الأعلام من الصحابة والتابعين
الحاج حسين الشاكري
الجزء:١٢
" آمنة بنت الشريد "
وهى زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي، فصيحة من
أهل الكوفة، اشتهرت بولائها لأمير المؤمنين علي عليه السلام
والبراءة من أعدائه عليه السلام،، وتحملت في هذا السبيل مرارة
السجن وقساوة الظالمين، فكانت مثالا للصبر والشجاعة
والمضي على نهج الحق والمبادىء السامية، بقلب شديد،
ولسان حديد، وجواب عتيد.
قال ابن طيفور: حدثنا العباس بن بكار، قال:
حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الزهري وسهل بن أبي سهل
التميمي، عن أبية، قالا: لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام
بعث معاوية في طلب شيعته، فكان في من طلب عمرو بن
3
الحمق الخزاعي، فراغ منه، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت
الشريد، فحبسها في سجن دمشق سنتين.
ثم إن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق
في بعض الجزيرة فقتله، وبعث برأسه إلى معاوية، وهو
أول رأس حمل في الاسلام، فلما أتى معاوية، وهو
أول رأس حمل في الاسلام، فلما أتى معاوية الرسول
بالرأس، بعث به إلى آمنة في السجن، بعدما طاف بالرأس
في دمشق، وقال للحرسي: احفظ ما تكلم به حتى تؤديه
إلى، واطرح الرأس في حجرها، ففعل هذا، فارتاعت (3)
له ساعة، ثم وضعت يدها على رأسها، وقالت: واحزنا
لصغره في دار هوان، وضيق من ضيمة سلطان، نفيتموه
(1) راغ منه، مال وجاد.
(2) وحبست قبل أن يرسل معاوية في طلبها في سجن زياد بن
أبيه في الكوفة، ولما عجز زياد عن طلب زوجها أرسلها إلى
معاوية، فأودعها السجن سنتين، وجاء في بعض المرويات أن
معاوية، فأودعها السجن سنتين، وجاء في بعض المرويات أن
معاوية أمر بقتلها بعد أن عرض عليها البراءة من علي عليه السلام فأبت
عليه، وتبرأت من معاوية وأتباعه، راجع الصفوة من الصحابة
والتابعين 1: 281، للمؤلف.
(3) أي فزعت.
4
عني طويلا، وأهديتموه إلى قتيلا، فأهلا وسهلا بمن كنت
له غير قالية (1)، وأنا له اليوم غير ناسية، إرجع به أيها
الرسول إلى معاوية، فقل له ولا تطوه (2) دونه: أيتم الله
ولدك، وأوحش منك أهلك، ولا غفر لك ذنبك.
فرجع الرسول إلى معاوية، فأخبره بما قالت،
فأرسل إليها، فأتته وعنده نفر فيهم إياس بن حسل أخو
مالك بن حسل، وكان في شدقيه نتوء (3) عن فيه، لعظم
كان في لسانه، وثقل إذا تكلم، فقال لها معاوية، أأنت يا
عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغني؟ قالت: نعم غير
نازعه (4) عنه، ولا معتذرة منه، ولا منكرة له، فلعمري لقد
اجتهدت في الدعاء إن نفع الاجتهاد، وإن الحق لمن وراء
العباد، وما بلغت شيئا من جزائك. وإن الله بالنقمة من
ورائك.
(1) القالي: الكاره، المبغض.
(2) طواه: أخفاه.
(3) أي انتفاخ.
(4) أي غير منتهية.
5
فأعرض عنها معاوية، فقال إياس، اقتل هذه يا
أمير المؤمنين، فوالله ما كان زوجها أحق بالقتل منها.
فالتفتت إليه، فلما رأته ناتئ الشدقين ثقيل اللسان،
قالت: تبا لك، ويلك بين لحيتيك كجثمان (1) الضفدع، ثم
أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس إن تريد إلا
أن تكون جبارا في الأرض، وما تريد أن تكون من
المصلحين.
فضحك معاوية، ثم قال: لله درك، أخرجي، ثم لا
أسمع بك في شيء من الشام.
قالت: وأبي لأخرجن، ثم لا تسمع لي في شيء من
الشام، فما الشام لي بحبيب، ولا أعرج فيها على حميم (2).
وما هي لي بوطن، ولا أحن فيها إلى سكن، ولقد عظم فيها
ديتي، وما فرت فيها عيني، وما أنا فيها إليك بعائدة، ولا
حيث كنت بحامدة.
(1) الجثمان: الجسم.
(2) الحميم: القريب.
6
فأشار إليها ببنانه أخرجي.
فخرجت وهي تقول: واعجبي لمعاوية، يكف عني
لسانه، ويشير إلى الخروج ببنانه، أما والله ليعارضنه
عمرو (1) بكلام مؤيد سديد، أوجع من نوافذ الحديث، أو ما
أنا بابنة الشريد.
فخرجت وتلقاها الأسود الهلالي، وكان رجلا
أسود، أصلع، أسلع، أصعل (1)، فسمعها وهي تقول ما
تقول، فقال: لمن تغني هذه، الأمير المؤمنين تعني! عليها
لعنه الله. فالتفت إليه، فلما رأته قالت: خزيا لك
وجدعا (3)، أتلعنني واللعنة بين جنبيك، وما بين قرنيك إلى
قدميك، إخسأ يا هامة الصعل، ووجه الجعل (4)، فأذلل بك
نصيرا، وأقلل بك ظهيرا. فبهت الأسلع ينظر إليها، ثم سأل
عنها فأخبر، فأقبل إليها معتذرا خوفا من لسانها.
(1) أي في يوم الحساب في الآخرة.
(2) الأسلع: الأبرص، والأصعل: الدقيق العنق.
(3) الجدع: قطع الانف.
(4) الجعل: حشرة حقيرة، والرجل الأسود الدميم.
7
فقالت: قد قبلت عذرك، وإن تعد أعد، ثم لا
أستقبل ولا أراقب فيك! فبلغ ذلك معاوية، فقال: زعمت
يا أسلع أنك لا تواقف من يغلبك، أما علمت أن حرارة
المتبول (1) ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف
الخصام؟ أفلا تركت كلامها قبل البصبصة منها (2)
والاعتذار إليها.
قال: إي والله يا أمير المؤمنين، لم أكن أرى شيئا
من النساء يبلغ من معاضيل الكلام (3) ما بلغت هذه المرأة،
حالستها (4) فإذا هي تحمل قلبا شديدا، ولسانا حديدا،
وجوابا عتيدا (5)، وهالتني رعبا، وأوسعتني سبا.
ثم التفت معاوية إلى عبيد بن أوس، فقال: أبعث لها
(1) المتبول: المصاب بالعداوة.
(2) أي قبل أن يظهر منها ما ظهر، من قولهم: بصبصت الأرض،
ظهر منها أول ما يظهر من النبات.
(3) معاضيل الكلام: شدائده ومضايقه.
(4) حالسه: طاف له وحام به.
(5) أي حاضرا مهيا.
8
ما تقطع به عنا لسانها، وتقضي به ما ذكرت من دينها،
وتخف به إلى بلادها. قال: اللهم اكفني شر لسانها، فلما
أتاها الرسول بما أمر به معاوية، قالت، يا عجبي لمعاوية!
يقتل زوجي، ويبعث إلى بالجوائز!
فأخذت ذلك، وخرجت تريد الجزيرة، فمرت
بحمص، فقتلها الطاعون سنة 50 ه، فبلغ ذلك الأسلع،
فأقبل إلى معاوية كالمبشر له، فقال له: أفرح روعك (1) يا
أمير المؤمنين، قد استجيبت دعوتك في ابنة الشريد، وقد
كفيت شر لسانها. قال: وكيف ذلك؟ قال: مرت بحمص
فقتلها الطاعون.
فقال له معاوية: فنفسك فبشر بما أحببت، فإن
موتها لم يكن على أحد أروح (2) منه عليك، ولعمري ما
انتصفت منها حين أفرغت عليك شؤبوبا وبيلا (3).
فقال الأسلع: ما أصابني من حرارة لسانها شيء إلا
(1) أي أذهب فزعك.
(2) أي أكثر سرورا.
(3) الشؤبوب: شدة وقع المطر وغيره، والوبيل: المهلك.
9
وقد أصابك مثله، أو أشد منه.
هذا آخر ما عثرنا عليه من ترجمة حياة البطلة آمنة
بنت الشريد، فسلام عليها يوم ولدت، ويوم جاهدت،
ويوم ماتت، ويوم تبعث حية سعيدة مرضية.
