آراء المعاصرين حول آثار الإمامية نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آراء المعاصرين حول آثار الإمامية - نسخه متنی

مرتضی رضوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 آراء المعاصرين حول آثار الإمامية


 


السيد مرتضى الرضوي
بسم الله الرحمن الرحيم
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
3
كلمة المؤلف
5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء
وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله الغر الميامين
المظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المصطفين الذين لا يسبقونه بالقول
وهم بأمره يعملون.
وبعد فإن الكتاب الذي نحن بصدد نشره الآن هو: (آراء
المعاصرين حول آثار الإمامية) بأقلام جماعة من أعلام الفكر
الإسلامي، ومن الكتاب، والأساتذة البارزين اليوم بمصر التقطناه
من موسوعتنا الإسلامية المسماة ب‍ (مع رجال الفكر في القاهرة).
أسأل الله تعالى أن يرعانا برعايته ويوفقنا لما يحب ويرضى إنه
سميع الدعاء قريب مجيب.
- المؤلف -
6

1 حرف المؤلف
7

الأستاذ الشيخ محمود أبو ريه
من علماء مصر المحققين البارزين
9

* ولادته: في كفر المندره " مركز أجا "
محافظة الدقهلية في 15 ديسمبر عام 1889 م
* جمع بين الدراسة المدنية والدينية بالمدارس
الابتدائية والثانوية والمعاهد الدينية.
* قضى أكثر أيام عمره في مدينة المنصورة
حتى وفد إلى الجيزة عام 1975 م وبقي
فيها إلى حين وفاته.
* توفي في 11 ديسمبر 1970 م بالجيزة.
أهم آثاره " على " وما لقيه من أصحاب الرسول " مخطوط " أضواء على السنة
المحمدية " طبع ثلاث مرات، (أبو هريرة شيخ المضيرة) طبع ثلاث مرات
و " السيد البدري " وكتاب " حياة القرى " " صيحة جمال الدين الأفغاني "
" رسائل الرافعي " " جمال الدين الأفغاني " " دين الله واحد " " قصة الحديث
المحمدي " وغيرها.
10

بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث
أم المؤمنين عائشة
- يحسب العامة وأشباه العامة من الذين يزعمون أنهم على شئ من العلم
أن التاريخ الإسلامي وبخاصة في " دوره الأول " قد جاء صحيحا لا ريب فيه،
وأن رجاله جميعا ثقات لا يكذبون - وهم من أجل ذلك يصدقون كل
خبر جاء عن هذه الفترة، ويشدون أيديهم على تلك الأحاديث التي شحنت
بها الكتب المشهورة في الحديث تلك التي حملت الطم والرم، والغث والسمين،
والصحيح القليل، والموضوع الكثير.
وقد بلغ من ثقتهم بأحاديث هذه الكتب، أن من يشك في حديث منها
يعد في رأيهم فاسقا!!
وإذا كان الله قد آتاهم عقولا ليفهموا بها، وفهوما يزنون بها، فإنهم
يعطلون هذه المواهب استمساكا بالتقليد الأعمى، والتعبد لمن سلف!
وإذا أنت بصرتهم بالحق، وبينت لهم المحجة الواضحة، لووا رؤسهم،
وأصروا على معتقداتهم واستكبروا استكبارا.
وليتك تسلم من ألسنتهم، بل يرمونك بشتائمهم، وسبابهم، ويسلقونك
بألسنتهم، وقد بلوت ذلك منهم عندما أخرجت كتابي: " أضواء على السنة
المحمدية " الذي أرخت فيه الحديث، وكشفت كيف روي وما شاب رواية
11

من الموضوعات ومتى دون وما إلى ذلك ما يجب بيانه - فإنهم ما كادوا
يقرأونه حتى هبت علي أعاصير الشتائم والسباب من كل ناحية، من مصر
والحجاز والشام! فلم أبال كل ذلك لأني على سبيل الحق أسير
فلا شئ يلاقيني في هذا السبيل مهما كان.
ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتى لا يظهر.
ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدو، لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء
جمودهم، وأن ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم والدين فحسب؟
بل يمتد إلى ما وراء ذلك
فإن الناشئين من المسلمين وغير المسلمين الذين بلغوا بدراستهم الجامعية
العلمية إلى أنهم لا يفهمون إلا لقبولهم، وما وصلوا إليه بعلمهم، قد انصرفوا
عن الإسلام لما بدى لهم على هذه الصورة المشوهة التي عرضها هؤلاء
الشيوخ عليهم
من أجل ذلك كله كان من الواجب الحتم على العلماء المحققين الذين
حرروا أعناقهم من أغلال التقليد، وعقولهم من رق التعبد للسلف،
أن يشمروا عن سواعد الجد، ويتناولوا تاريخنا بالتمحيص، وأن يخلصوه من
شوائب الباطل والعصبيات، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.
وإني ليسرني كل السرور أن أشيد بفضل عالم محقق كبير من علماء
العراق قد نهض ليؤدي ما عليه نحو الدين والعلم فأخرج للناس كتبا نفيسة
كانت كالمرآة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الإسلام على
12

أجمل صورة في أول أدواره، ذلكم هو الأستاذ " مرتضى العسكري " فقد
أخرج لنا من قبل كتاب " عبد الله بن سبأ " أثبت فيه بالأدلة القاطعة،
والبراهين الساطعة، أن هذا الاسم لم يكن له وجود وأن السياسة " لعنها الله "
هي التي ابتدعت هذا الاسم لتجعله من أسباب تشويه وجه التاريخ، وبين
أن شيخ المؤرخين في نظر العلماء وهو الطبري قد جعل جل اعتماده في تاريخه
ورواياته على رجل أجمع الناس على تكذيبه.
ومن الغريب أن جميع المؤرخين الذين جاؤوا بعد الطبري قد نقلوا عن
ابن جرير كل رواياته بغير تمحيص ولا نقد، وهذا الرجل الكذاب هو:
سيف بن عمر التميمي.
وأردف العلامة العسكري هذا الكتاب النفيس بكتاب آخر أكثر منه
نفاسة هو كتاب: " أحاديث عائشة " وقد تناول في هذا الكتاب تاريخ هذه
السيدة لا كما جاء من ناحية السياسة والهوى والعصبية، ولكن من أفق
الحقيقة التي لا ريب فيها، وكتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين
لا يخشى في الله لومة لائم.
أشار الأستاذ في تمهيده لكتابه إلى ما في الأحاديث التي نسبت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم من اختلاف بين حديث وآخر، وبين بعض تلك الأحاديث، وآي
القرآن فما كان مثار الطعن والنقد إلى النبي من أعداء الإسلام.
ثم بين أن هذه الأحاديث إن هي إلا مجموعات مختلفة رويت عن رواة
مختلفين، وعلى الباحث العالم النزيه أن يقوم بتصفيتها نسبة إلى رواتها..
13

ثم يدرس أحاديث كل منهم على حدة. وبخاصة أحاديث الرواة المكثرين
أمثال: عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، مع دراسة حياة راويها،
وبيئته وظروفه، ثم مضى يقول:
إن التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول حتى بيعة يزيد بن معاوية لا يفهم
صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث أم المؤمنين " دراسة موضوعية " ولأن الأستاذ
المؤلف: بصدد البحث عن التاريخ الإسلامي في دوره الأول فقد قدم هذه
الدراسة على غيرها من الدراسات.
وبعد أن بين صعوبة هذه الدراسة لما يجد في سبيلها من عقبات متعددة
أخذ في موضوع دراسة فبين نسب عائشة، ومولدها، وتزويجها من النبي
صلى الله عليه وسلم وما صنعه معه " كامرأة " كما قال شوقي من مكر وكيد " كيدهن
عظيم ".
وإنها قد أقامت مع النبي نيف وثمانية أعوام، ثم أخذ يذكر أنها كانت
تؤيد خلفاء النبي " أبي بكر وعمر وعثمان " في أول خلافته ثم انحرافها عنه
وترأسها للمعارضة له حتى بلغ من أمرها أنها كانت تحرض على قتله، وما أن
قتل هذا الخليفة بسبب خروجه عن نهج سابقيه، وتركه الأمر لقومه
يتصرفون فيه بأهوائهم حتى " برزت " تعارض عليا معارضة شديدة لم يلق
مثلها من غيرها، وكان في أول شئ بدا منها لهذا الإمام العظيم أنها ما كادت
تعلم بنبأ بيعته حتى ثارت ثائرتها وصاحت: لا يمكن أن يتم ذلك! ولو
انطبقت هذه - أي السماء على الأرض - وما لبثت أن ألبت عليه طلحة
والزبير وقادوا جميعا الجيوش الجرارة لمحاربة علي " رضي الله عنه " في وقعة
14

الجمل - وكانت تركب جملا من المدينة إلى البصرة، وبعد أن انتهيت هذه
المعركة بسفك الدماء المحترمة انتهت المعركة بقتل طلحة فأعادها " علي رضي
الله عنه " إلى المدينة مكرمة لم ينلها سوء، ولكنها لم تحفظ له هذا الجميل،
ولم ترجع عن غيها وظلت تعمل ضده بكل وسيلة وكان من ذلك أن كانت
تؤيد معاوية في حروبه مع " علي رضي الله عنه " ولم تهدأ ثائرتها حتى قتل علي
فقرت عينها، وهدأت نفسها، وتمثلت عند قتله بقول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
وقد كان ذلك بسبب ضغنها لعلي " رضي الله عنه "، وما يكنه صدرها
له لأنه زوج فاطمة بنت خديجة. وما كان لموقفه من حديث الإفك مما بينه
شاعر الإسلام الكبير أحمد شوقي بأحسن بيان فقال يخاطب عليا " رضي
الله عنه " بقوله:
يا جبلا تأتي الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك ربة الجمل
أثار عثمان الذي شجاها * أم غصة لم ينتزع شجاها
ذلك فتق لم يكن في البال * كيد النساء موهن الجبال
وإن أم المؤمنين لا مرأة * وإن تكن الطاهرة المبرأة
أخرجها من كنها وسنها * ما لم يزل طول المدى من حنقها الخ
هذا بعض ما قاله شاعر الإسلام في علي رضي الله عنه، وما رمته به
عائشة، وقد خاطبها علي رضي الله عنه في كتاب أرسله إليها وإلى طلحة
والزبير أثناء وقعة الجمل، لو أنها عقلته وتدبرته لاشتد ندمها ولاستغفرت
15

الله مما أجرمت وإن كان الظن أن الله لا يغفر لها: قال رضي الله عنه:
وأنت عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان
عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبرين
ما للنساء وقود الجيوش؟ والبروز للرجال؟ والوقوع بين أهل القبلة،
وسفك الدماء المحترمة؟ ثم إنك على زعمك طلبت دم عثمان، وما أنت
وذاك؟ وعثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم؟ إنك بالأمس تقولين في
ملأ من أصحاب رسول الله: اقتلوا نعثلا فقد كفر! ثم تطلبين اليوم بدمه!
فاتقي الله وارجعي إلى بيتك واسبلي عليك سترك والسلام.
هذه لمعة خاطفة مما حواه كتاب " أحاديث عائشة " ولو نحن ذهبنا نبين
ما فصله هذا العالم المحقق في كتابه هذا مما أوفى به على الغاية، ولم نر مثله من
قبل لغيره لاحتجنا إلى كتاب برأسه..
وإذا كان لا بد من كلمة نختم بها قولنا هذا الموجز فإنا نقول مخلصين:
إنه يجب على كل من يريد أن يقف على حقيقة الإسلام في مستهل تاريخه إلى
بيعة يزيد فليقرأ كتابي هذا العلامة " عبد الله سبأ - وأحاديث عائشة "
وليتدبر ما جاء فيهما فإن فيهما القول الفصل.
أما ما نرجوه من العلامة مؤلفهما فهو أن يغد السير في هذا الطريق الذي
اختطه حتى يتم ما أخذه نفسه به.
والله ندعو أن يكتب له التوفيق، والسداد في عمله، إنه سميع الدعاء..
محمود أبو رية
2 - الأستاد الشيخ محمد زكي إبراهيم
رائد العشيرة المحمدية بجمهورية مصر العربية
16

* ولادته: ولد بالقاهرة 13 / 8
عام 1916.
* ينتسب إلى الدوحة النبوية عن طريق الإمام الحسين عليه السلام.
* حفظ القرآن الكريم وأجاد قراءاته الواردة.
* تلقى عن والده بعض العلوم الأزهرية ثم انتسب إلى الأزهر
الشريف وتخرج فيه.
* تخصص في التصوف الإسلامي، وعلم الحديث والتاريخ الإسلامي.
* خدم الأدب العربي ولغة القرآن وله بحوث في الشعر والنقد وأصول الخطابة.
* انصرف بحكم الوراثة والتخصص إلى خدمة التصوف الإسلامي.
* من أهدافه عقد (المؤتمر الصوفي العالمي) وإخراج فكرة (دائرة المعارف الصوفية)
* عمل بوزارة التربية والتعليم حتى أصبح مفتش قسم وانتهى إلى الدراسات
العليا الإسلامية.
* أصدر مجلة (المسلم) من خمسة وعشرين عاما بانتظام.
* هو الآن عضو أكثر من عشر هيئات رسمية وشعبية.
* أهم آثاره: (مزارات أهل البيت) (الرسائل الصوفية الثلاث) (عصمة
النبي) (قضية الوسيلة والخلاف عليها بين المسلمين) (مع القرآن الكريم)
(الصيحة) وله أكثر من عشرين رسالة وأبحاث وله مقالات إسلامية في الصحف
والمجلات: (لواء الإسلام) (منبر الإسلام) مجلة (الشبان المسلمين) مجلة (منبر
الشرق) وله رسائل في الفقه والأصول لا تزال مخطوطة. وله مساجلات مع
زعماء الفكر والسلفية في جريدة الجمهورية وأخبار اليوم.
18

بسم الله الرحمن الرحيم
الله
شعارنا وغايتنا
لبيك اللهم لبيك
أخي في الله تعالى، الأستاذ المؤمن الصادق، والمجاهد الموفق، الشريف
العالم (1) السيد مرتضى الرضوي... رضي الله عنه.
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم أبرك دعائي، وأخلص
ثنائي. وقد تفضلتم مشكورين مبرورين، فأحسنتم بنا الظن، وطلبتم منا كلمة
تقدمون بها إلى جمهوركم المثقف رسالة " الزهراء " للكاتب المحقق السيد محمد
جمال الهاشمي، بعد أن أضفتم إلى الرسالة فصولا جديدة استوعبت أطراف
البحث، واستكملت الموضوع في إجمال تفصيلي، أو تفصيل مجمل، كله تفتح
وإيمان، وغيره، ومحبة، وصفاء
وقد تلقيت رغبتكم الشريفة، وأنا أعاني أزمة مرضية ونفسية فوق
الطاقة فليس في قدرتي ما يساعفني بقراءة الرسالة والملحقات، ولا في قدرتي
ما يساعفني بالكتابة عن جدتنا البتول، بضعة الرسول، وزوج سيف الله
19

المسلول، وأم أحب الأمة إلى نبي الأمة سيدي شباب أهل الجنة، وريحانتي
الدوحة المقدسة، جدنا الإمام أبي محمد الحسن، وجدنا الإمام أبي عبد الله
الحسين عليهما سلام الله.
وأن الكتابة عن آل البيت عبادة يجب أن تؤدى على وجهها، والتقلب
في ذكرياتهم حياة فوق الحياة، والانصراف إلى خدمة تاريخهم توفيق عزيز،
والخلوص إلى التفكر فيهم مدد لا يتاح، ولا ينبغي إلا لأهل الله.
ولقد تتبعت سطور بعض الصفحات، بقدر ما أذنت به حالتي، فلم أجد
لدي طاقة كتابة المقدمة التي ترضيني ويرضى بها عني الله ورسوله، وآل
البيت الشريف.
فمثل فمثل هذه الكتابة الموصولة الأسباب بالدين والدنيا، ثم بالماضي
والحاضر المستقبل ثم بحركات العقول والقلوب والقلوب والأسرار، بل وما
وراء الأسرار.
وهذه الكتابة لا يتعرض لها رجل مثلي اليوم تحتويه أزمات أمراض
الجسم، ومتاعب النفس. وهما شئ عظيم.
من أجل ذلك أعتذر إلى أخي خجلان آسفا، بقدر ما أشكر له ثقته بي
وبقدر ما أدعو له بجوامع الخير من كل قلبي. والسلام على النبي وآل بيته
والأحباب.
وأما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله
* المفتقر إليه وحده
* محمد زكي إبراهيم
* من العشيرة المحمدية
القاهرة: 20 من ربيع الثاني سنة 1358
19 من أغسطس سنة 1965 (آب)
20

(2)
حرف الباء
21

3 - الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري
وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية
23

. ولادته: من مواليد " باقور " في الصعيد
الأعلى.
. تخرج في الأزهر الشريف، وأصبح
من علمائها الأعلام.
. رشح نفسه مرات في عضوية الأمة
. حصل: على ثقة الحكومة رغم انتمائه
سابقا إلى الإخوان المسلمين.
. عين: وزيرا للأوقاف بعد ثورة
يوليو 1952 م.
. نجح في إدارة دفة وزارة الأوقاف مدة طويلة.
. أهم آثاره: " مع كتاب الله " وكتاب " مع الصائمين " " مع القرآن " " أثر
القرآن الكريم ".
* سعى: في نشر كتاب: (مختصر النافع) في فقه الشيعة الإمامية.
* له تقديم لكتاب: " العلم يدعو للإيمان " وكتاب: " وسائل الشيعة
ومستدركاتها " وله مشاركة واسعة في المقالات الأدبية والدينية، والأحاديث
في الإذاعة والتليفزيون.
* وهو من كبار الفكر الإسلامي ومن دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية
العاملين لها.
* يدعو إلى نشر كتب الشيعة للوقوف عليها بغية إزالة الخلاف بينهم وبين
إخوانهم من أهل السنة.
24

بسم الله الرحمن الرحيم
وزارة الأوقاف
مكتب الوزير
السيد الأستاذ / مرتضى الرضوي
السلام عليكم ورحمة الله وبعد.
فإني أشكر لك جهدك الذي بذلت في إخراج كتاب: " وسائل الشيعة
ومستدركاتها " كما أشكر لك قصدك الطيب من إخراج هذا الكتاب الذي
نرجو أن يفتح طريقا جديدا من طرق التقريب بين جماعات المسلمين،
فما تفرق المسلمون في الماضي إلا لهذه العزلة العقلية التي قطعت أواصر
الصلات بينهم، فساء ظن بعضهم ببعض، وليس هناك من سبيل للتعرف على
الحق في هذه القضية إلا سبيل الاطلاع، والكشف عما عند الفرق المختلفة
من مذاهب وما تدين به آراء ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي
عن بينة.
(1) كتب الأستاذ الباقوري هذا الكتاب عندما كان وزيرا للأوقاف عام
1958 وذلك عندما نشرنا كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها " في أحاديث أهل
البيت عليهم السلام في الفقه والأخلاق.
- المؤلف -
25

والخلاف بين السنيين والشيعيين خلاف يقوم أكثره على غير علم،
حيث لم يتح لجمهور الفريقين اطلاع كل فريق على ما عند الفريق الآخر من
آراء وحجج..
وإذاعة فقه الشيعة بين جمهور السنيين، وإذاعة فقه السنيين بين جمهور
الشيعة من أقوى الأسباب وآكدها لإزالة الخلاف بينها، فإن كان ثمة
خلاف فإنه يقوم بعد هذا على رأي له احترامه وقيمته.
لهذا فإن إخراج مثل هذا الكتاب عمل يستحق القائم عليه شكرا وتقديرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وزير الأوقاف أحمد حسن الباقوري 10 / 2 / 1958
26

(3)
حرف التاء
27

4 - الأستاذ أبو الوفا الغنيمي التفتازاني
مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب - جامعة القاهرة
29

* ولادته: ولد في القاهر في 14 / 4 / 1930
ونشأ نشأة طيبة وتربى تربية إسلامية
في ظل والده طاب ثراه.
* درس في كلية الآداب قسم الفلسفة
حصل على الدكتوراه عام
1961 م.
* زميل معهد الدراسات الإسلامية
في جامعة ماجيل بكندا عام
1955 م - 1956 م.
* قضى عاما في إسبانيا بدعوة من حكومة إسبانيا لدراسة المخطوطات في الفلسفة
الإسلامية والتصوف وأشرف على عدد من رسائل الخريجين في جامعة
القاهرة.
* أهم آثاره: " علم الكلام وبعض مشكلاته " " " ابن عطاء الله السكندري
والتصوف " " عبد الحق بن سبعين وفلسفته الصوفية "، وله مباحث كثيرة
نشرها في مجلة عالم الفكر الكويتية ومجلة الوعي الإسلامي الكويتية ومنبر
الإسلام في القاهرة وله مقالات في أكثر الصحف والمجلات المصرية.
30

وسائل الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
" وقع كثير (1) من الباحثين، سواء في الشرق أو الغرب، قديما وحديثا،
في أحكام كثيرة خاطئة عن الشيعة، لا تستند إلى أدلة أو شواهد نقلية
جديرة بالثقة. وتداول بعض الناس هذه الأحكام فيما بينهم دون أن يسائلوا
أنفسهم عن صحتها أو خطئها.
وكان من بين العوامل التي أدت إلى عدم إنصاف الشيعة من جانب
أولئك الباحثين، الجهل الناشئ عن عدم الاطلاع على المصادر الشيعية،
والاكتفاء بالاطلاع على مصادر خصومهم.
ومما لا شك فيه أن أي باحث يتصدى للبحث عن تاريخ الشيعة أو
عقائدهم أو فقههم لا بد له من الاعتماد - أولا وقبل كل شئ - على تراث
(1) هذا التقديم كنا قد طبعناه في أول الجزء الثالث من كتاب " وسائل
الشيعة ومستدركاتها " الذي تم طبعه في دار القومية العربية للطباعة 16 شارع
النزهة ميدان الجيش بالقاهرة في عام 1381 ه‍
31

الشيعة أنفسهم في هذه المجالات، وهذا بالإضافة إلى ما ينبغي عليه من تحري
الصدق في الروايات التاريخية التي يجدها في كتب خصوم الشيعة تحريا دقيقا،
وذلك للوصول إلى الحقيقة ذاتها، وإلى كل ما ينبغي عليه من التجرد عن كل
هوى مذهبي سابق يؤثر عليه في إصدار أحكامه.
وكان من بين العوامل التي أدت إلى عدم إنصاف الشيعة أيضا أن
الاستعمار الغربي أراد في عصرنا هذا أن يوسع هوة الخلاف بين السنة
والشيعة، وبذلك تصاب الأمة الإسلامية بداء الفرقة والانقسام، فأوحى
إلى بعض المستشرقين من رجاله بتوخي هذا الفن باسم البحث الأكاديمي الحر.
ومما يؤسف له أشد الأسف أن بعض الباحثين من المسلمين في العصر
الحاضر تابع أولئك المستشرقين في آرائهم دون أن يتفطن إلى حقيقة مراميهم.
والشيعة اسم كان يطلق قديما على كل من شايع عليا (رضي الله عنه)،
وقال بإمامته وذريته من بعده، نصا ووصاية، وهو يطلق الآن على الاثني
عشرية خاصة.
والشيعة عموما يستندون في تشيعهم للإمام علي (رضي الله عنه) إلى
شواهد من الكتاب والسنة.
والاتفاق بين السنة والشيعة في أصول العقائد ظاهر جلي، وذلك
إذا استثنينا مسألة الإمامة، إذ يرى أهل السنة أنها قضية مصلحية تناط باختيار
العامة، على حين يراها الشيعة قضية أصولية، وأن الإمام المنصوص عليه
هو علي (رضي الله عنه)، وأن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت
فبظلم أو تقية، وتنحصر الإمامة عندهم في اثني عشر إماما.
32

والاتفاق بين السنة والشيعة في الأحكام الفقهية واضح بين، وذلك
إذا استثنينا الخلاف حول بعض الأحكام الفرعية، مثل " نكاح المتعة "
الذي ثبت نسخه عند أهل السنة ولم يثبت عند الشيعة.
ولم لا يقع بين السنة والشيعة في أصول العقائد والأحكام الفقهية
إذا كان المصدر الذي يستمد منه كلاهما واحدا وهو: الكتاب والسنة؟
إن مدى الخلاف الموجود بين السنة والشيعة ليس فيما يبدو لنا بأبعد
مما هو موجود مثلا بين مذهبي الإمام مالك وأتباعه من أهل الحديث،
والإمام أبي حنيفة النعمان وأتباعه من أهل الرأي والقياس.
فإذا عرفنا بعد ذلك أن أهل السنة جميعا يقرون بالفضل والعلم
والتقوى لأهل البيت الأطهار، ويرون أن لهم منزلة خاصة لا يدانيهم فيها
أحد وأن محبتهم والتقرب إليهم من كمال الدين، وباب للقرب من الله،
وذلك لما ورد في حقهم من الكتاب والسنة من الشواهد وعرفنا أن الخلاف
بين السنة والشيعة ليس بذي خطر!
ومع أن التشيع يستند أساسا إلى شواهد من الكتاب والسنة إلا أن
بعض الباحثين من غير المنصفين نسبوه إلى مصدر غير إسلامي! وكان
بالإنصاف يقتضي في هؤلاء الباحثين ألا يطرحوا هذه الشواهد من حسابهم
إذا أرخوا للشيعة أو لمذاهبهم وعقائدهم، وليس يتسع المقام هنا لإيراد هذه
الشواهد، ومن أراد زيادة في هذا الطلب فعليه الرجوع إلى الكتب المعتبرة
في علم الحديث عند أهل السنة، مثل صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغيرهما،
وذلك في الأبواب الخاصة بمناقب أهل البيت رضوان الله عليهم.
33

ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد، أن شأن التشيع فيما قيل عنه من
أنه دخيل على الإسلام شأن التصوف الإسلامي أيضا. فقد كان بعض
الباحثين قديما وحديثا يعتبرون التصوف من مصدر غير إسلامي، سواء
أكان هذا المصدر فارسيا أم نصرانيا، يونانيا أم هنديا، على حين أن
التصوف من حيث هو علم للمقامات والأحول التي تعرض لقلوب المتعبدين
السالكين لطريق الله عز وجل، كالتوكل والرضا، والزهد والمحبة والصبر
واليقين، والمعرفة والأنس بالله والخوف والرجاء وما إليها، هو علم الأخلاق
الدينية مستند أولا وقبل كل شئ إلى الكتاب والسنة، وجدير بالذكر
كذلك أن بين التصوف والتشيع صلات قوية. وللإمام علي " رضي الله عنه "
عند الصوفية منزلة خاصة رفيعة، فهم يعتبرونه مثلا أعلى في الزهد والتقوى،
والورع والصبر واليقين، والرضا والتوكل، وكتبهم حافلة بذكر مناقب
ذريته، رضي الله عنهم أجمعين.
ومما يدعو إلى التأمل أيضا أن شيوخ الصوفية من أصحاب الطرق كالرفاعي
والبدوي، والدسوقي والجيلاني وغيرهم من جلة علماء أهل السنة من الصوفية
يرجعون جميعا في أسانيد طرقهم إلى أئمة أهل البيت الأطهار بسندهم إلى
الإمام علي " رضي الله عنه " بسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ولعل هذا مستند عندهم إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
قوله " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وهذا يفيد عند الصوفية خصوصية في علم
الحقيقة، أو علم المكاشفة، أو علم المكاشفة، أو علم الباطن، ليست لغير الإمام علي
كرم الله وجهه.
وهناك في كتب أهل السنة أنفسهم شواهد كثيرة على خصوصية الإمام
34

علي في العلم، وحسبنا أن نسوق الرواية التالية على سبيل المثال لا الحصر:
" عن عمر " رض " أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك. فقال علي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين
بل إنه يضر وينفع، وذلك في تأويل كتاب الله تعالى في قوله: " وإذا أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا
بلى " - فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق
وألقمه في هذا الحجر، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان.
يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب؟
فقال له عمر: " لا أبقاني الله في أرض لست فيها يا أبا الحسن ". (1)
فعمر بن الخطاب كما يستفاد من هذه الرواية يقبل الحجر الأسود
اقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا شأن كل مسلم في الاقتداء
بالنبي، أما الإمام علي، فهو إلى جانب علمه بأن الحجر الأسود لا يضر
ولا ينفع من حيث هو حجر، إلا إنه يعلم مكاشفة أن الله تعالى إذا أراد له
أن يضر وينفع لضر ونفع بإرادة الله، كيف لا وفيه سر ذلك العهد القديم
الذي أخذه الله تعالى على أرواح بني آدم في عالم الذر قبل وجودها في عالم
الأمر!؟
(1) رواه الخمسة، وزاد الحاكم: فقال علي... الخ، وراجع كتاب
الجامع لأصول أحاديث الرسول 2 / 149، تأليف الشيخ منصور علي ناصيف،
القاهرة 1352 ه‍.
35

