ثقلان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ثقلان - نسخه متنی

محسن حائری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 الثقلان


 


السيد محسن الحائري
الثقلان
ودعمهما لحجية السنة
السيد محسن الحائري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله خاتم الأنبياء، وعلى
الأئمة من آله الأطهار.
المقدمة: تحديد المصطلحات
قبل أن ندخل غمار البحث لا بد من تحديد المراد من الكلمات المذكورة في
العنوان والتي يدور البحث مدارها، إسهاما في تركيزه وبلورته، وتفاديا للتداخل
في وجهات النظر المتعددة، وهي: الثقلان، السنة، الحجية:
الثقلان
هذه الكلمة تثنية " الثقل " محركة، استعملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في متن
الحديث الشريف، وأراد " الكتاب الكريم: القرآن " و " العترة: الأئمة من أهل
13

البيت عليهم السلام " مصرحا بإرادته لهما، ابتداء تارة، وفي جواب السائل: " ما هما
الثقلان؟ " أخرى، وتلويحا بذكر الأوصاف والآثار التي لا تنطبق إلا عليهما ثالثة،
حتى أصبح هذا المعنى حقيقة شرعية لهذه الكلمة معروفة عند أهل الحديث، بل
المتشرعين المسلمين كافة، كما دخلت هذه الحقيقة إلى عرف أهل اللغة العربية،
وثبتت في معاجمها وكتبها، كما سيأتي النقل عنهم، بعد إيراد نصوص الحديث في ما
يلي (1):
(1) اقتصرنا على عدد من النصوص المحتوية على ما فيه تنصيص " بأعلمية أهل البيت عليهم السلام " وما له دخل في
أمر " الحجية " التي نحن بصددها:
وللحديث النبوي الشريف، هذا، طرق كثيرة جدا، تفوق حد الاستفاضة قطعا، وقد صرح جمع ببلوغها حد
التواتر، كالسيد الحداد الحضرمي قال: هو من الأحاديث المتواترة، كذا عن القول الفصل (1 / 49) ط جاوه،
لاحظ إحقاق الحق (9 / 369) وكالمحدث الحر العاملي (ت 1104 ه‍) في وسائل الشيعة (27 / 33) تسلسل
[33244] وكالسيد صاحب العبقات، والسيد مجد الدين في التحف ولوامع الأنوار، والإمام القاسم من أئمة
الزيدية، كما ذكرناه في هامش تدوين السنة الشريفة (ص 115) وقد أحصى السيد صاحب العبقات، من رواته
من الصحابة (34) صحابيا وصحابية، لاحظ نفحات الأزهار (2 / 236) واعترف ابن حجر الهيتمي المكي بأن
في الباب زيادة على عشرين من الصحابة (الصواعق المحرقة ص 89 - 90 وانظر ص 136).
وقد أجمعت الأمة على صحة الحديث بجميع الفرق، بلا ريب ولا خلاف، وأما نصوص الروايات فقد جمع
منها المحدث البحراني (ت 1107 ه‍) في غاية المرام في حجة الخصام عن طريق الخاص والعام (211 -
235) نصوصا كثيرة، فأورد في الباب (28) تسعة وثلاثين حديثا من طرق العامة، وفي الباب (29) اثنين
وثمانين حديثا من طرق الخاصة.
ومجموع رواة الحديث حسب ما أحصاه السيد صاحب العبقات بلغوا (187) علما من أعلام الرواة والمحدثين
والمؤلفين، كما في نفحات الأزهار (الجزء الأول بكامله) واستدرك عليه العلامة المحقق صديقنا المرحوم
السيد عبد العزيز الطباطبائي بأسماء (127) راويا ومؤلفا، منذ عصر الصحابة حتى القرن الرابع عشر وطبع
المستدرك في نفحات الأزهار (2 / ص 83 - 221) بعنوان (ملحق سند حديث الثقلين).
وأما دلالة الحديث فسيأتي بعض الكلام عنها بعد نقل النصوص في بحثنا هذا، كما شرحنا جانبا منها في كتابنا
(تدوين السنة الشريفة) (ص 114 - 126).
كما أشبع الحديث عن دلالة الحديث صاحب مقدمة جامع الأحاديث للإمام البروجردي (ج 1 ص 19 - 85).
وقد صحح الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4 / 328 - 355) بعنوان (حديث العترة) وبعض
طرقه برقم 1761. ولاحظ / 358 ط 3 سنة
1406 ه‍ فقد أكد تصحيح الحديث.
14

حديث الثقلين من طرق الخاصة: 1 - روى الشيخ الصدوق أبو جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي (ت 381 ه‍) في كتابه " النصوص على الأئمة الاثني عشر " بسنده، عن
معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول على منبره: " معاشر الناس إني فرطكم، وأنتم واردون علي الحوض... وإني
سائلكم حين تردون علي - عن الثقلين؟ فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر
كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بيدكم، فاستمسكوا به لن تضلوا، ولا تبدلوا
في عترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض... "
ثم قال: " أوصيكم في عترتي خيرا وأهل بيتي ".
فقام إليه سلمان، فقال: يا رسول الله، من الأئمة من بعدك، أما هم من عترتك؟
فقال: هم الأئمة من بعدي، من عترتي، عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب
الحسين، أعطاهم الله علمي وفهمي، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، واتبعوهم فإنهم
مع الحق والحق معهم " (1)
2 - وروى ابن بابويه في الكتاب المذكور، بسنده إلى الحسن عليه السلام قال: خطب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما، فقال - بعد ما حمد الله وأثنى عليه -: " معاشر الناس، كأني
أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، أما إن
تمسكتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلموهم، فإنهم أعلم منكم... "
الحديث (2).
(1) رواه السيد البحراني في: غاية المرام (ص 217 - 218) الحديث الأول من الباب (29).
(2) المصدر السابق (ص 216) الحديث السابع من الباب (29) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (ج 3) رقم
2683 و 3052، وابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام (1 / 45)، والخطيب في تاريخ بغداد (8 / 442).
15

3 - وروى ابن بابويه: بسنده عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت أبا ذر
الغفاري رحمه الله آخذا بحلقة باب الكعبة، وهو يقول: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم
يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن السكن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إني مخلف فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وإن مثلهما كسفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق " (1).
حديث الثقلين من طرق العامة:
4 - روى مسلم بن الحجاج في " صحيحه " قال: حدثني زهير بن حرب،
وشجاع بن مخلد، جميعا عن ابن علية - قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم -:
حدثني أبو حيان، حدثني يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر
ابن مسلم: إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت - يا زيد -
خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه،
لقد لقيت - يا زيد - خيرا كثيرا، حدثنا - يا زيد - ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي
كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما حدثتكم فأقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه.
ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خما، بين مكة
والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: " أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما
أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين:
أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث
على كتاب الله ورغب فيه.
ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي،
(1) غاية المرام (ص 233) الحديث (72) من الباب (29).
16

أذكركم الله في أهل بيتي ".
قال مسلم: وحدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا حسان - يعني ابن
إبراهيم - عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وساق الحديث، بنحوه، بمعنى حديث زهير.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، ح: وحدثنا إسحاق بن
إبراهيم، أخبرنا جرير: كلاهما عن أبي حيان بهذا الإسناد، نحو حديث إسماعيل،
وزاد في حديث جرير:
" كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن
أخطأه ضل ".
حدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا حسان - يعني ابن إبراهيم - عن
سعيد - وهو ابن مسروق - عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا عليه
فقلنا له: لقد رأيت خيرا... وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان غير أنه قال:
" ألا، وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله عز وجل، هو حبل الله، من
اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة ".
وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟!
قال: لا، وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها
فترجع إلى أبيها وقومها.
أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده (1).
(1) صحيح مسلم، مشكول، الجزء السابع (ص 122 - 123) مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، المطبوع
24 ربيع الآخر 1334 ه‍، في ثمانية أجزاء.
وصحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس عشر (179 - 181) من طبعة دار الكتاب العربي - بيروت
1407 ه‍ - 1987 م.
وقد ورد حديث زيد بن أرقم بهذه الألفاظ والأسانيد في المعجم الكبير للطبراني (5 ص 182 و 183) بالأرقام
(5025 - 5028) في روايات يزيد بن حيان عنه.
17

5 - وروى الطبراني قال: حدثنا محمد بن حيان المازني، حدثنا كثير بن
يحيى، ثنا أبو كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة، وسعيد بن عبد الكريم بن سليط الحنفي،
عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمرو بن واثلة، عن زيد بن أرقم، قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقمت،
ثم قام فقال: " كأني دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين: أحدهما أكبر من الآخر:
كتاب الله، وعترتي أهل بيتي.
فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض... "
الحديث. (1)
6 - وروى الطبراني في الحديث رقم (4971) ونصه: "... فانظروا كيف
تخلفوني في الثقلين؟ "
فنادى مناد: ما الثقلان، يا رسول الله؟
قال: " كتاب الله، طرف بيد الله، وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا.
والآخر: عترتي ".
وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض وسألت
ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. "
7 - وروى الترمذي، قال: حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا زيد
ابن الحسن - هو الأنماطي - عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله،
(1) المعجم الكبير (5 / 166) رقم (4969 و 4970) وقال مخرجه: رواه الحاكم (3 / 109) وابن أبي عاصم في
السنة (1555).
وهذا الحديث رواه الترمذي في صحيحه (5 / 663) رقم 3788 باختلاف في السند، إلى قوله " فيهما ".
18

قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصوى، يخطب،
فسمعته يقول: " يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب
الله وعترتي أهل بيتي ".
قال: وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد (1).
المراد من الثقلين لغة:
وقد ظهر من الحديث ونص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن المراد بالثقلين هو: الكتاب
الكريم، والعترة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصبح هذا مصطلحا معروفا عند أهل اللغة
أيضا:
قال في التهذيب: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال في آخر عمره: " إني تارك فيكم
الثقلين: كتاب الله وعترتي " فجعلهما: كتاب الله وعترته (2).
وفي القاموس - مع شرحه -: (والثقل - محركة - متاع المسافر وحشمه)
والجمع أثقال (وكل شئ) خطير (نفيس مصون) له قدر ووزن " ثقل " عند العرب
(ومنه الحديث: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ") جعلهما ثقلين: إعظاما
لقدرهما، وتفخيما لهما، وقال ثعلب: سماهما " ثقلين " لأن الأخذ بهما والعمل بهما
ثقيل (3).
فظهر أن الكلمة ذات اصطلاح نبوي، جعله بنفسه، وعرف عنه بين
المسلمين.
وأما المناسبة في هذا الوضع الشرعي: فقد ذكر السيد الشريف الرضي في
(1) الجامع الصحيح للترمذي (5 / 662) رقم 3786.
(2) لسان العرب (ثقل).
(3) القاموس (ثقل) وتاج العروس (ثقل) ج 7 ص 345.
19

وجهها ما نصه: تسميته عليه الصلاة والسلام الكتاب والعترة بالثقلين، وواحدهما
ثقل، وهو متاع المسافر الذي يصحبه إذا رحل، ويسترفق به إذا نزل: أقام عليه
الصلاة والسلام " الكتاب والعترة " مقام رفيقه في السفر، ورفاقه في الحضر، وجعلهما
بمنزلة المتاع الذي يخلفه بعد وفاته، فلذلك احتاج إلى أن يوصي بحفظه ومراعاته.
وقال بعض العلماء: إنما سميا ثقلين، لأن الأخذ بهما ثقيل.
وقال بعضهم: إنما سميا بذلك، لأنهما العدتان اللتان يعول الدين عليهما، ويقوم
أمر العالم بهما، ومنه قيل للإنس والجن " ثقلان " لأنهما اللذان يعمران الأرض
ويثقلانها (1).
دلالة الحديث:
إن المسلمين - في عصر الرسالة الأزهر - كانوا معتمدين في معرفة معالم
الدين الحنيف على الأخذ من كتاب الله العظيم: القرآن، حيث كانت تنزل آياته على
الرسول الأكرم وحيا محكما من لدن عليم حكيم، فيبينها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة،
فيعرفون دلالاتها، ويلمسون إعجازها، ويعتقدون بعصمتها (ذلك الكتاب لا
ريب فيه) و (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) ويعتمدون على الأخذ
من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصادع بالوحي ورسالته، وهو المفسر للقرآن، العالم به
والناطق عنه، كما ارتضاه الله للإخبار بالغيب الذي لا يعلمه سواه، فاجتباه
واصطفاه، وجعل كلامه بمنزلة الوحي في الحجية، بلا ريب كذلك، إذ هو المعصوم
الذي (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى).
وقد أوجب الله على الأمة المسلمة الرد إلى الله - يعني إلى كتابه - وإلى
الرسول، إذا تنازعوا في شئ، في حال حياته.
(1) المجازات النبوية (ص 218 - 219) الحديث رقم (176).
20

وأما بعد وفاته: فقد دل حديث الثقلين على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك بين
الأمة، أمرين، خليفتين عنه، ليقوما بدور الهداية من الضلالة، والإرشاد من العمى،
والنجاة من الهلكة، فأوجب على الأمة اتباعهما والاقتداء بهما والتمسك بهما، وهما
كتاب الله، المعصوم من الباطل، والذي لا ريب فيه، معجزة الإسلام الخالدة، وكلام
الله المحفوظ.
وعترته، أقرباؤه الأدنون المعصومون، الذين أحلهم محل نفسه الشريفة في
القيام بتفسير القرآن وبيانه، وجعلهم قرناء القرآن، فكانوا بمنزلته صلى الله عليه وآله وسلم في المعادلة
بين القرآن والرسول، في حياته:
ففي حياته: كتاب الله مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد وفاته: كتاب الله مع العترة أهل البيت عليهم السلام.
وضرورة هذه المعادلة تنبع من أن كل رسول من رسل الله جاء معه كتاب،
يدل على رسالته، ويقوم الرسول مقام المبلغ لما يحتويه الكتاب من أنوار، ومفسرا
لما ينطوي عليه من أسرار، فلا بد لكل كتاب منزل من عدل وقرين، معصوم ينطق
عنه، ويبينه للناس، وينشر نبأه بينهم، ولا بد أن يكون فصيحا، ناطقا بالحق،
ليباشر المرسل إليهم، ويقوم بالتفاهم معهم، فلا بد لكل كتاب من ناطق عنه، مبين
له.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الناطق عن القرآن في حياته، وأراد أن
يستخلف، ويخلف الكتاب من بعده في أمته، فلا بد أن يخلف معه ناطقا عنه، بشرا
يخلفونه نفس المشاهد والمواقف في تفسير الكتاب وتأويل متشابهه، فقد جعل
" عترته " قرينا للكتاب في أداء هذه المهمة، ونصبهم بمنزلته في تلك المعادلة، من بعد
وفاته، لتتمكن الأمة من الرد إلى الكتاب والعترة، عند التنازع في شئ، بعد وفاته،
كما كان عليهم الرد في حياته. وقد أفصح العترة الطاهرة عن هذه المنزلة - أعني
21

