روائع المختارة من خطب الإمام الحسن (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

روائع المختارة من خطب الإمام الحسن (ع) - نسخه متنی

مصطفی موسوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن (ع)


 


السيد مصطفى الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
مكتب الإمام الحسن عليه السلام يدرس بقاء الإسلام طول الدهر..
إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين أدركوا مجلسه قد
عرف كل منهم شمائل الإمام الحسن عليه السلام بصورة من الصور،
وتحدثوا عنه فقالوا: إنه شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله كما
ورد عن النبي (ص) من طرق الخاصة والعامة في عدة روايات بهذا
المعنى تنبئ عن حبه للإمام الحسن عليه السلام، ويسئل عز وجل فيها
أن يحبه، وليس أن يحبه فحسب، بل يحب كل من يحبه ويواليه، بل
لقد اعتبر حب سيدي شباب أهل الجنة حبا لصاحب الرسالة، ومعاداتهما
معاداة له، وأعلن أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأمثال
هذه الروايات التي وردت بألفاظ مختلفة قد دلت على أن العالم
الإسلامي يجب أن ينشد سعادته في ظل تعاليمه وارشاداته، وأن يعلم
أن الرسالة مرتبطة أشد الارتباط مع مقام الولاية والإمامة إلى حد
يعتبر أن العداء للإمام عداء للرسول الأكرم، والعداء للرسول الكريم
عداء لله تعالى، فعلى هذا ليس الشبه بين الرسول وبين سبطه في
الشمائل الجسمية فقط، بل في الشمائل الروحية والأخلاقية وفي تربية
الإنسان وقيمة السماوية.
إن حياة وليد شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تجسد لنا هذه
الحقيقة الناصعة، وأن شمائله تذكرنا بالنبي الكريم وطريقته الفذة
وتجدد لنا العهد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله، والرسول نفسه
قد نبهنا إلى ذلك كي ندرك الحقائق بصورة أصح.
فالنبي الكريم في صلح الحديبية شيد صرح الإسلام العظيم، ولم يد (ع)
فيه مجالا للتصدع، ولقد قام بمعارضته بعض قاصري النظر وقليلي المعرفة
فرد صلى الله عليه وآله عليهم بقوله: (ثكلتكم أمهاتكم لماذا تؤذونني
ولا تتركوني انفذ أوامر ربي) (1)
(1) إمتاع الأسماع للمقريزي ج 1 طبع القاهرة 1941 ص 302.
تقديم 3

وقال المقريزي: وبينا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يسير مع رسول
الله (ص) فسئله فلم يجبه، ثم سئله فلم يجبه، ثم سئله فلم يجبه، فقال
ثكلتك أمك يا عمر بدرت رسول الله ثلاثا وكل ذلك لا يجيبك، وحرك
بعيره حتى تقدم الناس وخشي أن يكون نزل فيه قرآنا فأخذه ما قرب
وما بعد لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية.
وسبطه الإمام الحسن عليه السلام يوم جاء دورة في قيادة الأمة الإسلامية
رأى أن موضعه يشبه موضع جده في توقيع الصلح مع معاوية، وخشي على
الإسلام من تلك الوحوش الكاسرة من أن يقضوا عليه وعلى الإسلام
ولا يبقوا له أثرا، ولا للإسلام رسما، لذلك استقر رأيه على ترسيخ الخطة
الحكيمة، وإصلاح ذلك الوضع.
والإمام بطريقته الإعجازية التي كان يستقيها من منبع الوحي يوجد
ظروفا خاصة كي يعلم كل كبير وصغير، وقريب وبعيد، حقيقة الإسلام
والمسلمين ويعرف المسلمون أعدائهم ويميزوا بينهم وبين المدافعين
عن الحق والعدل. ومن هذا المنطلق قال عليه السلام لمعاوية (ولا تجد
غيري من جده النبي الأكرم، ورأيت أن أصلح بين أمة جدي، وأحفظ -
الإسلام ليصل إلى الأجيال القادمة فيعرفوا حقيقته وينال ما أراد الله
له من الخلود والبقاء، وأنا أولى أن أفعل ذلك، واعلموا أننا وقعنا
الصلح مع معاوية وهو أكبر اختبار لكم، وأن المدة المفروضة لكم في
هذا الاختبار قليلة جدا.
نعم هذه الطريقة هي التي عرفت الإمام الحسن عليه السلام وشيعته كما
أظهرت معاوية وأتباعه، وأوجدت أمام معاوية رجالا أقوياء اشتملوا
على نفسيات عالية وقفوا بها إلى جانب المبادي والأهداف الإسلامية
أناس مهيؤون للتضحية والفداء في سبيل الإسلام، كما أن هذه الطريقة
أظهرت مخابئ نفوس أعداء الإسلام والمسلمين وفضحتهم، وفتحت المجال
للأجيال القادمة ليقفوا وينظروا حقيقة الموقف ويختار والطريق
الصحيح على ضوء الوقائع التاريخية المبينة لهم، ولم يكن صلح الإمام
الحسن عليه السلام إلا نوعا من الإغراء لمعاوية ليتمادى غي إظهار حقيقة
نفسيته، ولم تنفعه الأقنعة التي كان يستعين بها باسم الإسلام وحفظ
راية المسلمين.
تقديم 4

كما أراد الإمام الحسن عليه السلام أن يعلم المسلمين بأن كل نزاع
وخصومة يجب أن تحل أولا بطريقة الصلح والتفاهم الأخوي الصريح مهما أمكن
حتى يظهر دفينة كل من الطرفين، وأن النية في ذلك صالحة أو غير
صالحة، لذلك قال الإمام الحسن عليه السلام: (إني رأيت الناس تركوا
ذلك الاهله؟؟؟ خشيت أن يجتثوا من سطح الأرض فأردت أن يكون للدين
في الأرض ناع).
وهذا هو السر في اختيار الموضع السلمي إذا كان هو اختار طريق الحرب -
لقتل هو وأخوه الحسين عليه السلام وجميع أصحابه الأبرار الأتقياء، فلم
يبق من المسلمين الأحرار أحد.
ومعاوية مع مكره وحيله يتسلط حين ذاك على الحكم وينقلب الأمر
من العدالة إلى الظلم، ومن الحكومة الإلهية الحقة إلى الحكومة الجبارة -
الطاغية. والناس لا يعرفون من الإسلام وحكومته إلا معاوية وأصحابه
الذين لا يعرفون من الإسلام إلا إرضاء شهواتهم وقتل الأبرياء والأحرار
وهتك نواميس الإنسانية والدين لأجل الوصول إلى الحكم وجلب
منافعهم المادية، فحينئذ من الطبيعي أن من يرى أن الإسلام يسلط على
رقابهم معاوية وأمثاله من المكرة الغدرة فلا يرغب إذا إليه بل يعانده
ويقول إن الدين الذي يرى حكومة هؤلاء الأشرار فلا يمكن لذوي العقول أن -
تؤمن به، وينعى لعدم إجراء دستوره في المجتمع البشري.
ولذا نرى الحسين عليه السلام يقول لأصحابه: (الأمر لكم كما أمر به
الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وأنا لا أفارق ما صنع أخي).
حتى إذا ظهر ما أبطن معاوية والناس لا يعرفون أنه بعيد عن الإسلام -
وقد عرفوا أنه تقلد الخلافة الإسلامية لأجل أن يحكم في الناس بما يشاء
وهو يبيع الإسلام بالحكم والتحكم، ولذا أمر بأخذ البيعة من الناس لولده
الفاسق الفاجر المتجاهر بالمعاصي وأنواع الجنايات.
ولما مات معاوية انقلب الوضع وانتبه الناس لمثالبه، حتى وصل
الأمر بأصحاب الحسين عليه السلام إلى حد رأوا أن الحياة عقيدة وجهاد وأن
الشهادة في ظل الحسين عليه السلام فضيلة لا مثيل لها في عالم الإنسانية
وحفظ أساس الإسلام فحينئذ قام في الناس قائلا:
تقديم 5

إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيوف خذيني
والحق إن هذا الجو المساعد إنما وجد في العالم الإسلامي من تدبير -
الإمام الحسن عليه السلام، وإنما فتح مكتبه لأجل إيجاد هذا الجو يعرف
فيه الحق من الباطل، ولولا هذا المكتب لكان الأمر مشتبها والناس حينئذ
لا يميزون بينهما بل يتركون الحق لعدم معرفتهم به.
وأن لكل إمام في كل عصر خط خاص ومكتب خاص لحفظ الإسلام والمسلمين
وإن كان هدفهم هدف واحد إلهي كالأنبياء، وإنما يعرف ذلك من له
اهتمام في الأمر وخبرة في المسائل الاجتماعية والدينية.
وإن من منن الله تعالى علي أن اطلعت على كتاب (الروائع
المختارة) الذي جمع فيه العلامة المرحوم السيد مصطفى اعتماد الحائري فيه
خطب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ومواعظه بواسطة سماحة العلامة آية الله
السيد محمد علي السبط دام ظله وهو كتاب حاك عن مكتب الإمام، والناس
في حاجة شديدة إلى درس هذه المواضيع لبناء صرح الإنسانية على ضوء
الدين الإسلامي.
وحيث كان الكتاب مطبوعا في القاهرة قديما وقد نفدت نسخه أمر
سماحته بطبعه بصورة الأفست لبقاء تلك الصورة حية من دون أقل تصرف
فأحببت أن أكتب له مقدمة مساهمة مني في هذا الأمر ليكون ذخرا
لي ولوالدي في اليوم الآخر، وتوسلا بذيل عناية ولي العصر صاحب
الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف للخلاص من مشكلة وقعت فيها من
جهة وفاة ولدي العزيز، وقرة ناضري المهذب (محمد تقي) تغمده الله
برحمته.
اللهم اجعله لي ذخرا ولوالدي ولمن ساعدني في هذه المشاريع
الخيرية، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ميلاد الإمام المنتظر 1400
حسن السعيد
مكتبة چهل ستون = المسجد الجامع بطهران
تقديم 6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا
حديث شريف
3

الاهداء
إلى من حفظ على ناموس شريعة جده بصلحه الرصين،
كما أحياها شقيقه السبط الشهيد بنهضته المقدسة..
إلى مثال الخلق النبوي العظيم ومظهر علمه الزاخر..
إلى من ورث الفصاحة من جده الكريم والبلاغة من أبيه
المرتضى..
إلى مظهر خلافة الله الكبرى وصاحب الولاية العظمى
الإمام السبط الأكبر المجتبى الزكي أبي محمد الحسن بن علي،
صلوات الله عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه.. صلاة زاكية
متواصلة مع الأبد...
هذه ملتقطات نادرة جمعتها من رشحات فيضك الواسع،
ودروس نافعة أعددتها من منهل علمك العذب، أقدمها إليك
فهي منك وإليك.
المؤلف
4

الباب الأول
في خطبه عليه السلام
5

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد على نعمائه وآلائه، والصلاة والسلام على محمد وعترته..
وبعد فهذه باقات عطور، وثريات نور، ومصابيح هداية، وشموع
دراية، نزفها إلى العالم الإسلامي بل إلى العالم البشري أجمع، ليستنيروا بها
في دروب الحياة الحالكة، ويسترشدوا بها إلى معالم الحق والحقيقة
وإلى المثل الإنسانية العليا.
هي: في كلمات الإمام الزكي المجتبى السبط المصلح الناطق بالحق
الحسن بن علي عليهما السلام، التي جمعتها في هذا السفر الجليل، والسطور
الوضاءة المجلية للحق والحقيقة، وهي في حقول ثلاثة:
(1) الخطب وما جرى مجراها.
(2) الرسائل والكتب.
(3) الكلم القصار في الآداب الاجتماعية والوعظ الخالد.
كل ذلك على غرار تنظيم السيد الرضي قدس سره لكلام مولانا الإمام
أمير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة.
6

(1)
فمن خطبه عليه السلام
قال عليه السلام: الحمد لله الواحد بغير شبيه، الدائم بغير تكوين،
القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غاية، المعروف بغير
محدودية، العزيز الذي لم يزل قديما في القدم، ردعت القلوب لهيبته،
وذهلت العقول لعزته وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب
بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم
لكنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير التفكر بتدبير
أمورها، أعلم خلقه به الذي بالحد لا يصفه، يدرك الأبصار، ولا تدركه
الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
أما بعد فإن عليا باب من دخله كان آمنا، ومن خرج منه كان كافرا،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
فقام علي عليه السلام وقبل ما بين عينيه. ثم قال: ذرية بعضها من
بعض، والله سميع عليم.
إن هذه الخطبة المباركة تتضمن الوحدانية وما يستتبعها من ذكر
نعوت، فإن عامة الناس لما كانت تجهل التوحيد وشؤونه فالأئمة المعصومون
عليهم السلام أكثروا فمن ذكر الله وأوصافه لئلا يختلط الأمر ويشتبه الحال.
(1) تفسير الفرات.
7

أما النبوة فحيث كانت معروفة لدى الناس قد شاهدوا النبي ورأوا سيرته
لم يكن لها هذه الكثرة من الذكر..
ولما كانت الإمامة مثار الأقاويل مما اختلفتها الأهواء وزاغت عنها
قلوب الناس أشار الإمام السبط إلى هذا الأصل الإسلامي، لا سيما
ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي من لم يقبله كان كمن
لم يقبل التوحيد والرسالة والمعاد.
8

