سيدة فاطمة الزهراء (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سيدة فاطمة الزهراء (ع) - نسخه متنی

محمد بیومی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

السيدة فاطمة الزهراء


دكتور محمد بيومي مهران
الأستاذ بكلية الآداب
جامعة الإسكندرية



بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد الله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
مولانا وسيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل
إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل
إبراهيم في العالمين، انك حميد مجيد.
5

اهداء
إليك يا ابنة رسول الله
إليك يا أحب الناس إلى رسول الله
إليك يا زوج امام الأئمة
إليك يا أم الحسن والحسين
إليك يا أم السادة الاشراف نسل النبي
إليك يا سيدة نساء المؤمنين
إليك يا سيدة نساء أهل الجنة
إليك يا سيدة نساء العالمين
إليك يا من قال عنها رسول الله
فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني
إليك يا سيدتي يا قرة عين النبي
إليك يا سيدتي يا فاطمة الزهراء البتول
أشرف باهداء هذا الدراسة
وكلي امل من ربي - جل جلاه - أن يتقبلها
7

تقديم
انتهينا من الاجزاء الثلاثة الأولى من هذه السلسلة (في رحاب النبي وآل بيته
الطاهرين) من سيرة سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونتحدث في هذا الجزء الرابع، من السلسلة عن (السيدة فاطمة الزهراء) وهو في
نفس الوقت انما يمثل الجزء الأول من الاجزاء الأربعة التي خصصناها لآل البيت
الطيبين الطاهرين، وقد قسمناه إلى قسمين رئيسيين:
الأول عن: أهل البيت كمقدمة للاجزاء الأربعة التالية:
والثاني عن: السيدة فاطمة الزهراء - كجزء أول من هذه الاجزاء الأربعة. (1)
والحديث عن (أهل البيت) حديث قديم جديد، فمنذ صدر الاسلام، والى
يوم الناس هذا، والى ما بعد يوم الناس هذا والمؤرخون وأهل السير يكتبون في
مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وستظل الاقدام تسطر عظمتهم، ما كان للعظمة من
ذكر، فلقد استوقفت تعاليمهم الباحثين من أمم مختلفة، ومذاهب متباينة، لأنهم
وجدوا فيها عظمة الله، وهيبة الحق، وقوة العلم، وكرامة الانسان، واحترام
الحياة، وجلال الكون، فاستلهموها واتخذوا منها مقياسا للحق والفضيلة،
ومصدرا للعلم والتشريع.
9

وبدهي أنه لا غرابة في ذلك، فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم - كما قيل فيهم - هم
عيش العلم وموت الجهل، يخبرك حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم
منطقهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام وولائج
الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن
منبته، عقلوا الدين، عقل وعاية ورعاية، لاعقل سماع ورواية، فان رواة، العلم
كثير، ووعاته قليل.
وأهل البيت - بيت النبي صلى الله عليه وسلم - انما هم شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومنبع
الرحمة، ومعدن العلم، وينابيع الحكمة، وكنوز الرحمن، ناصرهم ومحبهم ينتظر
رحمة الله ونفحاته، ومبغضهم يستقبل نقمة الله وسطوته، بهم هدايتنا من الظلماء،
وهم سر جدهم المصطفى، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. هذا وقد حاولنا في هذا الجزء من هذه الدراسة، ان نحدد من هم أهل
البيت النبوي الشريف؟ فتناقشنا الآراء المختلفة التي دارت حول هذا التحديد،
وارتضينا - عن اقتناع وايمان - أن أهل البيت انما هم سادتنا الخمسة الكرام البرزة:
سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن، والحسين، عليهم
السلام، قال بذلك كثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفيف من أهل الحديث
والتفسير، فمن الصحابة أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأم
المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة وابن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وسعد
وغيرهم، وقال به الكثيرون من أهل التفسير والحديث، قال به الفخر الرازي في
التفسير الكبير والزمخشري في الكشاف والقرطبي في الجامع لاحكام القرآن،
والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان عن تأويل اي القرآن،
والسيوطي في الدر المنثور، وقال به الإمام أحمد في المسند وابن حجر
العسقلاني في الإصابة والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه.
وقد قدمنا الكثير من الأدلة على ذلك من الحديث الشريف ومن كتب
التفسير، ومن أقوال أهل البيت الكرام البرزة، والحق ان لفظ (أهل البيت) إذا
أطلق انما ينصرف إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام، وذريتهم،
10

وإن لم يكن له الا شهوته فيهم لكفى.
هذا وقد تحدث القرآن الكريم والحديث الشريف عن فضائل أهل البيت،
ففي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى فضل أهل البيت، لعل من
أشهرها: آية الأحزاب (33) يقول تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهذه الآية الكريمة - فيما يرى جمهور العلماء - هي
منبع فضائل أنزلها في حقهم، وآية الشورى (23) يقول تعالى: (قل لا أسألكم عليه
اجرا الا المودة في القربز) وروي الإمام أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والواحدي
عن ابن عباس انه قال: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله: من قرابتك الذين
وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما، وآية الأحزاب (56) قال تعالى:
(إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما) روى البخاري في صحيحه - عن كعب بن عجزة - قال: (قيل يا رسول
الله اما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال قالوا: اللهم صلى على
محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد).
وفي هذا دليل على أن الامر بالصلاة على آل محمد، مراد من الآية، والا لما
سألوا عن الصلاة على أهل البيت عقب نزولها، ولم يجابوا بما ذكر، على أن
النبي صلى الله عليه وسلم انما أقام أهل البيت مقام نفسه من ذلك، لان القصد من الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم أن ينيله مولاه، عز وجل، من الرحمة المقرونة بتعظيمه بما يليق به، ومن
ذلك ما يفيضه، عز وجل منه على أهل بيته، فإنه من جملة تعظيمه وتكرمه صلى الله عليه وسلم،
ويؤيد ذلك ما جاء في طرق أحاديث الكساء من قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم هؤلاء آل محمد
فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (اللهم انهم مني
وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك عليهم).
وأما الحديث الشريف، فلقد ورد الكثير من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
التي تبين فضل أهل البيت، وتحض المسلمين على مودتهم وموالاتهم، وتنفر من
11

بغضهم وكراهتهم، بل وتعلن بوضوح وجلاء أن حب آل النبي صلى الله عليه وسلم من حبه،
وأن بغضهم من بغضه، وأنه لا أمل لمن يكره آل النبي صلى الله عليه وسلم من رضاه صلى الله عليه وسلم في الدنيا
وشفاعته في الآخرة
وقد روي الإمام مسلم في صحيحه - عن زيد بن أرقم - قال: قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه
ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي
رسول ربي فأجيب، وانا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:
وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكر كم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في
أهل بيتي).
ورواه الإمام أحمد والنسائي، وفي رواية للترمذي انى تارك فيكم ما ان
تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من
السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا
كيف تخلفون فيهما، وروى ذلك أيضا أبو ذر وأبو سعيد وجابر وحذيفة بن أسيد،
وأورده ابن تيمية في الفرقان.
وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن أهل بيته ثقلين، والثقل كل نفيس خطير
مصون، وهما كذلك، إذ كلا منهما معدن العلوم اللدنية، والحكم العلمية،
والأحكام الشرعية، وقال الطيبي - كما في تحفة الأحوذي - لعل السر في هذه
التوصية، واقتران العترة بالقرآن، أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى:
(قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) فإن الله تعالى انما جعل شكر
انعامه واحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه صلى الله عليه وسلم يوصي الأمة
بقيام الشكر، وقيد تلك النعمة به، ويحذرهم عن الكفران، فمن أقام بالوصية
وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلاقة فيهما لن يفترقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة
ومشاهدها حتى يردا على الحوض، فشكر صنيعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ هو
12

بنفسه يكافئه، والله تعالى يجازيه الجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصيد وكفر النعمة
فحكمه على العكس، وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله صلى الله عليه وسلم: (فانظروا كيف
تخلفوني فيهما) اي تأملوا وتفكروا واستعملوا الرويد في استخلافي إياكم، هل
تكونون خلف صدق أو خلف سوء).
هذا وقد اختص الله تعالى أهل البيت بخصائص كثيرة، منها ان من كرامة
أهل البيت عند الله تعالى، أن جعل الصلاة عليهم - كما أشرنا - انفا - مقرونة
بالصلاة على جدهم العظيم، سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء
والمرسلين صلى الله عليه وسلم في كل صلاة، وفي كل تشهد، ومنها ان الله تعالى قد امر - كما أوصى
الرسول الله صلى الله عليه وسلم بحب أهل البيت، لأنهم غصون هذه الدوحة المباركة، التي أصلها
في الأرض وفرعها في السماء والتي اصطفاها الله تعالى من بين خلقه،
واصطنعها على عينه، فبلغت أوج الكمال في الروح والجسد، وفي السر والعلن،
وذلك لأنها بضعة أشرف الخلق وأكرم الأنبياء ويقول ابن كثير: ولا ننكر الوصاة
باهل البيت، والامر بالاحسان إليهم واحترامهم واكرامهم، فإنهم من ذرية
طاهرة، من أشرف بيت وجه الأرض، فخرا وحسبا ونسبا وصدق
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول - فيما يروي مسلم في صحيحه ان الله اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني
هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
ثم لان مقام أهل البيت من مقام النبي صلى الله عليه وسلم فهم في كل عصر زمان خير
الناس، وخيرهم بيوتا، لان الله تعالى اختار نبيه من خير البيوت وأشرفها الله
اعلم حيث يجعل رسالته) هذا فضلا عن أن حكمة لله في خلقه ورحمته بعباده،
اقتضت ان تستمر باهل البيت ذرية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين، تشع
بضيائها على العالمين، وترشد بهدايتها الضالين، ومن ثم فإن التاريخ لم يعرف أهل
بيت أحبهم الناس من قوميات ومذاهب شتى، كاهل البيت، أحبوهم احياء
وأموات، فألف العلماء الكتب في منزلتهم عند الله تعالى وعند الناس، ونظم
الشعراء الدواوين والقصائد في مديحهم، وردد الخطباء فضائلهم على المنار وفي
13

المحافل، وما من مسلم في شرق الأرض وغربها يصلي لله، إلا ويذكر رسول الله
وآله بالصلاة والتسليم.
وبدهي ان هذه ليست كلها خائص أهل البيت فهناك غيرها الكثير،
من ذلك أن أهل البيت، سلالة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هم أهل الحسب والنسب، والطهر
والشرف، لا يلوثهم رجس ولا ينالهم دنس، فلقد طهرهم الله فضلا منه وكرما،
ثم دعا لهم جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ان هو إلا وحي
يوحي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا كما أنهم أهل البلاء والاصطفاء وجعل لهم في الغنائم حقا معلوما.
وحرم عليهم الصدقة لأنها أوساخ الناس، وجعل الإمام الحجة منهم، وفي
الحديث (ان الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي، يبين
لهم أمور دينهم) ومن ثم فقد ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر، لا بد وأن يكون
من أهل البيت النبوي الشريف، وإن رأى العباس المرسي - كما نقل عنه
تلميذه ابن عطاء - أن القطب قد يكون من غيرهم، ولكن قطب الأقطاب لا يكون
الا منهم لأنهم أزكى الناس أصلا، وأوفرهم فضلا، كما أن المهدي المنتظر من آل
البيت، قال صلى الله عليه وسلم: المهدي منا، يختم الدين بنا، كما فتح وقال صلى الله عليه وسلم: المهدي
من عترتي من ولد فاطمة).
بقيت الإشارة إلى أن هذا القسم الأول (أهل البيت) انما كان مقدمة
ضرورية لدراسة سير سادتنا آل النبي الطاهرين المطهرين: السيدة فاطمة الزهراء
والإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسن بن علي والإمام الحسين بن علي.
(2)
وأما القسم الثاني من هذه الدراسة، والذي يحمل اسمها الأصلي (السيدة
فاطمة الزهراء فإنما يتحدث عن أم الذرية الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء
أهل الجنة، بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزوج الإمام علي، وأم السبطين، عليهم السلام.
وقد ولدت الزهراء في بيت النبوة والرسالة ومهبط الوحي والتنزيل،
14

وهكذا تأدبت الزهراء بأدب أبيها النبي الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ومن ثم فقد
كانت سيدتنا فاطمة الزهراء، المثل الاعلى من الخلق الكريم، والطبع السليم،
وقد عنى بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عناية تامة، فكان يثقفها ثقافة اسلامية،
ويروضها على الهدى النبوي والصراط المستقيم، ومن ثم فقد نشأت الزهراء
نشاة كانت المثل الاعلى من الكمال والجلال فهي انما تمثل أشرف ما في المرأة من
انسانية وكرامة وعفة وقداسة ورعاية إلى ما كانت عليه من ذكاء وقاد، وفطنة
حادة، وعلم واسع، وكفاها فخرا انها تربت في مدرسة النبوة، وتخرجت في معهد
الرسالة، وتلفت عن أبيها الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ما تلقاه عن رب العالمين.
ومن البدهي ان الزهراء تعلمت في دار أبويها، ما لم تتعلمه طفلة غيرها في
مكة، بل وفي الدنيا كلها، وصدقت أم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنها، حيث
تقول (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوض امر ابنته إلي فكنت أؤدبها وأدلها، وكانت
والله آدب مني واعرف بالأشياء كلها.
أو ليست هي - يا أم المؤمنين - بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليست هي أم
أبيها كما كان يسميها سيد المرسلين أو ليست هي التي اصطفاها الله لتكون التيار
الذي يحمل نور النبي صلى الله عليه وسلم عبر أسلاك الزمن، ولتضاء البشرية بعد ذلك من هذا
النور الفياض وصدق الأستاذ العقاد حيث يقول: (في كل دين صورة للأنوثة
الكاملة المقدسة، يتخشع في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الاسلام لاجرم،
تتقدس صورة فاطمة البتول.
وكانت الزهراء عليها السلام - فيما تروي كتب السيرة - أشبه الناس بأبيها
سيد الأنبياء والمرسلين وكانت السيدة خديجة، رضي الله عنها، ترى في هذا الشبه
بركة من بركات الله عليها وعلي آل البيت الكرام، وقد اخرج الترمذي بسنده عن
عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحد أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في
قيامها وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وكانت إذا دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها
15

قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها).
هذا وقد اختص الله - بمنه وكرمه - الزهراء من بين أخواتها بنات النبي صلى الله عليه وسلم
بالدرجة الرفيعة التي رفعها إليها، فجعلها في مقام مريم ابنة عمران، حيث وصفها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها خير نساء العالمين، واختصها أيضا بان جعلها وحدها - من
دون أبناء النبي وبناته - هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين،
ومنهما كان نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم فقد كان للزهراء - بضعة النبي وسيدة آل
البيت، وأم الأئمة، وسيدة نساء المؤمنين - كثيرا من الفضائل التي أنعم الله بها
عليها، اكراما وتشريفا لأبيها النبي الرسول، سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء بعض هذه الفضائل في كتاب الله وجاء بعضها الاخر في سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي القرآن الكريم، تشارك الزهراء أهل البيت فيما نزل فيهم من اي
الذكر الحكيم، كما في آية المباهلة (آل عمران 61) وآية التطهير (الأحزاب 33).
وآية مودة القربى (الشورى 23)، وآيات سورة الانسان (7 - 12) وغيرها.
وأما الحديث الشريف فقد جاء عن الزهراء الكثير وفي هذا الكثير يعلمنا
سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة الزهراء عليها السلام ومن ذلك ما رواه
البخاري وسيدة نساء المؤمنين، وما رواه الإمام أحمد وأبو يعلي والطبراني والحاكم وابن
عبد البر من أنها إحدى سيدات النساء أهل الجنة الأربع: مريم بنت عمران
وفاطمة بنت رسول الله وخديجة بنت خويلد وآسية امرأة فرعون.
ويعلمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الزهراء بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي
صحيح البخاري يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد
أغضبني) وفي صحيح مسلم (إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها) وفي رواية
الترمذي (إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها) وعن
مجاهد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد فاطمة فقال: من عرف هذه فقد
عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وروحي التي بين
16

جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله تعالى.
وروي ابن سعد في شرف النبوة عن علي، رضي الله عنه، قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يا فاطمة، إن الله عز وجل يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك، وروي أبو
نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر في تاريخه وأبو يعلى في مسنده عن علي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا فاطمة، إن الله ليغضب لغضبك، ويرضي لرضاك.
هذا ولما أقسم أبو لبابة، عند ما ربط نفسه في المسجد (في غزوة بني قريظة)
ألا يحله أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت فاطمة لتحله فأبى، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إنما فاطمة مضغة مني، فحلته، ويقول الإمام السهيلي في (الروض
الأنف) بعد ذكر الحادث، فصلى الله عليه وفاطمة، فهذا حديث يدل على أن
من سبها فقد كفر، وأن من صلى عليها، فقد صلى على أبيها، صلى الله عليه، وسلم.
ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزهراء أحب الناس إليه فلقد اخرج الطبراني
عن علي أنه قال: يا رسول الله أينا أحب إليك، انا أم فاطمة، قال صلى الله عليه وسلم فاطمة
أحب إلى منك، وأنت أعز على منها) وروى ابن عبد البر: سئلت عائشة، رضي
الله عنها، اي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة، قبل فمن
الرجال، قالت: زوجها، إذ كان ما علمته صواما قواما، ومن ثم فقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم فميا يروى الحاكم - إذا رجع من سفر أو غزاة اتى المسجد فصلى
ركعتين ثم ثنى بفاطمة ثم يأتي أزواجه وعن ابن عمر بسنده انه قال إن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان آخر الناس عهدا به فاطمة وإذا قدم من سفر كان
أول الناس به عهدا فاطمة رضي الله تعالى عنها.
هذا وقد أكرم الله الزهراء بأن حفظ ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم في ذريتها وأبقى عقبه
في عقبها، فهي وحدها - دون بناته وبنيه - أم السلالة الطاهرة والعترة الخيرة،
والصفوة المختارة من عباد الله من أمته صلى الله عليه وسلم وأعظم بها مفخرة وهكذا كان من
ذرية الزهراء من أبناء الحسن والحسين جميع السادة الاشراف، ذرية رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، ما خلا
17

سبي ونسبي، وكل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا
أبوهم وعصبتهم).
ولعل ختام المسك لهذا التقديم، أن الزهراء انما كانت سيدة نساء العالمين
وأفضلهن، روى ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة: يا بنية الا ترضين
انك سيدة نساء العالمين: قالت: يا أبت فأين مريم، قال: تلك سيدة نساء
عالمها، ومن ثم فقد ذهب كثير من العلماء المحققين - ومنهم التقى السبكي
والجلال السيوطي والبدر الزركشي التقى المقريزي والبلقيني والسهيلي - أن فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء الدنيا حتى مريم ابنة عمران، لأنها بضعة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولن يعدل أحد ببضعة رسول الله أحدا، وذهب الآلوسي في تفسيره إلى أن
فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات، من حيث إنها بضعة رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
بقيت كلمة أخيرة، عما تردد في هذه الدراسة وغيرها من ذكرنا لعبارة عليها
السلام بعد اسم السيدة فاطمة الزهراء ونحن هنا متبعون لا مبتدعون.
يقول ابن قيم الجوزية في كتابه (جلاء الافهام في الصلاة والسلام على خير
الأنام: إن آل النبي صلى الله عليه وسلم يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة وذلك لان الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الإمام الشافعي
وغيره، ومن لا يوجبها، فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها
لسائر المؤمنين أو لا يجوزها على غير النبي وآله، وأما من قال آل النبي في الصلاة
كالأمة، فقد أبعد غاية الابعاد، هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام
والصلاة، فشرع السلام من المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولا، وعلى نفسه ثانيا، وعلى
سائر عباد الله الصالحين ثالثا.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد
صالح في الأرض والسماء وأما الصلاة، فلم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم إلا على نفسه وعلى
آله فقط، فدل ذلك على أن آله هم أهله وأقاربه، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة
عليه، قال: قالوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد) فالصلاة على آل
18

النبي صلى الله عليه وسلم هي تمام الصلاة عليه وتوابعها، لان ذلك مما تقر به عين النبي صلى الله عليه وسلم،
ويزيده الله تعالى به شرفا وعلوا، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما، وروى ابن
حجر الهيثمي عن الإمام الشافعي قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله من القرآن أنزله
يا أهل عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
وهناك رأيان في الصلاة على النبي استقلالا، الأول: يجوز القول (اللهم
صلى على آل محمد ويكون النبي صلى الله عليه وسلم داخلا في آله فالافراد عنه وقع في اللفظ،
لا في المعنى والثاني افراد واحد منهم بالذكر فيقال: اللهم صلى على علي أو
على الحسن أو على الحسين أو علي فاطمة) وقد اختلف في ذلك كما اختلف في
الصلاة على غير آله من الصحابة فقد كره الامام مالك ذلك وقال: لم يكن ذلك
عمل من مضى وهو مذهب الامام أبي حنيفة كذلك، وسفيان الثوري وسفيان بن
عيينة.
وأما السلام فكره البعض ذلك، ان كان في معنى السلام معنى الصلاة، فلا
يقال: السلام على فلان، أو فلان عليه السلام بينما فرق آخرون بينه وبين
الصلاة وقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن، حي أو ميت، حاضر وغائب،
فإنك تقول بلغ فلانا مني السلام، وهي تحية أهل الاسلام بخلاف الصلاة،
فإنها من حق الرسول وآله.
وهكذا رأينا الامام البخاري مثلا، يذكر في صحيحه عبارة عليه السلام
بعد اسم الإمام علي وعبارة عليها السلام بعد ذكر اسم السيدة فاطمة
الزهراء في عدة أحاديث فأما عن السيدة فاطمة الزهراء فقد جاء في باب مناقب
علي من حديث ابن أبي ليلي قال: حدثنا علي ان فاطمة عليها السلام، شكت ما
تلقى من اثر الرحا... (صحيح البخاري 5 / 24) وفي باب قرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم (صحيح البخاري 5 / 25).
ومن حديث عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة عليها السلام، أرسلت إلى أبي
بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم (صحيح البخاري 5 / 25) وفي (باب عمرة
19

القضاء من حديث أنس (فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فاخذ
بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك... (صحيح البخاري
5 / 180) وفي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم من حديث انس قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم
جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه فقال لها: ليس على
أبيك كرب بعد اليوم (صحيح البخاري 6 / 18).
وأما عن علي بن أبي طالب فلقد عنون البخاري بعثه على اليمن كالتالي
بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه، إلى اليمن
قبل حجة الوداع (صحيح البخاري 5 / 206 وروى البخاري في صحيحه
بسنده عن انس، رضي الله عنه اتى عبيد الله بن زياد براس الحسين عليه
السلام، فجعل في طست فجعل ينكث... الحديث (صحيح البخاري
5 / 33).
وبعد: فالله - جل وعلا - أسأله - وهو الرحمن المنان - ان يكون في هذه
الدراسة بعض النفع، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وما توفيقي إلا بالله عليه
توكلت واليه أنيب).
وصلى الله على سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله وعلى آله الطيبين
الطاهرين والحمد لله حمدا يليق بجلاله ويقربنا إلى مرضاته سبحانه ليتفضل
علينا - بمنه وكرمه - فيقبلنا عنده في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عباد الله قانتين وتابعين
للنبي الأمي الكريم، وبأخلافه مقتدين بإذن الله رب العالمين، إنه سميع قريب
مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين.
دكتور
محمد بيومي مهران
الأستاذ بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية
وكلية الشريعة - جامعة أم القرى بمكة المكرمة
الثاني عشر من ربيع الأول عام 1405 ه‍.
مكة المكرمة في الرابع من ديسمبر عام 1984 م.
20

القسم الأول
أهل البيت
قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا).
وقال تعالى: (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة من القربى).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس فإنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربي
فأجيب، وانا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا
بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه - ثم قال: وأهل
بيتي أذكر كم الله في أهل بيتي، أذكر كم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل
بيتي...) (رواه مسلم 15 / 180).
21

الفصل الأول
أهل البيت
جاء لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين، الأولى في الآية 73 من
سورة هود، يقول تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)،
ويراد بها أهل بيت سيدنا إبراهيم عليه السلام والثانية في الآية 33 من سورة
الأحزاب، يقول تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) والمراد بها أهل بيت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتبعا للقرآن الكريم
استعمل المسلمون لفظ (أهل البيت) (وآل البيت) في أهل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط،
حتى صار اللفظ علما عليهم لا يفهم منه، غيرهم الا بالقرينة، ويقول صاحب
(مجمع البيان في تفسير آية الأحزاب 33، ان الأمة قد اتفقت على أن المراد بأهل
البيت هنا إنما أهل بيت سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم اختلفوا في المراد به على ثلاثة
آراء (1).
(1) يرى ابن قيم الجوزية في كتابه جلاء الافهام في الصلاة والسلام على خبر الأنام ان هناك أربعة
أقوال في آل النبي الأول: هم الذين عليهم الصدقة وهم بنو هاشم خاصة (رأى أبو حنيفة
وأبو القاسم صاحب مالك) أبو بنو هاشم وبنو المطلب (رأى الشافعي وابن حنبل) أبو بنو هاشم ومن
فوقهم إلى غالب (رأى اشهب صاحب مالك) والثاني هم ذرية النبي وأزواجه اعتمادا على حديث
(اللهم صلى على محمد وأزواجه وذريته والثالث هم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة والرابع هم
الأتقياء من أمته، ويرى ابن القيم ان الرأس الأول هو الأصح ثم الثاني، اما الثالث والرابع
فضعيفان.
23

1 - الرأي الأول
روى السيوطي في الدر المنثور ان عكرمة كان يقول عن الآية الأحزاب 33،
من شاء باهلته انه نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن هناك من يعترض على ذلك
لأسباب منها (أولا) ان ابن كثير يقول في تفسيره: إذا كان المراد انهن سبب النزول
فهذا صحيح، وأما إن أريد أنهن المراد دون غيرهن فهذا غير صحيح، فقد روى
ابن حاتم عن العوام بن حوشب عن ابن عم له قال: دخلت مع أبي على عائشة
رضي الله عنها. فسألتها عن علي رضي الله عنه فقالت رضي الله عنها: تسألني عن
رجل كان من أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه،
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم، فالقى
عليهم ثوبا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)،
قالت: فدنوت منهم فقلت يا رسول الله: وأنا من أهل بيتك، فقال صلى الله عليه وسلم: تنحى
فإنك على خيره (أخرجه الحافظ البزار والترمذي وابن كثير في تفسيره) ومنها
(ثانيا) ان أهل البيت في آية الأحزاب 33 يراد به أهل النبوة المنحصر في بيت
واحد تسكنه فاطمة عليها السلام ابنة النبي صلى الله عليه وسلم. وزوجها على وابناهما الحسن
والحسين رضي الله عنهم، اما بيت الزوجية فلم يكن بيتا واحدا، وانما كان بيوتا
متعددة تسكنها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) وفي هذه
الأيد الأخيرة الخطاب موجه لمن في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم جميعا.
ومنها (ثالثا) أن القول بأن ما قيل إن الآية (33 من الأحزاب) وما بعدها جاء
في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فالرد ان هذا لا ينكر من عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم
يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن الكريم، وكذا كلام العرب
وشعرهم، في ذلك مملوء ذلك لان الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض، وهو تخلل الجملة الأجنبية بنى الكلام المنتظم المتناسب كقوله تعالى في سورة
النمل: (إن الله إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك
يفعلون واني مرسلة إليهم بهدية) فقوله: (وكذلك يفعلون) جملة معترضة من
جهة الله تعالى بين كلام ملكة سبا (بلقيس) وقوله تعالى في سورة الواقعة: (فلا
24

أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم) اي فلا
أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وما بينهما اعتراض وهو كثير في القرآن وفي
كلام العرب، ون ثم فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) جملة معترضة متخللة لخطاب نساء
النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج، وعلي أي حال فلا أهمية لقول من قال بأن أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم من أهل البيت، فلا توجد فرقة من المسلمين تدين بالولاء لإحدى أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم وتوجب الاقتداء بها.
ومنها (رابعا) انه حتى الذين يجعلون أزواج النبي من أهل البيت، وأن آية
الأحزاب (33) نزلت فيهم، إنما يذهبون إلى أن الإمام علي والسيدة الزهراء
وسيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين، أحق بأن يكونوا أهل بيت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن تيمية في رسالته (فضل أهل البيت وحقوقهم): روى الإمام أحمد
والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: (أن هذه الآية لما نزلت أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه
على وعلي وفاطمة والحسن والحسين، رضي الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي
فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) ثم يقول تيمية: وسنته صلى الله عليه وسلم تفسر
كتاب الله وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه، فلما قال (هؤلاء أهل بيتي) مع أن سياق
القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه وإن كن من أهل بيته
كما دل عليه القرآن، فهؤلاء (اي علي وفاطمة والحسن والحسين) أحق بأن يكونوا
أهل بيته، لان صلة النسب أقوى من صلة الصهر والعرب تطلق على هذا البيان
للاختصاص بالكمال لا للاختصاص بأصل الحكم، أضف إلى ذلك ما رواه
البخاري في صحيحه من حديث عائشة ان فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سارني
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني انه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني اني
أول أهل بيته اتبعه فضحك (صحيح البخاري 5 / 26).
ومنها (خامسا) ما أجاب به (زيد بن أرقم) في الحديث المشهور حين سئل:
من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته، فقال أهل بيته من حرام الصدقة بعده،
فقد روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم: قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يوما
25

خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم
قال: أما بعد: الا أيها الناس فإنما انا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب،
وأنا تارك فيكم ثقلين (1) أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب
الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: (وأهل بيتي أذكركم
الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له
حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته
ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي
وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال: كل هؤلاء حرم الصدقة، قال: نعم، وفي
رواية أخرى: عن زيد بن أرقم انه ذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه: فقلنا: من
أهل بيته نساؤه قال: لا وأيم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم
يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة
بعده، يقول الامام النووي في شرح صحيح مسلم: والمعروف في معظم
الرويات، من غير مسلم، (اي في غير صحيح مسلم) أنه قال: نساؤه لسن من
أهله بيته).
ومنها (سادسا) ان قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم...) بالميم يدل على أن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام، ولو كان الخطاب خاصا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم لقال (عنكن)
ويطهركن).
ومنها (سابعا) ان تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة
كبني هاشم، وإنما هو تبع لتحريمها على النبي صلى الله عليه وسلم والا فالصدقة عليهن حلال
قبل اتصالهن به فهن فرع من هذا التحريم، والتحريم على المولى فرع التحريم
على سيده ولما كان التحريم على بني هاشم أصلا استتبع ذلك مواليهم، ولما كان
(1) يقول الامام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: وإنا تارك فيكم ثقلين، فذكر كتاب الله وأهل بيته، قال بيته، قال العلماء
سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل لثقل العلم بهما، وانظر الروايات المختلفة للحديث
الشريف في صحيح مسلم 15 / 179 - 181.
26

التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعا، لم يقو ذلك على استتباع مواليهم لأنه فرع عن
فرع.
ومنها (ثامنا) ما ذهب إلى صاحب مجمع البيان من أن ثبوت عصمة
المعنيين بالآية 33 من الأحزاب، يدل على انها مختصة بهؤلاء الخمسة النبي وعلى
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، لان من عداهم غير مقطوع بعصمته.
2 - الرأي الثاني
ويذهب إلى أن أهل البيت هم من حرمت عليهم الصدقة من بني هاشم
وهم آل على وآل عقيل وآل جعفر أبناء أبي طالب ثم آل العباس بن عبد المطلب،
يعنون ذلك بني هاشم وأن البيت هنا انما هو بيت النسب، ومن ثم يكون
العباس وأعمامه وبنو أعمامه صلى الله عليه وسلم منهم، وقد روى القاضي عياض في الشفا عن
الشعبي ان زيد ا بن ثابت صلى على جنازة أمه ثم قربت له بغلته ليركبها فجاء
ابن عباس فاخذ بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله فقال ابن
عباس: هكذا نفعل بالعلماء فقبل زيد يد ابن عباس وقال: هكذا أمرنا ان نفعل
باهل بيت نبينا هذا فصلا عن حديث زيد بن أرقم الذي رواه مسلم من أن
أهل بيت النبي انما هو بيته وعصبته الذين الصدقة وقد ذكرناه من
قبل.
3 - الرأي الثالث
ويرى أهل البيت انما هم الخمسة الكرام البررة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، قال بذلك أبو سعيد الخدري وأنس بن
مالك وواثلة بن الأسقع وأم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة وابن أبي سلمة
ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وسعد وغيرهم وقال به الكثيرون من أهل التفسير والحديث، قال
به الفخر الرازي في التفسير الكبير، وقاله الزمخشري في الكشاف والقرطبي في
الجامع لاحكام القرآن والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان عن
27

تأويل اي القرآن والسيوطي في الدار المنثور، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، والحاكم في
المستدرك، والذهبي في تلخيصه والإمام أحمد بن حنبل في المسند، ولعل هذا الرأي
أقرب إلى الصواب، فيما نرى ونرجح لأسباب كثيرة منها (أولا)
الأحاديث النبوية الشريفة التي رويت في ذلك والتي منها 1 - اخرج ابن جرير وابن
أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه
الآية في خمسة في وفي علي وحسين وحسين وفاطمة: انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) 2 - واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: بينما رسول
الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة رضي الله عنها
ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول الله صلى عليه عليه وسلم: ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا
فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفضله إزاره فغشاهم إياه
ثم اخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي
وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات، قالت أم
سلمة رضي الله عنه عنها فأدخلت رأسي في الستر فقلت يا رسول الله وانا معكم،
فقال: أنت إلى خير مرتين 3 - اخرج الطبراني عن أم سلمة قالت: جاءت
فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه،
فقال لها: ابن ابن عمك، قالت هو في البيت، قال اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت
تقود ابنيها كل واحد منهما في يد، وعلي رضي الله عنه يمشي فر اثرهما حتى دخلوا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسهما في حجره، وجلس علي رضي الله عنه على يمينه،
وجلست فاطمة رضي الله عنه على يساره قالت أم سملة رضي الله عنها فأخذت
من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت، 4 - واخرج الطبراني عن أم سلمة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم ان هؤلاء
أهل محمد (وفي لفظ آل محمد) فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما
جعلتها على آل إبراهيم انك حميد مجيد، الكساء لادخل معهم فجذبه من
28

يدي، وقال: انك على خير - واخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت
هذه الآية في بيتي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل عليهما السلام وعلي وفاطمة والحسن
والحسين (رضي الله عنهم) وانا على باب البيت قلت يا رسول الله: ألست من أهل البيت
: قال إنك إلى خير، انك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم 6 - واخرج ابن مردويه
والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: كان يوم أم سلمة رضي الله عنها أم
المؤمنين فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية. (انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن وحسين
وفاطمة وعلي، فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أم المؤمنين أم
سلمة مضروب، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة رضي الله عنها فانا منهم يا بني الله قالت: أنت
على مكانك وأنت على خير 7 - واخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم
وابن مردويه والبيهقي من طرق، عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (انما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وفي البيت على وفاطمة
والحسن والحسين فجللهم رسول الله بكساء كان عليه، ثم قال: (هؤلاء أهل بيتي
فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) 8 - واخرج ابن أبي شيبة واحمد
ومسلم وان جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود، فجاء الحسن والحسين
رضي الله عنهما فأدخلهما معه ثم جاء على فادخله معه ثم قال: (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وفي رواية مسلم في الصحيح
(15 / 194) عن عائشة انها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرجل من شعر
اسود فجاء الحسن بن علي فادخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم قال جاءت
فاطمة فأدخلها ثم جاء على فادخله ثم قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ويروى الواحدي في أسباب النزول بسنده
عن أبي سعيد (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
قال: نزلت في خمسة، في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي فاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام
29

9 - واخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن عامر بن سعد عن سعد قال قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي، فاخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت
ثوبه ثم قال: رب هؤلاء أهلي أهلي بيتي 10 - واخرج ابن أبي شيبة واحمد وابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي عن واثلة، بن الأسقع
قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة ومعه حسن وحسين على حتى دخل فادني
عليا وفاطمة فأجلسهما ما بين يديه، واجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على
فخذه ثم لف عليهم ثوبه، وانا مستدبرهم ثم تلا الآية انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم) 11 - واخرج الترمذي عن علي بن
زيد بن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة عليها السلام سنة
أشهر، كلما خرج إلى الصلاة يقول: الصلاة أهل البيت (انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) 12 - واخرج ابن مردويه عن أبي
سعيد الخدري قال: لما دخل على رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء
النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: (السلا عليكم أهل البيت ورحمة الله
وبركاته، الصلاة رحمكم الله (انما يريد الله ليذهب عنكم أهل البيت ورحمة الله
وبركاته، الصلاة رحمكم الله (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) انا حرب لمن حاربتم، انا سلم لمن سالمته 13 - واخرج ابن
جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال: حفظت رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة،
ليس من مرة يخرج إلى الصلاة الغداة، إلى اتى إلى باب علي رضي الله عنه فوضع
يده على جنبي الباب ثم قال: الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات،
14 - واخرج الطبراني عن أبي الحمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر يقول: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) 15 - وروي ابن جرير عن أبي عمار قال: إني لجالس عند
واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا رضي الله عنه فشتموه فلما قاموا، إجلس حتى
أخيرك عن هذا الذي شتموه، اني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وخمس
وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم اذهب
30

عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قلت يا رسول الله وانا، قال وأنت، قال فوالله انها
لمن أوثق عمل عندي 16 - وروى في المسند والفضائل وابن جرير والترمذي
بطرق مختلفة عن شداد ابن عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم
فذكروا عليا فشتموه فشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل، قلت رأيت القوم شتموه فشتمته معهم، فقال الا أخبرك بما رأيت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم قلت بلي: فقال اتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين، اخذا كل
واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه، واجلس حسنا
وحسينا كل منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء ثم تلا هذه
الآية (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ثم قال
اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق، 17 - واخرج الترمذي عن عمر بن أبي
سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة فدعا
النبي صلى الله عليه وسلم وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره، فجلله
بكساء ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)
18 - روى ابن أبي شيبة عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها،
فجاءت الخادم فقالت: علي وفاطمة بالسدة، فقال: تنحى لي عن أهل بيتي،
فتنحيت من ناحية البيت، فدخل علي وفاطمة وحسن وحسين فوضعها إليه
واخذ عليا بإحدى يديه فضمه إليه واخذ فاطمة باليد الأخرى، فضمها إليه
وقبلها وأغدق خميصة سوداء ثم قال: اللهم إليك، لا إلى النار انا وأهل بيتي،
فناديته فقلت: وأنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: إئتني بزوجك وابنيك فجاءت بهم
فألقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء كان تحتي خيبريا أصبناه من خيبر ثم رفع يديه
فقال: اللهم ان هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، كما
31

جعلتها على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، فرفعت الكساء لادخل معهم، فجذبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدي، وقال: على خير) 20 - وروى الحاكم في المستدرك
عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال: لما نظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة هابطة قال: ادعوا لي فقالت صفية: من يا رسول الله قال:
أهل بيتي عليا وفاطمة والحسن والحسين فجئ بهم فالقى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم
كساء ثم قال: اللهم هؤلاء إلى، فصل على محمد وعلى آل محمد وانزل الله عز
وجل: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) 21 -
وروى احمد في الفضائل والمحب الطبري في الذخائر: أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قضاء
قضي به علي بن أبي طالب فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (الحمد لله الذي جعل فينا
الحكمة أهل البيت) وهكذا كان الاجماع على أن لفظ أهل البيت إذ أطلق إنما
ينصرف إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذريتهم وان لم يكن له
الا شهرته فيهم لكفى روى الحاكم في المستدرك عن سعد قال: نزلت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فادخل عليا وفاطمة وابنيهما (اي الحسن والحسين) تحت ثوبه، ثم
قال: اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي.
ومنها (ثانيا): آية المباهلة 1 - اخرج مسلم 15 / 176 في صحيحه انه لما
نزل قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين) (آل عمران آية 61) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا،
فقال: (اللهم هؤلاء أهلي 2 - وروي القاضي عياض في الشفا عن سعد بن أبي
وقاص قال: لما نزلت آية المباهلة، دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا وحسنا وحسينا وفاطمة
وقال: (اللهم هؤلاء أهلي). 3 - وذكر ابن كثير في تفسيره قال أبو بكر بن مردويه
عن جابر قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب (وفد نصارى نجران) فدعاهما إلى
الملاعنة، فواعده على أن يلاعناه الغداة، قال فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ بيد علي
وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج، قال
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق لو قالا: لأمطر عليهم الوادي نارا) قال
32