النطق عن القرآن - في نصوص كثيرة، منها:
قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: " النور المقتدى به، ذلك القرآن، فاستنطقوه ولن
ينطق! ولكن أخبركم عنه: إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، ودواء
دائكم، ونظم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه؟
لأخبرتكم عنه، لأني أعلمكم " (1).
وقوله عليه السلام: " هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق " (2).
وكما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معصوما، فإن الذين يقومون مقامه في التبليغ
والمرجعية للمسلمين لا بد أن يكونوا معصومين، لما جعلهم مثله قرناء للقرآن
وعدلا له، في المعادلة المذكورة في حديث الثقلين.
وكما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأعلم بالدين ومعارفه وأحكامه، لأنه المبلغ الأمين
له، والمفسر المبين لكتابه الناطق عنه، فكذلك العترة أهل بيته الذين خلفوه في
التبليغ والتفسير والنطق، لا بد أن يكونوا الأعلم بالدين وقد صرح صلى الله عليه وآله وسلم في
حديث حذيفة (3) وحديث الحسن عليه السلام (4) والحديث الذي رواه الطبراني (5) بقوله:
" ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " (6).
(1) نهج البلاغة، الخطبة (156) ص (180) ولاحظ الكافي للكليني (ج 1) ورواه في تفسير القمي، وعنه جامع
الأحاديث (1 / 196) ح 297 باب حجية فتوى الأئمة عليهم السلام.
(2) وسائل الشيعة (27 / 34) تسلسل 33147، وخرجه المحققون عن إرشاد المفيد (144) وتذكرة الخواص
لسبط ابن الجوزي (96) وتاريخ الطبري (5 / 66).
(3) هو الحديث الأول، الذي نقلناه عن ابن بابويه، سابقا.
(4) هو الحديث الثاني، الذي نقلناه عن ابن بابويه، سابقا.
(5) هو الحديث السادس وهو ما رواه الطبراني، سابقا.
(6) وردت هذه الجملة في نصوص كثيرة من حديث الثقلين (منها) ما رواه الصدوق عن الإمام الرضا عليه السلام في
الأمالي والعيون فلاحظ غاية المرام (ص 220)
الحديث (9). ولاحظ جامع أحاديث الشيعة (ج 1 ص 200)
(ومنها) ما رواه الكليني في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام. (ومنها) ما نقله البحراني في غاية المرام في ما نقله
عن كتاب (سير الصحابة) من طرق العامة، الحديث (18 و 19) وفي الحديث (7) من أحاديث الخاصة وكذا
في الحديث (10) والحديث (25) و (27) و (31) و (46) ولاحظ (52) وانظر الصواعق المحرقة لابن حجر
المكي (ص 89).
22

وفي نص رواه ابن بابويه بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال في آخره: ثم رفع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى السماء ودعا بدعوات، وسمعته يقول: " اللهم اجعل العلم
والفقه في عقبي وعقب عقبي وفي زرعي وزرع زرعي " (1).
وإن عموم المنزلة في المعادلة، يقتضي بوضوح أن العترة الطاهرة هم - كما كان
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحاكم على المسلمين في حياته - فهم الولاة على الناس من بعده، وإلا
لم يكونوا منزلين منزلته في كونهم عدلا للقرآن، وفي مرجعيتهم للناس يردون
إليهم أمر الدين، فهم الخلفاء عن الرسول، بهذا النص الصحيح المقبول.
وأخيرا: فإن مقارنة العترة بالكتاب في الخلافة، فيها الدلالة الواضحة على
وجوب الرجوع إليهم في أخذ معالم الدين، وعلى أن الأمر ليس مجرد مسألة الحب
والود، بل هو أمر مرجعية واتباع والتزام واجب لا محيص عنه، كما هو في اتباع
القرآن من عدم جواز النكول والرد، أو الإعراض عنه، ووجوب اتباع أحكامه
ومراجعة آرائه.
وليس تحديد المعنيين بالعترة، وبأهل البيت عليهم السلام، بعد هذه القيود
والأوصاف، أمرا مشكلا، إذ لا تجتمع إلا في الأئمة الاثني عشر، فليس المعصوم
غيرهم، وليس الأعلم بالمعارف الإسلامية، سواهم، حتى لو كان من أهل البيت
والذرية الشريفة.
وهم ملاك الحجية في إجماع أهل البيت عليهم السلام على شئ إن حصل، كما أنه لا
يضرهم خلاف غيرهم لو وقع، فإن الحق يدور مدارهم، كما هو المفهوم من
(1) غاية المرام (ب 29) الحديث (2) ص 218.
23

الحديث، بل هو منطوقه.
كما أن مقتضى اقترانهم بالقرآن إلى يوم القيامة، وعدم افتراقهما المصرح به
في نصوص الحديث، هو وجود الحجة منهم في كل عصر، والإمام منهم في كل
زمان، وإن غاب شخصه بين الأعيان، ولم يظهر للعيان.
والالتزام بكل هذه الأوصاف والمستلزمات والمقتضيات لا يتم إلا على
مذهب الإمامية الاثني عشرية، أدام الله مجدهم وأعز نصرهم.
ولذلك لجأت عناصر مخالفة إلى تحريف الحديث الشريف بما يؤدي إلى
إخراج " أهل البيت " من تلك المعادلة، واضعين اسم " السنة " بدل " العترة "، فافتعلوا
حديث الثقلين، بلفظ " كتاب الله، وسنتي " بدل " كتاب الله وعترتي " والغرض تحطيم
تلك المعادلة، وإسقاط استدلال الشيعة بها، بدعوى أن الرسول خلف الكتاب
والسنة من بعده، مرجعين للأمة في الأحكام، فألغوا دور أهل البيت عليهم السلام في الخلافة
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الشريعة، كما ألغوا - من قبل - دور أهل البيت عليهم السلام في الخلافة
والولاية والحكم؟.
ولكن هذه المحاولة اليائسة، فاشلة، لوجوه:
فأولا: إن السنة لا يمكن أن تكون " عدلا " للقرآن، في المعادلة المذكورة، لأن
السنة - رغم قداستها وحجيتها، كما سيأتي - إنما هي نصوص منقولة وهي من سنخ
نصوص القرآن، وامتداد له، وليست شخصا فلا تحل - بعد الرسول - محل الرسول
الموصل للنصوص والناطق بها، وذلك:
(أولا): لأن المفروض حاجة النص - سواء كتابا أو حديثا - إلى ناطق
يبلغه ويبينه، والسنة ليست ناطقة، بل هي محتاجة إلى شارح ومبلغ، فلا بد أن
يكون عدل القرآن - بعد الرسول - شخصا يحل محل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أداء هذه
المهمة، وهم العترة، كما تدل عليه أحاديث الثقلين، المعروفة.
24

(وثانيا): إن السنة، لم تكن في عصره ولا في القريب العاجل من بعد وفاته،
مسجلة ولا محفوظة في محل معين، حسب ما هو المعروف عند العامة، حتى تكون
أمرا حاضرا كالكتاب الكريم، للخلافة عن الرسول، والقيام مقامه، مباشرة بعد
وفاته، بل كانت مفرقة في صدور رجال الرسول وصحابته المنتشرين هنا وهناك،
مع المنع الأكيد من نشرها وتداولها وتسجيلها وتدوينها حتى آخر القرن الأول (1).
فكيف ترشح السنة، وهذا حالها، للخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بعده،
لتكون قرينا للقرآن، وعديلا له؟
وثانيا: إن لفظ " وسنتي " ليس له أصل مثبت، وإنما الثابت هو " كتاب الله
ونسبتي " وهو الموافق لحديث الثقلين: الكتاب والعترة، معنى، وقد تصحف على
بعض الرواة والمؤلفين، فتناقلوه " وسنتي " عمدا أو غفلة، كما سيأتي.
وقد أوضحنا هذا الأمر بمزيد من الأدلة والبيان في محل آخر (2).
وثالثا: إن المنقول بلفظ " وسنتي " مخدوش الأسانيد وليس فيها ما يرتقي إلى
الصحة، فلا يعارض به حديث الثقلين المتفق على صحته، كما عرفت، وقد شرحنا
هذا في ذلك المحل، أيضا.
ورابعا: إن الالتزام بلفظ " وسنتي " لا ينافي حديث الثقلين الدال - كما عرفت -
على حجية العترة، لأن أحاديث السنة الصحيحة المتواترة منها، والمتضافرة، والمشهورة، تدل بوضوح على ولاية العترة، وحجيتها، بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالتمسك
بالعترة هو أخذ بمؤدى السنة، والإعراض عن العترة هو ترك للسنة، التي منها
حديث الثقلين المتفق على صحته، أفهل الالتزام بلفظ " وسنتي " - على فرض
(1) راجع للبحث عن أساليب منع الخلفاء عن تدوين السنة ونشرها وروايتها، منذ وفاة الرسول وحتى نهاية
القرن الأول في كتاب " تدوين السنة الشريفة " المطبوع في قم - عام 1431 ه‍.
(2) لا لاحظ
تدوين السنة الشريفة (هامش ص 122 - 121).
25

وروده وصحته - يسقط حديث الثقلين، المجمع عليه؟
بل، على فرض ورود لفظ " وسنتي " يلزم من الجمع بينه، وبين حديث
الثقلين، أن تكون الأمور التي خلفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة " وأن الحث وقع على
التمسك بالكتاب، وبالسنة، وبالعلماء بهما من أهل البيت " كما يقول ابن حجر
المكي (1).
بل، إن " السنة " لا بد أن تؤخذ بشكل مباشر من أهل البيت، لأنهم " الأعلم "
بها من غيرهم، بنص حديث الثقلين، ولأنهم أحرص الناس على حفظها
وحراستها، وقد كانوا روادا لتدوينها ونشرها، بلا هوادة، وعلى الرغم من منع
الآخرين وتشديدهم وتهديدهم لرواتها وكتابها، وإبادتهم وحرقهم لكتبها
ومدوناتها، من قبل من كتبها من الصحابة الكرام، فكانت السنة أضبط شئ عند
أهل البيت وأصحابهم منذ العصر الأول في صدر الإسلام وحتى هذه العصور.
ولقد كان أهل البيت عليهم السلام هم الرعاة للسنة دائما، والدعاة إلى إحيائها والعمل
بها أبدا، ولقد أصبحوا هم الضحايا المعارضين للمخالفات التي جوبهت بها،
وتحملوا الأذى من الحكام في سبيل حمايتها.
وما نثبته في هذا البحث، إنما هو طرف من نضال أهل البيت عليهم السلام في سبيل
السنة وإحيائها ودعم حجيتها.
فكيف يحاول النواصب أن يجعلوا " السنة " بديلا عن أهل البيت، في تلك المعادلة، ويعتبروا التمسك بالعترة يتنافى والتمسك بالسنة؟!
وكيف يتشبثون بوضع " السنة " موضع المعارضة مع أهل البيت لإسقاطهم
عن المعادلة التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين؟
مع أن نفس هذه المحاولة، إعراض عن " حديث الثقلين " المجمع على صحته
(1) الصواعق المحرقة له (ص 89).
26

من نصوص الحديث، والمثبت في (صحيح مسلم) وهو ثاني أصح الكتب عند
العامة.
بينما لفظ " وسنتي " لم يرد في شئ من الصحيحين، بل ولا الكتب الستة، وإنما
ورد " بلاغا " - أي بلا سند - في كتاب مالك بن أنس المسمى بالموطأ (1).
ومع هذا فإن كاتبا يكتب: " إن كتب السنة التي ذكرته بلفظ " سنتي " أوثق!
من الكتب التي روته بلفظ " عترتي " (2) ويقصد الموطأ لمالك!
مع أن كتاب مالك، هو مبدأ التحريف، في لفظ " كتاب الله ونسبتي " إلى " كتاب
الله، وسنتي ".
ومنه تسرب التصحيف إلى سائر المصادر، فلو كان قد قام بهذا عن غفلة،
فإن ما صنعه مع حديث السفينة، لا يحتمل ذلك وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " مثل
أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق " (3) والذي ورد في ذيل حديث أبي ذر الغفاري الذي نقلناه (4).
فقد حرفه إلى قوله: " السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها
غرق "!! فيما رواه ابن وهب قال: كنا عند مالك فذكرت السنة، فقاله مالك (5).
ألا يدل صنيعه هذا على أن عملية التحريف في تلك المعادلة كانت عن قصد
وعلم وعمد؟ بغرض التعتيم على دلالة " حديث الثقلين " الواضحة؟!
(1) الموطأ (2 / 899) رقم (3) ولاحظ تدوين السنة الشريفة (ه‍ ص 122).
(2) الإمام الصادق، لمحمد أبي زهرة (ص 201) دار الفكر العربي - مصر.
(3) حديث السفينة، من الأحاديث المشهورة، من رواية أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس والزبير وأنس بن مالك
وسلمة بن الأكوع، وأكثر روايته عن أبي ذر الغفاري. وقال ابن حجر المكي: جاء من طرق عديدة يقوي بعضها
بعضا، الصواعق (ص 234).
(4) نقلناه في نصوص حديث الثقلين رقم (3).
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 86).
27

ولا بد أن نذكر - أخيرا - بأن رواية " وسنتي " لا يمكن أن تكون ذات أصل،
ولا ثابتة، لأن مصطلح " الثقلين " بمعنى: " الكتاب والعترة " هو الذي ثبت بوضع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وتعريفه به حتى استقر في عرفه وعرف المسلمين، وانتقل إلى
اللغويين وسجل في كتبهم ومعاجمهم.
بينما لا أثر للثقلين: " الكتاب والسنة " في شئ من كتب اللغة قديمها ولا
حديثها، مما يزيف تلك الرواية الباطلة، ويفند تلك المحاولة الزائلة.
السنة:
والكلمة الثانية التي لا بد من معرفة المراد منها في عنوان البحث، هي
" السنة ".
فهي لغة: الطريقة، حسنة كانت أو سيئة، وعلى هذا جمهور أهل اللغة (1)
وتطلق أيضا في العرف العام: على الأمر الذي يتبع من قبل جماعة بحيث يصبح
عادة لهم وديدنا، يمشون عليه، ويستمرون فيه، وتنسب إلى صاحبها، وهو أول من
خطط لها واخترعها، فيقال: " سنة فلان " أي طريقته التي وضعها والتزم بها، في ما
إذا تبعه عليها جمع آخرون، فاتخذوه مثالا يداومون على طريقة عمله، ويقتدون به،
والواضع الأول هو: إمام تلك السنة. وعلى هذا المعنى قال لبيد:
" ولكل قوم سنة وإمامها " (2)
والمعنى: أن لكل قوم سنة، ولكل سنة إمام من القوم أيضا، فالإمام هو
الشخص الواضع للسنة، وهو المقتدى لقومه في سنته، وهذا المعنى هو مقتضى
(1) لاحظ مادة (سنن) في معاجم اللغة، مفردات غريب القرآن للراغب ولسان العرب لابن منظور، والقاموس
للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي.
(2) تفسير الطبري (4 / 65).
28

