قال الشيخ المفيد ـ أدام الله عزّه ـ : قد كنت حضرت مجلس الشريف أبي الحسن أحمد بن القاسم المحمدي وحضره أبو القاسم الداركي ، فسأله بعض الشيعه عن الدلاله على تحريم نكاح المتعه عنده فاستدل بقول الله تعالى : ( وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إلاّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمن ابتَغَى وَراءَ ذَلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ العَادُون )(1) ، قال : والمتعه باتفاق الشيعه ليست بزوجه ولا بملك يمين ، فبطل أن تكون حلالاً. فقال له السائل : ما أنكرت أن تكون زوجه ، وما حكيته عن الشيعه في إنكار ذلك لا أصل له. فقال له : لو كانت زوجه لكانت وارثه لاَن الاتفاق حاصل ، على أنّ كلّ زوجه فهي وارثه وموروثه ، إلا ما أخرجه الدليل في الاَمه والذميه والقاتله. فنازعه السائل في هذه الدعوى ، وقال : ما أنكرت أن تكون المتعه أيضاً زوجه تجري مجرى الذميه والرق والقاتله في خروجها عن استحقاق الميراث ، وضايقه في هذه المطالبه ، فلمّا طال الكلام بينهما في هذه النكته تردّد وقال : الدليل على أنّها ليست بزوجه أن القاصد إلى الاستمتاع بها إذا قال لها : تمتعيني نفسك ، فأنعمت له ، حصلت متعه ليس بينها وبينه ميراث ولا يلحقها الطلاق ، وإذا قال لها : زوجيني نفسك فأنعمت حصلت زوجيه يقع بها الطلاق ويثبت بينها وبينه الميراث ، فلو كانت المتعه زوجه ما اختلف حكمها باختلاف الاَلفاظ ولا وقع الفرق بين أحكامها بتغاير الكلام ، ولوجب أن يقع الاستمتاع في العقد بلفظ التزويج ويقع التزويج بلفظ الاستمتاع. قال : وهذا باطل بإجماع الشيعه وما هم عليه في الاتفاق ، فلم يدر السائل ما يقول له لعدم فقهه وضعف بصيرته بأصل المذهب . فقال الشيخ المفيد (رضي الله عنه) : فقلت للداركي : لم زعمت أن الاَحكام قد تتغير باختلاف ما ذكرت في الكلام ، وما أنكرت أن يكون العقد عليه بلفظ الزوجيه ، وأن يكون لفظ الزوجيه يقوم مقام لفظ الاستمتاع ، فهل تجد لما ادّعيت في هذين الاَمرين برهاناً وعليه دليلاً أو فيه بيان ، وبعد فكيف استجزت أن تدّعي إجماع الشيعه على ما ذكرت ولم يسمع ذلك أحد منهم ولا قرأت له في كتاب ، ونحن معك في المجلس نفتي بأنّه لا فرق بين اللفظين في باب العقد للنكاح ، سواء كان نكاح الدوام أو نكاح الاستمتاع وإنما الفصل بين النكاحين في اللفظ من جهه الكلام ذكر الاَجل في نكاح الاستمتاع وترك ذكره في نكاح الميراث ، فلو قال : تمتعيني نفسك ولم يذكر الاَجل لوقع نكاح الميراث ، ولا ينحل إلاّ بالطلاق ، ولو قال : تزوجيني إلى أجل كذا ، فأنعمت به لوقع نكاح استمتاع ، وهذا ما ليس فيه بين الشيعه خلاف . فلم يرد شيئاً تجب حكايته وظهر عليه بحمد الله(2). (1) سوره المؤمنون : الآيه 5 ـ 7 . (2) الفصول المختاره للشيخ المفيد : ص 125 ـ 126 .