الاعتقادات في دين الإمامية
الشيخ الصدوق
الوفاة: ٣٨١
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه
تحقيق: عصام عبد السيد
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين - والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه
المنتجبين.
كان لانعقاد المؤتمر الألفي للشيخ المفيد في مدينة قم سنة 1413 ومشاركة
الوفود العالمية في ذلك المؤتمر، وما القي فيه من دراسات وبحوث - كان ذلك حافزا
للكثيرين إلى التنبه لإحياء آثار هذا العالم العظيم الذي كان له في تاريخ الثقافة
الإسلامية والفكر العربي ما كان، سواء في مدرسته الكبرى التي أقامها في بغداد، أو
في مجالسه العلمية التي كانت تنعقد في داره، أو في مؤلفاته التي تطرقت إلى أنواع
شتى من المعرفة، ما خلدها على مر العصور.
وقد كان من أهم ما تنبه إليه المفكرون والمحققون هو وجوب جمع تلك
المؤلفات في حلقات متتابعة يسهل على المتتبع الوصول إليها.
وقد كان ذلك فجمعت تلك المؤلفات والمصنفات في سلسلة مترابطة في
حلقاتها لتكون بين يدي القارئ سهلة المأخذ، يستفيد منها العالم والمتعلم،
والأستاذ والتلميذ، وتصبح موردا لكل ظامئ إلى العلم، صاد إلى الثقافة.
وقد كان ذلك فجمعت تلك المؤلفات والمصنفات في سلسلة مترابطة في
حلقاتها لتكون بين يدي القاري سهلة المأخذ، يستفيد منها العالم والمتعلم،
والأستاذ والتلميذ، وتصبح موردا لكل ظامئ إلى العلم، صاد إلى الثقافة.
وقد رأت دارنا (دار المفيد) أن تقوم بطبع هذه المؤلفات في طبعة جديدة
عارضة لها على شداة الحقيقة العلمية الفكرية أينما وجدوا، وهو ما يراه القارئ بين
يديه فيما يلي، كتابا بعد كتاب.
وإننا لنرجو أن نكون بذلك قد أرضينا الله أولا، ثم أرضينا قراءنا الذين عودناهم
فيما مضى من أيامنا على أن نبذل لهم كل جديد.
سائلين من الله توفيق والتسديد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
دار المفيد
كلمة الناشر 2
الاعتقادات للشيخ الصدوق رحمة الله عليه
تحقيق عصام عبد السيد
1
يحتوي هذا المجلد على:
1 - الاعتقادات، للشيخ الصدوق - ره - (128 صفحة) تحقيق عصام
عبد السيد.
2
بسم الله الرحمن الرحيم ألف الشيخ الصدوق هذا الكتاب، معتمدا المنهج الكلامي المعروف عند
أهل الحديث وهو الاعتقاد في معرفة أصول الدين على النصوص الواردة، من كتاب
وحديث ومفسرا لها حسب ما ورد من تفسيره عن أهل البيت - عليهم السلام -
باعتبارهم معادن الحكمة والعلم ومخازن المعرفة.
وبما أن المنهج الكلامي المتبع لدي جمهور الشيعة هو المنهج الذي يقول إن
أصول الدين ومسائل العقيدة لا بد أن يتوصل الإنسان إليها بنفسه وبالاستعانة
بعقله الذي هو رسول باطن لديه، وإن استرشد إلى ذلك بطريق أهل البيت - عليهم
السلام - والعلماء بحديثهم فلا بأس، أما أن يتقيد في ذلك بالنصوص، ولا يتعداها،
أو يعتمد على ما ضعف ووهن منها، أو يقلد من يقول فيها برأي، اعتمادا على
الطن، فلا.
وبما أن الشيخ المفيد يعتمد المنهج الثاني، فهو قد تصدي للشيخ الصدوق
في كتاب الاعتقادات، بالنقد والرد في كتاب (تصحيح الاعتقادات).
3
وعلى أساس من هذه المقابلة رأت رئاسة المؤتمر العالي لألفية الشيخ
المفيد، أن يدرجوا كتاب (الاعتقادات) للشيخ الصدوق ضمن منشوراتهم، حتى
يكون تمهيدا لطبع كتاب الشيخ المفيد.
وللبحث عن هذا الكتاب ومنهج المحدثين، ونقده مجال واسع، أكبر مما
تحتمله هذه النظرات.
والله الموفق.
النسخ المعتمدة ومنهجية التحقيق:
كانت النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب كالتالي:
1 / النسخة المحفوظة في مكتبة المرعشي، تحت رقم 1945 حررت سنة
817 ه، وهي أقدم النسخ المعتمدة، وقد رمزنا لها ب " م ".
2 / النسخة المحفوظة في مكتبة المرعشي، تحت رقم 1382، حررت سنة
992 ه، وهي من النسخ الدقيقة وإن كان خطها غير واضح تماما، وتمتاز
بزيادات وإضافات أشرنا إليها في الهامش، وقد رمزنا لها ب " ر ".
3 / النسخة المحفوظة في آستانة قدس رضوي، تحت رقم 367 - أخبار،
حررت سنة 880 ه في 33 صفحة حجم 18 × 13، وهي من أدق النسخ، وقد
رمزنا لها ب " ق ".
4 / النسخة المحفوظة في آستانة قدس رضوي، تحت رقم 368 - أخبار،
حررت سنة 999 ه، وهي في 49 صفحة بحجم 17 × 10 وقد رمزنا لها ب " س ".
بالإضافة إلى ذلك استعنا بالطبعة الحجرية للكتاب التي صورت سنة
4
1370 ضمن مجموعة تتضمن شرح باب الحادي عشر وآداب المتعلمين وغيرها،
وقد رمزنا لها ب " ج ".
والنسخة التي اعتمدها المجلسي في موسوعته الحديثية بحار الأنوار ووزعها
على أبوابها المناسبة، وقد أفردنا جدولا بذلك في نهاية المقدمة.
وتصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد الذي يمثل مناقشة نقدية للكتاب، وقد
استفدنا منه في موارد محدودة جدا باعتبار أنه يكتفي بذكر بداية الباب فقط.
وفي مورد واحد فقط بدت عبارته غير متسقة تماما استعنا بكتاب الحر
العاملي " الهجعة " الذي نقل عبارة الكتاب وقد أثبتناها في الهامش.
ومن خلال الممارسة العملية يبدو أن النسختين (ق، س) قد استنسختا من
أصل واحد، وذلك لتشابههما في الاختلافات ولوجود الحواشي والتعليقات المتحدة
في هامشيهما، ويبدو كذلك أن النسختين (م ر) قد استنسختا من أصل واحد،
وذلك لتشابه الاختلافات ولانفرادهما بزيادات تخلو منها النسختين (ق، س)،
وباتحاد السقوطات أو الإضافات التي كتبت في الهامش، ويبدو كذلك أن
النسخة الحجرية قد طبعت على النسختين الأخيرتين أو على نسخة قريبة منهما،
وقد استعنا بها في قراءة الهوامش التي لم يظهرها التصوير جيدا.
ولم نتخذ أيا من النسخة الخطية أصلا ومحورا للعمل باعتبار تأخرها جميعا
عن عصر المؤلف، بل اعتمدنا طريقة أننا لم نثبت في المتن أي عبارة تنفرد بها
إحدى النسخ إلا نادرا، لأن الكتاب، كما يبدو - كان محورا للتعليقات والحواشي
المتكثرة التي تأخذ طريقها - بالاستنساخ المتتابع - بشكل طبيعي داخل النص،
لذلك كان العمل حذرا جدا في التعامل مع هذا الزيادات.
5
أما بالنسبة لاختلافات النسخ الخطية فقد كانت الهوامش البيت الذي
تأوي إليه وإن بدت بعضها بعيدة عن الصحة، أما الخطأ المحض فقد أعرضنا
عنه وخاصة في نسخة (س) التي ملئت بالأخطاء الفاحشة، أما غير النسخ
الخطية فلم نحاول معارضتها حرفا بحرف بالنسخ الخطية إلا في حالة الاختلافات
أو الزيادات المهمة جدا.
وحاولنا بقد الامكان عدم إرباك النص بكثرة الاختلافات فعمدنا إلى نقل
العبارة المختلف فيها بكلمتين أو أكثر، إلى الهامش تسهيلا للقارئ لإدراكها
ضمن سياقها الآخر.
وقد استخرجنا نصوص الكتاب من المصادر الحديثية المسندة، إلا ما انفرد
كتابنا بإرساله، مع ملاحظة أن أغلب أو كل أبواب الكتاب هي نصوص مروية
يعثر عليها المتتبع بيسر وسهولة في مظانها.
والحمد لله أولا وآخرا.
6
لا يخفي أن هذا الكتاب كان من مصادر بحار الأنوار تأليف العلامة
المجلسي - قدس الله سره - وإليك فهرس ما نقل منه في البحار:
باب الاعتقاد في التكليف 5: 305 / 19.
باب الاعتقاد في نفي الجبر والتفويض 5: 17 / 28.
باب الاعتقاد في الإرادة والمشيئة 5: 90 / 11.
باب الاعتقاد في القضاء والقدر 5: 97 / 24.
باب الاعتقاد في الفطرة والهداية 5: 192.
باب الاعتقاد في الاستطاعة 5: 8 / 10.
باب الاعتقاد في اللوح والقلم 57: 370 / 10.
باب الاعتقاد في الكرسي 58: 9 / 6.
باب الاعتقاد في العرش 58: 7 / 5 وفي 3: 328 إلى نهاية قول الصادق - عليه السلام -.
باب الاعتقاد في النفوس والأرواح 6: 249 / 87، 61: 78.
باب الاعتقاد في الموت 6: 167 ذكر بداية الباب ثم أحال على الأحاديث
التي رواها عن معاني الأخبار.
باب الاعتقاد في المساءلة في القبر 6: 279.
باب الاعتقاد في الرجعة 53 / 128.
باب الاعتقاد في الحوض 8: 27.
باب الاعتقاد في الشفاعة 8: 58.
7
باب الاعتقاد في الوعد والوعيد 5: 335.
باب الاعتقاد فيما يكتب على العبد 5: 327 / 21.
باب الاعتقاد في العدل 5: 335.
باب الاعتقاد في الأعراف 8: 340 / 23.
باب الاعتقاد في الصراط 8: 70 / 19.
باب الاعتقاد في العقبات 7: 129 / 11.
باب الاعتقاد في الحساب والميزان 7: 251 / 9.
باب الاعتقاد في الجنة والنار 8: 200 / 204، و 324 / 102.
باب الاعتقاد في كيفية نزول الوحي 18: 248 / 1، 57: 370 / 11.
باب الاعتقاد في نزول القرآن في ليلة القدر 18 / 251 / 3.
باب الاعتقاد في العصمة 25: 211 / 24.
باب الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض 25 / 342 / 25.
باب الاعتقاد في الظالمين 27: 60 / 21.
باب الاعتقاد في التقية 72 / 264 / 1 اقتصر على ذكر الأحاديث الخمسة
الأخيرة في آخر الباب.
باب الاعتقاد في الأخبار المفسرة 25: 235.
باب الاعتقاد في الأخبار الواردة في الطب 62: 74.
8
الصفحة الأولى من النسخة " م "
9
الصفحة الأخيرة منها
10
الصفحة الأولى من النسخة " ر "
11
الصفحة الأخيرة منها
12
الصفحة الأولى من النسخة " ق "
13
الصفحة الأولى من النسخة " س "
14
الصفحة الأخيرة منها
15
الاعتقادات
للشيخ الصدوق
رحمة الله عليه
تحقيق عصام عبد السيد
16
الاعتقادات
للشيخ الصدوق
رحمة الله عليه
17
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما
وحسبنا الله ونعم الوكيل
19
(1)
باب في صفة اعتقاد الإمامية
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه - الفقيه
المصنف لهذا الكتاب إعلم أن اعتقادنا في التوحيد أن الله تعالى واحد أحد،
(1) انفردت ق بذكر سند لرواية الكتاب وهو:
حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي المجاور قال حدثنا محمد بن
علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه.
وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن موسى بن بابويه الفقيه القمي عن أخيه أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه مصنف هذا الكتاب قال الشيخ أبو جعفر
محمد بن علي رضي الله عنه اعتقادنا في التوحيد.
وأبو محمد الحسن بن أحمد العجلي ثقة من وجوه الأصحاب وأبوه وجده ثقتان وهم من أهل
الري جاور في آخر عمره بالكوفة وله كتب منها كتاب الجامع وكتاب المثاني راجع: رجال
النجاشي / الترجمة 151 ورجال ابن داود / الترجمة 397 ورجال العلامة / الترجمة 46.
وأما أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه فهو ثقة أيضا كثير الرواية روى عن جماعة وأبيه
إجازة وأخيه، له كتب منها كتاب التوحيد ونفي التشبيه راجع: رجال النجاشي / الترجمة 163.
رجال الطوسي / فيمن لم يرو عن الأئمة - عليهم السلام / الترجمة 28 ورجال ابن
داود / الترجمة 488.
21
ليس كمثله شي قديم (1) لم يزال سميع بصير عليم حكيم حي
قيوم عزيز قدوس قادر غني.
لا يوصف بجوهر ولا جسم (2) ولا صورة ولا عرض ولا خط (3) ولا
سطح ولا ثقل (4) ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان.
وأنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه خارج من الحدين حد الإبطال
وحد التشبيه.
وأنه تعالى شي لا كالأشياء أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك
ولم يكن له كف أحد (5) ولا ند (6) ولا ضد (7) ولا شبه ولا صاحبة ولا مثل ولا
نظير ولا شريك لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها لا تأخذه سنة ولا نوم
وهو اللطيف الخير (8) خالق كل شئ لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في
التوحيد فهو كاذب.
وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع وكل حديث لا
يوافق كتاب الله فهو باطل وإن وجد في كتاب علمائنا فهو مدلس.
(1) قديم ليست في ق س.
(2) في م ق س بجسم.
(3) في ر زيادة ولا لون.
(4) في م زيادة: له
(5) أحد ليست في ق وعندئذ يكون ما بعدها منصوبا كما في النسخة.
(6) في رس زيادة: له
(7) ولا ضد أثبتناها من ج وفي ر: ولا ضد له وخلت باقي النسخ منها.
(8) العبارة: وهو يدركها... اللطيف الخيبر ليست في ق س.
22
والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيها لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على
ما في القرآن من نظائرها.
لأن في القرآن: (كل شي هالك إلا وجهه) (1) ومعنى الوجه: الدين
والدين هو الوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه.
وفي القرآن: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (1) والساق: وجه
الأمر وشدته.
وفي القرآن: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله
والجنب: الطاعة.
وفي القرآن: (ونفحت فيه من روحي) (4) والروح هي روح مخلوقة جعل الله
منها في آدم وعيسى - عليها السلام - وإنما قال روحي كما قال بيتي وعبدي وجنتي
وناري وسمائي وأرضي.
وفي القرآن (بل يداه مبسوطتان) (5) يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.
وفي القرآن: (والسماء بنيناها بأيد) (6) والأيد: القوة ومنه قوله تعالى:
(واذكر عبدنا داود ذا الأيد) (7) يعني ذا القوة.
وفي القرآن: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (8) يعني
(1) القصص 28: 88.
(2) القلم 68: 42.
(3) الزمر 39: 56.
(4) الحجر: 15: 29.
(5) المائدة 5: 64.
(6) الذاريات 51: 47.
(7) ص 38: 17.
(8) ص 38: 75.
23
بقدرتي وقوتي.
وفي القرآن: (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة) (1) يعني ملكه لا يملكها
معه أحد.
وفي القرآن: (والسماوات مطويات بيمينه) (2) يعني بقدرته.
وفي القرآن: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (3) يعني وجاء أمر ربك
وفي القرآن: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (4) يعني عن ثواب
ربهم.
وفي القرآن: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام
والملائكة) (5) أي عذاب الله (6).
وفي القرآن: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (7) يعني مشرفة تنظر (8)
ثوابها ربها.
وفي القرآن: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) (9) وغضب الله عقابه،
(1)، (2) الزمر 39: 67.
(3) الفجر: 89: 22.
(4) المطففين 83: 15.
(5) البقرة: 2: 210.
(6) العبارة في ر: أي يأتيهم عذاب الله وفي ق: ومعناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظل.
من الغمام وفي س كما في ق بزيادة والملائكة قد نزلت في قطعة من الغمام كما نزلت لعيسى - عليه
السلام - بالمائدة.
(7) القيامة 75 - 22، 23.
(8) في م س تنظر وفي هامش م منتظرة.
(9) طه: 20: 81.
24
ورضاه ثوابه.
وفي القرآن: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) (1) أي تعلم غيبي
ولا أعلم غيبك.
