات الذهب: 3 / 102، العبر: 3 / 20.
وفي دول الإسلام عندما ذكر ابن المعلم هذا، ذكر المحقق في الهامش: أي
الشيخ المفيد، وهو غلط واضح ناشئ عن قلة معرفة والتباس.
وقال ابن كثير: في عاشر محرم أمر الوزير... بأن لا يفعلوا شيئا من تلك
البدع... ولله الحمد، وقد كان هذا الرجل من أهل السنة.
والحمد لله على كل حال حسن، ولكن رب كلمة حق أريد بها باطل، فسنين
قلائل تمكن الشيعة آنذاك من إقامة مراسم العزاء وبهدوء، لكن لم يتمكن أن يرى
العامة هذا، وسعوا بكل ما بوسعهم لأجل منع العزاء، وأنهم وإن تمكنوا في بعض
السنين من منع إقامة المراسم، لكن هذا الشعار دام في أنحاء العالم وسيدوم إن شاء
الله تعالى.
67

وفيها: في شوال تجددت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم، واشتد الحال، فركب
أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب، فقتل وصلب، فسكن البلد.
الكامل في التاريخ: 9 / 94. سنة 384 ه‍:
فيها: في صفر قوي أمر العيارين، واتصل القتال بين الكرخ وباب البصرة،
واحترق كثير من المحال، وظهر العيار المعروف بعزيز البابصري، واستفحل أمره،
والتحق به كثير من الذعار والمؤذين، وطرح النهار في المحال، ثم صالح أهل الكرخ،
فنهض السلطان وتفرغ لهم، فهربوا في الظاهر.
المنتظم: 7 / 174، تاريخ الإسلام: 17 حوادث ووفيات 381 ه‍
400 ه‍، النجوم الزاهرة: 4 / 167، العبر: 3 / 24، الكامل في التاريخ: 9 / 106.
وظاهرا المراد من البابصري: الباب بصري، نسبة إلى باب بصرة، وفي كثير من
المصادر: عزيز من باب البصرة. سنة 386 ه‍:
فيها: في شهر محرم ادعى أهل البصرة أنهم كشفوا عن قبر عتيق، فإذا هم بميت
طري عليه ثياب وسيفه، فظنوه الزبير بن العوام، فأخرجوه وكفنوه ودفنوه بالمربد
بين الدربين، وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء، وجعل الموضع مسجدا، ونقلت
إليه قناديل وآلات وحصر وفرش وتنوير، وجعل عنده خدام وقوام، ووقف عليه
أوقاف كثيرة.
المنتظم: 7 / 187، تاريخ الإسلام: 19 حوادث ووفيات 381 ه‍
400 ه‍،
68

البداية والنهاية: 11 / 319، النجوم الزاهرة: 4 / 174.
والزبير فهو ابن العوام بن خويلد الأسدي القرشي أبو عبد الله، صحابي، كان
من المؤلبين على عثمان ومن الذين أنكروا عليه وأغلظ له في القول، حتى أن عثمان
أرسل إليه سعيد بن العاص فقال له: إن عثمان ومن معه قد مات عطشا، فقال
الزبير: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون... " الآية، وبعد أن تمت البيعة لأمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب عليه السلام وبيعة الزبير له استأذن هو وطلحة من علي عليه
السلام في العمرة... عزما منهما على نكث البيعة ورغبة في اللحوق بعائشة، تأميلا
لبلوغ الرئاسة وطمعا في الدنيا... فخوفهما أمير المؤمنين الغدر والنكث، فجددا
عهدا ثانيا، وأذن لهما، فسارا، ولما وصلا مكة ناشدا الناس دم عثمان، فاجتمع
إليهما من أجاب عائشة، فمضوا جميعا إلى البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه
السلام، فلما انتهى إليهم علي عليه السلام دعاهم إلى الله وإلى كتابه وسنة نبيه
والدخول في الجماعة وخوفهم الفتنة، وأكثر من النصح والتذكار، ولا جواب من
القوم إلا القتال أو خلع نفسه من الأمر ليولوه من شاؤوا، فأذن عليه السلام
لأصحابه في القتال، فلم يكن إلا قليلا حتى انهزم أصحاب الجمل وقتل طلحة
والزبير، قتل الزبير ابن جرموز بوادي السباع سنة 36 ه‍.
ووادي السباع: بين البصرة ومكة، بينه وبين البصرة خمسة أميال على حد
تعبير الحموي، وسبع فراسخ على حد تعبير بعض المؤرخين.
وأما المربد: فهو من أشهر أحياء البصرة، كان قديما سوقا للإبل، ثم صار محلة
عظيمة سكنها الناس، وبها كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء، وهو بائن
عن البصرة، بينهما نحو ثلاثة أميال.
تاريخ الواقدي كما عنه في تقريب المعارف، تهذيب ابن عساكر: 5 / 355،
69

صفة الصفوة: 1 / 132، حلية الأولياء: 1 / 89، الأعلام: 3 / 43، معجم البلدان:
5 / 98 و 343، المنجد: 649.
وأما كشفهم عن قبر عتيق..!! فنحن نشك في أصل وجود هذه المسألة، فضلا
عن من هو الميت، فإن في تلك الفترة من الزمن كان السنة شديدوا التعصب ضد
الشيعة، حتى أنهم لما لم يتمكنوا من منع الشيعة من إقامة العزاء في يوم العاشر من
المحرم على سيد الشهداء الحسين عليه السلام جعلوا في مقابله اليوم الثامن عشر من
المحرم وقالوا: فيه قتل مصعب بن الزبير، وعملوا من المصاب والنوح مثل ما تعمله
الشيعة يوم عاشوراء، وسيأتي تفصيل أكثر عن هذه الموضوع في أحداث سنة
389 ه‍.
وما ادعوه من الكشف عن قبر عتيق... وأنه قبر الزبير! من هذا القبيل، ليكون
في مقابل المشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت التي تزورها الشيعة، وهذا هو التعصب
الأعمى لا غير.
وبين مقتل الزبير وبين هذا القبر مسافة غير قليلة، فهل قتل في مكان ودفن في
آخر، أم الذين أخرجوه من مكانه دفنوه في غير المكان الذي وجدوه فيه؟!.
وقال الذهبي بعد سرد القصة: فالله أعلم من ذلك الميت!.
تاريخ الإسلام: 19 حوادث ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍. سنة 389 ه‍:
فيها: في العاشر من المحرم عملت الشيعة المأتم على الحسين الشهيد عليه
السلام، ولم يحدث شئ، والحمد لله.
وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجة عملت الشيعة مجالس الفرح بعيد
70