وهو شاهد على بني آدم يوم القيامة (1)؟
وهنا قد يعترض فيقول: إن هذا لا يعلل بالعقل، فيرد عليه بأن كثيرا
من الأحكام الشرعية لا تعلل بالعقل، لأنه فوق إدراك العقل، والدليل على
ذلك أن مناسك الحج لا تعلل، فلم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود بالذات؟
ولم تجمع الحجار من المزدلفة بالذات لرجم إبليس؟
إن لكل شئ سره ولكل مكان خصوصيته!.
فهناك إذن أمور في الاعتقاد أو في التشريع اختص الإمام علي رضي الله
عنه وذريته من بعده بعلمها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولذلك لا ينبغي أن يغفل المسلمون من غير الشيعة عن قيمة تراث الشيعة
في العقائد وفي الفقه، فهذا التراث يروى عن آل البيت رضي الله عنهم،
وهم أئمة في الفقه والتشريع، وسادة لهم فضلهم ومكانتهم في قلوب المسلمين
على اختلافهم.
لذا كان سرورنا عظيما بتلك الحركة الناهضة المباركة التي يضطلع بها الأخ
الصديق السيد مرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح بالنجف الأشرف
بالعراق، بنشر أمهات الكتب في عقائد الشيعة وفقههم. فإن استمرار هذه
الحركة من شأنه أن يكشف الحجاب عما خفي عن أعين أهل السنة من تراث
إخوانهم الشيعة.
(1) * عن ابن عباس " رض " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في
الحجر: " والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على
من استلمه بحق " رواه الترمذي وحسنه، " نفس المرجع 2 / 149 ".
36

ومن أجل هذه الأمهات من كتب الشيعة كتاب: " وسائل الشيعة إلى
تحصيل مسائل الشريعة " للفقيه الحجة الشيخ محمد بن الحسن الشهير بالحر
العاملي و " المستدرك على الوسائل " للمحقق الميرزا حسين النوري، وقد
نشرا معا في هذه الطبعة التي نقدمها للقراء. والكتابان يتعلقان بالأحكام
الفقهية والآداب المسندة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفقا لمرويات
ويعد هذان الكتابان مرجعين هامين للغاية للباحثين في تاريخ الشيعة
وعقائدهم وفقههم في الشرق الإسلامي، أو في أوربا وأمريكا.
وإنا لنرجو مخلصين أن يكون في نشر هذين الكتابين وأمثالهما، ما يحقق
غاية التقريب بين السنة والشيعة، وإيجاد نوع من الفهم المتبادل بينهما، فينظر
كل فريق منهما إلى الآخر نظرة إنصاف وتقدير.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين جميعا إلى ما فيه خيرهم، وإلى تقوية
أواصر المحبة والأخوة بينهم مصداقا لقوله تعالى:
" إنما المؤمنون إخوة " والله ولي التوفيق؟
د أبو الوفا الغنيمي التفتازاني
مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب
جامعة القاهرة
القاهرة في جمادى الثانية 1381 ه‍
37

(4)
حرف الحاء
39

(5)
الأستاذ حسن جاد حسن
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
41

* ولادته: ولد بالدقهلية عام 1914 م
ودرس في الأزهر حتى تخرج في
كلية اللغة العربية.
* حصل على الدكتوراه في الأدب
والبلاغة.
* عمل ولا يزال أستاذا في كلية اللغة
العربية بجامعة الأزهر.
* أهم آثاره: أصدر ديوانا من الشعر
وهو طالب بالثانوي وله ديوان
كبير مخطوط يعد للطبع وله كتاب:
" الأدب العربي في المهجر " والأدب المقارن " وكتاب: " وكتاب: " ابن زيدون "
وكتاب: " الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام " " الأدب العربي في ظلال الأمويين "
والعباسيين " وكتاب " ميزان الشاعر " في العروض.
* من أساتذة الأدب واللغة والفكر والتحقيق.
42

وسائل الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية الشاعر
جهد مشكور، وعمل مبرور، ذلك الذي بذله صديقنا السيد مرتضى
الرضوي، في نشر كتاب: " وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للعلامة
الفقيه العاملي ومستدركه للعلامة النوري ".
تلك الموسوعة الضخمة في فقه الأحكام، والسنن والآداب
والأخلاق المسندة إلى الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بروايات
الأئمة من آل بيته الكريم.
لقد أسدى بهذا الكتاب خيرا كثيرا، ففي هذا الفقه الصحيح، والأدب
الكريم، ما يدحض شبه المغرضين، ويسد المنافذ على المغالين، ويقطع
الطريق على مثيري الفتنة، والفرقة بين المسلمين:
فمهما أمكن من شأن الخلاف اليسير بين الشيعة وأهل السنة، فإن الأصل
واحد، والمنبع واحد، وأصول الدين واحدة، مما يقرب مسافة الخلف،
ويوحد صفوف المسلمين.
وإلى صديقي الناشر هذه الأبيات:
* إهتف بآل البيت يا مرتضى * ولا يصدنك من أعرضنا
عترة خير الخلق أهل التقى * بين البرايا والوجوه الوضا
43

وارو ظلماء الروح من هديهم * وعطر الأفق بهم والفضا
ولاؤهم قربى وفي حبهم * عبادة لله فيها الرضا
فانشر على الناس هدى * وأوحى من آثارهم ما مضى
" وسائل الشيعة " موسوعة * في الدين لن تجفى ولن ترفضا
بالفقه والأخلاق ينبوعها * ما جف في يوم ولا غيضا
مبسوطة للناس من عهدهم * وسوف تبقى الدهر لن تقبضا
دع قول من يغلو فمن دسه * أشعل بالفرقة نار الغضا
حقيقة الشيعة في دينها * حقيقة السنة لن تنقضا
جداول من منبع واحد * وإن بدا الخلف لمن أغمضا
لم تبق بعد اليوم من فرقة * ذلك عهد قد مضى وانقضى
القاهرة: حسن جاد حسن
أستاذ بكلية اللغة العربية بالأزهر
44

6 - الأستاذ محمد عبد الغني حسن
المدير العام لمؤسسة المطبوعات الحديثة بالقاهرة
45

* أهم آثاره: الخطب والمواعظ، التراجم
والسير، الشريف الرضي حسن العطار، ابن
الرومي.
* له: مؤلفات أدبية وثقافية من الطراز العالي.
* ينتصر للشيعة الإمامية في أهم قضية عقيدية
هو: الغدير فيما أثر عنه من الشعر والنثر.
46

في ظلال الغدير
ليس في هذا العنوان أثر لروح شاعرية أو جنوح إلى عاطفة من عواطف
الخيال المقتص، أو ميل إلى ميل إلى شوارد التعبير عما يجول في الخاطر الكليل...
وإنما هي حقيقة ناصعة الوجه واليد واللسان حين نقرر أن القارئ
" للغدير " يفيئ منه إلى ظل ظليل، ويلتمس عنده من راحة الاطمئنان، وحلاوة
القرار، ورضى الثقة ما يجده المرء حين يأوى إلى الواحة المخضرة بعد وعثاء
السفر، في بيداء واسعة المتاهات، فيجد في ظلالها أنس الاستقرار، وسلامة
المقام، ودعة المصير.
وأن أكون في هذه الكلمة جانحا إلى خيال، أو محلقا في جواء من
التصور الحالم، أو الوهم الهائم... ولكني سأجتاز هذا " الغدير " عابرا،
مفكرا، مقلبا النظر في صفحاته الرجراجة بكل فكرة المتموجة بكل مبحث
مستخرجا من أصفى لآلئه، وأكرم عناصره ما يعينني عليه تقليب النظر
في شطآنه، وإطالة الفكر بين دفتيه، وكثرة الوقوف على مباحثه كما يقف
ربى على الديار التي لم يبلها القدم...
ولقد بلغ الجزء الأول من " الغدير " ما حسبت معه أن الجهد قد أوفى
فيه على الغاية واستشرف على نشر الكمال في صفحاته التي تساوي أيام
السنة الهجرية عدا...
وقد كان يحسب العلامة المكب الدؤوب الجليل الأستاذ " عبد الحسين الأميني "
47

أن يرضي منه بحث " حديث الغدير " بجزء واحد أو بجزئين أو ثلاثة يستوفي
فيها الكلام عن رواة " حديث الغدير " من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان،
وطبقات الرواة من العلماء إلى عصرنا هذا، والاحتجاج بالحديث، وتحقيق
سنده وروايته، ودلالته على تأكيد الولاية للإمام علي كرم الله وجهه،
سواء كان ذلك المفهوم مشتقا من حرفية الحديث، أو مستفادا من القرآن
الملابسة للحديث حين نطق به الرسول الكريم على مرأى ومسمع ومشهد
من الصحابة.
نعم: قد كان يحسب العلامة " الأميني " هذا حين يحتج لحديث الغدير -
غدير خم - وحين يحقق روايته وسنده... ولكنه ذهب في البحث عن
" الغدير " وراء كل مذهب، وجاوز في تعمق الدرس والتقصي كل حد
معروف عند المؤلفين حين يؤلفون، وعند الباحثين حين يبحثون...
نعم: لقد مضى " الأميني " الجليل في البحث على طريق وعر المسالك،
متشعب النواحي، وكثير المسائل، ولم يزده السير في الطريق إلا مواصلة السير
كوجه البدر المنير يزيدك حسنا إذا ما زدته نظرا...
ورأينا كتاب " الغدير " يمتد به الطريق إلى أجزاء تسعة ضخام تبلغ من
الصفحات بضعة آلاف... ولا يزال الكتاب ينتظر من صبر العلامة
" عبد الحسين " وإكبابه وتوفره على التنقير والتنقيب ما يمضي به إلى الغاية
التي يستهدفها المؤلف، حتى يتم الكتاب على الوجه الذي يرضي عنه الله،
والعلم الصحيح، والضمير السليم.
وقد يكون العلامة " الأميني " النجفي مشربا بحب الإمام علي وشيعته حين يبذل
48

من ذات نفسه، وحين يبذل من ماء عينيه ما يبتغي به الوسيلة عند أهل البيت
العلوي الكريم... وقد يكون في عمله هذا مستجيبا لنداء المذهب الذي
يدين به... فإن الحب يفرض على المحب من الالتزامات والارتباطات
ما يسقط به وجه الاعتراض.
ولكن الحق الذي يجب أن يجهر به: أن العلامة الأستاذ " عبد الحسين الأميني "
لم يكن محبا متعصبا، ولا ذا هوى متطرف جموح، وإنما كان عالما وضع
علمه بجانب محبته لعلي. وشيعته، وكان باحثا وضع أمانة العلم ونزاهة البحث
فوق اعتبار العاطفة..
ولا يلام المرء حين يحب فيسرف في حبه، أو حين يهوى فيشتد به
الهوى.. ولكن اللوم يقع حين تميل دواعي الهوى بالمرء عن صحيح وجه
الحق... وما كان أستاذنا الجليل في شئ من هذا، وإنما كان باحثا وراء
الحقيقة، كاشفا النقاب عن وجهها، معينا نفسه بالوصول إليها سافرة الوجه،
واضحة المعالم.
ونجد في الجزء الأول من " الغدير " رواة الحديث من الصحابة رضي الله
عنهم وقد رتبهم المؤلف وفق حروف الهجاء، فبلغوا مائة عشرة من أجلاء
أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يبتدون بأبي هريرة وينتهون بأبي مرازم يعلى ابن مرة
وهب الثقفي.
والمؤلف هنا لا يكتفي بذكر أسماء الرواة من الصحابة، بل يذكر الكتب
التي جاء فيها هذا الحديث مسندا إلى الصحابي، ثم لا يكتفي بذلك بل يذكر
أجزاء الكتب وأرقام الصفحات.
49

وهنا يجد المتصفح " للغدير " سيلا وافرا بل بحرا زاجرا من الكتب
كأسد الغابة، والإصابة، وتهذيب، والاستيعاب، وتاريخ بغداد
للخطيب، وتهذيب الكمال، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، والبداية والنهاية
لابن كثير، ونخب المناقب، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وعشرات
وعشرات من الكتب الحديث والتفسير والتاريخ التي روي فيها الرواة
من الصحابة حديث الغدير.
فإذا فرغ من ذكر طبقات الرواة من الصحابة أنتقل إلى الرواة
من التابعين، ثم من العلماء مرتبا هؤلاء الأخيرين وفق ترتيب الوفيات قرنا
فقرنا مبتدئا بابن دينار الجمحي، ومنتهيا برواة الحديث في عصرنا الحديث.
ولما كانت واقعة الغدير - غدير خم - من الحقائق الثابتة التي لا تقبل
الجدل وكان الحديث - حديث الغدير - مما كاد ينعقد إجماع الأمة الإسلامية
سنة وشيعة - على صحته. فقد جدث الحجاج به ومناشدته بين الصحابة والتابعين
ولهذا عقد العلامة عبد الحسين فصلا في المناشدة والحجاج بحديث الغدير.
وممن احتج به فاطمة بنت الرسول، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر
وعمر بن عبد العزيز، والخليفة المأمون العباسي.
ولما كان حديث الغدير قد بلغ من الصحة والتواتر وقوة السند مبلغا
لا يحتاج معه إلى إثبات مثبت، أو تأييد مؤيد، فقد كان المؤلف الجليل في غنى
عن أن يخص صحة إسناد الحديث بفصل، فإنه لا يصح في الأذهان شئ
إذا احتاج النهار إلى دليل... ولكنه جرى في المنهج العلمي على سفن الجادة
واستقامة القصد فذكر في صفحة 266 وما بعدها كلمات الرواة والحفاظ حول
سند الحديث.
50

فالترمذي يقول في صحيحه: إن هذا حديث حسن صحيح. والحافظ
ابن عبد البر القرطبي يقول بعد ذكر حديث المؤاخاة وحديثي الراية والغدير:
هذه كلها آثار ثابتة. وهكذا يمضي في هذا الفصل حتى يستوفي كلمات الحفاظ
حول سند الغدير.
وعلى الرغم من مقاربة الإجماع على صحة حديث الغدير، فقد نظر إليه
بعض رجال المسلمين نظرة تخالف منعقد الإجماع... وهنا يظهر صاحب
كتاب " الغدير " في مظهر المحب الغاضب... على مخالفيه، فيوقفهم
موقف المقاضاة، وينزلهم منزل المحاكمة، بل يعقد فصلا عنيفا عن " ابن حزم "
الأندلسي الذي فتح الباب واسعا حول الشك في صحة الحديث.
. ولو أن كتاب " الغدير " كان احتجاجا لحديث غدير خم، وتأييدا
لصحته، وتبيانا لرواته وطرق روايته على مر العصور، وإثباتا لما يستفاد منه
من معنى الولاية للإمام " علي " لكان بذلك كافيا، ولكن العلامة الأستاذ
" عبد الحسين أحمد " أراد أن يجعل من " الغدير " بحرا متلاطم الأمواج،
جياش العباب... وشاء أن يجعل منه موسوعة كبيرة تدور حول الكلمات
الطاهرة التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام علي كرم الله وجهه، فأثبت الشعراء
الذين ذكروا الغدير في قصيدهم، وعطروا بذكره أنفاس أشعارهم، وصاحبهم
المؤلف الدؤوب في موكب رائع الجلال من عهد النبي صلوات الله عليه
إلى القرون الإسلامية قرنا فقرنا، فهو يذكر في كل قرن شعراء الغدير فيه
ويذكر غديرياتهم، ولا يكتفي بذلك كله، بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم
لا يستغني عنها مؤرخ أو باحث أو أديب: ثم لا يكتفي بذلك، بل يذكر
المصادر الكثيرة الموزعة لهؤلاء الشعراء، فيقع القارئ من هذه المصادر على
ذخيرة من المعرفة بالكتب قل أن تتاح لباحث من باحثي زماننا هذا.
51

ولست هنا مبالغا في تقدير هذه التراجم، فترجمة الشاعر " الكميت "
مثلا من شعراء الغدير في القرن الثاني قد بلغت ثلاثين صفحة من الجزء الثاني،
حتى كادت تصلح أن تكون في ذاتها كتابا قائما بدراسة " الكميت " وترجمة
" السيد الحميري " الشاعر وتضعه في الإطار الذي يخصه بين شعراء عصره.
وترجمة " ابن الرومي " في الجزء الثالث من " الغدير " تبلغ 26 صفحة. وقس
على هذا بقية مواكب الشعراء.
وليست العبرة في طوال التراجم واتساع صفحاتها.. ولكن العبرة
في هذا الصبر العجيب الذي تابع به المؤلف حياة الشعراء الذين يترجم لهم،
فقد رجع علامتنا الجليل حين كتب عن " ابن الرومي " إلى عشرات من الكتب
في القديم والحديث وجمع أخباره ونوادره من مصادر لم يطلع عليها الأكثرون
ولم يكد يفوته كتاب واحد ذكر فيه " ابن الرومي " بخير أو شر... حتى
مجلة الهدى العراقية، وكتاب الأستاذ عباس محمود العقاد.
وعلى ذكر المراجع والمصادر نود أن نسجل للحق أن مؤلف " الغدير "
الجليل قد أحاط منها بما لا يحيط به إلا من رزقه الله قدرة وصبرا وحسن
وقوع على الموارد، فهو حين يترجم مثلا لأبي تمام الشاعر في الجزء الثاني
من " الغدير " يذكر أسماء الأعلام الذين شرحوا ديوان الحماسة، فيبلغون
سبعة وعشرين... يبدأون بأبي عبد الله محمد ابن القاسم، وينتهون بالمرحوم
الشيخ سيد ابن علي المرصفي من رجال الأدب في زماننا هذا، وهو حين يذكر
المؤلفين من أخبار أبي تمام وترجمته يعد عشرات يبدأون بأبي الفضل
أحمد ابن أبي طاهر من رجال القرن الثالث الهجري. ويبلغ في زماننا هذا
الدكتور عمر فروخ من كتاب عصرنا الحديث.
52

هذا هو " الغدير " في نظرة عاجلة، أعجلني بها من أمر الزمان وشغل
الحدثان ما كنت أود أن تطول معه الوقفة وتعمق النظرة، ولكن علامتنا
الكبير الأستاذ " عبد الحسين أحمد الأميني " حري أن يغفر لصديقه السني
المصري ما لم يسعفه به زمانه.
وأسأل الله أن يجعل من هذا الغدير الصافي صفاء لما بين أهل السنة والشيعة
من أخوة إسلامية، يتجهون بها في كتلة واحدة وبناء مرصوص، إلى الحياة
الحرة الكريمة التي يعتز بها الإسلام، ويعلو له بها في العالم مقام.
والله يوفق أستاذنا العلامة الجليل (1)
محمد عبد الغني حسن
القاهرة: / 7 من ربيع الأول سنة 1372 ه‍ 15 من نوفمبر سنة 1952
(1) موسوعة الغدير للعلامة المحقق الأميني الجزء الأول الطبعة الثانية.
- المؤلف -
53

(5)
حرف الخاء
55

7 - الأستاذ عبد الكريم الخطيب
من كبار المؤلفين البارزين في القاهرة
57

* ولادته: ولد في محافظة سوهاج من
صعيد مصر في 17 مايو سنة 1920 م
* تعلم في: كتاب القرية.
* حفظ القرآن الكريم، ثم تخرج
من مدرسة المعلمين بسوهاج.
* تخرج من دار العلوم سنة 1937 م
* وحصل على شهادة الدراسات العليا في دار العلوم.
* اشتغل بالتعليم في المدارس الابتدائية والمعلمين والثانوية.
* نقل إلى وزارة الأوقاف، سكرتيرا برلمانيا، ومديرا لمكتب الوزير عام
1953 م.
* أحيل إلى المعاش عام 1959 م، وبعد هذا تفرغ للتأليف.
* انتدب للتدريس في كلية الشريعة لعلوم التفسير بمدينة الرياض في المملكة العربية
السعودية وذلك في عام 1973 م وعام 1975 م.
* أهم آثاره: " التفسير القرآني للقرآن " 16 مجلدا " قضية الألوهية " جزآن
" إعجاز القرآن " جزآن " على بقية النبوة وخاتم الأوصياء " التعريف بالإسلام "
" المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل " " القضاء والقدر " " بين الفلسفة والدين "
" السياسة المالية في الإسلام ".
58

مع رجال الفكر
في القاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، إمام المرسلين، وخاتم النبيين،
وعلى آله وصحابته، والتابعين، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم
الدين، وبعد:
فقد تفضل الأخ المكرم الأستاذ مرتضى الرضوي، فرضيني أن
أقدم كتابه هذا " مع رجال الفكر في القاهرة " فلم يكن لي من بد من أن
أستجيب لتلك الرغبة الكريمة منه، وإن كنت مشفقا من أن أتصدى لهذا
الأمر، وأن أظلم الكاتب والكتاب، وقراء الكتاب، في هذا العرض
الموجز، الذي يحكمه هذا الحيز المحدود من الصفحات، ويقتضيه المقام
الذي ينبغي أن يفسح فيه المجال لموضوع الكتاب..
أما أني أظلم الكاتب، فذلك لأني أعرف من علمه، وفضله، وخلقه،
وجهاده الدائب المخلص في ميدان العلم وفي المنافحة عن الإسلام، وفي
تجلية حقائق الشريعة الغراء، وفضح الشبه والمفتريات التي يلقى بها في حما
الإسلام أعداء هذا الدين، والمتربصين به وبأهله الدوائر، الأمر الذي
ضحى فيه المؤلف من أجله بكل عزيز لديه، ووقف عليه شبابه، وماله،
والسكن إلى أهله وولده، فكان على هجرة دائمة دائبة، يطوف فيها بآفاق
العروبة والإسلام، يتحسن أخبارها، ويكشف عن مواطن القوة
59

والضعف فيها، ويغشي الأندية والمحافل، ويطرق أبواب العلماء والباحثين،
دراسا، وباحثا، ومكتشفا، الأمر الذي لو فسح لي مجال القول فيه لكان
جديرا بأن يضم عليه كتاب مستقل للتعريف به، وفاء لحقه، وإنصافا
للحقيقة، وتجلية لصورة كريمة من صور الجهاد في سبيل الله، وعرضا لوجه
مشرق من وجوه العمل المخلص المثمر، الذي ينبغي أن يتمثله العاملون
المخلصون..
وأما أني أظلم الكتاب، فلأنه يضم بين دفتيه تراجم شخصية لعشرات من
علماء مصر، ومفكريها، وقادة الرأي في أكثر من مجال من مجالات الثقافة
العقلية والروحية فيها، وكل شخصية من تلك الشخصيات جديرة بأن يكون لها
في هذا التقديم مكان يشير إليها، وإلى رأي المؤلف فيها، وفي الميزان الذي
وزنها به، وفي الصورة التي جلاها فيها: وهذا ما لا يتسع له المقام في الحيز
المحدود كما أشرت من قبل..
وأما أني أظلم قراء الكتاب، فلأنهم، إذ يأخذون هذا التقدم على أنه
تعريف بالكتاب، ومدخل إليه، وتقديم له، وحكم عليه، كما جرت العادة
في التقديم للكتب والتعريف بها.
أقول: إذ يتوقع القراء أن يجدوا هذا أو شيئا منه في هذا التقديم، فإن
الأمر هنا يجئ على خلاف ما ينتظرون، لأني مع كتاب جاء على أسلوب
يكاد يكون فريدا في نوعه، يفسده التلخيص والتقنين، فكان من الخير
أن يخلى بين القارئ وبين الكتاب ينظر فيه بنفسه، ويحتكم فيه إلى رأيه،
ويحكم له أو عليه بما يقع منه في نفسه.
ومع هذه الاعتبارات كلها، فإني لم أستطع أن أعتذر للأخ الكريم
60

المؤلف عن الاستجابة لرغبته في أن أتولى التقديم لكتابه هذا، وأن أتقبل
هذه الرغبة الكريمة، شاكرا، داعيا..
وإذن، فليكن ما أراد الأخ الصديق " الأستاذ مرتضى الرضوي "
وليكن لي شرف التقديم لكتابه، على الرغم من تلك الاعتبارات التي
أشرت إليها، والتي أرجو أن تكون موضع اعتبار أيضا عند قراء الكتاب.
وأول ما أحب أن ألفت النظر إليه هو أن هذا الكتاب، يعد نمطا
فريدا في التراجم الذاتية للأعلام، إذ أن من المعتاد أن يعمد المتوفرون
على التأليف في هذا الباب أن يرجعوا إلى مصادر تاريخية، حملت - قليلا
أو كثيرا - من آثار هؤلاء الأعلام، الذين يجعلونهم موضوعا لدراستهم
ثم يجمعون الأحداث والوقائع التي جرت لهم في مسيرة حياتهم، ويؤلفون
بينها، ويرسمون منها صورة لتلك الشخصية، ويولونها بما أثارت تلك
الأحداث وهذه الوقائع في نفوسهم من مشاعر الإعجاب بهم، أو النقد
لهم أو الرضا عنهم والسخط عليهم.. إلى غير ذلك من المشاعر التي تعجب
القارئ لتاريخ الأعلام، وملابساتهم لأحداث عصرهم، ومشاركتهم فيها،
ومواقفهم منها.
هذا، ما يغلب على كتب التراجم، حيث تستمد مادتها من التاريخ -
البعيد أو القريب - وترسم شخصياتها من مخلفات الماضين وآثارهم بعد أن
يكون الزمن عبث بها وغير كثيرا من معالمها، أو ذهب بالكثير من حقائقها
فضلا عما يدخل على التاريخ - عن عمد - من أباطيل ومفتريات، تغيب في
ضبابها الحقيقة المنشودة.
61

أما الشخصيات التي ترجم لها المؤلف في هذا الكتاب، فهي شخصيات
عرفها المؤلف عن قرب، وعايشها معايشة صداقة وألفة امتدت سنين كثيرة،
وقد تخيرها المؤلف من بين الكثيرين من علماء مصر ومفكريها بعد أن
التقى بهم لقاءات فكرية متعددة فيما قرأ لهم من مؤلفات، أو فيما استمع
لهم من أحاديث عن طريق الإذاعة، أو المحاضرات في الأندية والمجامع
العملية، ثم رأى أنهم أقرب العلماء والمفكرين إلى ثقافته. وإلى ما يدور
في عقله من خواطر وآراء، فحمله ذلك على أن يلقاهم من قريب، وأن يتصل
بهم اتصالا شخصيا، فيستمع إليهم ويسمعهم، ويلتقي معهم أو يختلف، ثم
يمضي على طريق التواصل بينه وبينهم، سواء باللقاءات الشخصية، أو عن
طريق المراسلة إذا كان بعيدا عن مصر.. وكثيرا منا من يفعل هذا،
فيكون له صفوة من بين العلماء والمفكرين، يلقاهم ويلقونه، ويتحدث
إليهم ويتحدثون إليه، ويختلف أو يتفق معهم في الرأي، ولكن لا أظن
أن أحدا منا يعود من مطافه مع إخوانه وأصفياء وده، ثم يخلو بنفسه،
ويسجل في مذكراته شيئا من الأحاديث التي دارت بينه وبينهم، وإن هو
سجل شيئا من هذا فإنه لا يسجل إلا الأحداث البارزة، والقضايا المثيرة،
ثم إن هو فعل ذلك لم يكن على نية من أن يكون هذا موضع دراسة،
أو موضوع عمل يخرجه للناس كتابا منشورا.
ولكن الأستاذ " مرتضى " خرج على هذا الأسلوب الرتيب العقيم الذي
يذهب بتلك الثمرات الطيبة، التي كان يمكن أن يجتنيها العلماء والمعلمون من تلك
اللقاءات الكثيرة التي تجمع بين الأصدقاء من أهل العلم، وأولي الفكر، لو
أنهم حرصوا على تسجيلها في حينها، وتسجيل ما انقدح في خواطرهم منها،
بعد أن تهدأ حدة المناقشة، ويصفو الجو مما قد تثيره الخلافات في الرأي من
62

