إخوان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إخوان - نسخه متنی

عبدالله بن محمد ابن ابی دنیا؛ محقق: محمد عبدالرحمان طوالبه؛ ناظر: نجم عبدالرحمن خلف

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

 الإخوان


 ابن أبي الدنيا
الوفاة: ٢٨١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير لتراث ابن أبي الدنيا
بقلم: د. نجم عبد الرحمن خلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:
* فإن إخراج هذا الكتاب وأمثاله من مصنفات الإمام ابن أبي الدنيا
التربوية النافعة يمثل تلبية للدعوة التي ينادى بها الكثير من العلماء والدعاء
والمربين في بعث وإحياء تراث هذا الحافظ المصلح، وذلك لما يأملون فيه من
النفع العميم المترتب على هذا البعث والاحياء. فإن الذي امتازت به
مصنفات الإمام ابن أبي الدنيا حرصها المقصود على الموضوعات التربوية الهادفة،
وعنايتها المركزة بعوامل النهوض في تاريخ الأمة من خلال الدروس المستفادة من سير السلف ومواقفهم الحية،
ولم يكن الحافظ ابن أبي الدنيا يوم وضع هذه المصنفات المهمة - ولم
نكن نحن حين نهضنا بمهمة بعثها وإخراجها - يطمح هو، أو نهدف نحن إلى
التذكير النظري المجرد السالب، بل قصد - وقصدنا من ورائه - إلى
التذكير الايجابي الذي من هذه الموضوعات - الجامعة في بابها - دليلا
هاديا، يدعو إلى العبرة والدرس، والمتابعة والتأسي، وكذلك يكون
5

التعامل المجدي مع النصوص العلمية، وكذا تكون صورة العلم النافع
وبدون هذا التصور الحركي يصبح استحضار هذه النصوص وإحياؤها
هروبا من الواقع، وضربا من المتعة والتسلية، وسبيلا إلى ملء الجعبة
بالمعلومات والروايات، كنوع من أنواع الترف الثقافي البارد الذي لا يدفع ولا ينفع
والعياذ بالله.
وهذا الكتاب القيم " كتاب الإخوان " للإمام ابن أبي الدنيا يعرض
صورا مشرقة، صورة من حياة السلف وما كانوا عليه من الصفاء والوفاء،
والمودة والإخاء والتواصل والتراحم، والترابط والتكافل. صورا أشبه ما تكون
بالخيال، ولكنها واقع حي ملموس، واقع عاشته الأجيال المسلمة
فترات متعاقبة من الزمان، ويمكن بإحيائه واستحضاره والاتساء به أن
تجدد الصلة الحية بين ماضي هذه الأمة وحاضرها، فيكون دافعا لانطلاقة
أخويه صادقة تجمع الشمل، وتقرب الامل البعيد، فإنه بما اشتمل عليه من
الصور الواقعية الحية يدعو المسلمين من أبناء هذا الجيل إلى أن يصنعوا كما
صنع سلفهم الصالح المصلح، فيحولوا الأحاسيس والمشاعر إلى مواقف
ومآثر ويترجموا الانفعال إلى أفعال، ولا يخزنوا النصوص في الذاكرة بل يتذكرونها
ويتمثلونها في المواقف والأحوال.
وهذا السفر المبارك " كتاب الإخوان " يحتاجه الكبار قبل الصغار،
والراسخون في العلم قبل المبتدئين فيه، كما يحتاجه المتصدرون للدعوة قبل
غيرهم. ومن أجل هذه الطبقة المتقدمة وضع الإمام ابن أبي الدنيا معظم
مصنفاته، وذلك ليضبط نشاطهم بمعايير الشرع، وصورة التطبيقية عند
السلف، فكم من كبير في العلم تقزمت مواقفه وتصاغرت إلى حد لا يصنعه الكثير من ناشئة المسلمين
6

ولعل سبب هذه الأدواء يرجع إلى انخرام عنصر التوجه وإحضار النية
في جميع الأعمال، ومنها كذلك ما نراه عند بعض الغيورين من التضخم في
جانب على حساب جانب آخر، فيلحظ الناقد من المربين اختلالا كبيرا في التكوين،
ويتحسس العلل الخفية القادحة فيهم ويرى الهزال والضمور
والاضطراب في الأفكار والمواقف كنتيجة لهذا القصور والإخلال، فكم من
جرئ قضى شهيدا - عند الناس -، وكم من سخي كريم أنفق ماله في
وجوه البر - في نظر الناس -، وكم من عالم محيط يبث العلم هنا وهناك
- قد أعجب الناس به - وهم جميعا في آخر الامر أول من تسعر بهم النار
يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والحديث ثابت في الصحيح (1).
ومرد هذه العلة - كما ذكرنا العلة - كما ذكرنا - يعود إلى ضياع قاعدة الأعمال، وأصلها
الأصيل، وهو التوجه إلى الله سبحانه في جميع النشاطات والتصرفات ويليها
في الدرجة الدندنة حول فروع تضيع معها الفرائض، وتنتهك باسمها المحارم
وتستباح الحقوق.
وميدان الأخوة من الميادين المهمة التي تدل على توافر عنصر الإخلاص في الذين يرعون ذمارها، ويفون بحقوقها، ذلك أن الأخوة الإسلامية رباط
مقدس ربط الله به أبناء هذا الدين، فقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (2)
وقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (3) وهذه
الولاية في الله تعالى إنما هي وشيجة مجردة لا مطمع فيها ولا مطمح،
لا يحرص عليها ولا يتحمل تبعاتها، ويخفض الجناح لأهلها إلا كل صالح
نقي حريص على مرضاة ربه وطاعته، ولذلك جعل الله تعالى المؤمنين المتنازلين
عن حقوقهم لمن جار عليهم من إخوانهم بأي شكل من أشكال الجور من
(1) أخرجه مسلم في " الصحيح " كتاب الامارة: حديث رقم 152، وأحد في " المسند " 2: 322 وغيرهما
(2) سورة الحجرات / 10
(3) سورة التوبة / 71
7

أهل الصبر والحظ العظيم، لتمكنهم من ضبط أنفسهم، وانضباط سلوكهم
وفق معيار الشرع. فقال سبحانه: (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه
ولى حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (1)
ولا أظنني في حاجة إلى مزيد من القول في فضل الإخوان في الله،
وإكرامهم، وتحمل أذاهم بعد الذي أفاض فيه الامام الحافظ ابن أبي الدنيا
في هذا الكتاب القيم.
وفى الختام أعود فأقول ما أحوج المسلمين إلى مثل هذا الكتاب النافع
الذي يجمع ولا يفرق، ويوحد ولا يشتت. وهم يحيون في هذا الظرف
العصيب المتردي يقتل بعضهم بعضا، ويستبيح كل منهم دم الآخر لأتفه
الأسباب
نسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما من به علينا، ويتمم لنا برحمته
ما بأدناه من هذا المشروع الكريم. وهو ولى التوفيق، عليه توكلنا وإليه ننيب.
وصلى الله على نبينا محمد وآله الأطهار، وصحبه الأخيار وسلم
تسليما كثيرا.
كتبه الفقير إلى الله تعالى
نجم عبد الرحمن خلف
(1) سورة فصلت الآيات 34، 35.
8

الفصل الأول
حياة ابن أبي الدنيا
بقلم د. نجم عبد الرحمن خلف
9

المطلب الأول
نشأته
اسمه ونسبه:
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس، أبو بكر القرشي،
الأموي، مولاهم، البغدادي الحنبلي (1)، المشهور بابن أبى الدنيا (2).
ولد ببغداد سنة 208 ه‍ - 823 م، في عهد الخليفة المأمون
" ت 218 ه‍ " آخر العصر العباسي الأولى، في عهد الحضارة الإسلامية
الذهبي.
في هذه المدينة العامرة الزاخرة " بغداد " نشأ ابن أبي الدنيا حيث المحدث
والفقيه والمؤدب والزاهد هم أبناء هذا المجتمع ومادته، وكان لظاهرة العلم
والزهد أبلغ الأثر في بناء شخصية ابن أبي الدنيا وتكوينه العلمي.
(1) في هدية العارفين للبغدادي: 5 / 441، " الشافعي وهو خطأ
(2) مصادر ترجمته: ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 5 / 163، ابن النديم - الفهرست:
1 / 185، الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 89 - 91 -، ابن أبي يعلى - طبقات الحنابلة:
1 / 192 - 195، المسعودي - مروج الذهب: 1 / 12 - 13، 5 / 50 و 174، ابن
الأثير - الكامل: 7: 155: السمعاني - الأنساب: 10 / 96 - 97، ابن الجوزي - المنتظم:
5 / 148 - 149، المزي - تهذيب الكمال: 7 / 395 ب، الذهبي - سير النبلاء:
13 / 397 - 404، وتذهيب الكمال 2 / 184 ب، وتذكرة الحفاظ، 2 / 677 - 679،
والعبر: 2 / 56، ومختصر دول الإسلام: 1 / 133، ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71، ابن
تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 96، ابن شاكر الكتبي - فوات الوفيات:
1 / 494 - 495، ابن حجر - تهذيب التهذيب: 6 / 12 - 13، وغيرهم وانظر ترجمته المفصلة
في مقدمة " كتاب الصمت وآداب اللسان " للمحقق.
11

بيئته التي نشأ فيها:
كانت أسرة ابن أبي الدنيا أسرة خير وفضل، وبيته بيت علم وصلاح.
فأبوه من العلماء المهتمين بالحديث وروايته، مما أسهم في نشأته العلمية،
وتكوينه في وقت مبكر،
فحببته أسرته في العلم والعلماء، ودفعت به إلى حلق العلم، فأقرأته
القرآن والفقه، وحببته في سماع الحديث وكتابته. وبحكم أن والده كان أحد
العلماء فقد مكنه ذلك من السماع من أعلام العصر وحفاظه وسنه دون
البلوغ، ومن هؤلاء الحفاظ سعيد بن سليمان الواسطي - سعدويه -
" ت 229 ه‍ "، وأبو عبيد القاسم بن سلام " ت 224 ه‍ " وخالد بن
خداش البصري " ت 223 ه‍ " فأدرك بهؤلاء وطبقتهم إسنادا عاليا، وشارك
أصحاب الكتب الستة في كثير من شيوخهم - وقد دلت بعض الروايات على
أنه استقل أخذ يطوف على المشايخ بنفسه، وسنه دون العاشرة (1).
وبهذه العناية المركزة والمبكرة من أسرة ابن أبي الدنيا، وبما كان له من
اهمة والاقبال استطاع أن يجمع علما غزيرا ويتتلمذ على مئات المشايخ من أئمة
العصر وحفاظه. قال الذهبي: " وقد جمه شيخنا أبو الحجاج الحفظ أسماء
شيوخه على المعجم، وهم خلق كثير " (2) ثم ذكر الذهبي جزاءا منهم فبلغ
عددهم أربعة وتسعين شيخا. وبلغ عدد شيوخه في كتاب الصمت وحده أكثر من مائتي شيخ.
وبهذا تكونت شخصية ابن أبي الدنيا العلمية، فهو حنبلي المذهب،
سلفي العقيدة، زهدي المشرب، وعمل على بث هذه الروح الأخلاقية
الايمانية، ورصد نفسه لها، وأنشأ في تقعيدها وإذاعتها ما يزيد على مائة مصنف.
(1) الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد: 10 / 90، ابن حجر - تهذيب التهذيب: 6 / 13،
وانظر ابن الجوزي: المنتظم: 5 / 148. وهي رواية إبراهيم الحربي في السماع من عفان بن مسلم
الصفار والمعروف عن عفان أنه اختلط في 219 ه‍ - أي قبل وفاته بعام أو أقل - وقد تركوا السماع
منه بعد اختلاطه، وسيأتي الكلام عليها في منزلته العلمية.
(2) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 397.
12

أثره في مجتمعه:
وكان لابن أبي الدنيا الأثر الكبير في مجتمعه، تجلى ذلك في تربيته لأولاد
الخلفاء (1) الذين هم من أهم طبقات المجتمع، وممن سيتولى مقاليد أمور
المسلمين وبصلاحهم تصلح البلاد، ويسعد العباد، كما تجلى في تدريسه
وتعليمه لعدد هائل من طلبة العلم، وقد تخرج على يديه منهم جمع غفير
أصبحوا من أفراد الأمة علما وصلاحا.
كما أسهم في الحركة الاصلاحية التي استهدفت تربية الجماهير العظيمة
المقبلة على هذا الدين عن طريق التأليف والتصنيف مقتفيا أثر شيخه الإمام أحمد
ومن قبله من أمثال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري، فألف في التربية
والزهد والرقائق مؤلفات جمة، وصفها الحافظ ابن كثير (2) فقال: " المشهور
بالتصانيف الكثير النافعة الشائعة في الرقاق وغيرها، وهي تزيد على مائة
مصنف، وقيل: إنها نحو الثلاثمائة مصنف ".
ويكفي للدلالة على حرصه في تسديد المسلمين، وتحذيرهم من مزالق
الشيطان قيامه بوضع هذه التآليف الوافرة في ميدان الأخلاق والتربية
والإصلاح، وعلى رأسها " كتاب الصمت وآداب اللسان " (3) فإنه قد صنفه
في فترة كانت مشحونة باللغط واللغو والانقسامات وما يترتب عليها من
مشاحنات، وهو أمر يفرزه الترف الفكري، وتعين عليه البطالة وفى مثل هذا
الجو يزخرف الشيطان للناس حب الكلام حتى تصبح شهوة مستحكمة،
ويزين لكل قائل مقالته، وهذا ينبهنا أيضا - إلى أن الحافظ ابن أبي الدنيا كان
مربيا مع كونه عالما، وداعية قصد بالتصنيف نصيحة الأمة والاخذ بيدها،
لا مجرد التصنيف فحسب، فكانت مصنفاته هادفة، لذا عم نفعها، وذاع
صيتها، وعظم أثرها.
واستمر أبو بكر بن أبي الدنيا مؤديا لرسالته إلى آخر حياته وظل بيت
العلم، ويتصدر لتدريسه وقد جاوز السبعين من عمره، إذ سمع منه كثير من
(1) انظر تفصيل ذلك في فصل " مكانته العلمية ".
(2) البداية والنهاية: 11 / 71.
(3) انظر الفصل الذي عقدناه عن الكتاب وأهميته.
13

الطلبة في آخر حياته وحتى السنة التي توفى فيها. أمثال الختلي عبد الرحمن بن
أحمد البغدادي (1) " ت بضع وثلاثين وثلاثمائة "، وابن الجراب إسماعيل بن
يعقوب البغدادي (2) " ت 345 " ه‍ ".
حزمه ورجولته:
لقد حفظت لنا بعض المصادر صورة مشرقة من صور الحزم والرجولة في
شخصية ابن أبي الدنيا فإنه قال مرة: " كنت أؤدب المكتفى فأقرأته يوما
" كتاب الفصيح " فأخطأ فقرصت خده قرصة شديدة وانصرفت، فلحقتين
رشيق الخادم فقال: " يقال لك: ليس من التأديب سماع المكروه، قال:
فقلت: سبحان الله أنا لا أسمع المكروه غلامي ولا أمتي، قال: فخرج إلى
ومعه كاغد، وقال: يقال لك: صدقت يا أبا بكر وإذا كان يوم السبت تجيئ
على عادتك. فلما كان يوم السبت جئته، فقلت: أيها الأمير، تقول عنى ما
لم أقل؟ قال: نعم يا مؤدبي من فعل ما لم يجب قيل عنه ما لم يكن " (3).
وفى القصة دلالة صريحة على حزم ابن أبي الدنيا وعدم محاباته لاحد حتى
ولو كان ابن أمير المؤمنين. وفيها حرصة الشديد على إفادة طلابه ومتابعتهم،
وعدم التهاون في الأمور العلمية، كما فيها ثقة الخليفة المعتضد به وبصدقه، مما
دعاه إلى أن يكذب ابنه الأمير الكتفي، فرد لابن أبي الدنيا اعتباره ودعاه إلى
مواصلة تأديب ابنه. كما أن فيها منقبة للمعتضد، من رجاحة عقل، وعدل
وإنصاف، فلم تأخذه العزة " وهو المسمى بالسفاع الثاني " حينما أهين ابنه.
وإنما أقر ابن أبي الدنيا على صنيعه، ودعاه لمواصلة تأديبه لابنه.
ظرافته وأدبه:
ومما وصلنا كذلك من جوانب شخصية ابن أبي الدنيا هذه الصورة التي
تدل على ظرافته وخفة روحه، وأدبه مع طلابه، وحبه لهم، مع أنه كان من
(1) انظر ترجمته في الفصل الثاني " شيوخه وتلاميذه ".
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 6 / 304، الذهبي - سير أعلام النبلاء:
15 / 497.
(3) ابن شاكر الكتبي - فوات الوفيات: 1: 494 - 495.
14

كبار الشخصيات وقت ذلك علما ومكانة.
قال عمر بن سعد القراطيسي: " كنا عند باب ابن أبي الدنيا ننتظر
فجاءت السماء بالمطر، فأتتنا جارية برقعة فإذا فيها مكتوب:
- أنا مشتاق إلى رؤيتكم * يا أخلائي وسمعي والبصر -
- كيف أنساكم وقلبي عندكم * حال فيما بيننا هذا المطر - (1)
وفاته:
توفى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من
جمادى الآخرة، ستة " 281 ه‍ 894 " (2) وصلى عليه يوسف بن
يعقوب، ودفن بالشونيزية.
* * *
(1) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148 - ابن كثير - البداية والنهاية: 11 /، 71.
(2) ابن النديم - الفهرست: 262، ابن الجوزي، المنتظم: 5 / 149، دائرة المتعارف
الإسلامية 1 / 198.
15

المطلب الثاني
شيوخ ابن أبي الدنيا
إن تبكير ابن أبي الدنيا في طلب العلم، و هو سن التمييز - دون
العاشرة -، و حفاوة أسرته به، و تشجيعهم إياه، و كون والده من أهل العلم
والرواية، والبيئة التي نشأ بها، كل هذه الأسباب ساعدت ابن أبي الدنيا على
أن يتحمل مثل هذا العلم الوافر الغزير.
واستطاع أن يدرك إسنادا عاليا، وتمكن من السماع - وسنه دون
البلوغ - من الإمام الحافظ خالد بن خداش البصري " ت 223 ه‍ "، وابن
أبي الأسود الإمام الحافظ الثبت عبد الله بن محمد البصري " ت 223 ه‍ "،
و الإمام الكبير أبى عبيد القاسم بن سلام البغدادي " ت 224 ه‍ "، والإمام
إبراهيم بن مهدي المصيص البغدادي " ت 225 ه‍ " والإمام الحافظ المعمر
سعيد بن سليمان سعدويه، نزيل بغداد " ت 225 ه‍ ".
وتخرج بأعلام الحفاظ، مثل الإمام المسند على بن الجعد
" ت 230 ه‍ " صاحب المسند، والإمام الحافظ أحمد بن منيع
" ت 244 ه‍ "، والإمام خلف بن هشام البزار المقرى البغدادي
" 229 ه‍ "، والمؤرخ الحفاظ محمد بن سعد أبى عبد الله البغدادي،
كاتب الواقدي " ت 230 ه‍ ".
وبهذه الهمة تحصل له السماع والتحمل عن مئات من جهابذة العلماء.
قال الذهبي: " وقد جمع شيخنا أبو الحجاج الحافظ أسماء شيوخه على
المعجم، وهي خلق كثير " (1).
(1) الذهبي - سير النبلاء: 13 - 397.
16

ثم عد الذهبي جملة منهم، على سبيل الاختصار، فبلغوا أربعة وتسعين
شيخنا. وعدتهم عند الحافظ المزي مائة وتسعة عشر شيخنا، ذكرهم مرتبين
على حروف المعجم (1).
وقد تحصل لي من شيومه - في " كتاب الصمت " وحده - مائتان
وخمسة عشر شيخنا من شيوخه المباشرين الذين سمع منهم.
فقد كان لرغبته في طلب العلم، وهمته في جمعه وتحصيله - بعد جمعه
لحديث الأئمة - يتتبع حملة العلم من الغرباء والمغمورين، ومن هوم دونه من
العلماء والمحدثين ليشبع نهمته ويملأ جعبته، مما جعل الذهبي يقول فيه (2):
" ويروى عن خلق كثير لا يعرفون، وعن طائفة من المتأخرين كيحيى
ابن أبي طالب، وأبى قلابة الرقاشي، وأبى حاتم الرازي، ومحمد بن إسماعيل
الترمذي، وعباس الدوري ".
وقد اخترنا أن نتحدث عن اثنى عشر شيخا من شيوخه بشئ من
التفصيل ممن كان لهم أثر ظاهر في صقل شخصيته العلمية وتكوينه.
1 - محمد بن عبيد - والد ابن أبي الدنيا:
نشأ ابن أبي الدنيا وتعلم في كنف ورعاية وتربية والده، الإمام محمد بن
عبيد بن سفيان، مولى بنى أمية.
روى عن هشيم بن بشيز، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة،
وأبى بكر بن عياش، وهشام بن محمد الكلبي، ومحمد بن جعفر المراني.
وكان له في ابن أبي الدنيا أعظم الأثر، وخصوصا في جانبي الحديث والزهد.
فقد سمع منه حديثا كثيرا وقد بلغ عدد الروايات التي سمعها منه ابن أبي الدنيا
في هذا الكتاب عشر روايات (3)، وتغلب على مروياته الزهديات والرقائق.
قال الخطيب البغدادي (4): " روى عنه ابنه أبو بكر - يعنى ابن أبي الدنيا -
(1) المزي - تهذيب الكمال 2 / 2 / 736 نسخة دار الكتب المصرية المصورة.
(2) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 399.
(3) انظر النصوص التالية: 39، 134، 135، 199.
(4) الخطيب - تاريخ بغداد: 2 / 370.
17

أحاديث مستقيمة ".
2 - الإمام الزاهد محمد بن الحسين البرجلاني:
اتصل ابن أبي الدنيا في أول نشأته العلمية اتصالا وثيقا بإمام كبير من
أئمة الزهد. ذلك هو الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الشيخ البرجلاني (1) صاحب التآليف في الزهد والرقائق.
وقد صحبه ابن أبي الدنيا، وهو في العاشرة من عمره - تقريبا - كما
يفهم من رواية إبراهيم الحربي (2). ومن شدة تعلقه به، و تأثره بمشربه كان
يدع عفان بن مسلم المحدث الحافظ الثقة، و يذهب إلى البرجلاني، مع أن
طلاب العلم كانوا يقصدون عفان من كل مكان.
وكان للبرجلاني أثران كبيران في مسار حياة ابن أبي الدنيا العلمية،
جانب الزهد والعناية بالتراث التربوي الأخلاقي، و جانب الاتجاه المذهبي.
فقد كان حنبلي المذهب متأثرا بالإمام أحمد، وكان الإمام يحبه ويثني عليه.
قال أبو حاتم: " سأل رجل أحمد بن حنبل عن شئ من حديث الزهد؟
فقال: عليك بمحمد بن الحسين البرجلاني " (3). وقد صنفه ابن الجوزي في
من حدث عن الإمام أحمد من مشايخه، ومن الأكابر (4)، وأورد له رواية من
طريق ابن أبي الدنيا عنه عن أحمد مرفوعة (5).
وانتقد الحافظ ابن حجر الذهبي على إيراده ترجمة البرجلاني في " الميزان "
فقال: " وما لذكر هذا الفاضل الحافظ - يعنى في الضعفاء - وقد ذكره ابن
حبان في الثقات " (6).
قال الذهبي: " روى عنه ابن أبي الدنيا كثيرا " (7).
(1) الخطيب - تاريخ بغداد: 2 / 222 - 223، أبو يعلى - طبقات الحنابلة: 1 / 290،
الذهبي - سير النبلاء: 11 / 112.
(2) انظر فصل قيمته العلمية، في المؤاخذات عليه.
(3) ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 7 / 229.
(4) ابن الجوزي - مناقب الإمام أحمد: 83.
(5) المصدر نفسه: 88.
(6) ابن حجر - لسان الميزان: 5 / 137.
(7) الذهبي - سير النبلاء: 11 / 112.
18

وهو الذي حبب لابن أبي الدنيا زيارة أحمد، والسماع منه، والتأثر
بمذهبه، توفى ببغداد سنة 238 ه‍.
3 - الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني (1):
أحد الأئمة الأعلام علما وفضلا وزهدا وصلاحا، شيخ الإسلام، كان
له الأثر البالغ على الجيل الذي عاصره، وانتفع من علمه وزهده خلائق
لا يحصون، ومنهم ابن أبي الدنيا.
فقد لازمه وانتفع من فقه وزهده، وأخذ عنه منهم التربية بأحاديث
الزهد و الرقاق، و تأثر بكتابه " الزهد " و ألف على غراره وسماه بنفس
الاسم (2) وكان يسأل الإمام عن الفتاوى الفقهية - وسنه في حدود
العشرين - وقد سأله مرة: ما أقول بين التكبيرتين في صلاة العيدين؟ فقال
أحمد، تحمد الله - عزو جل - وتصلى على النبي صلى الله عليه وسلم (3)
وسأله: متى يصلى على السقط؟ فقال: " إذا كان لأربعة أشهر صلى
عليه وسمى " (4). وقد عده ابن الجوزي في جملة من حدث عن أحمد على
الإطلاق من الشيوخ والأصحاب (5). ثم ذكره في أعيان أصحابه وأتباعه (6).
4 - أبو عبيد القاسم بن سلام (7):
الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، صنف التصانيف المونقة التي سارت
(1) أبو نعيم - حلية الأولياء 9 / 161 - 233، الخطيب - تاريخ بغداد: 4 / 412، ابن أبي
يعلى - طبقات الحنابلة: 1 / 4 - 20.
(2) انظر فصل " آثاره العلمية ".
(3) ابن أبي يعلى - طبقات الحنابلة: 1 / 194 - 195.
(4) ابن أبي الدنيا - كتاب العيال ق 99 - ابن أبي يعلى - طبقات الحنابلة: 1 / 193، ابن
الجوزي - مناقب الإمام أحمد: 510.
(5) ابن الجوزي - مناقب الإمام أحمد: 98.
(6) المصد نفسه: 510.
(7) ابن سعد - طبقات ابن سعد: 7: 355. الفاسي - العقد الثمين: 7 / 23 - 25،
الذهبي - سير النبلاء: 10 / 490 - 509.
19