الغدير الأغر، ولم يحدث شئ، وله الحمد.
دول السلام: 209، البداية والنهاية: 11 / 325 326، الكامل في التاريخ:
9 / 155، العبر: 3 / 42 43، شذرات الذهب: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 25
حوادث ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍.
وقال الذهبي: وتمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء...
وبنصب القباب والزينة وشعار الأعياد يوم الغدير...
العبر: 3 / 42.
وهذا تعبير جديد آخر عن مراسم عاشوراء والغدير، وهو: تمادت الرافضة في
غيهم... وكم أمثال هذه التعابير تتكرر في هذا البحث، أفلا يحق لنا أن نقول: أن
وراء هذا أحقاد دفينة، بدرية وحنينية؟!.
وقال ابن كثير: أرادت الشيعة أن يصنعوا.. يوم عيد غدير خم، وهو اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة فيما يزعمونه!.
البداية والنهاية: 11 / 325.
وهنا يشكك ابن كثير في كون يوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من ذي
الحجة، وهذا التشكيك في غير ملحة، لقيام الإجماع على كونه في هذا اليوم، حتى
من ابن كثير نفسه في غير هذا الموضوع من كتابه.
وفيها: عمل أهل باب البصرة في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرم
وقال ابن كثير: اليوم الثاني عشر مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء، وقالوا هو
يوم قتل مصعب بن الزبير، وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين عليه السلام،
ونظروه بالحسين، وقالوا إنه صبر وقاتل حتى قتل، وأن أباه ابن عمة النبي كما أن
أبا الحسين ابن عم النبي.
71

المنتظم: 7 / 206، البداية والنهاية: 11 / 325 326، الكامل في التاريخ:
9 / 155، العبر: 3 / 42 43، شذرات الذهب: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 25
حوادث ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍.
ومصعب هو ابن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القري، أبو عبد، نشأ بين
يدي أخيه عبد الله بن الزبير، وولاه البصرة سنة 67 ه‍، فقصدها وضبط أمورها
وقتل المختار الثقفي الذي قام لأخذ ثأر الحسين الشهيد، ثم عزله عبد الله عنها،
وأعاده في أواخر سنة 68 ه‍ وأضاف إليه الكوفة، وتجرد عبد الملك بن مروان
لقتاله، فسير إليه الجيوش، فكان مصعب يفلها، حتى خرج إليه عبد الملك بن مروان
بنفسه، فلما دخل العراق راسل قواد جيش مصعب وأصحابه فخذلوه، وشد عليهم
جيش عبد الملك فهزموا جيشه وأثخن مصعب، فنظر إليه زائدة بن قدامة، فحمل
عليه وطعنه وهو يقول: يا لثارات المختار، ونزل إليه رجل يقال له عبيد الله بن زياد
بن ظبيان فقتله وحز رأسه، وأتى به عبد الملك، فأطلق له ألف دينار، فأبى أن
يقبلها، وقال: لم أقتله على طاعتك، ولكن بثأر كان لي عنده.
وبعض ذهب وهم الأكثر إلى أنه قتل سنة 71 ه‍، والبعض إلى أنه سنة
72 ه‍.
ومسكن بفتح الميم وكسر الكاف: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند
الجاثليق.
تاريخ الطبري: 6 / 151 162، البداية والنهاية: 8 / 314 316، معجم
البلدان: 5 / 127، تاريخ بغداد: 13 / 105، الطبقات الكبرى: 5 / 135، الأعلام:
7 / 248.
أقول: أهل السنة لهم طرق متعددة لفناء آثار الشيعة والتشيع، فهم يحاولون محو
واقعة الطف من أساسها، وقتل ونهب من يريد إحياء هذه الذكرى، فإذا لم تمكنهم
الفرصة من ذلك شرعوا بإلقاء الاتهامات والتشكيكات في الواقعة والتشويه
72

ليبعدوا الشيعة عنها، فإذا لم يتمكنوا أيضا اخترعوا في مقابلها مماثلا، لئلا يختص
الشيعة بها، وهذا المماثل يأتون به وإن كان كذبا وبهتانا، فقد صرح الطبري في
تاريخه: 6 / 162: أن قتل مصعب كان في جمادى الآخرة، فهم يجعلوه في محرم
وبعده بثمانية أيام، لتكون الحادثة الثانية قريبة من الأولى، ولا يبعد وقتها فلا تكون
في مقابل الأولى.
أوليس هذا هو التعصب الجاهلي الطائفي بعينه؟!.
وهذه المقابلة ليست هي أول مقابلة ضد الشيعة، بل سبقتها مقابلات كثيرة،
أولها: قلب أحاديث الفضائل لأمير المؤمنين عليه السلام التي لم يتمكنوا من إمحائها
أو تحريفها لشهرتها. فكتب معاوي إلى عماله في جميع الآفاق:... ولا تتركوا خبرا
يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا
أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته!!.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11 / 45 نقلا عن المدائني في كتاب
الأحداث.
فمن الأحاديث المقلوبة التي قوبلت بها الأحاديث الصحيحة في فضائل أمير
المؤمنين وأهل بيته:
حديث: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، قال ابن أبي الحديد: فإنهم
وضعوه في مقابل حديث الإخاء.
وحديث سد الأبواب، قال ابن أبي الحديد: قلبه البكرية إلى أبي بكر شرح نهج
البلاغة: 11 / 49.
وقلبوا حديث المنزلة لعلي عليه السلام بحديث: أو بكر وعمر مني بمنزلة
73

