روي في بعض الكتب إن البهلول أتى إلى المسجد يوماً وأبو حنيفه يقرّر للناس علومه ، فقال في جمله كلامه : أن جعفر بن محمد (الصادق عليه السلام) تكلم في مسائل ، ما يعجبني كلامه فيها : الاُولى ، يقول : إن الله سبحانه موجود ، لكنه لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخره ، وهل يكون موجود لا يُرى ؟ ما هذه إلاّ تناقض. الثانيه ، إنّه قال : إنّ الشيطان يُعذب في النار مع أن الشيطان خُلق من النار ، فكيف يعذب الشيء بما خلق منه ؟ ! الثالثه ، إنه يقول : إن أفعال العباد مستنده إليهم مع أنّ الآيات داله على أنّه تعالى فاعل كلّ شيء ! فلما سمعه بهلول أخذ مداهً وضرب بها رأسه وشجه ، وصار الدم يسيل على وجهه ولحيته ، فبادر إلى الخليفه يشكو من بهلول !! فلما أحضر بهلول وسئل عن السبب ؟ قال للخليفه : إن هذا الرجل غلّط جعفر بن محمد عليهما السلام في ثلاث مسائل : الاُولى : إن أبا حنيفه يزعم أن الاَفعال كلّها لا فاعل لها إلاّ الله ، فهذه الشجه من الله تعالى ، وما تقصيري ؟ ! الثانيه : إنّه يقول : كلّ شيء موجود لا بدّ أن يُرى ؟! فهذا الوجع في رأسه موجود ، مع أنّه لا يُرى ؟ ! الثالثه : إنه مخلوق من التراب ، وهذه المداه من التراب ، وهو يقول : إن الجنس لا يُعذب بجنسه ، فكيف يتألم من هذه المداه ؟ فأعجب الخليفه كلامُه ، وتخلّص من شجه أبي حنيفه (2). ____________ (1) هو : أبو وهيب بهلول بن عمر الصيرفي الكوفي ، ولد بالكوفه وعن مجالس المؤمنين ، أن بهلولاً كان من أصحاب الاِمام الصادق عليه السلام وأنّه كان يستعمل التقيه ، وان الرشيد كان يسعى في قتل الاِمام الكاظم عليه السلام ، ويحتال في ذلك ، فأرسل إلى حمله الفتوى يستفتيهم في إباحه دمه متهماً أياه باراده الخروج عليه ، ومنهم البهلول ، فخاف من هذا واستشار الكاظم عليه السلام فأمره بإظهار الجنون ليسلم ، وفي روضات الجنات : ان الرشيد أراد منه ان يتولى القضاء ، فأبى ذلك ، وأراد أن يتخلص منه فاظهر الجنون ، فلما أصبح تجانن وركب قصبه ودخل السوق وكان يقول : طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي ، فقال الناس : جن بهلول ، فقال هارون : ما جنّ ولكن فر بدينه منا ، وبقي على ذلك إلى أن مات ، ويظهر من أخباره ومناظراته انّه كان من أهل الموالاه والتشيع لاَهل البيت عليه السلام عن بصيره نافذه ، وله كلمات حسنه ومواعظ بليغه وأشعار رائقه منها قوله : يـا مـن تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه شغلت نفسك فيما ليس تدركه * تقول لله مـاذا حين تلقاه وقال للرشيد يوماً : هب أنك قد ملكت الاَرض * ًودان لك العباد فكان ماذا يوماً ألست تـصير فـي قبر ويحث * وعليك ترابه هـذا وهذا قيل توفي سنه 190 هـ ، وقبره ببغداد. راجع ترجمته وأخباره في : أعيان الشيعه للاَمين : ج 3 ص 617 ـ 623 ، فوات الوفيات للكتبي: ج 1 ص 228 ترجمه رقم : 84 ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : ج 19 ص 91 ترجمه رقم : 60 ، الطبقات الكبرى للشعراني : ج 1 ص 68 رقم : 138 ، البدايه والنهايه : ج 10 ص 200 ، عقلاء المجانين للنيسابوري: ص100. (2) شجره طوبى للحائري : ج 1 ص 48 ـ 49 (المجلس العشرون) ، أعيان الشيعه للاَمين : ج 3 ص 618 ، عن مجالس المؤمنين.