بها الركبان. قال الذهبي: " وهو من أئمة الاجتهاد " (1)
قال ابن سعد " كان أبو عبيد مؤدبا صاحب نحو وعربية، وطلب
للحديث والفقه " (2).
حدث عن ابن أبي الدنيا ولازمه وانتفع منه، وكان لقاؤه به مبكرا فهو
من قدماء شيوخه (3)، إذ دخل بغداد واستقر بها سنين طويلة بعد سنة 213 ه‍
وكان صاحب إيمان متين وصلاح كبير، قال أبو بكر بن الأنباري " كان
أبو عبيد - رحمه الله - يقسم الليل أثلاثا: فيصلى ثلثه، وينام ثلثه:
وينصف الكتب ثلثه " (4). فاستفاد منه في هذا الجانب.
أما الأثر البالغ الذي حصل لابن أبي الدنيا من خلال ملازمته لأبي عبيد،
فهو حبه وتعلقه بمهمة التأديب والتربية للناشئة. وقد كان أبو عبيد مؤدبا كبيرا
أدب أهل الأمير هرثمة بن أعين (5).
ومهمة التأديب هذه كانت لا توسد إلا إلى من توفرت فيه صفات جامعة
للزهد والعلم والتربية. فأصبح أب أبى الدنيا فيما بعد مؤدبا كبيرا، حتى أدب
أولاد الخلفاء.
وكان من آثار هذه الصحبة تمكن ابن أبي الدنيا من اللغة، فكان يدرس
لأبناء الخلفاء وغيرهم " كتاب الفصيح " للإمام ثعلب.
5 - أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي (6):
الحافظ العلامة الحجة، أبو عبد الله البغدادي، مصنف " الطبقات
الكبير " كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب
الحديث والفقه والغريب (7).
(1) الذهبي - سير النبلاء: 10 - 491.
(2) ابن سعد - الطبقات: 7 / 355.
(3) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 398.
(4) السبكي - طبقات الشافعية: 2 / 154.
(5) الذهبي - سير النبلاء: 10 / 493.
(6) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494 - 495.
(7) الخطيب - تاريخ بغداد: 5 / 321 - 322، ابن خلكان - وفيات الأعيان:
4 / 352، الذهبي - تذكرة الحفاظ: 2: 425.
20

قال الذهبي: كان من أوعية العلم، ومن نظر في " الطبقات " خضع
لعلمه " (1).
وقد حدث عنه ابن أبي الدنيا ولازمه، واستفاد منه العلم بالتاريخ
والرواية. وكان لقاؤه به مبكرا، وذلك لان ابن سعد توفى سنة
" 230 " (2).
وكان من ثمرات هذه الصحبة النافعة أن تخرج ابن أبي الدنيا به، فكانت
له عناية كبيرة بالتاريخ والسير، نتج عنها هذه المؤلفات الجيدة التي ألفها في
هذا الفن (3)، حتى قال فيه ابن شاكر الكتبي: " هو أحد الثقات المصنفين
للأخبار والسير " (4). وساق الخطيب البغدادي في " ترجمة أسد بن عمرو
الجبلي إسنادا، وفيه: " حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن سعد، وقال:
مات أسد بن عمرو البجلي سنة 190 ه‍ (5)
6 - علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن البغدادي (6):
الإمام الحافظ الحجة مسند بغداد. من كبار المحدثين الثقات. قال
الذهبي: " يقال مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما " (7).
سمع من شعبة وابن أبي ذئب وسفيان الثوري والمسعودي وخلق
كثيرين.
وحدث عنه البخاري وأبو داود ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل
وغيرهم.
وكان ممن سمع منه ولازمه الإمام ابن أبي الدنيا، فقد حدث عنه كثيرا
(1) الذهبي - سير النبلاء: 10 / 665.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 5 / 322.
(3) انظر فصل " آثاره العلمية ".
(4) الكتبي - فوات الوفيات: 1: 494.
(5) الخطيب - تاريخ بغداد: 1 / 19.
(6) ابن سعد - طبقات: 7 / 338 - 339، البخاري - التاريخ الكبير: 6 / 265،
الذهبي - العبر: 1 / 406.
(7) الذهبي - سير النبلاء: 10 / 466.
21

وأدرك به إسنادا عاليا. حتى استطاع أن يروى أحاديث من طريقه، بينه وبين
النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أنفس (1). وقد بلغت عدد الروايات التي أوردها المصنف عن علي
بن الجعد في كتاب " الصمت " (41) رواية. مما يدل على وفرة
مروياته عنه. توفى سنة " 230 ه‍ ".
7 - سعيد بن سليمان سعدويه (2):
الحافظ الثبت الإمام أبو عثمان الصبي الواسطي البزاز، سكن بغداد ونشر
العلم بها.
سمع حماد بن سلمة، والليث بن سعد، وهشيما وخلفا كثيرا
وحدث عنه البخاري وأبو داود ومحمد بن يحيى الذهلي وابن أبي الدنيا
وآخرون كثيرون.
قال أبو حاتم: " ثقة مأمون، لعله أوثق من عفان " (3).
وقال محمد بن سعد (4): " كان سعدويه كثير الحديث، ثقة، نزل بغداد
وتجر بها، وتوفى بها في رابع ذي الحجة سنة " 225 ه‍ "
وقد حدث عنه ابن أبي الدنيا ولازمه وانتفع منه كثيرا واستفاد به إسنادا
عاليا، وهو أقدم شيخ عنده. وقد سمعه مبكرا. وقد توفى وسن ابن أبي الدنيا
" 17 " سنة. وقد روى عنه في كتاب " الصمت " ست روايات.
8 - أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي (5):
الحافظ الإمام المجود المصنف، أبو عبد الله العبدي، كان والده إبراهيم بن
كثير من النساك العباد.
(1) انظر رقم (217)، (322).
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 9 / 84، الذهبي - سير النبلاء: 10 / 481 - 483، ابن
حجر - تهذيب التهذيب: 4، 43.
(3) ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 4 / 26.
(4) ابن سعد - الطبقات: 7 / 340.
(5) البخاري - التاريخ الكبير: 2 / 6، تاريخ البغدادي: 4 / 6 - 7، ابن حجر - تهذيب
التهذيب: 1 / 10 - 11.
22

سمع ابن علية، ووكيعا ويزيد بن هارون وخلقا كثيرا.
وحدث عنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبغوي وأبو يعلى
وابن أبي الدنيا.
قال الذهبي: " كان حافظا يقظا حسن التصنيف " (1).
سمع منه ابن أبي الدنيا ولازمه كثيرا وانتفع منه. وقد تحمل عنه الكثير
من الحديث، حتى أنه روى عنه " 36 " رواية في كتاب " الصمت "
وحده. توفى سنة 246 ه‍.
9 - زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة (2):
الحافظ الحجة، أحد أعلام الحديث، نزل بغدد بعد أن أكثر التطواف
في العلم، وجمع وصنف، وبرع في هذا الشأن.
حدث عن جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ووكيع وإسماعيل بن
علية وخلائق.
وروى عنه الشيخان وأبو داود، وابن ماجة، وأبو زرعة، وابن أبي
الدنيا وأبو يعلى الموصلي، وخلق كثير.
وثقه يحيى بن معين وقال: " أبو خيثمة يكفي قبيلة. وقال الخطيب:
كان ثقة ثبتا حافظا متقنا " (3).
وقد سمع منه ابن أبي الدنيا وأكثر عنه، واستفاد من الحديث والعلم،
وروى عنه في " كتاب الصمت " " 25 " رواية. توفى سنة 234 ه‍.
10 - الحسن بن الصباح بن محمد البزار (4):
الإمام الحافظ الحجة، شيخ الإسلام، أبو على الواسطي ثم البغدادي.
(1) الذهبي - سير النبلاء: 12 / 130.
(2) البخاري - التاريخ الكبير: 3 / 429، تاريخ بغداد: 3 / 342 - 344.
(3) الذهبي - سير النبلاء: 11 / 490.
(4) الخطيب - تاريخ بغداد: 7 / 330، ابن أبي يعلى - طبقات الحنابلة:
1 / 133 - 135، ابن الحجر - تاريخ التهذيب: 2 / 289 - 290.
23

حدث عن سفيان بن عيينة: وأبى معاوية الضرير، ووكيع، وعدة.
روى عنه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والفريابي، وأبو يعلى
الموصلي، وابن أبي الدنيا، والمحاملي.
قال أبو حاتم: " صدوق، كانت له جلالة عجيبة ببغداد: كان أحمد بن
حنبل يرفع من قدره ويجله " (1).
وقال الإمام أحمد: " ما يأتي على ابن البزار يوم إلا وهو يعمل فيه خيرا،
ولقد كنا نختلف إلى فلان، فكنا نقعد نتذاكر إلى خروج الشيخ وابن البزار
قائم يصلى " (2).
وكان مع زهده وعبادته، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (3).
وقد سمع منه ابن أبي الدنيا، ولازمه طويلا، فاستفاد منه الزهد والصلاح
وتحمل عنه حديثا كثيرا، فروى له في " كتاب الصمت " " 14 " رواية.
توفى سنة " 249 ه‍ ".
11 - خلف بن هشام بن ثعلب المقرئ (4):
الإمام الحافظ الحجة الإسلام، أبو محمد البغدادي البزار.
سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد وأبا عوانة وشريكا القاضي وتلا على
سليم وعلى أبى يوسف الأعشى وغيرهما. وحمل الحروف عن يحيى بن آدم،
وإسحاق المسيبي وطائفة، وتصدر للإقراء والرواية.
روى عنه مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، حاتم، وابن أبي
الدنيا، وأبو يعلى الموصلي، وعدد كثير.
قال الذهب: " له اختيار في الحروف صحيح ثابت ليس بشاذ أصلا،
(1) ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 3 / 19.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 7 / 331.
(3) الذهبي - سيرا النبلاء: 12 / 193 - 194.
(4) ابن سعد - الطبقات: 7 / 348، البخاري - التاريخ الكبير: 3 / 196، الذهبي،
معرفة القراءة الكبار: 1 / 172.
24

ولا يكاد يخرج فيه عن القراءات السبع، وأخذ عنه خلق لا يحصون " (1).
وقال الدارقطني: " كان عابدا فاضلا " (2).
روى عنه ابن أبي الدنيا ولازمه، واستفاد منه خيرا كثيرا، فعرض عليه
القرآن، وأخذ عنه القراءات، وسمع منه الحديث وأدرك به علو الإسناد (3)،
فإنه من قدماء شيوخه وكبارهم. توفى سنة " 229 ه‍ " وقد شارف الثمانين.
روى عنه في " كتاب الصمت " (14) رواية، وكان من آثار ملازمته
لخلف عنايته بالقراءات فألف فيها كتابه " الوقف والابتداء " (4) و " الوصل
والفصل " (5). كما أفرد مصنفا في قراءة خلف أسماه " حروف خلف " (6).
12 - محمود بن الحسن الوراق (7):
الشاعر البغدادي. روى عنه ابن أبي الدنيا وأبو العباس بن مسروق.
قال الذهبي: " بغدادي خير شاعر مجود، سائر النظم في
المواعظ " (8).
وهو صاحب البيت المشهور:
إذا كان وجه العذر ليس ببين فإن اطراح العذر خير من العذر (9)
(1) الذهبي - سير النبلاء: 10 / 577 - 578.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 8 / 327.
(3) انظر رقم " 597 " فإن ابن أبي الدنيا روى من طريقه حديثا وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة
أنفس.
(4) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 404 وانظر " فصل آثاره العلمية ".
(5) بروكلمان - تاريخ الأدب العربي: ذيل 1 / 248 رقم (15)
(6) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 402.
(7) طبقات الشعراء: 67 - 68، الخطيب - تاريخ بغداد: 3 / 87 - 88، الكتبي
- فوات الوفيات: 4 / 79 - 81.
(8) الذهبي - سير النبلاء: 11 / 461.
(9) جمع عدنان العبيدي ما وجد من شعره في ديوان طبع، انظر " المورد "
3 / 2: 233.
25

سمع ابن أبي الدنيا كثيرا من نظمه، وغالبه في المواعظ والحكم، وروى
عنه في كتبه جملة من الأشعار، واستفاد من صحبته كثيرا بحيث أنه أخذ
يتعاطى النظم ويهتم به فلا نكاد نجد له كتاب خاليا من الشعر الموجه، والنظم
المتخير. وقد كان اتصاله بالشاعر محمود الوراق في وقت مبكر من حياته
العلمية فإن محمود الوراق توفى سنة " 225 " ه‍ ".
* * *
26

المطلب الثالث
مكانة ابن أبي الدنيا العلمية
أولا: ثقاته:
إن خير ما يصور منزلة ابن أبي الدنيا العلمية، واتجاهاته التربوية
والإصلاحية هو آثاره الكثير التي خلفها، وما لقيته من اهتمام العلماء
والدارسين بها في العصور المتعاقبة.
ويضم إلى هذا، سيرة ابن أبي الدنيا العلمية وثقافته العالية، ذات الوجوه
المتعددة التي أخرجت هذه الثمار الوافرة، فكان حافظا بارعا، ومحدثا
جهبذا، وفقيها عارفا، ومؤرخا جامعا، وكان مكثرا من رواية الشعر، لغويا
متمكنا من العربية.
وهذه صورة عن ثقاته ومعرفته، وتمكنه في العلوم.
1 - القراءات:
اهتم ابن أبي الدنيا بقراءة القرآن الكريم، واعتنى بدراسة علم القراءات
فاتصل بالإمام الحافظ خلف بن هشام المقرى (1) " ت 229 ه‍ "، وكان من
أئمة هذا الشأن، فسمع منه ولازمه وسنه دون العشرين، وتميز ابن أبي الدنيا
عن الخلائق التي لا تحصى ممن بهذا الإمام، فتمكن هو من إفراد
مصنف في قراءة خلف، أسماء: " حروف خلف ". فكان له فضل تقعيد
هذه القراءة وصنيفها كما ألف كتبا أخرى في هذا الفن (2)، تدل على تقدمه
فيه، وتمكنه منه.
(1) انظر ترجمته في " فصل شيوخه ".
(2) انظر " علم القراءات في مؤلفاته ".
27

2 - الحديث:
وكذلك الحديث، فإن ابن أبي الدنيا نهض لطلب الحديث وسماعه،
وسنه دون العاشرة، واعتنى به عناية فائقة، فسمع كثرة من الكتب والمسانيد
والسنن، ولقي المئات من الشيوخ والأئمة فتحمل منهم علما غزيرا، وكان
من حبه للحديث، واستغراقه في طلبه أن سمع ممن هم دون طبقته، قال
الذهبي: " حتى كتب عن أقرانه، بل عن أصغر منه " (1).
ولتمكنه من هذا العلم الشريف أطلق عليه لقب " الحافظ " ومصنفاته
كلها على تنوع مادتها وفنونها تعبر كتبا حديثية، وذلك لأنها مروية بالإسناد
وقد تلقاها من أفواه مشايخه. وله رأى معتبر عند الأئمة في نقد الرجال، وهو
ما يسمى بعلم " الجرح والتعديل "، قال ابن حجر في ترجمته " الحسن بن
ذكوان " قال ابن أبي الدنيا: " وكان يحيى يحدث عنه، وليس عندي
بالقوى (2) وقال في ترجمة " محمد بن فراس أبى هشام الضبعي، قال ابن أبي
الدنيا: بصري ثقة " (3) ولولا أن حكمه معتبر عند الأئمة في هذا الشأن لما
أوردوه في مصنفاتهم ولما اعتبروه. وقد كان يصدر أحكامها على بعض من لقيه
من الشيوخ لتقييم حديثهم، وبيان درجتهم: من ذلك قوله في أحد شيوخه:
" حدثنا الوليد بن سفيان العطاردي البصري، وكان ثقة " (4). وتبين لي أن
حكم ابن أبي الدنيا على هذا الشيخ بالتعديل ذو قيمة وأهمية بالغة، فإني لم أقف
على من تكلم فيه سواه.
3 - عنى الحافظ ابن أبي الدنيا بالعربية منذ نشأته، وتخرج بعلم من أعلامها
الكبار، ذلك هو الإمام المجتهد أبو عبيد القاسم بن سلام (5) " ت 224 ه‍ ".
وقد تمكن من اللغة حتى كان يدرس أمهاتها لطلابه، حكى عن نفسه
(1) الذهبي - تذهيب تهذيب الكمال: 2 / 184 ب.
(2) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 2 / 276 - 277.
(3) المصدر نفسه 9 / 398.
(4) ابن أبي الدنيا - كتاب الإخوان: رقم 139.
(5) انظر ترجمته في " فصل شيوخه ".
28

مرة فقال: [كنت أأدب المكتفى، فأقرأته " كتاب الفصيح " (1)].
كما أنه اهتم بالشعر والأدب، وتخرج بالشاعر الأديب الشيخ محمود بن
الحسن الوراق البغدادي (2) " ت 225 ه‍ "
وله مصنفات في الأدب تدل على تمكنه فيه (3)، وقد وصفه الذهبي بأنه
كان " أديبا "
وكان يتعاطى نظم الشعر، ونظمه فيه (4) متوسط، ويغلب عليه جانب
المواعظ والحكم، وكان يرتجله أحيانا، ومما وقفت عليه من نظمه هذه المقاطع:
قال عمر بن سعد القراطيسي: " كنا عند باب ابن أبي الدنيا ننتظر،
فجاءت السماء بالمطر، فأتتنا جارية برقعة، فقرأتها فإذا فيها مكتوب (5):
- أنا مشتاق إلى رؤيتكم * يا أخلائي وسمعي والبصر -
- كيف أنساكم وقلبي عندكم * حال فيما بينا هذا المطر -
ومن نظمه أيضا:
- إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى * كأنت مملوك لكل رفيق -
- وكن [مثل طعم] (6) الماء عذبا وباردا * على الكبد الحري لكل صديق (7) -
وكتب إلى المعتضد وابنه المكتفى - وكان مؤدبهما:
- إن حق التأديب حق الأبوة * عند أهل الحجى وأهل المروة -
- وأحق الأنام أن يعرفوا ذاك * ويرعوه أهل بيت النبوة (8) -
(1) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494 - 495.
(2) انظر ترجمته في " فصل شيوخه ".
(3) انظر " فصل مؤلفاته ".
(4) الذهبي - العبر: 2 / 56.
(5) ابن الجوزي - المنتظم: 50 / 148، ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71.
(6) في " الكنش " وكن كطعم الماء. والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب. و ذلك حتى يستقيم
الوزن وهو من البحر الطويل.
(7) " كش لبعض المشارقة " ورقة 29 رقم 1865. المكتبة الوطنية بالعطارين. فهرس الشيخ
حسن حسني عبد الوهاب ص 285، وقد جردت الكتاب كله فلم أعثر على النص، وكان المخطوط
متهالكا عبثت فيه الأرضية أيما عبث، وهو ناقص من آخره، فلعل الأبيات في السقط. (8) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494
29

ودخل ابن أبي الدنيا على الحافظ يوسف القاضي، فسأله عن قوته؟ قال
القاضي: أجدني كما قال سيوينه:
- لا ينفع الهليون والأطريفل *
- انخرق الاعلى وخار الأسفل *
- ونحن في جد وأنت تهزل *
فقال ابن أبي الدنيا:
- أراني في انتقاص كل يوم * ولا يبقى مع النقصان شئ -
- طوى العصران ما نشراه منى * فأخلق جدتي نشر وطى (1) -
وأخرج الخرائطي عن علي بن الحسين، قال: أنشدني ابن أبي الدنيا:
- لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة * أعلى من الشكر عند الله في الثمن -
- إذا منحتكها منى مهذبة * حذوا على حذو ما أوليت من حسن (2) -
واهتمام ابن أبي الدنيا بالشعر، و ولعه به ظاهر في مصنفاته، فإنه يكثر من
ايراده فيها، ويودع المتخير الجيد من مروياته الشعرية في أبوابها اللائقة بها، ولا يكاد يخلو
مصنف من مصنفاته من الأبيات الشعرية الموجهة، وهي كثيرة جدا في بعض
مصنفاته (3).
4 - التاريخ والسير والاخبار:
لقد كانت عنايته ابن أبي الدنيا بالتاريخ والسير والأخبار عنايته فائقة، فبادر
لجمعه وسماعه وسنه دون العشرين، ومضى في جمع هذا العلم وتصحيحه وتتبعه حتى
برع فيه، وتخرج بالإمام أبى عبد الله محمد بن سعد البغدادي كاتب الواقدي،
ومصنف " الطبقات الكبير " وكان من العلماء الحفاظ (4) فلازمه وانتفع به، كما
(1) الخطيب - تاريخ بغداد: 14 / 311، الذهبي - سير النبلاء: 14 / 86.
(2) الخرائطي - كتاب فضيلة الشكر لله: 63.
(3) انظر على سبيل المثال: " الإشراف في منازل الأشراف " تشستربتى رقم " 4427 ". وفى
مكتبتي صورة عنه.
(4) انظر ترجمته في " فصل شيوخه ".
30

تخرج بعلم آخر من أعلام هذا الفن ذلك هو الإمام الحافظ أبو حسان الزيادي
الحسن بن عثمان البغدادي، مؤرخ العصر (1).
وما لبث ابن أبي الدنيا أن أصبح إماما كبيرا من أئمة هذا الشأن، شهد له
العلماء بذلك، قال المسعودي: " وقد ألف الناس كتبا في التاريخ والسير، ممن
سلف وخلف.. (2) وعد منهم ابن أبي الدنيا. وقال ابن النديم " وكان ورعا
زاهدا، عالما بالأخبار والروايات " (3) وقال الذهبي:
" وكان صدوقا أديبا إخباريا " (4). وقال ابن شاكر الكتبي: " وهو أحد
الثقات المصنفين للأخبار والسير " (5)، وكذا عده السخاوي في المؤرخين (6) و قد
نقل الأئمة أقواله في كتبهم التاريخية، وفى الجرح والتعديل (7) وغيره.
قال الحافظ الذهبي، في ترجمة " سفيان الثرى ": " وكذا نسبه ابن أبي الدنيا
عن محمد بن خلف التيمي، غير أنه أسقط منه منقذا والحارث، وزاد بعد مسروق
حمزة والباقي سواء " (8).
وساق الخطيب في ترجمة " أسد بن عمرو الواسطي " إسنادا، وفيه:
" حدثنا ابن أبي لدنيا، حدثنا ابن سعد: قال مات أسد بن عمرو البجلي سنة
190 ه‍ (9).
قال ابن حجر في ترجمة " عبد الله بن عمر العمرى ": قال ابن أبي
الدنيا: كان يكنى أبا القاسم، فتركها، واكتنى أبا عبد الرحمن. وأرخ وفاته
(1) الذهبي - سير النبلاء: 11 / 496 - 498 وقد اصطحب الخطيب " تاريخ أبى حسان
الزيادي " معه حينما رحل إلى دمشق وذلك لأهميته، انظر المالكي - تسمية ما ورد به الخطيب البغدادي
رقم 336.
(2) المسعودي - مروج الذهب: 1 / 20 - 21.
(3) ح ابن النديم - الفهرست: 262.
(4) الذهبي - العبر 2: 56.
(5) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494.
(6) السخاوي الإعلان بالتوبيخ: 426، روزنثال - علم التاريخ: 690.
(7) انظر " علم الحديث " من هذا الفصل.
(8) الذهبي - سير النبلاء: 7 / 230.
(9) الخطيب - تاريخ بغداد: 1 / 19.
31

مثل ابن سعد " (1) وقد أكثر ابن الجوزي النقل عنه في كتابه " المصباح المضئ
في خلافة المستضئ " حتى بلغ ما نقله عنه خمسين موضعا (2). وكذا سبقه
الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " وابن عساكر في " تاريخ دمشق " وابن
كثير في " البداية و النهاية " وغيرهم (3).
وقد حكى الخطيب البغدادي حكاية طويلة جرت لابن أبي الدنيا مع الخليفة
الموفق وابنه المكتفى، تدل على تمكنه من علمه، وطول باعه في التاريخ
والأخبار، وموجزها: أن المكتفى كان لا يحب الكتاب ويستثقله، فلما
وكل ابن أبي الدنيا بتأديبه أحبه وانشرح له، فلما رأى الخليفة ذلك، طلب
رؤية، قال ابن أبي الدنيا: " فأحضرت، فقرب قربا من سريره. وابتدأت
في أخبار الخلفاء ومواعظهم فبكى بكاء شديدا. قال: وابتدأت فقرأت عليه نوادر
الاعراب، قال: فضحك ضحكا كثيرا، ثم قال: شهرتني، شهرتني، ثم
أمر له الخليفة بخمسة عشر دينارا في كل شهر، فكان يقبضها حتى مات (4).
وقد صنف ابن أبي الدنيا مصنفات جليلة في هذا الفن، تدل على طول
باعه فيه، ووفرة علمه، فألف في تراجم الأشراف، والأولياء، وأخبار
قريش، وأخبار الأعراب، وتاريخ الخلفاء.
كما ألف في السير، ودلائل النبوة وأعلامها، وأخبار الملوك. وأفراد
مصنفات في الأعلام كل على حدة، فوضع كتبا في أخبار أويس القرني،
وأخبار معاوية، وأخبار الثوري، وفضائل علي بن أبي طالب، كما أفرد
مصنفات في الأحداث الأليمة التي رزئت بها الأمة كمقتل عثمان ومقتل على،
والحسين وطلحة، والزبير، وابن الزبير، وسعيد بن جبير، وغير ذلك
كثيرة (5). حتى إن الخطيب البغدادي توسع في الاقتباس من ابن أبي الدنيا، فقد
(1) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 5 / 327.
(2) ابن الجوزي - المصباح المضي: 1 / 107، 148، 260، 274، 381، 382، 383، 397، 2 / 5، 6، 7، 8، 9، 61، 17، 26، 31، 34، 38، 39، 100،
232، 250... الخ.
(3) الدكتور أكرم العمرى - موارد الخطيب ص 159 ء 162.
(4) الخطيب - تاريخ بغداد: 10: 90.
(5) انظر " فصل مؤلفاته ".
32

اقتبس منه " 77 " نصا منها " 33 " نصا تتعلق بأخبار الخلفاء، وكذا ابن
عساكر في " تاريخ دمشق " وابن كثير في البداية والنهاية " (1).
وكان ابن أبي الدنيا بارعا في العلوم الأخرى كالفقه، وله فيه المصنفات
الحسان: فألف في الضحية، وذم المسكر، والرهائن، وصدقة الفطر،
والعيدين، والقصاص، والمناسك وغير ذلك (2).
* * *
وكذلك في العقائد، فإنه صنف فيها مؤلفات نافعة مثل " البعث
والنشور " و " دلائل النبوة " و " صفة الجنة " و " صفة النار " و " صفة
الصراط " و " الموقف " وغير ذلك (3).
وله مشاركة حسنة في علوم أخرى، وإنما فضلنا الكلام في بعضا
لتقدمه وجلالته فيها، ولأنها مال تخصصه وإبداعه.
5 - الزهد والرقائق:
أما علم الزهد والرقائق والأخلاق فهو فارس ميدانه، وحامل لوائه،
وجامع شتاته، والمعروف به، " ومن أكثر من شئ عرف به ".
وكان قد صحب الإمام الزهاد محمد بن الحسين البرجلاني، صاحب
المصنفات في الزهد والرقائق، وسنة دون العاشرة، فلزمه ملازمة دائمة حتى
تخرج به، كما تخرج بإمام من أئمة هذه المدرسة ذلك هو الإمام أحمد بن
حنبل، قال ابن الجوزي: " وكان يقصد حديث الزهد والرقائق، وكان
لأجلها يكتب عن البرجلاني، ويترك عفان، وكان ذا مروءة، ثقة صدوقا
صنف أكثر من مائة مصنف في الزهد " (4). وقال ابن كثير: " المصنف في
(1) انظر موارد الخطيب - للدكتور أكرم العمرى ص 159 - 162.
(2) انظر " فصل مؤلفاته ".
(3) انظر " فصل مؤلفاته ".
(4) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148.
33