وفي القرآن: (ويحذركم الله نفسه) (2) يعني انتقامه.
وفي القرآن: (إن الله وملئكته يصلون على النبي) (3).
وفي القرآن: (هو الذي يصلي عليكم وملئكته (4) والصلاة من الله
رحمة ومن الملائكة (5) تزكية ومن الناس دعاء.
وفي القرآن: (ومكروا ومكر الله وخير الكرين) (6).
وفي القرآن: (يخدعون الله وهو خادعهم) (7).
وفي القرآن: (الله يستهزئ بهم) (8).
وفي القرآن: (سخر الله منهم) (9).
وفي القرآن: (نسوا الله فنسيهم) (10)
(1) المائدة: 116.
(2) آل عمران 3: 28.
(3) الأحزاب 33: 56.
(4) الأحزاب 33: 43.
(5) في ر ج زيادة استغفار و.
(6) آل عمران: 3: 54.
(7) النساء 4: 142.
(8) البقرة 2: 15.
(9) التوبة 9: 79.
(10) التوبة 9: 67.
25
ومعنى ذلك كله (1) أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة،
وجزاء الاستهزاء وجزاء السخرية وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما
قال عز وجل: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) (2) لأنه عز وجل
في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزئ ولا يسخر ولا ينسى (3) تعالى الله عز
وجل عن ذلك علوا كبيرا (4).
وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والالحاد إلا مثل هذه
الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن (5).
(1) ليست في ق س.
(2) الحشر 59: 59.
(3) في م: لا يمكر أو يخادع أو يستهزئ أو يسخر أو ينسى وفي ق: لا يمكر ويخادع
ويستهزئ ويسخر وينسى.
(4) الفقرة في م كما يلي: ومعنى ذلك كله أنه فعل مثل فعلهم من المكر والكيد والاستهزاء تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا.
(5) عبارة: وليس يرد... ألفاظ القرآن، ليست في ق، س.
26
(2) باب الاعتقاد في صفات الذات وصفات الأفعال
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - كل ما وصفنا الله تعالى به من صفات
ذاته فإنما (1) نريد بكل صفة منها نفي ضدها عنه تعالى.
ونقول: لم يزل الله تعالى سميعا بصيرا عليما حكيما قادرا عزيزا حيا
قيوما واحدا قديما وهذه صفات ذاته (2).
ولا نقول: إنه تعالى لم يزل خلاقا (3) فاعلا شائيا مريدا راضيا ساخطا
رازقا وهابا متكلما لأن هذه صفات أفعاله وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل
الله تعالى موصوفا بها.
(1) في م فإنا.
(2) في م صفات الذات وفي ق: الصفات ذاته.
(3) في هامش م، ر: خالقا.
27
(3) باب الاعتقاد في التكليف
قال الشيخ - أبو جعفر - رحمة الله عليه - اعتقادنا في التكليف هو أن الله
تعالى لم يكلف عباده إلا دون ما يطيقون كما قال الله في القرآن (لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها) (1) والوسع دون الطاقة.
وقال الصادق عليه السلام - والله تعالى ما كلف العباد إلا دون ما يطيقون
لأنه كلفهم في كل يوم وليلة خمس صلوات وكلفهم في السنة صيام ثلاثين
يوما وكلفهم في كل مائتي درهم خمسة دراهم وكلفهم حجة واحدة وهم
يطيقون أكثر من ذلك (2) (3).
(1) البقرة: 2: 286.
(2) روى نحوه البرقي في المحاسن: 296 باب الاستطاعة والاجبار من كتاب مصابيح الظلم - ح
465.
(3) في ر س ما مكلف الله العباد وفي ج: وكلفهم في العمر حجة واحدة وعبارة من
العبادات الشرعية والعقلية أثبتت في ر في موضعين بعد ما يطيقون وبعد (وهم يطيقون أكثر
من ذلك) وفي س أثبتت في الموضع الأول وفي م أثبتت في الموضع الثاني بينما خلت منها
ق ج وبحار الأنوار 5: 305 والحاسن: وآثرنا عدم تثبيتها في المتن لأنها تبدو من إضافات
المحشين التي تفحم غفلة في المتون أحيانا.
28
(4) باب الاعتقاد في افعال العباد
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه اعتقادنا في أفعال العباد أنها مخلوقة
خلق تقدير لا خلق تكوين ومعنى ذلك أنه لم يزل الله عالما بمقاديرها.
(5)
باب الاعتقاد في نفي الجبر والتفويض
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه - اعتقادنا في ذلك قول الصادق
عليه السلام لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين.
فقيل له: وما أمر بين أمرين؟
قال: ذلك مثل رجل رايته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل
تلك المعصية فليس حيث لا يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته
بالمعصية (2)
(1) العبارة في م وذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها.
(2) رواه مسند المصنف في التوحيد: 362 باب نفي الجبر والتفويض ح 8 والكليني في الكافي 1:
122 باب الجبر والقدر ح 13.
29
(6) باب الاعتقاد في الإرادة والمشيئة
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه - اعتقادنا في ذلك قول الصادق
عليه السلام: (شاء الله وأراد ولم يحب ولم يرض شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه
وأراد مثل ذلك ولم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة ولم يرض لعباده الكفر. (1).
قال الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (2).
وقال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (3).
وقال: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس
حتى يكونوا مؤمنين) (4).
وقال عز وجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (5).
كما قال تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) (6).
(1) رواه مسند المصنف في التوحيد: 339 / باب المشيئة والإرادة ح 9 والكليني في الكافي 1:
117 / باب المشيئة والإرادة ح 5. وفي ر س ولم يرض أن يكون شيئا إلا بعلمه.
(2) القصص 28: 56.
(3) الإنسان: 76: 30.
(4) و (5) يونس 10: 99، 100.
(6) آل عمران 3: 145.
30
وكما قال عز وجل: (يقولون لو كان لنا من من الأمر شئ ما قتلنا ههنا قل لو
كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم). (1)
وقال تعالى: (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) (2)
وقال جل جلاله: (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم
حفيظا (3).
وقال تعالى: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) (4).
وقال عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن
يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) (5).
وقال الله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم
ويتوب عليكم) (6). وقال تعالى: (يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة) (7).
وقال: (يريد الله أن يخفف عنكم) (8).
وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (19).
وقال عز وجل: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات
(1) آل عمران 3: 154.
(2) الأنعام 6: 112.
(3) الأنعام 6: 107.
(4) السجدة 32: 13.
(5) الأنعام 6: 125.
(6) النساء 4: 26.
(7) آل عمران 3: 176.
(8) النساء 4: 28.
(9) البقرة 2: 185.
31
أن تميلوا ميلا عظيما) (1).
وقال: (وما الله يريد ظلما للعباد). (2).
فهذا اعتقادنا في الإرادة والمشيئة ومخالفونا يشنعون علينا في ذلك ويقولون:
إنا نقول إن الله تعالى أراد المعاصي وأراد المعاصي وأراد قتل الحسين بن علي عليهما السلام وليس
هكذا نقول.
ولكنا نقول: إن الله تعالى أراد أن يكون معصية العاصين خلاف طاعة
المطيعين.
واردا أن تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل وأراد أن يكون
موصوفا بالعلم بها قبل كونها.
ونقول: أراد الله أن يكون قتل الحسين معصية خلاف الطاعة (3).
ونقول: أراد الله أن يكون قتله (4) منهيا عنه غير مأمور به.
ونقول: أراد الله تعالى أن يكون قتله مستقبحا غير مستحسن.
ونقول: أراد الله تعالى أن يكون قتله سخطا لله غير رضي.
ونقول أراد الله ألا يمنع من قتله بالجبر والقدرة (5) كما منع منه بالنهي. (6).
(1) النساء 4: 27
(2) غافر 40: 31
(3) العبارة في ق: على معصية له خلاف الطاعة، وفي ر: معصية له...
(4) في م: القتل
(5) في هامش م، ر: والقهر
(6) في ق زيادة: والقول لا ندفع القتل عنه - عليه السلام - كما دفع...، والسقط واضح فيها. وفي ج:
والقول، ولو منع منه بالجبر والقدرة كما منع منه بالنهي والقول لا ندفع القتل عنه - عليه السلام - كما
اندفع. وكأن الإضافة هنا لتدارك السقط في ق.
32
ونقول: أراد الله أن لا يدفع القتل عنه - عليه السلام - كما دفع الحرق عن
إبراهيم، حين قال تعالى للنار التي ألقي فيها: (يا نار كوني بردا وسلما على إبراهيم) (1).
ونقول: لم يزل الله تعالى عالما بأن الحسين سيقتل (2) ويدرك بقتله سعادة
الأبد، ويشقى قاتله شقاوة الأبد.
ونقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
هذا اعتقادنا في الإرادة والمشيئة دون ما نسبه (3) إلينا أهل الخلاف
والمشنعون علينا من أهل الالحاد.
(1) الأنبياء 21: 69.
(2) في هامش ر: بالجبر، وفي ج زيادة: جبرا.
(3) في ر، ج: ينسبه.
33
(7)
(باب الاعتقاد في القضاء والقدر)
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه - اعتقادنا في ذلك قول الصادق
- عليه السلام - لزرارة حين سأله فقال: ما تقول - يا سيدي (1) - في القضاء والقدر؟ قال:
(أقول إن الله تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم
عما قضى عليهم (2).
والكلام في القدر منهي عنه، كما قال أمير المؤمنين - عليه السلام - لرجل قد سأله
عن القدر، فقال: (بحر عميق فلا تلجه).
ثم سأله ثانية فقال: (طريق مظلم فلا تسلكه)، ثم سأله ثالثة فقال: (سر
الله فلا تتكلفه) (3).
وقال أمير المؤمنين - عليه السلام - في القدر: (ألا إن القدر سر من سر الله) وستر
من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم
(1) أثبتناها من ر.
(2) رواه مسند المصنف في التوحيد: 365 / باب القضاء والقدر ج 2.
(3) المصدر السابق، ح 3 وفي ق، س: سر الله فلا تتكلمه، وفي هامش ر:... تكشفه، وفي
التوحيد... تكلفه.
34
بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه (1) ورفعه فوق شهاداتهم،
لأنهم لا ينالونه بحقيقته الربانية، ولا بقدرته الصمدانية ولا بعظمته النورانية، ولا
بعزته الوحدانية (2) لأنه بحر زاخر مواج خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء
والأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات
والحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضئ لا ينبغي أن يطلع إليها
إلا الواحد الفرد، فمن تطلع عليها (3) فقد ضاد الله في حكمه، ونازعه في سلطانه،
وكشف عن سره وستره، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير (4).
وروي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر،
فقيل له: يا أمير المؤمنين، تفر من قضاء الله؟ فقال - عليه السلام -: (أفر من قضاء الله
إلى قدر الله) (5).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن الرقي، هل تدفع من القدر شيئا؟ فقال:
(هي من القدر) (6).
(1) العبارة في ر: (وضع العباد عن علمه) وفي باقي النسخ والتوحيد: (وضع الله العباد عن علمه)،
وفي هامش التوحيد: هكذا في كل النسخ إلا ج ففيها: (ومنع الله العباد عن علمه) وما أثبتناه
هي عبارة البحار 5: 97 كما أوردها عن كتابنا هذا.
(2) العبارة في ق، ر: (لأنه لا ينالونه بحقيقته الربانية، ولا بقدرة / بقدر الصمدانية، ولا بعظمة /
بالعظمة النورانية، ولا بعزة الوحدانية).
(3) كذا في النسخ، وفي التوحيد: (إليها) والظاهر أنها الأنسب.
(4) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 383 باب القضاء والقدر ح 32.
(5) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 369 باب القضاء والقدر ح 8
(6) المصدر السابق، ص 382 ح 29.
35
(8)
(باب الاعتقاد في الفطرة والهداية)
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - اعتقادنا في ذلك أن الله تعالى فطر جميع
الخلق على التوحيد، وذلك قوله تعالى: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) (1).
وقال الصادق - عليه السلام - في قول الله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ
هديهم حتى يبين لهم ما يتقون) قال: - حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه).
وقال في قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها) قال: (بين لها ما تأتي وما
تترك).
وقال في قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) قال
(عرفناه إما آخذا وإما تاركا).
وفي قوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) قال:
(وهم يعرفون) (2).
(1) الروم 30: 30.
(2) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 11 4 باب التعريف والبيان والحجة ح 4، والكليني في الكافي
1: 124 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ح 3.
والآيات الكريمة على التوالي في التوبة 9: 15، الشمس 91: 8، الإنسان 76: 3،
فصلت 41: 17.
وصيغة تفسير الآية الثانية في م هي: (يبين لها ما أتى وما ترك).
وصدر تفسير الآية الأخيرة في المصدرين هو: (عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم...)
36
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قول الله عز وجل: (وهديناه النجدين)
قال: (نجد الخير ونجد الشر) (1)
وقال - عليه السلام -: (ما حجب الله علمه عن العباد فهو، وضوع عنهم) (2).
وقال - عليه السلام -: (إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم) (3).
(1) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 411 باب التعريف والبيان والحجة ح 5، والكليني في الكافي
1: 124 باب البيان والتعريف ح 4.
و الآية الكريمة في سورة البلد 90: 10.
(2) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 413 باب التعريف والبيان ح 9، والكليني في الكافي 1: 125
باب حجج الله على خلقه ح 3.
(3) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 410 باب التعريف والبيان والحجة ح 2، والكليني في الكافي
1: 124 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ح 1.
37
(9)
(باب الاعتقاد في الاستطاعة)
قال الشيخ - رحمه الله - اعتقادنا في ذلك ما قاله موسى بن جعفر - عليه السلام -
حين قال له: أيكون العبد مستطيعا؟
قال: (نعم، بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب (1)، صحيح
الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله تعالى: فإذا تمت هذه فهو مستطيع).
فقيل له: مثلي أي شئ؟.
قال: (يكون الرجل مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح لا يقدر
أن يزني إلا أن يرى امرأة، فإذا وجد المرأة فأما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف،
وأما أن يخلى بينه وبينها فيزني فهو زان، ولم يطع الله بإكراه، ولم يعص بغلبة) (2).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قول الله تعالى: (وقد كانوا يدعون إلى
السجود وهم سلمون) قال - عليه السلام -: (مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به،
(1) السرب: الطريق مجمع البحرين 2: 82 مادة سرب.
(2) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 348 باب الاستطاعة ح 7 عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام -
والكليني في الكافي 1: 122 باب الاستطاعة ح 1.
38
والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا) (1)
قال أبو جعفر - عليه السلام -: (في التوراة مكتوب: يا موسى، إني خلقتك
واصطفيتك وقويتك، وأمرتك بطاعتي، ونهيتك عن معصيتي، فإن أطعتني
أعنتك على طاعتي، وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي، ولي المنة عليك في
طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي) (2).
(1) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 349 باب الاستطاعة ح 9. وتنفرد نسخة م بصيغة للحديث
كالتالي: (... لأخذ ما أمروا به، وترك ما نهوا..).
والآية الكريمة في سورة القلم 68: 43.
(2) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 406 باب الأمر والنهي ح 2، وفي أماليه: 254 المجلس
الحادي والخمسون ح 3. وفي م: (في التوراة مسطور).
39
(10)
(باب الاعتقاد في البداء)
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه -: إن اليهود قالوا إن الله قد فرغ من
الأمر.
قلنا: بل هو تعالى كل يوم هو في شأن، لا يشغله شأن عن شأن، يحيي
ويميت (1)، ويخلق ويرزق، ويفعل ما يشاء.
وقلنا: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، وإنه لا يمحوا إلا ما
كان ولا يثبت إلا ما لم يكن.
وهذا ليس ببداء، كما قالت اليهود وأتباعهم (2) فنسبتنا اليهود في ذلك إلى
القول بالبداء، وتابعهم على ذلك من خالفنا من أهل الأهواء المختلقة (3).
وقال الصادق - عليه السلام -: (ما بعث الله نبيا قط حتى يأخذ عليه الاقرار
بالعبودية، وخلع الأنداد، وإن الله تعالى يؤخر ما يشاء ويقدم ما يشاء) (4).
(1) العبارة: لا يشغله شأن... ويميت، ليست في ق، س. وفي ر: يحيي ويميت.
(2) السطر بأكمله ليس في ق، س.
(3) في م زيادة: من المخالفين.
(4) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 333 باب البداء ح 3، والكليني في الكافي 1: 114 باب
البداء ح 3. وفي كلا المصدرين: (يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء).
40
ونسخ الشرايع والأحكام بشريعة نبينا محمد (ص) من ذلك، ونسخ الكتب
بالقرآن من ذلك.