التعصب، والاندفاع طلبا للنصر وحبا للغلب.. إنهم لو فعلوا لكان ذلك
مادة طيبة للدراسة، وميدانا فسيحا لكشف الحقائق وتجليتها..
أما الأستاذ " مرتضى " فقد تنبه إلى هذا من أولى خطواته على هذا
الطريق، فما التقى بعالم أو أديب، على طريق المصادفة أو القصد، إلا وعى
هذا اللقاء في ذاكرته، ثم عاد فسجله في مذكراته، مبينا تاريخه باليوم
والساعة، معلقا عليه بما يعن له من آراء، وهو يدبر في نفسه أمرا لم يكشف
عنه لأحد..
ولقد التقيت لقاءات كثيرة مع الأستاذ " مرتضى " ودار الحديث بيننا
في مختلف الشؤون دورات واسعة أو ضيقة، ولكنها تاهت جميعها في مسارب
نفسي، ولم أعد أذكر إلا أنني التقيت بالأستاذ الصديق مرات كثيرة..
ولكن كم هي؟ ومتى وأين هي؟ وما الأحاديث التي جرت بيني وبينه في كل
لقاء؟ وذلك ما لم أعد أذكر منه إلا ظلالا أو شبه ظلال، حتى إذا كان
هذا اليوم الذي أيقظني فيه الأستاذ الصديق من تلك الغفلة، حين قدم إلى هذا
الكتاب، وأطلعني منه على الترجمة الخاصة بي، وقد أخذني العجب
والدهش، إذ رأيته يأتي بتفاصيل لأحاديث عابرة بيننا، ويذكر زمانها
ومكانها، وكأنها بنت ساعتها، حتى لقد سألت الأخ " مرتضى " في صدق
وجد. أكانت معك آله مسجلة كنت تديرها سرا في كل لقاء تم بيننا؟ فقال
في صدق وجد أيضا: وكيف هذا؟ وهل رأيتني أحمل معي تلك الآلة
المسجلة التي تقول عنها؟
والحق أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى " عن شخصياته التي ترجم لها في هذا
63

الكتاب، لا يقل دقة - في صدق، وأمانة - عن " الشريط " التسجيلي،
الذي ينقل أحداث ندوة من الندوات، أو مناظرة من المناظرات..
إلا أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى "، مع التزامه بالدقة والأمانة والصدق،
يبدي بعاطفة الحب والتقدير لأصدقائه الذين ترجم لهم، ولكن ذلك الحب
وهذا التقدير، لم يحملا المؤلف على الخروج عن حدود الأمانة التاريخية:
فلم يجامل صديقا، ولم يلبسه جلدا غير جلده، ولم يرتفع به عن مقام فوق
مقامه، لأنه ملتزم أمام دينه وخلقه أن يجعل من تلك الصفحات وثيقة من
وثائق التاريخ، وشهادة يشهد بها حي على حي، بما رأته عينه، وسمعته أذنه
ووعاه عقله.. وتلك هي ميزة هذا الكتاب من الناحية التاريخية، من حيث
الثقة بهما، والاطمئنان إليهما، في مقام الحديث عن هؤلاء الأشخاص،
أو الدراسة، لهم في الغد القريب أو البعيد..
وكنت قد اقترحت على الأستاذ المؤلف، بعد أن اطلعت على هذا
الكتاب أن يمضي في طريقة هذا إلى الغاية التي يعينه الله تعالى على الوصول
إليها، فيصنع هذا الصنع مع كثير من الشخصيات العلمية في مصر، ممن لم
يترجم لهم في هذا الكتاب، كما اقترحت عليه أن يفعل ذلك مع من يلتقي
بهم من أعلام العالم العربي والإسلامي، حتى يكون ذلك وسيلة قريبة ميسرة
للتعارف والتواصل بين أبناء الأمة الإسلامية التي يجاهد الأستاذ المؤلف هذا
الجهاد المبرور من أجل عزتها، وسيادتها، واجتماع كلمتها على كتاب الله
سبحانه، وسنة رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.. وإنه إذا كانت
المهمة شاقة، مضنية، فإن الجزاء عند الله عظيم جليل..
64

" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين " وإني
لأسأل الله ضارعا أن يحسن جزاء المؤلف، وأن يبارك عليه، وأن ينفع به
الإسلام والمسلمين، وأن يمنحه العون، إنه سميع مجيب.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
عبد الكريم الخطيب
القاهرة في 1 / 9 / 1975 م 14 / 8 / 1935 ه‍
65

8 - الأستاذ الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
وعميد كلية اللغة بأسيوط
67

* ولادته: ولد في قرية من أعمال مركز
المنصورة تسمى (تلبانة) في
22 / 7 / 1915 م.
* تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة
الأزهر عام 1940 م.
* حصل على درجة الدكتوراه في الآداب
والنقد عام 1946.
* عمل في جامعات السعودية، وليبيا ويعمل
حاليا رئيسا لجامعة الأزهر فرع أسيوط
* أسس مع الأستاذ " مصطفى عبد اللطيف السحرتي " رابطة الأدب الحديث بالقاهرة
منذ ربع قرن.
* اشترك: في كثير من اللجان العلمية والأدبية، وأسهم في النشاط الأدبي في
وطنه بجهود كبيرة، وكتب في مختلف المجلات والصحف المصرية والعربية
والإسلامية، وله أعمال كثيرة في تحقيق التراث.
* أهم آثاره: " الإسلام والحضارة الإنسانية " و " الإسلام ونظريته الاقتصادية "
و " الإسلام وحقوق الإنسان " سيرة الله " في أربعة أجزاء و " في
مواكب النبوة " و " الشعر الجاهلي " وأبو عثمان الجاحظ " و " وتفسير القرآن "
في 13 جزءا و " الأدب العربي الحديث ومدارسه " والخفاجيون في التاريخ "
" شرح الإيضاح " في البلاغة في ستة أجزاء " البحوث الأدبية " وشرح " صحيح
البخاري " في عدة أجزاء و " قصة الأدب في مصر " 5 أجزاء و " قصة الأدب
في ليبيا " 2 أجزاء و " قصة الأدب في الحجاز " في 3 أجزاء.
68

وسائل الشيعة 1
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فهذا كتاب " وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة " للشيخ
الفقيه المحدث العلامة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي نفعنا الله بعلمه
وبركاته.. ومعه كتاب " مستدركات الوسائل " للشيخ المحقق الميرزا حسين
النوري رضي الله عنه.
يصدر في أجزاء متتالية، من مكتبة النجاح بالنجف الأشرف، في هذه
الطبعة الأنيقة الممتازة التي تعد إخراجا جيدا لهذا الكتاب القيم النافع،
الذي يعد أصلا عظيما من أصول الفقه الشيعي الجعفري الإمامي.
وقد طبع كتاب الوسائل لأهميته عدة طبعات، وطبع كتاب المستدرك
69

منفردا طبعة واحدة. ولكن هذه الطبعة جمعت بين الكتابين خدمة للقارئ
وللمستفيد، ونذكر في هذا المقام السيد محمد بن آية الله السيد ميرزا مهدي
الشيرازي نفعنا الله بعلمه، الذي ترجع إليه فكرة جمع الكتابين على هذا النمط
المفيد بإذن الله.
ويعد كتاب الوسائل كما يقول مؤلف تفسير الميزان (1) أحد الأصول
والمصادر الجامعة، وقد دارت عليه أبحاث الفقه، وأكبت عليه فقهاء الشيعة
منذ ثلاثة قرون، اتفقوا فيها على تناوله وتداوله، وأجمعوا على النقل عنه
والاستناد إليه، وهو ألطف مصادر الفقه الشيعي.
وقد جمع مؤلفه فيه الكثير من الأحاديث المروية عن الرسول والوصي
والأئمة عليهم السلام، مما يتعلق بالأحكام والفرائض والسنن والآداب،
واستخرج فيه أحاديث كثيرة من الكتب الأربعة الصحاح التي عليها المدار
في جميع الأمصار، وأضاف إليها أحاديث كثيرة استخرجها من غيرها من
كتب الإصحاح المعتبرة.
فالكتاب جامع واف لما ورد من السنة النبوية، وعليه المعول في
استنباط المسائل الشرعية، وإليه الاستناد في الفروع الفقهية، وهو كما يقول
(1) تفسير الميزان: للفيلسوف الإسلامي الكبير المعاصر صاحب السماحة
العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي دام ظله، جزى الله مؤلفه عن القرآن
والعالم الإسلامي خير الجزاء. وله " أصول فلسفة " في خمسة أجزاء باللغة الفارسية
طبع عدة طبعات في إيران وترجم الجزء الأول من هذا الكتاب إلى اللغة
العربية باسم " أصول الفلسفة " وطبع في النجف الأشرف - العراق.
70

مؤلف الميزان:، مصدر من أعظم مصادر الحديث، وقد عمل المؤلف
في جمعه وتهذيبه وتحقيقه نحو العشرين سنة، ويذكر ذلك في آخر
الكتاب.
ويحتوي الكتاب على عدة كتب تناولت الطهارة، والصلاة، والزكاة،
والصوم والحج، والجهاد، والوصايا، والنكاح، إلى آخر اللقطة والمواريث
والديات.. متناولا كل ذلك بالدراسة والبحث والإفاضة.
2 - ومؤلف الكتاب هو الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسن
الحر العاملي الذي يوصف بالتحقيق والتدقيق والتبحر في العلم والجمع لشتى
الأخبار والآثار.
وكان الشيخ كما يوصف في غاية من سلامة النفس وجلالة القدر ومتانة
الرأي، ورزانة الطبقة (1).
وكان والده وجده وجد والده. وعمه الشيخ محمد بن علي بن محمد الحر
العاملي من الفقهاء والمحدثين.
ولد رحمه الله في قرية مشغرة من قرى جبل عامل ليلة الجمعة 8 رجب
عام 1033 ه‍ وقد ترجم لنفسه في كتابه " أمل الآمل " ترجمة مستفيضة.
(1) روضات الجنات الطبعة الأولى ص 616 وراجع لؤلؤة البحرين ص
61 ومقابيس الأنوار ص 23، ومقياس الهدايا ص 120.
71

وتلقى ثقافته الدينية والفقهية بمشغر على أبيه وعمه الشيخ محمد الحر
وخال أبيه الشيخ علي بن محمود، وعلي الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن
ابن زين الدين، وعلى الشيخ حسين الظهيري.
وروى إجازة عن العلامة المجلسي (1) وهو آخر من أجاز له.. وتوطن
رحمه الله في المشهد الرضوي، وأعطى فيه منصب قضاء القضاة ومشيخة
الإسلام.
وكان من تلاميذه رحمه الله السيد نور الدين الجزائري المتوفى سنة 1158 ه‍
والشيخ محمود بن عبد السلام والبحراني، والسيد محمد بن السيد إبراهيم
الموسوي العاملي، والشيخ الواعظ محمود الميمندي، وعلي بن الحسن أخوه،
والشيخ حسين بن الحسين بن الحسن العاملي وسواهم، وتوفي رحمه الله في
الواحد والعشرين من شهر رمضان عام 1104 ه‍.
3 - وللشيخ رضوان الله عليه مؤلفات كثيرة نذكر منها ما يلي:
1 - هذا الكتاب، " وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة " في
الفروع والأحكام والسنن والآداب على ترتيب كتب الفقه، ويسمى أيضا:
(1) مؤلف بحار الأنوار المتوفى عام 1111. وقد أعادت طبع بحار الأنوار
أخيرا المكتبة الإسلامية - كتابجي في طهران - إيران وصدر منه 104 مجلدات ويتم
في مائة وعشر مجلدات.
72

" تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة " ويختصر اسمه فيقال
كتاب " الوسائل ".
2 - فهرست وسائل الشيعة.
3 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية.
4 - هداية الأمة إلى أحكام الأئمة ثلاثة مجلدات.
5 - الفوائد الطوسية.
6 - الفصول المهمة في أصول الأئمة.
7 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات مجلدان.
8 - الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة.
9 - رسالة في الرد على الصوفية.
10 - أمل الآمل " وفيه " ترجمة الشيخ نفسه.
11 - رسالة الجمعة.
12 - نزهة الأسماع في حكم الإجماع.
13 - كشف التعمية في حكم التسمية.
14 - رسالة في الرجال.
15 - رسالة في أحوال الصحابة.
16 - رسالة في تواتر القرآن.
17 - بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة.
18 - رسالة في تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان.
73

19 - كتاب العلوية واللغة المروية.
20 - منظومة في المواريث.
21 - منظومة في الزكاة.
22 - منظومة في الهندسة.
23 - منظومة في تاريخ النبي والأئمة.
24 - ديوان شعر ضخم.
25 - رسالة في خلق الكافر.
26 - ديوان شعر يناهز عشرين ألف بيت في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة
عليهم السلام.
27 - تحرير الوسائل.
28 - إجازات عديدة للمعاصرين.
وإن من أعظمها كتاب " وسائل الشيعة " في مجلداته الضخمة الذي تدور
عليه رحى الشريعة وهو المصدر الفذ لفتاوي علماء الطائفة وإذا ضم إليه
مستدركه الضخم الفخم لشيخنا الحجة النوري المناهز لأصله كما وكيفا
فمرج البحرين يلتقيان، وكان غير واحد من المحققين لا يصدر الفتيا إلا بعد
مراجعة الكتابين معا... إلخ (1).
(1) ذكر هذا العلامة الجليل الشيخ عبد الحسين الأميني في كتابه " الغدير "
11 / 366. وكتاب " الغدير " طبع عدة مرات في العراق وإيران ولبنان.
74

(4) والكتاب ومستدركه في أصول مصادر فقه الإمامية، وهو مرجع
خصب نافع غاية النفع في الوقوف على أسرار التشريع، ودقائق الأحكام،
وجوامع السنن.
ومذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام هو أحد المذاهب
الفقهية الموروثة وإليه ترجع الشيعة الإمامية في أحكامها وفقه تشريعها،
ويعتمد المذهب الشيعي على رواية الأئمة عن الرسول صلوات الله وسلامه
عليه، من الذين رووا الحديث النبوي وفهموا إشاراته وعدوا رواة عن
جدهم الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لأحكام الشريعة وأسرار الدين، ويجمع الشيعة
الإمامية بذلك على فقه واحد هو فقه أئمتهم المأخوذ من الكتاب والسنة،
وإنما سمي بالفقه الجعفري لأن الإمام جعفر الصادق وجد مجالا أكبر وأوسع
لنشر فقهه، ودون عن تلاميذه أصولا في الفقه، فعن الإمام جعفر بن محمد
عليه السلام يأخذون.
والجزء الأول من كتاب " وسائل الشيعة " يبحث في مقدمة العبادات
وفي الطهارة وكيفية الوضوء، وفي استقصاء ودقة، وعمق وإحاطة، وتحليل
وتفصيل، وسوف تليه أجزاء عديدة في سائر أبواب الفقه الشيعي
وأحكامه.
وهذا الفقه يتلاقى مع المذاهب الأربعة في كثير ويختلف عنها في قليل.
ومن مثل هذا الاختلاف اشتراط الإمامية شاهدين عدلين في وقوع
الطلاق، فلا يقع بدونهما لقوله تعالى: فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم.
75

وهم لا يوقعون طلاق الثلاث بلفظ واحد، أو متتابعا في مجلس واحد،
ولا ينعقد عندهم الطلاق بالحلف.
ومن مثل الاختلاف أيضا زواج المتعة حيث يحله الشيعة ويحرمه غيرهم
ويعتمد الشيعة على قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن -
الآية.
على أن الذي يجيزه الشيعة من هذا الزواج هو زواج المرأة الخالية من
الموانع الشرعية ويلزم فيه عقد ومهر ويترتب عليه ميراث الولد. وعدة
الزوجة بانقضاء المدة أو الانفصال.
وعلى الجملة فإذا استثنينا الخلاف بين الشيعة والسنة على الولاية والإمامة
أو الخلافة فإن المذهب الشيعي يتفق في الأصول وكثير من الفروع مع
المذاهب الأربعة ويختلف معها في بعض الفروع.
ولا غنى للمسلم والباحث عن الاطلاع على هذه الثروة الفقهية الجليلة التي
تعد مصدرا جليلا من مصادر التشريع الإسلامي.
(5)
وعندما نمعن في قراءة الفقه الشيعي فسوف نجد أنه هو، وفقه المذاهب
الأربعة، يكونون ثروة ضخمة لا مثيل لها في أي تشريع من التشريعات.
ويتيح لنا أن نستمد منه أصول تشريعاتنا الحديثة وأن نبني على أسسه
حياتنا الاجتماعية الحاضرة.
إن هذا الفقه وتشريعاته المفضلة لا يماثلها تشريع آخر حتى عند أعظم
76

الدول رقيا وحضارة وما بالك بهذا التشريع الإسلامي الفقهي الذي يستمد
خطره من الدين الإسلامي الحنيف ومن كتاب الله الحكيم الخالد الذي يعد
الأصل الأول في التشريع عند جميع المسلمين وهو كما قال الرسول الكريم
" حبل الله المتين " وهو الصراط المستقيم، وهو الذي من عمل به أجر، ومن
حكم به عدل، ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم ".
وحديث الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وذريته أجمعين
هو المنبع الثاني من منابع التشريع الفقهي عند جميع الأئمة (فقول الرسول
وفعله وتقريره سنة لا بد من الأخذ بها والاستمداد منها).
والشيعة تشترط أن تكون رواية الحديث من طريق أئمة أهل البيت
عليهم السلام لأسباب كثيرة - منها: اعتقادهم أنهم أعرف الناس بالسنة
وأشدهم فهما لأسرار الدين.
والشيعة تأتسي بآل البيت وتقتدي بهم وتعتبرهم أئمة هداة إلى الخير
والحق وإلى سواء السبيل، وذلك لما ثبت من فضلهم، وما أثر من دقيق
فطنتهم ورفيع فهمهم.
على أن مبدأ الخلافة والإمامة هو الذي ميز بين السنة والشيعة، هاتين
الطائفتين التي حاول الكائدون أن يفرقوا بينهما على طول العصور خدمة
لأغراضهم الخبيثة، ولكن الله بالمرصاد لكل من يكيد للإسلام والمسلمين
وإن كان بالإمكان أن تحافظ كل طائفة على صبغتها، مع رعاية
الأخوة العامة والأخوة الإسلامية، واحترام كل فريق الآخر. ونحن ندعو
الله أن يجمع المسلمين على كلمة الحق والخير والسلام.
77

مع رجال الفكر
في القاهرة
2 - بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وصحبه وبعد:
فقد تفضل أخي الصديق سماحة السيد مرتضى الرضوي فأهداني كتابه
القيم " مع رجال الفكر في القاهرة " الذي تناول فيه قصص لقائه بالكثير من
رجال الفكر أدباء، وكتابا، ونقادا، وصحفيين، وعلماء ومؤلفين في القاهرة،
وذكر طرفا من سيرة حياتهم.
الأموات منهم والأحياء، أطال الله في عمرهم.
وقد سعدت كل السعادة بهذا الكتاب القيم المفيد النافع لعدة أسباب:
الأول: أنه سيرة ذاتية للمؤلف في فترة من فترات حياته الطويلة المديدة
المباركة بإذن الله.
الثاني: أن مؤلفه كتبه بموضوعية كاملة، وتحر دقيق، واستيعاب
شامل لموضوعاته.
(1) له مؤلفات كثيرة خالدة تربوا على الأربعين مؤلفا. أكثرها في الأدب
العربي.
- المؤلف -
79

الثالث: أنه يؤرخ لكثيرين من الأعلام الذين التقى بهم المؤلف في القاهرة
في ترجمات مفيدة نافعة.
الرابع: أنه يمثل لنا كتب تاريخ الطبقات " والتراجم، والرحلات،
القديمة في تاريخ الفكر الإسلامي.
الخامس: أنه حفظ تاريخ أعلام كثيرين توفوا إلى رحمة الله عز وجل،
وليس عنهم مراجع أو مصادر تدون حياتهم بالتفصيل أو بالإجمال.
والمؤلف العلامة سماحة السيد مرتضى الرضوي يمثل الرحالة المسلمين
في القديم. فهو جواب أفاق، ورحالة يسير إلى كل مكان في سبيل تحقيق
موضوع أو مراجعة مخطوط، أو نشر كتاب.
وهو يجمع بين صفة العالم والناشر، أو كاتب، ومؤلف، وصاحب
دار نشر.
وهو مجاهد يتحمل من حر ماله كل شئ من أجل خدمة فكره، أو الدفاع
عن عقيدة، أو نشر مأثرة من مآثر السلف الصالح، وآل البيت الكرام رضوان
الله عليهم أجمعين.
إن كتاب: " مع رجال الفكر في القاهرة " يعد أثرا نفيسا مفيدا للإسلام،
والمسلمين والتاريخ المعاصر ولأعلام الفكر الحديث.
نفع الله به، وأعزه، وأبقاه،
80

(6)
حرف الدال
81

9 - الدكتور سليمان دنيا
10 - الدكتور حامد حفني داود
9 - الدكتور سليمان دنيا
أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر
ومدير المركز الإسلامي في الولايات المتحدة - نيويورك
83

* ولادته: ولد بمدينة أسدود محافظة المنوفية
* درس في الأزهر الشريف وتخرج فيه.
* عين وكيلا لكلية أصول الدين بالأزهر
الشريف.
* عين مديرا عاما للمركز الإسلامي في الولايات
المتحدة - واشنطن.
* أهم آثاره: تحقيق " تهافت التهافت " لابن رشد جزآن " منطق تهافت
الفلاسفة " للإمام الغزالي " مقدمة تهافت الفلاسفة " " منطق تهافت الفلاسفة "
" الإشارات والتنبيهات " وغيرها.
84

الشيعة وفنون الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خير الخلق وعلى
آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين.
أما بعد فمنذ بضعة أعوام خلت كتبت رسالة صغيرة بعنوان (بين الشيعة
وأهل السنة) ضمنتها أملا كبيرا، ورغبة ملحة، في أن يتلاقى الشيعة وأهل
السنة، عند مبادئ الأخوة والمحبة، والمودة، والمصافاة، ونبذ ما غرسه
أعداء الفريقين في النفوس من عوامل الفرقة والشقاق.
ودعوت إلى أن ينظر كل فريق إلى وجهه نظر الفريق الآخر، نظرة
العالم الذي يبحث عن الحق، ويدرك أن الحق أحق أن يتبع.
وقلت: أنه كان الأثر الذي كان توارثناه عن سلفنا الصالح قد أكد
ضرورة الحرص على الحق أين وجد. وأعلن: أن الحكمة ضالة المؤمن
أنى وجدها التقطها ولو من فم كافر، وأوضح أن العاقل لا يعرف الحق
بالرجال، وإنما يعرف الحق بالدلائل والبراهين، فإذا عرفه عرف به أهله،
فقد أصبح لزاما علينا - نحن أبناء هذا الجيل - أن نحرص على الحق،
وأن نأخذ أنفسنا به، وأن نجند أنفسنا للدعوة إليه، وأن نجتمع حوله،
غير ناظرين إلى من دعانا إليه وعرفنا به، اللهم إلا نظرة إكبار
وإعظام وإجلال.
85

ومن المسلم به لدى العقلاء أن الأمور التي لم يبلغ العلم بها مبلغ اليقين،
تكون ملتقى لوجهات نظر مختلفة.
ومن المسلم به لديهم أيضا ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة
نظر الآخرين في المسائل المتحملة لضروب من العراك الفكري، حتى أنهم
ليختلفون ويكونون في ذات الوقت أصدقاء وأحباء وأصفياء. ورحم الله
من يقول:
" اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ".
ولقد رفع الإسلام راية السماحة عالية، فقال في كتابه الكريم: " ادع
إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن ".
وإذا كان الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحرية، فيقول ويعلن
ما يهديه إليه بحثه وتفكيره، فلا يليق به أن ينكر على إنسان مثله حقه
في أن يقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره كذلك.
وحسب المسلمين فخارا أنهم اجتمعوا على أصول دينهم لم يختلفوا فيها:
فالألوهية في أسمى مكان من التقديس في نفوس المسلمين.
وعقيدة البعث، والإقرار بالنبوة، وحاجة البشر إليها، وختامها بسيد
ولد آدم " محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ".
وصدق القرآن الكريم، وما صح منه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
كل أولئك يحتل من نفوس جميع المسلمين مكانه لا تطاولها قداسة أي
دين آخر في نفوس أتباعه.
86

قلت ذلك وأكثر من ذلك في رسالتي " بين الشيعة وأهل السنة " رغم
أني لم أقل في هذه الرسالة كل ما أحب أن أقوله، نظرا لظروف الطبع
وقت ذاك.
والآن يسعدني أن تتاح لي فرصة التقديم لكتاب " الشيعة وفنون الإسلام "
الذي نحا فيه مؤلفه السيد الشريف " الحسن أبو محمد " منحى ربما يبدو غريبا
لدى أهل السنة. وكنت أريد أن أدرس الكتاب دراسة موضوعية، لأتبين
بالدلائل والشواهد مبلغ صدق القضية التي يعالجها الكتاب، ولكني رأيت
الأمر فوق طاقتي لأن المؤلف - رضي الله عنه - واسع الباع غزير الاطلاع.
يعرض لسائر العلوم الإسلامية والعربية، ويحكم عليها حكم المحيط بها،
الواقف على أسرارها، العارف بعوامل نشأتها، ومراحل نموها. ومتابعة
هذه العوامل، وتلكم المراحل تتطلب حشد المتخصصين في هذه العلوم،
ليتابع كل متخصصه، ويوافق المؤلف عن بينة. أو يخالفه عن بينة.
وإذا فاتني أن أخوض في هذا المجال، وأن أعرض لموضوع الكتاب
عرضا تحليليا اتكالا على همة المتخصصين الذين أطمع في أن يتناولوا الكتاب
بكل ما هو جدير به من عناية واهتمام، فما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة
ما أراها إلا متابعة لما جاء في رسالتي " بين الشيعة وأهل السنة " تلكم هي
أن المؤلف - رضي الله عنه - يدعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية
والعربية ويقدم بين يدي دعواه أدلة تبررها، ويدور كتابه حول بسط هذه
الدعوى، وإيضاح أدلتها.
والناس أمام هذه الدعوى فريقان:
87

فريق المتعلمين: وهؤلاء لا يهتمون بواضع العلوم ومؤسسيها، وإنما
يهتمون بالعلوم نفسها، ويستوي لديهم أن يكون المؤسسون لهذه العلوم هم
الشيعة وحدهم أو هم أهل السنة وحدهم، أو هؤلاء وهؤلاء.
وفريق العلماء: وهؤلاء كما يهتمون بالعلوم ذاتها، يهتمون بنشأتها
ومنشئيها والأطوار التي تواردت عليها إذ أن العلوم لها نشأة كنشأة عظماء
الرجال، لهذا كان لها تاريخ عظماء الرجال كذلك.
ولهؤلاء أقول: إن كتاب " الشيعة وفنون الإسلام " جهد مشكور قام
به صاحبه - رضي الله عنه - مساهمة منه في المهمة المنوطة بأعناق علماء الإسلام
تلكم هي التاريخ لعلوم الإسلام، وما تستتبعه من علوم أخرى، فلا ينبغي
أن يقابل هذا الجهد الجبار بنظرة سطحية تعتمد على عدم المبالاة وعدم
الاكتراث. لا ينبغي أن يقال مثلا: " هذه عصبية " أو " هذا تحد " أو نحو
ذلك من أساليب القول التي يحتمي بها من لا يريد أن يجشم نفسه مشقة البحث
والنظر.
نعم لا ينبغي أن يقال هذا ولا شئ منه، لأنه لا داعي للعصبية،
ولا داعي للتحدي لأن الشيعة كأهل السنة مسلمون. واختلافهم مع أهل
السنة إنما هو في مسائل لا ترتقي إلى مستوى الأصول. وإذن فهم أخوة
مسلمون، وسبقهم في العلوم إنما هو كسبق الأخ لأخيه، إن أثار
تنافسا وحماسا، فإنه لا يثير خصومة، ولا عداء.
وإذن فلا مناص من إحدى اثنين:
أما أن نطأطئ الرأس إجلالا واحتراما، لما بذل المؤلف من جهد،
ولما انتهى إليه من نتائج
88

