آداب عصر الغيبة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آداب عصر الغيبة - نسخه متنی

حسین کورانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 آداب عصر الغيبة


الشيخ حسين كوراني
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة


يا أيها العزيز....
مسنا وأهلنا الضر...
وجئنا ببضاعة مزجاة...
فأوف لنا الكيل...
وتصدق علينا....
إن الله يجزي المتصدقين...
يوسف - 88
3

اللهم كنا لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.....
دعاء الليلة الثالثة والعشرين
من شهر رمضان ويقرأ في كل الأوقات
6

الاهداء
إلى جنود المهدي المنتظر
* في فلسطين...
* وإيران...
* ولبنان..
* وكشمير...
* وآذربيجان...
* وأفغانستان...
وكل بقاع الوطن الإسلامي الكبير...
ولينصرن الله من ينصره...
نعم المولى ونعم النصير...
7

المقدمة
ثلاثة مجالات للحديث عن المهدي المنتظر، تمس الحاجة إلى العناية بها أكثر من غيرها... هي:
1 - عقيدة «السنة» في المهدي...
2 - قصص التشرف بلقائه عليه السلام...
3 - آداب الغيبة الكبرى.
عقيدة السنة في المهدي:
من الأخطاء الشائعة أن «السنة» يعتقدون بالمهدي إلا أنهم يعتقدون أنه لم يولد بعد... والصحيح أن قسما كبيرا من علماء السنة الكبار يعتقدون بأن المهدي عليه السلام ولد، وأنه المهدي المنتظر الذي يعتقد به الشيعة.
وقد أنهى بعض المتتبعين عدد العلماء السنة الذي صرحوا بذلك إلى المائة وعشرين عالما (1)...
وهناك العديد من الكتب التي ألفها بعض هؤلاء الأعلام
(1) راجع «كشف الأستار» للمحدث صاحب المستدرك ومقدمة موسوعة الإمام المهدي عليه السلام.
8

حول الإمام المنتظر وأكدوا فيها كل الحقائق التي يرويها الشيعة حوله عليه السلام...
وما هو بحاجة إلى الدراسة... هو تسليط الضوء على عقيدة السنة في المهدي عبر القرون... ودور الحكام المنحرفين في طمس معالم هذا المعتقد رغم الجهود التي بذلها العلماء الأبرار رضوان الله عليهم.
ويرقى هذا الموضوع «الإعتقاد بالمهدي» إلى كونه واحدا من الأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية...
لا شك أن مما يسهم في شد أواصر الوحدة الإسلامية وترسيخ دعائمها... الحديث عن:
1 - واجب المودة في القربى... حب أهل البيت عليهم السلام.
2 - الإعتقاد بالمهدي المنتظر.
وكلا هذين الأساسين لا يحظيان - للأسف - بالعناية التي يستحقان... علما بأن من شأن المتفق عليه بين السنة والشيعة فيهما أن يشعرنا جميعا بمزيد من الحب لبعضنا... ووجوب العمل معا... لأننا من مسيرة واحدة قائدها واحد... هو المهدي المنتظر من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1)...
(1) قال في «الإشاعة لأشراط الساعة»: 249. إن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها ومن ثم ورد «من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر...».
9

وما أروع أن تعيش الأمة هذه الحقيقة في هذا العصر الذي يشهد أحداثا جساما تصلح أن تكون مؤشرات على إفلاس النظم الوضعية والديانات المحرفة... واقتراب ظهور المصلح العالمي... والله تعالى العالم...
إن من نتائج عيش هذه الحقيقة - حتى إذا لم نكن في عصر الظهور - أن يجعل المسلمين يتطلعون إلى الغد المشرق الذي ترتفع فيه راية لا إله الا الله محمد رسول الله خفاقة بيد ولي الله... فتتهاوى كل الرايات وينزل نبي الله عيسى (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) ليصلي خلف المهدي... وفي بيت المقدس بالذات إيذانا بنهاية كل الطواغيت والمحرفين للكتابين المقدسين التوراة والإنجيل...
ولاشك في أن هذا الغد المشرق يحتاج إلى جنود «أشداء على الكفار... رحماء بينهم»... «تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا»...
إن من شأن إدراك الواقع المعاش... والتطلع إلى المستقبل أن يخففا من حدة خلافات الماضي، فينطلق الفهم للأسس العقيدية في الاتجاه السليم.
«ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها
10

عبادي الصالحون».
«ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين».
قصص التشرف بلقاء المهدي عليه السلام:
اعتنى علماؤنا عبر العصور بنقل قصص اللقاء... وبلغ اهتمامهم بها بحيث أنك لا تجد كتابا من المصادر الأساسية عن الإمام المهدي لا يذكر بعض قصص التشرف بلقائه عليه السلام... بل أفرد لها بعض علماؤنا المتقدمين كتابا مستقلا... بالإضافة إلى العدد من كتب المتأخرين في هذا الباب...
ومن الطريف أن عددا من العلماء السنة يؤكدون قصة تشرف أحد أهل العبادة من المسلمين السنة بلقائه عليه السلام...
وينبغي أن تدرس هذه القصص على مستويين:
الأول: التوثيق ودراسة الأسناد.
الثاني: الدلالات.
وقد قام المحدث الجليل صاحب مستدرك الوسائل رضوان الله عليه بجهد كبير في المجال الأول في موسوعته القيمة بالفارسية عن الإمام المهدي عليه السلام التي سماها «النجم الثاقب» إلا أن كثرة القصص وانتشارها على المساحة الزمنية الممتدة من عصر الإمام العسكري
11

عليه السلام إلى يومنا هذا تفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من الجهد والتحقيق... وأسأل الله التوفيق لإنجاز محاولة في هذا المجال نفسه اعتمدت فيها بشكل رئيس على ما حققه المحدث صاحب المستدرك في النجم الثاقب... آمل - بحول الله - أن تكتمل قريبا وتجد طريقها إلى الطبع...
وأثناء محاولتي هذه تبلورت لدي فكرة كتاب عن «آداب الغيبة» وما أقدمه الآن هو مختصر في ذلك، آثرت أن أقدمه - بمناسبة ولادة الإمام المهدي عليه السلام.
آداب الغيبة:
تحت هذا العنون يورد علماؤنا الأبرار عادة الأعمال المستحبة (الصلوات، الأدعية، الزيارات الخ) التي ينبغي الإتيان بها في زمن غيبة الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف...
ومن الواضح ما لهذه الأعمال من دلالات... فهي من الناحية العبادية ذات أثر عظيم لأنها تحقق الارتباط بولي الله تعالى الذي يجب الارتباط به كدليل إلى الله لمعرفته سبحانه وعبادته كما أراد وأمر... مما يعطي للعبادة روحها ويبتعد بها عن مهاوي الردى وشباك قطاع الطرق إلى الله... وهي من الناحية السياسية تؤمن علاقة ينبغي أن تكون قائمة بين الأمة وإمامها... بحيث يصبح المسلم يدرك بوضوح أنه مرتبط بقائد الأمة الذي نص عليه
12

المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله سبحانه وتعالى أضف إلى ذلك ما يؤمنه أداء هذه الأعمال بشكل سليم من حل للمشاكل الفردية والاجتماعية عن طريق التوسل إلى الله تعالى بوليه الأعظم في زمن الغيبة الكبرى...
إن الإعتقاد الحار بوجود قائد إلهي هو أحد أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله، ادخره الله تعالى ليظهر دينه على الدين كله، من شأنه أن يبعث الحرارة في كل مفردات المعتقد، ويبعث الدفء في جميع أوصال الأمة فيلم شملها ويجمع كلمتها على التقوى... ويرفد المسيرة المؤمنة بمخزون إيماني وحركي هائل، فإذا بها تشعر تلقائيا بالتواصل مع المسيرة المؤمنة في عصر آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد المصطفى وجميع أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إن من شأن هذا الإعتقاد الحار أن يجعلنا نفهم كتاب الله تعالى كما أنزل كتابا للمستقبل كله غيبه وشهادته... فإذا بقصصه نابضة بالحياة يمكن أن تتكرر وإذا بأحكامه يجب أن تطبق... وستطبق ولو كره الكافرون...
وإذا بالإسلام نهج حياة... وليس تراثا... كالتراث الإغريقي!
وإذا بالكعبة قبلة حقيقة... لكل العالمين...
وإذا بالقدس ملتقى المهدي والمسيح... وفلسطين
13

أرض النبوات لا أرض الميعاد لقتلة الأنبياء...
وبديهي أن «آداب الغيبة» تسهم جذريا في حرارة الإعتقاد بالمهدي عليه السلام...
ولأهميتها الكبرى هذه... اهتم بها علماؤنا بل أفرد لها بعضهم كتابا مستقلا...
وبين يدي القارئ العزيز استعراض موجز لهذه الآداب...
وقد كان من الضروري بين يدي الحديث عنها تقديم نبذة عن الإمام المنتظر... أرواحنا له الفداء.
أسأل الله سبحانه أن يجعل هذا القليل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به... إنه ولي الإحسان.
بيروت - حسين كوراني
1 شعبان 1410 ه‍
14