كل فن، المشهور بالتصانيف الكثيرة النافعة الشائعة الذائعة في الرقاق وغيرها
وهي تزيد على مائة مصنف، وقيل إنها نحو الثلاثمائة مصنف (1). وقال
المزي: " صاحب التصانيف المشهورة المفيدة " (2) وهكذا تواطأت شهادات
الأئمة في الثناء على مصنفاته الزهدية، وبأنها شاعت بين الناس، وعظم نفعها
عندهم. وأصبحت مرجعا لكل من كتب في هذه الأبواب ممن خلفه من
العلماء. قال ابن تغرى بردى: " وله التصانيف الحسان، والناس بعده عيال
عليه في الفنون التي جمعها " (3). وندر أن يكون هناك باب من أبواب الزهد
والأخلاق إلا وله فيه مؤلف مستقل.
ومن ذلك كتاب " الصمت وآداب اللسان " و " كتاب الزهد "
و " كتاب محاسبة النفس " و " كتاب اليقين " و " كتاب ذم الدنيا "
وغير ذلك من المصنفات الكثيرة جدا في هذا الباب (4).
ثانيا: تأديبه أولاد الخلفاء وغيرهم:
كان ابن أبي الدنيا بالإصالة إلى ما ذكرناه من رصانته العلمية،
وموسوعيته ووفرة عطائه، فإنه كان أستاذا ماهرا ومدرسا قديرا، اصطفاه
الخلفاء لتأديب أبنائهم وتثقيفهم. لأن التأديب في ذلك الوقت عمل علمي
جليل، لا يليه إلا كل عالم ضليع باللغة والأدب (5)، ولا يسند إلا إلى أهل
النبل والاستقامة، ليكون تأديبهم بالقدوة قبل الكلمة. وكان ابن أبي الدنيا قد
توفرت فيه هذه الصفات بالإضافة إلى أنه كان شخصية محبوبة ومؤثرة وكان
إذا جالس أحدا، إن شاء أضحكه، وإن شاء أبكاه في آن واحد (6).
أما أولاد الخلفاء الذين أدبهم ابن أبي الدنيا فقد أغفلت المصادر ذكرهم،
واكتفت بالتعميم، ولم تسم منهم سوى اثنين وهما الخليفة المعتضد، وابنه علي بن
(1) ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71.
(2) المزي - تهذيب الكمال: 7 / 395 ب.
(3) ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 86.
(4) انظر " فصل مؤلفاته ".
(5) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 400، عبد المجيد قطامش - مقدمة كتاب الأمثال: ص 6.
(6) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 400.
34

المعتضد الملقب بالمكتفى بالله. وأظن السبب يرجع إلى أن هذين حكما
فاشتهرا، وبقية أبناء الخلفاء أهملوا لعدم شهرتهم، واكتفى المؤرخون
بالتعميم.
قال ابن الجوزي: " وقد أدب غير واحد من أولاد الخلفاء، منهم
المعتضد وعلي بن المعتضد، وكان يجرى له في كل شهر خمسة عشر دينارا " (1).
وممن ذكر أنه أدب المعتضد، ولم يزد عليه: الإمام الذهبي قال: قال
ابن كامل: " هو مؤدب المعتضد " (2) وزاد في " سير النبلاء ": " كان
يؤدب غير واحد من أولاد الخلفاء " (3).
وممن ذكر أنه أدب المكتفى بالله، ولم يزد: المسعدى (4).
وأما من عمم فقال: أدب غير واحد من أولاد الخلفاء، فالخطيب (5)
والمزي (6)، وابن حجر (7)، وغيرهم.
والذي نخرج به من هذه النصوص أن ابن أبي الدنيا قد أدب المعتضد وابنه
المكتفى. بالله وغيرهم من أولاد الخلفاء، بالإضافة إلى تأديبه وتربيته وتثقيفه
لجمهور كبير من تلامذته، ممن أصبح لهم شأن فيما بعد، لا سيما والحافظ
أبو بكر ابن أبي الدنيا واصل تصدره للإقراء حتى العام الذي توفى فيه
- رحمه الله -.
(1) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148، وذكر ذلك أيضا ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71،
وابن شاكر الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494، وابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 86.
وابن باطيش - التمييز والفصل 1 / 322.
(2) الذهبي - طبقات الحفاظ: 2 / 678، سير النبلاء: 13 / 400.
(3) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 400.
(4) المسعودي - مروج الذهب: 1 / 20 - 21 و 8 / 183.
(5) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 89.
(6) المزي - تهذيب الكمال: 7 / 395 ب
(7) ابن حجر - تهذيب: 6: 12 /
35

أثر ابن أبي الدنيا في الخلفاء الذين أدبهم:
الخليفة المعتضد بالله، أبو العباس أحمد بن طلحة (1)، بويع سنة
279 ه‍ " وسنه إحدى وثلاثون سنة.
وصف المسعودي حال الرعية في أيامه فقال: " ولما أفضت الخلافة إلى
المعتضد بالله سكنت الفتن، وصلحت البلدان، وارتفعت الحروب،
ورخصت الأسعار، وهدأ الهرج، وسالمه كل مخالف، وكان مظفرا قد دانت
له الأمور، وانفتح له الشرق والغرب... " (2).
كان مراعيا للحدود لا شرعية، قال إسماعيل القاضي: " دخلت على
المعتضد، وعلى رأسه أحداث روم ملاح، فنظرت إليهم، قرآني المعتضد
أتأملهم، فلما أردت الانصراف، أشار إلى، ثم قال: " أيها القاضي، والله
ما حللت سراويلي على حرام قط " (3).
وقال إسماعيل القاضي: " دخلت على المعتضد، فدفع إلى كتابا،
فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل
منهم لنفسه، فنقلت له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق. فقال:
ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح
المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم
إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه. فأمر المعتضد
فأحرق ذلك الكتاب (4).
و وصفه الذهبي فقال: " أسقط المكس، ونشر العدل، وقلل الظلم،
وكان يسمى السفاح الثاني، أحيا رميم الخلافة التي ضعفت من مقتل
المتوكل " (5) و " اكتسب المعتضد محبة الناس عندما أصدر أو أمره بإبطال ديوان
(1) المسعودي - مروج الذهب: 4 / 143 - 185، الذهبي - سير النبلاء:
13 / 463 - 479.
(2) المسعودي - مروج الذهب: 4 / 143.
(3) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 465.
(4) البيهقي - السنن الكبرى: 10 / 211 - الذهبي - سير النبلاء: 13 / 465.
(5) المصدر نفسه: 13 / 465.
36

المواريث، وبأن يورث ذوو الأرحام كما منع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة
وما شاكلها ومنع القصاص والمنجمين من الجلوس في الطريق، وصلى بالناس
صلاة الأضحى (1).
وقد أخمد فتنا عظيمة، وكان يسير إلى أصحابنا بنفسه (2). فكانت
أيامه كثيرة الامن والرخاء ".
" وفى سنة 282 ه‍ أبطل المعتضد، وقيد النيران، وشعار النيروز " (3)
توفى سنة " 289 " ه‍.
2 - الخليفة المكتفى بالله، أبو محمد على بن المعتضد بالله، ولد سنة
" 264 ه‍ " وبويع بالخلافة سنة 289 ه‍.
وكان حسن السيرة محبوبا عند الرعية، سار سيرة جميلة فأحبه الناس،
ودعوا له. قال الذهبي: " هدم المطامير التي عملها أبوه، وصيرها مساجد،
ورد أملاك الناس إليهم، وكان أبوه قد أخذها لعمل قصر، وأحسن السيرة،
فأحبه الناس " (4)، " وصلى المكتفى بالناس يوم الأضحى " (5). ومات شابا
له من العمر إحدى وثلاثون سنة، وكانت وفاته سنة " 295 " (6).
ثالثا: رحلاته في طلب العلم:
لم أجد في كتب التراجم - التي وقفت عليها - ذكرا لرحلات ابن أبي
الدنيا في طلب العلم وسماعه، وهو جانب مهم، أهمله كل من ترجم له، كما
أهمل الكثير من جوانب حياته الأخرى، فلم يدونوا لنا سوى بيانات يسيرة،
يصعب على الباحث في سيرته، أن يلتمس جوانب حياته المتنوعة من خلالها.
(1) السيوطي - تاريخ الخلفاء: ص 245 - 247.
(2) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 471 - 476.
(3) المصدر نفسه: 13 / 473.
(4) الخطيب - تاريخ بغداد: 11 / 316 - 318، الذهبي - سير النبلاء:
13 / 479 - 485. والمطامير: السجون.
(5) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 480، السيوطي - تاريخ الخلفاء: 250 - 251.
(6) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 480.
37

ولكن قد ظهر لي أثناء دراستي لمشايخه، وتتبع النتف المنثورة - في سيرته
وحياته، أن أحكم بشئ من الثقة: بأن أبى الدنيا لم يرحل خارج العراق
إلا لأداء فيضة الحج، فكان معظم سماعه ببغداد، سواء من شيوخها النازلين
بها، أو من الشيوخ الوافدين عليها من البلاد الأخرى، فتكون رحلاته ضمن
حدود العراق كالبصرة والكوفة والموصل. وقد استنتجنا ذلك من روايته عن
مشايخ بصريين وكوفيين وموصليين. ويؤكد صحته ما ذهبنا إليه: قول الإمام
الذهبي: " أنه كان قليل الرحلة " (1). أي أنه لم ينف عنه الرحلة، وإنما
وصفها بالقلة.
ويبدو أن المسوغ له في العزوف عن الرحلة، والعكوف على بغداد هو
ذلك العدد الهائل من العلماء النازلين فيها، وفيهم سادات الأمة ثقة و عدالة،
وضبطا وإتقانا، وعلوا في السند، مع وفرة في المرويات. كأحمد بن حنبل
" 241 ه‍ " وسعيد بن سليمان الواسطي سعدويه " ت 225 ه‍ " وخالد بن
خداش " ت 223 ه‍ " وأحمد بن منبع " ت 244 ه‍ " وعلي بن الجعد
" ت 230 ه‍ ويحيى بن معين " ت 233 ه‍ ".
أضف إلى هذا أن بغداد كانت مركز الخلافة والحضارة والعلوم فكان
العلماء يأتونها من كل مكان، وكتاب الخطيب البغدادي " تاريخ بغداد " خير
شاهد على هذا. فاستثمر ابن أبي الدنيا هذه المزيلة لبلده، فكان يتتبع العلماء،
الواردين عليها، فسمع من البخاري " ت 256 ه‍ " والترمذي
وصنيع ابن أبي الدنيا يتسق من آداب طالب الحديث. قال الإمام
النووي: " ثم ليفرغ جهده لتحصيله - أي الحديث - بالسماع من شيوخ
بلده إسنادا وعلما وشهرة ودينا وغيرة، فإذا فرغ فليرحل على عادة الحفاظ
المبرزين " (2).
(1) (1) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 399.
(2) النووي - تقريب الإرشاد: ص 29، وانظر السيوطي - تدريب الراوي: 2 / 142.
38

وعلى الرغم مما تقدم، فإن للرحلة - إذا صحت فيها النية - فوائد
جمة، ففضلا عن أنها باب جليل من أبواب الجهاد والاجتهاد في طلب العلم،
فهي تمكن صاحبها من جمع مادة وافرة، وإدراك الشيوخ المعمرين فيتحصل
علو الإسناد - ولقاء الحفاظ المتقنين والمذاكرة لهم والاستفادة منهم.
رابعا: آراء العلماء فيه:
احتل ابن أبي الدنيا في الحديث والآداب والسير مكانة مرموقة في
النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وصنفه الأئمة في عداد الحفاظ
الكبار، واصطفته الخلفاء لتدريب أولادهم وتثقيفهم، وكان طلبة العلم
يقصدونه من كل مكان ليسمعوا منه. قال الدكتور حسن إبراهيم: " وقد نبغ
في عهد المعتضد كثير من الكتاب والمفكرين والشعراء نخص بالذكر منهم ابن أبي
الدنيا " ت 281 ه‍ " مثقف الخليفة المكتفى في حداثته... " (1).
وممن وثقه وأبان عن فضله ومنزلته من النقاد المعاصرين له ابن أبي حاتم
قال: " كتب عنه مع أبي، قال: وسئل أبى عنه، فقال، بغدادي
صدوق " (2).
وقال أبو على صالح بن محمد البغدادي، الملقب بجزرة: " صدوق
وكان يختلف معنا... " (3).
وقال القاضي أبو الحسن وبكرت إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي يوم
مات ابن أبي الدنيا، فقلت: أعز الله القاضي مات ابن أبي الدنيا فقال:
" رحم الله ابن أبي الدنيا، مات معه علم كثير ".
أما من وثقه وأثنى عليه من الأئمة النقاد ممن خلفوه: المؤرخ المسعودي
إذ ذكره في وفيات " 281 ه‍ " وذكره أنه مؤدب المكتفى بالله، وصاحب
الكتب المصنفة في الزهد وغيره، ثم قال: " وإنما نذكر وفاة هؤلاء لدخولهم
(1) حسن إبراهيم - تاريخ الإسلام: 3 / 18.
(2) ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 5 / 163.
(3) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 90، ابن الجوزي، المنتظم 5 / 148، ابن حجر
- تهذيب التهذيب: 6 / 13، ولكلامه بقية سنورده في الاعتراضات.
39

في التاريخ، وحمل الناس العلم عنهم من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1).
وقال ابن الجوزي: " كان ذا مروءة ثقة صدوقا " (2)
وقال ابن النديم: " وكان ورعا عالما بالاخبار والروايات " (3).
وقال إسماعيل بن باطيش: " وكان ثقة صدوقا " (4).
وقال الذهبي: " المحدث العالم الصدوق " (5) وقال أيضا: " كان صدوقا
أديبا أخباريا " (6).
وقال ابن كثير: الحافظ المصنف في كل فن، المشهور بالتصانيف الكثيرة
النافعة الشافعة الذائعة في الرقاق وغيرها... ثم قال: وكان صدوقا حافظا ذا
مروءة " (7).
و قال ابن شاكر الكتبي: " و هو أحد الثقات المصنفين للأخبار
و السير " (8).
وقال ابن تغرى بردى: " وكان عالما زاهدا عابدا، والناس بعده عيال
عليه في الفنون التي جمعها، وروى عنه خلق كثير، واتفقوا على ثقته وصدقه
وأمانته " (9).
وأما من أطلق عليه لقب " الحافظ - بالإضافة إلى من تقدم - فالإمام
المزي (10)، وابن حجر العسقلاني (11)، والسخاوي (12). وقال مرتضى
(1) المسعودي: مروج الذهب: 4 / 183 - 184.
(2) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148.
(3) ابن النديم - الفهرست ص 262.
(4) ابن باطيش - التمييز والفصل: 1 / 322.
(5) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 2 / 677.
(6) الذهبي - العبر: 2 / 56، تذهيب الكمال: 2 / 184 ب. وقال " الحافظ الإخباري ".
(7) ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71.
(8) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494.
(9) ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 86
(10) المزي - تهذيب الكمال: 7 / 395 ب.
(11) ابن حجر - تهذيب: 6 / 12.
(12) السخاوي - الاعلان بالتوبيخ ص 426، روزنثال - علم التاريخ: ص 960، فتح
المغيث: 1 / 190.
40

الزبيدي. " حافظ الدنيا أبو بكر ابن أبي الدنيا (1) ".
والمعروف عند أئمة الحديث أن لقب " الحافظ " لا يطلق إلا على من
أتقن هذا الفن، وأوتي سعة في معرفته، ووقف على غوامضه ودقائقه.
ويكفيه فضلا وفخرا أن شيخا كبيرا من مشايخه قد أخذ عنه وهو
الحافظ الكبير الحارث بن أبي أسامة " ت 282 ه‍ " (2) صاحب المسند وممن
روى عنه من النجباء الجهابذة الإمام ابن ماجة محمد بن يزيد القزويني
" ت 273 ه‍ " صاحب السنن وابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد الرازي
" ت 327 ه‍ " صاحب الجرح والتعديل، وابن خزيمة محمد بن إسحاق
الحافظ " ت 311 ه‍ " صاحب الصحيح، وخلق كثير. ذكرنا طرفا منهم في
" فضل تلاميذه ".
* * *
(1) الزبيدي - التحاف السادة المتقين: 7 / 88.
(2) الذهبي - سير النبلاء 13 / 399.
41

المطلب الرابع
مؤاخذات العلماء على ابن أبي الدنيا
وقد أخذ بعض الأئمة ممن عاصر ابن أبي الدنيا، ورافقه في الطلب بعض
المؤاخذات عليه، وهي وإن كانت مبالغا فيها، فإنها في نفس الوقت واردة
عليه. وسأذكر هذه الاعتراضات مع نقدها، لنضعها في إطارها الصحيح،
حتى تأخذ حجمها الحقيقي من غير مبالغة أو تساهل.
1 - أخذهم على ابن أبي الدنيا سماعه من محمد بن إسحاق البلخي.
والذي آخذه بها صاحبه في الطلب، الإمام الحافظ 2 صالح بن محمد البغدادي
الملقب بجزرة. وتابعه في إيرادها الخطيب البغدادي، وابن الجوزي وابن
حجر.
قال صالح بن محمد جزرة - وقد سئل عن ابن أبي الدنيا -:
" صدوق: وكان يختلف معنا: إلا أنه كان يسمع من إنسان يقال له: محمد بن
إسحاق البلخي، وكان يضع للكلام إسنادا، وكان كذابا يروى أحاديث من
ذات نفسه مناكير " (1).
ومحمد بن إسحاق البلخي هذا هو اللؤلؤي، قال فيه الذهبي: " الإمام
الحافظ البارع " (2) وساق فيه روايتين: أحداهما تثنى عليه. وقال في الأخرى
" ذكره الخطيب وأشار إلى تضعيفه " (3). وأدخله في كتابه: تذكرة
الحفاظ " (4) أ ثم " ذكر ه في ميزان الاعتدال " وقال " وكان أحد الحفاظ
(1) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 90، ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148 - 149 ابن
حجر - تهذيب التهذيب: 6 / 13.
(2)، (3) الذهبي - سير النبلاء: 11 / 449.
(4) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 2 / 426.
42

إلا أن صالح جزره قال: كذاب، وقال الخطيب: لم يكن يوثق به، وقال أحمد بن سيار المروزي، كان آية من الآيات في الحفظ، وكان لا يكلمه أحد
إلا علاه في كل فن. وقال ابن عدي: لا أرى حديثه يشبه حديث أهل
الصداق " (1).
فاستبان لنا أن الرجل ضعيف، ولكنه حافظ كبير، بارع في فنون
العلم، وهبة متهما بإجماع الأمة ومتروكا، فإن ذلك ليس بقادح في من روى
عنه من الحفاظ الكبار، وقد روى ابن أبي الدنيا عن رجل آخر اسمه محمد بن إسحاق
الضبي، وقد تركه ابن أبي حاتم (2) وروى عن جمهور عريض من
المشايخ في بعضهم ضعف متفاوت - فما الغرابة في ذلك وقد درج المحدثون
على ذلك، فإنهم قد يتحملون الحديث والعلم عن الشيوخ عامة، فإذا حدثوا
بالحلال والحرام تشددوا، وإذا حدثوا بفضائل الأعمال تساهلوا، وقد
يوردون هذه الطرق الضعيفة في باب المتابعات والشواهد. أو يحملون عنهم
ولا يؤدون.
فانتقاد الأئمة لابن أبي الدنيا لسماعه من محمد بن إسحاق أو غيره، فيه
تهويل لأمر شاركه فيه الأئمة من المحدثين، فالإمام أحمد بن حنبل قد روى
عن علي بن مجاهد بن مسلم القاضي الكابلي، وهو من شيوخه
المباشرين، وليس في شيوخه أضعف منه، قال ابن معين: كان يضع
الحديث. وكذبه يحيى بن الضريس، وقال السليماني: فيه نظر، وقال ابن
حجر: متروك (3). والترمذي أخرج لعطاء بن العجلان الحنفي وهو متروك،
بل أطلق عليه بان معين والفلاس وغيرهما الكذب " (4). وأخرج ابن ماجة في
سننه لعلي بن حزور بن أبي فاطمة الكوفي، وهو متروك (5) وعشرات غيرهم
من الضعفاء والمتروكين والمجاهيل أخرج لهم أصحاب السنن الأربعة،
(1) الذهبي - ميزان الاعتدال: 3 / 475 - 476.
(2) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 148 - 149، وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال:
3 / 477.
(3) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال: 3 / 152، وتقريب التهذيب: 2 / 43.
(4) انظر ابن حجر - تقريب التهذيب: 2 / 22.
(5) المصدر نفسه: 2 / 33.
43

والبخاري في غير الصحيح. والأصل في هذا أن من أسند فقد أحالك. وأدى
الأمانة كما تحملها.
ومن خلال استعراضي لكتابين مهمين من كتب ابن أبي الدنيا وهما " كتاب الصمت " و " كتاب الشكر " لم أره يذكر فيهما رواية واحدة عن
هذين الشيخين البلخي ولاضبى. و " كتاب الصمت " وحده اشتمل على
" 759 " رواية فيظهر أنه مقل عنهما.
2 - ولكن الاعتراض الذي يرد على ابن أبي الدنيا - وهو وجيه -
ما ذكره الذهبي إذ قال - بعد أن ذكر جمهرة من شيوخه -: " ويروي عن
خلق لا يعرفون، وعن طائفة من المتأخرين كيحيى بن أبي طالب، وأبى قلابة
الرقاشي، وأبى حاتم الرازي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وعباس الدوري
لأنه كان قليل الرحلة، فيتعذر عليه رواية الشئ، فيكتبه نازلا، وكيف
اتفق " (1)
فأما رواية ابن أبي الدنيا عن خلق لا يعرفون فهي حاصلة عنده، وقد
عانيت منها معاناة صعبة، وكنت أمضى الساعات الطوال في البحث عن شيخ
من هؤلاء فلا أجد له ذكرا في كتب الرجال التي بين يدي - رغم كثرتها -
ونسبتهم قد تصل إلى 5 / في عموم شيوخه فإن البقية غالبهم من رجال الكتب
الستة. ولا يتوهم الناظر في هذا أن ذلك يخدش منزلة ابن أبي الدنيا، أو يطعن
فيه، قال الحاكم: " وعيسى بن موسى التيمي البخاري الملقب بغناجار شيخ في
نفسه، ثقة مقبول وقد احتج به محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع
الصحيح، غير أنه يحدث عن أكثر من مائة شيخ. من المجهولين لا يعرفون
بأحاديث مناكير، وربنا توهم طالب هذا العلم أنه يجرح فيه وليس
كذلك " (2).
3 - فإما ما ذكره الذهبي من روايته عن طائفة من المتأخرين، وذكر
جملة منهم - وهم من أفضل أهل العصر في وقتهم - أبو قلابة الرقاشي
(1) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 399.
(2) الحاكم - معرفة علوم الحديث: ص 106.
44

" ت 276 ه‍ " والترمذي " ت 279 ه‍ " وعباس الدوري " ت 271 ه‍ "
من طبقة ابن أبي الدنيا ومن أقرانه وابن أبي حاتم الرازي " ت 327 ه‍ " من
تلاميذه، ومن طبقة متأخرة عن طبقته. ولكن هذا الصنيع منقبة جليله،
وليست محل نقد ومؤاخذة، وقد صنعها قبله أمير المؤمنين في الحديث عبد الله
البخاري، وقد قسم ابن حجر شيوخه إلى خمس مراتب فقال في الرابعة:
" رفقاؤه في الطلب، ومن سمع قبله قليلا " (1)، وقال في الطبقة الخامسة:
" قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة، وعمل في الرواية
عنهم بما روى عثمان بن أبي شبية عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالما حتى
يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه وقال البخاري:
لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله، وعمن هو
دونه " (2).
4 - أما اعتذار الإمام الذهبي عن ابن أبي الدنيا في رواية عن خلق
لا يعرفون وعن طائفة من المتأخرين بأنه كان قليل الرحلة، فيتعذر عليه رواية
الشئ، فيكتبه كيف اتفق، فهو اعتذار مقبول، ولكنه لا يخلو من مبالغة.
وذلك لان ابن أبي الدنيا مشهورة بطلبه للعلم، واجتهاده في جمعه وتحصيله،
حتى مكنه جده وحماسة من أن يصبح حافظا كبيرا، ومصنفا مكثرا.
ومن كانت هذه صفته فإنه لا يكتفى بحديث المشهوري فحسب، بل
يتعداهم إل يغيرهم لعله يجد عندهم زيادات وغرائب، وكذلك كان ابن أبي
الدنيا فإنه كان يتصيد الوافدين على بغداد من أهل العلم فيسمع منهم، وفيهم
المشهور والمغمور، وقد رأيت بعض مشايخه لم يتعرض لذكرهم أحد من
علماء الرجال سوى ابن أبي حاتم في كتابه " الجرح والتعديل " وهم من أهل
الصدق والأمانة، وفيهم الثقة. ولولا ذكرهم في هذا الكتاب لأدرجوا في
عداد المجهولين.
ونزول الاسناد ليس بمعيب عند المحدثين إذا كان لسبب معتبر، من زيادة
(1) ابن حجر - مقدمة فتح الباري: ص 479.
(2) المصدر نفسه ص 479.
45

أو غرابة أو فائدة، قال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الحربي
" ت 285 ه‍ " وهو الحافظ الإمام العلم " يظهر في تصانيف الحربي أنه ينزل في
أحاديث، ويكثر مها، وهذا يدل على أنه لم يزل طلابة للعلم " (1).
والإمام الذهبي الذي يصف ابن أبي الدنيا بالوصف المتقدم، ويعتب
عليه إكثاره، هو نفسه صنع ما صنعه ابن أبي الدنيا، وأوتي من الإقبال على
سماع الحديث والنهمة في طلبه ما جعله يقول عن نفسه في ترجمة علي بن مظفر
الإسكندراني " ت 716 ه‍ ". " ولم يكن عليه ضوء في دينه، حملني الشرة
على السماع من مثله والله يسامحه كان يخل بالصوات، ويرمى بعظائم
الأمور
" (2) (قال عن شيخ آخر من شيوخه: أنه كان من عوام الطلبة (3): بل
دفعه حبه للإكثار من الشيوخ أن يسمع من الشيخ محمود بن محمد الخرائطي
" ت 716 ه‍ (وكان به صمم فقال: قرأت عليه بأعلى صوتي في أذنه " (4).
5 - أما اعتذار الإمام الذهبي عن أبي أبى الدنيا فيما نقده عليه بأنه كان
قليل الرحلة، فإنه غير مسلم، فليس كل من قلت رحلته نزل سنده. واضطر
إلى الرواية عمن دونه، فهناك عشرات من الأئمة والحفاظ ممن صنع صنيع
ابن أبي الدنيا، ولم يرحل، واكتفى بجمع حديث بلده، لا سيما إذا كان بلده
يموج بالعلم والعلماء كما كان عليه الحال ببغداد وقتها، وممن صنع مثل هذا
من الأئمة الإمام ابن الأخرم أبو عبد الله محمد بن يعقوب النيسابوري
" ت 344 ه‍ " وهو حافظ متقن قال الذهبي: " وجمع فأوعى، ومع حفظه
وسعة علمه لم يرحل في طلب الحديث، بل قنع بحديث بلده " (5).
وكذلك الحافظ الكبير أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن
الجوزي " ت 597 ه‍ " فإنه لم يرحل عن بغداد لطلب العلم، واكتفى بجمع
العلم من شيوخها " (6) الوافرين كثرة، حتى أصبح إماما كبيرا وحافظا
عظيما. قال ناصح الدين ابن الحنبلي: اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في
غيره " (7).
(1) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 362.
(2)، (3)، (4) د - بشار عواد - مقدمة سير النبلاء: 1 / 22 - 23.
(5) الذهبي - سير النبلاء: 15 / 467، تذكرة الحفاظ: 3 / 864.
(6) ناجية عبد الله - مقدمة المصباح المضي في خلافه المستضئ: 1 / 23.
(7) ابن رجب - ذيل طبقات الحنابلة 1 / 411.
46