المصادر
1 - أعلام النساء: لكحالة 1: 11 - 13
2 - أعلام الزركلي 1: 18
3 - الاستيعاب 2: 524
4 - بلاغات النساء: 87 - 89
5 - الصفوة من الصحابة والتابعين 1: 279 - 281
6 - موسوعة المصطفى والعترة 5: 301 و 324
7 - أعلام النساء في الكوفة الغراء: 10 (*)
10
- 2 -
" سودة بنت عمارة "
هي سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية، من
سيدات نساء العراق، ومن ربات الفصاحة والبيان.
ورثت حب الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام من
آبائها الكرام.
ووفدت على معاوية تشتكي جور بسر بن أرطاة
الذي سبى الأموال وقتل الرجال واستحل الحرمات بأمر
معاوية بن أبي سفيان، فهددت معاوية بقومها وهو في عز
سلطانه وأوج جبروته وطغيانه، ومدحت أمير المؤمنين
علي عليه السلام ببيتين من الشعر، كانا على معاوية أوقع من طعن
الرماح وحز السيوف، بل ومن القصيدة التي قالتها في
11
صفين وهي تحت أهلها وإخوتها على نصرة أمير المؤمنين
علي عليه السلام، والتي انتفخت أوداج معاوية لها، فاستنطقها عن
تلك القصيدة، فاعترفت غير مذعنة، ولا راغبة عن الحق،
ولا معتذرة بالكذب.
قال ابن طيفور:
قال أبو موسى عيسى بن مهران: حدثني محمد بن
عبيد الله الخزاعي يذكره عن الشعبي، ورواه العباس بن
بكار، عن محمد بن عبيد الله، قال: استأذنت سودة بنت
عمارة بن الأسك الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان،
فأذن لها، فلما دخلت عليه، قال: هيه (1) يا بنت الأسك
ألست القائلة يوم صفين:
شعر كفعل أبيك يا ابن عمارة * يو الطعان وملتقى الاقران (2)
وانصر عليا والحسين ورهطه * واقصد لهند وابنها بهوان
كلمة استنطاق واستزادة.
(2) الأقران: الأكفاء.
12
إن الامام أخو النبي محمد * علم الهدى ومنارة الايمان
فقه الحتوف (1) وسر أمام لوائه * قدما بأبيض صارم وسنان
قالت: إي والله، ما مثلي من رغب عن الحق، أو
اعتذر بالكذب.
قال لها: فما حملك على ذلك؟
قالت: حب علي عليه السلام، وأتباع الحق.
قال: فو الله ما أرى عليك من أثر علي شيئا.
قالت: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، وإعادة ما
مضى، وتذكار ما قد نسي.
قال: هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى، وما لقيت
من أحد ما لقيت من قومك وأخيك.
قالت: صدق فوك، لم يكن أخي ذميم الكلام، ولا
خفي المكان، كان والله كقول الخنساء:
(1) الحتوف: المنايا.
13
وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار
قال: صدقت، لقد كان كذلك.
فقالت: مات الرأس، وبتر الذنب، وبالله أسال أمير
المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه.
قال: قد فعلت، فما حاجتك؟
قالت: إنك أصبحت للناس سيدا، ولامرهم متقلدا،
والله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا،
ولا يزال يقدم علينا من ينوء (1) بعزك، ويبطش بسلطانك،
فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا
الخسيسة، ويسلبنا الجليلة، هذا بسر بن أرطأة قدم
علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، يقول لي
فوهي بما استعصم الله منه، وألجأ إليه فيه (2)، ولولا الطاعة
(1) أي ينهض.
(2) تشير هنا إلى ما تضافرت عليه الاخبار من أن معاوية وعماله
كانوا يكلفون الناس سب علي عليه السلام والبراءة منه للحط من شأنه
وشأن أولاده وشيعته، ولكن أبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون.
14
لكان فينا عز ومنعة، فإما عزلته عنا فشكرناك، وإما لا
فعرفناك.
فقال معاوية: أتهدديني بقومك، لقد هممت أن
أحملك على قتب أشرس (1)، فأردك إليه ينفذ فيك حكمه.
فأطرقت ثم أنشأت يقول:
صلى الاله على جسم تضمنه * قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا * فصار فأصبح والايمان مقرونا
قال لها [معاوية]: ومن ذلك؟
قالت: علي بن أبي طالب عليه السلام.
قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟
قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا، قدم
علينا من قبله، فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين،
(1) القتب: رحل كالبرذعة بقدر سنام البعير، والمراد أنه يحملها
على بعير شرس، أي صعب الخلق والسير.
15
فأتيت عليا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع، فوجدته قائما يصلي،
فلما نظر إلى انفتل (1) من صلاته، ثم قال لي برأفة
وتعطف: ألك حاجة؟ - [يا أمة الله] - فأخبرته الخبر
فبكي، ثم قال: " اللهم إنك أنت الشاهد علي وعليهم، إني
لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك "، ثم أخرج من
جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها: " بسم
الله الرحمن الرحيم * (قد جاءتكم بينه من ربكم فأوفوا الكيل
والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض
مفسدين بقية اله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم
بحفيظ) * (2). إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من
عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام ".
فأخذته منه، والله ما ختمه بطين، ولا حزمه بحزام،
فقرأته.
فقال لها معاوية: لقد لمظكم (3) ابن أبي طالب
(1) انفتل: انصرف.
(2) الآيات من سورة الأعراف: 85، الشعراء: 183، هود: 86.
(3) أي ملاكم غيظا عليه.
16
الجرأة على السلطان، فبطيئا ما تفطمون (1)، ثم قال: اكتبوا
لها برد مالها، والعدل عليها.
قالت: ألي خاص، أم لقومي عام.
قال: ما أنت وقومك؟
قالت: هي والله إذن الفحشاء واللؤم إن لم يكن
عدلا شاملا، وإلا فأنا كسائر قومي.
قال: اكتبوا لها ولقومها.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم عاشت موالية، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
(1) وفي رواية: هيهات، لمظكم ابن أبي طالب الجرأة، وغركم
قوله:
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
17
المراجع
1 - أعلام النساء 2: 663
2 - العقد الفريد 1: 200
3 - بلاغات النساء: 47 - 49
4 - موسوعة المصطفى والعترة 5: 329
18
- 3 -
" أروى بنت الحارث بن عبد المطلب "
صحابية جليلة، من سيدات نساء المسلمين، في
إقدامها وشجاعتها وحسن منطقها وفصاحتها، وقد عرفت
بالولاء والاخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وفدت على
معاوية فوجهت له ولأصحابه سهاما من القول، عجزوا
عن ردها على كبر سنها ضعفها، وقد فاخرتهم بقومها
بني هاشم، غرة العرب، وأعظم الناس حظا في الدين
ونصيبا في الاسلام، وأعلاهم كعبا وقدرا وشرفا،
وعرضت في كلامها محنة أهل البيت عليهم السلام وما لاقوه بعد
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله من العنت والعذاب والمحن والبلاء،
فأوضحت حقهم بأفصح بيان وأعذب لسان.
19
قال ابن طيفور: روى ابن عائشة، عن حماد بن
سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال:
دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية
ابن أبي سفيان بالموسم (1). وهي عجوز كبيرة، فلما رآها
قال: مرحبا بك يا عمة.
قالت: كيف أنت يا ابن أخي، لقد كفرت بعدي
بالنعمة، وأسأت لابن عمك (2) الصحبة، وتسميت بغير
اسمك وأخذت غير حقك (3) بغير بلاء (4) كان منك، ولا من
آبائك في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد، فأتعس
الله منكم الجدود (5)، وأصغر منكم الخدود (6)، حتى رد الله
الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد
(1) أي موسم الحج بمكة.
(2) تعني أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وكان معاوية قد قاد القاسطين
انتقاضا على خلافته عليه السلام.
(3) أي الخلافة.
(4) أي بغير عمل واجتهاد.
(5) الجدود: الحظوظ.
(6) أي أذهب صعرها، والصعر: الكبر.
20
هو المنصور على من ناوأه (1) ولو كره المشركون، فكنا
أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا،
حتى قبض الله نبيه مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا
عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى
من آل فرعون، يذبحون أبنائهم ويستحيون (2) نساءهم،
وصار ابن عم سيد المرسلين (3) فيكم بعد نبينا بمنزلة
هارون من موسى حيث يقول: يا ابن أم إن القوم
استضعفوني وكادوا يقتلوني، ولم يجمع يعد رسول الله
لنا شمل، ولم يسهل لنا وعز، وغايتنا الجنة، وغايتكم
النار.
قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة،
أقصري من قولك، وغضي من طرفك.