إضافة " الإمام " إلى " ضمير السنة " لأن الإضافة تقتضي المغايرة والاثنينية (1).
ونقل عن الكسائي أن السنة: الدوام (2) وقال الطبري: السنة هي المثال
المتبع (3).
وكل هذه المعاني اللغوية تعطي أن للسنة نوعا من الاستمرار والشيوع
والالتزام الدائم اتباعا لمثال وضع من قبل شخص يقتدى به، هو الإمام لها.
وإمام المسلمين المقتدى، الذي يتعبدون بالاقتداء به والالتزام بطريقته هو
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإضافة السنة في لغة المسلمين إليه، مطلقا، إضافة حقيقية، وسنته
هي المراد من الكلمة عند إطلاقها، فإذا قال المسلمون " جاء هذا في الكتاب
والسنة " أو " جاءت به السنة " فالمراد هو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا غير.
وهذا عرف إسلامي طارئ على اللغة، إلا أنه أصبح كالحقيقة الثانية، ولذا
اعترف علماء المسلمين المتأخرين، بأن كلمة " السنة " مجردة عن القرائن، تنصرف
في التراث إلى سنة النبي عليه السلام (4).
أما السنة اصطلاحا: فهي أحكام الشريعة المأخوذة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد
أحكام الكتاب (5).
قال في لسان العرب: سنة الله: أحكامه: أمره ونهيه،...، وقد تكرر في
الحديث ذكر " السنة " وما تصرف منها، والأصل فيه: الطريقة والسيرة، وإذا
(1) وليست الإضافة تفسيرية (أي بيانية) كما تصوره الشيخ عبد الغني عبد الخالق في كتابه " حجية السنة
ص 47 " لأن الإضافة إنما تكون بيانية إذا أضيف الشئ إلى ما هو من جنسه أو ما أشبه كقولهم " خاتم حديد "
أي من جنس الحديد، فلاحظ.
(2) نقله الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 31).
(3) تفسير الطبري (4 / 65).
(4) حجية السنة، لعبد الخالق (ص 58).
(6) لا لاحظ
كشاف اصطلاحات الفنون (1 / 777).
29

أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها: ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونهى عنه وندب إليه
قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز (1).
وبهذا المصطلح يقترن بما جاء في الكتاب من الأحكام - غالبا - فيقال: " جاء
في الكتاب والسنة " وبهذا المعنى أيضا يقابل ب‍ - " البدعة " في أكثر الموارد.
أقول: وهذا المصطلح، هو المعنى المستعمل في روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام،
وهو الجاري في عرف جميع فقهاء الأمة، بل حتى القدماء المحدثين، حيث ميزوا بين
السنة وبين الحديث، فقد نقل عن ابن مهدي قوله: سفيان الثوري إمام في الحديث،
وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في الحديث (2).
فسفيان الثوري محدث، والأوزاعي فقيه.
وهذا الأثرم، أحمد بن هاني، أبو بكر الإسكافي [البغدادي] المحدث، الفقيه
الحنبلي له كتاب السنن في الفقه على مذاهب أحمد وشواهده من الحديث (3).
فقد جعل عنوان كتابه " السنن في الفقه " وجعل الحديث أدلة عليها وهو
صارخ في التمييز بين " السنة " في عرفهم بالأحكام الفقهية، ويدل على أن
إطلاق السنة على الحديث أمر متأخر، ومبتن على المساحمة، كما سيأتي.
ومرادنا من " السنة " في عنوان البحث هو المعنى الفقهي المذكور وهو المعروف عند الأئمة عليهم السلام بل لم نجد استعمالهم اسم السنة إلا بهذا المعنى وقد جاء بذلك في عرف
الفقهاء.
ونحددها بالدقة بقولنا: " ما ثبت من الدين عن المعصوم عليه السلام ولو استنباطا،
(1) لسان العرب (سنن).
(2) تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (1 / 3) وانظر مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (14 / 32).
(3) الفهرست للنديم (ص 285) المقالة السادسة، الفن السادس، أخبار فقهاء أهل الحديث.
30

ولم يجئ به الكتاب كذلك ".
فقولنا " من الدين " يخرج ما كان من أفعال العادة وما كان لغير التشريع، فلا
حاجة إلى ما يصرح بنفيه.
كما يخرج منها " ما ليس من الدين " وهو المعروف بالبدعة، حيث لم يقم عليه
دليل لا من الكتاب ولا من المعصوم عليه السلام.
وقولنا " قطعا " لحصر السنة بما ثبت بالعلم والاتفاق أو التواتر، كونه تشريعا
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج المشكوك والمظنون، والمروي في الأحاديث غير الثابتة ولا
المسلمة. وقولنا " عن المعصوم " يخرج ما جاء عن غيره من الآراء، فإنه لا يثبت به
الدين عندنا.
وقولنا " ولو استنباطا وكذلك " لإدخال ما يتوصل إليه المجتهدون من المفهوم
من الكتاب أو كلام المعصوم، فإنه يكون منهما، وهو حجة عليهم وعلى مقلديهم،
كما هو ثابت في محله..
وقولنا " لم يجئ به الكتاب " لإخراج ما ثبت بالقرآن من أحكام الله، فإنه لا
يطلق عليه " السنة " في العرف الشائع، بل يطلق عليه " الفريضة " وربما أضيفت إلى
" الله " أو " كتابه " فيقال " سنة الله " أو " سنة الكتاب " بمعنى حكمهما وهو ليس بكثير.
وتعم السنة بهذا جميع الأحكام الشرعية الثابتة عن المعصومين عليهم السلام واجبة
ومندوبة، فيصح تقسيمها إلى ذلك، كما ورد في بعض الروايات.
وتخصيص " السنة " بالمندوب عند الفقهاء المتأخرين اصطلاح خاص منهم،
واستعماله في الروايات مع القرينة، فلا يؤثر على الحقيقة التي سجلناها.
فالسنة في بحثنا غير ما هو المراد للأصوليين، إذ هو عندهم: الدليل على
الأحكام الشرعية، وهو " قول المعصوم أو فعله أو تقريره " وهو المعبر عنه
31

بالحديث في روايات الأئمة عليهم السلام وعامة المحدثين القدماء.
والسنة بذلك المعنى وسط في إثبات الحكم الشرعي، ويكون حجة عليه.
أما السنة بالمعنى المبحوث عنه: فهي نفس الأحكام الشرعية الثابتة،
المأخوذة من المعصوم، وهي حجة بمعنى الثبوت على المكلفين، ولا تثبت إلا بالعلم
بها والاتفاق عليها، كما سيأتي في معنى " الحجية " وقد عبر عن حكمها ب‍ - " الحتم " في
بعض الروايات (1).
والحاصل: أن السنة في العنوان، هي: الأحكام الشرعية التي لم ترد في
القرآن، بل جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم آخذا لها من أنباء وحي الغيب الإلهي بما في ذلك
تفسيره لما خفي على الناظرين من آيات القرآن سواء ظاهره ومنطوقه، أو مفهومه،
وقد أوحاه الله إليه إذ اجتباه لتبليغ الرسالة وبيانها أولا، ثم خلفاؤه الراسخون في
العلم بتأويله ثانيا، وقد اكتسبت السنة هذه الحجية من كلا مرجعي المسلمين
الكتاب الكريم من جهة، والرسول وخلفاؤه العترة من جهة أخرى.
وغرضنا نحن في هذا البحث إثبات ما دل على حجية السنة من نصوص
هذين المرجعين.
الحجية:
قال في اللسان الحجة: البرهان، وأضاف بعد ذلك على البرهان: الدليل.
وقيل: ما دوفع به الخصم، وقال الأزهري: الوجه الذي يكون به الظفر عند
الخصومة (2).
(1) فيما رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1 / 2 - 282) مسندا عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن
أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولاحظ محاسن الاصطلاح للبلقيني (ص 125).
(2) لسان العرب (حجج) وتاج العروس (حجج).
32

فالحجية: مصدر جعلي مأخوذ من " الحجة " ويقصد بها أثر البرهان
والدليل، وهو: الانكشاف والظهور، المستتبع " وجوب العمل على وفقه ولزوم
الحركة على طبقه، بحيث يقطع به العذر، ويغلب به الخصم، فكل ما وجدت فيه هذه
الآثار فهو " حجة " اصطلاحا ومن ذلك " العلم " الذي هو انكشاف للواقع والحق،
فإن كونه موجبا للعمل، وملزما للحركة على طبقه، وقاطعا للعذر، وموجبا للغلبة
على الخصم، أمور ثابتة فيه، بذاته، أي بنفسه واستقلالا، ويكفي حصوله ووجوده
في ترتبها عليه، من دون توقف على التزام آخر، من حاكم أو آمر، كما أنه ليس
لأحد - مهما كان - المنع من كشفه ووضوحه وحجيته، بأي شكل من الأشكال، إلا
بإيراد الشبهة في مقابل البديهة أو التشكيك في حصوله.
ومثل هذه الحجة، تحتوي على: الحجية الذاتية، أو الاستقلالية، حيث لا
يحتاج إلى ما يعطيه الحجية بالاعتبار والجعل.
وحيث أن الحاكمية التشريعية هي لله جل وعلا، وهذا ثابت بأدلة الإيمان
والعقيدة الإسلامية، فما دل على الشريعة من " كتاب الله " تكون حجيتها " ذاتية "
كذلك، بعد ثبوت كون ما نزل " وحيا " إلهيا، كما هو الثابت بالنسبة إلى القرآن
الموجود بين الدفتين والمتواتر عند المسلمين.
لأن آيات الكتاب الكريم، بعد ثبوت كونها وحيا، تكون كالعلم في الحجية،
فما احتوته هو " حكم الله وشريعته " بلا ريب، فتكون حجيته ذاتية بمعنى أنه موجب
للعمل، والحركة، وقاطع للعذر، وموجب للغلبة على الخصم. بنفسه وذاته وبمجرد
حصوله.
وكذلك ما ثبت كونه " حكما " إلهيا بطرق أخرى موجبة للعلم، كالحس والإلهام، أو التواتر، من طرق العلم، فإن حجيته ذاتية، استقلالية، غير قابلة للجعل
إثباتا ولا نفيا.
33

و " السنة " التي فسرناها هي من قبيل " الكتاب " في الحجية، إذ المفروض أنها:
الأحكام الشرعية الثابتة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ثبتت رسالته بالأدلة العقيدية، فما
حكم به فهو حكم الله الذي أرسله، وحاكميته نابعة من حاكمية الله، فما سنه حكم
وشريعة، وحجة: يجب العمل بها، والحركة على وفقها، وقاطعة للعذر، وموجبة
للغلبة على الخصم، بذاتها وبالاستقلال.
وبما أن الرسالة نفسها من أصول الدين، ولا بد من الوصول إليها باليقين
وبالأدلة العلمية التي لا يشوبها التقليد والظن والتخمين، فإن الأدلة القائمة عليها
هي كافية لرفع الالتزام بها إلى مستوى " العلم "، وذلك هو بمعنى العلم بحاكمية
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكون ما يسنه " تشريعا " يجب اتباعه كالقرآن الذي أتى به عن الله
تعالى، وهذا مرادنا من حجيته الذاتية.
فالحجج الذاتية للتشريع الإسلامي، هي:
الكتاب، أي القرآن الكريم، الذي انصاع البشر لبلاغته المعجزة الخارقة في
أداء أعمق المعاني وأوفقها للعقل والوجدان والضمير، بأفصح الكلمات وأنصع
الألفاظ وأبلغ الجمل وأجملها مما أذهل أمهر العرب في الفنون اللفظية، وأقوى
المقننين في الفنون التشريعية، وأوسع المحققين في الفنون الطبيعية بما لم يسبق ولم
يلحق له مثيل في الحضارات، مضافا إلى كونه كتاب دين ومواعظ واحتوائه على
الحكم الفريدة الموافقة للفطرة السليمة والعدل والإنصاف، والطرائق المقبولة عند
عامة البشر.
وسنة الرسول، المحتاج إلى وجودها في إبلاغ الرسالة ووحيها الكتاب المبين،
وتفسير آيات الكتاب ونشرها، وهو المعصوم، المختار من قبل الله لأداء المهمة
العظيمة في الأرض، بالرسالة الخاتمة.
وتتبعها الإمامة من بعد وفاة الرسول، التي تؤدي مؤداها في إبلاغ الشريعة
34

وتفسير الكتاب، كما تتبعها في شرائط العصمة والتعيين الإلهي، وأداء المهمة
العظيمة، إلى جانب الكتاب العظيم، وإلى يوم القيامة كما هو منطوق " حديث
الثقلين " تحقيقا لاستمرار الرسالة الخاتمة، وامتدادا لأهدافها.
وهاتان الحجتان الذاتيتان: كتاب الله، والرسالة والإمامة تتبادلان الدعم
والتأكيد، للكشف عن مزيد من أبعاد الحجية الذاتية في كل منهما، وليس لإثبات
حجية تشريعية بل إنما الدلالة في كل منها إلى الآخر دلالة إرشادية إلى ما هو ثابت
بحكم الأدلة العقلية والوجدانية على حجية كل منهما كما مر، وإن كانت سنة الرسول
في طول الكتاب ومن بعده.
فالكتاب، كان منذ البداية، أداة لصدق الرسالة، والأصل في القناعة بها، كما
أن الرسالة هي الوسيلة الوحيدة لتلقي الوحي وتبليغه، فإذا دل الكتاب بوضوح
على حجية سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكونها تشريعا لازم الاتباع، فهي معلوم الحجية بلا
ريب، وتعني الموافقة على كل ما يصدر منه بعنوان أنه حكم وتشريع، وأنه بمنزلة
حكم الله تعالى في حجيته الذاتية.
والرسول، صدع بوحي الكتاب، وتحمل ما تحمل في سبيل إبلاغه وبيانه
وتفسيره، حتى خلفه معجزة إلهية خالدة لا تبارى.
فمنه صلى الله عليه وآله وسلم تلقينا الكتاب، ولولاه لما وصل إلينا، ولكان بيننا وبينه ألف
حجاب.
وبما أن خاتمية شريعة الإسلام، دينا إلهيا، أمر ثابت بالبرهان والعيان، فإن خلود معجزته القرآن الكريم، أمر ثابت
كذلك، لوضوح الحاجة إليه من جهة
إعجازه ودلالته على صدق النبوة، ومن جهة ما احتوى عليه من التشريعات،
وغيرها من التعليمات.
فكذلك لا بد من خلود " سنة الرسول " واستمرارها على يد الأكفاء لحملها،
35

