من ضمن ما ذكره مندوب الايمان في محاورته مع السيد محمد تقي الحكيم عن طبيعه الحديث في الجلسه الختاميه للمؤتمر الاِسلامي ، هو : ما يتعلّق بموضوع فتح باب الاِجتهاد ، وما دار حوله من الاَخذ والردّ مع بعض العلماء هناك ، وإليك نصّ الحوار في ذلك : مندوب الاِيمان ، س ـ هل اطلعتم على مقررات المؤتمر قبل نشرها ، وما هو دوركم في المشاركه في صياغتها ؟ ج ـ نعم سمعتها في الجلسه الختاميه ، ولم يكن لي أي دور في المشاركه في وصفها أو إقرارها ، لعدم حضوري من بدايه المؤتمر ، وصياغتها إنما تعود إلى أعضاء المجمع بعد انتزاع أفكارها من مجموع ما ألقي في المؤتمر ، وبما أنّي لم أحضر كل ما دار في المؤتمر ، فلم أجد لنفسي أي مسوغ للدخول في حديثها نقضاً أو إبراماً . س ـ ما هي أهم هذه المقرّرات في نظركم ؟ ج ـ أهمها في اعتقادي الدعوه إلى فتح باب الاِجتهاد المطلق ، لما فيه من إعاده الثقه إلى نفوس العلماء وفسح المجال أمامهم ، لاِعمال تجاربهم في مجالات المعرفه ، بدلاً من الوقوف عند تجارب السالفين ، التي لم يعد الكثير منها ملائماً لما تقتضيه الحجه القائمه ولا لطبيعه الزمن . س ـ وباب الاِجتهاد ألم يكن مفتوحاً من قبل ؟ ج ـ المفتوح منه عند أرباب المذاهب الاَربعه هو خصوص الاِجتهاد المذهبي ، أي المقيد ضمن مذهب معين ، وفحواه حصر نطاق الاِجتهاد في أعلى مراتبه باستنباط الفروع الفقهيه ، دون النظر في الاَصول ، لاعتبارهم أن الاِجتهاد في أصول الفقه هو حق إمام المذهب ، وعليهم إن يقلدوه فيها ، ولكن الشيعه أخذوا بالاِجتهاد المطلق ، أي الاِجتهاد في الفروع والاَصول من قديم ، وظل بابه مفتوحاً عندهم إلى اليوم . س ـ وأئمّه أهل البيت عليهم السلام ألم يخططوا لشيعتهم أصولهم التي يستنبطون منها ، فلماذا اعتبر اجتهادهم مطلقاً واجتهاد غيرهم مقيداً ؟ ج ـ للجواب على هذا السؤال ـ وقد وجه إلينا نظيره هناك ـ فإن علينا أن نحدد وظيفه أئمّه أهل البيت عليهم السلام ، وهل نعطيهم صفه الاِجتهاد كغيرهم من أرباب المذاهب أو لا ، إن الذي قامت عليه الاَدلّه أن الاَئمّه ليسوا بمجتهدين ، وإنما هم مبلغون عن النبي صلى الله عليه وآله ، فما يخططونه من الاَصول فإنما هو من تخطيط الاِسلام نفسه . وإن شئت أن تقول أنّهم عليهم السلام من أصول التشريع الذي أنهى إلى حجيته اجتهاد العلماء ، لا أنهم مخططون للاَصول ، فحسابهم من حيث التبليغ حساب النبي صلى الله عليه وآله مع فارق الوحي فقط . س ـ كيف استقبل نبأ فتح باب الاِجتهاد بين العلماء في القاهره ؟ ج ـ الذين قدر لنا الاجتماع بهم من الاَعلام كانوا منقسمين على أنفسهم ، فمنهم من استقبله برحابه صدر ، ومنهم من لم نجد الترحيب الكافي لديه ، وكمثل على ذلك قمنا بزياره لمكتبه الاَزهر ، وكان في إداره مدير المكتبه بعض العلماء من الاَزهريين ، فاستكثر أحدهم فتح باب الاِجتهاد ، وحمل على دعاته حمله فيها الشيء الكثير من العنف ، وتجاوب معه جل الحاضرين . فالتفتُ إلى مدير المكتبه وهو فضيله الشيخ أبي الوفا المراغي ، وقلت له : كم يوجد في مكتبتكم هذه من الكتب ؟ قال : مائه وعشرون ألفاً . قلت : وكم كان منها في عهد أبي حنيفه مثلاً . قال : القليل نسبياً . قلت : ومفاهيم أبي حنيفه في المجالات التشريعيه هل وصلت إلينا ضمن ما وصل من كتب التشريع أو لا ؟ ثمّ المفاهيم التي جدت عليها من قبل تلامذته وغيرهم من أنداده من المجتهدين هل وصلت إلينا أيضاً ؟ قال : بلى . قلت : أمن المنطق ـ فيما ترون ـ أن نقول لشخص يملك من مصادر التشريع أضعاف ما يملكه السابقون ، ويملك كل ما يملكونه من تجارب ، بالاِضافه إلى ما جد عليها من تجارب العلماء في أكثر من عشره قرون ، إن هؤلاء من السابقين أعلم منك فلا يسوغ لك أن تفكر في مقابل ما يقولون ـ مع اتضاح جمله من المفارقات لديه ـ في نتائج ما انتهوا إليه ، وكيف يكون السابق أعلم مع ضاله تجاربه بالنسبه إلى لاحقيه ؟ ! قال أحدهم : والقصور فينا ماذا نصنع به . قلت : يا أخي ، وأين موضع القصور فينا أترى أن الله عزّ وجلّ جعل الطاقات المبدعه وقفاً على عصر دون عصر ، أليس في هذا النوع من التشكيك في إمكاناتنا قتل للمواهب التي أودعها الله في النفوس . قال : ألا ترى أن الاِشكال نفسه يرد عليكم في الاَخذ عن أئمّتكم : ، وهم ممّن عاشوا في تلكم القصور . قلت : إنّ الاِشكال وارد علينا لو قال أئمتنا أن ما نأتي به من أحكام فإنما هو من نتائج اجتهاداتنا ، أما وأنهم يصرحون بأنَّ قول أحدهم إنّما هو قول النبيصلى الله عليه وآله ، وهو قول جبرئيل عن الله(1)، وقامت الاَدلّه لدينا على صدق هذه الدعوى ، فإنَّ هذا الاِشكال فيما أرى لا موضع له ، نعم لو كنّا نتقيّد في نطاق اجتهادات العلماء السابقين أمثال الشيخ المفيد والطوسي لكان حسابنا نفس هذا الحساب(2). ____________ (1) راجع : بحار الاَنوار : ج 2 ص 178 ح 28 ، وقد تقدّم ذكر الحديث الشريف في مناظره السيّد محمد تقي الحكيم أيضاً في عصمه أهل البيت عليهم السلام ( في الهامش ) . (2) ثمرات النجف للسيد محمد تقي الحكيم : ج 3 ص 163 ـ 166 .