وإما أن نقابل الجهد بجهد مثله. ونقدم بما نظفر به من نتائج مؤيدة بأدلة
سليمة مقبولة.
وأني أتوجه إلى الله جلت قدرته راجيا أن يطهر النفوس مما علق بها من
شوائب وأن يملأها بمعاني الحب والتعاطف والتآخي، وأن يعيد للمسلمين
وحدتهم، وأن يفقههم في دينهم، ويبصرهم بعاقبة أمرهم، ويوفقهم للاهتداء
بهدى الإسلام في سلوكهم ومعاملاتهم، ولتبليغ دعوة دينهم إلى خلق الله كافة
مبرهنين على جمالها وكمال بالتزامهم لها ووقوفهم عند حدودها.
وفي هذا المقام يحلو لي أن أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين، يحق أن
نعتز بها ونفاخر، تلكم هي: كتب السيد " محمد باقر الصدر " التي ما أظن
أن الزمن قد جاء بمثلها في مثل الظروف التي وجدت فيها.
لقد أنتجت عبقريته الفذة الكتب الآتية.
" فلسفتنا " و " اقتصادنا ".
تلكم الكتب التي تعرض عقيدة الإسلام، ونظم معاملاته، عرضا
تبدو إلى جانبه الآراء التي تشمخ بها أنوف الكفرة والملاحدة من الغربيين
وأذنابهم ممن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء، وكأنها فقاقيع قد طفت
على سطح الماء ثم لم تلبث أن اختفت وكأنها لم توجد.
ألا فليقرأ هذه الكتب أولئكم الذين حشو رؤوسهم بهراء من القول،
وزيف من الخيال، ليتطهروا بطهور الحق من رجس الباطل، وليبصروا
نور الوجود، بعد ما ضلوا في بيداء العدم، وليجدوا أنفسهم بعد أن
فقدرها.
89

ألا فليقرأ هذه الكتب شباب الإسلام المخدوع ببريق المدينة الكاذبة،
وكيف يتيسر لهم قراءتها، وقد شغلوا بالهزل عن الجد، وبالباطل عن الحق،
لأن الهزل والباطل قد اقتحما عليهم عقولهم وقلوبهم في غفلة من الجد والحق.
ألا فليتعرف على هذه الكتب المربون ليقوموا بها نفوسا قد أعوجت،
وقلوبا قد أظلمت، وعقولا قد أقفزت وأجدبت حتى هانت الدنيا على أصحابها
فسخروا منها لأنهم لم يحسوا لها طعما، ولم يعرفوا لها قدرا، فساءت أحوالهم
وانحرف بهم سلوكهم وضلت عنهم آمالهم، وأصبحوا بحالة تستوجب أن
يخلقوا خلقا جديدا.
وأنه لا يسعني في ختام هذه الكلمة ألا أن أشكر الأخ الفاضل السيد
" مرتضى الرضوي " صاحب مكتبة النجاح، بالنجف الأشرف، بالجمهورية
العراقية، على جهوده الموفقة المشكورة في نشر العلم، والتعريف بكنوزه
الدفينة، وعلى ما أتاح لي من فرصة الاطلاع على هذا السفر القيم " الشيعة
وفنون الإسلام " ويقيني أن هذا الكتاب سوف يكون موضوع دراسة هامة
من أهل العلم حينما تصل إلى أيديهم طبعته الجديدة إن شاء الله.
كتبه
سليمان دنيا
أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين
بجامعة الأزهر الشريف
القاهرة في: العشرين من رمضان عام 1386 ه‍
الموافق: أول يناير عام 1967 م
90

10 - الدكتور حامد حفني داود
أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا
ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس
91

* ولادته: ولد في جرجا في 3 / 4 / 1918 م
* جمع في الدراسة بين المدارس المصرية والأزهرية
* تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1943
* حصل على دبلوم معهد التربية العالي عام
1945 م، معهد الدراسات العليا عام 1949 م،
والماجستير في الأدب العربي عام 1951 م،
ظفر بدرجة الدكتوراه مع مرتبة
الشرف عام 1958 م.
* ينتسب إلى الدوحة النبوية عن طريق الإمام الحسين (ع)
* يعمل رئيسا لقسم اللغة العربية بكلية الألسن جامعة عين شمس بالقاهرة.
* أهم آثاره: " تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي الأول " 1958 م القاهرة
" تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي الثاني " 1962 القاهرة " تاريخ الأدب
الحديث " 1967 م " تاريخ الأدب الجاهلي " و " الآداب الإقليمية " و " الإسراء
* من رواد الإصلاح ودعاة التقارب بين المذاهب الإسلامية.
* يتميز بروح الإنصاف، والتجرد، والموضوعية، في كل ما يكتب عن الشيعة
الإمامية.
92

الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الكتاب يقدم لنا المؤلف الدكتور نوري جعفر عن عقيدة
أخلصها وصفاها لمبادئ الإسلام - العديد من مساوئ بني أمية التي كانت ثلة
لا ترأب في صرح الإسلام المجيد. وهي لا تزال إلى اليوم.
وهي وصمة في تاريخهم منذ أمسكوا بزمام الحكم حتى سقطت دولتهم على
يد العباسيين سنة 132 ه‍.
وقيمة هذا الكتاب تتجلى في أن مؤلفه أضاف شيئا جديدا على الكاتبين
في هذا الموضوع، ذلك أنه وثق كل ما جاء من مواقف بني أمية ضد مبادئ
الإسلام السمحاء بالعديد من الروايات المبثوثة في المصادر والمراجع.
كما أتحف هوامش الكتاب بالكثير من تراجم الأعلام الذين ورد ذكرهم
في ثنايا كتابه.
لقد كتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ - شيخ كتاب القرن الثالث
الهجري - كما كتب غيره الكثير عن أخبار بني أمية وعن مساوئهم ومناوأتهم
للبيت الهاشمي، ولكن الذي كتبه الجاحظ وغيره لا يعدو أن يكون من
الرسائل المقتضبة، تناول فيها الجاحظ والمقريزي وغيرهما إبراز الصورة
الفنية فيما كتبوا قبل أن يقدموا للقراء روايات مدعمة بالأدلة والبراهين
ويشفعوا ما كتبوه بمقارنات تاريخية مدعمة بالمراجع والمصادر التي استمدوا
منها دراساتهم.
93

فالصورة الفنية عند هؤلاء كانت هدفا في ذاته. ومن ثم كانت كتبهم لونا
من ألوان الأدب قبل أن تكون مصدرا من مصادر التاريخ يصح الاعتماد
عليه في كل شئ.
تناول المؤلف في هذا الكتاب العديد من القضايا التي خرج فيها بنو أمية
عن المثالية الإسلامية التي وضع الرسول أساسها وسار عليها الخلفاء الراشدون
كل بقدر اجتهاده حتى بلغت في خلافة علي القمة التي لا يعلوها قمة من أخلاقيات
الإسلام ومبادئه وقيمه. لولا أن هذا النهج المثالي الذي شرعه علي وبرأ فيه
نفسه عن ادعاء الكمال حينما أسندت إليه الخلافة سرعان ما هوجم من معسكر
البغي والعدوان من بني أمية وأعوانهم.
لقد تناول في كتابه الكثير من هذا الموقف المضاد الذي أحدثه الأمويون
ضد الحكومة الراشدة، وزادوا عدوانا وعصيانا على عدوانهم وعصيانهم
في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وسبب واضح عند نقاد التاريخ.
وهو أن بني حرب كانوا دائما في موقف مضاد لبني هاشم الذين كانت لهم
الريادة والرفادة والسدانة للكعبة والبيت الحرام.
وكانت لهاشم جد هذا البيت رحلتا: الشتاء والصيف وهما الرحلتان
المذكورتان في سورة " قريش " وخص الله بهما بني هاشم قبل غيرهما.
فلما كان الإسلام تحول التنافس إلى عداء شديد لا يطاق.
وسبب هذا العداء - كما هو معلوم أن الله أرسل نبيه من بني هاشم ولم
يرسل من بني حرب جد الأمويين.
ولئن كانت قريش تضم الأسرتين المتنافستين في الجاهلية والمتنازعتين
94

في الإسلام إلا أن العنجهية القرشية في آل هاشم تختلف كل الاختلاف عن
العنجهية القرشية في آل حرب.
فأخلاق الهاشميين أخلاق تعتمد على الإباء والنجدة والمروءة والسؤدد
وازدادت في الإسلام حين بعث الله حبيبه محمدا كمالا على كمالها وارتقت
أخلاقهم من مراتب النجدة والشجاعة إلى مراتب الإيثار، ونكران الذات
والعمل بما جاء من آداب المؤمنين في القرآن.
فكان النبي ومن حوله من الهاشميين وفي مقدمتهم: الإمام علي مركز
إشعاع لهذه الأخلاق الإسلامية.
أما آل حرب فكانوا أقرب إلى النقيض من هذه الأخلاق على الرغم
من كونهم أبناء عمهم ويجمعهم في النسب من قريش عبد مناف بن قصي
والد هاشم جد هؤلاء السادة وأمية جد معاوية بن أبي سفيان.
وقد ألمعنا في السطور السابقة أن التنافس بين الأسرتين تحول إلى عداء
مستحكم، ولكن هذا العداء لم يكن آتيا من الهاشميين وكيف يصدر عنهم؟
وهم: المتخلقون بأخلاق القرآن وفيهم سيد الأنبياء وعلي بن أبي طالب، ابن
عم النبي، والعباس بن عبد المطلب عم النبي.
وإنما كان مبعث هذا التنافر والتحدي محصورا في آل حرب " بني أمية "
ذلك أنهم رأوا أن السؤدد والدين كله في ظاهره وباطنه في الهاشميين وأن
هؤلاء حملوهم على الإسلام حملا. وقد نالوا منهم في موقعة بدر فقتلوا
الكبار من آل أمية كما قتلوا أبناءهم وأعمامهم.
فتحول انتصار آل هاشم على آل أمية تحت راية الإسلام في موقعة بدر
إلى كره عنيف وحقد دفين في قلوبهم.
95

وتركز هذا البغض والعداء في رواسبهم النفسية، فكان ما كان من معاداة
للإمام علي في الصورة المؤلمة التي بسطتها كتب التاريخ.
ومن هذا المنطلق العقائدي أو العقدي ولدت الفتن والملاحم بين
الأسرتين القريشيتين.
ولقد حاول المؤلف أن يفصح عن موقف الأمويين ضد مبادئ
الإسلام، فأفاد في كثير مما كتب.
وحق له أن يتحدث عن مساوئهم وعما عرفوا به من خيانة، وغدر
بالقيم، واقتراف للكثير من الجرائم الأخلاقية كالزنا ومعاقرة الخمر وارتكاب
الفواحش ما ظهر منها وما بطن فضلا عن الاحتيال في الدين ونقض للعهود
وكذب على الله وآل بيت نبيه، واستحلالهم للعن الإمام علي الذي فيه يقول
الرسول:
من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى.
استعرض المؤلف كل هذه الثغرات الأخلاقية التي تدين بني أمية وتضعهم
في موضع غير كريم من تاريخ الإسلام. إلا أني كنت أحب أن يفلسف
الخلاف بين الهاشميين والأمويين. وأساس هذا الخلاف الذي تفاقم خطية
في العهد الأموي أن الإمام علي ومن حوله ومن بعده من الهاشميين كانوا
يمثلون المعسكر المثالي في الإسلام الذي يؤمن بالمثل والمبادئ والقيم وهو
المبدأ الذي يؤثر فيه المثاليون القيم الإسلامية على حظوظ الدنيا. بينما كان
الأمويون يمثلون المعسكر الواقعي المتطرف الذي لا يرى الأشياء إلا بالمنظار
المادي وأتباع هذا المعسكر يضحون بكل شئ من أجل الدنيا، ولا بأس
عندهم من أن يبيعوا دينهم من أجل عرض زائل من الدنيا.
96

ولا مانع في نظرهم أيضا من اصطناع الكذب والخيانة والرشوة وقتل
النفس التي حرم الله إلا بالحق ليصلوا إلى دنياهم بالطريق غير مشروع.
والتاريخ شاهد على هذه الآثام التي ارتكبت على حساب الدين.
وهل هناك أفظع من التحايل على الإسلام حين رفع معاوية وعمرو وصحبهم
المصاحف على الرماح بغيا للفتنة التي قال في شأنها الإمام علي:
" حق أريد به باطل "!
وهل هناك أفظع عند الله من تقديم الدنيا على القيم والعقيدة واصطناع
الحيل كما فعل معاوية وعمرو؟ ثم ما أجرم فيه أصحاب معاوية من دس السم
للإمام الحسن، ودس السم لمالك الأشتر وقول معاوية: إن لله جنودا من العسل
مما لا تقره المروءة والنخوة الإسلامية. ثم مذ كان بعد ذلك من أهوال لا تطيقها
الجبال من قتل ابن بنت رسول الله ظلما وعدوانا، وضرب يزيد للكعبة
بالمنجنيق، واستحلال المدينة، إلى غير ذلك من الفظائع الأموية. إلى غير
ذلك مما أشار إليه المؤلف في كتابه.
أما الأحاديث التي أشار المؤلف إليها، وما ظنه أنه من الأحاديث التي صنعها
بنو أمية للدفاع عن أغراضهم المادية، فإن الأمر في ذلك ينشطر إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أحاديث تتعلق بالسياسة والثناء على بني أمية، والمبالغة في مناقب
معاوية، فإن مثل هذه الأحاديث تستحق النظر وينبغي ألا يصدق شئ منها
إلا في حالتي، الأولى صحة السند والثاني متابعة على غيره من الأحاديث.
وإلا كان موضع شك لا يحتمل.
الثاني أحاديث جاءت في العزوف عند الدنيا وطاعة الرؤساء ولو كانوا
من الظلمة. فإن مثل هذه الأحاديث أصح من الأولى بلا جدال. لسبب واحد
97

وهو أن هناك أحاديث كثيرة جاءت بهذا المعنى ولعل المراد منها هو:
إيثار وحدة المسلمين على انقسامهم في حالة خروج بعض الأمة على رؤسائها.
الإنكار بالقلب على من خرج على أحكام الشرع من خاصة الأمة وعامتهم من
الأمور المأثورة في الدين ويؤيده حديث. " من رأى منكم منكرا "
الثالث: الأحاديث المروية عن أبي هريرة هي في الحقيقة أصح من القسمين
السالفين، باعتبار أن أبا هريرة لم يكن طرفا في النزاع بين المعسكر المثالي الذي
يؤثر القيم والمعسكر الواقعي الذي يؤثر للدنيا والتحايل على كسبها، لأجل ذلك
أرى أن الحذر في تكذيب ما روي عن أبي هريرة أمر واجب.
وهناك بعض أحاديث رواها قد يتصور بعض الناس أنها تتنافى والذوق العام
كحديث الذبابة، ومع ذلك فأنا أحكم بصدق روايتها عن النبي لأنه لا نستطيع
أن نقيس الأحاديث على ذوقنا الخاص فربما كانت هناك علل علمية وأسباب
كونية قد تخفى علينا اليوم ويثبت العلم صحتها في المستقبل، وقد حدث مثل
ذلك كثيرا، وبذلك يصح الحديث ويبطل قول المتقولين.
هذه لفتة صغيرة لا أفرضها على المؤلف الفاضل ولكني أذكرها إتماما
للفائدة وإحقاقا للموضوعية التي يتعصب لها كل باحث.
وبعد فإني أحمد للباحث هذا الجهد الكبير الذي أتحفنا به وأضاف فيه
جديدا على ما أورده أبو عثمان الجاحظ في رسالته، وما أشار إليه تقي الدين
أحمد المقريزي في كتابه: " النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ".
98

(7)
حرف العين
11 - الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
12 - الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف
13 - الأستاذ الشيخ محمود فرج العقدة
14 - الأستاذ عبد الله يحيى العلوي
99

11 - الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
الكاتب المصري الشهير
مؤلف الموسوعة العلوية (الإمام علي بن أبي طالب)
101

* ولادته: ولد في 10 / 12 / 1912 م
بكفر عشرى الواقعة قرب " راقوتة "
التي بنى عليها الإسكندر الأكبر مدينة
الإسكندرية.
* دراسة: ليسانس الآداب " قسم التاريخ "
بجامعة الإسكندرية.
دراسات في الرأي العام
دراسات في فن الإدارة العليا
* عين: أخصائيا للإعلام والنشر في
المؤسسة الاقتصادية بالقاهرة.
* " عين مديرا لمكتب السيد / نائب رئيس الجمهورية لشؤون الاتحاد.
* " مديرا لمكتب رئيس الوزراء للتحرير والنشر.
* أهم آثاره: " الإمام علي بن أبي طالب " 9 - أجزاء " أبناؤنا مع الرسول "
" الزهراء أم أبيها " يوم كيوم عثمان " السقيفة والخلافة "
* اشترك: في تحرير مجلة " الحديث " بالإسكندرية.
* من مشاهير الأساتذة والكتاب البارزين بمصر.
* ينظم الشعر باللغتين الفصحى والعامية.
* كتب موسوعة تحليلية في شخصية الإمام علي عليه السلام في " 2500 " صفحة
ناقش فيها أحداثا تاريخية كشف عن واقعها بروح موضوعية مجردة.
* يتميز بحرية الرأي والأصالة الفكرية.
* له كلمة ذهبية حول " الغدير " يقول فيها إن فضل الإمام معلوم مشهور وسبقه
على الأقران غير منكور.
102

فلسفة الحكم عند الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم
إحتواني أبو السبطين: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - ولي الرسول،
وموضع سره ولجأ علمه، وأصل الأئمة الأطهار - في رحابه نيفا وثلاثين
عاما عشتها تحت ظله الوارف الممدود.. فما رأيت نفسي نعمت مع غيره -
بعد محمد عليه الصلاة والسلام - بمثل ما نعمت معه من ذخائر المعارف، وكرائم
الأخلاق، وروائع الأفكار التي تفتح طرائق وآفاقا بلا حدود لمن أراد
التماس الحق كاملا غير منقوص، والحكمة صافية غير مشوبة..
ولقد استعصى علي كما استعصى علي بلا ريب سواي، الإحاطة بكل
ما أوتيه، والأخذ بكل ما أعطاه، لأن بلوغ الكمال محال، ولأن النفس
البشرية، مهما ارتقت في مدارج النقاء، خليقة بأن تخطئ وإن هي حاولت
مباعدة الأخطاء فالعصمة لله. وابن آدم خطاء، والحرص على التزام المحجة
البيضاء لا يمنع إنسانا من الانحراف عن سوء السبيل، آونة أو آونات،
فيرى في القبيح المليح، ويرى في المليح القبيح، وقد يجئ هذا نتيجة محاولة
بريئة لتفهم جديد، أو تبرير وضع طارئ، أو اجتهاد رأى في مشكلة بيئية
تربت على تغير في الظروف والأحوال.. هذا بالإضافة إلى أن الطبيعة الآدمية
كما فيها من النور فإن فيها من الظلام.
(2)
من السلوك البشري.. وإن اختلف باختلاف المواقع والأفراد..
وإن كان وليد تفاعلات نفسية معقدة..
103

فإنه أيضا على وجه من الوجوه ظاهرة اجتماعية عامة تقوم أساسا على
ركيزتين هما: التلقين والتقليد.. ومن هنا فإن قادة الشعوب، ودعاة الإصلاح
أو التغيير، يعمدون من خلال هاتين الركيزتين إلى تطور مجتمعاتهم وإعادة
صياغتها من جديد. فإذا هم يبثون فيها - بالدعوة المستمرة الدائبة - ما اختاروا
لها من آراء، يلقنونها الكبار والصغار. ثم يقرنون مرحلة البث بمرحلة التقليد
أو تثبيت تلك الآراء في أذهان الناس عن طريق التطبيق العملي، بضرب
الأسوة، حملا لهم على الاقتداء والأداء..
وذلك هو ما يحدث بالنسبة لجميع الأديان.. تتنزل رسالات السماء على
من يجتبيهم الله من عباده المرسلين، فيخص كل رسول إلى تبليغ من بعث
فيهم ويكون هو نفسه القدوة والمثال.
(3)
ولم يعرف التاريخ، فيما إخال هاديا تصدى لإصلاح حال قومه، وأخذهم
بمبادئ الإسلام كالإمام..
نعم: يكن مجرد داعية إلى الله وبينهم كتاب الله ما أيسر رجوعهم إليه
لو شاءوا الاهتداء.. ولكنه ترجم الدين إلى أسلوب حياة وإعادة نقله - بعد
خلو حياتهم العامة من محمد - إلى حيز التطبيق.. وعندما ترنو إلى سعيه في
هذا المضمار نكاد نجد جهده امتدادا لجهد الرسول، وعهده امتدادا لعهده
عليه الصلاة والسلام.
وليس معنى هذا أن الألى سبقوه إلى حكم الأمة فرطوا في الكتاب،
ولكنه يعني أن الدنيا - حين آل إليه الأمر - كانت قد أقبلت على الناس كل
104

الإقبال، " فنسوا خطا مما قد ذكروا به "، وانشغل الأكثرون منهم بالعروض
من متاع ومال وجاه حتى لكأنهم آثروا العيش على مظاهر الدين دون اللباب،
وعلى المقولات دون المعقولات.. واستفاض بهم هذا الانشغال الاستفاضة
التي تنذر بجاهلية جديدة توشك أن تستأثر الجميع.. وظن ومن يظنون أن
دور الإمام، في تلك الفترة القصيرة التي تولى فيها السلطان - كان مجرد
العناية - بتذكير الأمة بأوامر الله ونواهيه، أو الاقتصار على الكشف لها عن
أسرار القرآن وخفاياه، إنما هو محض خيال..
ذلك لأن الثابت قطعا أنه أخرج للناس سياسة عامة للإصلاح وإعادة
بناء الإنسان، لا تأخذه بالقسور، بل تقوم - قبل أي شئ وكل شئ على
جوهر الدين..
رسم فيها خطة شاملة لشؤون الداخل والخارج ولاءا بها بين الصالح العام
ونفع الأفراد. تحسن السير بالأمور كما تحسن قيادة الناس. مطوعا إياها
لمقابلة كافة الاحتمالات في تطورات الأحداث، وتغيرات الظروف،
وانطلاقه الزمن بالحكمة، وسعة الأفق، ودقة التفكير، وأحكام التقدير
مع مرونة المداولة بين مختلف أساليب المجابهة الكفيلة بكبح شرة الأزمات،
وتفاقم الأخطار، وانحرافات الأنفس ثم يلقاها بأنسب الحلول..
(4)
ونكاد نجمل هذه السياسة الشاملة في عبارة قصيرة للإمام يقول:
" الناس إما أخ في الدين أو نظير في الخلق "
فشعاره إذا هو " مساواة "
105

مساواة بين جميع الناس وإن تباينوا في الأديان واختلفوا في العناصر
والألوان.
مساواة ميسرة لا تشق على إنسان، معلومة لا تغمض على إنسان.
قاصدة بغير تقصير. سمحة بغير مغالاة. نسبية بغير إطلاق. تعيش في الممكن
المتاح وأكد هذا مرة من ومرات، فكان مما قاله في هذا المجال:
" إنما أنتم إخوان على دين الله، ما فرق بينكم إلا خبث السرائر.. "
ودين الله هو الإسلام. فالإسلام هو الرسالة الإلهية الوحيدة التي بعث
الله بها رسله إلى أقوامهم على فترات، ثم كانت للناس كافة ببعثة محمد خاتم
الرسل والأنبياء.
(5)
وليست المساواة شعارا يرفع، ولا كلمة تقال، بل هي جهد يبذل، وعمل
يعمل، ومفهوم يطبق في المجتمع تطبيقا جادا بلا مفاوتة بين إنسان وإنسان،
وبلا ترخص لإنسان دون إنسان..
وإذا كان ثمة من الناس من يمقتك فأحرى بمن يقول بها أن يلتزمها ليتبعه
على نهجها كل من عداه، ولتكون هي السلوك العام..
وقد صارح الإمام أمته، منذ ولي الأمر، وبأنه هو قائد سيرتهم على هذا
الطريق..
ففي يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة عام ولايته،
على قول..
أو في الخامس والعشرين من نفس الشهر من السنة الخامسة والثلاثين
106

للهجرة، الموافق الثالث والعشرين من شهر يونيو سنة ستة وخمسين وستمائة
للميلاد.. وقف بعد أن تمت له البيعة، يعين المسلمين:
" إنما أنا رجل منكم.. لي ما لكم.. وعلي ما عليكم.. "
فلا تفرقة.. لا امتياز له على غيره من الناس..
ولا شك في أنه حين قال قولته هذه لم يأت بجديد. فكلمته هي كلمة
الإسلام، ورأيه هو رأي الإسلام.. ودين الله الذي ختم الأديان كان،
كما يقضي بوحدة الربوبية الآلهية، يقضي أيضا بوحدة العبودية البشرية، لأن
الإسلام دين الفطرة التي فطر الله عليها الناس أجمعين، قبل أن تفسدهم
الانحرافات المتسربة إلى النفوس والعقول من خلال طوارئ المعتقدات،
والأفكار، وتحكم العادات والتقاليد، وفوارق العنصريات والأجناس،
وتباعد حدود الزمان والمكان.. إنه يعيدهم سيرتهم الأولى، على سجيتهم
النقية كبدء نشأتهم، مطهرين من الأدران، خالصين من الشوائب، كأنهم
يلدهم من جديد..
هو بهذا يسوى بينهم كافة لأن الفطرة هي العامل الوحيد الذي يشتركون
فيه فأساس المقارنة بينهم - على هذا الوضع - ثابت غير قابل للتغير، أو مساواة
كاملة، لا سبيل معها إلى المفاضلة والترجيح.
فإذا هم تفاوتوا من بعد، فبمعايير غير هذا المعيار..
هذه حقيقة عصية على الانكار، بعيدة بعدا مطلقا عن المماراة.. ليس
أدل عليها من نأى الإسلام - في دعوته - عن التمحيص، بالاتجاه إلى التعميم..
فالقرآن الكريم كما تؤكد آياته، حين يدعو دعوته الإيمانية لا يخاطب
إلا " الناس " أو " بني آدم " أو " الإنسان " أو " عباد الله "
107

لا يختص بها جنسا، ولا عنصرا، ولا قوما، ولا لونا، ولا طائفة،
ولا مجتمعا من المجتمعات بالخطاب..
(6)
واستقامة السلوك العام في الأمة رهن باستقامة السلوك الخاص لأولئك
الذين بيدهم مقادر الأمور ومن ثم فقد حرص أمير المؤمنين على أن تظل
عينه على تصرفات عماله ورجاله الأدنين الذين يتقدمون الصفوف، خشية أن
يميلوا عن " المساواة " استجابة لضغوط بيئية، أو نتيجة هوى أو ضعف
أو عصبية..
ذلك لأنهم بأوضاعهم تلك هم المؤدبون والمهذبون. ولأنهم أيضا القدوة
التي يحتذيها الجمهور..
لذلك يأمر الإمام كل عامل من عماله أن يرعي المساواة إنصاف لله
كما هي إنصاف للناس، فيقول:
" ألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، واقعا ذلك من قرابتك
وخاصتك حينما وقع.. "
ويقول:
" أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك وخاصة أهلك ومن لك هوى
فيه من رعيتك. فإنك إلا تفعل تظلم!.. "
ثم يؤكد وجوب المساواة بين الحاكم والمحكوم فيقول:
108

" إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة..
وهو يعلم علم يقين وكما تشير الأمثال في مختلف العصور، أن الثناء إغراء
وأن بطانة الحاكم ومشيريه أقوى عليه تأثيرا، وأدنى إليه حظوة، وأعلم
بما يكرهه وبما يرضيه فلا عجب إن استطاعوا - بالملق أو طيب الثناء - أن
يقودوه كيف يشاءون..
لذلك حذر عماله مغبة هذا الانقياد، وأمرهم أن يدقق كل في اختيار
المشيرين والأعوان:
يقول:
" استعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة. ورضهم على ألا يطروك، فإن
كثرة الإطراء تحدث الزهو، وتدنى من الغرة.. وليكن آثرهم عندك أقولهم
بمر الحق.. "
(7)
ويطول بي الحديث لو استطردت إلى ما تفصح عنه سيرة أمير المؤمنين
من سياسة جهد بها لترويض الناس، وتطويع الأحداث.. يطول بي إلى مدى
ما له حدود أو هو جد بعيد.
فلعل الأخ الأستاذ الدكتور نوري جعفر يغفر لي هذا التقصير.
إن بيدي الآن كتابه الجليل: " فلسفة الحكم عند الإمام " الذي أودعه
خلاصة قيمة لهذه الفلسفة التي بزت غيرها من فلسفات، وسبقت بمبادئها
القويمة كل ما ارتآه الأقدمون والمعاصرون..
109