هارون من موسى.
وقلبوا حديث المباهلة الذي هو صريح بعلي وأهل بيته، فجعلوه في أبي بكر
وولده وعمر وولده وعثمان وولده وعلي وولده.
وقلبوا حديث: الحسن والحسين سيدا أهل الجنة، بحديث: (هذان أبو بكر
وعمر) سيدا كهول أهل الجنة.
ومن أراد التفصيل حول هذا الموضوع وبيان أدلته الكاملة، فعليه بكتاب
شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص، لمير حامد حسين، توجد نسخته في
الهند بخط المؤلف، وعنها مصورة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي في قم، وكتاب
العبقات له أيضا، وكتاب الغدير للعلامة الأميني، ومقالة باسم: أحاديث مقلوبة في
مناقب الصحابة نشرت في مجلة تراثنا للسيد علي الميلاني، وكتاب منهج في الانتماء
المذهبي لصائب عبد الحميد.
وفيها: عمل أهل باب البصرة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة
عظيمة وفرحا كثيرا وعيدا، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من
ذي الحجة، وذلك مقابلة للشيعة، وادعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار،
وذلك بعد ثمانية أيام من يوم غدير خم، وكان ابتداء ما عمل يوم الغار يوم الجمعة،
وأقامت السنة هذا الشعار زمنا طويلا.
الكامل في التاريخ: 9 / 155، المنتظم: 7 / 206، البداية والنهاية: 11 / 325
326، العبر: 3 / 42 43، شذرات الذهب: 3 / 130، تاريخ الإسلام: 25
حوادث ووفيات 381 ه‍، 400 ه‍.
أقول: لا أعلم ما هو سر الثمانية أيام؟ حتى يلتزموا بها ويجعلوا بعد يوم
عاشوراء بثمانية أيام يوم مقتل مصعب، وبعد يوم الغدير بثمانية أيام يوم الغار؟!.
74

ويوم الغار معلوم لدى الكل حتى من ليس له معرفة بالتاريخ أنه لم يكن في
ذي الحجة، بل إما أواخر صفر أو أوائل ربيع الأول، لأنه في هجرة رسول الله من
المدينة إلى مكة، والهجرة لم تقع في ذي الحجة.
فلم هذا التعصب ضد الشيعة؟!
وانظر إلى شدة التعصب حتى جرهم إلى إنكار المسلمات وتحريف التأريخ.
قال ابن كثير: فإن هذا (أي: يوم الغار) إنما كان في أوائل ربيع الأول من أول
سني الهجرة، فإنهما أقاما فيه ثلاثا، وحين خرجا منه قصدا المدينة فدخلاها بعد
ثمانية أيام أو نحوها، وكان دخولهما المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول،
وهذا أمر معلوم مقرر محرر.
البداية والنهاية: 11 / 325 326.
وقال الذهبي: وهذا (أي: كون يوم الغار هو 26 من ذي الحجة) جهل
وغلط، فإن أيام الغار إنما كانت لأيام بقين من شهر صفر وفي أول ربيع الأول.
العبر: 3 / 42 43.
وقال ابن كثير بعد نقله لما عملته السنة في مقابل الشيعة: وهذا من باب مقابلة
البدعة ببدعة مثلها، ولا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة.
البداية والنهاية: 11 / 326.
ونحن نقول: بل هو من باب مقابلة السنة بالبدعة، لا البدعة ببدعة مثلها كما
ذكره ابن كثير.
وأما يوم الغار، وهل هو فضيلة لأبي بكر أم لا؟ فننقل ما ذكره الشيخ المفيد
رضوان الله عليه من الأدلة على عدم الفضيلة، بل القضية هي العكس.
ذكر الطبرسي: أن الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي حدث بالرملة في
75

شوال سنة 423 ه‍، عن الشيخ الميد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه
الله أنه قال:
رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق، فرأيت حلقة
دائرة فيها ناس كثير.
فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت من هو؟
فقالوا: عمر بن الخطاب.
ففرقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم
أحصله.
فقطعت عليه الكلام وقلت: أيها الشيخ: أخبرني ما وجه الدلالة على فضل
صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قوله الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في
الغار "؟
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أبا بكر، فجعله
ثانيه، فقال: " ثاني اثنين إذ هما في الغار ".
والثاني: أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد، لتأليفه بينهما، فقال: (إذ هما
في الغار ".
والثالث: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال:
" إذ يقول لصحابه ".
والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورفقه به
لموضعه عنده، فقال:
76

" لا تحزن ".
والخمس: أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء، ناصرا لهما ودافعا عنهما،
فقال: (إن الله معنا ".
والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لم تفارقه السكينة قط، فقال: " فأنزل الله سكينته عليه ".
فهذه ستة مواضع تدل على فضائل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك
الطعن فيها.
فقلت له حبرت بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه، وإني بعون الله سأجعل
جميع ما أتيت به " كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ".
أما قولك: إن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل أبا بكر
ثانيه.
فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كان اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن
نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد
طائلا تعتمده!!.
وأما قولك: إنه وصفهما بالاجتماع في المكان.
فإنه كالأول، لأنه المكان يجمع المؤمن والكافر، كما يجمع العدد المؤمنين
والكفار.
وأيضا فإن مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف من الغار، وقد جمع
المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عز وجل: " فما للذين كفروا قبلك
مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ".
وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة، والكلب.
والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
77