قالت: ومن أنت لا أم لك؟
قال: عمرو بن العاص.
(1) ناوأه: عاداه.
(2) أي يستبقونهن للخدمة.
(3) تعني عليا أمير المؤمنين عليه السلام.
21
قالت: يا ابن اللخناء النابغة (1)، أتكلمني؟ أربع
على ظلعك، وابن بشأن نفسك (2)، فوالله ما أنت من
قريش في اللباب (3) من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد
ادعاك ستة من قريش كلهم، يزعم أنه أبوك، ولقد رأيت
أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر (أي فاجر) فأتم (4)
بهم، فإنك بهم أشبه.
فقال مروان بن الحكم:
أيتها العجوز الصالة، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك،
فلا يجوز شهادتك.
قالت: يا بني، أتتكلم! فوالله لانت إلى سفيان بن
الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنك لشبهه في زرقة
عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دمامته، ولقد
(1) اللخناء: الأمة لم تختتن، والنابغة، البغي.
(2) أربع: أقم، وظلعك: تهمتك، والمعنى اسكت على ما فيك من
عيب.
(3) أي الخالص.
(4) أي اقتد.
22
رأيت الحكم ماد القامة (1)، ظاهر الأمة (2)، سبط الشعر،
وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان
المقرب (3)، فأسال أمك عما ذكرت لك، فإنها تخبرك
بشأن أبيك إن صدقت.
ثم التفتت إلى معاوية فقال: والله ما عرضني
لهؤلاء غيرك، وإن أمك القائلة في أحد في قتل حمزة
رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر * أبي وعمي وأخي وصهري
شفيت وحشي غليل صدري * شفيت نفسي وقضيت نذري
(1) أي طويلها.
(2) الأمة: الهيئة والنعمة.
(3) الضامر: الدقيق، والمغرب: التي قربت ولادتها، فيكون
بطنها كبيرا.
23
فشكر وحشي علي عمري * حتى تغيب أعظمي في قبري
فأجبتها:
يا بنت رقاع (1) عظيم الكفر
خريت في بدر وغير بدر
صحبك الله قبيل الفجر * بالهاشميين الطوال الزهر (2)
بكل قطاع حسام يفري (3)
حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شبيب وأبوك غدري * أعطيت وحشي ضمير الصدر
هتك وحشي حجاب الستر * ما للبغايا بعدها من فخر
فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما، أنتما
(1) الرقاع: الكثير الحمق.
(2) الزهر: الحسان، البيض الوجوه. (3) أي يقطع.
24
عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره، ثم قال لها: يا عمة،
أقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء.
قالت: تأمر لي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي
دينار.
قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟
قالت: أشتري بها عينا خرخارة في أرض
خوارة (1)، تكون لولد الحارث بن المطلب.
قال: نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي
دينار؟
قالت: أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم.
قال: نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي
دينار؟
قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت
الله الحرام.
(1) الخرارة: الجارية: والخوارة: المنخفضة، والمراد الأرض
التي تصلح للزارعة وليست وعرة.
25
قال: نعم الموضع وضعتها، هي لك نعم وكرامة.
ثم قال: أما والله لو كان علي ما أمر لك بها.
قالت: صدقت، إن عليا أي الأمانة، وعمل بأمر
الله، وأخذ به، وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله،
فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه
الحقوق لأهلها وبينها، فلم تأخذ بها، ودعانا - أي علي -
إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع
الأمور مواضعها، وما سألتك من مالك شيئا فتمن به، إنما
سألتك من حقنا، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا، أتذكر عليا
فض الله فاك، وأجهد بلاءك.
ثم علا بكاؤها وقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا وابكي أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا * وفارسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال أو احتذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا
26
إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راع الناظرينا
ولا والله لا انسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا (1) أجمعينا
قال: فأمر لها بستة آلاف دينار، وقال لها: يا عمة،
أنفقي هذه فيما تحبين، فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك
يحسن صفدك (2) ومعونتك إن شاء الله.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم عاشت سعيدة، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
(1) أي كلهم.
(2) أي عطائك.
27
المراجع
1 - بلاغات النساء: 43 - 46
2 - موسوعة المصطفى والعترة 5: 335
28
- 4 -
" نسيبة بنت كعب "
وهي أم عمارة الأنصارية، صحابية جليلة،
ومجاهدة كبيرة، ذات صلاح ودين ونسك واجتهاد
واعتماد على النفس.
أسلمت قديما، وحضرت ليلة العقبة، وبايعت
رسول الله صلى الله عليه وآله.
وشهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم (1) وابنيها،
فخرجت في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فانتهت
إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والربح
(1) وقيل: غرية بن عمرو.
29
للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله
بالسيف، وأخذت ترمي بالقوس حتى خلصت إليها
الجراح، وذلك لما ولى الناس عن رسول الله، وق أقبل
ابن قميئة وهو يصح:
دلوني على محمد، فلا نجوت إلا نجا، فاعترض له
مصعب بن عمير وناس معه، وقد كانت أم عمارة فيهم،
فضربها ضربة، وضربته على ذلك ضربات، ولكن كان
عليه درعان، فاتقى بهما ضرباتها.
وحدثت أم عمارة عن وقعة أحد، فقالت:
انكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا نفر ما
يتممون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه.
والناس يمرون منهزمين، ورآني لا ترس لي معي، فرأى
رجلا موليا معه ترس، فقال لصاحب الترس:
ألق ترسك إلى من يقاتل: فألقى ترسه فأخذته،
فجعلت أتترس به عن رسول لله، وإنما فعل بنا الأفاعيل
أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله،
فيقبل رجل علي على فرس فضربني، وتترست له، فلم
30
يصنع سيفه شيئا وولي، وأضرب عرقوب (1) فرسه فوقع
على ظهره، فجعل النبي يصيح يا ابن أم عمارة أمك أمك.
قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب (2).
وظلت أم عمارة تقاتل وتداوي الجرحى وتسقيهم
الماء، حتى جرح ابنها عبيد بن زيد، وجعل دمه يسيل
وهي لاهية عنه بقتال الأعداء، حتى نادى رسول الله ابنها
فقال: أعصب جرحك، فتنبهت إلى ابنها، وأقبلت إليه
ومعها عصائب حقويها (3) قد أعدتها للجراح، فربطت
جرحه، والنبي واقف ينظر إليها، ثم قالت أم عمارة
لابنها، بني انهض فضارب القوم. فجعل النبي يقول: ومن
يطيق ما تطيق أم عمارة؟
ثم أقبل الرجل الذي ضرب ابنها، فقال رسول الله:
هذا ضارب ابنك. قالت: فأعترض له فأضرب ساقه
فبرك. قالت: فرأيت رسول الله يبتسم حتى رأيت
(1) العرقوب: ما يكون في رجل الدابة بمنزلة الركبة في يدها.
(2) الشعوب: المنية.
(3) الحقو: الخصر.
31
نواجذه، وقال: استقدت (1) يا أم عمارة، ثم أقبلوا يعلونه
بالسلاح حتى أتوا على نفسه. فقال النبي: الحمد لله الذي
ظفرك وأقر عينك من عدوك، وأراك ثارك بعينك.
وفي رواية: أن رسول الله كان يقول: لمقام نسيبة
اليوم خير من مقام فلان وفلان، وكان يراها يوم أحد
تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة (2) ثوبها على وسطها،
حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا. وكان يقول: إني لأنظر
إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها. وكان أعظم
جراحها فداوته سنة.
ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد (3):
فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، ولقد
مكثوا ليلتهم يضمدون الجراح حتى أصبحوا، فلما رجع
رسول الله من الحمراء، ما وصل رسول الله إلى بيته حتى
أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فرجع
(1) القود: القصاص.
(2) أي لآفة.
(3) اسم موضع.
32
إليه يخبره سلامتها، فسر بذلك النبي.
وقيل لام عمارة: يا أم عمار، هل كن نساء قريش
يومئذ يقاتلن مع أزواجهن؟
فقالت: أعوذ بالله، لا والله ما رأيت امرأة منهن
رمت بسهم ولا حجر، ولكن رأيت معهن الدفاف
والاكبار (1) يضربن ويذكرن القوم قتلى بدر، ومعهن
مكاحل ومرودا، فكلما ولى رجل أو تكعكع ناولته
إحداهن مرودا ومكحلة، ويقلن: إنما أنت امرأة، ولقد
رأيتهن ولين منهزمات مشمرات، ولها عنهن الرجال
أصحاب الخيل، ونجوا على متون خيلهم، وجعلن يتبعن
الرجال على أقدامهن، فجعلن يسقطن في الطريق.