وابن أبي الدنيا وإن كان قليل الرحلة لظروف لم تسعفنا المصاد لمعرفتها
فإنه استطاع بفضل توجيه المبكر من قبل أسرته، وهمته العالية أن يعوض
ذلك، فجمع أبرز ما في الرحلة من فضل، وهو غزارة العلم وعلو الإسناد.
فأما تحصيله العلمي وتكوينه فيه، فإنه كان من أوعيته، وليس أدل عليه من
هذه المصنفات التي وضعها في كل فن من فنون العلم، وهذه الكثرة الكاثرة
من المشايخ الذين سمع منهم، وقد بلغ عددهم في " كتاب الصمت " وحده أكثر
من مائتي شيخ، وبهذا شهد له الأئمة، قال القاضي إسماعيل بن إسحاق يوم
مات ابن أبي الدنيا: " رحم الله ابن أبي الدنيا مات معه علم كثير " (1) وشهد
له الذهبي بتوسعه في العلم والأخبار (2).
أما علو الإسناد، فله في " كتاب الصمت " - فضلا عن غيره - أسانيد
علاية - بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أنفس، وقد وصف الذهبي بعض حديثه
فقال: " حديثه في غاية العلو " (3).
6 - قال الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي: " رحم الله أبا بكر بن أبي
الدنيا، كنا نمضي إلى عفان نسمع منه فنرى ابن أبي الدنيا جالسا مع محمد بن
الحسين البرجلاني خلف شريجة، يكتب عنه ويدع عفان " (4).
وعفان هذا هو ابن مسلم الصفار أبو عثمان البصري الحافظ الثبت من كبار
المحدثين، اختلط سنة 219 ه‍ فأنكره الأئمة، قال أبو خيثمة ويحيى بن معين
" أنكرنا عفان في صفر لأيام خلون منه سنة تسع عشرة ومائتين " (5).
توفى سنة " 220 ه‍ " أو قبلها.
ومحمد بن الحسين البرجلاني، حافظ فاضل صاحب زهد ورقائق، وقد
(1) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 90، ابن حجر - تهذيب التهذيب: 6 / 13.
(2) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 400.
(3) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 2 / 679.
(4) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 90 وفيه " تكتب عنه وتدع عفان " ابن حجر - تهذيب
التهذيب: 6 / 13 والنص له.
(5) الذهبي - سير النبلاء: 10 / 254، وانظر ترجمته هناك فإنها حافلة.
47

تقدمت ترجمته في مشايخ ابن أبي الدنيا.
وعليه
فيكون سن ابن أبي الدنيا في الفترة التي ذكرها إبراهيم الحربي عشر
سنوات أو أقل، باعتبار أن ابن أبي الدنيا ولد سنة " 208 ه‍ "، وعفان
اختلط أول سنة " 219 ه‍ " وترك الأئمة السماع منه عند اختلاطه.
وصبي في العاشرة من عمره حقه أن لا يشار إليه بالرواية عن شيخه، وتركه
آخر، إلا إذا كان نابغة متفردا معروفا بتقدم السماع، ولا أضن أن ابن أبي
الدنيا قد بلغ ذاك وهو في هذه السن المبكرة.
وأرى أن لتوجيه أبيه أثرا كبيرا في ميله إلى البرجلاني دون عفان لاهتمام
أبيه بأحاديث الزهد والرقائق، كما هو ظاهر من الأحاديث والروايات التي
أوردها عنه في " كتاب الصمت ". إذ يستبعد على ابن أبي الدنيا وهو في مثل
هذه السن المبكرة الاستقلالية في التوجيه، وإمكانية التمييز بين الشيوخ.
وعلى هذا فانتقاد إبراهيم الحربي لابن أبي الدنيا ضرب من المبالغة وتحميل
الصبي فوق طاقه. بل إن انتقاده يحمل في ثناياه منقبة لابن أبي الدنيا للدلالة
على أمرين نافعين:
أولهما، تبكيره في طلب العلم.
وثانيهما: أنه كان معتبرا وملحوظا عند المحطين وعمره عشر سنين،
أو دون ذلك.
وهاتان فائدتان عزيزتان لم أجدهما عند أحد ممن ترجمه. ورب ضارة
نافعه. رحم الله علماء الأمة، وأثابهم على حزمهم جزيل الثواب.
وفى الختام أعود إلى ما قلته في بداية هذا الموضوع: إن بعض هذه
المؤاخذات وإن كانت مبالغا فيها، فإنها واردة على ابن أبي الدنيا، وإنما كان
نقدها محاولة لوضعها في إطارها الصحيح، وإعطائها حجمها من غير تهويل
أو تساهل.
وعلى هذا فإن بعض ما قاله الذهبي في ابن أبي الدنيا صحيح، فقد رأيت
له أصلا من خلال دراستي لكتاب " الصمت " ولكنها شواهد نادرة جدا.
48

إذ أننا رغم كل ما قدمناه من الدفاع عنه فإن قلة الرحلة عند ابن أبي
الدنيا أضرت به كثيرا، فاضطر إلى رواية بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة من
طريق شيخ فيه كلام، لأنه فاته سماعه من حافظ ثقة، فلما احتجاج إليه اضطر
إلى روايته كيفما اتفق، وهذا قليل جدا - كما ذكرت -، ولعله أراد أن
يخرجه من طريق آخر، فيه غرابة أو نكتة زائدة، فإنه حافظ كبير، ونصف
شيوخه أو أكثرهم من شيوخ البخاري ومسلم والله أعلم.
والذي يشفع لابن أبي الدنيا أنه ضم إلى كونه محدثا مهمة علاج أدواء
المجتمع الإسلامي فكان حامل لواء الأخلاق والمثل، وكان مؤرخا (1) يتتبع
الأخبار والسير، وكان أديبا مولعا بالشعر والأدب وزاهدا عبادا يتتبع أخبار
الزهد والرقائق، ومن كثرت اختصاصاته خف تركيزه. ورغم هذا فابن أبى
الدنيا إمام علم في هذه الفنون جميعها، ويكفيه ما خلف فيها من الآثار، والتي
تعد مفخرة له، ومفخرة لسلفنا وتراثنا وديننا. رحم الله علماء سلف الأمة.
وبارك في خلفها وألحقنا بالصالحين منهم.
* * *
(1) السخاوي - الاعلان بالتوبيخ صم 423 و 426، روزنثال - علم التاريخ ص 686
و 690.
49

المطلب الخامس
آثار ابن أبي الدنيا العلمية
أولا: تلاميذه:
لقد كان لتبكير ابن أبي الدنيا، وهمته العالية في تتبع العلماء والتحمل
عنهم أثر بالغ في جعله من أوعية العلم، ورائدا من رواده: فأصبح الحافظ
الكبير، والمصنف المكثر الذي يؤمه طلبة العلم من كل بلاد الإسلام، يرحلون
إليه ليسمعوا منه، وينتفعوا من زهده وصلاحه وتأديبه وقد عمر حتى سمع منه
عدد هائل من أهل العلم وأبنائه، فتخرج به في الحديث جم غفير من الطلبة.
قال ابن تغرى بردى: " والناس بعده عياد عليه في الفنون التي جمعها
وروى عنه خلق كثير " (1).
وعد له الحافظ المزي من أسماء تلاميذه مرتبين على حرف المعجم
- خمسة وخمسين تلميذا (2).
كما ذكر له الذهبي سبعة وعشرين تلميذا على سبيل المثال لا الحصر (3).
ومن مآثر هذا الإمام أن الحارث بن أبي أسامة " ت 282 ه‍ " أحد
شيوخه - أخذ عنه وتتلمذ له (4).
كما سمع منه كبار المحدثين والفقهاء ومن أصبحوا أعلام العصر وحفاظه
كابن أبى حاتم " ت 327 ه‍ "، وابن خزيمة " ت 311 ه‍ "، القاسم بن
(1) ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 86.
(2) المزي - تهذيب الكمال: 2 / 736 - نسخة دار الكتب المصورة.
(3) الذهبي - سير أعلام النبلاء: 13 / 399 - 400.
(4) المصدر نفسه: 13 / 399.
50

إصبع " ت 340 ه‍ ": وإبراهيم بن الجنيد - ومات قبله -
" ت 270 ه‍ "، وأبى بشر الدولبي " ت 310 ه‍ " وأبى العباس بن عقدة
" ت 322 ه‍ ". وخلق كثير.
1 - الصفار: الشيخ الإمام المحدث القدومة أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار الزاهد (1).
سمع تصانيف ابن أبي الدنيا ببغداد واستفاد منه، وتأثر بمسلكه،
فصحب بعد ذلك الأولياء والبعاد، وجمع وصنف.
قال الحاكم: هو محدث عصره، كان مجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى
السماء - كما بلغنا - نيفا وأربعين سنة.
حدث عنه أبو عبد الله الحاكم، والحافظ ابن مندة وغيرهما، توفى سنة
339 ه‍ وله 98 سنة.
2 - ابن صفوان (2) الشيخ المحدث الثقة، أبو على الحسين بن صفوان
ابن إسحاق البردعي.
صاحب أبى بكر بن أبي الدنيا وراوي كتبه (3)، رافقة واستفاد منه، وهو
الذي روى " كتاب الصمت " عن المصنف، وأذاعه، والنسختان الموجودتان
من الكتاب واللتان اعتمدناهما في تحقيقنا من طريقه - رحمه الله - كما حدث
عنه بكتاب " مجابي الدعوة " و " الفرج بعد الشدة " وذم المسكر "
و " ذم الفحش " و " ذم الغضب " و " حسن الظن بالله " و " اليقين "
و " الذكر " وغير ذلك كثير. قال الخطيب: كان صدوقا.
سمع منه منصور بن عبد الله الخالدي، وأبو الحسين بن بشران وغيرهما
توفى سنة 340 ه‍ ببغداد، والبردعي نسبة إلى عمل البردعة.
(1) أبو نعيم - ذكر أخبار أصبهان: 2 / 271، ابن الجوزي - المنتظم: 6 / 368، الذهبي - سير
أعلام النبلاء: 15 / 437، والعبر: 2 / 250، السبكي - طبقات الشافعية:
3 / 178 - 179.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد، 8، 34، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 15 / 442، العبر:
2 / 253، ابن العماد - شذرات الذهب: 2 / 356 - 357.
(3) ابن خير الإشبيلي - فهرسة ابن خير: 282، 283.
51

3 - قاسم بن أصبغ (1) بن محمد الإمام الحافظ العلامة محدث الأندلس،
أبو محمد القرطبي، مولى بنى أمية.
سمع ابن أبي الدنيا، وانتفع منه، وانتهى إليه علو الأستاذ بالأندلس، مع
الحفظ والإتقان، وبراعة العربية، والتقدم في الفتوى والحرمة التامة والجلالة.
صنف سننا على وضع سنن أبي داود، وصحيحا على هيئة صحيح مسلم
، وألف كتاب " بر الوالدين " و " مسند مالك " و " المنتقى في
الآثار " وكتاب " الأنساب ".
أثنى عليه غير واحد، تأليف ابن حزم، وابن عبد البر، وأبى الوليد
الباجي طافحة بروايات قاسم بن أصبغ.
حدث عنه خلق كثير منهم عبد الله بن محمد الباجي، والقاضي محمد بن
أحمد بن مفرج وغيرهم. مات بقرطبة سنة 340 ه‍، وكان من أبناء التسعين.
4 - الجلاب (2) الإمام المحدث القدوة أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان
ابن المرزبان الهمذاني الجزار. أحد أركان السنة بهمدان.
سمع أبا بكر بن أبي الدنيا وتخرج به، فأصبح قدوة كبيرة الشأن له
أتباع.
حدث عنه أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو الحسين بن
فارس. توفى سنة 342 ه‍.
5 - النجاد (3) الإمام المحدث الحافظ الفقيه المتقي، شيخ العراق،
أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن البغدادي - الحنبلي النجاد -.
(1) ابن الفرضي تاريخ علماء الأندلس 1 / 364 - 367، الذهبي - سير أعلام النبلاء:
15 / 472، وتذكرة الحفاظ: 3 / 853 - 855، والعبر: 2 / 254 - ابن فرحون
- الديباج المذهب: 222.
(2) الذهبي - سير أعلام النبلاء: 15 / 477، والعبر: 2 / 260، ابن العماد - شذرات
الذهب: 2 / 357.
(3) الخطيب - تاريخ بغداد: 4 / 189 - 192، ابن أبي يعلى - طبقات الحنابلة:
2 / 7 - 12، الصفدي - الوافي بالوفيات: 6 / 400.
52

سمع أبا بكر بن أبي الدنيا وأخذ عنه مصنفاته وحدث بها، وهو الذي
روى كتاب " الشكر " عن ابن أبي الدنيا (1). واستفاد منه الزهد والورع.
فكان النجاد يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف فيترك منه لقمة، فإذا
كان ليلة الجمعة تصدق برغيفه، واكتفى بتلك اللقم. قال الخطيب
البغدادي: كان النجاد صدوقا عرافا، صنف السنن، وكان له بجامع المنصور
حلقة قبل الجمعة للفتوى، وحلقة بعدها للإملاء.
صنف ديوانا كبيرا في السنن، وتوفى سنة 348 ه‍.
6 - الجمال (2) الشيخ المسند الثقة، محدث سمرقند، أبو جعفر محمد
ابن محمد بن عبد الله البغدادي المشهور بالجمال.
لازم ابن أبي الدنيا كثيرا، وتلقى عنه مصنفاته، واستفاد، واستفاد منه الخير
والصلاح ثم رحل إلى سمرقند - قال الذهبي استوطن سمرقند، وروى بها
الكثير عن أبي بكر بن أبي الدنيا.
قال الحاكم: هو محدث عصره بخراسان، وأكثر مشايخنا رحلة: وأثبتهم
أصولا، اتجر إلى أرى وسكنها مدة، فقيل له: الرازي، وكان صاحب
جمال فقيل له الجمال، توفى بسمرقند سنة 346 ه‍.
7 - الختلي (3) الإمام الحافظ البارع، أبو عبد الله عبد الرحمن بن أحمد
ابن عبد الله البغدادي ابن الختلي.
سمع أبا بكر بن أبي الدنيا، وانتفع منه، وأخذ عنه مصنفاته واستفاد منه
جودة التصنيف.
قال الدارقطني: كان يذاكر ويصنف، ويتعاطى الحفظ.
وقال الخطيب: كان يحفظ خمسين ألف حديث ألف حديث، ويملي من حفظه،
وكان فهما عارفا ثقة حافظا، سكن البصرة.
(1) ابن خير الإشبيلي - فهرسة ابن خير: 283.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 3 / 217 - 218، السمعاني - الأنساب: 3 / 294،
295 الذهبي - العبر، 2 / 273، الصفدي - الوافي بالوفيات: 1 / 114.
(3) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 290 - 291، السماعي - الأنساب: 5 / 45، ابن الجوزي - المنتظم: 6 / 351 - الذهبي - سير أعلام النبلاء: 15: 436.
53

وكان ممن صاحب ابن أبي الدنيا في آخر حياته.
8 - ابن المرزبان (1) الإمام العلامة الأخباري، أبو بكر، محمد بن
خلف بن المرزبان البغدادي، صاحب التصانيف.
سمع من أبى بكر بن أبي الدنيا واستفاد منه الأخبار في الزهد وغيرها.
وصنف كتاب " المتيمين " متأثرا بشيخه فإن لابن أبي الدنيا مصنفا بهذا
الاسم (2) وصنف كتاب " أخبار الشعراء " وغير ذلك.
حدث عنه أبو بكر الأنباري: وأبو عمر بن حيوية وآخرون، وكان
صدوقا، مات في سنة 309 ه‍.
9 - اللنباني (3) الإمام المحدث، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر
الأصبهاني. ارتحل إلى بغداد، فسمع كثيرا من ابن أبي الدنيا (4)، ولازمه
وانتفع به. ومن سماعاته كتاب " الإشراف على مناقب الأشراف " لابن أبي
الدنيا، والنسخة الموجودة من الكتاب مروية من طريقه (5).
روى عنه الحسن بن محمد بن أرويه، وأبو عبد الله بن مندة، و عبد الله
السلمي، وآخرون.
توفى في ربيع الآخر سنة 332 ه‍.
10 - الدينوري (6) الفقيه العلامة المحدث، أبو بكر أحمد بن مروان
المالكي، سمع أبا بكر بن أبي الدنيا، وانتفع من مصنفاته وروى عنه جملة من
(1) الخطيب - تاريخ بغداد: 5 / 237 - 239، الصفدي - الوافي بالوفيات:
3 / 44 - 45 الذهبي - سير النبلاء: 14 / 264 - 265.
(2) انظر فصل " مصنفات المؤلف ".
(3) الخطيب - تاريخ بغداد: 1 / 373 - 375، ابن الجوزي - المنتظم:
6 / 333 - 334، الذهبي - سير النبلاء: 15 / 311 - 312.
(4) الذهبي - سير النبلاء: 15 / 311.
(5) انظر " مؤلفاته " مادة " التاريخ ".
(6) ابن حجر العسقلاني - لسان الميزان: 1 / 309، الذهبي - سير النبلاء:
15 / 427 - 428، السيوطي - حسن المحاضرة: 1 / 208 - 209.
54

كتبه (1)، بعد أن تلقاها عنه، من ذلك كتاب " البكاء والتهجد "
والعقوبات " و (والسحاب والرعد والبرق ".
قدم مصر وحدث بمسموعاته بها، ثم سافر إلى أسوان على قضائها،
فأقام بها سنين كثيرة، ضعفه أبو الحسن الدارقطني. توفى سنة 333 ه‍.
11 - القراطيسي (2) الإمام الحافظ عمر بن سعد بن عبد الرحمان.
أبو بكر القراطيسي.
حدث عن أبي بكر بن أبي الدنيا، وروى عنه أبى بكر محمد بن الحسين
الآجري، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، وأبو عمر بن حيويه، وعبيد
الله المرزباني.
قال الخطيب: " وكان ثقة " (3).
وقد لزم ابن أبي الدنيا، وانتفع به، وكان من ملازمته له أن يأتيه إلى
بيته، وقد أورد ابن الجوزي بإسناده عنه قال: " كنا عند باب ابن أبي الدنيا
ننتظر، فجاءت السماء بالمطر، فأتتنا جارية برقعة، فقرأتها فإذا فيها
مكتوب (4):
- أنا مشتاق إلى رؤيتكم * يا أخلائي وسمعي والبصر -
- كيف أنساكم وقلبي عندكم * حال فيما بيننا هذا المطر -
وقد روى عن ابن أبي الدنيا جملة كبيرة من مصنفاته (5) مثل كتاب
" محاسبة النفس " و " الخائفين " وهو في جزئين، و " الورع "
و " الهواتف " و " قصر الأمل " أربعة أجزاء، و " العوابد " و " ذكر
الموت " وهو في سبعة أجزاء.
(1) ابن خير الإشبيلي - فهرسة ابن خير: 282.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 11 / 233.
(3) الخطيب - تاريخ بغداد: 11 / 233.
(4) ابن الجوزي - المنتظم: 5 / 149.
(5) ابن خير - فهرسة ابن خير: 282.
55

ثانيا: مؤلفاته:
كان من ثمار جهاد ابن أبي الدنيا الطويل في طلب العلم، منذ صغره،
وسعيه الحثيث وراء الأئمة ليتحمل عنهم، ويسمع منهم، أن جمع هذا العلم
الوافر الغزير، وصبه في تآليفه الكثيرة. فأبانت كثيرة مصنفاته عن عظيم العلم
الذي تمكن من تحصيله وجمعه.
قال ابن كثير: " الحافظ المصنف في كل فن، المشهور بالتصانيف
الكثيرة النافعة الشائعة في الرقاق وغيرهما " (1)
وقال الخطيب: " صاحب الكتب المصنفة في الزهد والرقائق " (2).
وقال الكتبي: " أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير " (3).
وقال المسعودي: " و قد ألف الناس كتبا في التاريخ والأخبار ممن سلف
وخلف " (4). ثم عده منهم.
وقد تبين لي من خلال دراستي لمصنفاته وآثاره أنه مشارك في التاريخ والأخبار ممن سلف
وخلف " (4). ثم عده منهم.
وقد تبين لي من خلال دراستي لمصنفاته وآثاره أنه مشارك في أنواع
العلوم، بارع فيها، إلا أنه طغى على مصنفاته صنفان من العلوم صنف فيهما
غلب مؤلفاته. وهما:
1 - الزهد والرقائق.
2 - التاريخ والأخبار والسير.
وهما مجال تخصصه ومحط عنايته، لذا أبدع فيهما غاية الإبداع، وجمع
فيهما علما عزيزا غزيرا، أصبح مصدرا مهما لكل من كتب وصنف في هذين
الفنين. قال ابن تغرى بردى: " وله التصانيف الحسان، والناس بعده عيال
عليه في الفنون التي جمعها " (5).
وقد اطلع على تصانيف ابن أبي الدنيا جمهور كبير من المؤرخين والعلماء
(1) ابن كثير - البداية والنهاية: 11 / 71.
(2) الخطيب - تاريخ بغداد: 10 / 89.
(3) الكتبي - فوات الوفيات: 1 / 494
(4) المسعودي - مروج الذهب: 1 / 20 - 21.
(5) ابن تغرى بردى - النجوم الزاهرة: 3 / 86.
56

والأئمة المشهورين ممن جاءوا بعده (1). حتى إن الناظر في قائمة الكتب التي
أقبل عليه الخطيب البغدادي، واعتنى بها، يجد الحظ الأوفر فيها لكتب ابن أبي
الدنيا، فلم يقرأ لعالم من المصنفات مقدار ما قرأ لابن أبي الدنيا، فقد تمكن
من سماع " 39 " مصنفا من مصنفاته، مما حدا بالدكتور يوسف العش أن
يقول: ولعل القارئ انتبه إلى مكانة ابن أبي الدنيا عند الخطيب، وحرصه
على جمع رواية كل آثاره، حتى كاد يستوفيها جميعا (2). ولعل أبا بكر الخطيب
أقبل عليه لسعة الطلاع وجدها عنده، وحسن معرفة لمسها في مؤلفاته،
وتعرض لموضوعات انفرد بها عن غيره " (3).
(1) منهم الإمام المعافى بن زكريا القاضي " ت 390 " في كتابه " الجليس الصالح الكافي "
ق 29 ب: 44 ب، 47 ب ومواضع أخرى " ذكره الدكتور أكرم العمرى في " موارد الخطيب "
ص 161 ".
والحاكم في المستدرك على الصحيحين " 1 / 375، 492، 497، روايتان: 503، 504،
505، 506 و 544، 545، 546 والبيهقي في " السنن الكبرى " 5 / 68، 6 / 101،
8، 232، 302، 306 روايتان، 10 212 روايتان، 216 روايتان، 217: 220، 221،
222، 223 ست روايات.
والخطيب في " تاريخه " وقد اقتبس من ابن أبي الدنيا " 77 " نصا، وكان مهتما بمصنفات ابن أبي
الدنيا حتى حاز منها على مجموعة كبيرة بلغ عددها " 39 " مصنفا
كما اقتبس منه الخطيب البغدادي في كتبه الأخرى " كشرف أصحاب الحديث " و " اقتضاء العلم
للعمل " و " موضح أو همام الجمع والتفريق " و " الفقيه والمتفقة " و " الكفاية " وغيرها " انظر موارد
الخطيب للدكتور أكرم العمرى ص 159 و 161 ".
والمتصفح لكتاب " الحلية " يجد مئات النصوص المروية من طريق الحافظ ابن أبي الدنيا، فإن أبا نعيم
الأصبهاني الحافظ كاد أن يجعل ترجمة " سفيان الثوري " كلها من طريق ابن أبي الدنيا.
والإمام ابن الجوزي في " المصباح المضي في أخبار المستضئ " حتى بلغت اقتباساته خمسين
موضعا. " انظر مكانته العلمية - المبحث الرابع من هذه الرسالة ".
والإمام ابن عساكر في " تاريخ دمشق " وابن كثير في " البداية والنهاية " و الذهبي في " تاريخ
الإسلام " وابن حجر في " تهذيب التهذيب " و " الإصابة في تمييز الصحابة " وغير ذلك. " انظر موارد
الخطيب للعمرى ص 161 ".
(2) وهو بعيد، لان مصنفات ابن أبي الدنيا تربى على المائتين.
(3) د. يوسف العش - الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها: ص 147.
57

ومن خلال نظرة سريعة في فهارس المخطوطات المبثوثة في شرق العالم وغربه وفى أثبات العلماء ومعاجمهم، وكتب التخريج والتوثيق، وغير ذلك
من الدواوين والمعاجم نجدها طافحة بذكر مصنفات هذا الإمام المكثر.
ولهذا المكانة الطيبة التي احتلتها مصنفات ابن أبي الدنيا في التراث
الإسلامي، دفعت بعض الأئمة إلى جمع مصنفاته. مثل ابن النديم في
" الفهرست " 1 / 185: والذهبي في " سير النبلاء "
13 / 401 - 404، وابن خير في " فهرسته " ص 282 - 284،
وحاجى خليفته في " كشف الظنون " والبغدادي في " هدية العارفين "
5 / 441 - 442، والكتاني في " الرسالة المستطرفة " ص 50 وغيرها
كما صنع له أحد المحدثين معجما لمصنفاته رتبها على حروف المعجم وضمنه مائة
وأربعة وستين كتاب (1). ودائرة المعارف الإسلامية 1 / 198 - 200،
وبروكلمان في " تاريخ الأدب العربي " ذيل 1 / 247 - 248.
وبعد اطلاعنا على هذه المصنفات كلها وغيرها من كتب المعاجم
والتراجم رأينا أوعبها وأجودها ما في " سير النبلاء للحافظ الذهبي وقد عد
له " 162 " كتابا، ومعجم مصنفات ابن أبي الدنيا " الموجود بالمكتبة
الظاهرية، وقد عد له " 164 " كتابا.
وقد تحصل لدى من أسماء مصنفاته - وذلك بعد التتبع في فهارس
المخطوطات وكتب المعاجم والتراجم بالإضافة إلى ما ذكرناه - " 217 "
مؤلفا.
وهذا كشف بأسماء مصنفات ابن أبي الدنيا، وقد قسمت المؤلفات
حسب موضوعات، ورتب الكتب الواردة في كل موضوع على حروف
المعجم.
(1) المعجم مصنفات ابن أبي الدنيا " مجهول المؤلف، منه نسخة في الظاهرية بدمشق رقم 42
مجاميع. وقد أخرجه الدكتور صلاح الدين المنجد في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 49 سنة
1974 ص 571 - 594. وضم له زيادات من سير النبلاء، والفهرست، وابن خير، والكشف،
وهدية العارفين، فبلغ مجموعها " 198 " كتاب، وهو جهد مشكور أفدنا منه، وقد فاتته أشياء فيه،
ولكن يبقى له فضل السبق.
58

