موسوعة الفقهية الميسرة (الجزء: 2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الفقهية الميسرة (الجزء: 2) - نسخه متنی

محمد علی انصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري
الجزء: 2
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418
المطبعة: مؤسسة الهادي
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
ردمك: 964-5662-23-0
ملاحظات: ويليها الملحق الأصولي
الموسوعة الفقهية الميسرة

1
مجمع الفكر الإسلامي
الموسوعة الفقهية الميسرة
ويليها
الملحق الأصولي
الجزء الثاني
تأليف
الشيخ محمد علي الأنصاري

3
مجمع الفكر الإسلامي
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
الكتاب: الموسوعة الفقهية الميسرة / ج 2
المؤلف: الشيخ محمد علي الأنصاري (خليفة شوشتري)
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
الطبعة: الأولى / 1418
تنضيد الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
ليتوغراف: نگارش
المطبعة: مؤسسة الهادي
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة لمجمع الفكر الإسلامي
لا يجوز الاقتباس من الموسوعة الفقهية الميسرة إلا مع الإشارة إليها،
كما لا يجوز القيام بترجمتها وتلخيصها إلا بإذن خاص

4
بسم الله الرحمن الرحيم

5
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو
أضام في سلطانك، أو اضطهد والأمر لك.
اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي، وأول
وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي.
اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب عن قولك، أو أن نفتتن عن دينك،
أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك.
من دعاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وكان يدعو به كثيرا
نهج البلاغة: قسم الخطب، رقم 215

7
إرادة
راجع: اختيار، قصد، نية، والملحق
الأصولي: إرادة.
أراك
لغة:
1 - شجر معروف، له حمل كحمل عناقيد
العنب، يستاك بقضبانه، الواحدة " أراكة " (1).
2 - موضع بعرفة، من ناحية الشام قرب
" نمرة "، وكأنه حد من حدود عرفة (2).
اصطلاحا:
ليس له معنى فقهي خاص.
الأحكام:
ذكر الفقهاء أحكاما للأراك بمعنييه نشير إلى
أهمها فيما يلي:
أولا - تفضيل السواك بعود الأراك:
فضل الفقهاء السواك بعود الأراك. قال
السيد اليزدي - عند عده سنن الوضوء -:
" الثاني: الاستياك بأي شئ كان، ولو بالإصبع،
والأفضل عود الأراك " (1). وكذا قال كثير من
الفقهاء.



(1) لسان العرب، المصباح المنير: " أرك ".
(2) المصباح المنير، مجمع البحرين: " أرك "، " نمر ".
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل مستحبات
الوضوء.
9
ثانيا - حرمة قطع شجر الأراك في الحرم:
يحرم قطع شجر الأراك - كسائر الأشجار -
في الحرم، ولم يذكره الفقهاء في مستثنيات حرمة قطع
الشجر.
والحرمة عامة تشمل المحل والمحرم (1).
وأما كفارته فقد اختلفوا فيها لاختلافهم في
كفارة قلع الشجرة هل هي بقرة أو شاة أو ثمن
الشجرة؟ (2) لكن وردت في خصوص شجر الأراك
روايتان، وهما:
1 - ما رواه منصور بن حازم: " أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأراك: يكون في الحرم
فأقطعه؟ قال: عليك فداؤه " (3).
2 - ما رواه سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته عن الرجل يقطع
من الأراك الذي بمكة؟ قال: عليه ثمنه يتصدق به،
ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر
الفواكه " (4).
ثالثا - عدم إجزاء الوقوف تحت الأراك:
صرح الفقهاء بأنه لا يجزي الوقوف بعرفة
تحت الأراك (5)، للنهي عنه - إذ هو ليس من عرفة،
بل من حدودها - فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" إن أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك
لا حج لهم " (1).
قال الشيخ معلقا على الرواية: " يعني من
وقف تحته، فأما إذا نزل تحته ووقف بالموقف
فلا بأس به، والدليل عليه الخبر الأول " (2)، ويقصد
به ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
" لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأما النزول تحته
حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا
بأس " (3).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: الوضوء، سنن الوضوء.
2 - كتاب الحج:
أ - الإحرام، ما يحرم على المحرم.
ب - الوقوف بعرفة.
أرباح التجارات
لغة:
أرباح: جمع ربح، وهو النماء في التجارة (4).



(1) أنظر الحدائق 15: 528 - 537، والجواهر 20:
425، والمعتمد 4: 264 - 274، وغيرها.
(2) أنظر الحدائق 15: 528 - 537، والجواهر 20:
425، والمعتمد 4: 264 - 274، وغيرها.
(3) الوسائل 13: 174، الباب 18 من أبواب بقية
كفارات الإحرام، الحديثان 1 و 2.
(4) الوسائل 13: 174، الباب 18 من أبواب بقية
كفارات الإحرام، الحديثان 1 و 2.
(5) أنظر الجواهر 19: 18، والحدائق 16: 377.
(1) التهذيب 5: 181، باب الغدو إلى
عرفات، الحديثان 606 و 605، وانظر الوسائل 13:
532 - 533، الباب 10 من أبواب الإحرام والوقوف
بعرفة، الحديثان 3 و 7.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) لسان العرب: " ربح ".
10
والتجارة معروفة.
اصطلاحا:
ليس له في الفقه معنى مغاير للمعنى اللغوي،
إلا أن هناك عنوانين آخرين مماثلين له من حيث
تعلق الحكم الشرعي بهما، فتكون العناوين ثلاثة،
وهي:
1 - أرباح التجارات: وهي الأرباح
الحاصلة من خصوص التجارة.
2 - أرباح المكاسب: وهي الأرباح الحاصلة
من الكسب، وهو طلب الرزق (1)، سواء كان عن
طريق التجارة أو غيرها.
3 - الفاضل عن المؤونة: وهو ما يزيد عما
يحتاجه الإنسان من مؤونة نفسه وعياله في طول
السنة مما صار في يده، سواء عن طريق التجارة أو
الكسب أو غيرهما.
فالثالث أعم من الثاني، والثاني أعم من
الأول.
الأحكام:
جعلت هذه العناوين الثلاثة إحدى الموارد
السبعة التي يجب فيها الخمس، قال السيد
اليزدي:
" السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة
عياله من أرباح التجارات، ومن سائر التكسبات
من: الصناعات، والزراعات، والإجارات، حتى
الخياطة، والكتابة، والنجارة، والصيد، وحيازة
المباحات، وأجرة العبادات الاستئجارية... " (1).
أما أصل الوجوب فقد نقل عليه الإجماع (2)،
وإذا كانت مناقشة ففي العفو عنه، قال صاحب
المدارك: "... وبالجملة، فالأخبار الواردة بثبوت
الخمس في هذا النوع مستفيضة جدا، بل الظاهر أنها
متواترة - كما ادعاه في المنتهى - وإنما الإشكال في
مستحقه، وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه، فإن
في بعض الروايات دلالة على أن مستحقه مستحق
خمس الغنائم، وفي بعض آخر إشعارا باختصاص
الإمام (عليه السلام) بذلك... " (3).
راجع تفصيل ذلك في عنوان " خمس ".
مظان البحث:
كتاب الخمس: ما يجب فيه الخمس، ما
يفضل عن مؤونة السنة.



(1) الصحاح: " كسب ".
(1) العروة الوثقى: كتاب الخمس، فصل ما يجب فيه
الخمس، السابع (ما يفضل عن مؤونة سنته).
(2) أنظر الجواهر 16: 45، المستمسك 9: 515،
وغيرهما.
(3) المدارك 5: 383.
11
أربعة عشر
لغة:
قال الطريحي: " لعل المراد بالأربعة عشر
الصفان من النقر يوضع فيها شئ يلعب فيه، في كل
صف سبع نقر محفورة " (1).
وقال الشيخ: " الأربعة عشر تسمى الجرة،
وهي قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر،
ويجعل في الحفر حصى صغار - مثلا - للعب
بها " (2).
الأحكام:
ورد النهي عن اللعب بها، فعن أبي
الحسن (عليه السلام)، قال: " النرد والشطرنج والأربعة عشر
بمنزلة واحدة، وكل ما قومر عليه فهو ميسر " (3).
وعدها بعض الفقهاء من آلات القمار،
فيترتب عليها كل ما يترتب على آلات القمار من
الأحكام التكليفية، كحرمة اللعب بها، والوضعية،
كحرمة بيعها وشرائها، وحصول الفسق للاعب بها،
وعدم قبول شهادته، ونحو ذلك (1).
راجع: آلات القمار، قمار.
مظان البحث:
1 - المكاسب المحرمة: آلات القمار.
2 - الشهادات: من لا تقبل شهادته.
إربة
لغة:
الإرب والإربة: الحاجة، والدهاء والبصر
بالأمور، والعقل. ومنه: الأريب، أي العاقل (2).
وقال الراغب الإصفهاني: " الأرب فرط
الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكل أرب
حاجة، وليس كل حاجة أربا. ثم يستعمل تارة في
الحاجة المفردة، وتارة في الاحتيال وإن لم تكن
حاجة... قال تعالى - حكاية عن موسى (عليه السلام) -:
* (ولي فيها مآرب أخرى) * (3)، وقال تعالى: * (غير
أولي الإربة من الرجال) * (4) كناية عن الحاجة إلى



(1) مجمع البحرين: " عشر ".
(2) أنظر المبسوط 8: 222، والجواهر 41: 43.
(3) الوسائل 17: 323، الباب 104 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول، وانظر الباب 35، الحديث 11.
(1) أنظر الروضة البهية 3: 210 - 211، والجواهر 41:
43، وغيرهما.
(2) لسان العرب: " أرب ".
(3) طه: 18.
(4) النور: 31.
12
النكاح " (1).
اصطلاحا:
تستعمل كلمة " إربة " مع كلمة " أولو "
و " أولي " غالبا، ولكن لما وردت في الآية منفية،
وترتب الحكم عليها كذلك، فاللازم معرفة المراد
منها كما وردت في القرآن الكريم.
فنقول: وردت تفاسير عديدة ل‍ " غير أولي
الإربة "، فقيل: هو التابع الذي يتبعك لينال من
طعامك ولا حاجة له في النساء، وهو الأبله المولى
عليه، وقيل: هو العنين الذي لا أرب له في النساء
لعجزه، وقيل: إنه الخصي المجبوب الذي لا رغبة له
في النساء، وقيل: إنه الشيخ الهم لذهاب إربه،
وقيل: هو العبد الصغير (2).
والذي ورد في تفسيره من أخبار أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) هو:
1 - ما رواه زرارة، قال: " سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: * (أو التابعين غير
أولي الإربة من الرجال...) *، قال: الأحمق الذي
لا يأتي النساء " (3).
2 - ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله،
قال: " سألته عن * (أولي الإربة من الرجال) *، قال:
الأحمق المولى عليه الذي لا يأتي النساء " (1).
3 - ما رواه زرارة - أيضا - عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته عن * (أولي الإربة من
الرجال) *، قال: هو الأحمق الذي لا يأتي
النساء " (2).
اشتركت هذه الروايات في تفسير * (غير أولي
الإربة) * بالأحمق الذي لا يأتي النساء، فلا بد من
توفر عنصرين لتحقق عنوان * (غير أولي الإربة) *،
وهما: الحمق - وهو نقصان العقل - وعدم إتيان
النساء، أي عدم الرغبة فيهن.
والسؤال في الروايتين الأخيرتين وإن كان
عن " أولي الإربة " إلا أن الجواب تفسير ل‍ * (غير
أولي الإربة) *.
وأما في لسان الفقهاء، فالمعروف هو ما
ذكرته الروايات، إلا أن لبعضهم زيادات، ففي
جامع المقاصد: " الأبله الذي لا يحتاج إلى النساء،
ولا يعرف شيئا من أمورهن " (3)، وأدرج المحقق
السبزواري فيه الخصي (4)، ويظهر ذلك من المحدث



(1) مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني):
" أرب ".
(2) مجمع البيان 7: 138، وانظر: كنز العرفان 2: 223،
ومسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 3: 284.
(3) الكافي 5: 523، باب أولي الإربة، الحديث الأول.
(1) الكافي 5: 523، باب أولي الإربة، الحديث 2.
(2) التهذيب 7: 468، الحديث 1873، وانظر الوسائل
20: 204، الباب 111 من أبواب مقدمات النكاح.
(3) جامع المقاصد 12: 36.
(4) كفاية الأحكام: 154.
13
البحراني أيضا (1)، وقال صاحب الجواهر: " إن
المراد بغير أولي الإربة: من لا يشتهي النكاح، لكبر
سن ونحوه، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو
نكاحا ولا تطمع فيه " (2).
ولسائر الفقهاء مناقشات فيما ذكره المحقق
السبزواري وصاحب الجواهر، يراجع فيها الكتب
المطولة (3).
الأحكام:
من المتسالم عليه أن * (غير أولي الإربة من
الرجال) * لا يحرم عليهم النظر إلى النساء، ولا يجب
على النساء التستر منهم، لقوله تعالى: * (... ولا
يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو... أو التابعين غير أولي
الإربة من الرجال) * (4).
ويرى السيد الخوئي اختصاص الحكم
بالتابعين - وهم من لا استقلال لهم - لا مطلق
غير أولي الإربة، وقال: إنه لم ينتبه له من
سبقه (5).
راجع: نظر.
ارتداد
لغة:
الارتداد في اللغة هو الرجوع، ومنه المرتد (2).
اصطلاحا:
وعند الفقهاء يطلق على الكفر بعد
الإسلام (3)، فالمرتد هو الذي يكفر بعد الإسلام (4).
الأحكام:
الارتداد من أفحش أنواع الكفر وأغلظها
حكما، قال الله تعالى: * (... ومن يرتدد منكم عن



(1) الحدائق 23: 78.
(2) الجواهر 29: 95.
(3) أنظر المستمسك 14: 45، ومستند العروة (النكاح)
1: 95، وغيرهما.
(4) النور: 31.
(5) مستند العروة (النكاح) 1: 95.
مظان البحث:
1 - كتاب النكاح: مقدمات النكاح، حكم
النظر إلى الأجنبية.
2 - كتب آيات الأحكام عند التعرض لقوله
تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن...) * (1).
3 - كتب التفسير عند تفسير الآية المتقدمة.
(1) النور: 31.
(2) الصحاح: " ردد "، ويقرب منه غيره.
(3) اللمعة الدمشقية (ضمن الروضة البهية) 9: 333.
(4) شرائع الإسلام 4: 183.
14
دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) * (1)،
وقال تعالى: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل
منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * (2)، وعن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من بدل دينه فاقتلوه " (3)، وعن
أبي عبد الله (عليه السلام): " كل مسلم بين مسلمين ارتد عن
الإسلام وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله) نبوته، وكذبه فإن دمه
مباح... " (4).
ما يثبت به الارتداد:
أولا - الإقرار:
يثبت الارتداد بالإقرار به والخروج عن
الإسلام، وإن لم يظهر منه ما يدل على ذلك.
وهل يكفي الإقرار مرة واحدة أو لا بد من
التعدد؟ صرح الشهيد الأول (5) بكفاية المرة، وربما
يظهر ذلك من غيره أيضا، كصاحب الجواهر (6)،
حيث أطلق ولم يقيده بالمرة أو المرتين، نعم قيده
الإمام الخميني بالمرتين من باب الاحتياط (7).
ثانيا - البينة:
صرح بعض الفقهاء بثبوت الارتداد بالبينة،
ويظهر ذلك من بعض آخرين - في موضوع دعوى
الإكراه على الارتداد بعد قيام البينة عليه - أيضا (1)،
ولم يتعرضوا لتفاصيله، نعم قال الشهيد الأول:
" وتثبت الردة بالإقرار بها ولو مرة، وبشهادة
عدلين " (2)، ونفى الإمام الخميني ثبوته بشهادة
النساء منفردات أو منضمات (3).
ثالثا - صدور فعل دال عليه:
ومما يثبت به الارتداد صدور فعل دال
صريحا على الاستهزاء بالدين ورفع اليد عنه.
رابعا - صدور قول دال عليه:
ويثبت أيضا بصدور قول يدل عليه صراحة
أو بالاستلزام، كما سيأتي بيانه.
ما يتحقق به الارتداد:
يتحقق الارتداد بإنكار الله تعالى، أو
توحيده، أو الرسالة، أو الرسول، أو تكذيبه، أو
جحد ما علم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة، سواء
كان عنادا، أو استهزاء، أو اعتقادا.
ويتحقق - أيضا - بإهانة المصحف الكريم،



(1) البقرة: 217.
(2) آل عمران: 85.
(3) صحيح البخاري 4: 196، باب حكم المرتد، الحديث
الأول.
(4) الوسائل 28: 324، الباب الأول من أبواب حد المرتد،
الحديث 3.
(5) الدروس 2: 52.
(6) جواهر الكلام 41: 600.
(7) تحرير الوسيلة 2: 446، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة 9.
(1) أنظر الجواهر 41: 610.
(2) الدروس 2: 52.
(3) تحرير الوسيلة 2: 446، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة 9.
15
كإلقائه في القاذورات وتمزيقه ووطئه، وإهانة
الكعبة، كتلويثها، ونحو ذلك مما يدل على إهانة
الدين والاستهزاء به، ورفع اليد عنه.
المراد من الضروري:
مثلوا للضروري بوجوب الصلاة والصوم
والحج والزكاة وحرمة الزنا والخمر والسرقة ونحو
ذلك (1).
ولكن المحقق الأردبيلي وسع في دائرته،
فقال: " والظاهر أن المراد بالضروري الذي يكفر
منكره: الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين ولو
كان بالبرهان ولم يكن مجمعا عليه... " (2).
إنكار المجمع عليه:
وأما ما وصل إلى حد الإجماع ولم يصل إلى
حد الضروري، فقد صرح بعض الفقهاء بعدم
الارتداد بإنكاره، منهم الشهيد الثاني، وعلله بخفاء
كثير من الإجماعات على آحاد الناس، لأنها تصدر
من أهل الحل والعقد (3)، ومنهم المحقق الأردبيلي،
وعلله: بأن المدار في حصول الارتداد هو حصول
العلم ثم الإنكار، وهذا إنما يتحقق - غالبا - في
الضروريات، أما الإجماعيات فلا، ولذلك جعلوا
المدار إنكار الضروري، فالمجمع عليه ما لم يكن
ضروريا لم يؤثر (4).
إنكار ضروري المذهب:
المشهور (1) عدم حصول الارتداد بإنكار
ضروري المذهب، كإنكار إمامة الأئمة أو
أحدهم (عليهم السلام)، وذهب صاحب الحدائق (2) إلى
حصول الارتداد بذلك، وفصل صاحب الجواهر
- في كتاب الحدود (3) - بين الإمامي وغيره، بمعنى أن
إنكار ضروري المذهب إنما يوجب الارتداد إذا
صدر ممن يعتنق المذهب، وأما إذا صدر من المخالف
فلا يوجبه.
هل يشترط العلم بضرورية ما أنكره؟
ذهب بعض الفقهاء إلى اشتراط العلم بكون
ما أنكره ضروريا، فلو أنكر الضروري مع عدم
علمه بكونه ضروريا لم يتحقق الارتداد، كما صرح



(1) أنظر مفاتيح الشرائع 2: 102، المفتاح 555.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 3: 199.
(3) الروضة البهية 9: 335.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 3: 199.
(1) أنظر على سبيل المثال: النهاية: 4 - 5، المعتبر: 24،
الشرائع 1: 16 و 53، التذكرة 1: 68، وغيرها من
كتب العلامة، الذكرى: 13، جامع المقاصد 1: 164،
المسالك 1: 24، مجمع الفائدة 1: 283، رياض
المسائل 2: 359، الجواهر 6: 55 - 67، الطهارة
(للشيخ الأنصاري): 353، النجاسات، الثامن
(الكافر)، مصباح الفقيه 1: 564، العروة: كتاب
الطهارة، فصل النجاسات، الثامن (الكافر)، المستمسك
1: 391، التنقيح 2: 83، تحرير الوسيلة 1: 102،
كتاب الطهارة، فصل في النجاسات، العاشر
(الكافر).
(2) الحدائق 5: 189.
(3) الجواهر 41: 602.
16
به الفاضل الإصفهاني (1) وصاحب الجواهر (2)
والسيد اليزدي (3)، ويظهر من المحقق الأردبيلي (4)
والسيدين الحكيم (5) والخوئي (6)، حيث لم يعلقا على
كلام السيد اليزدي.
هل يعد إنكار الضروري سببا مستقلا
للارتداد؟
لا شك في أن إنكار الباري تعالى ووحدانيته،
أو الرسول والرسالة، أو تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله)
سبب مستقل للارتداد، لكن هل يعد إنكار
الضروري سببا مستقلا للارتداد أيضا، أو لا
يوجب الارتداد إلا إذا استلزم إنكار إحدى الأمور
السابقة؟
ذهب بعضهم إلى الأول، وذهب آخرون إلى
الثاني، وفصل قسم ثالث.
فمن القائلين بالاستلزام وعدم كونه سببا
مستقلا:
المحقق الأردبيلي (7)، والفاضل الإصفهاني (8)،
وكاشف الغطاء (9) - لكن نسب إليه السيد العاملي (10)
عدم رغبته في مخالفة الأصحاب باتخاذ هذا الرأي -
والمحقق الهمداني (1)، والسيد اليزدي (2)، والإمام
الخميني (3).
وأما القول بالسببية فقد نسبه السيد
العاملي (4) إلى ظاهر الأصحاب، وأكده صاحب
الجواهر (5).
والقول بالتفصيل يظهر من الشيخ الأنصاري
والسيدين الحكيم والخوئي.
أما الشيخ الأنصاري فحاصل ما أفاده بعد
بحث طويل هو:
1 - أنه يكفر منكر الاعتقادات الضرورية
كالاعتقاد بالله تعالى ووحدانيته وبالرسالة و...
ولا فرق في ذلك بين القاصر والمقصر.
2 - وأما الاعتقادات النظرية، فلا إشكال في
عدم كفر منكرها إذا لم يرد دليل على كفره
بالخصوص، وأما إذا ورد فهل يشمل القاصر أو
لا؟ فيه إشكال، والأقوى الأول - أي الشمول - إذا
كان الدليل مما يصلح الركون إليه في الخروج عن