المهدي المنتظر...
* ملامح عامة
16

يا يحيى....
خذ الكتاب بقوة..
وآتيناه الحكم صبيا
مريم - 12
قالوا:
كيف نكلم من كان في المهد صبيا
قال:
إني عبد الله...
آتاني الكتاب...
وجعلني نبيا..
مريم - 30
17

* هو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد زين العابدين بن سيد الشهداء الإمام الحسين بن الإمام المرتضى أمير المؤمنين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وتحياته ورضوانه.
وقد أورد نسبه الشريف بهذا التسلسل العديد من علماء السنة المشهورين منهم العارف الكبير محي الدين بم عربي والشعراني، وابن الصباغ المالكي...
* كان لأمه رضي الله عنها عدة أسماء لأسباب أمنية كما يظهر مما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة» وأشهر أسمائها نرجس وهي حفيدة قيصر ملك الروم وينتهي نسب أمها إلى شمعون وصي نبي الله عيسى عليه السلام.
* ولادته:
كانت ولادته عليه السلام عام 256 للهجرة (أو حواليها)...
18

ولد في سامراء بالعراق وكانت عاصمة العباسيين آنذاك... وكان أبوه الإمام العسكري مقيما فيها بطلب من الخليفة خوفا من نفوذ الإمام في قلوب الناس كما كان الأمر كذلك مع أبيه الإمام الهادي جد المهدي المنتظر عليهم جميعا سلام الله.
وتشبه ظروف ولادة المهدي ظروف ولادة نبي الله موسى كما تشبه نشأته نشأة النبي عيسى... وكذلك غيبته كما ستأتي الإشارة إلى ذلك... إن شاء الله... فقد كان منتشرا بين المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بظهور المهدي المنتظر، وكان معروفا أنه من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام وأنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت... ولم يكن ذلك يخفى على العباسيين...
ولهذا السبب - وغيره - كان بيت الإمام العسكري يخضع لرقابة عيون السلطان الظالم. وقد قامت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام العسكري بمداهمات عديدة لبيته بحثا عن المهدي المنتظر الأمر الذي يؤكد مدى الخوف الذي كان يسيطر عليهم من جراء ما انتشر من الروايات المنقولة عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حول المهدي...
ويؤكد هذه الحقيقة أن العباسيين سموا أنفسهم بالمهدي والمنصور وغير ذلك من الأسماء التي وردت في الروايات عن المهدي.
19

* مع أبيه:
عاش الإمام المنتظر مع أبيه خمس سنوات كان الإمام العسكري شديد الحرص خلالها على أمرين:
الأول: أن يبقى خبر ولادته بعيدا عن مسامع الظلمة... الذين كانوا قد أحكموا طوق الرقابة على منزله... بحيث أن بعض أنصاره كان إذا أراد الذهاب إليه اضطر إلى اعتماد ساتر أمني فيتظاهر بأنه يبيع السمن... ليتمكن من دخول بيت الإمام...
الثاني: والأمر الثاني الذي كان الإمام العسكري حريصا عليه هو إخبار خواص شيعته وأقربهم إليه بولادة الإمام المنتظر، والنص على إمامته بمسمع منهم لكي يصل ذلك عبرهم إلى غيرهم من معاصريهم... ومن الأجيال اللاحقة... وهذا ما نجده بوضوح في نصوص كثيرة تجدها - على سبيل المثال في «كمال الدين وتمام النعمة» للصدوق، والغيبة للشيخ الطوسي أو الغيبة للنعماني.
بعد أبيه:
قام عليه السلام بأعباء الإمامة وهو ابن خمس سنوات «آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها من قبل يحيى صبيا وجعله الله سبحانه إماما في هذا العمر كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيا» كما ذكر الشيخ المفيد رضوان الله عليه.
ولاشك في أن تحمل رضيع لأعباء النبوة «قال إني
20

عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا» أكثر غرابة من تحمل ابن خمس سنوات لأعباء الإمامة...
وتحدثنا الروايات بجوانب من علمه عليه السلام وهو في هذا السن بل قبله... تكشف عن سر من أسرار الله تعالى أراده فتحقق في هذا الوجود المبارك... فقد حمل بعض المؤمنين من قم أموالا شرعية بعث بها بعض أهالي قم إلى الإمام العسكري عليه السلام، وكان المهدي حاضرا في المجلس فطلب منه أبوه أن يخبر بتفاصيل هذه الأموال فأخبرهم بما معهم من الصرر... وصاحب كل صرة أو صاحبتها... وميز حلالها عن حرامها فقبل بعضها ورد البعض الآخر ليسلم إلى أصحابه.
وطلب منه والده الإمام أن يخبر عن أسباب حرمة هذه الأموال فحدثهم بذلك بالتفصيل...
* وبديهي أن هذه الحقيقة كبيرة إلا على الخاشعين من المسلمين تلامذة مدرسة القرآن الكريم الذين يؤمنون بالغيب... ولذلك فهم ينظرون إلى الأمور بواقعية...
فإن الواقع غيب أكثر منه شهادة...
والحديث هنا معهم... لا مع غيرهم الذين يريدون للإسلام أن ينسجم مع روح العصر بدل أن يريدوا لروح العصر أن تنسجم مع الإسلام...
فإن للحديث معهم منهجا مختلفا...
* عرف الشيعة الإمام المهدي المنتظر قبل وفاة أبيه
21

إذن... ولذلك فقد كان واضحا لهم بعد فقد الإمام العسكري أنه هو إمامهم... وتولى هو الصلاة على أبيه عند وفاته... وقام «جعفر الكذاب» عم الإمام المهدي بدور مصغر عما قام به أبو لهب ضد رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فسرب إلى الخليفة العباسي خبر المهدي...
وقامت السلطة بمداهمة منزل الإمام العسكري... عدة مرات - كما تقدم - واعتقلت أم الإمام... ولكن الله تعالى حفظ وليه...
وكان بدء الغيبة (1)...
الغيبة الصغرى:
لم يكن بالإمكان أن يبقى الإمام إذن ظاهرا بشكل عادي... ولم يكن مستوى الأمة يسمح بانقطاع رعاية وصي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لها فكان الحل الطبيعي هو الغيبة الصغرى...
وهي تعني أن الإمام المهدي كان على صلة بشؤون الأمة عبر وكلاء خاصين (السفراء الأربعة).
وقد استمرت الغيبة الصغرى 69 عاما (260 - 329 للهجرة).
(1) من المصادر السنية التي تحدثت عن غيبتين للمهدي «الإشاعة لأشراط الساعة» للسيد محمد البرزنجي / 230 (لاحظ موسوعة الإمام المهدي الجزء الأول).
22

الغيبة الكبرى:
أورد المؤرخ الكبير المسعودي رحمه الله أن نبي الله آدم عليه السلام أوصى ابنه النبي شيت فقال:
فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك فإن الله لا يدع الخلق بغير حجة عالم منا أهل البيت» (2).
ومهما قيل في غيبة المهدي فإن من الضروري الانطلاق في محاولة فهمها من هذه الحقيقة التي بلورتها الأحاديث التي يرويها المسلمون سنة وشيعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن آله الأطهار عليهم السلام.
فرق كبير بين أن يكون المهدي المنتظر يولد في آخر الزمان... وبين أن يكون وصي رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعظيم منزلته هذه ينزل نبي الله عيسى فيقاتل معه ويصلي خلفه في بيت المقدس ونظرة متأنية على كتاب الله تعالى... والروايات الشريفة تجعلنا نجزم بأن «لئلا يكون للناس على الله حجة» و «ولا تخلو الأرض من حجة» و «لو خليت لماجت بأهلها كما يموج البحر» تلتقي مع أحاديث «المهدي المنتظر» بل هي جميعا حقيقة
(2) إثبات الوصية / 13 والمراد بأهل البيت أهل الكعبة أو أهل بت الله الحرام...
23

واحدة هدفها «ليظهره على الدين كله» و «نريد أن نمن على الذين استضعفوا...» و «أن الأرض يرثها عبادي الصالحون».
لا يمكن فهم هذه النصوص وغيرها - وهي كثيرة جدا - إلا في ضوء حقيقة استمرار سلسلة النبوة والوصاية... وهذا يعني أن الوصي الإلهي القائم بأعباء الرسالة الخاتمة هو المهدي الذي نص عليه صلى الله عليه وآله وسلم على وصايته.
وقد أجمع علماء المسلمين الشيعة - وشاركهم الرأي عدد كبير من علماء المسلمين السنة على أن المهدي قد ولد وسيظهر في آخر الزمان...
فهو الآن إذن غائب عنا... وهذا معنى الغيبة الكبرى...
* العمر الطويل...
كيف يمكن لإنسان أن يعيش كل هذا العمر الطويل؟...
وهو سؤال طبيعي... وإجابته طريفة يشار هنا إلى بعضها باختصار:
1 - إن النصارى واليهود مجمعون على طول عمر نبي الله آدم عليه السلام مثلا وأنه عاش 930 سنة. (وهو
24