(2)
ومن خطبه عليه السلام (1)
عند مقتل أبيه الإمام علي عليه السلام
لما قتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام رقى الحسن بن علي عليهما
السلام على المنبر فأراد الكلام فخنقته العبرة فقعد ساعة، ثم قام
فقال: الحمد لله الذي كان في أوليته، وحدانيا في أزليته، متعظما
بالهيبة، متكبرا بكبريائه وجبروته، ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق على
غير مثال كان سبق مما خلق، ربنا اللطيف بلطف ربوبيته، وبعلم خبره
فتق، وبأحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدل لخلقه ولا مغير لصنعه،
ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مستراح عن دعوته، خلق،
ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته فوق كل شئ علا، ومن كل
شئ دنى، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو بالمنظر الأعلى
احتجب بنوره، وسمى في علوه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيدا
عليهم وبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة،
ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه
بربوبيته بعد ما أنكروه والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت،
وعنده نحتسب عزانا في خير الآباء رسول (صلى الله عليه وسلم) وآله، وعند الله
نحسب عزانا في أمير المؤمنين عليه السلام، ولقد أصبنا (2) به الشرق
والغرب، والله ما خلف درهما ولا دينارا إلا أربعمائة درهم أراد أن يبتاع
(2) نسخة أصيب.
(1) كفاية الأثر.
9

لأهله خادما، ولقد حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله أن الأمر يملكه
اثني عشر إماما من أهل بيته وصفوته: ما منا إلا مقتول أو مسموم.
10

(3)
ومن خطبه عليه السلام (1)
حينما أرادوا بيعته
روى أن الناس أتوا إلى الحسن بن علي عليهما السلام بعد وفاة أبيه
علي عليه السلام ليبايعوه فخطب:
فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر، وخص من فضل، وعم من أمر،
وجلل من عافية، حمدا يتم به علينا نعمته ونستوجب به رضوانه، إن الدنيا
دار بلاء وفتنة وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنهما كيما نعتبر،
وقدم إلينا بالوعيد كيلا يكون لنا حجة بعد الإنذار، فازهدوا فيما يفنى،
وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السر والعلانية، إن عليا صلى الله عليه
في المحيا والممات والمبعث عاش وبقدر، ومات بأجل، وإني أبايعكم على أن
تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت.
قال الراوي: فبايعوه على ذلك
(1) توحيد الصدوق - باب القضاء والقدر.
11

(4)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في فضل أبيه الإمام أمير المؤمنين
حمدا لله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي صلاة موجزة ثم قال:
أيها الناس سمعت جدي رسول الله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله يقول: أنا
مدينة العلم، وعلى بابها، وهل يدخل المدينة إلا من بابها.
ثم نزل فوثب علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره.
(1) توحيد الصدوق باب 42 في إثبات حدوث العالم.
12

(5)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في بعض صفاته سبحانه
روي أن رجلا جاء إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: يا ابن
رسول الله صف لي ربك، حتى كأني أنظر إليه:
فأطرق الإمام الحسن عليه السلام مليا، ثم رفع رأسه.
فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبل
مدرك، ولا بعد محدود ولا أمد بحتى، ولا شخص فتجزئ، ولا اختلاف
صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول أو هامها ولا الفكر وخطراتها. ولا الألباب
أذهانها صفته، فبقول متى ولا بدئ مما، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما،
ولا تارك فهلا، خلق الخلق فكان بديئا، ابتدع ما ابتدع، وابتدع
ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم الله ربي رب العالمين
(1) توحيد الصدوق - باب نفي التشبيه.
13

(6)
ومن كلامه عليه السلام (1)
في وصف القرآن المجيد
إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه،
وليلجم الصفة قلبه، فإن التفكير حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في
في الظلمات بالنور.
(1) كشف الغمة
14

(7)
ومن كلامه عليه السلام (1)
في الوعظ والإرشاد
قال عليه السلام: يا بن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا، وأرض
بما قسم الله تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما وصاحب
الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عدلا، إنه كان بين أيديكم قوم
يجمعون كثيرا، ويبنون مشيدا، ويأملون بعيدا، أصبح جمعهم بورا،
وعملهم غرورا، ومساكنهم قبورا.
يا ابن آدم لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فجد بما في
يدك لما بين يديك، وإن المؤمن يتزود، والكافر يتمتع.
وكان عليه السلام يتلو بعد هذه الموعظة قوله تعالى: وتزودوا فإن
خير الزاد التقوى.
(1) الفصول المهمة للمالكي.
15

(8) ومن خطبه عليه السلام (1)
في فضل أبيه أمير المؤمنين
روى جماعة من أصحاب السير وغير هم أن الحسن بن علي عليهما السلام
خطب في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام.
حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة
رجل لم يسبقه الأولون، ولم يدركه الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول
الله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله يوجهه برايته، فيكتنفه جبريل
عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه. ولقد
توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون،
وما خلف صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه وأراد
أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقه البكاء فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال عليه السلام: أنا ابن البشير النذير أنا ابن السراج المغير أنا ابن
الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
إنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال عز من قائل:
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له
فيها حسنا، والحسنة مودتنا أهل البيت. ثم جلس.
(1) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.
16

(9)
ومن خطبه عليه السلام (1)
لما أمره عليه السلام أن يخطب
الحمد لله الذي من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن
عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده.
أما بعد: فإن القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، وإن عليا
عليه السلام باب، من دخله كان آمنا، ومن خرج عنه كان كافرا.
فقام إليه علي عليه السلام والتزمه فقال: بأبي أنت وأمي، ذرية بعضها
من بعض والله سميع عليم
(1) نزهة الناظر في تنبيه الخاطر للحلواني.
18

(10)
ومن خطبه عليه السلام (1)
بعد الصلح
روى أبو الحسن المدائني قال: سأل معاوية الحسن بن علي عليهما
السلام أن يخطب الناس فامتنع، فناشده أن يفعل، فوضع له كرسي
فجلس عليه.
ثم قال: الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي
الملك من يشاء، وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم،
وأخرج من الشرك أولكم. وحقن دماء آخركم، فبلاءنا عندكم قديما وحديثا
أحسن البلاء إن شكرتم أو كفرتم.
أيها الناس: إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، ولقد اختصه
بفضل لم تعهدوا بمثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات، طال ما قبلتم
له الأمور حتى أعلاه الله عليكم وهو صاحبكم، وعدوكم في بدر وأخواتها،
جرعكم رنفا، وسقاكم علقا، وأذل رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم
بملومين على بغضه، وأيم الله لا ترى أمة محمد (صلى الله عليه وسلم وآله) خفضا ما كانت سادتهم
وقادتهم في بني أمية، ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا
لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى،
وما ينتظر من سوء دعتكم، رحيف حكمكم.
(1) الشرح على النهج 4 / 10 ط مصر.
19

ثم قال: يا أهل الكوفة، لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله
صائب على أعداء الله، نكال على فجار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها،
جاثما على أنفاسها، ليس بالملومة في أمر الله، ولا بالسروقة مال الله،
ولا بالفروقة في حرب أعداء الله، وأعطى الكتاب خواتمه وعزائمه،
دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم، فصلوات الله عليه
ورحمته.
20

(11) ومن كلام له عليه السلام (1)
مجيبا به معاوية
روي لما بويع معاوية خطب فذكر عليا عليه السلام فنال منه ونال من
الحسن ليرد عليه، فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام الحسن عليه السلام
فقال: أيها الذاكر عليا، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك
صخر، وأمي فاطمة، وأمك هند، وجدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله)، وجدك
حرب، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا
حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا كفرا ونفاقا.
(1) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج.
21

(12)
ومن كلامه عليه السلام (1)
في الوعظ والإرشاد
عن جنادة بن أمية قال: دخلت على الحسن بن علي عليهما السلام في
مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده
قطعة قطعة، من السم الذي سقاه معاوية عليه الهاوية، فقلت: يا مولاي
ما لك تعالج نفسك؟! فقال يا عبد الله: بماذا أعالج الموت؟ قلت: إنا لله
وإنا إليه راجعون.
ثم التفت إلى وقال: والله لقد عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن
هذا الأمر يملكه اثنى عشر إماما من ولد علي وفاطمة ما منا إلا مسموم
أو مقتول.
ثم رفع الطست وبكى.
قال جنادة: فقلت له: عظني يا ابن رسول الله!
قال نعم: استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك..
واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي
لم يأت، على يومك الذي أنت فيه..
واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا
لغيرك، واعلم أن في حلالها حسابا وفي حرامها عقابا، وفي الشبهات عتابا،
(1) عاشر البحار للمجلسي.
23

فانزل الدنيا بمنزلة الميتة، وخذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت
قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من
الميتة، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير.
واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا
وإذا أردت عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فأخرج من ذل معصية
الله إلى عز طاعة الله عز وجل، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة
فأصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة
عانك، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك
بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها،
وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمات
واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق،
ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسما أثرك.
ثم انقطع نفسه صلوات الله عليه وآله واصفر لونه حتى خشيت عليه،
24

(13)
ومن حكمه عليه السلام (1)
في التوجيه الإنساني
أيها الناس: إنه من نصح لله وأخذ قوله دليل هدى للتي هي أقوم وفقه
الله للرشاد، وسدده للحسنى، فإن جار الله آمن محفوظ، وعدوه خائف
مخذول، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر. واخشوا الله بالتقوى. وتقربوا
إلى الله بالطاعة، فإنه قريب مجيب. قال الله تبارك وتعالى: وإذا سألك
عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي
وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنه لا ينبغي لمن
عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا
والذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا، وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله
أن يستسلموا له، ولا ينكرون أنفسهم بعد المعرفة، ولا يضلن بعد الهدى،
واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا بصيغة الهدى، ولن
تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولا تتلوا الكتاب حق
تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف،
ورأيتم الفرية على الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنكم
الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله، فإنهم خاصة نور يستضاء بهم،
وأئمة يقتدى بهم عيش العلم، وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن
جهلهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحق،
(1) تحف العقول لأبي شعبة.
25

ولا يختلفون فيه، وقد حلت لهم من الله سبعة، ومضى فيهم من الله حكم،
إن في ذلك لذكرى للذاكرين، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته،
ولا تعقلوه عقل روايته، فإن رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، والله
المستعان.
26

(14)
فمن خطبه عليه السلام (1)
في الوعظ
اعملوا.. أن الله لم يخلقكم عبثا، وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم،
وقسم بينكم معائشكمم، ليعرف كل ذي لب منزلته، وإنه ما قدر له أصابه،
وما صرف عنه فلن يصيبه، وقد كفاكم مؤنة الدنيا وفرغكم لعبادته، وحثكم
على الشكر، وافترض عليكم الذكر.
وأوصيكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب كل
توبة، ورأس كل حكمة، وشرف كل عمل بالتقوى، فاز من فاز من المتقين،
قال الله تبارك وتعالى: إن للمتقين مفازا... وقال: وينجي الله
الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون..
فاتقوا عباد الله! واعلموا من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن،
ويسدده في أمره، ويهيئ له رشده، ويفلجه بحجته، ويبيض وجهه، ويعطيه
رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وحسن أولئك رفيقا.
(1) تحف العقول.
27

(15)
ومن كلامه عليه السلام (1)
في التقوى
اتقوا الله عباد الله، وجدوا في الطلب، وتجاه الهرب، وبادروا العمل
قبل مقطعات النغمات، وهادم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن
فجيعتها، ولا تتوقى مساويها، غرور حائل، وسناد مائل، فاتعظوا عباد الله
بالعبر، واعتبروا بالأثر، وازدجروا بالنعيم، وانتفعوا بالمواعظ، فكفى
بالله معتصما ونصيرا، وكفى بكتاب الله جحيما وخصيما، وكفى بالجنة ثوابا،
وكفى بالنار عقابا ووبالا.
(1) سابع عشر بحار المجلسي.
28

(16)
وصيته لأخيه الحسين (ع) (1)
روى لما حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال للحسين
عليه السلام: يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني، ثم
وجهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
لأحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة
عليها من الله السلام، ثم ردني فادفني في البقيع.
واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله
ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعداوتها لنا أهل البيت.
(1) الكافي الشريف للكليني رحمه الله.
29

وقال العلامة الكبير المرحوم الشيخ محمود أبو رية:
وقد صدق أحمد شوقي شاعر الإسلام في موقف عائشة وصاحبيها من علي
حيث قال:
يا جبلا تأبى الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك ربة الجمل (*)
آثار عثمان الذي شجاها * أم غصة لم ينتزع شجاها
قضية من دمه تبنيها * هبت لها واستنفرت بنيها
ذلك فتق لم يكن بالبال * كيد النساء موهن الجبال (1)
الأبيات... (1)
أضف إلى ذلك أمرت بني أمية بتوجيه السهام إلى جنازة ريحانه.
وإلى هذا يشير الإمام السبط في وصيته لأخيه فصلوات الله عليه ورحمته.
* ربة الجمل عائشة التي كانت تركب جملا في هذه الحرب (عن هامش شيخ المضيرة ص 171)
(1) شيخ المضيرة ص 172 طبعة دار المعارف بالقاهرة.
30