وقال الصادق - عليه السلام -: (من زعم أن الله بدا (له) في شئ اليوم لم يعلمه
أمس فابرؤا منه). (1)
وقال - عليه السلام -: (من زعم أن الله بدا له في شئ بداء ندامة، فهو
عندنا كافر بالله العظيم).
وأما قول الصادق - عليه السلام -: (ما بدا لله في شئ كما بدا له في ابني
إسماعيل) فإنه يقول: ما ظهر لله سبحانه أمر في شئ كما ظهر له في ابني
إسماعيل، (إذ اخترمه قبلي، ليعلم أنه ليس بإمام بعدي) (2).
(1) رواه مسندا المصنف في كمال الدين: 69 باب اعتراض الزيدية على الإمامية. وفي ق، س، ر: (من
زعم أنه يريد الله عز وجل في شي) وما أثبتناه في المتن من م وهامش ر. وفي م: (أنا برئ) بدلا
عن (فابرؤا).
(2) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 336 باب البداء ح 10.
41
(11)
باب الاعتقاد
في التناهي عن الجدل والمراء في الله عز وجل وفي دينه
قال الشيخ أبو جعفر - رحمة الله عليه -: الجدل في الله تعالى منهي عنه، لأنه
يؤدي إلى ما لا يليق به.
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قول الله عزو جل: (وأن إلى ربك المنتهى)
قال: (إذا انتهى الكلام إلى الله تعالى فأمسكوا) (1).
وكان الصادق - عليه السلام - يقول: (يا بن آدم، لو أكل قلبك طائر ما أشبعه،
وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات
والأرض: إن كنت صادقا فهذه الشمس خلقا من خلق الله، إن قدرت أن تملأ
عينك منها فهو كما تقول) (2).
والجدل في جميع (3) أمور الدين منهي عنه.
(1) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 456 باب النهي عن الكلام والمراء ح 9، والكليني في
الكافي 1: 72 باب النهي عن الكلام في الكيفية ح 2. والآية الكريمة في سورة النجم 53: 42.
(2) المصدرين السابقين، الأول ص 455 ح 5، والثاني ص 73 ح 8.
(3) ليست في م، س.
42
وقال أمير المؤمنين - عليه السلام -: (من طلب الدين بالجدل تزندق).
وقال الصادق - عليه السلام -: (يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلمون، إن
المسلمين هم النجباء) (1).
فأما الاحتجاج على المخالفين (2) بقول الأئمة أو بمعاني كلامهم لمن يحسن
الكلام فمطلق، وعلى من لا يحسن فمحظور محرم.
وقال الصادق - عليه السلام -: (حاجوا الناس بكلامي، فإن حاجوكم كنت أنا
المحجوج لا أنتم).
وروي عنه - عليه السلام - أنه قال: (كلام في حق خير من سكوت على باطل).
وروي أن أبا هذيل العلاف قال لهشام بن الحكم: أناظرك على أنك إن
غلبتني رجعت إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعت إلى مذهبي.
فقال هشام: ما أنصفتني! بل أناظرك على أني إن غلبتك رجعت إلى
مذهبي، وإن غلبتني رجعت إلى إمامي.
(1) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 458 باب النهي عن الكلام والمراء ح 22.
(2) في ر، ح زيادة: بقول الله تعالى وبقول رسوله و.
43
(12)
(باب الاعتقاد في اللوح والقلم)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا في اللوح والقلم أنهما
ملكان.
(13)
(باب الاعتقاد في الكرسي)
قال أبو جعفر - رحمه الله -: اعتقادنا في الكرسي أنه وعاء جميع الخلق من (1)
العرش والسماوات والأرض، وكل شئ خلق الله تعالى في الكرسي.
وفي وجه آخر (2) هو العلم.
وقد سئل الصادق - عليه السلام - عن قوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات
والأرض)؟
قال: (علمه) (3).
(1) في ق، س: و.
(2) في م زيادة: الكرسي.
(3) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 327 باب معنى (وسع كرسيه السماوات والأرض) ح 1.
والآية الكريمة من سورة البقرة 2: 255.
44
(14)
(باب الاعتقاد في العرش)
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - اعتقادنا في العرض أنه جملة جميع الخلق.
والعرض في وجه آخر هو العلم.
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش
استوى)؟
فقال: (استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ) (1).
فأما العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحملته ثمانية من الملائكة، لكل
واحد منهم ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا:
واحد منهم على صورة بني آدم، فهو يسترزق الله تعالى لولد آدم. واحد
منهم (2) على صورة الثور، يسترزق الله للبهائم كلها، وواحد منهم على صورة
الأسد، يسترزق الله تعالى للسباع، وواحد منهم على صورة الديك، فهو يسترزق
الله للطيور.
فهم اليوم هؤلاء الأربعة، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية.
(1) رواه مسندا المصنف في التوحيد: 315 باب معنى (الرحمن على العرش استوى) ح 1، والكليني
في الكافي: 1: 99 باب الحركة والانتقال ح 6. والآية الكريمة في سورة طه 20: 5.
(2) في م. والآخر، بدلا عن: واحد منهم، وكذا في الموضعين الآتيين.
45
وأما العرش الذي هو العلم، فحملته أربعة من الأولين، وأربعة من
الآخرين.
فأما الأربعة من الأولين: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. وأما الأربعة
من الآخرين: فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين، صلى الله عليهم،. هكذا روي
بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة - عليهم السلام - في العرش وحملته.
وإنما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم (1) لأن الأنبياء الذين كانوا
قبل نبينا (ص) كانوا على شرائع الأربعة (2): نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن قبل
هؤلاء (3) صارت العلوم إليهم، وكذلك صار العلم من بعد محمد وعلي والحسن
والحسين - عليهم السلام - إلى من بعد الحسين من الأئمة - عليهم السلام.
(1) العبارة في ق، س: وإنما صار هؤلاء حملة العلم.
(2) في ر زيادة: من الأولين.
(3) في ر زيادة: الأربعة.
46
(15)
(باب الاعتقاد في النفوس والأرواح)
قال الشيخ أبو جعفر - عليه السلام - رحمه الله: اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح
التي بها الحياة، وأنها الخلق الأول، لقول النبي (ص): (إن أول ما أبدع الله سبحانه
وتعالى هي النفوس المقدسة المطهرة (1)، فأنطقها بتوحيده، ثم خلق بعد ذلك
سائر خلقه).
واعتقادنا فيها أنها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء، لقول النبي (ص): (ما
خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار).
وأنها في الأرض غريبة، وفي الأبدان مسجونة.
واعتقدنا فيها أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية، منها منعمة، ومنها معذبة،
إلى أن يردها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها.
وقال عيسى بن مريم للحواريين: (بحق أقول لكم، أنه لا يصعد إلى
السماء إلا ما نزل منها).
وقال تعالى: (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) (2) فما
(1) ف س: مقدسة مطهرة.
(2) الأعراف 7: 176.
47
لم يرفع منها إلى الملكوت بقي يهوى في الهاوية، وذلك لأن الجنة درجات والنار
دركات.
وقال تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) (1).
وقال تعالى: (إن المتقين في جنت ونهر في مقعد صدق عند مليك
مقتدر) (2).
وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من
خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (3)
وقال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا
تشعرون) (4).
وقال النبي (ص): (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر
منها اختلف) (5).
وقال الصادق - عليه السلام -: (إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن
يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى
بينهما في الأظلة، ولم يرث (6) الأخ من الولادة).
وقال - عليه السلام -: (إن الأرواح لتلتقي في الهواء فتعارف فتساءل، فإذا أقبل
(1) المعارج 70: 4.
(2) القمر 54: 54 و 55.
(3) آل عمران 3: 169، 170.
(4) البقرة 2: 154.
(5) رواه مسندا المصنف في علل الشرائع 1: 84 عن الصادق - عليه السلام.
(6) كذا في النسخ وموضع من البحار 61: 78، وفي موضع آخر 6: 249 يورث.
48
روح من الأرض قالت الأرواح: دعوه (1) فقد أفلت من هول عظيم، ثم سألوه
ما فعل فلان وما فعل فلان، فكلما قال قد بقي رجوه أن يلحق بهم، وكلما قال قد
مات قالوا هوى هوى) (2).
وقال تعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) (3).
وقال تعالى: (وأما من خفت موازينه فأمه هواية وما أدراك ما هية
نار حامية) (4).
ومثل الدنيا وصاحبها (5) كمثل البحر والملاح والسفينة.
وقال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني، إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها
عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله، واجعل زادك فيها تقوى الله، واجعل
شراعها التوكل على الله. فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك) (6).
وأشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات (7): يوم يولد، ويوم يموت، يوم
يبعث حيا.
ولقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الساعات، فقال الله تعالى: (وسلم
عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (8).
(1) العبارة في النسخ: (فإذا أقبل روح من الأرض فدعوه) وما أثبتناه من ج وهامش ر.
(2) نحوه رواه مرسلا المصنف في الفقيه 1: 123 ح 593، ورواه مسندا الكليني في الكافي 3: 244
باب في أرواح المؤمنين.
(3) طه 20: 81.
(4) القارعة 101: 8 - 11.
(5) ليست في ق، س.
(6) رواه مرسلا المصنف في كتابه الفقيه 2: 185 باب الزاد في السفر ح 833. وفي ر، وهامش م:
(واجعل شراعك فيها التوكل). وفي ق، ر: (وإن هلكت فبذنوبك لا من الله).
(7) العبارة في ق، س: وأشد ساعاته.
(8) مريم 19: 15.
49
وقد سلم فيها (1) عيسى على نفسه فقال (والسم علي يوم ولدت ويوم
أموت ويوم أبعث حيا) (2) والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن، وأنه
خلق آخر، لقوله تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (3).
واعتقدنا في الأنبياء والرسل والأئمة - عليهم السلام - إن فيهم خمسة أرواح: روح
القدس، وروح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح المدرج.
وفي الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح: روح القوة، روح الشهوة، وروح
المدرج.
وأما قوله تعالى: (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) (4) فإنه
خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله والأئمة - عليهم السلام - (5) ومع
الملائكة، وهو من الملكوت.
وأنا أصنف في هذا المعنى كتابا أشرح فيه معاني هذه الجمل إن شاء الله
تعالى.
(1) أثبتناها م، ج.
(2) مريم 19: 33.
(3) المؤمنون 23: 14.
(4) الاسراء 17: 85.
(5) والأئمة - عليهم السلام -، ليست في ق، س، وقد أثبتت في هامش م، ر مذيلة بإشارة غير واضحة
إن كانت تعني بدلا عن الملائكة أو إضافة إليها. مع ملاحظة أن أحاديث الباب في الكافي 1:
215، والمنقول عن كتابنا في بحار الأنوار 61: 79، أثبتا الأئمة فقط.
50
(16)
(باب الاعتقاد في الموت)
قيل لأمير المؤمنين علي - عليه السلام - صف لنا الموت؟.
فقال - عليه السلام -: (على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه:
إما بشارة بنعيم الأبد، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإما بتحزين (1) وتهويل
وأمر مبهم (2) لا يدري من أي الفرق هو.
أما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد.
وأما عدونا والمخالف لأمرنا، فهو المبشر بعذاب الأبد.
وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا
يدري ما يؤول حاله (3) يأتيه الخبر مبهما مخوفا (4) ثم لن يسويه الله بأعدائنا،
ويخرجه من النار بشفاعتنا.
فاعلموا (5) وأطعيوا ولا تتكلوا (6) ولا تستصغروا عقوبة الله، فإن من
(1) في ق: بتخويف.
(2) (وأمر مبهم) أثبتناها من م.
(3) (لا يدري ما يؤول حاله) أثبتناها من م.
(4) العبارة في النسخ مضطربة، فهي ما بين: (الخير / الخبر، مبهما / منهما) ولكنها تتفق في: (محرفا)
وما أثبتناه من ج ومعاني الأخبار.
(5) في هامش س: (فاعقلوا) وفي بعض النسخ: (فاعتملوا).
(6) في ر: (تتكلموا)، وتقرأ في بقية النسخ: (تنكلوا).
51
المسرفين من لا يلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة (1).
وسئل الحسن بن علي - عليهما السلام -، ما الموت الذي جهلوه؟
فقال - عليه السلام: (أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى
نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا
تنفد (2).
ولما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب - عليهما السلام -: نظر إليه من كان
معه فإذا هو بخلافهم، لأنهم إذا اشتد بهم الأمر تغيرت ألوانهم، وارتعدت
فرائصهم، ووجلت قلوبهم، ووجبت جنوبهم. وكان الحسين - عليه السلام - وبعض من
معه من خواصه (3) تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم.
فقال بعضهم لبعض: أنظروا إليه لا يبالي بالموت.
فقال لهم الحسين - عليه السلام -: (صبرا بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر
بكم عن البؤس والضر (4) إلى الجنان الواسعة والنعم (5) الدائمة، فأيكم يكره أن
ينتقل من سجن إلى قصر، وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن
وعذاب أليم: إن أبي حدثني عن رسول الله: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
والموت جسر (6) هؤلاء إلى جناتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبت ولا
كذبت) (7).
(1) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 288 باب معنى الموت ح 2.
(2) المصدر السابق، ح 3.
(3) في جميع النسخ والبحار ومعاني الأخبار: خصائصه، وما أثبتناه من ج.
(4) في م: والضراء.
(5) في م، س: والنعيم، وفي ر: والنعمة.
(6) في ق: حشر، وكذا التبي بعدها.
(7) رواه المصنف في معاني الأخبار: 288 باب معنى الموت ح 3.
52
وقيل لعلي بن الحسين: ما الموت؟
فقال - عليه السلام -: (للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفك قيود وأغلال
ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل.
وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال (1) بأوسخ
الثياب وأخشنها، وأوحش (2) المنازل، وأعظم العذاب.
وقيل لمحمد بن علي - عليه السلام -: ما الموت؟
فقال: (هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة، إلا أنه طويل مدته (3) لا ينتبه (4)
منه إلا يوم القيامة. فمنهم من رأى في منامه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره،
ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال من
فرح في الموت (5) ووجل فيه! هذا هو الموت فاستعدوا له) (6).
وقيل للصادق - عليه السلام -: صف لنا الموت؟
فقال: (هو للمؤمنين كأطيب ريح يشمه فينعس (7) لطيبه فينقطع (8) التعب
والألم كله عنه. وللكافر كلسع الأفاعي وكلدغ العقارب وأشد).
قيل: فإن قوما يقولون (9) هو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض،
(1) في م: والاستقبال.
(2) في ر، وهامش م: أضيق.
(3) في م، ر: المدة
(4) في س: ينتبه.
(5) في ر: النوم.
(6) رواه المصنف في معاني الأخبار: 289 باب معنى الموت ح 5 مع اختلاف في بعض الجمل.
(7) أثبتناها من ق وهامش م، وفي النسخ: (فينعش).
(8) أثبتناها من ر، وفي النسخ: (فيقطع).
(9) في ق، س، ر زيادة: إنه.
53
ورضخ بالحجارة، وتدوير قطب الأرحية في الأحداق؟
فقال: (كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين، ألا ترون منهم من
يعاين تلك الشدائد فذلك الذي هو أشد من هذا (إلا من عذاب الآخرة فإنه
أشد) من عذاب الدنيا).
قيل: فما لنا نرى كافرا يسهل عليه النزع فينطفئ، وهو يتحدث ويضحك
ويتكلم، وفي المؤمنين من يكون أيضا كذلك، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي
عند سكرات الموت هذه الشدائد؟
قال - عليه السلام -: (ما كان من راحة هناك للمؤمنين فهو عاجل ثوابه، وما كان
من شدة فهو تمحيصه من ذنوبه، ليرد إلى الآخرة نقيا (1) نظيفا مستحقا لثواب الله
ليس له مانع دونه. وما كان من سهولة هناك على الكافرين فليوفى (2) أجر حسناته
في الدنيا، ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب، وما كان من شدة على
الكافر هناك فهو ابتداء عقاب الله عند نفاد حسناته، ذلكم بأن الله عدل لا
يجوز) (3).
ودخل موس بن جعفر - عليه السلام - على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو
لا يجيب داعيا، فقالوا له: يا بن رسول الله، وددنا لو عرفنا كيف حال صاحبنا،
وكيف يموت؟ فقال: (إن الموت هو المصفاة: يصفي المؤمنين من ذنوبهم، فيكون
آخر ألم يصيبهم كفارة آخر وزر عليهم. ويصفي الكافرين من حسناتهم، فتكون
آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم. أما صاحبكم
(1) في ق: تقيا.
(2) في م، س: فليتوفى.