(1) كشف اللثام 2: 435.
(2) الجواهر 6: 49.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل النجاسات، الثامن
(الكافر).
(4) مجمع الفائدة والبرهان 3: 199.
(5) المستمسك 1: 378.
(6) التنقيح 2: 58.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 3: 199.
(8) كشف اللثام 2: 435.
(9) كشف الغطاء: 173.
(10) مفتاح الكرامة 1: 143.
(1) مصباح الفقيه 1: 565 - 567.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل النجاسات،
الثامن (الكافر).
(3) تحرير الوسيلة 1: 102، كتاب الطهارة، فصل
النجاسات، العاشر (الكافر).
(4) مفتاح الكرامة 1: 143.
(5) الجواهر 6: 48.
17
أصالة الإسلام وعموماته. ثم قال: فتأمل، والمسألة
من المشكلات.
3 - وأما الأحكام العملية الضرورية
- كالصلاة مثلا - فإن انتهى إنكارها إلى إنكار
النبي (صلى الله عليه وآله) أو تكذيبه فهو يوجب الارتداد مطلقا،
وإن لم ينته ففصل فيها بين القاصر والمقصر، فحكم
بارتداد المقصر دون القاصر (1).
واستقرب في فرائد الأصول - بمناسبة البحث
حول كفاية الظن في الأمور الاعتقادية -: أن إنكار
الضروري إنما يكون مضرا - أي موجبا للكفر - فيما
إذا حصل العلم للمنكر بكونه من الدين (2).
ثم نسب ذلك إلى المقدس الأردبيلي، وقد
تقدم أن أشرنا إليه (3).
وخلاصة ما أفاده السيد الحكيم هو:
1 - أن الحكم بكفر منكر الأمور الاعتقادية
- ضرورية كانت أو نظرية - يتوقف على قيام
الدليل على وجوب الاعتقاد بها تفصيلا، على وجه
يكون تركه كفرا، ومجرد كونه ضروريا لا يوجب
كفر منكره، إلا بناء على كون إنكار الضروري سببا
مستقلا للكفر، ولم يثبت، فالمتبع الدليل الوارد فيه
بالخصوص.
2 - وأما الأمور العملية فإنما يحكم بكفر
منكرها إذا كانت ضرورية وكان إنكارها مستلزما
لإنكار النبوة في الجملة (1).
وأما ما أفاده السيد الخوئي فهو:
أن انكار أي حكم يستلزم تكذيب
النبي (صلى الله عليه وآله) فهو يوجب الكفر، سواء كان الحكم
ضروريا أو نظريا (2).
وربما يظهر ذلك من المحقق العراقي (3).
دعوى الشبهة:
تعرض الفقهاء لدعوى الشبهة بعد إنكار
الضروري في بعض المواطن، كالصلاة والزكاة
ونحوهما، حيث تطرقوا لموضوع ترك المكلف لهما
مستحلا، فقالوا: إذا ادعى شبهة محتملة في حقه
قبلت منه.
قال العلامة - بعد الحكم بارتداد منكر
وجوب الزكاة -: "... وإن كان ممن يخفى وجوبها
عليه، لأنه نشأ بالبادية، أو كان قريب العهد
بالإسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره " (4).
وكذا قال في المنتهى (5).



(1) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 356، النجاسات،
الثامن (الكافر).
(2) فرائد الأصول 1: 280.
(3) في الصفحة 16.
(1) المستمسك 1: 378 - 380.
(2) التنقيح 2: 60.
(3) نهاية الأفكار 3 (القسم الأول): 190 - 191 آخر
بحث الظن.
(4) التذكرة 5: 7 - 8.
(5) المنتهى (الحجرية) 1: 470.
18
وقال الشهيد في الدروس: " ويكفر مستحل
ترك الزكاة المجمع عليها إلا أن يدعي الشبهة
الممكنة... " (1).
وقال الشهيد الثاني في مستحل ترك الصلاة:
"... ولو أبدى المستحل شبهة محتملة في حقه، لعدم
علمه بالوجوب، كقرب عهده بالإسلام أو سكناه في
بادية بعيدة عن أحكام الإسلام قبل... " (2).
وقال الوحيد البهبهاني - حسبما نقل عنه
الشيخ الأنصاري -: " إن كل من أنكر ضروري
الدين يكون خارجا عنه - عند الفقهاء - إذا لم
يحتمل فيها الشبهة... " (3).
ويظهر ذلك من المحقق الأردبيلي (4)،
وصاحب المدارك (5)، والفاضل الإصفهاني (6)،
وكاشف الغطاء (7) وغيرهم في مواطن مختلفة:
كالطهارة والصلاة والزكاة وبحث الارتداد في
الحدود ونحوها، مع اختلاف في بعض قيودها.
وفصل الشيخ الأنصاري بين القول بسببية
إنكار الضروري للكفر، وبين القول بالاستلزام،
فعلى القول بالاستلزام لا بد من استثناء صورة
الإنكار بسبب الشبهة الحاصلة عن قصور بل
عن تقصير، لعدم رجوع إنكاره إلى تكذيب
الرسول (صلى الله عليه وآله) قطعا، غاية الأمر يعاقب المقصر على
ترك التدين بما قصر فيه.
وأما على القول بعدم الاستلزام، وأن إنكار
الضروري سبب مستقل، ففي استثناء صورة الشبهة
وجهان:
1 - الاستثناء، لأن القاصر غير مكلف
بالتدين بذلك المجهول.
2 - عدم الاستثناء، لإطلاق النصوص
وفتاوى الفقهاء (1).
وقال العلامة في القواعد: " لو قال: حلوا
شبهتي، احتمل الإنظار إلى أن تحل شبهته
و [يحتمل] إلزامه التوبة في الحال ثم يكشف له " (2).
وقال الفاضل الإصفهاني: " وإن اعتذر
بالشبهة أول ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة الأيام أو
الزمان الذي يمكن فيه الرجوع أمهل إلى رفعها، وإن
أخر الاعتذار عن ذلك لم يمهل، لأدائه إلى طول
الاستمرار على الكفر، ولمضي ما كان يمكن فيه إبداء
العذر وإزالته ولم يبده فيه " (3).



(1) الدروس 1: 229.
(2) روض الجنان: 354.
(3) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 354، النجاسات،
الثامن (الكافر)، نقلا عن شرح المفاتيح.
(4) مجمع الفائدة 3: 198.
(5) مدارك الأحكام 5: 7.
(6) كشف اللثام 2: 435.
(7) كشف الغطاء: 173.
(1) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 357، النجاسات،
الثامن (الكافر).
(2) القواعد 2: 275.
(3) كشف اللثام 2: 436.
19
من ثبت ارتداده:
صرح الفقهاء - ممن تعرض للمسألة - بكفر
طائفتين، وهما: النواصب والغلاة.
أما النواصب، فهم: المتدينون ببغض
علي (عليه السلام)، لأنهم نصبوا له، أي: عادوه (1). ويشمل
هذا التحديد كل من جعل بغض علي (عليه السلام) دينا
يتدين به، فيدخل فيه الخوارج، ولا حاجة إلى
إفرادهم.
وأدرج بعض الفقهاء بغض سائر
أهل البيت (عليهم السلام) أو شيعتهم في الناصب أيضا، ولعل
مراد الجميع ذلك.
وأما الغلاة، فهم الذين زادوا في الأئمة (عليهم السلام)
فاعتقدوا فيهم، أو في أحد منهم أنه إله (2)، أو استلزم
الغلو فيهم إنكار نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) (3) ونحو ذلك.
وأما في غير هذه الصورة فاستشكل بعضهم
في الحكم بالكفر وإن غلا في صفات الأئمة (عليهم السلام) (4).
ولبعضهم تفصيلات يراجع فيها الكتب
المطولة (5).
ولا يخفى أن الغلو الموجب للارتداد هو مطلق
الغلو وإن كان في غير الأئمة (عليهم السلام).
من اختلف في ارتداده:
وهناك فرق أخرى اختلفوا في ارتدادها،
منها:
أ - المجسمة:
وهم القائلون بأن الله جسم - تعالى عن ذلك
علوا كبيرا - وهم طائفتان:
1 - القائلون بالتجسيم على وجه الحقيقة،
وأنه - تعالى - جسم حقيقة كسائر الأجسام.
2 - القائلون بالتجسيم على وجه التسمية
فقط، وأنه جسم لا كالأجسام.
فقد صرح العلامة في التذكرة (1) ونهاية
الإحكام (2) بطهارة الطائفتين، ويظهر ذلك من المحقق
في المعتبر (3)، والشهيد في الذكرى (4). والقول
بطهارتهم يلازم القول بعدم ارتدادهم.
وقيد بعضهم الطهارة بما إذا لم يلتزموا
بلوازم التجسيم، كالقول بالحدوث والحاجة
ونحو ذلك، مثل صاحب الجواهر (5)، والشيخ



(1) القاموس: " نصب ".
(2) جامع المقاصد 1: 164.
(3) تحرير الوسيلة 1: 102، كتاب الطهارة، فصل
النجاسات، العاشر (الكافر).
(4) أنظر التنقيح 2: 73 - 75 وتحرير الوسيلة: 102.
(5) راجع على سبيل المثال: المستمسك 1: 386 - 387،
التنقيح 2: 73 - 75.
(1) التذكرة 1: 68.
(2) نهاية الإحكام 1: 239.
(3) المعتبر: 24.
(4) الذكرى: 13.
(5) الجواهر 6: 51 - 52.
20
الأنصاري (1)، والمحقق الهمداني (2)، والسيد
اليزدي (3)، والسيد الحكيم (4)، والسيد الخوئي (5).
ويظهر من بعض آخرين القول بنجاستهم
على الإطلاق، كالشيخ (6)، والعلامة في المنتهى (7)
والتحرير (8)، والشهيد الأول في الدروس (9)،
والمحقق الثاني (10)، والشهيد الثاني في الروض (11)
- وقد صرحا بذلك - والفاضل الأصفهاني (12)،
وغيرهم.
وفصل آخرون بين المجسمة بالحقيقة،
والمجسمة بالتسمية، فحكموا بنجاسة الطائفة الأولى
دون الثانية، كالشهيدين في البيان (13) والمسالك (14).
ب - المشبهة:
وهم الذين يشبهون الله - تعالى - بمخلوقاته،
ولم يذكرهم إلا بعض الفقهاء ملحقا لهم بالمجسمة.
ج - المجبرة:
وهم القائلون بالجبر المستلزم إبطال النبوات
والتكاليف، وقد ذكرهم أغلب من ذكر المجسمة،
ولم يصرح بكفرهم إلا القليل، كالشيخ (1)، والفاضل
الإصفهاني (2)، وكاشف الغطاء (3)، وأما غير هؤلاء،
فبين مستضعف لقول الشيخ، ومستظهر للطهارة.
ولعل عدم تكفير الفقهاء إياهم من جهة عدم
التزامهم بما يستلزمه مذهبهم، وإلا فإن اعترفوا
والتزموا به، فالفقهاء يلتزمون بكفرهم أيضا،
وقد صرح بعض الفقهاء بهذه النكتة، كصاحب
الجواهر (4)، والسيد اليزدي (5)، والسيد الخوئي (6)،
بل قال المحقق الهمداني: "... وكيف كان فلا ينبغي
الارتياب في أنه ليس شئ من مثل هذه العقائد
التي ربما يعجز الفحول عن إبطالها، مع مساعدة
بعض ظواهر الكتاب والسنة عليها إنكارا



(1) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 358، النجاسات،
الثامن (الكافر).
(2) مصباح الفقيه 1: 569.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل النجاسات، الثامن
(الكافر)، المسألة 2.
(4) المستمسك 1: 388.
(5) التنقيح 2: 77.
(6) المبسوط 1: 14.
(7) المنتهى 3: 224.
(8) تحرير الأحكام 1: 24.
(9) الدروس 1: 124.
(10) جامع المقاصد 1: 164.
(11) روض الجنان: 163.
(12) كشف اللثام 1: 48.
(13) البيان: 91.
(14) المسالك 1: 24.
(1) المبسوط 1: 14.
(2) كشف اللثام 1: 48.
(3) كشف الغطاء: 173.
(4) الجواهر 6: 55.
(5) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل النجاسات،
الثامن (الكافر)، المسألة 2.
(6) التنقيح 2: 79.
21
للضروري، والله العالم " (1).
د - المفوضة:
وهم الذين يقابلون المجبرة، ويقولون
بتفويض أمر العباد إليهم، وحال هؤلاء حال المجبرة
أيضا، فإنهم إذا التزموا بما يلزم مذهبهم من إعطاء
السلطان للعبد في مقابل سلطانه - تعالى - فلا مناص
من الحكم بكفرهم ونجاستهم، لأنه شرك لا محالة،
وأما إذا لم يلتزموا بذلك فلا يحكم بكفرهم (2)، ولم
يتعرض أكثر الفقهاء لهم.
شروط الارتداد:
يعتبر في تحقق الارتداد الشروط العامة في
التكليف، وهي: العقل والبلوغ والقصد والاختيار.
1 - العقل:
لا عبرة بارتداد المجنون، نعم لو سبقت ردته
الجنون واستقرت أحكامها عليه فهي تستمر حال
الجنون أيضا، إلا أن الشيخ قال في المبسوط: " إذا
ارتد وهو مفيق ثم جن لم يقتل حال جنونه، لأن
القتل بالردة والمقام، فإذا جن لم يكن من أهل
الإقامة عليها، فلهذا لم يقتل " (3).
2 - البلوغ:
لا أثر لارتداد غير البالغ، إلا أن الشيخ اعتبر
- في الخلاف (1) - إسلام المراهق وارتداده كإسلام
البالغ وارتداده، فتترتب آثارهما عليه، ولم ينقل
ذلك عن غيره، نعم قالوا: إذا ارتد المراهق فيؤدب
بما يرتدع به (2).
3 - القصد:
لا عبرة بما يصدر من الغافل والساهي
والنائم والمغمى عليه، من الأقوال والأفعال
المقتضية للكفر لو وقعت من غيرهم.
وزاد الشهيد الثاني (3): من رفع الغضب
قصده، وزاد العلامة وصاحب الجواهر (4): الحاكي
موجب الكفر عن الغير.
والمعروف بين من تعرض للمسألة من
الفقهاء: أن من ادعى عدم القصد إلى ما تلفظ به،
لغفلة عن معناه، أو عن أدائه إلى ما يقتضي الكفر،
أو ادعى السهو في ذلك، تقبل دعواه، ويصدق
بلا يمين (5)، إلا أن الشهيد الثاني توقف في ذلك،



(1) مصباح الفقيه 1: 570.
(2) التنقيح 2: 79.
(3) المبسوط 7: 288.
(1) الخلاف 3: 591، كتاب اللقطة، المسألة 20.
(2) أنظر الجواهر 41: 609.
(3) الروضة البهية 9: 342.
(4) القواعد 2: 274، والجواهر 41: 610.
(5) أنظر على سبيل المثال: القواعد 2: 274، وإيضاح
الفوائد 4: 548 حيث لم يعلق على القواعد شيئا،
والدروس 2: 52، والمسالك (الحجرية) 2: 452،
ومفاتيح الشرائع 2: 103، المفتاح 556، وكشف اللثام
2: 435، والجواهر 41: 610، وتحرير الوسيلة 2:
445، كتاب الحدود، الارتداد، المسألة 3.
22
لأن هذه الدعوى - مع تحقق الكمال - خلاف
الظاهر (1).
أما السكران: فالمعروف بين الفقهاء عدم
اعتبار ردته كعدم اعتبار إسلامه، غير أن الشيخ
فصل في السكران بين عقوده وإيقاعاته فلا تصح
لو وقعت منه، وبين جناياته وما يترتب عليه الحد
بشكل عام ومنه الارتداد فتتعلق جميع الأحكام
المنظورة (2)، ولكن رجع عنه في الخلاف (3).
4 - الاختيار:
لا أثر للارتداد إذا كان عن إكراه وصدر
تقية، كما صدر من عمار ونزل فيه قوله تعالى: * (من
كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان) * (4).
ولا يفتقر المكره على الارتداد إلى تجديد
الإسلام، ولا يجب عرضه عليه، لعدم تحقق الردة (5).
دعوى الإكراه:
لو ادعى الإكراه على الارتداد، ودلت أمارة
على صدقه قبلت دعواه، ونسب السيد الخوئي (6) إلى
جماعة سماع الدعوى مع احتمال صدق المدعي
للإكراه وإن لم تدل عليه أمارة.
ولو شهد اثنان بردته، فإن كذب البينة وقال:
إني لم أرتدد، لم يقبل قوله، وإن شهدا بصدور
ما يدل على الارتداد، ولم يكذبهما لكن ادعى
الإكراه، قبلت دعواه مع وجود الأمارة، كالأسر
بين الأعداء، وأما مع عدمها، فقد توقف العلامة (1)
في القبول واستقرب المنع، وتبعه ولده فخر
المحققين (2)، وربما يظهر ذلك من الفاضل
الإصفهاني (3) وصاحب الجواهر (4) أيضا، نعم قوى
الأخير القبول لو أسند الإكراه إلى أمر خفي لم تعلم
به البينة.
أقسام المرتد:
قسم الفقهاء المرتد إلى قسمين:
الأول - المرتد الفطري:
وقد اختلفوا في تحديده، فقد حدده بعضهم
بأنه: " من ولد على فطرة الإسلام " كالشيخ (5)،
وابن حمزة (6)، وابن إدريس (7)، والعلامة في



(1) الروضة البهية 9: 342.
(2) المبسوط 7: 287.
(3) الخلاف 5: 504، المسألة 5.
(4) النحل: 106، وانظر مجمع البيان (5 - 6): 387،
والتفسير الكبير (19 - 20): 121.
(5) أنظر الجواهر 41: 609.
(6) تكملة المنهاج 1: 328.
(1) قواعد الأحكام 2: 274.
(2) إيضاح الفوائد 4: 548.
(3) كشف اللثام 2: 435.
(4) الجواهر 41: 611.
(5) المبسوط 7: 282.
(6) الوسيلة: 424.
(7) السرائر 3: 532.
23
التحرير (1)، والشهيد الأول (2)، وغيرهم.
وأسقط بعض آخر كلمة " فطرة " من
التحديد، كالمحقق (3) والعلامة في الإرشاد (4).
وحدده الشهيد الثاني بأنه: " من انعقد حال
إسلام أحد أبويه " (5).
وحدده يحيى بن سعيد بأنه: " من ولد بين
المسلمين " (6).
وحدده الفاضل الإصفهاني بأنه: " من لم
يحكم بكفره قط، لإسلام أبويه أو أحدهما حين
ولد، ووصفه الإسلام حين بلغ " (7).
فعلى التحديد الثالث لا يحكم على من
انعقدت نطفته حال كفر والديه بكونه فطريا وإن
كان أحدهما مسلما حال ولادته.
وعلى الأول والثاني يكفي إسلام أحد أبويه
حال الانعقاد أو الولادة للحكم بكونه فطريا، لما هو
المرتكز من أن الطفل يتبع أشرف الأبوين.
وعلى تحديد يحيى بن سعيد لا بد من إسلام
الأبوين معا حين الولادة كي يتحقق عنوان
الفطري، إلا أنه خلاف المرتكز كما تقدم.
وأما على تحديد الفاضل الإصفهاني فلا بد من
تحقق عنصرين: أحدهما: إسلام أبويه أو أحدهما
حال الولادة، والآخر: وصفه الإسلام حين البلوغ،
فلو ولد على الإسلام ولكن شب على الكفر وبلغ
كافرا لم يصدق عليه الفطري بحسب هذا التحديد،
وربما يقال: إنه لا يصدق عليه عنوان " المرتد "
بصورة مطلقة (1).
اختار هذا الرأي جملة من الفقهاء، كما سيأتي.
راجع: أولاد المرتد.
وأما النصوص، فقد ورد التعبير في بعضها
ب‍ " رجل ولد على الإسلام " مثل ما رواه الحسين
ابن سعيد، قال: " قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك
وخرج عن الإسلام، هل يستتاب، أو يقتل
ولا يستتاب؟ فكتب (عليه السلام): يقتل " (2).
والمستفاد من مجموع كلمات الفقهاء: أنه
لا يصدق على المولود من أبوين كافرين عنوان
" الفطري " وإن أسلما بعد ولادته.
الثاني - المرتد الملي:
وهو من أسلم عن كفر أصلي ثم ارتد. ويبدو
أنه لا اختلاف في تحديده بذلك.
ويدخل في الملي المولود من كافرين أسلما بعد
ولادته.