ينزلون منزلة الرسول في عصمته، وفي انتخاب الله لهم من بين خلقه، كي لا يعتريها
ريب الأوهام والظنون، إذ لا بد من محافظين يقومون بأداء مهمتها ورعايتها، وهم
الأئمة عليهم السلام من آله وعترته الذين ذكرهم في " حديث الثقلين " وقرنهم بالكتاب،
للدلالة على حجيتها الذاتية، معا، في تحقيق خلود الرسالة وخاتميتها، ولتبقى أحكام
السنة إلى جانب أحكام الكتاب معلومة متيقنة متواصلة، تحقيقا لخلود الإسلام
كشريعة وتحقق السنة كأمر ملتزم به متفق على اتباعه، كما سنوضحه في الفقرة
التالية.
والحاصل: أن " الحجية " في السنة المتبعة، ليست بمعنى الكشف والإظهار
والطريقية والدلالة على حكم التشريع، بل هي: ثبوت الشريعة وأحكامها، مثل "
حجية العلم " الذي هو الانكشاف والوضوح والظهور، وهو المراد من حجية
" كتاب الله ".
فكما أن أحكام الكتاب حجة على العباد يجب العمل بها والالتزام بها
فكذلك أحكام السنة حجة، والرسول حاكم كما أن الله حاكم، إلا أن الله تعالى هو
الأصل في الحكم والتشريع، والرسول حاكم لأن الله أراد له ذلك، وقبل حكمه
وقرره، وأمر بطاعته، فكان حكم الرسول حكما شرعيا، يكشف عنه كشف العلم
عن معلومه، لا كشف الدليل عن مدلوله فليس معنى (أطيعوا الرسول) أن الله
تعالى جعل سنة الرسول موصلا إلى الحكم الشرعي بمعنى جعله وسطا لإثباته، بل
كلامه هو بنفسه حكم شرعي.
بين السنة والحديث في الحجية:
وأما كيف نتوصل إلى السنة؟
فبما أن السنة - كما فسرناها - إنما هي الشريعة الإسلامية المتلقاة من
36

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي إحدى أهداف الرسالة المحمدية العظمى، فلا بد أن يكون
الدليل عليها في وجودها واستمراريتها من سنخ الدليل على نفس الرسالة، من
الدليل القطعي، لا من الدليل الظني، بل يمكن القول بأن السنة هي الهدف الثاني بعد
الكتاب، من أصل الرسالة والرسول، حيث أنهما يكونان الشريعة الإسلامية، التي
بلغها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تارة بلغة الوحي المباشر في كتاب الله المعجز، وأخرى بلغته
هو الذي كان " وحيا " غير مباشر، ولم يقصد به الإعجاز اللفظي، وإن كان أيضا "
إعجازا تشريعيا ".
وخلود السنة، كخلود القرآن، يقتضي ثبوتهما بالطرق العلمية القطعية، التي
لا يعتريها الاحتمال والريب.
ثم إن اقتران: الكتاب والسنة، في مصدرية التشريع يقتضي كذلك، لزوم
تساويهما في القطعية، وإلا لم يتكافئا ولم يتساويا.
ولا ريب في كون الكتاب العزيز القرآن الكريم، قطعيا بين المسلمين، بما بين
الدفتين، نصا وحجية، بما لا يختلف في ذلك من اعتقد بالدين الإسلامي، من الفرق
والمذاهب كافة، لثبوت ذلك بالتواتر القاطع لكل ريبة وشبهة، فلا بد أن تكون
السنة قطعية كي تحقق الهدف الإلهي من وجودها، وهو تكوين الشريعة الإسلامية
الخالدة، كالقرآن الكريم، بعيدة عن الأسس الظنية والمشبوهة والمحتملة.
ومن هنا فإنا نعتقد أن السنة لها قدسية القرآن، باعتبارها معبرة - على لسان
الرسول - عن الإرادة الإلهية، في تكوين الشريعة الإسلامية، التي " رضيها الله للناس
دينا " (1).
(1) لا لاحظ
من الآية (3) من سورة المائدة (5) (... اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا...) وقد ثبت في نصوص من الحديث الشريف نزولها يوم الغدير، بعد عقد ولاية الإمامة لأمير
المؤمنين عليه السلام.
37

فإذا كان " كتاب الله " قد تميز بالحجية الذاتية، وثبوته بالتواتر وكونه خالدا
إلى يوم القيامة، وكونه معصوما، فلا بد أن تتميز " السنة " بنفس المزايا: فتكون
حجيتها ذاتية، كما قلنا، وخالدة إلى يوم القيامة، ومعصومة، ولا بد أن يكون طريق
ثبوتها العلم، لا الظنون.
ومع ذلك، فإن صدق " السنة " على حكم شرعي، لا بد أن تكون فيه صفة
الدوام واستقرار العادة واتباع الجماعة، كما أوضحنا في معنى السنة لغويا، فلا
يصدق إلا على ما كان له نحو ثبوت واستقرار جازم، لا ما يعتريه الشك والترديد
والجرح والإبطال، والمعارضة والمخالفة، ولذلك قيد بعضهم السنة بكونها " ماضية "
بمعنى جارية ومعمول بها.
ولعل مجمل ما ذكرنا أمر يتفق عليه المسلمون كافة، ولم يخالف في أصله أحد
منهم.
إلا أنه وقع الخلاف بينهم في مصداقية " السنة "؟ وأنها من أين تؤخذ؟ وما هو
المصدر العلمي الموثوق الذي يحكيها ويثبتها؟
وقد استغل هذا الخلاف بعض من أراد القدح في الشريعة من طرف خفي،
فأعلن التشكيك في مجموع السنة، وشكك في تشريعات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحجيتها،
محتجا بكونه " بشرا " تارة، وبأنه " يهجر " أخرى، حتى أصبح هذا الرأي شعارا
لأهله رفعوه بعنوان " حسبنا كتاب الله "، رفعه في عهد الرسول جماعة من معارضي
السنة، وتبعه على مر الزمان جماعة، ومنهم في عصرنا من كتب " الإسلام هو القرآن
وحده " وأصبح حركة سياسية يتبعها " القرآنيون " (1).
(1) لا لاحظ
عن هذه الشعارات وهذه الأفكار: كتابنا تدوين السنة الشريفة (ص 79 و 81 و 125 و 360
و 359 - 363 و 425 - 428 و 434 و 406.
ودراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه (ص 21 - 41)، وحجية السنة لعبد الخالق (ص 246 - 277).
38

لكن هذه الحركة الباطلة جوبهت بالرد العنيف، من قبل الله في كتابه، حيث
أعلن أن ما ينطق به الرسول هو (وحي يوحي) ومن قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه،
حيث أعلن أنه " لا يخرج منهما - يعني شفتيه - إلا حق " وندد بشدة بالذين يحاولون
الاكتفاء بالقرآن وحده، في أحاديث " الأريكة " ومن أشهر نصوصها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول
" عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام
فحرموه ".
وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله
وفي نص آخر: " أيحسب أحدكم متكئا على أريكته، يظن أن الله تعالى لم
يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن؟ "
ألا، إني قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء، إنها مثل القرآن أو أكثر... " (1).
ووجدت طائفة أخرى أنكرت حجية غير المتواتر منها (2).
ومهما كانت دوافع هؤلاء، فإن حصرهم السنة بالخبر المتواتر تضييق، لما
سيأتي من أن السنة ليست من باب الخبر أصلا، مع أن الاتفاق المفروض في السنة
أهم من النقل المتواتر، لقيام العمل عليها من الكافة، فهي فوق التواتر وتصل إلى
الضرورة، كما هو الحال في أحكام القرآن، كما أوضحنا.
(1) أوردنا نصوص أحاديث " الأريكة " في تدوين السنة الشريفة (352 - 355) ولا لاحظ
الصفحات (356 - 360)
فقد رواه من الصحابة: المقدام بن معدي كرب، وأبو رافع، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، والعرباض بن
سارية، وأثبته من المحدثين: أحمد، وأبو داود وابن ماجة والدارمي والبيهقي والحاكم النيسابوري والخطيب
والحازمي وابن حبان والترمذي والقرطبي في تفسيره والشافعي في الرسالة والحميدي في مسنده والدارقطني
في العلل والشاطبي في الاعتصام. ولا لاحظ
حجية السنة لعبد الخالق (309).
(2) نقله الأعظمي في دراسات في الحديث النبوي (ص 22) عن الأم للشافعي (7 / 254) باب حكاية قول من رد
الخبر... خاصة.
39

ووسعته جماعة إلى كل ما جاءت به الأخبار، حتى المراسيل
وهذه التوسعة مؤدية إلى النزول بالشريعة إلى الأدنى من الظنون، وهو
باطل بالتحقيق، لما في الأخبار، وخاصة مع قطع النظر إلى الأسانيد، من الباطل
وقابلية الدس والتزوير، كما هو المشاهد.
ولجأ البعض إلى أخبار الآحاد، فجعلوها " حجة " لإثبات الشريعة بها،
وفتحوا بذلك أبواب التشريع، على أساس ما روي ونقل، فكان أن استغل هذه
الثغرة أصحاب الأهواء، وبدأوا يضعون الأحاديث حسب أهوائهم، ويفتعلون
المتون والأسانيد حسب آرائهم.
واعتبر المتأخرون كل ما دلت عليه أخبار الآحاد " سنة " وألقوا على ذلك
الكتب والمجاميع والمصنفات والمسانيد وحاولوا وضع قواعد وأصول تميز لهم
الصحيح وغيره. فألفوا كتب الصحاح وسموا بعضها بالسنن.
والأمر المهم في عمل هؤلاء هو خلطهم بين السنة والحديث، فإن ما رووه
ونقلوه إنما هو " الحديث " المروي، وليس من الضروري أن يكون كل حديث " سنة "
وتشريعا، كما عرفنا في تعريف السنة، فإنها إنما تتكون من الحكم الشرعي المتفق
على كونه تشريعا قد سنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخذه، وسار عليه المسلمون.
وقد عرفنا أن حجيتها موقوفة على كونها قطعية معلومة، لكونها شريعة الله
الخالدة، ولا يكتفى فيها بالظنون والخبر الواحد الناقل له، ليست له حجية قطعية،
ولا له قابلية الإثبات العلمي، فكيف يكون طريقا للسنة، ويثبت به الحكم
الشرعي الإلهي؟؟
ولذا نجد مثل عمر بن الخطاب يرد حديثا روته الصحابية فاطمة بنت
قيس، ويقول: " ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة... " (1).
(1) الكفاية في علوم الرواية للخطيب (ص 81).
40

ولذلك فإن تسمية الأحاديث - المنقولة بأخبار الآحاد - بالسنن، ونسبتها
إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأخطاء الخطيرة، وهي تسمية متأخرة ومخالفة لمنهج
القدماء، كما هي مخالفة لاستعمالات أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، كما سبق.
وقد اتفقت كلمة الفقهاء القدماء من الشيعة على " أن الخبر الواحد لا يفيد
علما ولا عملا " (1) في باب الشريعة.
والسر في ذلك ما ذكرنا من أن السنة تشريع إلهي، والشريعة لا بد أن تكون
(1) قال الشيخ الإمام المفيد في مختصر أصول الفقه (ص 44) فأما خبر الواحد القاطع للعذر، فهو الذي يقترن إليه
دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم... فمتى خلا خبر الواحد من دلالة يقطع بها على صحة مخبره فإنه كما
قدمناه ليس بحجة، ولا يوجب علما ولا عملا على كل وجه.
وقال في أعلاه: والحجة في الأخبار ما أوجبت العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها، ونفي الشك فيه
والارتياب، وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال.
وقال المرتضى في الذريعة (2 / 517): إعلم أن الصحيح أن خبر الواحد لا يوجب علما، وكرره (ص 53) وقال
(ص 554) قد دللنا على أن خبر الواحد غير مقبول في الأحكام الشرعية وانظر الذخيرة (ص 355). وقال في
مسألة في إبطال العمل بأخبار الآحاد: " إن العلم الضروري حاصل لكل مخالف للإمامية أو موافق: بأنهم لا
يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم، وأن ذلك صار شعارا لهم يعرفون به.
ثم قال: واعلم أن معظم الفقه نعلم ضرورة مذاهب أئمتنا فيه بالأخبار المتواترة، فإن وقع شك في أن الأخبار
توجب العلم الضروري، فالعلم الذي لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه حاصل، كالعلم بالأمور الظاهرة كلها التي
يدعي قوم أن العلم بها ضروري. راجع المسألة، المطبوعة في رسائل المرتضى (3 ص 309 وص 312) وذكر
نحو هذا في جوابات المسائل التبانيات المطبوعة في المجموعة الثانية من رسائل المرتضى (ص 24 و 26)
وقال في جوابات المسائل الموصليات الثالثة: أبطلنا العمل في الشريعة بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علما
ولا عملا، وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم. رسائل المرتضى المجموعة الأولى (ص 202).
وقال الشيخ الطوسي في العدة (1 / 290) والذي أذهب إليه: أن خبر الواحد لا يوجب العلم ثم ذكر قرائن تدل
على صحة متضمن أخبار الآحاد، ولا يدل على صحتها أنفسها في (ص 372).
ثم قال: فمتى تجرد الخبر عن واحد من هذه القرائن كان خبر واحد محضا... وإن لم يكن هناك خبر آخر
يخالفه: وجب العمل به، لأن ذلك إجماع منهم على نقله، فينبغي أن يكون العمل به مقطوعا عليه (ص 373).
وقال (ص 275): وأما الخبر إذا ظهر بين الطائفة المحقة وعمل به أكثرهم وأنكروا على من لم يعمل به فإن
كان الذي لم يعمل به علم أنه إمام، أو الإمام داخل في جملتهم، علم أن الخبر باطل، وإن علم أنه ليس بإمام
ولا هو داخل معهم علم أن الخبر صحيح، لأن الإمام داخل في الفرقة التي عملت بالخبر.
41

قطعية ويقينية، بمستوى الدين والرسالة والقرآن، ولاقتضاء الخاتمية والخلود،
لذلك، فلا يمكن إثبات ذلك والوصول إليه بالخبر الواحد الموجب للظن.
فكما لا يثبت القرآن بالخبر الواحد، فكذلك السنة، إذ هما مصدران
للشريعة والدين، الذي هو بحاجة إلى العلم واليقين.
فالشريعة دين وقانون، لجميع البشر بالرسالة المحمدية، ولا معنى لأن يكون
أمر قانون إلهي خالد، لم يبلغ إلا إلى آحاد من أتباعه، بل لا بد أن يكون عاما
منشورا مبلغا به لأكثر من الواحد قطعا.
ومن هنا كان من الضروري إعلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مرجعية من بعده تكون
استمرارا لمرجعيته، تكون قادرة على مواكبة القرآن - المصدر الأساس للإسلام
وتشريعه - لتفسيره والنطق عنه، وتكون قادرة على حماية السنة وحفظها ونشرها
بشكل يناسب قطعيتها، ولا تسقط عن حجيتها.
فعين في " حديث الثقلين ": " أهل البيت: " لأداء هذا الدور العظيم، كما
عرفنا في دلالة الحديث.
والتزم الفقهاء من الشيعة، بأن السنة القطعية إنما توجد عند أهل البيت عليهم السلام،
لكونهم الخلفاء الناطقين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم،
والقائمين إلى جنب الكتاب الكريم، بأداء
دور المعادلة التي كانت في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى يوم القيامة، لتحقيق خلود الإسلام
وخاتمية شريعته.
فالمعتمد لتحقيق " السنة " والحصول عليها، إنما هو الأخبار المتلقاة بالقبول،
والمثبتة في الأصول، والمدونة في الدواوين، التي بدأ فقهاء المسلمين بتأليفها وجمعها
منذ عصر الرسالة الأزهر، وحتى انتهاء عصر حضور الأئمة الاثني عشر، أي فترة
(عام البعثة - 260 ه‍) لمدة (273) عاما، فتكونت الكتب التي " عليها المعول في
الدين وإليها المرجع في تحديد الشرع المبين " بعد الاجتهاد والمقارنة، فإنها مفيدة
42