(3) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 287 باب معنى الموت ح 1، وعلل الشرائع: 298 ح 2،
ومنهما ما أثبتناه بين المعقوفين.
54
فقد نخل من الذنوب نخلا (1) وصفي من الآثام تصفية، وخلص حتى نقى كما
ينقى ثوب من الوسخ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في (2) دارنا دار الأبد) (3).
ومرض رجل من أصحاب الرضا - عليه السلام - فعاده، فقال: (كيف تجدك؟)
فقالت: لقيت الموت بعدك، يريد به ما لقي من شدة مرضه.
فقال: (كيف لقيته؟) فقال: أليما شديدا.
فقال: (ما لقيته، ولكن لقيت ما ينذرك به، ويعرفك بعض حاله. إنما
الناس رجلان: مستريح بالموت، ومستراح منه (4) فجدد الإيمان بالله (5) وبالولاية
تكن مستريحا). ففعل الرجل ذلك (6) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
وقيل لمحمد بن علي بن موسى - عليهم -: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون
الموت؟.
فقال: (لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقا لأحبوه،
ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا).
ثم قال: (يا عبد الله، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه
والنافي للألم عنه؟). فقال: لجهلهم بنفع الدواء.
فقال: (والذي بعث محمدا بالحق نبيا، إن من قد استعد للموت حق
الاستعداد فهو (7) أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو علموا ما
(1) العبارة في م: (فقد خلي من إ الذنوب تخلية) وليس في ق، س: (نخلا).
(2) في م، ق: (وفي).
(3) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 289 باب معنى الموت ح 6.
(4) أثبتناها من هامش ر، وفي النسخ: (به).
(5) في ج، وهامش ر زيادة: وبالنبوة
(6) رواه مسندا المنصف في معاني الأخبار: 289 باب معنى الموت ح 7.
(7) أثبتناها من ج، وهامش ر، وفي النسخ: (إنه).
55
يؤدي إليه الموت من النعم، لاستدعوه وأحبوه أشد مما يستدعي العاقل الحازم
الدواء، لدفع الآفات واجتلاب السلامات (1).
ودخل علي بن محمد - عليهما السلام - على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع
من الموت، فقال له: (يا عبد الله، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا
اتسخت ثيابك وتقذرت، وتأذيت بما عليك من الوسخ والقذرة، وأصابك قروح
وجرب، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كله، أما تريد أن تدخله
فتغسل فيزول (2) ذلك عنك، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى
يا ابن رسول الله.
قال: (فذلك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص
ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته، فقد نجوت من كل
غم وهم وأذى ووصلت إلى سرور وفرح). فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض
عين نفسه ومضى لسبيله (3).
وسئل الحسن بن علي - عليهما السلام - عن الموت، ما هو؟ فقال: (هو التصديق بما
لا يكون. إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، وإن الكافر هو الميت، إن الله عز وجل يقول: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) يعني المؤمن من الكافر، والكافر من
المؤمن (4).
(1) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 290 باب معنى الموت ح 8.
(2) ليست في ق، س.
(3) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 290 باب معنى الموت ح 9.
(4) رواه المصنف في معاني الأخبار: 290 باب معنى الموت ح 9. والآية الكريمة من سورة
يونس 10: 31.
56
وجاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله، ما بالي لا أحب الموت؟ قال:
(ألك مال؟). قال: نعم قال (قدمته؟). قال: لا. قال: (فمن ثمن لا تحب
الموت) (1).
وقال رجل لأبي ذر - رحمة الله عليه -: ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم
عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.
وقيل له: كيف ترى قدومنا على الله؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على
أهله، وأما المسئ فكالآبق يقدم على مولاه.
قيل: فيكف ترى حالنا عند الله؟ فقال: اعرضوا أعمالكم على كتاب الله،
يقول الله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم).
قال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) (2).
(1) رواه مسندا في الخصال 1: 13 باب الواحد ح 47.
(2) النصوص المروية عن أبي ذر - رضوان الله عليه - رواها مسندة الكليني في الكافي 2: 331 باب
محاسبة العمل ح 20. وفي هامش م، ر: فكالآبق يقدم على مولاه وهو منه خائف. والآيتان على التوالي في: الانفطار 82: 13، 14، الأعراف 7: 56.
57
(17)
(باب الاعتقاد في المسألة في القبر)
قال الشيخ - رحمه الله -: اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق لا بد منها،
فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره، وبجنة نعيم في الآخرة، ومن لم
يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة.
وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة، وسوء الخلق، والاستخفاف
بالبول.
وأشد ما يكون عذاب القبر على المؤمن (1) مثل اختلاج العين أو شرطة
حجام ويكون ذلك كفارة لما بقي عليه من الذنوب التي (2) لم تكفرها الهموم
والغموم والأمراض وشدة النزع عند الموت، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفن فاطمة بنت
أسد في قميصه بعد ما فرغ النساء من غسلها، وحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل
تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر واضطجع فيه، ثم قام
فأخذها على يديه ووضعها في قبرها، ثم انكب عليها يناجيها طويلا ويقول لها:
ابنك ابنك، ثم خرج وسوى عليها التراب، ثم انكب على قبرها، فسمعوه وهو
يقول (3): (اللهم إني استودعتها (4) إياك) ثم انصرف.
(1) في هامش م، ر زيادة: المحق.
(2) في ج زيادة: لا.
(3) في ج، وهامش ر زيادة: (لا إله إلا الله).
(4) أثبتناها من م، وفي النسخ: (أودعتها).
58
فقال له المسلمون: يا رسول الله، إنا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل
اليوم؟.
فقال: (اليوم فقدت بر أبي طالب، إنها كانت يكون عندها الشئ فتؤثرني
به على نفسها وولدها. وإني ذكرت يوم القيامة يوما وأن الناس يحشرون عراة،
فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية. وذكرت ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك. فكفنتها بقميصي واضطجعت في
قبرها لذلك، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه.
وإنما سئلت عن ربها فقالت الله، وسئلت عن نبيها فأجابت (1)، وسئلت
عن وليها وإمامها فارتج عليها، فقلت لها: ابنك، ابنك. فقالت (2) ولدي وليي
وإمامي، فانصرفا عنها وقالا: لا سبيل لنا عليك، نامي كما تنام العروس في
خدرها. ثم إنها ماتت موتة ثانية.
وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى قوله: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) (3).
(1) العبارة في ر: فقالت: الله ربي، وسئلت عن نبيها فقالت محمد نبيي.
(2) من هنا إلى نهاية الباب ليست في ق، س.
(3) غافر 40: 11.
59
(18)
(باب الاعتقاد في الرجعة)
قال الشيخ - رحمه الله - اعتقادنا في الرجعة أنها حق.
وقد قال تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت
فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) (1).
كان هؤلاء سبعين ألف (2) بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج
الأغنياء لقوتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم. فيقل (3) الطاعون في الذين يخرجون،
ويكثر في الذين يقيمون، فيقولون الذين يقيمون: لو خرجنا لم أصابنا الطاعون،
ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.
فأجمعوا على أن يخرجوا جميعا من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا
بأجمعهم، فنزلوا على شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا
جميعا، فكنستهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.
ثم مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا، فقال: (لو شئت يا رب
لأحييتهم فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك). فأوحى الله
(1) البقرة 2: 243.
(2) في بعض النسخ: ألف أهل البيت.
(3) في ق، س: يقع، وفي م، ر: فيدفع، وما أثبتناه من هامش الأخيرتين.
60
تعالى إليه: (أفتحب أن أحييهم لك؟). قال: (نعم). فأحياهم الله وبعثهم معه.
فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا، ثم ماتوا بآجالهم.
وقال تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى
يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو
بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى
حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما
تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير). (1)
فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله، وهو
عزير (2).
وقال تعالى في قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربه: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون). (3)
وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله، قالوا: لا نصدق به (4) حتى نرى الله جهرة،
فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، فقال موسى - عليه السلام -: (يا رب ما أقول لبني
إسرائيل إذا رجعت إليهم؟). فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدنيا، فأكلوا وشربوا،
ونكحوا النساء، وولد لهم الأولاد، ثم ماتوا بآجالهم.
وقال الله عز وجل لعيسى - عليه السلام -: (وإذ تخرج الموتى بإذني) (5).
فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى - عليه السلام - بإذن الله رجعوا إلى الدنيا
(1) البقرة 2: 259.
(2) في ر زيادة: وروي أنه ارميا.
(3) البقرة 2: 56.
(4) أثبتناها من م.
(5) المائدة 5: 110.
61
وبقوا فيها، ثم ماتوا بآجالهم.
وأصحاب الكهف (لبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا) (1).
ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم، وقصتهم معروفة.
فإن قال قائل: إن الله عز وجل قال: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) (2).
قيل له: فإنهم كانوا موتى، وقد قال الله تعالى: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من
مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) (3). وإن قالوا كذلك فإنهم كانوا
موتى. ومثل هذا كثير.
وقد صح أن الرجعة كانت في الأمم السالفة، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأمم السالفة، حذوا النعل بالنعل، والقذة بالقذة (4).
فيجب على هذا الأصل أن تكون في هذه الأمة رجعة.
وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه،
ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته (5) لأن الله تعالى قال: (إني متوفيك
ورافعك إلي) (6).
وقال: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) (7).
وقال تعالى: (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا) (8).
(1) الكهف 18: 25.
(2) الكهف 18: 18.
(3) يس 36: 52.
(4) رواه مرسلا المصنف في كتاب الفقيه 1: 130 باب فرض الصلاة ح 609.
(5) في م: الموت.
(6) آل عمران 3: 55.
(7) الكهف 18: 47.
(8) النمل 27: 83.
62
فاليوم الذي يحشر فيه الجميع (1) غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.
وقال تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا
عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (2) يعني في الرجعة، وذلك أنه يقول
تعالى (3): (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) (4) والتبيين يكون في الدنيا لا في
الآخرة.
وسأجرد في الرجعة كتابا أبين فيه كيفيتها والدلالة على صحة كونها إن شاء
الله.
والقول بالتناسخ باطل (5) ومن دان بالتناسخ فهو كافر، لأن في التناسخ
إبطال الجنة والنار.
(1) في ق، س: الجمع.
(2) النحل 16: 38.
(3) في ج، وهامش ر زيادة: بعد ذلك.
(4) النحل 16: 39.
(5) العبارة في م: ونقول في التناسخ باطل.
63
(19)
(باب الاعتقاد في البعث بعد الموت)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في البعث بعد الموت أنه حق.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا بني عبد المطلب، إن الرائد لا يكذب أهله. والذي
بعثني بالحق نبيا، لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وما بعد الموت دار
إلا جنة أو نار.
وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عز وجل كخلق نفس واحدة وبعثها (1)،
قال تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) (2).
(1) ليست في م. والعبارة في ر: كخلق واحد وبعث نفس واحدة.
(2) لقمان 31: 28.
64
(20)
(باب الاعتقاد في الحوض)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الحوض أنه حق، وأن عرضه ما
بين أيلة وصنعاء، وهو حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء (1)
وأن الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، يسقي منه أولياءه،
ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض،
فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي: يا رب، أصحابي. فيقال لي: إنك لا
تدري ما أحدثوا بعدك) (2).
(1) في م: النجوم.
(2) روى نحوه المصنف في عيون أخبار الرضا - عليه السلام - 2: 87 باب ما ذكر ما جاء عن الرضا
- عليه السلام - من العلل ح 33. وفي ر زيادة: (فأقول: سحقا، سحقا، لمن بدل بعدي). وقال
صلى الله عليه وآله: (ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي
رؤوسهم اختلجوا، فأقولن: أي رب، أصحابي، أصحابي. فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك).
65
(21)
(باب الاعتقاد في الشفاعة)
قال الشيخ رحمه الله - اعتقادنا في الشفاعة أنها لمن ارتضى الله دينه من
أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي) (1).
وقال - عليه السلام -: (لا شفيع أنجح من التوبة) (2).
والشفاعة للأنبياء والأوصياء والمؤمنين والملائكة.
وفي المؤمنين من يشفع في مثل ربيعة ومضر، وأقل المؤمنين (3) شفاعة من
يشفع لثلاثين إنسانا.
والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك، ولا هل الكفر والجحود، بل
تكون للمذنبين من أهل التوحيد.
(1) رواه المصنف مسندا في أماليه: 16 المجلس الثاني ح 4، وعيون أخبار الرضا - عليه السلام 1:
136 ح 35.
(2) رواه المصنف في كتاب الفقيه 3: 376 باب معرفة الكبائر ح 1779.
(3) في ر زيادة: المحقين.
66
(22)
(باب الاعتقاد في الوعد والوعيد)
قال الشيخ - رضي الله عنه - اعتقادنا في الوعد والوعيد أن من وعده الله على
عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده (1) على عمل عقابا فهو فيه بالخيار، فإن
عذبه فبعدله، وإن عفا عنه فبفضله (2)، وما الله بظلام للعبيد.
وقد قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء) (3).
(1) في ر زيادة: الله.
(2) العبارة في ر: وإن عفا فهو بفضله وكرمه.
(3) النساء 4: 48.
67
(23)
(باب الاعتقاد فيما يكتب على العبد)
قال الشيخ - رضي الله عنه - اعتقادنا في ذلك أنه ما من عبد إلا وله (1)
ملكان موكلان به يكتبان عليه (2) جميع أعماله.
ومن هم بحسنة ولم يعملها كتب له حسنة، فإن عملها كتب له عشر
حسنات، وإن هم بسيئة لم تكتب عليه (3) حتى يعملها، فإن عملها (4) كتب عليه
سيئة واحدة.
والملكان يكتبان على العبد كل شئ حتى النفخ في الرماد (5).
قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين، كراما كاتبين، يعلمون ما
تفعلون) (6).
ومر أمير المؤمنين علي - عليه السلام - برجل وهو يتكلم بفضول الكلام، فقال:
(يا هذا، إنك تملي على ملكيك كتابا إلى ربك، فتكلم بما يعنيك، ودع ما لا
(1) له، ليست في ق، س.
(2) أثبتناها من م.
(3) أثبتناها من م.
(4) في ج زيادة: أجل سبع ساعات، فإن تاب قبلها لم تكتب عليه، وإن لم يتب.
(5) في م: الرمال.
(6) الانفطار 82: 10 - 12.
68
يعنيك (1).
وقال - عليه السلام -: (لا يزال الرجل المسلم يكتب محسنا ما دام ساكتا، فإذا
تكلم كتب إما محسنا أو مسيئا) (2).
وموضع الملكين من ابن آدم الترقوتان (3). صاحب اليمين يكتب الحسنات،
وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكا النهار يكتبان عمل العبد بالنهار، وملكا
الليل يكتبان عمل الليل.
(24)
(باب الاعتقاد في العدل)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا أن الله تبارك وتعالى أمرنا
بالعدل، وعاملنا بما هو فوقه، وهو التفضل، وذلك أنه عز وجل يقول: (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) (4).
والعدل (5) هو أن يثيب على الحسنة، ويعاقب على السيئة.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يدخل الجنة رجل (6) برحمة الله عز وجل).
(1) رواه مسندا المصنف في الأمالي: 36 المجلس التاسع ح 4.
(2) رواه مسندا المصنف في ثواب الأعمال: 212 باب ثواب الصمت ح 3، والخصال: 15 باب
الواحد ح 53.
(3) في ق، س: النمرقان، وفي بحار الأنوار 5: 327: الشدقان.
(4) الأنعام 6: 160.
(5) من هنا إلى نهاية الباب ليس في ق، س. والعبارة في ر، ج: والعدل هو أن يثيب على الحسنة
الحسنة، ويعاقب على السيئة السيئة.
(6) في ر، ج زيادة: (بعمله).
69
(25)
(باب الاعتقاد في الأعراف)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الأعراف أنه سور بين الجنة والنار،
عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم (1) والرجال هم النبي وأوصياؤه - عليهم السلام -
لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
وعند الأعراف المرجون لأمر الله، إما يعذبهم، وإما يتوب عليهم.
(26)
(باب الاعتقاد في الصراط)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الصراط أنه حق، وأنه جسر
جهنم، وأن عليه ممر جميع الخلق.
قال تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) (2).
والصراط في وجه آخر اسم حجج الله، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم
أعطاه الله جوزا على الصراط الذي هو جسر جهنم يوم القيامة (3).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل
على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلا من كانت معه براءة بولايتك) (4).
(1) إشارة إلى الآية 46 من سورة الأعراف.
(2) مريم 19: 71.
(3) في م، ر زيادة: ويوم / يوم الحسرة والندامة.
(4) وفي م: بولايتكم وفي المطبوعة: براة.