وإذا كان الصديق الفاضل السيد مرتضى الرضوي قد شاء لي أن أدبج
كلمة تتصدر الكتاب، فالكتاب، في رأيي غني عن التصدير والتقديم بمادته
وبجهد مؤلفه، وقدرته الفائقة على الغوص في السيرة العلوية لالتقاط الدرر،
باستخلاصها من الأصداف.
على أن يروق لي أن أختم هذه السطور بعبارة موجزة جرت على لسان
أمير المؤمنين فإذا هي تتحدى بمضمونها كل ما استنبط الفلاسفة وذوو الآراء
من مبادئ لإصلاح حال الشعوب، ومداواة ما تعوزه الطبقية من عدالات.
قال الإمام:
" لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه "
فهل بغير صلاح الرعية يصلح الولاة؟..
لقد تصارع الناس. وتصارعت الطبقات. وجاءنا صانعوا الفلسفات من
أقدم العصور بألوان من المبادئ تحاول الاصلاح وإفادة السلام الاجتماعي
على المواطنين، فلم تبلغ أحدث مبادئهم، ولا أكثرها " تقدمية " كما تقول
لغة عصرنا الحديث - شأو كلمة الإمام. ولا احتوت مثل ما احتوت عبارته
من مضمون.
الإسكندرية 14 سبتمبر سنة 1978 م عبد الفتاح عبد المقصود
110

مع رجال الفكر
في القاهرة
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أراني، وأنا أمر بلمح الذهن بعد رأي العين، على صفحات هذا
الكتاب: " مع رجال الفكر في القاهرة " إنما أمر على " ألبوم " يضم بين
غلافيه مجموعة صور لطائفة غير قليلة من حملة الأقلام الأعلام الذين لهم فضل
غير منكور في بناء النهضة الفكرية التي تلألأت بأرض مصر طوال ما انقضى
من سني هذا القرن العشرين، وأشعت بعض نورها على ما حولها من ديار
وأقطار... فما يغيب عن بال منصف أن أي كاتب منهم إنما أضاف سطرا
أو عبارة إلى موسوعة المعارف الإنسانية التي تهم هذا الشطر الشرقي من العالم
وتشوقه.. أو وضع لبنة في بنائنا الثقافي ترتفع فترا، أو شبرا، وربما قامة
بصرحنا الحضاري العربي الذي كان - من مئات السنين - منارة تنير
طريق البشرية، نأمل اليوم ونعمل على أن تغدو كسابق عهدنا، هادية
شماء، تكسف إشراقة النهار، وتطاول رفعة السماء!..
على امتداد مسيرة العقل الإنساني الخلاق، وفي مختلف اتجاهات نشاطه
يطوف واضع الكتاب: صديقنا " المرتضى " فوق صفحاته طوفا سريعا
بقارئه في صحة كتاب أعلام قد تناولوا بأقلامهم ألوانا شتى من خطوات
الفكر وسبحاته: عرضا وسردا، أو وزنا ونقدا، أو بحثا ودراسة...
فكيف تمضي بنا هذه الرحلة، وإلى أين تقود؟..
111

إنه لحدس صواب، أو حدس توفيق، كما أشتهي وأرجو، أن أتلفت
ويتلفت معي كل من يطالع الكتاب، فإذا مجال " المطاف " - من أية
زاوية تلقته العين - محمود مشكور... وإذا جهد " المطوف " - بأي
مقياس قاسه الفهم - محمود مشكور..
اشتهاء ورجاء!..
نعم!...
ولكنه الاشتهاء الذي لا يغوص بالأمنية في أغوار المحال، والرجاء
الذي لا يسدر براجيه في غلواء الخيال.. ولست أعني بما أسلفت إشادة
بالكتاب، ولا إعلاء بشأن واضعه إذ الإشادة صدى لتقدير القارئ وحده
وإنه لتقدير - في اعتقادي - وارد لا خلاف فيه. والإعلاء تكريم
للمؤلف يغنيه عنه جزاء ما عرف من حسن بلائه فيما نشر له من قبل، وما قد
أخذ نفسه بنشره على أبناء العربية من ذخائر فكرية بعضها بقلمه وبعضها بأقلام
سواه من المؤلفين بلسانها المبين.. إنما أحببت، في حقيقة الأمر، أن أشير
بحركة مومئة، إلى الكتاب المعروض الآن على القراء قد جاءنا بنحو
فريد المثال من كتب السير والتراجم لم يتكلف فيه صاحبنا " مرتضى " تقديم
عرض فني كامل لحياة بعض " رجال الفكر في القاهرة " يتناول مراحلهم
العمرية بالتقصي والتفصيل أو يحاول التصدي لأعمالهم الفكرية بالدراسة
والتحليل... بل هو أقرب إلى أن يكون مجموعة من خطوط ونقاط قلمية
خفيفة: لينة كبسمة حانية، رقيقة كنسمة وانية.. لكأن أولاها أسلاك
صلب مغزول تمتد وحداته وتنتشر، ثم تستقيم، ثم تلتحم في هيئة قوائم
ودعائم رأسية وأفقية فتكون ما يشبه الأطر. وكأن ثانيتها نثار تبر مبدور
112

تتدانى ذراته وتقترب، ثم تلتئم، ثم تنتظم في هيئة فرائد فقلائد، مكونة
أجساما شتى لونية أشبه بصور!..
على السجية الطليقة الرخية يمشي بنا واضع كتابنا هذا فوق الصفحات،
فإذا هو، في سهولة ويسر، ينقل لنا - كما أسلفت القول - صورا
في أطر.. الأطر: حياة أرباب الفكر، والصور كنه الأفكار.. فما أن
تلتقي بما يقدم حتى ترى كل منها صورة في إطار، لا مجلوة الجلاء كله،
ولا مطموسة الطموس كله، وإنما تحتوي من الأضواء والظلال ما يوشك
أن يضع الأعمال الفكرية لهؤلاء الأعلام على نحو يسعها معه التعبير عن
محتوياتها ومضامينها بالإيماء والتلميح، إن يكن فاته التفسير بالمجاهرة والتصريح.
ولا إخالني أغالي لو أنني قلت إن المؤلف قد اختار لنفسه، بهذا الإيجاز
الطريق الأصعب، إذ نراه يؤثر الكلمة على العبارة، والسطر على الصحيفة،
ولو استطاع فربما لجأ في تعبيره إلى الرمز دون الإفصاح متبعا مثل أسلوب
الاختزال!..
والحق معه!..
فلقد شاء أن يجمع لقرائه أكبر قدر مما يعلم في أصغر حيز مما يكتب!..
إنه يعرف لهم بضعة وثلاثين علما من أعلام الفكر في صفحات معدودات
يسهل عليه - لو شاء أن يفردها لواحد منهم..
وهو يتخلل أذهان أعلامنا هؤلاء ليستخلص منها من ثمرات عقولهم
ما قد يشبع بعض نهم المنهومين بالمعرفة واستقصاء الآراء..
وهو يجري في معالجة هذا الأمر على طريقة من المناقشة الميسرة بينه
113

وبين من أسكنهم بين غلافي كتابه، فإذا الحوار سهل هين، وإذا الحديث
رقيق لين، وإذا المعاني لا تشق على قارئ متخصص ولا على قارئ يتخطف
الكلمات تخطفا ويعبر السطور عبور من يزجى وقت فراغ!..
بل النقاش الذي يسوقه المرتضى لمدخل عرف كيف ينفذ منه إلى بث
أفكاره العقيدية والدفاع عنها، دون أن يتبدى للناس في ثوب دعوة، أو
في زر دفاع!
بل حديثه كله إغراء للقراء بمتابعة السير من أجل ارتياد منابع المعرفة
التي وضع لهم - بموجزاته تلك - معالم واضحة على طريقها، تهديهم إليها،
لينهل منها من شاء كيف شاء...
وأتساءل:
أفليست تلك المناقشات - وإن قصرت - " مشهيات " تضيف إلى
تشهي المشتهي، ونهم المنهوم، وتهئ المقل العيوف للكظة وتناول أغلظ
الطعام!؟
الإسكندرية 20 / 11 / 1975 عبد الفتاح عبد المقصود
114

فدك
- 3 -
بسم الله الرحمن الرحيم
شاء لي الأخ الكريم: السيد مرتضى الرضوي أن أحوز شرف الإدلاء
بكلمة " أكابد " تدبيجها لتكون بمثابة تقديم لهذا الكتاب الذي ما أراه في
حاجة قط إلى تقديم..
وأقول: " أكابد " وأنا أعني ما أقوله، بكل ما تنطوي عليه حروف
اللفظة من مضمون، لأن تناول موضوع " فدك " من قريب أو من بعيد،
هو معاناة حقه، تشق على المتناول أي مشقة، وكل مشقة.. وكيف لا وإن
المتصدي له - ولأمثاله من أمهات المسائل التاريخية الإسلامية التي تنضح
بالمبادئ، وتثير الجدل، ولا يتعذر أن تتفرق عندها الآراء شيعا - لأشبه
بمن يحاول أن يجتاز هوة سحيقة، متنقلا بين حافتيها على خيط أدق من الشعرة،
وأحد من الشفرة، لو أمن راكبه أن ينقطع فيهوي به من حالق لما سلم من
نكاية الجروح!..
ولست أغالي.. فلي في هذا المجال تجربة قديمة، خرجت منها مغموزا في
رأيي، مطعونا في عقيدتي، من رهط - سامحهم الله! - يرون في كل أعمال
فكر، ونقاش حر، والتزام بمنطق العقل، في معالجة بعض الأحداث البانية
لتاريخ الإسلام، خروجا عن الجادة السوية.. ولم يكن تهمتي يومئذ التي
115

بي ألصقوها، ومن أجلها غمزوني وطعنوني، سوى أنني - في كتابي:
" الإمام علي ابن أبي طالب " - قد عمدت إلى استقراء الوقائع واستنبائها
ما تكن من مغازيها. وإلى تحصيل أقوال الرجال الذين صنعوها أو أسهموا
فيها، أو عايشوها..
فلما أن قادني البحث والتقصي إلى رأي ارتأيته في سلوك بضعة نفر من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعاصريه، أقروا هم به، قبل المئات العديدة من
السنين من تناولي إياه ونظري فيه، هاجمني من ذلك الرهط من الكتاب المحدثين
من استهواه نزغ الهجوم، فشنأني شانئون، وتخرص متخرصون، ورماني
رماة بالتطاول الآثم على مقام طائفة زائدة - كأبي بكر وعمر وعثمان
ومعاوية وابن العاص وغيرهم - من ذوي القدمة أو البلاء أو المكانة في
المجتمع الإسلامي المتقدم، مشهود لهم - ولا أدري ممن - بالعصمة!..
ويشهد الله أنني، وإن عرضت لهم، لم أعرض بهم.. وإن تناولت جوانب
من حياة بعضهم، فتناولي لم يكن افتئاتا عليهم، ولا هضما لهم أو لغيرهم من
صانعي التاريخ الإسلامي إبان فجره.. إنما قد رسمت صورهم بريشة ناقد
لا حاقد. وذكرت سيرهم مقرونة بالحق كما تبينته، وكما قادني إليه اجتهاد
بحثي.. ما تأولت على أحد منهم غير رأيه. ولا تقولت غير قوله.
ولا أخذتهم فرادى وجمعا إلا بالمعلوم المشهور من نصوص أحاديثهم
ودعاواهم، وضروب فعالهم وسلوكهم التي حفظتها لنا بطون الأسفار..
فكيف ألام؟
وبأية حجة يحق على أن أؤثم، وما من إثم اقترفته في حق أولئك
" المعصومين! " يوجب التأثيم؟.
116

لئن كنت أشرت - ولا أنكر - إلى هنة في تصرف هذا الفرد منهم،
أو تصرف ذاك، فإنني كما سبق القول، لم أكن إلا ناقلا عنهم ذكر بعض
ما فعلوه أو قالوه، واعترفوا بفعله وبقوله، بالسلوك الصريح واللسان المبين،
وهم في معرض اعتزاز وإدلال، أو بمقام تعليل وتدليل...
لكنه منطق الشنآن...
غير أنني الآن أتناسى ما كان، وأقتحم ما أرادني الأخ " الرضوي " على
اقتحامه، فأجتاز الهوة من حافة، على ذلك الخيط الدقيق كالشعرة،
الحديد كالشفرة، لعلي أستطيع أن أدلى بكلمة حق، يشرفني كل التشريف أن
تتصدر صفحات هذا الكتاب الجليل، الذي يؤكد ذلك الحق الذي سلبته
الزهراء..
لقد وجدتني وأنا أتأمل: كتاب " فدك " إنما كنت أتأمل حشدا من
الأسانيد لإثبات ما ليس بحاجة إلى إثبات!!
ثم وجدتني أيضا أتساءل: كيف السبيل إلى مقدمة تليق بأن تتصدر
صفحاته، وتطالع قارئه بما ينبغي أن يقال فيه؟..
إن التقديم لهذا الكتاب في حاجة إلى سعة كتاب!..
ولا عجب...
فليست تكفي بضعة أسطر، ولا بضع صفحات للتعرف به حق التعريف،
117

وإلقاء ضوء على جوانبه يضعه تحت الأعين على هيئة تقترب به من نطاق
التفهم الهادئ وفي إطار من حديث عقلي ميسر، يخاطب الذين ينكرون
اتجاهه، أو يواكبونه على السواء..
ذلك أن أرض فدك - نحلة كانت أو ميراثا - هي حق خالص لفاطمة
لا يمكن المماراة فيه.
والذين يمنعون النظر في نقاش أبي بكر للزهراء، لا يغيب عنهم أن
الخليفة الأول لم ينكر على سيدة نساء العالمين دعوة النحلة، لكنه لم يقبلها
بسبب افتقارها إلى سلامة العدد والنوعية في شهود التأييد.
وقد يرى راؤون ألا تثريب على الشيخ إذ فعل، لأنه إنما أبي الأخذ
بشهادة منقوصة، أو أبى الاعتداد بحجية شهادة الزوج والأولاد.
ولقد يرى راؤون أيضا ألا تثريب عليه، إذ قد عدا مقام فاطمة وعلي
والحسنين - وإنهم لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا -
فمال إلى مرتبة من عداهم من المسلمين، الذين تجوز فيهم التهمة، وترقى إليهم
الشبهات..
لا تثريب عليه في الحالتين (1)، كما يذهب ذاهبون، إن نحن أخذنا بنظرة
يومنا هذا إلى الأمور، فرأينا أبا بكر في الأول يمتثل حرفية القانون، وفي
(1) هذه مجاراة من الأستاذ في الموضوع، وإلا ففي التشريع الإسلامي أن
ذا اليد لا يطالب بالدليل كما تجد التفصيل في نفس الكتاب.
- المؤلف -
118

الثانية يلتزم جادة المساواة، أخذا بمقولة ألا تنهض الشهادة إلا برجلين، أو
برجل وامرأتين كنص الآية الكريمة " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم
يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " (1)... ثم سيرا
على نهج التسوية في التبعات بين المسلمين عامة، وخاصة تطبيقا لحديث رسول
الله حين جاءه من تشفع عنده في سارقه ذات شرف، فأبى وقال: " لو سرقت
فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ".
والرأي أن الأصل في فدك أنها ملك خالص لرسول الله، يجوز أن
تكون قد بقيت له حتى وفاته. ويجوز أن يكون قد أنحلها ابنته قبل الوفاة..
فإن كانت له فإنها خليقة بأن تؤول لفاطمة بحق الميراث.
فإن طعن بحديث: " لا نورث (2).. " وقيل بل تسري عليها قاعدة
الصدقة.
(1) البقرة: 282.
(2) قال المرحوم العلامة المحقق الشيخ محمود أبو ريه في كتابه: " شيخ
المغيرة " الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر ص 169.
" كنا نشرنا كلمة بمجلة " الرسالة " المصرية عن موقف أبي بكر من الزهراء في
هذا الميراث، ننقل منها ما يلي: " إننا إذا سلمنا بأن خير الآحاد الظني يخصص
الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي قال: إنا لا نورث. وأنه لا تخصيص
في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض
تركة أبيها، كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحدا، إذ يجوز
للإمام أن يخص من يشاء بما شاء، وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد
ابن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي، على أن فدك هذه التي منعها أبو بكر
من فاطمة لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان.
" العدد 518 من السنة الحادية عشر من مجلة الرسالة " - المؤلف -
119

حق أن نتساءل: ولماذا لم يعمل النبي فيها حديثه هذا فيتصدق بها وهو
يعد على قيد الحياة؟...
لقد ثبت أنه صلوات الله عليه، كان يملك قبيل وفاته سبعة دنانير، خاف
أن يقبضه الله وهي في حوزته فأمر أهله أن يتصدقوا بها، وألح عليهم..
فلما أن أنساهم أمرها تلهفهم عليه، لم تنسه هو حشرجته، فطاردهم بسؤاله عن
المال حتى جاءوه به. وعندئذ وضعه في كفه وقال:
" ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه! "
ثم أمر فتم التصدق بها على الفقراء..
فهل يمكن القول بأن رسول الله - الذي لم يفعل عن الدنانير على قلتها -
يفعل أمر الأرض وهي أكثر الكثرة؟
أم يمكن القول بأن الصدقة مقصورة على المال السائل، أو المال المنقول،
مصداقا لقوله الله في محكم التنزيل:
" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله...؟
كلا لم يتصدق محمد بفدك لأنها لا تقع في مجال تطبيق ذلك الحديث
المنقول عن أبي بكر، فلم تكن ملكا له، بل كانت ملكا لسواه.
ملكا لابنته الزهراء، لم ينازعها في ملكها أحد من الناس كما هو ثابت
في التأريخ.
120

ومع ذلك فالحديث في هذه القضية يطول ويطول إلى ما يفيض عن حدود
مقدمة تلم إلماما بموضوع الكتاب.
ولعل الله أن يهئ لنا فسحة قابلة لإسهاب يفي بمناقشة تتناول المسألة
بالتفصيل.
الإسكندرية: ديسمبر 1975 م
" عبد الفتاح عبد المقصود "
121

12 - الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف
وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر
123

* ولادته: ولد في ديروط الشريف بصعيد
مصر في 15 / 8 / 1906 م.
* تخرج من الأزهر الشريف.
* حاز على درجة الدكتوراه (العالمية) في
الأزهر الشريف.
* عين وكيلا في كلية أصول الدين بجامعة
الأزهر الشريف
* أهم آثاره: " شرح الموطأ للسيوطي " برواية محمد بن الحسن الشيباني
و " تدريب الراوي " في جزئين " المختصر في علم رجال أهل الأثر " " التكملة
في تواريخ العلماء والنقلة ".
توفي في 2 / 5 / 1970 ودفن في ديروط الشريف في وجه قبلي صعيد مصر.
* من الأساتذة المرموقين ومن ذوي الاختصاص في علم الرجال ومن المعنيين
بشؤون الحديث.
124

وسائل الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيعة والفقه الإسلامي (1):
اختلفت مصادر الفقه الإسلامي وأصبح للشيعة أصول خاصة من تفسير
أئمتهم لكتاب الله ومن السنة المتصلة برجالهم لأنهم الموثقون وعلى أخبار
أئمتهم وتنزيلها منزلة الوحي لعصمتهم، وانقطعوا عن النظر في أخبار أهل
السنة وقواعد استنباطهم في فقه آل البيت ما يكفل للمستفيد حاجته من
الأحكام وشمولها لكل شؤونه مع ورع وأدب منقول عن أئمتهم الذين لم تظهر
منهم عصبية ولا إسراف.
وتجدون لعلمائهم اليد والفكرة الصائبة في كثير من الأحكام التي تتحقق
بها مقاصد الشريعة وإن كانت لا تخضع كثيرا لقوانين الاستنباط عند
أهل السنة.
ومن مؤلفاتهم التي تتجلى فيها تلك الحقايق كتاب " وسائل الشيعة إلى
تحصيل مسائل الشريعة " فإنه جامع لشتات المسائل من هذا الفن ومؤلفه: الحر
العاملي ممن جمع مع الفقاهة إجادة التأليف - وقد كمل الانتفاع به بانضمام
مستدركه " مستدرك الوسائل " للميرزا حسين النوري فإنه أرجع أحكامه إلى
الأصول، وأفسح المنهاج به للمتعلمين والعاملين.
(1) قد طبعت في أوائل المجلد الثاني من كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها "
في الطبعة الأولى بمطبعة دار العهد الجديد للطباعة لكامل مصباح في ص 10 و 11
تحت عنوان آراء العلماء والكتاب حول الكتاب.
- المؤلف -
125

ومع ذلك فالخلاف في الفروع ليس بالشئ الكثير فمن قرأ كتاب
الانتصار للسيد المرتضى علم أنه ما اختلف فيه الشيعة وأهل السنة من الأحكام
قليل واختلاف الرأي بين العلماء لا يصح أن يكون سببا مانعا من العلم
بأسرار الاستنباط والوقوف على وجهات الأنظار في التخريج والاعتبار
وليس هو كذلك ما عدا بين العلماء، ولا موسعا بهوة الخلاف.
فإن أهل السنة فيهم المذاهب الفقهية المتعددة ولكنهم يستفيدون ملكة
الفقه بالاطلاع على الكتب التي تختص بعلم الخلاف والفقه المقارن.
وليس أضر على الدين من العصبية. ولا أشد فتكا بالعقول والرجال من
سوء الظن والأنانية.
فالفقه الإسلامي لكل المكلفين شريعة واحدة يتعبد بها أهل الأمصار
على اختلاف الأنظار فيا حبذا لو تبادل الشيعة وأهل السنة ما عندهم من العلم
حتى إذا امتزج البحران ظهر منهما اللؤلؤ والمرجان.
نسأل الله أن يجمع الشتات. وأن يخلص لنا النيات. وأن يوحد الكلمة
ويجمع القلوب على ما يشاء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه آمين.
القاهرة في:
15 من جمادى الآخرة سنة 1377 ه‍
5 من يناير سنة 1958 م
كتبه
عبد الوهاب عبد اللطيف
المدرس في كلية الشريعة بالأزهر
126

13 - الأستاذ عبد الله يحيى العلوي
من مشاهير الكتاب في العالم الإسلامي
127

* ولادته: ولد في سنغافورة عام 1903 م
* حصل: على الشهادة العالمية عام 1920 م
في الأزهر الشريف.
* لجأ: إلى إندنوسيا عام 1947 م.
* مثل: " الملايو " في المؤتمر الإسلامي
المنعقد في كراتشي باكستان عام 1951 م
* انتخب: عضوا في إدارة المجلس
التشريعي بسنغافورة، ونائبا لرئيس
جمعية الشبان المسلمين بها ورئيسا لجمعية الدعوة الإسلامية وللرابطة الإسلامية.
* هاجر: إلى القاهرة عام 1951 م.
* عين: مستشارا لأعمال سفارة اليمن أكثر من مرة وممثلا لحكومتها في أربعين
مؤتمرا دوليا وشعبيا وفي جامعة الدول العربية بالقاهرة.
* انتخب عضوا في هيئة جماعة الكفاح ممثلا عن اليمن.
* عين: سفيرا لليمن في إندنوسيا في أواخر عهد سيف الإسلام محمد البدر.
* عين: ممثلا لليمن لدى منظمة الشعوب الآسيوية الإفريقية بعد قيام العهد
الجمهوري باليمن.
* حضر: المؤتمرات التي أقامتها المنظمة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
* أصدر: مجلة باسم " عكاظ " واشترك في عدة صحف في سنغافورة كما ساهم
في عشرات المقالات الأدبية في صحف القاهرة ومنها: " البلاغ ".
* أهم آثاره: " تقرير سياسي منظوم " عن الاجتماع العادي " 32 " لمجلس الجامعة
العربية بالمغرب " تقرير سياسي منظوم " لوحات شعرية في قوالب فكاهية
" أنيس منصور " آه منه وآه عليه " أخطاء المنجد " دواوين شعر منها:
" المجاج " والشجاج " و " أحبها " وغيرها " العربية السعيدة " " منه إلى وهي
إليه " " فضل الكلاب على كثير من لبس الثياب " " الفاسيات " ندوة شاهي
في رحاب أهل البيت " وغيرها مخطوطة ومطبوعة.
128

مع رجال الفكر
في القاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
" مع الأستاذ الرضوي " في " مع رجال الفكر في القاهرة "
بقلم: عبد الله يحيى العلوي
* لو وجد فوج من طراز الأستاذ العالم السيد مرتضى الرضوي، ممن
يصيب شوا كل السداد ويطبق مفاصل الصواب، ويمزق ظلمات الأشكال،
ويجلي ليل الخطوب، ويخلص بين الماء والراح، ويضربون في الأرض،
ويجوبون المدائن الإسلامية، للتعرف إلى علماء الإسلام، وتجاذب الأحاديث
بالحسنى حول مختلف الشؤون الإسلامية، سعيا في التقرب بين مذاهب المسلمين
وإجماع الرأي، واتحاد الكلمة، والوجهة، وتوخي مناهج الرشد، وتبصر
وجوه الحق، لانحسرت عن الخلافات المذهبية، ضلال الابهام، وانزاح
عنه حجاب الريب. وخلص إلى نور البيان، وسطعت عليه أشعة الظهور،
وانكشف المؤدي، واتضح المعمى، وصرح الحق عن محضه، وأبدل الرغوة
عن الصريح، وبان الصبح لذي عينين.
* لو وجد زمرة من طراز الأستاذ " الرضوي " الدائب في المنافحة
عن المذهب الجعفري، يبين فقهه في رفق وأناة، ويكشف عن خباياه وزواياه،
129

ويغرق في البحث، ويمعن في التنقيب، ويستقصي في التنقير، ويقلب الأمور
ظهرا لبطن، ويتطلب دخلته ويتعرق مخبره وينظر في اعطافه وأحنائه، ومطاويه
وأثنائه، ويبلو سره، ويعجم عوده، لكان الإسلام غيره بالأمس، ولكان
المسلمون في مختلف بقاع الأرض كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
* لو وجد نفر ممن يعملون بإخلاص في التقريب بين آراء علماء المذاهب
الدينية، ويغشون الأندية، والمجامع، ويطرقون أبواب العلماء والدارسين،
ويتعرفون إليهم، ويتلمسون آراءهم، ويسعون بكل ما أوتوا من علم وبيان
في إزالة السحب القائمة على قلوب الجامدين، والمتعصبين من العلماء يعملون
مخلصين وجاهدين، وكانوا همزة وصل بين علماء الإمامية وعلماء أهل السنة
يزيحون الشبهات وما علق بالأذهان من مسائل خلافية، لا تمس جوهر الدين
ولا أصله، ويدعون إلى مؤتمرات، وندوات، ليفهم بعضهم بعضا عن قرب
لذابت ثلوج التعصب والجهالة، والضلال، ولتقطعت حلقات الأغلال،
ولكان المسلمون في خير، وإلى خير كثير.
* لقد قام الأستاذ " الرضوي " أرضاه الله، بمجهود كبير في كتابه
" مع رجال الفكر في القاهرة " حيث تحدث إلى نفر من علماء القاهرة
ورجال الفكر، وأجلى لنا صورا شتى من آرائهم، ومعتقداتهم حول
فقه آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان همزة وصل بين معتنقي مذهب الإمامية
ومعتنقي مذاهب أهل السنة، يعمل لكي لا يجعل الخلافات في جوانب
من الفقه للنفور والابتعاد، ومناطا للاختلاف، بين بعضهم البعض، مما يوهي
عرى الإسلام والوحدة، كما يدعو إلى تناسي الأحقاد، وإلى إحلال الوفاق
والتفاهم، محل الخلاف، والتباغض، الخ.
130

* إن وجود فرد من أمثال الأستاذ " الرضوي " الذي تعتز بهم أندية
العلم والفضل، كون في محيطه آثارا طيبة مباركة.
فهذا كتابه " مع رجال الفكر في القاهرة " وقد استفرغ فيه وسعه،
واستنفذ طاقته، وأنضى إليه ركائب الطلب، وسلك إليها كل سبيل، وركب
فيها كل صعب وذلول، ولم يدخرونه سعيا، لم يأل جهدا، خير جسر يصل
بين فريقين عظيمين، فكيف ولو كان مثله كثيرون، لرأيت شمل المسلمين
وقد التأم، وعقدهم وقد انتظم، وبات بعضهم في بعض بمكان الكليتين
من الطحال، حبل متصل، ومذهب ملتئم، وشعب موحد، وتسامح وتآخي
ولرأيت ثم نعيما وملكا كبيرا عظيما...
عبد الله يحيى العلوي
القاهرة في: 29 ربيع الثاني 1396 ه‍.
29 ابريل 1976 م.
131

14 - الأستاذ الشيخ محمود فرج العقدة
الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
133

* درس في الأزهر الشريف وتخرج فيه.
* كان أستاذا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
* توفي في القاهرة.
134

