قال الحاكم أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامه الجشمي البيهقي (المتوفى سنه 494 هـ ) في معرض حديثه عن معاويه في كتابه (رساله إبليس) : وأنكرت المعتزله (1) ذلك أشد الاِنكار ، وقالوا : معاويه باغ ضال ، فمرّهضللوه لخروجه على إمام المسلمين ، وقتل عمّار بن ياسر سيّد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومرّه كفّروه بإلحاق زياد بأبيه مع نفي رسول الله صلى الله عليه وآله عنه إيّاه وادّعاء أبيه ، وقتل حجر بن عدي(2)صبراً ، وأمّرهُ حتى سمّ الحسن عليه السلام ، ثم تغلب على الدنيا فأظهر الظلم والعناد ومذاهب الاِلحاد ، وقال النبي صلى الله عليه وآله : معاويه في تابوت من نار(3)، وقال : إذا رأيتم معاويه على منبري فاقتلوه(4)، وقد لعنه أمير المؤمنين عليه السلام في قنوته(5) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله لعمّار : تقتلك الفئه الباغيه(6)فقتله معاويه(7). ثمّ جرى على طريقته السفيانيّه ، فقتل يزيد(8)ـ لعنه الله ـ حسيناً عليه السلام وشيعته وسبعه عشر من أهل بيته ، وسلّط على الناس أهل بيت زياد ، ومات سكران ، وتبعهما المروانيّه فأظهر الوليد الاِلحاد ، وقتل هشام زيد بن علي عليه السلام ، ومات مروان الحمار وهو زنديق ، وقد قال رسول اللهصلى الله عليه وآله : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودين الله دغلاً(9) وذكروا أن الشجره الملعونه في القرآن هم بنو مروان(10) وأن النبي صلى الله عليه وآله لعنهم . إلى أن قال : اجتمع يوماً في نادٍ ناس فجرى ذكر معاويه فمدحه بعض مشايخنا ، فقال : هو إمام من الاَئمه !! فقال معتزلي وقال : أتقول له وقد فعل وفعل ..... يعد معايبه ، ونحن ساكتون ، ثمّ أنشأ يقول : قالت : تحب معاويه ؟ قلت : اسكتي يا زانيه قالـت : أسأت جوابنا فأعــدت قولي ثانيه أحب مَنْ شتم الوصيّ أخا النبي علانــيه ؟ فعلـى يزيد لعــنه وعلى أبيه ثمانيه(11) ثمّ قال : قيل لاَعرابي أتحب معاويه ؟ قال : وجدت معه أربعه(12)إن قلت معها أتحبّه ؟ لتكفر !! قيل : وما هي ؟ قال : قاتل أبوه النبي صلى الله عليه وآله مراراً ، وقاتل هو وصيّه ، وقتل ابنه يزيد الحسين بن علي عليه السلام ، وأخرجت أمه هند كبد عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله حمزه ؟ فقال من حضر : لعن الله معاويه.(13) ____________ (1) راجع : أحوال معاويه وأراء العلماء فيه في شرح نهج البلاغه لابن الحديد : ج 5 ص 129 ـ 131 ، كتاب السبعه من السلف للفيروزآبادي : ص 183 ـ 223 . (2) هو : حجر بن عدي بن جبله الكندي ، صحابي جليل من شيعه أمير المؤمنين قتل مع اصحابه بأمر معاويه في مرج عذراء من قرى دمشق سنه 51 هـ ، روي عن أبي الاَسود قال : دخل معاويه على عائشه ، فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه ؟ فقال : يا اُمّ المؤمنين إني رأيت قتلهم صلاحاً للاُمّه وبقائهم فساداً للاُمّه ، فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء . (راجع : كنز العمال : ج 11 ص 126 ح 30887 وج 13 ص 586 ح 37509 ، دلائل النبوّه للبيهقي : ج 6 ص 457 ، كتاب السبعه من السلف : ص 220 ـ 221 . (3) تاريخ الاُمم والملوك للطبري : ج 10 ص 58 ـ 59 ، وفيه تكمله الحديث (في أسفل درك منها ينادي : يا حنان ، يا منان ، الاَن وقد عصيت قبلُ وكنت من المعاندين) ، وقعه صفين لنصر بن مزاحم : 217 ، الغدير للاميني : ج 10 ص 142 . (4) راجع : الغدير للاَميني : ج 10 ص 142 ـ 145 ، وقد تقدّم المزيد من تخريجاته . (5) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد : ج 2 ص 260 وج 4 ص 79 ، ينابيع الموده : ص162 ب 53 وفيه ، قال القندوزي : قال نصر بن مزاحم : فكان علي عليه السلام بعد التحكيم إذا صلّى الغداه والمغرب وفرغ من الصلاه وسلّم قال : اللهم العن معاويه ، وعمرو بن