(1) تحرير الأحكام 2: 235.
(2) الدروس 2: 52.
(3) شرائع الإسلام 4: 183.
(4) إرشاد الأذهان 2: 189.
(5) المسالك (الحجرية) 2: 451.
(6) الجامع للشرائع: 567.
(7) كشف اللثام 2: 435.
(1) أنظر المستمسك 2: 121.
(2) الوسائل 28: 325، الباب الأول من أبواب حد
المرتد، الحديث 6.
24
توبة المرتد:
لا خلاف - ظاهرا - في قبول توبة المرتد
الملي، والمرتدة الملية، فإن توبتهما تقبل ظاهرا
وباطنا، بمعنى أنه تترتب عليهما أحكام الإسلام
بحسب الظاهر، ويغفر لهما ويدخلان الجنة إن كانت
توبتهما واقعية.
نعم، اختلف الفقهاء في قبول توبة المرتد
الفطري، وأهم الأقوال فيه خمسة:
الأول - عدم القبول مطلقا، لا ظاهرا ولا
باطنا، وهذا القول هو المعروف بين المتقدمين على
الشهيد الأول، فإن كلامهم وإن لم يكن صريحا في
ذلك إلا أنه ظاهر فيه، كالشيخ (1)، وابن إدريس (2)،
والمحقق (3)، والعلامة (4) وغيرهم كبعض من تأخر
عن الشهيد الأول (5)، بل نسب هذا القول إلى
المشهور (6)، تمسكا منهم بظواهر بعض النصوص
الدالة على ذلك، مثل موثقة عمار، قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتد
عن الإسلام وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله) نبوته وكذبه، فإن
دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم
ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة
المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله
ولا يستتيبه " (1).
الثاني - القبول مطلقا، وهو المشهور عن
ابن الجنيد، فإنه اشتهر عنه القول بقبول توبة المرتد
مطلقا، مليا كان أو فطريا، ورجلا كان أو امرأة،
ظاهرا وباطنا، وبالنسبة إلى جميع الأحكام (2).
الثالث - التفصيل بين الأحكام المنصوص
عليها: كوجوب قتله، وبينونة زوجته، واعتدادها
عدة الوفاة، وتقسيم أمواله فلا تقبل توبته فيها،
وغيرها فتقبل فيه، بمعنى أنه تصح عباداته ويطهر
بدنه ويملك ما يكتسبه - بعد التوبة - ويجوز له نكاح
المسلمة ونحو ذلك، إلا أنه يجب على الحاكم إجراء
حد المرتد - وهو القتل - عليه، وأنه تبين منه
زوجته، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وتقسم
أمواله بين ورثته، فلا ترتفع هذه الأحكام بالتوبة.
وحجة القائلين بالتفصيل، هي: الجمع بين
الروايات الدالة على عدم قبول التوبة من المرتد
الفطري، والعمومات والإطلاقات الدالة على قبول



(1) المبسوط 7: 282.
(2) السرائر 3: 532.
(3) شرائع الإسلام 4: 183.
(4) أنظر: إرشاد الأذهان 2: 189، وقواعد الأحكام 2:
275، وتحرير الأحكام 2: 235.
(5) مثل الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 2: 435.
(6) أنظر: المسالك (الحجرية) 2: 312، وروض الجنان:
355، وذخيرة الأحكام: 383، ومفتاح الكرامة 8:
35.
(1) الوسائل 28: 324، الباب الأول من أبواب حد
المرتد، الحديث 3.
(2) أنظر الحدائق 11: 15، ومفتاح الكرامة 8: 35،
والمستمسك 2: 120.
25
التوبة بصورة مطلقة، كقوله تعالى: * (والذين
لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم
الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما *
يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا *
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله
سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) * (1). وبعض
الروايات الدالة على قبول توبة الفطري، مثل
ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): " قال:
من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته فتنة
فكفر ثم تاب بعد كفره، كتب له وحسب له كل شئ
كان عمله في إيمانه، ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد
كفره " (2).
وأول من عثرنا - في كلامه - على هذا
التفصيل هو الشهيد الأول في الدروس، حيث قال
- بعد بيان وجوب قتله -: " ولا تقبل منه التوبة
ظاهرا، وفي قبولها باطنا وجه قوي " (3)، وتبعه
الشهيد الثاني، فإنه قال: " ولا خلاف في عدم قبول
توبته بالنسبة إلى جريان هذه الأحكام عليه، بمعنى
أنها تجري عليه، سواء تاب أو لا، وأما عدم قبولها
مطلقا، فالمشهور ذلك، عملا بإطلاق الأخبار،
والحق قبولها فيما بينه وبين الله تعالى حذرا من
التكليف بما لا يطاق، والجمع بين الأدلة الدالة على
قبولها مطلقا، وعدمه هنا... " (1).
وقد رجح هذا الرأي كثير ممن تأخر عن
الشهيد الأول، منهم: ابن فهد الحلي (2)، والمحقق
الأردبيلي (3)، والسيد العاملي (4)، والمحدث
الكاشاني (5)، وصاحب الحدائق (6)، والمحقق
القمي (7)، والشيخ الأنصاري (8)، والمحقق
الهمداني (9)، والسيد اليزدي (10)، والسيد الحكيم (11)،
والسيد الخوئي (12)، ويظهر من الإمام الخميني
أيضا، حيث حكم بطهارته بالتوبة - في بحث



(1) الفرقان: 68 - 70.
(2) الوسائل 16: 104، الباب 99 من أبواب جهاد النفس،
الحديث الأول.
(3) الدروس 2: 52.
(1) المسالك (الحجرية) 2: 312. وانظر الروضة البهية
9: 337.
(2) المهذب البارع 4: 343.
(3) مجمع الفائدة 3: 202.
(4) المدارك 4: 292 - 293، 6: 204 - 205.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 104.
(6) الحدائق 11: 15 - 16.
(7) جامع الشتات (الحجرية) 2: 713.
(8) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 388، المطهرات،
الإسلام.
(9) مصباح الفقيه 1: 639.
(10) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل المطهرات، الثامن
(الإسلام)، المسألة الأولى.
(11) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 383، كتاب
الإرث، الفصل الثاني (موانع الإرث)، المسألة 8.
(12) التنقيح 3: 224.
26
المطهرات (1) - وحكم بعدم قبول إسلامه ظاهرا
ووجوب قتله في بحث الارتداد في الحدود (2).
ملاحظة:
اختلفت عبارات القائلين بهذا التفصيل، فقد
عبر بعضهم بقبول التوبة من الفطري باطنا وعدم
قبولها ظاهرا، كما تقدم عن الشهيدين وصاحب
الحدائق، وعبر بعض آخر بقبولها منه ظاهرا وباطنا
ولكن مع استثناء الأحكام الثلاثة أو الأربعة
المتقدمة، كالسيدين اليزدي والخوئي، وكلهم يريد
معنى واحدا، وهو ما قدمناه من قبولها في غير
الموارد المنصوصة، بل حمل السيد الخوئي كلام
المشهور القائلين بعدم قبول توبته على هذا المعنى
أيضا.
الرابع - التفصيل بين قبول التوبة فيما بينه وبين
الله - فتقبل توبته ويغفر الله له ويدخل الجنة - وعدم
قبولها بحسب الظاهر، بمعنى عدم طهارته، ومعاملته
معاملة الكافر، وعدم السماح له بنكاح المسلمة
وإجراء الأحكام المنصوصة عليه.
ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر (3).
الخامس - التفصيل بين من كان ارتداده
بإنكار بعض الضروريات مع سبق بعض الشبهات،
وكان داخلا في عنوان " المسلمين " مثل الجبرية
والمفوضة والصوفية، فتقبل توبته ظاهرا وباطنا،
ومن لم يكن كذلك فلا تقبل توبته مطلقا.
ذهب إلى هذا التفصيل كاشف الغطاء (1) وتبعه
صاحب الجواهر (2).
وهناك تفصيلات أخر ذكرها المحقق
الهمداني (3) عن بعضهم.
وأما المرتدة الفطرية فلم ينقل فيها الخلاف
صريحا، إلا أن في كلام العلامة والشهيد الثاني
ما يشعر بوجوده، فقد جاء في التحرير: " المرتدة
عن الإسلام لا تقتل سواء ارتدت عن فطرة أو لا،
بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلاة، ولو تابت
فالوجه قبول توبتها وسقوط ذلك عنها وإن كانت
عن فطرة " (4).
وعلى كل فإن بعض الفقهاء لم يتعرض
لموضوع التوبة - فيها - نهائيا كابن إدريس (5)
والمحقق (6) الحليين، بينما تعرض له آخرون، وهؤلاء
منهم من قدم الاستتابة على إجراء الحد - وهو



(1) تحرير الوسيلة 1: 113، كتاب الطهارة، المطهرات،
السابع (الإسلام).
(2) تحرير الوسيلة 2: 445، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة الأولى.
(3) الجواهر 6: 298.
(1) كشف الغطاء: 173.
(2) الجواهر 6: 298.
(3) مصباح الفقيه 1: 638.
(4) تحرير الأحكام 2: 235، وانظر المسالك (الحجرية)
2: 451، ومفاتيح الشرائع (للكاشاني) 2: 105.
(5) السرائر 3: 532.
(6) الشرائع 4: 183.
27
السجن - كالعلامة في القواعد (1)، والمحقق
الأردبيلي (2)، والفاضل الإصفهاني (3)، والمحدث
الكاشاني (4)، والمحدث البحراني (5)، والسيد
الخوئي (6) وغيرهم، ومنهم من قدم الحكم بالسجن
وعلق دوامه على عدم التوبة، كما يظهر من الشيخ (7)
وابن حمزة (8) والعلامة في التحرير (9)، والشهيدين في
الدروس (10) والروضة البهية (11)، وصاحب
الجواهر (12) والإمام الخميني (13) وغيرهم.
ويظهر من الشهيد الثاني في المسالك (14)،
والمحدث الكاشاني في المفاتيح (15)، الميل إلى عدم
قبول توبة الفطرية، وفاقا لظاهر بعض الروايات،
إلا أن الكاشاني جعل ما هو المشهور من قبول
توبتها هو الأولى والأحوط.
حكم الاستتابة ومدتها:
يختلف حكم الاستتابة باختلاف نوع
الارتداد وشخص المرتد، فإن كان الارتداد عن
ملة، فالمعروف بين فقهائنا وجوب الاستتابة فيه إذا
كان المرتد رجلا، بل ادعي عدم الخلاف فيه، للأمر
بها - في الروايات - والاحتياط في الدماء (1).
أما المرتد الفطري فاستتابته غير واجبة على
أغلب الأقوال، لأنه تجري عليه الأحكام الثلاثة أو
الأربعة على أي تقدير، تاب أو لم يتب، نعم على
فرض قبول توبته ووقوعها منه تترتب عليه بعض
الآثار.
وأما المرتدة - سواء كانت فطرية أو ملية -
فلم يظهر من الفقهاء التعرض لوجوب استتابتها،
نعم على القول بتقديم استتابتها على إجراء الحد - أي
السجن - فتجب الاستتابة، لتوقف إجراء الحد
عليها، وأما إذا جعلت التوبة غاية للسجن، بمعنى
أنها تسجن حتى تتوب، فلم يظهر منه لزوم
الاستتابة، وإنما يحكم عليها بالسجن، لكن يعفى
عنها لو تابت.
وأما مدة الاستتابة، فلم يتعرضوا لها إلا



(1) القواعد 2: 275.
(2) مجمع الفائدة 3: 199.
(3) كشف اللثام 2: 436.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 104.
(5) الحدائق 11: 14.
(6) مباني تكملة المنهاج 1: 330.
(7) المبسوط 7: 282.
(8) الوسيلة: 425.
(9) تحرير الأحكام 2: 235.
(10) الدروس 2: 52.
(11) الروضة البهية 9: 343.
(12) الجواهر 41: 611 - 612.
(13) تحرير الوسيلة 2: 445، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة الأولى.
(14) المسالك 2: 451.
(15) مفاتيح الشرائع 2: 105.
(1) الجواهر 41: 613.
28
بالنسبة إلى المرتد الملي، فذكروا فيها أقوالا:
الأول - أنها ثلاثة أيام، لما ورد عن أبي عبد
الله (عليه السلام): " قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المرتد
تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب
ثلاثة أيام، فإن تاب، وإلا قتل يوم الرابع " (1).
ذكره الشيخ (2) ولم يذكر قائله إلا أنه جعله
أحوط القولين، لأنه ربما دخلت عليه شبهة فيتأملها
وينبه عليها، واستحسنه المحقق الحلي (3)، ولم يذكر
العلامة غيره في الإرشاد (4)، ونفى عنه البأس الشهيد
الثاني (5)، ورجحه صاحب الجواهر (6)، واختاره
السيد الخوئي (7)، والإمام الخميني (8).
والرواية وإن كانت مطلقة إلا أنها حملت على
الملي خاصة.
الثاني - يمهل القدر الذي يمكن معه الرجوع
- وهو لا يستلزم الوقت الكثير -، لإطلاق الأدلة،
وعدم قابلية الخبر السابق لتقييدها.
وقوى الشيخ هذا القول في المبسوط (1)،
وتبعه فخر المحققين (2) والشهيد الأول (3).
هذا، واكتفى جماعة بذكر القولين ولم يرجحوا
واحدا منهما، كالعلامة في القواعد (4) والتحرير (5)،
والفاضل الإصفهاني (6)، والمحدث الكاشاني (7)،
إلا أنه زاد قولا ثالثا، وهو عدم وجود حد لذلك،
لعدم الدليل عليه.
الثالث - أنه لا حد له، نسب ذلك إلى الشيخ
في الخلاف (8) - لكن في النسبة تأمل -، وذكره
المحدث الكاشاني كما تقدم.
طهارة المرتد بالتوبة:
الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء - كما ادعي -
في طهارة المرتد الملي، والمرتدة - سواء كانت ملية
أو فطرية - بالتوبة والرجوع إلى الإسلام، وإنما
اختلفوا في طهارة المرتد الفطري بالتوبة، فلهم فيه
قولان:



(1) الوسائل 28: 328، الباب 3 من أبواب حد المرتد،
الحديث 5.
(2) المبسوط 7: 282 - 283.
(3) الشرائع 4: 184.
(4) إرشاد الأذهان 2: 189.
(5) المسالك (الحجرية) 2: 451.
(6) الجواهر 41: 613.
(7) مباني تكملة المنهاج 1: 327 - 328.
(8) تحرير الوسيلة 2: 445، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة الأولى.
(1) المبسوط 7: 282 - 283.
(2) إيضاح الفوائد 4: 550.
(3) الدروس 2: 52.
(4) قواعد الأحكام 2: 275.
(5) تحرير الأحكام 2: 235.
(6) كشف اللثام 2: 436.
(7) مفاتيح الشرائع 2: 104.
(8) الخلاف 5: 504.
29
الأول - القول بطهارته بالتوبة:
وهذا القول لازم كل من قال بقبول توبته في
غير الموارد الأربعة المنصوص عليها، كما هو ظاهر
أو صريح جماعة، منهم: الشهيد الأول (1)، وابن فهد
الحلي (2)، والشهيد الثاني (3)، والفاضل
الإصفهاني (4)، والعلامة الطباطبائي (5)، والمحقق
القمي (6)، والشيخ الأنصاري (7)، والمحقق
الهمداني (8)، والسيد اليزدي (9)، والسيد الحكيم (10)،
والسيد الخوئي (11)، والإمام الخميني (12)، وغيرهم.
الثاني - القول بعدم طهارته:
وهو لازم للقول بعدم قبول توبة الفطري
مطلقا، أو بعدم قبولها في مثل إنكار الذات المقدسة
والرسالة، دون إنكار بعض الضروريات مع سبق
الشبهة والدخول في اسم " المسلمين " كما هو رأي
الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1) وصاحب الجواهر (2).
قضاء ما فات حال الارتداد من العبادات:
يجب على المرتد أن يقضي - إن تاب - ما فاته
من الصلوات، وقد ادعى جماعة من الفقهاء عدم
الخلاف، بل الإجماع على ذلك، منهم: العلامة في
المنتهى (3)، والمحقق الأردبيلي (4)، والمحدث
الكاشاني (5)، والسيد الطباطبائي (6)، ونقل السيد
العاملي الإجماع عن آخرين أيضا (7).
والظاهر أن هذا الحكم جار في جميع
العبادات، كما يظهر من مطاوي كلمات الفقهاء في
القضاء عن العبادات الأخر، كالصوم والحج
ونحوهما، وقد صرح بهذا التعميم بعضهم، كالشيخ
الطوسي، وابن إدريس الحلي (8)، وغيرهما.
قال الشيخ في المبسوط: " من كان مسلما



(1) الذكرى: 15.
(2) المهذب البارع 4: 343.
(3) الروضة البهية 9: 338.
(4) نقله عنه الشيخ الأنصاري في طهارته: 388.
(5) نقله عنه الشيخ الأنصاري في طهارته: 388.
(6) جامع الشتات (الحجرية) 2: 713.
(7) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 388، المطهرات، الإسلام.
(8) مصباح الفقيه 1: 638 - 639.
(9) العروة الوثقى: كتاب الطهارة - فصل المطهرات، الثامن
(الإسلام)، المسألة الأولى.
(10) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 173، كتاب
الطهارة، الفصل الرابع (المطهرات)، الثامن (الإسلام).
(11) التنقيح 3: 224.
(12) تحرير الوسيلة 1: 113، كتاب الطهارة، المطهرات،
السابع (الإسلام).
(1) كشف الغطاء: 173.
(2) الجواهر 6: 298.
(3) المنتهى (الحجرية) 1: 421.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 3: 202.
(5) مفاتيح الشرائع 1: 182.
(6) الرياض 4: 288.
(7) مفتاح الكرامة 3: 381.
(8) السرائر 1: 366.
30
فارتد فإنه يلزمه قضاء جميع ما يفوته في حال ردته
من العبادات " (1).
وقال في الخلاف: " إذا حج حجة الإسلام،
ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، اعتد بتلك الحجة ولم
يجب عليه غيرها. وكذلك كل ما فعله من العبادات،
يعتد بها، وعليه أن يقضي جميع ما تركه قبل عوده
إلى الإسلام، سواء تركه حال إسلامه أو حال
ردته " (2).
غير أنه استشكل في المبسوط في لزوم قضاء
الحج، لأن إسلامه السابق لم يكن إسلاما، لأنه
لو كان كذلك لما جاز أن يكفر، لكنه اعترف بأن
ذلك خلاف المعهود من المذهب (3).
وظاهر عبارة الفقهاء وجوب القضاء مطلقا
سواء كان المرتد مليا أو فطريا، إلا أن الظاهر من
بعضهم اختصاص الحكم بغير الفطري، كما يظهر من
بعض عبارات الشيخ، حيث قال: " أما المرتد الذي
يستتاب فإنه يقضي كل ما يفوته من الصلاة والصوم
والزكاة... " (4).
وقال صاحب المدارك - في قضاء الصلاة -:
" وقد يحصل التوقف في وجوب القضاء على المرتد
عن فطرة، بل وفي غيره من العبادات إن قلنا بعدم
قبول توبته باطنا، لكنه بعيد " (1).
ومثله قال في الجواهر (2)، لكن قد تقدم أنه
اختار عدم قبول توبته.
الارتداد أثناء العمل العبادي:
تعرض الفقهاء لحكم الارتداد أثناء العمل
العبادي ثم الرجوع إلى الإسلام حينه، وفيما يلي
نشير إلى إجمال ذلك:
أولا - الارتداد أثناء الأذان:
لو ارتد المؤذن أثناء الأذان ثم رجع فهل
يستأنف أو يبني على أذانه السابق؟ فيه قولان:
الأول - القول بالاستئناف، ذهب إليه
الشيخ (3)، والقاضي ابن البراج (4)، والعلامة في
التذكرة (5) والنهاية (6).
الثاني - أنه يبني على أذانه السابق - كما يجوز
لغيره أن يبني عليه - وهذا الرأي يظهر من
المحقق (7)، وصرح به العلامة في بعض كتبه (8)،



(1) المبسوط 1: 126 - 127.
(2) الخلاف 2: 434.
(3) المبسوط 1: 305.
(4) المبسوط 1: 127.
(1) المدارك 4: 292.
(2) الجواهر 13: 14.
(3) المبسوط 1: 96.
(4) المهذب 1: 90.
(5) التذكرة 3: 52.
(6) نهاية الإحكام 1: 414.
(7) المعتبر: 163.
(8) المنتهى (الحجرية) 1: 257.
31
والشهيدان (1)، والمحقق الكركي (2)، وصاحب
المدارك (3)، وصاحب الجواهر (4)، والسيد اليزدي (5)
- وقيده بالملي - والسيد الحكيم (6)، والسيد
الخوئي (7).
وصرح بعض من قال بجواز البناء باشتراط
عدم فصل يوجب الإخلال بالموالاة، وهو مراد غير
المصرحين أيضا.
ولو تمم أذانه ثم ارتد جاز لغيره أن يبني عليه
ويدخل في صلاته، وقد صرح به كثير من الفقهاء
ممن تقدم ذكرهم - حتى الشيخ وابن البراج
والعلامة - وغيرهم، بل ادعى صاحب الجواهر عدم
الخلاف فيه (8).
ثانيا - الارتداد أثناء الصوم:
اختلف الفقهاء في صحة الصوم إذا ارتد
الصائم أثناء النهار ثم تاب ورجع إلى الإسلام
ولم يرتكب مفطرا، والأقوال في المسألة
ثلاثة:
الأول - صحة الصوم وعدم إفساده
بالارتداد: ذهب إليه الشيخ (1)، وابن إدريس (2)
والمحقق (3)، ونسبه صاحب المدارك (4) إلى جماعة.
الثاني - فساد الصوم، لأن الصوم عبادة
واحدة فلا يتبعض، وإذا بطل جزء منه لفوات
شرطية الإسلام (5) أو استدامة النية (6) فيه بطل
الكل أيضا، ذهب إلى هذا القول العلامة في بعض
كتبه (7)، والشهيد في الدروس (8)، وصاحب
المدارك (9)، وصاحب الجواهر (10)، والسيد
اليزدي (11)، والسيد الحكيم (12)، والسيد الخوئي (13)،