للقطع واليقين.
والشريعة المأخوذة مما يدخل في هذا الإطار هو مجموع ما أثبته علماء الأمة
ورجالاتها التي اتفق على قبولهم الكل، وتداول أقوالهم وأعمالهم الجميع، وهي
الأصول الأربعمائة المؤلفة من قبل أربعمائة من المؤلفين، والتي انعكست برمتها في
الجوامع المتأخرة، التي بلغ مجموع ما فيها من الحديث أكثر من (000 / 40) نص،
وهذه المجموعة، وبالملاك المذكور، وهو التلقي بالقبول، تعتبر الركيزة للشريعة
الإسلامية، والسنة التي هي ثاني أركانها بعد كتاب الله.
ومن هنا كان إرشاد الآيات الكريمة والرسول وعترته إلى حجية هذه السنة
المطمأن بها والموثوقة، أمرا متناسبا مع قدسية السنة ومكانتها في الدين، واللازم
من حجيتها الذاتية، وجاريا مع خلود الشريعة، وهو المدلول لحديث الثقلين الآمر
بالرجوع إلى العترة مع الكتاب، في أخذ معالم الدين والتعلم منهم.
ولقد أولى العترة - إلى جانب الكتاب - اهتماما بليغا في التأكيد على السنة
وحجيتها، والإعلان عن علمهم بها، والإخبار عن احتفاظهم بها، بما سنثبته في هذا
المقال.
اعتراضات مبنية على افتراضات:
وقد يرد على ما ذكرناه وجوه من الاعتراض، لا بد من ذكرها والإجابة
عنها:
الأول: هل تنكر السنة؟
إن هذا الرأي يؤدي إلى إنكار شئ اسمه السنة، إذ يبتني على لزوم كون ما
يسمى " سنة " أمرا متفقا عليه، بينما نجد سعة الاختلاف بين المذاهب الإسلامية،
43

وبين فقهاء المذهب الواحد، في كثير من المسائل الشرعية، وعلى ذلك فليست هذه
كلها من السنة، ولا من الشريعة، والمفروض أن أخبار الآحاد لا يستدل بها على
الشرع، فلا يبقى من الدين سوى مسائل عديدة جاءت في القرآن، أو اتفقت عليها
كلمة الأمة؟
وينطوي هذا على مبلغ من الخطورة ما يساوي الموجود في إنكار أصل
السنة وحجيتها؟ والمفروض بطلانه، كما
سبق!
والجواب عن هذا:
إن أداء هذا القول إلى إنكار السنة، إنما يمكن فرضه إذا لم نحدد مصدرا
" للسنة " جامعا للمواصفات والشروط التي التزمناها في السنة، ولكن المفروض أنا
قد حددنا وبالدقة التامة المصدر الجامع للسنة الجامعة لشرائط الحجية، وبإرشاد
من الكتاب الكريم، والرسول العظيم، في حديث الثقلين، وهم " عترة الرسول وأهل
بيته " كما قلنا.
فالسنة، الصحيحة القطعية، التي تتكون منها الشريعة، موجودة عندهم،
ومحفوظة لديهم، ومنقولة عنهم بأيد أمينة وألسنة صادقة، ومدونة ومسجلة،
والحمد لله في كتب التراث عندهم.
وأما وجود الاختلاف في الشريعة بين المذاهب، وبين أهل المذهب الواحد،
فليس مدعاة إلى ما فرض من إنكار حجية السنة، لأن من المعلوم كون الاختلاف
أمرا طارئا، على أثر إهمال الطرق الصائبة، واتباع الأهواء والآراء، ووضع
النصوص، واعتماد الآحاد في أخبارها، والإعراض عن العلم وأهله، ولا شك أن
مثل هذا التعتيم لا يؤدي إلى انطفاء نور الله المحفوظ عند أهله.
ولا ريب أن مثل ذلك التعتيم إنما كان ولا يزال من فعل أعداء الدين والشرع
44

المبين، ومنكري حجية السنة أصحاب شعار " حسبنا كتاب الله " والذين افتعلوا
أحاديث للتشويش على الحق وشرعته، ومنعوا من تدوين الأحاديث المرشدة إلى
الحق وأهله، ليتسنى لهم التعتيم على الشريعة بالآراء الفاسدة الشنيعة.
ويرشد إلى هذا وقوع الخلاف حتى في أوضح الواضحات مما كان من
الشريعة بوضوح، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقوم به في اليوم مرات عديدة كأفعال
الصلاة، مثل قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول الفاتحة وأول السورة، مع أنه
كان يصلي جماعة بالناس في اليوم والليلة (خمس) صلوات وفي كل صلاة ركعتان،
فيهما القراءة واجبة! فكيف يختلف الصحابة ذلك الخلاف الواسع في قراءة البسملة
وعدمها، وفي الجهر بها أو الإخفات؟ بينما نجد " أهل البيت عليهم السلام: " مجمعين كلمة
واحدة، على قراءتها والجهر بها؟!
إن وجود عشرات من هذه الأمثلة لهو الدليل الواضح على أن السنة كانت
قائمة في عصر الرسول وأنه أودعها أهل
بيته، وأرشد الأمة إلى الأخذ منهم، في
" حديث الثقلين "، وأن الخلاف فيها متأخر، لا يضر بأمرها، ولا بحجيتها ولا يؤثر
فيها كل ذلك الخلاف ولا بعضه.
الاعتراض الثاني: وما الموقف من الأخبارية؟
إن الالتزام بما ذكر يساوي ما ذكره الأخبارية من قطعية الأخبار الواردة في
الكتب الحديثية، الجوامع الأربعة؟ وتواترها؟
نقول: القول بقطعية الأخبار بمجردها، كلام سخيف لأن في بعض المثبت في
تلك الجوامع ما لا يعدو أن يكون خبرا واحدا، ومنها ما هو مستفيض على أكثر
تقدير، وأما التواتر - بالمعنى المصطلح لفظيا ومعنويا - فأمر لا يقول به طالب في
علوم الحديث فضلا عن عالم بها، وهذا واضح لمن راجع أي كتاب من الأصول أو
45

الجوامع.
فالقول بتواتر هذه الأحاديث وقطعيتها وحجيتها من أجل ذلك، باطل قطعا
لا وجه للالتزام به، لكن المدعى أن الشريعة موجودة في هذه الأخبار، لا تخرج
عنها، ولا يتوقع حصولها في غيرها، لفرض انحصار المروي عن أهل البيت عليهم السلام
فيها.
وأن ما في هذه الأخبار من السنة بعد وقوع القبول عليها، خرجت من كونها
مفيدة لمجرد الظن - كالآحاد - بل هي مفيدة للعلم لا من باب التواتر، بل من باب
كونها " السنة " التي نقلها أهل البيت عليهم السلام.
ولذلك فإنا نختلف مع الأخباريين في بعض مفردات هذه الأخبار، بالبحث
والنظر في أسانيدها عند الاختلاف والتعارض، وإعمال الاجتهاد في مداليلها،
والجمع بينهما مهما أمكن، ثم اللجوء عند التعارض إلى إعمال المرجحات، مما هو
مقرر في باب التعارض، لكن الحق وهو السنة لا يخرج عن حيز هذه الأخبار، ولا
يجوز أن يعرض عنها بحال.
الاعتراض الثالث: هلا يتنافى الإجماعان؟
قد يقال: إن دعوى إجماع الطائفة على ترك العمل بخبر الواحد، يتنافى مع
دعوى إجماعهم على العمل بهذه الأخبار المتداولة في الكتب المعمول بها، لأنها كلها
أو أكثرها آحاد، فلا بد من رفض أحد الإجماعين أو تساقطهما؟
والجواب: إن المراد من الإجماعين هو واحد، فأخبار الآحاد، مطلقا ليست
حجة، ولا يبنى عليها الدين، ولا يسمى مؤداها " سنة " وشريعة، إذ - كما سبق - لا بد
من الاتفاق على التشريع، وقبول الطائفة للخبر هو الملاك في صيرورته سنة
وحجة، فالسنة في هذه الأخبار المعمول بها والمتفق على قبولها، خرجت من كونها
46

آحادا بهذا العمل وهذا القبول، وخرجت من الظن إلى اليقين، وابتعدت من الرأي
والبدعة إلى الدين والشريعة.
وقد تحقق بها التأكد من السنة الموثوقة بأقوى السبل وآمن الأشكال، دون
الاتكال على أخبار آحاد الرجال، الظنية، والمعتمدة على أساليب الجرح والتعديل
الظنية كذلك، واعتبارها أدلة على " دين الله " وشريعة الإسلام الخالدة، التي يجب أن
تكون علما ويقينا، على ما بين أهل تلك الأساليب والأخبار من الاختلافات في
شروط النفي والإثبات.
الاعتراض الرابع: هل ترفض أحاديث الصحابة؟
وقد يقال: إن مآل هذا الالتزام: هو تخصيص حجية السنة بما ورد منها
بطريق أهل البيت عليهم السلام ورفض السنة المنقولة من سائر صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهم
كثيرون، ولا يخفى ما في هذا من ضياع لمجموعة من السنة المروية
أقول: إن اتهام شيعة أهل البيت عليهم السلام بعدم الأخذ من الصحابة، وحصر
الأخذ بأئمة أهل البيت تهمة قديمة حديثة، وقد صورها بأحدث صورها الأعظمي
في دراساته بقوله: أما الشيعة فهم فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا، والموجود منهم
حاليا في العالم الإسلامي أكثرهم من الاثني عشرية، وهم يذهبون إلى الأخذ
بالسنة النبوية، لكن الاختلاف بيننا وبينهم في طريق إثبات السنة نفسها.
وبما أنهم يحكمون بالردة على كافة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدا عدة
أشخاص يتراوح عددهم بين ثلاثة إلى أحد عشر، لذلك لا يقبلون الأحاديث عن
هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل يعتمدون على روايات منقولة عن
أهل البيت فقط، حسب نظرهم (1).
(1) دراسات في الحديث النبوي (ص 25).
47

وقبل أن ندخل في مناقشة الدكتور، لا بد من ملاحظة ما ذكره في قوله: " فهم
فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا " حيث لم يبين الدكتور وجه دخل هذه المعلومة في
أمر السنة والبحث عن حجيتها؟
ثم هل العامة أصحاب المذاهب العامية الأربعة، لم يكونوا فرقا كثيرة يكفر
بعضها بعضا؟!
مع أن قوله " يحكمون بالردة على كافة الصحابة " استنادا إلى خبر واحد في
كتاب، أمر غريب، حيث يجريه على طائفة بأكملها ويحملها قبول هذا الخبر؟
وكلمة " الردة " يريد أن يفسرها بالمفهوم المصطلح وهو الارتداد عن الإسلام؟
بينما الخبر المذكور لا يحتوي إلا على لفظ " ارتد الناس " ولم تذكر فيه كلمة
" الردة " كما لم يذكر فيه أنها كانت " عن الإسلام " وإنما معنى " ارتد الناس " العدول عن
الحق الذي أوجبه الرسول على أمته بشأن أهل بيته.
لكن الدكتور سار مع الناس في نقلهم، وفي تفسيرهم لذلك الخبر الوحيد
" والحشر مع الناس عيد "
أما ما يرتبط بأمر السنة عند الشيعة الاثني عشرية:
فالواقع الذي نجده في تراثهم أن الرواية عن الصحابة عندهم كثيرة جدا،
وهذه كتب حديثهم تزخر بالمرويات عن الصحابة، وقد ذكر الشيخ الطوسي من
الرواة للحديث الشيعي من بين الصحابة (468) شخصا، فما أعظم تلك الفرية التي
ذكرها الدكتور؟
فلو كان الشيعة يروون عن هذا العدد من الصحابة، ويكتفون بالسنة المروية
من طرقهم؟ فهل تبقى التهمة في حقهم على حالها؟
وهل يجب الرواية عن جميع الصحابة بلا استثناء، حتى يرضى الدكتور؟
وهل غير الشيعة تتفق أو تسلم لهم الرواية عن جميع الصحابة، أو كل من
48

يتسمى بالصحابة، ولا يفلت منهم حديث واحد أو أكثر، ولو لعدم صحة الطريق
إلى ذلك الصحابي أو غيره؟
ثم إذا كان الشيعة إنما يأخذون السنة من أهل البيت عليهم السلام لأنهم أوثق من
عرفها وأعلم من رواها؟ فاكتفوا بذلك عن الحاجة إلى غيرهم؟ فلم يرووها، فهل
يدل ذلك على إنكار السنة عند غيرهم؟ إذا كان الحكم كذلك، فالعامة الذين
التزموا بروايات الصحابة، وتركوا روايات أهل البيت عليهم السلام وأعرضوا عن السنة
المنقولة بطرقهم، لا بد أن يعدوا منكرين للسنة؟
فكل ملتزم بحديث تارك لما يخالفه وينافيه، فهل يكون منكرا للسنة؟
أفهل يلتزم فضيلة الدكتور بهذا في حق فرقته غير المكفرة لأحد، أو المكفرة
من أحد! (1)
ثم إن الشيعة إنما عمدوا إلى أهل البيت عليهم السلام لأخذ السنة منهم: استرشادا
بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإرشاده في حديث الثقلين إلى عترته، وأمره بالأخذ منهم،
لأنهم الأعلم.
أفهذا يسمى إنكارا للسنة؟ أم هو عمل بها واتباع لها؟ أم إن ترك هذا
الاتباع، وإهمال حديث الثقلين وأخذ السنة من
غير أهل البيت عليهم السلام أولى؟
ولقد أعاد الدكتور عبد الغني عبد الخالق في حجية السنة تلك المزعومة،
بشكل آخر، فقال: وبعض الشيعة: كانوا يثقون بالحديث متى جاءت روايته من
طريق أئمتهم، أو ممن هو على نحلتهم، ويدعون ما وراء ذلك، لأن من لم يوال عليا
ليس أهلا لتلك الثقة (2).
(1) المعروف عن السلفية الوهابية أنهم يطلقون على جميع المسلمين اسم الشرك والكفر لمجرد قيامهم بزيارة
القبور، وبالخصوص قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة مع أن هذا القبر - بالخصوص - مهوى أفئدة الصادقين في
إيمانهم بالله ورسوله من المسلمين كافة وبلا استثناء.
(2) حجية السنة (ص 247) عن تاريخ التشريع الإسلامي.
49