جواب لهم) (3).
2 - في تاريخ مختلف الأمم والشعوب حديث عن معمرين يذكر أن بعضهم عاش آلاف السنين...
3 - المسلمون مجمعون على طول عمر النبي نوح والخضر وغيرهما.
4 - يجمع المسلمون أيضا على أن نبي الله عيسى ينزل ويصلي خلف المهدي... فأيهما أطول عمرا يا ترى...
5 - وعلى من يقول إن طول عمر النبي عيسى والأنبياء الآخرين إنما هو باعتبارهم أنبياء... أن يتذكر ما أجاب به على هذا الاعتراض بعض العلماء السنة والشيعة فقالوا:
هذا خطأ... بدليل طول عمر إبليس والدجال لعنهما الله...
6 - إن يكون طول العمر غريبا... فأكثر منه غرابة أن ينكره مسلم يؤمن بالخلود في الجنة أو النار...
فائدة وجود الإمام في غيبته:
وهو أيضا سؤال من الطبيعي أن يطرح..
والجواب:
كما أن الحياة مستحيلة دون حرارة الشمس ونورها...
(3) دافع الكثير من علماء السنة عن مسألة طول عمر الإمام المهدي منهم العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ومما قاله «وفي التوراة أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة والمسلمون يقولون ألفا وخمسمائة» التذكرة / 364.
25

ودون الهواء وليس ذلك شركا لأن الله تعالى خلق الشمس والهواء وسخرهما لذلك.. كذلك تستحيل الحياة بدون وجود مصدر للحرارة المعنوية الروحية ونور الإيمان وأريج النبوة...
والحجة الإلهية هي مصدر ذلك ولا شرك في هذا على الإطلاق لأن الوصي الحجة خلقه الله تعالى وهو عبده الذي أمره بالقيام بهذه المهمة.
أما كيف ينتفع الناس بوجود حجة الله رغم غيابه فهو ما بينه لنا المهدي عليه السلام حين قال:
«وأما انتفاع الناس بي في غيبتي فكالشمس غيبها عن الأنظار السحاب».
وهو يدل على أن للإمام مهاما يقوم بها ليس هنا مجال الحديث عنها... إلا أن من المفيد أن نتذكر المهام التي قام بها العبد الصالح «الخضر» حين كان معه نبي الله موسى (عليهما السلام) كما نجد ذلك في سورة الكهف في الآيات 60 - 82.
26

آداب الغيبة
27

* معرفة الإمام...
* معرفة علامات الظهور...
* البيعة...
* الانتظار...
أ - التقوى
ب - المرابطة
ج - العزم على الجهادين يديه
* الشوق والحنين إليه...
* الدعاء...
* الزيارة...
* طلب التشرف بلقائه...
* القيام عند ذكر «القائم».
* إحياء أمره بين الناس...
* التبرؤ من أعدائه...
* الاستغاثة به...
28

المراد بآداب الغيبة «الأعمال التي ينبغي القيام بها في عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام من صلاة ودعاء وزيارة وما شابه». إن اعتقادنا بأن عليه السلام إمامنا الفعلي الحي يفرض علينا آدابا تجاهه..
ومحور هذه الآداب هو الصلة المستمرة بالإمام عليه السلام كما لو أننا نراه ونتشرف بلقائه...
إن هذا الاتصال القلبي منشأ كل خير ومفتاح كل بركة... وقد يكون سببا للتشرف بلقائه حقيقة... كما تثبت ذلك قصص اللقاء الكثيرة جدا والمروية بأسانيد صحيحة... بل وعالية... لا يمكن التشكيك بها على الإطلاق...
وكل ما يقال عن عدم إمكان ذلك فسببه عدم الاطلاع على آراء كبار علمائنا الأبرار في مختلف العصور.
ومن الواضح أن العلاقة الباهتة بالإمام عليه السلام
29

تتساوى نتيجتها في كثير من الأحيان مع إنكار وجوده والعياذ بالله...
وينبغي أن يسجل هنا بأسف بالغ أن حاجتنا ماسة جدا إلى علاقة صحيحة وحيوية بحجة الله على العالمين عجل الله تعالى فرجه... أرأيت لو أن شخصا كان في زمن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا يتشوق إلى لقائه ولا يفكر به... ولا يشعر بأي علاقة قلبية به... فهل كان يعتبر صادق الإيمان... أو ليس من واجب المسلم أن يحب رسول الله أكثر مما يحب نفسه وأولاده...
ثم أليس من واجب المسلم أن يحب أهل البيت عليهم السلام كذلك عملا بواجب المودة في القربى وغيره...
والإمام المنتظر امتداد رسول الله والمصداق الأوضح للالتزام بواجب المودة في القربى في عصر الغيبة الكبرى وكيف يمكن أن يكون أحدنا دقيقا في رعاية واجب حب المصطفى وأهل بيته إن لم يعمر قلبه الحنين إلى الإمام المنتظر على غرار ما نجد في سيرة علمائنا رضوان الله عليهم...
وسنرى أن آداب الغيبة تتكفل بتأمين هذا البعد العقيدي الهام
30

1 - معرفة الامام...
«من عرف إمامه ثم مات قبل أن يرى هذا الأمر (...)
كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه».
رواه الشيخ الطوسي في «الغيبة / 277»
31

هل نعرف إمامنا وحجة الله علينا؟
وهل تكفي المعرفة الإجمالية الباهتة؟
حقا... لماذا نجد أكثر أوساطنا لا تعيش حقيقة وجوده المبارك بل لا يكاد يذكر اسمه إلا في منتصف شعبان وعند تعداد أسماء الأئمة المعصومين... عليهم السلام.
وحتى من يتصور منا أنه يعرفه... سيجد عندما يرجع إلى الروايات والتفاصيل التي ذكرها العلماء أنه لا يعرف عنه سلام الله عليه ما يكفي... ولقد حققت ثورة الإسلام المظفرة في إيران تقدما جيدا في مجال ربط الأمة بالإمام المنتظر... إلا أننا رغم ذلك ما زلنا بحاجة ماسة إلى معرفته ونقل الإحساس بوجوده المبارك من مرحلة التصور
32

إلى التصديق الجازم الحار الذي لا ينفك عن العمل...
وتحتل معرفة الإمام مرتبة هامة من وجهة نظر الإسلام تدل على ذلك أحاديث كثيرة منها:
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (1) وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أن ندعو في عصر الغيبة بدعاء جاء فيه:
اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني (2).
والميتة الجاهلية الواردة في الحديث الأول سببها الضلال عن الدين الوارد في الحديث الثاني...
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله تعالى: «يوم ندعو كل أناس بإمامهم» يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب
ربهم وسنة نبيهم (3).
(1) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق / 412 ومنتخب الأثر / 15 نقلا عن الحميدي قال: أخرجه في الجمع بين الصحيحين وأخرج الحاكم مشابها له في معناه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من مات وليس عليه إمام فإن موته موتة جاهلية».
(2) كمال الدين 342 / 343.
(3) منتخب الأثر نقلا عن الدر المنثور للسيوطي وغيره.
33

* بعض ما تنبغي معرفته عنه عليه السلام:
أولا: النص على إمامته من جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والروايات في ذلك كثيرة جدا... وقد أكدت مضامينها النصوص الكثيرة أيضا الواردة عن آبائه عليهم السلام.
ثانيا: حل إشكالية طول العمر حتى لا تكون عائقا يحول دون الإعتقاد الجازم بوجوده سلام الله عليه.
ثالثا: علامات الظهور.
رابعا: واجب المسلمين تجاهه في عصر غيبته...
إلى غير ذلك مما يتفرع على ما تقدم أو يرتبط به...
ومن جملة الأدعية التي ورد الأمر بالمواظبة عليها في زمن الغيبة ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لأحد أعظم أصحابه: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان - زمان الغيبة - فأدم هذا الدعاء:
اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك...
اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك...
اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني (4).
(1) كمال الدين وتمام النعمة 342 / 343 وقد وردت هذه الفقرات كدعاء = مستقل يدعى به في عصر الغيبة ورواها أيضا النعماني في الغيبة / 166 بسند آخر وبنفس اللفظ المذكور هنا في المتن كما وراها الكليني في الكافي بسندين ج 1 / 337 و 342 «باب الغيبة» ورد في الأول لفظ رسولك ثلاث مرات وفي الثاني لفظ «نبيك» بدلا منها جميعا...
وقد نقل النعماني الحديث بهذين السندين أيضا بالإضافة إلى ما تفرد به ورواها نقلا عنه العلامة المجلسي في البحار 52 / 146.
كما أورد الشيخ الطوسي في الغيبة / 202 الرواية وبعض هذه الفقرات.
34

وقد وردت أدعية أخرى تشكل هذه الفقرات بدايتها تجد بعضها تحت عنوان الدعاء فراجع...
35

2 - معرفة علامات الظهور...
رغم أن «معرفة الإمام» قد تشمل «معرفة علامات الظهور»... إلا أن من المهم أن تفرد علامات الظهور بالذكر... نظرا للأهمية المترتبة عليها...
ومن الواضح ما لمعرفة علامات الظهور من أثر كبير في مجالين:
1 - تحصين الأمة ممن يدعون المهدوية.
2 - الانضمام إلى جنوده عليه السلام لمن وفق لإدراك عصر الظهور.
ويمكن الاستنتاج من مختلف الروايات ومن طبيعة منطق الأحداث الكبرى أن عصر الظهور سيكون صاخبا جدا وحافلا بالرايات الكثيرة المتضاربة... مما يكسب المعرفة بالعلامات أهمية مميزة...
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لأحد الرواة:
اعرف العلامة فإذا عرفتها لم يضرك تقدم هذا الأمر أو
36