(1) البيان: 146، المسالك 1: 190.
(2) جامع المقاصد 2: 180.
(3) المدارك 3: 293.
(4) الجواهر 9: 120.
(5) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، الفصل 18 ما يستحب في
الأذان - العاشر، المسألة 6.
(6) المستمسك 5: 611.
(7) مستند العروة (الصلاة) 2: 411.
(8) الجواهر 9: 120.
(1) المبسوط 1: 266.
(2) السرائر 1: 366.
(3) المعتبر: 313.
(4) المدارك 6: 205.
(5) المصدر نفسه، والمختلف كما سيأتي.
(6) الجواهر 16: 327.
(7) أنظر المختلف 3: 458.
(8) الدروس 1: 269.
(9) المدارك 6: 205.
(10) الجواهر 16: 327.
(11) العروة الوثقى: كتاب الصوم، فصل شرائط صحة
الصوم، الأمر الأول.
(12) المستمسك 8: 403، حيث لم يعلق على كلام صاحب
العروة في هذا المورد.
(13) مستند العروة (الصوم) 1: 423، ولم يعلق على كلام
صاحب العروة أيضا.
32
والإمام الخميني (1).
الثالث - التوقف: اختاره صاحب
الحدائق (2)، لعدم ورود نص فيه بالخصوص أو
بالعموم.
ثالثا - الارتداد أثناء الحج:
لو أحرم مسلما، ثم ارتد، ثم تاب لم يبطل
إحرامه على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب
- كما قال صاحب المدارك (3) - إلا على ما احتمله
الشيخ من أن الإسلام لا يتعقبه كفر، فلو كفر بعد
إسلامه كشف عن عدم إسلامه واقعا، فلا يقع ما
أحدثه من الإحرام صحيحا (4).
ولكن قد تقدم أنه صرح هو بكون ذلك
خلاف مذهب الأصحاب.
رابعا - الارتداد أثناء الطهارة والصلاة:
لم يتعرض أكثر الفقهاء للارتداد أثناء
الطهارات الثلاث والصلاة. نعم، تعرض بعضهم
لذلك بالمناسبة عند تطرقهم للارتداد أثناء ما تقدم،
فالذي يظهر من صاحب الجواهر أن الارتداد في
الأثناء والعود إلى الإسلام مبطل للصلاة - كالصوم -
دون الوضوء، قال:
" ولو أحرم مسلما، ثم ارتد ثم تاب، لم يبطل
إحرامه على الأصح، لما عرفته في الحج من الأصل
وغيره بعد عدم دخول الزمان في مفهومه كالصوم،
كي يتجه بطلانه بمضي جزء منه - ولو يسيرا - وعدم
ثبوت اشتراط الاتصال فيه كالصلاة كي يتجه
بطلانه حينئذ بحصول المنافي للارتباط، بل هو أشبه
شئ بالوضوء والغسل ونحوهما مما لا تبطل الردة
ما وقع من أجزائهما إذا حصلت في أثنائهما، فإذا
عاد إسلامه بنى حينئذ ما لم يحصل مبطل خارجي
كالجفاف ونحوه... " (1).
ولكن يظهر من السيد اليزدي عدم الإخلال
حتى في الصلاة، قال:
" لو أحرم مسلما، ثم ارتد ثم تاب، لم يبطل
إحرامه على الأصح، كما هو كذلك لو ارتد في أثناء
الغسل ثم تاب، وكذا لو ارتد في أثناء الأذان أو
الإقامة أو الوضوء، ثم تاب قبل فوات الموالاة، بل
وكذا لو ارتد في أثناء الصلاة، ثم تاب قبل أن يأتي
بشئ أو يفوت الموالاة، على الأقوى من عدم كون
الهيئة الاتصالية جزءا فيها، نعم لو ارتد في أثناء
الصوم بطل وإن تاب بلا فصل " (2).



(1) تحرير الوسيلة 1: 250، كتاب الصوم، شرائط صحة
الصوم، المسألة الأولى.
(2) الحدائق 13: 298.
(3) المدارك 7: 71.
(4) المبسوط 1: 305.
(1) الجواهر 17: 304، وانظر 9: 121، بحث الارتداد
أثناء الأذان.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط وجوب
الحج، المسألة 76.
33
نكاح المرتد:
تارة يراد من النكاح العلقة الزوجية
الموجودة فعلا، وتارة يراد منه تجديدها:
أولا - حكم النكاح الموجود:
يختلف الحكم فيه باختلاف المرتد ونوع
ارتداده إجمالا، فنقول:
إن كان المرتد هو الزوج، فله حالتان:
الأولى - أن يكون ارتداده عن فطرة: فإنه
تبين منه زوجته - في الحال - وتعتد عدة الوفاة، لأنه
محكوم عليه بالقتل، ولا فرق بين ارتداده قبل
الدخول أو بعده (1).
هذا إذا قلنا بعدم قبول توبته مطلقا، وأما
لو قلنا بقبولها فيما عدا الأحكام المنصوصة، فلو تاب
ولم يقتل، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إمكان رجوعه
إلى زوجته بعقد جديد، لأن البينونة بينهما لم تكن
على وجه الحرمة الأبدية، بل المراد منها ارتفاع
العلقة الزوجية الموجودة فعلا، وقد حصل.
وممن ذهب إلى هذا الرأي: الشهيد الثاني (2)
- على احتمال - والسيد اليزدي (1) والسيد الحكيم (2)
والسيد الخوئي (3) والإمام الخميني (4).
الثانية - أن يكون ارتداده عن ملة: ويلحق
به ما لو كانت المرتدة هي الزوجة - سواء كان
ارتدادها عن فطرة أو ملة - ففيه حالتان أيضا:
أ - إذا كان الارتداد قبل الدخول انفسخ
النكاح في الحال، وقد ادعي عدم الخلاف فيه، لعدم
جواز نكاح الكافر مسلمة أو المسلم كافرة، ابتداء
أو استدامة.
ب - وإن كان الارتداد بعد الدخول، توقف
فسخ الزوجية على انقضاء العدة، فإن تاب المرتد في
العدة - سواء كان الزوج أو الزوجة - رجعت
الزوجية بنفس التوبة والرجوع إلى الإسلام، وإن
كان بعد انقضائها، فهو خاطب كسائر الخطاب.
وهذا هو المعروف أيضا.
لكن يظهر من صاحب الحدائق - استنادا إلى
رواية -: أن المرتد إذا كان هو الزوج تبين منه
زوجته بمجرد الارتداد وإن كان ارتداده عن ملة،
ولو تاب فهو خاطب من الخطاب، بلا فرق بين



(1) أنظر هذا وما بعده مما يخص الموضوع، المصادر التالية:
المبسوط 4: 238، السرائر 2: 707، الشرائع 2:
294، قواعد الأحكام 2: 19، الدروس 2: 55، جامع
المقاصد 12: 410 - 411، المسالك (الحجرية) 1:
490 و 494، نهاية المرام 1: 193، كشف اللثام 2:
46، الحدائق 24: 25، الجواهر 30: 47، النكاح
(للشيخ الأنصاري): 401.
(2) المسالك (الحجرية) 2: 451.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الثامن
(الإسلام)، المسألة الأولى.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 383، كتاب
الإرث، الفصل الثاني (موانع الإرث)، المسألة 8.
(3) التنقيح 3: 230.
(4) تحرير الوسيلة 2: 332، كتاب الإرث، موانع الإرث،
الكفر، المسألة 10.
34
توبته أثناء العدة أو بعدها.
وأما المهر:
فإن كان الارتداد من قبلها وكان قبل
الدخول، فليس لها من المهر شئ، لأن الفسخ جاء
من ناحيتها.
وإن كان الارتداد من قبل الزوج ووقع قبل
الدخول، ففيه قولان:
الأول - أن لها نصف المهر - إما المهر المسمى
إن كان، أو مهر المثل - حملا له على الطلاق، حيث
يكون موجبا لاستحقاق نصف المهر إن وقع قبل
الدخول.
الثاني - أن لها جميع المهر، لثبوته بمجرد العقد،
وإنما قيل بالنصف في الطلاق للدليل الخاص، وحمل
الارتداد عليه قياس، ويتأكد هذا الحكم في
الفطري، لأنه بحكم الميت، والموت قبل الدخول
موجب لاستحقاق جميع المهر على بعض الآراء.
وأما إذا تحقق الارتداد بعد الدخول
فلا يسقط من المهر شئ، لاستقراره بالدخول (1).
ثانيا - تجديد النكاح:
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى العلقة الزوجية
الموجودة فعلا، وأما بالنسبة إلى تجديدها،
فلا يجوز للمرتد التزويج بمسلمة، ولا للمرتدة
التزويج بمسلم، لاشتراط المساواة في الدين في
النكاح، بل صرح بعض الفقهاء - كالشيخ (2)
والمحقق الحلي (1)، والعلامة (2)، والشهيد الأول (3)
وابن فهد (4) - بعدم جوازه حتى مع الكافر والكافرة
أيضا سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، وسواء
كان المرتد هو الزوج أو الزوجة، نعم استشكل
بعضهم، كالشهيد الثاني (5)، وصاحب الجواهر (6)، في
عدم جواز تزويج المرتد بالكتابية بناء على جواز
تزويج المسلم بها، ولذلك استظهر السيد الخوئي
الجواز (7).
هذا كله قبل التوبة، أما بعدها فيصح من
الملي. وأما الفطري، فكل من قال بعدم قبول توبته،
فمقتضاه عدم تجويزه تجديد النكاح، وكل من قال
بقبولها، فقد يقول بعدم جواز تجديد النكاح - ولو
بغير زوجته - كالحلي ابن فهد (8)، وقد يقول بالجواز
كالسيد اليزدي (9)، والسيد الحكيم (10) والسيد
الخوئي (11)، والإمام الخميني (12).



(1) أنظر المصادر السابقة.
(2) المبسوط 7: 289.
(1) شرائع الإسلام 4: 185.
(2) القواعد 2: 276.
(3) الدروس 2: 55.
(4) المهذب البارع 4: 343.
(5) المسالك (الحجرية) 2: 452، وانظر الروضة البهية
9: 338.
(6) الجواهر 41: 628.
(7) مباني تكملة المنهاج 1: 335، المسألة 276.
(8) المهذب البارع 4: 343.
(9) تقدمت الإشارة إلى مصادر أقواله في الصفحة السابقة.
(10) تقدمت الإشارة إلى مصادر أقواله في الصفحة السابقة.
(11) تقدمت الإشارة إلى مصادر أقواله في الصفحة السابقة.
(12) تقدمت الإشارة إلى مصادر أقواله في الصفحة السابقة.
35
أولاد المرتد:
كل مولود انعقدت نطفته أو ولد قبل ارتداد
والديه فهو بحكم المسلم، وكل من ارتد أحد والديه
والآخر مسلم فهو بحكم المسلم أيضا، كل ذلك
لاستصحاب حاله السابق الذي لا دليل على تغيره
بارتداد أحد والديه (1)، ولقاعدة " التبعية " الدالة
على تبعية الأولاد لأشرف الأبوين (وهو
المسلم) (2).
وأما لو انعقدت نطفته من أبوين مرتدين،
فهو بحكم المرتد، واحتمل الشهيد في الدروس أن
يكون كافرا، لأنه لم يسبق له إسلام ولا تبعية
إسلام، واحتمل - ضعيفا - أن يكون مسلما، لبقاء
علاقة الإسلام، وحديث الولادة على الفطرة (3).
ومن كان بحكم المسلم وبلغ ووصف الإسلام
واعتقد به ثم ارتد، فارتداده يكون عن فطرة.
وأما إذا بلغ مرتدا ولم يصف الإسلام فهل
يكون ارتداده عن فطرة أو لا؟ فيه قولان:
الأول - أنه بحكم الارتداد عن ملة، فيجب
استتابته، فإن تاب فهو، وإلا أجريت عليه أحكام
المرتد.
ذهب إلى هذا الرأي جماعة، منهم: الشيخ (1)
والمحقق الحلي (2)، والفاضل الإصفهاني (3)، وصاحب
الجواهر (4)، والإمام الخميني (5)، والسيد الخوئي (6).
ويظهر ذلك من السيد الحكيم، بناء على
اشتراطه وصف الإسلام عند البلوغ في صدق
الارتداد (7).
الثاني - أنه بحكم الارتداد عن فطرة، وهو
الظاهر من الشهيد الثاني (8)، ونسبه في الجواهر (9)
إلى العلامة والشهيد الأول.
أموال المرتد:
يختلف حكم مال المرتد باختلاف نوع
الارتداد:
أولا - إن كان الارتداد عن فطرة، زالت عنه
أمواله الموجودة حال الارتداد، وانتقلت إلى ورثته
بعد إخراج الديون والحقوق الواجبة، وإن لم يكن له
وارث فيرثه الإمام كسائر موارد الإرث، ولا فرق



(1) الجواهر 41: 616.
(2) التنقيح 3: 238.
(3) الدروس 2: 54، ولعل مراده من حديث الولادة على
الفطرة ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): " كل مولود يولد على
الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه "
أنظر عوالي اللآلي 1: 35، الحديث 18.
(1) المبسوط 7: 285.
(2) شرائع الإسلام 4: 184.
(3) كشف اللثام 2: 437.
(4) الجواهر 41: 616 - 617.
(5) تحرير الوسيلة 2: 446، كتاب الحدود، الارتداد،
المسألة 4، وانظر موانع الإرث، الكفر، المسألة 10.
(6) مباني تكملة المنهاج 1: 329، المسألة 270.
(7) المستمسك 2: 121.
(8) المسالك (الحجرية) 2: 451.
(9) الجواهر 41: 617.
36
في ذلك بين توبته وعدمها.
وأما ما يكتسبه بعد الارتداد - بالحيازة
والاحتطاب وإجارة نفسه والاتهاب ونحو ذلك -
فهل يدخل في ملكه أو لا؟ اختلف الفقهاء فيه على
أقوال:
الأول - أنه لا يملك، لعدم قابليته للتملك،
لأنه بحكم الميت لوجوب قتله، ويظهر هذا الرأي
من الشيخ (1) والعلامة (2) وولده فخر الدين (3) وابن
فهد (4).
الثاني - أنه يملكه ولكن ينتقل إلى ورثته،
وعلى هذا لا ينقطع إرثه ما دام حيا، احتمله العلامة
في التحرير (5) بعد ترجيح الأول، واحتمل الأول
والثاني الشهيدان (6) والفاضل الإصفهاني (7)، إلا أن
الشهيدين استبعدا عدم انقطاع إرثه ما دام حيا.
الثالث - أنه يملكه ولا ينتقل إلى ورثته، وهو
الظاهر من السيد الحكيم (8)، والسيد الخوئي (9).
الرابع - التفصيل بين زمان ردته وعدم توبته
وزمان توبته، فلا يملك قبل التوبة لكنه يملك بعدها.
اختاره السيد اليزدي (1)، ويظهر من الإمام
الخميني (2).
ثانيا - وإن كان الارتداد عن ملة لم تزل عنه
أملاكه، بل يملك ما يكتسبه عن طريق مشروع، نعم
يكون محجورا عليه كالسفيه، فيمنعه الحاكم من
التصرف في أمواله، لكن يقضي عنه ديونه، ويؤدي
عنه الحقوق الواجبة عليه، بل وحتى نفقة أقاربه غير
واجبي النفقة، فإن تاب رفع الحجر عنه، وإن قتل أو
مات انتقلت أمواله إلى ورثته المسلمين بعد قضاء
ديونه وأداء الحقوق الواجبة عليه، ولا تؤدى نفقة
أقاربه غير واجبي النفقة حينئذ.
كل ذلك هو المعروف من مذهب الإمامية،
وإن كان يظهر من كلام الشيخ في المبسوط (3) بقاء
ملك المرتد الملي موقوفا، بمعنى أنه إن تاب تبينا أن
ملكه كان باقيا وإلا فلا، لكن قوى بعد ذلك عدم
زوال ملكه أصلا، ونقل عن الخلاف وجود قولين في
المسألة (4)، لكن الموجود فيه موافق للمشهور (5).



(1) المبسوط 7: 283 (يستفاد من ذيل كلامه).
(2) قواعد الأحكام 2: 276، تحرير الأحكام 2: 236.
(3) إيضاح الفوائد 4: 554.
(4) المهذب البارع 4: 342.
(5) تحرير الأحكام 2: 236.
(6) الدروس 2: 54، والروضة البهية 9: 340.
(7) كشف اللثام 2: 437.
(8) المستمسك 2: 120.
(9) هذا ما يقتضيه صدر كلامه، لكن يظهر من تتمة كلامه
القول الرابع، ولعله وقع الخلط من المقرر، فراجع التنقيح
3: 229 - 230.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الثامن
(الإسلام)، المسألة الأولى.
(2) تحرير الوسيلة 2: 332، كتاب الإرث، موانع الإرث،
الكفر، المسألة 10.
(3) المبسوط 7: 283.
(4) كشف اللثام 2: 437.
(5) أنظر الخلاف 5: 358، المسألة 7.
37
وهل يعامل معه معاملة المحجور، بنفس
الارتداد، أو يتوقف على حكم الحاكم عليه
بالحجر؟ قوى العلامة (1) والشهيد الأول (2) الحجر
بنفس الارتداد، واحتمل الفاضل الإصفهاني
الثاني، لأن الارتداد مسألة اجتهادية ولا بد للحاكم
من إعمال رأيه فيها (3)، وفصل ابن فهد بين ما كان
سبب الارتداد أمرا اجتهاديا، فيتوقف الحجر على
رأي الحاكم، وما لم يكن كذلك، بل كان أمرا قطعيا
فلا يتوقف (4).
ثالثا - حكم المرأة المرتدة - وإن كان
ارتدادها عن فطرة - حكم المرتد الملي.
ولاية المرتد:
لا ولاية للمرتد على أولاده إذا كانوا مسلمين
أو بحكمهم، ولذلك لا يصح تزويجه بنته المسلمة وإن
كان الزوج مسلما، لعدم ولاية غير المسلم على
المسلم (5).
تصرفات المرتد:
التصرفات إما مالية أو غيرها.
أما المالية، فإن كان الارتداد عن فطرة،
فالظاهر من القائلين بعدم قبول توبته وزوال ملكه
عدم نفوذ تصرفاته أيضا، وقد صرح بذلك
بعضهم: كالشيخ (1) والعلامة (2) والفاضل
الإصفهاني (3)، ويظهر من ابن فهد الحلي (4) - وإن
قال بقبول توبته إجمالا - وغيره. لكن صرح بعض
الفقهاء - كالشهيد الثاني (5) والمحدث الكاشاني (6) -
بصحة معاملاته بعد التوبة، كما يظهر ذلك من بعض
آخرين، لأنهم قالوا بقابليته للتملك وعدم انتقال
ما يملكه من جديد إلى الورثة، ولم يتطرقوا إلى
مسألة الحجر عليه (7).
وإن كان الارتداد عن ملة، فلا كلام في صحة
تصرفاته بعد التوبة، وأما قبلها، فقد قال الشيخ في
الخلاف (8): " إن ملكه لا يزول، وتصرفه صحيح "،



(1) القواعد 2: 276.
(2) الدروس 2: 54.
(3) كشف اللثام 2: 438.
(4) المهذب البارع 4: 343.
(5) أنظر: المبسوط 7: 289، والقواعد 2: 276،
والدروس 2: 55، والمهذب البارع 4: 340، والروضة
البهية 9: 347، والجواهر 41: 629، والعروة: كتاب
النكاح، فصل أولياء العقد، المسألة 16، والمستند
(النكاح) 2: 311.
(1) المبسوط 7: 283.
(2) القواعد 2: 276، والتحرير 2: 236.
(3) كشف اللثام 2: 438.
(4) المهذب البارع 4: 342.
(5) الروضة البهية 9: 338.
(6) مفاتيح الشرائع 2: 104.
(7) أنظر المستمسك 2: 120، والتنقيح 3: 229 - 230،
وتحرير الوسيلة 2: 332، كتاب الإرث، موانع الإرث،
الكفر، المسألة 10.
(8) الخلاف 5: 358، كتاب المرتد، المسألة 7.
38
وقال الشهيد في الدروس: " وفي فساد تصرفاته في
أمواله مطلقا أو بشرط الموت على الردة وجهان " (1).
ويرى بعض الفقهاء: أن تصرفاته موقوفة،
فإن تاب نفذت، وإلا فلا، كما يظهر من الشيخ في
المبسوط (2)، والعلامة في القواعد (3)، والفاضل
الإصفهاني (4)، وصاحب الجواهر (5).
وفصل العلامة في التحرير بين ما قبل حجر
الحاكم وما بعده، فالتزم بالوقف في الأول والبطلان
في الثاني (6).
وأما التصرفات غير المالية، فلم أوفق للعثور
على كلام صريح لهم بالنسبة إلى الفطري.
وأما بالنسبة إلى الملي، فقد صرح بعض
الفقهاء بنفوذها، كالعلامة في القواعد (7)، والفاضل
الإصفهاني (8) وصاحب الجواهر (9).
ضمان المرتد:
كل ما يتلفه المرتد - سواء كان فطريا أو
مليا - من المسلم، سواء كان الإتلاف في النفس أو
الطرف أو المال، يضمنه، لعموم الأدلة، سواء أتلفه
في دار الحرب أو دار الإسلام حال الحرب وبعد
انقضائها (1).
ميراث المرتد:
لا يرث المرتد المسلم بلا خلاف فيه بين
المسلمين - كما في الجواهر - نعم يرث المسلم المرتد،
بل يحجب المسلم سائر ورثة المرتد غير المسلمين
عن الإرث، فالمرتد عن فطرة تنتقل أمواله إلى
ورثته المسلمين، ولا يرثه غير المسلم، وكذا المرتد
عن ملة لو أقيم عليه الحد، أو مات قبل أن يتوب.
وإن لم يكن للمرتد وارث مسلم أو من بحكمه
ورثه الإمام (عليه السلام) (2).
عقوبة المرتد:
أما الفطري فعقوبته القتل، سواء تاب أو لم
يتب. ولو تاب بينه وبين الله فقد صرح السيد
اليزدي بأنه: لا يجب تعريض نفسه للقتل، بل
يجوز له الممانعة منه، قال في العروة: " لا يجب