جابرة وفيهم نزلت: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم). (رواه ابن مردويه والحاكم في المستدرك ورواه الطيالسي عن الشعبي
مرسلا) 4 - انه ليس هناك من دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء وهم علي
وفاطمة والحسن والحسين لان الآية لما نزلت دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضن الحسين
واخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما فعلم أنهم المراد بالآية، وأن
أولاد فاطمة وأبناءهم يسمون أبناء النبي وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في
الدنيا والآخرة - 5 - وقال الرازي في تفسيره الكبير ان هذه الآية (آية المباهلة آل
عمران 61) دالة على أن الحسين والحسين كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وعد
النبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين فوجب ان يكونا ابنيه).
ويذهب محمد جواد مغنية في كتابه فضائل الإمام علي أن إلى السنة والشيعة قد
اتقف على أن المراد بأنفسنا في الآية: النبي صلى الله عليه وسلم وعلي، وبنسائنا فاطمة وبأبنائنا
الحسن والحسين.
ومنها (ثالثا) أن الحسن بن علي رضي الله عنه خطب في أهل العراق بعد أن
استخلف فقال: يا أهل العراق: اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن
أهل البيت الذي قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا)، قال (فما زال يقولها حتى ما بقى أحد من أهل المسجد
الا وهو يحن بكاءه وقال الإمام الحسن أيضا نحن حزب الله المفلحون وعترة
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقربون، وأهل بيته الطاهرين الطيبون واحد الثقلين اللذين
خلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه والمعون عينه في كل شئ لا يخطئنا تأويله بل نتيقن
حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الامر
مقرونة) ومنها (رابعا) وي عن السدي عن أبي الديلم قال (قال علي بن
الحسين (الإمام علي زين العابدين) لرجل من أهل الشام، اما قرأت في الأحزاب
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال: ولأنتم
33

هم؟ قال: نعم). وفي رواية أخرى: انه لما جئ بعلي بن الحسين أسيرا، وأقيم
على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: (الحمد لله الذي قتلكم
واستأصلكم وقطع قرن الفتنة قال له علي: أقرأت القرآن قال نعم، قال قرأت
آل جم قال قرأت القرآن ولم أقرأ (آل حم) قال ما قرأت (قل لا أسألكم عليه
اجرا الا المودة في القربى) قال: فإنكم لإياهم؟ قال: نعم).
ومنها (خامسا) ما جاء في تفسير البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى: (قل
لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين
وجبت علينا مودتهم، قال صلى الله عليه وسلم علي وفاطمة وابناهما).
ومنها (سادسا) ما ذهب إليه ابن القيم الجوزية من أن أولاد فاطمة رضي الله
عنه إنما يدخلون في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة، لان أحدا من
بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته انما هم من جهة فاطمة
رضي الله عنها خاصة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته ان ابني هذا سيد)
فسماه ابنه. ولما نزلت آية المباهلة، دعا النبي فاطمة وحسنا وحسينا (رضي الله
عنهم) وخرج للمباهلة، كما قال الله تعالى في حق إبراهيم ومن ذريته داود
وسليمان... إلى آخر آيتي الانعام 84، 85 وجاء في تفسير ابن كثير: وفي ذكر
عيسى في ذرية إبراهيم عليهما السلام، دلالة على دخول ولد البنات في ذرية
الرجل، لان عيسى عليه السلام انما ينسب إلى إبراهيم عليه السلام بأمه مريم
عليها السلام فإنه لا أب له، وروى ابن أبي حاتم ان الحجاج ارسل إلى يحيى بن
يعمر فقال: بلغني انك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم تجده في
كتاب الله، وقد قرأته ن أوله إلى آخره، فلم أجده، قال: أليس تقرأ سورة
الأنعام (ومن ذريته داود وسليمان) حتى بلغ (ويحيى وعيسى) قال: بلى أليس
عيسى من ذرية إبراهيم، وليس له أب قال: (صدقت، هذا وروى البخاري في
صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي: ان ابني هذا سيد) واما من قال
بعدم دخولهم فحجته ان ولد البنات انما ينتسبون إلى ابائهم حقيقة غير أن دخول
أولاد فاطمة رضي الله عنهم في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد
34

الكريم الذي لا يدانيه أحد من العالمين سرى ونفد إلى البنات لقوته وجلالته
وعظم قدره، وقال السيوطي في الخصائص الكبرى (واختص صلى الله عليه وسلم بان الأود بناته
ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره لا ينسبون إليهم، في الكفاءة ولا في غيرها، وقد
اخرج الحاكم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل بني أم عصبة الا ابني فاطمة
ان وليهما وعصبتهما واخرج أبو يعلي والطبراني انه صلى الله عليه وسلم قال كل بني أم ينتمون إلى
عصبة الا أولاد فاطمة فانا وليهم وعصبتهم).
وهكذا أثبت بالنص والاجماع ان أهل البيت إنما هم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، اما النص فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بقي
بعد نزول الآية 33 من الأحزاب ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة
رضي الله عنها، فينادي: الصلاد يا أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومن
في بيتها وهو نص، وأنص منه حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أرسل خلف
علي وفاطمة وولديهما رضي الله عنهم، فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء ثم جعل
يقول اللهم إليك لا إلى النار انا وأهل بيتي، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي،
وفي رواية وحامتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم مسلمة،
فقلت يا رسول الله: (الست من أهلك قال أنت أي خير) وهو نص في أهل
البيت رواه الإمام أحمد وظاهر ان نساءه لسن منهم، لقوله لام سلمة أنت إلى
خير) ولم يقل بلى أنت منهم، واما الاجماع فلان الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت
) إذا أطلق انما ينصرف إلى من ذكرناه (علي وفاطمة والحسن والحسين
وذريتهما) دون النساء ولو لم يكن فيه الا شهرته فيهم كفى.
بقيت الإشارة إلى عدة أمور، منها (أولا) أن هناك من قسم أهل بيت النبي
إلى ثلاث دوائر: الدائرة الخاصة: وهم ذرية فاطمة وعلي إلى يوم القيامة من
الحسن والحسين وهم أهل المباهلة والكساء أو الرداء ويسمون كذلك خاصة
الخاصة والدائرة الثانية هم بنو هاشم والمطلب ومن الحق بهم نصا، وهم الذين
تحرم عليهم الزكاة والدائرة الثالثة وهم الزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين،
35

رضي الله عنهم، ومنها (ثانيا) انه مهما اختلف المسلمون في فرقهم، فإن كلمتهم
واحدة في أن شجرة النسب النبوي الشريف إنما تنحصر في أبناء فاطمة لان
النبي صلى الله عليه وسلم لم يعقب الا من ولدها، واما بنو علي من غير السيدة فاطمة وبنو عقيل
وجعفر والعباس فإنهم من آل هشام، جدهم وجد النبي صلى الله عليه وسلم، وليسوا من آل
الرسول صلى الله عليه وسلم لان نسبهم لا ينتهي إليه صلى الله عليه وسلم.
ومنها (ثالثا) كثرت الأقاويل من أهل الزيغ والجهل في أهل البيت، رغم
آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين فضلهم وتحض على مودتهم
وموالاتهم وتنفر من بغضهم وكرههم، واستمر ذلك منذ العصر الاسلامي الأول،
ثم ازدادت طغيانا بمرور الأيام، والانحراف عن الايمان فاستفحل الداء وقل
الدواء حتى أصبح الحديث عن ذلك في السر والعلن مثار الخذلان من طرق كل
مفتون في دينه وإيمانه، فصار الايقاع في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم شهوة لكل مخذول، سهلا
من غير حياء ولا إيمان حتى أصبحت المواجهة بين سفهاء الأحلام من العامة وبين
ذريته صلى الله عليه وسلم فأول ما ينكرون عليهم انتسابهم للنبي صلى الله عليه وسلم لم يخلف ذكرا حتى تكونوا أنتم
من أبنائه، وهي كلمة حق أريد بها باطل، أو يحقدون عليهم ان أنعم الله عليهم،
فشرفهم بالانتساب إلى أشرف ولد آدم. وسيد الأنبياء والمرسلين، فجعلهم من
ذرية نبيه الكريم وأكرمهم بالانتساب إلى رسوله العظيم فكانوا بضعة منه، صلى
الله عليه وعلى آله وسلم، وليذكر هؤلاء وأولئك ان بعض أهل البيت آفة في
الدين، فليتب إلى الله من يجد في نفسه شيئا عليهم، وليحذر على دينه الذي هو
عصمة امره، حتى فيمن تظهر عليه الخطيئة منهم، وإنه فلما يطول امره منحرفا عن
الصواب لان ذلك إنما هو حظ البشرية من كل مؤمن، فإذا كانت النطفة الطاهرة
محفوظة غير مشوبة عما سواها فلا بد من أن ترجع إلى أصلها الطيب الطاهر، وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا ببغضنا أهل البيت أحد الا أدخله الله
النار وروى عن الحسن عليه السلام انه قال لمعاوية بن خديج: يا معاوية إياك
وبغضنا فإن الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد الا زيد يوم
القيامة عن الحوض بسياط من نار).
36

ومنها (رابعا) ان الشريف أو السيد هو من ينتسب من جهة أبيه إلى ذرية
الإمام الحسن أو الإمام الحسين، وقد أخطأ البعض حين نسبوا هذا اللقب الكريم
إلى كل من ينتسب إلى بني هاشم الكرام، سواء أكان حسنيا أو حسينيا أو علويا من
ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أبناء الإمام علي بن أبي طالب أو جعفريا أو
عباسيا، ولهذا نجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونا في التراجم بذلك، كان يقول:
الشريف العباسي أو الشريف العقيلي أو الجعفري نسبه إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم
أو عقيل أو جعفر ولدي أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، صحيح ان بني
هاشم هم في الذروة من قريش بنص الحديث الشريف فقد روى القاضي عياض
في الشفا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: اتاني جبريل
عليه السلام فقال: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أو رجلا أفضل من محمد،
ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم ولكنه صحيح كذلك ان شرف الحسن
والحسين مستمد من فاطمة بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم فهما بالتالي بضعة من
بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن شهرآشوب في مناقبه: جاء الإمام أبو حنيفة
ليسمع من الإمام جعفر الصادق فجزع إليه جعفر يتوكأ على عصا فقال له أبو
حنيفة: يا ابن رسول الله لم تبلغ من السن ما تحتاج معه إلى العصا قال هو
كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم أردت التبرك بها، فوثب أبو حنيفة إليه وقال:
اقبلها يا ابن رسول الله، فحسر أبو عبد الله (جعفر الصادق) عن ذراعيه وقال له:
والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم وان هذا من شعره فما تقبله وتقبل
العصا وهذا يعنى ان ذرية الحسن والحسين انما هو من بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشرف ولد آدم على الاطلاق وليس بني هاشم فحسب كما جاء في الأحاديث
النبوية الشريفة وعلى اي حال، فلقد استمر لقب (الشريف) والسيد يحمله كل
من ينتسب إلى بني هاشم فلما ولي الفاطميون الحكم في مصر قصروه على أبناء
الحسن والحسين ولدي الامام على من السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
واستمر الامر كذلك بمصر حتى الان، عرفا مطردا في مصر وفي غيرها من أنحاء
العالم الاسلامي.
37

الفصل الثاني
فضائل أهل البيت
1 - في القرآن الكريم
يرى العلماء ان هناك كثيرا من آيات القرآن الكريم إنما تشير إلى أفضل أهل
البيت و (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) ومن هذه
الآيات (أولا) آية الأحزاب 33، يقول تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وهذا الآية، فيما يرى جمهور العلماء، انها
منبع فضائل أهل البيت لاشتمالها على غرر مآثرهم واعتناء الباري عز وجل بهم
حيث أنزلها في حقهم ويقول العارف بالله (محيي الدين بن عربي في الباب 29 من
الفتوحات: ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا محضا قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا،
وأذهب عنهم الرجس فلا يضاف إليهم الا مطهر، فأهل البيت الشريف هم
المطهرون بل هم عين الطاهرة، وهكذا يدخل أبناء فاطمة، رضي الله عنها،
كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون اختصاصا
من الله وعناية بهم، لشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله به، ولا يظهر حكم هذا
الشرف لأهل البيت، إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفورا لهم، وأما في
الدنيا فمن أتى منهم حدا أقيم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت
لقطعت يدها قد أعاذها الله تعالى من ذلك. ومنها (ثانيا) آية الشورى 23،
يقول تعالى: (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وروى الإمام أحمد
39

في المناقب والطبراني في الكبير وابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم من مناقب
الشافعي والواحدي في الوسيط عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية قالوا
(يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال: علي وفاطمة
وابناهما)، ويشهد له ما أخرجه الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس قال: ومن
يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) قال المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم واخرج البزار والطبراني
عن الحسن ابن علي عليه السلام في حديث طويل، ذكر فيه قوله: وانا من أهل
البيت الذين افترض الله عز وجل موالاتهم فقال فيما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم (قل لا
أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وفي رواية (وانا من أهل البيت الذين
افترض الله مودتهم على كل مسلم وانزل فيهم (قل لا أسألكم عليه اجرا الا
المودة في القربى) ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت
واخرج الإمام أحمد (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا، قال الحسنة
مودة آل محمد صلى الله عليه وسلم، وكان قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في
القربى) من المميزات التي اختص الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قالت الرسل لأممهم
(قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، ان أجري الا على الله) (سبا آية 47)، فتعين
على أمته - كما يقول الأستاذ الملطاوي - أداء ما أوجبه الله عليهم من اجر التبليغ،
فوجب عليهم حب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين، وجعله باسم
(المودة) وهو الثبات على المحبة.
ومنها (ثالثا) آية الأحزاب 56، قال تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) روى البخاري في صحيحه
عند تفسير هذه الآية عن كعب بن عجرة قال، قيل يا رسول الله اما السلام عليك
فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال، قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد،
كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما
باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد) وعن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول
الله هذا التسليم، فكيف نصلي عليك، قال قولوا: اللهم صلى على محمد عبدك
ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما
40

باركت على إبراهيم، قال أبو صالح عن الليث: على محمد وعلى آل محمد، كما
باركت على آل إبراهيم وعن يزيد، وقال: (كما صليت على إبراهيم، وبارك على
محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم). وروى ابن أبي حاتم عن
كعب بن عجرة قال: (لما نزلت (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، قال، قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام
عليك، فكيف الصلاة عليك قال، قولوا: اللهم صلى على محمد وآل محمد، كما
صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم انك حميد مجيد))، وروى مسلم وأبو داود
والترمذي والنسائي عن أبي مسعود الأنصاري قال: (اتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في
مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد أمرنا الله ان نصلي عليك يا رسول
الله، فكيف نصلي عليك، قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله، ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على
إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين
انك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم).
وفي هذا دليل على أن الامر بالصلاة على آل محمد، مراد من
الآية، والا لما سألوا عن الصلاة على أهل البيت عقب نزولها،
ولم يجابوا بما ذكر على أنه صلى الله عليه وسلم أقام أهل البيت مقام نفسه في ذلك، ذلك لان
القصد من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ان ينيله مولاه عز وجل من الرحمة المقرونة بتعظيمه بما
يليق به، ومن ذلك ما يفيضه عز وجل منه على أهل بيته، فإنه من جملة تعظيمه
وتكريمه صلى الله عليه وسلم، ويؤيد ذلك ما جاء من طرق أحاديث الكساء من قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم
هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد)، وقد روى الإمام أحمد
والترمذي والطبراني وأبو يعلي عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لفاطمة: إئتني بزوجك وابينك فجاءت بهم، فالقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء
كان تحتي خيبريا - أصبناه من خيبر - ثم قال (اللهم هؤلاء آل محمد عليه السلام،
فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، كما جعلتها على آل إبراهيم، انك حميد
41

مجيد وروى عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: (اللهم انهم مني وانا منهم فاجعل صلواتك
وبركاتك عليهم).
ومنها (رابعا) آية (103) آل عمران، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله
جميعا) قال ابن حجر الهيثمي في صواعقه، اخرج الثعلبي في تفسيره عن جعفر
الصادق انه قال: نحن حبل الله الذي قال الله فيه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا
تفرقوا) ومنها (خامسا) آية النساء (59)، قال تعالى: (أطيعوا الله والرسول وأولي
الامر منكم)، قال ابن شهرآشوب في المناقب: دخل الحسن بن صالح بن حي
على الإمام جعفر الصادق فقال: يا ابن رسول الله ما تقول في قوله تعالى: (أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم)، من اولي الامر الذين امر لله بطاعتهم،
قال العلماء فلما خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئا، الا سألناه: من هؤلاء
العلماء فرجعوا إليه فسألوه فقال: الأئمة منا أهل البيت، ومنها (سادسا) آية
الصافات (130) قال تعالى: (سلام على آل ياسين) نقل جمع من الفسرين عن
ابن عباس ان المراد آل محمد صلى الله عليه وسلم، وأكثر المفسرين على أن المراد الياس عليه
السلام، ومنها (سابعا) آية الصافات (24) قال تعالى: (وقفوهم انهم
مسؤولون) قال الواحدي مسؤولون عن ولاية أهل البيت، ويعضده ما أخرجه
الديلمي عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: (وقفوهم انهم
مسؤولون) قال مسؤولون عن ولاية على وأهل البيت.
ومنها (ثامنا) آية النساء (54) قال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله) اخرج أبو الحسن المغازلي عن الإمام محمد الباقر انه قال في هذه
الآية ة (نحن الناس) ومنها (تاسعا) آية (82) طه: قال تعالى: (وإني لغفار لمن
تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي) قال ثابت البناني: اهتدي إلى ولاية أهل
البيت، كما روى ذلك عن الإمام الباقر أيضا ومنها (عاشرا) آية الضحى (5)،
قال تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) اخرج ان جرير في تفسيره وغيره من
ابن عباس قال رضي محمد صلى الله عليه وسلم (ان لا يدخل أحد من أهل بيته النار)، واخرج ابن
كثير في تفسيره عن السدي عن ابن عباس من رضا محم صلى الله عليه وسلم ان لا يدخل أحد
من أهل بيته النار)، قال الحسن: يعني بذلك الشفاعة وهكذا قال الإمام أبو
42

جعفر الباقر، وروي أبو بكر عن أبي شيبة عن عبد الله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، فلسوف يعطيك ربك فترضى).
وروى الامام القرطبي في (الجامع لاحكام القرآن) عن الإمام علي، رضي
الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة، لأهل العراق: إنكم تقولون إن أرجى آية في
كتاب الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
الله) الزمر: آية 53)، ولكنا أهل البيت نقول: ان أرجى آية في كتاب الله قوله
تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وفي الحديث: لما نزلت هذه الآية قال
النبي صلى الله عليه وسلم (إذا لا ارضى وواحد من أمتي في النار).
ومنها (حادي عشر) آية الأنفال (41)، قال تعالى: (واعلموا انما
غنمتم من شئ فان الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل) وقد اتفقت المذاهب الاسلامية على أن المراد بالقربى انما هم أهل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأن لهم سهما في الغنيمة)، ومنها (ثاني عشر) آية 36 من النور قال تعالى:
(في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)،
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقام إليه رجل وقال: اي بيوت هذه يا رسول
الله فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر وقال يا رسول الله: هذا البيت منها، وأشار
إلى بيت على وفاطمة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم من أفضلها). 2 - في الحديث الشريف
ورد الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبين فضل أهل البيت وتحض
المسلمين على مودتهم وموالاتهم، وتنفر من بغضهم وكراهيتهم، بل وتعلن بوضوح
وجلاء أن حب آل النبي صلى الله عليه وسلم من حبه، وأن بغضهم من بغضه، وأنه لا أملن لمن
يكره آل النبي صلى الله عليه وسلم في رضاه في الدنيا وشفاعته في الآخرة، وان مصيره جهنم وبئس
المصير، والعياذ بالله، ومن هذه الأحاديث النبوية الشريفة (أولا) قال الفحر
الرازي، نقل الزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لاحكام القرآن عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مات على حب آل محمد مات شهيدا، الا ومن مات على
حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا
43

ومن مات على حب آل محمد مؤمنا مستكمل الايمان، الا من مات على حب
آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير الا ومن مات على حب آل
محمد بزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل
محمد، فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله
قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد ومات على السنة
والجماعة، الا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه:
آيس من رحمة الله، الا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا، الا ومن مات
على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ألا ومن مات على بغض آل محمد فلا
نصيب له في شفاعتي).
ومنها (ثانيا) روى الديلمي والطبراني في المعجم الكبير، وأبو الشيخ، وابن
حبان في صحيحه، والبيهقي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن عبد حتى
أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، وأهلي أحب إليه
من أهله، وذاتي أحب إليه من ذاته)، ومنها (ثالثا) ان عصمته صفية شكت إليه أن
رجلا قال لها: إن قرابة محمد لن تغني عنك من الله شيئا، فبكت، فسمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم صوتها فخرج وقال صلى الله عليه وسلم ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع إن كل
سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي وان رحمي موصولة في الدنيا
والآخرة.
وروى الديلمي عن عمار وأبي هريرة قالوا: قدمت درة بنت أبي لهب المدينة
مهاجرة، فنزلت في دار رافع بن المعلى، فقال لها نسوة جلسن إليها من بني زريق:
ابنة أبي لهب الذي انزل الله فيه (تبت يدا أبي لهب) فما يغني هجرتك، فاتت درة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وذكرت ما قلن ها، فسكنها وقال: اجلسي ثم صلى بالناس
الظهر، ثم جلس على المنبر ساعة، ثم قال: (يا أيها الناس، مالي أوذى في أهلي،
فوالله ان شفاعتي تنال قرابتي، حتى أن صداء وحكم وحاء وسلهب، لتنالها يوم
القيامة). وروى الحاكم عن علي بن الحسين ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه
خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم وقال أنكحنيها فقال علي إني أرصدها لابن
44

أخي عبد الله بن جعفر، فقال عمر أنكحنيها ما من الناس أحد يرصد من أمرها
ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني، فقالوا بمن يا أمير
المؤمنين، فقال بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، اني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سبي
ونسبي فأحببت أن يكون بيني وبين رسول لله صلى الله عليه وسلم نسب وسبب). ومنها (رابعا)
روى البخاري والا ما احمد عن أبي بكر الصديق انه قال: (أيها الناس ارقبوا
محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته واحفظوه فيهم) وروى البخاري في صحيحه من حديث
عائشة قالت، قال أبو بكر (والذي نفسي يده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن
أصل من قرابتي). ومنها (خامسا) اخرج أبو يعلي عن سلمة بن الأكواع عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لامتي من
الاختلاف وفي رواية لابن أبي شيبة ومسدد والحكيم والطبراني في الكبير وابن
عساكر عن سلمة بن الأكواع: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي).
وفي رواية للإمام أحمد: فإذا ذهبت النجوم ذهبت السماء وإذا ذهب أهل بيتي
ذهب أهل الأرض، وفي رواية: (فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات
ما كانوا يوعدون)، ويرى ابن أبي بكر الشلمي ربما كان المراد العلماء منهم الذين
نهتدي بهم كما يهتدى بنجوم السماء ثم ربط بين الآية الكريمة (وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم) وان سياق الأحاديث يشير إلى وجود الخير في أهل البيت،
وانهم اما لأهل الأرض.
ومنها (سادسا) اخرج الحاكم عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وعدني ربي
في أهل بيتي، من أقر منهم لله تعالى بالتوحيد، ولي بالبلاغ، ان لا يعذبهم، ومنها
(سابعا) اخرج ابن عدي والديلمي عن علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أثبتكم على الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي، ومنها (ثامنا) اخرج الترمذي وابن
ماجة والحاكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انا حرب لمن حاربهم، سلم لم سالمهم)
(يعني علي وفاطمة والحسن والحسين)، ومنها (تاسعا) اخرج الديلمي عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غضب الله على من اذاني في عترتي، ومنها
45

(عاشرا) واخرج ابن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استوصوا بأهلي خيرا، فإني
أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه أخصمه، دخل النار، ومن
حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا)، ومنها (حادي عشر) اخرج ابن سعد
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وأهل بيتي شجرة من الجنة، وأغصانها في الدنيا، فمن
شاء اتخذ إلى ربه سبيلا، ومنها (ثاني عشر) اخرج الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حب نبيكم وحب أهل بيته، وعلى قراءة
القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله، يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه).
ومنها (ثالث عشر) اخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: من صنع إلى أهل بيتي يدا كافأته عليها يوم القيامة، وروى الديلمي عن علي
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة، المكرم لذريتي،
والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمور دينهم عندما اضطروا إليه، والمكرم
لهم بقلبه ولسانه))، ومنها (رابع عشر) أخرج الإمام أحمد والحاكم عن المسور بن
مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها، ويبسطني ما
يبسطها، وأن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وصهري)، ومنها (خامس
عشر) أخرج البزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار)، ومنها (سادس عشر)
روي الإمام أحمد والطبراني والهيثمي والمحب الطبري عن قرة قال: سمعت أبا
رجاء يقول لا تسبوا عليا ولا أهل البيت إن جارا لنا من بني الهجيم قدم من
الكوفة، فقال: (ألم تروا هذا الفاسق بن الفاسق إن الله قتله، يعني الحسين عليه
السلام قال فرماه الله بكوكبين في عينه فطمس الله بصره).
ومنها (سابع عشر) روى الإمام أحمد في المسند والفضائل عن أبي سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا
بعدي: الثقلين، واحد منهما أكبر من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض وعترتي أهل بيتي، الا وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض قال:
(انظروا كيف تخلفوني فيهما) وفي رواية الترمذي في السنن عن زيد بن أرقم قال
46

قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما
أكبر من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي،
ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما). وفي رواية
للقاضي عياض عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: (اني تارك فيكم ما ان أخذتم به لم تضلوا، كتاب
الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وفي رواية للترمذي عن
جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته
القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس، اني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن
تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. وفي رواية صحيح مسلم عن زيد بن أرقم
أنه قال: أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب وانا تارك
فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله تعالى، فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله
واستمسكوا به، فحث على كتاب الله عز وجل ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي،
أذكر كم الله في أهل بيتي (ثلاث مرات)، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن وأهل بيته
ثقلين، والثقل كل نفيس خطير مصون، وهما كذلك، إذ أن كلا منهما معدن العلوم
اللدنية والحكم العلمية والأحكام الشرعية.
ومنها (سابع عشر) اخرج الإمام أحمد وابن أبي عاصم والبيهقي والطبراني
والحاكم وابن عساكر والسيوطي والمحب الطبري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال لي جبريل يا محمد: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد
ولد أب خير من بني هاشم)، وفي رواية للقاضي عياض في الشفاء قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم اتاني جبريل عليه السلام، فقال: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر
رجلا أفضل من محمد، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم)، ومنها (ثامن عشر)
روى الإمام أحمد والمحب الطبري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أبغضنا أهل البيت فهو منافق)، ومنها (تاسع عشر) روى الإمام احمد
والهيثمي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والسيوطي والطبراني عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت. (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في
القربى)، قالوا يا رسول الله: من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال
47

علي وفاطمة وابناها عليهم السلام)، ومنها (عشرون) روى احمد والطبراني عن أبي
هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام،
فقال: (أنا لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)، وفي رواية لأحمد والترمذي
عن زيد بن أرقم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب
لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم) ومنها (واحد وعشرون) روى الإمام أحمد في
المسند والفضائل والترمذي عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيد الحسن والحسين
فقال: (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)،
ومنها (اثنان وعشرون) اخرج ابن عساكر عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (لا
يقومن أحد من مجلسه الا للحسن أو للحسين أو ذريتهما ومنها ((ثلاثة وعشرون)
اخرج الطبراني عن أبي امامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقوم الرجل لأخيه من مجلسه
الا بني هاشم لا يقومون لاحد) ومنها (أربع وعشرون) اخرج الترمذي في السنن
عن جميع بن عمير التيمي قال: (دخلت ومعي عمتي على عائشة فسئلت: اي
الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاطمة فقيل من الرجال، قالت
زوجها، أن كان علمت صواما قواما.
ومنها (خمس وعشرون) روى الطبراني في الكبير عن أبي موسى قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وعلي فاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة تحت
العرش)، ومنها (ست وعشرون) روى الديلمي عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أول من يرد على الحوض أهل بيتي ومن أحبني من أمتي)، ومنها (سبع وعشرون)
روي الطبراني في الكبير عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إليك، لا
إلى النار أنا وأهل بيتي)، ومنها (ثمان وعشرون) روى ابن عساكر عن انس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أهل بيتي وانا مستودعهم كل مؤمن)، ومنها (تسع
وعشرون) روى الخطيب وابن عساكر عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(خير رجالكم علي، وخير شبابكم الحسن والحسين وخير نسائكم فاطمة)، ومنها
(ثلاثون) روى ابن عساكر عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا علي، ان
الاسلام عريان، لباسه التقوى، ورياشه الهدى،، وزينته الحياء وعماده الورع،
48

وملاكه العمل الصالح، وأساس الاسلام حبي وحب أهل بيتي)، ومنها، (واحد
وثلاثون) روى ابن مردويه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة درجة تدعى
الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة، قالوا: يا رسول الله من يسكن معك
فيها، قال: (علي وفاطمة والحسن والحسين)، ومنها (اثنان وثلاثون) أخرج الحاكم
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد المطلب إني سألت الله، أن يثبت
قائلكم ويهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم وأن يجعلكم جوداء رحماء، فلو أن
رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم لقي الله مبغضا لأهل بيت
محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار) وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا بنى عبد المطلب إني
سألت الله لكم ثلاثا، أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم،
وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام
فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار)، ومنها (ثلاث
وثلاثون) أخرج الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن علي، قال: اصطرع الحسن
والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي حسن، فقالت
فاطمة يا رسول الله: تعين الحسن، كأنه أحب إليك من الحسين، قال: إن جبريل
يعين الحسين، وأنا أحب أن أعين الحسن (رواه السيوطي في الخصائص الكبرى)،
ومنها (أربع وثلاثون) روى احمد والبزار والطيالسي والطبراني وأبو يعلي بطرق
مختلفة عن علي أنه قال: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا نائم على المنامة، فاستسقى
الحسن والحسين، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة لنا بكئ فحلبها فدرت، فجاء
الحسن فنحاه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة يا رسول الله: كأنه أحبهما إليك،
قال لا، ولكنه استسقى قبله، ثم قال، إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم
القيامة)، ومنها (خمس وثلاثون) روى الإمام أحمد في الفضائل والمحب الطبري في الذخائر،
قال حدثنا أحمد بن إسرائيل، قال: (رأيت في كتاب أحمد بن محمد ابن حنبل
رحمه الله بخط يده... قال كان الحسين بن علي يقول: من دمعتا عيناه فينا
دمعة أو قطرت عيناه قطرة، أثواه الله عز وجل الجنة).
ومنها (ست وثلاثون) روى الطبراني والمروياني وابن عساكر عن العباس ابن
49

عبد المطلب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يتحدثون، فإذا رأوا الرجل من
أهل بيتي قطعوا حديثهم، والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرى الايمان حتى
يحبهم الله ولقرابتهم مني)، وفي رواية عن العباس قال: كنا نلقي النفر من قريش
وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (والله لا يدخل
قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ولقرابتي وفي لفظ: ولقرابتكم مني) رواه ابن
عساكر وابن النجار)، ومنها (سبع وثلاثون) ما رواه الترمذي والحاكم والبيهقي
من شعب الايمان عن عائشة، رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستة لعنهم الله،
وكل نبي مجاب، الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت، فيعز بذلك من أذل الله، ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من
عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي)، ومنها (ثمانية وثلاثون) روى الترمذي والحاكم
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من
نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي)، ومنها (تسع وثلاثون) أخرج ابن
سعد عن علي أنه قال: (خبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة
والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله: فمحبونا، قال من ورائكم)، ومنها
(أربعون) وروى الحاكم في التاريخ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من حفظهن حفظ الله له دينه ودنياه ومن ضيعهن لم يحفظ الله له
شيئا: حرمة الاسلام، وحرمتي وحرمة رحمي).
ومنها (واحد وأربعون) أخرج الطبراني في معجمه، والبيهقي في الدلائل،
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يحيى
حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوالي وليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا
فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا
أنالهم الله شفاعتي). ومنها (اثنان وأربعون) اخرج الطبراني في المعجم الكبير عن
واثلة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إنك جعلت صلواتك ورحمتك
ومغفرتك ورضوانك علي إبراهيم وآل إبراهيم اللهم انهم وأنا منهم، فاجعل
50

صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم)، قال: يعني عليا وفاطمة
وحسنا وحسينا)، ومنها (ثلاث وأربعون) روى الحاكم في المستدرك عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجزة، فقال: ألا أهدي لك هدية
سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قلت بلى، قال فأهدي إلى قال: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا
رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، قال: قولوا (اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، انك حميد مجيد، اللهم
بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، انك
حميد مجيد).
ومنها (أربع وأربعون) روى الترمذي في السنن عن حذيفة قال: (سألتني
أمي متى عهدك، تعني بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما لي به عهد منذ كذا وكذا، فنالت مني
لها فقلت: دعيني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب، وأساله أن يستغفر لي ولك،
فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فصلى حتى صلى العشاء ثم انفلت فتبعته
فسمع صوتي فقال، من هذا حذيفة قلت نعم، قال ما حاجتك غفر الله لك
ولأمك، ثم قال، (إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه
ان يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين
سيدا شباب أهل الجنة ومنها (خمس وأربعون) روى ابن جرير عن أبي ذر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن
تخلف عنها هلك)، وفي رواية عن بي ذر: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح،
فمن قوم نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل
) (رواه الطبراني في الكبير)، وفي رواية للحاكم عن حنش الكناني قال
سمعت أبا ذر، وهو آخذ بباب الكعبة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أن
مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها
غرق)، ومنها (ست وأربعون) أخرج الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي،
رضي الله عنهما أنه قال: (إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل
وهو يودنا، دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده، لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة
51

حقنا، وروى الحاكم في المستدرك تعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد، إلا أدخله الله
النار، وروى الطبراني عن السيد الحسن رضي الله عنه لا يبغضنا أحد، ولا
يحسدنا أحد، إلا ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار).
52

الفصل الثالث
من خصائص أهل البيت
وانطلاقا من كل ما تقدم من شواهد من الكتاب والسنة فلقد اتفق علماء
المسلمين على أن الله تعالى، المنعم الكريم، قد تفضل، سبحانه وتعالى على أهل
بيت نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بخصائص اختصهم بها، وبنعم أنعمها عليهم (1)، إكراما
لنبيه وحبيبه سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم،
لعل من أهمها:
1 - الصلاة على أهل البيت
كان من كرامة أهل البيت عند الله تعالى، أن جعل الصلاة عليهم مقرونة
بالصلاة على جدهم العظيم، سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء
والمرسلين صلى الله عليه وسلم في كل صلاة، وفي كل تشهد، وقد أشرفا من قبل إلى أن الصحابي
(1) روى الطاهر بن عبد السلام أن الزمخشري قال: إن أهل البيت النبي يساوونه في سبعة أشياء: في
السلام في قوله السلام عليك أيها النبي في التشهد وفي قوله تعالى: (سلام على آل ياسين) وفي
ختم التشهد بالصلاة عليه وعليهم وفي قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) وفي المحبة في قوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) وفي قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه
اجرا الا المودة في القربى) وفي تحريم الصدقة، والتشريك في الخمس وفي قوله تعالى: وللرسول
ولذي القربى) غير أن رواية ابن حجر الهيثمي عن الفخر الرازي أنهم يساوونه صلى الله عليه وسلم في خمسة
أشياء في الصلاة عليه وعليهم في التشهد وفي السلام وفي الطهارة وفي تحريم الصدقة وفي المحبة)
53

الجليل بشير بن سعد الأنصاري بعد نزول الآية الكريمة (ان الله وملائكته يصلون
على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) سال قائلا: يا رسول
الله أمرنا أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك، فقال صلى الله عليه وسلم قولوا: (اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد،
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما
قد علمتم).
وروى البخاري عند تفسير آية الأحزاب (56) (إن الله وملائكته يصلون
على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) عن كعب ابن عجرة
قال: قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة قال:
قولوا: (اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم انك حميد
مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد
مجيد)، وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول
الله هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك، قال: قولوا: اللهم صل على محمد
عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد،
كما باركت على آل إبراهيم).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد، أمرنا الله أن
نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت
على آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم) (أخرجه مسلم
وأبو داود والترمذي والنسائي) ومن هنا ذهب الإمام الشافعي، كما يقول ابن كثير
في تفسيره، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد
الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته.
وهكذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن امر الله تعالى إلى الأمة بالصلاة عليه، إنما يشمل
54

الامر كذلك بالصلاة على أهل بيته في كل تشهد، وفي كل صلاة، وكفى بهذا
تعظيما وتشريفا، وتوفيرا ذلك لان هذا يعني أن الله قد قضي بأن مقام أهل البيت
انما هو من مقام جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وان شرفهم من شرفه، ومن ثم فقد أقامهم
النبي صلى الله عليه وسلم مقام نفسه في التعظيم والتكريم والتشريف، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
إفراده بالصلاة عليه، دون أهل بيته فقد روى ابن حجر الهيثمي في صواعقه
أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا علي الصلاة، البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء قال:
تقولون: (اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد)، وروى الشافعي في مسنده ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الصلاة: (اللهم
صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد
وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، انك حميد مجيد) هذا وتأكيدا
لمقام أهل البيت عند الله رسوله فلقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء
محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد بيته، اللهم صل على محمد وآله) وفي هذا المعنى
يقول أبو سليمان الداراني رضي الله عنه، كما جاء في صواعق ابن حجر، من أراد
أن يسأل الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يختم بالصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما).
ويرى ابن قيم الجوزية: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولاله دون سائر
الأمة ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي وغيره، ومن لا يوجبها فلا ريب أنه
يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي صلى الله عليه وسلم
وآله وأما من قال إن آل النبي في الصلاة هم كالأمة فقد أبعد غاية الابعاد (عن
الصواب)، هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام والصلاة فشرع السلام
من المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولا وعلى نفسه ثانيا، وعلى سائر عباد الله الصالحين
ثالثا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد
صالح في الأرض والسماء وأما الصلاة فلم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم إلا على نفسه وعلى
آله فقط، فدل ذلك على أن آله هم أهله وأقاربه ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة عليه
55

قال: قولوا (اللهم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فالصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم هي
من تمام الصلاة عليه وتوابعها لان ذلك مما تقربه عين النبي صلى الله عليه وسلم ويزيده الله به
شرفا وعلوا صلى الله عليه وعلى آل وسلم تسليما، وروى ابن حجر الهيثمي عن
الإمام الشافعي أنه قال:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
هذا وقد أجمع المسلمون على أن الحسن والحسين وذريتهما (أولاد السيدة
فاطمة الزهراء من الإمام علي بن أبي طالب) هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من
الله الصلاة والبركة، لأن أحدا من بناته لم يعقب غير الزهراء، عليها سلام، فمن
انتسب تالي النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه،
ولما نزل قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وخرج
للمباهلة، وهكذا انحصرت ذرية النبي صلى الله عليه وسلم في أبناء الزهراء وحدهم، وفي ذرية
الحسن والحسين بوجه خاص، ومن هذه الذرية تستمر ذرية النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم
القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي)، أي
سببه ونسبه من الإمام الحسن والإمام الحسين، علهما السلام وذريتهما الطاهرة
المباركة هذا ونظرا لانحصار سببه ونسبه صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين وذريتهما، فقد
جرى العرف بأن تعبير (أهل البيت) انما هو صفة لكل من يتصل نسبه بسيدنا
الحسن وسيدنا الحسين، وذريتهما إلى يوم القيامة.
2 - محبة أهل البيت
أمر الله سبحانه وتعالى وأوصى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بحب أهل البيت،
لأنهم غصون هذه الدوحة المباركة، التي أصلها في الأرض، وفرعها في السماء،
56