تأخر» (1).
ويرى بعض العلماء وجوب معرفة علامات الظهور قال في ذلك:
والدليل في ذلك العقل والنقل.
أما الأول فلأنك قد عرفت وجوب معرفته سلام الله عليه بشخصه، ومعرفة العلائم المحتومة التي تقع مقارنة لظهوره وقريبا منه مقدمة لمعرفته (2)...
ولا مجال للحديث هنا عن علامات الظهور وتفاصيلها الكثيرة الوافية... ولا بد أن يرجع في ذلك إلى المصادر التي تتحدث عن علامات الظهور...
كل ما أنا بصدده هنا هو الإلفات إلى استحباب معرفة هذه العلامات أو وجوبها... لنهتم بالاطلاع عليها...
وأكتفي بحديث عن العلامات الخمس الحتمية:
عن الإمام الصادق عليه السلام:
خمس قبل قيام القائم عليه السلام: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء،
(1) مكيال المكارم 2 / 185 نقلا عن الكافي وقد وصف الحديث بأنه صحيح.
(2) نفس المصدر 2 / 184 ومن المصادر الأساسية في علامات الظهور «الملاحم والفتن» للسيد ابن طاووس عليه الرحمة.
37

وقتل النفس الزكية (3).
والمراد بالمنادي الخ كما في بعض الروايات أن مناديا من السماء يعلن أن الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام أو ينادي بما يوضح ذلك ويرتبط به.
(3) منتخب الأثر / 439 عن كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، والغيبة للشيخ الطوسي 267 وتجد حديثا عن علامات حتمية أخرى...
38

3 - البيعة...
* ورد استحباب تجديد بيعة الإمام المهدي عليه السلام بعد كل صلاة من الصلوات الخمس أو في كل يوم أو في كل جمعة... ومفهوم البيعة لإمام المسلمين متفق عليه بين المسلمين وقد ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
من مات وليس في عنقه بيعة لإمام المسلمين فميتته ميتة جاهلية (1).
وبعض أدعية عصر الغيبة صريحة في تجديد البيعة للإمام المهدي عليه السلام...
والفوائد العملية المترتبة على هذه البيعة كثيرة منها:
أولا - الشعور بالارتباط بالقائد الإلهي الذي يشكل امتدادا واضحا لمسيرة الأنبياء والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السماوية... وهو وصي رسول الله صلى الله عليه
(1) مكيال المكارم 2 / 233.
39

وآله وسلم كما تقدمت الإشارة إليه...
ثانيا - إعطاء الارتباط بالفقيه الولي لأمر المسلمين البعد العقائدي الصحيح... فمن الواضح أن المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة، سيكون شديد الصلة بنائبه الذي أمر عليه السلام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى.
ثالثا: الحذر من الركون إلى الظالمين لأن من يبايع قائدا إلهيا أساس دعوته توحيد الله ونفي الآلهة المصطنعة... فسيشكل ذلك حاجزا نفسيا بينه وبين الطواغيت الذي يعيشون في الأرض فسادا ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى.
كيف نجدد البيعة؟
ورد في زيارة الإمام المهدي المستحبة بعد صلاة الفجر في كل يوم:
«اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعة له في رقبتي» (2).
وورد في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السلام:
«اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من
(2) عمدة الزائر / 359 عن الإقبال. ومفاتيح الجنان / 538.
40

أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبدا... اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والقرابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه» (3).
وستجد في الأدعية من هذا الكتاب ما يرتبط بالبيعة.
* أوقات تجديد البيعة:
1 - بعد صلاة الصبح
2 - بعد كل صلاة.
3 - في يوم الجمعة الذي يحظى بأهمية خاصة لتجديد البيعة فيه قال في مكيال المكارم:
«ويستحب تجديد العهد والبيعة له غي كل جمعة نظرا إلى ما قدمناه من الرواية أن الملائكة يجتمعون في كل جمعة في البيت المعمور ويجددون عهد ولاية الأئمة عليهم السلام (...) مضافا إلى أن يوم الجمعة هو اليوم الذي أخذ الله العهد والميثاق بولايتهم عليهم السلام من العالمين ومضافا إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات الله وسلامه عليهم...» (4).
(3) نفس المصدر 360 ومفاتيح الجنان / 539.
(4) مكيال المكارم 2 / 236.
41

4 - الانتظار...
* التقوى...
* المرابطة...
* العزم على الجهاد بين يديه...
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أوليائه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة.
كمال الدين وتمام النعمة / 286
43

تظافرت الروايات حول أهمية انتظار ظهور المهدي المنتظر وفرج الأمة لقيادة مسيرتها بشكل ظاهر لينجز الله وعده ويعز جنده ويظهر دينه على الدين كله...
* من روايات الانتظار:
1 - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج» (1).
2 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:
«أفضل العبادة انتظار الفرج» (2).
3 - عن الإمام الصادق عليه السلام:
«من مات منتظرا هذا الأمر كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه السلام» (3).
(1) منتخب الأثر / 234 من رسالة الإمام العسكري عليه السلام لوالد الشيخ الصدوق.
(2) كمال الدين وتمام النعمة / 287.
(3) الغيبة للنعماني / 200.
44

4 - وعنه عليه السلام:
«ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملا إلا به (...) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده والإقرار بما أمر اللهع به والولاية لنا (...) والانتظار للقائم» (4).
* حقيقة الانتظار:
الانتظار عمل «أفضل أعمال أمتي» فهو لا يعني السلبية والامتناع عن أي عمل جهادي كما يحلو للبعض أن يفهموه... ومن انتظر قافلة ليسافر معها... فمن الطبيعي أن يكون على أتم استعداد للانطلاق بمجرد إيذانه بذلك... وبهذا يكون منظرا لهذه القافلة.
والانتظار لكل أمر يستتبع استعدادا متناسبا مع ذلك الأمر المنتظر...
فانتظار سفر قصير يستتبع استعدادا معينا... يختلف عن الاستعداد الذي يستلزمه انتظار سفر طويل.
ومن الواضح أن المنتظر للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر قائدا إلهيا سيقود مسيرة تحف بها الملائكة (5) وجمهورها الأساسي أهل التقوى والعبادة...
(4) منتخب الأثر / 497.
(5) غيبة النعماني 195 / 234 و 243 و 307 و 309 و 310، والبحار 5 / 326 و 329 / 337 و 137.
45

وسيخوض المعارك الحامية الوطيس واحدة تلو الآخرى...
عن الإمام الصادق عليه السلام:
ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الجشب وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف (6) وهل يمكن تحقيق التناسب في نفس الإنسان مع هذه المسيرة إلا بتعاهدها بالرعاية في مجالي الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر؟...
وإذا كان المنتظر له عليه السلام لم يهتم بتهذيب نفسه وتزكيتها فهل باستطاعته الانسجام مع مسيرة المتقين والأبدال...
وأيضا:
إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوقا إلى الشهادة في سبيل الله بما يستلزمه ذلك من إعداد عسكري يمكنه من تقحم ساحات الجهاد.... فهل باستطاعته أن يجاهد بين يدي الإمام عليه السلام... من الطبيعي جدا أن من لا يحرص على إعداد نفسه في هذين المجالين... فلا يصح أن يسمى منتظرا... بل ينبغي أن يخاف من شمول بعض الأحاديث له... من ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام:
(6) الغيبة للطوسي / 277 والغيبة للنعماني / 233.
46

إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر (6).
* وإذا كانت الثورة الإسلامية المباركة في إيران قد أحدثت هذه الهزة الكبيرة في العالم واستدعت كل هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها المجاهدون في مختلف أنحاء الأرض فكيف ستكون الخارطة السياسية في عصر الظهور... وأية متغيرات ستعصف بالعالم كله... وكم هو المخزون الهائل من التقوى والمرابطة الذي ينبغي توفره في الأمة لتستجيب لقائدها وهو يخطو بها من نصر إلى نصر إن حرب الخليج التي فرضت على دولة الإسلام والحملات الإعلامية العالمية والهجمة الشرسة على أنصار رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وملاحقتهم بمختلف الأساليب الفرعونية الحاقدة... ليست إلا عينات صغيرة تسير إلى الأحداث الجسام المشابهة التي ستقع في عصر الظهور...
ولا يمكن التصدي لذلك إلا بالبناء الإيماني الصادق العميق... وروح الجهاد المعتمدة على الله تعالى...
وفيما يلي وقفة مع هذين العاملين...
* التقوى:
الإعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه السلام وبيعته عبر
(6) نفس المصدر / 317.
47

بيعة نائبه، وانتظارها... والمواظبة على آداب الغيبة كل ذلك لا ينفع صاحبه شيئا إذا لم يكن متقيا...
فالتقوى هي المنطلق، وهي الشرط الذي لا يقبل بدونه عمل والمسيرة التي سيقودها عليه السلام هي مسيرة أهل العبادة الذين تطوى لهم الأرض (7)، أهل البصائر الذين لا ذنوب لهم تحجبهم عن رؤية الحقيقة حين «تتطاير القلوب مطايرها».
ومما يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
«من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظروا...» (8).
* وبديهي أن التقوى واجبة في كل حال... إلا أن المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار... وفائدة ذلك أن يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي ويحسب أنه من جنود المهدي دون شك... أن هذا البعد وحده لا يكفي...
(7) تؤكد بعض الروايات أن القادة الأساسين الذين يبايعونه عليه السلام كلهم ممن تطوى لهم الأرض... وذلك يدل على درجة عالية من العبادة.
(8) منتخب الأثر / 497 - 498.
48

