قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمه ـ : وأخبرني الشيخ أيده الله أيضاً قال: قال أبو حنيفه: دخلت المدينه فأتيت جعفر بن محمد عليه السلام فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليز قاعداً في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له : يا غلام ، أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليَّ ثمّ قال : يا شيخ اجتنب شطوط الاَنهار ، ومسقط الثمار ، وفيىء النزَّال ، وأفنيه الدور ، والطرق النافذه ، والمساجد ، وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت. قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نَبُل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ، ممّن المعصيه ؟ فنظر إليَّ نظراً ازدراني به ثمّ قال : اجلس حتى أخبرك ، فجلست بين يديه. فقال: إنَّ المعصيه لا بدَّ من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حق الثواب ، وعليه العقاب ، ووجبت له الجنّه والنار. قال أبو حنيفه : فلمّا سمعت ذلك ، قلت : ( ذُرِّيَّهٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) . قال الشيخ أيّده الله : وفي ذلك يقول الشاعر : لم تخـل أفعالنــا اللاّتي يـُذمُّ بهـا إحدى ثلاث معانٍ حيـن نأتيهــــا إمــا تفــرد بارينـا بصنعتهــا فيسقط اللوم عنّا حيـن ننشيهــــا أو كـان يشركنــا فيهـا فيلحقــه ما سوف يلحقنا من لائـم فيهــــا أو لـم يكـن لاِلهي فـي جنايتهــا ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيهــا (3) __________________
(1) هو : النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الفقيه الكوفي ، مولى تيم الله ابن ثعلبه وقيل : أصله من أبناء فارس ، أحد الاَئمّه الاَربعه ، وإمام أصحاب الرأي والقياس ، ولد بالكوفه سنه 80 هـ ، عاصر بعض الصحابه أمثال أنس بن مالك ، وله : مسند في الحديث ، المخارج في الفقه ، الفقه الاَكبر. نقله أبو جعفر المنصور من الكوفه إلى بغداد ، فأراده على أن يوليه القضاء فأبى ، فأمر به إلى الحبس فكان يساط في كلّ يوم مائه سوط حتى توفّي في السجن سنه 150 هـ ، ودفن بمقبره الخيزران. راجع ترجمته في : تاريخ بغداد للخطيب : ج 13 ص 323 ترجمه رقم : 7297 ، وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 5 ص 405 ، ترجمه رقم : 765 ، الاَعلام للزركلي : ج 9 ص 4 ، سير أعلام النبلاء : ج 6 ص 390 ترجمه رقم : 163. (2) سوره آل عمران : الآيه 34. (3)رک: الفصول المختاره للمفيد : ص 43 ـ 44 ، كنز الفوائد للكراجكي : ج1 ص 366 ، بحار الاَنوار للمجلسي: ج 10 ص 247 ـ 248 ح 16 و 17 بتفاوت .