وسائل الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام دين الوحدة الجامعة (1)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على
من أرسله الله رحمة عامة، وهداية تامة لجميع العالمين: سيدنا محمد، وعلى آله
وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد فإن الصورة الجامعة لمشاعرنا معشر المؤمنين، الصادقين بهذا الدين
العظيم أنه دين الوحدة الجامعة: في الأصول والفروع، والوسائل والغايات
والمشاعر والأفكار. بل والأخلاق والعادات " صبغة الله ومن أحسن من
الله صبغة ونحن له عابدون ".
(1) قد طبعت في أوائل المجلد الثاني من كتاب " وسائل الشيعة ومستدركاتها "
في الطبعة الأولى بمطبعة دار العهد الجديد للطباعة لكامل مصباح في ص 10 و 11
تحت عنوان آراء العلماء والكتاب حول الكتاب.
- المؤلف -
135

ذلك بأن الله جمع هذه الأمة على كتاب واحد يسره للذكر، وأنزله تبيانا
لكل شئ وأكمل به الدين، وجعله هدى ورحمة وبشرى للمسلمين، ونعى
فيه على أهل الكتاب اختلافهم في الدين بعد أن أنزل عليهم الكتاب بالحق
ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وجعل ميزة هذه الأمة وفضيلتها عليهم هو
اهتداؤها إلى وجه الحق فيما اختلفوا فيه، والله يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم.
لقد سررت من عهد قريب بإخراج وزارة الأوقاف لكتاب " المختصر
النافع " وإن كانت أحكامه ليست في الصحة بسواء، ولا أقول بأن ذلك
شعورا اختصصت به هذا الكتاب من كتب الفقه فإن هذا الشعور قد أجده
في أي كتاب من كتب المذاهب الأخرى أمام حكم خاص، ولقد أجد من
صباحة الحق، وصراحة في حكم من أحكام الشيعة ما لا أجده في حكم لغيرهم
من الفقهاء.
ثم سررت أيما سرور حين أهداني " السيد مرتضى الرضوي " صاحب
مكتبة النجاح في النجف الأشرف - الجزأين الأولين من كتابي " وسائل
الشيعة ومستدركاتها " اللذين بدأ في طبعهما مجتمعين لأكمل نفسي بما أدعو
الفقهاء إلى التكمل به، ولازداد بهما إدراكا فيما نحن في أشد الحاجة إلى
إدراكه، وإني لأرى من قراءتي العاجلة، لبعض مباحثهما في كتاب الطهارة
أنهما يمنحان المسلم في فقهه، ودينه ما لا ينبغي له - بوصفه طالبا للحق -
أن يغفل عنه، ولا أن يحرم نفسه من الأخذ به، ولا أن يجادل بالهوى
والعصبية فيه.
136

ولعلي حينما يتم طبع هذين السفرين العظيمين اللذين يبلغان فيما رواه لي
السيد الناشر عدة مجلدات، وحينما يتاح لي أن أقرأهما أعرف منهما ما ينبغي
أن يكتمل به غيره، وما ينبغي أن يكمل بغيره لنخرج للناس - إن قدر
لنا وللمسلمين الخير في هذا العصر المنذر بالأخطار الجسام - بما عسى أن
يكون أيسر فيما بعد على أولى النيات الصالحة في التقريب بين مذاهب المسلمين
والحمد لله رب العالمين؟
محمود فرج العقدة
أستاذ البلاغة والأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
القاهرة في 12 جمادى الآخر 1377 ه‍
2 يناير 1958 م.
137

(8)
حرف الميم
15 - الأستاذ عبد الهادي مسعود
بوزارة الثقافة والإرشاد القومي
ومدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية
139

* ولادته: ولد بمدينة الفيوم في
19 / 2 / 1924 م.
* حصل على ليسانس الآداب عام 1946 م
* رائد دار المنتدى الثقافي وشعارها " الثقافة
سبيل الحرية ".
* اختير: مديرا للمكتبات الفرعية بدار
الكتب المصرية عام 1955 م. عين: وكيلا لدار الكتب المصرية عام
1968 م.
* آثاره: " شخصيات في السياسة والمجتمع " " والثورات الحديثة في الشرق "
" ثورات مصر من أول عهد سعيد إلى آخر عهد توفيق " وله: مقدمة
لكتاب " حقيقة الفلسفات الإسلامية ومؤلفات أخرى مطبوعة.
140

وسائل الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
الدين الإسلامي ومذهب أهل الشيعة:
ليست كلمة الدين كلمة سهلة ولا هينة، وليست حدوده ذوات أفق ضيق
أو قريب... إنما الدين رسالة كبيرة تتصل بأدق المشاعر، كما تتعرض لأكبر
المشاكل، ويكاد الدين يشمل ما جل وما عظم من خطوط الحياة، بل ويشمل
في بعض الأحيان ما دق وما هان من أمور الوجود باعتبارات ذات صلة وثيقة
بالخطوط الكبرى والمشاكل العظيمة، ومن هنا أصبح واجبا أن نعرض الدين
عرضا واسع الأفق، فسيح المدى، لا تعصب فيه ولا انحصارية تضر بكيان
الأفراد والجماعات...
والإسلامية مذهب ديني فلسفي تتمثل خطوطه كما تتمثل أركانه وأسسه
في كتاب الله هذه الإسلامية التي امتدت من طنجة على المحيط الأطلسي غربا
إلى تين تس في الصين شرقا، والتي امتدت من أواسط أوربا شمالا، إلى
الركن القصي من إفريقيا جنوبا...
والإسلامية التي تسود اليوم 1 / 7 سكان العالم أي حوالي 400 أربعمائة مليون
نفس... هذه الإسلامية التي خلدت على الزمن، وتحطمت على صخرتها كل
القوى المعادية تحتاج اليوم إلى تجديد... وهي في حاجتها إلى التجديد تتطلب
141

دعامة من الرجال الأشداء الذين صقلتهم التجارب وصقلهم العلم... وتابعوا
في ثقافاتهم تطور الإنسانية والفكر...
ونحن إذ نجدد فهمنا للدين في هذا العصر. وإذ ننطلق بأبصارنا وأفهامنا
لإدراك الأسس الأصلية فيه نستطيع أن نحدد لهذا الفهم مراحله، وأن نرسم
لتحقيق هذا الهدف وسائله... وأول هذه المراحل، وأهم هذه الوسائل هو
البحث فيما ورثناه عن أسلافنا كدين.. هل خلا من الشوائب؟! هل بانت
معالمه وهل تكشفت لنا خباياه دون أن يدخل في أوساط رجال الدين
مزيفون للحديث، موسعون لشقة الخلافات ليستطيع المستعمر أو المستغل
أو الخصم أيا كان هذا الخصم أن يلعب دوره البغيض في الإفادة من هذا
الزيف، أو في استغلال هذا الاختلاف؟!
إن الإجابة على مثل هذا السؤال واضحة لكل صاحب إيمان.. فاليهود
كان لهم دور في بلبلة الفكرة الإسلامية.. ورجال الدولة الذين كانوا
يحكمون على مر العصور كانوا يلعبون دورهم في إخفاء بعض الحقائق وفي
تخريج معادن جديدة قد لا يكون لها أصل من الحق أو الصواب...
والمستشرقون - وهم عيون الاستعمار - لعبوا دورهم الكبير في إفساد
ذات البين وشق حدة الدين لأسباب هي في حد ذاتها واهية ضعيفة وإن كانت
نتائجها أخطر مما يظن الظانون...
هذه مرحلة من مراحل الفهم..
وثمة مرحلة أخرى تلك هي البحث الجاد في هذه الفرعيات التي اتخذت
أساسا لخلاف لعله أن يكون خطيرا وقد كان خطيرا بالفعل في قابل
الزمان...
142

علينا أن نقتل القديم بحثا لنخلق وعيا إسلاميا جديدا فما من حق لرجل
غير دارس أن يتحدث فيما لا يعلم... وليس من شك في أن المذهب
الشيعي - وهو فرع من أهم فروع المذاهب في الإسلامية العامة - والذي
يدين به أكثر من مائة مليون مسلم في أنحاء الهند وإيران والعراق و...
هذا المذهب الشيعي بحاجة إلى كل دراستنا لنستطيع فيما بعد أن نصل إلى هدفنا
وهو التوفيق بين شتى المذاهب الإسلامية في داخل إطار من - كتاب الله -
القرآن الكريم.
إن هذا المذهب الإسلامي له مقوماته الفكرية كأي مذهب آخر من
مذاهب الدين، وله لواؤه الخفاق ما في ذلك ريب (1).. والعلماء الشيعة
كعلماء أهل السنة إنما يدركون كل شئ في حدود القرآن وفي حدود ما ورد
على لسان نبي الإسلام.. وقد نظموا دراسات وبحوثا لها قيمتها في ميدان
الإسلامية الكبرى، وكان لهم في إحياء التراث الديني مجالات ومجالات..
والواقع أنني ألمس فيهم نشاطا ممتازا،. وثقافة نادرة وفطرة مستقيمة في
تقدير الأمور.
وإذا كان الشيعة يرون أن عليا " كرم الله وجهه " كان أولى بالحكم من
(1) اطلعنا أخيرا على كتاب: " أصل الشيعة وأصولها " تأليف العالم
الكبير آل كاشف الغطاء وهو كتاب قيم جدا على صغر حجمه، وكتاب
" المختصر النافع " تأليف العلامة المحقق الحلي ولوزارة الأوقاف المصرية الفضل في
نشره، كما اطلعنا على الجزء الأول من كتاب: " وسائل الشيعة ومستدركها "
وأصول الجزء الثاني الذي نقدم له الآن.
143

أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان فليس ذلك ماسا بصميم الدين، أو هادما
لركن العقيدة أو مخالفا لشئ ورد في كتاب الله وسنة رسول الله..
إنها مسألة رأي في حكام تولوا أمور الإسلام وهي مسألة متعلقة بنوازع
الإنسان نفسه، وجهد بذله بعض الرجال عن إخلاص لإنقاذ الدين وحماية
الدولة.. وليس من عيب أن يرى قوم من الأقوام أن رجالا آخرين كانوا
أولى بهذا المكان من هؤلاء الرجال الذين تولوا بالفعل زمام الأمور.
لقد رأيت الكثيرين يتعرضون للشيعة وللتوفيق بين السنة والشيعة،
ولكنهم يتهربون من صميم المشكلة دون مبرر ولا سبب... والأمر فيما أرى
لا يحتاج إلى هذا التهيب ولا إلى هذا التردد.. إذ ما حل التهيب مشكلة من
المشاكل، ولا حسم التردد خلافا من الخلافات..
لأي من المسلمين - على مدى العصور - أن يعتقد ما يشاء فيما يتعلق
بأمور دنياه..
وثمة خلافات أخرى في جوانب من الفقه.. هذا يرى أن لمس الزوجة
ينقض الوضوء، وأن مس الذكر أيضا ينقض الوضوء.. ولا أرى أنا
شخصيا أن لمس الزوجة أو مس الذكر ينقض وضوءا.. وإذا رأى أهل
السنة غير ذلك فلهم مطلق الحرية ولست مانعهم حين يتوجهون للوضوء
مرة أو مرات.. ولكني أمنعهم حين يجعلون من هذا السبب مناطا
للاختلاف بينهم وبين أهل الشيعة فيكون هذا الاختلاف وسيلة لإضعاف
الإسلام..
لقد اتفقت جميع الأديان في أسس أصيلة هي الإيمان بوجود خالق للكون،
144

وأن هذا الخالق العظيم يدعو الناس إلى الخير، وأن هذا الخير يتلخص في عدم
الإضرار بالناس.. وقد أرسلت هذه الدعوة إلى الناس عن طريق الرسل..
وقد جاء الإسلام يخاطب العقل دائما، ويستحث التفكير وطالب به
ويلح إلحاحا كثيرا في أن نتدبر في أنفسنا، وفي معاشنا ومعادنا، وأن الله
لا ينظر إلى صورنا بل ينظر إلى قلوبنا، وأنه فرض علينا عبادات لا تقصد
لذاتها وإنما لتكون لنا ذكرى تجدد أرواحنا، وتروضنا على الطاعة
هدفا في حد ذاتها.. فضلا عن أن تكون موضع خلاف أو اختلاف بين
صفوفنا الموحدة..
ولهذا وعلى هذا الضوء يجب أن نتناول قضية المذاهب في الإسلام..
ننظر إلى الخطوط الكبرى، والأسس الثابتة:
هل يدعو مذهب من المذاهب إلى الظلم وإلى الاستبداد؟!
هل يدعو إلى السرقة.. أو الزنا.. أو إلى الربا أو إلى كبيرة من
الكبائر؟!
هل يختلف مع ما ورد في كتاب الله؟! هذا هو مقياسنا.. وعلى هذا
الضوء نستطيع أن نقرر مخالفة هذا المذهب أو ذاك الدين الله..
والشيعة حينما يحلون زواج المتعة مثلا إنما يستندون إلى الآية الكريمة:
" فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " 24 / 4..
ومقياسنا فهم آي القرآن هو اللغة.. ولغة هذه الآية واضحة لا لبس
145

فيها ولا غموض:. ولو احتكمنا إلى العقل - والعقل أصل من أصول
الدين - لما رأينا في ذلك نقصا..
ولست أرى - من الناحية العلمية - فرقا كبيرا بين زواج المتعة والزواج
الذي نأخذ به عند أهل السنة.. فزواج المتعة المحدود بزمان معين لصاحبه
مطلق الحرية في أن يمده إلى نهاية العمر
وزواج أهل السنة - ذاك الذي لا يتقيد فيه بزمان - لصاحبه أيضا وبنص
القرآن الكريم أن يقطعه بالطلاق.
فالزواج المباح عند أهل السنة دائم إلى انقطاع، وزواج المتعة أيضا
منقطع إلى اتصال.. وهذا هو الفرق العملي بينهما.
وليس هذا الفرق يهمنا بقدر ما هو غير موجود بالفعل.
وإنما الذي يهمنا أن نسجله هو أنه في الوقت الذي يدعو فيه الإسلام
إلى الشورى. ويدعو إلى حسن المعاملة، وانتزاع عوامل الفرقة والسوء،
ونوازع الاستبداد من نفوس الناس، ونفوس القادة والزعماء:
" فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من
حولك فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل
على الله " (1).
" والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم " 38 / 42
في هذا الوقت الذي يدعو فيه الإسلام إلى عدم الاستبداد بالرأي نرى
(1) آل عمران الآية 159.
146

البعض يفهمون المذهبية فهما متعصبا، وكأنما انفصل عن الدين خصومهم
في المذهب.
ونحن لا نرى هذا الرأي.. بل نرى عكسه تماما.. فالاختلاف في الرأي
وسيلة الوصول إلى الصواب.
ونحن لا نرى السب أو الطعن وسيلة للإقناع والاقتناع... وإنما نراه
وسيلة للقطعية وسببا للكراهية.. والله تعالى يقول:
" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " الآية.
والذي نراه اليوم أن ندرس الدراسة الواعية دون الدراسة القائمة.
والذي نستهدفه من ديننا أن نصل إلى الفهم الصادق عن طريق الثقافة المتعمقة
لا السطحية.. وعن طريق النهوض بمجتمعنا إلى المكان الذي يتناسب مع
جلال هذا الدين المتين.
ومن أجل هذا كله.. نكتب هذه المقدمة لكتاب يتناول فقه الشيعة
ويتعرض للأحكام التي آمن بها الأئمة من الفقهاء عند الاثني عشرية أو الإمامية.
حتى يرى أهل السنة أن ليس بينهم وبين الشيعة اختلاف أصيل.. وإنما هو
جميعا وحدة واحدة.. يستهدفون رفعة الدين ونصرة المسلمين أجمعين.
القاهرة: عبد الهادي مسعود
مدير المكتبات بدار الكتب المصرية " سابقا "
147

المتعة
وأثرها في الإصلاح الاجتماعي
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام اليوم بحاجة إلى تجديد، ومن واجد المجدد إذا تجنب الهوى
أن يدرس الموضوع دراسة متعمقة، وموضوعنا اليوم هو المتعة في الإسلام
ونريد عرض هذا الموضوع عرضا محايدا، لا تحيز فيه ولا تهيب،
ولا سطحية فيه ولا ابتسار.
والإسلامية مذهب ديني فلسفي تتمثل خطوطه كما تتمثل أركانه وأسسه
في كتاب الله، هذه الإسلامية التي امتدت من حيث المكان من " طنجة "
على المحيط الأطلنطي غربا، إلى أقصى الصين على المحيط الهادي شرقا،
ومن أواسط أوربا شمالا إلى الركن القصي من إفريقيا جنوبا. والتي امتدت
من حيث الزمان من عهد محمد صلوات الله عليه إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم،
هذه الإسلامية إنما امتدت هذا الامتداد مكانا وزمانا لأنها تتفق مع طبيعة
البشر في كل زمان وفي كل مكان، ولأنها توافق الفطرة التي فطر الله الناس
عليها، وتضمن للإنسان نوعا من السعادة، وتوفر له جانبا كبيرا من
الاستقرار والاطمئنان.
ومعنى الإسلام القريب هو الخضوع والاستسلام لأوامر الله، فالمسلم
148

هو الذي يسلم لله ويخلص له، فيأتمر بأمره ويخضع للحق مهما خالف هواه،
ومهما خالف ما ورثه عن أهله ومن حوله من آراء.
إن الخضوع المطلق لله تعالى يوجب الصدق المطلق مع ذات نفسك، كما
يوجب، الصدق المطلق مع آلك وأولادك والصحاب والإخوان، وغير
الإخوان، ما لم يكن ذلك متعارضا مع أمر من أوامر الله.
ولعل أول ما نتابعه في تاريخ الإسلام أن نتابع الوحي الذي نزل على
قلب رسول الإسلام، ولعلها أن تكون لفتة قوية تلك التي يسوفها الله إلينا
في أول آية نزلت من القرآن:
" إقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك
الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم "
كانت أول آية نزلت علينا من الملأ الأعلى هي قوله تعالى " إقرأ " هذا
الأمر الذي يعتبره المسلمون، أو يجب أن يعتبروه شعارا لهم يقرونه
ويخضعون له، فتصبح الكلمة المقروءة والكلمة المكتوبة وسيلتهم وأدائهم
في كل مكان ومجال.
وقد حدد الله تعالى معالم الطريق: نبدأ أولا بإدراك ماهية الإنسان منذ
يولد، هذا الإنسان الذي خلق من علق... هذا الإنسان كيف ومتى وجد،
وكيف ومتى ينتقل في مراحل التكوين من العلقة إلى المضغة المخلقة إلى غير
ذلك من أطوار... وأن ندرس خصائص هذه الأطوار جميعا.
إن من واجبنا بمقتضى القرآن الذي هو كتاب الإسلامية الأكبر أن
نبحث وأن نقرأ، وأن نتابع البحث والقراءة والاستزادة منهما حتى ندرك
149

الإنسان الذي خلق من علق، وحتى نكتب بالقلم، ونتعلم به ما لم نكن
نعلم، ذلك لأن الله تعالى هو الذي يعلمنا، وهو الذي يهذبنا، وهو الذي
يثقف أفهامنا وأفكارنا لندرك ما لم ندركه إلى اليوم، وإلى ما بعد اليوم
من أجيال وقرون.
والحق أن الإسلام اليوم في محنة، فهو في موضع التجربة اليوم أكثر
من أي وقت مضى، واليوم حيث تقدم العلم، وتقدم الإنسان، وتعلم هذا
الإنسان كثيرا مما لم يعلم، تعلم الزراعة والصناعة، وتعلم السيارة
والطيارة، وتعلم الطب والهندسة والتجارة، وتعلم الفلك، وتعلم الجدل،
والشعر والأدب، وتعلم الاحصاء بالقلم، كما تعلم حساب السنين والأيام، بل
تعلم كيف يدخل في الطبيعة فيفجر الذرة وكان هذا من مكامن الخطر.
ويقف المسلمون: حائرين، أيظلون على إيمانهم بكتابهم أم يتراجعون
ليؤمنوا بالعلم الذي أدهشهم وكشف لهم عن كل غريب؟!
أيتعارض هذا مع القرآن مع العلم أم يتفق معه؟!
أيوافقه في كل ما يذهب إليه، أم يدعو إلى تثقيفه وتهذيبه؟!
بل أيتفق هذا العلم بالأشياء والغرائب مع القرآن الذي ندين به أم يتعارض
ويعارض ويواجه المسلمين بغير ما يريدون وغير ما يؤمنون؟!
ولم يثبت المسلمون أمام تيار العلم الجارف، واعتبروا - لمدة من الزمن -
أن تقدم الشعوب الأخرى بالعلم دليل على جواز تخلف الإسلام عن الحضارة
واضطرتهم قوة الدفع الاستعماري إلى التخلف بالفعل عن ركب الإنسانية
الزاحف، ولكن بعض المسلمين لم يجرفهم التيار ولم يرهبوه، وعكفوا يقرأون
150

يبحثون، وفهموا أن الإسلام ليس هو الإيمان والطاعة فحسب، وإنما هو
الإيمان عن وثوق، والطاعة عن اقتناع، وهو فوق ذلك علم وبحث ودراسة
واستقصاء وهو بعد ذلك دعوة يجب نشرها وإذاعتها بين الناس.
أخذ الاستعمار يبسط سلطانه، وينثر ذهبه، ويضع الجلادين على رؤوس
الشعوب ليخضعها وينحرف بها عن دينها، وأخذ يبث صنائعه في كل بلد وفي
كل قطر، وانتشر الباحثون المسلمون فامتصوا آراء المستعمرين وعلومهم،
وتمثلوها وأدخلوا عليها ما شاءوا من الاصلاح والتعديل، كما سلطوا عليها
أضواء من الدين لصقلها وجعلها أداة للإفادة دون التدمير.
وتحركت جموع المسلمين يمنة ويسرة، بعضهم يواصل رسالة الحق،
وبعضهم يستبد برأيه، وبعضهم يهلك كالفراش المبثوث... وأصبح
لزاما علينا أن نسهم في كل هذا الطوفان نتلمس للإسلام وللمسلمين سفينة نجاة.
وقد رأينا أن الإسلام دعا إلى الفكر، وجعله عماده وأساس دعوته،
وجعل مرتبة المسلم الذي يرث الإيمان مرتبة دنيا... ومرتبة المؤمن بعد
البحث والشك مرتبة لا تعلى في مراتب اليقين...
كان الإسلام ولا يزال دين حق.. يبحث عن الحق ويسعى إليه،
ويدعو الناس إلى الدفاع عنه.. دين جاد يواجه الحياة ويرسم الحلول لما بها
من مشاكل...
دين جاد يدعو الناس إلى الاستسلام للحق وحده، وإن أتى من أقصى
الأرض، ويدعوه للإذعان لسلطان الحق فلا سلطان إلا للحق أينما كان...
151

يدعو الإنسان إلى الإيمان الجاد الذي يواجه الحقائق قبل أن تأتيه الحقائق
فتهز في الإنسان أصول إيمانه، بل قبل أن تواجهه المشاكل فتقضي على ما تبقى
في نفسه من اليقين...
والقرآن يرفع شأن العلم بطريقة لا تخلو من التحريض والتحقير لكل
جهالة، قال تعالى:
" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ "
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
" من تعلم بابا من أبواب العلم ليعلمه للناس أعطى ثواب سبعين صديقا "
رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس عن ابن مسعود.
ولا يعلم غير المسلمين ما مقام الصديقين عند الله... إنهم بمنزلة الشهداء
الذين يموتون في سبيل المبدأ والعقيدة والإصلاح، بل إنهم ذكروا بعد
الأنبياء وقبل الشهداء في آيات من القرآن... وذلك أنه تعالى جعل العلماء ورثة
الأنبياء في الأقوال والأفعال وجعل الشهداء منفذين لأقوال العلماء حين
يؤمنون بما يقول العالم المخلص فيقتنع ويعتقد ويؤمن، ثم يندفع ليموت في
سبيل العقيدة والمبدأ...
وبعد فإننا بصدد بحث عن " المتعة " ومشروعيتها في الإسلام...
" والمتعة " يدعو لها " الشيعة "... والشيعة بالنسبة لأبناء إقليمنا بحاجة
إلى تعريف...
152

ولا بأس من أن أرجع في تقديمي لهذا الكتاب إلى مقدمتي التي صدرت
بها كتابا آخر لإمام من فقهاء الشيعة المتقدمين وهو: " الحر العاملي " في كتابه
" وسائل الشيعة " والذي كمل الانتفاع به بانضمام " مستدركاتها " إليها للميرزا
" حسين النوري " قلت: في تقديمي لهذا الكتاب في تعريف مركز عن الشيعة
تعرضت من خلاله لقضية " المتعة ".
ونحن إذ نجدد فهمنا للدين في هذا العصر، وإذ ننطلق بأبصارنا وأفهامنا
لإدراك الأسس الأصلية فيه نستطيع أن نحدد لهذا الفهم مراحله وأن نرسم
لتحقيق هذا الهدف وسائله...
وأول هذه المراحل، وأهم هذه الوسائل هو البحث فيما ورثناه عن
أسلافنا كدين.. هل خلا من الشوائب؟ هل بانت معالمه وهل تكشفت
لنا خباياه دون أن يدخل في أوساط رجال الدين مزيفون للحديث،
موسعون لشقة الخلاف ليستطيع المستعمر أو المستغل أو الخصم أيا كان
الخصم أن يلعب دوره البغيض في الإفادة من هذا الزيف، وفي استغلال
هذا الاختلاف؟!
إن الإجابة عن مثل هذا السؤال واضحة لكل صاحب إيمان... فاليهود
الذين كان من مصلحتهم أن يخضع الناس لسلطان المال بأكثر من خضوعهم
للدين والحق، لهم دور كبير في بلبلة الفكرة الإسلامية، ورجال الدولة الذين
كانوا يحكمون على مر العصور كانوا يلعبون دورهم في إخفاء بعض الحقائق
، وفي تخريج معادن جديدة قد لا يكون لها أصل من الحق والصواب...
والمستشرقون - وهم عيون الاستعمار - لعبوا دورهم الكبير في إفساد
153

ذات البين، وشق الصفوف لأسباب هي في حد ذاتها واهية ضعيفة وإن
كانت نتائجها أخطر مما يظن الظانون.
هذه مرحلة من مراحل الفهم..
وثمة مرحلة أخرى تلك هي البحث الجاد في هذه الفرعيات التي اتخذت
أسبابا لخلاف لعله أن يكون خطيرا، وقد كان خطيرا بالفعل في قابل
الزمان...
علينا أن نقتل القديم بحثا لنخلق وعيا إسلاميا جديدا، فما من حق
لرجل غير دارس أن يتحدث فيما لا يعلم. وليس من شك في أن المذهب
الشيعي - وهو فرع من أهم فروع المذاهب في الإسلامية العامة - والذي
يدين به أكثر من مائة مليون مسلم في أنحاء الهند وباكستان والعراق
وإيران... هذا المذهب الشيعي بحاجة إلى كل دراساتنا لنستطيع فيما بعد أن
نصل إلى هدفنا وهو التوفيق بين شتى المذاهب الإسلامية في داخل إطار من
كتاب الله - القرآن الكريم.
إن هذا المذهب الإسلامي له مقوماته الفكرية كأي مذهب آخر من
مذاهب الدين وله لواؤه الخفاق ما في ذلك ريب. والعلماء الشيعة كعلماء أهل
السنة إنما يدركون كل شئ في حدود القرآن، وفي حدود ما ورد على لسان
نبي الإسلام. وقد نظموا دراسات وبحوثا لها قيمتها في ميدان الإسلامية
الكبرى، وكان لهم في إحياء التراث الديني مجالات ومجالات.. "
ولقد تابعت كثيرا من كتب الشيعة، وتابعت مختلف الآراء التي قيل بأنها
تختلف عما يتجه إليه أهل السنة فوجدته خلافا على شكليات لا أصل لها من
154