القراءات:
1 - حروف خلف.
2 - المصاحف.
3 - الوصل والفصل.
4 - الوقف والابتداء.
الحديث:
5 - تخريجات أهل الحديث.
6 - السنة.
العقائد:
7 - البعث والنشور.
8 - دلائل النبوة.
9 - صفة الجنة.
10 - صفة الصراط.
11 صفة الميزان.
12 - صفة النار.
13 - صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
14 - عقوبة الأنبياء.
15 - القبور.
16 - الموقف.
أصول الفقه:
17 - الفتوى.
الفقه: 18 - الأضاحي.
59

19 - ذم الربا.
20 - ذم المسكر.
21 - الرخصة في السماع.
22 - الرهائن.
23 - صدقة الفطر.
24 - العيدين.
25 - فقه النبي صلى الله عليه وسلم.
26 - القصاص.
27 - المناسك.
الزهد والرقائق:
28 - الآيات ومن تكلم بعد الموت.
29 - الأحزان.
30 - أخبار القبور.
31 - الإخلاص.
32 - إصطناع المعروف.
33 - إصلاح المال.
34 - إعطاء السائل.
35 - أعقاب السرور والأحزان والبكاء.
36 - الأمر بالمعروف (1).
37 - إنزال الحاجة بالله.
38 - الانفراد.
39 - انقلاب الزمان.
40 - أهوال القيامة.
41 - الأولياء.
(1) قال الزبيدي في: إتحاف السادة المتقين " " وقد وردت في فضل الأمر بالمعروف أخبار
كثيرة، توجد مفرقة في كتاب الحديث، وقد اعتنى بجمعها جماعة من المحدثين، منهم الحافظ أبو بكر بن أبي
الدنيا، فأتى بما لا مزيد عليه، فمن أراد الزيادة، فعليه بكتاب الأمر بالمعروف له ".
60

42 - البكاء.
43 - تغيير الزمان.
44 - التفكر والاعتبار.
45 - التقوى.
46 - التهجد.
47 - التواضع والخمول.
48 - التوبة.
49 - التوكل.
50 - التوكيد.
51 - الجائعين.
52 - الجفاة عن الموت.
53 - الجوع.
54 - الحذر والشفقة.
55 - الحزم.
56 - حسن الظن بالله.
57 - الحلم وذم الفحش
والبذاء.
58 - الحوائج.
59 - الخائفين.
60 - الخبز الخاتم.
61 - الخير.
62 - الخمول والتواضع، أو التواضع والخمول. وهو كتابنا هذا.
63 - الدعاء.
64 - الذكر.
65 - ذكر الموت.
66 - ذكر الموت والقبور.
67 - ذم الأمل.
68 - ذم البخل.
69 - ذم البغى.
61

70 - ذم الحسد.
71 - ذم الدنيا.
72 - ذم الرياء.
73 - ذم الشهوات.
74 - ذم الضحك.
75 - ذم الغضب.
76 - ذم الغيبة.
77 - ذم الفحش.
78 - ذم الفقر.
79 - ذم الملاهي.
80 - الرضا عن الله والصبر على قضائه.
81 - الرغائب.
82 - الرقائق.
83 - الرقة، وفيه " الرقة والبكاء ".
84 - الرهبان.
85 - الزهد.
86 - شرف الفقر.
87 - الشكر.
88 - الصبر.
89 - الصدقة.
90 - الصمت وآداب اللسان (1).
91 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
92 - الطواعين.
93 - العباد.
94 - العزالة.
95 - عطاء السائل.
(1) طبع بتحقيقنا مع دراسة موسعة للإمام ابن أبي الدنيا بدار الغرب الإسلامي - بيروت سنة 1406 ه‍.
62

96 - العظمة.
97 - العقوبات.
98 - العمر والشباب.
99 - العوذ " سير النبلاء 13 / 403، معجم 131 ".
100 - الغيبة والنميمة.
101 - الفنون " سير النبلاء 13: 303، معجم 136 ".
102 - الفرج بعد الشدة.
103 - فضائل عشر ذي الحجة " سير النبلاء 13 / 403 وفيه:
" فضل العشرة " دائرة المعارف 1 / 199 رقم 6، بروكلمان ذيل
1 / 247، رقم 5، معجم 140، ومنه نسخة في برلين 10213 - دار
الكتب، فهرس 7 / 6 و 153 و 330 - وأخرى في ليدن رقم 1742 ".
104 - فضائل القرآن.
105 - فضل رمضان.
106 - فضل لا إله إلا الله.
107 - فعل المنكر.
108 - قصر الأمل.
109 - القناعة.
110 - القيامة.
111 - كرامات الأولياء.
112 - كلام الليالي والأيام لبني آدم.
113 - المتمنين.
114 - المتيمين.
115 - مجابي الدعوية.
116 - محاسبة النفس.
117 - المختضرين.
118 - المرض والكفارات.
119 - مصائد الشيطان.
120 - مكائد الشيطان.
63

121 - الموت.
122 - مواعظ الخلفاء.
123 - النوازع.
124 - النية.
125 - الهم والحزن.
126 - الهواتف.
127 - الوجل.
128 - الورع.
129 - الوصايا.
130 - اليقين.
التاريخ والتراجم:
131 - آثار الزمان.
132 - أخبار الأعراب.
133 - أخبار الجفاة عند الموت. وأظنه أخبار الثقات عند الموت "
أو " الثبات " وقد صنف أبو الفرج بن الجوزي " ت 597 ه‍ " مصنفا بهذا
المعنى، وأسماه: " الثبات عند الممات " وهو كتاب حافل، سرد فيه حالات
العلماء والصالحين عند احتظارهم، وقد اطلعت على نسخة منه في دار الكتب المصرية
134 - أخبار الخلفاء.
135 - أخبار قريش.
136 - أخبار الملوك.
137 - الإشراف على مناقب الأشراف.
138 - التاريخ.
139 - تاريخ الخلفاء.
140 - حكم الحكماء.
141 - الطبقات.
142 - العوابد.
143 - المجوس.
64

144 - المملوكين.
145 - من عاش بعد الموت.
146 - مناقب بنى العباس.
147 - مواعظ الخلفاء.
148 - الهداة العربان.
السير والتراجم المفردة:
149 - أخبار أويس.
150 - أخبار سفيان الثوري.
151 - أخبار ضيغم.
152 - أخبار معاوية.
153 - أعلام النبوة.
154 - تزويج فاطمة.
155 - حلم الأحنف.
156 - حلم معاوية.
157 - زهد مالك بن دينار.
158 - فضائل على.
159 - فضل العباس.
160 المغزى.
161 - مقتل ابن جبير.
162 - مقتل ابن الزبير.
163 - مقتل الحسين.
164 - مقتل طلحة.
165 - مقتل عثمان.
166 - مقتل على.
167 - مقتل عمر.
الآداب والفضائل:
168 - الأخلاق.
65

169 - الإخوان.
170 - التعازي.
171 - تغير الإخوان.
172 - الجيران.
173 - الحلم.
174 - السخاء.
175 - العزاء.
176 - العفو. و فيه العفو و ذم الغصب.
177 - قرى الضعيف.
178 - قضاء الحوائج.
179 - مداراة الناس.
180 - المروءة.
181 - مكارم الأخلاق.
182 - المنان.
183 - الهدايا.
الأدب والملح:
184 - الأدب.
185 - الأيام والليالي.
186 - التشمس.
187 - سواد الشيب.
188 - المطر والرعد والبرق والبرق والريح.
189 - معاريض الكلام.
190 - النوادر.
191 - الأصوات.
192 - الألحان.
193 - الألوية.
194 - الأنواء.
66

195 - البرهان.
196 - تعبير الرؤيا.
197 - التوابع.
198 - الجهاد.
199 - الدين والوفاء.
200 - ذم الفقر.
201 - الرمي.
202 - الرؤيا.
203 - الزفير.
204 - السحاب.
205 - سدرة المنتهى.
206 - شجرة طوبى.
207 - الشيب والتعبير.
208 - عاشوراء.
وبعد هذه الحياة الجهادية المليئة توفى الإمام الحافظ ابن أبي الدنيا يوم
الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة: سنة
" 281 ه‍ 894 م " وصلى عليه القاضي يوسف بن يعقوب، ودفن
بالشونيزية ببغداد رحمه الله رحمة واسعة، ونفعنا بآثاره القيمة.
* * *
67

الفصل الثاني
دراسة " كتاب الإخوان "
69

المطلب الأول
عنوان الكتاب وصحة نسبه لابن أبي الدنيا
اتفقت تسمية الكتاب عند من ذكره من الأئمة فسماه الذهبي (1)،
والعراقي (3)، والعجلوني (4)، وحاجي خليفة (5)، وإسماعيل
باشا البغدادي (6)، والزبيدي (7): " كتاب الإخوان ". وقد جاء هذا الاسم
مكتوبا على آخر النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة الدراسات العليا ببغداد ضمن
مجموع رقمه 1142 / 7 والتي هي الأصل في عملي.
ولم يخالف في هذه التسمية إلا صاحب " معجم مصنفات ابن أبي
الدنيا " (8) حيث سماه " الإخوان والمعاطف " وهو اختلاف يسير، ولما
كانت هذه الإضافة في العنوان تحتاج إلى مرجح لمخالفتها لهذا الحشد من
المصادر التي اتفقت كلها على تسمية واحدة فإني أخذت بهذا الرأي الغالب.
وأمام هذه المصادر الموثوقة التي اتفقت على نسبة الكتاب لصاحبه لا يبقى
هناك أدنى شك في نسبته لابن أبي الدنيا.
(1) سير أعلام النبلاء: 13 / 401.
(2) المغنى عن حمل الاسفار في الأسفار: 2 / 158، 160.
(3) الفتح الكبير: 1 / 67.
(4) كشف الخفاء: 1 / 24، 66، 117.
(5) كشف الظنون: 2 / 1387.
(6) هدية العارفين: 5 / 442.
(7) إتحاف السادة المتقين: 4 / 129، 6 / 175، 176، 280، 294.
(8) وهو مجهول المؤلف، منه نسخة في الظاهرية رقم 42 مجاميع، وقد سبق الحديث عنه.
71

المطلب الثاني
منهج الكتاب
اتسم " كتاب الإخوان " لابن أبي الدنيا بجودة التصنيف، وحسن
الترتيب والتبويب، فقد قسم نصوصهم الكتاب البالغة " 228 " نصا على ستة
عشر باب، وكان محتوى النصوص في كل باب مطابقا للباب الذي وضعها تحته
مما يدل على مهارته وقدرته على التبويب والتصنيف، فقد يعمل باب عاما ثم
يتبعه
بأخص منه لئلا يحشر النصوص في باب واحد كما فعل في الباب السابع
والثامن، فقال: " باب في زيارة الإخوان " ثم أتبعه ب‍ " باب في إغباب
الزيارة ". وفى هذا أيضا دقة في التبويب وحسن اختيار لنصوص الأبواب.
كما اتسم أيضا بالوحدة الموضوعية فإنه لم يدخل في كتابه سوى الإخوانيات بيد
أنه اقتصر في ذلك على الجانب الإيجابي المرغب في الإخوان وما يتعلق بذلك،
ولم يأخذ الجانب السلبي المؤدى إلى نفرة الإخوان وتغيرهم، وذلك لأنه كان
قد أفردها استقلالا في مصنف سماه: " تغير الإخوان " (1) ليحذر من المزالق
المؤدية إلى ذلك.
والسمة الثالثة: إسناده النصوص النبوية والآثار إلى قائليها.
والسمة الرابعة: إيراده للحديث الذي تلقاه عن شيخين أو أكثر في قالب
إسناده واحد، وهي من الأساليب الفنية في صناعة الإسناد استعملها المحدثون
الكبار - وبرزت بجلاء عند الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح - سيما
إذا أخرجوه من طريق واحدة كما في النصوص (1) و (19) و (37) و (65) و (88) و (102). وإذا اختلفت ألفاظهم فإنه يصرح بأن هذا اللفظ لفلان
كما في (14).
(1) الذهبي - سير النبلاء: 13 / 402، معجم مؤلفات ابن أبي الدنيا رقم 43.
73

وكان دقيقا في أداء ما سمعه، فإذا أراد أن يعرف برجل بين ذلك بقوله
يعنى " فلان " كما في (105 ة عن الكلبي - يعنى (أبا جناب).
ولم يتعرض للرجال بجرح أو تعديل إلا في موطن واحد (139) حيث
قال: حدثني الوليد بن سفيان العطاردي البصري وكان ثقة. وقد أحسن
الصنيع وذلك لأنني لم أجد من ذكره، ولولا أنه وثقه لكان في عداد
المجهولين، ورأيه معتبر عند الأئمة في هذا الشأن كما سبق بيانه.
وكذلك الحال في شرح الغامض في المتن فإنه لم يحصل إلا مرة واحدة في
(95) فقد شرح الكلمات المجملة والصعبة بما نقل عن الحسن بن جمهور ثم
شرح هو كلمتين فقط وكل هذا بعد أن ساق الأثر بتمامه.
ولم يتعرض للروايات التي ساقها بنقد أو تقييم وإنما أوردها كما سمعها من
شيوخه. والأصل في هذا أن من أسند إليك فقد أحالك.
وتظهر شخصية ابن أبي الدنيا في نقده الخفي للأحاديث والآثار والمرويات
وذلك لأنه اختار هذه المرويات من مجموع مروياته الضخمة جدا ومحصها
من بين كثير من الروايات الضعيفة والموضوعة سيما وهي كثيرة في هذا الباب.
كما ظهرت شخصية ابن أبي الدنيا الحديثية واضحة في تبويبه وسعة مروياته
وكثرة طرقه، وأسلوبه الذكي في تكرارها أحيانا.
ومن هذا العرض يتضح لنا أن ابن أبي الدنيا صاحب منهجية راقية في
التأليف، شأنه في ذلك شأن العلماء الأجلاء والمحدثين العظماء.
* * *
74

المطلب الثالث
أهمية الكتاب
ترجع أهمية هذا الكتاب إلى عدة أمور منها:
1 - أنني لم أعثر على من أفرد هذا الجانب المهم بالتأليف ممن سبق ابن أبي
الدنيا غير:
أ - سهل بن هارون ابن عمر الدستميساني الكاتب (ت 215 ه‍):
وكان من أعيان الشيعة وأصله فارسي، قال الزركلي: " وكان شعوبيا
يتعصب للعجم على العرب ". وقال دعبل بن علي بن رزين الشاعر " وكان
شديد البخل " وقد سمى سهل بن هارون كتابه " الإخوان " (1).
ب - على بن عبيدة الريحاني (ت 219 ه‍):
كان أحد الفصحاء البلغاء، وافر الأدب، كثير الفضل، وكان يرمى
بالزندقة (2)، وألف كتابا سماه " الإخوان ". فظهر لنا أنهما من الأدباء
وليسا من أهل الحديث كما أنهما ليسا من أهل التدين بل مطعون فيهما. ولم أجد
لابن أبي الدنيا عنهما رواية مع أنهما عاشا في بغداد وكان لهما اختصاص
بالمأمون.
(1) الزركلي - الأعلام، 3، 143، عمر رضا كحالة - معجم المؤلفين:
4، 286، ابن خلكان - وفيات الأعيان: 2 / 269 - 270.
(2) الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد: 12 / 18 - 19، لسان الميزان:
4 / 242 - 243، الزركلي - الأعلام: 4 / 310، عمر رضا كحالة - معجم المؤلفين
7 / 145.
75

ولعل
هذا من بين الأسباب التي دفعت بابن أبى الدنيا لتأليف الكتاب.
حيث إنه لم يجد من أهل العلم والفضل من خص هذا الباب بالتأليف فجعل
كتابه سلفيا أصيلا معتمدا على الآيات والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة
والتابعين ومن بعدهم من ذوي الفضل والتقى. وابن أبي الدنيا ممن تطمئن إليه
النفس فهو من المحدثين الكبار الموصوفين بالصدق، وقد جاء كتابه كله
مسندا مما يزيدنا اطمئنانا وثقة فيما نأخذه عنه.
2 - عالج موضوع الإخوانيات والمرغبات فيه بصورة متكاملة.
3 - إن ابن أبي الدنيا لم ينطلق من فراغ في تأليف كتابه بل كان ذلك
من أرض الواقع الذي تفككت فيه روابط الأخوة وضعفت بعد موجة
الانتصارات والفتوحات وما أعقبها من الرخاء، فالكتاب بهذا يلقى الضوء على
جانب مهم من المجتمع الذي عاش فيه فهو بهذا العمل قد أسهم في وصف
الدواء لهذا المرض العضال الذي يفتك بالمجتمع إن ترك وشأنه.
4 - إن الكتاب بما حواه من نصوص كثيرة عن السلف الصالح رضوان
الله عليهم في الإخوانيات يصور لنا ذلك المستوى الراقي الذي كانوا عليه من
الأخوة فهو يرغبنا ويحثنا على أن نقتدي بهم، حيث كانوا النموذج التطبيقي
الذي قام بدين الله خير قيام.
* * *
76

المطلب الرابع
وصف النسخة الخطية
ذكرت الفهارس أن هناك نسختين خطيتين إحداهما ببغداد والأخرى في
الهند بلاهور فالأولى نسخة مكتبة الدراسات العليا بكلية الآداب - جامعة
بغداد - رقم 1142 / 7 ضمن مجموع يبتدى من صفحة
252 - 282. وقد تفضل الدكتور نجم عبد الرحمن بإعطائي صورة من
هذه النسخة التي يوجد أصلها في مكتبة فله جزيل الشكر.
وعدد أوراق النسخة خمس عشرة ورقة بمقياس " 20 × 15 سم "،
ومسطرتها ما بين " 21 - 22 " سطرا ومتوسط الكلمات في كل سطر
" 30 " كلمة، وكتبت بخط مشرقي جميل وكلماتها غير مشكولة، وعليها
تصحيحات. ويبدو أن الناسخ رحمه الله وأجزل له المثوبة قد بذل جهدا
مشكورا في إصلاح النسخة التي كتبها لأن الأصل الذي نقل عنه كان كثير
الخطاء كما صرح في آخر المجموع الذي بخطه، ومع ذلك لم تسلم من الخطأ،
وقد أهمل تاريخ النسخ فلم يكتبه ولم يكتب لنا اسمه. وإنما عرفنا تاريخ نسخها
من كتاب آخر في المجموع بنفس الخط والورق كتب سنة " 1038 ه‍ ".
وهذه النسخة تامة غير منقوصة، وقد جاء في ورقتها الأخيرة: " آخر كتاب
الإخوان والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وآله ".
* * *
77

المطلب الخامس
عملي في الكتاب
يتلخص عملي في الكتاب في النقاط التالية:
1 - قمت بقراءة النسخة قراءة فاحصة، ونسختها، ثم قابلت المنسوخ
بالأصل الذي نسخته منه.
2 - وضعت للنصوص أرقاما مسلسلة ليسهل الرجوع إليها والإحالة
عليها.
3 - قمت بتغير ما اصطلح عليه كاتب النسخة في رسم بعض الألفاظ
وأعدت كتابته بما هو متعارف عليه في عصرنا من الإملاء: مداين = مدائن،
قالي = قال لي، جاني = جاءني، رحمت = رحمة.
4 - قمت بضبط النص بما يعين على فهمه وإظهار معانيه.
5 - ضبطت الأسانيد وأزلت ما فيها من خط أو تصحيف.
6 - ترجمت لكل الرجال الذين ورد ذكرهم في الكتاب سواء كان
ذلك ف سند أو في قصة، وقصدت في التراجم إلى الاختصار مع عدم
الاخلال، وكنت أترجم لرجال السند عند ورودهم أول مرة ثم أحيل إليها إذا
تكررت، وذكرت عقب كل ترجمة إشارة إلى من أخرج حديثه من الأئمة،
واستخدمت الرموز الدالة على ذلك والتي أوضحها ابن حجر في تقريب
التهذيب: 1 / 6 - 7 وفى تهذيب: 1 / 5 - 6، واستعملتها
لأن غالب رجال السند من رجال الكتب الستة. ومن لم يخرج عنه أحد من
هؤلاء تركته غفلاء.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الطبقة الأولى والثانية
79

فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة، وإن كان
من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته (1).
7 - ضبطت المتون ضبطا صحيحا.
8 - خرجت نصوص الكتاب من أحاديث وآثار ما أمكنني ذلك.
9 - وضعت فهارس شاملة لمادة الكتاب، فصصت فهرسا للآيات
القرآنية، وآخر لأطراف الأحاديث النبوية، وآخر للأبيات الشعرية، وآخر
لجميع الأعلام الواردين في متن الكتاب.
10 - اكتفيت بالحكم على الأحاديث النبوية دون الآثار والأقوال.
وقد بذلت في ذلك جهدي وطاقتي فإن وفقت وأصبت فالحمد لله، وإن
أخطأت فأستغفر الله من خطئي وسائر ذنوبي، راجيا من كل من تقع عينه على
خطأ أن ينبه عليه ولم عظيم الشكر والامتنان.
* * *
(1) ابن حجر - تقريب التهذيب: 1 / 6.
80

بسم الله الرحمن الرحيم
[باب] (1)
ذكر المتحابين في الله عز وجل وفضل
منزلتهم عند الله عز وجل:
(1) حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا (2) قال:
حدثنا سعيد بن سليمان (3)، عن إسماعيل بن زكريا (4)، عن ليث بن أبي
[سليم] (5)، عن عمرو بن مرة (6)، عن معاوية بن سويد بن مقرن (7)، عن
البراء بن عازب (8).
85

وحدثنا عبد الله قال: وحدثنا إسحاق بن إسماعيل (1)، قال: حدثنا
جرير (2)، عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن مرة، عن معاوية بن سويد
ابن مقرن، عن البراء بن عازب قال:
كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
" أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ ".
قلنا: الصلاة.
قال: " إن الصلاة [حسنة] (3) وما هي بها ".
فذكروا شرائع الإسلام فلما رآهم لا يصيبون، قال:
" أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله عز وجل " (4).
86

2 - حدثنا الهيثم بن خارجة (1)، حدثنا إسماعيل بن عياش (2)، عن
صفوان بن عمرو (3)، عن عبد الرحمن بن ميسرة (4)، عن العرباض بن
سارية (5)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" قال الله تبارك وتعالى: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل
إلا ظلي ". (6)
87

3 - حدثنا على بن الجعد (1)، حدثنا عبد الحميد بن بهرام (2)، حدثنا
شهر بن حوشب (3)، حدثني عايذ الله بن عبد الله (4)، أن معاذ بن جبل (5)،
حدثه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" المتحابون بجلال الله - عز وجل - في ظل عرش الله يوم لا ظل
إلا ظله " (6).
88

4 - حدثنا زهير بن حرب (1)، حدثنا يونس بن محمد (2)، عن فليح
ابن سليمان (3)، عن عبد الله بن عبد الرحمن (4)، عن سعيد بن يسار (5)، عن
أبي هريرة (6)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يقول الله - تبارك وتعالى -: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم
بظلي يوم لا ظل إلا ظلي " (7).
89

5 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح (1)، حدثنا بن فضيل (2)، عن
أبيه (3)، عن عمارة بن القعقاع (4)، عن أبي زرعة (5)، عن أبي هريرة (6)،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن من عباد الله لعبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء "
قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال:
" هم قوم تحابوا بروح الله غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور،
وهم [على] (7) منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا
حزن الناس " ثم تلا: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون) * (9).
90

6 - حدثنا على بن الجعد (1)، حدثنا عبد الحميد بن بهرام (2)، عن
شهر بن حوشب (3)، حدثني عبد الرحمن بن غنم (4)، عن أبي مالك
الأشعري (5)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس بوجهه فقال:
" يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله - عز وجل - عبادا ليسوا
بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله " (6).
فقال أعرابي: يا رسول الله انعتهم لنا؟ جلهم لنا؟ فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم لقول الأعرابي، قال:
" هم ناس [من أفناء] (7) الناس، ونوازع القبائل. لم تصل بينهم أرحام
متقاربة، تحابوا في الله - عز وجل - وتصافوا، يضع الله - عز وجل -
لهم منابر من نور ليجلسهم (8) عليها، فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا،
91

يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ".
(7) حدثنا أبو [خيثمة] (1)، حدثنا عبد الله بن جعفر (2)، عن أبي
المليح (3)، عن حبيب بن أبي مرزوق (4)، عن عطاء بن أبي رباح (5)، عن أبي
مسلم الخولاني (6)، عن معاذ بن جبل (7)، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:
" المتحابون في الله - عز وجل - يوم القيامة على منابر في ظل العرش
92

يوم لا ظل إلا ظله، على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون " (1).
8 - حدثنا على بن الجعد (2)، حدثنا عبد الحميد بن بهرام (3)، عن
شهر بن حوشب (4)، عن أبي طيبة (5)، عن عمرو بن عبسة (6)، قال:
93

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن الله - عز وجل - يقول: وجبت محبتي للذين يتحابون من أجلى
وحقت محبتي للذين يتصادقون من أجلى " (1).
9 - حدثنا زهير بن حرب (2)، حدثنا عبد الله بن جعفر (3)، عن أبي
المليح (4)، عن حبيب بن أبي مرزوق (5)، عن عطاء بن أبي رباح (5)، عن أبي
مسلم الخولاني (7)، عن عبادة بن الصامت (8)، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يروى عن ربه تبارك وتعالى قال:
" حقت محبتي على المتحابين، هم في ظل العرش يوم القيامة لا ظل
94

إلا [ظلي] (1) " (2).
95

10 - حدثنا داود بن سليمان (1)، حدثنا خلف بن خليفة (2)، عن
حميد الأعرج (3)، عن عبد الله بن الحارث (4)، عن بن مسعود (5)، قال
96

رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" المتحابون في الله - عز وجل - على عمود من ياقوت أحمر، في رأس
العمود مائة ألف غرفة، فتضئ لأهل الجنة، كما تضئ الشمس لأهل الدنيا /
ا / مكتوب في جباههم: هؤلاء المتحابون في الله " (1).
11 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم العبدي (2)، عن إسماعيل بن
إبراهيم (3).
وحدثني المشرف بن أبان (4)، حدثنا إسحاق بن عيسى بن ابنت داود بن أبي
هند (5) - واللفظ لمشرف - عن محمد بن أبي حميد (6)، عن موسى بن
وردان (7)، عن أبي هريرة (8)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
97