وأتي عمر بن الخطاب بمروط، فكان فيها مرط
جيد واسع، فقال بعضهم: إن هذا المرط لثمن كذا وكذا،
فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي
عبيدة:
الاكبار: الطبول.
33
وقال أحدهم: ابعث به إلى من هو أحق به منها، أم
عمارة نسيبة بنت كعب، فقد سمعت رسول الله يقول يوم
أحد، ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني.
وقد شهدت أم عمارة بيعة الرضوان، ثم شهدت
قتال مسيلمة باليمامة، وقد جاهدت باليمامة أجل جهاد،
وجرحت أحد عشر جرحا، وقطعت يدها، وقتل ولدها.
فسلام عليها يوم ولدت ويوم أسلمت وجاهدت،
ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
المراجع
1 - علي في الكتاب والسنة والأدب: للمؤلف 2:
234 - 235
2 - أعلام النساء 5: 171، طبعة بيروت (*)
34
- 5 -
" بكارة الهلالية "
كانت من نساء العرب الموصوفات بالشجاعة
والاقدام والفصاحة والبلاغة، وكانت من أنصار أمير
المؤمنين علي عليه السلام في حرب صفين، وقد خطبت فيها
خطبا حماسية دعت فيها جنود الحق للذب عن سيد
المسلمين وأمير المؤمنين علي عليه السلام ولحرب عدوه.
قال ابن طيفور: حدثني عبد الله بن عمرو قراءة من
كتابه علي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن
المفصل، قال: حدثنا إبراهيم بن محم الشافعي، عن
محمد بن إبراهيم، عن خالد بن الوليد، عمن سمعه من
حذافة الجمحي، قال: دخلت بكارة الهلالية على معاوية
35
ابن أبي سفيان، بعد أن كبرت سنها، ودق (1) عظمها، ومعها
خادمان لها، وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز، فسلمت
على معاوية بالخلافة، فأحسن عليها الرد، وأذن لها في
الجلوس، وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص،
فابتدأ مروان فقال: أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين؟
قال: ومن هي؟ قال: هي التي كانت تعين علينا يوم
صفين، وهي القائلة:
يا زيد دونك فاستشر من دارنا * سيفا حساما في التراب دفينا
قد كان مذخورا لكل عظيمة * فاليوم أبرزه الزمان مصونا
فقال عمرو بن العاص، وهي القائلة يا أمير
المؤمنين:
أترى ابن هند للخلافة مالكا * هيهات ذاك وما أراد بعيد
أي نحف.
36
منتك نفسك في الخلاء ضلالة * أغراك عمرو للشقاء وسعيد
فارجع بأنكد طائر بنحوسها
لاقت عليا أسعد وسعود
فقال سعيد: يا أمير المؤمنين، وهي القائلة:
قد كنت آمل أن أموت ولا أرى * فوق المنابر من أمية خاطبا
فالله أخر مدتي فتطاولت * حتى رأيت من الزمان عجائبا
في كل يوم لا يزال خطيبهم * وسط الجموع لآل أحمد عائبا
ثم سكت القوم، فقالت بكارة، نبحتني كلابك يا
أمير المؤمنين واعتورتني (1)، فقصر محجني (2)، وكثر
عجبي، وعشي بصري، وأنا والله قائلة ما قالوا، لا أدفع
(1) اعتوره: تناوله وتداوله.
(2) المحجن: العصا المنعطفة الرأس كالصولجان، وقصوره كناية
عن عجزها عن طرد تلك الكلاب.
37
ذلك بتكذيب، فامض لشأنك، فلا خير في العيش بعد أمير
المؤمنين (1).
فقال معاوية: إنه لا يضعك شيء، فاذكري حاجتك
تقضي، فقضى حوائجها، وردها إلى بلدها.
قال: وحدثني عيسى بن مروان، قال: حدثني
محمد بن عبد الله الخزاعي، عن الشعبي، قال: استأذنت
بكارة الهلالية على معاوية، فأذن لها فدخلت، وكانت
امرأة قد أسنت، وعشي بصرها، وضعفت قوتها، فهي
ترعش بين خادمين لها، فسلمت ثم جلست.
فقال معاوية، كيف أنت يا خالة، قالت: بخير يا
أمير المؤمنين.
قال: غيرك الدهر. قالت: كذلك هو ذو غير، من
عاش كبر، ومن مات قبر. ثم ذكر الحديث على ما رواه
سعد بن حذافة، في حديث عبد الله بن عمرو.
ومن قول عمرو وسعيد ومروان ورواية في
(1) تعني عليا عليه السلام.
38
الحديث، قالت: إن عشي بصري وقصرت حجتي، فأنا
قائلة ما قالوا، وما خفي عليك أكثر، فضحك معاوية،
وقال: ليس بمانعي من برك يا خالة غير عدم مجيئك.
قالت: أما الآن فلا... إلى آخر كلامها.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم عاشت سعيدة، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
39
المراجع
1 - بلاغات النساء: 53 - 54
2 - موسوعة المصطفى والعترة 5: 334
3 - أعلام النساء: للطريحي: 19
40
- 6 -
" الزرقاء بنت عدي "
هي الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الهمدانية
الكوفية، خطيبة مصقعة، من ذوات الشجاعة والرأي
ورجاحة العقل والتدبير، توفيت نحو سنة 60 ه.
عرفت بالولاء والاخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام
وناصرته عليه السلام يوم صفين، حيث كانت تدعو المؤمنين إلى
نصرة الحق معه عليه السلام، وتحرضهم على قتال القاسطين.
روى ابن طيفور بإسناده عن سعد بن حذافة
الجمحي، قال: سمر معاوية ليلة، فذكر الزرقاء بنت عدي
ابن غالب بن قيس، امرأة كانت من أهل الكوفة، وكانت
ممن تعين عليا عليه السلام يوم صفين.
41
فقال لأصحابه: إنكم يحفظ كلام الزرقاء؟ فقال
القوم: كلنا نحفظه يا أمير المؤمنين.
قال: فما تشيرون علي فيها؟ قالوا: نشير عليك
بقتلها. قال: بئس ما أشرتم علي به، أيحسن بمثلي أن
يتحدث الناس أني قتلت امرأة بعد ما ملكت وصار الامر
لي؟
ثم دعا كاتبه في الليل، فكتب إلى عامله في الكوفة
أن أوفد إلى الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدة
من فرسان قومها، ومهدها وطاء لينا، واسترها بستر
حصيف (1). فلما ورد عليه الكتاب، ركب إليها، فأقرأها
الكتاب، فقالت: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، وإن كان
أمير المؤمنين جعل المشيئة إلى لم أرم (2) من بلدي هذا،
وإن كان حكم الامر فالطاعة له أولى بي، فحملها في
هودج، وجعل غشاءه حبرا (3) مبطنا بعصب (4) اليمن، ثم
(1) الحصيف: المحكم.
(2) أي لم أبرح ولم أفارق.
(3) الحبر: ثوب من قطن أو كتان مخطط كان يصنع باليمن.
(4) العصب: صنف من برود اليمن.
42
أحسن صحبتها.
وفي حديث المقدمي: فحملها في عمارية جعل
غشاءها خزا أدكن مبطنا بقوهي (1)، فلما قدمت على
معاوية قال لها: مرحبا وأهلا خير مقدم قدمه وافد، كيف
حالك يا خالة؟ وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: خير مسير،
كأني كنت ربيبة بيت، أو طفلا ممهدا.
قال: بذلك أمرتهم، فهل تعلمين لم بعثت إليك؟
قالت: سبحان الله، أنى لي بعلم ما لم أعلم، وهل يعلم ما
في القلوب إلا الله؟
قال: بعثت إليك إن أسألك ألست راكبة الجمل
الأحمر يوم صفين بين الصفين توقدين الحرب، وتحضين
على القتال، فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس، وبتر
الذنب، والدهر ذو غير (2)، ومن تفكر أبصر، والامر يحدث
(1) القوهي: ضرب من الثياب بيض.
(2) الغير: الاحداث والنوائب.
43
بعده الامر.
قال لها: صدقت، فهل تحفظين كلامك، يوم صفين؟
قالت: ما أحفظه. قال: ولكني والله أحفظه، لله أبوك لقد
سمعتك تقولين: أيها الناس، إنكم في فتنة غشتكم
جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من
فتنة عمياء صماء يسمع لقائلها، ولا ينظار (1) لسائقها.
أيها الناس، إن المصباح لا يضيء في الشمس،
وإن الكوكب لا يقد في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس،
وإن الزف (2) لا يوازن الحجر، ولا يقطع الحديد إلا
الحديد.