والتي اصطفاها الله تعالى من بين خلقه، واصطنعها على عينه، فبلغت أوج الكمال
في الروح والجسد، وفي السر والعلن، وذلك لأنها بضعة أشرف الخلق، وأكرم
الأنبياء الذي يقول متحدثا بنعمة الله عليه، واحسانه إليه فيما رواه مسلم في
صحيحه والترمذي في الجامع الصحيح عن واثلة بن الأسقع، (ان الله اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني
هاشم واصطفاني من بني هاشم)، ثم لان مقام أهل البيت من مقام
الرسول صلى الله عليه وسلم فهم في كل عصر وزمان خير الناس وخيرهم بيوتا، لان الله اختار
نبيه من خير البيوت وأشرفها، هذا فضلا عن أن حكمة الله في خلقه، ورحمته
بعباده، اقتضت ان تستمر باهل البيت ذرية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين،
تشع بضيائها على العالمين وترشد بهدايتها الضالين، ومن ثم فان التاريخ لم يعرف
أهل بيت أحبهم الناس من قوميات ومذاهب شتى كال البيت، أحبوهم احياء
وأموات، فألف العلماء الكتب في منزلتهم عند الله والناس، ونظم الشعراء
الدواوين والقصائد في مديحهم، وردد الخطباء فضائلهم على المنابر وفي المحافل،
وما ومن مسلم في شرق الأرض أو غربها يصلي لله، الا وبذكر رسول الله وآله
بالصلاة والتسليم ناهيك بهذه الأسماء الشائعة بين الناس: محمد وعلى وفاطمة
وحسن وحسين فإن الباعث على التسمية بها لم يكن الا للتبرك والتيمن بأسماء
آل البيت الكرام، الذين أحبهم الناس من كل جنس ولون، ومن كل الطبقات،
في كل زمان ومكان (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم).
وقد روى الترمذي والحاكم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحبوا
الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)، وروى
الإمام أحمد والترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وقال (من أحبني
وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)، واخرج الديلمي عن
علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب
آل بيته وعلى قراءة القرآن) واخرج ابن عدي والديلمي عن علي النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال أثبتكم على الصراط، أشدكم حبا لأهل بيتي وأصحابي، وفي نفس الوقت
57

فلقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من بغض أهل البيت فقد روى أبو سعيد الخدري عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار)، وقال صلى الله عليه وسلم،
لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لآل محمد
صلى الله عليه وسلم دخل النار).
هذا وتمثلي وكتب السيرة الشريفة بالأمثلة التي لا تعد ولا تحصى على
محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البيت ويدهي ان نفس النبي الزكية التي وسعت الرحمة
للقريب والبعيد، انما كانت أكثر رحمة وعطفا على أهل بيته واعز الناس عليه،
وخاصة فاطمة البتول، البقية الباقية من أبنائه وبناته فلقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا
أراد سفرا، فاخر بيت يخرج منه بيت فاطمة وإذا رجع من سفره فأول بيت
يدخله بيتها يجلس فيه ويضع الحسن على فخذه الأيمن، والحسين على فخذه
الأيسر، يقبل هذه مرة، وذاك مرد ويجلس عليا وفاطمة بين يديه، كما كان من
عادته صلى الله عليه وسلم ان بيت عندهم حينا بعد حين، ويتولى خدمة الأطفال بنفسه وأبواهما
قاعدان وقد روى أن الحسين قد ركب على ظهر جده النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في
الصلاة فرفعه النبي صلى الله عليه وسلم رفعا خفيفا، ولما فرغ من الصلاة وضعه في حجره،
فكان يدخل أصابعه في لحيته والنبي صلى الله عليه وسلم يضمه ويقبله ويقول: (اللهم إني أحبه
فأحبه)، وسار النبي صلى الله عليه وسلم مرة وهو يحمل الحسين، فقابله رجل فقال: نعم المركب
ركبت يا غلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ونعم الراكب هو) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما من
بيت عائشة قمر ببيت فاطمة فسمع الحسين يبكي فمس بكاؤه شفاف قلبه صلى الله عليه وسلم
فهرع إلى فاطمة وقال لها: ألم تعلمني ان بكاءه يؤذيني وفي ذات يوم بينما كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويعظ المسلمين في مسجده الشريف، جاء الحسن والحسين إلى
جدهما، وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فلم يتمالك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه،
وترك الوعظ ونزل إليهما فأخذهما وعاد إلى المنبر، وهو يضمهما ويشمهما ثم وضعهما
في حجره، وقال صدق الله العظيم: (انما أموالكم وأولادكم فتنة).
وهكذا كان من البدهي ان يكون حب أهل البيت كما يقول الأستاذ حسين
يوسف، جزاء لا يتجزأ من الحب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحب لله تعالى ولا
58

يعقل ان يرغم زاعم انه يحب الله تعالى ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم وهو في نفس الوقت لا
يكن لأهل البيت الشريف الذين هم منه صلى الله عليه وسلم منهم نفس الحب ونفس
الاجلال والتقدير والتعظيم، ولهذا فقد كان حب أهل البيت دلالة على سلامة العقيدة وصدق الايمان بالله ورسوله، كما أن كراهية أهل البيت دلالة قاطعة على
فساد العقيدة ومرض القلب، والبعد عن الله ورسوله ويؤكد سيدنا ومولانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذه المعاني بقوله الشريف، فيما يروى ابن عساكر من حديث ابن عمر:
لا يحب أهل البيت الا مؤمن، ولا يبغضهم الا منافق)، وليس من شك في أن من
هذا الحديث الشريف بشرى من سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وشهادة منه صلى الله عليه وسلم
بالايمان لمحبي أهل البيت، وفيه في نفس الوقت حكم قاطع بالنفاق على
مبغضيهم، فهم المحجوبون بظلمات بعضها فوق بعض، المحرمون من هداية الله
ونوره (ومن لم يجعل الله له نورا)، فما له من نور) وقد كتب الله عليهم الشقاوة،
وجعلهم من أصحاب الجحيم، فلقد روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري عن
رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبغضنا أهل البيت أحد، إلا أدخله الله النار).
ويزيد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بياتا ووضوحا، فقال، محذرا من
إيذاء أهل البيت أو ظلمهم أو الاستخفاف بحقهم حرمت الجنة على من ظلم
أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب، ولم
يجازه عليها، فانا أجازيه عليها غدا، لقيني يوم القيامة)، ثم يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم
تأكيدا قاطعا صلة الايمان بحب أهل البيت الطاهرين المطهرين فيقول كما جاء
في نور الابصار في مناقب آل بيت النبي المختار، (والذي نفسي بيده لا يدخل قلب
رجل الايمان حتى يحبكم لله ورسوله)، فضلا عن أن حب أهل البيت انما هو
السبيل لرعاية الله تعالى لصاحبه، والكفيل بحفظه في الدين والدنيا، وثباته يوم الدين على
الصراط، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يقول صلى الله عليه وسلم (ثلاث من حفظهن
حفظ الله له دينه ودنياه، ومن ضيعهن لم يحفظ الله له شيئا، حرمة الاسلام وحرمتي
وحرمة رحمي وقال صلى الله عليه وسلم: أثبتكم على الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي)،
وقال صلى الله عليه وسلم (شفاعتي لامتي من أحب أهل بيتي).
59

وهكذا أكثر السلف الصالح من محبة أهل البيت وتوفيرهم، ففي البخاري
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته،
والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من قرابتي)، وروي البخاري
ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر
الصديق انه قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من
قرابتي)، وهكذا كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الخليفة الأول من التعظيم والاكبار
ما لم يكن لاحد غيرهم، فالصديق يقسم بالله، وهو صادق، ان قرابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من قرابته، وان يحب ان يصلهم أكثر مما يصل قرابته.
وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثرهم على جميع المسلمين،
بل على أقربائه الاذنين ومن أقواله في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عيادة بني هاشم
فريضة وزيارتهم نافلة واخرج الدارقطني عن ابن الخطاب انه قال: تجبوا إلى
الاشراف وتوددوا، واتقوا على أعراضكم من السفلة، واعملوا انه لا يتم شرف الا
بولاية علي بن أبي طالب)، وفي رواية: (أيها الناس ان الفضل والشرف والمنزلة،
الولاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذريته فلا تذهبن بكم الأباطيل) وروى الحاكم في
المستدرك عن عمر رضي الله عنه انه دخل على فاطمة، رضي الله عنها، فقال: (يا
فاطمة، والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، والله ما كان أحد من
الناس بعد أبيك صل الله عليه وسلم أحب إلى منك).
وفي فتح مكة، وقد اتي العباس - عم النبي صلى الله عليه وسلم - بابي سفيان بن حرب،
ليسلم قبل ان تدخل جيوش الاسلام مكة، فما ان رآه الفاروق عمر حتى قال: أبو
سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم أسرع العباس
بابي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق بهما الفاروق فقال: يا رسول الله هذا أبو
سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني اضرب عنقه، فقال العباس:
يا رسول الله اني قد اجرته، فلما أكثر عمر في شانه، قال العباس مهلا يا عمر،
فوالله ان لو كان من رجال بني عدي (رهط عمر) ما قلت هذا ولكنك قد عرفت
أنه من رجال بني عبد مناف، فقال عمر: مهلا يا عباس، فوالله لاسلامك يوم
أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي الا اني قد عرفت أن
60

إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسلام الخطاب.
وكان الفاروق يجل الامام على كل الاجلال، ويستثيره في كثير من المشاكل
والقضايا الفقيهة ومن كلماته المأثورة في الإمام علي قوله المشهور (لولا علي لهلك
عمر) (وأعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ويقدم لنا الفاروق صورة
جلية لحبه وتعظيمه وتوقيره لأهل البيت، ورغبته الصادقة في أن يرتبط بهم بنسب
ومصاهرة، يروى الأئمة احمد وابن سعد والبيهقي والحاكم والطبراني والدار قطني
وابن راهويه وابن حجر الهيثمي وأبو نعيم بسند من أكابر أهل البيت وغيرهم، ان
عمر بن الخطاب تقدم إلى على كرم الله وجهه طالبا الزواج من ابنته أم كلثوم، بنت
فاطمة الزهراء بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اجابه على بأنه حبس بناته لولد أخيه
جعفر، قال له عمر إنه والله ما على وجه الأرض من يرصد من حسن صحبتها ما
أرصد فوافق علي، بعد أن استثار الحسن والحسين، وقد بلغ الفرح بعمر رضي
الله عنه انه اتي المهاجرين والأنصار فقال: الا تهنئوني فقالوا بمن يا أمير المؤمنين،
فقال بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة، الا ما كان من سببي
ونسبي) فأحببت ان يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب وفي رواية
أخرى للإمام أحمد: ان عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم
فاعتل علي بصغرها، فقال: إني لم أرد الباه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، كل ولد أب فإن
عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فاني انا أبوهم وعصبتهم)، وقد ثم الزواج
ورزق الفاروق من حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم بولد دعاه زيدا عاش حتى صار رجلا
ومات وقد اخرج الدارقطني عن أبي حنيفة انه قال: سمعت أبا جعفر محمد الباقر
يذكر تزويج علي ابنته من عمر ويقول: (لو لم يكن لها اهلا لما زوجه إياها)، هذا
وقد روى أنه قيل لعمر بن الخطاب: إنك تصنع بعلي شيئا (يعني من التعظيم) لا
تصنعه لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انه مولاي (1).
(1) لعل الفاروق يقصد حديث غدير خم وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم
وال من والاه، وعاد من عاداه) فلقيه عمر فقال: (هنيا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت
مولى كل مؤمن ومؤمنة).
61

هذا وكان الفاروق عمر، لا يساوي أحدا باهل البيت، روى البلاذري في
فتوح البلدان عدة روايات عن العطاء في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
منها ما رواه ابن سعد عن الواقدي بسنده عن جبير بن الحويرث بن نقيذ أن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه: استثار المسلمين في تدوين الديوان، فقال له علي بن
أبي طالب رضي الله عنه: تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من مال، ولا تمسك منه
شيئا، وقال عثمان رضي الله عنه: أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى
يعرف من اخذ ممن لم يأخذ حسبت، ان بنشر الامر، فقال الوليد بن هشام بن
المغيرة: قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا، وجندوا جندا، فدون ديوانا
وجند جندا، فاخذ بقوله فدعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن
مطعم، وكانوا من لسان قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فبدأوا ببني
هاشم (رهط النبي صلى الله عليه وسلم) أتبعوهم أبا بكر وقومه ثم عمر وقومه على الخلافة، فلما
نظر إليه عمر قال: وودت والله انه هكذا، ولكن ابدؤا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب
فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى.... فجاءت بنو عدي (رهط
عمر) فقالوا: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا، قال: بخ بخ
بني عدي أردتم الاكل علي ظهري، وان أهب حسناتي لكم، لا والله حتى تأتيكم
الدعوة وان يطيق عليكم الدفتر، يعني ولو تكتبوا اخر الناس ان لي صاحبين
سلكا طريقا فان خالفتهما خولف أبي، والله ما ادركنا الفضل في الدنيا وما نرجو
الثواب على عملنا الا بحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب
فالأقرب...).
ومنها ما روي عن الشعبي قال: لما هم عمر بن الخطاب في سنة عشرين
بتدوين الدواوين، دعا بمخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم، فأمرهما ان يكتبا الناس
على منازلهم، فكتبوا بني هاشم ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه، فلما
62

نظر عمر في الكتاب قال: وددت اني في القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ابدأوا
بالأقرب فالأقرب، ثم ضعوا عمر بحيث وضعه الله تعالى، فشكره العباس بن عبد
المطلب على ذلك، وقال: وصلتك رحم)، وروى عن محمد بن عجلان قال: لما
دون عمر الدواوين، قالوا: بمن نبدأ: بنفسك، قال: (لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
امامنا، فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب والأقرب)، وروي عن سفيان الثوري عن جعفر
الصادق عن أبيه قال: لما وضع عمر الديوان استشار الناس بمن يبدأ، فقالوا:
ابدأ بنفسك، قال: لا، ولكن أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدا
بهم).
ومنها ما روي عن ابن سعد عن الواقدي بسنده عن الزهري عن سعيد عن
قومن آخرين قالوا: لما أجمع عمر علي تدوين الديوان وذلك في المحرم سنة عشرين،
بدا يبني هاشم، ثم الأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان القوم إذا استووا في
القرابة قدم أهل السابقة، ثم انتهى إلى الأنصار فقالوا: بمن نبدأ فقال: إبدأوا برهط
سعد بن معاذ من الأوس ثم الأقرب فالأقرب لسعد، وفرض عمر لأهل الديوان،
فقدم أهل السوابق والمشاهد من الفرائض وكان أبو بكر قد سوى بين الناس في
القسم فقيل لعمر في ذلك فقال: لا اجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل
معه، فبدا بمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وفرض لكل رجل منهم خمسة
آلاف درهم في كل سنة حليفهم ومولاهم معهم بالسواء وفرض لمن كان له
اسلام كاسلام أهل بدر ومن مهاجرة الحبشة ممن شهدوا أحد أربعة آلاف درهم، وفرض لأبناء البدريين الفين الفين الا الحسن والحسين فإنه الحقهما بفريضة أبيهما
لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف وفرض للعباس خمسة
آلاف لقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن للخليفة الثالث، عثمان بن عفان رضي لله عنه، بأقل حبا لآل البيت
من صاحبيه، فهو من بني عبد مناف، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج
ابنتيه ومن ثم فقد سمى بذي النورين غير أن الاحداث سرعان ما باعدت بينه
وبين علي، بسبب وشايات بطانته من بني أمة، وإن ظل الحب والاحترام متبادلا
63

بين عثمان وآل البيت وآية ذلك أن الإمام علي ارسل ولديه الحسن والحسين،
للدفاع عن عثمان وقد أصيب الحسن بسهم فخضبه الدم، وشج قنبر مولى علي،
وعلي اي حال فحين انتقل الحكم من الخلفاء الراشدين إلى الأمويين، أعداء آل
النبي صلى الله عليه وسلم قلبوا لهم ظهر المجن، وفعلوا بعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقبله خلق أو
دين، وما لا يرضاه مسلم بل ما لا يرضاه إنسان، اي إنسان، من أية ملة كان،
وإلى أي جنس ينتمي وبأي مذهب سياسي يدين، وكانت كارثة الكوارث مذبحة
كربلاء، الامر الذي سنناقشه في كتابنا عن مولانا الإمام الحسين، عليه السلام،
ومع ذلك فقد كان من بني أمية هؤلاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، الذي
اشتهر بحب آل البيت، والذي قال لعبد الله بن الحسن المثنى، حفيد الإمام علي،
(والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم ولأنتم أحب إلي من أهل
بيتي)، وحين ذكر الزهاد عنده قال: (أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب)،
ثم سرعان ما أبطل تلك الفعلة الدنيئة التي جرى عليها الأمويون مند أيام معاوية،
من سب الإمام علي، كرم الله وجهه ورضي الله عنه، على منابر المسلمين ولعنه،
والعياذ بالله، وجعل مكانها الآية 10 من الحشر (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم).
وقيل بل جعل مكانها الآية 9 من النحل (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، وقيل بل
جعلهما جميعا فاستعمل الناس ذلك في الخطبة إلى يومنا هذا، هذا ويروى ان
عبد الله ابن الحسن ذهب إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة له، فلما قضى حاجته
قال له: إذا كانت لك حاجة فأرسل إلى أحضر، أو اكتب لي ورقة فاني استحي
من الله ان يراك على بابي)، وروى أبو الفرج الأصبهاني الأموي عن سعيد بن ابان
القرشي ان عبد الله بن الحسن دخل على عمر بن عبد العزيز، وهو حديث السن
له وفرة، فرفع مجلسه واقبل عليه وقضى حوائجه ثم اخذ عكنة من عكنه فغمزها
حتى أوجه، وقال أذكره عندك للشفاعة، فلما خرج لامه قومه وقالوا فعلت هذا
بغلام حدث فقال إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما
فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها)، وانا اعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما
64

فعلت بابنها قالوا: فما معنى غمزك بطنة، وقولك ما قلت، قال: (إنه لس أحد
من بني هاشم الا وله شفاعة، فرجوت ان أكون في شفاعة هذا)، وقيل إنه كتب
بعد ذلك إلى عامله بالمدينة ان أقسم في ولد علي من فاطمة، رضوان الله عليهم،
عشرة آلاف دينار، فطالما تخطتهم حقوقهم).
وهناك، غير عمر بن عبد العزيز، نفر قليل جدا من الأمويين كانوا يحبون
آل البيت فهناك أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب (مقاتل الطالبين) وكان
أمويا محبا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهناك الشاعر عبد الله أبو عدي المعروف بالعبلي،
وكان يكره ما يجري عليه بنو أمية من سبب الإمام علي، ويظهر الانكار فشرده
الأمويون، وهناك معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد نقل عنه الدميري
(في حياة الحيوان) انه لما بويع بالخلافة، بعد أبيه يزيد، صعد المنبر فخطب خطبة
طويلة جاء فيها (ان جدي معاوية قد نازع في هذا الامر من كان أولى به منه ومن
غيره، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدرا،
وأشجعهم قلبا وأكثرهم علما، وأولهم ايمانا، وأشرفهم منزلة وأقدمهم صحبة،
ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه، وصهره وزوج ابنته، وأبو سبطية الحسن والحسين،
سيدي شباب أهل الجنة، وأفضل الأمة من الشجرة الطيبة الزكية، فركب جدي
معاوية معه ما تعلمون، وركبتهم معه ما لا تجهلون، ثم انتقلت الخلافة إلى أبي
يزيد، فتقلد امركم لهوى أبيه، وكان غير خليق بالخلافة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فركب
هواه، وتجرا على الله بما استحل من حرمة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مدته وانقطع
اثره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته رهين خطيئته ثم قال: فشأنكم امركم
فخذوه ومن رضيتم فولوه، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم، والسلام)، ولما نزل
من على المنبر وبخه أقاربه، وقالت له أمه: ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك،
فقال: وددت والله ذلك)، وقال الأمويون لمعلمه ومؤدبه (عمر المقصوص أنت
علمته حب علي وأولاده، وأخذوه فدفنوه حيا، ثم دسوا السم لمعاوية فمات.
وانتقل الحكم إلى العباسيين الذين فاقوا الأمويين تنكيلا بأهل البيت
وشيعتهم، وإن كان بعضهم أخف عليهم من بعض، بينهما هناك من كان في
65

جانب آل البيت، وقليل ما هم، غير أن المسلمين لم يكونوا على دين ملوكهم في
بغض العترة الطاهرة، وإنما كانوا، والحمد لله، على دين نبيهم في حب آل البيت
وتقديسهم، حتى الذين قاتلوا الإمام الحسين في كربلاء، كانت قلوبهم معه
وسيوفهم عليه، بل حتى الولاة والموظفون عند الخليفة كانوا يؤمنون في قرارة
أنفسهم بحق أبناء الزهراء البتول ويتشيعون لهم، ومن أمثلة ذلك أن الطاهرين
في خراسان كانوا يحكمون باسم الخليفة المأمون وقلوبهم مع آل البيت ومنها أن
الخليفة المتوكل كان قد كلف (ابن السكيت) بتأديب ولده المعتز بالله وكان ابن
السكيت يكتم تشيعه لان المتوكل معروف باغراقه في العداوة للإمام علي وأولاده،
وفي ذات يوم قال له المتوكل: أيهما أحب إليك، ابناي هذان (المعتز والمؤيد) أم
الحسن والحسين فلم يتمالك ابن السكيت نفسه ان قال له (والله ابن قنبر خادم
علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك، فامر المتوكل ان يخرجوا لسانه من قفاه،
ففعلوا ومات.
وكان أئمة المذاهب الأربعة من أكثر الناس حبا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلقد اشتهر الإمام أبو حنيفة النعمان بحب آل البيت وبذل الأموال الطائلة لهم،
حتى نقل أنه بعث إلى بعض المستترين منه اثني عشر ألف درهم دفعة واحدة،
وكان يأمر أصحابه برعاية أحوالهم واقتضاء آثارهم والاقتداء بأنوارهم وكان
الامام مالك من محبي آل البيت، وقيل إنه أفتى بخلع المنصور لان القوم بايعوه
كرها ولا بيعة لمكرة (1) هذا وقد كان الامامان أبو حنيفة ومالك من تلامذة
الإمام جعفر الصادق، فيما يرى الكثيرون من أمثال ابن حجر الهيثمي في
الصواعق وأبو نعيم في حلية الأولياء، وابن الصباغ في الفصول، والشبلنجي في
(1) يرى ابن مغنية في كتابه (أهل البيت) أن أبا حنيفة أفتى بنصرة زيد بن علي زين العابدين، وحمل
الأموال إليه كما أفتى بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله الحسن لحرب المنصور، فضرب بالسياط
وحبس وعذب وأخيرا سقاه المنصور السم فمات ويذهب إلى أن ضرب أبي حنيفة بسبب رفضه
تولى منصب القضاء قول غير مقبول، ذلك لان طلبهم إياه للقضاء يدل على التعظيم، وضربه
بالسياط يدل على التحقير، فكيف يمكن التوفيق بينهما، وربما عرض الخلفاء عليه القضاء ليسكت
وينصرف عن حب آل البيت فلما أبي نكلوا به فالتنكيل إذن لغاية سياسية وهي صرفه عن
حب آل البيت الذين كانوا يمثلون الحزب المعارض وليس من أجل امتناعه عن القضاء.
66

نور الابصار والشيخ سليمان في الينابيع وغيرهم، واما الإمام الشافعي فحبه لأهل
البيت أشهر من أن يذكر، وقد أغرق في هذا الحب حتى نسبه الخوارج إلى
الرفض، ومن شعره في آل البيت الطاهرين:
1 - قال:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر انكم * من لا يصلي عليكم لا صلاة له
2 - وقال:
يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
ان كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافضي
3 - وقال:
قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتمادي
لكن توليت غير شك * حب امام وخير هادي
إذ كان حب الولي رفضا * فإنني أرفض العباد
4 - وقال:
إذ في مجلس ذكروا عليا * وشبليه وفاطمة الزكية
يقال تجاوزوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية
هربت إلى المهيمن من أناس * يرون الفرض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية
وسئل الشافعي عن الإمام علي فقال: ماذا أقوال في رجل، أسر أولياؤه
مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حنقا، ومع ذلك شاع منها ما ملا الخافقين.
واما الإمام أحمد بن حنبل، فكتابه ((مسند أحمد) مشحون بفضائل علي،
اما كتا به (فضائل الصحابة) فلا شك ان فضائل أهل البيت تمثل الجزء الأكثر
67

منه، وخاصة فضائل الامام التي تشغل مائتي صفحة (528 - 728) تتضمن
565 حديثا (من رقم 878 إلى 1247 في طبعة جامعة أم القرى عام 1983 م) إلى
جانب ما يقرب من مائة وعشرين صفحة عن السيدة فاطمة الزهراء والإمام الحسن
والإمام الحسين وجدتهما خديجة الكبرى والعباس وولده عبد الله رضي الله
عنهم، ويقال انه الف كتابا كبيرا في فضائل أهل البيت، وان نسخة منه كانت في
خزانة مشهد الامام بالنجف، ونقل انه تتلمذ على يد الإمام موسى الكاظم، وقد ورد
عن الإمام أحمد انه قال: ما جاء لاحد من الفضائل ما جاء لعلي)، هذا وقد الف
الامام الحافظ النسائي كتابا سماه (خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب).
وخلاصة الامر ان حب آل البيت عند المسلمين ومنزلتهم تأتي بعد سيدنا
ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فاصل، وقد يتغاضى المسلم عمن يشتم أباه وأمه، أما إذا
مس مقام الرسول أو أحد أهل بيته، فإنه يثور ويضحي بالنفس والنفيس، وإذا
التمسنا تفسيرا لذلك لوجدنا ه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، شرف الانتساب إليه فحسب، وانما ورثوا
علومه وشمائله، وأحب الخلق عند المسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو
حفظ شيئا من علومه أو عمل بأوامره أو اتصف ببعض صفاته، فكيف بأقرب
الناس إليه، وأحبهم لديه، بل بضعته الشريفة صلى الله عليه وسلم، ووارثي علومه وأخلاقه،
وامنائه على دينه وشريعته، ومن ثم فقد قال القرطبي، ان الأحاديث الشريفة انما
تقضى بوجوب احترام آل النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم ومحبتهم، وجوب الفرائض
التي لا عذر لاحد في التخلف عنها، وقد صرح الأئمة البيهقي والبغوي والشافعي ان محبة
آل البيت من فرائض الدين، وهكذا كان من حق أهل البيت على المسلمين ان
يحبوهم، ولو كانوا على غير قدم الاستقامة، لأنهم بيقين يحبون الله ورسوله، ومن
أحب الله ورسوله لا يجوز بغضه، والى هذا المعنى ذهب العلامة الشعراني في (المنن
الكبرى)، واستدل عليه بان (نعيما) تكررت إقامة الحد عليه كلما شرب الخمر،
فصار بعض الناس يلعنه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوا نعيما، فإنه يحب الله
ورسوله)، فعلم من ذلك أنه لا يلزم من إقامة الحد على أحد الأشرف ان
68

نبغضهم، بل إقامة الحد عليه انما هو محبة وتطهير له، وانطلاقا من كل هذا، وعلى
كر السنين ومر الأعوام، نرى اجماعا من أهل الحق والايمان على توقير أهل البيت
واستشعار محبتهم واعلان فضيلتهم، لا يشذ عن ذلك الا جاهل أو محروم، ولا
يجادل في ذلك الا شقي أثيم، يقول العلامة الشعراني في (المنن الكبرى): سمعت
سيدي عليا الخواص رضي الله عنه يقول: من حق الشريف علينا ان نفديه
بأرواحنا لسريان لحم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمه الكر يمين فيه بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وللبعض في الاجلال والتعظيم والتوقير ما للكل، وحرمة جزئه صلى الله عليه وسلم كحرمة جزئه
حيا على حد سواء).
ويقول الإمام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية): ومن أصول أهل السنة
والجماعة انهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية
رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم (غدير خم): أذكر كم الله في أهل بيتي، أذكركم الله
في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم للعباس عمه - وقد
اشتكى إليه ان بعض قريش يجفو بني هاشم - (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى
يحبوكم لله ولقرابتي)، وقال صلى الله عليه وسلم (ان الله اصطفى بنى إسماعيل، واصطفى من بني
إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قر يش بنى هاشم).
وقال ابن تيمية في الفتاوي - وهم في الوصية الكبرى - ما نصه (آل البيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يحبب رعايتها، فان الله جعل لهم حقا في الخمس
والفئ، وامر بالصلاة عليهم، مع الصلاة على رسول الله فقال لنا: قولوا اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد، وبارك
على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد) - وآل محمد هم
الذين حرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرها من
العلماء رحمهم الله، فان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد
)، وقد قال الله في كتابه (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم
تطهيرا)، وحرم الله عليهم الصدقة لأنها أوساخ الناس، وفي المسانيد والسنن ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس - لما شكا إليه جفوة قوم لهم - (والذي نفسي بيده لا يدخلون
الجنة حتى يحبوكم من أجلي).
69

وأورد ابن تيمية في (درجات اليقين) قوله صلى الله عليه وسلم (أحبوا الله لما يغذوكم من
نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)، وقال في اقتضاء الصراط: ان
الحجة قائمة بالحديث، ثم قال: وانظروا إلى عمر ابن الخطاب حين وضع الديوان،
فبدا باهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال في رسالة (رأس الحسين)، عقب حديث:
(والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي)، فإذا كانوا أفضل
الخلق، فلا ريب ان أعمالهم أفضل الأعمال، وقال في رسالة (فضل أهل البيت
وحقوقهم) في الحث عن الاخذ عن العالم العادل الذي يقول الحق، ولا يتبع الا
إياه: (ولهذا من يتبع النقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه، وأئمة أهل بيته
، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين، قرة عين الاسلام، وابنه الامام
أبي جعفر محمد بن علي الباقر، وابنه الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق،
شيخ علماء الأمة)، إلي غير ذلك من أقوال حكيمة تدل بوضوح على حب الإمام ابن
تيمية لأهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيرهم واجلالهم.
ويقول ابن كثير في التفسير: ولا ننكر الوصاة باهل البيت، والامر بالاحسان
إليهم واحترامهم واكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على
وجه الأرض، فخرا وحسبا ونسبا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية
الصحيحة، كما كان عليهم سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي
الله عنهم أجمعين (وانظر: شرف بيت النبوة في جلاء الافهام لابن قيم الجوزية،
وذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى، للمحب الطبري).
بقيت الإشارة إلى الجدل الذي يثيره بعض أهل العلم حول (توقير أهل البيت
)، وقد انقسموا إلى فرق ثلاث ففرقة: تحب أهل البيت بلا جدال، وتعتقد
ان هذا الحب حق لهم على غيرهم، ولا يكمل ايمان المسلم الا به، امتثالا
لقوله صلى الله عليه وسلم (والله لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ولقرابتكم مني)، وهذه
الفرقة هي الفرقة الموفقة، وقليل ما هم، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون والأئمة
المجتهدون، وقد قال الإمام الشافعي في أهل البيت معربا ومعبرا عن حبه لهم (انا
70

من شيعة أهل البيت حتى قيل كيت وكيت)، واما الفرقة الثانية فهي التي ادعت
لنفسها النسب الشريف، ووضعت نفسها بين أهله، وتخلصت من عبء الحب
لأهله، فهي لا ترى لأحدهم فضلا يزيد على فضلها، وشرفا زائدا على شرفها،
والفرقة الثالثة: هم المتنصلون المتأولون الذين أولوا الآيات والأحاديث الواردة في
حق أهل البيت، فمثلا آية (قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى)،
يرون انه لا شاهد فيها على حب أهل البيت ومودتهم، ولو كان ذلك كذلك، لكان
من جنس الاجر على الرسالة، وكان آخر الآية يناقض أولها، فانتقت بذلك دلالتها
على حبهم ومودتهم وموالاتهم، كما أولوا الأحاديث الواردة في حب آل النبي بأحد
أمرين: الواحد، ان يتهم الحديث بأنه من خلفات الشيعة، وهذا النوع محكوم
عليه بالوضع وبالتالي لا يدخل فيما يسمى بالحديث، وفي معناه الحديث الضعيف
عندهم، ومن ثم لا تقوم به حجة، وبالتالي فلا يلزمهم اعتباره والعمل بمقتضاه،
علما بان العلماء ذهبوا إلى أن الحديث الضعيف يعمل بمقتضاه في المناقب وفضائل
الأعمال بشروط خمسة، منها ان يعتقد صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ان يكون له
أصل يعضده بان يكون مندرجا تحت أصل عام، ومنها الا يشتد ضعفه حتى يلحق
بالموضوعات ومها لا يعارضه حديث خاص، ومنها ان يعمل به في المناقب
وفضائل الأعمال، ولا ريب في أن حب أهل البيت منقبة عظيمة، والحديث
الضعيف صالح للدلالة عليها، واما الامر الثاني: إذا ورد عليهم حديث صحيح
مسلم، قالوا خير الآحاد ولا يلزم العمل به، والحديث الذي تقوم به الحجة هو
المتواتر، وهكذا يتنصلون بهذه التأويلات من موالاة أهل البيت، وبالتالي يسلبون
أنفسهم حلاوة الايمان، ويصبحون في تأويلاتهم أشبه بعلماء بني إسرائيل).
هذا وقد ذهب العلماء المجتهدون إلى أن حب أهل البيت من فضائل
الايمان، بل يتجاوزها إلى حدود الواجب كما يدل على ذلك صريح كثير من
الأحاديث الشريفة، التي سبقت الإشارة إليها، واما غلاة المتنصلين فيذهبون إلى أنه
ان كان حب أهل البيت أمرا مشروعا، فهذه عبادة لهم، أشبه بالعبادة الوثنية،
وقد حرم القرآن عبادة غير الله، فلا يستحق أحد منهم، فيما يزعمون، حقا على
71

غيره، ويجعلون الحي والميت من أهل البيت في ذلك سواء، سيما وهم يشددون
النكير على الأولياء الأموات من أهل البيت وغيرهم، ويصورون ذلك للسذج من
النعامة من أن زيارة القبور كعبادة الوثنية، ملبسين عليهم وغير مفرقين في ذلك بين
الزيارة الشرعية والبدعية، وحجتهم في ذلك يقيمونها لهم من أنفسهم هي انهم
يقاطعون زيارة كل ولي، مع التنفير من زيارته، ومن عجب ان بعضهم اعتمد على
ابن تيمية في رأيهم هذا، مع أن ابن تيمية يقول في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل
والوسيلة) ما خلاصته: ان زيار ة قبور المسلمين على وجهين شرعية وبدعية،
والشرعية ما قصد منها الدعاء للميت، لما يقصد بالصلاة على جنازة الدعاء له،
فالقيام على قبره من جنس الصلاة عليه، وكان النبي صل الله عليه وسلم يصلي على جنائز المسلمين
ويقف على قبورهم، ومن ثم كان الصلاة على الموتى والقيام على قبورهم في السنبة
المتواتر ة تشريعا منه صلى الله عليه وسلم لامته، كما كان صلى الله عليه وسلم إذا دفن الرجل من أمته يقف على قبره
ويقول: سلوا له التثبت فإنه الان يسأل)، هذا فضلا عن زياراته لأهل البقيع
بالمدينة وشهداء أحد، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
إلى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وانا إن شاء الله بكم لا حقوق)،
وهكذا يبدو واضحا ان كلام ابن تيمية لم يقل بمقاطعة زيارة أولياء الله من المسلمين
والدعاء لهم، وانما أولئك الغلاة الذين يشدون النكير على من يزور أولياء الله من غير أن يبينوا لهم الوجه المشروع من غيره في زيارة أولياء الله وغيرهم من
المسلمين، بل لبسوا عليهم وكر هوا لهم كل من يتردد إلى زيارة قبور المسلمين
وصوروهم لهم بأنهم عبدة أوثان وحرموهم من اجر سنة صحيحة متواتر ة عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
3 - طهارة أهل البيت أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته باهل بيته وساواهم بالقرآن، ففي الحديث (اني تارك
فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، ثم قال وأهل بيتي، أذكركم الله
في أهل بيتي.. ثلاثا)، وذلك لان أهل البيت، سلاسة الحسن والحسين، ابني
72

الزهراء انما هم بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء الذي اصطفاه من أطهر المناقب
وأعرق الأصول، وتعهد نوره في الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة، من لدن
آدم حتى حملته أمه، ما تشعبت شعبتان الا وكان صلى الله عليه وسلم في خيرهما شعبة، ولا افتر قت
فرقتان الا وكان صلى الله عليه وسلم في أكرمهما فرقة، ومن ثم كان أهل البيت، سلالة النبي صلى الله عليه وسلم،
أهل الحسب والنسب، والطهر والشرف، لا يلوثهم رجس ولا ينالهم دنس، فلقد
طهر هم الله فضلا منه وكرما ثم دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن
الهوى، ان هو الا وحي يوحي، فقال (اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا).
ويقول العارف بالله محي الدين أبو عبد الله محمد بن عربي في الفتوحات
الملكية: ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا محضا قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا،
وأذهب عنهم الرجس، يقول تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس، أهل البيت
يطهركم تطهيرا)، فلا يضاف إليهم الا مطهر، ولا بد فان المضاف إليهم
هو الذي يشبههم، فما يضيفون لا نفسهم الامن له حكم الطهار ة والتقديس،
وأهل البيت هم المطهرون، بل هم عين الطهار ة، فهذه الآية (الأحزاب 33) تدل
على أن الله تعالى قد شرك أهل البيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى في سورة
الفتح (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، فطهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم
بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا، لو وقع منه صلى الله عليه وسلم لكان ذنبا في الصورة، لا في
المعنى، لان الذم لا يلحق به على ذلك من الله تعالى، ولا منا شرعا، فلو كان
حكمه حكم الذنب من المذمة، ولم يكن يصدق قوله
تعالى: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا)، ومن ثم فقد
دخل الشرفاء أولاد فاطمة عليهم السلام كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية
من الغفران، فهم المطهرون باختصاص من الله تعالى، وعناية بهم لشرف
محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله سبحانه به، وبالتالي فينبغي لكل مسلم مؤمن بالله وبما أنزله
ان يصدق الله تعالى في قوله (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم
تطهيرا) فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت، رضي الله عنهم، ان الله تعالى
73

قد عفا عنهم، ولا ينبغي لمسلم ان يلحق المذمة، ولا ما يشنأ اعراض من قد شهد
الله تعالى بتطهيرهم واذهاب الرجس عنهم، ليس ذلك بعمل عملوه، ولا بخير
قدموه، بل هو سابق عناية واختصاص الهي (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء الله
ذو الفضل العظيم).
على أن هذا الشرف لأهل البيت لا يظهر الا في الدار الآخرة، فإنهم
يحشرون مغفورا لهم، واما في الدنيا فمن اتى منهم حدا أقيم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم (لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وقد أعاذها الله من ذلك، وطهر ها
تطهيرا، ويقول المقريزي في كتابه (معرفة ما يجيب لآل البيت النبوي من الحق على
من عداهم) ما رواه الحاكم في المستدرك، في حديث معاوية بن هشام عن
عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله
ذريتها على النار)، وما رواه الحافظ محب الدين الطبري في (ذخائر العقبي في
مناقب ذوي القربى)، وأخرجه الملا في سيرته من حديث حصين بن عمران قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سالت ربي ان لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطانا
ذلك)، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله
عنها: (ان الله غير معذبك ولا ولدك) (رواه الطبراني والهيثمي)، وما رواه الحافظ
الدمشقي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا
فاطمة: تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي رضي الله عنه، لم سميت، قال: ان الله
عز وجل قد فطمها وذريتها من النار يوم القيامة)، وقد رواه الإمام علي بن موسى
الرضا)، بسنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم
من النار)، وما رواه النسائي والمحب الطبري عن ابن عباس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ان ابنتي فاطمة حوراء إذ لم تحض ولم تطمث، وانما سماها فاطمة لان
الله عز وجل فطمها ومحبيها من النار). ويقول المقريزي، نقلا عن العلامة نجم الدين سليمان الطوفي في
(الإرشادات الإلهية في المباحث الأصولية)، ان الشيعة قد احتجت بقوله تعالى:
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) على أن أهل
74

