قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذهب الكرابيسي (1) ما رأيت أجسر من الشيعه فيما يدّعونه من المحال ، وذلك أنهم زعموا أن قول الله عز وجلّ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ) (2) نزلت في عليّ وفاطمه والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ (3) ، مع ما في ظاهر الايه أنّها نزلت في أزواج النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وذلك أنّك إذا تأمَّلت الايه من أوّلها إلى آخرها وجدتها منتظمه لذكر الازواج خاصّه ، ولن تجد لمن ادّعوها له ذكرا. قال الشيخ ـ أدام الله عزه ـ : أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدّهم إنكارا للحقّ وأجهلهم من قام مقامك في هذا الاحتجاج ، ودفع ما عليه الاجماع والاتّفاق ، وذلك أنّه لا خلاف بين الامّه أنّ الايه من القرآن قد تأتي وأوّلها في شيء وآخرها في غيره ، ووسطها في معنى وأوّلها في سواه ، وليس طريق الاتّفاق في المعنى إحاطه وصف الكلام في الائي ، فقد نقل الموافق والمخالف أنّ هذه الايه نزلت في بيت أمّ سلمه ـ رضي الله عنها ـ ، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في البيت ، ومعه عليُّ وفاطمه والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ وقد جلّلهم بعباء خيبريّه ، وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأنزل الله عزّ وجلّ عليه : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ) (4) فتلاها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.. فقالت أمّ سلمه ـ رضي الله عنها ـ : يا رسول الله ألست من أهل بيتك ؟ فقال لها : إنّك إلى خير ، ولم يقل لها : إنّك من أهل بيتي ، حتّى روى أصحاب الحديث أنّ عمر سئل عن هذه الايه ، قال : سلوا عنها عائشه ، فقالت عائشه : إنّها نزلت في بيت أختي أمّ سلمه فسلوها عنها فإنّها أعلم بها منّي ، فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبه وأصحاب الحديث من الشيعه في خصوصها فيمن عددناه ، وحمل القرآن في التأويل على ما جاء به الاثر أولى من حمله على الظنّ والترجيم ، مع أنّ الله سبحانه قد دلّ على صحّه ذلك بمتضمّن هذه الايه حيث يقول : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ) وإذهاب الرجس لا يكون إلاّ بالعصمه من الذنوب ، لانّ الذنوب من أرجس الرجس ، والخبر عن الاراده ههنا إنّما هو خبر عن وقوع الفعل خاصّه ، دون الاراده الّتي يكون بها لفظ الامر أمرا ، لاسيّما على ما أذهب إليه في وصف القديم بالاراده ، وأفرّق بين الخبر عن الاراده ههنا والخبر عن الاراده في قوله سبحانه : ( يريد الله ليبيّن لكم ) (5) وقوله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) (6) إذ لو جرت مجرى واحدا لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنى ، إذ الاراده الّتي يقتضي الخبر والبيان يعمّ الخلق كلّهم على وجهها في التفسير ومعناها ، فلمّا خصّ الله تبارك وتعالى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بإراده إذهاب الرجس عنهم دلّ على ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم ، وذلك موجب للعصمه على ما ذكرناه ، وفي الاتّفاق على ارتفاع العصمه عن الازواج دليل على بطلان مقال من زعم أنّها فيهنّ ، مع أنّ من عرف شيئا من اللّسان وأصله لم يرتكب هذا القول ولا توهّم صحّته ، وذلك أنّه لا خلاف بين أهل العربيّه أنّ جمع المذكّر بالميم ، وجمع المؤنّث بالنون ، وأنّ الفصل بينهما بهاتين العلامتين ، ولا يجوز في لغه القوم وضع علامه المؤنث على المذكّر ، ولا وضع علامه المذكّر على المؤنّث ، ولا استعملوا ذلك في الحقيقه ولا المجاز ، ولمّا وجدنا الله سبحانه قد بدأ في هذه الايه بخطاب النساء وأورد علامه جمعهنّ من النون في خطابهنّ فقال : ( يا نساء النبيّ لستنّ كأحد من النساء إن اتّقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض ) الى قوله : ( وأطعن الله ورسوله ) ثمّ عدل بالكلام عنهنّ بعد هذا الفصل إلى جمع المذكّر فقال : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ) (7) فلمّا جاء بالميم وأسقط النون علمنا أنّه لم يتوجّه هذا القول إلى المذكور الاوّل بما بيّنّاه من أصل العربيّه وحقيقتها ، ثمّ رجع بعد ذلك إلى الازواج فقال : ( واذكرن ما يتلى فى بيوتكنّ من آيات الله والحكمه إنّ الله كان لطيفا خبيرا ) (8) فدلّ بذلك على إفراد من ذكرناه من آل محمد ـ عليهم السلام ـ بما علّقه عليهم من حكم الطهاره الموجبه للعصمه وجليل الفضيله ، وليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدّعوا أنّه كان في الازواج مذكورا رجل غير النساء ، أو ذكر ليس برجل ، فيصحّ التعلّق منكم بتغليب المذكّر على المؤنث إذ كان في الجمع ذكر ، وإذا لم يمكن ادّعاء ذلك وبطل أن يتوجّه إلى الازواج فلا غير لهنّ توجّهت إليه إلاّ من ذكرناه ممّن جأ فيه الاثر على ما بيّنّاه (9). (1) هو : أبو علي الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي المتوفى 245 هـ او 248 هـ ، وكان من المتحاملين حتى على أحمد بن حنبل فضلاً عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فقد تكلم على امام الحنابله ويقول لما سمع قوله في القرآن : أيش نعمل بهذا الصبي ؟ ان قلنا القران مخلوق ، قال بدعه ، وان قلنا : غير مخلوق قال : بدعه ، وروى احاديث مكذوبه في أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، راجع : تاريخ بغداد للخطيب ج8 ص64 ، الغدير للاميني ج5 ص287. (2) سوره الاحزاب : الايه 33. (3) نزول آيه التطهير في فضل أصحاب الكساء في بيت أم سلمه مما اجمعت عليه الامه الاسلاميه ، وروي ذلك متواتراً عن أئمه أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وكثير من الصحابه وقد تقدم تخريج ذلك. (4) سوره الاحزاب : الايه 33. (5) سوره النساء : الايه 26. (6) سوره البقره : الايه 185. (7) سوره الاحزاب : الايه 32 و33. (8) سوره الاحزاب : الايه 34. (9) الفصول المختاره 29 ـ 31 ، بحار الانوار ج10 ص424 ح9.