ألا من استر شدنا أرشدناه، ومن استخبرنا أخبرناه،
إن الحق كان يطلب ضالته (3) فأصابها، فصبرا يا معشر
(1) أي لا يهمل، ولا يتراوض.
(2) الزف: صغير الريش، أو صغير الحصى. وتعني أن الفرق بين
معاوية وعلي عليه السلام كالفرق بين المصباح والشمس، والكوكب
والقمر... الخ.
(3) الضالة: التائهة.
44
المهاجرين والأنصار، فكان قد اندمل شعب (1) الشتات،
والتأمت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد
فيقول: كيف وأنى؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ألا إن
خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء والصبر
خير في الأمور عواقبا، إيها إلى الحرب قدما غير
ناكصين، فهذا يوم له بعده.
ثم قال معاوية: والله يا زرقاء، لقد شركت عليا في
كل دم سفكه.
فقال: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام
سلامتك، مثلك من بشر بخير، وسر جليسه.
قال لها: وقد سرك ذلك؟ قالت: نعم والله، لقد
سرني قولك، فنى بتصديق الفعل.
فقال معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته [أعجب]
إلى من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك.
قالت: يا أمير المؤمنين، إني قد آليت على نفسي
(1) الشعب: الصدع.
45
أن لا أسال أميرا أعنت عليه شيئا أبدا، ومثلك أعطى عن
غير مسألة، وجاد عن غير طلب.
قال: صدقت، فأقطعها ضيعة أغلتها (1) في أول سنة
عشرة آلاف درهم، وأحسن صفدها (2)، وردها والذين
معها مكرمين.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
المراجع
1 - بلاغات النساء 4: 50 - 52
2 - موسوعة المصطفى والعترة، للمؤلف 5: 324
3 - أعلام النساء: للطريحي: 39
(1) الغلة: فائدة الأرض.
(2) أي عطاءها.
46
- 7 -
" أم الخير بنت الحريش البارقية "
هي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية، من
سيدات المجتمع الكوفي، ومن ربات البلاغة والفصاحة،
وكانت في واقعة صفين تحرض المؤمنين على قتال ابن
هند، وتحفزهم على الذب عن الاسلام وعن الامام الحق
أمير المؤمنين علي عليه السلام ونصرته.
وق أضمر لها معاوية الحقد والعداء إن ظفر بها،
فلما ثم له الامر كتب إلى عامله بالكوفة يأمره أن يسيرها
إليه للانتقام منها.
روى ابن طيفور بالاسناد عن الشعبي، قال:
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة:
47
أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة
البارقية رحلة محمودة الصبحة غير مذمومة العاقبة،
واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيرا وبالشر شرا.
فلما ورد عليه الكتاب، ركب إليها فأقرأها إياه.
فقالت أم الخير: أما أنا فغير زائغة عن طاعة، ولا
معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور
تختلج (1) في صدري، تجري مجرى النفس، يغلي بها
غلي المرجل بحب البلسن يوق بجزل السمر (2).
فلما حملها وأراد مفارقتها، قال:
يا أم الخير، إن معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل
بقولك في بالخير خيرا، وبالشر شرا، فانظري كيف
تكونين.
قالت: يا هذا، لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل،
(1) أي تتردد.
(2) حب البلسن: يشبه العدس، والسمر: شجر، والجزل:
الصلب من الحطب.
48
ولا يؤنسك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحق.
فسارت خير مسير، فلما قدمت على معاوية
أنزلها مع الحرم ثلاثا، ثم أذن لها في اليوم الرابع، وجمع
لها الناس، فدخلت عليه، فقالت: السلام عليك يا أمير
المؤمنين.
فقال: وعليك السلام، وبالرغم والله منك دعوتني
بهذا الاسم.
فقالت: مه يا هذا، فإن بديهة السلطان مدحضة لما
يحب علمه (1).
قال: صدقت يا خالة، وكيف رأيت مسيرك؟
قالت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى
ملك جزل، وعطاء بذلك، فأنا في عيش أنيق، عند ملك
رفيق.
فقال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم، وأعنت
(1) إي إن مفاجئتك إياي بالسوء ستزيل عنك ما تحب أن تعرفه
مني.
49
عليكم.
قالت: مه يا هذا، لك والله من دحض المقال (1) ما
تردي عاقبته.
قال: ليس لهذا أردناك.
قالت: إنما أجري في ميدانك، إذا أجريت شيئا
أجريته، فاسأل عما بدالك.
قال: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟
قالت: لم أكن والله رويته قبل، ولا زورته (2)
بعد، وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة، فان
شئت أن احدث لك مقالا غير ذلك فعلت: قال: لا أشاء
ذلك.
ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أيكم حفظ كلام أم
الخير؟
قال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين
أي باطله.
(2) أي حسنته، تريد أنها قالته ارتجالا ولم تحفظه.
50
كحفظي سورة الحمد.
قال: هاته.
قال: نعم، كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد
زبيدي كثيف الحاشية (1)، وهي علي جمل أرمك (2)، وقد
أحيط حولها حواء (3)، وبيدها سوط منتشر الضفر، وهي
كالفحل يهدر في شقشقته (4)، تقول: يا أيها الناس، اتقوا
ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح
الحق، وأبان الدليل، ونور السبيل، ورفع العلم، فلم
يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمة، فإلى أين
تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن أمير المؤمنين (5)؟ أم
(1) البرد الزبيدي: منسوب إلى زبيد: بلدة في اليمن، والكثيف:
الغليظ، والحاشية: الجانب.
(2) أي رمادي اللون.
(3) الحواء: ما يعمل كالوسادة للراكب على رحل الجمل بدون
هودج.
(4) أي كالجمل إذا هاج، فهو يهدر في شقشقته، والشقشقة: شيء
كالرئة يخرجه الجمل من فيه إذا هاج.
(5) تعني عليا عليه السلام.
51
فرارا من الزحف، أم رغبة عن الاسلام، أم ارتدادا عن
الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول:
* (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين
ونبلو أخباركم) * (1).
ثم رفعت رأسها إلى السماء، وهي تقول: اللهم قد
عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشر الرعب، وبيدك يا رب
أزمة القلوب، فاجمع اللهم الكلمة على التقوى، وألف
القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم
الله إلى الامام العادل، والوصي الوفي، والصديق الأكبر،
إنها إحن (2) بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية،
وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك بها ثارات بني عبد
شمس.
ثم قالت: * (قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا ايمان لهم لعلهم
ينتهون) * صبرا معشر الأنصار والمهاجرين، قاتلوا
(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 31.
(2) الإحن: الضغائن.
(3) التوبة: 12.
52
على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم، وكأني بكم
غدا، لقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة، لا تدري أين
يسلك بها من فجاج (1) الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا،
واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى، عما
قليل ليصبحن نادمين، حتى تحل بهم الندامة، فيطلبون
الإقالة (2) إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل، ومن
لم يسكن الجنة نزل النار.
أيها الناس، إن الأكياس (3) استنصروا عمر الدنيا
فرفضوها، واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها، والله أيها
الناس لولا أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر
الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا
على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله
عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوج ابنته، وأبي ابنيه (4)؟
(1) الفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواسع بيني جبلين.
(2) الإقالة: الاعفاء
(3) الأكياس: العقلاء.
(4) أي الحسن والحسين عليها السلام.
53
خلق من طينته، وتفرع من نبعته (1)، وخصه بسره،
وجعله باب مدينته، وعلم المسلمين، وأبان ببغضه
المنافقين (2)، فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته،
ويمضي على سنن استقامته، لا يعرج لراحلة الدأب (3)،
ها هو مفلق الهام، ومكسر الأصنام، إذ صلى والناس
مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك
حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرق جمع
هوازن، فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا
وردة وشقاقا! قد اجتهدت في القول، وبالغت في
النصيحة، وبالله التوفيق، وعليكم السلام ورحمة الله
وبركاته.
فقال معاوية، والله يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام
(1) أي أصله.
(2) إشارة لقوله صلى الله عليه وآله: يا علي، لا يحبك منافق، ولا يبغضك
مؤمن. وقول بعض أصحابه رضي الله عنهم: كنا نعرف المنافقين
ببغضهم عليا عليه السلام.
(3) يعرج: يميل، والدأب: العادة أو الاجتهاد.
54
إلا قتلي، والله لو قتلتك ما حرجت (1) في ذلك.
قالت: والله ما يسؤوني يا ابن هند أن يجري الله
ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه.