البيت معصومون، ثم على أن اجماعهم حجة، اما انهم معصومون، فلأنهم
طهورا، وأذهب الرجس عنهم. كل من كان كذلك فهو معصوم، اما الآملي فلنص
الآية (الأحزاب 33)، واما الثانية فلان الرجس اسم جامع لكل شر ونقص،
والخطأ وعدم العصمة بالجملة شر ونقص، يندرج تحت عموم الرجس الذاهب
عنهم بنص الآية وبالتالي تكون لهم الإصابة في القول الفعل والاعتقاد، والعصمة
بالجملة ثابتة لهم، فضلا عن أن الله الله طهركم واكد تطهيرهم بصيغة المصدر، فقال
(ويطهر كم تطهيرا)، ثم اكد عصمتهم من الكتاب والسنة، في الإمام علي وحده،
وفي فاطمة عليها السلام وحدها، وفيهم جميعا، اما دليل العصمة من الإمام علي،
فقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى المن قاضيا، قال (يا رسول الله: كيف تبعثني
قاضيا ولا علم لي بالقضاء، قال: اذهب فان الله سيهدي قلبك ويسدد لسانك،
ثم ضرب صدره وقال (اللهم اهد قلبه وسدد لسانه)، قالوا: قد دعا له بهداية
القلب وسدد اللسان، وأخبره بأنه سيكونان له، ودعاؤه مستجاب، وخبره حق
وصدق، ونحن لا نعني بالعصمة لا هداية القلب للحق، ونطق اللسان
بالصدق، فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا أوما يلازمه فليذكره.
واما دليل العصمة في فاطمة عليها السلام، فقوله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني
يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) (أخرجه البخاري ومسلم)، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم،
فبضعته، اي جزؤه، والقطعة منه يجب ان تكون معصومة، واما دليل العصمة
فيهم جميعا (علي وفاطمة والحسن والحسين) فقوله صلى الله عليه وسلم (اني تارك فيكم ما ان
تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا على
الحوض) (رواه الترمذي) ووجه دلالته انه لازم بين أهل بيته والقرآن المعصوم، وما
لازم المعصوم فهو معصوم، قالوا: وإذا ثبت عصمة أهل البيت وجب ان يكون
اجماعهم حجة لامتناع الخطأ والرجس عليهم بشهادة السمع المعصوم، وإلا لزم
وقوع الخطأ فيه، وانه محال، واعترض الجمهور بان قالوا: لا نسلم ان أهل البيت
في الآية من ذكرتم، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، واما ما أكدتم به عصمتهم من السنة
فاخبار آحاد لا تقولون بها، مع أن دلالتها ضعيفة، وأجاب الشيعة بان الدليل على
75

ان أهل البيت في الآية من ذكرنا (علي وفاطمة وولداهما) فثابت بالنص والاجماع
(وقد ذكرنا ذلك من قبل عند تحديدنا لأهل البيت) واما خبر الآحاد فقال الشيعة
عنه: اننا أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردنا ها الزاما لا
استدلالا، على أن الرأي عند (الطوفي) ان اية الأحزاب 33 (آية التطهير) ليست
نصا ولا قاطعا في عصمة آل البيت، وانما قصا رآها انها ظاهرة في ذلك بطريق
الاستدلال الذي حكيناه عنهم.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى اننا سق ان أشرنا من قبل إلى دخول
أبناء فاطمة البتول في حكم آية التطهير (الأحزاب 33) من الغفران، فهم
المطهرون اختصاصا من الله، وعناية بهم لشرف محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله به، ويذهب
بعض العارفين إلى أن حكم هذه النسبة لأهل البيت تكون في الدار الآخرة فإنهم
يحشرون مغفورا لهم، قال تعالى: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم
وأزواجهم وذرياتهم (الرعد 24) قال سعيد بن جبير: يدخل الرجل الجنة فيقول ابن
أبي أين أمي أين زوجي، فيقال لهم لم يعولوا مثل عملك، فيقول كنت اعمل لي
ولهم، فيقال لهم ادخلوا الجنة)، ويقول ابن عباس: ان الله تعالى جعل من ثواب
المطيع سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل على عنهم
يدخلونها كرامة للمطيع العامل، ولا فائدة للتبشير والواعد الا بهذا، إذ كل مصلح
في عمله قد وعد دخول الجنة، وبدهي انه إذا جاز ان يكرم الله تعالى عباده المؤمنين
بالذين عملوا بطاعته، ونهوا أنفسهم عن مخالفته بان يدخل معهم الجنة من
أهاليهم وذوي قربا هم من كان مؤمنا قد قصر في عبادة ربه، وخالف بعض ما نهى
عنه، بطريق التبعية لهم، لا انهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات
في الدنيا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وامام المتقين، لولي بهذه الكرامة ان
يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة، تبعا له، ويرضى عنهم برضاه عنه صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن جرير في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وان كانوا دونه في العمل
لتقر بهم عينه، ثم قرا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذرياتهم
76

وما ألتناهم من عملهم من شئ) (الطور 21) قال: ما أنقصنا الاباء بما أعطيناه
للبنين).
ويستخلص المقريزي من ذلك بان الله تعالى إذا أكرم المؤمن لايمانه، فجعل
ذريته الذين لم يستحقوا درجته معه في الجنة لتقصيرهم، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم على
ربه تبارك وتعالى من أن يهين ذريته بادخالهم النار في الآخرة، وهو عز وجل يقول
في آل عمران (آية 192) (انك من تدخل النار فقد أخزيته)، بل من كمال
شرفه صلى الله عليه وسلم ورفيع قدره وعظيم منزلته عند الله عز وجل ان يقر الله عينه بالعفو عن
جرائم ذريته، والتجاوز عن معاصيهم، ومغفرة ذنوبهم، وان يدخلهم الحنة من
غير عذاب، كما يستخلص المقريزي كذلك من قوله تعالى في الآية 82 من الكهف
(واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما
صالحا)، انه إذا صح ان الله سبحانه وتعالى قد حفظ غلامين بصلاح أبويهما وما
ذكر عنهما صلاحا، رغم ان بينهما سبعة أو تسعة آباء، فيكون قد حفظ الأعقاب
برعاية الأسلاف، وان طالت الأحقاب، ومن ذلك ما جاء في الأثر من أن حمام
الحرم من حمامتين عششتا على فم الغار الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فلذلك حرم
حمام الحرم، فانا ذلك كذلك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق وأجدر، ان
يحفظ الله تعالى ذريته، فإنه امام الصلحاء، وما أصلح الله فساد خلقه الا به، ومن
جملة حفظ الله تعالى لأولاد فاطمة ان لا يدخلهم النار، وقد روى الإمام أحمد
والطيالسي عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (ما بال أقوام
يزعمون أن رحمي لا تنفع، والذي نفسي بيده ان رحمي لموصولة في الدنيا
والآخرة).
4 - تحريم الصدقة على أهل البيت
بلغت كرامة أهل البيت عند الله ان حرم عليهم الصدقات، وان أحل
لهم الهدايا، شانهم في ذلك شان جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، لان الصدقات أردان
الناس وأوزارهم، وهم، رضي الله عنهم، الطاهرون المطهرون، وقد أورد
77

السيوطي في الخصائص الكبرى عدة أحاديث في هذا المعنى، منها ما أخرجه مسلم
واحمد عن المطلب ان ربيعة ين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان هذه الصدقات انما هي
أوساخ الناس، وانها لا تحل لمحمد ولا آل محمد)، واخرج ابن سعد عن الحسن
عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ان الله حرم علي الصدقة وعلى أهل بيتي)، واخرج
الطبراني عن ابن عباس قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الأرقم الزهري على السعاية (جمع
الصدقات) فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا أبا
رافع ان الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد) (أخرجه احمد وأبو داود من
حديث أبي رافع، وفيه قال: ان الصدقة لا تحل لنا، وان مولى القوم من
أنفسهم)، واخرج ابن سعد عن عبد الملك بن المغيرة قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يا بني عبد المطلب: ان الصدقة أوساخ الناس فلا تأكلوها ولا تعملوا عليها)، وأخرج مسلم وابن سعد عن المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: (جئت انا
والفضل بن العباس، فقلنا يا رسول الله: جئنا لتؤمرنا على هذه الصدقات،
فسكت ورفع رأسه إلى سقف البيت حتى أردنا ان نكلمه، فأشارت إلينا زينب من
وراء حجابها كأنها تنهانا عن كلامه واقبل فقال: ان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل
محمد، انما هي أوساخ الناس)، وروى احمد في مسنده عن الحسن بن علي قال:
اخذت تمرة من تمر الصدقة فتركتها في فمي، فنزعها صلى الله عليه وسلم بلعابها، وقال: (انا آل
محمد لا تحل لنا الصدقة)، وفي رواية أخرى عن أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال: كخ
كخ.. ارم بها، (اما شعرت انا لا نأكل الصدقة).
وهكذا يحرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذين الحديثين الأخيرين على توجيه الحسن إلى
التسامي بنفسه، كما حرص في الأحاديث السابقة على توجيه آل بيته، إلى المكانة
اللائقة باهل البيت الذين يذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فتكون
أيديهم هي العليا، يعطون ولا يأخذون، ويتصدقون ولا يتصدق عليهم، لان
مقام أهل البيت بالنسبة إلى غيرهم، مقام النجوم في السماء من أهل الأرض، ولا
يليق باهل البيت ان يأكلوا من الصدقات لأنها ملوثة بذنوب الناس. بها يتطهرون
من هذه الذنوب، قال تعالى في الآية (103) من التوبة (خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم وتزكيهم بها).
78

هذا ويقول العلماء لما كانت الصدقة أوساخ الناس، فقد نزه منصبه الشريف
عن ذلك على آله صلى الله عليه وسلم بسببه، هذا إلى أن الصدقة انما تعطى على
سبيل الترحم المبني على ذل الاخذ، ومن ثم فقد أبدلوا عنها بالغنيمة المأخوذة
بطريق العز والشرف المبني عن عجز الاخذ، وذل المأخوذ منه.
هذا ويجمع العلماء على أن الزكاة وصدقة التطوع لا تحل له صلى الله عليه وسلم، واما أهل البيت
فتحرم عليهم الزكاة، وتحل لهم صدقة التطوع، وان رأى بعض الملائكة انها
تحرم تحرم عليهم كذلك، وهو الأصح فيما نرى، ويذهب (الثوري) إلى أن الصدقة لا
تحل لآل محمد، فرضها ونقلها، وكذا مواليهم لا ن موالي القوم منهم، وقال
(مالك) تحل لمواليهم، وقال أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة، لا تحل لآل محمد
صدقة غيرهم، وتحل لهم صدقة بعضهم على بعض، هذا وقد ذهب الإمام أحمد
إلى تحريم الصدقة على أزواج النبي، دون مواليهم، ولكنها تحرم على موالي آل
محمد، لقوله صلى الله عليه وسلم (مولى القوم منهم)، ذلك لان تحريم الصدقة على أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة، كال النبي، وانما حرمت عليهم تبعا لتحريمها على
النبي صلى الله عليه وسلم، والتحريم على المولى فرع التحريم سيده، ولما كان التحريم على
أهل البيت أصلا، استتبع ذلك التحريم على مواليهم، ولما كان التحريم على
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعا، لم تحرم على مواليهم لأنه فرع عن فرع، وقد ثبت في
الصحيح ان (بريرة) مولاة عائشة رضي الله عنها قد تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم
يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، بينما حرم صلى الله عليه وسلم الصدقة على مولاه أبي رافع، وقال له: (ان
الصدقة لا تحل لنا، وان مولى القوم منهم). 5 حق أهل البيت في الغنائم
خص الله سبحانه وتعالى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بسهم في الغنية، قال تعالى
في الآية (41) من الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شئ فان الله خمسه ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وقد اتفقت المذاهب الاسلامية على أن
المراد بالقربى انما هي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وان اختلفوا فيمن يأخذه من قرابة
النبي صلى الله عليه وسلم فذهب فريق إلى أنه للإمام علي وفاطمة الزهراء وولديهما الحديث ابن
79

عباس قال قيل يا رسول الله: (من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم، فقال: علي
وفاطمة وابناهما)، وقد جاء في تفسير البيضاوي مثل ذلك، على أن هناك من يرى أن
سهم ذي القربى انما يصرف لكل بني هاشم، وكذا بني المطلب، الذين آزر وابني
هاشم في الجاهلية وفي أول الاسلام، ودخلوا معهم في شعب أبي طالب، غضبا
لرسول الله وحماية طالب عم له، فعل ذلك مسلمهم طاعة لله ولرسوله، وفعله كافرهم حمية
للعشرة، وطاعة لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، واما بنو عبد شمس ونوفل، وان كانوا
بنبي عمهم، فلم يوافقوهم على ذلك بل حاربوهم ونابذوهم، وقال جبير بن مطعم
بن عدي: مشيت انا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله:
أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة (اي
جميعهم أبناء عبد مناف) فقال صلى الله عليه وسلم (انما بنو هاشم وبنوا المطلب شئ واحده)، رواه
مسلم، وفي بعض روايات هذا الحديث (انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا اسلام،
وفي رواية البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: ان
جبير بن مطعم اخبره قال: مشيت انا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا:
أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتر كتنا، ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: (انما
بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد، قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس
وبني نوفل شيئا) وهذا قول جمهور العلماء: انهم بنو هاشم وبنو المطلب، وقال ابن
جرير وآخرون انما هم بنو هاشم، وروى عن مجاهد انه قال: علم الله ان في بني
هاشم فقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة وفي رواية عنه انه قال: هم قرابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة وروى عن ابن عباس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم رغبت لكم عن غسالة الأيدي لان لكم من خمس الخمس ما يغنيكم
أو يكفيكم).
هذا وقد اختلف العلماء في الغنيمة فهي عند السنة ما اخذه المسلمون من
المشركين بالحرب والقتال وهي عند الشيعة الإمامية ما اخذه المسلمون من
المشركين بالحرب والقتال والإغارة على بلاد الشرك، بل ويلحق بها المعادن التي
يجدها الانسان في ارضه والكنز المدفون لم يعرف صاحبه وما يستخرج من البحر
80

وكل ما يفضل عن مؤنة الانسان سواء اكتسبه بالصناعة أو الزراعة أو التجارة
كل ذلك يجب فيه الخمس عند الشيعة، هذا وقد ذهب أهل السنة إلى أن المراد
باليتامى والمساكين وابن السبيل من الناس من بني هاشم أو غيرهم وقال الشيعة
تقتصر على الهاشميين وذهب الشافعي وابن حنبل إلى أن الغنيمة تقسم إلى خمسة
أسهم، سهم للرسول صلى الله عليه وسلم ويصر على مصالح المسلمين وسهم يعطي لذوي
القربى أغنياء كانوا أم فقراء والباقي لليتامى والمساكين وابن السبيل وذهب أبو
حنيفة إلى أن سهم الرسول سقط بموته صلى الله عليه وسلم اما ذو القربى فهم كغيرهم من الفقراء
يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم واما مالك فالرأي عند ان يرجع
امر الخمس إلى الامام يقسمه حسب ما يراه من المصلحة واما الرأي عند الشيعة
فان الأسهم الثلاثة (سهم الله والرسول وذو القربى) فيفوض أمرها إلى الامام أو
نائبه يضعها حسب ما يراه من المصلحة واما الأسهم الثلاثة الباقية فتعطى لأيتام
بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم.
6 - الإمام الحجة من أهل البيت
يقول عبد الرحمن بن الجوزي في صيد الخاطر ان الله لا يخلى الأرض
من قائم له بالجنة جامع بين العلم والعمل عارف بحقوق الله تعالى خائف
منه فذلك فطب الدنيا ومتى مات اخلف الله عوضه، وربما لم يمت حتى يرى من
يصلح للنيابة عنه في كل نائبه، ومثل هذا لا تخلوا الأرض منه فهو بمقام النبي صلى الله عليه وسلم
في الإمامة وهذا الذي أصفه يكون قائما بالأصول، حافظا للحدود ولما كان أهل البيت
ورثة لأنبياء الله ورسله على مر القرون وكر العصور في الدفاع عن
شريعة الله والحفاظ على ملته من أعدائه الضالين المضلين يردون كل ضلالة،
ويمحقون كل بدعة ينادون الناس إلى السنن التي اندثرت ويدعونهم إلى الآداب
والفضائل التي هجرت ويحفظون للاسلام قدسيته فلقد اخرج الملا في سيرته وابن حجر في صواعقه
انه صلى الله عليه وسلم قال: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين
تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الا وان
أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا من تفدون هذا وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم
81

بملازمة الهداة المهتدين من أئمة أهل البيت، والاقتداء بهم، والاخذ عنهم، لأنهم
بحكم فطرتهم السليمة كما يقول الأستاذ حسين يوسف، وسريان دم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
دمائهم، وروحه في أرواحهم، أقرب إلى التوفيق والسداد، وأبعد عن الغرض
والهوى، ولذلك نهى الرسول عن إغفالهم أو التقدم عليهم، لأنهم الأعلى مقاما،
والأصفى إسلاما وإيمانا، وفي نفس الوقت حذر من التخلف عنهم، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " إني تارك فيكم أمرين، لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله، وأهل
بيتي عترتي، إني سألت ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما
فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم "، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تعلموهم فإنهم أعلم
منكم " إشارة إلى أنهم بفطرتهم هداة مهتدون، بموجب كونهم الأطهر حسبا ونسبا،
والأتقى روحا وقلبا، والله تعالى يقول: (واتقوا الله ويعلمكم).
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي
يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يقبض في رأس كل مائة سنة رجلا من أهل
بيتي يعلم أمتي الدين "، وأخرج أبو إسماعيل الهروي من طريق حميد بن زنجويه
قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروى في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يمن
على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمور دينهم "،
ويقول الحافظ السيوطي إن الرواية المقيدة بقوله " من أهل بيتي "، وإن كانت غير
معروفة السند، فإن أحمد أوردها بغير إسناد ولم يوقف على إسنادهما في شئ من
الكتب ولا الاجزاء الحديثية، غير أنه في غاية الظهور من حيث المعنى، فإن القائم
بهذا المنصف الشريف جدير بأن يكون من أهل في العبادة الظاهرة، وأحسن
أخلاقا وأزكى نفسا، وقد ذهب البعض إلى أن آل البيت محفوظون من الكبائر
بعناية الله، فقد فطرهم على حبه وحب طاعته، والناس معادن خيارهم في الجاهلية
خيارهم في الاسلام.
وذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر، لابد وأن يكون من أهل البيت
النبوي الشريف، وإن رأى أبو العباس، كما نقل عنه تلميذه ابن عطاء، أن
82

القطب قد يكون من غيرهم، ولكن قطب الأقطاب لا يكون إلا منهم، لأنهم
أزكى الناس أصلا، وأوفرهم فضلا، غير أن القطب من شأنه غالبا الخفاء وعدم
الظهور، فإذ لم يوجد في الظاهر من أهل البيت من يصلح للاتصاف بالقطبية،
حمل على أنه قام بذلك رجل منهم في الباطن، وأما القائم بتجديد الدين فلا بد أن
يكون ظاهرا حتى يسير علمه في الآفاق، وينتشر في الأقطار، وهنا يفترض " ابن أبي
بكر الشلي " في كتابه " المشرع الروي " أن المناصب الثلاثة، وهي: الخلافة الظاهرة
وهي القيام بأمر الإمامة، ثم الخلافة الباطنة وهي القطبية، ثم منصب تجديد
الدين على رأس كل مائة سنة، لا يقوم بها إلا رجل من أهل البيت، ولكن ما المراد
بأهل البيت هنا، يجيب ابن أبي بكر، بأنه إن أراد صلى الله عليه وسلم بقوله " رجل من أهل بيتي "
أي من سائر قريش، كما هوا لمراد بالخلافة الظاهرة، اتسع الامر، وربما أراد صلى الله عليه وسلم
بذلك ما هو أعم من أهل البيت بالنسب، فقد صح أن مولى القوم منهم، غير أن
هناك من اشترط أن يكون القطب من ذرية الإمام الحسين على وجه الخصوص،
وهنا ربما كان رأى أبي العباس المرسي من أن القطب قد يكون من غير آل البيت،
على أن يكون قطب الأقطاب منهم، ربما كان مقبولا إلى حد ما، وإن رجح ابن أبي
بكر الشلي الاكتفاء بمطلق أهل البيت في القطبية أو أن يكون من أهل
البيت من جهة الام.
7 - أهل البيت: أهل البلاء والاصطفاء
كرم الله أهل البيت وطهرهم من الرجس والأهواء والمطامع، ومن ثم فقد
اصطفاهم لحماية دينه ونشر هدايته، وفي نفس الوقف فقد ارتضاهم محلا لبلائه
وهدفا لقدره وقضائه ليضرب بهم للناس أروع المثل في التضحية، والناس معادن،
" خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا " وأهل البيت، رضوان الله
عليهم، بحكم صلتهم بأشرف خلق الله، هم أصدق الناس إيمانا، وأرسخهم
يقينا، وأعرقهم أصلا، وأشرفهم حسبا ونسبا، ومن ثم فهم أولى الناس بمواقف
الشرف والبلاء، والبطولة والفداء، وأجدرهم بالصدق عند اللقاء، والصبر في
البأساء والضراء، ولهذا كانوا أقرب الناس إلى البلاء، تخليدا لذكراهم، وإعلاء
83

لشأنهم وتلك السنة سنة الله في خلقه، روى البخاري وأحمد والترمذي عن سعد بن أبي
وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى
المرء على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة
ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه
خطيئة ".
ومن ثم فقد كان تاريخ آل النبي الكرام البررة يفيض بالمآسي والآلام بما
تتفطر له القلوب وترتجف له الأحلام، غير أن ذلك لم يزدهم إلا مكانة عند الله،
وحبا عند الناس، حتى أصبح ذلك الحب هو الفطرة التي فطر الله عليها عباده
المؤمنين، لأنه حب في الله، ولله الذي بعث جدهم صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبعثه
للناس كافة هاديا ومبشرا ونذيرا، فأحبه المسلمون وأحبوا أهل بيته، عملا
بوصيته صلى الله عليه وسلم، فلقد أخرج ابن سعد والملا في سيرته والمحب الطبري في الذخائر
" استوصوا أهل بيتي خيرا، فإني أخاصمك عنهم غدا ومن أكن خصمه
أخصمه، ومن أخصمه دخل النار "، وأخري الخطيب في التاريخ عن علي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: شفاعتي لامتي من أحب أهل بيتي "، وروى الديلمي عن علي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أثبتكم على الصراط، أشدكم حبا لأهل بيتي "، وفي نفس
الوقت حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من كراهية أهل بيته وإيذائهم، فلقد أخري ج الديلمي
عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي "،
وروى أحمد والطبراني عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه إلى علي والحسن
والحسين وفاطمة، صلوات الله عليهم، فقال: " أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن
سالمكم "، وأخرج الإمام أحمد مرفوعا: " من أبغض أهل البيت فهو منافق "،
وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحب أهل
البيت إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق " وأخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يبغضنا أهل البيت أحد، إلا أدخله الله النار "، وأخرج
القاضي عياض في الشفاء ما حاصله " من سب أبا أحد من ذريته صلى الله عليه وسلم ولم تقم قرينة
على إخراجه صلى الله عليه وسلم قتل ".
84

وروى أن الإمام الحسن رضي الله عنه خطب في أيامه في أحد مقاماته فقال،
كما جاء في تاريخ المسعودي، " نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيبون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم والثاني: كتاب الله فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا
من خلفه، والمعول عليه في كل شئ، لا يخطئنا تأويله، بل نتيقن حقائقه،
فأطيعونا، فإن طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة
(فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول.. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، وأحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان إنه
لكم عدو مبين، فتكونون كأوليائه الذين قال لهم (لا غالب لكم اليوم من الناس
فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون
" فتلقون للرماح أزرا، وللسيوف جزرا، وللعمد خطأ، وللسهام غرضا، ثم لا
ينفع نسفا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، والله أعلم ".
وروى أن الأمم علي، كرم الله وجهه في الجنة، اعتل فأمر ابنه الحسن
رضي الله عنه أن يصلي بالناس يوم الجمعة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نقيبا ورهطا وبيتا، فوالدي بعث محمدا بالحق نبيا
لا ينتقص من حقنا أحد، إلا نقصه الله من عمله مثله، ولا تكون علينا دولة، إلا
وتكون لنا العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين ".
ومع ذلك كله وغيره، فإن كتب التاريخ إنما تمتلئ بقصص محن أهل البيت
التي بدأت في أعقاب عهد الخلافة الراشدة، ومنذ بداية عهد الأمويين، ويحدثنا
المؤرخون وأصحاب السير، أنه في أثناء حكم معاوية وولده يزيد، وف ولاية
الحجاج على العراق، كان سبيل من يتهم بحب آل البيت القتل أو الضرب أو
السجن أو التشريد، حتى أتى على الناس حين من الدهر، يقال فيه للرجل إنه
زنديق أو كافر، أحب إلى من أن يقال له شيعي، ورغم ذلك فقد ازداد الناس إيمانا
وتمسكا بحبهم وولائهم للعترة الطاهرة، ويحكي المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان
قتل خلقا كثيرا ممن أبى أن يلعن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، أو يتبرأ
85

منه أو عارض مبدأ اللعن والبراءة نفسه، وأكبر الظن أن الإمام علي كان على علم
بما يلحق شيعته بعد وفاته، فقال لهم: ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى
البراءة مني، فلا تتبرأوا مني، فإني لعلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ".
ومع ذلك فقد فضل جماعة القتل على سب الامام والبراءة منه، بل فضلوا
القتل على سماع المس بمقام الامام، منهم عمرو بن الحمق الصحابي الجليل، فقتله
معاوية وبعث برأسه إلى امرأته فوضعت الرأس في حجرها، وقالت لرسول معاوية
سترتموه عني طويلا، وأهديتموه لي قتيلا، فأهلا وسهلا من هدية غير قالية ولا
بمقلية وروى اليعقوبي في تاريخ أن الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي كان
من أصحاب حجر بن عدي الذين لا يسكتون على سب الإمام علي على منبر
الكوفة، فأمر معاوية عامله زياد بن أبيه أن يقبض عليهم ويشخصهم إليه في
دمشق، فهرب عمرو بن الحمق وعدة معه إلى الموصل، وبلغ عبد الرحمن بن أم
الحكم، وكان عامل معاوية على الموصل، مكان عمرو بن الحمق الخزاعي،
ورفاعة بن شداد، فوجه في طلبهما، فخرجا هاربين، وعمرو بن الحمق شديد
العلة، فلما كان في بعض الطريق لدغت عمرا حية، فقال: الله أكبر، قال لي
رسول اله صلى الله عليه وسلم يا عمرو، ليشترك في قتلك الجن والإنس، ثم قال لرفاعة: إمض
لشأنك فإني مأخوذ ومقتول، ولحقته رسل عبد الرحمن بن أم الحكم فأخذوه
وضرت عنقه، ونصبت رأسه على رمح، وطيف به، فك، ان أول رأس طيف به في
الاسلام، وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق، فلما أتي رأسه بعث به، فوضع في
حجرها، فقالت للرسول: أبلغ معاوية ما أقول: طالبه الله بدمه، وعجل له الويل
من نقمه، فقد أتى أمرا فيا، وقتل برا نقيا، وكان أول من حبس النساء بجرائر
الرجال.
ومنهم " حجر بن عدي " أو " حجر الخير "، كما كان يدعي، وكان صحابيا
جليلا، كثير الصلاة والصيام، زاهدا محبا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ساءه أن يشتم والي
الكوفة الإمام علي على المنبر فكان يرد عليه، فقبض عليه زياد وأرسله إلى معاوية،
وهناك في مرج عذراء، على مبعدة 20 كيلا من دمشق، وصل رسول معاوية،
86

وكان أعورا، فقال لحجر: " إن أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن
الكفر والطغيان، والمتولي لأبي تراب (وهو لقب أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي،
وكان أحب الأسماء إلى علي) وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا
صاحبكم (أي الإمام علي) (1) وتتبرأوا منه، فقال حجر وجماعة من أصحابه: إن
الصبر على حد السيف لا يسر علينا مما تدعونا إليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيه
وعلى وصيه، أحب إلينا من دخول النار، وأجاب نصف أصحابه إلى البراءة من
علي، وقتل حجر وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه " وكان حجر أول من
قتل صبرا في الاسلام، وقد هال قتل حجر بن عدي الكثير منا لناس، وعلى
رأسهم السيدة عائشة رضي الله عنها وحين اجتمعت بمعاوية قالت له: يا معاوية 6
أقتلت حجرا وأصحابه فأين غرب حلمك عنهم، أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات "، وكان محمد بن سيرين
المسلمين كانوا يرون في حجر: المسلم الصادق الامر بالمعروف والناهي عن المنكر،
قضى شهيدا في سبيل الجهر ما خلع طاعة وما فارق جماعة، وإنما أنكر على
الولاة لعنهم خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي أن حجرا أوصى عند قتله
" لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما، فإني ألاقي معاوية غدا على الجادة "
وقيل إن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول " يومي منك يا حجر طويل " (ثلاث
مرات)، ولكن الناس على الإساءة يحيون، فإذا ما ماتوا انتبهوا، وقيل إن الناس
كانوا يقولون: إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي، وقتل حجر بن
عدي، ودعوة زياد، وروى عن الحسن البصري أنه قال، فيما يروى الطبري،
" أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن فيه منهن واحدة، لكانت موبقة: إنتزاؤه
على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة
(1) روى الإمام أحمد في المسند والفضائل والحاكم في المستدرك والهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني في
الثلاثة وأبو يعلى والنسائي في الخصائص عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت
لي: أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم، فقلت سبحان الله أو معاذ الله، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سب عليا فقد سبني ".
87

وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا، يلبس الحرير ويضرب
بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر
الحجر، وقتله حجرا، ويلا له من حجر، ويلا له من حجر ".
ويروى ابن أبي الحديد في أول الجزء الثالث من شرح نهج البلاغة ما
ملخصه: أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى عماله: " برئت الذمة ممن يروي شيئا في
فضائل علي وأهل بيته، وأن لا يجيزوا لاحد من الشيعة شهادة، وأن يمحو كل
شيعي من ديوان العطاء وينكلوا به ويهدموا داره، وامتثل العمال أمر سيدهم فقتلوا
الشيعة وشردوهم وقطعوا الأيدي والأرجل وسملوا الأعين وصلبوهم على جذوع
النخل "، ولعل من أقسى ولاة معاوية زياد ابن أبيه، وعامله على البصرة سمرة ابن
جندب، والذي يروي المؤرخون كالطبري وابن الأثير أنه قتل أكثر من ثمانية
آلاف، ولما سأله زياد: أخاف أن تكون قتلت بريئا؟ فقال: لو قتلت معهم مثلهم
ما خشيت وقال أبو السوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة
وأربعين كلهم قد جمع القرآن ".
واستمر معاوية حتى آخر أيامه يحاول جاهدا طمس فضائل آل البيت بعامة،
والإمام علي بخاصة، فقد روي أن معاوية قال لعبد الله بن عباس - حبر الأمة
وترجمان القرآن وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم - قد كتبنا إلا الآفاق عن ذكر مناقب علي،
فكف لسانك، فقال ابن عباس: أتنهانا يا معاوية أن نقرأ القرآن، قال معاوية:
لا، قال ابن عباس: أتنهانا عن تأويله (أي تفسيره)، قال معاوية نعم، قال ابن
عباس: أنقرأه ولا نسأله عما أراد الله بكلامه، وأيهما أوجب علينا، قراءه القرآن أو
العمل به، فقال معاوية: العمل به، قال ابن عباس: ك يف نعمل به ونحن لا
نعلم ما عني الله، قال معاوية: سل عن تفسيره غيرك وغير آل بيتك، قال ابن
عباس: نزل القرآن على أهل بيتي، فنسأل عنه آل أبي سفيان، أتنهانا يا معاوية أن
نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام، إن الأمة إذا لم تسأل عن القرآن وتعمل
به هلكت، قال معاوية: إقرأوا القرآن وفسروه، ولكن لا ترووا شيئا مما أنزل الله
فيكم، وارووا ما سوى ذلك، قال ابن عباس: إن الله يقول (يريدون أن يطفئوا
88

نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) قال معاوية: " يا
ابن عباس إربع على نفسك، وكف لسانك وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا
لا يسمعه أحد علانية "، ثم رجع معاوية إلى بيته وبعث إلى ابن عباس بمائة
ألف درهم، ونادى مناديه " أن برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وأهل
بيته ".
وزاد الطين بلة، أن ابتدع معاوية بدعة خسيسة دنيئة، حيث أقام هو
وخلفاؤه من بعده من بني أمية منابر يتناوب عليها الخطباء في سب سيدنا الإمام علي
، كرم الله وجهه في الجنة، وآل البيت الطاهرين المطهرين، وفي افتراء الأباطيل
للنيل من الامام والزراية عليه، وظلوا على ذلك طيلة عهد دولتهم، إلا أيام
عمر بن عبد العزيز، فلما نالوا من ذلك منالا، ولا حولوا أحدا من حب الإمام علي
وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، على تعاقب الزمان واختلاف العصور، يقول أبو جعفر
الإسكافي في " نقض رسائل العثمانية للجاحظ "، فكان الأمويون لا يألون جهدا في
طول ملكهم أن يخمدوا ذكر علي، عليه السلام، وولده، ويطفئوا نورهم،
ويكتموا فضائلهم ومناقبهم وسوابقهم، ويحملون الناس على سبهم ولعنهم على
المنابر، والعياذ بالله، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم، مع قلة عددهم وكثرة
عدوهم، فكانوا بين قتيل وأسير وشريد وهارب ومستخف، وخائف مرتقب، حتى
أن الفقيه والمحدث والقاص والمتكلم، ليتقدم إليه، ويتوعد بغاية الابعاد وأشد
العقوبة، ألا يذكر شيئا من خصائصهم، ولا يرخصوا لاحد أن يطيف بهم، وحتى
بلغ من تقية المحدث إذا ذكر حديثا عن علي بن أبي طالب عليه السلام، كنى عن
ذكره فقال: قال رجل من قريش، وفعل رجل من قريش، ولا يذكر عليا عليه
السلام، ولا يتفوه باسمه.
ومن ذلك - مثلا - ما يرويه الحاكم في المستدرك عن مالك بن بن دينار قال:
سألت سعيد بن جبير فقلت: يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال فنظر إلي وقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوته لاخوانه من القراء،
فقلت ألا تعجبون من سعيد: إني سألته من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر
89

إلي وقال: إنك لرخي البال، قالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجاج، وقد لاذ
بالبيت فسله الان، فسألته فقال: كان حاملها علي رضي الله عنه، هكذا سمعته
من عبد الله بن عباس.
ويبدو لي في أكبر الظن، أن معاوية لم يعد يأبه بأحد في تطاوله على الإمام علي
وأهل البيت الطاهرين، حتى أعرف الناس به والإمام علي من أكابر
الصحابة، روي أن معاوية حج فمر بالمدينة فدعا سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه - أحد العشرة المبشرين بالجنة وبقية أصحاب الشورى، وكان قد اعتزل
الفتنة، ولم يبايع عليا - وأخذا بأطراف الحديث، وغر معاوية إقبال سعد عليه،
فشرع في سب الإمام علي، وقال لسعد: ما يمنعك أن تسب أبا تراب، فبان
الغضب في وجه سعد، وقال في حدة: أجلستني على سريرك وشرعت في سب
علي، والله لان يكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي مما طلعت
عليه الشمس، والله لان أكون صهرا للنبي صلى الله عليه وسلم لي من الولد ما لعلي أحب إلي مما
طلعت عليه الشمس، والله لان يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال لي ما قال له يوم خيبر:
لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بفرار بفتح الله
على يديه، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، والله لان يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال لي ما
قاله يوم غزوة تبوك: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا
نبي بعدي "، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك دارا بعد اليوم،
ثم نقض سعد رداءه وخرج ".
وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن
أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب
(يعني الإمام علي) فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسوله الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه،
لان تكون لي واحدة منهم أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له
خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه
90

لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله،
ويحبه الله ورسوله، قال فتطاول لها، فقال: ادعوا لي عليا، فأتى به رمد فبصق في
عينه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولما نلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: " اللهم هؤلاء
أهلي ".
وزاد الضغط أضعافا بعد معاوية، حيث حدثت في عهد ولده يزيد كارثة
كربلاء، فكانت كارثة الكوارث، ووصمة العار الأبدية في جبين الأمة الاسلامية،
وقتل فيها من أهل البيت الطاهر المطهر ثمانية عشر شابا، بخلا سيدا شباب أهل
الجنة وسبط الرسول صلى الله عليه وسلم، سيدنا ومولانا الإمام الحسين، عليه السلام وكلهم من
أبناء فاطمة الزهراء، بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه،
وكاد نسل النبي صلى الله عليه وسلم في ذرية الحسين يستأصل، لولا نجاة الامام على زين
العابدين، من القتل، غير أن عدالة السماء اقتضت أن ترد كيد ابن معوية في
نحره، فانقرضت ذرية يزيد، ولم يبق له عقب، رغم أنه كان له من البنين خمسة
عشر، ومن البنات خمس، ومن المؤلف أنه ما تكاد الكارثة المروعة تنتهي، بل ما يزال
الإمام الحسين سيد الشهداء بالعراء صريعا وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا، وذريته
مقتلة، حتى يصعد ابن الدعي، عبيد الله بن زياد منبر الكوفة فخطب فقال
" الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه،
وقتل الكذاب بن الكذاب، الحسين بن علي، وشيعته، فلم يفرغ من كلمته هذا
حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، فقال له: يا ابن مرجانة، إن
الكذاب بن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه، يا ابن مرجانة، أتقتلون أبناء
النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين فقال عبيد الله: من المتكلم، قال ابن عفيف:
أنا يا عدو الله، أتقتلون الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وتزعم أنك
علي دين الاسلام، وا غوثاه، أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون من هذا
اللعين بن اللعين، فقال ابن زياد للشرطة: علي به، غير أن قومه حالوا بينه وبين
الشرطة وأوصلوه إلى داره، ولكن الشرطة اقتحمت عليه داره، ولم يكن فيها إلا
91

الرجل وابنته الصغيرة، فلما أحست بهم صاحت: يا أباه أتاك القوم، فقال لها 6
ناوليني سيفي، وكان قد فقد عينيه مع الإمام علي، الواحدة يوم الجمل، والأخرى
يوم صفين، فأخذ السيف يذب به عن نفسه ويهوي به بقوة على الحركة، حتى قبض
عليه وأخذ إلى ابن زياد الذي سأله: ما تقول في عثمان، فقال له: ما أنت وعثمان،
سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه، فقال ابن زياد: لتذوقن الموت غصة غصة
فقال: الحمد لله الذي رزقني الشهادة على يد ألعن خلقه بعد ما يئست منها ".
وأرسل ابن زياد بالرؤوس والسبايا من آل محمد صلى الله عليه وسلم من النساء والأطفال
بغير وطاء في ذل وانكسار والرؤوس على الرماح، إلى يزيد بن معاوية في دمشق،
وروى أنهم لما دخلوا دمشق برأس الإمام الحسين أخرجت زينب بنت الحسين
رأسها من الخباء، وهي تقول:
ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنت آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم
ولما دخلوا على يزيد، أقبل قاتل الحسين، ووضع الرأس الشريف بين يدي
يزيد في طست فجعل ينكثه على ثناياه بالقضيب، روى أن ابن زياد قد فعل ذلك
في الكوفة، وسواء فعل ذلك أحدهما أو كلامهما، فكلا الرجلين أسوأ من الاخر،
وكل منهما يفوق الاخر في جريمته النكراء، وأن يوم كربلاء، العاشر من محرم عام
61 ه‍ (10 أكتوبر 680 م) سوف يظل يوما أسودا لا في تاريخ الدولة الأموية
فحسب، بل في تاريخ المسلمين قاطبة، وأن نتائجه كانت أخطر مما تصور
المعاصرون، وقد حدث أثناء لقاء يزيد بالسبايا من آل البيت ما يدلنا إلى أي درك
أسفل من الانحطاط والجهالة بالدين وصل القوم ذلك أن رجلا لئيما من جلساء
يزيد عندما رأى السيدة فاطمة بنت الإمام علي قام إلى يزيد فقال يا أمير المؤمنين
هب لي هذه، وكانت ذات جمال وجلال، فأرعدت السيدة فاطمة، وظنت أن ذلك
جائز له، وأخذت بثياب أختها العقيلة الطاهرة السيدة زينب، وكانت من العقل
والفقه ما تعلم أن ذلك لا يجوز شرعا، فقالت: " كذبت والله ولؤمت، ما ذلك
92

لك وله، فغضب يزيد، وقال إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت كلا
والله، ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا، وتدين بغير ديننا، فغضب
يزيد واستطار، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك،
فقالت زينب، بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي، اهتديت أنت وأبوك
وجدك، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت أنت أمير مسلط تشتم ظالما وتقهر
بسلطانك "، وهكذا يبدو واضحا مدى علم من وضعته الاقدار على رأس المسلمين
بسلطانك "، وهكذا يبدون واضحا مدى علم من وضعته الاقدار على رأس المسلمين
وبطانته، فهما لا يعلمان أن طلبهما لا يقره الاسلام، ويزيد خليفة المسلمين يكفر
الإمام علي والإمام الحسين والأول بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مرات، والثاني سيد
شباب أهل الجنة، ثم تأخذه العزة بالإثم فيتطاول على العقيلة الطاهرة ويصفها
بالكذب وبأنها عدوة الله، وهي بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة بنته فاطمة الزهراء التي
فطمها الله وولدها ومن أحبهم من النار، ولكن ما ذا نقول وهو يزيد بن معاوية بن
أبي سفيان.
هذا ويكاد كثير من الباحثين يجمعون على أن الأمويين قد نكلوا بآل البيت
أخذا بثارات بدر وأحد، لان الإمام علي قتل في هاتين الغزوتين شيوخ بني أمية
وساداتهم، ويستشهدون على ذلك بقول يزيد عندما قتل الإمام الحسين ووضع
رأسه الشريف بين يديه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جذع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل
وليس ببعيد أن يتذكر يزيد الحفائظ والحروب القديمة بين الرسول صلى الله عليه وسلم جد
الحسين، وجده أبي سفيان وبين الإمام علي أبي الحسين وبين أبيه معاوية، وأن
ينطق بكلمة التشفي والحقد، ولكن الباعث الأول على الفجيعة هو نظام الجور
وعهد الأب للابن بالخلافة وجعلها حقا موروثا، فها هو ذا معاوية لا يكتفي
باغتصاب الخلافة، ثم لا يرغب، وهو على وشك لقاء ربه في التكفير عن خطئه،
تاركا أمر المسلمين للمسلمين، بل يمعن في تحول الاسلام إلى ملك غضوض وإلى
93