(17)
وصيته عليه السلام (1)
لحمد بن الحنفية
روي لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال: يا قنبر أنظر
هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ف
قال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني.
قال: ادع لي محمد بن علي، فأتيته، فلما دخلت عليه، فقال: هل حدث
الأخير، قلت: أجب أبا محمد.
فعجل على شسع نعله فلم يسوه، فخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم
فقال له الحسن بن علي: اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن أن يسمع كلاما
وفي نسخة أخرى من سماع الكلام، يحيى به الأموات، ويموت به الأحياء.
فقال عليه السلام: كونوا أوعية العلم، ومصابيح الهدى، فإن ضوء
النهار بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم عليه السلام
أئمة، وفضل بعضهم على بعض، وأتى داود زبورا، وقد علمت بما استأثر
به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم).
يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله به الكافرين
فقال الله عز وجل: كفارا حسدا من عند أنفسهم، من بعد ما تبين لهم
الحق، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا.
(1) الكافي الشريف للكليني رحمه الله.
31

يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى، قال سمعت
أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر
محمدا ولدي.
يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة
روحي جسمي إمام بعدي، وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من
النبي أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه
فاصطفى منكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واختار محمد عليا، واختارني علي بالإمامة
واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد، والله لوددت أن
نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإن في رأسي كلاما
لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم،
أهم بأدائه، فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، أو ما خلت به الرسل،
وإنه لكلام يكل به لسان الناطق حتى يكل لسانه، ويد الكاتب حتى لا يجد
قلما، ويؤتوا بالقرطاس حمما، فلا يبلغ إلى فضلك، وكذلك يجزي الله
المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا وأثقلنا حلما، وأقربنا من رسول
الله رحما، كان فقيها قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم
الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما اختار الله محمدا عليا، واختارك
علي إماما، واخترت الحسين، سلمنا ورضينا.
من بعزه نرضى، ومن كنا نسلم به مشكلات أمرنا.
32

(18)
ومن خطبه عليه السلام (1)
فيما جرى بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
خطب هذه الخطبة وقد وضع يده على عمود يتساند إليه وكان عليلا
من شكوى به.
فقال: الحمد لله العزيز الجبار، الواحد القهار، الكبير المتعال، سواء منكم
من أسر القول، ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار.
أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وعلى ما أجبنا وكرهنا من
شدة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله، امتن علينا بنبوته، واختصه برسالته، وأنزل عليه وحيه،
واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجن، حين عبدت
الأوثان، وأطيع الشيطان، وجحد الرحمن، فصلى الله عليه، وعلى آله،
وجزاه أفضل ما جزى المسلمين.
أما بعد: فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون أن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب أرشد الله أمره وأعز نصره، بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب،
وإلى العمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك
ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون إنشاء الله، ولقد علمتم أن عليا صلى
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه. ثم شهد
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد ج / 3 ص / 292.
34

رسوله. وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم، ولم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
راضيا عنه حتى غمضه بيده، وغسله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل
ابن عمه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته وأوصاه بقضاء دينه وعداته،
وغير ذلك من أموره، كل ذلك من منن الله عليه، ثم والله ما دعى إلى نفسه،
ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين،
ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه، حسدا له، وبغيا
عليه، فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته والجد والصبر، والاستعانة
بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عصمنا الله وإياكم بما عصم
به أوليائه وأهل طاعته، وألهمنا وإياكم تقواه، وأعاننا وإياكم على جهاد
أعدائه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
35

(19)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في حكمة تشريع الفرائض
قال عليه السلام: إن الله عز وجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم
الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه لا إله إلا هو،
ليميز الخبيث من الطيب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم،
ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج
والعمرة وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية لنا أهل البيت،
وجعلها لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله، ولولا
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصياؤه كنتم حيارى، لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل
تدخلون دارا إلا من بابها فلما من الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (ص)
قال: اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام
دينا، ففرض عليكم لأوليائه حقوقا وأمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء
ظهوركم من أزواجكم وأموالكم، ومآكلكم، ومشاربكم، ويعرفكم بذلك
البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثم قال الله عز وجل:
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
واعلموا أن من يبخل المودة فإنما يبخل عن نفسه، إن الله هو الغني وأنتم
الفقراء إليه، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
(1) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي.
36

ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين
ولا عدوان إلا على الظالمين.
سمعت جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من
نوري، وخلق محبيهم من نورهم، وسائر الناس في النار.
37

(20)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في التذمر من المنافقين
روي أن أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام قام بأمر الله جل وعلا،
واتبعه المؤمنون، وأتاه الناس فبايعوه، وقالوا له: يا ابن رسول الله نحن
السامعون المطيعون لك.
قال الإمام الحسن عليه السلام: كذبتم، فوالله ما وفيتم لمن كان خيرا
مني فكيف تفون لي، وكيف أطمئن إليكم.
إن كنتم صادقين فموعدنا بيني وبينكم المعسكر في المدائن.
فركب وتخلف عنه أكثر الناس.
فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ثم قال: أيها
الناس قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي، فلا جزاكم الله عن رسول الله
وأهل بيته خيرا.
مع أي إمام تقاتلون بعدي؟ مع الظالم الكافر الزنديق الذي لم يؤمن
بالله ورسوله قط، ولا أظهر الإسلام ومن تقدمه من الشجرة الملعونة في
كتاب الله بني أمية إلا خوفا من سيوف الحق، ولو لم يبق منهم إلا عجوز
درداء لبغت دين الله الغوابل.
(1) إثبات الوصية للمسعودي / ص 128.
38

(21)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في تقاعس الكندي والمرادي عن الجهاد
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، هذا فلان الكندي قدمته
بين يدي الله لمحاربة عدو الله، وابن أكلة الأكباد، فبعث إليه بمال،
ووعده ومناه حطام الدنيا ومتاعها، فباع دينه وآخرته بدنيا زائلة غير
باقية، وقد توجه إليه، وقد أخبرتكم مرة أخرى أنه لا وفاء لكم ولا ذمة،
ولا خير عندكم، وأنكم عبيد الدنيا، وإني موجه مكانه رجلا، وإني
لأعلم أنه يفعل فعل صاحبه، غير مفكر في عاقبة أمره ومرجعه،
ولا مراقب لله في دينه.
(1) إثبات الوصية للمسعودي.
40

(22)
ومن خطبة عليه السلام (1)
بعد التحاق صاحبيه بمعسكر الضلال
روي أن الكندي والمرادي لما غدرا ونكثا بيعة إمام زمانهم
الحسن الزكي بن علي عليهما السلام، وباعا حظهما بالثمن الأوكس فاختارا
النار على الجنة، ومضيا إلى معاوية بن أبي سفيان.
قام أبو محمد الحسن بن علي خطيبا فحمد الله وأثني عليه، وقال:
قد عرفتكم أنكم لا تفون بعهد، ولا تستنيمون إلى عقد، وقد غدر المرادي
الذي أخبرتموه وقبله ما أخبرتكم الكندي.
فقام أناس فقالوا: إن كان الرجلان غدرا فنحن ننصح ولا نغدر.
فقال لهم: كلا وأنى أعذر بيني وبينكم مع علمي بسوء ما تبطنون،
وتنطوون عليه، وموعدكم عسكري بالنخيلة.
ثم خرج فعسكر بالنخيلة وأقام بها عشرة أيام فلم يلحق به منهم
إلا عدد يسير.
فانصرف عليه السلام إلى الكوفة.
(1) إثبات الوصية للمسعودي.
41

(23)
خطبته عليه السلام بالكوفة (1)
قام عليه السلام خطيبا فيها حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا عجبا من
قوم لا حياء لهم ولا دين من غدرة بعد غدرة. أما والله لو وجدت أعوانا
لقمت بهذا الأمر أي قيام، ونهضت به أي نهوض، وأيم الله لا رأيتم فرحا
ولا عدلا أبدا، مع ابن أكلة الأكباد وبني أمية، وليسومنكم سوء العذاب
حتى تتمنوا أن يليكم عبد حبشي مجدع، فأف لكم، وبعدا، وترحا، يا عبيد
الدنيا وموالي الحطام.
ثم نزل وهو يقول: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله.
فاتبعه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام عدد يسير إشفاقا عليه
وحقنا لدمه.
(1) إثبات الوصية للمسعودي.
42

(24)
ومن دعائه عليه السلام (1)
في الاستسقاء
روي أن قوما اجتمعوا عند أمير المؤمنين عليه السلام فشكوا إليه قلة
المطر وقالوا يا أبا الحسن ادع لنا بدعوات في الاستسقاء، قال: فدعى الحسن
والحسين عليهما السلام، ثم قال للحسن: ادع لنا بدعوات في الاستسقاء.
فقال الحسن عليه السلام: اللهم هيج لنا السحاب، بفتح الأبواب بماء
عباب ورباب بالضباب وانسكاب، يا وهاب اسقنا مغدقة مطبقة بروقة،
فتح أغلاقها، ويسر إطباقها، وسهل إطلاقها، وغجل سياقها بالأندية في
بطون الأودية بضرب الماء يا فعال، اسقنا مطرا قطرا، طلا مطلا، مطبقا
طبقا عاما معما، رهنا بهما رحما رشا، مرشا واسعا، كافيا عاجلا، طيبا
مرثيا، مباركا سلاطيحا، بلاطحا يناطح الأباطح، مغدوقا مطبوقا مغروقا،
اسق سهلنا وجبلنا، وبذورنا حتى ترخص به أسعارنا، وتبارك لنا في
صاعنا، ومدنا أرنا الرزق موجودا والغلاء مفقودا أمين يا رب العالمين.
(1) قرب الإسناد للحميري.
43

(25)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في التوجيه الاجتماعي
اعلموا أن الحلم زين، والوقار مودة، والصلة نعمة، والاكثار صلف،
والعجلة سفة، والسفه ضعف، والقلق ورطة ومجالسة أهل الدناءة شين،
ومخالطة أهل الفسوق ريبة..
(1) صبح الأعشى - ج 1 - ص 215.
44

(26)
ومن خطبه عليه السلام (1)
قبل حرب الجمل
قام عليه السلام فقال: أيها الناس أجيبوا دعوة إمامكم، وسيروا إلى
إخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولوا
النهي أمثل في العاجلة، وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا، وأعينونا على
ما ابتلانا به وابتليتم، وأن أمير المؤمنين عليه السلام يقول: قد خرجت
مخرجي هذا ظالما أو مظلوما، وإني أذكر الله رجلا رعى حق الله
إلا نفر، فإن كنت مظلوما أعانني، وإن كنت ظالما أخذ مني.
والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني، وأول من غدر، فهل
استأثرت بمال أو بدلت حكما، فانفروا فمروا بالمعروف، وانهوا عن
المنكر.
(1) الكامل لابن أثير / ط مصر / ج 3 / ص 1301.
45

(27)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في نقض طلحة والزبير ببيعتهما له
حمد الله وأثني عليه، وقال: أيها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير وقد كان
والله يتجنى على عثمان الذنوب، وقد ضيق عليه البلاد، حتى قتل، وأن
طلحة را كزا رأيته على بيت ماله وهو حي.
وأما قوله: أن عليا ابتز الناس أمرهم، فإن أعظم حجة لأبيه زعم أنه
بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه، فقد أقر بالبيعة، وادعى الوليجة، فليأت على
ما ادعاه ببرهان، وأنى له ذلك.
وأما تعجبه من تورد أهل الكوفة على أهل البصرة فما عجبه من أهل
حق توردوا على أهل باطل، ولعمري والله ليعلمن أهل البصرة وميعاد
ما بيننا وبينهم، اليوم نحاكمهم إلى الله تعالى فيقضي الله الحق وهو خير
الفاصلين.
(1) الجمل أو النصرة في حرب البصرة: للشيخ المفيد.
46

(28)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في بيان سبب نقض البيعة
روي أنه عليه السلام صعد المنير فحمد الله وأثنى عليه، وذكر جده
فصلى عليه، وذكر فضل أبيه، وسابقته وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه
أولى بالأمر من غيره.
ثم قال: معاشر الناس: إن طلحة والزبير بايعا عليا طائعين، غير
مكرهين، ثم نفرا، ونكثا بيعتهما له، فطوبى لمن خف في مجاهدة من
جاهده فإن الجهاد معه كالجهاد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(1) الكامل لابن الأثير / ط مصر / ج 3.
47

(29)
خطبته عليه السلام بالكوفة (1)
روي لما نزل الإمام الحسن بن علي عليه السلام وعمار، وقيس
الكوفة، ومعهم كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، قام فيهم الحسن بن علي
عليهما السلام.
فقال: أيها الناس قد كان من أمير المؤمنين عليه السلام ما يكفيكم جملته
وقد أتيناكم مستنفرين لكم لأنكم جبهة الأنصار، وسنام العرب، وقد
نقضا طلحة والزبير بيعتهما وخرجا بعائشة، وهي من النساء وضعف رأيهن
كما قال الله تعالى: الرجال قوامون على النساء...
أما والله لئن لم تنصروه لينصرنه الله، يتبعه من المهاجرين والأنصار
وسائر الناس فانصروا ربكم ينصركم.
(1) الجمل أو حرب البصرة.
48