70
(27)
(باب الاعتقاد في العقبات التي على طريق المحشر)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في ذلك أن هذه العقبات أسم كل
عقبة منها على حدة اسم فرض (1)، أو أمر، أو نهي.
فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصر في ذلك
الفرض، حبس عندها وطولب بحق الله فيها.
فإن خرج منه بعمل صالح قدمه (2) أو برحمة تداركه، نجا منها إلى عقبة
أخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويحبس عند كل عقبة، فيسأل عما
قصر فيه من معنى اسمها.
فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء، فحيي حياة لا موت فيها أبدا،
وسعد سعادة لا شقاوة معها أبدا، وسكن (3) جوار الله مع أنبيائه وحججه
والصديقين والشهداء والصالحين من عباده.
(1) العبارة في م: وأما العقبات التي على طريق المحشر فاسمها على حدة اسم فرض... وفي هامشها:
اعتقادنا في ذلك أن هذه العقبات اسم كل عقبة منها اسم فرض... ومتن ق، س كهامش م
بزيادة: اسمها، بعد: اسم كل عقبة منها. بينما أثبتت عبارة: فاسمها على حدة، بعد عنوان
الباب. وما أثبتناه من ر.
(2) في ر: قد عمله.
(3) في ر: ويسكن في.
71
وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه، فلم ينجه عمل صالح
قدمه، ولا أدركته من الله عز وجل رحمة، زلت قدمه عن العقبة فهوى في (1) جهنم نعوذ بالله منها.
وهذه العقبات كلها على الصراط.
اسم عقبة منها: الولاية، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير
المؤمنين والأئمة من بعده - عليهم السلام - فمن أتى بها نجا وجاز (2)، ومن لم يأت بها
بقي فهوى (3)، وذلك قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون) (4).
واسم عقبة منها: المرصاد، وذلك قوله تعالى (5). (إن ربك لبالمرصاد) (6).
ويقول تعالى: (وعزتي وجلالي لا يجوز بي ظلم ظالم).
واسم عقبة منها: الرحم.
واسم عقبة منها: الأمانة.
واسم عقبة منها: الصلاة.
وباسم كل فرض أو أمر أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل.
(1) في ر ج زيادة: نار.
(2) في م، ق: جاوز.
(3) في م، س: فبقي يهوي.
(4) الصافات 37: 24.
(5) في ق، س: وهو قول الله عز وجل.
(6) الفجر 89: 14.
72
(28)
(باب الاعتقاد في الحساب والميزان) (1)
قال الشيخ رضي الله عنه -: اعتقادنا فيهما أنهما حق (2).
منه ما يتولاه الله تعالى، ومنه ما يتولاه حججه. فحساب الأنبياء والرسل (3)
والأئمة - عليهم السلام - يتولاه الله عز وجل، ويتولى كل نبي حساب أوصيائه، ويتولى
الأوصياء حساب الأمم.
والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل، وهم الشهداء على الأوصياء،
والأئمة شهداء على الناس (4).
وذلك قوله عز وجل: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (5).
وقوله عز وجل: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا) (6).
(1) في ق، وهوامش النسخ: الموازين.
(2) العبارة في ق، وهامش ر: اعتقادنا في الحساب أنه حق.
(3) ليست في ق، س وفي م غير واضحة.
(4) العبارة في م: وهم الشهداء على الأمم.
(5) البقرة 2: 143.
(6) النساء 4: 41.
73
وقال عز وجل: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (1).
والشاهد أمير المؤمنين.
وقال عز وجل: (إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم) (2).
وسئل الصادق - عليه السلام -: عن قول الله: (ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة فلا تظلم نفس شيئا) قال: (الموازين الأنبياء والأوصياء) (3).
ومن الخلق من يدخل الجنة بغير حساب.
فأما السؤال فهو واقع على جميع الخلق، لقوله تعالى: (فلنسئلن الذين
أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين) (4) يعني عن الدين.
وأما الذنب (5) فلا يسأل عنه (6) إلا من يحاسب.
قال تعالى: (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) (7) يعني من شيعة
النبي والأئمة - عليهم السلام - (8) دون غيرهم، كما ورد في التفسير (9).
وكل محاسب معذب ولو بطول الوقوف.
ولا ينجو من النار، ولا يدخل الجنة أحد بعلمه (10)، إلا برحمة الله
(1) هود 11: 17.
(2) الغاشية 88: 25، 26.
(3) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 31: باب معنى الموازين ح 1. والآية الكريمة في سورة
الأنبياء 21: 47.
(4) الأعراف 7: 6.
(5) في بحار الأنوار 7: 251: وأما غير الدين.
(6) أثبتناها من م.
(7) الرحمن 55: 39.
(8) في ر زيادة: خاصة.
(9) رواه مسندا المصنف في فضائل الشيعة: 76 ح 43.
(10) في م، س: بعلمه.
74
تعالى (1).
والله تعالى يخاطب عباده من الأولين والآخرين بمجمل حساب عملهم
مخاطبة واحدة، يسمع منها كل واحد قضيته دون غيرها، ويظن أنه المخاطب دون
غيره، ولا تشغله تعالى مخاطبة عن مخاطبة، ويفرغ من حساب الأولين والآخرين في
مقدار (2) ساعة من ساعات الدنيا.
ويخرج الله لكل إنسان كتابا يلقاه منشورا، ينطق عليه بجميع أعماله،
لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (3) فيجعله الله حسيب نفسه (4) والحاكم
عليها، بأن يقال له: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (5).
ويختم الله تبارك وتعالى على أفواههم (6)، وتشهد أيديهم وأرجلهم وجميع
جوارحهم بما كانوا يعملون (7)، (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله
الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون * وما كنتم تستترون أن
يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا
مما تعلمون) (8).
وسأجرد كيفية وقوع الحساب في كتاب حقيقة المعاد.
(1) العبارة في ق: ولا يدخل الجنة أحدا إلا بعمله وإلا برحمة الله تعالى.
(2) في هامش م، ر زيادة: نصف.
(3) في الفقرة هذه إشارة إلى الآية 13 من سورة الإسراء، والآية 49 من سورة الكهف.
(4) العبارة في م: فيجعل الله له محاسب نفسه، وفي البحار 7: 251 و س: فيجعله الله حاسب نفسه.
(5) الاسراء 17: 14.
(6) في هامش ر: أفواه قوم.
(7) في النسخ يكتمون، وما أثبتناه من هامش م، ر، وبلحاظ الآية 65 من سورة يس، والآية 20 من
سورة فصلت.
(8) فصلت 41: 21، 22.
75
(29)
(باب الاعتقاد في الجنة والنار)
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله -: اعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء ودار
السلامة (1). لا موت فيها، ولا هرم، ولا سقم ولا مرض، ولا آفة، ولا زوال (2)، ولا
زمانة، ولا غم، ولا هم، ولا حاجة، ولا فقر.
وأنها دار الغنى، والسعادة، ودار المقامة والكرامة، ولا يمس أهلها فيها
نصب، ولا يمسهم فيها لغوب (3) لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وهم
فيها خالدون (4).
وأنها دار أهلها جيران الله، وأولياؤه، وأحباؤه، وأهل كرامته. وهم أنواع (5)
مراتب:
منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته.
(1) في س: والسلامة، وفي هامش ر: دار السلام.
(2) ليست في ق، س.
(3) في م، س: لغوب. والعبارة إشارة إلى الآية 35 من سورة فاطر.
(4) إشارة إلى الآية 71 من سورة الزخرف.
(5) في م زيادة: على والعبارة في ر قد تقرأ: وهم على مراتب.
76
ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين،
واستخدام الولدان المخلدين، والجلوس على النمارق والزرابي، ولباس السندس
والحرير.
كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد (1) على حسب ما تعلقت عليه (2)
همته، ويعطى ما عبد (3) الله من أجله.
وقال الصادق - عليه السلام -: (إن الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أصناف:
صنف منهم يعبدونه رجاء ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء. وصنف منهم يعبدونه
خوفا من ناره، فتلك عبادة العبيد. وصنف منهم يعبدونه حبا له، فتلك عبادة
الكرام (4).
واعتقادنا في النار أنها دار الهوان، ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان،
ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك. وأما المذنبون من أهل التوحيد، فإنهم
يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم، والشفاعة التي تنالهم.
وروي أنه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها، وإنما
تصيبهم الآلام عند الخروج منها، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم، وما
(1) في ق: ويزيد.
(2) في ر: به.
(3) أثبتناها من م، وفي النسخ: عند.
(4) رواه مسندا المصنف في أماليه: 41 المجلس العاشر ح 4، والخصال 1: 188 باب
الثلاثة ح 259. وفي م، ر: (ويعبدونه شوقا إلى جنته ورجاء ثوابه). والحرصاء أثبتناها من ق، وفي
س: الخدام، وفي م، ر: الخدام الحرصاء. وتمام الحديث في ج، وهامش ر، والمصدرين، هو: (وهو
الآمن / وهم الأمناء، لقوله عز وجل: (وهم من فزع يومئذ آمنون). (النمل 27: الآية 89).
77
الله بظلام للعبيد.
وأهل النار هم المساكين (1) حقا، (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف
عنهم من عذابها) (2) و (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا) (3)
وإن استطعموا أطعموا من الزقوم، وإن استغاثوا (يغاثوا بماء كالمهل يشوي
الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) (4).
وينادون من مكان بعيد (5): (ربنا أخرجنا نعمل صالحا) (6)، (ربنا
أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) (7) فيمسك الجواب عنهم أحيانا، ثم قيل
لهم: (اخسؤا فيها ولا تكلمون) (8) (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم
ماكثون) (9).
وروي (10) (أنه يأمر الله تعالى برجال إلى النار، فيقول لمالك: قل للنار لا
تحرقي لهم أقداما، فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد. ولا تحرقي لهم أيديا، فقد
كانوا يرفعونها إلي بالدعاء. ولا تحرقي لهم ألسنة، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن.
ولا تحرقي لهم وجوها، فقد كانوا يسبغون الوضوء. فيقول مالك: يا أشقياء، فما
كان حالكم؟ فيقولون: كنا نعمل لغير الله، فقيل لهم: خذوا ثوابكم ممن عملتم
(1) في هامش ر: المشركون.
(2) فاطر 35: 36.
(3) النبأ 78: 24، 25.
(4) الكهف 18: 29.
(5) العبارة في ر: وينادون من كل مكان بعيد ويقولون.
(6) فاطر 35: 37. والاستشهاد بهذه الآية الكريمة أثبتناه من.
(7) (8) المؤمنون 23: 107، 108.
(9) الزخرف 43: 77.
(10) في ر زيادة: بالأسانيد الصحيحة.
78
له (1).
واعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دخل الجنة، ورأى
النار حين عرج به.
واعتقادنا أنه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة أو من النار،
وأن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى ترفع له الدنيا كأحسن ما رآها ويرى (2)، مكانه
في الآخرة، ثم يخير فيختار الآخرة، فحينئذ تقبض روحه.
وفي العادة أن يقال (3): فلان يجود بنفسه، ولا يجود الإنسان بشئ إلا عن
طيبة نفس، غير مقهور، ولا مجبور، ولا مكروه (4).
وأما جنة آدم، فهي جنة من جنان الدنيا، تطلع الشمس فيها وتغيب،
وليست بجنة الخلد، ولو كانت جنة الخلد ما خرج منها أبدا.
واعتقادنا أن بالثواب يخلد أهل الجنة في الجنة (5) وبالعقاب يخلد أهل النار
في النار (6).
وما من أحد يدخل الجنة حتى يعرض عليه مكانه من النار، فيقال له: هذا
مكانك الذي لو عصيت الله لكنت فيه. وما من أحد يدخل النار حتى يعرض
عليه مكانه من الجنة، فيقال له: هذا مكانك الذي لو أطعت الله لكنت فيه.
(1) رواه مسندا المصنف في ثواب الأعمال: 266 باب عقاب من عمل لغير الله، وعلل الشرائع: 465
باب النوادر ح 18. وفي ق، س: (لتأخذوا ثوابكم).
(2) أثبتناها من م، ج. وفي النسخ: ويرفع.
(3) في ق، س: نقول، وفي ر، ج: يقول الناس.
(4) في ر وبحار الأنوار 8: 200: مكره.
(5) في ر: بالجنة، بدلا عن: في الجنة.
(6) في ر: بالنار، بدلا عن: في النار.
79
فيورث هؤلاء مكان هؤلاء، وهؤلاء مكان هؤلاء (1) وذلك قوله تعالى: (أولئك هم
الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (2).
وأقل المؤمنين منزلة في الجنة من له مثل (3) ملك الدنيا عشر مرات (4).
(1) وهؤلاء مكان هؤلاء، أثبتناها من م. وراجع تفسير القمي 2: 89.
(2) المؤمنون 23: 10، 11.
(3) في م: فيها، وفي ر قد تقرأ: فيها مثل.
(4) في ر زيادة نصها:
واعتقادنا أنه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى ويعلم ويتيقن أي المنزلتين يصير إليهما، إلى
الجنة أم إلى النار، أعدو الله أم ولي الله.
فإن كان وليا لله، فتحت له أبواب الجنة، وشرعت له طرقها، وكشف الله عن بصره عند خروج
روحه من جسده ما أعد الله له فيها، قد فرغ من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل.
وإن كان عدوا لله، فتحت له أبواب النار، وشرعت طرقها، وكشف الله عز وجل عن بصره ما
أعد الله له فيها، فاستقبل كل مكروه، وترك كل سرور.
وكل هذا يكون عند الموت، وعندكم يكون بيقين (كذا، ولعلها: يقين) وتصديق هذا في كتاب
الله عز وجل على لسان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلم
عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) (النحل 16: 32).
ويقول (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله
عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين)
(النحل 16: 28، 29)
80
(30)
(باب الاعتقاد في كيفية نزول الوحي من عند الله بالكتب في الأمر والنهي)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في ذلك أن بين عيني إسرافيل لوحا،
فإذا أراد الله تعالى أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل، فينظر (1) فيه
فيقرأ ما فيه، فيلقيه إلى ميكائيل، ويلقيه ميكائيل إلى جبرائيل، فيلقيه جبرئيل إلى
الأنبياء.
وأما الغشوة التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها كانت تكون عند مخاطبة الله
إياه حتى يثقل ويعرق (2).
وأما جبرئيل فإنه كان لا يدخل عليه حتى يستأذنه إكراما له، وكان يقعد
بين يديه قعدة العبد (3).
(1) في ق، س: فنظر.
(2) في م، ق، س: حتى ينقل ويعرف.
(3) في ر: العبيد.
81
(31)
(باب الاعتقاد في نزول القرآن في ليلة القدر) (1)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في ذلك أن القرآن نزل في شهر
رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور (2) ثم نزل من البيت المعمور
في مدة عشرين سنة (3) وأن الله عز وجل أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم العلم جملة (4).
وقال له: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني
علما) (5).
وقال تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) (6).
(1) الباب بأكمله ليس في ق، س، إذ عنون الفصل بهذا العنوان، ولكنه تضمن ما يأتي في باب
الاعتقاد في القرآن.
(2) العبارة في م: في ليلة واحدة إلى البيت المعمور.
(3) عبارة: ثم أنزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة، أثبتناها من ج وتصحيح الاعتقاد للشيخ
المفيد: 102، وبحار الأنوار 18: 250. وراجع أصول الكافي 2: 460 باب
النوادر ح 6. وبدلها في م: ثم فرق في مدة أربعة وعشرين سنة، وكذا في متن ر، ولكن كتب
في هامشها - بشكل يصعب قراءته - ما أثبتناه في المتن.
(4) في بحار الأنوار زيادة: واحدة.
(5) طه 20: 114.
(6) القيامة 75: 16 - 19.
82
(32)
(باب الاعتقاد في القرآن)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في القرآن أنه كلام الله، ووحيه،
وتنزيله، وقوله، وكتابه.
وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (1).
وأنه القصص الحق (2). وأنه قول فصل، وما هو بالهزل (3).
وأن الله تعالى محدثه، ومنزله، وحافظه، وربه (4).
(1) في ج، ر زيادة: تنزيل من حكيم عليم. العبارة إشارة إلى الآية 42 من سورة فصلت.
(2) إشارة إلى الآية 62 من سورة آل عمران.
(3) إشارة إلى الآية 13 من سورة الطارق.
(4) في ج، ر زيادة: والمتكلم به.
83
(33)
(باب الاعتقاد في مبلغ القرآن)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على
نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك،
ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.
وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولايلاف وألم تر كيف سورة واحدة (1).
ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب.
وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن
كله (2)، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة، والنهي عن القرآن بين سورتين في
ركعة فريضة، تصديق لما قلناه في أمر القرآن وأن مبلغه ما في أيدي الناس.
وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة، وأنه لا يجوز
أن يختم في أقل من ثلاثة أيام، تصديق لما قلناه أيضا (3).
بل نقول: إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن، ما لو جمع إلى القرآن لكان
(1) في ر زيادة: والأنفال والتوبة سورة واحدة.
(2) راجع: ثواب الأعمال: 125 - 157.
(3) راجع: عيون أخبار الرضا - عليه السلام - 2: 181، والكافي 2: 451 باب في كم يقرأ القرآن ويختم.
84
مبلغه مقدار سبعة عشر ألف آية.
وذلك مثل قول جبرئيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى يقول لك: يا محمد، دار
خلقي) (1).
ومثل قوله: (اتق شحناء الناس وعداوتهم) (2).
ومثل قوله: (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه،
واعمل ما شئت فإنك ملاقيه. وشرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كف الأذى عن
الناس) (3).
ومثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن
أدرد وأحفر (4)، وما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، وما زال يوصيني
بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها، وما زال يوصيني بالمملوك حتى ظننت
أنه سيضرب له أجلا يعتق به) (5).
ومثل قول جبرئيل - عليه السلام - للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين فرغ من غزوة الخندق: (يا
محمد إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة).
ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض) (6).
(1) رواه مسندا الكليني في الكافي 2: 95 باب المداراة ح 2. وفي ج، وهامش م زيادة مثلما أداري.
(2) رواه مسندا الكليني في الكافي 2: 228 باب المراء والخصومة ح 9. والحديث بتمامه
أثبتناه من ج، ر.
(3) رواه مسندا المصنف في أماليه: 194 المجلس الحادي والأربعين ح 5، والخصال: 7 باب الواحد
ح 20 باختلاف يسير.
(4) في بعض النسخ: (حتى ظننت أنه فريضة) مكان (حتى خفت...).
(5) روى نحوه مسندا المنصف في أماليه: 349، المجلس السادس والستين ح 1.
(6) رواه مسندا الكليني في الكافي 2: 96 باب المداراة ح 4.
85
ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نكلم الناس إلا بمقدار
عقولهم) (1).
ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن جبرئيل أتاني من قبل ربي بأمر قرت به عيني، وفرح
به صدري وقلبي، يقول: إن عليا أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين).
ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (نزل علي جبرئيل فقال: يا محمد إن الله تعالى قد زوج
فاطمة عليا من فوق عرشه، وأشهد على ذلك خيار ملائكته، فزوجها منه في
الأرض، وأشهد على ذلك خيار أمتك).
ومثل هذا (2) كثير، كله وحي ليس بقرآن، ولو كان قرآنا لكان مقرونا به،
وموصلا إليه غير مفصول عنه (3) كما كان أمير المؤمنين - عليه السلام - جمعه، فلما
جاءهم به قال: (هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم، لم يزد فيه حرف، ولم ينقص
منه حرف).
فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك. فانصرف وهو يقول:
(فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) (4).
وقال الصادق - عليه السلام -: (القرآن واحد، نزل من عند واحد على واحد،
وإنما الاختلاف من جهة الرواة) (5).
(1) رواه مسندا الكليني في الكافي 1: 18 كتاب العقل والجهل ح 18، والمصنف في أماليه: 341،
المجلس الخامس والستين ح 6، باختلاف يسير في اللفظ.
(2) في م: ذلك.
(3) في م، ق، س: منه.
(4) آل عمران 3: 187.
(5) رواه الكليني في الكافي 2: 461 باب النوادر ح 12 باختلاف يسير. وصيغة الحديث في ر: (أنزل
من واحد على واحد، وإنما الاختلاف وقع من جهة الرواية)
86
وكل ما كان في القرآن مثل قوله: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن
من الخاسرين) (1) ومثل قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما
تأخر) (2) ومثل قوله تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) (3) وما أشبه ذلك، فاعتقدنا فيه أنه نزل
على (4) إياك أعني واسمعني يا جارة.
وكل ما كان في القرآن (أو) فصاحبه فيه بالخيار.
وكل ما كان في القرآن: (يا أيها الذين آمنوا) فهو في التوراة: يا أيها
المساكين.
وما من آية أولها: (يا أيها الذين آمنوا) إلا ابن أبي طالب قائدها، وأميرها،
وشريفها، وأولها.
وما من آية تسوق (5) إلى الجنة إلا وهي في النبي والأئمة - عليهم السلام -، وفي
أشياعهم وأتباعهم.
وما من آية تسوق (6) إلى النار إلا وهي في أعدائهم والمخالفين لهم.
وإن كانت الآيات (7) في ذكر الأولين فإن كل ما كان فيها (8) من خير فهو
(1) الزمر 39: 65.
(2) الفتح 48:، 2.
(3) الاسراء 17: 74، 75.
(4) ليست في م، ق.
(5) في بعض النسخ: تشويق.
(6) في بعض النسخ: تخوف من.
(7) في م: الآية.
(8) العبارة في م، ر: فإن / فما كان فيها.
87
جار في أهل الخير (1) وما كان فيها من شر فهو جار في أهل الشر (2).
وليس في الأنبياء خير من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في الأوصياء أفضل من
أوصيائه، ولا في الأمم أفضل من هذه الأمة الذين هم شيعة أهل بيته في الحقيقة
دون غيرهم، ولا في الأشرار شر من أعدائهم والمخالفين لهم (3).
(1) في ر: الجنة.
(2) في ر: النار.
(3) العبارة في ر: والمخالفين من سائر الناس في الأمة.
88
(34)
(باب الاعتقاد في الأنبياء والرسل والحجج (1) - عليهم السلام)
قال الشيخ - رحمه الله -: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والحجج صلوات الله
عليهم أنهم أفضل من الملائكة.
وقول الملائكة لله عز وجل لما قال لهم: (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) (2)
هو التمني فيها لمنزلة آدم - عليه السلام -، ولم يتمنوا إلا منزلة فوق منزلتهم، والعلم
يوجب فضله (3).
قال الله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني
بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت
العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل
لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) (4).
فهذا كله يوجب تفضيل آدم على الملائكة، وهو نبي لهم، بقول الله تعالى:
(1) ليست في ق، س.
(2) البقرة 2: 30 وفي ر وهامش م أكملت الآية بقوله تعالى: (قال إني أعلم ما لا تعلمون).
(3) في ج وهامش م: الفضيلة.
(4) البقرة 2: 31 - 33.
89
(أنبئهم بأسمائهم).
ولما ثبت (1) تفضيل آدم على الملائكة (2) أمر الله تعالى الملائكة بالسجود
لآدم، لقوله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) (3).
ولم يأمرهم الله بالسجود إلا لمن هو أفضل منهم، وكان سجودهم لله تعالى
عبودية وطاعة لآدم (4) إكراما لما أودع الله صلبه من (5) النبي والأئمة صلوات الله
عليهم أجمعين.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ومن جميع
الملائكة المقربين، ومن حملة العرش وأنا خير البرية، وأنا سيد ولد آدم (6).
وأما قوله تعالى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة
المقربون) (7) فليس ذلك بموجب لتفضيلهم على عيسى. وإنما قال تعالى ذلك،
لأن الناس منهم من كان يعتقد الربوبية لعيسى ويتعبد له وهم صنف من
النصارى، ومنهم من عبد الملائكة وهم الصابئون وغيرهم، فقال الله عز وجل لن
يستنكف المسيح والمعبودون دوني أن يكوا عبادا لي.
والملائكة روحانيون، معصومون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما
(1) في بعض النسخ: ومما يثبت.
(2) العبارة في م، ج، ق، س: ومما / ولما يثبت تفضيل آدم على تفضيل (ليست في م، ج) الملائكة.
(3) الحجر 15: 30.
(4) العبارة في م: عبودية ولآدم طاعة، وفي ر: عبودية وطاعة لآدم، وفي ق، س أسقطت كلمة
العبودية، وأثبتت في الأولى: وطاعة، وفي الثانية: طاعة. وما أثبتناه هو الأنسب.
(5) في بعض النسخ: في صلبه من أرواح النبي و...
(6) راجع: كمال الدين 1: 261 ح 7، أمالي الصدوق: 157، المجلس الخامس والثلاثين ح 1. (ومن
حملة العرش) أثبتناها من ر.
(7) النساء 4: 172.
90
يؤمرون. لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يألمون (1)، ولا يسقمون، ولا يشيبون، ولا
يهرمون. طعامهم وشرابهم (2) التسبيح والتقديس، وعيشهم من نسيم (3) العرش،
وتلذذهم بأنواع العلوم. خلقهم الله (4) أنوارا وأرواحا كما شاء وأراد، وكل صنف
منهم يحفظ مما خلق الله تعالى (5).
وقلنا بتفضيل من فضلناه عليهم، لأن الحال (6) التي يصيرون إليها (7)
أفضل من حال الملائكة. والله أعلم وأحكم.
(1) في هامش ر: ينامون.
(2) ليست في ق، س.
(3) في ق: تسنيم.
(4) في ج، وهامش ر: زيادة بقدرته.
(5) الله تعالى، أثبتناها من ر.
(6) في هامش ر: العاقبة.
(7) في م، ج زيادة: من أنواع ما خلق الله أعظم و...
91
(35)
(باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء - عليهم السلام)
قال الشيخ - رحمة الله عليه -: اعتقادنا في عددهم أنهم مائة ألف نبي
وأربعة وعشرون ألف نبي، ومائة ألف وصي وأربعة وعشرون ألف وصي (1)، لكل
نبي منهم وصي أوصى إليه بأمر الله تعالى.
ونعتقد فيهم أنهم جاءوا بالحق من عند الحق، وأن (2) قولهم قول الله تعالى،
وأمرهم أمر الله تعالى، وطاعتهم طاعة الله تعالى، ومعصيتهم معصية الله تعالى.
وأنهم - عليه السلام - لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه.
وأن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى (3) وهم أصحاب
الشرايع، وهم أولو العزم: نوح، إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله
عليهم أجمعين.
وأن محمدا سيدهم وأفضلهم، وأنه (4) جاء بالحق وصدق المرسلين. وأن
الذين كذبوا لذائقوا العذاب الأليم (5)، وأن الذين (آمنوا به وعزروه ونصروه
(1)...
(2) في م، ق: فإن.
(3) في م: دار الوحي. وراجع الكافي 1: 133 باب طبقات الأنبياء والرسل ح 3.
(4) أثبتناها من م، ج.
(5) إشارة إلى الآيتين 37، 38 من سورة الصافات.
92
(35)
واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك المفلحون) (1) الفائزون.
ويجب أن نعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمد والأئمة، وأنهم
أحب الخلق إلى الله، وأكرمهم عليه (2)، وأولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثاق النبيين
(وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) (3).
وأن الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأنبياء في الذر.
وأن الله تعالى أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا، وسبقه إلى
الاقرار به.
وأن (4) الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته (5) - عليهم السلام - وأنه
لولاهم لما خلق الله السماء والأرض، ولا الجنة ولا النار، ولا آدم ولا حواء، ولا
الملائكة ولا شيئا مما خلق (6)، صلوات الله عليهم أجمعين.
واعتقادنا أن حجج الله تعالى على خلقه بعد نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم الأئمة الاثنا
عشر: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن
الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن
موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن
الحسن الحجة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أره، صلوات الله عليهم
(1) الأعراف 7: 157.
(2) ليست في م، ج.
(3) الأعراف 7: 172.
(4) في م: فإن، وفي ر: ونعتقد أن.
(5) في س: نبيه.
(6) العبارة في م: ولا الملائكة ولا الأشياء.
93
أجمعين (1).
واعتقادنا فيهم:
أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم.
وأنهم الشهداء على الناس.
وأنهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه.
وأنهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه (2) وأركان توحيده.
وأنهم معصومون من الخطأ والزلل.
وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وأن لهم المعجزات والدلائل.
وأنهم أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء.
وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة.
وأنهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ونعتقد فيهم أن حبهم إيمان، وبغضهم كفر.
وأن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهي الله تعالى، وطاعتهم طاعة الله تعالى،
ووليهم ولي الله تعالى، وعدوهم عدو الله تعالى، ومعصيتهم معصية الله تعالى.
ونعتقد أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور.
(1) اختصرت الفقرة في م كما يلي: ثم الحسين، إلى صاحب الزمان - عليهم السلام - وزيد فيها وهم
خلفاء الله في أرضه. وفي ر: ثم محمد بن الحسن الخلف الحجة القائم بأمر الله صاحب الزمان
الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار، خليفة الله...
(2) وتراجمة وحيه، ليست في ق، س.
94
ونعتقد أن حجة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا، هو القائم
المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأنه هو الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل باسمه ونسبه.
وأنه هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما.
وأنه هو الذي يظهر الله به دينه، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وأنه هو الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، حتى لا يبقى في
الأرض مكان إلا نودي فيه بالأذان، ويكون الدين كله لله تعالى.
وأنه هو المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه (1) إذا خرج نزل عيسى بن مريم - عليه السلام - فصلى خلفه، ويكون المصلي (2) إذا صلى خلفه كمن كان (3)
مصليا خلف رسول الله، لأنه خليفته.
ونعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي
في (4) غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة - عليهم السلام - دلوا
عليه باسمه نسبه، وبه نصوا، وبه بشروا (5) صلوات الله عليه.
وقد أخرجت هذا الفصل من (6) كتاب الهداية (7).
(1) في م: وأنه.
(2) ليست في ق، س.
(3) كمن كان، ليست في م.
(4) أثبتناها من ر.
(5) في م الفقرة كما يلي: وباسمه ونسبه نصوا به وبشروا.
(6) في ر، س: في.
(7) الهداية: 7.
95
(36)
(باب الاعتقاد في العصمة)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة
والملائكة صلوات الله عليهم أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا
يذنبون ذنبا، لا صغيرا ولا كبيرا، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم (1).
واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام (2) والعلم من أوائل أمورهم
إلى أواخرها، لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان (3) ولا جهل.
(1) في ج، ر زيادة: ومن جهلهم فهو كافر.
(2) ليست في م.
(3) أثبتناها من ج، ر.
96
(37)
(باب الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم
كفار بالله تعالى، وأنهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية (1)
ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة، وأنه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم
شئ.
وقال الله تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول
للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب
وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر
بعد إذ أنتم مسلمون) (2).
وقال الله تعالى: (لا تغلوا في دينكم) (3).
واعتقادنا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سم في غزوة خيبر (4)، فما زالت هذه الأكلة تعاده
حتى قطعت أبهره (5) فمات منها.
(1) في ق: والحروبية. وفي ر زيادة الحربية / الحروبية والنورية.
(2) آل عمران 3: 79. 80
(3) النساء 4: 171.
(4) في س: حنين.
(5) الأبهر: عرق في الظهر، وقيل في القلب إذا انقطع مات.
97
وأمير المؤمنين - عليه السلام - قتله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله، ودفن بالغري.
والحسن بن علي - عليهما السلام - سمته امرأته جعدة بنت الأشعث الكندي،
مات في ذلك.
والحسين بن علي - عليهما السلام - قتل بكربلاء، وقاتله سنان بن أنس لعنه
الله (1).
وعلي بن الحسين سيد العابدين - عليه السلام - سمه الوليد بن عبد الملك فقتله.
والباقر محمد بن علي - عليهما السلام - سمه إبراهيم بن وليد فقتله.
والصادق - عليه السلام - سمه المنصور فقتله (2).
وموسى بن جعفر - عليهما السلام - سمه هارون الرشيد فقتله.
والرضا علي بن موسى - عليهما السلام - قتله المأمون بالسم.
وأبو جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - قتله المعتصم بالسم.
وعلي بن محمد - عليه السلام - قتله المعتضد (3) بالسم.
(1) في م: قتله بكربلاء سنان لعنه الله.
(2) في م: والصادق - عليه السلام - قتله المنصور بالسم.
(3) أثبتناها من م، وفي النسخ: المتوكل. والظاهر أن أغلب المصادر التاريخية تثبت أن وفاته - عليه
السلام - كانت سنة 254 وهو يوافق ملك المعتز، بل صرح بعضهم أنه - عليه السلام - توفي في أيامه
بينما بويع المعتضد سنة 279 وهلك سنة 289. راجع تاريخ اليعقوبي 2: 503، الكامل لابن
الأثير 7: 189، أعلام الورى: 355 كشف الغمة 2: 375.
ويحتمل أن تكون تصحيف المعتمد، لقرب عهد الإمام بملكه، ولأن هناك قولا بذلك قد
نسب إلى الصدوق بالذات، راجع المناقب لابن شهرآشوب 4: 401.
