قال يحيى بن أكثم لشيخ البصره : بمن اقتديت في جواز المتعه ؟ فقال : بعمر بن الخطاب . فقال له : كيف وعمر كان أشدّ الناس فيها ! ؟ قال : لاَن الخبر الصحيح أنّه صعد إلى المنبر ، فقال : إنّ الله ورسوله صلى الله عليه وآله قد أحلا لكما متعتين ، وإنّي محرمهما عليكم أو اُعاقب عليهما(2)، فقبلنا شهادته(3) ولم نقبل تحريمه(4). (1) هو : أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الاَسيدي المروزي ، من ولد أكثم بن صيفي حكيم العرب ، ولد في مرو سنه 159 هـ ، ذُكر من أصحاب الشافعي ، له عدّه تصانيف ، ولاّه المأمون قضاء البصره سنه 202 هـ ، ثم قضاء القضاه ببغداد ، وأضاف إليه تدبير مملكته ، ولما مات المأمون وولي المعتصم عزله عن القضاء ، فلزم بيته ولما آل الاَمر إلى المتوكّل ردّه إلى عمله ، ثم عزله سنه 240 هـ ، وأخذ أمواله ، ثم ارتحل إلى مكه ، توفي في الربذه سنه 242 هـ . راجع ترجمته في : وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 6 ص 147 ترجمه رقم : 147 ، تاريخ بغداد للخطيب : ج 14 ص 191 ترجمه رقم : 7489 ، الاَعلام للزركلي : ج 9 ص167 ، سفينه البحار للقمّي : ج 1 ص 367 . (2) تقدّمت تخريجاته . (3) إذ مما لا شك فيه إن حلال الله ورسوله حلال إلى يوم القيامه وحرامهما حرام إلى يوم القيامه ، فعلى أي أساس يترك تشريع رسول الله صلى الله عليه وآله لها الذي هو بأمر الله تعالى وقد قال في حق نبيه الكريم : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) ويؤخذ بقول غيره ، فيكون حينئذٍ اجتهاد في مقابل النص ولذا أنكر بعض الصحابه على تحريم الخليفه للمتعه ، ولم يسوغوا الاَخذ بقوله في قبال قول النبي صلى الله عليه وآله ، إذ أن في ذلك نقضاً لما سنّه النبي وشرعه من الاَحكام الشرعيه ، فهذا عبدالله بن عمر يسأله رجل من أهل الشام عن التمتع بالعمره إلى الحج فقال له : هي حلال ، فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال له ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عما وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله ، فقال الرجل : بل أمر رسول الله (الجامع الصحيح للترمذي : ج 3 ص 185 ح 824) وكذلك ابن عباس لما قال بحليه المتعه ، اعترض عليه جبير بن مطعم وقال له : كان عمر ينهى عنها ، فقال له ابن عباس : يا عُدَيّ نفسه ، من ها هنا ضللتم ، اُحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وتحدّثني عن عمر . (شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد : ج 20 ص 25) وروى الخطيب البغدادي في تاريخه : ج 14 ص 199 بسنده عن أبي العيناء ، قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعه ، فقال لنا يحيى بن أكثم : بَكْرَّا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا ، وإلاّ فاسكتا إلى أن أدخل ! قال : فدخلنا إليه وهو يستاك ، ويقول ـ وهو مغتاظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى ، ومَنْ أنت .... حتى تنهى عما فعله النبيّ صلى الله عليه وآله وأبو بكر ، فأومأت إلى محمد بن منصور ، أن أمسك...الخ . وأما دعوى النسخ فغير صحيحه وذلك لعده أمور ، أولاً : قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ظاهر في حلّيتها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تُحرَّم إلى أن مات ، ثانياً : لو كانت منسوخه لما نسب لنفسه التحريم ، إذ لا أثر لتحريمه بعدما كانت حراماً على سبيل الفرض ، ثالثاً : عمل بعض الصحابه بها وتصريحهم بحليتها ، فلو كانت منسوخه لما خفيت عليهم خصوصاً أمثال ابن عباس حبر الاَمه ، وعبدالله بن عمر ابن الخليفه نفسه ، وغيرهما من الصحابه الذين قالوا بحليتها ، بل هناك من شهد بعدم النسخ والحرمه ، فهذا عمران بن حصين قال : نزلت آيه المتعه في كتاب الله تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تنزل آيه نسخها ، ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله حتى مات . (مسند أحمد بن حنبل : ج 4 ص436) صريح في أن دعوى النسخ غير صحيحه البته ، وأما ترك بعض الصحابه لها فلا يدل على حرمتها ، إذ أن مجرّد الترك لا يدلّ على الحرمه بل هو أعم . (4) محاضرات الاَدباء للاِصفهاني : ج3 ص314 .