قال أحد أبناء أهل السنه في شأن إيمان أبي طالب عليه السلام الاَب الكريم لاَميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : اختلفت الروايات في كتبنا الرئيسيه حول إيمان أبي طالب عليه السلام ، فطائفه من الروايات وردت في تعظيمه ومدحه، وطائفه اُخرى وردت في ذمه والطعن به. فقلت : اتفق علماء الشيعه، تبعاً لائمّتهم المعصومين عليهم السلام ، والذين هم عتره النبي صلى الله عليه وآله على أن أبا طالب عليه السلام كان شخصاً لائقاً مؤمناً ومجاهداً في سبيل الله. ـ فقال ـ : إذا كان كذلك، فلماذا وردت روايات كثيره في عدم إيمانه؟ ـ فقلت ـ : ذنب أبي طالب هو انّه والد علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد بذل الاَعداء الحاقدون على ابنه الوصي عليه السلام ، وعلى رأسهم معاويه بن أبي سفيان مبالغ طائله من بيت مال المسلمين، لعناصر باعوا دينهم بدنياهم وضمائرهم لاِهوائهم، لافتعال الاَحاديث والروايات المجعوله الكاذبه لتشويه شخصيه الاِمام علي عليه السلام (1) ، حتى وصل بهم الحد إلى أنّهم نقلوا عن أبي هريره أنه قال: « إنّه يشهد بالله أنّ علياً أحدث بعد الرسول فاستوجب لعن الملائكه والناس أجمعين » (2) . فمع وجود هؤلاء الاَراذل في عصر معاويه والخلفاء الاَخرين من بني اُميه، فمن الطبيعي أن تظهر روايات مفتعله كثيره في شرك أبي طالب عليه السلام حتى بذلوا الكثير من الجهود والطاقات في ذمه، ولم يبذلوا واحداً من ألف منها في أبي سفيان الذي كان يمثل رأس الشرك، ويمتلك طينه خبيثه، وصفحات سوداء في التأريخ. فعليه، نشأت جذور تهمه الشرك لاَبي طالب عليه السلام من دافع سياسي استغلها معاويه لمصالحه الشخصيه. ـ فقال ـ : نقرأ في الآيه 26 من سوره الاَنعام قوله تعالى: ( وهم ينهون عنه وينئون عنه ) قال بعض المفسرين : إن المراد من الآيه المباركه: « إن طائفه من الناس كانوا يدافعون عن النبي صلى الله عليه وآله ، وفي نفس الوقت يرفضون الاِيمان به ويبتعدون عنه »، فهذه الآيه نزلت في شأن أبي طالب عليه السلام لاَنّه دافع عن النبي صلى الله عليه وآله في مقابل المشركين، مع تحاشيه عن الاِيمان به. ـ فقلت ـ : أولاً، أن معنى الآيه مخالف لما قلتم تماماً. ثانياً: لو سلّمنا لقولكم، فما هو الدليل على ان المراد منها أو شمولها لاَبي طالب؟! ـ فقال ـ : حجتنا هي روايه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس، أنه قال: « هذه الآيه، نزلت في شأن أبي طالب عليه السلام إذ منع الناس عن التعرض للرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله مع عدم اتباعه له صلى الله عليه وآله » (3) ـ فقلت ـ : أضطر في جوابكم أن أشير إلى أمور: 1 ـ أن معنى الآيه ليس كما فسرتم، بل مع الاَخذ بنظر الاِعتبار ما قبل الآيه وما بعدها، فقد نزلت في شأن الكفار المعاندين، ظاهر معنى الآيه هكذا، « أن الكفار كانوا ينهون الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وآله في حين أنّهم كانوا يعرضون عنه » (4) ولم تتطرق الآيه إلى مسأله الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله . 2 ـ جمله « ينئون » بمعنى الابتعاد، والحال كان أبو طالب من أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله ولم يبتعد عنه طرفه عين. 3 ـ أما روايه سفيان الثوري التي نقلها ابن عباس وأنه قال أن الآيه نازله في شأن أبي طالب عليه السلام مخدوشه من عده جهات: الف ـ إن سفيان الثوري من الكذابين وغير الموثقين بإقرار الكبار من علماء أهل السنه (5) . نقل عن « ابن المبارك » أن سفيان كان يدلس، أي كان يظهر الحق باطلاً، والباطل حقّاً (6) زوراً وبهتاناً، والراوي الاَخر لهذه الروايه هو « حبيب بن أبي ثابت » الذي كان يدلس أيضاً، طبقاً لقول إبن حيان (7) إضافه إلى أن هذه الروايه مرسله، بمعنى أن سلسله الرواه بين حبيب وابن عباس محذوفه غير متصله. ب ـ كان ابن عباس من الشخصيات الاِسلاميه المرموقه والمعروفه التي تعتقد بإيمان أبي طالب فكيف يمكن أن ينقل مثل هذه الروايه؟! عندئذ يمكن أن نفسر الآيه بهذا النحو: « إن الكفار كان يمنعون الناس من اتباع النبي صلى الله عليه وآله ، وهم أيضاً كانوا يبتعدون عنه ». ج ـ الروايه المذكوره تقول: أنّ هذه الآيه نزلت في شأن أبي طالب عليه السلام فحسب، مع أن كلمه « ينهون » و « ينئون » جاءت بصيغه الجمع. فطبقاً لتفسير البعض، إن الآيه المذكوره تشمل أعمام النبي صلى الله عليه وآله حيث كانوا عشره منهم مؤمنين ، وهم الحمزه والعباس وأبو طالب، فلا يشملهم مراد الآيه المذكوره. وبعباره أوضح: كان النبي صلى الله عليه وآله يبتعد عن المشركين أمثال: أبي لهب الذي كان أحد أعمامه صلى الله عليه وآله ، وأمّا أبو طالب فكان يرتبط بالنبي صلى الله عليه وآله بصله وثيقه إلى آخر لحظهمن حياته الشريفه، وسمى صلى الله عليه وآله سنه وفاته « عام الحزن » وقال في تشييع جثمانه الطاهر: « وا أبتاه، واحزناه عليك كنتُ عندك بمنزله العين من الحدقه، والروَّح من الجسد » (8) فهل من الاِنصاف أن يقال في حق النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يمدح ويعظم المشرك، ويظهر الحزن لوفاته، مع أن كثيراً من الآيات القرآنيه تذم المشركين وتأمر بالاِعراض عنهم؟! (9) (1) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 4 ص 63 : وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي رحمه الله تعالى ... أن معاويه وضع قوماً من الصحابه وقوماً من التابعين على روايه أخبار قبيحه في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءه منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يُرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريره وعمرو بن العاص والمغيره بن شعبه ، ومن التابعين عروه بن الزبير . (2) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد: ج4 ص67. (3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ج2 ص132 . (4) وقد فسر ابن عباس الآيه بهذا التفسير ، ولمزيد البحث والتحقيق في تفسير هذه الآيه راجع: الغدير للاَميني: ج8 ص 3 ـ 8. (5) ميزان الاعتدال للذهبي: ج 2 ص165. (6) تهذيب التهذيب: ج4 ص115. (7) تهذيب التهذيب: ج2 ص179. (8) منيه الراغب في إيمان أبي طالب للطبسي : ص 205 عن البكري في كتاب مولد علي. (9) أجود المناظرات للاَشتهاردي : ص 326 ـ 331 .