(1) الدروس 2: 54.
(2) المبسوط 7: 283، 284.
(3) القواعد 2: 276.
(4) كشف اللثام 2: 438.
(5) الجواهر 41: 620 - 621.
(6) التحرير 2: 236.
(7) القواعد 2: 276.
(8) كشف اللثام 2: 438.
(9) الجواهر 41: 621.
(1) أنظر: المبسوط 8: 72، والشرائع 4: 185، والقواعد
2: 277، والتحرير 2: 236، والدروس 2: 55،
وكشف اللثام 2: 438، والجواهر 41: 625، وغيرها.
(2) راجع الجواهر 39: 15 - 17، وغيره من الكتب
الفقهية في هذا الموضوع.
39
على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل،
بل يجوز له الممانعة منه وإن وجب قتله على
غيره " (1).
ووافقه السيدان الحكيم (2) والخوئي (3)، إلا أن
الأخير حمل كلامه على ما إذا تاب بينه وبين الله قبل
أن يثبت عند الحاكم، فعندئذ لا يجب عليه اظهار
ارتداده عند الحاكم، لوجوب حفظ النفس، بل له
رد الشاهدين وإنكار شهادتهما، أو الفرار قبل إقامة
الدعوى عند الحاكم، ولأنه اظهار للمعصية وإفضاح
لنفسه، وهو حرام.
وأما بعد ثبوت الارتداد عند الحاكم فلا يبعد
القول بوجوب تسليم نفسه للقتل، لوجوب تنفيذ
حكم الحاكم الشرعي وحرمة الفرار منه.
وأما المرتد الملي فعقوبته القتل - أيضا -
إلا أن يتوب، فإن تاب رفع عنه القتل.
وأما المرتدة - فطرية كانت أو ملية -
فعقوبتها السجن حتى تتوب، أو تموت، ويضيق
عليها فيه.
وربما يظهر من الشهيد الثاني (4) التفصيل
بين الفطرية وغيرها، فتخلد الفطرية ولا تقبل
توبتها، بينما تقبل توبة الملية ويفرج عنها بعد التوبة،
جمعا بين بعض الروايات، إلا أن المشهور ما ذكرناه
أولا.
واختلفوا في من يتولى القتل في مورد
وجوبه، فذهب بعضهم إلى أن المتولي هو الإمام أو
من ينوبه. ولو بادر غيره إلى قتله فلا ضمان، لأنه
مباح الدم، لكنه يأثم ويعزر. واختار هذا الرأي
الشيخ (1) والشهيد الأول (2) وابن فهد (3) - إلا أنه لم
يذكر التعزير - والفاضل الإصفهاني (4).
وذهب آخرون إلى أنه يجوز لكل من سمع
الفطري، أو رأى منه ما يوجب الارتداد أن يقتله،
مثل يحيى بن سعيد (5) والعلامة (6) الحليين.
ولا بد من إثبات ارتداد المقتول لو طولب
بدمه.
ولو تاب الملي فبادر أحد فقتله ولم يعلم
بتوبته، فقد رجح الشيخ (7) ثبوت القصاص فيه،



(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الثامن
(الإسلام)، المسألة 4.
(2) المستمسك 2: 125.
(3) التنقيح 3: 237.
(4) المسالك (الحجرية) 2: 451، وربما يظهر ذلك من كل
من كان له تأمل في قبول توبة الفطرية، كالمحدث
الكاشاني.
(1) المبسوط 7: 284.
(2) الدروس 2: 53.
(3) المهذب البارع 4: 342.
(4) كشف اللثام 2: 435 - 436.
(5) الجامع للشرائع: 567.
(6) القواعد 2: 275.
(7) المبسوط 8: 72، وكلامه مطلق لا يختص بالملي، لكن
ينبغي حمل كلامه عليه، لتحتم قتل الفطري وإن تاب
وقبلت توبته فضلا عن عدم قبولها كما هو مبناه.
40
وتردد فيه المحقق (1)، لعدم صدق عنوان " القصد إلى
قتل المسلم " الذي هو موضوع القصاص، وجعله
صاحب الجواهر (2) من قبيل الشبيه بالعمد الذي
عقوبته جعل الدية في ماله.
الارتداد الجماعي:
وهو أن يرتد جماعة، ويكونوا في منعة.
لم يتطرق أغلب الفقهاء لهذا النوع من
الارتداد، نعم تطرق له الشيخ بصورة مستقلة تحت
عنوان " قتال أهل الردة "، فقال ضمن كلامه:
" إذا كان المرتدون في منعة، فعلى الإمام
أن يبدأ بقتالهم قبل قتال أهل الكفر الأصلي من
أهل الحرب، لإجماع الصحابة على ذلك، وإذا
قوتل أهل الردة، فمن وقع منهم في الأسر، فإن
كان عن فطرة الإسلام قتلناه على كل حال،
وإن لم يكن كذلك استتبناه... فإن تاب وإلا
قتلناه... " (3).
ثم ذكر أحكاما عديدة تشارك الردة
الانفرادية.
إلى هنا نكتفي في بحثنا عن موضوع
" الارتداد "، وبقيت بعض الفروع، أهملناها لعدم
اتساع المجال.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - النجاسات، نجاسة الكافر.
ب - المطهرات، مطهرية الإسلام،
الأسئار.
2 - كتاب الصلاة: حكم تارك الصلاة
مستحلا، الارتداد أثناء الأذان، قضاء
ما فات المرتد قبل ارتداده وحينه.
3 - كتاب الصوم: حكم تارك الصوم
مستحلا، والارتداد أثناء الصوم.
4 - كتاب الزكاة: حكم تارك الزكاة
مستحلا.
5 - كتاب الحج: حكم تارك الحج مستحلا،
والارتداد أثناء الحج.
6 - كتاب البيع: بيع العبد المرتد.
7 - كتاب النكاح: أسباب التحريم، الكفر.
8 - كتاب الإرث: موانع الإرث، الكفر.
9 - كتاب الحدود: حد الارتداد.
وربما يتعرض له في مواطن أخرى،
كالقصاص ونحوه.
وقد أفرد كل من الشيخ - في المبسوط
والخلاف - والشهيد - في الدروس - كتابا
مستقلا للبحث عن المرتد سمياه ب‍ " كتاب
المرتد "، وأضاف الشيخ كتابا سماه
" كتاب قتال أهل الردة ".



(1) الشرائع 4: 186.
(2) الجواهر 41: 635.
(3) المبسوط 8: 71.
41
ارتزاق
لغة:
طلب الرزق وأخذه (1)، والرزق: العطاء
الجاري دنيويا وأخرويا، والنصيب، وما يصل إلى
الجوف ويتغذى به (2).
اصطلاحا:
الرزق هو: ما يأخذه المستحق من بيت
المال، سواء كان من عمال الدولة، كالقضاة والولاة
والجند وغيرهم، أو لا، كالمحاويج الذين لا طريق
لهم للارتزاق غيره.
والذي نقصده بالبحث - فعلا - هو ارتزاق
عمال الدولة، ولذلك عرف الشهيد الأول الرزق ب‍:
أنه إحسان ومعروف وإعانة من الإمام على قيام
بمصلحة عامة، وليس فيه معاوضة (3).
الأحكام:
ذكروا للارتزاق أحكاما عديدة نشير إلى
أهمها، ونحيل الجزئيات إلى المواطن التي نضطر
إلى التعرض للموضوع فيها، كالقضاء والأذان
ونحوهما، وقد تقدم الأذان، وبقي القضاء.
الفرق بين الإجارة والارتزاق:
أهم الفروق بين الإجارة والارتزاق هي:
1 - إن الإجارة عقد لازم لا يجوز فسخه إلا
بسبب، والارتزاق مقابل العمل جائز لا لزوم فيه،
فيجوز فسخه.
2 - ينبغي ضبط الأجرة والمدة ونوع العمل
ونحو ذلك في الإجارة، في حين لا يشترط ذلك في
الارتزاق فيجوز زيادته ونقصه وتغيير جنسه
وتبديله بحسب المصلحة بخلاف مال الإجارة (1)، بل
كل ذلك يناط بنظر ولي المسلمين، فيدفع إلى
المرتزق ما يرفع به حاجته، سواء كان أكثر من
أجرة مثل عمله أو أقل أو مساويا، ولا فرق بين
أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام بالعمل أو
قبله (2).
وللمحقق الأردبيلي في بعض هذه الفروق
تأمل (3).
الضابطة في استحقاق الرزق:
نسب إلى جمع كثير من أعاظم أصحابنا: أنه



(1) لسان العرب، الصحاح: " رزق ".
(2) مفردات ألفاظ القرآن: " رزق ".
(3) القواعد والفوائد 2: 126، القاعدة 190.
(1) القواعد والفوائد 2: 126، القاعدة 190.
(2) المكاسب 2: 153 - 154.
(3) مجمع الفائدة 8: 92 - 93.
42
يعتبر الفقر والاحتياج في استحقاق الرزق (1).
والمراد من الحاجة هي المتعارفة وعلى حسب
العادة، لا مقدار الضرورة التي لا يعيش بدونها (2)،
فيعطى للمحتاج ما يرفع حاجته المتعارفة والمطابقة
لشأنه، ولكن يوهم كلام الشيخ الأنصاري لزوم
الاقتصار على الضروريات (3).
والحاجة إما منشؤها الفقر، أو الاشتغال
بأمور يتوقف عليها نظام المجتمع، فيمنعه من القيام
بتحصيل ما يحتاجه لنفسه وعياله (4).
ولكن يرى بعض الفقهاء: أن الحاجة غير
معتبرة في استحقاق الرزق، بل يجوز للمتصدين
للأعمال غير الواجبة الامتناع عن القيام بها بدون
الارتزاق (5).
ويظهر من الشيخ والمحقق الحلي: أن الضابطة
في استحقاق الرزق هي: إما الحاجة، أو التصدي
لعمل غير متعين عليه وإن كان الأفضل عدم أخذ
الرزق مع وجود كفاية له (6).
ولهم فيها تفصيلات يراجع فيها العنوانان:
" أذان "، " قضاء "، ونحوهما.
حكم الارتزاق تكليفا:
الارتزاق جائز لمن يستحقه، وتشخيص
المستحق مع من له الأمر، فإن بيت المال معد لمصالح
المسلمين، وكلما اقتضت مصلحتهم الصرف من بيت
المال فيه فهو جائز، لكن اشترط بعضهم في جواز
الارتزاق للقائمين بالأعمال العامة عدم وجود متبرع
بالعمل، فلو وجد المتبرع مع فرض التساوي في
الكفاءة فلا يجوز الارتزاق، لأنه بخلاف مصلحة
المسلمين (1).
وصرح الشيخ الأنصاري: بأنه لا فرق في أن
يأخذ الرزق من السلطان العادل أو الجائر، لحلية
بيت المال لأهله ولو خرج من يد الجائر (2). ومن
المعلوم أن ذلك بعد فرض حلية نفس العمل الذي
يقوم به من قبل الجائر إذا كان ارتزاقه لأجل
اشتغاله بالعمل.
أما الروايات، فإنها بين مجوزة لأخذ شئ
على القيام ببعض الأعمال، وناهية، لكن حملت
الناهية على أخذ الأجرة مقابل العمل لا الارتزاق،
أو على محامل أخرى.



(1) مصباح الفقاهة 1: 482، وانظر الجواهر 40: 51 -
52، والروضة البهية 3: 71، وغيرهما.
(2) مجمع الفائدة 8: 94.
(3) المكاسب 2: 153 - 154.
(4) المبسوط 8: 85، الجواهر 40: 51 - 52، و 22:
123، المكاسب 2: 153 - 154.
(5) مصباح الفقاهة 1: 482، وانظر القضاء للمحقق الرشتي
1: 69.
(6) المبسوط 8: 84 - 85، شرائع الإسلام 4: 69.
(1) أنظر: الذكرى: 173، والحدائق 7: 351، والجواهر
9: 73.
(2) المكاسب 1: 245.
43
أما الروايات الناهية، فمنها:
1 - ما رواه عبد الله بن سنان، قال: " سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن قاض بين قريتين، يأخذ من
السلطان على القضاء الرزق، فقال: ذلك
السحت " (1).
وحملها الفقهاء على ما إذا كان قاضيا من قبل
الجائر من دون عذر مقبول، فيكون عمله حراما
وأخذ المال بإزائه سحتا، أو على كون ما يأخذه
أجرا لا ارتزاقا (2).
2 - ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " آخر
ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي، إذا
صليت فصل صلاة أضعف من خلفك، ولا تتخذن
مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا " (3).
وأما الروايات المجوزة، فمنها:
1 - ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " لا بد
من إمارة ورزق للأمير، ولا بد من عريف ورزق
للعريف، ولا بد من حاسب ورزق للحاسب، ولا بد
من قاض ورزق للقاضي، وكره أن يكون رزق
القاضي على الناس الذين يقضي لهم، ولكن من بيت
المال " (4).
2 - وعن العبد الصالح (عليه السلام) - في حديث
طويل في الخمس والأنفال والغنائم والأرض، ذكر
فيه الزكاة وحصة العمال... -: " ويؤخذ الباقي،
فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله، وفي
مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام، وتقوية الدين
في وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه مصلحة
العامة... " (1).
3 - وجاء في عهد علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر
حينما ولاه مصر:
" واعلم أن الرعية طبقات: منها جنود الله،
ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل "
إلى أن قال: " ولكل على الوالي حق بقدر
ما يصلحه "، ثم قال بعد أمره باختيار أفضل رعيته
للقضاء: " وأكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل
ما يزيح علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه
من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره " (2).
المرتزقون:
ذكر بعض الفقهاء جملة ممن يستحقون الرزق
لقيامهم بأعمال يتوقف عليها النظام، منهم الشهيد
الثاني، قال - مازجا لكلام الشهيد الأول -:



(1) الوسائل 27: 221، الباب 8 من أبواب آداب القاضي،
الحديث الأول.
(2) مصباح الفقاهة 1: 269.
(3) الوسائل 5: 447، الباب 38 من أبواب الأذان
والإقامة، الحديث الأول.
(4) دعائم الإسلام 2: 538، كتاب آداب القضاء، الحديث
1912.
(1) الوسائل 27: 221، الباب 8 من أبواب آداب
القاضي، الحديث 2.
(2) نفس المصدر: 223، الحديث 9، وراجع نهج
البلاغة: 426، قسم الرسائل، الرسالة 53.
44
" والمرتزقة من بيت المال: المؤذن، والقاسم،
والكاتب للإمام، أو لضبط بيت المال، أو الحجج،
ونحوها من المصالح، ومعلم القرآن والآداب،
كالعربية وعلم الأخلاق الفاضلة ونحوها، وصاحب
الديوان الذي بيده ضبط القضاة والجند وأرزاقهم
ونحوها من المصالح، ووالي بيت المال الذي يحفظه
ويضبطه ويعطي منه ما يؤمر به ونحوه، وليس
الارتزاق منحصرا في من ذكر، بل مصرفه كل
مصلحة من مصالح الإسلام ليس لها جهة غيره، أو
قصرت جهتها عنه " (1).
ولبعضهم مناقشات في عد بعض هؤلاء من
جملة المرتزقة، ولكن الخطب سهل بعد إعطاء
القاعدة العامة.
مظان البحث:
1 - كتاب الصلاة: الأذان، أخذ الأجرة على
الأذان.
2 - كتاب البيع: المكاسب المحرمة، أخذ الأجرة
على الواجبات.
3 - كتاب الإجارة: أخذ الأجرة على الواجبات.
4 - كتاب القضاء، أخذ الأجرة على القضاء.
5 - وموارد متفرقة أخرى، كالأمر بالمعروف
والأجر عليه، والشهادة والأجر عليها، أو
منافاة أخذ الأجرة على الواجبات للعدالة
المعتبرة في الشاهد، ونحو ذلك.
ارتماس
لغة:
من الرمس، وهو: الستر والتغطية.
وارتمس في الماء: إذا انغمس فيه حتى يغيب
رأسه وجميع جسده فيه (1).
اصطلاحا:
وهو قسم من قسمي الغسل - من حيث
كيفية الاغتسال - حيث ينقسم إلى ترتيبي
وارتماسي.
فالترتيبي: يحصل بغسل الرأس والرقبة، ثم
الطرف الأيمن من البدن، ثم الأيسر.
والارتماسي: يحصل بالارتماس في الماء، بأن
ينغمس فيه حتى يغيب رأسه وجميع جسده، وفي
حينه ينوي الاغتسال.
راجع: غسل.
والوضوء يمكن أن يكون ترتيبيا، كما هو
المتعارف، وارتماسيا برمس كل عضو في الماء. لكن
لبعضهم إشكال في رمس اليد اليسرى.
راجع: وضوء.



(1) الروضة البهية 3: 71 - 72.
(1) لسان العرب: " رمس "، وانظر الصحاح، والعين،
ومعجم مقاييس اللغة، المادة نفسها.
45
إرث
لغة:
الأصل، القديم، البقية من الأصل أو الشئ،
وأصل الألف فيه واو. والإرث والميراث بمعنى
واحد. وأصل الياء في الميراث واو أيضا (1).
قال الراغب الإصفهاني: " الوراثة والإرث:
انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما
يجري مجرى العقد. وسمي بذلك المنتقل عن الميت،
فيقال للقنية الموروثة: ميراث وإرث " (2).
فعلى ما قاله قد يطلق الإرث على نفس المعنى
المصدري، وهو الانتقال، ويقال له: الورث
والوراثة أيضا، وقد يطلق على المعنى الاسمي، وهو
المنتقل، ويقال له: الميراث أيضا.
اصطلاحا:
عرف الميراث بمعناه المصدري - المرادف
للإرث - أنه: " استحقاق إنسان بموت آخر - بنسب
أو سبب - شيئا بالأصالة " (3)، وعرف بمعناه الاسمي
أنه: " ما يستحقه إنسان بموت آخر - بنسب أو
سبب - بالأصالة " (1).
وقد يطلق على المواريث عنوان " الفرائض "
أيضا، وهو لغة: جمع " الفريضة " من الفرض بمعنى
الإيجاب والإلزام والتقدير والتحديد (2).
واصطلاحا: ما فرضه الله تعالى في كتابه الكريم من
سهام الإرث.
وبهذا الترتيب تكون الفرائض أخص من
المواريث، لأن المواريث تشمل ما فرضه الله تعالى
في كتابه، وما بينه رسوله (صلى الله عليه وآله) (3).
الإرث عند الأمم قبل الإسلام (4):
للإرث جذور فطرية، ولذلك يمتد تأريخه مع
تأريخ الإنسان نفسه، ولا يمكن معرفة بدئه
بالتحديد، نعم تطورت كيفيته - كتطور سائر
جوانب حياة الإنسان - باختلاف الأزمنة
والأمكنة. والحالة المشتركة التي كانت تجمع بين
قوانين الإرث المعهودة آنذاك هي: أن الإرث كان
حقا للقوي، وأما الضعيف فكان يحرم - غالبا - منه.
فمثلا كان الرومانيون يفرضون للبيت

46
ولربه استقلالا ذاتيا، فكان رب البيت هو الولي
والقيم عليه، وهو المالك دون غيره من أفراد
البيت. وإذا مات ورثه في الولاية أحد أبنائه
أو إخوانه ممن كان في وسعه ذلك، وورثه في المال
سائر أبنائه، فإن بقوا في البيت كانت نسبتهم
إلى رب البيت الجديد كنسبتهم إلى رب البيت
القديم، وإن انفصلوا وأسسوا بيوتا جديدة كانوا
أربابها.
أما النساء: كالزوجة والبنت والأخت
والأم، فلم يكن يرثن لئلا ينتقل مال البيت
بانتقالهن إلى بيوت أخرى بالزواج.
وكان اليونانيون يورثون أرشد الأولاد
الذكور، ويحرمون غيره من الأولاد الضعاف
والإناث مطلقا - سواء كن زوجات أو بنات أو
أخوات أو أمهات - من الإرث.
وكانت لهم - كالرومانيين - حيل تشريعية
لكيفية توريث من أحبوه من النساء والأطفال.
وأما المصريون والصينيون والهنود، فكانت
طريقتهم في التوريث تشبه طريقة الرومانيين
واليونانيين في حرمان النساء والأطفال من الإرث
وإبقائهم تحت القيمومة.
وأما الفرس فكانوا يحرمون الزوجات - غير
الكبيرة - والبنت المزوجة، ويورثون الزوجة
الكبيرة والابن والدعي والبنت غير المزوجة، وربما
جعل الزوج أحب نسائه إليه مقام الابن، فكانت
ترثه كما يرثه الابن والدعي.
وأما العرب فكان الإرث يبتني عندهم على
أسس ثلاثة، وهي:
أولا - النسب: فإنهم كانوا يورثون من ذوي
الأنساب العصبة - وهم الذكور من الأولاد، أو
الإخوة أو الأعمام - من كان قادرا منهم على الذب
عن الحريم، أما الإناث والأطفال فكانوا يحرمون
من الإرث.
ثانيا - التبني: كانت عادة التبني - أي أن
يجعل الإنسان من ليس ابنه ابنا ادعاء - جارية عند
العرب، وبذلك كان يصير الدعي أحد أبناء
الشخص، فيرثه كما يرثه سائر أبنائه.
ثالثا - الولاء: وهو عقد بين شخصين، مفاده:
التحالف والتعاهد على أن يدافع أحدهما عن الآخر
ويذب عنه ويدفع عنه جريرته، وفي مقابل ذلك
يكون وارثه بعد موته.
وأما الإسلام - وفقا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) -
فقد بنى الإرث على أسس ثلاثة، وهي:
أولا - النسب: وجعل المنتسبين إلى الميت في
طبقات ثلاث:
1 - الوالدان والأولاد ذكورا وإناثا.
2 - الأجداد والجدات والإخوة والأخوات.
3 - الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
ثانيا - الزوجية: فجعل كلا من الزوجين
وارثا للآخر يشترك مع بقية الورثة.
ثالثا - الولاء بأقسامه: لكن حدده بصورة
عدم وجود من تقدم من الورثة.