قال هيهات يا كثيرة الفضول، ما تقولين في عثمان
ابن عفان؟
قالت: وما عسيت أن أقول فيه، استخلفه الناس
وهم له كارهون، وقتلوه وهم راضون.
فقال معاوية: إيها يا امر الخير، هذا والله أصلك
الذي تبنين عليه.
قالت: * (لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه
والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) * (2). ما أردت لعثمان
نقصا، ولكن كان سباقا إلى الخيرات، وإنه لرفيع الدرجة.
قال: فما تقولين في طلحة بين عبيد الله؟
قالت: وما عسى أن أقول في طلحة، اغتيل من
(1) أي ما أثمت.
(2) النساء: 166.
55
مأمنه، وأوتي من حيث لم يحذر (1).
قال: فما تقولين في الزبير؟
قالت: يا هذا، لا تدعني كرجيع الصبيغ، يعرك في
المركن (2).
قال: حقا لتقولن ذلك، وقد عزمت (3) عليك.
قالت: وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة
رسول الله وحواريه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله الجنة،
ولقد كان سباقا إلى كل مكرمة في الاسلام، وإني أسألك
بحق الله يا معاوية، فإن قريشا تحدث أنك أحلمها، فأنا
أسألك بأن تسعني بفضل حلمك، وأن تعفيني من هذه
(1) حيث قتله مروان بن الحكم - من أهل عثمان - وكان مروان
يعتقد أن طلحة له يد فعالة في نصرة الثورة على عثمان، فاغتنم
مروان لذلك غفلة من طلحة، فضربه غيلة بسهم وقتله، وقال
كلمته المشهورة: أينما أصابت فتح.
(2) أي لا تجعلني كالثوب المصبوغ يحك في الآنية مرة بعد
أخرى لاخراج النيلة منه، شبهت إلحاح معاوية بالسؤال لها مرة
بعد أخرى بالثوب المصبوغ الذي يحك...
(3) أي أقسمت.
56
المسائل، وامض لما شئت من غيرها.
قال: نعم وكرامة، قد أعفيتك، وردها مكرمة إلى
بلدها.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم
ماتت ويوم تبعث حية. (*)
57
المراجع
1 - أعلام النساء 1: 332
2 - بلاغات النساء: 55
3 - موسوعة المصطفى والعترة: للمؤلف 5: 329
58
- 8 -
" أم البراء بنت صفوان "
هي أم البراء بنت صفوان بن هلال، كانت من
سيدات النساء في عفتها وطهارة ذيلها، عرفت بالولاء
والاخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وكان لها دور
مشرف في صفين، حيث كانت تحرض الجماهير المؤمنة
على مناجزة معاوية وقتاله.
روى ابن طيفور بالاسناد عن جعدة بن هبيرة
المخزومي، قال: استأذنت أم البراء بنت صفوان بن هلال
على معاوية: فأذن لها، فدخلت في ثلاثة دروع (1)
(1) الدرع: القميص.
59
تسحبها، قد كارت على رأسها كورا كهيئة المنسف (1)،
فسلمت ثم جلست، فقال: كيف أنت يا بنت صفوان؟
قالت: بخير يا أمير المؤمنين.
قال: فكيف حالك؟ قالت: ضعفت بعد جلد،
وكسلت بعد نشاط.
قال: سيان بينك اليوم وحين تقولين:
يا عمرو دونك صارما ذا رونق * عضب المهزة ليس بالحوار (2)
أسرج جوادك مسرعا ومشمرا
* للحرب غير معرد (3) لفرار
أجب الامام ودب تحت لوائه * وافر (4) العدو بصارم بتار
(1) الكور: خرقة تلفها المرأة على رأسها. والمنسف: الغربال
الذي يعزل به الحب عن غيره.
(2) العضب: القاطع. والحوار: الضعيف.
(3) أي هارب.
(4) فرآه: قتله وشقه.
60
يا ليتني أصبحت ليس بعورة * فأذب عنه عساكر الفجار
قالت: قد كانت ذاك، ومثلك عفا والله تعالى يقول:
* (عفا الله عما سلف) *
قال: هيهات، أما إنه لو عاد لعدت، ولكنه اخترم (2)
دونك، فكيف قولك حين قتل؟ قالت: نسيته.
فقال بعض جلسائه: هو الله حين تقول يا أمير
المؤمنين:
يا للرجال لعظم هول مصيبة * فدحت (3) فليس مصابها بالهازل
الشمس كاسفة لفقد إمامنا *
خير الخلائق والامام العادل
يا خير من ركب المطي ومن مشى
فوق التراب لمحتف أو ناعل
(1) المائدة: 95.
(2) أي مات.
(3) أي ثقلت وعظمت.
61
حاشا النبي لقد هددت قواءنا * فالحق أصبح خاضعا للباطل
فقال معاوية: قاتلك الله يا بنت صفوان، ما تركت
لقائل مقالا، اذكري حاجتك.
قالت: هيهات بعد هذا، والله لا سألتك شيئا، ثم
قامت فعثرت، فقالت: تعس شانئ (1) علي فقال: يا بنت
صفوان، زعمت إلا (2). قالت: هو ما علمت، فلما كان من
الغد بعث إليها بكسوة فاخرة ودراهم كثيرة.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
المراجع
1 - بلاغات النساء 4: 110
2 - موسوعة المصطفى والعترة: للمؤلف 5: 332
(1) الشانئ: المبغض.
(2) الال: القرابة.
62
- 9 -
" عكرشة بنت الأطش " سيدة جليلة القدر، تعد في طليعة نساء زمانها في
شجاعتها وقوة بيانها، عرفت بالولاء والاخلاص لأمير
المؤمنين علي عليه السلام، وكانت في صفين تدعو الناس إلى
نصرة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام ومناجزة عدوه، شادة
وسطها، متقلدة بحمائل السيف، واقفة بين الصفين تحرض
المؤمنين على قتال العدو.
روى ابن طيفور عن العباس بن بكار، قال: حدثنا
أبو بكر الهذلي وعبد الله بن سليمان، عن عكرمة، وقال:
حدثنا المقدمي بإسناده عن الشافعي، قالوا: دخلت
عكرشة بنت الأطش على معاوية، وبيدها عكاز في أسفله
63
زج (1) مسقى، فسلمت عليه بالخلافة وجلست.
فقال لها معاوية: يا عكرشة، الآن صرت أمير
المؤمنين.
قالت: نعم، إذ لا علي حي.
قال: ألست صاحبة الكور (2) المسدول، والوسيط
المشدود، والمتقلدة بحمائل السف، وأنت واقفة بين
الصفين يوم صفين؟ تقولين:
يا أيها الناس، عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل
إذا اهتديتم، إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها، ولا
يحزن من سكنها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا
تنصرم همومها، كونوا قوما مستبصرين، إن معاوية دلف (3)
إليكم بعجم العرب، غلف القلوب، لا يفقهون الايمان، ولا
يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا، فأجابوه، واستدعاهم
إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكم
* (هامش) (1) الزج: الحديدة في أسفل الرمح أو العكاز ونحوهما.
(2) الكور: الرحل، أو ما تجعله المرأة على رأسها من غطاء.
(3) أي مشى. (*)
64
والتواكل (1)، فإن في ذلك نقض عروة الاسلام، وإطفاء نور
الايمان، وذهاب السنة، وإظهار الباطل، هذه بدر
الصغرى، والعقبة الأخرى، قاتلوا يا معشر الأنصار
والمهاجرين على بصيرة من دينكم، واصبروا على
عزيمتكم، فكأني بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كالحمر
النهاقة، والبغال الشحاجة، تضفع (2) ضفع البقر، وتروث
روث العتاق (3)، " انتهت حكاية قولها ".
ثم قال معاوية: فو الله لولا قدر الله، وما أحب أن
يجعل لنا هذا الامر، لقد كان انكفأ على العسكرين، فما
حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، إن اللبيب إذا كره أمرا لم
يحب إعادته. قال: صدقت اذكري حاجتك.
قال: يا أمير المؤمنين، إن الله قد رد صدقاتنا
علينا، ورد أموالنا فينا إلا بحقها، وإنا قد فقدنا ذلك، فما
(1) التواكل: إظهار العجز، أو الاعتماد على الغير.
(2) الشحيج: صوت البغال، والضفع: رجيع الصوت.
(3) العتاق: الجمال.
65
ينعش لنا فقير، ولا يجبر لنا كسير، فإن كان ذلك عن رأيك
فما مثلك من استعان بالخونة، ولا استعمل الظالمين.