جوهر الأمور، فالخلاف حول تفضيل " علي " كرم الله وجهه خلاف
لا يمس صميم الدين ولا يهدم ركنا من أركانه، فضلا عن عدم جدوى إثارة
مثل هذا الموضوع وقد قبض النبي صلوات الله عليه إلى ربه كما قبض الخلفاء
الأربعة وغيرهم من جلة الصحابة والتابعين، ولن يفيد الخلاف والاختلاف
في إعادة واحد منهم أو غيره إلى الحكم، ولو افترضنا أن إماما سيظهر في قابل
الأيام فالعالم كله في انتظاره لأنه سيكون مؤيدا بروح الله.
ولعل من أخطر وجوه الخلاف ذلك الذي دار حول " المتعة ".. التي
يحلها فقهاء الشيعة (1)، في الوقت الذي يحرمها فقهاء السنة.
وقبل أن أناقش هذا الموضوع أحب أن أضع أمام الأنظار إحصاء كان
اتحاد الأزهر قد طبعه ووزعه منذ حوالي خمسة عشر عاما يقرر فيه ما يلي:
1 - بلغ عدد الحوادث سنة 1941 في مدينة القاهرة وحدها 354046
حادثة بينها 1359 جناية " إحصاء سكرتير نيابة مصر - الأهرام في 27
فبراير سنة 1942 ".
بن عبد الله الأنصاري و " زيد " بن ثابت الأنصاري وسلمة
ابن الأكوع السلمي، وعمران بن الحصين الخزاعي، وعبد الله بن العباس
ابن عبد المطلب رضي الله عنه " انتهى " - المحبر ط بيروت: المكتب التجاري
(*) كذا في الأصل ولعله جابر عن هامش " المحبر " ص 289
- المؤلف - (*)
(1) قال أبو جعفر محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 هجرية في كتابه المحبر:
ص 289 تحت عنوان: " من كان يرى المتعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
خالد
155

2 - عثر في القاهرة على 1005 غلام في 100 فندق وحمام مصابين جميعا
بأمراض خبيثة - وثبت بالتحقيق أن عصابة قبض منها على سبعين فردا كانت
تتجر في الغلمان وتبيع الغلام بثلاثة جنيهات " عن المقطم والأهرام في 24
و 25 ديسمبر 1941 م ".
3 - جاء في تقرير مكتب الآداب عن أعماله خلال شهر سبتمبر 1941 م
في القاهرة ما يأتي:
4 - قبض المكتب على 719 - غلاما مشردا.
94 - امرأة تحرض على الفساد بينهن 8 فتيات قاصرات.
105 - امرأة في منازل سرية.
65 - بنسيونا وفندقا يدار للدعارة.
34 - بلطجيا.
112 - مرة دهم بيوت الدعارة.
13 - قضية فعل فاضح في الصالات.
1054 - شكوى هتك عرض حقق فيها المكتب.
3 - قضايا بيع كتب مخلة بالآداب.
وهذه هي حصيلة شهر في مدينة كبرى هي عاصمة البلاد... فما بالنا
بحصيلة الأيام والشهور والأعوام التي تلت ذلك... وقد كانت هذه الحصيلة
في وقت كان فيه البغاء العلني المصرح به موجودا وقائما ويمارس خدماته
الوضيعة. فما بالنا وقد ألغي هذا البغاء...؟
156

لقد بلغ عدد المصابين بالزهري من بيوت الدعارة سنة 1931 م ربع
مليون من الزناة أي 250 ألف نسمة...
ولا نقول إن هذا يمثل الحقيقة في بلادنا في الماضي وفي الحاضر، وإنما
هو يمثل جانبا من الحقيقة، وما خفي كان أعظم.
إن ما يحدث في المدارس الداخلية بنين وبنات لا يخفى على الناس...
وما يحدث في البيوت بين الأقارب والصحاب لا يخفى على
الناس...
وتجارة الرقيق يمارسها جميع الشباب في السن الذي ينتظرون فيه الزواج،
ولا نقصد المعنى الحرفي لتجارة الرقيق، وإنما نقصد علاقة الذكر بالأنثى
بالطريقة التي لا يسيغها العقل ولا يسيغها الدين، ولا تسيغها الأخلاق...
وما تعرضه الجرائد والمجلات من مآسي تتكرر صورها وتتكرر وقائعها
لا يحتاج إلى بيان.
بل إن ما يحدث في أعماق الريف يفوق كل ذلك في النوع وفي المقدار.
وآخر ما قرأت في جريدة الأخبار منذ أيام... أن موظفة بمصلحة
التليفونات في القاهرة استغاثت عن طريق إحدى زميلاتها بالنجدة حيث
هاجمت منزلا في دائرة عابدين وجدت به الفتاة، ووجدت معها شابا عثر معه
على قطعتي حشيش، وحبوب تخدير، وحقن طبية لمنع الحمل، وتولى المقدم
" علي الحديدي " مأمور القسم التحقيق حيث قررت الفتاة أنها كانت تقف
على محطة الأتوبيس بشارع الجلاء فشعرت بالدوار، وحينما أفاقت وجدت
157

نفسها في مسكن الموظف، وحينما أرادت الانصراف حبسها، وحاول هتك
عرضها، واستبقاها في منزله أربعة أيام...
والحادث خطير في مدلوله، خطير في خطته الجديدة المثيرة...
حبوب تخدير يمكن أن تستخدم مع أية أنثى تسير في الطريق...
وقطعتان من حشيش، رغم المقاومة الجبارة لتجارة الحشيش...
وحقن طبية لمنع الحمل قد تكون آثارها الصحية مدمرة بالنسبة للمرأة
وللفتاة على حد سواء...
وكل هذا يحدث في " القاهرة " وهي مدينة كبيرة، حيث الحراسة
متوفرة، وحيث الشوارع تضج بالناس..
ويقوم بهذا كله موظف يقرر بأنه أخذها معه لإسعافها، وأنها رفضت
الانصراف من منزله على حد ما ذهب في اعترافاته، أو ما ذهب إليه
من أقوال..
وليس هذا الحادث فرديا.. بقدر ما هو حادث يتكرر.. ويتكرر
ما هو أسوأ منه في كل وقت... وقد سمي حادثا لأنه ظهر سواء كان باختيار
البنت أو برغمها... وسواء أقتلها أهلها، أم وقع القانون على المعتدي...
أو أخذ بثأرها واحد أو آخر من إخوتها أو الأقربون...
كل هذا وغيره لا ينهي الموقف، ولا يحل المشكلات..
ونزل القرآن لإصلاح المجتمع وحمايته، ورعاية الأسرة والدفاع
158

عنها.. نزل ليضمن سعادة الإنسان، ونزل مناسبا لجميع الناس على اختلاف
ظروفهم وأحوالهم..
وقد أوجب الزواج عند خشية الزنا، ولكن الزواج يحتاج إلى المهر
وإلى الاستعداد، وفي الإنسان طاقات تتنفس، ولا بد أن تكيف علاقات
الذكر بالأنثى تكييفا سليما لا تتحطم معه خلقية الإنسان، ولا تنهار معه
الأسرة حين يرتبط الرجل بعلاقات.. وترتبط الأنثى بعلاقات.. سواء
أكان هذا بالإغراء من طرف من الأطراف المعنية أو من الطرفين معا
فالنتيجة هي النتيجة.. والحل ليس هو الزنا أو اللواطة أو السحاق بأية حال
من الأحوال.. هذه الأمراض التي نشأت لأننا لم نفهم ما في القرآن من
مثالية نتلمسها في " التصوف ".. وما فيه من واقعية معتدلة صافية نتلمسها في
قوله تعالى:
" خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ".
وما فيه من واقعية أكثر في مرونتها من ذلك، أو قل أقرب إلى طبيعة
الإنسان بما فيه من هذه الغريزة المقيمة حين يجيز له الزواج من اثنتين
وثلاث ورباع، بل إنه يفتح للمسلم بابا آخر هو هذا الترخيص الوارد في
قوله تعالى:
" والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ".
ثم يقول جل من قائل عقب هذا النص من الآية مباشرة:
" وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين،
159

فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم
به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيما ".
وبهذه الآية " وأحل لكم ما وراء ذلكم... " تمسك فقهاء الشيعة من
المذاهب الإسلامية الكبيرة...
ويحاول بعض الدارسين من معتنقي مذاهب أهل السنة أن يقول: بأن
" المتعة " هنا هي الزواج العادي الدائم، ومثل هذا الكلام مردود، إذ من
المحقق أن اصطلاح " المتعة " معروف ومقرر، ومن المقطوع به أنه أبيح على
عهد رسول الله صلوات الله عليه، وعلى عهد أبي بكر، وجانب من خلافة عمر..
وهو عند الشيعة لا يزال مباحا إلى اليوم..
كما يحاول بعض الدارسين على اتجاه أهل السنة أن يفسره أحيانا على أنه
" ملك اليمين " وهي محاولة ساذجة للتهرب من الحقيقة، فملك اليمين لا يحتاج
إلى بيان، وليس هو المقصود بهذه الآية على وجه من الوجوه، وملك اليمين
هو ملك اليمين وليس شيئا آخر، هذا كله فوق أنه مذكور في صدر هذه
الآية الكريمة موضوع الاستشهاد.
أما " ما وراء ذلكم " فما استمتعتم به منهن، ومن واجبكم حينئذ أن
تلتزموا شروط ذلك، وأول هذه الشروط والأوامر:
" فآتوهن أجورهن فريضة ".. " محصنين غير مسافحين " متعففين
غير مرتكبين للزنا، ملتزمين لكل شروط " المتعة " التي لا تضيع حقا
لذي حق، إذ " المتعة " لا تتم إلا بشروط وضعها الشارع الأكبر وبينها
للناس...
160

هذا هو التفسير الذي وضحه لنا أئمة المجتهدين من الشيعة، وكل تكلف
في التفسير والتخريج على غير هذا الوجه - إنما هو عندهم من باب تحريم
ما أحل الله، وهو.. فيما نرى تعسف لا يحتمله النص على وجه من
الوجوه..
وقد رأينا أن نختار نصا من كتاب " المحلى " للإمام ابن حزم المتوفى عام
654 ه‍ بالجزء التاسع في باب أحكام النكاح يتميز بعرض واضح، وتعريف
محدد للمتعة.
وقد أشار الأستاذ الفكيكي إلى هذا النص في ص 38 من هذا الكتاب،
غير أنني أنصح بالرجوع إليه كاملا في كتاب " ابن حزم " حيث يعرضه هذا
الإمام بين يدي القارئ الكريم وعقله ليكون موضع الاحتكام.
على أننا نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة - أن أكثر من تسعين
في المائة من المجتهدين، من سنة وشيعة أجمعوا على أن " المتعة " المذكورة
في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول
في الإباحة.
أما النسخ فالمجتهدون من السنة يقررون أنه ورد بحديث عن النبي صلوات
الله عليه، ونهيه عن ممارسة هذا الحق الذي منحه القرآن الكريم.
وقد عودنا القرآن حين يحرم شيئا أن يفصله ويكرره ويؤكده، بل غالبا
ما يضع العقوبات للمخالفين...
161

قال تعالى: " وقد فصل لكم ما حرم عليكم ".
وترتيبا على ذلك محال أن يحرم الله تعالى علينا ما لم يبينه لنا، وما لم يفصله
على حد تعبيره تعالى في هذه الآية المحكمة...
وإذا كانت المتعة قد أبيحت بنص من القرآن فلا بد من أن تحرم - إذا كان
ثمة تحريم - بهذه الطريقة من البيان والتفصيل.
قد يقول قائل بأن فتح الباب لزواج المتعة سيغلق باب الزواج الدائم،
وسيدفع الشباب إلى زواج المتعة دون الزواج الدائم، ولكنها حجة واهية
لا تحتاج إلى نقاش ذلك أنه بالرغم من إباحة المتعة في كثير من أقطار الإسلام
كالعراق وإيران وغيرهما، فلا يزال الزواج الدائم هو الساري في
غالب الأحيان.
ونقول إنه على الرغم من إباحة الطلاق عند أهل السنة وأهل الشيعة على
السواء فلا يزال كل متزوج حريصا على عدم استغلال هذه الرخصة المباحة
حفاظا على الولد، ورعاية لجمع الشمل، ولا يلجأ إلى استخدام الطلاق
إلا جاهل فدم، أو رجل لا يقدر المسؤولية، أو في حالة الاضطرار وهو الأمر
الذي من أجله شرع هذا الترخيص.
وكم من زوجات آذين أزواجهن بالحق حينا، وبالباطل أحيانا بل غالبا،
ألحقن بأزواجهن أضرارا جسيمة نتيجة لغيره مفاجئة أو تحريض محكم من
حماة أو جارة أو زميلة لا تريد بها وبزوجها إلا الشر والسوء لسبب أو لآخر
من الأسباب، ومع ذلك آثر الأزواج المحافظة على البيت حرصا على ولد
صالح أو بنت يؤذيها الانفصال كل الايذاء... ولأمر ما جعل هذا الترخيص
162

في يد الرجل ولم يترك لأهواء المرأة حتى لا تكون - ولا نقول حتى لا يكون -
سببا للنكبات...
وجاءني صديق من أصدق شباب العراق، وهو أخي " مرتضى الرضوي "
وطلب إلى أن أقدم هذا الكتاب، " وكنت قدمت له كتاب " وسائل الشيعة "
من قبل وترددت، أستجير الله وأطلب السداد في الرأي، وطالعت الموضوع
وتابعته أياما وشهورا وأنا أخلف موعد الزميل " المرتضى " وهو يلتمس
الأعذار، وساعدني زميل مصري بإدارة الثقافة هو الأستاذ سعيد عبده،
وأحضر لي بعض مخطوطات مصورة نادرة من كتابين جليلين هما:
1 - ناسخ الحديث ومنسوخه لأبي حفص ابن شاهين.
2 - نواسخ القرآن لابن الجوزي.
وأوجب على الموقف بعد المطالعة والبحث أن أعرض هذا الموضوع هذا
العرض العلمي الحيادي الإيجابي معا، لعله أن يكون موضع الدراسة لدى
المختصين على منهج مثل هذا المنهج، واتجاه يتقارب مع هذا الاتجاه..
وليس من شأني في هذا التقديم أن أتعرض لتفصيلات " المتعة " ولها
شروطها وقيودها التي بينها لنا العالم أو المحامي " توفيق الفكيكي " في كتابه
الذي نقدمه الآن.
أما المتعة عند الشيعة فهي تدفع جرائم عديدة تهدد المجتمع كله بالدمار.
وقد أوردنا إحصاء يكشف عن بعض الجرائم، فيها المتزوج وفيها
163

المتزوجة، وفيها الجيران، والقريب الذي يدخل البيت مستظلا بقرابته،
والصديق المستظل بصداقته. والذي يغري المرأة، والذي تغريه المرأة.
وثمة ألوان غير هذه الجرائم من الشذوذ يعرفها الجميع، بل ويرونها حتى
بين أولادهم وفلذات أكبادهم، فيخفون رؤسهم في الرمال دفعا للأخطار
وما هكذا تحل مشاكل المجتمعات..
المتعة تقضي على الدعارة الرسمية، ونصف الرسمية، وغير الرسمية.
وتقضي على الزاني الذي ينطلق كالحيوان إلى هذه وتلك.. والزانية التي تسلم
نفسها لهذا وذاك دون عقد ودون شهادة من الشهود، ودون اعتبار " للعدة "
التي تستغرق في المتعة المباحة عند الشيعة حيضتين كاملتين أو خمسا وأربعين
يوما كاملا " حتى إذا كان ثمة " حمل " انكشف في خلال هذه المدة فألحق
بأبيه، وصار مسؤولا عنه مما يدفع إلى إستدامة العلاقة الزوجية بالفعل..
أما الإسلام فقد وجد ليحارب كل هذا، لا ليحاربه بالسيف.. فالسيف
أضعف من أن يحل المشكلات. وإن قال الشعراء بغير ذلك.
السيف حين يحارب السرقة ينسى أن الرشوة أشد نكاية في هدم الشعوب
من السرقة.
والسيف حين يحارب البغاء بالإلغاء - دون خطة واعية وتيسير للزواج
والإحصان - ينسى أن الطبيعة البشرية أقوى من الإلغاء، وأقوى من المياه
الهادرة، والأمواج الثائرة، والنيران المشتعلة.
والسيف حين يسلط حده على الظهور يتهرب الناس - جموع الناس -
بظهورهم ليزحفوا إلى الرذيلة والفساد على بطونهم، متظاهرين بالتزلف إلى
164

جلاديهم، والتقرب إلى الطغاة والمفسدين.. إلى أن ينفسخ كيانه وكيانهم..
وأساس الإسلام هو العقيدة قبل السيف..
وهو الفكرة القوية التي نعتقد أنها أقوى من كل الجيوش في أرجاء
الأرض.. وهي أساس تكوين الشعوب في أي ركن من الأرض.. وهو
بفكرته الثقافية يساير طبيعة الإنسان لينظمها ويشرع لها لا ليشرع ضدها
أو يعترض طريقها.
وأخيرا وليس آخر نقرر الفرق بين زواج المتعة، والزواج الذي نأخذ
به عند أهل السنة:
فزواج المتعة المحدود بزمان معين لصاحبه مطلق الحرية في أن يمده إلى
نهاية العمر.
وزواج أهل السنة - ذاك الذي لا يتقيد فيه بزمان - لصاحبه أيضا وبنص
من القرآن أن يقطعه بالطلاق.
فالزواج المباح عند أهل السنة دائم إلى انقطاع، وزواج المتعة أيضا
منقطع إلى اتصال.. وهذا هو الفرق العملي بينهما.
وليس هذا الفرق يهمنا بقدر ما هو غير موجود بالفعل.
وأخير نقول بأن: هذا الدين متين، وعلى الدارسين أن يوغلوا فيه برفق،
وعليهم دراسة المشكلات دراسة متحررة من كل جمود، محررة من كل شوائب،
وعرضها من كافة وجوهها بحيث لا يوجد بين المسلمين خلاف يفضي إلى
إلى ضرر أو ضرار.
القاهرة: عبد الهادي مسعود
165

علي ومناوئوه
(3)
لقد كان من واجبي أن أعترف على نفسي بالتقصير أو القصور إذ
كتبت ترجمات عديدة عن شخصيات أوروبية أو أجنبية ولم أتمكن من
الكتابة عن عظماء التاريخ الإسلامي، وعلى رأس هؤلاء الإمام علي
عليه السلام.
ولم يكن بد - كما يحدث غالبا - أن ألقي بظلال هذا العتاب على الظروف
والملابسات التي مرت ولا تزال تمر بي لأدفع عن نفسي هذا القصور
والتقصير أمام جمهور أحبه كل الحب - بل أحبه إلى حد العشق - وهو جمهور
القارئين في الأقطار العربية والإسلامية الشقيقة.
وتقدم إلي الأستاذ " مرتضى الرضوي " لأكتب مقدمة لكتاب الدكتور
نوري جعفر " علي ومناوئوه " وكان ذلك في منتصف شهر شعبان 1394 ه‍
الموافق أواخر الشهر الثامن أغسطس 1974 فقلت ما لنا ومناوئيه ولست
منهم ولا شك أيها القارئ الكريم، كما وأنني لست منهم على التحقيق،
ولقد أقبل الموسم القضائي - أيها الصديق مرتضى - ولنا فيه معارك على
ساحة مجلس الدولة مما قد يشغلنا عن كثير مما يوجب بذل الجهد والوقت فيه
من قضايا الفكر والعقيدة والإيمان.
كنت أتوقى إلى الكتابة عن الإمام علي بن أبي طالب - منذ أمد بعيد -
وهو أول فتى في الإسلام وفارس فرسانه، وكنت ولا زالت أتوق لأن
166

تكون الكتابة عنه تمهيدا لي وتمهيدا وللقراء أن أكتب عن الرسول
صلى الله عليه وسلم.
والكتابة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كتابة عن الإيمان وكتابة
عن الحكم الإسلامي في ظل الإيمان، وكتابة عن الإسلامية الصحيحة،
ودفاع عن المسلمين على مر العصور، ومن حضر منهم في عهد علي عليه السلام
ومن حضر بعده أو قبله، منذ نزلت الرسالة على رسول الله محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم.
وكان على أن أنتظر سانح فرصة لأسجل بعض ما خطر في ذهني عن هذا
الرجل العظيم.
وكان علي بن أبي طالب عليه السلام كما ورد في " الإصابة ": قد اشتهر
بالفروسية والشجاعة والإقدام " فهل كانت شهرته قاصرة على هذا المجال
فحسب؟!
لقد أجمع الرواة - وترى ذلك متواترا طبقة عن طبقة -: أن علي بن
أبي طالب هو أول فتى دخل في الإسلام، وسارت الركبان بهذا الحديث
يسوقونه على أنه ميزة لعلي، بمعنى أنه لم يعش الجاهلية، وإنما يكاد يكون
مسلما - منذ أدرك - فهل كانت هذه هي ميزته فحسب؟!
كان علي ابن عم الرسول الأعظم ومتبناه.
وكان علي أخا لرسول الله والرسول أخوه - كما يروي الرواة الثقات -
نقلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه حينما كان يتحدث عن ابن
عمه علي.
167

وكان بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لم يكن ثمة نبي بعد محمد بن عبد
الله صلى الله عليه وسلم. وكان هو وزير النبي وخليفته من بعده (1).
وتلك نصوص قاطعة عن الرسول، قاطعة الدلالة على إمامة علي فهل
تكفي هذه الإشارات اللامحة للكشف عن أحقيته في الإمامة عليه السلام؟
قال ابن مسعود في شأن الإمام: كنا نتحدث عن أن أفضل أهل المدينة
هو علي ".
بل إن عمر نفسه كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، وكان يقول:
" لولا علي لهلك عمر ".
وهناك جوانب أخرى عديدة يجب أن نجليها لأنفسنا وللعالم كله على
السواء...
لقد نقض بعض الذين بايعوا عليا، ونقضوا ما عقدوا عليه العزم
وكانت الحروب بين المسلمين إلى أن انتهى صراعها بانتصار الأقوياء، ولم تنته
المعارك بانتصار الحق، إذ لو انتصر الحق لكان علي - عليه السلام - هو
الحقيقة المجسدة، وكان نصره فوق كيد الكائدين، وقوة المال والسلاح،
وسطوة البغي والغرض، والدهاء والإغراء..
(1) أنظر " المستدرك على الصحيحين " 3 / 109، " مسند الإمام أحمد "
4 / 281 الطبعة الأولى " خصائص الإمام علي " للنسائي ص 21 طبعة مصر
- " تفسير الفخر الرازي " 13 / 48، 49 - " أسباب النزول " للواحدي
ص 125 طبعة مؤسسة الحلبي - " حياة محمد " للأستاذ محمد حسين هيكل الطبعة
الأولى ص 104 - " جريدة السياسة المصرية " ملحق عدد 2751.
168

ولأمر ما أراد الله أن تدخل دولة المسلمين في محنة كبرى، ولما تستقر
أصول الإسلام في نفوس الناس، ولا سرت روحه في دمائهم على الوجه
الذي كنا نظنه في أول دراسة لنا لقضية صدر الإسلام، ومن المعلوم الذي
يجب أن يكون بديهة في نفوس الباحثين أن نعلم أن الإسلام هو صحوة المستقبل
للعالم كله. ولم يكن - كما كنا نتخيل أحيانا - دعوة الزمن الذي ظهر فيه
وحده... لأن إطاره المكاني هو العالم كله، والإطار الذي يتحرك من
خلاله - من حيث الأزمنة والعصور - هو كل الأزمنة وكل العصور، منذ
ظهر الرسول - صلوات الله عليه - حتى يرث الله الأرض ومن عليها..
ولقد علمنا من الصراع بين علي عليه السلام وبين معاوية أن السلطة
قد انتقلت إلى معاوية بن أبي سفيان بن حرب... وأمه هند آكلة الأكباد.
التي نهشت جسد عم الرسول حمزة عليه السلام، وفلقت رأسه.. وأكلت
كبده... شفاء لحقدها على الرسالة وأهلها - حينذاك - واستبد معاوية
بالناس، وأحال الخلافة ملكا عضوضا، واستحصل من الناس - جبرا
وقسرا - على عهد لابنه " يزيد ".. ونحن نعلم من هو " يزيد " وما كان عجبا
أن يكون هو " يزيد " لأنه وارث القسوة والفجور، ومستمد الفساد من
شجرة الفساد... والعرق دساس... ونحن لا نجري الأبحاث - مع
الأسف الشديد - عن شجرة الرجال، وأصول الرجال.
لقد عمل اليهود - من خلال كل الجهود - على تدمير علم الأنساب لتختلط
العائلات ويمكن من خلال هذا الاختلاط أن يندس في وسط كل قطر من
أقطار الإسلام طبقة من اليهود يدعون الإسلام ليفسدوا فيه، وكانوا
يناصرون كل من يدعو للفتنة.
169

ولكن بنية الإسلام القوية رغم كل ما مر بها لم تتوقف عن النماء ولم
يزعزع عقيدة الإسلام ما مارسه بنو أمية من طغيان.
ولقد أحاط المفسدون بحكام الدولة الإسلامية ليحولوا بينهم وبين كل
إصلاح... محاولين إيقاع الفتنة في دولة المسلمين.
لقد قيل إن بناء الجماعة تصدع على عهد علي، ومن قبله كان الثائرون
محاصرون بيت " عثمان " فهل قرر هذا أو ذاك: مصير الإسلام والقرآن؟!
إن هذا الدين الخالد مر بهذه المحنة وبغيرها من المحن وخرج منها
أقوى مما كان قبلها، ذلك أن بنية العقيدة أقوى من أن تحطمها الرضوض
والآلام.
أكلت الحروب بين علي وخصومه عددا كبيرا من المسلمين ولم يكن
متوقعا أن يحدث ذلك على وجه من الوجوه إلا أن اتساع الملك والسلطان
كان يقتضي ذلك، وكان يقتضي غيره من ألوان الصراع... وكانت هذه
المحن - في رأيي - هي درجة الغليان التي أحاطت بالدين الجديد
فحفظت الشعب أن ينهار أمام الحضارات المجاورة، وأمام الفتوحات
الوسيعة المدى بما تحتويه من أفكار جديدة واتجاهات متعددة مختلفة
الألوان والأحجام.
إن علينا أن ندرس كل أولئك حين ندرس شخصية هذا البطل العظيم
في تاريخ الإسلام علي بن أبي طالب، عليه السلام.
وعلينا أن نعلم: أن انفصام عرى الوحدة بين المسلمين، وتفرقهم
170

في الآراء والمذاهب والأحزاب كل ينصر رأيه بالقول وبالعمل على رأي
خصمه، وكل يصارع في سبيل عقيدته هذه أو تلك بالفكر حينا وبالسلوك
أحيانا، وعلينا أن ندرك أن هذا كله وغيره ليس إلا دلائل صحة،
لا دلائل وهن أو هزيمة، وأن الصراع دائما يدل على اليقظة لا على الموت،
ما دام لا يفضي إلى انشقاق في صفوف الأمة، أو مواجهة عدائية
بين الطوائف،
وقد اكتمل الدين حينما اكتمل نزول القرآن، ولقد كان الإسلام على
عهد الرسول دعوة وفكرة - أكثر منه دولة وسلطانا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
قد أقام دولة على أساس من التشريع القرآني، فقد كانت دولة صغيرة
الحدود على أية حال، ولكنها كانت نوية قوية، قابلة دائما على النمو
والازدهار، وبقي أن تكتمل الدولة بعد ذلك فتوسع من آفاقها وتنشر من
سلطانها على هذه الأسس السليمة، كانت نواة في مثل صلابة " الجرانيت "
يحمل لواءها نفر من المؤمنين الأتقياء لا يبالون أين يكون الموت، إذا
هو - عندهم - دور من أدوار الحياة، ومرحلة من مراحل الوجود،
فهم لا يخشون شيئا ولا أحدا ولا دولة من الدول، ولا حكومة،
من الحكومات، وإنما يذيعون نظريتهم في مجال الفكر وفي مجال التطبيق
على السواء، وقد بدأ صفوة المسلمين - وعلى رأسهم - علي عليه السلام
يتتوقون إلى بناء الدولة الوليدة، على أساس من النظرية والعقيدة،
واختلفت الآراء بين الصفوة وبين عامة المسلمين، ممن لم تتدخل العقيدة
في مسرى دمائهم.
كانت الدولة وليدة في المهد، وقد تعرض الوليد لكل ما يتعرض له
171

الوليد من محن تكبر في عينه هو، وإن صغرت في عين الزمن، الذي أثبت
دائما أن البقاء للأصلح وأن الخلود للإيمان.
مرت دولة المسلمين في محنة كبرى فآذت المحنة دولتهم، ولم تنل من
دينهم، وللنشأة الجديدة ثورات وحركات وصراعات، سنرى جوانب
منها حين ندرس الإمام، وما أحاط به، وبالمسلمين من حوادث،
وأحداث...
وسنرى جوانب منها حين نطالع صفحات هذا الكتاب.
عبد الهادي مسعود
وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي
القاهرة في: 18 شعبان 1394 ه‍ / 5 سبتمبر 1974 م
172