47
وبذلك رفع الحرمان عن النساء والأطفال
والضعفاء، وأعطاهم شخصية حقوقية كغيرهم، كما
أبطل التوارث بالتبني، لأن الدعي ليس ابنا حقيقة.
التدرج في تشريع الإرث:
لم يستقر الإرث (1) على الأسس المتقدمة إلا
بعد اجتياز عدة مراحل في التشريع، فإن المسلمين
أقروا - أول أمرهم - على ما كانوا يتوارثون به في
الجاهلية، وهو الحلف والنصرة، ويدل عليه قوله
تعالى: * (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان
والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) * (2)
ثم نسخ ذلك (3)، فكانوا يتوارثون بالإسلام
والهجرة، وقد روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة
آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجر يرث
الأنصاري وبالعكس، ولم يرث القريب إذا لم
يهاجر، ونزل في ذلك قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا
وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله
والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض
والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ
حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم
النصر...) * (1).
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (... وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين
والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا...) * (2)
وبآيات الإرث.
ويبدو أن أول ما نزل في ذلك هو قوله تعالى:
* (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء
نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا) * (3).
وسبب النزول - كما قيل -: أن أوس بن ثابت
الأنصاري مات وترك زوجة وثلاث بنات، فقام
ابنا عمه - وهما وصياه - وأخذا ماله ولم يعطيا
زوجته وبناته شيئا - وكانوا كما قلنا لا يورثون
النساء ولا الصغار - فشكت زوجته أمرها إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعاهما فقالا: يا رسول الله،
ولدها لا يركب فرسا ولا ينكأ عدوا، فنزلت الآية
وأثبت لهن الميراث في الجملة، ولم يتبين كيفية
التوارث، فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تحدثا في
مال أوس شيئا حتى أنظر ما ينزل الله، فإن الله جعل
لهن ميراثا ولم يبين كم هو.
وبعد ذلك نزلت الآيات المبينة للإرث:



(1) أنظر - في هذا المقطع -: المبسوط 4: 67، والسرائر 3:
226، وكنز العرفان 2: 323 وما بعدها.
(2) النساء: 33.
(3) لم ينسخ عندنا كليا، بل المنسوخ انحصار التوارث به،
ولذلك يجوز التوارث به عند انعدام موجبات الإرث
الأخرى كالرحمية والزوجية كما سيأتي.
(1) الأنفال: 72.
(2) الأحزاب: 6.
(3) النساء: 7.
48
* (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين
فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت
واحدة فلها النصف ولا بويه لكل واحد منهما السدس
مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه
فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد
وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون
أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما
حكيما * ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن
ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد
وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم
يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم
من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث
كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث
من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من
الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يطع الله
ورسوله...) * (1).
ومن ذلك قوله تعالى - في آخر السورة -:
* (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك
ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم
يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين
الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم) * (2).
الحقوق المتعلقة بتركة الميت:
تتعلق بتركة الميت حقوق تتقدم بعضها على
بعض رتبة، نشير إليها بصورة إجمالية:
أولا - حق الغير المتعلق بأحد أعيان التركة:
لا خلاف في أنه يجب التخلص من حق الغير
لو تعلق بأحد أعيان التركة، قبل قسمة الإرث
كسائر الحقوق، لكن اختلفوا في تقديمه على مؤونة
تجهيز الميت عند عدم وفاء التركة بهما معا، كما لو
كانت العين الموروثة مرهونة، أو كان العبد الموروث
جانيا بحيث تعلق به حق الجناية، فإن للمرتهن
- حينئذ - حقا يتعلق بالعين المرهونة، ولولي المجني
عليه حق يتعلق برقبة العبد.
وفي المسألة أقوال:
الأول - تقديم حق الجناية على الكفن دون
حق الرهانة.
ووجهه أن حق المجني عليه - أو وليه - قد
تعلق بعين رقبة الجاني، وأما حق المرتهن وإن تعلق
بالعين المرهونة أيضا إلا أنه يمكن استيفاء حقه عن
طريق آخر.
وهذا القول رجحه أكثر من تعرض للمسألة
كالشهيد الأول في البيان (1)، والمحقق الثاني (2)
وصاحب الجواهر (3)، والسيد الحكيم (4)، وربما يظهر



(1) النساء: 11 - 13.
(2) النساء: 176.
(1) البيان: 73 - 74.
(2) جامع المقاصد 1: 400 - 401.
(3) الجواهر 4: 259.
(4) المستمسك 4: 176.
49
من الإمام الخميني (1) أيضا.
الثاني - تقديم حق الرهانة وحق الجناية على
الكفن:
نسب ذلك إلى الشهيد الأول في البيان
وحواشيه على القواعد (2)، إلا أن الموجود في البيان
هو التفصيل كما سبق.
الثالث - تقديم الكفن على حق الرهانة وحق
الجناية:
هذا لو أمكن بيع العبد الجاني، وإلا فلا مال
للميت كي يصرف في الكفن.
يظهر ذلك من السيد الخوئي (3).
الرابع - تقديم حق الرهانة مع عدم التعرض
لحق الجناية:
ذهب إليه الشهيد الأول في الذكرى (4).
الخامس - تقديم الكفن على حق الرهانة مع
عدم التعرض لحق الجناية:
ذهب إليه السيد العاملي في المدارك (5).
السادس - التردد في التقديم بصورة مطلقة:
وهو يظهر من الفاضل الإصفهاني (6)، والسيد
الطباطبائي (1)، والسيد اليزدي (2).
ثانيا - مؤونة تكفين الميت وتجهيزه:
من المتسالم عليه أن مؤونة تكفين الميت
وتجهيزه تخرج من أصل تركة الميت لا من ثلثه،
لكن ينبغي أن يكتفى بالواجب، وأما الزائد
فيتوقف على رضا الورثة الكبار، فيخرج من
سهمهم.
ويظهر من بعضهم جواز إخراجه من الأصل
إذا كان عدمه موجبا لإهانة الميت وهتكه (3)، وإذا
كان قد أوصى بالزائد فيخرج من ثلث المال كسائر
وصاياه.
راجع: تجهيز، تكفين، ميت.
ثالثا - الدين:
لا إشكال في أن الدين مقدم على الوصية
والحبوة والإرث، ومؤخر عن تجهيز الميت، سواء
كان حقا للناس أو حقا لله، كالمال الذي تعلقت به
الزكاة والخمس، إلا أنهم اختلفوا في أنه لو وجد
الدائن عين ماله في تركة الميت فهل له أخذها، أو
يشترك مع سائر الغرماء؟ فيه قولان:



(1) تحرير الوسيلة 1: 66، كتاب الطهارة، أحكام
الأموات، تكفين الميت، المسألة 4.
(2) نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 460.
(3) التنقيح 8: 405.
(4) الذكرى: 50.
(5) المدارك 2: 119.
(6) كشف اللثام 1: 122.
(1) الرياض 2: 244.
(2) العروة: فصل تكفين الميت، المسألة 21.
(3) أنظر العروة: فصل تكفين الميت، المسألة 19 و 20،
والمستمسك 4: 173 - 175، والتنقيح 8: 402 -
404، وتحرير الوسيلة 1: 66، كتاب الطهارة، أحكام
الأموات، فصل تكفين الميت، المسألة 4.
50
الأول - يجوز له أخذه فيما لو ترك الميت بمقدار
ما عليه من الدين فصاعدا بحيث لا تقصر التركة
عن أداء حق الغرماء الآخرين، وهذا الرأي هو
المشهور كما ادعاه الشهيد الثاني (1) وصاحب
الحدائق (2) وصاحب الجواهر (3).
الثاني - أنه يختص به سواء وفت التركة
بسائر الديون أو لا، وهذا الرأي منسوب إلى
ابن الجنيد (4).
وفيه تفصيلات تراجع فيها مواطنها.
راجع: حجر، دين، مفلس.
رابعا - الوصايا:
تخرج الوصايا النافذة من ثلث تركة الميت،
وأما لو زادت فيتوقف تنفيذ الزائد من أصل التركة
على رضا الورثة.
راجع: وصية.
خامسا - الحبوة:
وهي لغة: إعطاء الشئ بلا عوض،
واصطلاحا: ما يختص به الولد الأكبر من الميراث
دون سائر الورثة، والمعروف اختصاصه بثياب بدن
الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه، وقد تظافرت بها
النصوص عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) (1)، وهي من
متفردات مذهبهم.
والمشهور أنها على سبيل الوجوب لا
الاستحباب (2).
وفي تقدمها على الدين والوصية، أو تقدمهما
عليها - في صورة المنافاة أو التفصيل - وجوه، بل
أقوال (3).
راجع: حبوة.
سادسا - الإرث:
والحق الأخير الذي يتعلق بتركة الميت هو
حق الورثة، أما تأخره عن الدين والوصية فلصريح
قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين... فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد
وصية يوصي بها أو دين...) * (4)، وأما تأخره عن
الكفن وما شابهه فللنصوص، ومنها معتبرة
السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: أول شئ
يبدأ به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم
الميراث " (5)، وأما الحبوة، فقد تقدم أنه وردت فيها



(1) المسالك (الحجرية) 1: 240.
(2) الحدائق 20: 395.
(3) الجواهر 25: 296.
(4) تراجع المصادر السابقة.
(1) أنظر الوسائل 26: 97، الباب 3 من أبواب ميراث
الأبوين والأولاد.
(2) راجع على سبيل المثال: الروضة البهية 8:
107 و 114. والجواهر 39: 128 و 134.
(3) راجع على سبيل المثال: الروضة البهية 8:
107 و 114. والجواهر 39: 128 و 134.
(4) النساء: 11، وانظر الآية: 12.
(5) الوسائل 19: 329، الباب 28 من أبواب الوصايا،
الحديث الأول.
51
روايات متظافرة بتقدمها، لكن اختلفوا فيما لو
انحصر الميراث فيها.
أركان الإرث:
للإرث - بمعناه المصدري - أركان ثلاثة،
وهي:
أولا - المورث:
وهو الشخص الذي تنتقل عنه التركة إلى
غيره.
ثانيا - الوارث:
وهو الذي تنتقل إليه التركة، سواء كان
موجودا فعلا أو تقديرا، كالحمل.
ثالثا - التركة:
وهي ما يتركه المورث، سواء كان مالا أو
حقا، عينا أو في الذمة.
الشروط العامة للإرث:
للإرث شروط لا بد من توفرها كي يحصل
الانتقال من المورث إلى الوارث، وهذه الشروط
بعضها يتعلق بالمورث، وبعضها الآخر بالوارث،
وقسم ثالث بالتركة.
أولا - شروط المورث:
1 - أن تكون له أهلية التملك:
لا بد أن تكون للمورث أهلية التملك في
حياته كي يورث ما تركه لغيره، أما إذا لم تكن له
أهلية ذلك فلا يورث، كالمرتد الفطري بالنسبة إلى
ما يكتسبه بعد ارتداده، فإنه - على بعض الآراء
الفقهية - لا أهلية له لتملك ما يكتسبه بعد ارتداده،
وأما ما ملكه قبل الارتداد فيقسم بين ورثته
المسلمين، كما تقدم في عنوان " ارتداد ".
ومن هذا القبيل الحمل الذي سقط ميتا، فإن
شرط استحقاق الحمل للإرث وأهليته لتملكه ثبوت
حياته بعد الولادة، ولذلك لا ينتقل سهمه من
الإرث إلى ورثته، بل ينتقل إلى ورثة الميت الأول.
2 - أن يكون مالكا لما تركه بالفعل في
حياته:
وبهذا القيد يخرج ما لم يكن مالكا له بالفعل
قبل الوفاة، إما لكونه مال الغير كالمغصوب، وإما
لعدم تحقق شرائط فعلية التملك، كما لو أرسل شخص
هدية إلى آخر، فمات المهدي أو المهدى إليه قبل
وصولها إلى المهدى إليه وقبضه لها، فليس للرسول
دفعها إلى المهدى إليه في صورة موت المهدي،
ولا إلى ورثة المهدى إليه في صورة وفاته، لعدم
تحقق شرائط الملكية حينئذ، وهي - هنا - قبض
المهدى إليه الهدية والهبة (1).
3 - موت المورث حقيقة أو حكما:
يشترط في تقسيم التركة إحراز موت
صاحبها حقيقة أو حكما. أما حقيقة فواضح، وأما
حكما، فمثل: إحراز موت الغائب غيبة منقطعة
استنادا إلى قيام أمارات شرعية - كالخبر المتواتر أو



(1) أنظر: جامع المقاصد 9: 151، والجواهر 28: 169.
52
البينة أو الخبر الواحد المحفوف بالقرائن المفيد للعلم -
على موته، أو إلى انقضاء مدة لا يعيش مثله إليها
غالبا، لأصالة بقاء حياته وبقاء ماله على ملكه
إلا مع قيام أمارة على خلاف الأصل المزبور (1).
4 - ثبوت أحد موجبات الإرث:
لا بد من وجود أحد أسباب الإرث بين
الوارث والمورث، وهي العلقة النسبية أو السببية،
والسببية هي إما الزوجية أو أحد أنواع الولاء،
وهي: ضمان الجريرة، أو العتق، أو الإمامة.
وسوف يأتي توضيحها تحت عنوان " أسباب
الإرث ".
5 - أن لا تكون فيه بعض موانع الإرث:
والموانع المعروفة ثلاثة: الكفر والقتل والرق،
أما الكفر والقتل فلا يمنعان من قابلية المورث
للتوريث - كما يأتي بيانه - وأما الرق فهو مانع في
الوارث والمورث.
وعد بعض الفقهاء من الموانع: اللعان والزنا
وغيرهما، كما سيأتي توضيحه، فالملاعن لا يرث
ولا يورث ولده الذي لاعن زوجته، لنفيه عن
نفسه، كما أن الزاني لا يرث ولا يورث المولود منه
من الزنا.
ثانيا - شروط الوارث:
1 - أن يكون أهلا للتملك:
ممن لا أهلية له للتملك: الحمل إذا مات
مورثه، ثم سقط ميتا، فإنه لا يستحق إرثا (1).
2 - أن يكون حيا عند موت المورث:
لا بد من إحراز حياة الوارث عند موت
المورث حقيقة أو حكما، أما حقيقة فمعلوم،
وأما حكما فكما لو كان الوارث حملا ولو نطفة،
ففي هذه الصورة يفرز الحد الأعلى من نصيبه،
فإن ولد حيا استحق نصيبه وإلا فلا يستحق
شيئا (2).
وبناء على هذا الشرط لو ماتا دفعة أو اشتبه
المتقدم منهما بالمتأخر أو اشتبه السبق والاقتران
فلا إرث، سواء كان الموت حتف الأنف أو بسبب.
إلا أن يكون السبب الغرق أو الهدم فيتوارثان على
الأشهر، كما جاء في الروضة البهية (3).
3 - ثبوت أحد موجبات الإرث:
لا بد من وجود أحد موجبات الإرث - من
النسب أو السبب - في الوارث، كما سيأتي توضيح
ذلك.
4 - عدم وجود أحد موانع الإرث:
الموانع المتقدمة - في المورث - كلها يمكن
تصورها في الوارث، ويمكن إضافة موارد أخرى،
منها: الزوجية، حيث تمنع الزوجة من العقار على



(1) الجواهر 39: 63.
(1) الروضة البهية 8: 46 و 209. وانظر الجواهر
39: 70 - 73.
(2) الروضة البهية 8: 46 و 209. وانظر الجواهر
39: 70 - 73.
(3) الروضة البهية 8: 213، وانظر: الدروس 2: 352،
والجواهر 39: 308.
53
المشهور، كما سيأتي بيانه.
ثالثا - شروط التركة (الموروث):
1 - أن تكون قابلة للملك شرعا:
فلو ترك المسلم ما لا قابلية له للملك فلا
يورث، كالخمر والخنزير والكلب الذي لا يجوز بيعه
وشراؤه، إلا إذا قلنا: إن المسلم وإن لم يملك هذه
الأشياء إلا أن له حق الاختصاص بها، فيورث هذا
الحق.
2 - أن لا يتعلق بها حق الغير:
لو تعلق بالتركة حق الغير - كما إذا كان الميت
مديونا - منع الورثة مما تعلق به الحق، لأن حق
الغرماء مقدم على حق الورثة، والظاهر أن هذا
المقدار لا خلاف فيه، لكن اختلفوا في كيفية هذا
المنع، هل هو قبل الانتقال أو بعده، بمعنى أنه هل يمنع
الدين من أصل انتقال التركة إلى الورثة، أو يمنع
الورثة من التصرف في التركة بعد الانتقال؟
راجع: موانع الإرث، السادس: الدين.
3 - أن تكون في ملك المورث حين وفاته:
فلو كان دخول شئ في ملك المورث
معلقا على شرط لم يتحقق قبل الوفاة - كالقبض
في الهبة - لم يدخل في التركة، ولذلك لو أرسلت
إلى شخص هدية، لكن مات قبل قبضها لم تدخل
في تركته ولم تنتقل إلى ورثته، بل ترجع إلى ملك
المهدي، كما تقدم. ومثل ذلك ما لو أوصي له
- وقلنا بتوقف حصول الملك في الوصية على
قبول الموصى له، كما هو المشهور - ومات قبل
القبول (1).
لكن يستثنى من ذلك بعض الموارد، منها:
أ - الدية:
فإن دية المقتول تدخل في تركته وإن لم تكن
في ملكه حين وفاته - لتأخرها عنه - فيدفع منها
الدين، ويرثها كل من يرث المال عدا من يتقرب
بالأم على المشهور.
ولا فرق بين دية الخطأ ودية العمد بعد
التصالح عليها عوضا عن القصاص (2).
وأما دية قطع رأس الميت فإنها لا تدخل في
التركة، بل تصرف في وجوه البر، نعم يدفع منها
الدين أيضا (3).
راجع: دية.
ب - ما يقع في شبكة الصائد بعد موته:
ومما جعلوه من جملة تركة الميت ما يقع بعد
موته في شبكته التي هيأها هو للصيد، لوجود سببه
قبل الوفاة.
لكن لم ينقح الموضوع، وإنما ذكره بعض
الفقهاء استطرادا في بحث الدين المستوعب للتركة في
المواريث والوصايا (4).



(1) الجواهر 28: 250.
(2) الجواهر 39: 44 - 48، و 42: 284 - 286.
(3) الجواهر 43: 384 - 388.
(4) أنظر: مفتاح الكرامة 8: 90، والجواهر 28: 293،
وغيرهما.
54
اندراج الحقوق في التركة:
من الواضح أن التركة لا تختص بالمال، بل
يمكن أن تكون حقا أيضا، فكل حق قابل للانتقال
من شخص إلى آخر يكون قابلا للتوارث أيضا،
مثل: حق الخيار وحق الشفعة، وحق القصاص
وحق المطالبة بالحد، كحد القذف، فهذه الحقوق
وأمثالها تنتقل إلى الورثة كأموال الميت، لكن
للفقهاء كلام في كيفية انتقالها إلى الورثة، سوف
نتعرض له عند التطرق لهذه العناوين.
موجبات الإرث:
ويطلق عليها أسباب الإرث أيضا، وهي
التي يوجب تحققها استحقاق التوارث، وهي
قسمان:
الأول - النسب:
وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحد
الشخصين إلى الآخر، كالأب والابن، أو بانتهائهما
إلى ثالث مع صدق النسب عرفا على الوجه
الشرعي أو ما في حكمه (1).
وبناء على ذلك لا يستحق المتولد من الزنا
إرثا، لعدم ثبوت النسب الشرعي أو ما في حكمه،
بخلاف المتولد من النكاح شبهة أو من نكاح أهل
الملل الفاسدة، فإنهما يرثان ويورثان، لأن
الشارع رتب آثار النكاح الصحيح على هذين
النكاحين.
طبقات الأنساب:
للأنساب - من حيث استحقاق الإرث -
طبقات ثلاث:
الطبقة الأولى:
ويدخل في هذه الطبقة:
1 - الأبوان، ولا يدخل معهما الأجداد
والجدات.
2 - الأولاد، ويقوم أولاد الأولاد مقام
آبائهم، وذلك فيما إذا لم يكن من الأولاد المباشرين
أحد، فلو كان للميت ابن وابن ابن، كان الميراث
للابن ولا يستحق ابن الابن شيئا، وكذا لو كان له
بنت وابن ابن، فالميراث للبنت.
والمعروف عند الإمامية أن أولاد الأولاد
يرثون مع وجود الأبوين، فلو كان الورثة الأبوان
أو أحدهما مع ابن ابن اشتركوا في الميراث، خلافا
للصدوق، فحكم بعدم توريث ابن الابن حينئذ،
وقد تفرد باشتراط توريث أولاد الأولاد بعدم
وجود الأبوين (1).
الطبقة الثانية:
وتشمل هذه الطبقة:
1 - الأجداد والجدات من طرف الأب