فما على أحدنا إذا أراد أن يكون من جنوده عليه السلام إلا أن يعتني بتهذيب نفسه... ليحصل على الأقل على شيء من التناسب بينه وبين هذه المسيرة الربانية التي سيملأ الله بها الأرض قسطا وعدلا... جاء في بيان أوصاف أنصار الإمام المهدي عليه السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
«رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر، لو حملوا أعلى الجبال لأزالوها (...) يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب (...) لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان باليل ليوث بالنهار هم أطوع له من الأمة لسيدها كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم يا لثارات الحسين إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر...» (9).
* المرابطة... وروح الجهاد:
يتضح من النص المتقدم مدى عمق البعدين: الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر في أنصار الإمام المهدي عليه السلام وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على المرابطة في زمن الانتظار...
(9) بحار الأنوار 52 / 308.
49

وليست هنا بصدد الوقفة المتأنية مع هذه النصوص إلا أن الذي أود تسجيله في هذا السياق هو استغراب إضفاء طابع السلبية والقعود عن الجهاد على مفهوم جهادي رافض هو المرابطة...
وهل يكون مرابطا من يكون على هامش الأحداث لا يهتم بأمور المسلمين من قريب أو بعيد... وعلى أي الجبهات يرابط يا ترى؟...
* وبعض روايات المرابطة صريحة في ذلك:
«في تفسير البرهان وغيره عن العياشي بسنده عن الصادق في معنى آية المرابطة «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون» قال عليه السلام (...) ورابطوا: «في سبيل الله ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه ونحن الرباط الأدنى فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من عند الله» (10).
وفي تفسير نور الثقلين:
«وروي عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام في تفسير الآية:
معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم» (11).
(10) مكيال المكارم - 2 / 327 بتصرف يسير.
(11) نور الثقلين 1 / 428.
50

وهناك روايات تفسير المرابطة هكذا:
«ورابطوا إمامكم» ولدى التأمل في المعنى نجده نفس المعنى الأول ويدل عليه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى ورابطوا قال: «المقام مع إمامكم» (12).
* ولاشك أن الوقوف مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنما يتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط... انطلاقا من الاهتمام بأمور المسلمين ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفؤوا نور الله تعالى...
وفي هذا السياق يمكن فهم الروايات التي تتحدث عن إعداد السلاح أو واسطة النقل (الدابة وغيرها) فالانتظار عمل دائب باتجاه تزكية النفس (الجهاد الأكبر) وحمل لهم المسلمين لا ينفك عن الجهاد الأصغر... إن الانتظار لا يعني على الإطلاق تأجيل الصراع مع أعداء الله حتى إشعار آخر... وإنما يعني استمرار الصراع حتى تكون الجولة الفاصلة بإذن الله على يدي وليه الإمام المنتظر...
ومن النتائج العملية المترتبة على ذلك الاهتمام بالتدريب العسكري أفإن المرابطة مع عدم القدرة على القتال أمر عبثي..
(12) المصدر السابق 1 / 326.
51

* وخلاصة القول:
إن «المرابطة» في غيبة الإمام المنتظر تعني امتلاك الأمة رصيدا كبيرا من الإحساس بالمسؤولية يحملها على تحصين ساحتها بالإعداد العسكري الذي يمكنها من حماية ثغورها والمرابطة عليها في مواجهة كل قوى الكفر والنفاق... وبهذا تكون الأمة «خير أمة أخرجت للناس» وتكون «مع الإمام» وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجاهد في سبيل الله دفاعا عن الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا...
* العزم على الجهاد بين يديه:
عن الإمام الباقر عليه السلام:
«... إن القائل منكم إذا قال: إن أدركت قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته، كالمقارع معه بسيفه، والشهادة معه شهادتان» (1) وهذا الحديث المبارك وحده يكفي للحث على العزم على الجهاد بين يديه عليه السلام والأحاديث التي تؤكد هذا كثيرة جدا...
وينبغي أن يكون واضحا أن مجرد هذا العزم يترتب عليه الثواب الكبير الذي تتحدث عنه الرواية بدليل ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
«إن لكم ثواب من استشهد معه بنياتكم وإن متم على
(1) مكيال المكارم 2 / 228 نقلا عن روضة الكافي ج 8 ص 80 ح 37.
52

فرشكم» (2) وتدل على ذلك جميع الروايات التي تبين أن الراضي بفعل قوم فهو شريك لهم في عملهم... ومنها ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لمن تمنى في حرب الجمل أن يكون أخوه شهد هذه الحرب مع أمير المؤمنين فقال له عليه السلام:
«أهوى أخيك معنا... فقال: نعم... قال: فقد شهدنا ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان»
(3).
ويدل عليه كذلك ما دل على أن من كانت نيته أنه لو كان في كربلاء لوقف مع الإمام الحسين وجاهد في سبيل الله تعالى بين يديه... فهو شريك شهداء كربلاء في الأجر (4).
بل إن دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام والذي رواه كبار علمائنا يتضمن فقرة ملفتة ترشدنا إلى مدى الحنين إلى الجهاد بين يديه عليه السلام والتلهف على ذلك... بحيث أن على أحدنا أن لا يتمنى أن يوفق إلى الجهاد بين يدي بقية الله وحسب... بل أن يتمنى أن يمن الله عليه ببعثه من قبره... ليحظى بهذا الشرف الكبير:
(2) المصدر السابق 229.
(3) نهج البلاغة ح 12.
(4) نفس المهموم للمحدث القمي / 544، ومكيال المكارم 2 / 228.
53

«اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي...» (5).
ومن الجدير بالذكر أن العزم الحقيقي على الجهاد بين يديه عليه السلام يتوقف على الإلمام بفنون القتال... وإلا كان عبثا لا طائل تحته...
إن المجاهد الذي خبر الحرب وأهوالها... هو وحده الذي يمكن أن يدعو بهذه الفقرات بصدق... وإلا فهل يتوقع لمن كان في حياته لا يجاهد ولا يحدث نفسه بجهاد على الأقل أن يبعثه من قبر «ه لينال هذا الوسام الإلهي العظيم...
إن الإعداد العسكري الجهادي في طليعة واجبات المجتمع المسلم... بل إن إحدى مقومات الشخصية الإسلامية «الجهاد الأصغر»... ومن لم يوفق لذلك فلا أقل من أن يكون محبا له يحدث نفسه به.
* * *
وهكذا يتضح أن الانتظار عمل باتجاه تزكية النفس وتهذيبها... ومرابطة حيث يدعو التكليف الشرعي.... وعزم على الجهاد بين يدي الإمام المنتظر تؤهل له التقوى والمرابطة...
(5) بحار الأنوار 102 / 111.
54

5 - الشوق والحنين اليه...
«قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين».
التوبة - 24
إن الحب حق لله تعالى لا يشاركه فيه على وجه الاستقلال أحد...
ومن حب الله تعالى يتفرع حب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام.
«قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى»
الشورى - 23
والمسيرة التوحيدية المباركة حافلة بالنماذج الراقية لحب الله تعالى...
وتاريخ الإسلام حافل أيضا بذلك وبنماذج مشرقة لحب المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم...
وحيث أن المهدي المنتظر هو القائد الإلهي العظيم الذي يصلي خلفه نبي الله عيسى عليه السلام وهو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...
وحيث أن له الفضل علينا ما يشير إليه من بعيد فضل
56

الشمس علينا...
فمن الطبيعي جدا أن يعمر قلوبنا الشوق والحنين إليه... صلوات الله عليه...
فنردد بلسان الحال والمقال:
هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى... هل يتصل يومنا منك بعدة فنحظى...
متى نغاديك ونراوحك فنقر عينا...
متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر...
ترى... أترانا نحف بك وأنت تؤم الملا... وقد ملأت الأرض عدلا (1).
إنه ولي الله الأعظم في زمنه....
ومن أحب الله أحب وليه... وبهذا أمرنا...
في حديث طويل عن ليلة الإسراء يتضمن أن المصطفى رأى عليا وفاطمة والأئمة من ذريتهما صلوات الله عليه وعليهم ورد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«فقلت يا رب من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم يحل حلالي ويحرم حرامي وينتقم من أعدائي، يا محمد أحبه... فإني أحبه وأحب من يحبه» (2).
(1) من دعاء الندبة المعروف.
(2) مكيال المكارم 2 / 138.
57