وأما قولك: إنه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين،
لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: " قال له
صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ".
وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من
كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم فقال الله عز وجل: " وما أرسلنا من
رسول إلا بلسان قومه " أنهم سموا الحمار صاحبا، فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا قد سموا الجماد مع الحي صاحبا، قالوا ذلك في السيف شعرا:
زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني: السيف.
فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين
الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك فيه؟!
وأما قولك: إنه قال: (لا تحزن ". فإنه وبال عليه ومنقصة له ودليل على
خطئه، لأن قوله: (لا تحزن " نهي وصورة النهي قول القائل: لا تفعل لا يخلو
أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة، فإن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم لا ينهى عن الطاعات، بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان
معصية، فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه،
بدليل أنه نهاه.
وأما قولك: إنه قال: " إن الله معنا "، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد
أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: " إنا نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون ".
وقيل أيضا في هذا: إن أبا بكر قال: يا رسول الله حزني على أخيك علي بن
78

أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تحزن إن الله
معنا "، أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأما قولك: إن السكينة نزلت على أبي بكر.
فإنه ترك للظاهر، لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود، وكذا
يشهد ظاهر القرآن في قوله: " فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها "، فإن
كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبي صلى
الله عليه وآله وسلم من النبوة.
على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأن الله تعالى أنزل
السكينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موضعين كان معه قوم مؤمنين
فشركهم فيها، فقال في أحد الموضعين: " فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى "، وقال في الموضع الآخر: " أنزل الله سكينته على
رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ".
ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال: " فأنزل الله سكينته عليه "
، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من
المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان.
فلم يحر جوبا، وتفرق الناس، واستقيظت من نومي.
الإحتجاج: 2 / 325 329، ومن أراد التفصيل فليراجع الطرائف: 407.
وفيها: قلد بهاء الدولة النقيب أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي
والمرتضى نقابة العلويين بالعراق، وقضاء القضاة، والحج، والمظالم، وكتب عهده
بذلك من شيراز، ولقب الطاهر ذا المناقب، فأمتنع الخليفة القادر من تقليده قضاء
القضاة، وأمضى ما سواه.
79

الكامل في التاريخ: 9 / 182.
وفي البداية والنهاية: 11 / 333، والنجوم الزاهرة: 4 / 210 أن هذا حدث في
سنة 394 ه‍.
وبهاء الدولة هو: أبو نصر خسرو فيروز بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن
بويه، ملك بعد وفاة أخيه شرف الدولة في جمادي الآخرة سنة 379 ه‍، ملك
بغداد وفارس وخوزستان وكرمان وغيرها، وتوفي بأرجات في عاشر جمادى
الآخرة سنة 403 ه‍، وكان مرضه تتابع الصرع، حمل إلى مشهد علي عليه
السلام.
نهاية الأرب: 26 / 234 243.
كل ما كان يعمله الحكام من آل بويه لم يكن للخليفة سوى الخضوع
والإمضاء، فلما وصل الأمر إلى تولية عالم شيعي لمنصب مهم، ألا وهو قضاء
القضاة، امتنع الخليفة ولم يمضه، ولم يتكلم بهاء الدولة بشئ!!!. سنة 392 ه‍:
فيها: زاد أمر العيارين والفاسد ببغداد، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا
علي إلى العراق ليدبر أمورها، فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، فزينت
له بغداد خوفا منه، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب، فمنع أهل الكرخ يوم
عاشوراء من إقامة العزاء على الحسين الشهيد، ومنع أهل باب البصرة من زيارة قبر
مصعب.
ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الشيعة عن البلد.
المنتظم: 7 / 219 220، و 252 253، تاريخ الإسلام: 225 226
حوادث ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍، النجوم الزاهرة: 3 / 51 52.
80

وعميد الجيوش هو الحسن بن أبي جعفر أستاذ هرمز، ولد سنة 350 ه‍، ولاه
بهاء الدولة تدبير العراق، فبقي واليا على العراق ثمان سنين وسبعة أشهر واحد عشر
يوما، توفي سنة 401 ه‍.
المنتظم: 7 / 252 253.
وابن المعلم هو الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ولم تذكر لنا المصادر
سبب تبعيد الشيخ المفيد، ويظهر لمن تأمل في حياة الشيخ المفيد أنه كان بعيدا عن
الأحداث والفتن، فلم شملته هذه المرة؟ السبب غير واضح.
يقول مارتن:... فإقامة مثل هذه المراسيم في تلك الأيام الأربعة يوم
عاشوراء والغدير والغار ومقتل مصعب هي التي أسفرت عن بروز الاختلافات
بين الشيعة والسنة ووقوع الاشتباكات في أوساطهم، وبلغت الاشتباكات حدها
بين الشطار سنة 392 ه‍ / 1003 م، فكلف الحاكم البويهي في العراق بإخماد
نارها،....
وقال أيضا: لا يبدو لابن المعلم ضلعا في تلك الأحداث، بل بما أن تدابير
صارمة قد اتخذت ضد السنة من خلال منعهم من إقامة مراسيمهم وتمت معاقبة
بعض الأتراك الذين كانوا يؤيدون تلك التوجهات، لذلك قام الحاكم المذكور
بإبعاد زعيم الشيعة مؤقتا كي يثبت حيادة للجميع.
نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 45 46.
فبناء على تحليله يكون الشيخ المفيد قد راح ضحية تثبيت حياد الحاكم
للجميع!!!. سنة 393 ه‍:
فيها: منع عميد الجيوش أهل الكرخ وباب الطاق من إقامة مراسم عاشوراء
81