مزرعة أموية، فيأخذ البيعة ليزيد بالذهب والسيف، قال بعض من ندبه معاوية
لهذا الامر: أيها الناس، أمير المؤمنين هذا (مشيرا إلى معاوية) فإن مات فهذا
(مشيرا إلى يزيد) فمن أبى فهذا (مشيرا إلى السيف)، وهكذا يتربع يزيد على عرش
أبيه بعد وفاته، فيهمل أمر المسلمين ويعكف على اللهو بفهوده وقرود حتى يقلب
" يزيد القرود " ثم يسلط من قواده ورجاله من ينزلون بالعباد والبلاد، من الهول ما
يخجل الشيطان نفسه من اقترافه، فابن زياد في الكوفة والبصرة يحز رأس كل من
تسول له نفسه أن يقول " لم " ثم يقتل أبناء الرسول وأحفاده وآل بيته في كربلا قتلا
تناهى في البشاعة والرجس، فضلا عن الخسة والدناءة، ومسلم بن عقبة مبعوث
يزيد إلى المدينة المنورة، دار الهجرة، ووطن الأنصار، وعاصمة الاسلام يصنع بها
وبأهلها من الوحشية والجريمة ما يتعاظم كل وصف، فقتل من الصحابة ومن
غيرهم خلق كثير، ونهبت المدينة واستبيحت ثلاثة أيام، وافتضت فيها ألف عذراء
فيما يقولون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين " (رواه مسلم)، وحتى مكة بمسجدها الحرام يرسل
إليها " يزيد القرود " من يستبيحها، ويستبيح البيت الحرام، ثم حين يختفي بيت أبي
سفيان بموت يزيد، ويسطو على الخلافة بين مروان، وهو شعبة أخرى، وامتداد
آخر للأمويين، يظهر الحجاج لبشر الخراب والدمار والقتل في كل مكان باسم
الأمويين، وفي سبيل دعم ملكهم.
وهكذا قتل الحجاج على حب أهل البيت ألوف الرجال، وفيهم الصحابي
والتابعي والفقيه والزاهد والمحدث، منهم على سبيل المثال الفقهية الزاهد سعيد بن
جبير، فلقد قال له الحجاج يوما: أعلي في الجنة أم في النار؟ فلم يجب سعيد بغير
البكاء، فأمر الحجاج بإحضار الذهب والفضة وقال لسعيد: أتحب أن لك شيئا
منه، قال سعيد: لا أحب ما لا يحبه الله، ولما يئس الحجاج من أن يستميله بالمال
أمر بقتله، فقال سعيد: أشهدك يا حجاج أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،
قال الحجاج اقتلوه، فضحك سعيد، فقال الحجاج ما يضحكك، قال: جرأتك
على الله وحلمه عليك، ولما قتل سعيد، قال الحسن البصري: والله لو اشترك أهل
94

المشرق والمغرب في قتله لأكبهم الله على وجوههم في النار، وكان الحجاج يرى
سعيد في المقام قابضا على تلابيبه ويقول يا وعد الله، فيما قتلتني، فيستيقظ مذعورا
ويصيح مالي ولسعيد) ويروى الشعبي انه كان بواسط فحضر صلاة العيد مع
الحجاج فدعاه وقال له: هذا يوم اضحى وقد أردت ان أضحي يرجل من العراق
وأحب ان تسمع لقوله لتعلم اني أصيب الرأي فيما افعل، فقلت أيها الأمير كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضحى بكبش فاستن أنت بسنته، قال: إذا سمعت ما يقول
صوبت رأيي فلما أحضروه فإذا هو (يحيى بن يعمر) فاغتممت غما شديدا ثم
قال له الحجاج: أنت فقيه أهل العراق، قال يحيى انا من فقهائهم قال الحجاج
كيف زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يحيى: ما انا بزاعم
ذلك، بل قائله بحق، قال الحجاج وأي حق، قال يحيى: كتاب الله نطق بذلك
قال لعلك تريد قوله: (فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين) (آية المباهلة) وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج للمباهلة ومعه علي والحسن
والحسين وفاطمة، قال يحيى وانها والله لحجة بليغة، ولكني مع ذلك لا احتج بها
قال إن جئت بغيرها من كتاب الله فلك عشرة آلاف درهم، والا قتلتك وكنت في
حل من دمك، قال يحيى نعم وتلا الآية 84 - 85 من الانعام (ومن ذريته داود
وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا
ويحيى.... وإلياس كل من الصالحين) فترك كلمة (وعيسى) فقال الحجاج (ومن
عجب انه كان حافظا للقرآن) وأين تركت (عيسى) قال يحيى: ومن أين كان عيسى
من ذرية إبراهيم ولا أب له، قال الحجاج من قبل أمه مريم، قال يحيى: أيكون
عيسى من ذرية إبراهيم بواسطة أمه مريم، وبينها وبينه ما تعلم من الأجداد (ما
يقرب من عشرين قرنا فيما نرى) ولا يكون الحسن والحسين من ذرية رسول
الله صلى الله عليه وسلم بواسطة أمهما فاطمة وهي ابنته بلا واسطة، وكأنما ألقم الحجاج حجرا،
فقال: أعطوه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها.
وهناك ورواية أخرى للقصة، روى الحاكم في المستدرك عن عاصم بن بهدلة
95

قال: اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن علي، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية
النبي صلى الله عليه وسلم وعنده (يحيى بن يعمر) فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتيني على ما
قلت ببينة ومصداق من كتاب الله عز وجل أو لأقتلنك قتلا، فقال (ومن ذريته
داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى... إلى قوله تعالى عز وجل: (وزكريا
ويحيى وعيسى وإلياس) (الانعام آية 84 - 85)، فأخبر الله عز وجل ان عيسى من
ذرية آدم بأمه، والحسين بن علي من ذرية محمد صلى الله عليه وسلم بأمه، قال: صدقت، قال فما
حملك على تكذيبي في مجلسي، قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبيننه للناس ولا
يكتمونه، قال الله عز وجل: (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا)،
فنفاه إلى خراسان).
ولتعرف أي نوع من الناس كان ينال الحظوة عند أمرا المسلمين من عمال
بني أمية، فلنقرأ قصة الحجاج مع عبد الله بن هانئ، وهو من أود، حي من اليمن
- كما رواها المسعودي - شهد مع الحجاج كل حروبه حتى تحريقه البيت الحرام،
وكان من أنصاره وشيعته، فأراد الحجاج ان يكافأه فزوجه من بنت أسماء بن خارجة
الفزاري وبنت سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية، رغم انف أبويهما، فقال له
الحجاج (يا عبد الله قد زوجتك بنت سيد بني فزارة وبنت سيد همدان وعظيم
كهلان، وما أود هنالك، فقال عبد الله: لا تقل أصلح الله الأمير ذلك، فان لنا
مناقب ما هي لاحد من العرب، قال وما هي: قال: ما سب أمير المؤمنين عثمان في
ناد لنا قط، قال والله هذه منقبة (ونحن نقول ذلك) وشهد منا صفين مع أمير
المؤمنين معاوية سبعون رجلا، وما شهدها مع أبي تراب الا رجل واحد، وكان
والله ما علمته امر أسوء، قال وهذه والله منقبة، قال ومنا رجل تزوج امرأة تحب
أبا تراب ولا تتولاه، قال والله هذه منقبة، قال وما منا امرأة الا نذرت ان قتل
الحسين ان تنحر عشر جزائر لها ففعلت، قال هذه والله منقبة، قال وما منا رجل
عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل، وقال وأزيدكم ابنيه الحسن والحسين
وأمهما فاطمة، قال وهذه والله منقبة، وقال وما أحد من العرب له من الملاحة
والصباحة مالنا ثم ضحك وكان دميما شديد الأدمة مجدورا في رأسه أعجر مائل
96

الشدق أحول قبيح الوجه وحش المنظر)، هذا وقد استمر الحجاج في ايذاء أهل البيت
والتنكيل بمحبيهم حتى كتب له عبد الملك بن مروان (جنبني دماء آل أبي
طالب، فاني رأيت الملك استوحش من آل حرب (معاوية وولده) حين سفكوا
دماءهم)، فكان الحجاج يتجنبها خوفا من زوال الملك عنهم، لا خوفا من الخالق
عز وجل.
ويروي المسعودي في قتل الأمويين لآل البيت ان بنات مروان بن محمد (آخر
خلفاء بني أمية) دخلن على (صالح بن علي العباسي) يطلبن العفو عنهن، فقال
صالح: إنا لن نستبقي منكم أحدا رجلا ولا امرأة، ألم يقتل أبوكن بالأمس ابن
أخي إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في محبسه في حران، ألم يقتل
هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وصلبه في كناسة
الكوفة، وقتل امرأة زيد بالحيرة، على يدي يوسف بن عمر الثقفي، ألم يقتل
الوليد بن يزيد بن عبد الملك، يحيى بن زيد وصلبه في خراسان، ألم يقتل
عبيد الله بن زياد الدعي، مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بالكوفة، ألم يقتل
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الحسن بن علي أبي طالب، على يدي عمر بن
سعد مع قتل بين يديه من أهل بيته، ألم يخرج محرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حتى
ورد بهن على يزيد بن معاوية، وقبل مقدمهن بعث إليه براس الحسين بن علي، قد
ثقب دماغه على رأس رمح يطاف به كور الشام ومدائنها حتى قدموا به على يزيد في
دمشق، كأنما بعث إليه براس رجل من المشركين، ثم أوقف حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
موقف السبي يتصفحهن جنود أهل الشام الجفاة الطغام، ويطلبون منه ان يهب
لهم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم استخفافا بحقه صلى الله عليه وسلم وجرأة على الله عز وجل، وكفرا
لأنعمه، فما الذي استبقيتم منا أهل البيت، لو عدلتم فيه علينا).
ومن عجب فان العباسيين لم يكونوا أقل قسوة وتنكيلا بال البيت من ولد
الحسن والحسين من الأمويين، فلقد لقي أبناء علي بن أبي طالب من بني عمومتهم
العباسيين أمرا نكرا، وان كان بعضهم كانوا على غير ذلك كالمأمون والمطيع، كما أن
بني العباس، وهم من بني هاشم، لم ينزلوا إلى الدرك الأسفل الذي نزل إليه
97

بنو أمية حين لعنوا الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، ولعنوا بنيه الطاهرين
المطهرين بني الزهراء، بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الامر الذي فعله الأمويون جميعا،
حاشا عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان.
ويروي ابن الأثير قصة ترك عمر بن عبد العزيز سب الامام في الجزء
الخامس من الكامل فيقول: كان بنو أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،
عليه السلام، إلى أن ولي عمر بن العزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب إلى العمال في
الآفاق بتركه، وكان سبب محبته عليا انه قال: كنت بالمدينة أتعلم العلم، وكنت
الزم عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود، فبلغه عني شئ من ذلك، فاتيته
يوما وهو يصلي، فأطال الصلاة، فقعدت انتظر فراغه، فلما فرغ من صلاته التفت
إلى فقال لي: متى علمت أن الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان، بعد أن
رضى عنهم، قلت: لم اسمع ذلك، قال: فما الذي بلغني عنك من علي، فقلت
معذرة إلى الله واليك، وتركت ما كنت عليه، وكان أبي إذا خطب فنال من علي،
رضي الله عنه، تلجلج، فقلت: يا أبه انك تمضي في خطبتك، فإذا اتيت على ذكر
علي عرفت منك تقصيرا، قال: أو فطنت لذلك، قلت نعم، فقال: يا بني ان
الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم، تفرقوا عنا إلى أولاد، فلما ولي عمر
الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا ما يرتكب هذا الامر العظيم لأجلها،
فترك ذلك، وكتب بتركه، وقرا عوضه (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، فحل هذا
الفعل عند الناس محلا حسنا، وأكثروا مدحه بسببه، فمن ذلك قول كثير عزة:
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين وانما تبين
آيات الهدي بالتكلم وصدقت معروف الذي قلت بالذي فعلت فاضحي راضيا كل مسلم الا انما يكفي
الفتى بعد زيغه من أولاد البادي ثقاف المقوم فقال عمر، حين أنشد هذا الشعر: أفلحنا إذا.
98

8 - المهدي المنتظر من آل البيت
شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى، انه كما كانت نجاة العالم من ظلمات
الجهلية على يد سيد أهل البيت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وجود أهل البيت
في الأمة أمانا لهم من الخسف والنسف، فان صلاح العالم في آخر الزمان انما
سيكون بإذن الله على يد (المهدي) الذي يصطفيه الله من أهل البيت النبي الطاهرين
المطهرين، والذي تواترت الأحاديث واستفاضت عن خروجه في آخر الزمان، ليملأ الأرض عدلا، كما ملئت ظلما وجورا، قال صلى الله عليه وسلم: (المهدي منا، يختم الدين
بنا، كما فتح بنا) (رواه المحب الطبري في الصواعق المحرقة عن الطبراني) وقال: صلى الله عليه وسلم
(المهدي من عترتي من ولد فاطمة) (رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم من حديث
أم المؤمنين أم سلمة) وروى عن الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه في
الجنة، انه قال: (المهدي من ولد ابني هذا)، وأشار إلى الحسن.
وروى الحافظ الذهبي في المنتقى عن المهدي: وعن علي انه نظر إلى الحسن.
فقال: سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه
في الخلق، يملأ الأرض قسطا).
ويقول الإمام ابن تيمية: وقول أمير المؤمنين (الإمام علي، كرم الله وجهه في
الجنة) في أنه حسني، لا حسيني صريح، ذلك لان الحسن والحسين مشبهان من
بعض بإسماعيل وإسحاق، وان لم يكونا نبيين ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم (اعيذكما
بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)، ويقول: (ان
إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق)، وكان إسماعيل هو الأكبر والأحلم،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب على المنبر، والحسن معه على المنبر: (ان ابني هذا
سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين)، فكما ان غالب الأنبياء كانوا من
ذرية إسحاق، فهكذا كان غالب السادة الأئمة من ذرية الحسين، وكما أن خاتم
الأنبياء، الذي طبق امره مشارق الأرض ومغاربها، كان من ذرية إسماعيل،
فكذلك الخليفة الراشد المهدي، الذي هو آخر الخلفاء، يكون من ذرية الحسن.
هذا ويقول أين تيمية في رسالة (فضل أهل البيت وحقوقهم): فاما المهدي
99

الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواه أهل العلم العالمون باخبار النبي صلى الله عليه وسلم، الحافظون
لها، الباحثون عنها وعن رواتها، مثل أبي داود والترمذي وغيرهما، ورواه الإمام أحمد
في مسنده، فعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو لم يبق من
الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي، يوطئ
اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما
وجورا) (أخرجه أبو داود، ومثله عنده، وعند الإمام أحمد عن الإمام علي)، وعن
أبي سعيد قال قال صلى الله عليه وسلم: (المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الانف، يملأ الأرض
قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين) (عون المعبود بشرح سنن
أبي داود).
وعن أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في أمتي المهدي، ان قصر فسبع،
والا فتسع، فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط، تؤتي اكلها ولا تترك منه
شيئا، والمال يومئذ كدوس (اي مجموع كثير) يقوم الرجل فيقول: يا مهدي
اعطني، فيقول: خذ) (رواه ابن ماجة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة
يحثو المال حثوا) (رواه احمد ومسلم عن جابر وأبي سعيد).
9 حفظ ذرية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت
اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه، ورحمته بعباده، كما يقول الأستاذ حسين
يوسف، ان تستمر باهل البيت ذرية سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين،
تشع بضيائها على العالمين، وترشد بهدايتها الضالين، روى ابن عساكر من حديث
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (كل نسب وصهر وينقطع يوم القيامة الا نسبي
وصهري)، هذا وكما كانت بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، بهداية الطائعين إلى سواء
السبيل، وإثابتهم على ذلك، وتأخير العقاب عن العصاة والمكذبين، فكذلك، فان
بقاء أهل البيت الطاهرين المطهرين رحمة للعالمين، لان نورهم من نوره صلى الله عليه وسلم
وبركتهم من بركته، وكما أن الله تعالى قد اختص رسوله صلى الله عليه وسلم بان لا يعذب أمته ما
دام فيهم، فقال تعالى في الأنفال (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، فكذلك
فان الله تعالى، ببركة أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم لن يعذب الأمة الاسلامية عذاب
100

الاستئصال، ما دام فيهم أهل البيت، فهم الشموع المنيرة في الظلمات، والحصون
التي يركن إليها في الملمات يجيرون كل من لاذ بحماهم، ويكرمون كل من نزل
بساحتهم، وقد جاء في تفسير القرطبي عن ابن عباس انه قال: (لم يعذب أهل
قرية حتى يخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم منها والمؤمنون، ويلحقوا بحيث أمروا)، فإذا كان
وجود المؤمنين بقرية ما سبب رحمة لها، فكيف بوجود أهل البيت، وهم من خاصة
المؤمنين وخيارهم، وأقربهم إلى الله ورسوله، وقد قال صلى الله عليه وسلم، فيما يروى الطبراني وأبو
يعلى من حديث سلمة ابن الأكوع، (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان
لامتي).
هذا وقد أجمع المسلمون على أن الامامين الحسن والحسين، أبناء السيدة
فاطمة من الإمام علي، وذريتهما، رضي الله عنهم أجمعين، انما هم، كما يقول ابن
قيم الجوزية في جلاء الافهام، ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة وذلك
لان أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد بناته انما
هم من أولاد السيدة فاطمة الزهراء، وهكذا أكرم الله تعالى الزهراء، عليها
السلام، بان حفظ ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم في ذريتها، وأبقى عقبه في عقبها، فهي وحدها
دون بناته وبنيه، أم السلالة الطاهرة، والعترة الخيرة، والصفوة المختارة من عباد
الله من أمته صلى الله عليه وسلم، ذلك لان أبناء النبي الذكور ماتوا جميعا، وهم أطفال لم يشبوا
عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم بعد، واما بناته صلى الله عليه وسلم فلم يتركن وراءهن أطفالا، ما
عدا السيدة زينب، رضي الله عنها، التي لم تنجب سوى علي الذي مات صغيرا،
وامامة التي تزوجها الإمام علي بعد الزهراء، بوصية منها، ولكنها لم تنجب له
أولادا، ولم يبق من بناته الطاهرات غير الزهراء البتول، قد أنجبت من الإمام علي
، الحسن والحسين (ومحسن الذي مات صغيرا) وأم كلثوم وزينب الكبرى،
الشهيرة بعقيلة بني هاشم، رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقب الا من الزهراء، وأعظم بها مفخرة، وهكذا كان من ذرية الزهراء، من أبناء
الحسن والحسين، جميع السادة الاشراف، ذرية سيدنا ومولانا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
101

وروى الطبراني والخطيب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يبعث
الله نبيا قط، الا جعل ذريته من صلبه غيري، فان الله جعل ذريتي من صلب
علي، رضي الله عنه)، وروى الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى والمحب الطبري ان
عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أم
كلثوم، فاعتل علي بصغرها، فقال: اني لم أرد الباه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، ما خلا سببي ونسبي، وكل ولد أب
فان عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فانا أبوهم وعصبتهم)، واخرج الطبراني
عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني أنثى فان عصبتهم لأبيهم، ما خلا
ولد فاطمة، فاني عصبتهم، وانا أبوهم)، وعن فاطمة السلام عن
النبي صلى الله عليه وسلم لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه، الا ولد فاطمة، فانا وليهم وانا
عصبتهم)، وروى الحاكم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: لكل بني أم عصبة، الا ابني
فاطمة، فانا وليهم وعصبتهم).
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلق الناس من
أشجار شتى، وخلقت انا وعلي بن أبي طالب من شجرة واحدة، فما قولكم في
شجرة انا أصلها، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها،
وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه إلى الجنة، ومن تركها هوى
إلى النار)، وفي رواية: (انا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن
والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، فالشجرة أصلها في جنة عدن، والأصل والفرع
واللقاح والثمر والورق في الجنة)، وهكذا كان نسل فاطمة وعلي نسلا مباركا
للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم انما كان يدعو الحسن والحسين ابنيه، فيقول صلى الله عليه وسلم في
الحسن: (ان ابني هذا سيد)، واخرج الترمذي عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول لفاطمة: (ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه)، وروى الإمام أحمد
والحاكم وأبو نعيم والطبراني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسين مني، وانا من حسين،
أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)، هذا فضلا عن انه لما
102

نزلت آية المباهلة (آل عمران 61) دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين
وخرج للمباهلة، وقد أشرنا من قبل إلى قصة الفقيه (يحيى بن يعمر) مع الحجاج
الثقفي، كما جاءت عن الشعبي، وكما رواها الحاكم في المستدرك عن عاصم بن
بهدلة، وكيف أثبت يحيى للحجاج من الآيتين الكريمتين 84، 85 من الانعام،
ان الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق أمهما فاطمة الزهراء، كما أن
عيسى بن مريم من ذرية إبراهيم، عن طريق أمه مريم ابنة عمران، صلوات الله
وسلامه عليهم جميعا.
103

القسم الثاني
السيدة فاطمة الزهراء
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة سيدة أهل نساء أهل الجنة (رواه البخاري)
وقال صلى الله عليه وسلم (لفاطمة): اما ترضين ان تكوني سيدة نساء أهل الجنة
أو نساء المؤمنين. (رواه البخاري)
وقال صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني (رواه البخاري).
105

الفصل الأول
في رحاب النبي صلى الله عليه وسلم
1 - مولد الزهراء
رزق النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه الطاهرة خديجة رضي الله عنها في مكة المكرمة
بالزهراء في يوم الجمعة العشرين من جمادي الآخرة، وقريش تبني الكعبة، وذلك
قبل البعثة بخمس سنين، فيما يرى كبار كتاب السيرة من أمثال ابن إسحاق وابن
هشام والطبري، وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت قريش قد أعادت بناء
الكعبة حوالي عام 606 م، فهذا يعني ان الزهراء قد ولدت عام 606 م (18 قبل
الهجرة)، على أن هناك من يرى أنها ولدت قبل البعثة بستة أشهر، وهناك وجه
آخر للنظر يذهب إلى أن الزهراء انما ولدت على أيام النبوة، وليس قبلها، فلقد
روى الحاكم في المستدرك وابن عبد البر في الاستيعاب انها ولدت سنة إحدى
وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، اي بعد البعثة بسنة (عام 611 / 612 م)، بل إن
الشيخ الطوسي انما يذهب في مصباح المتهجد إلى أنها ولدت بعد المبعث بسنتين،
بل إن هناك رواية تنسب إلى الإمام الباقر، تذهب إلى أن مولد الزهراء عليها
السلام، انما كان في العام الخامس من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم (عام 614 / 615 م)،
وهكذا اختلف العلماء في مولد الزهراء، وبالتالي فقد اختلفوا في سنها يوم زفت إلى
الإمام علي، وفي سنها يوم ان انتقلت إلى الرفيق الاعلى في الثالث من رمضان عام
11 ه‍ (أخريات عام 632 م)، على أن أكثر العلماء من أهل البيت يرون انها
107

ولدت قبل البعثة بخمس سنين، وقد روى أن العباس دخل على علي وفاطمة،
رضي الله عنهم، واحدهما يقول للاخر: أينا أكبر، فقال العباس: ولدت يا علي
قبل بناء قريش البيت بسنوات وولدت أنت يا فاطمة، وقريش تبني البيت.
وهكذا كان مولد الزهراء، عليها السلام، بشير سلام وامن لقريش جميعا،
ذلك لان مولدها انما وافق اجتماع قريش لبناء الكعبة، ويحدثنا التاريخ ان القوم
كادوا يقتتلون على من يحوز شرف إعادة الحجر الأسود إلى مكانه، لولا حكمة سيد
الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بان وضع
الحجر في ثوب، ثم أمر بأن تأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم رفعوه جميعا، فلما
بلغوا موضعه، وضعه بيده الشريفة ثم بنى عليه، وهكذا استبشر النبي صلى الله عليه وسلم بمولد
الزهراء، إذ اقترن مولدها بإقامة البيت الحرم وتجديده، دون ان تختصم قريش،
ودون ان تتفرق كلمتها، وانما جمع الله شملها على يد أبي الزهراء في أيام مولد
الزهراء، هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بشر بمولدها قبل ان تولد، روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
لزوجه خديجة: (يا خديجة هذا جبريل يبشرني انها أنثى، وانها النسمة الطاهرة
الميمونة، وان الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة من الأمة،
ويجعلهم خلفاء في ارضه)، ووضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى
الأرض أشرق منها نور حتى دخل بيوت مكة، ولم يبق من شرق الأرض ولا غربها
موضع الا أشرق فيه ذلك النور، وما ان عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بولادتها حتى سجد
شكرا لله تعالى وقد الهم بأنه سيكون منها سلالته وعترته فكانت أحب ولده
إليه، وأقرهم لعينه.
2 - أسماء الزهراء
حملت فاطمة الزهراء، عليها السلام تسعة أسماء هن: فاطمة والصديقة
والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء كما كان سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقبها ب‍ (أم أبيها) لحنانها عليه وحبها الدائم، واما اسمها الأول
(فاطمة) فهو اسم لم يكن غريبا عند العرب فقد كانت زوج أبي طالب وأم الامام
108

علي تسمى فاطمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يناديها (يا أماه) وهناك فاطمة بنت حمزة سيد
الشهداء، وأسد الله ورسوله وهناك فاطمة بنت عتبة وغيرهن غير أن اسم
فاطمة للزهراء انما كان له معنى خاصا، روى المحب الطبري في (ذخائر العقبى في
مناقب ذوي القربى) فقال: اخرج الحافظ الدمشقي عن الإمام علي، كرم الله
وجهه في الجنة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: يا فاطمة، أتدرين لم سميت
فاطمة؟ قال علي: يا رسول الله لم سميت فاطمة؟ قال إن الله عز وجل قد فطمها
وذريتها من النار يوم القيامة)، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان ابنتي
فاطمة حوراء إذ لم تحض ولم تطمث، وانما سماها فاطمة لان الله عز وجل فطمها
ومحبيها من النار).
واما لقب (الزهراء) فلأنها، كما يقول الأستاذ أبو علم، بيضاء اللون،
وروى عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد الباقر عن أبيه الإمام علي
زين العادين قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام (اي مولانا الإمام الحسين)
عن فاطمة، لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهو نورها
لأهل السماء كما يزهو نور الكواكب لأهل الأرض)، وروى أنها، عليها السلام
سميت الزهراء لان الله عز وجل خلقها من نور عظمته، وقيل إنها حين وضعتها
السيدة خديجة، رضي الله عنها، حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك
اليوم، وبذلك لقبت بالزهراء، وقل انها سميت الزهراء، لأنها كانت لا تحيض،
وكانت إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها صلاة.
واما لقب المحدثة فلان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما كانت
تنادي مريم ابنة عمران، عليها السلام، ويحدثها روح القدس، واما ألقاب
الصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية، فهي آيات على ما اتسمت
به الزهراء، رضي الله عنها، من الصدق والبركة والطهارة والرضى والطمأنينة.
واما لقب (البتول) فذلك لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا،
وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، وفي تاج العروس للزبيدي، لقبت فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبتول تشبيها لها بمريم في المنزلة عند الله تعالى، واما ثعلب
109

فالرأي عنده انها سميت بالبتول لانقطاعها عن نساء زمانها، وعن نساء الأمة،
فضلا ودينا، وحسبا وعفافا، وهي سيدة نساء العالمين، وقيل البتول من النساء
المنقطة عن الدنيا إلى الله تعالى، وبه لقبت فاطمة، رضي الله عنها، وعن عمر بن
علي رضي الله عنهما، ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البتول، وقد قيل له: سمعناك يا
رسول الله تقول: مريم بتول، وفاطمة بتول، فما ذاك فقال صلى الله عليه وسلم: (البتول التي لم
تر حمرة قط) اي لم تحض، فان الحيض مكروه في بنات الأنبياء، عليهم الصلاة
. السلام، وفي الواقع فلقد كانت فاطمة الزهراء، عليها السلام، إلى جانب
انسانيتها، تحمل صفات الملائكة وصفات الحور العين، كانت انسانة، وكانت
حوراء، أو هي (حوراء إنسية).
3 - حياة الزهراء في مكة المكرمة
ولدت الزهراء ونشأت في بيت ربه محمد، وربته خديجة، وأي أب في تاريخ
الانسانية كلها، أعظم وأنبل، وأكرم وأشرف من محمد صلى الله عليه وسلم، وأي أم أرفق وأحن.
واشفق من خديجة رضي الله عنه، ثم سرعان ما أصبح هذا البيت، بيت النبوة
والرسالة، ومهبط الوحي والتنزيل، وهكذا تأديب الزهراء بأدب أبيها النبي
الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، ومن ثم فقد كانت سيدتنا فاطمة الزهراء، المثل
الاعلى في الخلق الكريم والطبع والسليم، وقد عني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عناية تامة،
فكان يثقفها ثقافة اسلامية، ويروضها على الهدي النبوي، والصراط المستقيم،
ومن ثم فقد نشأت الزهراء نشاة كانت المثل الاعلى في الكمال والجلال، فهي انما
تمثل أشرف ما في المرأة من انسانية وكرامة وعفة وقداسة ورعاية إلى ما كانت عليه
من ذكاء وقاد، وفطنة حادة، وعلم واسمع، وكفاها فخرا انها تربت في مدرسة
النبوة، وتخرجت في معهد الرسالة، وتلقت عن أبيها الرسول الأمين صلى اله عليه وسلم ما تلقاه
عن رب العالمين، وبدهي ان الزهراء تعلمت في دار أبويها، ما لم تتعلمه طفلة
غيرها في مكة، بل وفي الدنيا كلها، وصدقت أم المؤمنين أم سلمة حيث تقول
(تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوض امر ابنته إلي، فكنت أؤدبها وأدلها، وكانت والله
آدب مني، وأعرف بالأشياء كلها)، أو ليست هي يا أم المؤمنين بضعة رسول الله
110

أو ليست هي (أم أبيها) كما كان يسميها سيد المرسلين، أو ليست هي التي اصطفاها
الله لتكون التيار الذي يحمل نور النبي صلى الله عليه وسلم عبر أسلاك الزمن، ولتضاء البشرية بعد
ذلك من هذا النور الفياض، وصدق الأستاذ العقاد، حيث يقول (في كل دين
صورة للأنوثة الكاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية الله فيما
خلق من ذكر وأنثى، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي
الاسلام، لا جرم، تتقدس صورة فاطمة البتول).
كانت الزهراء، عليها السلام، أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فما ان
انتقلت السيدة خديجة، رضي الله عنها إلى جوار ربها الكريم، راضية مرضية،
حتى أصبحت الطفلة الصغيرة، فاطمة الزهراء، مسؤولة عن رعاية أبيها والسهر
عليه، ولكنه لم يكن أبا عاديا، وانما هو رسول الله الذي أرسله للناس كافة، ومن
ثم فقد كان على الزهراء، وهي ما تزال صغيرة لا تكاد تتحمل مسؤولية بيت
ورعاية أسرة، فضلا عن أن يكون هذا البيت وتلك الأسرة، بيت محمد صلى الله عليه وسلم،
تأخذ نصيبها من من أعباء الدعوة، وأثقال الرسالة، وسوف يكون لها ولزوجها،
ولا بنائها وبناتها من بعدها، النصيب الأوفر، فلقد اخذت حتى الان نصيبها من
الحصار الرهيب في شعب أبي طالب، حيث حصر أهلها من بني هاشم، ولمدة
سنوات ثلاث، الا ان يسلموا أباها فتقتله قريش، وسوف تأخذ نصيبها من
احداث الهجرة، وتنال حظها من
خطوب (أحد) والأحزاب، وسوف تشارك أباها
كل ما يلاقيه من اذى قريش، وتقاسمه كل همومه، بقدر ما نالته من الحظوة عنده،
والمكانة لديه.
4 - حياة الزهراء في المدينة المنورة
هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم تبعته الزهراء وأم كلثوم، وهناك روايتان
عن هجرتهما، تذهب الأولى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث زيد بن حارثة وأبا رافع،
وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه،
وسودة بنت زمعة زوجته، وأسامة بن زيد، وأمه أم أيمن، وتذهب الرواية الثانية
111

إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة نزل إلى المدينة نزل في بني عمرو بن عوف في قباء، ومن هناك
كتب إلى على رضي الله عنه، مع أبي واقد الليثي، يأمره بالقدوم إليه، فخرج علي بالفواطم (فاطمة الزهراء وفاطمة بنت أسد أم علي، وفاطمة بنت الزبير بن عبد
المطلب) وأم كلثوم، ومعه أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو واقد الليثي،
وسار الركب، وعلى رأسه فتى الاسلام علي بن أبي طالب، حتى إذا ما كانوا على
مقربة من (ضحنان) (وهي حرة بمكة على مبعدة 54 كيلا في طريق المدينة تعرف
اليوم بحرة المحسنية) ادركهم الطلب، وهم ثمانية فرسان ملثمون، ومعهم مولى
لحرب بن أمية يدعى جناح، فقال علي لأيمن وأبي واقد: أنيخا الإبل واعقلاها،
وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم الامام، فقالوا: ظننت انك يا عذرا
ناج بالنسوة، ارجع لا أبا لك، قال علي: فان لم افعل، قالوا لترجعن راغما، أو
لترجعن بأكثرك شعرا (اي رأسك) وأهون بك من هالك ودنا الفوارس من المطايا
ليثيروها، فحال علي بينهم وبينها، فاهوى له جناح بسيفه، فراغ علي عن ضربته،
وضربه ضربة على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرسه، وشد
على أصحابه، وهو على قدميه، فتفرقوا، ثم سار ظافرا حتى نزل منزلا بعد
ضحنان، فبات فيه يومه وليله، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، فيهم أم
أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساروا في طريقهم نحو المدينة حتى وصلوها بعد
أيام، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصول أهل بيته، وانزل الزهراء وأم كلثوم معه منزلا
كريما على أم أيوب الأنصارية الخزرجية امرأة أبي أيوب الأنصاري (خالد بن زيد
النجاري) وهو ممن شهد العقبة وبدرا واحد والخندق وسائر المشاهد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وكان مع الإمام علي، ومن خاصته، وشهد معه الجمل وصفين وكان على
مقدمته يوم النهروان.
وبقيت الزهراء مع أبيها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب، حتى إذا ما تزوج
الرسول صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة القرشية بعد خديجة، واتخذ لها دارا بالمدينة، فانتقلوا
جميعا إلى تلك الدار، فكانت سودة تتولى الزهراء وتقوم بحاجتها، ثم تزوج نبي
الله أم سلمة بنت أمية المخزومية، فانتقلت الزهراء إلى بيت أم سلمة رضي الله
112

عنها وهي صاحبة القول المشهور (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوض إلي امر ابنته
فاطمة، فكنت أؤدبها وأدلها، وكانت والله آدب مني، وأعرف بالأشياء كلها)، إلى أن
بنى بها علي رضي الله عنه فانتقل بها إلى بيت مستقل في في موضع الزور، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان السلف الصالح ومن اقتدى بهم لا ينسون حظهم من
الصلاة إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة للزور، فإنها كانت باب
فاطمة التي كان يدخل إليها علي منها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه ويأخذ
بعضادتي الباب، ويقول (السلام عليكم أهل البيت، الصلاة الصلاة (ثلاث
مرات) ثم يقرا (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا
5 - مشابهة الزهراء للنبي صلى الله عليه وسلم
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن انس بن مالك انه قال: سالت أمي
عن صفة فاطمة، رضي الله عنها فقالت: (كانت أشد الناس شبها برسول
الله صلى الله عليه وسلم بيضاء مشربة بحمرة، لها شعر اسود يتعفر لها)) واخرج الإمام أحمد في
مسنده عن انس بن مالك قال: (لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن ابن
علي، وفاطمة، صلوات الله عليهم أجمعين). واخرج الترمذي عن عائشة أم
المؤمنين قالت: (ما رأيت أحد أشبه سمتا ودلا هديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها
وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى عليه وسلم قالت: وكانت إذا دخلت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت
من مجلسها فقبلته في مجلسها)، واخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن أم سلمة قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الناس وجها برسول
الله صلى الله عليه وسلم وروى أنها عندما وضعتها السيدة خديجة ورأت في وليدتها الزهراء انها
صورة من أبيها النبي الأعظم، سرها ذلك الشبه، ورأته بركة من بركات الله عليها وعلى آل البيت الكرام.
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة، رضي الله عنها، قالت
113

(أقبلت فاطمة تمشي كان مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بابنتي،
ثم أجلسها عن يمينه أو شماله... الحديث) وروى الإمام مسلم في صحيحه
بسنده عن عائشة قالت: (كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت
فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فلما رآها رحب بها
فقال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله... الحديث).
114

الفصل الثاني
مع الإمام علي
1 - زواج الزهراء بالامام علي
يروي ان أبا بكر وعمر، رضي الله عنها، خطبا الزهراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لكل منهما: انتظر بها القضاء، أو قال: انها صغيرة، كما جاء في سنن النسائي
عن بريدة رضي الله عنها قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(انها صغيرة، فخطبها علي فزوجها منه)، وروى ابن الأثير في (أسد الغابة) ان
الرسول صلى الله عليه وسلم لما رفض زواجها لأبي بكر وعمر، قال عمر: أنت لها يا علي، قال
علي: فقمت اجر ردائي فرحا بما نبهت إليه، حتى اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجني
فاطمة، قال: أو عندك شئ، قلت: فرسي وبدني اي درعه، قال: اما فرسك
فلا بد منها، واما بدنك فبعها، فبعتها لعثمان بن عفان بأربعمائة درهم وثمانين، قال
الزرقاني ثم إن عثمان رد الدرع إلى علي فجاء بالدرع والدراهم إلى
المصطفى صلى الله صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات، ولما جاء علي، بالدراهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضعها
في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقبض منها قبضة فقال: اي بلال، ابتغ لنا طيبا، وأمرهم ان
يجهزوها، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد عن عكرمة: ان عليا خطب فاطمة
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها، قال: ما عندي ما أصدقها، قال: فأين درعك
الحطمية التي كنت منحتك، قال: عندي، قال أصدقها إياها، قال: فأصدقها
وتزوجها وجاء في أنساب الأشراف للبلاذري: فباع بعيرا ومتاعا فبلغ من ذلك
115

أربعمائة وثمانين، يقال أربعمائة درهم، فأمره ان يجعل ثلثها في الطيب،
وثلثها في المتاع، ففعل.
وروى ابن عساكر عن انس انه قال: خطب علي فاطمة، بعد أن خطبها أبو
بكر وعمر، فقال صلى الله عليه وسلم لعلي: (قد امرني ربي ان أزوجها منك)، وروى الطبراني
مرفوعا برجال ثقات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله امرني ان أزوج فاطمة، من
علي)، في طبقات ابن سعد: ان أبا بكر وعمر لما خطبا فاطمة، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (هي لك يا علي لست بدجال) يعني لست بكذاب، لأنه كان قد وعد عليا
بها قبل ان يخطبها.
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيه
الوحي، فلما أفاق قال لي: يا انس أتدري ما جاء جبريل عليه السلام من
صاحب العرش عز وجل، قلت بابي أنت وأمي، ما جاء به جبريل قال، قال
لي: ان الله تبارك وتعالى يأمرك ان تزوج فاطمة من علي) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
انطلق وادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وبعدتهم من الأنصار قال
فانطلقت فدعوتهم، فلما اخذوا مجالسهم، قال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله وأثنى عليه (ان
الله جعل المصاهرة سببا لاحقا، وامرا مفترضا، أوشج به الأرحام، والزم الأنام،
فقال عز من قائل: (هو الذي جعل من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان
ربك قديرا)، فامر الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل
قدر أجل، ولكل اجل كتاب (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، ثم إن
الله تعالى امرني ان أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا علي
اني زوجته على أربعمائة مثقال فضة، ان رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة
الواجبة، فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطال نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح
الرحمة، ومعادن الحكمة وامن الأمة، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم).
قال انس: وكان علي، عليه السلام، غائبا في حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه
فيها، ثم امر لنا بطبق فيه تمر، فوضع في أيدينا، فقال صلى الله عليه وسلم: انتبهوا، فبينما نحن
كذلك، إذ اقبل علي، فتبسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا علي، ان الله امرني ان
116