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ذكر فيه أسماء الأئمة عليهم السلام إلى أن قال: من أحب أن يلقى الله وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامه فليتول الحجة صاحب الزمان المنتظر فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمة الهدى وأعلام التقى من أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله الجنة (3).
* كما ورد في حديث طويل أن سائلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن المهدي... فأخبره الإمام بصفاته الحميدة إلى أن قال:
اللهم فاجعل بيعته خروجا من الغمة وأجمع به شمل الأمة (...) شوقا إلى رؤيته...
* ويدل على مدى الحنين الذي ينبغي للموالي تجاهه عليه السلام... ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام الله تعالى...
قد روى الشيخ الطوسي رحمه الله في حديث طويل أن بعض أجلاء أصحاب الإمام الصادق دخلوا عليه فرأوه يبكي وهو يقول:
«غيبتك نفت رقادي... وضيقت علي مهادي وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك وصلت مصائبي بفجائع الأبد....».
(3) نفس المصدر نقلا عن بحار الأنوار 36 / 296.
58

ولما سئل عليه السلان عن سبب حزنه البالغ وبكائه المرير قال:
«إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام وتأملت في مولد قائمنا عليه السلام وغيبته وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين من بعده (...) فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان» (4).
والنصوص المؤكدة على ذلك كثيرة... تهدف جميعا إلى إيضاح علاقة الحب العام التي ينبغي أن تكون قائمة بين الأمة وإمامها عليه صلوات الله وسلامه.
اللهم أرنا الطلعة الرشيدة... واجعلنا من أنصاره وأعوانه... والمستشهدين بين يديه...
(4) الغيبة / 105 - 106.
59

6 - الدعاء...
أتحدث هنا باختصار عن قسمين من الدعاء:
أ - الدعاء لمعرفته والثبات على ولايته، باعتباره حجة الله تعالى على خلقه.
ب - الدعاء له عليه السلام لحفظه ونصرته.
وفي المجالين أدعية كثيرة اقتصر هنا على ذكر المختصر منها محيلا في غيره إلى المصادر المختصة.
* من أدعية الغيبة:
1 - عن الإمام الصادق عليه السلام:
يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان - زمان الغيبة - فأدم هذا الدعاء:
اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني (1).
(1) تقدم ذكر هذا الدعاء تحت عنوان معرفة الإمام وذكرت هناك مصادره وأضيف إليها هنا منتهى الآمال / 866. وإنما ذكرته هنا للتناسب والفائدة.
60

2 - دعاء الغريق:
عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام إنه قال: ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى وإمام هدى ولا ينجو إلا من دعا بدعاء الغريق قلت: كيف دعاء الغريق قال: يقول:
«يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
فقلت: «يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك».
قال: «إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك:
«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (2).
3 - دعاء بعد كل فريضة في شهر رمضان:
اللهم أدخل على أهل القبور والسرور اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع كل جائع اللهم أكس كل عريان اللهم اقض دين كل مدين اللهم فرج عن كل مكروب اللهم رد كل غريب اللهم فك كل أسير اللهم أصلح كل فاسد من
(2) كمال الدين وتمام النعمة / 352 وغيبة النعماني / 159 ومنتخب الأثر / 510 والنجم الثاقب / 450 ومنتهى الآمال للمحدث القمي / 867 وبحار الأنوار 52 / 149.
61

أمور المسلمين اللهم اشف كل مريض اللهم سد فقرنا بغناك اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير...
ذكر هذا الدعاء المحدث القمي رحمه الله في مفاتيح الجنان نقلا عن الكفعمي والشهيد الأول مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر رحمه الله أن من قرأ هذا الدعاء بعد كل فريضة في شهر رمضان كا حقا على الله أن يغفر ذنوبه إلى يوم القيامة...
وإنما ذكرته هنا لقصة نقلها بعض من تشرف بلقائه عليه السلام كما وجدت في بعض المصادر.... وملخص القصة أن الإمام عليه السلام حدثه عن هذا الدعاء وقال:
إنه في الحقيقة دعاء لي بالفرج... والدليل: أن هذه المضامين الواردة فيه لا تتحقق إلا بعد ظهوري.
4 - دعاء العهد الصغير:
عن الإمام الصادق عليه السلام: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنه يراه عليه السلام في اليقظة أو في المنام:
بسم الله الرحمن الرحيم:
اللهم بلغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان في مشارق الأرض ومغاربها سهلها وجبلها عني وعن والدي وعن ولدي وإخواني التحية والسلام عدد خلق الله وزنة عرش الله وما أحصاه كتابه وأحاط به علمه.
62

اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت فيه من أيام حياتي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول.
اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي.
اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة وأكحل بصري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وسهل مخرجه.
اللهم أشدد أزره وقو ظهره وطول عمره.
اللهم اعمر به بلادك وأحي به عبادك فإنك قلت وقولك الحق: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس فأظهر اللهم لنا وليك وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزقه ويحق الله الحق بكلماته ويحققه...
اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بظهوره إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وصلى الله عليه وآله وسلم (3).
(3) مكيال المكارم 2 / 4 نقلا عن بحار الأنوار 86 / 61 والنجم الثاقب 485 / 486 وقد ذكر المحدث أن لهذا الدعاء نسخا مختلفة وقد تفرد السيد الجليل ابن باقي في المصباح بأنه من قرأه رأى الإمام عليه السلام.
63

5 - دعاء العهد:
وينبغي التنبيه على أن هذا الدعاء المتقدم غير دعاء العهد المشهور وإن اشترك معه في أكثر ألفاظه... ولا يتسع المجال هنا لإيراد «دعاء العهد» فأكتفي بالتأكيد على أهميته حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحا كان من أنصار القائم عليه السلام وإن مات قبل ظهوره أحياه الله تعالى حتى يجاهد معه ويكتب له بعدد كل كلمة ألف حسنة ويمحى عنه ألف سيئة» (4).
6 - بعد صلاة الظهر:
عن عباد بن محمد المدائني قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول:
يا سامع كل صوت يا جامع كل فوت يا بارئ كل نفس بعد الموت يا باعث يا وارث يا سيد السادة يا إله الآلهة يا جبار الجبابرة يا مالك الدنيا والآخرة يا رب الأرباب يا ملك الملوك يا بطاش يا ذا البطش الشديد يا فعالا لما يريد يا محصي عدد الأنفاس ونقل الأقدام يا من السر عنده علانية
(4) مكيال المكارم 2 / 234 وعمدة الزائر / 360 والبلد الأمين / 82 وقد وردت الرواية في عمدة الزائر باختلاف يسير عما أثبته هنا من مكيال المكارم.. بينما ترد الرواية أصلا في البلد الأمين واقتصر على إيراد الدعاء.
64

يا مبدئ يا معيد...
أسألك بحقك على خيرتك من خلقك وبحقهم الذي أوجبت لهم على نفسك أن تصلي على محمد وآل محمد وأهل بيته وأن تمن علي الساعة بفكاك رقبتي من النار وأنجز لوليك وابن نبيك الداعي إليك بإذنك وأمينك في خلقك وعينك في عبادك وحجتك على خلقك عليه صلواتك وبركاتك وعده...
اللهم أيده بنصرك وانصر عبده وقو أصحابه وصبرهم وافتح لهم من لدنك سلطانا نصيرا وعجل فرجه وأمكنه من أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين.
فقال له الراوي:
أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟...
قال: دعوت لنور آل محمد وسابقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم.
قلت: متى يكون خروجه جعلني فداك.
قال عليه السلام: إذا شاء من له الخلق والأمر (5).
7 - بعد صلاة العصر:
تقدم ذكر الدعاء المختصر في المعرفة «اللهم عرفني نفسك الخ» وهناك دعاء طويل وهام تشكل هذه الفقرات
(5) النجم الثاقب / 436 ومكيال المكارم 2 / 10 ومصباح المجتهد / 54 ضمن تعقيب صلاة الظهر.
65

بدايته ويتضح من الروايات أن كلا منهما دعاء مستقل....
وفي كمال الدين للشيخ الصدوق ما يشير إلى أن اسم هذا الدعاء الطويل هو: «دعاء في غيبة القائم» (6).
وقد أكد السيد بن طاووس عليه الرحمة على أهمية هذا الدعاء وقراءته بعد صلاة العصر من يوم الجمعة بشكل خاص قال رحمه الله:
إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة فإياك أن تهمل الدعاء به فإننا عرفنا ذلك من فضل الله جل جلاله الذي خصنا به فاعتمد عليه (7).
8 - دعاء الندبة:
وهو مذكور في مختلف كتب الأدعية والمشهور أنه يقرأ كل يوم جمعة... وأضاف المحدث صاحب المستدرك في «تحية الزائر» استحباب قراءته في الأعياد الأربعة (8).
وقد جرت سيرة العلماء الأبرار على قراءته ومضامينه في غاية الأهمية وقد رواه المحدث عن المزار للشيخ الجليل محمد بن المشهدي الذي رواه عن الشيخ ابن أبي قرة...
الذي رواه بدوره عن كتاب البزوفري وهو من مشايخ
(6) تجد الدعاء في كمال الدين / 512 ومنتخب الأثر / 502 ومصباح المتهجد / 369 والبلد الأمين / 306.
(7) منتخب الأثر / 505 والنجم الثاقب / 448.
(8) تحية الزائر / 226.
66