(30)
ومن خطبه عليه السلام (1)
لما عزم على تسليم الأمر لمعاوية
قال: أيها الناس إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل بيت نبيكم
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وكرر ذلك حتى ما بقي في المجلس إلا من بكى وسمع نشيجه.
(1) الكامل لابن الأثير 3 / 206 ط مصر. 4 - الروائع المختارة
49

(31)
ومن كلامه عليه السلام (1)
بعد تسليم الأمر لمعاوية والصلح معه
قيل له: ما حملك على ما فعلت؟
قال عليه السلام: كرهت الدنيا، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق
بهم أحد أبدا إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هواء،
مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر، لقد لقى أبي منهم أمورا عظاما، فليت
شعري لمن يصلحون بعدي وهي أسرع البلاد خرابا.
(1) الكامل لابن الأثير / 3 / 206 ط مصر.
50

(32)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في بيان أمجاده وحسبه ونسبه
حمد الله وصلى على نبيه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن
لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، أنا ابن نبي الله، أنا ابن من جعلت
له الأرض مسجدا وطهورا، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير،
أنا ابن خاتم النبيين، سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين،
أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين.
فلما سمع كلامه معاوية، غاظه منطقه، وأراد أن يقطع عليه، فقال:
يا حسن عليك بصفة الرطب.
فقال الإمام الحسن عليه السلام: الريح تلقحه، والجر ينضجه، والليل
يبرده ويطيبه على رغم أنفك يا معاوية.
ثم أقبل على كلامه فقال عليه السلام: أنا ابن المستجاب للدعوة، أنا ابن
الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض رأسه عن التراب، ويقرع باب
الجنة، أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبي قبله، أنا ابن من نصر
على الأحزاب، أنا ابن من ذل له قريش رغما.
فقال معاوية: أما إنك تحدث نفسك بالخلافة، ولست هناك.
فقال الإمام الحسن عليه السلام: أما الخلافة فلمن عمل بكتاب الله
(1) مقتل الحسين للخوارزمي.
51

وسنة نبيه، ليست الخلافة لمن خالف كتاب الله، وعطل السنة، إنما مثل
ذلك مثل رجل أصاب ملكا فتمتع به وكأنه انقطع عنه، وبقيت تبعاته عليه.
فقال معاوية: ما في قريش رجل إلا ولنا عنده نعم جزيلة، ويد جميلة
قال الإمام الحسن عليه السلام: بلى من تعززت به بعد الذلة، وتكثرت
به بعد القلة.
فقال معاوية: من أولئك يا حسن؟
قال عليه السلام: من يلهيك عن معرفته.
ثم قال عليه السلام: أنا ابن من ساد قريشا شابا وكهلا، أنا ابن من ساد
الورى كرما ونبلا، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق، والفرع
الباسق، والفضل السابق، أنا ابن من رضاه رضى الله، وسخطه سخطه،
فهل لك أن تساميه يا معاوية.
- فقال أقول لا، تصديقا لقولك -
فقال الإمام الحسن عليه السلام: الحق أبلج، والباطل لجلج، ولم يندم
من ركب الحق وقد خاب من ركب الباطل، والحق يعرفه ذو والألباب.
ثم أخذ معاوية بيد الإمام الحسن عليه السلام وقال: لا مرحبا بمن ساءك
52

(33)
ومن كلامه عليه السلام (1)
بعد الصلح
روي عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن علي يا ابن رسول الله لم
داهنت معاوية وصالحته؟ وقد علمت أن الحق لك دونه، وأن معاوية
ضال باغ؟!
فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله - تعالى ذكره - على خلقه، وإماما
عليهم بعد أبي؟ قلت بلى.
قال: ألست الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي ولأخي الحسن والحسين
إمامان قاما أو قعدا، قلت: بلى، قال فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام إذا
قعدت.
يا أبا سعيد علة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل
مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه
كفار بالتأويل.
يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه
رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا
ألا ترى الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار سخط موسى
فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي، هكذا أنا، سخطتم علي
(1) عاشر البحار للمجلسي رحمه الله.
53

بجهلكم وجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه
الأرض أحد إلا قتل.
54

(34)
ومن خطبه عليه السلام (1)
فيما خص الله به أهل البيت
قال بعد الحمد والثناء، والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): أهل بيت
أكرمنا الله واختارنا، واصطفانا، وأذهب عنا الرجس، وطهرنا تطهيرا،
ولم يفترق الناس فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما من آدم إلى جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
فلما بعثه للنبوة، واختاره للرسالة، وأنزل عليه كتابه، فكان أبي
أول من آمن، وصدق الله ورسوله، وقد قال الله في كتابه المنزل على
نبيه المرسل: أفمن كان على بينة من ربه، ويتلوه شاهد منه.
وقد قال له جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أمره أن يسير إلى مكة في موسم الحج
بسورة براءة: سر بها يا علي، فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل
مني وأنت فأبي من جدي، وجدي من الله.
وقال له جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قضى بينه وبين أخيه جعفر، ومولاه زيد
ابن حارثة في ابنة عمه حمزة: أما أنت يا علي فمني، وأنا منك، وأنت ولي
كل مؤمن ومؤمنة بعدي.
فلم يزل أبي وقى جدي بنفسه، وفي كل موطن يقدمه جدي لكل شدة،
يرسله ثقة منه وطمأنينة إليه، وقال الله جل شأنه: والسابقون السابقون
أولئك المقربون.
(1) ينابيع المودة للقتدوزي الحنفي.
55

فكأن أبي سابق السابقين وأقرب المقربين إلى الله وإلى رسوله، وذلك
أنه لم يسبقه إلى الإيمان أحد غير خديجة (سلام الله عليها) فكما أن الله عز
وجل فضل السابقين على المتأخرين، فضل سابق السابقين، وقد قال الله
عز وجل: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن بالله
واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله.
نزلت هذه الآية في أبي، وكان حمزة وجعفر قتلا شهيدين في قتلاء
كثيرة من الصحابة، فجعل الله حمزة سيد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر
جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء من بينهم، وذلك
لقرابتهما من جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصلى جدي على عمه جمزة سبعين صلاة من بين
الشهداء يوم أحد، وكذلك جعل الله تعالى لنساء نبيه المحسنة منهن أجرين،
وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من جدي.
وجعل الله الصلاة في مسجد نبيه بألف صلاة من بين سائر المساجد
إلا المسجد الحرام لمكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما نزل: يا أيها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما...
قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على
محمد وآل محمد.
فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على جدي فريضة واجبة،
وأحل الله خمس الغنيمة لرسوله وأوجبها في كتابه، وأوجب لنا من ذلك
ما أوجب له، وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا، نزهنا مما نزهه وطيب
لنا ما طيب له، كرامة أكرمنا الله بها، وفضيلة فضلنا على سائر عباده.
وقال تعالى لجدي حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل
56

فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فأخرج جدي معه من الأنفس أبي، ومن
البنين أنا وأخي الحسين، ومن النساء أمي فاطمة، فنحن أهله ولحمه ودمه
ونفسه، ونحن منه وهو منا، وقد قال الله تبارك وتعالى: " إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".
فلما نزلت هذه جمعنا جدي: وأخي وأمي وأبي ونفسه في كساء
خيبري في حجرة أم سلمة رضي الله عنها فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي
وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطيرا.
فقالت أم سلمة أنا أدخل معهم يا رسول الله؟ فقال: قفى مكانك يرحمك
الله أنت على خير، وأنها خاصة لي ولهم.
ولما نزلت: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ".. يأتينا جدي كل
يوم عند طلوع الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت يرحمكم الله، وإنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
وأمر بسد الأبواب في مسجده غير بابنا فكلموه في
ذلك فقال: إني لم
أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي، ولكن أتبع ما أوحي إلي،
إن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح باب علي، وقد سمعت هذه الأمة جدي
يقول: " ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل يذهب
أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوه " وسمعوه يقول لأبي: " أنت مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وقد رأوه وسمعوه حين أخذ بيد أبي (بغدير) خم، وقال لهم، من
كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم أمرهم
57

أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.
ثم قال عليه السلام: أيها الناس إنكم لو التمستم ما بين جابلقا وجابرسا
رجلا جده نبي، وأبوه وصيه لم تجدوا غيري وغير أخي فاتقوا الله ولا تضلوا.
أيها الناس لو أذكر الذي أعطانا الله تبارك وتعالى وخصنا به من الفضائل
في كتابه، وعلى لسانه نبيه لم أحصه، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن السراج
المنير الذي جعله رحمة للعالمين، وأقسم بالله لو تمسكت الأمة بالثقلين لأعطتهم
السماء قطرها، والأرض بركتها، ولأكلوا نعمتها خضراء من فوقهم، ومن
تحت أرجلهم من غير اختلاف بينهم إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل:
" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من
فوقهم، ومن تحت أرجلهم " وقال الله عز وجل: ولو أن أهل القرى آمنوا
واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم
بما كانوا يكسبون ".
نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الناس
اسمعوا وعوا، واتقوا الله وارجعوا إليه، هيهات منكم الرجعة إلى الحق،
وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود، أنلزمكموها وأنتم لها
كارهون "، والسلام على من اتبع الهدى.
58

(35)
ومن خطبة عليه السلام (1)
في وحدة الصف
قال: الحمد لله لا إله غيره، ولا شريك له - ثم قال -: إن مما عظم
الله عليكم من حقه، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدى
شكره، ولا يبلغه قول ولا صفة، ونحن إنما غضبنا لله ولكم، إنه لم يجتمع
قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا
في قتل عدوكم معاوية وجنوده، ولا تخاذلوا فإن الخذلان يقطع نياط
القلوب، وإن الأقدام على الأسنة نخوة وعصمة، لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله
عنهم العلة، وكفاهم حوائج الذلة، وهداهم إلى معالم الملة.
ثم أنشد:
والصلح تأخذ منه ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
(1) جمهرة خطب العرب، وكتاب صفين لزيادات هناك.
59

(36)
خطبته عليه السلام بالكوفة (1)
بعد وفاة أبيه عليه السلام
روي عن المدائني أنه قال: لما توفي الإمام عليه السلام خرج عبد الله
ابن العباس بن عبد المطلب إلى الناس فقال:
إن أمير المؤمنين عليه السلام توفي وقد ترك خلفا، فإن أحببتم خرج
إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد.
فبكى الناس وقالوا بل يخرج إلينا.
فخرج الحسن عليه السلام - فخطبهم - فقال:
أيها الناس اتقوا الله فإنا أمراءكم وأولياءكم، وإنا أهل البيت الذين
قال الله فينا: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم
تطهيرا ".
فبايعه الناس.
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد / ص 8.
60

(37)
ومن خطبه عليه السلام (1)
حينما نكث عهده، وغدر به
عن رياح بن الحارث أنه قال: كنت عند منبر الإمام الحسن بن علي
عليهما السلام وهو يخطب الناس بالمدائن، فقال:
أن أمر الله واقع، إذ لا له دافع وإن كره الناس، إني ما أحببت أن آلى
من أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد
علمت ما ينفعني مما يضرني، فالحقوا بطيبتكم.
(1) تاريخ ابن عساكر / ج 4.
61

(38)
ومن خطبه عليه السلام
لما تم الصلح
قال عليه السلام: أيها الناس إن أكيس الكيس التقي، وأحمق الحمق
الفجور، وإنكم لو طلبتم ما بين جابلق وجابرس رجلا جده رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ما وجدتموه غيري، وغير أخي الحسين عليه السلام، وقد علمتم أن
الله هداكم بجدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنقذكم به من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة
وأعزكم بعد الذلة وكثركم بعد القلة، وأن معاوية نازعني حقا هو لي دونه،
فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من
سالمني، وتحاربوا من حاربني فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني
وبينه، وقد بايعته ورأيت أن أحقن دماء المسلمين خير من سفكها ولا أريد
بذلك إلا صلاحكم، وبقاءكم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
ثم نزل وتوجه بعد ذلك إلى المدينة وأقام بها.
وكانت مدة خلافته إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وثلاثة أيام، وقيل
خمسة أيام.
(1) الفصول المهمة لابن صباغ المالكي.
62

(39)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام
حمد الله وصلى على رسوله ثم قال: أيها الناس إنا جئناكم ندعوكم إلى
الله وإلى كتابه وسنة رسوله، وإلى أفقه من تفقه من المسلمين، وأعدل من
تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعيبه القرآن،
ولم تجهله السنة، ولم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى ورسوله قرابتين
قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة، إلى من كفى
الله به ورسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلى معه
وهم مشركون، قاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدقه
وهم يكذبون، إلى من ترد له ولا تكافأ له سابقة، وهو يسألكم النصر،
ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا
راية بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله، وانتهبوا بيت
ماله، فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر،
وأحضروا بما يحضر به الصالحون.
(1) الشرح على النهج / ج 3.
63