من البكاء والنوح فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما
نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير.
وباب الشعير: محلة ببغداد فوق مدينة المنصور، وأهلها سنة.
المنتظم: 7 / 222، تاريخ الإسلام: 227 حوادث ووفيات 381 ه‍
400 ه‍، النجوم الزاهرة: 4 / 206، البداية والنهاية: 11 / 332، معجم البلدان:
1 / 308.
وقال ابن الأثير: وفيها اشتدت الفتنة ببغداد، وانتشر العيارون والمفسدون،
فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمره،
فوصل إلى بغداد فزينت له وقمع المفسدين ومنع السنة والشيعة من إظهار مذاهبهم
ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الإمامية، فاستقام البلد.
الكامل في التاريخ: 9 / 178.
ويظهر لمن تأمل في نص ابن الأثير هذا، وفي أحداث السنة الماضية 392 ه‍)
أن الحادثة واحدة، والاختلاف في سنة وقوعها. سنة 398 ه‍:
فيها: كما قال الأتابكي: في يوم عاشوراء عمل أهل الكرخ ما جرت به العادة
من النوح وغيره، واتفق يوم عاشوراء يوم المهرجان، فأخره عميد الجيوش إلى اليوم
الثاني مراعاة لأجل الرافضة.
هذا ما كان ببغداد، فأما مصر، فإنه كان يفعل بها في يوم عاشوراء من النوح
والبكاء والصراخ وتعليق المسوح أضعاف ذلك، لا سيما أيام خلفاء مصر بني
عبيد، فإنهم كانوا أعلنوا الرفض....
النجوم الزاهرة: 4 / 218.
82

وسيأتي عن قريب شرح حال الدولة الفاطمية والتي أسسها أبو محمد عبيد الله
وبنوه.
وفيها: في يوم الأحد عاشر رجب ثارت فتنة هائلة في بغداد بين السنة والشيعة
في الكرخ، وقطيعة الربيع.
وكان بداية الفتنة: أن قصد بعض الهاشميين من بني العباس من أهل باب
البصرة، قصد أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد المعروف بابن المعلم فقيه
الشيعة في مسجده بدرب رياح، فآذاه ونال منه وتعرض به تعرضا امتعض منه
أصابه.
فسار أصحابه واستنفروا أهل الكرخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن
الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليوقعوا بهم، فهربوا.
فحميت الفتنة، واشتد القتال.
وفي 29 رجب يوم الجمعة جمع القضاة والفقهاء وأحضروا مصحفا ذكروا
أنهم أخذوه من شيعي ادعى أنه مصحف ابن مسعود، وهو مخالف للمصاحف،
فأشار أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فحرق بمحضر منهم.
وفي ليلة النصف من شعبان كتب إلى الخليفة: بأن رجلا من أهل جسر
النهروان حضر المسجد ودعا على من أحرق المصحف، فتقدم بطلبه فأخذ، فرسم
بقتله، فقتل.
فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة ووقع القتال بينهم
وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين، وقصد أحداث الكرخ باب دار أبي
حامد، فانفتل عنها، ونزل دار القطن، وعظمت الفتنة.
فلما بلغ ذلك الخليفة القادر بالله أنفذ الفرسان الذين على باب لمعاونة أهل
83

السنة، وساعدهم الغلمان، وضعف أهل الكرخ، وأحرق ما يلي بنهر الدجاج،
وحرقت دور كثيرة من دور الشيعة.
ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة، فتكلموا فعفا عن الشيعة.
وفي شهر رمضان بلغ الخبر إلى عميد الجيوش، فسار ودخل بغداد، فراسل أبا
عبد الله بن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه، ووكل به، فخرج في
ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان، وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة،
فضرب قوم وحبس آخرين، ومنع القصاصين من الجلوس والتعرض للذكر والسؤال
باسم الشيخين وعلي.
ورجع أبو حامد إلى داره، وسأل علي بن مزيد في ابن المعلم، فرد، ورسم
للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن.
المنتظم: 7 / 237 238، الكامل في التاريخ: 9 / 208، مرآة الجنان:
2 / 448 449، العبر: 3 / 65 66، تاريخ الإسلام: 237 238 حوادث
ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍، البداية والنهاية: 11 / 338 339، النجوم
الزاهرة: 4 / 218، شذرات الذهب: 3 / 149 150.
وقطيعة الربيع منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور.
معجم البلدان: 4 / 377.
وأبو محمد بن الأكفاني، فإنه كان قاضي بغداد بأكملها، ولي القضاء سنة
396 ه‍.
وأبو حامد الإسفرايني هو: أحمد بن محمد، أقام ببغداد مشتغلا بالعلم حتى
انتهت إليه الرئاسة وعظم جاهه عند الملوك والعوام، توفي سنة 406 ه‍.
المنتظم: 7 / 230 و 277 279.
84

وعلي بن مزيد، كان واليا على عدة ولايات، وكان ملجأ الشيعة، تلجأ إليه
في الشدائد، قصد في آخر عمره السلطان، فاعتل في طريقه، فبعث ابنه دبيسا للنيابة
عنه، وكتب يسأل تقليده ولاية عهده فأجيب، توفي علي بن مزيد سنة 408 ه‍.
المنتظم: 7 / 289.
وهنا نذكر عدة تساؤلات عن الحادث:.
(1) هل كان قصد هذا البعض الشيخ المفيد وآذاه ونال منه بأمر وتحريك ابن
الأكفاني والإسفرايني وبقية علماء السنة، ولأجله هجم أصحاب المفيد والشيعة على
الإسفرايني وابن الأكفاني ونالوا منهما؟!.
وإذا لم يكن هذا التعرض للشيخ المفيد بأمر علماء السنة، فلم لم ينكروه حتى
تختم القضية ولا تتطور؟!.
(2) لم لم يذكر لنا التأريخ اسم من أحضر المصحف؟ فإن كان من العلماء
وأعيان الشيعة عليهم ذكر اسمه، ولما لم يذكروا فهو فرد عادي ليس من مبرزي
الشيعة.
(3) لم قتلوا الذي سب من أحرق المصحف؟! وهل حكم من سب عالم من
علماء السنة القتل؟!.
(4) ولم بعد الشيخ المفيد؟ ولم ينقل لنا المؤرخون أي تدخل له في الأحداث،
حتى أنه تعرض للسب والأذى وسكت؟.
وهل تبعيده إلا لإقناع العامة التي تشكل الأكثرية في بغداد وإسكاتها؟.
يقول مارتن: مرة أخرى لم يذكر مؤرخو السنة بأن للمفيد ضلعا في أعمال
الشغب، والذي يبدو هنا هو أنه مع إناطة مسؤولية المجتمع الإمامي بالنقيب الذي
لا مناص من حضوره لإقرار السلام والأمن والنظام، فلا بد للحاكم من إبعاد
شخصية
85