98
والحسن بن علي العسكري - عليه السلام - قتله المعتمد (1) بالسم.
واعتقادنا في ذلك أنه جرى عليهم على الحقيقة، وأنه ما شبه للناس أمرهم
كما يزعمه من يتجاوز الحد فيهم (2)، بل شاهدوا قتلهم على الحقيقة والصحة، لا
على الحسبان والخيلولة، ولا على الشك والشبهة. فمن زعم أنهم شبهوا، أو واحد
منهم، فليس من ديننا على شئ، ونحن منه برآء.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة - عليهم السلام - أنهم مقتولون، فمن قال إنهم لم
يقتلوا فقد كذبهم، ومن كذبهم كذب الله وكفر به وخرج من الاسلام، (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (3).
وكان الرضا - عليه السلام - يقول في دعائه:
(اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة، فلا حول ولا قوة إلا بك (4).
اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق.
اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا.
اللهم لك الخلق (5) ومنك الأمر، وإياك نعبد وإياك نستعين.
اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين.
اللهم لا تليق الربوبية إلا بك، ولا تصلح الإلهية إلا لك، فالعن النصارى
الذين صغروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريتك.
(1) في م: المتوكل.
(2) في ر، ج زيادة: من الناس.
(3) آل عمران 3: 85.
(4) صدر الدعاء أثبتناه من ر، ج، وبحار الأنوار 25: 343.
(5) ر: الحمد، وفي هامشها: الخلق.
99
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا
حياة ولا نشورا.
اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق
وعلينا الرزق فنحن إليك (1) منه براء كبراءة عيسى - عليه السلام - من النصارى.
اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما
يزعمون (2).
(رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا
عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) (3).
وروي عن زرارة أنه قال، قلت للصادق - عليه السلام -: (إن رجلا من ولد عبد
الله بن سبأ يقول بالتفويض.
قال - عليه السلام -: (وما التفويض)؟ قلت: يقول: إن الله عز وجل خلق
محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعليا - عليه السلام - ثم فوض الأمر (4) إليهما، فخلقا، ورزقا، وأحييا، وأماتا.
فقال: (كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرعد
(أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ
وهو الواحد القاهر) (5). فانصرفت إلى رجل فأخبرته بما قال الصادق - عليه السلام - (6)
فكأنما ألقمته حجرا، أو قال: فكأنما خرس.
(1) أثبتناها من ق، ج.
(2) (واغفر لنا ما يزعمون)
أثبتناها من ر، ج وفي بحار الأنوار 25: 343: (واغفر لنا ما يدعون).
(3) نوح 71: 26، 27.
(4) أثبتناها من م، ج.
(5) الرعد 13: 16.
(6) بما قال الصادق - عليه السلام -، ليست في ق، س.
100
وقد فوض الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أمر دينه، فقال: (وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1) وقد فوض ذلك إلى الأئمة - عليهم السلام -.
وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم (2) مشايخ قم وعلماءهم إلى
القول بالتقصير.
وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلي (3) بالعبادة مع تدينهم (4) بترك
الصلاة وجميع الفرائض، ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى، ودعوى اتباع
الجن (5) لهم، وأن الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياء
- عليهم السلام -.
ومن علاماتهم أيضا دعوى علم الكيمياء ولا يعلمون منه (6) إلا الدغل
وتنفيق الشبه والرصاص على المسلمين (7).
(1) الحشر 59: 7.
(2) في جميع النسخ زيادة: إلى، وهي في غير محلها.
(3) في بعض النسخ: التحلي.
(4) أثبتناها من ج، وفي النسخ: دينهم.
(5) في بعض النسخ: (ودعوى انطباع الحق) مكان (ودعوى اتباع الجن).
(6) في ر زيادة: شيئا.
(7) راجع البحار 25 / 342.
101
(38)
(باب الاعتقاد في الظالمين)
قال الشيخ - رحمه الله -: اعتقادنا فيهم أنهم ملعونون، والبراءة منهم واجبة.
قال الله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) (1).
وقال الله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذا أولئك يعرضون على
ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين *
الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون) (2).
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إن سبيل الله في هذا الموضع
علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
والأئمة في كتاب الله تعالى إمامان (3): إمام هدى (4)، وإمام ضلالة.
قال الله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) (5).
وقال الله تعالى: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون *
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) (6).
(1) البقرة 2: 270.
(2) هود 11: 18 - 19.
(3) العبارة في م، ج: علي بن أبي طالب - عليه السلام - والأئمة، وفي كتاب الله تعالى إمامان.
(4) أثبتناها من ج، وهامش ر، وبحار الأنوار 27: 60، وفي النسخ: عدل.
(5) الأنبياء 21: 73.
(6) القصص 28: 41، 42.
102
ولما نزلت هذه الآية (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (1).
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة
الأنبياء قبلي).
ومن تولى ظالما فهو ظالم.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن
استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) (2).
وقال تعالى: (ومن يتولهم منكن فإنه منهم
إن الله لا يهدي القوم
الظالمين) (3).
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا
من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) (4).
وقال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله
ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في
قلوبهم الإيمان) (5).
وقال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (6).
والظلم وضع الشئ في غير موضعه، فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو
ظالم ملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون.
(1) الأنفال 8: 25.
(2) التوبة 9: 23.
(3) المائدة 5: 51.
(4) الممتحنة 60: 13.
(5) المجادلة 58: 22.
(6) هود 11: 113.
103
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسله: (من جحد عليا إمامته بعدي فقد جحد نبوتي، ومن جحد
نبوتي فقد جحد الله ربوبيته) (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي - عليه السلام -: (يا علي، أنت المظلوم بعدي، من ظلمك فقد
ظلمني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن جحدك فقد جحدني، ومن والاك فقد
والاني، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد
عصاني).
واعتقدنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من
بعده - عليهم السلام - أنه بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء (2).
واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين (3) وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه
بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (4).
وقال الصادق - عليه السلام -: (المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا) (5).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، من أنكر
واحدا منهم فقد أنكرني) (6).
وقال الصادق - عليه السلام -: (من شك في كفر أعدائنا الظالمين لنا فهو كافر).
(1) نحوه رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 372 باب معنى وفاء العباد ح 1.
(2) العبارة في م: من جحد جميع الأنبياء، وفي س: من جحد نبوة الأنبياء. وفي م زيادة، وأنكر
نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) في م، ق زيادة: وجحد.
(4) العبارة في م: إنه بمنزلة من أنكر بجميع (كذا) الأنبياء.
(5) الهداية: 7.
(6) كمال الدين 1: 258 ح 3.
104
وقال أمير المؤمنين - عليه السلام -: (ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي، حتى إن
عقيلا كان يصيبه الرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا عليا، فيذروني وما بي رمد).
واعتقادنا فيمن قاتل عليا - عليه السلام - قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من قاتل عليا فقد
قاتلني، ومن حارب عليا فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام -: (أنا حرب لمن
حاربكم وسلم لمن سالمكم) (1).
وأما فاطمة صلوات الله عليها فاعتقادنا فيها أنها سيدة نساء العالمين من
الأولين والأخيرين، وأن الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها (2)، وأنها خرجت من
الدنيا ساخطة على ظالميها وغاصبيها ومانعي إرثها (3).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن غاظها
فقد غاظني (4)، ومن سرها فقد سرني) (5).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن فاطمة بضعة مني، وهي روحي التي بين جنبي،
يسوؤني ما ساءها، ويسرني ما سرها) (6).
واعتقادنا في البراءة أنها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة (7)
(1) رواه مسندا المصنف في عيون أخبار الرضا - عليه السلام - 2: 59 ح 223، والطوسي في أماليه
1: 345.
(2) في م، ر: زيادة: (وإن الله فطمها وفطم من أحبها من النار).
(3) العبارة في م، ر، ج: ومن نفى إرثها من أبيها.
(4) في ر زيادة: ومن عصاها فقد عصاني.
(5)، (6) راجع: أمالي الصدوق: 393، معاني الأخبار: 302 عيون أخبار الرضا - عليه السلام -
2: 26، أمالي الطوسي 2: 41.
(7) العبارة في م، ر: الأوثان الأربعة: يغوث ويعوق ونسر وهبل، والأنداد الأربعة (وفي البحار 7:
603 والإناث الأربع) اللات والعزى ومناة والشعرى، وممن عبدهم.
105
ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله.
ولا يتم الاقرار بالله وبرسوله (1) وبالأئمة إلا بالبراءة من أعدائهم.
واعتقادنا في قتلة (2) الأنبياء وقتلة الأئمة أنهم كفار مشركون مخلدون في
أسفل درك من النار.
ومن اعتقد فيهم غير ما ذكرناه فليس عندنا من دين الله في شئ (3).
(1) في ق، س: وبرسله.
(2) في م: قاتل، وكذا التي بعدها.
(3) في ق، ر زيادة: والله أعلم.
106
(39)
(باب الاعتقاد في التقية)
قال الشيخ - رحمه الله -: اعتقادنا في التقية أنها واجبة، من تركها كان بمنزلة
من ترك الصلاة (1).
وقيل للصادق - عليه السلام -: يا ابن رسول الله، إنا نرى في المسجد رجلا يعلن
بسب أعدائكم ويسميهم. فقال: (ما له - لعنه الله - يعرض بنا).
وقال الله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير
علم) (2).
قال الصادق - عليه السلام - في تفسير هذه الآية: (لا تسبوهم فإنهم (3) يسبون
عليكم) (4).
وقال - عليه السلام -: (من سب ولي الله فقد سب الله).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (من سبك - يا علي - فقد سبني، ومن سبني فقد
(1) العبارة في م: كان كمن ترك الصلاة.
(2) الأنعام 6: 108.
(3) أثبتناها من ر، وهامش م. وفي بعض النسخ: فلانهم فيسبوا عليكم.
(4) في م زيادة: فلما نزلت الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تسبوا عليا، فإن ذاته ممسوس
بذات الله).
107
سب الله تعالى (1).
والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم - عليه السلام -، فمن تركها قبل
خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية (2) وخالف الله ورسوله والأئمة.
وسئل الصادق عن قول الله عز وجل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) قال:
(أعلمكم بالتقية) (3).
وقد أطلق الله تبارك وتعالى إظهار موالاة الكافرين في حال التقية.
وقال تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل
ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) (4).
وقال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم
أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين
قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن
يتولهم فأولئك هم الظالمون) (5).
وقال الصادق - عليه السلام -: (إني لأسمع الرجل في المسجد وهو يشتمني،
فأستتر منه بالسارية كي لا يراني) (6).
(1) راجع عيون أخبار الرضا - عليه السلام - 2: 67 ح 308، أمالي الصدوق: 87 ح 2. وفي م زيادة
ومن سب الله كبه الله على منخريه يوم القيامة.
(2) في ق، ر: الأئمة.
(3) رواه مسندا الطوسي في أماليه 2: 273. والآية الكريمة في سروة الحجرات 49: 13. وفي ق، ر:
(أعلمكم).
(4) آل عمران 3: 28.
(5) الممتحنة 60: 8 - 9.
(6) رواه مسندا البرقي في المحاسن: 260 كتاب مصابيح الظلم ح، 314.
108
وقال - عليه السلام -: (خالطوا الناس بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية، ما دامت
الإمرة صبيانية) (1).
وقال - عليه السلام -: (الرياء مع المؤمن شرك، ومع المنافق في داره عبادة) (2).
قال علي - عليه السلام -: (من صلى معهم في الصف الأول، فكأنما صلى مع
رسول الله في الصف الأول) (3).
وقال - عليه السلام -: (عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وصلوا في
مساجدهم) (4).
وقال - عليه السلام -: (كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا) (5).
وقال - عليه السلام -: (رحم الله عبدا حببنا إلى الناس، ولم يبغضنا إليهم) (6).
وذكر القصاصون عند الصادق، فقال - عليه السلام -: (لعنهم الله يشنعون
علينا).
وسئل - عليه السلام - عن القصاص، أيحل الاستماع لهم؟ فقال: (لا).
وقال - عليه السلام -: (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله
فقد عبد الله
وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس) (7).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قول عز وجل: (الشعراء يتبعهم الغاوون) (8) قال:
(1) رواه مسندا الكليني في الكافي 2: 175 باب التقية ح 20.
(2) الهداية: 10.
(3) الفقيه 1: 250 باب الجماعة وفضلها ح 1126.
(4) - (6) راجع: الكافي 2: 174 ح 1، أمالي الطوسي 2: 55، فضائل الشيعة: 102 ح 39.
(7) رواه مسندا المصنف في عيون أخبار الرضا 1: 304 ح 63، الكليني في الكافي 6: 434 ح 24.
(8) الشعراء 26: 224.
109
(هم القصاص).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أتى ذا بدعة فوقره فقد سعى في هدم الاسلام) (1).
واعتقادنا فيمن خالفنا في شئ (2) من أمور الدين كاعتقادنا فيمن خالفنا
في جميع أمور الدين.
(40)
(باب الاعتقاد في آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في آباء النبي (4) أنهم مسلمون من آدم
إلى أبيه عبد الله، وأن أبا طالب كان مسلما، وأمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لن آدم).
وروي أن عبد المطلب كان حجة وأبا طالب كان وصيه (5).
(1) الفقيه 3: 375 باب معرفة الكبائر ح 1771.
(2) في ر، ح زيادة: واحد.
(3) (4) في ر زيادة: وعلي - عليه السلام.
(5) ق، س: وروي أن عبد المطلب كانت حجة أبا طالب ووصيه، وفي ر: إن عبد الله كانت
حجة... وما أثبتناه من ج وبحار الأنوار 15: 117.
110
(41) (باب الاعتقاد في العلوية)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في العلوية أنهم (1) آل رسول الله، وأن
مودتهم واجبة، لأنها أجر النبوة (2).
قال عز وجل: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (3).
والصدقة عليهم محرمة، لأنها أوساخ (4) أيدي الناس وطهارة لهم، إلا
صدقتهم لإمائهم وعبيدهم، وصدقة بعضهم على بعض.
وأما الزكاة فإنها تحل لهم اليوم (5) عوضا عن الخمس، لأنهم قد منعوا منه.
واعتقادنا في المسئ منهم أن عليه ضعف العقاب، وفي المحسن منهم أن له
ضعف الثواب.
وبعضهم أكفاء بعض، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نظر إلى بنين وبنات علي
وجعفر ابني (أبي) طالب: (بناتنا كبنينا، وبنونا كبناتنا) (6).
وقال الصادق - عليه السلام -: (من خالف دين الله، وتولى أعداء الله، أو عادى
أولياء الله، فالبراءة منه واجبة، كائنا من كان، من أي قبيلة كان).
(1) في ر زيادة: من.
(2) في ح: الرسالة.
(3) الشورى 42: 23.
(4) في ر، ج زيادة: ما في.
(5) أثبتناها من ر.
(6) رواه مرسلا المصنف في الفقيه 3: 249 باب الأكفاء ح 1184. وفي بعض النسخ: بناتنا لبنينا
وبنونا لبناتنا.
111
وقال أمير المؤمنين - عليه السلام - لابنه محمد بن الحنفية: (تواضعك في شرفك
أشرف لك من شرف آبائك).
وقال الصادق - عليه السلام -: (ولايتي لأمير المؤمنين - عليه السلام - أحب إلي من
ولادتي منه).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن آل محمد، فقال: (آل محمد من حرم على
رسول الله نكاحه) (1).
وقال الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة
والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) (2).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قول الله عز وجل: (ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن
الله) فقال: (الظالم لنفسه منا من لا يعرف حق الإمام، والمقتصد العارف بحق
الإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام) (3).
وسأل إسماعيل أباه الصادق - عليه السلام -، فقال: ما حال المذنبين منا؟
فقال - عليه السلام -: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز
به) (4).
وقال أبو جعفر الباقر - عليه السلام - في حديث طويل: (ليس بين الله وبين
أحد قرابة، أحب الخلق إلى الله أتقاهم له وأعملهم بطاعته. والله ما يتقرب إلى الله
عز وجل ثناؤه إلا بالطاعة، ما معناه براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة. من
(1) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 93 باب معنى الآل ح 1.
(2) الحديد 57: 26.
(3) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 104 باب معنى الظالم لنفسه ح 2. والآية الكريمة في
سورة فاطر 35: 32.
(4) رواه مسندا المصنف في عيون أخبار الرضا - عليه السلام - 2: 234 ح 5. والآية الكريمة في سورة
النساء 4: 123.
112
كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو. لا تنال ولايتنا إلا
بالورع والعمل) (1).