قال معاوية، يا هذه إنه تنوبنا أمور هي أولى بنا
منكم من بحور تنبثق وثغور تنفتق.
قالت: يا سبحان الله! ما فرض الله لنا حقا جعل لنا
فيه ضررا على غيرنا ما جعله لنا وهو علام الغيوب.
قال معاوية: هيهات يا أهل العراق، فقهكم ابن أبي
طالب فلن تطاقوا، ثم أمر لها برد صدقتها وإنصافها،
وردها مكرمة.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم آمنت وجاهدت،
ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
المراجع
1 - بلاغات النساء: 103
2 - العقد الفريد: 215
3 - موسوعة المصطفى والعترة: للمؤلف 5: 339 (*)
66
- 10 - " الدارمية الحجونية "
كان الدارمية من فضليات النساء في زمانها، ومن
خيارهن نسكا وتقوى وعبادة، وكانت قوية الحجة
شديدة العارضة.
والت أمير المؤمنين على عليه السلام بكل كيانها وبكل ما
تملك من طاقات وجهود.
قال ابن طيفور:
وقال المقدسي أبو إسحاق، قال: حج معاوية سنة
من سنيه، فسأل عن امرأة يقال لها الدارمية الحجونية 7
كانت امرأة سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث
إليها فجيء بها.
67
فقال لها: كيف حالك يا ابنة حام (1).
قالت: بخير، ولست لحام، إنما أنا امرأة من قريش
من بني كنانة ثمت من بني أبيك.
قال: صدقت، هل تعلمين لم بعثت إليك؟
قالت: لا، يا سبحان الله، وأنى لي بعلم ما لم
أعلم.
قال: بعثت إليك أن أسألك علام أحببت عليا
وأبغضتني، وعلام واليتيه وعاديتيني؟
قالت: أو تعفيني من ذلك؟
قال: لا أعفيك، ولذلك دعوتك.
قالت: فأما إذ أبيت، فإني أحببت عليا عليه السلام على
عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضك عى قتالك
من هو أولى بالامر منك، وطلبك ما ليس لك، وواليت
عليا عليه السلام على ما عقد له رسول الله من الولاية، وحب
المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك
(1) يعرض بها لكونها سوداء البشرة.
68
الدماء، وشقك العصا.
قال: صدقت، فلذلك انتفخ بطنك، وكبر ثديك،
وعظمت عجيزتك.
قالت: يا هذا، بهند والله يضرب المثل لا أنا.
قال معاوية: يا هذه، لا تغضبي، فإنا لم نقل إلا
خيرا، إنه إن انتفخ بطن المرأة م خلق ولدها، وإذا كبر
ثديها حسن غذاء ولدها، وإذا عظمت عجيزتها وزن
مجلسها، فرجعت المرأة.
فقال لها: هل رأيت عليا؟
قالت: كيف رأيته؟
قالت: لم ينفخه الملك، ولم تصقله النعمة (1).
قال: فهل سمعت كلامه؟
قالت: نعم.
(1) المراد أنه عليه السلام بقي على بساطة عيشه رغم كونه خليفة
وحاكما تجبى إليه الأموال.
69
قال: فكيف سمعته؟
قالت: كان والله يجلو القلوب من العمى، كما يجلو
الزيت صداء الطست.
قال: صدقت، هل لك من حاجة؟
قال: وتفعل إذا سألت؟
قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها
وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغذوا بألبانها الصغار، وأستحني (1) بها
الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين عشائر
العرب.
قال: فإن أنا أعطيتك هذا أحل منك محل علي؟
قالت: يا سبحان الله! أو دونه أو دونه.
فقال معاوية:
(1) أي أستعطف.
70
إذا لم أجد منكم عليكم *
قمن ذا الذي بعدي يؤمل بالحلم
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد * حباك على حرب العداوة بالسلم
أما والله لو كان عليا ما أعطاك شيئا.
قالت: إي والله ولا برة (1) واحدة من مال المسلمين
يعطني.
ثم أمر لها بما سألت.
فسلام عليا يوم ولدت، ويوم عاشت، ويوم
ماتت، ويوم تبعث حية.
(1) البرة: حبة الحنطة.
71
المراجع
1 - بلاغات النساء 4: 105
2 - موسوعة المصطفى والعترة 5: 340 (*)
72
- 11 - " عمرة بنت النعمان "
وهي عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية، زوجة
المختار بن أبي عبيد الثقفي، قتلها مصعب بن الزبير في
خبر مشهور عند المؤرخين، وكانت شاعرة من شواعر
العرب، سكنت دمشق، وتزوجها المختار الثقفي.
خبر مقتلها
دعا مصعب بن الزبير أم ثابت بنت سمرة بن جندب
امرأة المختار، وعمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية
امرأته الأخرى، فأحضرهما وسألهما عن المختار، فقالت
73
أم ثابت: نقول فيه بقولك أنت، فأطلقها.
وسأل عمرة بنت النعمان فقالت: رحمة الله عليه،
إنه كان عبدا من عباد الله الصالحين.
فرفعها إلى السجن، وكتب فيها إلى عبد الله بن
الزبير، أنها تزعم أنه نبي.
فكتب إليه: أن أخرجها فاقتلها.
فأخرجها بين الحيرة والكوفة بعد العتمة، فضربها
مطر (1) ثلاث ضربات بالسيف.
فقالت: يا أبتاه، يا أهلا، يا عشيرتاه.
فسمع بها بعض الأنصار، وهو أبان بن النعمان بن
بشير، فأتاه فلطمه، وقال له: يا ابن الزانية، قطعت نفسها،
قطع الله يمينك، فلزمه حتى رفعه إلى مصعب.
فقال مصعب: خلوا سبيل الفتى، فإنه رأى أمرا
فظيعا، وذلك سنة 67 ه.
(1) هو مطر من بني تيم الله بن ثعلبة، من شرط مصعب بن
الزبير.
74
وقيل: إن مصعب قتلها بغير أمر أخيه، فكتب إليه
عبد الله يعنفه على ذلك.
وفي رواية للأغاني:
أن مصعبا كتب إلى أخيه عبد الله، فكتب إليه: إن
أبت أن تبرأ منه فاقتلها. فأبت فحفر لها حفيرة، وأقيمت
فيها، فقتلت.
وقال عمر بن أبي ربيعة في قتل مصعب عمرة:
إن من أعجب العجائب عندي * قتل بيضاء حرة عطبول (1)
قتلت هكذا على غير جرم * ان الله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول
وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
الأنصاري في ذلك أيضا:
(1) العطبول: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة.
75
أتى راكب بالامر ذي النبأ العجب * بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب
بقتل فتاة ذات دل ستيرة * مهذبة الاخلاق والخيم (1) والنسب
مطهرة من نسل قوم أكارم * من المؤثرين الخير في سالف الحقب
خليل النبي المصطفى ونصيره
وصاحبه في الحرب والضرب والكرب
أتاني بأن الملحدين توافقوا * على قتلها لا جنبوا القتل والسلب
فلا هنأت آل الزبير معيشة * وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب
كأنهم إذ أبرزوها وقطعت * بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
ألم تعجب الأقوام من قتل حرة
من المحصنات الدين محمودة الأدب (هامش) * (1) الخيم: الأصل. (*)
76
من الغافلات المؤمنات بريئة * من الذم والبهتان والشك والكذب
علينا كتاب القتل والبأس واجب * وهن العفاف في الحجال وفي الحجب
على دين أجداد لها وأبوة * كرام مضت لم تخز أهلا ولم ترب
عجبت لها إذ كتفت وهي حية * ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم
تبعث حية.
المراجع
1 - أعلام النساء 3: 360.
2 - أعلام النساء في الكوفة: للطريحي: 54 (*)
77
- 12 -
" حبابة الوالبية " (1)
حبابة بنت جعفر الأسدية الوالبية أم الندى.
حبابة بنت جعفر الأسدية الوالبية أم الندى.
عدها الشيخ رحمه الله في أصحاب الامامين الحسن (2)
والباقر (3) عليها السلام.
وعدها ابن داود من أصحاب الحسن والحسين
(هامش) * (1) انظر عن حبابة الوالبية في: رجال البرقي: 62، رجال ابن
داود: 69، الرقم 375، ومنتهى المقال: 368، ومنهج المقال: 400، ومجمع الرجال 7: 172، وجامع الرواة 2: 456، وبهجة
الآمال 3: 17، ومعجم رجال الحديث 23: 184، الرقم
6. 156، ونقد الرجال: 413.
(2) رجال الطوسي: 67، الرقم 6.
(3) رجال الطوسي: 142، الرقم 2. (*)
78
والسجاد والباقر عليهم السلام، وقال عن النجاشي [ممدوحة].