أزوجك فاطمة، واني زوجتكما على أربعمائة مثقال فضة، فقال علي: رضيت يا
رسول الله، ثم إن عليا خر ساجدا شكرا الله، فلما رفع رأسه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
((بارك الله لكما وعليكما، وأسعد جدكما، واخرج منكما الكثير الطيب)، قال انس
(ووالله لقد اخرج منهما الكثير الطيب، وروى الطبراني والخطيب عن ابن عباس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يبعث الله نبيا قط، الا جعل ذريته من صلبه غيري فان
الله جعل ذريتي من صلب علي رضي الله عنه)
وارجع الأقوال ان هذا الزواج كان بعد الهجرة وقيل غزوة بدر، كان في
رمضان (وربما في محرم أو صفر أو رجب) من السنة الثانية للهجرة، ومضى على هذا
القران شهور ثلاثة، حتى إذ كانوا ذو الحجة من السنة نفسها، دخل علي بها
وكان جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سريرا من الخوص مشدودا بالحبال
ووسادتين حشوهما ليف، وبساط صوف، وجلد كبش يقلب على صوفه فيصير
فراشا، واناء به سمن جاف يطبخ به، وقرية للماء، وجرة وكوزا، ورملا مبسوطا
ورحاء أو رحاءين، وخفت بعض نساء الأنصار الثريات فأهدين الزهراء ردائين
جميلين للزفاف، وبعض حقاق من الطيب والعطور، واقرضنها بعض الحلي.
ويروي ابن شهاب الزهري في المغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: اني
زوجت ابنتي ابن عمي، وانا أحب ان يكون من سنة أمتي اطعام الطعام عند
النكاح، فات الغنم، فخذ شاة وأربعة امداد أو خمسة فاجعل لي قصعة لعلي أجمع
المهاجرين والأنصار، وفي رواية أخرى ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي، انه لا بد
للعروس من وليمة) فقال أحد أغنياء الأنصار: عندي كبش، فأعده صاحبه، ودعا
علي رهطا من المهاجرين والأنصار واحضروا الطيب والزبيب والتمر فطعموا،
ويروي الأستاذ أبو علم أنه في ليلة الزفاف هذه، اتى الرسول صلى الله الله عليه وسلم ببغلته الشهباء،
وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي فاركبها، وامر سلمان ان يقود بها،
ومشى صلى الله عليه وسلم خلفها ومعه حمزه وبنو هاشم مشهرين سيوفهم وامر بنات عبد
المطلب ونساء المهاجرين والأنصار ان يمضين في صحبة فاطمة، وان يفرحن
ويرجزن ويكبرن ويحمدن، ولا يقلن مالا يرضي الله ونساء النبي صلى الله عليه وسلم معها، حتى
117

أوصلنها إلى بيت علي.
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، الا يحدث شيئا حتى يأتيه، ثم جاءت العروس
الطاهرة البتول، مع أم أيمن بركة الحبشة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقعدت فاطمة في
جانب من البيت، وقعد علي في الجانب الاخر، ثم جاء ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أها
هنا أخي، فقالت أم أيمن: بابي أنت وأمي يا رسول الله، أخوك، قال: علي بن أبي
طالب، قالت وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك، قال: هو ذاك يا أم أيمن، وفي
رواية قال نعم، اي هو كأخي في المنزلة والمؤاخاة، فلا يمتنع علي تزويجي إياه
ابنتي)، هذا وكانت النساء قد انصرفن بعد الوليمة، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد امرأة
مع الزهراء، فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم عمها يبقيها، قالت: انا التي أحرس ابنتك، ان
الفتاة ليلة بنائها (زفافها) لا بد لها من امرأة قريبة منها، ان عرضت لها حاجة أو
أرادت أمرا أفضت إليها بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم للمرأة، وهي أسماء بنت عميس، فاني
اسال الهي ان يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من
الشيطان الرجيم)، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فغسل فيه يديه، ثم دعا عليا
فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه، ثم دعا فاطمة
فجاءت بغير خمار تعثر في ثوبها، ثم نضح عليها من ذلك الماء، ثم قال: ادخل
باهلك باسم الله والبركة، وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم توضأ في اناء ثم أفرغه على علي
وفاطمة، ثم قال: اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في شملهما، وفي رواية، وفي
شبليهما، والشبل ولد الأسد، فيكون ذلك كشفا واطلاعا منه صلى الله عليه وسلم على أن الزهراء
تلد الحسن والحسين، فأطلق عليهما شبلين.
هذا وقد روى أن السيدة الزهراء بكت تلك الليلة، ربما لعلها تذكرت أمها
الراحلة السيدة الطاهرة أم المؤمنين خديجة، رضي الله عنها، فتمنت لو أنها كانت
معها في تلك الليلة الفريدة من العمر، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يطيب خاطرها، فاقسم
لها انه لم يأل جهدا ليختار لها أصلح الأزواج، وما اختار لها الا خير فتيان بني
هاشم، وأضاف (والذي نفسي بيده قد زوجتك فتى سعيدا في الدنيا، وانه في
الآخرة لمن الصالحين) وفي رواية للحاكم في المستدرك: فقد أنكحتك أحب أهل
118

بيتي إلي)، وفي رواية ثالثة (لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة، وانه لأول
أصحابي اسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما) وعن ابن عباس قال: بينما نحن
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي، فقال صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا فاطمة،
قالت: يا رسول الله، عيرتني نساء قريش آنفا، زعمن انك زوجتني رجلا معدما،
لا مال له، قال صلى الله عليه وسلم (لا تبكي يا فاطمة، فوالله ما زوجتك حتى زوجك الله تعالى
من فوق عرشه، واشهد على ذلك جبريل وميكائيل)، وعن بلال بن حمامة قال:
(طلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ووجهه مشرق كدارة القمر، فقام عبد الرحمن ابن
عوف فقال يا رسول الله: ما هذا النور، فقال صلى الله عليه وسلم بشارة أتتني من ربي في أخي
وابن عمي وابنتي، فان الله زوج عليا من فاطمة، وامر رضوان خازن الجنان، فهز
شجرة طوبى فحملت رقاعا، يعني صكاكا، بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها
ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامة باهلها، نادت
الملائكة في الخلائق، فلا تلقى محبا لنا أهل البيت، الا دفعت له صكا فيه فكاكه
من النار، فأخي وابن عمي وابنتي بهم فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من
النار).
ولعل سائلا يتساءل: ما في هذا الزواج من الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يختص به الامام وحده، دون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودون غيره ممن تزوجوا من
بنات النبي صلى الله عليه وسلم؟
من البدهي ان الصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شرف عظيم، وقد تزوج عثمان ابن
عفان رضي الله عنه بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (رقية وأم كلثوم) فاكتسب بذلك لقب
(ذي النورين)، كما تزوج أبو العاص بن الربيع من زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم غير أن
الزواج من الزهراء امر آخر، ذلك لان الزهراء قد اختصت من بين أخواتها بهذه
الدرجة التي رفعها الله إليها، فوصفها رسول الله بأنها (سيدة نساء المؤمنين)، وبأنها
(سيدة نساء أهل الجنة)، وبأنها (سيدة نساء العالمين)، هذا فضلا عن أن فاطمة
وحدها من دون بنات النبي وأبنائه، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن
والحسين، وهما ابنا علي، وهكذا يصبح النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى له ولدا غير ولد فاطمة
119

وعلي، ولا نسا متصلا الا من كان من فاطمة وعلي، فإذا ما تذكرنا كذلك، انه ما
من امر كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم في شخصه، وفي خاصة نفسه، الا وكان الإمام علي هو
الذي يندب للقيام بهذا الامر، وليحل محل الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وليأخذ مكانه الذي
تركه وراءه، فمبيت علي في برد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فراشه ليلة الهجرة، وقراءته ما نزل
من سورة براءة على أهل الموسم من المسلمين والمشركين، وخلافته للرسول على آل
البيت من غزوة تبوك، أفلا يسوغ لنا ذلك كله، كما يقول الأستاذ الخطيب، ان
نذكر معه، خلافة علي بن أبي طالب للرسول صلى اله عليه وسلم في أن يكون منه نسل النبي، وأن يكون
ولد علي وفاطمة نسلا مباركا للنبي ولعلي معا، صلوات الله وسلامه عليم
أجمعين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا الحسن والحسين ابنيه فيقول صلى الله عليه وسلم في الحسن (ان
ابني هذا سيد) وانه صلى الله عليه وسلم يقول في الحسين: (حسين مني وانا من حسين)، واخرج
الترمذي عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لفاطمة: ادعي ابني فيشمهما
ويضمهما إليه)
بقيت الإشارة إلى سن الزهراء وقت الزواج، وفي الواقع ان هذا متوقف على
معرفة تاريخ ميلادها، وهو امر قد اختلف فيه المؤرخون، بين ان يكون قبيل البعثة
أو بعيدها، ومن ثم فهناك من رأى أن الزهراء قد تزوجت، وهي في الثامنة عشرة
من عمرها، بينما ذهب آخرون إلى أنها كانت في الخامسة عشرة وخمسة أشهر أو
ستة، بل اننا لو أخذنا بوجهة النظر التي ذهبت إلى أنها قد ولدت بعد البعثة
بخمس سنين، لكان عمرها يوم زواجها في السنة الثانية من الهجرة، لا يعدو
سنوات عشر، على أن ارجع الآراء ان الزهراء كانت فيما بين الخامس عشرة
والثامنة عشرة من عمرها يوم زفت إلى الإمام علي.
ومن عجب ان يزعم المستشرق اليسوعي الأب هنري لامانس، ان الزهراء
لم تتزوج قبل الثامنة عشرة لأنها كانت محرومة من الجمال، ولم تصدق ان أحدا
يخطبها بعد تلك السن، وعندما خطبها علي سكتت هنيهة، ثم تكلمت فشكت من أن
يخطبها رجل فقير، وفي الواقع ما كنا نظن أن ينزلق الأب هنري، وهو رجل
دين وعلم، إلى هذا المستوى في كراهيته للاسلام ونبي الاسلام وآل بيته الكرام،
120

وكنا نحب له ان يقرا النصوص جيدا، وان يقارن بينها، لا ان يأخذ منها ما يتفق
وهواه، ثم يفسر هذا الذي اخذه بهواه، مرة أخرى فتضيع منه الحقائق بين
هواه وهواه، ولو كان السند الذي استند إليه هذا المستشرق، كما يقول الأستاذ
العقاد، واضحا ملزما، لقلنا انها أمانة العلم، ولا حيلة للعالم في الأمانة العلمية،
لكن السند كله قائم على أن الزهراء قد تزوجت في الثامنة عشرة من عمرها،
وتقابله أسانيد أخرى تنقضه، وتتراءى للمستشرق حيثما نظر حوله، ولكنه لا يحب
ان يراها، لأنه يحب ان يرى ما يعيب، ولا يحب ان يرى مالا عيب فيه.
وعلى حال، فان تقويض رأي لامنس سهل لأسباب كثيرة، منها (أولا)
ان المشهور المتواتر، كما رأينا من قبل، ان السيدة فاطمة الزهراء ولدت لأبوين
جميلين، وان أخواتها تزوجن من ذوي غنى وجاه، كأبي العاص من الربيع
وعثمان بن عفان، وليس المألوف ان يكون الأبوان والأخوات موصوفين
بالجمال، وان تحرم منه إحدى البنات ومنها (ثانيا) ان السيدة الزهراء، كما هو
مشهور، قد بلغت سن الزواج، والدعوة المحمدية في إبانها، المسلمون بين
مهاجر أو مقيم غير آمن، والحال قد تبدلت بعد الدعوة المحمدية فأصبحت خطبة
المسلمين مقصورة على المسلمين، وهم قلة منهم المتزوج ومنهم من لا طاقة له
بالزواج، ومنها (ثالثا) ما أشرنا من أن هناك الكثير من الآراء التي لا تجعل
الزهراء تبلغ الثامنة عشرة، يوم بنيت بالامام، ومنها (رابعا) اننا لا نستطيع ان
نستبعد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص بها ربيبه وابن عمه علي بن أبي طالب (وهو أرجح
الأسباب في رأينا) وينتظر بها يوم البيت في هذا الامر، وذلك حين تهدأ الحال،
ويستعد ابن عمه للزواج، ولعل مما يعضد هذه الفكرة ما رويناه من قبل، من أن
الصديق والفاروق قد خطبا الزهراء قبل الإمام علي، وان رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهما قوله
لكل منهما (انتظر بها القضاء) أو قال (انها صغيرة).
ومنها (خامسا) ان الأب لامانس تجاهل كثيرا من النصوص التي تشير إلى أن
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، انما كانت تتمتع بقسط وافر من الجمال، من
ذلك ما رواه انس بن مالك عن أمه: ان فاطمة كانت كأنها القمر ليلة البدر، ومنها
121

ما رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن انس بن مالك قال: سالت أمي عن صفة
فاطمة، رضي الله عنها، فقالت كانت أشد الناس شبها برسول الله صلى الله عليه وسلم، بيضاء
مشربة بحمرة، لها شعر اسود يتعفر لها)، وان الروايات كلها مجمعة على أن السيدة
الزهراء كانت أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة في كتب
السيرة، وقد قراها لامانس، وكلها تشير بوضوح إلى ما كان يتمتع به سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم
من جمال الخليفة والخلق، ومنها (سادسا) ان السيدات اللواتي لا يبكرن إلى
الزواج في المجتمع الاسلامي انما هن من اللواتي يتنعمن بالجمال الرائع، والحذق
البارع، والذكاء الحاد، وشرف المحتد، وشغف الوالدين بهن والضن بهن، وكان
هذا امر الزهراء إلى حد كبير، هذا إذا افترضنا جدلا ان الزواج في سن الثامنة
عشرة، انما هو سن متأخرة لزواج الفتاة، فما بالك إذا لم يكن الامر كذلك، فضلا
عن أن كثيرا من الروايات تحدد سن الزهراء يوم زواجها بالخامسة عشرة،
وروايات أخرى تنزل بها إلى سن أقل من ذلك.
ومنها (سابعا) ما تذهب إليه الدكتورة عائشة عبد الرحمن في كتابها (بنات
النبي) من أن تأخر زواجها انما كان عن تهيب لها، فلقد بعث أبوها صلى الله عليه وسلم، وهي
وحدها التي لم تتزوج، إذ كان عمرها خمس سنوات والناس بعد البعث أحد رجلين اما كافر بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وهيهات ان يفكر في مصاهرته واما مسلم يؤمن بنبوة محمد
صلى الله عليه وسلم ويصدق برسالته وقد عرفنا موقف المسلمين من نبيهم والى
اي مدى كانوا يجلونه ويعظمونه ويفتدونه بالمهج والأرواح، فغير مستغرب الا يروا
أنفسهم كفئا لمصاهرته، وان يغضوا الطرف عن (أم أبيها، الزهراء)، اجلا لا
وتهيبا، ولا يرد على هذا بان (عثمان بن عفان) رأي في نفسه كفئا لرقية، فلقد قل في
أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - بل في قريش بعامة - مثل عثمان ثراء وشرفا وجاها، وهو
بعد قد طمع من الزواج من بنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها ابن أبي لهب كيدا
وحقدا، وليس الامر كذلك مع الزهراء، ونحن - حتى يومنا هذا - نرى بنات
الأسر الكريمة يتأخر زواجهن في انتظار الأكفاء، وهم عادة القلة، إذ القاعدة
المطردة هي انه كلما تميزت الفتاة لعلمها أو ثرائها أو عزتها، قل أكفاؤها.
122

ومع ذلك فلم يكن (علي) أول من طمح في الزواج من (فاطمة)، بعد
تهيب وتردد. وفقد تسامى إلى ذلك الشرف قبله، صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر
وعمر، على ما روي البلاذري في (أنساب الأشراف) فردهما أبوها ردا كريما
2 - بيت الزهراء
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الزهراء ويحنو عليها حنوا كبيرا، وما يكاد يطيق
فراقها فلما زفت إلى الإمام علي، وتحولت إلى بيته، لم تمض سوى أيام معدودة،
حتى ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزهراء فقال لها: اني أريد ان أحولك إلي، فقالت:
فكلم حارثة بن النعمان ان يتحول عني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحول حارثة ابن
النعمان عنا حتى استحييت منه، فبلغ ذلك حارثة، وجاء النبي فقال: يا رسول الله
انه بلغني انك تحول فاطمة إليك، وهذه منازلي، وهي أسبق بيوت بني النجار
إليك، وانما انا ومالي لله ولرسوله، والله يا رسول الله، للمال الذي تأخذ مني أحب
إلي من المال الذي تدع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، بارك الله عليك، فحولها
رسول الله إلى بيت حارثة، وهكذا اتخذ النبي صلى الله وسلم للزهراء والامام بيتا وسط بيوته وكانا
يسكنانه كل أيام علي وفاطمة، ثم كل أيام الإمام علي في المدينة، ثم سكنه من بعده أولاده
وأحفاده إلى أيام عبد الملك بن مروان، فاغتاظ من وجوده وأراد هدمه بحجة توسع المسجد،
وكان يسكنه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فطلبوا منه ان يخرج فرفض وقال
لا اخرج ولا أمكن من هدمه فضرب بالسياط، وأخرج قهرا وهدم الدار وزيد في المسجد
هذا ويذهب السمهودي في (وفاء الوفا باخبار دار المصطفى) إلى أن بيت
فاطمة، رضي الله عنها انما هو في الزور الذي القبر، بينه وبين بيت النبي صلى الله عليه وسلم
خوخة، وكانت فيه كوة أي بيت عائشة رضي الله عنها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام
اطلع من الكوة إلى فاطمة فعلم خبرهم، وان فاطمة، رضي الله عنها، قالت لعلي
يوما ان ابني أمسيا عليلين، فلو نظرت لنا إدما نستصبح به، فخرج علي إلى
السوق فاشترى لهم إدما، وجاء به إلى فاطمة فاستصبحت به فأبصرت عائشة
123

المصباح عندهم في جوف الليل وذكر كلاما وقع بينهما، فلما أصبحوا سألت
فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم ان يسد الكوة، فسدها)، هنا وقد روى السمهودي ان بيت
فاطمة على زمانه (844 - 911 ه‍) كان حوله مقصورة، وفيه محراب خلف حجرة
النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى أبة حال فالثابت المؤكد ان بيت الزهراء والإمام علي انما كان أوسط
بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل
إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذاك
يسوءك قال: نعم، قال فأرغم الله بانفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك
بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لعل ذاك يسوءك، قال اجل، قال: فأرغم الله
بانفك، انطلق فاجهد على جهدك).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد امر بسد الأبواب
الشارعة في المسجد، الا باب علي وفاطمة، روى النسائي عن ابن عباس ان
النبي صلى الله عليه وسلم امر بأبواب المسجد فسدت الا باب علي، رضي الله عنه)، وفي رواية
(وسد أبواب المسجد غير باب علي، رضي الله عنه، فكان يدخل المسجد وهو
جنب، وهو طريقه ليس له طريق غيره)، وروى ابن عساكر عن أم سلمة قالت:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته: انه لا
يحل المسجد الجنب ولا لحائض، الا لمحمد وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد، الا
هل بينت لكم الأسماء ان تضلوا)، واخرج الترمذي والبيهقي والبزار عن أبي
سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري
وغيرك) وروي الطبراني في الكبير عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الا ان
هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض، الا للنبي وأزواجه، وفاطمة بنت محمد
وعلي الا بينت لكم ان تضلوا)، واخرج أبو يعلي عن عمر بن الخطاب قال لقد
اعطى علي ثلاث خصال، لان تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطي حمر
النعم، تزويجه فاطمة، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحل لي فيه ما يحل
له، والراية يوم خيبر. واخرج الزبير بن بكار في اخبار المدينة عن أبي حازم
124

الأشجعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله امر موسى ان يبني مسجدا طاهرا لا
يسكنه الا هو وهارون، وان الله امرني ان ابني مسجدا طاهرا لا يسكنه الا انا
وعلي، وابنا علي)، وروى النسائي عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه
قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده قوم جلوس، فدخل علي كرم الله وجهه، فلما دخل
خرجوا، فلما خرجوا تلاوموا فقالوا: والله ما أخرجنا إذ أدخله، فرجعوا فدخلوا
فقال: والله ما انا أدخلته وأخرجتكم، بل الله أدخله وأخرجكم) (وذكره الهيثمي
في مجمعه وقال: رواه البزار ورجاله ثقات)
. هذا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا (في بيوت اذن الله ترفع ويذكر فيها
اسمه يسبح فيها بالغدو والآصال) فقام إليه رجل وقال: اي بيوت هذه يا رسول
الله، فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول الله هذا البيت منها
وأشار إلى بيت علي وفاطمة، فقال الرسول: نعم من أفضلها).
3 - حياة الزهراء الزوجية
عاشت الزهراء في كنف النبي صلى الله عليه وسلم وتحت رعايته، يختصها هي وزوجها
وولدها بمحبة، ويصطفيهم بمودته، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم ان يبيت عندهم حينا بعد
حين، ويتولى خدمة الأطفال بنفسه، وأبواهم قاعدان، وفي إحدى هذه الليالي
سمع الحسن يستسقي، فقام صلى الله عليه وسلم إلى قربة فجعل يعصرها في القدح ثم جعل
يعبعبه، فتناول الحسين فمنعه وبدا بالحسن، فقالت فاطمة كأنه أحب إليك، قال
انما استسقى أولا، وكان أحيانا يلفهم جميعا في برد واحد، ويقول لهم (انا وأنتم
يوم القيامة في مكان واحد)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر الناس عهدا
به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول الناس عهدا به فاطمة، رضي الله تعالى
عنها، روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشبي قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجع من سفر أو غزاة المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثني بفاطمة،
ثم يأتي أزواجه).
وفي ظل الرسول صلى الله عليه وسلم انتظمت حياة الامام والزهراء عيشة كفاف، وخدمة
125

يتعاون عليها رب البيت وربته فقد كان رزق الامام من وظيفة الجندي وعطائه من
فئ الجهاد، لكنه، رغم ذلك، لم يكن بقادر على أن يستأجر للزهراء خادما تعينها
أو تقوم عنها بالعمل الشاق، فكان الامام هو الذي يعينها، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل عليها البيت كعادته فوجد عليا وفاطمة يطحنان، فقال أيكما أعيا (تعب)
فقال علي: فاطمة يا رسول الله، فقال لها: قومي يا بنية، فقامت، وجلس يطحن
مع علي، وهكذا كانا يعيشان عيشة الكفاف، وكثيرا ما كان يجن الليل فيرقدان على
فراشهما الخشن، ويحاولان النوم فلا يجدان إليه سبيلا، لفرط ما يشعران به من
البرد، ويقبل عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد انكمشا في غطائهما مقرورين، إذا غطيا رأسيهما
بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رأساهما، روى المتقي الهندي في كنز
العمال عن جابر، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على فاطمة سلام الله عليها كساء من
أوبار الإبل، وهي تطحن، فبكي وقال: يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا لنعيم
الآخرة غدا، ونزلت (ولسوف يعطيك ربك فترضي. (قال: أخرجه ابن لآل وابن
مردويه وابن النجار والديلمي، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرجه
العسكري في المواعظ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصحهما بقوله (كلمات علمنيهن
جبريل، تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا وتكبران عشرا
وإذا آويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثا وثلاثين وتحمدان ثلاثا وثلاثين وتكبران ثلاثا
وثلاثين)، ويقول الإمام علي (والله ما تركتهن منذ علمنيهن).
وروي الامام البخاري في صحيحة بسنده عن الحكم، سمعت ابن أبي ليلى
قال: حدثنا علي ان فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى من اثر الرحا، فاني
النبي صلى الله عليه وسلم سبى، فانطلقت فلم تجده، فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرته عائشة بمجئ فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضا جعنا، فذهب
لاقوم، فقال، علي مكانكما، فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على صدري،
وقال: الا أعلمكما خيرا مما سألتماني، إذا أخذتما مضاجعكما، تكبرا أربعا وثلاثين،
وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم).
وروى أبو داود بسنده عن أبي الورد بن ثمامة، قال علي عليه السلام لابن
126

اعبد: الا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب أهله إليه،
وكانت عندي، فجرت بالرحى حتى أثرت بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في
نحرها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها
وأصابها من ذلك ضر، فسمعنا ان رقيقا اتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: لو اتيت أباك
فسألتيه خادما يكفيك فاتته فوجدت حداثا فاستحيت فرجعت، فغدا علينا ونحن
في لفاعنا (الملحفة أو الكساء) فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع حياء
من أبيها، فقال: ما كان حاجتك أمس إلى آل محمد، فسكنت مرتين، فقلت: انا
والله أحدثك يا رسول الله ان هذه جرت عندي بالرحى حتى أثرت في يدها
واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وبلغنا
انه اتاك رقيق أو خدم فقلت لها: سليه خادما، قال أبو داود: فذكر معنى حديث
حكم، ويعني بحديث حكم ما تقدم آنفا عن البخاري مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: الا
أعلمكما خيرا مما سألتماني - إلى آخره (ورواه أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء).
على أن البيت سرعان ما سعد بالذرية الصالحة، فلقد رزق الأبوان نصيبا
طيبا طاهرا من البنين والبنات، الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم، وقد
دعا النبي لكل منهما عند مولده (الهم اني أعيذه بك وذريته من الشيطان
الرجيم)، وعق عن كل منهما بكبش، وامر بحلق شعره والتصدق بوزنه فضة، ثم
ختنهما لسبعة أيام من المولد)، وقد عاشورا جميعا، ما عدا محسن فقد مات صغيرا.
وبدهي ان حياة هذه الأسرة الطاهرة المطهرة لم تخل من ساعات خلاف، وما
خلت حياة آدمي قط من ساعات خلاف، وساعات شكاية، وكان الأب الأكبر
يتولى صلحهما، وربما ترك صلى الله عليه وسلم مجلسه بين أصحابه ليدخل إلى الزوجين المتخاصمين
فيرفع ما بينهما من جفاء، والصحابة الذين يتتبعون في وجه النبي كل خلجة من
خوالج نفسه، ويتيحون لأنفسهم ان يسألوه، لأنه لا يملك من ضميره ما يضمن به
على المتعلم والمتصبر، يجرون معه على عاداتهم كلما دخل البيت مهموما، وخرج
منه منطلق الأسارير، فيسألونه فيجيب، ولم لا، وقد أصلحت بين أحب الناس
إلي)، يروى انه صلى الله عليه وسلم روي ذات مساء وهو يسعى إلى دار فاطمة بادي الهم والقلق،
127

فامضى وقتا هناك، ثم خرج ووجهه الكريم يفيض بشرا، فقال قائل من
الصحابة: يا رسول الله دخلت وأنت على حال، وخرجت ونحن نرى البشر في
وجهك، فأجاب صلى الله عليه وسلم (ولم لا، وقد أصلحت بين أحب الناس إلي)، واخرج ابن
سعد في الطبقات عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقى إليه مثالا فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة فاضطجعت من
جانب وجاء علي فاضطجع من جانب، فاخذ رسول الله بيد علي فوضعها على
سرته، واخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما، ثم خرج
قال فقيل له: (دخلت وأنت على حال، وخرجت ونحن نري البشر في وجهك،
فقال: وما يمنعني، وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي)، واخرج ابن سعد في
الطبقات عن عمرو ابن سعد قال: كان في علي شده على فاطمة فقالت: والله
لأشكونك رسول الله فانطلقت وانطلق علي بأثرها فقام حيت يسمع
كلامها فشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ علي وشدته عليها، فقال: يا بنية اسمعي
واستمعي واعقلي، انه لا امرأة بامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت، فقال
علي: فكففت عما كنت اصنع وقلت والله لا آتي شيئا تكرهينه ابدا).
على أن هناك ساعات خلاف كانت جد شديدة، شكايات، لا شك انها
انما كانت أكثر من شكاية بالنسبة للمرأة حتى وان كانت بنت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن
ثم فقد بلغ العتاب بين الزوجين ما يبلغه من خصومة بين زوجين وذلك حين نما
إلى الزهراء ان الامام يهم بخطبة (جويرية بنت عمر وبن هشام بن المغيرة،
المعروف بابي جهل، وفي حسبان الإمام علي انه يجري على مألوف عادة قومه في
الجمع بين زوجتين وأكثر، ويفعل ما اباحه له الاسلام من تعدد الزوجات، بدون
ان يخطر بباله ان هذا ما تنكره بنت نبي الاسلام، وربما كانت هذه الخطبة غضبة
من غضبات الامام، على أنفة من أنفات الزهراء، أو لعلها نازعة من نوازع النفس
البشرية لم يكن في الدين ما يأباها وان أباها العرف في حالة المودة والصفاء، ومن
ناحية أخرى، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم حق علي في الزواج، ولكن الرسول في
أبوته الرحيمة يؤذيه ان تروع أحب بناته بضرة، ويشفق عليها من تجربة قاسية
128

كهذه يعلم أنها لا قبل لها باحتمالها ثم إن عليا أراد ان يتزوج بنت أبي جهل، فهل
يرضي الله ان يجمع بيت الإمام علي بين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بنت عدو الله
ورسوله، وكتب السيرة مليئة بمواقفه المخزية ضد الاسلام ورسول الاسلام، ولعل
هذا هو السبب الذي من اجله ثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه من غير المعقول ان تكون
ابنة هذا الرجل بالذات، ضرة للزهراء بنت نبي الله ورسوله، ولم يكن من
المعقول، بل من المستحيل على وجه اليقين، ان يستبدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أبا
جهل بن هشام صهرا، وليس علي بالذات هو الذي يؤذي نبيه وأباه وابن عمه في
أحب بناته إليه.
هذا ويروى عن يحيى بن سعيد القطان قال: ذاكرت عبد الله بن داود
الحريثي قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا آذن الا ان يحب علي بن أبي طالب ان يطلق ابنتي
وينكح ابنتهم، قال ابن داود: حرم الله على علي ان ينكح على فاطمة في حياتها
لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)، فلما قال
النبي: لا آذن، لم يكن يحل لعلي ان ينكح على فاطمة، الا ان يأذن رسول الله،
قال وسمعت عمر بن داود يقول: لما قال الرسول فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها
ويؤذيني ما آذاها، حرم الله على علي ان ينكح على فاطمة، إذ انه بنكاحه عليها
يؤذي الرسول، والله تعالى يقول: (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله)، وأضاف
الشيخ دحلان في السيرة والحق بعضهم أخواتها بها، وان رأى احتمال اختصاص
الزهراء بذلك، وهذا ما نرجحه ونميل إلى الاخذ به، والله أعلم.
واما قصة تلك الخطبة، فقد روى ابن إسحاق في السيرة، ان علي بن أبي
طالب خطب ابنة أبي جهل من عمها الحارث، واستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (عن
اي شانها تسألني، عن حسبها، قال: لا، ولكن تأمرني بها، فقال صلى الله عليه وسلم فاطمة
بضعة مني، ولا أحب ان تجزع، فقال علي: لا آتي شيئا تكرهه)، واخرج الإمام أحمد
عن الشعبي قال: (خطب علي، عليه السلام، بنت أبي جهل إلى عمها
الحارث بن هشام، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال: اعن حسبها تسألني، قال
علي: قد اعلم ما حسبها، ولكن أتأمرني بها، فقال: لا، فاطمة بضعة مني، ولا
129

أحب ان تحزن أو تجزع، فقال علي عليه السلام، لا آتي شيئا تكرهه)، وروى
البخاري في صحيحه عن المسور بن مخرمة قال: ان عليا خطب بنت أبي جهل
فسمعت بذلك فاطمة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك انك لا تغضب
لبناتك، وهذا علي ناكح علي بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين
تشهد يقول (اما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وان
فاطمة بضعة مني، واني أكره ان يسوءها والله لا يجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت
عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة) وفي رواية للشيخين عن المسور
أيضا: فان ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)، وفي رواية جاءت
في منهاج السنة لابن تيمية، والمنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي: انه صلى الله عليه وسلم قال:
ان بني هاشم بن المغيرة استأذنوني ان ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب واني لا
آذن ثم لا آذن ثم لا آذن، ثم لا آذن، انما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها
ويؤذيني ما آذاها، الا ان يريد ابن أبي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم)، وفي
رواية (اني أخاف ان تفتن في دينها... واني لست أحل حراما، ولا أحرم حلالا،
ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدولي ان
ابن شهاب حدثه ان علي بن الحسين حدثه: انهم حين قدموا المدينة من عند
يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، لقيه المسور بن مخرمة فقال
له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها، قال فقلت له لا، قال له هل أنت معطي
سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني أخاف ان يغلبك القوم عليه وأيم الله لئن أعطيتنيه لا
يخلص إليه ابدا حتى تبلغ نفسي ان علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على
فاطمة، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وانا
يومئذ محتلم فقال: ان فاطمة مني واني أتخوف ان تفتن في دينها، قال ثم ذكر
صهرا له من بني عبد شمس، فاثني عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني
فصدقني ووعدني فأوفى لي، واني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، ولكن
والله لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله، مكانا واحدا ابدا) وقال النووي
130

في شرح صحيح مسلم قال العلماء: في هذا الحديث تحريم ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل
حال، وعلى كل وجه، وان تولد الايذاء مما كان أصله مباحا، وهو حي، وهذا
بخلاف غيره، قالوا: وقد اعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي، بقوله صلى الله عليه وسلم:
لست أحرم حلالا، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين إحداهما ان
ذلك يودي إلى اذى فاطمة، فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه، فنهى عن
ذلك لكمال شفقته على علي، وعلى فاطمة، والثانية خوف الفتنة عليها بسبب
الغيرة، وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه اعلم من فضل الله انهما لا
تجتمعان كما قال انس: والله لا تكسر ثنية الربيع ويحتمل ان المراد تحريم
جمعهما، ويكون معنى: لا أحرم حلالا، اي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا
أحل شيئا لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم اسكت عن تحريمه، لان سكوتي تحليل
له ويكون من جملة محرمات النكاح، الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله.
على أن هناك وجها آخر للنظر، ينكر قصة الخطبة من أساس، ويروى انها
رواية لم يعرفها المؤرخون، وان الإمام علي بالذات لا يمكن ان يقف من النبي صلى الله عليه وسلم
ومن بضعته الزهراء، هذا الموقف، ويروى الأستاذ أبو علم، نقلا عن الأستاذ
محمد صادق الصدر، ان ما نقله المسور عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن ان يصدر منه،
كما أن الاقدام على الخطبة من الامام، امر مستحيل لا يمكن تصوره، والزهراء على
قيد الحياة، ثم إن سيرة المسور كما في الاستيعاب والإصابة، تشير إلى أنه لم يكن
من أصحاب الإمام، وان الخوارج كانت تغشاه وانه كان من أنصار الزبير.
غيران قصة الخطبة انما جاءت في أكثر من كتاب كم كتب الحديث
وأخرجها أكثر من واحد، كما انها رويت من غير المسور بن محرمة، كما في رواية
للإمام أحمد عن عبد الله بن بن الزبير وعلى اية حال فلقد حدثت في أغلب
الظن في مستهل حياة الامام والزهراء الزوجية، حيث لم تكن الزهراء قد ألفت
بعد شدة الامام وصرامته، ولم يروض وهو نفسه باحتمال ما كانت تجد من حزن
لفقد أمها وشجو لفراق بيتها الأول، ومن ثم فربما كانت الحادثة في العام الثاني
من الهجرة، وقبل ان يأتيهما العام الثالث بأولى الثمرات المباركة للزوج، وأعنى
131

به، الإمام الحسن، رضي الله عنه
وعلى اية حال، فلقد انقشعت السحابة التي ظللت أفق الزهراء حينا من
الدهر، لا نستطع تحديده على وجه اليقين وعاد البيت أصفى جوا مما كان قبل
ان يمتحن بتلك التجربة القاسية ومضت الحياة تسير بالزوجين الكريمين على ما
يرجوان من تعاون ومودة.
4 - الزهراء ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم
لقد أحبت الزهراء أباها النبي حبا جما، فقد كان بالنسبة لها النبع المتدفق لا بعد وفاة أمها الأب
الشفوق والام الرؤوف ثم كان لها بعد البعثة أبا ونبيا، والدا ورسولا فكانت تحبه
حب البنت البارة بأبيها وحب المسلمة الصادقة لنبيها فهو الأب وهو النبي
ومن ثم فقد بكته، حين انتقل إلى الرفيق الاعلى بقدر حبه لها وحزنت عليه
بقدر تعلقها به، وزرفت عليه من الدموع الحارة على قدر ما كان يهديها من حب
أبوي صادق وحنان ملائكي رحيم، حتى أن الزهراء عليها السلام لم تضحك
قط بعد وفاة أبيها النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن الباقر انه قال: (ما رؤيت فاطمة ضاحكة
قط، منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضت)، وفي الواقع لولا أن الأب النبي صلى الله عليه وسلم
اخبرها بموته وهو حي، لقضت نحبها حزنا عليه، ولصدمتها الفاجعة المروعة،
والكارثة الموجعة، والخطب الأليم، فقد كانت الزهراء تظن، وكان أباها لا يموت،
أو لا يموت وهي على قيد الحياة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدرك مكانته عندها، ويعلم
منزلته في قلبها، ويحس مبلغ ما سوف تقاسيه عند فقده، ومن ثم فقده، اخبرها بموته
وهو حي، وعزاها عن فراقه وهو موجود، وبشرها بلقائه القريب في رحاب الله،
روي البخاري عن عائشة قالت: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض
فيه، فسارها بشئ فبكت، ثم دعاها فسارها فضحكت، قالت فسألتها عن ذلك،
فقالت: (سارني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني انه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم
سارني فأخبرني اني أول أهل بيته اتبعه فضحكت) (اخرج مثله مسلم واحمد وابن
132

سعد وابن ماجة وابن راهويه)
واخذت الزهراء تهدئ من روعها، وتسمح دموعها، حتى لا يراها والدها
النبي صلى الله عليه وسلم فيحزنه جزعها، ولكن انى لها ذلك، وهي امام هول عظيم، فهذا أبوها
وحبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثقل عليه مرضه، وفتحت له أبواب السماء، وأقبلت
عليه ملائكة الله عز وجل بروح من الله ورضوانه، تبشره بلقاء ربه عز وجل، وما
أعد له من الوسيلة والدرجة العظيمة والمقام المحمود، وما يلقاه في الخلد من نعيم
مقيم، فلم يلبث ان صعدت روحه الكريمة الطاهرة المطهرة الراضية المرضية إلى
ملئها الاعلى، والى جوار رب العالمين، فبكت الزهراء، عليها السلام، وتغشاها
الأسى والاكتئاب، ولذعها الجوى، وتولتها غصة وفجيعة اخرج البخاري عن
انس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة، عليها السلام، واكرب
أباه فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب
ربه دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن،
قالت فاطمة، عليها السلام، يا انس: أطابت أنفسكم ان تحثو على رسول الله صلى الله عليه وسلم
التراب، والخرج الإمام أحمد عن انس قال: لما قالت فاطمة ذلك، يعني، لما وجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: وا كرباه، قال رسول
الله (يا بنيه انه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحد الموافاة يوم
القيامة)، وروي ان الزهراء اخذت قبضة من تراب القير الشريف فجعلتها على
عينها ووجهها ثم نشأت تقول:
ماذا على من شم تربة احمد * الا يشم مدى الزمان غواليا
صبت على مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا
وقالت على قبره الشريف:
انا فقدناك فقد الأرض وابلها * وغاب مذ غب عنا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما نعيت وحالت دونك الكتب
وروى ابن حجر في فتح الباري عن الطبراني انه روى عن عائشة ان رسول
133

الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ان جبريل اخبرني انه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم
رزية منك، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا.
وروي انه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع بلال عن الاذان وقال: لا أؤذن
لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فاطمة، رضي الله عنها، قالت ذات يوم: أشتهي ان
اسمع صوت مؤذن أبي بالاذان، فبلغ ذلك بلالا رضي الله عنه فاخذ يوذن، فلما
قال: الله أكبر الله أكبر، ذكرت أباها وأيامه، فلم تتمالك نفسها من البكاء، فلما
بلغ قوله (واشهد ان محمدا رسول الله) شهقت فاطمة رضي الله عنها، وسقطت
لوجهها، وغشي عليها، فقيل لبلال: أمسك قد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياة
الدنيا، وظنوا انها قد ماتت، فلم يتم الأذان فأفاقت، فسألته اتمامه، فلم يفعل
وقال لها يا سيدة النساء: اني أخشى عليك مما تنزليه بنفسك إذا سمعت صوتي
بالأذان، فأعفته من ذلك)، وعن الإمام علي قال: (غسلت النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه
فكانت فاطمة رضي الله عنها تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما
رأيت ذلك منهما غيبته).
هذا وقد اعتادت الزهراء، رضي الله عنها، ان تزور الروضة الشريفة، كما
اعتادت ان تزور قبر والدتها السيدة خديجة رضي الله عنها، في مكة، وروي عن
الباقر، رضي الله عنه، انه قال: ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر
حمزة، رضي الله عنه ترمه وتصلحه، وقد علمته بحجر، وعن رزين قال الإمام أبو
جعفر محمد الباقر، رضي الله عنه، ان فاطمة رضي الله عنها كانت تزور قبور
الشهداء بين اليومين والثلاثة، فتصلي هناك وتدعو وتبكي، وروى الحاكم في
المستدرك عن علي رضي الله عنه قال: ان فاطمة كانت تزور قبر عمها حمزة كل
جمعة، فتصلي وتبكي عنده).
134

الفصل الثالث
موقف الزهراء من الخلافة وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم
1 - الزهراء والخلافة
من المعروف ان الإمام علي وآل البيت الكرام قد انشغلوا بعد انتقال
الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الاعلى، مباشرة، بتجهيزه صلى الله عليه وسلم وكان علي، وهو مشغول
بالجهاز، تفيض دموعه على وجهه في صمت وهو يتمتم (بابي أنت وأمي يا رسول
الله، طيب حيا وميتا، ولولا انك أمرت بالصبر ونهبت عن الجرع، بابي أنت
وأمي، ان الصبر لجميل الا عنك، وان الجزع لقبيح الا عليك، اذكرنا عند
ربك، واجعلنا من همك)، وفي هذه الأثناء، وقبل ان تشيع جنازة الرسول صلى الله عليه وسلم،
وهو ما يزال بعد مسجى في فراشه، وقد أغلق أهله دونه الباب، حدث امر جد
خطير، فلقد اجتمع الخزرج بقيادة سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، وخف
إليهم رجال الأوس، ليختاروا من بينهم رجلا يكون على رأس المسلمين، بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد اعتقد الأنصار انهم أولى بهذا الامر، بعد أن آوى الاسلام
إليهم واذن الله لرسوله بالهجرة إليهم، ليتخذ مدينتهم موطنا له، ومنطلقا
لرسالته فاتي الخبر أبا بكر، فأسرع ومعه عمر، ثم لقيا أبا عبيدة، فانطلقوا جميعا
إلى سقيفة بني ساعدة، وبعد جدال طال ولم يستطل، انتهى المجتمعون إلى اختيار
الصديق خليفة للمسلمين.
وكان الإمام علي في تلك الساعات العصيبة بجوار الجثمان الطاهر المسجى
135

في حجرته، ومن ثم فلم يحضر هو وبنو هاشم هذا الاجتماع، ولو شهد الإمام علي
اجتماع السقيفة هذا، لكان له فيه مقال، ولربما اخذت الأمور في هذا اليوم اتجاها
آخر، غير اتجاهها الذي سارت فيه، وعندما علمت الزهراء، عليها السلام، بما
حدث في اجتماع سقيفة بني ساعدة، وأبوها سيد المرسلين لم يدفن بعد، بكت بكاء
جارا، حتى أنه لما جاءها بعض الصحابة، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة،
معزين، قالت (تركتم رسول الله طي الله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم امركم بينكم ولم
تستأمرونا) فبكى أبو بكر حتى علا نشيجه وبكى من كان في الدار من
المهاجرين الذين كانوا يساعدون عليا في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم سلمان وأبو
ذر والمقداد والزبير وعمار، ومن ثم فقد خاصمت أبا بكر وعمر لأنهما اخذا البيعة
لأبي بكر في وقت انشغال زوجها بتجهيز أباها المتوفي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد استأخرت
يمين الإمام علي عن البيعة للصديق، وتذهب الروايات في تفسير ذلك مذاهب
شتى، لسنا الان بصدد مناقشتها، فمجال ذلك أن شاء الله، كتابا عن (الإمام علي
بن أبي طالب)، وان كان هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى أن الإمام علي انما كان
يعتقد انه ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعهد بالخلافة إلى أحد بذاته، فان البيت الذي
اختارته السماء ليكون منه النبي المصطفى، هو البيت الذي يختار المسلمون منه
خليفتهم، ما دام في هذا البيت من يتمتع بالكفاية الكاملة لشغل منصف الخلافة
أو كما قال الامام في حواره مع الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، (انكم
تدفعون آل محمد عن مقامه ومقامهم في الناس، اما والله لنحن أحق منكم بالامر،
ما دام فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله
المضطلع بأمر الرعية، القاسم بينهم بالسوية)
هذا وقد كانت الزهراء عليها السلام، ترى ان زوجها الإمام علي، كرم
الله وجهه في الجنة، أحق الناس بالخلافة، فهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمه وزوج
ابنته، وأبو سبطيه الحسن والحسين، وأول الناس اسلاما، وأطولهم في الجهاد
باعا، وهو فتى قريش شجاعة وعلما وفضلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه أشد الحب،
ويؤثره أعظم الايثار، استخلفه حين هاجر على ما كان عنده من الودائع حتى ردها
136

إلى أصحابها، وأمره فنام في مضجعه ليلة ائتمرت قريش بقتله، فكان أول من
شرى نفسه في سبيل الله، ثم هاجر حتى بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فآخى النبي
بينه وبين نفسه، ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها، وكان صاحب رايته في أيام
الباس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله،
ويحبه الله ورسوله)، فتطلع إليها كبار الصحابة، غير النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إلى علي،
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم يوم استخلفه على المدينة وعلى أهله، عندما سار إلى غزوة تبوك
(أنت مني بمنزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعدي)، وأعطاه سورة براءة
ليقرأها على أهل الموسم، فلما قيل له لو بعث بها لأبي بكر، قال (لا يود عني الا
رجل من أهل بيتي)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين وهو في طريقه إلى المدينة بعد حجة
الوداع (من كنت مولاه، فعلي مولاه، وعاد من عاداه).
وهكذا كانت الزهراء، كما كان بنو هاشم جميعا، وجمهرة من أهل المدينة،
يرون ان الإمام علي أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد خرج الامام
يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا، في مجالس الأنصار، تسألهم
النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن
زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به، فيقول علي، كرم الله وجهه في
الجنة، (أكنت ادع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدفنه، واخرج أنازع الناس
سلطانه، فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما
الله حسيبهم عليه)، هذا وقد روي أن أبا بكر قام على المنبر يخطب، فما هو الا ان
حمد الله، واخذ في خطبته، حتى سمع وسمع الحاضرون صوتا نحيلا يهتف (ليس
هذا منير أبيك، انزل عن منبر أبي)، والتفتوا فإذا بالصائح هو الحسن بن علي، ولما
يبلغ الثامنة، فابتسم الصديق، وقال، والحنو يشع في نفسه، (ابن بنت رسول
الله صدقت والله، ما كان لأبي منير، وانه لمنبر أبيك)، فلما سمع الامام بالخبر
ارسل إلى أبي بكر يقول له (اغفر ما كان من الغلام فإنه حدث ولم نأمره)، فقال أبو
بكر (اني اعلم، وما اتهمت يا أبا الحسن)،
وظلت الزهراء متمسكة برأيها، وما كانت، رضي الله عنها، لتتزحزح عن
137

رأي اقتنعت به، ورأته صوابا، وكان رأيها الذي لا تحيد عنه ان عليا أحق بالخلافة
من غيره ومن هنا ذهب البعض إلى أن الامام توقف عن البيعة للصديق مجاملة
للزهراء، فلما انتقلت إلى جوار ربها، راضية مرضيا عنها، بايع الامام الصديق،
وذهب آخرون ان تلك البيعة لم تكن الأولى، انما كانت تجديدا لها، غير أن ما
قاله الامام للصديق تدل على انها الأولى، حيث استدعاه في بيته وحوله بنو هاشم
ثم قال له (يا أبا بكر انه لم يمنعنا ان نبايعك انكارا لفضلك، ولا نفاسة عليك لخير
ساقه الله إليك، ولكنا كنا نرى ان لنا في هذا الامر حقا اخذ تموه)، وهكذا بايع
الامام الصديق، وفاءت نفسه إلى الرضا، خاصة وقد سار أبو بكر في خلافته تلك
السيرة الراشدة وقام في المسلمين هذا المقام المحمود، متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم متبعا
هديه، مقتفيا اثره، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
2 - الزهراء وميراث الرسول صلى الله عليه وسلم
كان ميراث الزهراء في الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن ميراثها فيما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم فدك التي نحلها إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نصيبها في سهم ذوي القربى، اما
الميراث فلقد طلبت الزهراء ميراثها من أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى أبو بكر عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة واني والله لا
أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها) وأخرج الترمذي
عن أبي هريرة قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت من يرثك، قال: أهلي
وولدي، قالت فما لي لا ارث أبي، فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(لا نورث، ولكني أعول من كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعوله، وأنفق على من كان رسول
صلي الله عليه وسلم ينفق عليه). وروى البلاذري في فتوح البلدان بسنده عن أم هانئ، ان فاطمة بنت رسول الله صلى لله عليه وسلم
أتت أبا بكر، رضي الله عنه فقالت، (من يرثك إذا مت، قال: ولدي وأهلي، قالت: فما بالت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم
دوننا، فقال: يا بنت رسول
الله، والله ما ورثت أباك ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا وكذا فقالت: سهمنا بخيبر،
138

وصدقتنا فدك، فقال: يا بنت الرسول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انما هي
طعمة أطعمنيها الله عز وجل حياتي، فإذا مت فهي بين المسلمين)، واخرج
البخاري عن عائشة، ان فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول
الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا
شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به الا عملت به، فاني أخشى ان تركت شيئا من
امره ان أزيع، فاما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، واما فدك وخيبر
فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه
وأمرهما إلى من ولي الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم).
واما (فدك) فهي ارض يهودية في شمال الحجاز، فلما كانت السنة السابعة
من الهجرة، وحدثت غزوة خيبر، قذف الله في قلوب أهل فدك الرعب، فصالحوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف منها، وروى أنه صالحهم عليها كلها، ومن هنا بدا
تاريخها الاسلامي فكانت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب، ثم غرس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض النخيل، ثم وهبها لابنته الزهراء
وبقيت عندها حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت هي التي تتصرف فيها، وكانت
تتصدق بكل خراجها، بعد أن تستبقي ما يسد حاجة الامام، ورأى أبو بكر ان
تكون فدك بيد ولي الأمر، اي بيده هو، يوزع خراجها على الناس، واحتج أبو
بكر لرأيه بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (انا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه
صدقة)، وأفتى الإمام علي بان الأنبياء يورثون، واستشهد بقوله تعالى (وورث داود
سليمان، وقوله تعالى على لسان زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل
يعقوب) واحتج علي بان الحديث الشريف الذي يرويه أبو بكر هو من أحاديث
الا حاد التي ينفرد بروايتها واحد فحسب من الصحابة، وأحاديث الآحاد لا تقيد
139

حكما اطلقه القرآن، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد ان يختص أو يقيد هذا الحكم
القرآني، لأخبر ورثته انهم لن يرثوه).
ثم إن الزهراء قالت إن أباها صلى الله عليه وسلم وهبها ارض فدك، فهي ان لم تكن إرثا
فهي هبة روى السيوطي في تفسيره الدر المنثور (5 / 273 - 274) اخرج البزار وأبو
يعلى وابن أبي حاتم وابن حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لما نزلت هذه
الآية (وآت ذا القربى حقه) (الاسراء آية 26) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها
فدك.
واخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت (وآت ذا
القربى حقه) اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فدكا)، وروى الهيثمي في مجمعه عن
أبي سعيد قال: لما نزلت (وآت ذي القربى حقه)، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة
فأعطاها فدكا، قال: رواه الطبراني، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، وصححه
المتقي في كنز العمال عن أبي سعيد قال: لما أنزلت (وآت ذي القربى حقه) قال
النبي صلى الله عليه وسلم يا فاطمة لك فدك، قال أخرجه الحاكم في تاريخه وابن النجار (وانظر:
فضائل الخمسة 3 / 136).
ومن هذا المنطلق الأخير طلبت الزهراء فدك من الصديق، على انها هبة لها
من أبيها صلى الله عليه وسلم، فلقد جاء في شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ان الزهراء قالت
لأبي بكر: ان فدك وهبا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فمن يشهد بذلك، فجاء علي ابن
أبي طالب فشهد بذلك، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضا، فجاء عمر بن الخطاب
وعبد الرحمن بن عوف فشهدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسمها، فقال أبو بكر:
صدقت يا ابنة رسول الله وصدق علي، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر وصدق
عبد الرحمن وذلك أن مالك لأبيك، كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم ويقسم
الباقي ويحمل منه في سبيل الله، فما تصنعين بها، قالت: اصنع بها كما كان يصنع
بها أبي قال: فلك علي ان أصنع كما كان يصنع أبوك، قالت: الله لتفعلن، قال: الله لأفعلن، قالت: اللهم فاشهد)، على أن رواية أخرى تذهب إلى أن فاطمة
طلبت نحلتها من رسول صلى الله عليه وسلم، وقالت إنه نحلها فدك، فطلب منها البينة،
140

فشهد لها علي وأم أيمن (1) رضي الله عنهم، فقال أبو بكر رضي الله قد علمت
يا بنت رسول الله، انه لا يجوز الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وأفتى الإمام علي
بان الشهادة تصح برجل وامرأة واحدة، مع حلف اليمين، بل بشهادة واحد
ويمين، ولكن أبو بكر رد هذا الرأي، ونزع فدك من تحت يدي فاطمة، واستشار في
ذلك عمر فأيده واما اعتمادنا في فتوى الإمام علي فكان على ما رواه الإمام أحمد
من الفضائل والترمذي في الجامع الصحيح وابن ماجة والبيهقي والدار قطني في
السنن عن جابر ابن عبد الله: ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد مع اليمين في الحجاز،
وقضى علي في الكوفة).
ولم تذعن الزهراء لرأي الصديق، وبقيت مصرة قي طلب الميراث والنحلة،
اخرج مسلم في صحيحه عن عائشة، ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى
أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما
بقي من خمس خيبر (2)، فقال أبو بكر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نورث ما تركناه
صدقة، انما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال، واني والله لا أغير شيئا من صدقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عملن فيها بما
عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر ان يدفع إلى فاطمة شيئا، فوجدت (غضبت)
فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد
(1) قال القاضي عياض في تفسير صدقات النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في هذه الأحاديث انها صارت إليه بثلاثة
حقوق، أحدها، ما وهب له صلى الله عليه وسلم وذلك وصية مخيريق اليهودي بعد اسلامه يوم أحد، وكانت سبعة
حوائط في بني النضير، وما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهوما يبلغه الماء، وكان هذا ملكا له صلى الله عليه وسلم،
والثاني: حقه من الفئ في ارض بني النضير حين اجلائهم، كانت له خاصة، لأنها لم يوجف عليها
المسلمون بخيل ولا ركاب، واما منقولات بني النضير فحملوا منها ما حملته الإبل غير السلاح، كما
صالحهم ثم قسم الباقي على المسلمين، وكان خالصا له، وكذلك ثلث ارض وادي القرى
اخذ في الصلح حين صالح أهلها اليهود، وكذلك حصنان من حصون خيبر، وهما الوطيح والسلالم
اخذها صلحا، والثالث: سهمه من خمس خيبر، وما افتتح فيها عنوة فكانت هذه كلها ملكا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لاحق فيها لاحد غيره، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يستأثر بها، بل ينفقها على أهله،
والمسلمين وللمصالح العامة،. وكل هذه صدقات محرمات التملك بعده.
(2) وفي أحدي الروايات ان الذي شهد أم أيمن ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم كما في فتوح البلدان.
141

رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا، ولم
يوذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي).
وروي الامام زيد بن علي العابدين بن الحسين عن آبائه قالوا: لما بلغ
فاطمة، رضي الله عنها، اجماع أبي بكر على منعها فدكا، وانصراف عاملها منها،
أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ أذيالها، ودخلت على أبي بكر رضي الله
عنه، وقد حفل حوله المهاجرون والأنصار، فنيطت دونها ملاءة، فأنت أنة أجهش
لها القوم بالبكاء ثم أمهلت حتى هدأت فورتهم، وسكنت روعتهم، ثم افتتحت
الكلام، فحمدت الله وشهدت ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقالت
كلاما طويلا، ذكرت فيه الصديق ومن حوله من المهاجرين والأنصار بنفسها
وبأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبقا لرواية الإمام أبو الفضل أحمد بن طاهر في كتاب
(بلاغات النساء)، ثم قالت، عليها السلام، (أيها الناس، اعلموا اني فاطمة،
وأبي محمد صلى الله عليه وسلم، أقول عودا وبداء، ولا يقول ما يقول غلطا، ولا يفعل ما افعل
شططا (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم)، فان تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن
عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن
مدرجة المشركين، ضاربا بتجهم، آخذا بكظمهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة
والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر،
حتى تفرى الليل عن صبحه، واسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين
وخرست شقائق الشيطان، وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقدة الكفر والشقاق،
وفهم بكلمة الاخلاص، في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من
النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام، تشربون
الطرق، تقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم،
فأنقذكم الله تبارك وتعالى بابي محمد صلى الله عليه وسلم بعد اللتيا والتي، وبعد ان مني بهم الرجال
وذوبان العرب، ومردة أهل الكتاب (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله).
ثم قالت (هذا كتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، واحكامه زاهرة،
142

واعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراءكم ظهريا،
أرغبة عنه تدبرون، أم بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الاسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وأنتم الان تزعمون أن لا ارث
لي (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)، أفلا
تعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته، أيها المسلمين، أأغلب
على إرثي يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله ان ترك أباك، ولا ارث أبي، لقد جئت
شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول (وورث
سليمان داود)، وقال فيما اختص من خبر يحيى بن زكريا، عليها السلام، (رب
هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) وقال (وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله) وقال (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين) وقال (ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على
المتقين)، وزعمتم الا حظوة لي، ولا ارث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله
باية اخرج أبي صلى الله عليه وسلم أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أولست انا وأبي من أهل ملة
واحدة، أم أنتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه، من أبي وأمي وعمي، فدونكها
مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد
القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون (لكل نبا مستقر
وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم)، (فان تكفروا
أنتم ومن في الأرض جميعا، فان الله لغني حميد)، الا وقد قلت ما قلت على معرفة
مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس
وبثة الصدر، ونفثة الغيظ، تقدمة الحجة، فدونكموها فاستبقوها دبرة الظهر،
نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصلة بنار الله الموقدة
التي تطلع على الأفئدة فبعين الله ما تفعلون (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب
ينقلبون)، وانا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، (فاعملوا انا عاملون،
وانتظروا انا منتظرون).
وعندما انتهت الزهراء عليها السلام، من كلامها، قام الصديق، رضي
143

الله عنه، فحمد الله اثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال (يا خيرة النساء، وابنة
خير الاباء، والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عملت الا بأمره، وان الرائد لا
يكذب أهله، وقد قلت فأبلغت، وأغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك، اما
بعد، فقد دفعت آلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودابته وحذاءه إلى علي، رضي الله عنه، واما
ما سوى ذلك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا
ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم
والسنة)، فقد عملت بما امرني، ونصحت له، وما توفيقي الا بالله عليه وتوكلت
واليه أنيب).
ولم تأت المناقشات بين الصديق والزهراء بنتيجة، وكفت السيدة فاطمة عن
طلبها عزوفة، ولم تشتد السيدة الزهراء في طلبها الا لاعتقادها بأنها على حق، وما
كانت لتضر للصديق الا الخير، وان اختلفت معه في وجهة نظرها، وقد هدأت
ثائرتها، وقد ثبت في نفس ذريتها الا يكون في نفس واحد منهم بالنسبة لأبي بكر
شئ، واخذت الزهراء على نفسها الا تكلم الصديق في ذلك المال أو تطلب ما
طلبة وتركت لقاءه في مدتها القصيرة التي اشتغلت فيها بحزنها بمرضها،
والحق ان كلا من الزهراء والصديق انما كان مجتهدا فيما يراه صوابا، وما أصدق
الأستاذ العقاد حيث يقول (ان الزهراء اجل من أن تطلب ما ليس لها بحق، وان
الصديق اجل من أن يسلبها حقها الذي تقوم البينة عليه)، بل إن الشيخ أبو زهرة
انما يرى أن الخلاف على تركة النبي في فدك كان على إدارتها، ولم يكن صوره
بعض المؤرخين على ملكيتها، ثم صرفها في مصارفها، فكانت الزهراء ترى إدارتها
بيت علي، ورفض الصديق ذلك ثم وافق عمر في خلافته على أن تكون الإدارة
بين علي والعباس، واما ميراث النبي الحقيقي فهو شريعته، وان كانت النصوص
لا تعضد وجهة الشيخ الفاضل.
ويروى الحافظ ابن كثير ان أبا بكر ترضي فاطمة في مرضها فرضيت، وإذا لم
يكن مثل أبي بكر يتودد آل البيت الطاهر وبالأخص فاطمة، فلا يرجى من غيره
ذلك، فان فضل الزهراء لا ينكر واخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر قال
جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن فقال علي: هذا أبو بكر الباب
144

فان شئت ان تأذني له، قالت: وذلك أحب إليك، قال: نعم، فدخل إليها واعتذر
إليها، وكلمها فرضيت عنه) وفي رواية للبيهقي باسناد صحيح إلى الشعبي
مرسلا، ان أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت
أتحب ان آذن له قال نعم فاذنت له فدخل عليها فرضاها حتى رضيت عليه
على أن رواية أخرى تذهب إلى أن عمر قال الابي بكر، رضي الله عنهما
انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة فلم
تأذن لهما، فاتيا عليها فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قابلاها حولت وجهها إلى الحائط،
فسلما عليها، فردت عليها السلام بصوت خافت فقال أبو بكر: يا حبيبة رسول
الله، والله ان قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى من قرابتي، وانك لأحب إلي من
عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك اني مت، ولا أبقى بعده، فتراني أعرفك
واعرف فضلك وشرفك، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، الا اني
سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا
ولا عقارا، وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما تركناه فهو صدقة)
فقالت فاطمة لأبي بكر وعمر: أرأيتكما ان حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعرفانه وتعلمان به، قالا نعم، فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول:
رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد
أحبني، ومن ارضى فاطمة ابنتي فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني)،
قالا نعم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت (فاني اشهد الله وملائكة انكما
أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه)، فقال أبو بكر: انا
عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، فقالت لأبي بكر: والله لا أكلمك
ابدا، قال: والله لا أهجرك ابدا، والله ما أجد أعز علي منك فقرا، ولا أحب إلي
منك غنى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول: انا معاشر الأنبياء لا نورث ما
تركناه صدقة).
وهناك في صحيح البخاري ما يشير إلى أن الزهراء، عليه السلام، قد
ظلت على هجرها للصديق، رضي الله عنه، ولم تكلمه حتى انتقلت إلى الرفيق
145

الاعلى راضية مرضيا عنها، فلقد روى البخاري في (باب غزوة خيبر) بسنده عن
ابن شهاب عن عروة عائشة، ان فاطمة عليه السلام، بنت النبي صلى الله عليه وسلام أرسلت
إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقى
من خمس خيبر، فقال أبو بكر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة
انما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال، واني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر ان يدفع إلى فاطمة، فوجدت فاطمة على أبى بكر في
ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما
توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يوذن بها أبا بكر، وصلى عليها)،
وروى البخاري في صحيحه (في باب الفرائض) بسنده عن الزهري عن
عروة عن عائشة، ان فاطمة والعباس، عليها السلام اتيا أبا بكر يلتمسان
ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضهما من فدك، وسهمهما من
خيبر، فقال لهما أبو بكر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة انما
يأكل آل محمد من هذا المال، قال أبو بكر والله لا ادع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصنعه فيه الا صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكمله حتى ماتت)، وروى
البخاري أيضا في صحيحه (في الخمس) ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبت
على أبي بكر، فهجرته قال فلم تزل مهاجرته حتى توفيت).
ثم خرج أبو بكر باكيا ومعه عمر مطرقا فذهبا إلى المسجد فاجتمعا بالناس
فقال أبو بكر (أيها الناس أقيلوني، يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا
باهله وتركتموني وما انا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم)، فقال له الناس ان هذا
الامر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، انه ان كان هذا لم يقم الله دين، قال: والله
لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة،
بعد ما سمعت ورأيت من فاطمة تلك قصه فدك وغيرها من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم بين الزهرا والصديق،
ولكن الاقدار كتبت لفدك مصيرا آخر على يد بني أمية، لا يرعى للدين حقه، ولا
146

يعيد لآل البيت ميراث جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أن قد أصبحت من مصادر
المالية العامة في عهد الصديق، ثم دفعها عمر، فيما يرى البعض إلى ورثه
الرسول صلى الله عليه وسلم وكما جاء في طبقات ابن سعد، فلقد أدى اجتهاد عمر بن الخطاب
رضي الله عنه لما ولى الخلافة، وفتحت الفتوح واتسعت على المسلمين، ان يردها
إلى ورثته رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبقيت على آل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تولي الخلافة
عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فاقطعها مروان بن الحكم، فيما قيل، وقد ذهب
الحافظ ابن حجر إلى أن عثمان قد تأول ان الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الخليفة،
فاستغنى عثمان عنها بأمواله، فوصل بها بعض قرابته (مروان)، ورغم عدم
اطمئناننا إلى هذه الرواية من أساس، فان هناك من يذهب إلى أن الإمام علي قد
انتزعها من مروان، على تقدير كونها عنده في خلافة عثمان، على أن ارجع
الروايات وأكثرها قبولا انما تنسب ذلك العمل إلى معاوية بن أبي سفيان، ذلك أنه
لما ولى نفسه الخلافة أكثر من الاستخفاف بالحق المظلوم، ذلك أن الصديق، كما
رأينا، بصفته ولي الأمر، جعل أمرها له، يلي فيها ما كان يليه رسول الله صلى الله وسلم فلما
كانت أيام معاوية وكان قد جعل أموال المسلمين وكأنها ملكه الخاص، فكان
يقول (ان جميع ما تحت يدي لي، فما أعطيته قربى إلى الله، وما أمسك فلا جناح
علي فيه) ومن هذا المنطلق اقطع معاوية ابن عمه مروان بن الحكم، والذي سوف
يرث هو وأبناؤه دولة، معاوية، اقطعه ثلث فدك، وعمر بن عثمان ثلثها، ويزيد ابنه
ثلثها الاخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم، أيام
ملكه.
على أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أنه في سنة أربعين ولي معاوية
مروان ابن حكم المدينة، فكتب إلى معاوية يطلب إليه فدك فأعطاه إياها فكانت
بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كل سنة، ثم نزع مروان عن المدينة
وغضب عليه معاوية فقبضها منه فكانت بيد وكيله بالمدينة، وطلبها الوليد بن
عتبة بن أبي سفيان ثم سعيد بن العاص، فأبى معاوية ان يعطيها لأحدهما، فلما ولى
معاوية مروان المدينة المرة الأخيرة ردها عليه بغير طلب من مروان، ورد عليه غلتها
فيما مضى، فأعطى مروان ولده عبد الملك نصفها وأعطى ولده الآخرة عبد العزيز
147

نصفها الاخر، وفي رواية اليعقوبي ان معاوية وهب فدكا لمروان ليغيظ بذلك آل
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروي ابن عبد ربه في العقد الفريد، والبلاذري في فتوح البلدان انه: لما
ولى عمر بن العزيز قال: ان فدك كانت مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يصنع فيها
حيث امره الله، ثم أبو بكر وعمر وعثمان، كانوا يضعونها المواضيع التي وضعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولي معاوية فاقطعها مروان، ووهبها مروان لعبد الملك وعبد
العزيز، فقسمناها بيننا أثلاثا، انا والوليد وسليمان فلما ولى الوليد سألته نصيبه
فوهبه لي، وما كان لي مال أحب إلي منها، وانا أشهدكم انني قد رددتها إلى ما كانت
عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وزاد السمهودي في وفاء الوفاء باخبار دار
المصطفى، قوله (أوردها إلى ولد فاطمة)، والى هذا ذهب (الفيروزآبادي) في
المغانم المطابة، وغيره، ومن ثم فهناك رواية تذهب إلى أنه كتب إلى واليه على
المدينة أبي بكر بن عمر بن حزم يأمره بردها إلى ولد فاطمة عليها السلام، فكتب
إليه ان فاطمة عليها السلام قد ولدت من آل عثمان وآل فلان وفلان، فعلى من أرد
منهم فكتب إليه، اما بعد، فاني لو كتبت إليك آمرك ان تذبح بقرة لسألتني ما
لونها، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة من علي، عليه السلام، فنقمت بنو أمية ذلك على عمر بن عبد العزيز، وعاتبوه فيه، وقالوا له: هجنت
فعل الشيخين).
ولما ولي يزيد بن عبد الملك انتزعها من أولاد فاطمة، عليها السلام،
فصارت في يني مروان حتى انقرضت دولتهم، فلما قام أبو العباس السفاح بالامر،
وتقلد الخلافة، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب،
فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، ثم أعادها ولده المهدي
إليهم ثم قبضها موسى بن المهدي، ثم أعادها المأمون إلى بني فاطمة وعلي من
عام 220 ه‍، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة اما بعد فان أمير
المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسول الله صلى اله عليه وسلم، والقرابة به، أولى من استن
بسنته، وسلم لم منحه وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق
148

أمير المؤمنين وعصمته، واليه في العمل بما يقربه إليه رغبته، وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم اعطى فدكا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديق بها عليها، وكان ذلك أمرا
ظاهرا معروفا، لا اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تدع منه ما هو أولى به
من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين ان يردها إلى ورثتها، ويسلمها إليهم تقربا إلى
الله تعالى بإقامة حقه وعدله، والى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ امره وصدقته، فامر باثبات
ذلك في دواوينه، والكتاب إلى عماله، فلئن كان ينادي في كل موسم بعدان قبض
نبيه صلى الله عليه وسلم ان يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو وعدة ذلك فيقبل قوله وتنفذ
عدته، ان فاطمة، رضي الله عنها، لأولى بان يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
لها وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك إلى
ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من
الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها، فاعلم
ذلك من رأى أمير المؤمنين، وما ألهمه الله من طاعته، ووفقه له من التقرب إليه
والى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيي ومحمد بن عبد الله
بما كنت تعامل به المبارك الطبري وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها وفور
غلاتها إن شاء الله، والسلام) وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة
عشر ومائتين (انظر البلاذري: فتوح البلدان 46 - 47، بيروت 1983).
ولما بويع المتوكل انتزعها من الفاطميين وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار،
وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة، فوجه عبد الله
البازيار رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي إلى المدينة، فصرم تلك النخيل ثم
عاد قلعج، وينتهي عهد أبناء الزهراء بفدك بخلافة المتوكل ومنحه إياها
عبد الله بن عمر البازيار، وهكذا كانت فدك مع ملوك بني أمية طوال أيام
دولتهم، ما عدا أيام عمر بن عبد العزيز، ثم كانت على أيام العباسيين طبقا
لأهواء الملوك والحكام، يعطونها لأهل البيت، ان أرادوا، ويقبضونها عنهم متى
شاءوا.
149

الفصل الرابع
فضائل الزهراء
اختص الله الزهراء من بين أخواتها بنات النبي بالدرجة الرفيعة التي رفعها
إليها، فجعلها في مقام مريم ابنة عمران، حيث وصفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهما خير
نساء العالمين، واختص الله الزهراء كذلك، بان كانت وحدها، من دون أبناء
النبي وبناته، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن والحسين، ومنهما
كان نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فقد كان للزهراء - بضعة رسول الله، وسيدة آل
البيت، وأم الأئمة، وسيدة نساء المؤمنين - كثيرا من الفضائل التي أنعم الله بها
عليها، اكراما لأبيها النبي الرسول، سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومن هذه الفضائل ما جاء في القرآن الكريم، ومنها ما جاء في الحديث الشريف:
أولا - في القرآن الكريم
ليست هناك آيات خاصة في القرآن الكريم بالسيدة فاطمة الزهراء، رضي
الله عنها، وانما تشترك هي فيما نزل من كتاب الله خاصا بآل البيت الطاهرين
المطهرين، ومن ذلك آية المباهلة (آل عمران 61) روى مسلم، لما نزلت آية (قل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل
لعنة الله على الكاذبين)، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين،
رضي الله عنهم، وقال: (اللهم هؤلاء أهلي)، وآية المباهلة هذه باجماع المسلمين
151

على اختلاف مذاهبهم، انما نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته الزهراء وابن عمه الإمام علي
، وسبطيه الحين والحسين.
ومنها آية التطهير (الأحزاب 33)، اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم
الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية في
خمسة: في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة، (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، ومنها آية مودة القربى (الشورى 23) روى
البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى: (قال لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في
القربى)، قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم
قال صلى الله عليه وسلم (علي وفاطمة وابناهما)، وروى الإمام أحمد والهيثمي والطبراني
والسيوطي وابن المنذر وابنه أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال: لما نزلت: (قال لا أسألكم عليه اجر الا المودة في القربى)، قالوا يا
رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال: (علي وفاطمة
وابناها، عليهم السلام) (اللفظ لأحمد).
ومنها آيات سورة الانسان (7 - 12) قال تعالى: (ويطعمون الطعام على
حبه مسكينا ويتيما وأسيرا...) إلى قوله تعالى: (جنة وحريرا)، اخرج ابن
مردويه عن ابن عباس ان الآيات نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وروى الواحدي في تفسيره البسيط والزمخشري في تفسيره الكشاف،
والبيضاوي في تفسيره، والفخر الرازي في التفسير الكبير: ان ابن عباس روى (ان
الحسن والحسين، عليها السلام، مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس معه
فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ان
شفاهما الله تعالى ان يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شئ فاستقرض علي من
شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت
خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل
فقال: اللام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني
أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا الا الماء، واصبحوا
152

صائمين، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم فآثروه
وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا اخذ علي، عليه السلام،
بيد الحسن والحسين، ودخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون
كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق
معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه
ذلك، فنزل جبريل عليه السلام، وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك
فاقراها السورة).
وروى المحب الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام
على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال أجر علي نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير
ليلة، فلما أصبح قبض الشعير فطحن منه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له
(الخريرة) (دقيق بلا دهن) فلما تم انضاجه اتى مسكينا فسال فأطعموه إياه، ثم وصنعوا
الثلث، الثاني، فلما تم انضاجه اتى مسكين فسال فأطعموه إياه ثم وضعوا
الثلث الثالث، فلما تم انضاجه اتى أسير من المشركين فأطعموه إياه وطووا يومهم
فنزلت الآية.
ثانيا - في الحديث الشريف
1 - الزهراء سيدة نساء المؤمنين
يروي أهل السير الحديث عن عائشة قالت: انا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده
جميعا لم تغادر منا واحدة
، فأقبلت فاطمة، عليها السلام، تمشي، لا والله ما تخطئ
مشيتها من مشية رسول الله صل الله عليه وسلم فلما رآها رحب، قال مرحبا بابنتي، ثم أجلسها
عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاءا شديدا، فلما رأى حزنها سارها
الثانية فإذا هي تضحك فقلت لها انا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر
من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عم سارك، قالت: ما
كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي
153

عليك من الحق لما أخبر تني، قالت: اما الان فنعم، فأخبرتني، قالت أما من
ساراني في الامر الأول فإنه اخبرني ان جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة،
وانه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الاجل الا قد اقترب، فاتقي الله
واصبري، فاني نعم السلف انا لك، قالت فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى
جزعي سارني الثانية قال: يا فاطمة، الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو
سيدة نساء هذه الأمة). وفي رواية صحصح البخاري عن عائشة قالت: أقبلت
فاطمة تمشي كان مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بابنتي ثم أجلسها
عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين، ثم أسر إليها
حديثا فضحكت فقلت ما رأيت فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: (أسر إلي ان
جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، انه عارضني العام مرتين، ولا أراه الا
حضر أجلي، وانك أول أهلي لحاقا بي فبكيت، فقال: اما ترضين ان تكون سيدة
نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، فضحك لذلك).
وفي رواية صحيح مسلم عن عائشة قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم انه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة
ثم انه سارها فضحكت أيضا فقلت لها ما يبكيك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت أخصك
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين وسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت إنه كان حدثني ان جبريل كان يعارضه
بالقرآن كل عام مرة وانه عارضه به في العام مرتين ولا أراني الا قد حضر أجلي، وانك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك، ثم انه سارني
فقال: (الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة، فضحكت لذلك).
وفي الحليلة عن عائشة... قال صلى الله عليه وسلم (يا فاطمة: اما ترضين ان تكوني سيدة
154

نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمة)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان ملكا من السماء لم يكن زارني، فاستأذن ربي في زيارتي، فبشرني
وأخبرني ان فاطمة سيدة نساء أمتي). وروى الخطيب وابن عساكر عن ابن مسعود
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير رجالكم علي، وخير شبابكم الحسن والحسين وخير
نسائكم فاطمة).
وفي كنز العمال: ان أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ومثلها
في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل (وروى مثله الذهبي في ميزان الاعتدال).
2 - الزهراء سيدة نساء أهل الجنة
اخرج الامام الترمذي عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة يوم الفتح
فناجاها فبكت، ثم حدثها فضحكت، قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن
بكائها وضحكها قالت اخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يموت فبكيت، ثم اخبرني اني
سيدة نساء أهل الجنة الا مريم بنت عمران، فضحكت.
وروى السيوطي في الجامع الكبير عن ابن عساكر عن حذيفة بن النعمان
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتاني ملك فسلم علي نزل من السماء لم
ينزل قبلها، فبشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وان فاطمة سيدة
نساء أهل الجنة)، وفي رواية أخرى عن الترمذي عن حذيفة (هذا ملك لم ينزل
الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربي ان يسلم علي ويبشرني ان فاطمة سيدة
نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). وفي رواية للإمام أحمد
في مسنده ابن حبان في صحيحه عن حذيفة قال صلى الله عليه وسلم: (اما رأيت العارض
الذي عرض لي قبيل، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه
الليلة، استأذن ربه عز وجل ان يسلم على ويبشرني ان الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة، وان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وروى البخاري في
صحيحه (باب مناقب فاطمة عليها السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
155

واخرج الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن عبد البر عن ابن عباس قال
حط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط، قال ما تدرون ما هذا، فقالوا: (الله
ورسوله اعلم فقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد،
وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران) وفي
رواية الحاكم في المستدرك خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط، ثم قال:
(أتدرون ما هذا، قالوا: الله ورسوله اعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء
الجنة أربعة، خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية
بنت مزاحم)، وروى الحكام عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء
العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد، وفاطمة
بنت محمد)، واخرج الإمام أحمد في الفضائل، والحاكم في المستدرك ان عائشة
قالت لفاطمة بنت رسول الله صلى اله عليه وسلم الا أبشرك اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(سيدات نساء أهل الجنة أربع، مريم بنت عمران وفاطمة بنت رسول الله
وخديجة بنت خويلد وآسية امرأة فرعون)، وروى الإمام أحمد عن انس ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين، مريم ابنة عمران وخديجة بنت
خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون)، وروى ابن حجر في الإصابة عن
عائشة قولها (ما رأيت قط أحدا أفضل من فاطمة غير أبيها).
3 - مشابهة الزهراء للنبي صلى الله عليه وسلم
اخرج الإمام أحمد في المسند عن انس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه
برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي وفاطمة، صلوات الله عليهم أجمعين) وروى أبو
داود في سننه عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول
الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله قالت: وكانت إذا دخلت
على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه)، وفي رواية الحاكم في المستدرك
عن عائشة: ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
إذا دخلت عليه رجب بها وقام إليها، فاخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه). وفي
رواية أخرى (للحاكم أيضا) زيادة (وكانت هي إذا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
156