المفيد رضي الله عنهم أجمعين (9)...
9 - دعاء ليلة النصف من شعبان:
وهي ليلة عظيمة تضاهي ليلة القدر... وقد ورد أن الله جعلها لأهل البيت عليهم السلام في مقابل ليلة القدر للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (10).
وقد ورد أن من أعمال هذه الليلة الدعاء الذي أوله:
اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها الخ أورد ذلك الشيخ الطوسي عليه الرحمة وغيره والدعاء موجود في مفاتيح الجنان / 166.
* * *
هذه نماذج من الأدعية الكثيرة الواردة في هذا المجال التي ينبغي أن يفرد لها كتاب مستقل لكثرتها وأهميتها...
(9) نفس المصدر.
(10) مصباح المتهجد / 762.
67

7 - الزيارة...
قال الكفعمي رحمه الله: «يستحب زيارة المهدي في كل مكان والزمان والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه....» (1).
وزياراته عليه السلام أيضا كثيرة...
يكتفي هنا بذكر بعضها مع الإشارة إلى البعض الآخر:
1 - زيارة بعد صلاة الفجر:
أوردها السيد الجليل ابن طاووس رضي الله عنه:
اللهم بلغ مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حيهم وميتهم وعن والدي وولدي وعني من الصلوات والتحيات زنة عرش الله ومداد كلماته ومنتهى رضاه وعدد ما أحصاه كتابه وأحاط به علمه اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعة له في رقبتي... اللهم كما شرفتني بهذا التشريف
(1) البلد الأمين / 309.
68

وفضلتني بهذه الفضيلة وخصصتني بهذه النعمة فصل على مولاي وسيدي صاحب الزمان واجعلني من أنصاره وأشياعه والذابين عنه واجعلني من المستشهدين بين يديه طائعا غير مكره في الصف الذي نعت أهله فقلت «صفا كأنهم بنيان مرصوص على طاعتك وطاعة رسولك وآله عليهم السلام اللهم هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة» (2).
2 - يوم الجمعة:
أورد السيد الجليل ابن طاووس عليه الرحمة هذه الزيارة للإمام المنتظر عليه السلام في يوم الجمعة:
السلام عليك يا حجة الله في أرضه السلام عليك يا عين الله في خلقه السلام عليك يا نور الله الذي به يهتدي المهتدون ويفرج به عن المؤمنين السلام عليك أيها المهذب الخائف (كذا) السلام عليك أيها الولي الناصح السلام عليك يا سفينة النجاة السلام عليك يا عين الحياة السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الأمر السلام عليك يا مولاي... أنا مولاك عارف بأولاك وأخراك أتقرب إلى الله تعالى بك وبآل بيتك وانتظر ظهورك وظهور الحق على يدك وأسأل الله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يجعلني من المنتظرين لك والتابعين والناصرين لك على أعدائك والمستشهدين بين يديك في
(2) عمدة الزائر 359 / 360.
69

جملة أوليائك يا مولاي يا صاحب الزمان صلوات الله عليك وعلى آبائك هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك وقتل الكافرين بسيفك وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام ومأمور بالإجارة فأضفني وأجرني صلوات الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين (3).
3 - زيارة سلام الله الكامل:
قال المحقق السيد علي خان رضوان الله عليه:
استغاثة إلى صاحب الزمان من حيث تكون تصلي ركعتين بالحمد وسورة وقم مستقبل القبلة تحت السماء وقل:
سلام الله الكامل التام الشامل الخ (4).
وهذه الزيارة - الاستغاثة موجودة في مفاتيح الجنان / 117.
4 - زيارة سلام على آل يس:
وهي زيارة معروفة جدا كسابقتها ويستفاد من كلام بعض أهل العبادة أن هاتين الزيارتين طريق إلى التشرف بلقائه عليه السلام.
وهذه الزيارة موجودة في مفاتيح الجنان / 523 وقد ورد
(3) النجم الثاقب / 467.
(4) الكلم الطيب / 50 وعمدة الزائر / 131.
70

في روايتها قول الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف:
إذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا:
سلام على آل يس الخ (5)...
* * *
وهناك العديد من الزيارات في أماكن مشرفة وأوقات مباركة... فلتطلب من مظانها...
(5) مفاتيح الجنان / وعمدة الزائر / 345.
71

8 - طلب التشرف بلقائه...
يثير البعض مسألة توقيع (رسالة) الإمام إلى سفيره الرابع السمري رحمه الله... ليستدلوا بها على عدم إمكان رؤيته عليه السلام في الغيبة الكبرى...
ولكن كبار فقهائنا المراجع منذ بدء الغيبة الكبرى وإلى الآن يصرحون بإمكان الرؤية أو وقوعها ولا يرون أن توقيع السمري يشكل دليلا على العدم... فهو بصدد نفي المشاهدة التي كانت متاحة للسمري كنائب خاص... أي أن ينفي المشاهدة التي تستتبع ادعاء النيابة الخاصة.
وحتى إذا لم يكن هدف التوقيع هذا بخصوصه فإن قصص المشاهدة الصحيحة السند تؤكد - برأي علمائنا - وقوع المشاهدة بما لا يقبل الشك وكثير منهم رأوه عليه السلام وتشرفوا بلقائه... وللتوسع في ذلك مجال آخر...
السؤال هنا:
ما هو الطريق إلى رؤيته عليه السلام
72

ولدى ملاحظة مختلف قصص لتشرف بلقائه عليه السلام.
وبعض ما كتبه العلماء الأعلام بهذا الصدد نجد ما يلي:
1 - التقوى والاهتمام الجاد بسفر الآخرة وتهذيب النفس.
2 - المواظبة على أعمال عبادية (غير محددة) لمدة أربعين يوما.
3 - عمل الاستجارة ويعني:
أ - زيارة سيد الشهداء عليه السلام أربعين ليلة جمعة (عن قرب).
ب - زيارة مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء.
ج - زيارة مسجد الكوفة - أو أي مسجد جامع آخر - أربعين ليلة جمعة (1) كل ذلك بهدف التشرف بلقائه عليه السلام.
4 - الدعاء الرابع في فقرة «الدعاء» الذي تقدم أنه يدعى به بعد كل فريضة...
وهناك أعمال لرؤيته عليه السلام في المنام فلتطلب من مظانها كدار السلام للمحدث صاحب المستدرك رحمه الله.
(1) تحدث صاحب المستدرك رضوان الله عليه عن عمل الاستجارة بالتفصيل في النجم الثاقب وتجد فيه بعض التفاصيل المذكورة أعلاه / 480.
73

9 - القيام عند ذكر
القائم...
جاء في النجم الثاقب ما ترجمته:
السادس - من الآداب - القيام تعظيما عند سماع اسمه المبارك خصوصا الاسم المبارك «القائم» كما هي سيرة أوليائه ومحبيه في جميع البلاد من العرب والعجم...
وهذا وحده كاشف عن وجود أساس شرعي لهذا العمل رغم أنني لم أعثر عليه... ولكن نقل من عدة من العلماء المتتبعين أنهم وجدوا ما يدل على ذلك وقد نقل بعضهم أنه سأل العالم الجليل المتبحر سبط المحدث الجزائري عن ذلك فقال أنه وجد حديثا مفاده أن الإمام الصادق عليه السلام كان في مجلس فذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام فقام الإمام الصادق إجلالا وتعظيما له... عليهما السلام (1).
وقال المحدث القمي بعد نقل هذا الكلام ما ترجمته:
كان هذا كلام شيخنا في النجم الثاقب لكن العالم
(1) النجم الثاقب / 444 / 445.
74

المحدث الجليل (...) السيد حسن الكاظمي قال في تكملة أمل الآمل ما حاصله:
إن أحد علماء الإمامية وهو عبد الرضا بن محمد وهو من أولاد المتوكل ألف كتابا في وفاة الإمام الرضا عليه السلام سماه، تأجيج نيران الأحزان في وفاة سلطان خراسان ومما تفرد به هذا الكتاب ما وراه من أن دعبل الخزاعي عندما أنشد الإمام الرضا قصيدته التائية ووصل إلى هذا البيت:
خروج إمام لا محالة قائم * يقوم على اسم الله بالبركات
نهض الإمام الرضا عليه السلام قائما وأحنى رأسه المبارك ووضع يده اليمنى على رأسه وقال:
اللهم عجل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا (2).
(2) منتهى الآمال، فارسي / 865 وتوجد تفاصيل أخرى في منتخب الأثر 505 / 506.
75

10 - أحياء أمره بين الناس...
هل نقوم الآن بواجبنا في المجال الإعلامي تجاه الإمام المهدي أرواحنا فداه...
وما مدى تشرفنا بالحديث عنه في وسائل إعلامنا...
ومدى حضوره في مؤسساتنا على اختلافها...
هل نلتزم بعد افتتاح أعمالنا بكتاب الله تعالى بالدعاء له...
وحتى في مساجدنا هل نلهج بذكره في التعقيبات وغيرها كما ينبغي...
لا شك أن وضعنا الآن أحسن بكثير مما مضى...
إلا أنه يبقى من واجبنا أن نبذل مزيدا من الجهد لنصبح جميعا نشعر بالارتباط الحقيقي بقائدنا بقية الله...
ولا يصح أن تبقى العلاقة في إطارها الفعلي...
قال الإمام الصادق عليه السلام لفضيل:
تجلسون وتتحدثون؟
قال فضيل: نعم جعلت فداك.
قال عليه السلام: إن تلك المجالس أحبها أحيوا أمرنا
76