مهمة تطييبا للخواطر السنية الملتاعة الهائجة، ولم يكن كبش الفداء غير الفقيه
الشيعي البارز، ألا وهو الشيخ المفيد!.
نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 48.
ولم لم يبعد ابن الأكفاني أو الإسفرايني أو أحد علماء السنة.
فعلى أي حال الشيعة هي الأقلية في بغداد، وهي التي دائما تتعرض إلى القتل
والنهب والحرق، وإن كان الحق كوضوح الشمس معها، فهم بالنتيجة كبش
الفداء!. سنة 400 ه‍:
فيها: كما قال ابن الجوزي: ورد الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد
الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفا وآلات كانت فيه ولم يتعرض لهذه
الدار أحد منذ وفاة جعفر وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلا ومعه
رسوم الحسنيين والحسينيين وزادهم فيها، ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة
لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار جعفر، وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويرده
مكانه، ووعدهم على ذلك الزيادة في البر، فأجابوه، ففتحت، فوجد فيها مصحف
وقعب من خشب مطوق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير، فجمع وحمل،
ومضى معه جماعة من العلويين، فلما وصلوا أطلق لهم النفقات القريبة، ورد عليهم
السرير وأخذ الباقي، وقال: أنا أحق به، فانصرفوا ذامين له.
المنتظم: 7 / 246 247، ومثله في البداية والنهاية: 11 / 342، وتاريخ
الإسلام: 243 244 حوادث ووفيات 381 ه‍ 400 ه‍، النجوم
الزاهرة: 4 / 222 وفيه: كان الذي فتحها ختكين العضدي الداعي.
86

والمراد من الحاكم: هو الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعز العبيدي،
تملك الحجاز ومصر والشام، قتل في شوال سنة 411 بالجبل، جهزت أخته ست
الملك عليه من قتله، وكانت دولته عشرين سنة، ويعرف بالحاكم. سنة 402 ه‍:
فيها: مات عميد الجيوش فقام بعده فخر الملك وأذن لأهل الكرخ وباب
الطاق في عمل عاشوراء، فأقاموا المراسم والنياحة في المشاهد.
المنتظم: 7 / 254، العبر: 3 / 76، دول الإسلام: 213.
وفخر الملك هو: أبو غالب بن الصيرفي محمد بن علي بن خلف، كان نائب
سلطان الدولة بالعراق، قتل سنة 406 ه‍، قتله سلطان الدولة، فكانت نيابته
بالعراق خمس سنين وأربعة أشهر واثني عشر يوما، وقيل: قتله سنة 407 ه‍.
نهاية الأرب: 26 / 244.
وفيها: أقامت الشيعة مراسم الفرح في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يوم
عيد غدير خم، وزينت الحوانيت، وتمكنوا من إقامة هذه المراسم بسبب الوزير.
وذكر الحافظ الذهبي: وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة.
البداية والنهاية: 11 / 347، العبر: 3 / 78، شذرات الذهب: 3 / 163.
وفيها: كتب ببغداد محضرا يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر،
وكتب فيه كثير من العلماء، منهم: الشريف الرضي والمرتضى وكثير من علماء
السنة، وتفرد ابن الأثير من بين المؤرخين بذكر اسم الشيخ المفيد ممن كتب في
المحضر.
الكامل في التاريخ: 9 / 236، البداية والنهاية: 11 / 345، العبر: 3 / 76،
النجوم الزاهرة: 4 / 229 230، دول الإسلام: 213، شذرات الذهب:
3 / 162، مرآة الجنان
87

والعلويون خلفاء مصر ويسمون بالفاطميين، استعت أكناف مملكتهم وطالت
مدتها، ملكوا إفريقية سنة 296 ه‍، وأول من ولي منهم أبو محمد عبيد الله، وفي
عهد العاضد بالله قلد صلاح الدين وخلع عليه، ولما تجمع على صلاح الدين
سودان الصعيد في مائة ألف وقوي أمره بدأ في تضعيف العاضد بالله، وبقي يطلب
من العاضد بالله أشياء كثيرة من الأموال والنخيل وفي سنة 567 ه‍ خلع صلاح
الدين العاضد بالله من الخلافة وخطب بمصر للمستضئ بالله العباسي، وانقطعت
الدعوة العبيدية الفاطمية.
دول الإسلام: 296، الكامل في التاريخ 8 / 24 31.
وأما نسبهم ففيه اختلاف كثير: فذهب بعض إلى أنهم من أولاد علي بن أبي
طالب عليه السلام، وآخر إلى أن نسبهم مدخول وليس بصحيح، وتعدى آخر إلى
نسبتهم إلى اليهود.
وأما العريضة التي كتبت في القدح في نسبهم وأمضاها كثير من العلماء،
فبعض صدقها، وآخر ذهب إلى أن الإمضاء كان تقية، بالأخص من الشريف
الرضي، فقد كثر الكلام حول صحة إمضاءه، بالأخص عند شيوع قصيدة نسبت
إليه في مدح الفاطميين، وعتاب الخليفة على والده، وإنكار الرضي أنها له، ولما
طلب منه نظم قصيدة في القدح في نسبهم امتنع.
راجع الكامل في التاريخ: 8 / 24 31.
وأما إمضاء الوثيقة من قبل الشيخ المفيد، فلم يثبت، وذلك لتفرد ابن الأثير
بنقله عن الشيخ المفيد، ولم يذكر اسمه سواه ممن تعرض لذكر هذا المحضر، ولو كان
المفيد أمضاه لذكر اسمه أكثر المؤرخين، بل كلهم، لأنه شيخ الشيعة وإمامهم،
88