(40)
وصيته لأخيه الحسين (ع) (1)
عليهما السلام
هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي عليهما لسلام
أوصى أنه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق
عبادته لا شريك له في الملك، ولا ولي له من الذل، وأنه خلق كل شئ
فقدره تقديرا، وأنه أولى من عبد، وأحق من حمد، من أطاعه رشد، ومن
عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى.
وإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن
تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفا ووالدا، وأن
تدفنني مع جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإني أحق به وبيته ممن أدخل ببيته بغير
إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله تعالى فيما أنزله على نبيه في كتابه:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم فوالله ما أذن
لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ولا جاءهم الإذن في ذلك بعد
وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.
فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل
منك، والرحم الماسة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا تهريق في محجمة من
دم حتى نلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس
إلينا بعده.
(1) الكافي الكليني رحمه الله.
64


(1) لآية الله الحجة الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي.
65

(41)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في النصح والإرشاد
الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا، وائتمنه على الوحي.
أما بعد فإني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه، وأنا أنصح
خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغن، ولا مريدا له بسوء،
ولا عائلة إلا، وأن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة،
ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا
علي رأيي غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
(1) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج.
66

(42)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في الحث على الجهاد
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه
وسماه كرها، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: اصبروا إن الله مع
الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون،
أنه بلغني أن معاوية بلغه إنا كنا أزمعنا على المسير إليه، فتحرك لذلك،
أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة، حتى ننظر وتنظرون، ونرى
وترون.
(1) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج.
67

(43)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في كشف حقيقة الصلح والبيعة
حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة
أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، وكذب معاوية.
أنا أولى بالناس في كتاب الله، وعلى لسان نبي الله، فأقسم بالله لو أن
الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها
ولما طمعت فيها يا معاوية وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ولت أمة أمرها رجلا
قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعون إلى
ملة عبدة العجل، وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل
هم يعلمون أن هارون خليفة موسى وقد ترك.
وقد تركت الأمة عليا وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي.
وقد هرب رسول الله (صلى الله وعليه وآله وسلم) من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى
الغار ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك
يا معاوية.
وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد
عليهم أعوانا.
(1) احتجاج الطبرسي رحمه الله.
68

وقد جعل الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سعة حين فر من قومه لما يجد أعوانا عليهم
وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا، ولم نجد
أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من
ولد نبي غيري وغير أخي.
69

(44)
ومن خطبه عليه السلام (1)
ردا على من تجاسر عليه
روي لما تمت البيعة لمعاوية بالعراق، وانصرف راجعا إلى الشام،
أتاه سليمان بن صرد وكان غائبا عن الكوفة، وكان سيد أهل العراق
ورأسهم، فدخل على الحسن عليه السلام - فتجاسر عليه - فقال السلام
عليك يا مذل المؤمنين، فقال الحسن عليه السلام: وعليك السلام اجلس!
لله أبوك.
قال الراوي: فجلس سليمان وتكلم بما تكلم فسكت، ثم تكلم كل من
حضر مجلسه بمثل مقالته وكلهم يقولون: ابعث سليمان بن صرد وابعثنا
معه، ثم ألحقنا إذا علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلقه.
فتكلم عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم شيعتنا
وأهل مودتنا ومن نعرفه بالنصيحة والاستقامة لنا وقد فهمت ما ذكرتم،
ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب وما كان معاوية بأبأس
مني وأشد شكيمة، ولكان رأيي غير ما رأيتم سلكنى، أشهد الله وإياكم إني لم
أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم وإصلاح ذات بينكم، فاتقوا الله وارضوا
بقضاء الله وسلموا الأمر لله، والزموا بيوتكم، وكفوا أيديكم، حتى
يستريح من بر، أو يستراح فاجر، مع أن أبي كان يحدثني أن معاوية سيلي
(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة.
70

الأمر، فوالله لو سرنا إليه بالجبال والشجر ما شككت أنه سيظهر أن الله
لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
وأما قولك يا مذل المؤمنين فوالله لئن تذلوا وتعافوا أحب إلى من أن
تعزوا وتقتلوا فإن رد الله علينا حقنا في عافية قبلنا، وسألنا لله العود على
أمره وإن صرفه عنا رضينا وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنا
رضينا وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنا، فليكن كل رجل منكم حلسا
من أحلاس بيته ما دام معاوية حيا فإن يهلك ونحن وأنتم أحياء سألنا الله
العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا فإن الله مع
الذين اتقوا والذين هم محسنون.
71

(45)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في منزلة أهل البيت وفضائلهم
قال عليه السلام: أيها الناس اعقلوا عن ربكم، إن الله عز وجل اصطفى
آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض
والله سميع عليم، فنحن الذرية من آدم، والأسرة من نوح، والصفوة من
إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل محمد نحن، فيكم كالسماء المرفوعة
والأرض المدحوة والشمس الصاحية، وكالشجرة الزيتونة، لا شرقية
ولا غربية التي زيتها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة،
فمن تعلق بغصن من أغصانها: نجى ومن تخلف عنها فإلى النار هوى.
(1) جلاء العيون للعلامة السيد عبد الله الشبر رحمه الله.
72

(46)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في بيان خبث عنصر معاوية وأتباعه الأربعة
روى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات قال: اجتمع عند معاوية
عمر وبن العاص والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة،
فقالوا لمعاوية: إن الحسن قد أحي أباه وذكره، قال معاوية: فما تريدون؟
قالوا: ابعث عليه فليحضر، نعيره ونوبخه، ونخبره أن أباه قتل عثمان
ونقرره على ذلك، فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فأخبره أن معاوية يدعوه،
فقام الحسن عليه السلام فدخل على معاوية فلما دخل عليه أعظمه وأكرمه
وأجلسه إلى جانبه.
قام عمر وبن العاص فتكلم في حق علي عليه السلام بما لا ينبغي به، ثم
تكلم الوليد بن عقبة، ومن بعده تكلم عتبة بن أبي سفيان، ثم المغيرة بن
شعبة، ثم سكتوا جمعيا.
فتكلم الحسن بن علي عليه السلام: حمد الله وأثنى عليه، وصلى على
رسوله، ثم قال: أما بعد يا معاوية فما هؤلاء شتموني، ولكنك شتمتني
فحشا الفتنة، وسوء رأي عرفت به، وخلقا سيئا ثبت عليه، وبغيا علينا
عداوة منك لمحمد وأهله، ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولن فيك
وفيهم ما هو دون ما فيكم!
أنشدكم الله أيها الرهط؟: أتعلمون أن الذي شتمتموه منذ اليوم صلى
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد / 2 / 101.
73

القبلتين كلتيهما وأنت يا معاوية بهما كافر تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزى
غواية، وأنشدكم الله هل تعلمون أنه بايع البيعتين كليهما بيعة الفتح وبيعة
الرضوان وأنت يا معاوية بأحديهما كافر، وبالأخرى ناكث، وأنشدكم الله هل تعلمون أنه أول الناس إيمانا، وأنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم،
تسرون الكفر، وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال، وأنشدكم الله
ألستم تعلمون أنه كان صاحب راية رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر، وأن راية
المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه، ثم لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب
ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كل ذلك
يفتح الله له، ويفلج حجته، وينصر دعوته، ويصدق حديثه، ورسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط
وأنشدك الله يا معاوية أتذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه،
وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال اللهم العن الراكب
والقائد والسائق، أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يسلم
تنهاه عن ذلك:
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وعمي وعم الأم ثالثهم * وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا
لا تركنن إلى أمر تكلفنا * والراقصات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد * جاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا
والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت، وأنشدكم الله أيها الرهط
أتعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فأنزل فيه: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم وأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم
74

فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله وفعل في
خيبر مثلها ثم قال يا معاوية أظنك لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليك رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك ونهمك إلى أن
تموت، وأنتم أيها الرهط نشدتكم الله ألا تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن
أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها، أو لها يوم لقى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به وسبه
وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده وهم أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف
عنه، والثانية يوم العير إذ عرض لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي جائية من الشام
فطردها أبو سفيان وساح بها فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ودعا عليه فكانت وقعة بدر لأجلها.
والثالثة يوم أحد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله في أعلاه وهو
ينادي أعل هبل مرارا فلعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر مرات ولعنه المسلمون.
والرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والخامسة: يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ذلك يوم الحديبية فلعن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان ولعن القادة والأتباع وقال ملعونون كلهم وليس فيهم
من يؤمن فقيل يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة،
فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع، وأما القادة فلا يفلح منهم أحد.
والسادسة: يوم الجمل الأحمر.
والسابعة: يوم وقفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا
اثنى عشر رجلا منهم أبو سفيان فهذا لك يا معاوية.
75

وأما أنت يا ابن العاص فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا من
عهر وسفاح فتحاكم فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم
حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال: أنا شانئ محمد الأبتر، فأنزل
فيه ما أنزل، وقاتلت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته
بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم
خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل
مكة، فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا، جعلت
حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما
ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك، فأنت عدو بني هاشم في
الجاهلية والإسلام ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إني
لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة فعليك إذا من
الله ما لا يحصى من اللعن، وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه
الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتلته، قلت أنا أبو عبد الله إذا
نكأت قرحة أدميتها ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه
فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا،
ولا غضبت له مقتولا، ويحك يا ابن العاص ألست القائل في بني هاشم لما
خرجت من مكة إلى النجاشي:
تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير مني بمستنكر
فقلت ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصفر
وشانئ أحمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر
76

وأجرى إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر
ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر
فإن قبل العتب مني له * وإلا لويت له مشفري
فهذا جوابك هل سمعت؟
وأما أنت يا وليد فوالله ما ألومك على بغض علي عليه السلام وقد
جلدك ثمانين في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا وأنت الذي
سماه الله الفاسق، وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له: أسكت
يا علي! فأنا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا، فقال لك على: أسكت
يا وليد! فأنا مؤمن وأنت فاسق، فأنزل الله تعالى في موافقة قوله: أفمن
كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.
ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..
ويحك يا وليد مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه:
أنزل الله والكتاب عزيز * في علي وفي الوليد قرآنا
فتبو الوليد إذ ذاك فسقا * وعلى مبوء إيمانا
ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليل * وعلي إلى الحساب عيانا
فعلي يجزى بذلك جنانا * ووليد يخزى بذاك هوانا
رب جسد لعقبة بن أبان * لا بس في بلادنا تبانا
وما أنت وقريش؟ إنما أنت علج من أهل صفوريه. وأقسم بالله لأنت
أكبر في الميلاد وأسن مما تدعى إليه، وما أنت يا عتبة فوالله ما أنت بحصيف
فأجيبك، ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك، وما عندك خير يرجى، ولا شر
77

يتقى، وما عقلك وعقل أمتك إلا سواء، وما يضر عليا لو سببته على رؤوس
الأشهاد، وأما وعيدك إياي بالقتل، فهال قتلت اللحياني إذ وجدته على
فراشك، أما تستحي من قول نصر بن حجاج فيك:
يا للرجال وحادث الأزمان * ولسبه تخزى أبا سفيان
نبئت عتبة خانه في عرسه * جنس لئيم الأصل من لحيان
وبعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه، فكيف يخاف أجد سيفك
ولم تقتل فاضحك، وكيف ألومك على بغض على وقد قتل خالك الوليد مبارز
يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة
في مقام واحد.
وأما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن نقع في هذا وشبهه، وإنما مثلك
مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإني طائرة عنك، فقالت النخلة وهل
علمت بك واقعة علي، فأعلم بك طائرة عني، والله ما تشعر بعداوتك إيانا،
ولا اغتممنا إذ علمنا بها ولا يشق علينا كلامك، وإن حد الله في الزنا لثابت
عليك، ولقد در أعمر عنك حقا الله سائله عنه، ولقد سألت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فقال: لا بأس بذلك
يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنك زان، وأما فخركم علينا بالإمارة فإن الله
تعالى يقول: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناها تدميرا....
ثم قام الإمام الحسن عليه السلام فنفض ثوبه فانصرف.
قال معاوية: والله ما قام حتى أظلم على البيت.
78

(47)
ومن كلامه عليه السلام (1)
مع ابن الزبير
قال عليه السلام لابن الزبير: أما والله لولا أن بني أمية تنسبني إلى
العجز عن المقال، لكففت عنك تهاونا بك، ولكن سأبين لك ذلك لتعلم
أني لست بالعي ولا الكليل اللسان، إياي تعير، وعلي تفتخر، ولم تك
لجدك في الجاهلية مكرمة أن لا تزوجه عمتي صفية بنت عبد المطلب فبذخ
بها على جميع العرب، وشرف بمكانها، فكيف تفاخر من في القلادة واسطتها
وفي الأشراف سادتها، نحن أكرم أهل الأرض زندا، لنا الشرف الثاقب،
والكرم الغالب، ثم تزعم أني سلمت الأمر لمعاوية فكيف يكون؟ ويحك
كذلك وأنا أشجع العرب ولدتني فاطمة سيدة النساء وخيرة الأمهات،
لم أفعل ويحك جبنا ولا فرقا، ولكنه بايعني مثلك وهو يطلب تيره ويداجيني
المودة فلم أثق بنصرته لأنكم بيت غدر، وأهل إحن ووتر فكيف لا تكون
كما أقول وقد بايع أمير المؤمنين أبوك، ثم نكث بيعته ونكص على عقبيه
واختدع حشية من حشايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليضل بها الناس، فلما دلف
نخو الأعنة ورأى بريق الأسنة قتل بمضيعة لا ناصر له وأتى بك أسيرا،
وقد وطئتك الكماة بأظلافها والخيل بسنابكها، واعتلاك الأشتر بريقك،
وأقعيت على عقبيك كالكلب إذا احتوشته الليوث فنحن ويحك نور البلاد
وأملاكها، وبنا تفتخر الأمة، وإلينا تلقى مقاليد الأزمة، نصول وأنت
تختدع النساء ثم تفتخر على بني الأنبياء لم تزل الأقاويل منا مقبولة وعليك
(1) المحاسن والأضداد.
80