" إن في الجنة عمودا من ذهب، [عليه] (1) مدائن من زبرجد، تضئ
لأهل الجنة، كما يضئ الكوكب الدري في جو السماء.
قلنا: يا رسول الله لمن هذا؟ قال:
" للمتحابين في الله - عز وجل - " (2).
12 - حدثني أحمد بن [سعد] (3) القرشي الزهري أبو إبراهيم (4)،
حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي (5)، حدثني عمرو بن عثمان بن سعيد بن
98

مسلم (1)، أن الأعمش (2) حدثه عن عطية بن سعد (3)، عن أبي سعيد (4)،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن لله - عز وجل - عبادا على منابر من نور في ظل العرش يوم
القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء، هم المتحابون في الله - عز وجل - " (5).
13 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل (6)، حدثنا بن فضيل (7)، عن
إسماعيل بن أبي خالد (8)، عن قرة العجلي (9)، عن عبد الرحمن بن سابط (10)،
99

قال:
أخبرت أن على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - قوم على منابر من نور
عليهم ثياب خضر يغشون أبصار الناظرين دونهم، ليسوا بأنبياء ولا شهداء،
قيل: من هم؟ قال:
قوم تحابوا بجلال الله حين عصى الله - عز وجل -.
14 - حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمذاني (1)، و عبد الرحمن بن
صالح (2) - واللفظ لعبد الرحمن - قال: حدثنا بن فضيل (3)، عن أبيه (4)،
قال: لقيت أبا إسحاق (5) بعدما ذهب بصره، فالتزمني، فقلت: تعرفني؟
قال: نعم، والله إني لأعرفك، وإني لأحبك، ولولا الحياء لقبلتك. تدرى
فيمن نزلت هذه الآية؟ حدثني أبو الأحوص (6)، عن عبد الله (7) قال:
100

في المتحابين في الله - عز وجل - * (لو (1) أنفقت ما في الأرض جميعا ما
ألفت بين قلوبهم *) (2).
15 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح (3)، حدثنا [حفص] (4) بن بغيل،
عن زهير (5)، عن أبي إسحاق (6)، وعن أبي الأحوص (7)، [عن] (8)
عبد الله (9)، قال:
إن من الإيمان أن يحب الرجل الرجل ليس بينهما نسب قريب، ولا مال
أعطاه إياه، ولا محبة إلا لله - عز وجل -.
16 - حدثنا عبد الرحمن (10)، حدثنا أبو المحياة (11)، عن منصور (12)،
101

عن طلق بن حبيب (1) / 2 أ، عن أنس بن مالك (2)، رفعه، قال:
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، وحلاوته أن يكون الله ورسوله
أحب إليه مما سواهما وأن يحب في الله، ويبغض في الله، وأن لو أوقدت نار
عظيمة لو وقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله (3).
17 - وبه حدثنا أبو سلمة (4)، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (5)،
عن القاسم (6)، عن أبي أمامة (7)، قال:
102

من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
18 - حدثنا الهيثم بن خارجة (1)، عن صدقة بن خالد القرشي (2)، عن
زجلة (3) قالت: كنا مع أم الدرداء (4) جلوسا، فقال لهم هشام بن
إسماعيل (5):
يا أم الدرداء ما أوثق عملك في نفسك؟ قالت: الحب في الله.
19 - حدثنا محمد بن العباس بن العباس بن محمد (6)، ومحمد بن
103

الحسين (1) وغيرهما، عن داود بن المحبر (2)، حدثنا [مبارك] (3) بن
فضالة (4)، عن ثابت البناني (5)، قال:
إنا لوقوف بجبل عرفات، فإذا شابان عليهما العباء القطواني، نادى
أحدهما صاحبه: يا حبيب، فأجابه الآخر لبيك أيها المحب. قال: ترى في
الذي تحاببنا فيه، وتواددنا فيه يعذبنا غدا في القيامة؟ قال: فسمعنا مناديا،
سمعته الآذان، ولم تره الأعين، يقول: لا ليس بفاعل.
20 - حدثنا داود بن عمر بن زهير الضبي (6)، حدثنا إسماعيل بن
104

عياش (1)، حدثني يحيى [بن] (2) الحارث الذماري (3)، عن القاسم (4)، عن أبي
أمامة (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما أحب عبد عبدا إلا أكرمه الله ". (6)
21 - حدثنا شجاع بن الأشرس بن ميمون (7)، حدثنا يزيد بن
105

هارون (1)، عن العوام بن حوشب (2)، قال: لقيت قتادة (3) فقلت:
آحب في الله؟ قال: إنما أحببت ربك. (4)
22 - حدثنا أبو كريب (5)، حدثنا ابن فضيل (6)، عن ليث (7)، عن
مجاهد (8)، عن ابن عباس (9)، قال:
[أحب] (10) في الله، وأبغض في الله، ووال في الله وعاد في الله، فإنما
106

تنال ولاية الله بذلك. ولا يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه
حتى يكون كذلك.
23 - حدثنا عبد الله بن الوضاح الكوفي (1)، حدثنا يحيى بن يمان (2)،
عن خليد بن دعلج (3)، عن قتادة (4)، قال:
وجوه المتحابين من نور.
* * *
107

باب
الرغبة في لإخوان، والحث عليهم
24 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي الكوفي (1)، حدثنا سهل بن
عامر البجلي (2)، حدثنا ميمون بن عمرو البصري (3)، عن أبي الزبير
المكي (4)، عن سهل بن سعد الساعدي (5) 2 / ب، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " المرء كثير بأخيه " (6).
109

25 - حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي (1)، عن محمد بن طلحة بن
مصرف (2)، عن مسلم بن عطية (3)، عن الحسن (4)، قال: قال لقمان
لابنه:
يا بنى لا تعد بعد تقوى الله من أن تتخذ صاحبا صالحا.
26 - حدثنا سويد بن سعيد (5)، حدثنا بقية (6)، عن الأحوص بن
حكيم (7)، عن أبي إسماعيل العبدي (8)، عن أنس بن مالك (9)، قال: قال
110

رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما أحدث رجل أخا في الله - عز وجل - إلا بنى الله له بيتا في
الجنة ". (1)
27 - حدثنا عبد الله بن الهيثم (2)، حدثنا أبو معاوية (3)، عن ليث (4)،
عن عبد الملك (5)، عن أنس بن مالك (6)، قال:
من اتخذ أخا في الله بنى له برج في الجنة. (7)
111

28 - حدثني بشر بن بشار أبو أحمد الواسطي (1)، حدثنا حجين بن
المثنى (2)، حدثنا المبارك بن سعيد (3)، عن النضر بن محارب بن دثار (4)، عن
أبيه (5)، قال: سمعت عمر بن الخطاب (6)، يقول:
لقد أحببت في الله - عز وجل - الفراخ كلهم؟؟! أعرف اسمه، واسم
أبيه، واسم قبيلته، وأعرف مكان داره.
قال محارب: حيث قال: " أعرف مكان داره ": علمت أنه كان
يزورهم ويأتيهم.
29 - حدثنا أحمد بن إبراهيم (7)، حدثني أبو سلمة موسى بن
112

إسماعيل (1)، حدثني محمد بن الصلت (2)، قال: قال عبيد الله بن الحسن (3)
لرجل: يا فلان استكثر من الصديق، فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك
فيدعو لك.
30 - حدثني محمد بن الحسين (4)، قال: حدثنا داود بن مهران (5)،
حدثنا داود بن عبد الرحمن (6)، حدثني مزاحم بن أبي مزاحم (7) - مولى
طلحة - أن رجلا من أزدشنوءة (8) أوصى قومه، فقال:
استكثروا من الصديق، فإن العدو هم أكثر.
113

31 - وأخبرني ابن إدريس (1)، عن عبد الملك بن محمد (2)، عن
الأوزاعي (3)، قال: حدثني من أثق به، قال: قال سليمان بن داود
- - عليهما السلام - - لابنه:
يا بنى لا تستكثر أن يكون لك ألف صديق، ولا تستقل أن يكون لك
عدو واحد.
32 - حدثني هارون بن معروف (4)، حدثنا سفيان (5)، عن
مسعر (6)، عن أبي حصين (7)، قال: قال عمر بن الخطاب (8) - رضي الله عنه
-: إذا رزقكم الله - عز وجل - مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها.
114

33 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح (1)، حدثني أبو بحر (2) جليس
ليحيى بن آدم (3) قال: كان سفيان الثوري (4) يتمثل:
- إبل (5) الرجال إذا أردت إخاءهم * وتوسمن أمورهم وتفقد 3 / أ -
- فإذا وجدت أخا الأمانة والتقى * فيه اليدين - قرير عين - فاشدد -
- ودع التذلل والتخشع تبتغى * قرب امرئ إن تدن منه تبعد -
34 - حدثنا محمد بن إسحاق السهمي (6)، حدثني إبراهيم بن عثمان
ابن زائدة (7)، عن أبيه (8)، قال: كتب الأحنف بن قيس (9) مع رجل - إلى
115

صديق له -:
أما بعد، فإذا قدم عليك أخ لك موافق فليكن منك مكان سمعك
وبصرك، فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف، ألا تسمع إلى قول الله
- عز وجل - لنوح في شأن ابنه * (إنه ليس من أهلك) * (1) يقول: ليس
من أهل ملتك. فانظر إلى هذا وأشباهه، فاجعلهم كنوزك وذخائرك،
وأصحابك في سفرك وحضرك فإنك إن تقربهم تقربوا منك، وإن تباعدهم
يستغنوا بالله - عز وجل - والسلام.
35 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن حميد المكي (2)، حدثنا علي بن
نوح (3)، حدثنا هشام بن سليمان (4)، عن عكرمة (5)، قال: قال عمر بن
الخطاب (6) - رضي الله عنه -:
عليك بإخوان الصدق [فعش في أكنافهم] (7) فإنهم زين في الرخاء،
وعدة في البلاء.
116

36 - حدثنا [الحسين] (1) بن عبد الرحمن (2)، قال: حدثني إسحاق
ابن عمارة الحمصي (3)، قال: قال عياش بن مطرف الكلاعي (4):
لا حياة لمن لا إخوان له، ولا إخوان لمن لا مال له،
* * *
117

باب
من أمر بصحبته ورغب في [اعتقاد] (1) مودته
37 - حدثنا أبو خيثمة (2)، وبندار بن بشار (3)، وغيرهما، عن
عبد الرحمن بن مهدي (4)، قال: حدثنا زهير بن محمد (5)، عن [موسى] (6) بن
وردان (7)، عن أبي هريرة (8)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (9).
119

38 - حدثنا خالد بن مرداس السراج (1)، حدثنا أيوب بن جابر (2)،
عن أبي إسحاق (3)، عن [هبيرة] (4) بن يريم (5)، قال: قال عبد الله بن
مسعود (6):
اعتبروا الناس بأخدانهم (7)، فإن الرجل يخادن من يعجبه نحوه.
39 - حدثني أبي (8)، وغيره، عن إسماعيل بن إبراهيم (9)، عن
120

أيوب (1)، عن أبي قلابة (2)، قال: قال أبو الدرداء (3):
إن من فقه المرء ممشاه، ومدخله، ومجلسه ".
ثم قال أبو قلابة:
قاتل الله الشاعر: - لا تسأل عن المرء وانظر قرينه -.
40 - حدثنا أحمد بن إسماعيل البتي (4)، حدثني عبد الله بن قريش
البخاري (5)، عن أبي توبة (6)، عن عبد الله بن المبارك (7)، قال: قال
الأوزاعي (8):
121

من خفيت 3 / ب علينا بدعته فلن تخفى علينا ألفته.
41 - حدثني خالد بن خداش (1)، حدثنا عبد الله بن المبارك (2)، عن
حياة بن شريح (3)، عن سالم بن غيلان (4)، عن الوليد بن قيس (5)، عن أبي
سعيد الخدري (6)، أو قال: عن أبي الهيثم (7)، عن أبي سعيد (8)، عن النبي
122

صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقى ". (1)
42 - حدثني عبد الرحمن بن صالح الأزدي (2)، قال: حدثنا
عبد الرحمن بن محمد المحاربي (3)، عن مالك بن مغول (4)، عن الحسن (5)،
قال: قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأصحاب خير؟
قال:
" صاحب إذا ذكرت الله - تبارك وتعالى - أعانك، وإذا نسيته
ذكرك ". (6)
قالوا: يا رسول الله دلنا على خيارنا نتخذهم أصحابا وجلساء.
قال: " نعم، الذين [إذا] (7) رؤوا ذكر الله ".
123

43 - حدثنا [الحسين] (1 (بن عبد الرحمن (2)، حدثني صالح بن
موسى (3)، قال: قال رجل (4) لداود الطائي (5). أوصني.
قال:
اصحب أهل التقوى، فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم
لك معونة.
44 - حدثنا [المفضل] (6) بن [غسان] (7) البصري (7)، عن أبي
عمرو العوفي (9)، قال:
كان يقال: اصحب من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن
أصابتك خصاصة مأنك (10)، وأن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك
124

سقطة سترها، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت سدد صولك.
وزاد غيره: ولا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق،
ومن إن سألته أعطاك، وإن سكت ابتدأك، وإن نازعته بذل لك.
45 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح (1)، قال: قال عثمان بن حكيم
الأودي (2):
اصحب من هو فوقك في الدين، ودونك في الدنيا.
46 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير (3)، عن موسى بن إسماعيل (4)،
عن عامر بن أبي عامر [الخزاز] (5)، قال: قال لنا هاشم بن القاسم (6):
ما إخوان الصفا؟ فقلت أنا شيئا (7). وقال هذا شيئا. قال: لا ولكنه
الذي يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
47 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح (8)، حدثني إبراهيم بن هراسة (9)،
125

عن المهلب بن عثمان (1)، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (2)، قال: قال
عمر بن الخطاب (3) - رضي الله عنه - -:
آخ الإخوان على قدر التقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلا عند من
يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلا عند من يحب قضاءها، ولا تغبط الأحياء
إلا بما تغبط الأموات 4 / أ، وشاور في أمرك الذين يخشون الله - عز
وجل - -.
48 - حدثني المفضل بن غسان (4)، عن أبيه (5)، قال: كان يقال:
اصحب من ينسى معروفه عندك.
49 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (6)، عن أحمد بن أبي
الحوارى (7)، حدثنا يونس الحذاء (8)، عن أبي حمزة الشيباني (9) أنه سئل
126

عن الإخوان في الله - عز وجل - من هم؟ قال: هم
العاملون بطاعة الله - عز وجل -، المتعاونون على أمر الله - عز وجل -،
وإن تفرقت دورهم وأبدانهم.
قال: فحدثت به أبا سليمان (1). فقال:
قد يعملون بطاعة الله - عز وجل - ويتعاونون على أمره، ولا يكونون
إخوانا حتى يتزاوروا ويتباذلوا.
50 - حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي (2)، قال: حدثنا
داود بن المحبر (3)، قال: حدثنا عباد بن كثير (4)، وحماد بن زيد (5)، عن
واصل مولى أبى [عيينة] (6) قال:
127

كنت مع محمد بن واسع (1) بمر (2). فأتاه عطاء بن [أبى] مسلم (3)،
ومعه ابنه عثمان (4)، فقال لمحمد: أي العمل في الدنيا أفضل؟ قال:
صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان إذا اصطحبوا على البر والتقوى.
قال: فحينئذ يذهب (5) الله - عز وجل - بالحلاوة بينهم، فوصلوا
وتواصلوا. ولا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان إذا كانوا عبيد
بطونهم. لأنهم إذا كانوا كذلك ثبط بعضهم بعضا عن الآخرة.
51 - حدثني محمد بن العباس (6)، حدثني محمد بن عمرو بن الكميت
الكلابي (7)، عن مسلم بن وازع التميمي (8) قال: قال لقمان لابنه:
أي بنى واصل أقرباءك وأكرم إخوانك، وليكن أخدانك من إذا فارقتهم
وفارقوك لم تعب بهم.
52 - حدثني الحسن بن الصباح البزار (9)، حدثني إسحاق بن البهلول
128

التنوخي (1)، قال: حدثنا عباءة بن كليب (2)، قال:
اجتمعت أنا ومحمد بن النضر (3) الحارثي (4)، و عبد الله بن المبارك (5)،
وفضيل بن عياض (6)، وصنعت لهم طعاما، فلم يخالف علينا محمد بن النضر (7)
الحارثي في شئ. فقال له عبد الله بن المبارك: ما أقل خلافك؟! فقال محمد:
- فإذا صاحبت فاصحب صاحبا (8) * ذا حياء وعفاف وكرم -
- قوله للشئ لا إن قلت لا * وإذا قلت: نعم قال: نعم -
53 - حدثني المثنى بن عبد الكريم (9)، حدثنا زافر بن سليمان (10)،
129

عن أبي عبد الله البصري (1)، قال: قال عبد الله بن الحسن (2):
أربع من سعادة المرء: أن تكون زوجته صالحة، وأن يكون ولده
[أبرارا] (3)، وأن تكون معيشته في بلده 4 / ب [وإخوانه صالحين] (4).
54 - حدثني محمد بن ناصح (6)، حدثنا بقية بن الوليد (7)،
حدثني أبو يعقوب المديني (8)، عن عبد الله بن الحسن (9)، عن أبيه (10)،
عن جده (11)، رفعه، مثل ذلك.
130

55 - حدثني إبراهيم بن موسى (1)، قال: حدثنا المعتمر بن
سليمان (2)، عن فرات بن سلمان (3)، قال: قال الحسن (4):
المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه ما لا يعجبه سدده، وقومه، وحاطه،
وحفظه في السر والعلانية. إن لك من خليلك نصيبا وإن لك نصيبا من
ذكر من أحببت. فثقوا بالأصحاب والإخوان والمجالس.
56 - حدثني عبد الرحمن بن صالح (5)، حدثني الحكم بن يعلي (6)،
131

عن القاسم بن الفضل الحداني (1)، عن معاوية بن قرة (2)، قال: نظرنا في
المودة والإخاء، فلم نجد أثبت مودة من ذي أصل.
57 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (3)، قال: قال عمر بن
عبد العزيز (4) - أحسبه تمثل به -:
- إني لأمنع من يواصلني * من صفاء ليس بالدق (5) -
- فإذا حال عن خلق * داويت ذاك منه بالرفق -
- والمرء يصنع نفسه ومتى ما * بتله ينزع إلى العرق -
58 - قال محمد بن الحسين (6)، حدثني شهاب بن عباد (7)، حدثنا
أبو بكر بن عياش (8)، قال: أوصى رجل من الحكماء أخا له فقال:
أي أخي: آخ الأخوة (9) إلا أمل المروءة، والذي إن غبت
خلفك، وإن حضرت كنفك، وإن لقي لك صديقا استزاده، وإن لقي لك
132

عدوا كف عنك معرته، وإن رأيته ابتهجت به، وإن ناسبته استرحت.
59 - وبه قال محمد (1): حدثنا عبيد الله بن محمد (2)، قال: حدثنا
[بعض] (3) أصحابنا، قال:
كانت الحكماء تقول: إن مما يجب للأخ على أخيه مودته بقلبه، وتزيينه
بلسانه، ورفده بماله، وتقويمه بأدبه، وحسن الذب والمدافعة عنه في غيبته.
60 - حدثني أبو عبد الرحمن البصري (4)، عن أبيه (5)، أن رجلا
- من عبد القيس - قال لابنه:
أي بنى لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارد أموره ومصادرها، فإذا
استطبت منه الخبر، ورضيت منه العشرة، فآخه على إقالة العثرة والمواساة عند
العسرة.
61 - وبلغني أن بعض الحكماء سئل أي الكنوز خير؟
قال:
أما بعد تقوى الله فالأخ (6) الصالح (7).
62 - حدثني عبد الرحمن بن صالح (8) 5 / أ، حدثني الفضل (9)
133

شيخ لنا - قال: لما أراد النعمان بن المنذر (1) أن يخرج إلى الشام أوصاه
أبوه، فقال:
يا بنى أنهاك عن اثنتين، أولهما: أنهاك عن أخلاق الصديق، واستطراف
المعرفة. وآمرك بالبذل في عرضك، والانخداع في مالك، وأحب لك خلوة
بالليل.
63 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (2)، عن بعض رجاله (3)، قال:
قال ابن عباس (4):
أحب إخواني إلى الذي إذا أتيته قبلني وإذا غبت عنه عذرني.
64 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (5)، قال: قال رجل (6) لخالد بن
صفوان (7):
أخوك أحب إليك أم صديقك؟ فقال: إن أخي إذا لم يكن لي صديقا لم
أحبه.
* * *
134

باب
إعلام الرجل أخاه بشدة مودته إياه
65 - حدثنا عبيد الله بن عمر [الجشمي (1)] (2)، قال: حدثني
يحيى بن سعيد (3)، قال: وحدثنا محمد بن الفرج (4)، ويحيى بن يزيد
الأهوازي (5)، عن ثور بن يزيد (6)، عن حبيب بن عبيد (7)، عن المقدام بن
معدي كرب (8)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
135

" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه ". (1)
66 - حدثنا داود بن رشيد (2)، أخبرنا محمد بن جعفر (3)، عن أبي
محمد الأنصاري (4)، عن يزيد بن [أبى] (5) يزيد (6)، عن أبي حميد
الساعدي (7)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
136

" أبد المودة لمن وادك تكن أثبت ". (1)
67 - حدثنا أحمد بن جميل (2)، عن عبد الله بن المبارك (3)، عن عثمان
بن الأسود (4)، عن مجاهد (5)، قال:
حق على رجلا ذا أحب أخاه في الله أن يخبره.
68 - حدثنا عبيد الله بن عمر (6)، حدثنا عبد الواحد بن زياد (7)، عن
خصيف (8)، عن مجاهد (9)، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
137

إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره. ليقل: إني أحبك في الله إني أودك في الله (1).
69 - حدثنا عبد الله بن الهيثم (2)، عن يحيى بن أبي بكر (3)، عن
الحسن بن صالح (4)، عن [زبيد] (5)، عن مجاهد (6)، قال: حدثت أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه. فإنه أبقى في الألفة وأثبت في
المودة " (7).
70 - حدثنا أحمد بن جميل (8)، أخبرنا عبد الله بن المبارك (9)، عن
138

حماد بن سلمة (1)، عن ثابت (2)، عن [حبيب بن ضبيعة الضبعي] (3)
- أن رجلا - أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض أصحابه:
إني لأحبه في الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" وهل أعلمته؟ " قال: لا. قال: " فقم فأعلمه ". فقام إليه، فقال
يا فلان: إني أحبك في الله. قال: أحبك الذي أحببتني فيه (4).
71 - حدثنا إبراهيم بن أبي عون (5)، قال: حدثنا [عمرو] (6) بن
عون (7)، قال: حدثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني (8)، عن ثابت (9)، عن
139

أنس بن مالك (1)، قال:
بينما رجل جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر به رجل فقال: يا رسول الله إني
لأحبه قال:
" أعلمه فإنه أثبت للمودة بينكما " (2).
72 - حدثنا زياد بن أيوب (2)، قال: حدثنا عبد الحميد [بن] (4)
عبد الرحمن (5)، قال: حدثنا أبو كعب الشامي (6)، عن مكحول (7)، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من [كان] في قلبه مودة لأخيه ثم لم يطلعه عليه فقد خانه " (8).
140

73 - حدثنا أبو أحمد (1)، حدثنا داود بن المحبر (2)، عن الضحاك بن
يسار الخزاعي (3)، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير (4)، قال:
إني كنت معه فلقيه رجل فقال: إني حدثت أن الرجل إذا لقي أخاه
فقال: إني أحبك في الله كتب لهما تحت العرش: وإني أحبك في الله - عز
وجل -.
74 - حدثنا العباس بن جعفر (5)، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب
الحجبي (6)، حدثنا أبو عوانة (7)، عن منصور (8)، عن عبد الله بن مرة (9)،
عن عبد الله بن عمر (10)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
141

" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره فإنه يجد له مثل الذي يجد له " (1).
* * *
142

باب
اتفاق القلوب على المودة
75 - حدثنا محمد بن قدامة الجوهري (1)، حدثنا أبو بكر بن
عياش (2)، عن أبي يحيى القتات (3)، عن مجاهد (4)، قال:
مر على عبد الله بن عباس رجل فقال (5): إن هذا يحبني فقيل: أنى
علمت ذلك؟ قال: إني أحبه.
76 - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن (6)، قال: كان يقال:
إن المودة قرابة مستفادة.
143

77 - حدثنا محمد بن قدامة (1)، حدثنا سفيان (2)، عن إبراهيم بن
ميسرة (3)، عن طاوس (4)، عن بن عباس (5)، قال:
الرحم تقطع، والنعم تكفر، ولم ير كتقارب القلوب.
قال أبو جعفر (6): فكان محمد مبادرا في ذلك:
قد يقطع الرحم القريب وتكفر النعماء ولا كتقارب القلبين
يبدي الهوى هذا ويبدي ذا الهدى فإذا هما نفس ترى نفسين
78 - حدثنا يحيى بن قطن الأيلي (7)، حدثنا عبد الله بن صالح (8) كاتب
الليث، قال: حدثنا الليث بن سعد (9)، عن يحيى بن سعيد (10) عن عمرة (11)،
144

عن عائشة (1)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها
اختلف " (2).
79 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني (3)، قال / 6 أ: حدثنا يزيد
بن زريع (4) عن روح بن القاسم (5)، عن سهيل بن أبي صالح (6)، [عن]
أبيه] (7) عن أبي هريرة (8)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
145

" الأرواح جنود مجندة. فما تعارف منه ائتلف، وما تناكر منها
اختلف " (1).
80 - حدثني عبد الرحمن بن صالح (2)، حدثني الحكم بن يعلى (3)،
عن القاسم بن الفضل (4)، عن أبي جعفر (5)، قال:
اعرف المودة في قلب أخيك لما له في قلبك.
81 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (6)، عن منصور بن سفيان (7)،
قال: قيل لأبي حازم (8) ما القرابة؟ قال: المودة. قيل: فما اللذة؟ قال:
الموافقة. قيل: ما الراحة؟ قال: الجنة.
146

82 - حدثني أبو موسى (1)، عن سعيد بن عامر (2)، عن أسماء بن
عبيد (3)، قال: قال الحسن:
رب أخ لك لم تلده أمك.
* * *
147

باب
في شدة الشوق إلى لقاء الإخوان، والتسلي
بمحادثتهم عن الهموم والأحزان
83 - حدثنا محمد بن عبد الله [الأرزي (1)] (2)، حدثنا المعتمر بن
سليمان (3)، عن عمارة بن المعول (4)، عن الحسن (5)، قال:
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يذكر الرجل من إخوانه في
بعض الليل، فيقول: يا طولها من ليلة. فإذا صلى المكتوبة غدا إليه. فإذا
التقيا عانقه.
84 - حدثني على بن الجعد (6)، حدثنا سفيان (7) يعنى: الثوري،
149

عن شعبة (1)، قال: خرج عبد الله بن مسعود (2) على أصحابه فقال:
أنتم جلاء حزني.
85 - حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة (3)، حدثنا الوليد بن
مسلم (4)، عن الأوزاعي (5)، قال: سمعت بلال بن سعد (6)، يقول:
[أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من] (7) أخ كلما
لقيك وضع في كفك دينارا.
150