وقال نوح - عليه السلام -: (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم
الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس
لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إني أعوذ بك أن أسئلك ما
ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) (2).
وسئل الصادق - عليه السلام - عن قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا
على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) قال: (من زعم أنه
إمام وليس بإمام) قيل: وإن كان علويا فاطميا؟ قال: (وإن كان علويا
فاطميا) (3).
وقال الصادق - عليه السلام -: (ليس بينكم وبين من خالفكم إلا المطمر). قيل:
فأي شئ المطمر؟ قال: الذي تسمونه التر، فمن خالفكم وجازه فابرؤوا منه وإن
كان علويا فاطميا) (4).
وقال الصادق - عليه السلام - لأصحابه (5) في ابنه عبد الله: (إنه ليس على شئ
مما أنتم عليه، وإني أبرأ منه، برئ الله منه).
(1) رواه مسندا المصنف في أماليه: 499 المجلس الحادي والتسعين ح 3، والكليني في الكافي 2: 60
باب الطاعة والتقوى ح 3.
(2) هود 11: 45 - 47.
(3) رواه مسندا المصنف في ثواب الأعمال: 254 باب عقاب من ادعى الإمامة ح 1. والآية الكريمة
في سورة الزمر 39: 60.
(4) رواه مسندا المصنف في معاني الأخبار: 212. وفي النسخ كافة: (المضمر) بدل (المطمر)، و
(البراءة) بدل (التر) وهو تصحيف بين. والمطمر - بكسر الميم الأولى وفتح الثانية - الخيط الذي
يقوم عليه البناء، ويسمى التر أيضا. مجمع البحرين 3: 377، النهاية لابن الأثير 3: 138.
(5) أثبتناها من ر، ج.
113
(42)
(باب الاعتقاد في الأخبار المفسرة والمجملة)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الحديث المفسر أنه يحكم على
المجمل، كما قال الصادق - عليه السلام -.
(43)
(باب الاعتقاد في الحظر والإباحة)
قال الشيخ - رضي الله عنه -: اعتقادنا في ذلك أن الأشياء كلها مطلقة حتى
يرد في شئ منها نهي.
114
(44)
(باب الاعتقاد في الأخبار الواردة في الطب)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الأخبار الواردة في
الطب أنها على وجوه:
منها: ما قيل على هواء مكة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.
ومنها: ما أخبر به العالم - عليه السلام - على ما عرف من طبع الرسائل ولم يتعد
موضعه، إذ كان أعرف بطبعه منه.
ومنها: ما دلسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.
ومنها: ما وقع فيه سهو من ناقله (1).
ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه.
وما روي في العسل أنه شفاء من كل داء (2) فهو صحيح، ومعناه أنه شفاء
من كل داء بارد.
وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير (3) فإن ذلك إذا كان
(1) العبارة بأكملها ليست في م، ق، س، وأثبتناها من ج وبحار الأنوار 62: 64، وقد تقرأ في ر - إ ذ
كتبت في الهامش -: ما وقع وهم فيه وسهو من ناقله.
(2) رواه مسندا المصنف في الخصال 2: 623 باب حديث الأربعمائة ح 10.
(3) المصدر السابق ص 612.
115
بواسيره من حرارة.
وما روي في الباذنجان من الشفاء (1) فإنه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل
الرطب، دون غيره من سائر الأوقات (2).
وأما أدوية العلل الصحيحة عن الأئمة - عليهم السلام - فهي آيات القرآن وسوره
والأدعية على حسب ما وردت به الآثار (3) بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة.
وقال الصادق - عليه السلام -: (كان فيما مضى يسمى الطبيب: المعالج، فقال
موسى - عليه السلام -: يا رب، ممن الداء؟ فقال: مني يا موسى. قال: يا رب، فممن
الدواء؟ فقال: مني. قال: فما يصنع الناس بالمعالج؟ فقال: يطيب أنفسهم
بذلك، فسمي الطبيب لذلك (4).
وأصل الطب التداوي.
وكان داود - عليه السلام - تنبت في محرابه في كل يوم حشيشة، فتقول: خذني فإني
أصلح لكذا وكذا، فرأى آخر عمره حشيشة نبتت في محرابه، فقال لها: ما اسمك،
فقالت: أنا الخروبية (5) فقال دواد - عليه السلام -: خرب المحراب، فلم ينبت فيه شئ
بعد ذلك).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم تشفه (الحمد لله) فلا شفاه الله تعالى) (6).
(1) المحاسن: 525 باب الباذنجان ح 755.
(2) في س: الآفات.
(3) في هامش ر: الأخبار.
(4) رواه مسندا المصنف في علل الشرائع: 525 ح 1، والكليني في الكافي 8: 88 ح 52. وفي ق، ر:
فسمي الطبيب طبيبا لذلك.
(5) في بعض النسخ: الخرنوبة.
(6) نحوه رواه مسندا الكليني في الكافي 2: 458 باب فضل القرآن ح 22.
116
(45) (باب الاعتقاد في الحديثين المختلفين)
قال الشيخ أبو جعفر - رضي الله عنه -: اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن
الأئمة - عليهم السلام - أنها موافقة لكتاب الله تبارك وتعالى، متفقة المعاني غير مختلفة،
لأنها مأخوذة من طريق (1) الوحي عن الله تعالى، ولو كانت من عند غير الله تعالى
لكانت مختلفة. ولا يكون اختلاف ظواهر الأخبار إلا لعلل مختلفة.
مثل ما جاء في كافرة الظهار عتق رقبة.
وجاء في خبر آخر صيام شهرين متتابعين.
وجاء في خبر آخر إطعام ستين مسكينا.
وكلها صحيحة، فالصيام لمن لم يجد العتق، والاطعام لمن لم يستطع
الصيام.
وقد روي (2) أنه يتصدق بما يطيق، وذلك محمول على من لم يقدر على
الاطعام.
ومنها ما يقوم كل واحد منها مقام الآخر، مثل ما جاء في كفارة اليمين
(1) في ق زيادة غير.
(2) في هامش ر: قيل.
117
(إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (1) فإذا ورد في كفارة اليمين ثلاثة أخبار أحدها
بالإطعام وثانيها بالكسوة، وثالثها بتحرير رقبة (2) كان ذلك عند الجهال مختلفا،
وليس بمختلف، بل كل واحد من هذه الكفارات تقوم مقام الأخرى.
وفي الأخبار ما ورد للتقية.
وروي عن سليم بن قيس الهلالي أنه قال: قلت لأمير المؤمنين - عليه السلام -:
إني سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الأحاديث
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن، ومن الأحاديث عن النبي أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على
رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟.
قال: فقال علي - عليه السلام -: (قد سألت فافهم الجواب: إن ما في أيدي
الناس: حق وباطل، وصدق وكذب، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم
ومتشابه، وحفظ ووهم.
وقد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس،
قد كثرت الكذابة علي (3) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ثم
كذب عليه من بعد.
وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالاسلام، لا يتأثم ولا يتحرج (4)
(1) المائدة 5: 89.
(2) العبارة: فإذا ورد... بتحرير رقبة، ليست في ق، س.
(3) العبارة في م: (قد كثر الكذب علي).
(4) العبارة في ق، س، ر: لم يأثم ولم / لا يخرج / يجزع.
118
أن يكذب على رسول الله متعمدا. فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه
ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا صحب (1) رسول الله ورآه وسمع منه، فأخذوا
عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما
وصفهم، فقال: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (2) ثم
تفرقوا بعده، فتقربوا (3) إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب
والبهتان، فولوهم الأعمال، وأكلوا بهم الدنيا، وحملوهم على رقاب الناس، وإنما
الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم (4) الله. فهذا أحد الأربعة.
ورجل آخر سمع من رسول الله (5) شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه، ولم
يتعمد كذبا، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول
الله (6). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئا أمر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو
سمعه ينهى عن شئ، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ
الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنه منسوخ
لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول الله، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما
لرسول الله، لم يسه (7) بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد ولم
(1) في م: صاحب.
(2) المنافقون 63: 4.
(3) أثبتناها من ج، وهامش م، وفي النسخ: فتفرقوا.
(4) في م، ر: عصمه.
(5) أثبتناها من ر، وفي النسخ: وسمع رجل آخر من رسول الله.
(6) في م: أنا سمعت رسول الله.
(7) في م: ينسه، وفي ر: يتشبه به، وفي هامشها: يشتبه به.
119
ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل القرآن (1)، ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم
ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان: كلام عام وكلام
خاص، مثل القرآن، قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا) (2) فاشتبه على من لم يعرف ما عني الله ورسوله، وليس كل أصحاب
رسول الله يسألونه ويستفهمونه، لأن فيهم قوما كانوا يسألونه ولا يستفهمونه، لأن
الله تعالى نهاهم عن السؤال، حيث يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء
إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله
غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) (3).
فامتنعوا من السؤال حتى إن كانوا يحبون أن يجئ الأعرابي والبدوي فيسأل
وهم يسمعون.
وكنت أدخل على رسول الله في كل ليلة دخلة، وأخلو به في كل يوم خلوة،
يجيبني عما أسأل، وأدور به حيثما دار، وقد علم أصحاب رسول الله أنه لم يكن
يصنع ذلك بأحد غيري، وربما كان ذلك في بيتي.
وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي (4) وأقام نساءه، فلم يبق
غيري وغيره، وإذا أتاني هو للخلوة وأقام من في بيتي لم يقم عنا فاطمة ولا أحد
ابناي (5).
(1) في م زيادة: كذلك.
(2) الحشر 59: 7.
(3) المائدة 5: 101، 102.
(4) في م، ر: أخلاني.
(5) في بعض النسخ: ولا أحدا من أبنائي.
120
وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت ونفدت مسائلي ابتدأني.
فما نزلت على رسول الله آية من القرآن، ولا شئ علمه الله تعالى من حلال
أو حرام، أو أمر أو نهي، أو طاعة أو معصية، أو شئ كان أو يكون، إلا وقد
علمنيه وأقرأنيه، وأملاه علي وكتبته بخطي، وأخبرني بتأويل ذلك وظهره
وبطنه، فحفظته ثم لم أنس منه حرفا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخبرني بذلك كله يضع يده على صدري، ثم يقول:
اللهم املأ قلبه علما، وفهما، ونورا، وحلما، وحكما (1) وإيمانا وعلمه ولا تجهله،
واحفظه ولا تنسه.
فقلت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هل تتخوف علي
النسيان؟.
فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله
تعالى أنه قد استجاب لي فيك (2) ولشركائك الذين يكونون بعدك.
قلت: يا رسول الله ومن شركائي؟
قال: الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وبطاعتي.
قلت: من هم يا رسول الله؟
قال: الذين قال الله تعالى فيهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) (3).
قلت: يا نبي الله، من هم؟
(1) أثبتناها من م، ر.
(2) في ق، ر: أجابني فيك.
(3) النساء 4: 59.
121
قال: هم الأوصياء بعدي (1)، ولا يتفرقون حتى يردوا علي الحوض، هادين
مهديين، لا يضرهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن، والقرآن
معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم تنتصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يدفع البلاء،
وبهم يستجاب لهم الدعاء.
قلت: يا رسول الله، سمهم لي.
قال: أنت يا علي، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا،
ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابنه سميك يا أخي سيد العابدين، ثم ابنه
يسمى محمدا، باقر علمي، وخازن وحي الله، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني
السلام، ثم (2) تكملة اثني عشر إماما من ولدك إلى مهدي أمة (3) محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي
يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت قبله ظلما وجورا.
والله إني لأعرفه - يا سليم - حيث يبايع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء
أنصاره وقبائلهم.
قال سليم بن قيس: ثم لقيت الحسن والحسين - عليهما السلام - بالمدينة بعد ما
ملك معاوية، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما، قالا: (صدق، قد حدثك أمير
المؤمنين بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظن ذلك عن رسول الله
كما حدثك، فلم يزد فيه حرفا ولم ينقص منه حرفا).
قال سليم بن قيس: ثم لقيت علي بن الحسين، وعنده ابنه محمد بن علي
(1) العبارة في م: قال (الأوصياء الذين هم الأصفياء الأوصياء بعدي).
(2) في ر، ج زيادة: (ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي،
ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي الزكي، ثم من اسمه اسمي، ولونه لوني، القائم بأمر الله في
آخر الزمان، مهدي أمة محمد جده، الذي يملأ...).
(3) تقرأ في م: اسمه، وفي ر: إنه.
122
الباقر أبو جعفر، فحدثته بما سمعت من أبيه وما سمعته من أمير المؤمنين، فقال
علي بن الحسين: (قد أقرأني أمير المؤمنين من رسول الله وهو مريض وأنا صبي، ثم
قال أبو جعفر: (وأقرأني جدي من رسول الله وأنا صبي).
قال أبان بن أبي عياش: فحدثت علي بن الحسين بهذا (1) كله عن سليم بن
قيس الهلالي، فقال: (صدق، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني محمد
وهو يختلف إلى كتاب، فقبله واقرأه السلام من رسول الله).
قال أبان بن أبي عياش: فحججت بعد موت علي بن الحسين، فلقيت أبا
جعفر محمد بن علي بن الحسين فحدثته بهذا الحديث كله عن سليم، فاغرورقت
عيناه وقال: (صدق سليم (2)، وقد أتى أبي بعد قتل جدي الحسين وأنا عنده،
فحدثه بهذا الحديث بعينه، فقال له أبي: صدقت والله - يا سليم - قد حدثني بهذا
الحديث أبي عن أمير المؤمنين) (3).
وفي كتاب الله ما يحسبه الجاهل مختلفا متناقضا وليس بمختلف ولا متناقض.
وذلك مثل قوله تعالى: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (4).
وقوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) (5).
ثم يقول بعد ذلك: (ما كان ربك نسيا) (6).
(1) أثبتناها من ج.
(2) في ق، س، ر، زيادة: رحمه الله.
(3) رواه سليم في كتابه: 61، والمصنف في الخصال إلى قوله - عليه السلام -: (واحفظه ولا تنسه) 1:
255 باب الأربعة ح 131.
(4) الأعراف 7: 51.
(5) التوبة 9: 67.
(6) مريم 19: 64.
123
ومثل قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له
الرحمن وقال صوابا) (1).
ومثل قوله تعالى: (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم
بعضا) (2).
وقوله تعالى: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) (3).
ثم يقول تعالى: (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) (4).
ويقول تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم
بما كانوا يكسبون) (5).
ومثل قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (6).
ثم يقول تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) (7).
وقال تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب) (8).
ثم يقول: (وكلم الله موسى تكليما) (9).
(1) النبأ 78: 38.
(2) العنكبوت 29: 25.
(3) ص 38: 64.
(4) ق 50: 28.
(5) يس 36: 65.
(6) القيامة 75: 22، 23.
(7) الأنعام 6: 103.
(8) الشورى 42: 51.
(9) النساء 4: 164.
124
وقال تعالى: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) (1).
وقال تعالى: (يا أيها النبي) (2) و (يا أيها الرسول) (3).
ومثل قوله: (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في كتاب مبين) (4).
ثم يقول تعالى: (ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم) (5).
ثم يقول: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (6).
ومثل قوله تعالى: (أمنتم من في السماء أن يخف بكم الأرض فإذا هي
تمور) (7).
وقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) (8).
وقوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو
سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) (10).
ويقول تعالى عز وجل: (وهو معكم أين ما كنتم) (11).
(1) الأعراف: 7: 22.
(2) الأنفال 8: 64، التوبة 9: 73.
(3) المائدة 5: 41، 67.
(4) سبأ 34: 3.
(5) آل عمران 3: 77.
(6) المطففين 83: 15.
(7) الملك: 67: 16.
(8) طه 20: 5.
(9) الأنعام 6: 3.
(10) المجادلة 58: 7.
(11) الحديد 57: 4.
125
ويقول عز وجل: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (1).
ويقول تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي
بعض آيات ربك) (2).
ومن قوله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) (3).
ثم يقول تعالى: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (5).
ويقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (6).
ومثله في القرآن كثير.
وقد سأل عنه رجل من الزنادقة أمير المؤمنين - عليه السلام - فأخبره بوجوه اتفاق
معاني هذه الآيات، وبين له تأويلها. وقد أخرجت الخبر في ذلك مسندا بشرحه في كتاب التوحيد (7).
وسأجرد كتابا في ذلك بمشيئة الله وعونه إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين،
حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ألا إلى الله تصير الأمور.
(1) ق 50: 16.
(2) الأنعام 6: 158.
(3) السجدة 32: 11.
(4) الأنعام 6: 61.
(5) النحل 16: 32.
(6) الزمر 39: 42.
(7) التوحيد: 255.
126