وقال المامقاني:
وليته (أي ابن داود) ألحق به الصادق والكاظم
والرضا عليهم السلام، وقد أدركت أمير المؤمنين عليه السلام وهو أول من
والرضا عليهم السلام، وقد أدركت أمير المؤمنين عليه السلام وهو أول من
طبع لها الحصى، وعاشت إلى زمان الرضا عليه السلام (1).
وحبابة هذه هي صاحبة الصحاة التي طبع فيها أمير
المؤمنين عليه السلام بخاتمة، وأخبرها ان من قدر أن يطبع فيها
كما طبع عليه السلام فهو إمام، وأتت إلى الأئمة عليهم السلام واحدا بهد
واحد، وهم يطبعون فيها إلى أن انتهت إلى الرضا عليه السلا فطبع
فيها (2).
وفي الكافي: وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر
محمد بن هشام، وأنها لما أتت علي بن الحسين عليه السلام كان
قد بلغ بها الكبر إلى أن أرعشت - وهي تعدل مائة وثلاثة
(هامش) * (1) تنقيح المقال 3: 75، فصل النساء
(2) أعلام الورى: 247، كمال الدين: 536 / 1. (*)
79
عشرة سنة - فأومأ عليه السلام إليها بسبابته، فعاد إليها شبابها (1).
وعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي رحمه الله:
أن الرضا عليه السلام كفنها في قميصه (2).
رحمها الله من موالية طويلة العمر، عاشت سعيدة
وماتت حميدة.
(هامش) * (1) الكافي 1: 280 / 3.
(2) الغيبة: 75 / 82. (*)
80
- 13 -
" أم ذريح العبدية "
من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام، شاركت في
حرب الجمل، ولها أبيات من الرجز، قالتها عندما حثت
عائشة كفا من التراب في وجوده أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام قائلة: شاهت الوجوه، فقال علي عليه السلام: وما رميت إذ
رميت: ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالك عليك إن
شاء الله.
فأنشدت أم ذريح العبدية:
عائش إن جئت لتهزمينا * وتنشري البر لتغلبينا
81
وتقذفي بالحصبات فينا *
تصادفي ضربا وتنكرينا
بالمشرفيات إذا غزينا * نسفك من دمائكم ماشينا
لم نعثر على غير ذلك.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم ماتت، ويوم تبعث
حية.
المراجع
1 - كتاب الجمل: للشيخ المفيد: 186
82
- 14 -
" أم مسلم "
كانت من المشاركات في حرب الجمل، تقدم
ولدها مسلم هو غلام بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام،
ليعرض كتاب الله على الناكثين لبيعة علي عليه السلام، وقالت أمه
أبياتا ترثيه بها.
فلما أرسل أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس
إلى طلحة والزبير وعائشة قبل نشوب الحرب، فدعاهم
إلى كتاب الله وأعذر إليهم، لم يقبلوا إعذاره ولا نصحه،
ولم يعطوه إلا السيف.
قال ابن عباس: فو الله ما رمت من مكاني حتى
طلع علي نشابهم كأنه جراد منتشر. فقلت: ما ترى يا أمير
83
المؤمنين إلى ما يصنع القوم، مرنا ندفعهم.
فقال عليه السلام: حتى أعذر إليهم ثانية، وأستظهر بالله
عليهم.
ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه،
وهو مقتول، وأنا ضامن له على الله الجنة، فلم يقم أحد إلا
غلام عليه قباء أبيض، حدث السن من عبد الشمس يقال له
مسلم، فقال: أنا أعرضه يا أمير المؤمنين عليهم. وقد
أحتسب نفسي عند الله، فأعرض عليه السلام عنه إشفاقا.
ونادى أمير المؤمنين عليه السلام ثانية فلم يقم غير الفتى،
فدفع المصحف إليه، وقال: امض إليهم، واعرضه عليهم،
وادعهم إلى ما فيه.
فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبحه الله.
فتبادروا إليه بالرماح، فطعنوه من كل جانب،
وكانت أمه حاضرة، فصاحت وطرحت نفسها عليه،
84
وجزته من موضعه، ولحقها جماعة من عسكر أمير
المؤمنين عليه السلام، أعانوها على حمله حتى طرحته بين يدي
أمير المؤمنين عليه السلام وهي تبكي وتقول:
يا رب إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه قناهم * وأمه قائمة تراهم
تأمرهم بالقتل لا تنهاهم
فسلام عليها وعلى ابنها الشهيد المضرج بدماءه.
والسلام عليهما يوم يبعثا حيين.
85
المراجع
1 - كتاب الجمل، للشيخ المفيد: 182.
2 - تأريخ الطبري 5: 206 و 216
3 - الكامل في التاريخ 3: 262
4 - الفتوح، لابن أعثم 2: 478
86
- 15 -
" أم وهب " من ربات الفروسية والشجاعة والعزة والحمية،
نصرت الامام الحسين عليه السلام، فقضت شهيدة صابرة محتسبة
رضي الله عنها وأنزلها منازل الأبرار.
وهي زوجة عبد الله ابن عمير من بني عليم.
وكان ينزل الكوفة، وقد اتخذ عند بئر الجعد، دارا،
فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين عليه لاسلام،
فسأل عنهم، فقيل له: يسرحون إلى الحسين بن فاطمة
(1) هي أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط. وقى: أم وهب
بنت محمد.
87
بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال: لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا،
وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت
نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد
المشركين.
فدخل إلى امرأته أم وهب، فأخبرها بما سمع،
وأعلمها بما يريد.
فقال: أصبت أصاب الله بك، وأرشد أمورك،
وأخرجني معك.
فخرج بها ليلا، حتى أتى الحسين عليه السلام فأقام معه،
فلما دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم نحو معسكر
الحسين عليه السلام، ارتمى الناس، فخرج يسار مولى زياد بن
أبيه، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز،
ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن
خضير، فقال لهما الامام الحسين عليه السلام: أجلسنا.
فقام عبد الله بن عمير الكلبي، فقال: يا أبا عبد الله،
رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما.
88
فرأى الامام الحسين عليه السلام رجلا آدم طويلا شديد
الساعدين، بعيد ما بين المنكبين.
فقال عليه السلام: إني لأحسبه للاقران قتالا، اخرج إن
شئت.
فخرج إليهما.
فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما.
فقال له يسار: لا نعرفك، ليخرجك إلينا زهير بن
القين، أو حبيب بن مظاهر، أو برير بن خضير.
فقال له الكلبي: يا بن القاعلة، وبك رغبة عن
مبارزة أحد من الناس، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى
برد (1)، فإنه لمشتغل به يضرب بسيفه، إذ شد عليه سالم
فصاحوا به: قد رهقك العبد، فلم يأبه له حتى غشيه،
فبدره بضرية، فاتقاها الكلبي بيده اليسرى، فأطار
أصابعها، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله، وأقبل
الكلبي وهو يرتجز ويقول، وقد قتلهما جميعا:
(هامش) * (1) أي هلك. (*)
89
إن تنكروني فأنا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مرة وعصب (1) * ولست بالخوار عند النكب
إني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عمودا، ثم أقبلت نحو
زوجها وهي تقول له: فداك أبي وأمي جاهد دون الطيبين
ذرية محمد صلى الله عليه وآله، فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت
تجاذب ثوبه، ثم قالت: إني لن أدعك دون أن أموت
معك.
فناداها الامام الحسين عليه السلام فقال: جزيتم من أهل
بيت خيرا، رحمك الله، ارجعي إلى النساء فاجلسي
(1) المرة: قوة الخلق وشدته، والعقل والأصالة. والعصب:
الشدة.
90
معهن، فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن، ثم
خرجت أم وهب تمشي إلى زوجها بعد أن قتل (1)،
فجلست عند رأسه تمسح عنه التراب، وتقول: هنيئا لك
الجنة.
فقال شمر بن ذي الجوشن لعنه الله لغلام له يدعى
رستم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه،
فماتت مكانها، وذلك سنة 61 ه.
فسلام عليها وعلى زوجها يوم استشهدا، ويوم
يبعثا حيين.
(1) قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي من تيم
الله بن ثعلبة.
91
المراجع
1 - أعلام النساء 5: 290، عن تأريخ الطبري
2 - أعلام النساء في الكوفة: 82
3 - مقتل الحسين عليه السلام، لأبي مخنف: 124 و 138
4 - أعيان الشيعة 1: 604، و 3: 482
5 - الكامل في التاريخ 4: 65
6 - تاريخ الطبري 6: 246
92