قامت إليه مستقبلة. وقبلت يده).
وروى البخاري والترمذي عن عائشة انها قالت (ما رأيت أحدا من الناس
كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاما، ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها أقبلت رحب بها ثم إليها فقبلها، ثم اخذ بيدها فجاء بها
حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا اتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به ثم قامت إليه فقبلته).
4 - الزهراء بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
اخرج الإمام مسلم في صحيحه عن المسور بن مخرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(انما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها)، وفي رواية عن الإمام أحمد من حديث
المسور بن مخرمة (فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها)، وفي
صحيح البخاري (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني)، وروى الحاكم
في المستدرك عن السور بن مخرمة انه بعث إليه بن حسن يخطب ابنته فقال
له: قل له فليلقاني في العتمة قال: فلقيه فحمد الله السور وأثنى عليه ثم قال:
اما بعد أيم الله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وسببكم
وصهركم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها،
ويبسطني ما يبسطها، وان الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري،
وعندك ابنتها، ولو زوجتك لقبضها ذلك، فانطلق عاذرا له)، وفي رواية للإمام أحمد
(فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وان الأنساب
تنقطع يوم القيامة، غير نسبي وسببي وصهري).
واخرج مسلم في صحيحه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما فاطمة بضعة مني
يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها، وروى الترمذي في الجامع الصحيح (انما فاطمة
بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها)، وعن مجاهد قال: خرج
النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: من عرف هذه عرفها، ومن لم يعرفها
فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي، وروحي التي بين جنبي،
فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى)، هذا ولما أقسم (أبو لبابة))
157

عندما ربط نفسه في المسجد، الا يحله أحد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت فاطمة لتحله
فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما فاطمة بضعة مني، فحلته. يقول السهيلي في
الروض الأنف بعد ذلك، فصلى الله عليه، وعلى فاطمة، فهذا حديث يدل ان
من سبها فقد كفر، وان من صلى عليها، فقد صلى على أبيها، صلى الله عليه
وسلم.
5 - الزهراء أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم
اخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال، قال علي: (يا رسول الله،
أينا أحب إليك، انا أم فاطمة، قال صلى الله عليه وسلم فاطمة أحب إلى منك، وأنت أعز علي
منها)، وروى ابن عبد البر في الاستيعاب سئلت عائشة، رضي الله عنها، اي
الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (فاطمة، قيل فمن الرجال، قالت
زوجها إذ كان ما علمته، صواما قواما)، وروى الحاكم في في المستدرك، وصححه
بسنده عن جميع بن عمير، قال: دخلت مع أمي على عائشة، فسمعتها من وراء
الحجاب، وهي تسألها عن علي، فقالت: (تسألينني عن رجل، والله ما اعلم رجلا
كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من علي، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة) وروى الحاكم في المستدرك عن عمر رضي الله عنه انه دخل
على فاطمة، رضي الله عنها، فقال: (يا فاطمة والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم منك، والله ما كان أحد من الناس بعد أبيك صلى الله عليه وسلم أحب إلى منك).
وروى عن عائشة، رضي الله عنها، قالت، قلت يا رسول الله، مالك إذا
قبلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنك تريد ان تلعقها عسلا، فقال صلى الله عليه وسلم: انه لما
اسرى بي أدخلني جبريل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها، فكلما اشتقت إلى تلك
التفاحة قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها رائحة تلك التفاحة)، وروى المحب
الطبري في (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى) عن أسامة بن زيد عن علي قال
قلت: يا رسول الله، اي أهلك أحب إليك، قال صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت محمد)، وروى
ابن عساكر عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (أحب أهلي إلي فاطمة).
158

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشني قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفر أو غزاة، اتى المسجد فصلى ركعتين، ثم ثنى بفاطمة، ثم
يأتي أزواجه)، وعن ابن عمر بسنده انه قال (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان آخر
الناس عهدا به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول من الناس به عهدا فاطمة، رضي
الله تعالى عنها، وروى المحب الطبري في الذخائر عن ثوبان انه قال (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، آخر عهده اتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه إذا قدم
فاطمة، عليها السلام).
وروى الطبراني والهيثمي عن ابن عباس قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
علي وفاطمة وهما يضحكان فلما رأيا النبي سكتا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم مالكما، كنتما
تضحكان فلما رأيتماني سكتا، فبادرت فاطمة فقالت: بابي أنت يا رسول الله، قال
هذا (مشيرة إلى علي) انا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل انا أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا بنية رقة الولد، وعلي أعز
علي منك).
6 - تنكيس الرؤوس لمرور الزهراء يوم القيامة
روى الحاكم قي المستدرك، والسيوطي في الجامع الصغير عن علي بن أبي
طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء
الحجب: (يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر)، وفي
رواية أخرى للسيوطي عن أبي أيوب: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان
العرش: (يا أهل الجمع، نكسوا رؤوسكم، وغضوا أبصاركم، حتى تمر فاطمة
بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين الف جارية من الحور العين كمر البرق)
(رواه أبو بكر في الغيلانيات)
وروى الإمام أحمد في الفضائل والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير
والأوسط والهيثمي في جمع الزوائد وأبو بكر في الغيلانيات (من طرق مختلفة)
عن النبي صلى الله وعليه وسلم انه قال: إذا كان يوم القيامة قيل: (يا أهل الجمع غضوا أبصاركم
159

حتى تمر فاطمة بنت رسول الله فتمر، وعليها ربطتان خضراوان)، وعن أبي أيوب
الأنصاري (في رواية) قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين
والآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي مناد من بطنان العرش، ان الجليل جل
جلاله يقول: (نكسوا رؤوسكم، وغضوا أبصاركم، فان هذه فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم تريد ان تمر على الصراط، فتمر ومعها سبعون ألفا من الحور العين)) وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تبعث الأنبياء
يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح على
ناقته، وابعث على البراق، خطوها عند أقصى طرفها، تبعث فاطمة أمامي) - قال
هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وفي كنز العمال: يبعث الله الأنبياء يوم القيامة على الدواب، ويبعث صالحا
على ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر، وتبعث فاطمة والحسن والحسين
عليم السلام على ناقتين من نوق الجنة، وعلي بن أبي طالب عليه السلام على
ناقتي وانا على البراق ويبعث بلالا على ناقته فينادي بالأذان (الحديث) قال
أخرجه الطبراني وأبو الشيخ وابن عساكر عن أبي هريرة - يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم
7 - تحريم الزهراء. ذريتها على النار
روى المحب الطبري في ذخائر العقبى، اخرج الحافظ الدمشقي عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انه قال: يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة، قال علي: يا رسول الله، لم
سميت فاطمة، قال صلى الله عليه وسلم (ان الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم
القيامة)، وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا مسنده: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (ان الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار، فلذلك
سميت فاطمة).
ورو الحاكم في المستدرك من حديث معاوية بن هشام عن عبد الله ابن
مسعود، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها
160

على النار) (رواه أيضا عن ابن مسعود البزار وأبو يعلى والطبراني في الكبير)، وروى
الطبراني في الكبير عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ان فاطمة حصنت فرجها، وان
الله ادخلها باحصان فرجها وذريتها الجنة)، وروى الطبراني والهيثمي عن ابن
عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها، (ان الله غير معذبك ولا
ولدك).
8 - مرور النبي صلى الله عليه وسلم بباب فاطمة في صلاة الصبح
روى الإمام أحمد عن علي بن زيد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب
فاطمة ستة أشهر، إذا خرج إلى صلاة الصبح ويقول: الصلاة الصلاة (انما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وفي رواية أخرى ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج من صلاة الفجر، يقول:
(يا أهل البيت، الصلاة الصلاة يا أهل البيت) (انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
واخرج ابن مردويه وابن جرير عن أبي الحمراء قال: (حفظت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر بالمدينة، ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة، الا اتى إلى باب
علي رضي الله عنه فوضع يده على جنبي الباب ثم قال الصلاة الصلاة، (انما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، الصلاة، رحمكم
الله، كل يوم خمس مرات)، واخرج الطبراني عن أبي الحمراء قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول: (انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)
واخرج الترمذي عن علي بن يزيد عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت
فاطمة، عليها السلام، ستة أشهر، كلما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، واخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل علي رضي الله عنه بفاطمة
رضي الله عنها جاء النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: السلام عليكم أهل
161

البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله (انما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم، تطهيرا، انا حرب لمن حاربتم، وانا سلم لمن
سالمتم).
9 - غضب الله تعالى لغضب الزهراء
روى ابن سعيد في شرف النبوة، عن علي رضي الله عنه قال، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (يا فاطمة، ان الله عز وجل يغضب لغضبك، ويرضي لرضاك)، وروى
أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر وأبو يعلى في مسنده عن علي عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (يا فاطمة، ان الله ليغضب لغضبك، ويرضي لرضاك) وروى
الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله عز وجل ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى
لرضاها)، وروى ابن أبي شبية عن محمد بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (انما فاطمة بضعة
مني، فمن أغضبها فقد أغضبني).
10 - طهارة الزهراء من الحيض
عن أسماء بنت عميس قالت (قبلت، اي ولدت، فاطمة بالحسن، فلم أر
لها دما فقلت يا رسول الله: اني لم أر لها دما في حيض ولا نفاس، فقال صلى الله عليه وسلم اما
علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دما في طمث ولا ولادة)، وروى النسائي
والمحب الطبري عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان ابنتي فاطمة حوراء
إذ لم تحض ولم تطمث، وانما سماها فاطمة لان الله عز وجل فطمها ومحبيها عن
النار) وفي رواية الخطيب: ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث وانما
سماها الله فاطمة لان الله تعالى فطمها ومحبيها من النار) وفي رواية الديلمي عن
أبي هريرة: (انما سميت فاطمة لان الله فطمها ومحبيها من النار) وقال الإمام أبو
جعفر محمد الباقر رضي الله عنه لما ولدت فاطمة عليه السلام أوحى الله إلى
ملك فانطلق الله به لسان محمد صلى الله عليه وسلم فسماها فاطمة ثم قال صلى الله عليه وسلم، (ان الله تعالى
فطمك عن الطمث).
162

وقد قال أبوها العظيم صلى الله عليه وسلم: (خلق الله نور فاطمة قبل ان يخلق الأرض
والسماء، فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي انسية فقال صلى الله عليه وسلم فاطمة
حوراء انسية)، ومن علامات الحور العين انها لا تطمث، فقد قال تعالى: (لم
يطمثهن انس قبلهم ولا جان)، وكذلك الزهراء فإنها كانت طاهرة من الحيض
والنفاس، وقد أجمع المسلمون على انها لم تر حيضا ولا نفاسا، وهذه ميزة فريدة
امتازت بها الزهراء، عليها السلام، على بنات حواء.
11 - اجرى اله تعالى الزهراء مجرى مريم
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سال علي فاطمة ذات يوم، هل
عندك شئ تغذينيه، قالت لا، والذي أكرم أبي بالنبوة، ما أصبح عندي شئ
أغذيكه، ولا أكلنا بعد شيئا، ولا كان لنا شئ بعدك منذ يومين أوثرك به على بطني
وعلى ابني هذين، قال يا فاطمة، الا أعلمتني حتى أبغيكم شيئا، قالت: اني
استحي من الله ان أكلفك ما لا تقدر عليه، فخرج من عندها واثقا بالله، حسن
الظن به، فاستقرض دينارا، فبينما الدينار في يده أراد ان يبتاع لهم ما يصلح لهم
إذ عرض له المقداد في يوم شديد الحر، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته
فلما رآه أنكره، فقال يا مقداد، ما أزعجك من رحلك هذه الساعة، قال يا أبا الحسن
: خل سبيلي، ولا تسألني عما ورائي، قال: يا ابن أخي انه لا يحل لك ان
تكتمني حالك، قال: أما إذا أبيت فوالله الذي أكرم محمدا بالنبوة ما أزعجني من
رحلي الا الجهد، ولقد تركت أهلي يبكون جوعا، فلما سمعت بكاء العيال لم
تحملني الأرض فخرجت مغموما راكبا رأسي، فهذه حالتي وقصتي فهملت عينا
علي بالبكاء حتى بلت دموعه لحيته، ثم قال احلف بالذي حلفت به، ما أزعجني
غير الذي أزعجك، ولقد اقترضت دينار فهاك، وأوثرك به على نفسي، فدفع له
الدينار ورجع حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر والعصر والمغرب.
فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب مر بعلي في الصف الأول فغمزه برجله
فسار خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه عند باب المسجد، ثم قال صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن: هل
163

عندك شئ تغشينا به، فاطرق علي لا يحير جوابا حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وقد عرف
الحال التي خرج عليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اما ان تقول لا فنصرف عنك أو
نعم فنجئ معك، فقال له: حبا وتكريما، اذهب بنا، وكان الله سبحانه وتعالى قد
أوحي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ان تعش عندهم، فاخذ الرسول بيده فانطلقا حتى دخلا على
فاطمة، عليها السلام، في مصلاها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام
النبي صلى الله عليه وسلم خرجت من المصلى فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها
السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال: كيف أمسيت، عشينا غفر الله لك وقد
فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه، فلما نظر علي ذلك وشم ريحه، رمى
فاطمة ببصره رميا شميما، فقالت: ما أشح نظرك وأشده، سبحان الله، هل أذنبت
فيما بيني وبينك ما استوجب به السخطة، قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته
اليوم، أليس عهدي بك اليوم، وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما يومين
فنظرت إلى السماء فقالت: الهي يعلم ما في سمائه، ويعلم ما في ارضه، اني لم أقل
الا حقا، قال: فأنى لك هذا الذي لم أر مثله، ولم أشم رائحة، ولم آكل أطيب
منه، فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم كفه المباركة بين كتفي علي، ثم هزه، وقال: يا علي هذا
ثواب الدينار، وهذا جزاء الدينار، هذا من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب،
ثم استعبر النبي صلى الله عليه وسلم باكيا، وقال: الحمد لله الذي لم يخرجكما من الدنيا حتى
يجريك يا علي من المجرى الذي فيه زكريا، ويجريك يا فاطمة في المجرى الذي فيه
مريم، (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم اني لك
هذا).
وروى الزمخشري في الكشاف عند قصة زكريا ومريم، عليها السلام، عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته بها،
فرجع بها إليها، وقال: هلمي يا بنية وكشف عن الطبق، فإذا هو مملوء خبزا
ولحما، فبهتت، وعملت انها نزلت من الله سبحانه وتعالى، فقال لها: اني لك
هذا، قالت: هو من عند الله، ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: الحمد
لله الذي جعلك شبيهة (مريم) سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع صلى الله عليه وسلم علي بن أبي
164

طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته، رضي الله عنهم، حتى شبعوا، وبقي
الطعام كما هو وأوسعت فاطمة جيرانها
12 - حفظ ذرية النبي صلى الله عليه وسلم في ذرية الزهراء
الله لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الزهراء بان حفظ ذرية نبية صلى الله عليه وسلم قي ذريتها
وأبقى عقبه في عقبها، فهي وحدها، دون بناته وبنيه، أم السلالة الطاهرة والعترة
الخيرة، والصفوة المختار ة من عباد الله من أمته لان أبناء النبي الذكور ماتوا جميعا
وهم أطفال لم يشبوا عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم بعد، واما بناته صلى الله عليه وسلم فلم يتركن
وراءهن أطفالا، ما عدا السيدة زينب، رضي الله عنه،، التي لم تنجب سوى علي
الذي مات صغيرا، و (امامة) التي تزوجها الإمام علي بعد الزهراء، بوصية منها،
ولكنها لم تنجب له أولادا ولم يبق من بناته الطاهرات الا الزهراء، البتول، وقد
ولدت للإمام علي الحسن والحسين (ومحسن الذي مات صغيرا) وأم كلثوم وزينب
الكبرى الشهيرة بعقيلة بني هاشم، رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم عقب الا من فاطمة الزهراء، وأعظم بها مفخرة، وهكذا كان من ذرية
الزهراء، من أبناء الحسن والحسين جميع السادة الاشراف، ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني والخطيب عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، لم يبعث
الله نبيا قط، الا جعل ذريته من صلبه غيري فان الله جعل ذريتي من صلب
علي، رضي الله عنه)، وروى الإمام أحمد والطبراني وأبو يعلى والمحب الطبري ان
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خطب إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم فاعتل
عليه بصغرها، فقال اني لم أرد الباه ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل
سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكل ولد أب فان عصبتهم
لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فاني انا أبوهم وعصبتهم) واخرج الطبراني عن
عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني أنثى فان عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد
فاطمة، فاني انا عصبتهم، وانا أبوهم)، وعن فاطمة عليها السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم
لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه الا ولد فاطمة فانا وليهم وانا عصبتهم)،
165

وروى الطبراني وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما
من نبي الا وولد الأنبياء غيري، وان ابنيك سيدا شباب أهل الجنة، الا ابني الخالة
يحيى وعيسى).
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خلق الناس من
أشجار شتى، وخلقت انا وعلي بن أبي طالب من شجرة واحدة، فما قولكم من
شجرة انا أصلها، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها،
وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه إلى الجنة، ومن تركها هوى
إلى النار)، وفي رواية (انا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين
ثمرتها وشيعتنا ورقها، فالشجرة أصلها في جنة عدن، والأصل والفرع واللقاح
والثمر والورق في الجنة)
وهكذا كان نسل علي وفاطمة نسلا مباركا للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم انما
كان يدعو الحسن والحسين ابنيه، فيقول صلى الله عليه وسلم في الحسن (ان ابني هذا سيد)،
واخرج الترمذي عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لفاطمة: (ادعي ابني
فيشمهما ويضمهما إليه)، أضف إلى ذلك أنه لما نزلت آية المباهلة (آل عمران 61)
دعا النبي صلى الله عليه وسلم
عليا وفاطمة والحسن والحسين وخرج للمباهلة واخرج الحاكم عن
جابر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لكل بني أم عصبة، الا ابني فاطمة، فانا وليهم
عصبتهم).
13 - الزهراء سيدة النساء العالمين وأفضلهن
روى ابن عبد البر في الاستيعاب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: لفاطمة: يا بنية الا
ترضين انك سيدة نساء العالمين، قالت: يا أبت فأين مريم، قال: تلك سيدة
نساء عالمها فإذا احتج البعض بقوله تعالى في آل عمران (قالت الملائكة يا مريم ان
الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) قلنا على نساء عالم زمانها،
وذلك كقوله تعالى لموسى (اني اصطفيتك على الناس)، وكقوله تعالى عن بني إسرائيل
(ولقد اخترناهم على علم على العالمين) وقال تعالى (يا بني إسرائيل
166

اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين) ومعلوم، كما يقول
ابن كثير في البداية والنهاية، ان إبراهيم عليه والسلام أفضل من موسى، وأن محمدا
صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها، وأكثر
عددا وأفضل علما وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم.
وروى الإمام أحمد في المسند عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت على أمي يوما
فسألتني: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لها: منذ كذا وكذا، لم أره، فنالت مني
ونهرتني، فلما رأيتها غضبى قلت لها: دعيني فاني ذاهب إليه، وسأصلي معه
المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي، قال حذيفة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه
المغرب والعشاء ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته فتبعته، وبينما نحن في طريقنا
عرض النبي صلى الله عليه وسلم عارض فناجاه، ثم ذهب فتبعته أيضا فسمع مشيتي خلفه
فالتقت إلى وقال من هذا قلت حذيفة بن اليمان يا رسول الله فقال: ذلك ملك من
الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، وقد استأذن ربي في أن يسلم علي
ويبشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وان فاطمة الزهراء سيدة
نساء العالمين).
وروى الصادق في الأمالي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في فاطمة (وانها
لسيدة نساء العالمين)، فقيل يا رسول الله: أهي سيدة نساء عالمها؟، فقالت تلك
مريم ابنة عمران، فاما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين
والآخرين)، وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرضه الذي
توفي فيه، يا فاطمة، الا ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه
الأمة، وسيدة نساء المؤمنين) وفي رواية الحاكم في المستدرك: (يا فاطمة الا ترضين
ان تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة) وعن عمران بن حصين ان
الرسول صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (اما ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين، قالت: فأين
مريم ابنة عمران، قال لها: اي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء
167

العالمين)، واخرج الطبراني باسناد على شرط الشيخين عن عائشة رضي الله عنها
قالت: (ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها).
وهكذا ذهب كثير من العلماء المحققين، ومنهم التقي السبكي والجلال
السيوطي والبدر الزركشي والتقي المقريزي والبلقيني والسهيلي، ان فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء الدنيا، حتى مريم ابنة عمران، وعبارة السبكي حين
سئل عن ذلك، فقال: الذي نختاره ان فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم أفضل، وسئل عن
ذلك ابن داود، فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني، ولا اعدل
ببضعة رسول الله أحد) ويقول السهيلي: وهذا استقراء حسن ويشهد لصحة هذا
الاستقراء ان أبا لبابة، حين ربط نفسه في المسجد، وخلف ان لا يحله الا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فاطمة لتحله فأبى من اجل قسمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما
فاطمة بضعة مني، فحلته.
هذا وقد ذهب الآلوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني) إلى أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث إنها
بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أفضليتها على عائشة رغم من احتج
بفضل عائشة بحديث (خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء) وحديث (فضل عائشة
على النساء كفضل الثريد على الطعام)، والقول بان عائشة، يوم القيامة في الجنة مع
زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة مع زوجها على أبي طالب، وفرق عظيم بين
مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومقام على، وكل ذلك لا يدل على فضل عائشة على الزهراء
لأسباب كثيرة، منها (أولا) ان قصارى ما في الحديث الأول، على تقدير ثبوته، انما
يدل على أن السيدة عائشة كانت عالمة وهذا لا يدل على نفي العلم المماثل لعلمها
عند الزهراء بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلمه صلى الله عليه وسلم ان الزهراء لا تبقى بعده طويلا
اي زمنا معتدا به يمكن اخذ الدين عنها فيه، ولهذا لم يقل فيها ما قاله في عائشة
ولو علم لربما قال (خذوا كل دينكم عن الزهراء)، وعدم هذا القول على من دل
العقل والنقل عن علمه، لا يدل على مفضوليته، والا لكانت عائشة أفضل من
أبيها الصديق رضي الله عنه لأنه لم يرو عنه في الدين الا قليل، لقلة لبثه بعد رسول
168

الله صلى الله عليه وسلم ومنها (ثانيا) قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اني تركت فيكم الثقلين، كتاب الله،
وعترتي لا يفترقان حتى يراد على الحوض)، يقوم ذلك الخبر وزيادة، كما لا
يخفى، كيف لا، وفاطمة (رضي الله عنها) سيدة تلك العترة.
ومنها (ثالثا) ان حديث (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام)
معارض لقوله صلى الله عليه وسلم (فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء
العالمين)، بل إن هذا الحديث الا خبر أظهر في الأفضلية، وأكمل في المدح عند من
انجاب عن عين بصيرته عين التعصب والتعسف، لان ذلك الخبر، وان كان
ظاهرا من الأفضلية، ولكنه قيل، ولو على بعد، ان (أل) في النساء، فيه للعهد
والمراد بها الأزواج الطاهرات الموجودات حين الاخبار، ولم يقل مثل ذلك في هذا
الحديث (حديث فضل خديجة)، ومنها (رابعا) ان القول بان عائشة ستكون في
الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فاطمة ستكون مع زوجها الإمام علي، وفرق
كبير بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وعلي، قساس مع الفارق يستدعي ان تكون سائر زوجات
النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، لان مقامهم
بلا ريب، ليس كمقام صاحب المقام المحمود سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك قطعا، وهذا ما لم يقل به
أحد.
ومنها (خامسا) الأحاديث الشريفة المذكورة هنا في أول هذا البند من فضائل
الزهراء (رقم 13) وانها سيدة نساء العالمين، وهي أحاديث تقول بلسان عربي مبين
لمن لا يريد ان يتجاهل فضل الزهراء، ان فاطمة سيدة نساء العامين، وهناك حديث
متفق عليه، عن عائشة نفسها، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: (الا ترضين ان تكوني
سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين) (رواه البخاري ومسلم واحمد وابن سعد)
ولم يأت لمريم ذكر، وهكذا فضلت فاطمة لأنها بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن ان
يعدل مسلم ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، ومنها (سادسا) انه لما أقسم أبو لبانة
عندما ربط نفسه في المسجد الا يحله أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت فاطمة لتحله
فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما فاطمة بضعة مني) فحلته. ومنها (سابعا) قال
169

المحب الطبري في الرياض النضرة: روى أبو سعيد في شرف النبوة ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد، ولا انا، أوتيت صهرا مثلي، ولم
أوت انا مثلي، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت
الحسن والحسين من صلبك، ولم أوت من صلبي مثلها، ولكنكم مني، وانا
منكم).
ويذهب الآلوسي إلى أن أفضل النساء فاطمة ثم خديجة ثم عائشة، بل إنه
لا يرى بأسا في قول من يقول: ان سائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عائشة، واما
فضل فاطمة على أخواتها فلأنها ولدت الحسن سيد هذه الأمة الذي قال فيه
النبي صلى الله عليه وسلم (ان ابني هذا سيد)، ثم انه خليفة
كما أن زوجها الإمام علي خليفة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: (هي خير بناتي، انها أصيبت بي)، فحق لمن كانت هذه
حالها ان تسود نساء اه الجنة، كما قال أبوها صلى الله عليه وسلم، وان تسود نساء العالمين
كذلك، ومنها ان المهدي المبشر به آخر الزمان من ذريتها، فهي مخصوصة بهذا
كله
وانطلاقا من كل هذا، فالرأي عندي ان سيدة نساء العالمين وأفضلهن انما
هي فاطمة الزهراء، فهي سيدة النساء بنص حديث أبيها صلى الله عليه وسلم، وهي سيدة نساء
العالمين، وسيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء أهل الجنة،
كل ذلك بأحاديث صحيحة متفق عليها من سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أم
سيدي شباب أهل الجنة، وريحانتي النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين، وهي زوج الإمام علي
، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمه، ثم هي التي حفظ الله بها ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فهي أم
السادة الاشراف جميعا.
واما فضل السيدة خديجة على السيدة عائشة، رضي الله عنها، فقد ذهب
(ابن العماد) إلى أن خديجة أفضل من عائشة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، حين قالت
له: قد رزقك الله خيرا منها)، فقال لها صلى الله عليه وسلم: لا والله ما رزقني الله خيرا منها،
آمنت بي حين كذبني الناس، وأعطتني ما لها حين حرمني الناس) وروى البخاري
في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد،
170

أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال
(اللهم هالة، قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء
الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها، وتذهب بعض الروايات
إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليها بقوله الشريف (والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت
بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها
من النساء)، وأيد هذا بان عائشة أقرأها النبي السلام من جبريل، واقرا خديجة
السلام من الله عن طريق جبريل، روى الإمام أحمد والبخاري وابن سعد
والنسائي عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (هذا جبريل وهو يقرا عليك السلام،
فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى)، وروى البخاري
ومسلم والحاكم واحمد (واللفظ لأحمد) عن أبي زرعة قال سمعت أبا هريرة بقول:
اتى جبريل السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد اتتك
ومعها انا فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي اتتك فاقرأ عليها السلام من ربها
عز وجل، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب)،) (1)، وفي
رواية: اتى جبريل رسول صلى الله عليه وسلم فقال اقرا خديجة السلام من ربها، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة: هذا جبريل يقرئك السلام من ربك، فقالت خديجة:
الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام) وعند النسائي زيادة: وعليك يا
رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته)، قال ابن حجر في فتح الباري، قال
العلماء: في هذه القصة دليل على وفور فقهها لأنها لم تقل: عليه السلام، كما وقع
لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد: السلام على الله، فنهاهم
النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ان الله هو السلام، فقولوا التحيات لله: فعرفت خديجة لصحة
فهمها ان الله لا يرد عليه السلام، كما يرد على المخلوقين).
ثم هناك الأحاديث الشريفة التي تبين فضائل خديجة، ومنها الحديث الذي
(1) يقول السهيلي: انما بشرها ببيت في الجنة من قصب، يعني اللؤلؤ، لأنها حازت قصب السبق إلى
الايمان، ولا صخب فيه ولا نصب، لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تتعبه في الدهر، فلم
تصخب عليه يوما، ولا أذته ابدا.
171

رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي واحمد (واللفظ لأحمد) عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر، حدثه انه سمع عليا يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة)، وفي رواية
(خير نسائها خديجة، وخير نسائها مريم، عليها السلام)، واخرج الحاكم والإمام أحمد
عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين: مريم بنت
عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون)، وفي
رواية ثالثة (خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم،
وخديجة بنت خويل، وفاطمة بين محمد)، واخرج الإمام أحمد وأبو يعلي والطبراني
والحاكم وابن عبد البر عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة
خطوط، قال ما تدرون ما هذا، فقالوا: الله ورسوله اعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفضل نساء أهل الجنة، خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت
مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران).
14 - وفاة الزهراء
لم تكن حياة الزهراء هنية بعد انتقال أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الاعلى،
ذلك انها فجعت بوفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وفوجئت بمنع الصديق رضي الله عنه إياها حقها
في فدك، فتأثرت لذلك أشد الأثر وأعظمه فغدت شاكية لا ترى الا هي معصوبة
الرأس، وطبقا لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، الصادقة فسرعان ما لحقت به، فكانت أسرع
أهله لحوقا به، وقد اختلف العلماء في مدة بقائها بعد أبيها صلى الله عليه وسلم، فقيل أربعون
يوما، وقيل خمسة وأربعون، وربما كان ذلك اشتباها بمدة مرضها، وروى الحاكم
بسنده عن عائشة انها شهران، وروى ابن عبد البر في الاستيعاب انها سبعون
يوما، وذهب أبو الفرج الأصفهاني إلى أنها ثلاثة أشهر، لكن المشهور ان الزهراء
عليها السلام، ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وطبقا لرواية الإمام الباقر وعروة
بن الزبير، وان وفاتها كانت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة
إحدى عشرة للهجرة (20 نوفمبر 632 م) وبوليدها الحسن والحسين سيدي شباب
أهل الجنة، حفظت العترة المحمدية.
172

وروي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ترك الا الثقلين، كتاب الله عز وجل، وعترته أهل بيته، وكان قد أسر إلى فاطمة
رضي الله عنها، انها لاحقة به، وانها أول أهل بيته لحوقا به، فقالت رضي الله عنها
(بينما انا نائمة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كان أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشرف علي،
فلما رايته لم أملك نفسي ان ناديت: يا أبتاه، انقطع عنا خبر السماء فبينما انا
كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا يقدمها ملكان حتى اخذا بي فصعدا بي إلى السماء،
فرفعت رأسي، فإذا انا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار، تطرد قصرا بعد قصر
وبستانا بعد بستان، وإذا قد طلع علي من تلك القصور جوار كأنهن الدمى
مستبشرات يضحكن إلي ويقلن: مرحبا بمن خلقت لها الجنة، وخلقنا نحن من
اجل أبيها، ولم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، وفي كل
قصر بيوت فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها من
السندس والاستبرق، وعلى الأسرة الكثير منها، وعليها الا لحفة من الحرير والديباج
بألوان شتى، ومن أواني الذهب والفضة ما يأخذ بالابصار، وعليها ألوان الطعام،
وفي تلك الجنان نهرا شد بياضا من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب رائحة
من المسك، فقلت لمن هذه الدار، وما هذه الأنهار، فقالوا هذه الدار هي الفردوس
الاعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين صلوات الله
عليهم أجمعين، ومن أحب الله عز وجل من الشهداء والصديقين، وهذا هو نهر
الكوثر الذي وعد الله تبارك وتعالى أباك صلى الله عليه وسلم ان يعطيه إياه، قلت: فأين أبي،
قالوا: الساعة يدخل عليك، فبينما انا كذلك إذ برزت لي قصور أشد بياضا من
تلك القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا انا بفرش مرتفعة على
أسرة، وإذا أبي جالس على تلك الفرش ومعه جماعة، فأخذني وضمني وقبل ما بين
عيني، وقال: مرحبا بابنتي، وأقعدني في حجره، ثم قال: يا حبيبتي، اما ترين ما
أعد الله لك وما تقدمين عليه، وأراني قصورا مشرفات فيها ألوان الطرائف والحلي
والحلل، وقال: هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهم،
فطيبي نفسا، فإنك قادمة علي بعد أيام، قالت: فطار قلبي، واشتد شوقي،
فانتهبت مرعوبة).
173

واخرج ابن سعد في الطبقات والهيثمي في مجمع الزوائد والإمام أحمد في
المسند والفضائل عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن أمه سلمى قالت: اشتكت
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرضتها فأصبحت يوما كأمثل ما كانت، فخرج
علي بن أبي طالب، فقالت يا أمتاه، اسكني لي ماء غسلا، فسكبت لها فقامت
فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت هاتي ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها
ثم جاءت إلى البيت الذي كانت فيه فقالت: قدمي الفراش إلى وسط البيت،
فقدمته فاضطجعت واستقبلت القبلة فقالت: يا أمتاه: اني مقبوضة الان، واني قد
اغتسلت فلا يكشفني أحد وقبضت، فجاء علي بن أبي طالب فأخبرته فقال: (والله
لا يكشفها أحد، ثم حملها بغسلها ذلك فدفنها) وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل في
المسند عن أم سلمى قالت: اشتكت فاطمة سلام الله عليها شكواها التي قبضت
فيه فكنت أمرضها، فأصبحت يوما كأمثل ما رايتها في شكواها تلك، قالت:
وخرج علي عليه السلام لبعض حاجته، فقالت: يا أمة اسكبي لي غسلا
فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رايتها تغسل ثم قالت: يا أمة اعطني ثيابي
الجدد فأعطيتها فلبستها، ثم قالت: يا أمة قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت
واضطجعت واستقبلت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمة اني
مقبوضة الان، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، قالت: فجاء
علي فأخبرته).
على أن هناك من يثير جدلا حول هذا الحديث، فيقول الدارقطني بعد
اخراجه: وكيف يكون صحيحا، والغسل انما شرع لحدث الموت، فكيف يقع
مثله ولو قدرنا حقا هذا عن فاطمة، أفكان يخفي على علي عليه السلام، ثم إن
احمد والشافعي يحتجان في غسل الزوج زوجته ان عليا غسل فاطمة عليها السلام،
فلقد روى ابن سعد في الطبقات عن محمد بن موسى ان علي بن أبي طالب غسل
فاطمة كما أن هناك رواية عن أسماء بنت عميس قالت فيها: غسلت انا وعلي ابن
أبي طالب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى ان ذلك كان بوصية من الزهراء
نفسها ان تغسلها أسماء وعلي، فغسلاها.
174

وهناك رواية تذهب إلى أن أعرابيا جاء من الشام، وابن عباس كان في
المسجد الحرام يفتي الناس، فسأله عن أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته، فأخبره ان أبناءه
كانوا خمسة: القاسم والطاهر والمطهر والطيب، وهم من خديجة، رضي الله عنها، وإبراهيم من مارية، وبناته كن أربعا: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكن أيضا
من خديجة وكلهم مات في حياته صلوات الله عليه، الا فاطمة فإنها بقيت أربعين
يوما بعده، ولما جاء اجل فاطمة لم تحم ولم تصدع، ولكن اخذت بيد الحسن
والحسين فذهب بهما إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأجلستهما عنده ثم وقفت، فصلت بين المنبر
والقبر ركعتين ثم ضمتهما إلى صدرها والتزمتهما، وقالت يا ولدي اجلسا عند
أبيكما ساعته، والإمام علي، عليه السلام، يصلي في المسجد، ثم رجعت نحو
المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسلت به ولبست فضل كفنه
ثم نادت يا أسماء فقالت لها: لبيك يا بنت رسول الله، فقالت تعاهديني، فاني
ادخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة فإذا مضت ساعة ولم اخرج فناديني ثلاثا فان
أجبتك، والا فاعلمي اني لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قامت مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في
بيتها، فصلت ركعتين، ثم جللت وجهها بطرف ردائها وقصت نجبها، وقيل بل
ماتت في سجدتها. فلما مضت ساعة أقبلت اسما فنادت يا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن والحسين، يا بنت رسول الله، يا سيدة نساء العالمين، فلم تجب فدخلت
فإذا هي ميتة، فقال الأعرابي: كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس، قال:
أعلمها أبوها، ثم شقت أسماء جيبها، وقالت كيف اجترئ فأخبر ابني رسول الله
بوفاتك، ثم خرجت فتلقاها الحسن والحسين فقالا: أين امنا فسكتت فدخلا
البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة فقال: يا آخاه آجرك الله
في امنا، وصاح أهل المدينة لما علموا بخبر وفاتها واجتمعت نساء بني هاشم في
دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع منها وهن يقلن: يا سيدتاه،
يا حبيبتاه، يا بنت رسول الله، وأقبل الناس إلى علي وهو جالس، والحسن
والحسين، رضي الله عنهم أجمعين بين يديه يبكيان فبكى لبكائهما، واجتمع
الناس فجلسوا وهم يسترجعون وينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلوا عليها، فخرج
أبو ذر الغفاري وقال: انصرفوا فان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخر اخراجها هذه
175

العشية فقام الناس وانصرفوا.
هذا وهناك ما يشير إلى أن الزهراء قد أوصت الامام بثلاث: أولها: ان
يتزوج بأمامة بنت أختها زينب من أبي العاص بن الربيع، وذلك لأنها كما قالت
الزهراء: انها بنت أختي وتحنوا على ولدي (أو) انها في حنوي ورومتي وثانيها: ان
يتخذ لها نعشا وصفته له وعن ابن عباس: ان فاطمة أول من جعل لها النعش
عملته لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته بأرض الحبشة (وذلك بان دعت
بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه وجعلت عليه نعشا ثم
جللته ثوبا، فقالت فاطمة رضي الله عنها اصنعي لي مثله، استريني سترك الله،)
وثالثها: (الا يشهد أحد جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم وان تدفن ليلا وان
تحنط بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وان يغسلها في قميصه ولا يكشف عنها)،
وهكذا تنفيذا لوصية الزهراء دفنت ليلا وصلى عليها الإمام علي ونزل في
قبرها، ولم يكن معه سوى بنو هاشم والصفوة من أصحابه تنفيذا لوصيتها روى
ابن سعد عن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين قال: سالت ابن
عباس، متى دفنتم فاطمة، فقال دفناها بليل بعد هداة، قال قلت: فمن صلى
عليها قال: علي، وعن الزهري وعروة بن الزبير أن عليا صلى على فاطمة، ودفنها
ليلا.
وروى السمهودي في وفاء الوفا عن جعفر الصادق عن أبيه ان عليا دفن
فاطمة عليها السلام ليلا في منزلها الذي دخل في المسجد، فقبرها عند باب
المسجد، المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد الله (في وقته) وهو الباب الذي كان
في شامي باب النساء في المشرق وهناك رواية أخرى ان الزهراء دفنت في البقيع
وسوى علي حول قبرها قبورا مزورة حتى لا يعرف أحد موضعه (ولست أدري
لماذا، ومن ثم فهو رأي غير مقبول) ويستدلون على ذلك بان الإمام الحسين قال
(ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمي)، على أن هناك رواية تؤكد ان الزهراء دفنت في
بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد، وان عبد العزيز بن مروان كان
يقول إنها دفنت في بيتها، وصنع بها ما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم وانها دفنت في موضع
176

فراشها ويحتج بأنها دفنت ليلا، ولم يعرف بها كثير من الناس (وهذا ما أحسن انا
شخصيا به زياراتي التي أشرف بالمثول فيها امام سيدي ومولاي وجدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتكاد رجلاي تقف هناك عند المكان الذي قيل لي انه بيت الزهراء)
هذا وقد حزن الإمام علي أشد الحزن وأقساه على زوجه الزهراء البتول
وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم له، فيما روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله الأنصار ي
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب (سلام عليك أبا الريحانتين من الدنيا،
فعن قليل يذهب ركناك، والله خليفتي عليك، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال علي: هذا
أحد الركنين الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ماتت فاطمة، قال هو الركن الاخر،
الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال (السلام عليك يا رسول
الله عني وعن ابنتك وزائرتك، والمختار لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول الله
عن صفيتك صبري، وقل عنها تجلدي، الا ان لي التأسي بسنتك وفي فرقتك
موضع تعز، وانا لله وانا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة فما
أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله اما حزني فسرمد واما ليلي فمسهد ولا
يبرح ذلك من قلبي حتى يختار الله لي دارك أنت بها مقيم، كمد مبرح وهم
مهيج، سرعان ما فرق بيتنا يا رسول الله فبعين الله تدفن ابنتك سرا، ويهتضم
حقها قهرا، ويمنع ارثها جهرا، ولم يطل منك العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى
الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله
وبركاته).
هذا وقد روي أن الامام كان يزور قبر الزهراء كل يوم.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله
وعلى آله الطيبين الطاهرين
177

/ 1