وعلى أبيك مردودة تدخل الناس في دين جد طائعين وكارهين، ثم بايعوا
أمير المؤمنين صلوات الله عليه فسار إلى أبيك وطلحة حين نكثا البيعة
وخدعا عرس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقتلا عند نكثهما البيعة، وأتى بك أسيرا
تبصبص بذنبك، فنا شدته الرحم أن يقتلك، فعفى عنك فأنت عتاقة أبي
وأنا سيدك وأبي سيد أبيك، فذق وبال أمرك.
فقال ابن الزبير: اعذرنا يا أبا محمد فإنما حملني على محاورتك هذا
وأشار إلى معاوية.
اشتهى الإغراء بيننا.. فهلا إذا جهلت أمسكت عني فإنكم أهل بيت
سجيتكم الحلم والعفو.
ثم التفت الإمام إلى معاوية قائلا: يا معاوية أنظر أأكع عن محاورة
أحد؟ ويحك أتدري من أي شجرة أنا، وإلى من انتمى، انته قبل أن أسمك
بسمة يتحدث بها الركبان في آفاق البلدان.
81

(48)
ومن كلامه عليه السلام (1)
مع مروان
قال عليه السلام: ويلك يا مروان لقد تقلدت مقاليد العارفي الحروب
عند مشاهدتها، والمخاذلة عند مخالطتها، هبلتك أمك، لن الحجج البوالغ،
ولنا عليكم إن شكرتم النعم السوابغ، ندعوكم إلى النجاة، وتدعوننا إلى
النار، فشتان بين المنزلتين، تفتخر ببني أمية، وتزعم أنهم صبر في الحروب
أسد عند اللقاء، ثكلتك الثواكل، أولئك البهاليل السادة، والحماة الذادة،
والكرام القادة بنو عبد المطلب.
أما والله لقد رأيتهم أنت وجميع من في المجلس ما هالتهم الأهوال
ولا حادوا عن الأبطال كالليوث الضارية الباسلة الخنقة فعندها وليت هاربا،
(1) المحاسن والأضداد.
82

وأخذت أسيرا، فقلدت قومك العار، لأنك في الحروب خوار، أتهريق
دمي فهلا أهرقت دم من وثب على عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل،
وأنت تثغو ثغاء النعجة، وتنادي بالويل والثبور كالمرأة الوكعاء، ما دافعت
عنه بسهم، ولا منعت دونه بحرب، قد ارتعدت فرائصك، وغشي بصرك،
واستغثت بي كما يستغيث العبد بربه، فأنجيتك من القتل، ومنعتك منه، ثم
جعلت تبحث عن دمي، وتحض على قتلي، ولو رام ذلك معاوية معك لذبح
كما ذبح ابن عفان، وأنت معه أقصر يدا، وأضيق باعا، وأجبن قلبا من أن
تجسر على ذلك، ثم تزعم أني ابتليت بحلم معاوية.
أما والله لهو أعرف بشأنه، واشكر لنا إذ وليناه هذا الأمر، فمتى بدا له
فلا يغضين جفنه على القذى معك، فوالله لأعنفن أهل الشام بجيش يضيق
فضاؤه، ويستأصل فرسانه، ثم لا ينفعك عند ذلك الروغان والهرب،
ولا تنتفع بتدريجك الكلام، فنحن من لا يجهل آباؤنا الكرام القدماء
الأكابر وفروعنا السادة الأخيار الأفاضل.
فأقبل عليه معاوية فقال: قد نهيتك عن هذا الرجل - إلى أن قال:
فليس أبوه كأبيك، ولا هو مثلك، أنت ابن الطريد الشريد، وهو ابن
رسول الله الكريم.
83

(49)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في سبب المصالحة
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة،
ولا قلة، ولكنا كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلام بالعداوة،
والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا، ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم
الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم، وكنتم، لنا وقد صرتم اليوم علينا،
ثم أصبحتم تصدون قتيلين، قتيلا بصفين تبكون عليهم، وقتيلا بالنهروان
تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل وأما الطالب فثاثر، وأن معاوية قد دعا
إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضضنا على
القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله.
فنادى القوم بأجمعهم بل التقية والحياة
(1) ابن الأثير 3 / 106 طبعة أولى بمصر.
84

(50)
ومن خطبه عليه السلام (1)
في يوم الجمعة
اعتل الإمام علي عليه السلام يوما فأمر ابنه الحسن عليه السلام أن
يصلي بالناس يوم الجمعة فصعد المنبر.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا
ورهطا وبيتا، فوالله الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق لا ينتقص من حقنا أهل
البيت أحد إلا نقصه الله من عمله مثله، ولا يكون علينا دولة إلا وتكون لنا
العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين.
(51)
ومن خطبه عليه السلام (2)
في أمر الحكمين
أيها الناس قد أكثرتم في أمر أبي موسى وعمر و، وإنما بعثا ليحكما
بالقرآن دون الهوى، فحكما بالهوى دون القرآن، فمن كان هكذا لم يكن
حكما، ولكنه محكوم عليه، وقد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله
(1) جمهرة خطب العرب 1 / 243.
(2) جمهرة خطب العرب 214 / 1.
85

ابن عمر فأخطأ في ثلاث خصال خالف - يعني أبا موسى - أباه عمر
إذ لم يرضه لها، ولم يره أهلا له وكان أبوه أعلم به من غيره، ولا أدخله في
الشورى إلا على أنه لا شئ له فيها شرطا مشروطا من عمر على أهل الشورى
فهذه واحدة، وثانية لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعتقدون
الإمامة، ويحكمون على الناس، وثالثة لم يستأمر الرجل نفسه ولا علم ما عنده
من رد أو قبول.
(52)
ومن كلام له عليه السلام (1)
يصف المتقين
قال عليه السلام: لقد أصبحت أقوام كانوا ينظرون إلى الجنة ونعيمها،
والنار وجحيمها، يحسبهم الجاهل مرضى، وما بهم من مرض، وقد
خولطوا، وإنما خالطهم أمر عظيم: خوف الله ومهابته في قلوبهم، كانوا
(1) إرشاد الديلمي.
86

يقولون ليس لنا في الدنيا من حاجة، وليس لها خلقنا، ولا بالسعي لها
أمرنا، أنفقوا أموالهم وأنفسهم بالجنة فباعوه وربحت تجارتهم، وعظمت
سعادتهم، وأفلحوا وأنجحوا، فاقتفوا آثارهم، رحمكم الله، واقتدوا بهم،
فإن الله تعالى وصف لنبيه صفة إبراهيم وإسماعيل وذريتهما، وقال: فبهداهم
اقتده... واعلموا عباد الله أنكم مأخوذون بالاقتداء بهم، والاتباع
لهم، فجدوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعوانا للظالم، فإن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من مشى مع ظالم يعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام
ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حاد الله ورسوله، ومن
أعان ظالما ليبطل حقا لمسلم فقد برئ من ذمة الإسلام، ومن ذمة الله
ورسوله، ومن دعى الظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله، ومن ظلم
بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادرا على نصره ولم ينصره فقد باء بغضب
من الله ومن رسوله، ومن نصره فقد استوجب الجنة من الله تعالى. وإن
الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام قل لفلان الجبار: إني لم أبعثك لتجمع
الدنيا على الدنيا، ولكن لترد عني دعوة المظلوم وتنصره، فإني آليت على
نفسي أن أنصره وأنتصر له ممن ظلم بحضرته ولم ينصره.
87

(53)
ومن كلامه عليه السلام (1)
لعبيد الله بن العباس حينما بعثه إلى معاوية
يا ابن عم: إني باعث إليك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب، وقراء
مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم، وألن لهم جانبك، وأبسط
لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، فإنهم بقية ثقات
أمير المؤمنين عليه السلام، وسر بهم على شط الفرات، حتى تقطع بهم
الفرات، حتى تصير بمسكن، ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فإن أنت
لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل
يوم، وشاور هذين - يعني قيس ابن سعد، وسعيد ابن قيس - وإذا
لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله، وإن أصبت فقيس
ابن سعد على الناس، وإن أصيب قيس ابن سعد فسعيد ابن قيس على الناس.
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 20.
90

(54)
ومن كلامه عليه السلام (2)
لعمر وبن العاص عندما لقيه في الطواف
لأهل لنار علامات يعرفون بها إلحادا لأولياء الله، وموالاة لأعداء
الله، والله إنك لتعلم أن عليا لم يرتب في الدين، ولم يشك في الله ساعة
ولا طرفة عين قط، وأيم الله لتنتهين يا ابن أم عمرو، أو لا يقذن حضنيك
بنوافذ أشد من القصبعية، فإياك والتهجم على، فإني من قد عرفت، لست
بضعيف الغمزة ولا هش المشاشة، ولا مرئ المآكلة، وإني من قريش
كواسطة القلادة يعرف حسبي، ولا أدعى لغير أبي، وأنت من تعلم ويعلم
الناس، تحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزارها، ألأمهم
حسبا وأعظمهم لؤما، فإياك عني فإنك رجس، ونحن أهل بيت الطهارة،
أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.
(2) المحاسن والأضداد 75، البحار 44 / 102.
91

(55)
ومن خطبه بعد البيعة (1)
أما بعد: أيها الناس فإن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا وإن
لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، قال الله عز وجل لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): قل
إن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إن الله يعلم الجهر من القول ويعلم
ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
ثم قال: يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفس عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت:
مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا
له وأطيعوا.
(1) مروج الذهب 3 - 9.
92

(56)
ومن دعائه عليه السلام (1)
في القنوت
يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيتك
وتمت كلتك، وأنت على كل شئ قدير، وبما تمضيه خبير.
يا حاضر كل غيب، وعالم كل سر، وملجأ كل مضطر، ضلت فيك
الفهوم، وتقطعت دونك العلوم، أنت الله الحي القيوم، الدائم الديموم
قد ترى ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم، وأنت بالتناصر على
كشفه والعون على كفه غير ضائق، وإليك مرجع كل أمر، كما عن مشيتك
مصدره وقد أبنت عن عقود كل قوم، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت
ما قضيت، وأخرت ما لا فوت عليك فيه، وحملت العقول ما تحملت في
غيبك، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإنك أنت
السميع العليم، الأحد البصير، وأنت الله المستعان وعليك للتوكل، وأنت
ولي من توليت، لك الأمر كله، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وترى
تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فإن،
وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد، وخلوي من
النصار، وانفرادي عن الظهار، وبك أعتصم، وبجبلك أستمسك،
وعليك أتوكل.
اللهم فقد تعلم أني ما ذخرت جهدي، ولا منعت وجدي حتى انفل
(1) الدعوات ص 47.
93

حدي، وبقيت وحدي، فاتبعت طريق من تقدمني في كف العادية، وتسكين
الطاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي
ودنياي، فكنت ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أنستم،
وبميسمهم أتسم، حتى يأتي نصرك، وأنت ناصر الحق وعونه، وإن بعد
المدى المرتاد، ونأى الوقت عن إفناء الأضداد.
اللهم صل على محمد وآله، وامزجهم مع النصاب في سرمد العذاب،
واعم عن الرشد أبصارهم، وسكعهم في غمرات لذاتهم حتى تأخذهم بغتة
وهم غافلون وسحرة وهم نائمون، بالحق الذي تظهره واليد التي تبطش بها،
والعلم الذي تبديه إنك كريم عليم.
94

الباب الثاني
في رسائله وكتبه
95

(1)
فمنها كتابه عليه السلام (1)
إلى قوم من أصحابه، لما كتبوا إليه يعزونه عن ابنة له
كتب عليه السلام: أما بعد فقد بلغني كتابكم تعزوني بفلانة فعند الله
أحتسبها تسليما لقضائه، وصبرا على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجعتنا
النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا خفية، والإخوان المحبين الذين كان
يسر بهم الناظرون، وتقر بهم العيون، أضحوا قد اخترمتهم الأيام، ونزل
بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأردت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر
الموتى، متجاورون في غير محلة التجاور، ولا صلات بينهم ولا تزاور،
ولا يتلاقون عن قرب جوارهم. أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها،
قد أخشعها إخوانها فلم أر مثل دارها ولا مثل قرارها قرارا، في بيوت
موحشة، وحلول مضجعة، قد صارت من تلك الديار الموحشة، وخرجت
عن الدار المؤنسة، ففارقتها من غير قلى، فاستودعتها المبلى، وكانت أمة
مملوكة سلكت سبيلا مسلوكة صار إليها الأولون، وسيصير إليها الآخرون
والسلام.
(1) عاشر البحار للمجلسي رحمه الله، جلاء العيون 1 / 320.
96