والشيخ المفيد رضوان الله عليه كان بعيدا عن مثل هذه الأمور أشد الابتعاد، وذلك
واضح لمن أحاط بحياته قدس الله روحه. سنة 402 ه‍:
فيها: كما قال ابن كثير: في المحرم أذن فخر الملك الوزير للروافض أن يعملوا
بدعتهم الشنعاء والفضيحة الصلعاء من الانتحاب والنوح والبكاء... فلا جزاه الله
خيرا وسود الله وجهه يوم الجزاء إنه سميع الدعاء.
البداية والنهاية: 11 / 345.
والظاهر أن هذا الحادث هو نفسه حادث السنة الماضية، والاختلاف في وقت
وقوعه.
وما ذنب فخر الملك حتى يتهجم عليه بهذه العبارات الشنيعة وسوء الأدب، لا
ذنب له إلا أنه أعاد سنة حسنة، وهي إقامة المأتم على ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم الذي ضحى بنفسه لأجل إبقاء الإسلام. سنة 406 ه‍:
فيها: في غرة محرم في يوم الثلاثاء وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل باب
الشعير، كان سببها أن أهل الكرخ جازوا بباب الشعير، فتولع بهم أهله، فاقتتلوا،
وتعدى القتال إلى القلائين، ثم سكن الفتنة الوزير فخر الملك، ومنع أهل الكرخ من
النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح، وذكر ابن كثير أن فخر الملك سكن الفتنة
على أن تعمل الروافض بدعتهم، وكان الشريف الرضي قد توفي في خامس المحرم،
فاشتغلوا به.
المنتظم: 7 / 276، البداية والنهاية: 12 / 2، النجوم الزاهرة: 4 / 239.
89

سنة 407 ه‍:
فيها: في ربيع الأول هاجت فتنة مهولة بواسط بين الشيعة والسنة، فنهبت
محال الشيعة والزيدية واحترقت، فهربوا وقصدوا علي بن مزيد واستنصروا به.
المنتظم 7 / 283، النجوم الزاهرة: 4 / 241، الكامل في التاريخ: 9 / 295،
مرآة الجنان: 3 / 20، العبر: 3 / 96.
وفيها: في ربيع الأول احترق مشهد الحسين عليه السلام والأروقة، وكان
السبب كما قال ابن الجوزي: أن القوام أشعلوا شمعتين كبيرتين سقطتا في جوف
الليل على التأزير فأحرقتاه، وتعدت النار.
المنتظم: 7 / 283، البداية والنهاية: 12 / 4 5، النجوم الزاهرة: 4 / 241.
وهل ما ذكره ابن الجوزي من سبب الحرق كاف في مقام التعليل؟ بالأخص
أن الفتنة بين الشيعة والسنة كانت قائمة وقت الحرق، وهو ربيع الأول.
وفيها: كما قال ابن الأثير: في المحرم قتلت الشيعة بجميع بلاد إفريقية، وكان
سبب ذلك أن المعز بن باديس ركب ومشى في القيروان والناس يسلمون عليه
ويدعون له، فاجتاز بجماعة، فسأل عنهم؟ فقيل هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر
وعمر، فقال: رضي الله عنه أبي بكر وعمر، فانصرفت العامة من فورها إلى درب
المقلى من القيروان وهو مكان تجتمع به الشيعة فقتلوا منهم، وكان ذلك
شهوة العسكر وأتباعهم طمعا في النهب، وانبسطت أيدي العامة في الشيعة،
وأغراهم عامل القيران وحرضهم، وسبب ذلك أنه كان قد أصلح أمور البلد، فبلغه
أن المعز بن باديس يريد عزله، فأراد فساده، فقتل من الشيعة خلق كثير، وأحرقوا
بالنار، ونهبت ديارهم، وقتلوا في جميع إفريقية، واجتمع جماعة منهم إلى قصر
المنصور قريب القيروان، فتحصنوا به، فحصرهم العامة وضيقوا عليهم، فاشتد
عليهم
90

الجوع، فأقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم! حتى قتلوا عن آخرهم!!! ولجأ من كان
منهم بالمهدية إلى الجامع، فقتلوا كلهم.
وأكثر الشعراء ذكروا هذه الحادثة، فمن فرح مسرور، ومن باك حزين.
الكامل في التاريخ: 9 / 294 295، وأشار إلى هذه الحادثة المؤلمة ابن كثير
في البداية والنهاية: 12 / 5.
والمعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري، صاحب المغرب، لقبه الحاكم
العبيدي شرف الدولة وأرسل له الخلعة والتقليد سنة 407 ه‍، وخطب لخليفة
العراق، فجهز المستنصر لحربه جيشا وطال حربهم له، توفي في شعبان بالبرص سنة
454 ه‍ وله ست وخمسون سنة.
شذرات الذهب: 3 / 294.
والقيروان في الإقليم الثالث، مدينة عظيمة بإفريقية، وليس بالغرب مدينة أجل
منها، إلى أن قدمت العرب إفريقية وأخربت البلاد، فانتقل أهلها عنها.
معجم البلدان: 4 / 420.
وهنا نضع عدة أسئلة ترتبط بالحادث:
أ لماذا قتلت الشيعة في المحرم؟
ب وهل السب يوجب الإرتداد، حتى يباح دم الساب؟
ج وهل تكلم جماعة في شئ ما يوجب الحكم بهذه السرعة من دون رؤية
ونظر في المسألة؟
د وهل الإنسانية تقبل أمثال هذه الأعمال الشنيعة والإبادة العامة؟ أين
كانت الإنسانية آنذاك؟ وهل كانت ضمائر حرة تشعر بالمسؤولية كي تقف أمام
الظلم والتعدي؟
وبعد هذا فقد صرح المؤرخون: وكان ذلك شهوة العسكر وأتباعهم! طمعا
في
91