فقد خفف الوطأة لما جعل الأمر لبعض الشيعة لا لكلهم.
ثم هو يتكلم عن الحديث، وليس عن السنة، وقد فرقنا في البحث بين
المصطلحين، إلا أن الدكتور يجري على مصطلح القوم في عدم التفرقة.
إلا أن قوله " متى جاءت روايته " أمر لم نجد التقيد به في شئ من كتب
المصطلح عند الشيعة.
وأما قوله: " ويدعون ما وراء ذلك " فإنه جزاف، حيث أن الحديث لم يترك في
التراث الشيعي من أجل مذهب الراوي إلا ما كان من طريق الغلاة أو النواصب،
لأنهم خارجون عن الإسلام، وأما المسلمون من جميع المذاهب فإن الشرط
الأساسي في قبول روايتهم هو الوثاقة والسداد، مع عدم المعارضة.
وأما قوله: " لأن من لم يوال عليا ليس أهلا لتلك الثقة " إن كان الدكتور قد اشتبه في القول، وأراد " لأن من يعادي عليا ليس أهلا لتلك الثقة " فهذا صحيح، لأن
من يعادي أمير المؤمنين عليا عليه السلام هو عدو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي:
" عدوك عدوي، وعدوي عدو الله... " (1) فهذا ناصبي ليس بثقة، ولا كرامة.
وأما من لم يوال الإمام عليه السلام، فلا نحكم نحن الشيعة عليه بعدم الثقة بمجرد
ذلك، بل إن لم يكن ثقة فخبره مردود لذلك، وإن كان ثقة فخبره مقبول، بل مثل
هذا يسمى اصطلاحا بالخبر الموثق وهو المروي من طريق العامي الثقة.
وبهذا يظهر عدم اتزان كلام الدكتور، مع عدم معرفته باصطلاح الشيعة
الذين يتحدث عنهم؟!
فقد تبين زيف دعوى ترك أحاديث الصحابة على الإطلاق، بل التراث
الشيعي يزخر بالحديث المروي عن الصحابة، لمختلف الأغراض.
(1) المستدرك للحاكم النيسابوري (3 / 127) صحيح على شرط الشيخين.
50

ثم الكلام عن الحديث - مهما كان - لا يرتبط بالسنة على ما ذكرنا، حيث أن
المعتبر في السنة أن تكون من طريق غير الآحاد، وهذا شرط أحرزنا تحققه في
المروي عن أهل البيت عليهم السلام الذين أرشد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأخذ منهم، لأن علم
الدين موجود عندهم، وهم الأعلم بذلك، ولم توجد عند الصحابة إلا من طرق
آحاد، لا يمكن أن تثبت بها السنة، عدا ما تم الاتفاق على قبوله من منقولات السنة
عند المسلمين جميعا.
بل التتبع يرشد الطالب إلى أن السنة - بالمعنى الصحيح - المروية عند
الصحابة، لا تخالف ما هو الموجود عند أهل البيت عليهم السلام، بل توافقهم، لأن في
الصحابة من حافظ على السنة والتزم بالحق الذي أخذه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن العامة، الذين أعرضوا عن " حديث الثقلين " وحاولوا جعل السنة بديلا
عن العترة، لم يقفوا عليها إلا من خلال الأحاديث التي وصلتهم من طريق الآحاد
من الرواة، فالتزموا بحجيتها مع عدم إفادتها العلم، وسموا ما روي بها " سنة " غير
ملتزمين بكونها يقينية، بل قانعين بكونها ظنية، وهذا من أخطر نتائج الابتعاد عن
أهل البيت عليهم السلام على أثر مخالفة حديث الثقلين.
والغريب أنا نجد العامة يعرضون عن مرويات الصحابة إذا كانت موافقة
لأهل البيت عليهم السلام أو تشبه السنة الموجودة عند العترة، بل يحاولون - بشتى الأعذار -
إبطال مرويات الصحابة وإنكارها بمجرد الموافقة لأهل البيت عليهم السلام، إلا ما شذ
وندر؟
فلماذا لا يعد " الدكاترة " مثل هذا الإعراض عن مرويات الصحابة هذه،
إنكارا لحجية السنة؟ مع قيام الاتفاق عليها من الصحابة والعترة؟
إن الدخول في إيراد الأمثلة على مفردات هذا الجواب يبعدنا عن النتيجة
التي نتوخاها من هذا البحث، مع أنا قد تصدينا لها في ما كتبناه عن " فقه الوفاق "
51

الذي نرجو الله أن يوفقنا لإنجازه، إنه الموفق المعين.
الباب الأول: من نصوص الثقلين حول السنة
تمهيد: منهجنا في إيراد النصوص:
أولا - من كتاب الله، ولم نقصد استيعاب ما ورد في الكتاب الكريم حول
السنة، نظرا إلى وضوح الأمر وشهرته، وعدم الخلاف فيه، ولكثرة البحث عنه في
الكتب المتخصصة (1) وإنما اقتصرت على بعض الآيات ووضحت دلالتها حسب
المتيسر، تيمنا بذكرها، وتكميلا للبحث من هذه الناحية.
ثانيا - من كلام العترة، فقد حاولنا اتباع ما يلي:
1 - لم نعتمد ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعم السنة والتأكيد عليها وعلى
حجيتها، لكثرة الأحاديث الواردة في
ذلك وشهرتها (2).
2 - لم نعتمد فيما نورده على المصادر العامية - غالبا - بل خصصنا جهدنا بما
روى في التراث الإمامي، لكونه آكد على نتيجة البحث، وإن كان التراث العامي
مليئا بما ينص على المراد (3).
3 - اقتصرنا على النصوص التي استخدمت اسم " السنة " كمصدر للتشريع،
خصوصا ما اقترن باسم " الكتاب " دون ما أطلق لفظ السنة عليه من الأحكام،
(1) لا لاحظ
كتاب دراسات في الحديث النبوي (ص 13 - 15) وحجية السنة (ص 291 - 308) فقد استدل بخمسة
أنواع من الآيات على ذلك.
(2) لا لاحظ
حجية السنة (ص 283) و (ص 308 - 322) فقد أورد أنواعا كثيرة من ذلك.
(3) وقد ورد كثير من مواقف علي عليه السلام وأهل البيت من السنة، في كتاب (دراسات في الحديث النبوي للأعظمي
ص 7 - 9) نقلا عن الطبري في تاريخه، اعتمادا على المستشرقين ويلاحظ أن الأعظمي لم يذكر موردا (ولا
واحدا) من ذلك، عندما مثل للحوادث المؤيدة لاعتماد الأمة الإسلامية في تشريعاتها على السنة فذكر موقف
الصديق وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وحتى معاوية ومروان بن الحكم، ولم يذكر موقفا لعلي عليه السلام (لاحظ
الصفحات 15 - 17) وانظر إلى ما يلي من مواقف الأئمة عليهم السلام في البحث.
52

وإن كانت ذات دلالة على المقصود، حيث استشهد فيها بالسنة (1).
أولا: نصوص من كتاب الله:
1 - قال الله سبحانه وتعالى: (... أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...) في سورة
النساء (4) الآية 59، والمائدة (5) الآية 92، ومحمد (47) الآية 33، والتغابن (64)
الآية 12.
والاستدلال بها: أن " الطاعة " المأمور بها هي الانقياد للرسول والسير طوع إرادته، فلو ظهرت منه في شكل حكم شرعي، لزمت طاعته، بمقتضى الأمر بها،
وهو أمر إرشادي إلى حكم العقل بلزوم الانقياد للمولى أداء لحق مولويته، مضافا
إلى جعل الله تعالى لطاعة الرسول قرينا لطاعته هو، وبسياق واحد، وتكرار الفعل
" أطيعوا " للتأكيد على ذلك، مع إيحائه باستقلالية حجية قول الرسول الكاشف عن
استقلاله بالحكم، ورضا الله تعالى بما يصدره من حكم، ونفوذه على المؤمنين بالله
وبرسالته.
وكذلك ما دل على التهديد بالنار على معصيته وعصيانه ومخالفة حكمه،
كقوله تعالى: (إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم
خالدين فيها أبدا) سورة الجن (27) الآية 23.
2 - وقال تعالى: (... فلا وربك لا يؤمنون، حتى يحكموك في ما شجر بينهم، ثم
لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) سورة الأنفال (8) الآية (24).
والاستدلال: بأن الله نفى صفة الإيمان، ما لم يتحقق ما ذكر من الأفعال، وهي:
(1) إن ما ورد فيه إطلاق " السنة " على الحكم الشرعي خصوصا ما أضيفت فيه الكلمة إلى " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في
التراث الشيعي كثير جدا، وإن كان كل ما يصدر من الأئمة عليهم السلام هو " سنة " إلا أن في التصريح بالاسم في تلك
الموارد، دلالة خاصة، كما لا يخفى.
53

تحكيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الواضح أن التحكيم مبني على قبول الحكم الذي يصدره،
وكذلك عدم الحرج من الحكم، فإن المتحرج من قبول الحكم غير مؤمن، وهذا
يعني لزوم قبوله وعدم التشكيك فيه، وأخيرا التسليم المؤكد لحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
والآية وإن وردت في مقام القضاء بين المنازعات، إلا أن الحكم عام بدليل
عدم القول بالفرق في وجوب قبول أحكام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما كان منها في مقام
القضاء، وغيرها؟
وبدليل وحدة التعليل والملاك في الحكم بوجوب قبول ما يصدر منه من
أحكام، سواء كانت شخصية للفصل بين النزاعات أو دينية عامة، بل هذه أهم
لكونها شريعة خالدة لجميع البشر.
ومنها قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) سورة
الأحزاب (33) الآية 36.
وقد أضاف فيها: نفي الاختيار للمؤمنين أمام قضاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا
يقتضي الإلزام، كما هو واضح.
مع أنها هنا قرنت قضاء الرسول بقضاء الله الذي تحرم مخالفته، وعصيانه،
وتجب طاعته.
وأضافت ذكر التهديد على العصيان، وهو يدل على أن الالتزام بما قضى الله
ورسوله هو الطاعة الواجبة، بقرينة ترتيب الضلال المبين على العصيان.
ومثلها قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت
المنافقين يصدون عنك صدودا) سورة النساء (4) الآية 61.
حيث جعل الصد عن الرسول من عمل المنافقين، والصد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
إنما هو لأجل منع سماع كلامه واتباع أحكامه، ولازمه ثبوت صفة النفاق لمن يمتنع
54

عن الانقياد لأحكامه صلى الله عليه وآله وسلم، مع احتوائها على مقارنة أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما
أنزل الله، في تحدي الكفار بهما.
3 - قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) سورة النجم
(53) الآية 4.
حصرت الآية ما ينطق به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كونه " وحيا " ومن المعلوم أنه
مطلق يشمل ما كان يسمى قرآنا، وغيره، إلا أن القرآن يتميز بكونه وحيا معجزا
متعبدا بنصه ولفظه، وغيره وحي غير معجز، والمهم أن ما جاء به الرسول هو وحي
يجب اتباعه على المؤمنين به، إذا كان حكما وشريعة، لأنه من وحي الله تعالى ودينه
الذي لا ريب في وجوب الائتمار به واتباعه فيما يجب ويلزم.
4 - وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم...) سورة الأنفال (8) الآية (24).
حيث أمرت الآية بالاستجابة للرسول عندما يدعو إلى ما فيه حياة الأمة،
ولا ريب أن الشريعة وأحكامها التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي من أهم ما بها حياة
الأمة الإسلامية، والاستجابة إنما هي بالانقياد والامتثال للأوامر الشرعية تلك،
ومع مقارنة الرسول لله، في هذا الحكم، تدل على وجوب الاستجابة ولزومها.
والظاهر أن دلالة الآيات على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر واضح بين
المسلمين لا يختلف فيه اثنان منهم، ولذلك لا نجد من يعلن إنكار ذلك لمنافاته
للاعتقاد بدين الإسلام، ورسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما نجد في من ينكر السنة أو
يعارضها، من يشكك في أمور غير أصل الحجية، كإنكار العصمة، وكالتشكيك في
طرق السنة، وكاللجوء إلى الوضع وتزييف النصوص بالتأويل والتبديل
والتحريف، كما رأينا في موقفهم من " حديث الثقلين " حيث حرفوا " كتاب الله
ونسبتي " إلى " وسنتي "، وكاللجوء إلى الجرح والقدح في الرواية المعتبرة، والاعتماد
55

على الروايات المجعولة المزورة، توصلا إلى تزييف السنة، وإسقاطها.
لكن الله تعالى كان لهم - على طول الخط - بالمرصاد، حيث بدد بتلك الآيات
آمالهم، وسفه أحلامهم، وكذلك بما قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الأخيار، وما
قام به الأئمة الأبرار من ذريته من الجهود في حفظ السنة والشريعة وإحيائها
والتمجيد بها، ونشرها.
وها نحن نقدم في هذا البحث ما تسنى لنا من هذه النصوص على لسان
الأئمة عليهم السلام، لأنهم قرناء كتاب الله في الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة، من بعده،
وهم الأمناء على شريعته وسنته، القائمون على أمر ملته إلى يوم الدين.
ثانيا: نصوص من العترة في حماية السنة:
ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (1):
قال عليه السلام: قد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد، وفصل لكم القول وعلمكم
السنة، وشرح لكم المناهج ليزيل العلة (2).
وروى عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل
إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة (3).
وعنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم ارحم خلفائي... الذين يأتون بعدي
يروون حديثي وسنتي (4).
(1) وقد روى العامة كثيرا عن الإمام عليه السلام في هذا الصدد، فلاحظ عيون الأخبار لابن قتيبة (2 / 236) والطبري في
تاريخه في مواضع متعددة نقل عنها في دراسات في الحديث النبوي (ص 7 - 9).
(2) الكافي (8 / 389).
(3) بصائر الدرجات (ص 11) ح 4 والكافي (1 / 70) ح 9، ورواه في تهذيب الأحكام (4 / 186) ح 520 عن
الإمام الرضا عليه السلام.
(4) رواه الصدوق في الفقيه (4 / 302) والأمالي (ص 152) وعيون أخبار الرضا عليه السلام (2 / 37) ومعاني الأخبار
(ص 374).
56

وقال عليه السلام: اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أصدق الهدي، واستنوا بسنته فإنه أصدق
السنن (1).
وقال عليه السلام - في كتابه المعروف بالعهد إلى مالك الأشتر واليه على مصر -:
واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال
الله تعالى لقوم أحب إرشادهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)، فالرد إلى الله:
الأخذ بمحكم كتابه،
والرد إلى الرسول: الأخذ بسنته الجامعة، غير المفرقة (2).
وقد كانت للإمام عليه السلام في قمع " البدع " التي أحدثت في وجه السنة للصد عنها،
مواقف وأقوال حفظت في دواوين العلم:
فلما قال له عثمان - وهو خليفة -: تراني أنهى الناس عن شئ، وأنت
تفعله؟!
رد الإمام عليه السلام بقوله: "... ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقول أحد " (3).
وأعلن عليه السلام عن الحقيقة بقوله: ما ابتدع أحد بدعة إلا ترك بها سنة، إن عوازم
الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرورها (4).
وراح يعلن استياءه عما آل إليه أمرها، على حديث الصحيفة المختومة، في ما
رواه الإمام الكاظم عليه السلام عن الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: انتهكت الحرمة،
وعطلت السنن ومزق الكتاب، وهدمت الكعبة... (5).
(1 غرر الحكم للآمدي (2 / 258).
(2) نهج البلاغة، الكتاب رقم (53) ص 434.
(3) لا لاحظ
: إيقاظ الوسنان (ص 202 - 203) عن البخاري ومسلم والترمذي، والنسائي، من رواية " مروان بن
الحكم " في النهي عن المتعة...
(4) رواه في الكافي (1 / 58) ونقله في الوافي (1 / 260) ورواه في نهج البلاغة (الخطبة 145) بلفظ: " ما
أحدثت... ".
(5) الكافي (1 / 282) الحديث 4 من كتاب الحجة.
57