86 - حدثنا خالد بن خداش (1)، حدثنا مهدي بن ميمون (2)،
عن غيلان بن جرير (3)، عن عبيد بن عمير (4) أنه:
إذا آخى أخا في الله أخذ بيده فاستقبل به القبلة ثم قال: اللهم اجعلنا
شهداء بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، واجعل محمدا صلى الله عليه وسلم علينا شهيدا بالإيمان وقد
سبقت لنا منك الحسنى، غير مغلول علينا، ولا قاسية قلوبنا، ولا قائلين
ما ليس لنا بحق، ولا سائلين ما ليس لنا بعلم.
87 - حدثني محمد بن عباد (5)، حدثنا سفيان (6)، عن مالك بن
مغول (7)، قال: قال لي طلحة بن مصرف (8):
للقياك أحب إلى من العسل.
151

88 - حدثنا خالد بن [خداش] (1) (2) وخلف بن هشام (7)، قالا:
حدثنا حماد بن زيد (4)، عن خالد بن [سلمة] (5)، قال:
لما جاء نعى زيد بن حارثة، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم 6 / ب منزل زيد، فخرجت
عليه ابنة لزيد، فلما [رأت] النبي صلى الله عليه وسلم أجهشت في وجهه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم
حتى انتحب. فقيل: يا رسول الله ما هذا قال:
" هذا شوق الحبيب إلى حبيبه ". (2)
89 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (7)، قال: قال الخليل بن أحمد (8)
لأخ له:
- العين تبصر ما تهوى وتفقده * فناظر القلب لا يخلو من النظر -
- إن كنت لست معي فالذكر منك معي * يراك قلبي وإن غيبت عن بصري -
152

90 - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن (1)، أن بعض الشعراء قال لأخ له:
- أما والذي شاء لم يخلق النوى * لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي -
- أخي رعاك الله في كل وجهة * توجهتها ما بين شرق إلى غرب -
- توهم منك الشوق حتى كأنني * أناجيك من قرب وإن لم تكن قربى -
- وأرقب إشفاقي عليك من القذى * وهب ضميري منه أجنحة (2) الرعب؟! -
- عسى ولعل الله يستر ما انطوت * عليه من الأقدار من شدة الكرب -
91 - حدثنا موسى بن هارون بن سفيان (3)، حدثني أبو عبد الله
الطحان (4)، قال: سمعت رجلا يقول لمحمد بن مناذر (5):
في أي شئ وجدت لذة العيش؟ قال: في محادثة الإخوان والرجوع إلى
الكفاية.
92 - حدثني محمد بن الحسين (6)، حدثني عبد الله بن الزبير (7)، عن
153

سفيان (1)، قال حدثت عن أبي جعفر (2)، أنه قال (3):
قدومي مكة حبا للقاء عمرو بن دينار (4)، و عبد الله بن عبيد بن عمير (5)
قال: و كان يحمل إليهم النفقة، والصلة، والكسوة، ويقول هيأتها لكم من أول.
السنة.
93 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي (6)، حدثنا مالك بن
إسماعيل (7)، حدثنا مسلمة بن جعفر (8)، عن عمرو بن عامر البجلي (9)، عن
وهب بن منبه (10)، قال:
154

ثلاث من روح الدنيا: لقي الإخوان، وإفطار الصائم، والتهجد من
آخر الليل.
94 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (1)، عن محمد بن زياد
الأسدي (2)، قال: قال أكثم بن صيفي (3):
لقاء الأحبة مسلاة للهم.
95 - حدثني أبو بكر الأثرم (4)، حدثني أحمد بن شبوبة (5)، حدثني
سليمان بن صالح (6)، حدثنا عبد الله بن المبارك (7)، عن سفيان بن عيينة (8)،
155

عن أبي حمزة الثمالي (1)، قال: قال المغيرة بن شعبة (2) 7 / أ:
للحديث من عاقل أحب إلى من الشهد بماء رضفة بلبن الأرفي.
فقال زياد: كذلك، فلهو أعجب إلى العاقل من رثيثة فثئت بسلالة
ثغب (3) في يوم شديد الوديقة ترمض فيه الآجال.
الرضفة: الصخرة، والمخض: اللبن، والأرفى: الظباء، والوديقة:
شدة الحر، والآجال: البقر، الواحد الأجل. قال ذلك الحسن بن
جمهور (4).
والرثيئة: اللبن الذي لم يخرج زبده. وفثئت: كسرت.
* * *
156

باب
في زيارة الإخوان
96 - حدثنا عبد الاعلى بن حماد (1)، قال: حدثنا حماد بن سلمة،
عن ثابت (2) عن أبي رافع (4)، عن أبي هريرة (5)، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
" إن رجلا زار أخا له في رية، فأرصد الله - عز وجل - على مدرجته
ملكا فقال: أين تريد؟ قال: أريد [أزور] (6) أخا لي في هذه القرية. قال
157

له: هل له عليك نعمة تربها؟ قال: لا. إني أحببته في الله - عز وجل -
قال: فإني رسول الله إليك: إن الله أحبك كما أحببته. (1)
97 - حدثنا زهير بن حرب (2)، حدثنا الحسن بن موسى (3)، عن
حماد بن سلمة (4)، عن أبي سنان (5)، عن عثمان بن سودة (6)، عن أبي
هريرة (7) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن المسلم إذا عاد أخاه أو زاره في الله يقول الله - عز وجل - طبت
158

وطاب ممشاك وتبوأت في الجنة منزلا. (1)
98 - حدثنا على بن الجعد (2)، قال: أخبرنا عبد الحميد بن بهرام (3)،
عن شهر بن حوشب (4)، عن أبي طيبة (5)، عن عمرو بن عبسة (5)، قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" قال الله - عز وجل - حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلى. (7)
99 - حدثنا أبو خثيمة (8)، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر (9)، عن أبي
المليح (10)، عن حبيب بن أبي مرزوق (11)، عن عطاء بن أبي رباح (12)،
159

عن أبي مسلم الخولاني (1)، عن عبادة بن الصامت (2) - سمعت النبي -
صلى الله عليه وسلم يروى ربه - تبارك وتعالى - قال:
" حقت محبتي على المتزاورين في ". (3)
100 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل (4)، حدثنا جرير (5)، عن
ليث (6)، قال:
ما من رجل يزور أخاه لا يزوره إلا ابتغاء مرضاة الله - عز وجل -
وتنجيزا لموعوده، والتماس ما عنده، وحفظا لحق أخيه إلا حياه كل ملك
بتحية لا يحيى بها صاحبه. ثم صاح ورق الجنة وسبح، ثم قيل: هذا فلان زار
أخا له (7).
160

101 - حدثنا عمار بن نصر المرزوي (1)، حدثنا شعيب أبو (2)
حرب (2)، عن أبي العنسي (3)، عن يحيى (4)، عن مكحول (5)، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (6)
" امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال
وزر أخا في الله - عز وجل - (7).
102 - حدثنا سليمان بن منصور الواسطي (8)، وإبراهيم بن سعيد (9)، وغيرهما،
161

عن أبي سفيان الحميري (1)، عن الضحاك بن [حمرة] (2)، عن حماد بن
جعفر (3)، عن ميمون بن [سياه] (4)، عن أنس بن مالك (5)، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أي عبد زار أخاه في الله - عز وجل - نودي: أن طبت وطابت لك
الجنة. ويقول الله - عز وجل - عبدي زار في علي قراه، ولن أرضى
لعبدي قرى دون الجنة. (6)
162

103 - حدثنا الفضل بن زياد الدقاق (1)، قال: حدثنا خلف بن
خليفة الأشجعي (2) عن أبي هاشم (3)، عن سعيد بن جبير (4)، عن
بن عباس (5)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة "؟ قال: (6) والرجل يزور أخاه في
163

ناحية المصر لا يزوره إلا في الله - عز وجل - ". (1)
* * *
164

باب
في إغباب (1) الزيارة
104 - حدثنا سويد بن سعيد (2)، حدثنا المعتمر بن سليمان (3)، عن
طلحة بن عمرو (4)، عن عطاء (5)، عن أبي هريرة (6)، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
حدثنا قال (7): وحدثنا سويد بن سعيد، حدثنا القاسم بن غصن (8)،
عن عبد الرحمن بن إسحاق (9)، عن النعمان بن سعد (10) عن علي (11)،
عن النبي صلى الله عليه وسلم:
165

حدثنا قال (1)، وحدثنا سويد، حدثنا ضمام بن إسماعيل (2)، عن أبي
قبيل (3)، عن عبد الله بن عمرو (4)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
166

" زر غبا تزدد حبا " (1).
105 حدثنا شجاع بن الأشرس بن ميمون بن خشرم بن نباتة (2)،
عن الكلبي - يعنى - أبا جناب (3)، عن عطاء (4)، قال:
انطلقت أنا وابن عمر (5)، وعبيد بن عمير (6)، إلى عائشة (7) فدخلنا
عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبد الله ما يمنعك أن تزورنا؟ فقال:
قول الشاعر: زر غبا تزدد حبا.
106 - حدثني محمد بن صالح (8)، قال: حدثني أبو عبيدة
167

الحداد (1)، عن أبي عوانة (2)، قال، سمعت عبد الملك بن عمير (3) يتمثل:
- استبق ودك للصديق ولا تكن * فيما (4) بعض هجارك ملحاحا -
واهجرهم هجر الصديق صديقه * فمتى تلاقيتم عليك شحاحا -
107 - أنشدني [الحسن] (5) بن أحمد (6) - لبعض الشعراء -:
- زر إن أردت الوصل * غبا تزدد إلى الإخوان حبا -
- لا تجعلن أخا وإن منح * الوداد عليك دبا (7) -
- فيضيق عنك فناؤه * يوما وكان عليك رحبا -
- لا يتألفن فتى من * أخيته فيصير كلبا -
- بحمى وكانوا به من * أهله جوعا وضربا -
- وأبعد بنفسك عن أخ * تزدد ببعد منه قربا -
108 - قال: وأنشدني الحسن (8) أيضا:
168

- يقل إخائي عند من زرت بيته * كثيرا ولكني أقل فأكثر -
- وإن زرت من لا أشتهي أن أزوره * كثيرا فما لومي له حين يضجر -
109 - حدثني محمد بن عمرو بن عيسى التميمي البصري (1)، عن
الوليد بن [هشام] (2) القحذمي (3)، أنشد له:
- [غببت] على [فاستحققت] (4) وصلى * فوربك لما أحدثت عينا -
- فلما أن [وهبتك] (5) محض ودي * [جعلت] (6) زيارتك على دينا
- فإني لا أقيم على هوان * وإن أمسى هواك على دينا -
- وقد قال النبي وكان برا * إذا زرت الصديق فزره غبا -
- فاقلل زور من تهواه تزدد * إلى من زرته [ودا] وحبا -
* * *
169

باب
في ذكر مصافحة أهل المودة
110 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي (1)، حدثنا عمرو بن
حمزة (2)، حدثنا المنذر بن ثعلبة (3)، عن أبي العلاء بن الشخير (4)، عن
البراء (5)، قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحني فقلت: يا رسول الله كنت
171

أحسب أن هذا من زي العجم. قال:
" نحن أحق بالمصافحة منهم. ما من مسلمين التقيا فتصافحا إلا تساقطت
ذنوبهما بينهما ". (1)
111 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب (2)، حدثنا أبو بكر بن
عياش (3)، عن أبي إسحاق (4)، عن أبي داود (5)، قال: دخلت على البراء بن
عازب (6) فأخذت بيده فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" ما من مسلم يلقى أخاه فيصافح أحدهما صاحبه إلا غفر لهما قبل
[أن] (7) يتفرقا ". (8)
172

112 - حدثنا داود بن عمرو (1)، حدثنا هشيم (2)، عن أبي بلج (3)،
حدثني زيد بن أبي الشعثاء (4)، عن البراء بن عازب (5)، قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم:
173

" إذا التقى المسلمان وتصافحا، وحمدا الله، واستغفرا غفر لهما " (1).
113 - حدثنا عبد الله بن الهيثم (2) / 8 ب، حدثنا يزيد بن
هارون (3)، عن حماد بن سلمة (4)، عن أبي الحسين المديني (5)، عن أيوب.
بن بشير (6)، [عن رجل من عنزة أنه قال] (7):
" سألت أبا ذر (8) هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكما إذا لقيتموه؟ فقال:
ما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صافحني ".
174

114 - حدثنا عبد الله بن الهيثم (1)، حدثنا أبو معاوية (2)، عن
ليث (3)، عن مجاهد (4)، عن معاذ (5)، قال:
إذا التقى المسلمان فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ
بيده تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر.
115 - حدثنا أحمد بن عيسى المصري (6)، حدثنا بشر بن بكر (7)،
حدثنا الأوزاعي (8)، حدثني [عبدة] (9) بن أبي لبابة (10)، قال حدثني
مجاهد بن جبر (11)، قال:
إذا تواخا المتحابان في الله - عز وجل - فمشى أحدهما إلى الآخر فأخذ
بيده فضحك إليه تحاتت خطايا هما كما يتحات ورق الشجر. قلت: إن هذا
175

ليسير. قال: لا تقل ذلك فإن الله - عز وجل - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:
* (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله
ألف بينهم) * الآية.
116 - حدثنا سريج (2) بن يونس (3)، حدثنا يحيى بن سليم
الطائفي (4)، عن الربيع بن فلان بن أخي لبراء بن عازب (5)، قال: بلغني أن
النبي صلى الله عليه وسلم صافح البراء بن عازب (6)، فقال له البراء: إنا كنا نصنع هذا
كفعل الأعاجم فقال:
" إن المسلمين إذا التقيا وتبسما بلطف وتؤدة تناثرت خطاياهما بين
أيديهما " (7).
176

باب
مصافحة أهل المودة
117 حدثنا إسحاق بن إبراهيم (1)، حدثنا بن المبارك (2)، عن يحيى
بن أيوب (3)، عن عبيد الله بن زحر (4)، عن علي بن زيد (5)، عن
القاسم (6)، عن أبي أمامة (7)، قال:
من تمام تحياتكم المصافحة.
177

118 - حدثنا الفضل بن إسحاق (1)، حدثنا أبو قتيبة (2)، عن
شعبة (3)، عن غالب [التمار (4)] (5)، عن الشعبي (6) قال:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا.
178

119 - حدثنا [سريج] (1)، حدثنا وكيع (2)، عن سفيان (3)، عن
رجل (4)، عن عبد الرحمن بن الأسود (5) قال:
من تمام التحية المصافحة.
179

120 - حدثنا إسحاق (1)، قال: حدثنا فضيل بن عياض (1)، عن
هشام (3)، عن الحسن (4)، قال:
المصافحة تزيد في المودة.
121 - حدثنا محمد بن صالح (5)، عن أبي عبيدة الحداد (6)، عن
جسر (7) عن الحسن (8)، قال:
كلما غمزت به صاحبك أشد تحاتت الذنوب / 9 أ.
180

122 - حدثنا محمد بن عبد العزيز المرزوي (1)، قال: أخبرنا على بن
الحسن بن شقيق (2)، قال: وحدثنا أبو حمزة (3)، عن جابر (4)، عن
عبد الجبار بن وائل (5)، عن أبيه (6)، قال:
كنت أصافح النبي صلى الله عليه وسلم ما تعرف في كفى - بعد ثالثة - أطيب من
ريح المسك.
* * *
181

باب
في معانقة الإخوان
123 - حدثنا داود بن زهير الضبي (1)، حدثنا محمد بن
عبد الله بن عبيد بن عمير (2)، عن يحيى بن سعيد (3)، عن القاسم (4)، عن
عائشة (5) - رضي الله عنهما - قالت:
[لما] (6) قدم جعفر (7) وأصحابه تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنقه.
183

124 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم (1)، عن بشر بن المفضل (2)، عن
خالد بن ذكوان (3)، قال: حدثني أيوب بن [بشير] (4) عن فلان
العنزي (5)، قال: أخبرني أبو ذر (6)، قال:
أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، فأتيته فوجدته
نائما، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
125 - حدثني سريج بن يونس (7)، قال: حدثنا سلمة بن (8)، صالح
184

عن الربيع بن سليمان (1)، عن عثمان بن عطاء الخراساني (2)، عن أبيه (3)،
عن أبي [سفيان] (4)، عن تميم الداري (5)، قال:
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن معانقة الرجل الرجل إذا هو لقيه؟ فقال:
" كانت تحية الأمم وخالص ودهم: وأول من عانق إبراهيم عليه
السلام " (6).
185

126 - حدثني فضل بن إسحاق (1)، عن أبي قتيبة (2)، عن شعبة (3)،
عن غالب التمار (4)، عن الشعبي (5)، قال:
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر تعانقوا.
127 - حدثنا فضل (6)، حدثنا أبو قتيبة (7)، عنه صلى الله عليه وسلم سنة ابنة يزيد
الرقاشي (8)، قالت:
رأيت الحسن (9) يجيئنا زائرا فيعانق أبى.
128 - حدثنا خلف بن هشام (10)، حدثنا أبو عوانة (11)، عن أبي
بلج (12)، قال:
رأيت الأسود بن يزيد (13)، وعمرو بن ميمون (14)، التقيا فاعتنقا.
186

129 - حدثني الفضل بن إسحاق (1)، عن أبي قتيبة (2)، عن سفيان
الثوري (3)، عن زياد بن فياض (4)، عن تميم بن سلمة (5):
أن عمر (6) لما أتى الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح (7)، وفاض إليه ألما
فالتزمه عمر، وقبل يده، وجعلا يبكيان.
130 - حدثني عبد الله بن الهيثم (8)، قال: حدثني يزيد بن
هارون (9)، عن حماد بن سلمة (10)، عن أبي الحسين المدني (11)، عن أيوب
ابن بشير (12)، عن أبي ذر (13)، قال:
187

أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم 9 / ب فأتيته وهو على سريره، فلما رآني
اعتنقني.
* * *
188

باب
في بشاشة الرجل لأخيه، وطلاقة وجهه
إليه إذا لقيه
131 - حدثنا محمد بن عباد المكي (1)، قال: حدثنا سفيان (2)، عن
إسماعيل بن أبي خالد (3)، عن قيس (4)، [عن جرير] (5)، قال:
ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي.
189

132 - حدثنا محمد بن الحسين (1)، حدثني عبد الوهاب بن
عطاء (2)، قال: أخبرني سعيد بن أبي عروبة (3)، عن عبد الله بن
[فيروز] (4)، عن الحسن (5)، قال:
من الصدقة أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق.
190

133 حدثنا على بن الجعد (1)، حدثنا سلام بن مسكين (2)، عن
عقيل بن طلحة (3) - وكان أبوه (4) قد شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم عن
جرى (5)، أو أبو جرى الهجيمي (6) قال:
قلنا: يا رسول الله إنا من أهل البادية فنحب أن تعلمنا عملا لعل الله أن
ينفعنا به. قال: " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء
المستسقى. وأن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط " (7).
191

134 - حدثني أبي (1)، عن موسى بن داود (2)، عن بن لهيعة (3)،
عن بكر بن عمرو (4)، عن سفيان بن محمد (5)، قال:
كان بن عمر من أفرح الناس [وأضحكهم] (6).
135 - حدثني أبي (7)، عن موسى بن داود (8)، عن عامر بن
يساف (9)، عن يحيى بن أبي كثير (10)، قال:
كان رجل يكثر الضحك، فذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: " أما إنه
سيدخل الجنة وهو يضحك ".
192

136 - حدثني بن الأعرابي النحوي (1)، قال:
لقي يحيى بن زكريا عيسى بن مريم - عليهما السلام - ويحيى متبسم
متهلل الوجه وعيسى قاطب متعبس فقال عيسى ليحيى: أتضحك كأنك
آمن. فقال يحيى لعيسى كأنك آيس. فأوحى الله - عز وجل - أن ما فعل
يحيى أحب إلينا.
رواية إسرائيلية إسنادها جيد.
137 - حدثنا يعقوب بن إسماعيل بن حماد الأزدي (2)، قال: حدثنا
أبو أحمد الزبيري (3)، قال: حدثنا شريك (4)، عن يزيد بن زياد (5)، عن
عكرمة (6)، قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل فرأى في وجهه البشر صافحه.
138 - حدثنا أحمد بن أبي بكر مولى بنى هاشم (7)، حدثنا عمر
193

أبو جعفر (1) قال: كان يقال:
أول المودة طلاقة الوجه، والثانية التودد، [والثالثة] (2) قضاء حوائج
الناس.
139 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن [أبى] (3) حاتم (4) / 10 أ،
قال: حدثنا أبو معاوية (5)، عن أبي إسحاق [الخميسي (6)] (7)، عن
يونس (8)، عن الحسن (9)، قال:
التودد إلى الناس نصف العقل.
140 - حدثنا الوليد بن سفيان العطاري البصري (10)، وكان ثقة،
194

قال: حدثنا [عبيد] (1) بن عمرو الحنفي (2)، قال: حدثنا على بن يزيد (3)،
عن سعيد بن المسيب (4)، عن أبي هريرة (5)، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
رأس العقل بعد الإيمان بالله - عز وجل - التودد إلى الناس. (6)
195

141 - حدثني الحسن بن الصباح (1)، حدثنا على بن الحسن بن
شقيق (2)، عن حكام بن [سلم (2)] (4)، قال: سمعت سعيد بن عبد الرحمن
الزبيدي (5)، يقول:
يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك، فأما من تلقاه ببشر ويلقاك
بضرس (6) يمن عليك بعمله فلا كثر الله في الناس أمثال هؤلاء.
* * *
196

باب
في تقبيل الإخوان
142 - حدثنا داود بن عمرو (1)، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد
بن عمير (2)، عن يحيى بن سعيد (3)، عن القاسم بن محمد (4)، عن
عائشة (5)، قالت:
لما قدم جعفر وأصحابه تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب بين عينيه.
143 - حدثنا على بن الجعد (6)، قال: أخبرني عبد الملك بن
حسين (7)، عن زياد بن فياض (8)، عن تميم بن سلمة (9):
197

أن عمر بن الخطاب (1) - رضي الله عنه - لما قدم الشام استقبله
أبو عبيدة (2) فنزل فقبل يده.
44 - حدثني الفضل بن إسحاق (3)، عن أبي قتيبة (4)، عن مالك
بن مغول (5)، عن طلحة بن مصرف (6)، قال:
دخلت على خثيمة (7) فقبل يدي وقبلت يده.
145 - حدثنا فضل (8)، [عن] (9) أبى قتيبة (10)، عن حماد بن
سلمة (11)، عن عاصم بن بهدلة (12)، قال:
قدمت من سفر فدخل على أبو وائل (13) فقبل يدي.
198

146 - حدثني سويد بن سعيد (1)، قال: حدثنا سفيان (2)، عن علي
ابن زيد (3)، قال: قال ثابت (4) لأنس بن مالك (5):
مسست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
قال: فناولني يدك؟ فناوله يده فقبلها.
147 - حدثني سويد (6) قال،
رأيت سفيان بن عيينة (7) يقبل يد فضيل بن عياض (8).
148 - حدثني الفضل (9)، حدثنا هارون بن معروف (10)، قال:
حدثنا بن عيينة (11)، قال: حدثنا أسلم (12، قال:
ذهبت مع كهمس (13) إلى حبيب أبى محمد (14) نعوده، فأتيناه وهو
199

مضطجع. فقالت أم ولده: يا برحاه (5) أتى يا مولاي كهمس. قال: ففزع،
فجلس، فما فيه شئ إلا قبله.
149 - حدثنا إسماعيل بن حفص البصري (1)، أخبرنا أبو بكر بن
عياش (2)، عن عاصم (3)، قال:
كنت إذا قدمت 10 / ب من سفر لقيني أبو وائل (4) فقبل يدي.
150 - حدثنا سويد بن سعيد (5)، حدثنا شريك (6)، عن مالك بن
مغول (7)، عن طلحة (8)، قال:
دخلت على خيثمة (9) فقبل يدي.
151 - حدثنا أبو الحسن الشيباني (10)، قال: حدثنا بقية بن
الوليد (11)، حدثني أبو خالد الفلسطيني (12)، عن عطاء الخراساني (13).
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقبلون يده.
200

152 - حدثنا أحمد بن عبد الأعلى (1)، حدثنا هشيم (2)، قال: أخبرنا
بعض القرشيين (3)، عن حاطب (4).
أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في تقبيل رأسه فأذن له، ثم استأذنه في
تقبيل يده فأذن له، ثم استأذنه في تقبيل رجله فأذن له.
153 - حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم (5)، حدثنا عبيد الله بن
عمر (6)، عن [بصيرة] (7)، عن الحسن (8)، عن أبي رجاء العطاردي (9)،
201

قال:
قدمت المدينة فرأيت عمر (6) يقبل رأس أبى بكر (2) رضى لله تعالى عنهما:
154 - حدثنا الحسين بن محمد (3)، حدثنا المعتمر بن سليمان (4)، عن
إياس بن دغفل (5)، قال:
رأيت [أبا نضرة] (6) قبل خد الحسن (7).
202

باب
في سخاء النفس بالبذل للإخوان
155 - حدثنا على بن الجعد (1)، قال: أخبرنا عبد الحميد بن
بهرام (2)، عن شهر بن حوشب (3) عن [أبى طيبة] (4) عن عمرو بن
عبسة (5)، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن الله - عز وجل - يقول: حقت محبتي للذين يتباذلون من
أجلى ". (6)
156 - حدثنا أبو خثيمة (7)، حدثنا عبد الله بن جعفر (8)، عن أبي
المليح (9)، عن حبيب بن أبي مرزوق (10)، عن عطاء بن أبي رباح (11)، عن
203

أبى مسلم الخولاني (1)، عن عبادة بن الصامت (2)، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: " حقت محبتي للمتباذلين في " (3).
157 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل (4)، حدثنا أبو معاوية (5)، عن
الأعمش (6)، عن نافع (7)، عن بن عمر (8)، قال:
رأيتنا وما أحد بأحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم.
158 - حدثنا محمد بن عباد المكي (9)، قال: حدثنا سفيان بن
عيينة (10)، قال:
سمعت مساور الوراق (11) يحلف بالله - عز وجل - ما كنت أقول
204

لرجل إني أحبك في الله - عز وجل - فأمنعه شيئا من الدنيا.
159 - حدثنا محمد بن الحسين (1)، قال: حدثنا سعيد بن
سليمان (2)، عن إسحاق بن كثير (3)، عن عبد الله بن الوليد (4)، قال: قال
لنا أبو جعفر محمد بن علي (5):
يدخل أحدكم يده في كم صاحبه ويأخذ ما يريد / 11 أ؟ قلنا: لا.
قال: فلستم بإخوان كما تزعمون.
160 - حدثنا الحسن بن الحسن بن يحيى [المصيصي (6)] (7)، حدثنا خزيمة
أبو محمد (8)، أن عمر بن عبد العزيز (9) قال:
ما أعطيت أحدا مالا إلا وأنا أستقله، وإني أستحي من الله - عز
وجل - إن سألت الله - عز وجل - لأخ من إخواني وأبخل عنه بالدنيا،
205

وإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الدنيا بيدك كنت أبخل.
161 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير (1)، حدثنا به إسماعيل بن
عليه (2)، عن بن عون (3)، قال: قال محمد (4):
ما نزل (5) الرجل يأخذ من دراهم صديقه.
قال: قال أحمد (6): فحدثني محمد بن عيسى (7)، عن إسماعيل (8) قال:
قلت لابن عون:
بغير إذنه؟ قال: كذلك هو عندنا.
162 - حدثني [رياح] (9) بن الجراح العبدي (10)، قال: جاء فتح
206

الموصلي (1) إلى صديق له - يقال له عيسى التمار - فلم يجده في المنزل،
فقال للخادم:
أخرجي إلى كيس أخي، فأخرجته له فأخذ درهمين، وجاء عيسى إلى
منزله فأخبرته الخادم بمجئ فتح وأخذه الدرهمين فقال: إن كنت صادقة فأنت
حرة. فنظر فإذا هي صادقة فعتقت.
163 - حدثني محمد بن الحسين (3)، قال: حدثنا محمد بن
عبد العزيز (4)، حدثني واقد الصفار (5)، قال:
شكوت يوما إلى أسد (6) الحاجة فأدخل يده في صنفة (7) فأخرج خمسين
درهما فدفعها إلي.
164 - حدثنا أبو حفص الصيرفي (8)، حدثنا بشر بن المفضل (9)،
حدثنا الجريري (10)، عن أبي العلاء (11)، عن مطرف (12)، قال: اتيت عثمان بن
207

أبى العاص (1)، فقال لي:
يا مطرف ويداك ملاى فلما وليت أتبعني رسولا معه صرة فيها أربعمائة.
فلما تيسرت، أتيته بها. فقال: لم أعطكها لآخذها منك.
165 - حدثني محمد بن عبد المجيد (2)، قال: حدثنا المعافى بن عمران (3)،
قال: قال عمر بن ذر (4) يوما [في] مجلسه:
اللهم أكفنا ضيق المعاش. قال: فجمع له أربعة آلاف درهم.
166 - حدثنا محمد بن الحسين (5)، حدثنا إبراهيم بن هراسة (6)،
حدثنا طعمة [الجعفري] (7)، قال:
208

كان عمران بن موسى بن طلحة (1) [يأتيني] (2) بالألف دينار والألفي
دينار ويقول: اقسمها على إخوانك ولا تعلمهم أنها من قبلي.
وكان يقول: ما رأيتك إلا رأيت لك على فضلا بقضاء [حوائجي].
قال طعمة: وإنما قضاء حوائجه أن يعطيني الدنانير والدراهم أقسمها على
الفقهاء.
167 - أخبرني محمد (3)، قال: حدثنا نصر بن مزاحم العطار (4)،
قال: حدثني منصور بن أبي الأسود (5)، قال:
كان ليث بن أبي سليم (6) يأتيني بالنفقة فيقول: خذها فإن [لم] (7)
تحتج إليها فأعطها من يحتاج إليها من أهل البيت.
168 - حدثنا محمد (8)، قال: حدثنا قدامة بن محمد (9)، قال:
209

سمعت أبا [مودود] (1) يقول:
كان [عامر بن] (2) عبد الله بن الزبير (3) يتحين العباد وهم سجود:
- أبا حازم (4)، وصفوان بن سليم (5)، وسليمان بن سحيم،
وأشباههم - فيأتيهم بالصرر فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند
[نعالهم]، (6) حيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه. فيقال: ما يمنعك أن
ترسل بها إليهم؟ فيقول: أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى
[رسولي] (7) أو إذا لقيني.
169 - أخبرني محمد (8)، حدثنا الحميدي (9)، عن سفيان (10)،
عن زهير أبى (11) خيثمة (12)، قال:
استقرض أبى من الحسن بن الحر (13) ألف درهم. فلما جاء يردها عليه
210

قال له الحسن بن الحر: اذهب فاشتر بها لزهير سكرا.
170 - أخبرني محمد (1)، حدثني الصلت بن حكيم (2)، عن الصلت
بن بسطام (3)، قال:
كان [حماد] (4) بن أبي سليمان (5) يفطر في كل ليلة في شهر رمضان
خمسين إنسانا، فإذا كانت ليلة الفطر كساهم ثوبا ثوبا، وأعطاهم مائة مائة.
171 - أخبرني محمد (6)، قال: حدثني حسين الجعفي (7)، عن هلال
بن أيوب (8)، قال:
سئل الشعبي (9) عن حسن الخلق؟ قال: البذلة، والعطية والبشر الحسن.
قال هلال: الشعبي كذلك.
211

172 - أخبرني محمد (1)، قال: أخبرنا داود بن المحبر (2)، عن
حسن (3)، قال:
سئل الحسن (4) عن حسن الخلق فقال: الكرم والبذلة والاحتمال.
173 - حدثنا أبو حفص الصيرفي (5)، قال: حدثنا أبو عاصم (6)،
قال: أخبرنا أو خلدة (7)، عن أبي العالية (8)، قال:
كنت عند عثمان بن أبي العاص (9)، وكان له بيت يذكر الله - عز
وجل - فيه، ويأتيه فيه أصحابه، فأتيته في عشر ذي الحجة. فمر رجل
بكبش، فقال: بكم الكبش؟ قال: باثني عشر درهما، فقلت:
لو " كان " (10) عندي اثنا عشر درهما لاشتريت (11) بها له كبشا فذبحته فأكلته
وأكل عيالي. فأعطاني صرة فيها خمسون درهما - والله ما رأيت خمسينا قط
كانت أعظم بركة منها - أعطانيها وأنا إليها محتاج، وهو طيب النفس.
212

174 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل (1)، حدثنا سفيان (2)، قال:
قيل لمحمد بن المنكدر (3): ما بقى مما يستلذ؟ قال: الإفضال على
الإخوان.
175 - قال: حدثت عن عبد الله بن المبارك (4)، عن عبيد الله بن
الوليد (5)، عن أبي جعفر (6)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لأن [أعطى] (7) [أخا لي] (8) في الله درهما أحب إلى من أن أتصدق
بعشرة، ولأن أعطى [أخا لي] (9) 12 / أ في الله عشرة أحب إلى من أن
213

أتصدق على مسكين بمائة " (1).
176 - حدثنا أبو بكر الصوفي (2)، عن حفص بن غياث (3)، عن
الأعمش (4): أن خيثمة (5) ورث مائتي ألف فأنفقها على إخوانه
177 - حدثني محمد بن الحسين (6)، حدثنا [زيد] (7) بن
الحباب (8)، عن سلمى (9) مولاة لأبي جعفر، قالت:
كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى نطعمهم الطعام الطيب،
ونكسوهم الثياب الحسنة، ونهب لهم الدراهم. قالت فأقول له: ما تصنع؟
فيقول: يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان.
214

178 - أخبرني محمد (1)، عن أبي نعيم النخعي (2)، عن معاوية بن
هشام (3)، عن سليمان بن [قرم] (4)، قال:
كان محمد بن علي يجيز بالخمسمائة والستمائة إلى الألف. وكان لا يمل
من مجالسة إخوانه.
179 - حدثني على بن الحسين (5)، حدثنا أسود بن عامر (6)، قال:
حدثنا حبان بن علي (7)، عن الحسن بن كثير (8)، قال:
شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء إخواني. فقال: بئس الأخ أخ
يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا. ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم،
فقال: استنفق هذه فإذا نفذت فأعلمني.
215

180 - حدثني محمد (1)، حدثنا يحيى بن أبي بكير (2)، عن عباد بن
الوليد القرشي (3)، قال:
كان عمرو بن عبيد (4) يصل إخوانه بالدراهم والدنانير حتى ربما نزع ثوبه
فيدفعه إلى بعضهم، ويقول: ما أعدل ببركم شيئا.
181 - حدثني محمد بن الحسين (5)، حدثني عمل (6) بن يزيد بن
خيثم (7)، قال: حدثنا سلام بن النجاشي (8)، قال:
لقي الحسن البصري (9) بعض إخوانه فلما أراد أن يفارقه خلع عمامته
وألبسها إياه، وقال: إذا أتيت أهلك فبعها واستنفق بثمنها.
182 - حدثني أبو حفص الصيرفي (10)، قال: حدثني على بن بزيع
الهلالي (11)، عن مطر الوراق (12)، قال:
اتيت محمد بن واسع (13) يوما، فلما رآني قال برأسه بين رجليه فخمر
216

وجهه أن أنظر إليه، فلم يرفع رأسه، فقمت، فذهبت. فلما كان بعد أيام
أتاني بكيس فيه سبعمائة درهم فدفعها إلى وأنا في حانوتي في قنطرة حرة.
فقلت: تبعث إلى في حوائجك؟ فقال: وأي حاجة لي. أتيتني فظننت بك
الحاجة، فلما استطعت أن أنظر إليك. قال مطر فقلت له: أنا بخير. فقال:
أنت كيف شئت!! الدراهم لا ترجع إلى.
183 - حدثني محمد بن الحسين (1)، قال: حدثنا رستم بن
أسامة (2) 12 /، حدثنا جعفر بن سليمان (3)، عن رجل (4)، قال:
كان مورق العجلي (5) يأتي بالصور فيها الأربعمائة والخمسمائة فيودعها
إخوانه، ثم يلقاهم بعد، فيقول: انتفعوا بها فهي لكم.
184 - حدثنا محمد (6)، حدثنا حبان بن هلال (7)، عن حماد بن
زيد (8)، عن جميل بن مرة (9)، قال:
217

مستنا حاجة فكان مورق العجلي (1) يأتينا بالصرة، فيقول: أمسكوا
هذه عندكم. ثم يمضى غير بعيد، فيقول: إن احتجتم إليها فأنفقوها.
185 - حدثني محمد (2)، حدثنا موسى بن داود (3)، حدثنا محمد بن
[صبيح] (4)، قال:
لقي خلف بن حوشب (5) أبا حجية الكندي (6) وكان أجلح قد احتاج حاجة
شديدة فسلم عليه، ورفع كيسا فيها ألف درهم، وقال: هذه لعبد الله يقوم
بها في السوق. فقال الأجلح: أو [أصنع] (7) بها ما أحب؟ قال: وذاك.
186 - حدثني محمد بن الحسين (8)، قال: أخبرنا عبد الله بن زياد
السحيمي (9) حدثنا بعض شيوخنا، قال:
218

لما حضرت سعيد بن العاص (1) الوفاة، قال: يا بنى لا تفقدوا إخواني
منى عندكم عين وجهي أجروا عليهم ما كنت أجرى، واصنعوا بهم ما كنت
أصنع، ولا تلجئوهم للطلب، فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت
أركانه، وارتعدت فرائصه، وكل لسانه، وبدا الكلام في وجهه. أكفوهم
مؤنة الطلب بالعطية قبل المسألة، فإني لا أجد لوجه [الرجل] (2) يأتي
يتقلقل على فراشه ذكرا موضعا لحاجته، فعدا بها عليكم لا أرى قضى حاجته
عوضا من بذل وجهه.
فبادروهم بقضاء حوائجهم قبل [أن] (3) يسبقوكم إليها بالمسألة.
187 - حدثني محمد بن الحسين (4)، قال: حدثنا خالد بن عمرو
القرشي (5) حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان (6)، عن مكحول (7)، قال:
219

لقي حكيم بن حزام (1) عبد الله بن الزبير (2) - بعدما قتل الزبير (3) -
فقال: كما ترك أخي عليه من الدين؟ قال: ألفي ألف، قال: على منها ألف
ألف.
188 - حدثني بعض أصحابنا (4)، عن محمد بن عبيد (5)، قال:
دخلنا على محمد بن سوقة (6) فسألناه أن يحدثنا، فبكى، وقال: جفاني
إخواني حيث ذهب مالي.
قال غير محمد: كانت له صرر فيها مال، فإذا دخل عليه إخوانه، قال:
220

إخواني من يحتاج إلى شئ، فليأخذ. قال: فأخذوا والله حتى نفدت عن
آخرها.
189 - حدثني العباس بن عبد العظيم العنبري (1)، قال: سمعت بشر
بن الحارث (2)، قال: لا أعلمه إلا عن يحيى بن يمان (3)، قال: قال
سفيان (4):
ما بقى أحد يدفع به على أهل الكوفة إلا بن سوقة (5). كانت عنده
عشرون ومائة ألف 13 / أفقدمها.
190 - حدثني العباس (6)، سمعت شهاب بن عباد (7)، قال:
دخل رجل على محمد بن سوقة (8) فرأى على الباب ستر مسح فجعل ينظر
إليه، ففطن بن سوقة، فقال: لعلك ترى أنى ندمت؟ لا ما ندمت.
221

191 - حدثني محمد [بن] (1) موسى الواسطي (2) حدثنا زيد بن
الحباب (3)، عن سفيان (4)، عن الحجاج بن فرافصة (5)، عن يزيد بن عبد الله
بن الشخير (6)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لان أعطى [أخا لي] (7) في الله درهما أحب إلى من أن أتصدق بعشرة،
ولئن أعطى [أخا لي] (7) في الله عشرة أحب إلى من عتق رقبة (8 (.
192 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي الكوفي (9)، حدثنا سهل بن
عامر البجلي (10)، حدثنا أبو خالد الأحمر (11)، عن الحجاج بن أرطاة (12) قال:
222

[قال] (1) لي أبو جعفر (2):
يا حجاج كيف نواسكم؟ قلت: صالح يا أبا جعفر. قال: يدخل
أحدكم يده في كيس أخيه، فيأخذ منه حاجته إذا احتاج؟ قلت: أما هذا.
فلا. قال: أما لو فعلتم ما احتجتم.
193 - حدثني مهدي بن جعفر (3)، حدثنا ضمرة (4)، عن عمرو بن
عبد الرحمن (5)، قال:
جاءت يزيد بن عبد الملك بن مروان (6) غلة من غلته، فجعل يصررها
ويبعث بها إلى إخوانه، وقال: إني لأستحي من الله - عز وجل - أن أسأل
الجنة لأخ من إخواني وأبخل عليه بدينار أو درهم.
قال: وكان يقرأ القرآن في سجدة واحدة.
194 - حدثنا الحسن بن الصباح (7)، قال: بلغني أن رجلا من بنى
أمية، قال:
إني وددت أن جميع إخواني أتوني، فشاركوني في معيشتي حتى
" يكون " (8) عيشنا عيشا واحدا. (ولوددت) (9) أن جميع إخواني أتوني في
223

حوائجهم. وإني لأستحي من الله - عز وجل - أن ألقى الأخ من إخواني
فأدعو له بالجنة وأبخل عليه بالدنيا. والدنيا أصغر وأحقر من أن يقال لي يوم
القيامة: كنت كذابا، لو كانت الدنيا في يدك كنت بها أبخل.
195 - حدثنا أبو خزيمة التمري (1)، قال: قال رجل (2) من بنى أمية:
- ملأت يدي من الدنيا مرارا * فما طمع العواذل في اقتصادي -
- ولا وجبت على زكاة مال * ولا تجب الزكاة على الجواد -
* * *
224

باب
في إطعام الطعام للإخوان وفضل ذلك
والحث على الرغبة فيه 13 / ب
196 - أخبرني محمد بن الحسين (1)، حدثنا عبد الله بن يزيد
المقرى (2)، حدثنا سعيد بن أبي أيوب (3)، حدثني عبد الله بن الوليد (4)، عن أبي
سليمان التيمي (5)، عن أبي سعيد الخدري (6)، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
225

" اطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين " (1).
197 - حدثنا خالد بن مرداس (2)، عن عبد الله بن المبارك (3)، عن
جويبر (4)، عن الضحاك (5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" أضف بطعامك (6) من تحب في الله - عز وجل - " (7).
226

198 - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن [أبى] (1)، أتم (2)، قال:
أخبرنا هشيم (3)، عن عبد الرحمن بن يحيى (4)، عن حبان بن أبي جبلة (5)،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أسرع صدقة تصعد إلى السماء أن يصنع الرجل طعاما طيبا، ثم
" يدعو إليه ناسا من إخوانه " (6).
199 - حدثني أبي (7)، عن أسباط بن محمد (8)، عن ليث (9)، عن
محمد بن بشير (10)، عن بن الحنفية (11)، عن علي (12) - رضى الله تعالى عنه - قال:
227

لأن أجمع نفرا من أصحابي على صاع أو صاعين أحب إلى من أن أخرج
إلى سوقكم فأعتق نسمة.
200 - حدثنا على (1)، قال: أخبرنا سلام الطويل (2) عن زيد
العمى (3) (4)، عن الحسن (5)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" للخير أسرع إلى البيت الذي يطعم فيه الطعام من الشفرة إلى سنام
البعير " (6).
201 - حدثنا حفص بن عمر المقرى (7)، حدثنا إسماعيل بن عياش (8)،
عن طلحة بن عمرو (9)، عن عطاء (10)، عن عبد الله بن عمر (11)،
228

قال: أحب الطعام إلى الله - عز وجل - ما كثرت عليه الأيدي.
202 - حدثنا أبو عمر الأزدي (1)، حدثنا إسماعيل بن عياش (2)، عن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين (3)، عن شهر بن حوشب (4)، قال:
كان يقال:
إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل [كل] (5) شئ من شأنه إذا كان أوله
حلالا، وذكر اسم الله - عز وجل - عليه حين يوضع، وكثرت عليه
الأيدي، وحمد الله - عز وجل - حين يفرغ منه.
203 - أخبرني محمد بن الحسين (6)، حدثنا إسحاق بن منصور بن
229

حيان الأسدي (1)، حدثنا حماد بن أبي حنيفة (2)، قال:
كان أبو جعفر محمد بن علي (3) يدعو نفرا من إخوانه كل جمعة فيطعمهم
الطعام الطيب، ويطيبهم، ويبخرهم، ويروحون إلى المسجد من منزله.
204 - حدثنا محمد بن الحسين (4)، أخبرنا زكريا بن عدي (5)،
أخبرنا هشيم (6) [عن] (7) منصور (8)، قال:
قال رجل للحسن (9) يا أبا سعيد: الرجل يذبح الشاة فيصنعها، ويدعو
عليها نفرا من إخوانه. قال: وأين أولئك؟ ذهب أولئك.
205 - أخبرني محمد بن الحسين (10) حدثني أبو عمر الضرير (11)،
حدثنا فضالة الشحام (12)، قال:
230

كان الحسن (1) إذا دخل عليه إخوانه أتاهم بما عنده، وربما قال لبعضهم:
أخرج السلة من تحت السرير، فيخرجها فإذا فيها رطب، فيقول: إنما
ادخرته لكم.
206 - حدثني محمد (2)، أخبرنا الفضل بن دكين (3)، حدثنا
أبو خلدة (4)، قال:
دخلنا على ابن سيرين (5) أنا و عبد الله بن عون (6)، فرحب بنا وقال:
ما أدري كيف أتحفكم؟ كل رجل منكم في بيته خبز ولحم ولكن سأطعمكم
شيئا لا أراه في بيوتكم، فجاء بشهدة (7) وكان يقطع بالسكين ويطعمنا.
207 - أخبرني محمد (8) [عن] (9) على بن عاصم (10)، حدثني يزيد
بن أبي زياد (11)، قال:
231

ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى (1) قط إلا حدثني بحديث حسن،
وأطعمني طعاما طيبا.
208 - حدثني أبو جعفر الصيرفي (2)، عن أبي إسحاق الأقرع (3)،
قال: رأيت عبد الله بن المبارك (4) يخرج من عند سفيان بن عيينة 05) مسرورا
طيب النفس، فقيل له في ذلك: فقال: وما يمنعني من ذلك؟ حدثني ابن
عيينة بأربعين حديثا وأطعمني خبيصا (6).
209 - قال وحدثت عن شعيب بن حرب (7)، قال:
كان حمزة الزيات يقرئنا القرآن، ويطعمنا الخبيص.
210 - حدثنا سويد بن سعيد (8)، حدثني عيسى بن يونس (9)، عن
الأعمش (10)، قال:
كان خيثمة (11) يصنع الخبيص والطعام الطيب، فيدعو إبراهيم (12)،
232

ويدعونا معه. ويقول: كلوا، ما أشتهيه، ما أصنعه إلا لكم.
211 - حدثني محمد بن الحسين (1) [عن] (2) الصلت بن حكيم (3)،
حدثني النضر بن إسماعيل (4)، عن ابن أبي الزناد (5):
أن زيدا قدم من سفر، فأهدى له طلحة سلال خبيص، فجمع عليها
إخوانه القراء، فأكلوا وكساهم ثوبا ثوبا.
212 - حدثني حميد (6)، قال: حدثنا خالد بن عمرو القرشي (7)،
حدثنا إسحاق بن سعيد الأموي (8)، عن أبيه (9)، قال:
كان سعيد بن العاص (10) يدعو جيرانه وجلساءه في كل جمعة، فيصنع لهم
233

الطعام، ويكسوهم الثياب، فإذا أرادوا أن يتفرقوا أمر لهم بالجوائز، وبعث
إليهم.
213 - حدثني محمد (1)، حدثنا زيد بن الحباب (2)، عن أبي بكر
البصري (3)، أخبرنا يونس بن عبيد (4)، قال:
كنا عند الحسن البصري (5) فأهديت إليه سلة من سكر، ففتحها، فلم
أر سكرا كان أحسن منه. فقال برجله: اهضموا. أي: كلوا.
214 - حدثني 14 / ب إبراهيم بن سعيد (6)، قال: حدثنا يونس
بن محمد (7)، حدثنا عبيد الله بن النضر (8)، عن عون بن يونس (9)، قال:
دخل رجل على الحسن (10) فوجده نائما على سريره، ووجد عند رأسه
سلة فيها فاكهة، ففتحها، فجعل يأكل منها فانتبه فرأى الرجل يأكل، فقال:
رحمك الله، هذا - والله - فعل الأخيار.
234

215 - حدثنا المفضل بن غسان (1)، عن أبيه (2)، عن رجل (3)،
قال: كان للحسن البصري (4) بيت إذا فتح بابه فهو إذنه. فجاءه أعرابي
فصادفه مفتوحا، فدخل والحسن في المذهب، فجاء إلى شئ تحت سرير.
الحسن فأخرجه وجعل يأكل، فنظر إليه الحسن وجعل يبكى، فقيل له:
ما يبكيك يا أبا سعيد؟ فقال: ذكرني هذا أخلاق قوم قد مضوا..
216 - حدثنا عبيد الله بن عمر (5)، عن سفيان بن حبيب (6)، عن عمرو (7)، عن الحسن (8)، قال:
يأكل الرجل من منزل صديقه حتى ينهاه، ثم قرأ: * (أو صديقكم) * (9).
217 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (10)، عن أحمد بن أبي
الحوارى (11)، قال: قال أبو سليمان الداراني (12):
لو أن الدنيا كلها لي في لقمة، ثم جاءني أخ لأحببت أن أضعها في فيه.
235

218 - حدثني محمد بن قدامة الجوهري (1)، حدثنا عبد العزيز بن
أبان (2)، عن سفيان بن عيينة (3)، عن مطرف (4)، عن عمير بن سعيد (5)،
قال: لما قدم سعيد بن العاص (6) الكوفة جعل يطعم القراء التمر بالزبد.
219 - حدثنا محمد بن موسى (7)، حدثنا زيد بن الحباب (8)، عن
سفيان (9)، عن حجاج بن فرافصة (10)، عن أبي العلاء بن الشخير (11)،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لان أطعم أخا في الله - عز وجل - [لقمة] (12) أحب إلى من أن
أتصدق بدرهم " (13).
* * *
236

باب
في تعاهد الإخوان بالكسوة
220 - حدثنا أبو حفص الصفار (1)، قال: حدثنا محمد بن
سواء (2)، عن هشام بن حسان (3)، عن أبي الجارود (4)، عن عطية
العوفي (5)، عن أبي سعيد الخدري (6)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من كسا مؤمنا على عرى كساه الله من إستبرق الجنة " (7).
221 - حدثنا علي بن الجعد (8)، أخبرنا أبو معاوية (9)، عن أبي
237

[حيان] (1) التيمي (2) قال:
رؤي على علي بن أبي [طالب] (3) ثوبه كأنه كان يكثر لبسه، فقيل له
فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب (4) - رضي الله عنهما
- إن عمر ناصح الله فنصحه الله.
222 - حدثنا إبراهيم بن سعيد (5)، عن أبي معاوية (6) عن أبي عمر
الثمالي (7)، قال:
قدم الأشعث بن قيس 15 / أ (8) من مكة، فلما صلى الفجر أمرهم
فأخذوا بأبواب المسجد، فأمر لكل من في المسجد بحلة (9) ونعلين.
223 - حدثنا أحمد بن عبيد التميمي (10)، وأحمد بن عبد الأعلى
الشيباني (11)، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (12) - رضي الله عنه -
- أنه كان في سفر له فمر بفتيان يوقدون تحت قدر لهم، فقام إليه أحدهم،
فقال:
238

- أقول له حين ألفيته * عليك السلام أبا جعفر -
فوقف عبد الله، وقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال الفتى:
- فهذي ثيابي قد أخلقت * وقد عضني زمن منكر -
فقال عبد الله: فهذه ثيابي مكانها ونعينك على زمنك المنكر.
قال: وعليه جبة خز، ومطرف خز، وعمامة خز، فأعطاه ذلك.
فقال الفتى:
- وأنت كريم بني هاشم * وفي البيت منها الذي نذكر -
قال: يا بن أخي ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى.
224 - حدثنا أحمد بن جميل (1) حدثنا عبد الله بن المبارك (2)، عن
سفيان (3)، عن العلاء بن المسيب (4)، قال:
كان خيثمة (5) يجعل صررا فيجلس في المسجد، فإذا رأى رجلا من
أصحابه في ثياب رثة (6) اعترض فأعطاه صرة.
225 - حدثنا أحمد بن جميل (7)، عن بن المبارك (8)، عن سفيان (9)،
عن الأعمش (10)، قال:
239

ربما رأيت على إبراهيم الثوب، فأقول: من كساكم؟ فيقول:
خيثمة (1). وربما ولد له فيسترضع خيثمة الصرة لولده.
226 - حدثنا عبد الله (2)، عن علي بن عبد الله (3)، عن سفيان (4)،
قال: رأى مجمع التيمي (5) على سفيان الثوري (6) إزارا متخرقا فجاء بأربعة
دراهم، فقال: اشتر بها إزارا.
227 - حدثني عبد الله بن محمد المكي (7)، حدثنا أحمد بن أبي
الحوارى (8)، قال:
سمعت بن عيسى (9) وأبا صفوان (10) يقولان: من أحب رجلا فقصر في
240

حقه فهو كاذب.
قال: فحدثت أبا سليمان (1)، فقال: [شيئا] (2) هو صادق في حبه
مقصر في حقه، ما أحبه إلا لله.
228 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن (3)، عن حماد بن عمرو
[النصيبي] (4)، عن زيد بن رفيع [الجزري] (5)، قال:
كل محبة على غير ريبة فهي لله - عز وجل -:
آخر كتاب الإخوان 15 / ب
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وآله.
241

/ 1