النهب!... وأغراهم عامل القيروان وحرضهم، وسبب ذلك أنه كان قد أصلح
أمور البلد، فبلغه أن المعز بن باديس يريد عزله، فأراد فساده...
فحقيق على الإنسانية جمعاء أن تبكي على من ذهب ضحية هذا الحادث بدل
الدموع دما، وتشمئز قلوبهم من الأوغاد والوحوش الذين عملوا مثل هذا الحادث،
حتى لو فتشت قلوبهم لما وجدت فيها ذرة من الرحمة!!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
سنة 408 ه‍:
فيها: أن الفتنة بين الشيعة والسنة تفاقمت، وعمل أهل القلائين بابا على
موضعهم، وعمل أهل الكرخ بابا على الدقاقين مما يليهم، وقتل الناس على هذين
البابين، وقدم المقدام أبو مقاتل وكان على الشرطة ليدخل الكرخ، فمنعه
أهلها والعيارون الذين كانوا فيها، وقاتلوه، فأحرقت الدكاكين وأطراف نهر
الدجاج ولم يتهيأ له الدخول.
وقال الذهبي: وأطفئت النيران في سوق الدجاج، ثم استتاب القادر بالله جماعة
من الرفض والاعتزال، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن
سبكتكين صاحب خراسان يأمره بنشر السنة، فبادر وفعل، وقتل جماعة،
وبقي خلق من الإسماعيلية والرافضة والمعتزلة والمجسمة، وأمر بلعنهم على المنابر...
.
المنتظم: 7 / 287، شذرات الذهب: 3 / 186، مرآة الجنان: 3 / 21، العبر:
3 / 98، البداية والنهاية: 12 / 6، دول الإسلام: 214 215.
ومحمود بن سبكتكين أبو القاسم سيف الدولة ابن الأمير ناصر الدولة أبي
منصور، ولد سنة 361 ه‍، افتتح غزنة ثم بلاد ما وراء النهر ثم استولى على
خراسان،
92

وعظم ملكه ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند، فافتتح منه بلادا
واسعة، توفي سنة 421 ه‍.
شذرات الذهب: 3 / 220 221. سنة 409 ه‍:
فيها: ورد الخبر على ابن سهلان باشتداد الفتن ببغداد، فسار إليها، فدخلها
أواخر شهر ربيع الآخر، فهرب منه العيارون، ونفى جماعة من العباسيين وغيرهم،
ونفى أبا عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة، وأنزل الديلم أطراف الكرخ وباب
البصرة.
الكامل في التاريخ: 9 / 307.
وابن سهلان هو: أبو محمد الحسن بن سهلان، استعمله سلطان الدولة سنة
409 ه‍ على العراق، وشكاه إلى سلطان الدولة الأتراك والعامة، فكتب له
يستقدمه، فخافه وهرب منه.
نهاية الأرب: 26 / 245 246.
وهذه المرة الثالثة لتبعيد الشيخ المفيد، وكما ترى ليس له أي دخل في أي
حدث، وتبعيده كان لمجرد إقناع السنة وإسكاتها، فالمفيد شيخ الشيعة وإمامها يبعد
عدة مرات، لا لأجل شئ فعله، بل لمجرد إطفاء نار الفتنة وإظهار السلطة أنها
محايدة، كل هذا جرى على شيخنا المفيد وهو صابر محتسب، رضوان الله عليه
وحشره الله في أعلا عليين. سنة 413 ه‍:
فيها: توفي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ليلة الجمعة لثلاث ليال
خلون من شهر رمضان، وقيل لليلتين خلتا منه، وصلى عليه الشريف المرتضى أبو
93

القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان، وضاق على الناس مع كبره، وكانت
جنازته مشهودة، وشيعه ثمانون ألفا، وكان يوم وفاته لم ير أعظم منه من كثرة
الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق، ودفن في داره سنين، ونقل
إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر عليه السلام، وكان عمره ستا وسبعين
سنة وتسعة أشهر وأيام.
رجال النجاشي: 402 403، ترجمة رقم 1067، المنتظم: 8 / 11
12، الكامل في التاريخ: 9 / 329، مرآة الجنان: 3 / 28، العبر: 3 / 114 115،
شذرات الذهب: 3 / 200، البداية والنهاية: 12 / 15، النجوم الزاهرة: 4 / 258،
دول الإسلام: 216، تاريخ بغداد: 3 / 231، معالم العلماء: 112 ترجمة رقم
765، الفهرست: 157 ترجمته رقم 696.
ومقابر قريش ببغداد، وهي في ملحة معروفة فيها خلق كثير، وبينها وبين دجلة
شوط فرس جيد، وهي التي فيها قبر الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام،
وكان أول من دفن فيها جعفر الأكبر بن المنصور سنة 150 ه‍، وكان المنصور
أول من جعلها مقبرة لما ابتنى مدينته سنة 149 ه‍.
معجم البلدان: 5 / 163.
قال الأتابكي: كان ضالا مضلا هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته!! فإن
الجميع كانوا يقعون في حق الصحابة.
وقال الحافظ الذهبي واليافعي والحنبلي بعد ذكر وفاته في هذه السنة: وأراح
الله منه!.
أهل السنة من بداية حياة الشيخ المفيد المباركة جلسوا أمامه مجلس العدو،
وتعصبوا أمامه، واستعملوا في حقه أسوء الأدب، حتى عند وفاته، فمن قائل: كان
ضالا مضلا..! وآخر: وأراح الله منه! ومن قائل...!!.
94

كل هذا يكشف عن أحقاد دفينة في صدورهم ضد الشيعة والتشيع، بالأخص
ضد علمائهم الأبرار، بالأخص الشيخ المفيد رضوان الله عليه، لدفاعه عن التشيع
بكتبه ودرسه ومجالس مناظرته، فأوقف نفسه الزكية للدفاع عن الحق، فقوبل بكل
هذا الظلم، وواجهه بقلب صبور وثبات على العقيدة، وقابل إهانتهم وسوء أدبهم
بالأخلاق الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والدليل القاطع، وهذه علامات المقربين
من الله والمخلصين له.
فسلام عليه يوم ولد، ويوم نشأ ودافع عن العقيدة، ويوم لبت نفسه نداء ربها:
" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي ".
95

/ 1