(1) الجواهر 39: 7.
(1) المقنع: 169، من لا يحضره الفقيه 4: 269، باب
ميراث الأبوين مع ولد الولد. وانظر الجواهر 39: 117،
وغيره.
55
والأم، سواء كانوا بلا واسطة أو معها، فيدخل الجد
وأبوه وجده وهكذا.
2 - الإخوة والأخوات، سواء كانوا من
الأبوين أو من أحدهما، ويقوم أولاد الإخوة
والأخوات مقام آبائهم وأمهاتهم.
والقريب يمنع البعيد من الإرث، فلا يرث أب
الجد مع وجود الجد أو الجدة، كما لا يرث أولاد
الإخوة والأخوات مع وجود واحد من الإخوة
والأخوات.
نعم، يرث أولاد الإخوة والأخوات مع
وجود الجد أو الجدة المباشرين.
وإنما تستحق هذه الطبقة الإرث لو لم يكن من
الطبقة الأولى أحد.
الطبقة الثالثة:
وتشمل هذه الطبقة:
1 - الأعمام والعمات وأولادهم.
2 - الأخوال والخالات وأولادهم.
وهؤلاء هم أولو الأرحام، إذ لم يرد على
إرثهم نص في القرآن بخصوصهم، وإنما دخلوا في
آية أولي الأرحام (1)، وهم يرثون مع فقد الإخوة
والأخوات وبنيهم، والأجداد فصاعدا (2).
هذا هو المشهور، لكن نقل الصدوق عن
الفضل بن شاذان: أنه لو ترك خالا وجدة لأم،
فالمال يقسم بينهما نصفين، ونقل عن يونس بن
عبد الرحمن: أنه لو ترك عما وابن أخ، فالمال يقسم
بينهما نصفين أيضا، ثم خطأهما (1).
وإنما يقوم الأولاد مقام الآباء إذا لم يكن منهم
أحد، إلا في مسألة إجماعية، وهي ما إذا اجتمع
ابن عم لأب وأم مع عم لأب، فابن العم أولى
بالإجماع كما ادعاه جماعة (2).
ولو لم يكن للميت أعمام وأخوال وعمات
وخالات أو أولادهم، انتقل الإرث إلى أعمام أبيه
وأمه وأخوالهما وعماتهما، وخالاتهما وأولادهم
- وإن نزلوا - مرتبين على قاعدة: أولوية الأقرب
من الأبعد (3).
وهذه الطبقات الثلاث مرتبة، فلا يرث أهل
الطبقة الثانية مع وجود واحد من الأولى، ولا الثالثة
مع وجود واحد من الثانية.
الثاني - السبب:
القسم الثاني من موجبات الإرث هو
السبب، وهو على قسمين:



(1) أي قوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) * الأنفال: 75، الأحزاب: 6.
(2) الروضة البهية 8: 152.
(1) من لا يحضره الفقيه 4: 292 - 293، باب ميراث
ذوي الأرحام.
(2) منهم: الشهيد في الدروس 2: 374، والشهيد الثاني
في الروضة 8: 54 و 167، وصاحب الجواهر في
الجواهر 39: 176.
(3) الجواهر 39: 188.
56
الأول - الزوجية:
يرث كل من الزوجين الآخر بالعلقة
الزوجية، وهما يجتمعان مع جميع الطبقات النسبية
والسببية إلا الإمام (عليه السلام)، ففيه خلاف كما سيأتي.
والمطلقة طلاقا رجعيا بحكم الزوجة ما دامت
في العدة، بخلاف البائن إلا أن يطلقها الزوج
في مرض موته، فإنها ترثه إذا مات الزوج في
فترة بين الطلاق والوفاة لا تتجاوز السنة، وهو
لا يرثها (1).
ولو بري من مرضه - ومات بسبب آخر -
أو تزوجت بآخر لم تستحق إرثا (2).
ولا يشترط التوارث بين الزوجين بالدخول
إلا إذا تزوج في مرضه الذي مات فيه، فإن التوارث
حينئذ مشروط بالدخول، فلو مات قبل الدخول،
لم تستحق الزوجة إرثا (3).
هذا في النكاح الدائم، وأما النكاح المنقطع
فالأقوال في توارث الزوجين فيه أربعة:
1 - ثبوت التوارث بينهما، ولو اشترطا
سقوطه لم يسقط، ذهب إليه القاضي ابن البراج (4).
2 - عدم ثبوت التوارث حتى مع اشتراطه
ضمن العقد، ذهب إليه الحلبي (1)، وابن إدريس (2)
والعلامة (3)، وولده (4) والفاضل المقداد (5)، والمحقق
الثاني (6)، وصاحب الجواهر (7)، واستشكل فيه الإمام
الخميني (8)، وهو الظاهر من الصدوق (9) والمفيد (10).
3 - ثبوت التوارث فيه كالدائم إلا مع
اشتراط سقوطه في العقد، نسب ذلك إلى ابن أبي
عقيل (11) والسيد المرتضى (12).
4 - عدم ثبوت التوارث إلا مع اشتراطه في
العقد فيثبت حينئذ، ذهب إليه الشيخ (13) وأتباعه
- إلا القاضي كما تقدم - والشهيدان (14)، وصاحب



(1) أنظر: الجواهر 32: 152، والروضة البهية 6: 48.
(2) الجواهر 32: 152.
(3) أنظر: الروضة البهية 8: 172، والجواهر 39: 196
و 220.
(4) المهذب 2: 243.
(1) الكافي في الفقه: 298.
(2) السرائر 2: 624.
(3) القواعد 2: 26، المختلف (الحجرية): 561.
(4) إيضاح الفوائد 3: 132.
(5) التنقيح الرائع 3: 130 - 132.
(6) جامع المقاصد 13: 37.
(7) الجواهر 30: 195.
(8) تحرير الوسيلة 2: 261، كتاب النكاح، النكاح
المنقطع، المسألة 15.
(9) المقنع: 114.
(10) المقنعة: 498.
(11) المختلف (الحجرية): 561، وانظر الانتصار: 114.
(12) المختلف (الحجرية): 561، وانظر الانتصار: 114.
(13) النهاية: 492.
(14) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 5: 296، والمسالك
7: 470.
57
الحدائق (1)، والسيد الحكيم (2)، والسيد الخوئي (3)،
وقواه الفاضل الإصفهاني (4).
الثاني - الولاء:
بفتح الواو أصله القرب، والمراد هنا: قرب
أحد شخصين فصاعدا إلى آخر على وجه يوجب
الإرث بغير نسب ولا زوجية (5).
ويمكن أن يقال: إنه علقة بين شخصين
فصاعدا غير علقة الزوجية والنسب، ومن آثارها
استحقاق الإرث.
وأسبابه - على المشهور - ثلاثة:
أ - ولاء العتق:
وهو أن يعتق المولى عبده في سبيل الله،
ويستحق بذلك ولاء عبده، بمعنى أنه لو مات العبد
ولم يكن له وارث ورثه المولى الذي أنعم عليه
بعتقه.
وإن عدم المولى - المنعم - قام مقامه أبواه
وأولاده، وإن لم يكونوا فالإخوة والأجداد، وإن لم
يكونوا فالأعمام والأخوال بحسب الطبقات.
وهل تشترك الإناث - كالبنات والأخوات
والخالات والعمات - في الإرث؟ فيه أقوال.
ويشترط في استحقاق المنعم الإرث شروط
ثلاثة:
أولا - أن يكون المعتق متبرعا بالعتق، فلو
أعتق في واجب كالكفارة والنذر وشبههما لم يثبت
للمنعم حق الإرث.
ثانيا - أن لا يتبرأ المعتق - المنعم - من ضمان
جريرته، فلو تبرع بالعتق لكن تبرأ من ضمان
جريرة العبد، بأن لم يجعل نفسه مسؤولا عما يصدر
منه من جنايات، فلا يرثه.
ثالثا - أن لا يكون للمعتق وارث نسبي في
جميع الطبقات، أما السببي - كالزوجين - فلم يمنع
من الاستحقاق، فيأخذ الوارث من الزوجين حصته
ويكون الباقي للمنعم (1).
ب - ولاء ضمان الجريرة:
والجريرة هي الجناية، ومعنى ذلك: أن
يضمن شخص جنايات شخص آخر، فيدفع من
قبله ما يترتب عليه من الجرائم المالية كالديات، في
مقابل أن يصير وارثه بعد موته.
والضمان قد يكون من طرف واحد، وقد
يكون من الطرفين، فإذا كان من طرف واحد،
فيقول الموجب: " عاقدتك على أن تنصرني وتمنع
عني وتعقل عني وترثني "، فيقول الآخر: " قبلت ".



(1) الحدائق 24: 181.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 289، عقد
المتعة.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 275، عقد
المتعة، المسألة 1319.
(4) كشف اللثام 2: 57.
(5) الروضة البهية 8: 181.
(1) الروضة البهية 8: 181، وانظر الجواهر 39: 223
وما بعده.
58
وإذا كان من الطرفين فيقول الموجب: " عاقدتك
على أن تنصرني وأنصرك وتمنع عني وأمنع عنك،
وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك "، فيقول
الآخر: " قبلت " (1).
لكن استشكل بعض الفقهاء في كونه عقدا
كسائر العقود (2).
ولا يرث ضامن الجريرة إلا مع فقد الوارث
النسبي والمعتق، وأما الزوجان فيجتمعان معه،
فيأخذ الوارث - منهما - نصيبه الأعلى ويكون الباقي
للضامن.
ج - ولاء الإمامة:
وإذا عدم الوارث النسبي والمنعم وضامن
الجريرة يكون الوارث هو الإمام (عليه السلام)، لأنه وارث
من لا وارث له - كما ورد في النصوص (3) - وهذا
مما لا إشكال فيه، وإنما وقع الإشكال والخلاف
في مشاركة الزوجين للإمام (عليه السلام) وعدمه، وفيه
أقوال:
أولا - الزوج، وفيه قولان:
1 - أنه يرث النصف بالتسمية - أي ما فرضه
الله له مع عدم الأولاد - ويرد عليه النصف الباقي.
وهذا هو المشهور، بل ادعى عليه الإجماع جماعة
من الفقهاء (1)، وعليه فلا يرث الإمام (عليه السلام) مع
وجود الزوج.
2 - أنه يرث النصف بالتسمية فقط، والنصف
الباقي يرثه الإمام (عليه السلام)، قال السيد العاملي: " وهذا
القول لم أقف عليه مصرحا به لأحد من
الأصحاب " (2) وكذا صرح غيره.
نعم، توهم ذلك عبارات الشيخ في المبسوط
ورسالة " الإيجاز في الفرائض " وعبارة سلار في
المراسم. قال الشيخ في المبسوط: " فأما ذوو
الأسباب فهم الزوج والزوجة، لهما حالتان: حالة
انفراد بالميراث وحالة اجتماع، فإن انفردوا كان لهم
سهمهم المسمى: إن كان زوجا له النصف، وإن
كانت زوجة فلها الربع، والباقي للإمام (عليه السلام)، وقال
أصحابنا: إن الزوج وحده يرد عليه الباقي لإجماع
الفرقة عليه " (3)، ووردت العبارة بنصها في
الإيجاز (4).
وقال سلار - بعد أن قال: " قد بينا أن النصف



(1) الجواهر 39: 255، والروضة البهية 8: 189،
وغيرهما.
(2) الجواهر 39: 257.
(3) الوسائل 26: 246، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان
الجريرة والإمامة.
(1) كالشيخ المفيد في الإعلام (عدة رسائل للشيخ المفيد):
336، والسيد المرتضى في الانتصار: 300، والشيخ
الطوسي في المبسوط 4: 74، وابن إدريس في السرائر
3: 242 و 284، وغيرهم.
(2) مفتاح الكرامة 8: 180.
(3) المبسوط 4: 74.
(4) الإيجاز في الفرائض (الرسائل العشر): 271.
59
للزوج مع عدم الولد... " -: " وفي أصحابنا من
قال: إذا ماتت امرأة ولم تخلف غير زوجها فالمال
كله له بالتسمية والرد " (1).
فنسب دفع الباقي للزوج إلى بعض
الأصحاب.
ثانيا - الزوجة، وفيها ثلاثة أقوال:
1 - الرد عليها مطلقا، وهذا الرأي منسوب
إلى المفيد، قال: " وإذا لم يوجد مع الأزواج
قريب ولا نسيب للميت رد باقي التركة على
الأزواج " (2)، ومن المحتمل أن يريد بذلك خصوص
الأزواج دون الزوجات، وإن كان سياق العبارة
يأباه.
2 - عدم الرد عليها مطلقا، بل يدفع إلى
الإمام (عليه السلام)، وهذا هو الرأي المشهور الذي ذهب
إليه أغلب الفقهاء.
3 - الرد عليها حال الغيبة وعدمه حال
الحضور، فيدفع إلى الإمام (عليه السلام)، اختاره الصدوق
في الفقيه (3)، واستقربه الشيخ في النهاية (4)،
واختاره يحيى بن سعيد (5)، والعلامة في التحرير (6)
والإرشاد (1)، والشهيد في اللمعة (2)، وقواه المحقق
الثاني في حاشية النافع (3) جمعا بين الأخبار.
موانع الإرث:
وهي ما يمنع وجودها عن التوارث، وقد
أنهاها الشهيد في الدروس إلى عشرين (4)، لكن
ذكر أغلبها سائر الفقهاء خلال أبحاث الإرث تحت
عناوين أخرى، ونحن نذكر أهمها هنا:
الأول - الكفر:
وهو ما يخرج به معتقده أو قائله أو فاعله عن
سمة الإسلام.
فلا يرث - على هذا - ذمي ولا حربي ولا
مرتد ولا غيرهم من أصناف الكفار مسلما، نعم
يرث المسلم الكافر أصليا ومرتدا، بل يمنع الوارث
المسلم سائر ورثة الكافر من الإرث فيختص هو به،
فلو كان للكافر ورثة بعضهم مسلمون وبعضهم كفار
ورثه المسلمون - وإن كان الوارث المسلم ولي نعمة
أو ضامن جريرة - دون الكفار.
نعم، لو لم يكن للكافر وارث مسلم أصلا ولو
حكما - كالمتولد من كافر ومسلمة ولما يبلغ - وكان
له ورثة كفار، ورثوه، ولم يمنع وجود الإمام (عليه السلام)



(1) المراسم: 222.
(2) المقنعة: 691.
(3) الفقيه 4: 262، باب ميراث الزوج والزوجة، ذيل
الحديث 5612.
(4) النهاية: 642.
(5) الجامع للشرائع: 502.
(6) التحرير 2: 168.
(1) الإرشاد 2: 125، وفيه: على رأي.
(2) اللمعة (المطبوعة ضمن الروضة البهية) 8: 82.
(3) نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 8: 182.
(4) الدروس 2: 342.
60
عن توارثهم، لثبوت التوارث بينهم، إلا إذا كان
الكافر مرتدا - أي كان كفره عن ارتداد، لا كفرا
أصليا - فحينئذ لا يرثه الوارث الكافر وإن لم يكن
له وارث مسلم، بل يرثه الإمام (عليه السلام)، لأنه وارث
من لا وارث له، ولأن المرتد متحرم بالإسلام، ولذا
لا يجوز استرقاقه ولا يصح نكاحه لكافرة - على
المشهور - كما تقدم في عنوان " ارتداد ".
والمسلمون يتوارثون فيما بينهم إلا من انطبق
عليه منهم عنوان المرتد. وقد تقدم بيانه في عنوان
" ارتداد " فراجع (1).
الثاني - القتل:
القتل يمنع إرث القاتل من المقتول - إجمالا -
إذا كان ظلما وبغير حق، فلا يمنع ما لو كان حقا،
كالقتل قصاصا أو دفاعا أو حدا ونحو ذلك، وفي
ذلك تفصيل نشير إلى إجماله فيما يلي:
أ - إذا كان القتل عمدا:
وهذا هو القدر المتيقن من مانعية القتل،
فلو قتل الولد والده عمدا وبغير حق منع القاتل من
الإرث، وانتقل حقه من الإرث إلى سائر الورثة
كوالدي المقتول وأولاده الآخرين، فإن لم يكن له
أولاد آخرون انتقل الإرث إلى أولاد القاتل،
ولا يمنعهم منع أبيهم من الإرث أن يرثوا.
والحكمة في ذلك: مقابلة القاتل بنقيض
مطلوبه، وعقوبة على فعله، واحتياطا في عصمة
الدم، كيلا يقتل أهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في
الميراث (1).
ب - إذا كان القتل خطأ محضا:
وفي منع هذا القتل عن الإرث أقوال:
1 - المنع مطلقا من الدية وغيرها: نسبه في
المختلف (2) إلى ابن أبي عقيل.
2 - عدم المنع مطلقا: وهو مختار المفيد (3)،
وسلار (4)، والمحقق في النافع (5)، ويحيى بن سعيد (6).
3 - المنع من خصوص الدية: فلا يرث
القاتل من خصوص ما دفعه من الدية، نعم يرث من
سائر التركة. وهذا هو المشهور - كما في
الدروس (7) - بل ادعي في الانتصار (8) والخلاف (9)
والغنية (10) والسرائر (11) عليه الإجماع.



(1) أنظر ذلك كله: الجواهر 39: 15 وما بعدها، والروضة
8: 26 وما بعدها، ومفتاح الكرامة 8: 17 وما بعدها.
(1) المهذب البارع 4: 347، والحكمة منقولة عن القدماء،
إلا أنا نقلنا النص من المهذب لكونه أجمع.
(2) المختلف: 742، وانظر الدروس 2: 347.
(3) المقنعة: 703.
(4) المراسم: 218.
(5) المختصر النافع: 264.
(6) الجامع للشرائع: 504.
(7) الدروس 2: 347.
(8) الانتصار: 307.
(9) الخلاف 4: 28 - 30.
(10) الغنية: 330.
(11) السرائر 3: 274.
61
ج - إذا كان شبيها بالعمد:
ظاهر معظم الفقهاء - حيث قابلوا العمد
بالخطأ -: أن المراد بالخطأ ما يشمل شبيه العمد،
وعن جماعة التصريح به (1)، لكن المنقول عن الفضل
ابن شاذان (2) وابن الجنيد (3): أنه كالعمد، وذهب
إليه العلامة في القواعد (4)، وولده (5)، والشهيد
الثاني (6) وغيرهم.
وفيه تفصيل يراجع فيه العناوين:
" إتلاف "، " ضمان "، " قتل "، " دية ".
الثالث - الرقية:
الرقية تمنع من التوارث في الوارث والموروث
منه، فلو كان الموروث منه رقا انتقل ماله إلى مالكه،
وإن كان الوارث رقا ففيه صورتان:
الأولى - أن يكون معه وارث حر فينتقل
الإرث إليه وإن بعد الحر وقرب العبد، ولا يمنع الرق
من يتقرب به إلى الميت، فلو كان الوارث رقا وله
ولد حر، انتقل الإرث إليه.
الثانية - أن لا يكون له وارث سوى المملوك،
فيشترى من التركة - ولو قهرا - ويعتق ويعطى باقي
التركة.
واختلفوا في من يجري عليه هذا الحكم:
1 - فقيل: إنه خصوص الأبوين.
2 - وقيل: إنهم الأبوان والأولاد.
3 - وقيل: إنهم جميع من يتقرب إلى الميت.
4 - وقيل: إن الحكم يشمل حتى الزوج
والزوجة أيضا.
والقدر المتيقن من هذه الأقوال هو القول
الأول، إذ لا خلاف فيه ظاهرا، ثم تتدرج سائر
الأقوال من حيث الاشتهار (1).
الرابع - اللعان:
وهو أن يلاعن الزوج زوجته في سبيل نفي
ولده عن نفسه، وهو مانع من التوارث بين
الزوجين، وبين الأب وولده المنفي، وترثه أمه وكل
من يتقرب بها، كالإخوة من قبلها والأخوال
والخالات، ويرثهم إلا على رأي للشيخ في
الاستبصار (2)، حيث قيد إرثه عنهم باعتراف الأب
لولده بعد نفيه عنه.
ولو كذب الأب نفسه ورثه الولد ولم يرثه
هو، وأما أقارب الأب ففيهم أقوال:
1 - إرث الولد منهم وعدم إرثهم منه،
اختاره أبو الصلاح الحلبي (3).