مع رجال الفكر
في القاهرة
(4)
بسم الله الرحمن الرحيم
يتحدث المتحدثون عن علم التاريخ وأهميته، وعلم التراجم وخطورته، فمن
خلالهما ندرك سنن الحياة وقواعد السلوك للأفذاذ من أفراد الناس.
ومن التراجم ما يكون موضوعيا خالصا يعرض ما للمترجم له وما عليه،
ومنه ما يكون ذا صبغة مستمدة من ذاتية المترجم ومذهبه وعقيدته، ومؤلف
هذا الكتاب وجامعه قد آثر هذا اللون الأخير، فقد جعل من عقيدته الشيعية
الإمامية مقياسا للرجال، من آمن بها فهو قريب منه، ومن نفر عنها فهو
بعيد عنه، فهو يقدم مذهبه من خلال مفكرين قابلهم في القاهرة وتعامل معهم.
والسنة والشيعة وغيرهما من مذاهب لم تخرج على قواعد الإسلامية
الكبرى بل تذوبان فيها، ولها بوتقة تذيب فيها ما قد يزيد عن ذلك وينقص،
وكل أولئك جدير بكل اهتمامنا ووعينا لنخلص إلى أسلم الآراء وأكثرها
قربا لعقيدتنا وتجديدا لمصائرنا، وتدعيما لمستقبلنا المشرق.
وإذا كان للصداقة المجردة حقوقها ما دامت صادقة، فللصدقات في مجال
الفكر أثرها، وتلك قاعدة لا تخرج عن طبيعة البشر.
وقد التمست للسيد مرتضى أعذارا ما دام يكتب صادق النية صادق الاعتقاد
والتمست لنفسي كذلك عذرا، فهو وقد كتب عني ضمن المفكرين في القاهرة قد
173

أغفل ذكر عدد من كتبي قال: بأنها سياسية لا تدخل في الموضوع مع أن
الخلاف بين علي عليه السلام ومخالفيه كان على سياسة الرعية وإصلاح شأنها.
وكان يتوجب علي فيما يرى البعض أن أثور، ولكن ذلك وغيره لم يكن
له من أثر على نفسي وكحفيد لآل البيت غلبني حبي لهم، وحبي لمن يتصدون
للدفاع عنهم وكشف تاريخهم المشرق، وكيف حوربوا في أقدارهم وحقوقهم،
والمتحابون في الله كما سيظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، يجب أن يتضامنوا
في حياتهم هذه التي يحيونها، حتى لا تغيب شمس دنياهم عن الكون كله.
وهذا هو جوهر كتابنا " مع رجال الفكر في القاهرة " معرفا بالإنتاج
الثقافي والفكري لدى بعض رجال الفكر والثقافة. ونحن إذ نحييه، نحيي
المترجم عنهم، ونحيي مؤلفه وجمهور قارئيه، ونحيي ما في الكتاب من معان
أصيلة، ونرجو أن نقف صفا واحدا لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن
يعكف القراء فترة من وقتهم على دراسة أعلامه للتعرف بهم والأخذ عنهم،
ومنحهم من الحب والاحترام والمساندة الفعلية الإيجابية قدر ما يستطيعون
لأنه بغير ذلك لن تقوم دنيانا. ولن يقوم ديننا... بل بغير ذلك لن
يسير ركب ولن ينهض اجتماع؟
القاهرة عبد الهادي مسعود
16 - الأستاذ فكري أبو النصر
من خريجي الأزهر الشريف
والمدرس بوزارة التربية والتعليم
174

(9)
حرف النون
175

* ولادته ولد في قرية تلبانه في أعمال
مركز المنصورة عام 1927 م
* درس في الأزهر الشريف.
* تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة
الأزهر عام 1954 م.
* لا يزال يمارس التدريس في المدارس
الحكومية التابعة لوزارة التربية
والتعليم.
* هو اليوم محرر في جريدة الأهرام
بمصر.
له كتاب: " من كفاحنا الفكري " و " ذكريات خالدة " وغيرهما.
176

المراجعات
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القيم.
وصلاة الله وسلامه على أفضل
خلقه وخاتم رسله وأنبيائه: محمد بن عبد الله.. الذي أرسله الله رحمة للعالمين،
وعلى عترته أئمة الهدى من بعده إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد تفضل مشكورا أخي في الله وصديقي السيد الأستاذ
مرتضى الرضوي - بإهدائي مجموعة قيمة من الكتب في المذهب الشيعي
الإمامي، ومن بينها كتاب " المراجعات " وهو يشتمل على حوار ممتع صاف
حول المذهب الشيعي.
ويستخرج دفائنه بين إمامين جليلين هما:
الإمام الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الأسبق.
والإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي الشيعي الإمامي
رحمهما الله.
وطلب مني أن أقدم لموسوعته الإسلامية التي يعتزم إعادة طبعها.. وقد
أجبته إلى طلبه شاكرا له ثقته، ومستعينا بما أهدانيه من أسفار في المذاهب
الشيعي الإمامي الجعفري من جهة، ومناقشاتنا المستفيضة في المذاهب الإسلامية
وأحكامها. كلما ضمنا لقاء، وجمعت بيننا الظروف التي كثيرا ما تدفعه للحضور
إلى القاهرة ولقاء، أصدقائه وأحبائه وشيعته فيها.
177

ومن ضمن هذه الموسوعة الإسلامية كتاب: " المراجعات " بما تحويه
من معتقدات وأحكام في المذهب الشيعي الإسلامي الكبير.. أصوله وفروعه.
وبما تلقيه من أضواء ساطعة، تنير الطريق، وتهدي الساري، وتقود الباحث
إلى حيث يجد ضالته، ويقف على بغيته.
إنما تؤدي خدمة كبرى لجمهور الباحثين وعلماء المذاهب الأخرى الذين
يفتقرون إلى الغوص في ثنايا المذهب الإمامي والوقوف على حقائقه وأسانيده
وما يتفق وما يختلف فيه مع المذهب السني وغيره من المذاهب. ودراسته
دراسة موضوعية علمية ومنصفة. حتى يمكن فتح باب الحوار والمناقشة معه
من جديد.
حوارا يزيد من من رابطة الدين بين المذهبين الكبيرين ويقوي أواصر
التعاطف والفهم بينهم بأكثر من مما هو قائم الآن.
ونبذ ما يدعو إلى الفرقة والخصام، والعمل الجاد على انفتاح الطوائف
والمذاهب الإسلامية بعضها على بعض وإزالة هذه الجدر الوهمية التي أقيمت
بينها. مما يؤدي حتما إلى الالتقاء على نقاط كثيرة مما يتصورها البعض نقاط
خلاف. إذا ما توفرت النية الحسنة، والرغبة في تشكيل قاعدة متينة من
التعاون الصادق والمشترك، وحصر نقاط الاختلاف، توطئة لتطويقها،
وتجاوزها إلى ما فيه نفع الإسلام ومصلحة المسلمين.
ومن ثم إلى الاستمرار في نشر الدين وتماسك أهله وإسعادهم. ولا ننسى
أبدا قول الله تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
178

فكيف - بالله - نترك أوامر الله ونواهيه بالاعتصام بحبله
وعدم التفرق.
إلى أوامر المخلوق ونواهيه بالمنابذة والتفرق.
وأود في هذا المقام أن أذكر بما يقوم به الآن أصحاب المذاهب المسيحية
المختلفة من عمل جاد دؤوب، واجتماعات مستمرة. تهدف إلى إقامة نوع من
الوحدة الطائفية فيما بينها.
بالرغم من الفوارق الكثيرة والبعيدة في أصول المعتقدات وفروعها.
والعمل على تضييق شقة الخلاف في هدوء وروية وتفاهم. وصولا إلى
أهدافهم في الوحدة والتعاون المشترك.
وفوق ذلك. فقد استطاع أحد هذه المذاهب المسيحية الكبرى أن ينقض
أصلا من أصول معتقداته التي يشترك فيها معه كل المذاهب الأخرى. ابتغاء
مرضاة طائفة أخرى غير مسيحية وهم - اليهود -.
ولمجرد مسايرة التطور الإنساني والمصلحة السياسية. ألا وهي تحميل
اليهود وزر وذنب مقتل المسيح وصلبه.
وهذا الأصل المتغلغل في وجدان المسيحيين منذ نشأة المسيحية، وبسببه
ظلوا يحملون الكراهية والبغضاء وصنوف الحقد والاضطهاد لليهود طوال
عشرين قرنا من الزمان. حتى أصدرت دولة الفاتيكان " الرئاسة البابوية
الروحية للمسيحيين الكاثوليك في روما " وثيقة تبرئ اليهود من هذا الوزر
الكبير في معتقدهم.
179

ومما يدعو إلى الدهشة أن ذلك يتم في الوقت الذي استطاع فيه اليهود
وصهاينتهم أن يحققوا نصرا على العرب المسلمين.
وكأنه مكافأة لهم على إذلالهم للعرب والمسلمين الذين تصوروا أنهم قد
أصبحوا لقمة سائغة، ولن تقوم لهم بعدها قائمة. حتى كان نصر الله لهم في
رمضان من عام 1393 ه‍ - أكتوبر 1973 م الذي أذهلهم وأرعد فرائصهم.
ولم يتم هذا النصر للعرب والمسلمين إلا بأدنى حد من الوحدة. فكيف
بالوحدة الكاملة؟!!
إلى هذا الحد بلغت بأهل الأديان الأخرى رغبتهم في التطوير والتغيير،
وإلى هذا الجد يبلغ حرصهم على الوحدة الدينية والتقرب بين مذاهبهم عن
طريق الحوار المخلص والجاد فيما بينهم. فأين نحن من هذا كله؟؟ وليس بين
مذاهبنا مثل ما بينهم من خلاف وشقاق وتباعد.
إن أهم ما نقدمه من هذه الموسوعة الإسلامية كتاب " المراجعات " ذلك
الحوار المفتوح بين العالم السني الجليل الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر
الأسبق. وبين العالم الشيعي الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين كبير علماء
الشيعة في لبنان.
وهو حوار موضوعي أمين، يتيح التعرف على الحقيقة، بعيدا عن
التحيز أو التأثر بالعاطفة المذهبية أيا كانت..
ومن حسن الحظ أن أهل السنة لا يختلفون مع الشيعة في محبة آل البيت
النبوي الكريم، ومناصرتهم وتقديسهم. وتعاطفهم الشديد مع الإمام
الأكبر علي بن أبي طالب في طلب الخلافة وأحقيته لها وذريته من بعده.
180

وأن منزلته من رسول الله صلوات الله عليه هي بمنزلة هارون من موسى
- عليه السلام - كما لا يختلف المذهبان في معظم أصول الدين وفروعه.
لولا ما يذهب إليه الشيعة من استنباط أحكام مذهبهم مما تواتر عن
عن الأئمة الاثنا عشر من آل البيت النبوي (1) دون سواهم من صحابة رسول
الله، الذين لم يشايعوا الإمام عليا " كرم الله وجهه " والعترة الطاهرة الذين
خاطبهم الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ولا يأخذ الشيعة كذلك في الأصول بمذهب الأشعري، وفي الفروع
بالمذاهب السنية الأربعة.
(1) روى البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: كلهم من
قريش صحيح البخاري 9 / 81.
وفي صحيح مسلم بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الدين قائما حتى
تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش صحيح مسلم 6 / 4
وفي 3 / 4 روايات أخرى بمضمون رواية البخاري.
وفي رواية أحمد عن مسروق قال: " كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو
يقرئنا القرآن، فقال رجل: يا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه
وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت
العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله فقال اثني عشر كعدة نقباء بني
إسرائيل - مسند أحمد وغيره.
181

على أساس أن مذهب الأئمة أسبق منها.
وبالتالي: أدعى إلى الوثوق به، وأولى بالتبعية من سواه، حيث كان
عليه المسلمون في القرون الثلاثة الأولى للإسلام.
وباب الاجتهاد فيه مفتوح إلى اليوم.
وكذلك لم يؤثر بالمذهب الشيعي الصراعات السياسية طوال التاريخ
الإسلامي. وكلها أمور يمكن طرحها للمناقشة والحوار بروح التسامح والتسامي
من أجل وحدة الهدف المشترك، والغاية النبيلة، البعيدة عن الأغراض
والأهواء.
كما يرى بعض العلماء من المذهبين أن أفضل وسيلة يمكن بها تحقيق ذلك.
أو على الأقل، الحد الأدنى منه.. هو أن ينظر أهل السنة إلى المذهب
الشيعي باعتباره مذهبا خامسا بجانب المذاهب الأربعة السنية سواء بسواء.
وهنا تحضرني فتوى لفضيلة الإمام الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت
عندما كان رئيسا للأزهر. نشرت عام 1959 م بمجلة " رسالة الإسلام " (1)
في العدد الثالث من السنة الحادية عشرة ص 228 يقول فضيلته.
" إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه مذهب معين، بل
نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يتبع أي مذهب من المذاهب المنقولة
نقلا صحيحا، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة بها، ولمن قلد مذهبا
(1) تصدرها جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة 19 شارع
حشمت باشا بالزمالك.
182

من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أي مذهب كان - ولا حرج
عليه في شئ من ذلك ".
ثم قال فضيلته:
" إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.
هو مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين
أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة ".
إن أمام العرب والمسلمين اليوم فرصة كبيرة، بما حققوه على الصعيدين
العسكري والسياسي، واستثمارها إلى أقصى حد لخير الإسلام والمسلمين جميعا
على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم، وكسب مغانم كثيرة يرضونها لأنفسهم
ولأوطانهم. ونيل حقوقهم من مغتصبيها، وامتلاك إرادتهم حرة قوية
منيعة، وبسط نفوذهم على ما تحت أيديهم من ثروات، وما وهبهم الله
من كنوز، والتصرف فيها وفق مشيئتهم وما تمليه عليهم مصالحهم ومصالح
أجيالهم من بعدهم. وما يساعدهم على اللحاق بأقصى درجات التطور والتقدم
العلمي والصناعي والحضاري الذي هو سمة العصر وآية الرقي..
وفي النهاية تشكيل قوة متحدة متماسكة، تستطيع أن تفرض إرادتها
واحترامها، وتبرز للعالم أصالة تراثها الديني والحضاري، وتعطي للعالم زادا
جديدا من الحضارة الروحية والخلقية الممتزجة في الوقت نفسه بالحضارة
المادية. تنال به إعجابه، ومن ثم.. تأييده والانحياز إليه والانضمام تحت
لوائه. بعد أن يكونوا قد بلغوا الغاية في الوحدة الصافية، وساروا في تيار
واحد يجرف ما يعترضه من عوائق وحواجز. يعطي الخير والنماء للإسلام.
183

وأهله كما تعيد إليه صورته المشرقة، ورسالته الحقة. " وقل اعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ".
لقد آن الأوان لأن نصنع حدا لهذه الفرقة.. التي أوجدها أعداء الله،
أعداء الإسلام، وأصحاب الأهواء والأغراض والأطماع طول القرون
الماضية..
وشغلونا بأنفسنا ومعاشنا عن واجبنا المقدس نحو نصرة دين الله والتمكن
له في الأرض،
وأدخلونا في جدل عقيم، وتسلطوا على مقدراتنا،
وشوهوا كل مقوماتنا ونحن عاجزون عن صدهم، مستسلمون لكيدهم..
ليس أمامنا من سبيل - والله - إلا الوحدة..
الوحدة بكل أهدافها ومراميها وأغراضها السامية ليس من أجلنا فحسب،
ولكن من أجل البشرية جمعا،
وفي إعتقادي أن الوحدة تسبقها الوحدة الدينية، والتعاطف المذهبي..
تعطي المثل والقدوة.. وترفع الراية..
وحدة دينية هادئة، تحمل المشعل وتضئ الطريق للوحدة السياسية،
وتصنع الأساس للقوة الإسلامية الكبرى التي تستطيع أن تحقق السلام
على الأرض..
184

وترفع راية الحق والعدل فوق ربوعها من جديد.
إن العبء الأكبر في لم شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم.. يقع أول
ما يقع على رجال الدين..
هذه هي رسالتهم الأولى، وواجبهم الأسمى، قبل أي شئ آخره.. فإن
لم يؤدوها ويسعوا إلى تحقيقها.. فما أدوا الرسالة ولا قاموا بواجبهم، ولا
أدوا فريضة الجهاد في سبيل الله.. فلا سبيل إلا بالوحدة أساس العزة والمنعة.
إن جماعة مخلصة من كبار رجال الدين من كل المذاهب الإسلامية.
يؤمنون بهذه الرسالة ويتحررون من قيود حياتهم وأغلال منافعهم الذاتية،
يخلصون النية لله وحده ولدينه القويم وتتحد أفكارهم وغايتهم..
يستطيعون أن يحققوا هذا الأمل الكبير، أو على أقل القليل، يضعون
اللبنة الأولى، والنواة الصالحة في الأرض الطيبة، يرعاها بعدهم غيرهم حتى
تنبت وتزدهر، وتينع وتثمر، وتؤتي أكلها الطيب الشهي، ولنثق.. أن
الله سينصر دينه، ويتم نوره ولو كره الكافرون (1).
القاهرة في 17 / 11 / 1975 محمد فكري أبو النصر
(1) جاء نشر هذا التقديم في كتاب " المراجعات " وهي: الأبحاث التي
دارت بين الأستاذ الأكبر الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر وبين الإمام
شرف الدين العاملي حول أصول المذهب والإمامة العامة وطبعت لأول مرة
بمطبعة العرفان - صيدا لبنان عام 1355 ه‍ - 1936 م، وصورنا هذه الطبعة
بالأوفست بالقاهرة بمطبعة الأستاذ سعيد رأفت.
185

مع رجال الفكر
في القاهرة
- 2 -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث عن كتاب: " مع رجال الفكر في القاهرة " هو بالضرورة
حديث عن شخص مؤلفه الكريم في المقام الأول.
والكتاب ثمرة لجهوده ونشاطاته ولقاءاته المعقودة بالجم الغفير من العلماء،
والباحثين، والمفكرين في مصر.. وأحاديثه معهم في أمور الدين بعامة
ومذهب الإمامية الجعفرية.. المعروف بالمذهب الشيعي الإمامي.. بصفة
خاصة.. مما أتاح له القرب منه وفي قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم.. فأحبهم
وأحبوه، ووثق فيهم ووثقوا فيه، وأعجب بهم وأعجبوا به وإخلاصا منه لهم
من جهة ولمذهبه الشيعي الإمامي من جهة أخرى - قدم هذا الكتاب
ترجمة لهم وإبرازا لآرائهم في المذهب الشيعي الإمامي وما يرونه جميعا
من وجوب اطلاع أهل السنة على تراث إخوانهم الشيعة الإمامية في العقائد
وفي الفقه من مصادره وأسانيده الحقة، لا من مصادر خصومهم الذين لا يرعون
186

فيهم إلا ولا ذمة، بدافع من دافع مغرض، أو اعتمادا على مصادر مشكوك
في صحتها، وينسون أو يتناسون أن الشيعة الإمامية يستندون في تشيعهم للإمام
علي وذريته رضي الله عنهم أجمعين، إلى شواهد ثابتة وصحيحة من
الكتاب والسنة.
وما يهزني حقا أن المكتبة العربية في مصر بل والأزهرية للأسف
الشديد.. تكاد نكون خلوا من كتب الشيعة الإمامية بالذات.. اللهم إلا
ما يغذيها من آن لآخر " الأستاذ مرتضى " وما يهديه منها لأصدقائه العديدين
من أعلام الفكر والثقافة..
وما يوجد بالمكتبات غير ذلك فلا يشفي غلة، ولا يعكس صورة صادقة
للعقائد الشيعية الإمامية وفلسفتها وتحليلها لأمور الدين ونوازع الخلافات
حول الخلافة..
وإيمان الشيعة المطلق بأن الإمام عليا وآل البيت النبوي الكريم كانوا
أحق بها وأهلها صلاحا لأمر الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.. وهو
ما يؤمن به ويتفق معهم صفوة كبيرة من علماء السنة كذلك. فلا يستطيع
سني واحد أن يذكر هنة مهما كانت بسيطة إلى الإمام علي كرم الله وجهه
من عبادة الأوثان من دون الصحابة رضي الله عنهم ولا إلى أهله وذريته
من آل البيت النبوي " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا ".
فأي سني ينكر على آل البيت طهرهم، وأحقيتهم في الخلافة الدينية
للمسلمين، أو ينكر تشيعه لهم والاستضاءة بنورهم؟! كل ما هنالك خلافات
على الفروع في العبادات لا ترقى إلى درجات الشقاق والخصومة بأي حال.
187

والذين تناولوا المذهب الشيعي بالبحث والدرس والتنقيب قديما وحديثا
وقعوا في أحكام خاطئة لا تستند إلى أدلة. أو شواهد نقلية جديرة بالثقة
وتداول بعض الناس هذه الأحكام فيما بينهم بلا روية أو تمحيص..
وأي باحث منصف يتصدى للبحث عن تاريخ الشيعة أو عقائدهم
أو أحكامهم الفقهية، لا مناص له من الاعتماد أساسا على تراث الشيعة أنفسهم
وتحرى الصدق والنزاهة في الروايات التاريخية في كتب خصومهم، والتجرد
من كل هوى مذهب سابق قد يؤثر عليه في إصدار أحكامه، وصولا
إلى الحقيقة ذاتها..
ولا يخفى كذلك أن الاستعمار الغربي كان من بين أهدافه التفريق بين المسلمين
وإثارة الخصومات والفتن فيما بينهم، وبخاصة في الشرق العربي، وتوسيع
هوة الخلاف بين السنة والشيعة.. جناحي الأمة الإسلامية، وبذلك تصاب
بداء الفرقة والانقسام، تمكينا لأهدافه ومراميه.. وذلك عن طريق دفع
بعض المستشرقين من رجاله وأعوانه إلى تحقيق هذه الغاية باسم البحث
الأكاديمي الحر.. فيأخذ عنهم باطلهم وزورهم بعض الباحثين من المسلمين،
بلا دراية، ويروجون آراءهم، دون أن يفطنوا إلى حقيقة مراميهم وأغراضهم
وللحق.. لم نر حتى الآن في عصرنا الحديث.. مسلما سنيا كان أو شيعيا
يهب للدفاع عن دينه وعن مذهبه، ويعمل بكل هذا الإخلاص والجد
على التقريب بين المذهبين الكبيرين - بمثل ما يفعل الصديق العزيز الأستاذ
مرتضى الرضوي.. هجرة دائمة دائبة إلى بلاد الإسلام وبخاصة مصر..
وصبر طويل في كفاحه وسعيه، يغش الأندية والمحافل الدينية والعلمية،
188

ويطرق أبواب العلماء، والباحثين، دارسا، باحثا، منقبا، ومجاهدا في
سبيل الله بعلمه وبدنه وماله.. على محياه ترتسم آيات العلم والتواضع والخلق
السمح الكريم.. مما يجعل القلوب تهفو دائما إلى طلعته، والأبواب مفتوحة
أمامه، والآذان صاغية إلى أحاديثه والقلوب صافية في حبه.. جزاه الله
عن الإسلام والمسلمين خيرا، ووفقه في سعيه، وأمده بأسباب القوة، وحقق
على يديه آمال الغيورين على ضم الصفوف.. حتى يعود الإسلام قويا عزيزا
مرهوبا بأهله - هاديا للبشرية بنقاء تعاليمه. والله ولي التوفيق والسداد.
فكري أبو النصر
جريدة الأهرام - بالقاهرة
القاهرة: 7 / 5 / 1976 م
189

من فقه العترة الطاهرة
وسائل الشيعة
(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب فذ جامع لأحاديث رسول الإسلام الكريم، وأحاديث أهل بيته
وعترته الأكرمين والاستدلال بها على صحة أحكام الدين - في العبادات
والمعاملات - على المذهب الشيعي.
والشيعة مذهب إسلامي عظيم - لا يختلف، من حيث العبادات
والمعاملات في كثير عن مذاهبنا الأربعة في مصر - وهو إلى الحنفية أكثر
تطابقا، وأقرب شبها، كما أنه من حيث نظرته الفلسفية العميقة لأحداث
الإسلام الأولى يتجاوب مع شعورنا، ولا يختلف عن فلسفتنا - لولا ما يتقيد
190

به من عدم الأخذ والاستدلال بأي حديث آخر - مهما كانت قوة سنده،
وصحة ثبوته، وروايته بعكس أهل السنة الذين يأخذون بهذا وذاك.
والشيعة في ذلك التقيد بأحاديث العترة الطاهرة - لهم حججهم الفلسفية
أنهم هم الذين أحاطوا بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونادوا بأحقيته
في الخلافة - وأنه أحق بها وأهلها - لقد أحاطوا بهذا الحق وناصروه نصرا
عزيزا، وتساقطوا من حوله جماعات - إنه حق الإمام علي وخلفه في ولاية
المسلمين،
لعمري اتجاه من الشيعة ينبئ عن قلوب عامرة بالإيمان، صادقة في
الإحساس، حرة في التفكير، صادقة في العزيمة - وهو ما يشتهر به إخواننا
الشيعة في أقطار المسلمين: في العراق، وإيران، والبحرين، واليمن، والهند،
وباكستان، والبرازيل، و...
ومن الخطأ البين أن يعتقد ويظن أن الشيعة لم تتكون إلا في غمرة تلك
الأحداث المروعة التي أثارها معاوية. لا...
لقد تشيع الناس لعلي بعد وفاة الرسول عليه السلام، يوم نادى الأنصار
بالخلافة، ونادى بها سائر العرب المهاجرين، والقرشيين من آل الرسول،
ولم ينته الخلاف إلا بعد أن حسمه عمر.
ولما لم ينظر لها نظرة فلسفية بعيدة المدى، عميقة الغور، فقد أخطأ،
هذه النظرة الفلسفية التي حققت صدقها الأحداث - هي أنه بخروج ولاية
المسلمين عن آل البيت - حتى ولو كانت لأبي بكر وعمر وعثمان -، قد أصبحت
معرضة لأن ينتزعها الأقوى والأدهى - فيما بعد أبي بكر وعمر وعثمان
وتصبح هدفا للطامعين والمغامرين.
191

أما لو كانت في آل البيت وحدهم مع العمل بمبادئ الشورى والنصيحة
التي أقرها الإسلام - لو أن عمر " رض " أيد هذا الاتجاه ونظر هذه النظرة
وتعمق هذا التعمق لما وقعت هذه المآسي: بل لظل الإسلام أبد الدهر
أعلا مكانه، وأبسط نفوذا، وأقوى إشراقا، وأهدى سبيلا، ولكانت
لنا في الشرق خلافة إسلامية ودولة عربية تضارع دولة الفاتيكان الرومية.
وقوة الغرب المادية.
هذا ما استوحيته من اطلاعي على هذا الكنز الصادق من الأحاديث في
العبادات، والتشريع، والآداب الإنسانية السامية التي يشتهر بها الشيعة في
بقاع الأرض.
ولما كانت قراءتي لهذا السفر لمجرد الاطلاع - بل كانت لمراجعته
ودرسه وقياسه على مذاهبنا، فراجعته مرة لإعداده إملائيا ونحويا،
ولغويا، ونقله من تلك الطبعة اليدوية القديمة إلى تلك الطبعة الواضحة
الصحيحة - مع جمع الكتابين وتنسيقهما، ومرتين آخرتين لتصحيح ما يقع
فيه جامعو الحروف من أخطاء وأنا في هذه القراءات الثلاث دارس عميق
الدرس - فهو أول كتاب أقرؤه للشيعة، والمصدر الثاني لمعلوماتي عن الشيعة
هي: تلك الأحاديث الشيقة، والمعلومات القيمة عن حقيقة المذهب التي
كانت تضمنا وتجمعنا بالسيد " مرتضى الرضوي " الذي أتاح لي المساهمة
المتواضعة في إخراج هذا السفر الجليل، والبدء في دراسة هذا المذهب
التشريعي النبيل.
الحق يقال: إن حقيقة مبادئ وفلسفة المذهب الشيعي تكاد تكون
/ 193 /
مجهولة جهلا تاما في مصر - حتى في أوساط فقهائنا وعلمائنا السنيين!!
مما حدا بأزهرنا الشريف إلى تقرير تدريس " المذهب الشيعي وفلسفته
في الكليات الأزهرية - وهو ما تنتظره ونرجوه - لتتوحد الآراء، وتستقيم
الموازين، وتتحقق الآمال.
والله ولي التوفيق والهداية؟
فكري أبو النصر
القاهرة: مدرس الأدب العربي باليسيه فرانسية
قد تم طبع هذا الكتاب في
مطبعة دار المعلم للطباعة بمصر لصاحبها الأستاذ
إبراهيم أحمد إبراهيم - 8 شارع جنان الزهري
بالمبتديان - السيدة زينب - القاهرة
والحمد لله وحده والصلاة على
محمد وعترته من بعده
192

/ 1