قال الشيخ معتصم السوداني ـ في معرض كلامه عمّا جرى له مع بعض أولئك الذين ينالون من الشيعه ـ : وجرى حوار بيني وبين شيخهم ـ أحمد الاَمين ـ وطلبت منه العقلانيه وترك الاِستهتار والتهجم دون جدوى، وبعدما طفح الكيل وازداد تعنتهم وتعصبهم ذهبت إلى مسجدهم وصليتُ خلفه صلاه الظهر، وبعد الاِنتهاء من الصلاه سألته: هل تعرضتُ لك يوماً طوال هذه المده، التي تسب فيها الشيعه وتكفرهم بمكبرات الصوت؟! قال: لا. قلت: أو تدري ما السبب؟! قال: لا أدري. قلت: إن كلامك تهجم وجهل، وتعرّض لشخصيتي، فخفتُ أن أعترض عليك فيكون ذلك دفاعاً عن نفسي، وليس دفاعاً عن الحق، والآن أطلب منك مناظره علميه ومنهجيه أمام الجميع حتى ينكشف الحق. قال: لا مانع عندي. قلت: إذاً حدد محاور المناظره. قال: تحريف القرآن، وعداله الصحابه. قلت: حسناً، ولكن هناك أمران ضروريان لابد من مناقشتهما، وهما صفات الله، والنبوه في اعتقادكم ورواياتكم. قال: لا. قلت: ولِمَ؟ قال: أناأحدد المحاور، فإذا طلبتُ منك ـ أنا ـ المناظره، يكون الحق لك في تحديد المحاور. قلت: لا خلاف... متى موعدنا؟ قال: اليوم، بعد صلاه المغرب ـ ظناً منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب ـ فأظهرت موافقتي بكل سرور، وخرجت من المسجد. وبعد أداء صلاه المغرب، بدأت المناظره، فبدأ شيخهم ـ أحمد الاَمين ـ الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعه بالقول بتحريف القرآن ، وكان يمسك في يده كتاب (الخطوط العريضه لمحب الدين). وبعد الفراغ من حديثه، ابتدأت حديثي، وقمت بالرد على كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل، وبرأت الشيعهتماماً من القول بتحريف القرآن، وبعد ذلك، قلت له كما قيل : ترون التبنه في أعين غيركم ، ولا ترون الخشبه في أعينكم، فإن الروايات التي احتوتها كتب الحديث عند السنه ظاهره في اتهام القرآن الكريم بالتحريف، فنسبهالقول بالتحريف إلى السنه أقرب منها إلى الشيعه. وذكرت ما يقارب عشرين روايه مع ذكر المصدر ورقم الصفحه من صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد والاِتقان في علوم القرآن للسيوطي، مثال: أخرج الاِمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن اُبي بن كعب قال: كم تقرأون سوره الاَحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آيه،قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله مثل البقره أو أكثر منها ، وإن فيها آيه الرجم (1). وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب، قال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آيه الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آيه الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضه أنزلها الله... إلى أن يقول: ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (2) . وروى مسلم في صحيحه، قال: بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصره، فدخل عليه ثلاثمائه رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصره، وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الاَمر، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سوره كنا نشبهها في الطول والشده ببراءه فأنسيتها ، غير أني قد حفظت منها لوكان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، وكنا نقرأ سوره كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهاده في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامه ) (3). وفي أثناء ذكري لهذه الروايات، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيره والدهشه على وجهه، فماأن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول: أنا لم أسمع بذلك وأنا لم ارَ ذلك، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي. قلت: قبل قليل كنت تتهجم على الشيعه وتتهمهم بالتحريف،فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث، أحضرها حتى اُخرجَ لك هذه الروايات منها، وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر، وهو أن الشيعه تقول بالتقيه فكيف نصدق كلامهم؟! وهرج ومرج، حتى قام أحدهم وأذن لصلاه العشاء، وبعد الصلاه تواعدنا أن نكمل المناظره في الاَيام القادمه، على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله... ولما جاء الغد كنتُ جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلّم عليَّ بكل احترام وقال: إن هذه المباحث لا يفهمها العامه، فمن الاَفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد. قلت: أوافق، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعه، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعه.. (4) ____________ (1) من أراد الاطلاع الواسع على رأي الشيعه الاِماميه واعتقادهم بصيانه القرآن الكريم عن التحريف فليراجع : 1 ـ البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي قدس سره : ص 197 ـ 272. 2 ـ التحقيق في نفي التحريف للسيد علي الميلاني. 3 ـ سلامه القرآن من التحريف ، نشر وإصدار مؤسسه الاِمام عليّ عليه السلام وغيرها الكثير. (2) مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ص 132. (3) صحيح البخاري : ج 8 ص 209 ـ 210 (ك المحاربين ، ب رجم الحبلى إذا زنت). (1) صحيح مسلم : ج 2 ص 726 ح 119 (ك الزكاه ب 39). (4) الحقيقه الضائعه للشيخ معتصم السوداني : ص 26 ـ 29.