فرحم الله من أحيا أمرنا (1).
وعنه عليه السلام:
رحم الله عبدا حببنا إلى الناس (2).
إن أحياء أمر وحي الله وكتابه وسنة المصطفى وآل بيته عليهم السلام يتوقف على مدى علاقتنا بالدليل إلى الله وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وقد عرفت فيما تقدم جانبا من اهتمام المصطفى وأهل بيته عليهم السلام بأمر الإمام المهدي مما يدل على أن قضية الإسلام المركزية الآن هي غيبته وبمقدار حضوره عليه السلام في حياتنا تكون علاقتنا بالإسلام وبآبائه وأجداده الطاهرين عليهم جميعا صلوات الله...
من هنا كان لا بد من العمل لتعريف الناس بالإمام المهدي وإحياء أمره بينهم وذلك عن طريق:
1 - زيارة المجاهدين في مواقعهم الجهادية وغيرها وعيادة الجرحى منهم باعتبارهم جنوده عليه السلام وقد ورد عنهم عليهم السلام: «من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا».
2 - إقامة مجالس الدعاء والزيارة له عليه السلام خصوصا دعاء الندبة.
(1) مكيال المكارم 2 / 168.
(2) نفس المصدر / 140.
77

3 - إقامة الندوات والاحتفالات أو المشاركة بالحضور فيها.
4 - نظم الشعر.
5 - تأليف الكتب وكتابة المقالات.
6 - الاهتمام باحياء ليلة النصف من الشعبان.
7 - تعميم مظاهر الزينة والابتهاج في يوم مولده المبارك في الخامس عشر من شعبان.
8 - الاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين دائما باسمه عليه السلام.
إلى غير ذلك من الأساليب التي تشترك جميعها في تحقيق هذا الهدف...
78

11 - التبرؤ من أعدائه...
يتوقف الالتزام بولايته عليه السلام على التبرؤ من أعدائه...
وأعداؤه هم كل أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكافرين والمشركين والمنافقين...
جاء في الحديث المروي عن جده صلى الله عليه وآله وسلم:
طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يأتم به وبأئمة الهدى من قبله ويبرأ إلى الله عز وجل من عدوهم أولئك رفقائي وأكرم أمتي علي (1).
إن من شأن هذا التبرؤ أن يحصن المسلم من الخضوع للطواغيت فيصون بذلك دينه...
كما أن من شأنه أن يرفد الأمة بروح جهادية معطاءة تحملها على المحافظة على شخصيتها وثقافتها وعقيدتها.
(1) منتخب الأثر / 511 وقد تقدم نقلا عن كمال الدين وتمام النعمة.
79

إن شعور المسلم بارتباطه بقائد إلهي من جهة ووجوب «التبري» من الطواغيت من جهة أخرى يحول بينه وبين الانحراف الذي يبدأ عندما يفقد الإنسان هويته ويشعر بالضعف أمام التيارات السياسية الجارية فيدفعه ذلك إلى الانتماء الضال الذي يقذف به في لهوات شباك إبليس ويخرجه من ولاية الله تعالى...
وذلك هو الخسران المبين...
ثم إن للتبري على مستوى الأمة مستلزمات كثيرة لا يمكن اهمالها.
فالأمة الرافضة للكفر والشرك وإمتداداتهما المنافقة ستشن عليه حرب ضروس لا هوادة فيها الأمر الذي يستدعي تواصيا بالحق وتواصيا بالصبر... ووحدة إسلامية وأخوة إيمانية لتتمكن الأمة من مواصلة مسيرة الرفض والتبرؤ ولا تسقط أمام الضغوط والتحديات.
وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يوضح واجب المسلم في مثل هذه الحال في زمن الغيبة:
عن جابر قال:
دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي (الباقر) عليهما السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له أوصنا يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
1 - ليعن قويكم ضعيفكم.
80

2 - وليعطف غنيكم على فقيركم.
3 - ولينصح الرجل أخاه النصيحة لنفسه.
4 - واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا.
5 - وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به وإن لم تجدوه موافقا فردوه وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا...
«وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره (فمن) مات منكم قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين ومن قتل بين يديه عدوا كان له أجر عشرين شهيدا» (2).
إن التبرؤ من أعداء ولي الله معلم من معالم الولاء الحقيقي... وهو لا ينفك عن التواصي بالصبر الذي يحدد هذا الحديث الشريف أسسه...
(2) منتخب الأثر 511 / 512.
81

12 - الاستغاثة به...
لا يوجد أي مانع شرعي يمنع من التوسل إلى الله تعالى بنبيه المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم... والاستغاثة بهم...
فالغارق في بحار الذنوب لا يمكنه إلا أن يلجأ إلى من أمر الله تعالى بالرجوع إليهم...
وهذا مبدأ قرآني واضح...
قال تعالى:
«ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما»
النساء - 64
وقد وردت عدة روايات في التوسل إلى الله عز وجل بوليه المهدي وآبائه عليهم السلام.... وتعميما للفائدة أذكر هنا نص إحداها:
قال المحدث القمي رحمه الله:
روى في تحفة الزائر للمجلسي ومفاتيح النجاة
82

للسبزواري أن من كانت له حاجة فليكتب في رسالة ما سيأتي نصه ثم يلقيها في ضريح أحد الأئمة عليهم السلام أو يعلقها على الضريح... أو يطوي الرسالة ويغلفها بالطين طاهر ويرمي بها في نهر أو بئر عميق أو غدير فإنها تصل إلى صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه ويتولى هو بنفسه قضاء تلك الحاجة.
النص الذي يكتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم كتبت يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثا وشكوت ما نزل بي مستجيرا بالله عز وجل ثم بك من أمر قد دهمني وأشغل قلبي وأطار فكري وسلبني بعض لبي وغير خطير نعمة الله عندي أسلمني عند تخيل وروده الخليل وتبرأ مني عند ثرائي إقباله إلى الحميم وعجزت عن دفاعه حيلتي وخانني في تحمله صبري وقوتي فلجأت فيه إليك وتوكلت في المسألة لله جل ثناؤه عليه وعليك في دفاعه عني علما بمكانك من الله رب العالمين ولي التدبير ومالك الأمور واثقا بك في المسارعة في الشفاعة إليه جل ثناؤه في أمري متيقنا لإجابته تبارك وتعالى إياك بإعطائي سؤلي وأنت يا مولاي جدير بتحقيق ظني وتصديق أملي فيك في أمر كذا - (وتذكر هنا حاجتك) فيما لا طاقة لي بحمله ولا صبر لي عليه وإن كنت متسحقا له ولإضعافه بقبيح أفعالي وتفريطي في الواجبات التي لله عز وجل فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند اللهف وقدم المسألة لله عز وجل في أمري قبل حلول التلف
83

وشماتة الأعداء فبك بسطت النعمة علي واسأل الله جل جلاله لي نصرا عزيزا وفتحا قريبا فيه بلوغ الآمال وخير المبادي وخواتيم الأعمال والأمن من المخاوف كلها في كل حال إنه جل ثناؤه لما يشاء فعال وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدأ والمآل»،
ثم نقف على الماء الذي تريد إلقاء الرسالة فيه وتنادي أحد الوكلاء الأربعة باسمه وهم:
1 - عثمان بن سعيد.
2 - محمد بن عثمان.
3 - الحسين بن روح.
4 - علي بن محمد السمري.
وتقول: يا فلان بن فلان - تذكر اسم أحدهم - سلام عليك أشهد أن وفاتك في سبيل الله وأنك حي عند الله مرزوق وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله عز وجل وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السلام فسلمها إليه وأنت الثقة الأمين.
ثم تلقي الرسالة في الماء (1)...
وقد تقدم في الزيارات أن زيارة (سلام الله الكامل) هي أيضا استغاثة فلاحظ...
وبعد:
(1) منتهى الآمال 2 / 870.
84

هذه جولة سريعة في آداب عصر الغيبة ولا شك في أن الموضوع جدير بالتوفر على دراسته وتحقيق وتأن... عسى أن يوفق الله تعالى له من هو أهله.
وقد اتضح من خلال ما تقدم مدى أهمية هذه الآداب في إقامة العلاقة المتينة بين الأمة وإمامها... وما أحوجنا إلى ذلك خصوصا في عصرنا هذا الذي يشهد هجمة الكفر العالمي وامتداداته المنافقة على الصحوة الإسلامية التي فجرها نائب الله الإمام الخميني رضوان الله عليه...
ويقودها بكل جدارة نائب بقية الله آية الله السيد علي خامنئي دام ظله.
إن على الأمة أن تواجه هذه الهجمة من منطلق أن القائد الأصلي عليه السلام ما يزال موجودا وسينسف الله على يديه أركان الجور، ومن هنا فإن الصراع بيننا وبين الكفر ما زال في بداياته ونحن واثقون بأن الله تعالى سوف يقضي على أمريكا والكيان الصهيوني وكل مراكز الكفر والطغيان...
فذلك وعد الله تعالى ولا يخلف الله وعده... ولتعلمن نبأه بعد حين...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
بيروت - 12 شعبان / 1410 ه‍
حسين كوراني
85

/ 1