(2) ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى معاوية
كتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله الحسن بن
أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد فإن الله تعالى بعث محمدا رحمة
للعالمين فأظهر به الحق، وقمع به الباطل، وأذل به أهل الشرك، وأعز به
العرب عامة، وشرف بهم من شاء منهم خاصة، فقال تعالى: وإنه لذكر لك
ولقومك، فلما قبضة الله تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار
منا أمير، ومنكم أمير، وقالت قريش نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعوا
سلطانه، فعرفت العرب ذلك لقريش، ونحن الآن أولياؤه، وذوي القربى
منه، ولا غرو أن منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف، ولا أثر في
الإسلام محمود، والموعد الله تعالى بيننا وبينك، ونحن نسأله تبارك وتعالى
أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة.
وبعد: فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولا هم
هذا الأمر بعده فاتق الله يا معاوية، وانظر لأمة محمد ما تحقن به دماءهم وتصلح
به أمورهم والسلام.
(1) عاشر البحار للمجلسي، مطالب السؤول ص 68.
97

(3)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى زياد بن أبيه وكان قد طلب رجلا من أصحاب الحسن عليه السلام
ممن كان في كتاب الأمن فكتب إليه الحسن عليه السلام
من الحسن بن علي إلى زياد:
أما بعد: فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا وقد ذكر لي فلان
أنك تعرضت له فأحب أن لا تعرض له إلا بخير والسلام.
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 10.
98

(4)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى معاوية
كتب عليه السلام: أما بعد فإنك دسست إلى الرجال، كأنك تحب
اللقاء، ولا أشك في ذلك فتوقعه إنشاء الله، وبلغني أنك شمت بما لم يشمت
به ذووا الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
فأنا ومن قد مات منا لكالذي
يروح فيمسى في المبيت ليغتدى
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تجهز لأخرى مثلها فكأن قد
(1) ابن أبي الحديد 4 / 11.
99

(5)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى معاوية
كتب عليه السلام: من الحسن بن علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى
معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد: فإن الله جل جلاله بعث محمدا رحمة للعالمين، ومنة للمؤمنين وكافة
للناس أجمعين، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فبلغ
رسالات الله، وقام بأمر الله، حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان، وبعد
أن أظهر الله به الحق، ومحق به الشرك، وخص به قريشا خاصة فقال له:
وإنه لذكر لك ولقومك، فلما توفي تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش:
نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد
وحقه، فرأت العرب أن القول ما قالت قريش، وأن الحجة في ذلك لهم
على من نازعهم أمر محمد، فأفعمت لهم، وسلمت إليهم، ثم حاججنا نحن
قريشا بمثل ما حاججت العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنهم
أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت
محمد وأوليائه إلى محاجتهم وطلبنا النصف منهم باعدونا واستولوا بالاجتماع
على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لن فالموعد الله، وهو الولي النصير، ولقد
كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان بيننا، وإن كانوا ذوي
فضيلة وسابقة في الإسلام وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد
المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب
(1) ابن أبي الحديد 4 / 12.
100

إلى ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على
أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام
محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكتابه، والله حسيبك فسترد وتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقين
عن قليل ربك، ثم ليحزننك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن عليا لما مضى لسبيله، رحمه عليه يوم قبض، ويوم من الله عليه
بالإسلام، ويوم يبعث حيا، ولاني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن
لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده كرامة، وإنما
حملني على الكتاب إليك الأعذار فيما بيني وبين الله عز وجل في أمرك ولك
في ذلك، إن فعلته الخط الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل،
وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر
منك، وعند الله، وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق
الله،! ودع البغي! واحقن دماء المسلمين! فوالله ما لك خير في أن تلقى
الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع
الأمر أهله، ومن هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع
الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك، سرت
إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
101

(6)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
جوابا لمعاوية
أما بعد: فقد وصلني إلى كتابك تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك
خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهله وعلي
إثم أن أقول فأكذب والسلام.
(1) شرح نهج البلاغة 4 / 19 لابن أبي الحديد.
102

(7)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
في الصلح
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب
معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمير المسلمين على أن يعمل
فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس
لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من
بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس، آمنون حيث كانوا من أرض الله
في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على
أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك
عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله
من نفسه، وعلى أن لا ينبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد
من أهل بيت رسول الله غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف أحدا منهم في أفق
من الآفاق، وأن يوصل إلى كل ذي حق حقه، وأن يعطى للحسن في كل
سنة من الخراج خمسين ألف درهم، واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين
والعدول عن القنوت عليه في الصلاة وعلى شيعته، والله ورسوله شاهدان
على ذلك.
(1) جلاء العيون 1 / 346 للعلامة الشبر قدس سره، ومطالب السؤول ص 68.
103

(8)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى الحسن البصري مجيبا عنه
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل إلى كتابك، ولولا ما ذكرته من
حيرتك، وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك.
أما بعد: فمن يؤمن لم بالقدر خيره وشره إن الله يعلمه فقد كفر، ومن
أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا،
ولم يهمل العباد سدى من المملكة، بل هو المالك لما ملكهم والقادر
على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا، ونهاهم تحذيرا، فإن ائتمروا بالطاعة
لم يجدوا عنها صادا، وأن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول
بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل، فليس هو الذي حملهم عليها جبرا، ولا ألزموها
كرها بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلا لهم
على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبرا لهم على ما نهاهم عنه، ولله
الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين والسلام على من اتبع الهدى.
(1) تحف العقول لابن شعبة.
104

(9)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى ابن العاص
قال عوانة: بلغ الحسن بن علي عليهما السلام أن عمرو بن العاص
ينتقص عليا على منبر مصر فكتب إليه:
من الحسن بن علي إلى عمرو بن العاص، أما بعد... فقد بلغني أنك
تقوم على منبر مصر على عتو آل فرعون، وزينة آل قارون، وسيماء
أبي جهل، تنتقص عليا، ولعمري لقد أوترت غير قوسك، ورميت غير
غرضك، وما أنت إلا كمن يقدح في صفاة، في بهيم أسود، فركبت مركبا
صعبا، وعلوت عقبة كؤودا، فكنت كالباحث عن المدية لحتفه، يا ابن جزار
قريش ليس لك سهم في أبيات سؤددها، ولا عائد بأفنية مجدها ولا بفالج
قداحها، لا أحسبك تحظى بما تذكر غير قدرك الحقير، ونسبك الدخيل،
ونفسك الدنية الحقيرة التي آثرت الباطل على الحق، وقنعت بالشبع والدني
من الحطام الفاني، لقد مقتك الله فأبشر بسخطه، وأليم عذابه، وجزاء
ما كسبت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
(1) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس.
105

(10)
ومنها كتابه عليه السلام (1)
إلى زياد
أما بعد: فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم
فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا
فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفعني فيه فقد أجرته والسلام.
(11)
ومنها كتابه عليه السلام (2)
إلى معاوية
أما بعد: فإن خطبي انتهى إلى اليأس، من حق أحييته، وباطل أمته،
وخطبك خطب من انتهى إلى موارده، وإني أعتزل هذا الأمر وأخليه
(1) شرح النهج 4 / 72 لابن أبي الحديد.
(2) علل الشرائع: الشيخ الصدوق رحمه الله.
106

لك، وإن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك، ولي شروط أشترطها،
لأبتهظنك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرت.
وكتب الشروط في كتاب آخر يمنيه بالوفاء وترك الغدر.
ومن ثم قال: وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل أو قعد
عن الحق حين لم ينفع الندم والسلام.
(12)
ومن كتابه عليه السلام (1)
إلى معاوية
لما أرسل إليه أن يخرج فيقاتل الخوارج الذين خرجوا عليه: سبحان
الله.. لو أثرت أن أقاتل أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك
لصلاح الأمة وحقن دمائها.
(1) حياة الحسن 2 / 239.
107

الباب الثالث
في كلماته القصار المتضمنة للنصح
والإرشاد والأخلاق والآداب
109

الآداب الاجتماعية
1 - قال عليه السلام لبعض ولده: يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف
موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة
العثرة، والمواساة في العسرة.
2 - وقال عليه السلام: ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.
3 - وقال عليه السلام: اللؤم أن لا تشكر النعمة.
الوعظ الخالد
4 - وقال عليه السلام: لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا نتكل
على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب
من العفة، وليست العفة بدافعة رزقا. ولا الحرص بجالب فضلا، فإن الرزق
مقسوم واستعمال الحرص استعمال المأثم.
5 - وقال عليه السلام: القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه
والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه، لا شئ أقرب من يد إلى جسد،
وأن اليد تغل فتقطع وتحسم.
قيل له: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إلى من الغنى والسقم أحب
إلى من الصحة.
6 - فقال عليه السلام: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على
حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.
1 / 2 / 3 / 4 / 5 / تحف العقول.
6 / تاريخ ابن كثير 8 / 39.
110

7 - وقال عليه السلام: الخير الذي لا شر فيه، الشكر مع النعمة،
والصبر على النازلة.
8 - وقال عليه السلام لرجل أبل من علة: إن الله قد ذكرك فاذكره،
وأقالك فاشكره.
9 - وقال عليه السلام: العار أهون من النار.
10 - وقال عليه السلام: ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه
وبين ربه.
قيل له: فيكم عظمة.
11 - فقال عليه السلام: بل في عزة قال الله: ولله العزة ولرسوله
وللمؤمنين.
فوائد التردد إلى المسجد
12 - وقال عليه السلام: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب
إحدى ثمان: آية محكمة، وأخا مستفادا، وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة،
وكلمة تدله على هدى، أو ترده عن ردى، وترك الذنوب حبا أو خشية.
رزق غلاما له فاتته قريش تهنئه
فقالوا يهنيك الفارس
13 - فقال عليه السلام: أي شئ هذا القول، ولعله يكون راحلا
7 /، 8 / تحف العقول لابن شعبة.
9 / مجموعة وارم لأبي فراس.
10 / تحف العقول لابن شعبة.
11 / بحار الأنوار 43 / 338 الطبعة الحديثة.
12 / عيون الأخبار لابن قتيبة 3 / 3.
13 / تحف العقول لابن شعبة.
111

فقال له جابر: كيف تقول يا ابن رسول الله؟
14 - فقال عليه السلام: إذا ولد لأحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له:
شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، بلغ الله به أشده، ورزقك بره.
15 - وقال عليه السلام: البخل جامع للمساوئ والعيوب، وقاطع
للمودات من القلوب.
سئل عليه السلام عن البخل
16 - فقال عليه السلام: هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا،
وما أمسكه شرفا.
17 - وقال عليه السلام: الناس في دار سهو وغفلة، يعملون
ولا يعلمون، فإذا صاروا إلى دار الآخرة صاروا إلى دار يقين يعلمون
ولا يعملون.
18 - وقال عليه السلام: من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد
فيها، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، وإذا تفكر حزن.
19 - وقال عليه إسلام: أوصيكم بتقوى الله، وإدامة التفكر، فإن
التفكر أبو كل خير وأمه.
14 / تحف العقول لابن شعبة.
15 / حياة الحسن 1 / 154.
16 / نهاية الإرب في فنون الأدب 3 / 398.
17 / الاثني عشرية 37.
18 / مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار 2 / 271 السيد عبد الله شبر.
19 / مجموعة ورام 37 الشيخ أبي فراس.
112

جاءه رجل من الأثرياء
فقال له يا ابن رسول الله إني أخاف من الموت
20 - فقال عليه السلام له: ذاك لأنك أخرت مالك، ولو قدمته
لسرك أن تلحق به.
آداب المائدة
21 - قال عليه السلام: غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده
ينفي الهم.
22 - وقال عليه السلام: في المائدة اثنتي عشر خصلة يجب على كل
مسلم أن يعرفها، أربع فيها فرض، وأربع سنة، وأربع تأديب.
الفرض: المعرفة، الرضا، التسمية، الشكر.
السنة: الوضوء قبل الطعام، الجلوس على الجانب الأيسر، الأكل
بثلاثة أصابع، ولعق الأصابع.
التأديب: الأكل مما يليك، تصغير اللقمة، تجويد المضغ قلة النظر
في وجوه الناس:
23 - وقال عليه السلام: ما فتح الله عز وجل على أحد باب مسألة
فخزن عنه باب الإجابة، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول،
ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد.
20 / تاريخ اليعقوبي 3 / 202.
21 / الاثني عشرية.
22 / مصابيح الأنوار 2 / 271.
23 / أعيان الشيعة 4 / 88 للسيد محسن الأمين.
113

وسأله رجل أن يكون صديقا له وجليسا
24 - فقال عليه السلام له: إياك أن تمدحني، فأنا أعلم بنفسي منك
أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب، أو تغتاب عندي أحدا.
فقال الرجل ائذن لي في الانصراف.
قال عليه السلام: نعم إذا شئت.
25 - وقال عليه السلام: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء
لها أعظمهم عند الله شأنا، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من
الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام حقا. لقد ورد على أمير المؤمنين
إخوان له مؤمنان أب وابن فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه
وجلس بين أيديهما ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم جاء قنبر بطشت
وإبريق خشب ومنديل، وجاء ليصب على يد الرجل ماء فوثب أمير المؤمنين
عليه السلام وأخذ الإبريق ليصبه على يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب
وقال يا أمير المؤمنين يراني الله وأنت تصب على يدي قال: أقعد واغسل
فإن الله عز وجل يراك وأخاك لا يتميز منك ولا يتفضل عنك، يريد بذلك
في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى حسب ذلك
في ممالكه فيها، فقعد الرجل، فقال له علي عليه السلام: أقسمت عليك
بعظيم حقي الذي عرفته ونحلته وتواضعك لله حتى جازاك أن تدني لما
شرفك به من خدمتي لك لما غسلت يدك مطمئنا، كما كنت تغسل لو كان
الصاب عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية
24 / تحف العقول / 55.
25 / مجموعة وارم / 107 ط ظهران.
114

وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن
الله عز وجل يأبى أن يساوي بين أب وابنه إذا جمعهما مكان، لكن قد
صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على
الابن، قال الحسن بن علي عليهما السلام: فمن اتبع عليا على ذلك فهو
الشيعي حقا.
فضيلة العقل
26 - وقال عليه السلام: لا أدب لمن لا عقل له، ولا مودة لمن
لا همة له ولا حياء لمن لا دين له، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل،
وبالعقل تدرك سعادة الدارين ومن حرم العقل حرمهما جميعا.
فضيلة العلم
27 - وقال عليه السلام لبنيه: تعلموا العلم فإنكم صغار القوم وكبارهم
غدا، ومن لم يحفظ منكم فليكتب.
28 - وقال عليه السلام: علم الناس، وتعلم علم غيرك، فتكون قد
أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم.
فضيلة الصمت
29 - قال عليه السلام: - وقد سئل عن الصمت - هو ستر
العي، وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه في أمن.
26 / أعيان الشيعة 4 / 88.
27 / الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي 142.
28 / الاثني عشرية 37.
29 / مطالب السؤول 69 لابن طلحة الشافعي.
115

30 - وقال عليه السلام: هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص
والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص عدو النفس وبه
أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل.
31 - وقال عليه السلام: لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله،
أو تخاف يده، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحما
بينك وبينه.
32 - وقال عليه السلام: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم
الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه كان خارجا
من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يحل، ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجا
من سلطان الجهالة فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشكى ولا يتبرم،
كان أكثر دهره صامتا، فإذا قال بذ القائلين، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء
الجد فهو الليث عاديا، كان إذا جاء مع العلماء على أن يسمع أحرص منه على
أن يقول: كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول
ما يفعل، ويفعل ما لا يقول، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب
إلى الحق، نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع
العذر في مثله، كان لا يقول حتى يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا.
33 - وقال عليه السلام: كن في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك.
30 / مطالب السؤول 69 لابن طلحة الشافعي.
31 / مجموعة ورام.
32 / عيون الأخيار لابن قتيبة 2 / 55.
33 / مجموعة ورام 201.
116

34 - وقال عليه السلام: اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به.. بمنزلة
ما لم يخطر ببالك.
35 - وقال عليه السلام: إن من طلب العبادة تزكى لها.
36 - وقال عليه السلام: المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة
الصامت.
37 - وقال عليه السلام: تجهل النعم ما أقامت، فإذا ولت عرفت.
38 - وقال عليه السلام: الوعد مرض في الجود، والانجاز دواءه.
39 - وقال عليه السلام: لا تعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما
للاعتذار طريقا.
40 - وقال عليه السلام: قطع العلم عذر المتعلمين.
41 - وقال عليه السلام: من تذكر بعد السفر اعتد.
42 - وقال عليه السلام لأصحابه: هل رأيتم ظالما أشبه بمظلوم؟ قالوا
وكيف ذاك يا ابن رسول الله؟! قال الحاسد، فإنه في تعب، ومن حسده
في راحة.
43 - وقال عليه السلام: أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة، إذا
ضاقت بالمذنب المعذرة.
44 - وقال عليه السلام: المصائب مفاتيح الأجر.
34 / مطالب المسؤول 69.
35 / تحف العقول لابن شعبة.
36 - 43 البحار / 17 للعلامة المجلسي رحمه الله.
44 / مجموعة ورام 301 للشيخ أبي فراس.
117

فوائد الاختلاط مع العلهاء
45 - وقال عليه السلام: من أكثر من مجالسة العلماء أطلق عقال لسانه
وفتق ما رتق من ذهنه، وسره ما وجد من الزيادة في نفسه، وكانت له
ولاية لما لا يعلم وإفادة لما تعلم.
46 - وقال عليه السلام: كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل
رشدك من غيك.
سأله رجل عن رأيه في السياسة
47 - فقال عليه السلام: هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء،
وحقوق الأموات، فأما حقوق الله فأداء ما طلب والاجتناب عما نهى.
وأما حقوق الأحياء فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر
عن خدمة أمتك، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأن ترفع
عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوي.
وأما حقوق الأموات فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم
فإن لهم ربا يحاسبهم.
48 - وقال عليه السلام: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك
في دنياك فالقها في نحره.
مودة آل محمد
قال له رجل: يا ابن رسول الله إني من شيعتكم!!!
49 - فقال عليه السلام: يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا
45 / 46 / 47 مجموعة ورام 301.
48 / الإرشاد / 120 للشيخ المفيد رحمه الله.
49 / مجموعة ورام / 301 للشيخ أبي فراس.
118

مطيعا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك
مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل أنا من شيعتكم، ولكن قل أنا من
مواليكم ومحبيكم ومعادي أعداءكم وأنت في خير وإلى خير.
50 - وقال عليه السلام: إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه
مما تكره، فلا تطعها فيما تحملك عليه مما تهوى.
51 - وقال عليه السلام: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.
أسئلة متوجهة من الإمام علي عليه السلام
إلى الإمام الحسن عليه السلام فأجابها بأوجز بيان وأبلغ أسلوب
تتضمن رؤوس الأخلاق الفردية والاجتماعية
الإمام أمير المؤمنين: يا بني ما السداد؟
52 - الإمام الحسن: يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف؟
ما الشرف؟
53 - قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
ما المروءة؟
54 - العفاف وإصلاح المرء ماله.
ما الدنيئة؟
55 - النظر في اليسير ومنع الحقير.
50 / مجموعة ورام / 113 طبع طهران مطبعة الحيدري.
51 / نور الأبصار للشبلنجي / 122 طبع مصر.
52 - 55 تاريخ الإمام الحسن عليه السلام.
119

ما المنعة؟
56 - شدة البأس ومقارعة أشد الناس.
ما الذل؟
57 - الفزع عند المصدوقية.
ما الجرأة؟
58 - موافقة الأقران.
ما الكلفة؟
59 - كلامك فيما لا يعنيك.
ما المجد؟
60 - أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
ما العقل؟
61 - حفظ القلب كل ما استرعيته.
ما الخرق؟
62 - معاداتك إمامك، ورفعك عليه كلامك.
ما الثناء؟
63 - إتيان الجميل وترك القبيح.
ما الحزم؟
64 - طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء
الظن هو الحزم.
56 - 64 تاريخ الإمام الحسن عليه السلام.
120

ما الشرف؟
65 - موافقة الإخوان.
ما اللؤم؟
66 - احتراز المرء نفسه وبذله عرسه، وعن رواية أخرى: احتراز
المرء ماله...
ما السماحة؟
67 - البذل في العسر واليسر.
ما الشح؟
68 - أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا.
ما الإخاء؟
69 - الوفاء في الشدة والرخاء.
ما الجبن؟
70 - الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
ما الغنيمة؟
71 - الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
ما الحلم؟
72 - كظم الغيظ وملك النفس.
ما الغنى؟
73 - رضى النفس بما قسم الله وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس.
ما الفقر؟
74 - شره النفس في كل شئ.
65 - 74 تاريخ الإمام الحسن عليه السلام.
121

ما السفه؟
75 - اتباع الدناة، ومصاحبة الغواة.
ما الغفلة؟
76 - تركك المسجد وطاعتك المفسد.
ما الحرمان؟
77 - تركك حظك وقد عرض عليك.
ما السبة؟
78 - الأحمق في ماله، المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحزن
بأمر العشيرة هو السبة.
79 - وقال عليه السلام: رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة،
فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ثم راحوا خفافا.
80 - وقال عليه السلام: ليس من العجز أن يصمت الرجل عند
إيراد الحجة، ولكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا ويصور الباطل
بصورة الحق.
فضيلة قضاء الحوائج
81 - وقال عليه السلام: لقضاء حاجة أخ لي في الله، أحب إلى من
اعتكاف شهر.
82 - وقال عليه السلام: صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به.
79 / الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله.
80 / المحاسن والأضداد.
81 / تاريخ ابن عساكر 3 / 215.
82 / سابع عشر من البحار للمجلسي رحمه الله.
75 - 78 تاريخ الإمام الحسن عليه السلام.
122

83 - وقال عليه السلام: والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في
الديلم إلا نفعه حبنا، وإن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح
الورق من الشجر.
84 - وقال عليه السلام: إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه،
وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به، أسلم القلوب ما طهر من الشبهات.
85 - وقال عليه السلام: إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك
وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشر.
86 - وقال عليه السلام: من عبد الله عبد الله له كل شئ.
87 - الكرخي قال: سمعت الحسن بن علي عليهما السلام يقول
لرجل في داره: يا أبا هارون من صام عشرة شهر رمضان متواليات
دخل الجنة.
88 - قال عليه السلام: الناس أربعة: فمنهم من له خلق ولا خلاق
له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، ومنهم من لا خلق ولا خلاق له وذلك
(من) شر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك خير الناس.
89 - قال عليه السلام: تحفة الصائم أن يدهن لحيته، ويجمر ثوبه،
وتحفة المرأة الصاثمة أن تمشط رأسها وتجمر ثوبها.
83 / البحار / 44 / 25 الطبعة الحديثة صدر منها 104 مجلد.
84 / تحف العقول لابن شعبة.
85 / البحار / 43 / 358 طبعة الحديثة في طهران - إيران.
86 / مجموعة ورام.
87 / خصال الصدوق / 445.
88 / خصال الصدوق 1 / 236 الطبعة الحديثة، وتاريخ ابن عساكر 12 / 531
باختلاف يسير.
89 / خصال الصدوق / 61.
123

90 - وقال عليه السلام: فوت الحاجة خيز من طلبها إلى غير أهلها،
وأشد من المصيبة سوء الخلق، والعبادة: انتظار الفرج.
91 - وقال عليه السلام - في توديع أبي ذر لما سير إلى الربذة -:
يا عماه إن القوم قد أتوا إليك ما قد ترى، وإن الله تعالى بالمنظر الأعلى،
فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها وشدة ما يرد عليك لرجاء ما بعدها،
واصبر حتى تلقى نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عنك راض إن شاء الله.
وسأله عمرو بن العاص عن الكرم، والنجدة والمروءة
92 - فقال عليه السلام: أما الكرم فالتبرع بالمعروف، والاعطاء
قبل السؤال، وأما النجدة فالذب عن المحارم، والصبر في المواطن عند المكاره،
وأما المروءة فحفظ الرجل دينه وإحراز نفسه من الدنس، وقيامه بأداء
الحقوق، وإفشاء السلام.
93 - وقال عليه السلام - في وصف القرآن الحكيم - ما بقي في
هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن، فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم، وإن
أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم منه من لم يعمل به
وإن كان يقرأه.
94 - وقال عليه السلام: الناس طالبان: طالب يطلب الدنيا حتى
إذا أدركها هلك، وطالب يطلب الآخرة حتى إذا أدركها فهو ناج فائز.
95 - وقال عليه السلام: اعلم أن مروءة القناعة والرضا أكبر من
مروءة الإعطاء، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها.
90 / تاريخ اليعقوبي 2 / 215.
91 / روضة الوافي 107.
92 / بحار العلامة المجلسي رحمه الله 44 / 89 من الطبعة الحديثة.
93 / إرشاد القلوب للديلمي 96.
94 / لآلئ الأخبار 1 / 51.
95 / مطالب السؤول 96.
124

96 - وقال عليه السلام: إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها.
97 - وقال عليه السلام: كل معاجل يسأل النظرة، وكل مؤجل يتعلل
بالتسويف.
98 - وقال عليه السلام: لا يغش العاقل من استنصحه.
99 - وقال عليه السلام: اليقين معاذ السلامة.
100 - وقال عليه السلام: حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس
نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.
خاتمة الكتاب
هذا آخر ما اخترناه من كلمات سيدنا الإمام السبط الحسن بن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام وأوردناه في هذا الكتاب سائلين الله تعالى التوفيق
في طاعته والمزيد من عنايته لخدمة الدين الإسلامي الحنيف ومنه نستمد العون
والتوفيق والسداد.
المؤلف
تم طبع هذا الكتاب بالقاهرة بمطبعة دار المعلم للطباعة وذلك بمعاونة
الأستاذ إبراهيم أحمد إبراهيم صاحب مطبعة دار المعلم للطباعة بالقاهرة 8 شارع
جنان الزهري بالمبتديان السيدة زينب وبمراجعة السيد مرتضى الرضوي
صاحب مطبوعات النجاح بالقاهرة وذلك في يوم الجمعة آخر شهر ربيع الثاني
عام 1369 ه‍.
96 - 99 / تحف العقول لابن شعبة.
100 / شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 333.
125

/ 1