وحتى في وصيته التي أوصى بها وهو مخضب بالدماء، في ما رواه جعفر بن
محمد الصادق عليه السلام عن آبائه، قال: لما ضرب أمير المؤمنين علي عليه السلام الضربة التي
توفي منها، استند إلى أسطوانة المسجد والدماء تسيل على شيبته، وضج الناس في
المسجد، كهيئة يوم قبض فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فابتدأ خطيبا، فقال بعد الثناء على الله
تعالى:... أما وصيتي: فالله عز وجل فلا تشركوا به شيئا، ومحمد صلى الله عليه وآله
فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين... (1).
وهكذا ظل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ينافح عن السنة قولا وعملا حتى قضى
نحبه، وخلف أثرا في مجالي القول والعمل في تأييد السنة ودعمها وقد جمعنا المنقول
عنه عليه السلام في مجال دعم الحديث الشريف في كتابنا الكبير " تدوين السنة الشريفة "
فليراجع.
ومن كلام للإمام الحسن السبط عليه السلام:
قال عليه السلام لمعاوية: إنما الخليفة من سار بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليس
الخليفة من سار بالجور وعطل السنة واتخذ الدنيا أبا وأما (2).
وقال عليه السلام: إن الناس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها
ولا تنازع ولا فرقة: على شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله وعبده...
واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها وصاروا يلعن بعضهم بعضا، وهي الولاية، ويبرأ
بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضا، أيهم أحق وأولى بها، إلا فرقة تتبع كتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف، ورد علم
ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا به من النار ودخل الجنة، ومن وفقه الله
ومن عليه واحتج عليه بأن نور قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو؟ فهو
(1) الحدائق الوردية للمحلي (ص 57) ورواه الرضي في نهج البلاغة (ص 207) قسم الخطب رقم (149).
(2) بلاغة الإمام الحسن عليه السام للصافي (ص 49 - 50) رقم (38) الباب الأول.
58

عند الله سعيد، ولله ولي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " رحم الله امرأ علم حقا فقال
فغنم، أو سكت فسلم " (1).
وقال الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام:
في كتابه إلى أهل البصرة: أما بعد، فإن الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على خلقه،
وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل
به صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس
، فاستأثر علينا قومه بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا
أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه... وقد بعثت رسولي إليكم بهذا
الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السنة قد أميتت وإن
البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد (2).
وقال عليه السلام في كتابه إلى معاوية:... أولست المدعي زياد بن سمية المولود على
فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الولد للفراش
وللعاهر الحجر " فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من
الله، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم،
ويصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك (3).
والإمام زين العابدين السجاد عليه السلام:
قال عليه السلام: إن أفضل الأعمال ما عمل بالسنة، وإن قل (4).
وأما الإمامان العظيمان أبو جعفر الباقر وأبو عبد الله الصادق عليهما السلام، فلهما
(1) بلاغة الإمام الحسن عليه السلام، للصافي (ص 67) رقم (46) من الباب الأول.
(2) الأخبار الطوال للدينوري (ص 133) ولا لاحظ
أنساب الأشراف للبلاذري (2 / 78).
(3) رجال الكشي (ص 32) والاحتجاج (ص 297) ولا لاحظ
الحسين عليه السلام سماته وسيرته (ص 129) وموسوعة
كلمات الإمام الحسين عليه السلام (ص 255).
(4) المحاسن للبرقي (ص 221) رقم 133.
59

أحاديث كثيرة في هذا المجال:
فالإمام محمد بن علي أبو جعفر الباقر عليه السلام: روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
" ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد
اهتدى، ومن خالف سنتي فقد ضل وكان عمله في تباب، أما إني أصلي وأنام
وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني " (1).
وقال عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم، لا
عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك
سنتي... (2).
وقال عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معاشر الناس، قراء القرآن، اتقوا الله تعالى
في ما حملكم من كتابه، فإني مسؤول وإنكم مسؤولون، إني مسؤول عن تبليغ
الرسالة، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي (3).
وقال الباقر عليه السلام: تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على البيضاء: ليلها من نهارها، لم
يظهر فيهم بدعة، ولم يبدل فيهم سنة، لا خلاف عندهم ولا اختلاف، فلما غشي
الناس ظلمة خطاياهم... فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه،
وكثر خيله ورجله، وشارك في المال والولد من أشركه، فعمل بالبدعة، وترك
الكتاب والسنة (4).
وقال الباقر عليه السلام: إن الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة،
المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5).
(1) الكافي للكليني (2 / 85) ح 1.
(2) بصائر الدرجات (ص 11) ح 2.
(3) الكافي (1 / 66).
(3) الكافي للكليني (8 / 55).
(5) الكافي (1 / 70) ح 8.
60

وقال عليه السلام: كل شئ خالف كتاب الله عز وجل رد إلى كتاب الله عز وجل
والسنة (1).
وقال عليه السلام: كل من تعدى السنة رد إلى السنة (2).
ولسد الأبواب للتقول على أهل البيت عليهم السلام بمخالفات السنة، قال الباقر عليه السلام
والصادق عليه السلام: لا تصدق علينا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وإبعادا لظنون الرأي عن فقه أهل البيت عليهم السلام وتأكيدا على اعتماده المباشر
على الوحي كتابا وسنة، أعلن الإمام الباقر عليه السلام عن الحديث التالي:
قال عليه السلام: لو أنا حدثنا برأينا هلكنا، كما ضل من كان قبلنا ولكنا حدثنا ببينة
من ربنا بينها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فبينها لنا (4).
وقال عليه السلام: يا جابر، لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا
نفتيهم بآثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصول علم عندنا، نتوارثها كابرا عن كابر،
نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (5).
وكذلك الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:
فلما سئل عن الدين: ما هو؟ فبعد ذكر الفرائض الواجبة قال عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها (6).
وروي عنه عليه السلام قوله: إن أفضل الأعمال عند الله، ما عمل بالسنة وإن قل (7).
(1) الكافي (6 / 58) ح 2.
(2) الكافي (1 / 71) ح 11.
(3) تفسير العياشي (1 / 79) ونقله في وسائل الشيعة (27 / 123) مسلسل (33380).
(4) بحار الأنوار (2 / 172) عن بصائر الدرجات للصفار (ص 299) ح 2.
(5) بحار الأنوار (2 / 172) عن بصائر الدرجات للصفار (ص 299) ح (3) و (ص 300) (4) و (6) وانظر جامع
أحاديث الشيعة (1 / 130).
(6) الكافي (2 / 22) ح 11.
(7) المحاسن للبرقي (ص 221) ح 133، والكافي (1 / 7) ح 7.
61

وقال عليه السلام لسائل: مهما أجبتك بشئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لسنا نقول
برأينا من شئ (1).
وقال عليه السلام: ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة (2).
وقال عليه السلام في رسالته الجامعة إلى أصحابه:... (وذروا ظاهر الإثم وباطنه)
واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسننه
فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا، فإن أضل الناس عند الله من اتبع
هواه ورأيه بغير هدى من الله.
وقال عليه السلام: أيتها العصابة، الحافظ الله لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وسننه، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعده وسننهم، فإنه من
أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين أمر الله
بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المداومة على العمل في اتباع
الآثار والسنن، وإن قل، أرضى لله، وأنفع في العاقبة، من الاجتهاد في البدع واتباع
الأهواء، ألا إن اتباع الأهواء، واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال، وكل ضلالة
بدعة وكل بدعة في النار " (3).
وحذر عن المخالف للكتاب والسنة، فقال عليه السلام: ما وافق حكمه حكم الكتاب
يؤخذ به، ويترك ما خالف الكتاب والسنة (4).
وقال عليه السلام: من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر (5).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب
(1) بصائر الدرجات (ص 300) ح 8.
(2) الكافي (1 / 59).
(2) الكافي - الروضة - (8 / 6 - 7) والرسالة من ص 3 - 13.
(4) الكافي (1 / 68) ح 10 باب اختلاف الحديث.
(5) الكافي (1 / 71).
62

الله فهو زخرف (1).
وقال عليه السلام: لولا أن الله فرض طاعتنا وولايتنا وأمر مودتنا، ما أوقفناكم على
أبوابنا ولا أدخلناكم بيوتنا، إننا - والله - ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول
إلا ما قال ربنا، وأصول عندنا، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (2).
وقال عليه السلام: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه
شاهدا من أحاديثنا المتقدمة... فاتقوا الله، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا
تعالى، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (3).
ووقف عليه السلام من القياس الذي التزم كمصدر للتشريع معارضا للسنة، ومؤديا
إلى الالتزام بالرأي والاجتهاد في مقابل النص، فقال عليه السلام: إن السنة لا تقاس... إن
السنة إذا قيست محق الدين (4).
وقال عليه السلام لأبي حنيفة: اتق الله، يا عبد الله، فإنا نحن وأنتم، غدا، ومن خالفنا،
بين يدي الله عز وجل، فنقول: " قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فتقول أنت وأصحابك:
" حدثنا وروينا " فيفعل الله بنا وبكم ما شاء الله عز وجل (5).
وأخيرا قال عن الحكام: إنهم نبذوا القرآن، وأبطلوا السنن، وعطلوا
الأحكام (6).
وللإمام أبي الحسن، الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام حديث وكلام في هذا المقام:
(1) الكافي (1 / 66) باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، والمحاسن (ص 220).
(2) بصائر الدرجات (ص 301) ح 10.
(3) رجال الكشي (ص 222) رقم 401.
(4) الكافي (1 / 57) ولا لاحظ
(7 / 299) ومن لا يحضره الفقيه (4 / 88 و 119) وتهذيب الأحكام (10 / 184)
ح 11، ووسائل الشيعة (29 / 352) تسلسل 35762.
(5) أمالي الطوسي (ص 646) رقم 1338.
(6) الكافي (2 / 439) كتاب فضل القرآن.
63

قال عليه السلام: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما العلم ثلاثة، آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو
سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل " (1).
وقال عليه السلام: أتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يستقون به في عهده ويكتفون به من
بعده: كتاب الله، وسنة نبيه (2).
وقال عليه السلام: ليس من شئ إلا وجاء في الكتاب والسنة (3).
وسئل: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أو تقولون فيه؟ فأجاب عليه السلام
بقوله: بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم (4).
وقد سأله عليه السلام محمد بن الحسن [الشيباني صاحب أبي حنيفة]: أيجوز للمحرم
أن يظلل عليه محمله؟
فقال عليه السلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار.
فقال محمد بن الحسن: أفيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا؟
قال عليه السلام: نعم.
فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له الإمام عليه السلام: أتعجب من سنة
النبي وتستهزئ بها، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كشف ظلاله في إحرامه، ومشى تحت
الظلال وهو محرم، إن أحكام الله تعالى - يا محمد - لا تقاس، فمن قاس بعضها على
بعض فقد ضل عن السبيل.
فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا (5).
وقال الإمام أبو الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر عليه السلام: ما شهد له
(1) الكافي (1 / 32) باب صفة العلم.
(2) المحاسن للبرقي (ص 270) والكافي (1 / 62).
(3) الإختصاص للمفيد (ص 281).
(4) الكافي (1 / 62) ح 10.
(5) الاحتجاج للطبرسي (ص 394).
64

الكتاب والسنة فنحن القائلون به (1).
وفي حديث طويل: إنا لا نرخص في ما لم يرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا
نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنا تابعون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسلمون له،
كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تابعا لأمر ربه مسلما له.
إلى أن قال في الخبرين المختلفين: فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب
الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب
فاعرضوه على سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي
حرام، ومأمورا به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر إلزام، فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأمره (2).
وهناك أحاديث مروية عن الأئمة عليهم السلام في شكل " مضمرات " مثل قولهم عليهم السلام:
من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه زالت الجبال قبل أن يزول،
ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال (3).
وعنهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل شئ خالف كتاب الله والسنة رد إلى
كتاب الله والسنة (4).
الباب الثاني: أعلمية أهل البيت بالسنة
وبعد معرفتنا من خلال النصوص المنقولة عن الثقلين أن السنة هي " حجة "
شرعية، وأنها حكم الله الذي تعبد به عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلنقرأ ما يدل
(1) الكافي (1 / 102) ح 3.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق (2 / 20) ح 45 ونقله في وسائل الشيعة (27 / 113) تسلسل 33354.
(3) الكافي للكليني (1 / 7) من مقدمة المؤلف.
(4) تهذيب الأحكام (8 / 55) ح 178، ولا لاحظ
الحديث 179 و 180 والاستبصار (3 / 188) ح 1017، وانظر ما
بعده.
65

على محل وجودها، عند من؟ ومن هو الأعلم بها، والأعرف بها؟ من بعد
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المشرع لها والصادع بوحيها؟ ومن بين الأمة وعلمائها؟
فقد وقفنا على مجموعة مهمة من النصوص والآثار التي تدلنا على ذلك،
وسنوردها ضمن عنوانين:
1 - إعلان أهل البيت: عن أعلميتهم بالسنة.
2 - اعتراف الصحابة والتابعين والفقهاء بأعلمية أهل البيت عليهم السلام بالسنة
وأفقهيتهم في الدين.
1 - إعلان أهل البيت عليهم السلام عن أعلميتهم بالسنة (1)
لقد أعلن أئمة أهل البيت عليهم السلام عن علمهم بالسنة وأنهم الأعلم بها، وأنهم
مستغنون عن غيرهم في معرفتها، والآخرون هم المحتاجون إليهم في معرفتها،
بأساليب مختلفة، وعلى مدى العهود والعصور.
(1) لقد صرفنا القلم عن نقل الأحاديث المرفوعة الدالة على أعلمية أهل البيت عليهم السلام والتي دلت على أن علمهم
من عند الله تعالى، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورثهم العلم والفهم، وهي كثيرة جدا تبلغ التواتر المعنوي، مثل حديث
" أنا مدينة العلم وعلي بابها " وقد بحث العلامة المحدث ابن الصديق الغماري عنه في كتابه " فتح الملك العلي "
بتفصيل واف شاف، ومثل حديث " من سره أن يحيا حياتي... " وفي لفظ " من أحب... " وفي آخر: " من
أراد... " وقد جمع المحدث الأقدم الصفار بعض نصوصه في بصائر الدرجات (ص 48 - 52) في باب بهذا
العنوان، والحديث الأخير منه برقم (18) نصه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي
ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي، قضيب من قضبانه غرسه بيده، ثم قال له: كن فكان، فليتول علي بن أبي
طالب عليه السلام والأوصياء من ذريتي، فإنهم لن يدخلوكم في باب ضلال ولن يخرجوكم من باب هدى، ولا
تعلموهم فإنهم أعلم منكم.
وفي أكثر نصوصه: " أعطاهم الله فهمي وعلمي ".
أقول: ولا لاحظ
مجموعة من مصادر من الخاصة والعامة، في تعليقاتنا على كتاب " الإمامة والتبصرة من
الحيرة " للصدوق، (ص 171 - 174) الأحاديث 23 - 27.
66

فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1):
أنه قال: ما نريد أحدا يعلمنا السنة (2).
وعن الإمام الحسن السبط عليه السلام:
أنه قال: نحن نقول - أهل البيت - إن الأئمة منا، وأن الخلافة لا تصلح إلا فينا،
وأن الله جعلنا أهلها في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن العلم فينا ونحن أهله، وهو
عندنا مجموع كله بحذافيره، وأنه لا يحدث شئ إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش
إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده (3).
وعن الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام:
فعن الحكم بن عتيبة، قال: لقي رجل الحسين بن علي عليه السلام بالثعلبية وهو يريد
كربلا، فقال له الحسين عليه السلام: من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال عليه السلام: أما
- والله - يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة، لأريتك أثر جبرئيل عليه السلام في دارنا
ونزوله بالوحي على جدي يا أخا أهل الكوفة، أفمستقي الناس العلم من عندنا،
فعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون (4).
(1) اقتصرنا على ما فيه ذكر السنة صريحا، وأما ما نقل عنه عليه السلام في علمه مطلقا، أو علمه بأحكام الدين - التي
منها السنة قطعا - فكثيرة:
(منها) ما فيه قوله عليه السلام: " إن في صدري هذا لعلما علمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته،
ويروونه عني كما يسمعونه عني، إذن لأودعتهم بعضه فعلم به كثير من العلم (الإختصاص للمفيد ص 283
ولا لاحظ
ص 280 و 285) وفيها روايات ألف باب.
(ومنها) قوله عليه السلام: " سلوني قبل أن تفقدوني " (في الاختصاص ص 279).
(ومنها) قوله عليه السلام: " لو ثنيت لي الوسادة لحكمت... " (أورده الصفار في بصائر الدرجات ص 132 - 134).
(2) من لا يحضره الفقيه (2 / 336) ح 1 وتهذيب الأحكام (5 / 68) ح 1.
(3) الاحتجاج للطبرسي (ص 287 - 288) وبلاغة الإمام الحسن عليه السلام، للصافي (ص 68 - 69).
(4) بصائر الدرجات (ص 11) ح 1 والكافي (1 / 399).
67

وعن الإمام زين العابدين السجاد عليه السلام:
قال لرجل شاجره في مسألة فقهية: يا هذا، لو صرت إلى منازلنا لأريناك
آثار جبرئيل في رحالنا، أيكون أحد أعلم بالسنة منا؟ (1)
وقال عليه السلام لرجل من أهل العراق: أما لو كنت عندنا بالمدينة لأريناك مواطن
جبرئيل من دورنا، استقانا الناس العلم، فتراهم علموا وجهلنا؟ (2)
وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام:
فقد قال للحكم بن عتيبة: إذهب أنت وسلمة وأبو المقدام، حيث شئتم - يمينا
وشمالا - فوالله، لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل (3).
وقال عليه السلام لسلمة بن كهيل والحكم: شرقا وغربا، لن تجدا علما صحيحا إلا
شيئا يخرج من عندنا أهل البيت (4).
. قال عليه السلام: فليذهب الحسن [البصري] يمينا وشمالا، فوالله، ما يوجد العلم إلا
ههنا (5).
وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام:
فعن يحيى بن عبد الله - أبي الحسن صاحب الديلم - قال: سمعت جعفر بن
محمد عليه السلام يقول - وعنده ناس من أهل الكوفة -: عجبا للناس يقولون: إنهم أخذوا
علمهم كله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعملوا به واهتدوا ويرون أن أهل بيته لم يأخذوا
علمه؟!
ونحن أهل بيته وذريته، في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم
(1) نزهة الناظر للحلواني (ص 45).
(2) بصائر الدرجات (ص 12) ح 2، وانظر جهاد الإمام السجاد عليه السلام (ص 113).
(3) رجال النجاشي ص (360) رقم (966) ترجمة محمد بن عذافر.
(4) بصائر الدرجات (ص 10) ح 4.
(5) بصائر الدرجات (ص 9) وانظر (ص 10) ح 5 و 6.
68

إليهم، أفيرون أنهم علموا، وجهلنا نحن وضللنا؟!
إن هذا لمحال (1).
وقال عليه السلام: فليشرق الحكم وليغرب، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل
بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام (2).
وقد جاء الاعتزاز بالعلم بالسنة عند آخرين من أهل البيت عليهم السلام:
مثل ما جاء عن عقيل بن أبي طالب أنه خرج في موردتين، فقال له عمر:
" قد أحرموا في بياض، فتحرم أنت في موردتين إنك لحريص على الخلاف! "
فقال له عقيل: دعنا عنك، فإنه ليس أحد يعلمنا السنة!
فقال له: صدقت، صدقت.
ومثل ما جاء عن عبد الله بن عباس لما وجهه أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة
- بعد خذلانها في حرب الجمل - يأمرها بالرجوع إلى المدينة، فلما دخل عليها ابن
عباس، قالت: أخطأت السنة يا بن عباس مرتين: دخلت بيتي بغير إذني، وجلست
على متاعي بغير أمري!
قال ابن عباس: نحن علمنا إياك السنة، إن هذا ليس بيتك، بيتك الذي خلفك
رسول الله به، وأمرك القرآن أن تقري فيه (3).
2 - إعلان الصحابة ومن بعدهم بأن السنة إنما هي عند أهل
البيت عليهم السلام وأنهم أعلم بها وأفقه في الدين:
قال أبي بن كعب: لما خطب أبو بكر يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان،
(1) بصائر الدرجات (ص 12) ح 3، والكافي (1 / 368) وأمالي المفيد وبحار الأنوار (2 / 179).
(2) بصائر الدرجات (ص 9) ح 2، ومثله عن أبي جعفر عليه السلام في الحديث (3).
(3) تاريخ اليعقوبي (2 / 183).
69

قال: يا معشر المهاجرين... ويا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: " علي المحيي لسنتي، ومعلم أمتي، والقائم بحجتي " (1).
وقال عمر لعلي عليه السلام: أنت خيرهم فتوى (2).
وقال عمر لليهودي الذي جاء سائلا: إني لست هنالك، لكني أرشدك إلى من
هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك - فأومأ
إلى علي عليه السلام - (3).
وقال عمر: إن ولوها الأجلح لأقامهم على كتاب الله وسنة نبيه (4).
وقال عمر لابن عباس: إن أجرأهم أن يحملهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم
لصاحبك، والله لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم - يعني
عليا عليه السلام - (5).
وقد تعددت الرواية عن عمر أنه قال: " أقضانا علي " (6).
وقال عبد الله بن مسعود: أقضى أهل المدينة ابن أبي طالب (7).
وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا، لا نعدوها (8).
وقالت عائشة: علي أعلم الناس بالسنة (9).
(1) المناقب، للكوفي (1 / 225) رقم 225 و (ص 416) رقم 330.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (2 / 420) طبع دار إحياء التراث العربي بيروت و 2 / 2 / 102 ط ليدن، و (2 / 339)
ط صادر.
(3) الكافي للكليني (1 / 531) ح 8.
(4) الإيضاح لابن شاذان (ص 236).
(5) شرح النهج لابن أبي الحديد (6 / 327 - 326).
(6) طبقات ابن سعد، المواضع السابقة، وانظر (2 / 420) ط دار إحياء، ومستدرك الحاكم (3 / 305).
(7) طبقات نفس الموضع، وفي رواية: كنا نتحدث أن...
(8) طبقات، نفس الموضع.
(9) تاريخ ابن معين (2 / 63) رقم 123.
70

وسئل معاوية عن مسألة، فقال للسائل: سل عنها علي بن أبي طالب، فإنه
أعلم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغره بالعلم غرا (1).
وقال حسان بن ثابت في علي عليه السلام:
حفظت رسول الله فينا وعهده * إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الإخا ووصيه * وأعلم فهر بالكتاب وبالسنن (2)
وقال معاوية - لما بلغه نعي الإمام عليه السلام: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب (3).
وقال مسروق: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى
ستة: إلى عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت
هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله (4).
وقال الشافعي في علي وابن عباس وعائشة وأبي هريرة: هم أعلم بالحديث،
وألزم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقرب منه، وأحفظ عنه (5).
ويمكن أن يستدل على أعلمية علي عليه السلام بالسنة بأنه كان أكثر الصحابة
حديثا، حتى سئل عليه السلام: مالك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا؟ فقال: إني
كنت إذا سألت أنبأني، وإذا سكت ابتدأني (6).
(1) فضائل الصحابة لأحمد (2 / 675) رقم 1153 مناقب ابن المغازلي (ص 34) رقم 52، وتاريخ ابن عساكر،
ترجمة علي عليه السلام (1 / 369) رقم 410 و 411، وانظر مادة (غرر) من نهاية ابن الأثير ولسان العرب.
(2) تاريخ اليعقوبي (2 / 128).
(3) الإستيعاب (2 / 463) وفتح الملك العلي للصديق (ص 44).
(4) الطبقات الكبرى (2 / 426) ط إحياء و (2 / 351) ط صادر وسير أعلام النبلاء (1 / 493) وتدريب الراوي
(2 / 193) ومقدمة ابن الصلاح علوم الحديث (ص 297).
(5 كتاب اختلاف الحديث المطبوع مع الأم (8 / 485) ط دار المعرفة.
(6) رواه في طبقات ابن سعد (2 / 420) ط إحياء، والحاكم في المستدرك (3 / 125) وابن عساكر في تاريخ
دمشق، ترجمة الإمام (2 / 452) رقم 988 وروى قوله عليه السلام: " كنت... " إلى آخره في صحيح الترمذي
(5 / 640) رقم 3729.
71

مع أن الصحابة: " كانوا لا يتجرأون هم على مسألة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يوقرونه،
ويهابونه " (1).
وقد عبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الحقيقة وذكر هذه المزية لنفسه،
فقال: وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسأله ويستفهمه، حتى إن كانوا
ليحبون أن يجي الأعرابي والطاري فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا!
وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته (2).
وقال ابن عمر في الحسن والحسين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنهما كانا يغران
العلم غرا (3).
وقال ابن عمر - في أهل البيت -: إنهم أهل بيت فهمون (4).
اعتراف كبار العامة بأفقهية أئمة أهل البيت عليهم السلام:
قال أبو حازم: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين، وما رأيت أحدا
كان أفقه منه (5).
ومثله قال الزهري (6).
(1) صحيح الترمذي (5 / 645) رقم 3742.
(2) نهج البلاغة، الخطبة (210).
(3) تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام - (ص 197) رقم (176 و 177) وانظر النهاية لابن الأثير
(غرر) وكذلك لسان العرب والطبراني في المعجم الصغير (1 / 184) ط المدينة، وتاريخ بغداد (9 / 366) رقم
4936.
(4) حلية الأولياء، لأبي نعيم.
(5) تاريخ ابن عساكر - ترجمة السجاد عليه السلام - الحديث 45 ومختصر ابن منظور له (17 / 240) وسير أعلام النبلاء
(4 / 394).
(6) جهاد الإمام السجاد عليه السلام (ص 114).
72

وقال الشافعي: إن علي بن الحسين أفقه أهل البيت عليهم السلام (1).
وقال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي
جعفر، لقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - كأنه صبي بين يدي
معلمه (2).
وقال أبو حنيفة - إمام الحنفية - ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الصادق (3).
وقال المنصور العباسي، لأبي حنيفة: إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيى
من المسائل الشداد ما تسأله به، فهيأ له ألفي مسألة، فأجابه الإمام، فقال أبو حنيفة:
" أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس " (4).
وقال مالك بن أنس - إمام المالكية -: اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانا...
وكان من العلماء الزهاد الذين يخشون الله... (5).
ونقل الشافعي في (رحلته) عن مالك، قوله - للرجل الذي أجاب على
مسائله -:
قرأت - أو سمعت - الموطأ؟ قال: لا.
قال: فنظرت في مسائل ابن جريج؟ قال: لا.
قال: فلقيت جعفر بن محمد الصادق؟ قال: لا.
قال: فهذا العلم من أين لك؟ (6)
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (15 / 274).
(2) لاحظ حلية الأولياء.
(3) تهذيب الكمال (5 / 79).
(4) الميراث عند الجعفرية، لأبي زهرة (ص 45 - 46) وانظر ص 23 و 18.
(5) الميراث عند الجعفرية، لأبي زهرة (ص 43 و 44) عن المدارك (ص 210) مخط بدار الكتب المصرية.
(6) رحلة الإمام الشافعي (ص 25).
73

وهذا يدل على أن لقاء الصادق عليه السلام كان له بمجرده هذا الأثر في العلم، فكيف
بالحضور عليه؟ وإلى أين يبلغ مقام الإمام جعفر الصادق عليه السلام نفسه في العلم؟؟
الخاتمة: نتيجة البحث:
فهذا حديث الثقلين المتفق على صحته بين المسلمين، والدال بصراحة على
حجية الكتاب والأئمة من العترة، بالقطع واليقين.
وها هي نصوص العترة في دعم حجية السنة باعتبارها الدين، الواجب
التزامه واتباعه على المؤمنين بالله ورسوله الأمين.
وهاهي اعترافات أعلام الأمة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمة بأعلمية
أئمة أهل البيت عليهم السلام وأفقهيتهم في علوم الدين.
وهاهم الأئمة الأطهار عليهم السلام يعلنون عن مرجعيتهم للإسلام وجامعيتهم
للكتاب والسنة، بأضبط شكل، وأتقنه بالحفظ والتدوين، والنقل الأمين.
وهاهي السنة المروية عن أهل البيت عليهم السلام تزهو وتزهر في تراث الإمامية
الحديثي، بطرق مؤدية إلى القطع ومعتمدة على أسس من العلم واليقين، لا الآحاد
الموجبة للظن والتخمين.
وهاهي النصوص الشيعية المأثورة، محفوفة بالشواهد والمتابعات، وبالقرائن
والمؤيدات، قد تداولها رجال ثقات أمناء تقاة، لا يخافون في الله لومة لائم، قد
تحملوا من أجله، وفي سبيل تحمله وحفظه وأدائه، كل المصاعب، حتى تم عندنا،
والحمد لله رب العالمين.
فما عذر المسلم، الواعي، الفطن، في الإعراض عن ذلك الكنز الثمين؟!
والانخراط وراء الظنون والاحتمالات، التي لا تعدو أن تكون آراء وخيالات، تلفق
باسم القواعد والأصول، وتعرض باسم الشريعة والدين؟! مما لم ينزل الله بها من
74

سلطان مبين في كتاب، ولم يجئ به خبر ثابت بطريق اليقين، تاركين اتباع ما خلفه
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الثقلين، وما فيهما من علم، مع ما عرفناه من التأكيد على اتباعهما،
والأخذ منهما، والإعلان عن عدم افتراقهما إلى يوم الدين.
وفقنا الله لرضاه، وأفاض علينا من بره وإحسانه، وغفر لنا بفضله وكرمه
وجلاله، إنه ذو الجلال والإكرام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
75

/ 1