العاص ، وأبا موسى ، وحبيب بن مسلمه ، وعبد الرحمن بن خالد ، والضحاك بن قيس ، والوليد بن عقبه . عن وقعه صفين لابن مزاحم : ص 552 . (6) تقدمت تخريجاته . (7) روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : لمّا قتل عمّار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمّار تقتله الفئه الباغيه ، فدخل عمرو بن العاص على معاويه وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمّار ، فماذا ؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تقتله الفئه الباغيه ؟ فقال له معاويه : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنّما قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزه لمّا ألقاه بين رماح المشركين. راجع : الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 181 ـ 182 ، معاني الاَخبار : ج 1 ص 238 ، المستدرك للحاكم : ج 3 ص 376 ، بحار الاَنوار : ج 33 ص 7 ، وقعه صفين : ص 343. (8) جاء في كتاب المعتضد في شأن معاويه بن أبي سفيان وبني أُميه ، والذي أمر أن يُقرأ بعد صلاه الجمعه على المنبر : ومنه إيثاره بدين الله ، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير ، صاحب الدّيوك والفهود والقرود ، وأخذه البيعه له على خيار المسلمين بالقهر والسطوه والتوعيد والاِخافه والتهدد والرهبه ، وهو يعلم سفهه ويطّلع على خبثه ورهقه ، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره ـ إلى أن قال : ـ ثمّ من أغلظ ما انتهك ، وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ عليه السلام وابن فاطمه عليه السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل ، وشهاده رسول الله صلى الله عليه وآله له ولاَخيه بسياده شباب أهل الجنه ، اجتراءً على الله ، وكفراً بدينه ، وعداوه لرسوله ، ومجاهده لعترته ، واستهانه بحرمته ، فكأنما يَقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمه ، ولا يرقب منه سطوه ، فبتر الله عمره ، واجتثّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يديه ، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته . راجع : تاريخ الاُمم والملوك للطبري : ج 10 ص 60 ـ 61 (في حوادث سنه 284 هـ ). (9) المستدرك للحاكم : ج 4 ص 479 ـ 480 ، مجمع الزوائد : ج 5 ص 241 ، كنز العمال : ج 11 ص 117 ح 30846 وص 165 ح 31055 ـ 31057 ، دلائل النبوّه للبيهقي : ج 6 ص 507 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 3 ص 80 . (10) راجع : التفسير الكبير للرازي : ج 20 ص 236 ـ 237 ، الدر المنثور للسيوطي : ج 5 ص 310 ، تفسير الطبري : ج 15 ص 77 ، دلائل النبوه للبيهقي : ج 6 ص 511 ، مناظرات في الاِمامه للمؤلف : ص 93 ـ 94 (المناظره : الثالثه عشر) . (11) الشعر للصاحب بن عباد راجع : الكامل البهائي لعماد الدين الطبري : ج 2 ص 215 ، روضات الجنات : ج 2 ص 30 ، أعيان الشيعه للاَمين : ج 3 ص 359. وقد ذكر الثعالبي في يتيمه الدهر : ج 3 ص 273 مثل هذا الشعر للصاحب في معاويه بن أبي سفيان وهو : ناصبٌ قال لي : معاويه خا لك خيـر الاَعمـام والاَخـوال فهو خالٌ للمؤمنيـن قلت : خالٌ لكن من الخير جميعاً خالي وذكرهما عنه أيضاً في ديوان الصاحب بن عباد : ص 264 . (12) جاء عن الحسن البصري قال : أربع خصال كن في معاويه لو لم يكن فيه إلاّ واحده منهن لكانت موبقه وإثماً كثيراً : ادعاؤه الخلافه من غير مشوره ، واستخلافه ابنه يزيد ، سكيراً بالخمر ، وادّعاؤه زياداً أنّه أخوه ، وفي الحديث الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، فيا ويل له من حجر وأصحاب حجر . ينابيع الموده للقندوزي : ص 162 ب 53 ، شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد : ج 2 ص 262 . (13) رساله إبليس إلى اخوانه المناحيس للجشمي : ص 111 ـ 115 .