(1) أنظر الجواهر 39: 38 - 39.
(2) الكافي 7: 142، باب ميراث القاتل.
(3) أنظر المختلف: 743.
(4) القواعد 2: 163.
(5) إيضاح الفوائد 4: 182.
(6) الروضة البهية 8: 35.
(1) أنظر: الروضة البهية 8: 40 - 42، والجواهر 39: 48
- 58.
(2) الاستبصار 4: 181، الباب 104، ذيل الحديث 8.
(3) الكافي في الفقه: 375.
62
2 - التوارث بينه وبينهم إذا اعترفوا به وكذبوا
الأب في نفيه عنه، ذكره العلامة في القواعد (1) وجها.
3 - عدم التوارث مطلقا، وهذا هو الرأي
المشهور (2)، بل ادعي عليه الإجماع (3).
الخامس - الزنا:
الزنا يقطع النسب من الأبوين، فلا يرثان
الولد، ولا يرثهما، ولا من يتقرب بهما، وإنما يرثه
ولده وزوجته، فإن لم يكونوا فالمعتق وإلا فضامن
الجريرة وإلا فالإمام (عليه السلام).
وعن ابن الجنيد (4) والصدوق (5) والحلبي (6)
أنه ترثه أمه ومن يتعلق بنسبها.
ولا بد من التنبيه على أن جعل اللعان والزنا
من الموانع إنما هو من باب التسامح والتوسع، لأن
المانعية إنما تتحقق إذا تحقق المقتضي، وهو ثبوت
النسب أو السبب الشرعي، وهما غير ثابتين في
هذين الموردين.
السادس - الدين:
اختلف الفقهاء في مانعية الدين عن استحقاق
الورثة للإرث وعدمها، ومنشؤه اختلافهم في انتقال
التركة إلى الورثة في صورة وجود الدين على الميت
وعدمه، وفي ذلك قولان:
الأول - أن الدين إن كان مستغرقا بقي المال
على ملك الميت ولم ينتقل إلى الورثة، وكذا إن لم
يكن مستغرقا لكن بالنسبة إلى ما قابل الدين.
ذهب إليه الصدوق (1)، والشيخ (2)، وابن إدريس (3)،
والمحقق (4)، والعلامة - في الإرشاد (5) - والشهيد
الأول (6)، ونسبه الشهيد الثاني في المسالك (7) إلى
الأكثر.
وبناء على هذا القول يكون الدين مانعا عن
الإرث.
الثاني - أن التركة تنتقل إلى الورثة، لكن
يمنعون عن التصرف فيها - لتعلق حق الغرماء بها
كالرهن - حتى يقضى الدين منها أو من غيرها،
اختاره الشيخ في المبسوط (8) - في أحد رأييه، لكن



(1) القواعد 2: 181.
(2) الجواهر 39: 271.
(3) أنظر: السرائر 3: 275، ومفتاح الكرامة 8: 210.
(4) أنظر المختلف (الحجرية): 744.
(5) المقنع: 177 - 178، حيث جعل ميراث ولد الزنا كولد
الملاعنة.
(6) الكافي في الفقه: 377.
(1) المقنع: 167.
(2) المبسوط 1: 240، و 8: 143، والخلاف 2: 144.
(3) السرائر 2: 47، و 3: 202 - 203، لكن فيه: أن
التركة لا تدخل في ملك الغرماء، ولا في ملك الورثة، ولا
في ملك الميت - لانقطاع ملكه بالموت - فتبقى موقوفة
على قضاء الدين.
(4) الشرائع 4: 16.
(5) الإرشاد 2: 131.
(6) الدروس 2: 352.
(7) المسالك (الحجرية) 2: 316.
(8) المبسوط 8: 192 - 193.
63
يبدو أنه رجع عنه في آخر كلامه ووافق قوله
الأول - ويحيى بن سعيد (1)، والعلامة في بعض
كتبه (2)، وولده (3)، والمحقق الثاني (4)، والشهيد
الثاني (5)، والفاضل الإصفهاني (6)، وصاحب
الجواهر (7)، ومال إليه الشيخ الأنصاري (8).
وبناء على ذلك لا يكون الدين مانعا عن
الإرث. نعم، يجب على الوارث قضاء الدين من
التركة أو من غيرها.
وتظهر الثمرة بين القولين في نماء التركة، فعلى
القول الأول تكون الثمرة للغرماء وعلى القول الثاني
تكون للورثة.
السابع - الحمل:
وهو يمنع غيره ويمنع هو عن الإرث:
أما منعه غيره ففيه صورتان:
الأولى - أن يكون مع الحمل وأمه ورثة
آخرون من الطبقة الثانية، كالإخوة والأجداد، فإن
وجود الحمل يمنعهم من أصل الإرث حتى يتبين
حاله، فإن انفصل حيا حرموا من الإرث، وإن
انفصل ميتا ورثوا من التركة.
الثانية - أن يكون مع الحمل وأمه الأبوان أو
أحدهما، فيمنعان عما زاد على فرضهما، وهو
السدسان، أو السدس إن كان أحدهما، كما تمنع
الزوجة - وهي أم الحمل - في الصورتين عن نصيبها
الأعلى وهو الربع، وينزله إلى الثمن.
وأما منعه نفسه:
فلأنه لا يرث ما لم ينفصل حيا، ولذلك يعزل
له نصيبه، ويقدر له أعلى فرض ممكن عادة، وهو
نصيب ذكرين - لكن لا يدخل في ملكه فعلا -
ويقسم الباقي بين سائر الورثة إن لم يكونوا ممنوعين
عن أصل الإرث مع وجود الحمل كالإخوة، كما
يعطى للممنوعين عن الزائد - كالزوجة والأبوين -
النصيب الأدنى، فإن انفصل الحمل حيا أعطي
سهمه وقسم الباقي - لو كان، كما لو كان الحمل
ذكرا واحدا أو ذكرا وأنثى أو أنثيين - بين
الورثة.
ولو انفصل ميتا، رد ما عزل من سهمه إلى
سائر الورثة.
ولو انفصل حيا ثم مات قسم سهمه بين
ورثته خاصة (1).



(1) الجامع للشرائع: 363.
(2) أنظر: المختلف (الحجرية): 727، والقواعد 2: 167.
(3) إيضاح الفوائد 2: 63 - 64، وانظر 4: 205، حيث
ذكر أصل المسألة لكن أحال الكلام فيها إلى الوصايا، إلا
أنا لم نوفق للعثور على كلامه فيها.
(4) جامع المقاصد 5: 221 - 222.
(5) المسالك (الحجرية) 2: 316.
(6) كشف اللثام 2: 286.
(7) الجواهر 39: 74، و 26: 88.
(8) الوصايا والمواريث: 210 و 219.
(1) أنظر: الروضة البهية 8: 46 - 48، والجواهر 39: 70
- 74.
64
الثامن - الغيبة المنقطعة:
الغائب غيبة منقطعة هو الذي لا يعرف له في
مدة غيبته خبر موت ولا حياة، ويسمى المفقود
أيضا، ويقع الكلام عنه في مقامين:
الأول - في توريث الغير منه:
وفيه أربعة أقوال:
1 - يحبس ماله عن ورثته بقدر ما يطلب في
الأرض ويفحص عنه، وهو أربع سنين. ذهب إليه
الصدوق (1)، والسيد المرتضى (2)، والحلبي (3)، وابن
زهرة (4)، ونفى العلامة عنه البأس في المختلف (5)،
وقواه الشهيدان في الدروس (6) والروضة (7)، ومال
إليه صاحب الكفاية (8) والمحدث الكاشاني (9)،
واختاره السيد الطباطبائي (10) والسيد الحكيم (11)
والسيد الخوئي (1)، لكنه استظهر جواز التقسيم بعد
مضي عشر سنوات بلا حاجة إلى الفحص.
2 - الانتظار أربع سنين فيمن فقد في عسكر
شهدت هزيمته، وقتل من كان فيه أو أكثرهم.
والمأسور في قيد العدو يوقف ماله ما جاء
خبره، فإذا انقطع ينتظر عشر سنين من زمن
الانقطاع.
وأما من لا يعرف مكانه في غيبته ولا خبر له
فينتظر عشر سنين أيضا.
ذهب إلى هذا الرأي ابن الجنيد (2).
3 - لا بأس ببيع دار المفقود بعد عشر سنين
من فقده، ويكون البائع ضامنا للثمن والدرك.
ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد (3).
4 - إن الغائب لا تقسم تركته حتى يعلم موته
- بالتواتر أو بالبينة أو بالخبر المحفوف بالقرائن
المفيدة للعلم - أو تنقضي مدة لا يعيش مثله إلى تلك
المدة غالبا، لأن الأصل بقاء حياة الغائب وبقاء
التركة على ملكه حتى يثبت ما يزيل ذلك.
وهذا هو رأي الشيخ (4) وتابعيه (5)،



(1) الفقيه 4: 330، باب ميراث المفقود، ذيل الحديث
5707.
(2) الانتصار: 307.
(3) الكافي: 378.
(4) الغنية: 332.
(5) المختلف: 749.
(6) الدروس 2: 352.
(7) الروضة البهية 8: 50.
(8) الكفاية: 292.
(9) المفاتيح 3: 319.
(10) الرياض (الحجرية) 2: 373.
(11) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 412، كتاب
الإرث، ميراث المفقود، المسألة 10.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 379، كتاب
الإرث، ميراث المفقود، المسألة 1827.
(2) المختلف: 749.
(3) المقنعة: 706.
(4) المبسوط 4: 125.
(5) أنظر: الدروس 2: 352.
65
والمحقق (1)، والعلامة (2)، وولده (3)، بل ادعي أنه
المشهور، وأنه رأي أكثر الفقهاء (4).
الثاني - في توريثه من الغير:
لو مات للمفقود قريب ففي كيفية توريثه منه
أقوال:
1 - يدفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه،
ويوقف الباقي حتى يعلم حاله.
قال بذلك الشيخ (5)، واختاره العلامة (6)
وولده (7) وغيرهم (8).
وزاد الشيخ في المبسوط: أنه يجوز تسليم
نصيبه إلى الورثة الحاضرين وأخذ الضمان منهم (9).
2 - يعزل ميراث الغائب المفقود حتى يعرف
خبره، فإن تطاولت المدة في ذلك وكان للميت ورثة
سوى الولد ملآء - أي: ليسوا فقراء - لا بأس
باقتسام المال، وهم ضامنون له إن عرف للغائب
خبر بعد ذلك، اختار ذلك الشيخ المفيد (1).
3 - يعزل جملة الإرث حتى يكشف السلطان
خبره، أربع سنين، فيحكم بعدها طبقا لما استبان له
من موت أو حياة.
اختار ذلك أبو الصلاح (2).
4 - يكون حكم ميراثه حكم سائر أمواله،
فلا يكون موقوفا، ويتصرف فيه الولي الشرعي كما
يتصرف في سائر أمواله، فينفق منه على زوجته
وأولاده، فإذا بان خلاف ذلك عمل طبقا لما تقتضيه
القواعد الشرعية.
اختار ذلك صاحب الجواهر (3).
والأغلب لم يتعرضوا لهذه المسألة، وإنما
تعرضوا للمسألة المتقدمة، ولعله لأجل كونهما من
باب واحد (4).
التاسع - الزوجية:
اتفق الفقهاء - قديما وحديثا (5) - على أن
الزوجة تمنع من بعض الإرث، إلا ابن الجنيد (6)،



(1) الشرائع 4: 16.
(2) القواعد 2: 167.
(3) إيضاح الفوائد 4: 206.
(4) أنظر: الروضة البهية 8: 49، والكفاية: 292،
والمفاتيح 3: 318، والجواهر 39: 63.
(5) الخلاف 4: 119.
(6) نسبه إليه ولده في الإيضاح، ولم أعثر على تصريح له في
ذلك.
(7) إيضاح الفوائد 4: 207.
(8) أنظر: كشف اللثام 2: 286، ومفتاح الكرامة 8: 97.
(9) المبسوط 4: 125.
(1) المقنعة: 706.
(2) الكافي في الفقه: 378.
(3) الجواهر 39: 68 - 70.
(4) مفتاح الكرامة 8: 97.
(5) ادعى الاتفاق كثير من الفقهاء كما تجده في المصادر
الآتية وغيرها.
(6) وقد تواتر نقل ذلك عنه، كما تجده في المصادر الآتية
وغيرها.
66
حيث قال: إنها ترث من جميع ما تركه الزوج كما أن
الزوج يرث من جميع ما تركته الزوجة.
والمسألة مما تفردت بها الإمامية (1)، وهي من
مشكلات بحث الإرث.
نعم اختلف الفقهاء في أمرين:
الأول - أن الحرمان هل هو عام يشمل الزوجة
ذات الولد وغيرها، أو يختص بغير ذات الولد؟
يمكن حصر آراء الفقهاء وكلماتهم فيما يلي:
1 - التصريح باختصاص المنع بغير ذات
الولد، وهذا ما نجده في كلام المشهور، من الشيخ (2)
فما دون، واختاره الصدوق أيضا (3).
2 - التصريح بعموم المنع، كما فعل ابن
إدريس (4) والفاضل الآبي (5) وصاحب الجواهر (6)،
ويظهر من المحققين الأردبيلي (7) والسبزواري (8)،
ومن المحدث الكاشاني (9).
3 - إطلاق المنع وعدم تقييده بغير ذات
الولد، كما فعل الشيخ المفيد (1)، والسيد المرتضى (2)،
والشيخ الطوسي في الاستبصار (3)، والحلبي (4)،
والمحقق الحلي في المختصر (5)، والسيد الحكيم (6)،
والسيد الخوئي (7)، والإمام الخميني (8).
واستظهر بعض الفقهاء من كلام المطلقين:
أنهم قائلون بعموم الحرمان أيضا.
الثاني - في كمية المحروم منه وكيفيته:
اختلف الفقهاء في المقدار الذي تحرم منه
وكيفيته على ثلاثة أقوال تقريبا:
1 - إنها تحرم من أرض الرباع (9)، وأرض
المزارع عينا وقيمة، وتعطى من قيمة ما ثبت فيها
من بناء وآلات وأشجار ونحوها، فعلى سائر الورثة



(1) الانتصار: 301.
(2) المبسوط 4: 126، وتجد دعوى الشهرة في أكثر المصادر.
(3) من لا يحضره الفقيه 4: 349، ذيل المسألة 5754.
(4) السرائر 3: 259.
(5) كشف الرموز 2: 464، وجعل هذا القول هو الأشهر.
(6) الجواهر 39: 212.
(7) مجمع الفائدة 11: 443 - 449، وانظر 445
بالخصوص.
(8) الكفاية: 304.
(9) المفاتيح 3: 329.
(1) المقنعة: 687.
(2) الانتصار: 301.
(3) الاستبصار 4: 155، باب أن المرأة لا ترث من العقار
والدور، ذيل الحديث 12.
(4) الكافي في الفقه: 374.
(5) المختصر النافع: 272.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 407، الميراث
بالسبب، المسألة 6.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 372، الميراث
بالسبب، المسألة 1788.
(8) تحرير الوسيلة 2: 358، كتاب الإرث، الميراث
بسبب الزوجية، المسألة 5.
(9) الرباع: جمع ربع، وهو المنزل ودار الإقامة، لسان
العرب " ربع ".
67
أن يدفعوا حصتها من قيمتها.
هذا هو الرأي المشهور بين الفقهاء من زمن
الشيخ حتى اليوم (1)، إلا أنه يظهر من الشهيد الثاني
أن المرأة ترث من عين الأشجار أيضا (2).
2 - إنها تحرم من أرض الرباع خاصة عينا
وقيمة، وتعطى من قيمة الأبنية والآلات المثبتة في
أرض الرباع، ولا تحرم من أرض البساتين
والمزارع والضياع لا عينا ولا قيمة.
وهذا رأي الشيخ المفيد (3) وابن إدريس (4)
والمحقق في المختصر النافع (5).
3 - إنها تحرم من خصوص عين الرباع،
لا من قيمتها، فيجب على الوارث دفع قيمة الرباع
بما فيها الأرض والآلات والأبنية، أما غيرها من
المزارع والضياع، فترث منها عينا وقيمة.
نسب الفقهاء هذا الرأي إلى السيد المرتضى،
والموجود في الانتصار هو: " أن الزوجة لا ترث من
رباع المتوفى شيئا، بل تعطى بقيمة حقها من البناء
والآلات دون قيمة العراص (6) " (7)، وكلامه ظاهر
في منع الزوجة من عين العرصة وقيمتها.
والحكمة في هذا المنع - كما ورد في الروايات
وكلمات الفقهاء - هي: أن الزوجة ربما تزوجت
فأسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى
أو يغيظه أو يحسده، فيثقل ذلك على أهله
وعشيرته (1).
العاشر - العلم باقتران موت المتوارثين:
ومن موانع الإرث هو العلم باقتران موت
المتوارثين - كالأب والابن والزوجين - أو اشتباه
المتقدم والمتأخر منهما في الموت، فإنهما لا يتوارثان،
بل ينتقل إرثهما إلى سائر الورثة، فلو مات الزوجان
دفعة انتقل إرثهما إلى أولادهما وأبوي كل منهما،
ولا يرث كل منهما الآخر.
هذا إذا كان موتهما حتف الأنف أو بسبب غير
الهدم والغرق، على بعض الآراء، أما إذا كان بسببهما
فيتوارثان، كما سوف يأتي تفصيله في ميراث
الغرقى.
وهناك موانع أخرى سنذكر أهمها تحت
عنوان " الحجب ".
الحجب:
وهو لغة: المنع (2)، واصطلاحا: منع من كان



(1) ادعى الشهرة كثيرون.
(2) الروضة البهية 8: 174.
(3) المقنعة: 687.
(4) السرائر 3: 258.
(5) المختصر النافع: 272.
(6) العراص، جمع عرصة، وهي: " كل بقعة بين الدور
واسعة ليس فيها بناء "، أنظر لسان العرب: " عرص ".
(7) الانتصار: 301.
(1) أنظر: الوسائل 26: 205، الباب 6 من أبواب ميراث
الأزواج، والانتصار: 301.
(2) المصباح المنير: " حجب ".
68
فيه إحدى موجبات الإرث، عن أصل الإرث أو
عن بعضه، والأول يسمى: حجب الحرمان،
والثاني: حجب النقصان (1). وفيما يلي نشير إلى
توضيح كل منهما:
أولا - حجب الحرمان:
كل طبقة من طبقات الإرث تمنع ما بعدها عن
أصل الإرث، فالأبوان والأولاد يمنعون الإخوة
والأجداد عن أصل الإرث، وهؤلاء - أي الإخوة
والأجداد - يمنعون الأعمام والأخوال، وطبقات
النسب تمنع طبقات السبب - عدا الزوجين - فما
دامت القرابة النسبية موجودة لا يستحق المسابب
كولي النعمة أي: المعتق، وضامن الجريرة
والإمام (عليه السلام).
والأقرب في كل طبقة يمنع الأبعد، فالأولاد
يمنعون أولادهم، فما دام يوجد واحد من البطن
الأول من الأولاد - أي الأولاد المباشرين للميت -
لم يرث البطن الثاني منهم - أي أولاد الأولاد - فلا
يرث ابن الابن أو بنته أو ابن البنت أو بنتها مع
وجود الابن أو البنت المباشرين، كما لا يرث الجد
البعيد مع وجود الجد القريب - من طبقة الأجداد -
ولا أولاد الإخوة مع وجود الإخوة، ولا أولاد
الأعمام والأخوال مع وجودهم (2).
ثانيا - حجب النقصان:
وفيه موردان: حجب الأولاد وحجب
الإخوة.
المورد الأول - حجب الأولاد:
وهم يحجبون الأبوين والزوجين:
أ - حجب الأبوين:
يحجب الأولاد الأبوين من أن يرد عليهما
ما زاد على سهمهما - وهو السدسان - من الفريضة،
إلا إذا كانت بنت واحدة معهما أو مع أحدهما،
أو بنتان فصاعدا مع أحدهما، فإنه تزداد التركة
عما فرض للأبوين والبنت أو البنات، فيرد
عليهم الزائد بالنسبة، كما سيتبين في تفصيل
السهام.
ب - حجب الزوجين:
إن نصيب الزوج إذا لم يكن له ولد النصف،
ونصيب الزوجة مع عدم الولد أيضا الربع، هذا هو
الحد الأعلى لنصيبهما، أما إذا كان لهما ولد فيصير
نصيب الزوج الربع، ونصيب الزوجة الثمن، وهكذا
نجد أن الأولاد يحجبون الزوجين عن نصيبهما
الأعلى، وينزلونهما إلى الحد الأدنى.
وأولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد في
الحجب.
المورد الثاني - حجب الإخوة:
إن الأم وإن كانت من الطبقة الأولى،
والإخوة من الطبقة الثانية، والأولى تحجب الثانية
عن أصل الإرث - كما تقدم - فلا يرث الإخوة مع



(1) الجواهر 39: 75.
(2) أنظر: الروضة البهية 8: 51 وما بعدها، والجواهر 39:
75 وما بعدها.
69
وجود الأم، إلا أن وجودهم يحجب الأم - أيضا -
عن أن تأخذ عما زاد على السدس من الفريضة.
ويشترط في حجبهم أمور (1):
1 - أن يكون الأب موجودا، لأن الحكمة في
الحجب - هنا - توفير المال على الأب عن طريق رد
الزائد من الفريضة عليه لينفقه على عياله، وهم
إخوة الميت وأخواته، فلو لم يكن الأب موجودا رد
الزائد على الأم.
2 - أن يكون الإخوة ذكرين فصاعدا، أو
ذكرا وانثيين، أو أربع إناث، وهذا هو الحد الأدنى
للحاجبين، فلو كانوا أقل من ذلك - مثل ذكر واحد
أو ذكر وأنثى واحدة أو ثلاث إناث - لم يحجبوا.
3 - أن يكونوا إخوة للميت من قبل الأب
والأم أو الأب فقط، فلا يحجب الإخوة لو كانوا من
قبل الأم فقط.
4 - ألا يكون فيهم أحد موانع الإرث، فلو
كان فيهم أحدها لم يحجبوا.
أما الكفر والرقية، فللإجماع على ذلك،
والحكمة فيه: أن الكافر أو الرق لا تجب نفقته على
الأب كي يعطى الزائد للأب ليوفر عليه.
وأما القتل فعلى المشهور بين الفقهاء،
والمخالف فيه هو ابن أبي عقيل والصدوق - حسبما
نسبه إليهما العلامة (1) - ويظهر من الفاضل الآبي (2)
والمحقق السبزواري (3)، ونفى عنه العلامة البأس (4).
وأما ولد اللعان وولد الزنا، فلانتفاء النسب
بينهما وبين الملاعن والزاني، فلا يثبت كونهما أخوين
للميت من طريق الأب، بل غايته ثبوت الأخوة من
قبل الأم، وهي غير حاجبة، لكن لم يصرح بذلك
إلا بعض الفقهاء (5).
وأما الحمل، فالمشهور عدم كونه حاجبا،
وعليه فلا بد من كون الإخوة منفصلين ليحجبوا.
5 - أن يكونوا أحياء، فلا يكفي وجود
الإخوة الأموات، بل لا يكفي لو علم تقارن موتهم
مع موته أو اشتبه الحال، كما تقدم في الموانع.
أنواع الاستحقاق:
إن استحقاق الإرث يكون على أحد أنحاء
ثلاثة:



(1) راجع تفاصيل ذلك في المصادر التالية:
الروضة البهية 8: 58 - 64، مفتاح الكرامة 8: 99
- 107، الجواهر 39: 75 - 91.
(1) نقله عنهما العلامة في المختلف: 743، إلا أن الموجود في
الفقيه عبارة طويلة للفضل بن شاذان، في ذيلها عبارة
تشعر بالمطلوب، وهي التي نقلها العلامة في المختلف
ونسبها إلى الصدوق، أنظر الفقيه 4: 321، باب ميراث
القاتل.
(2) كشف الرموز 2: 452.
(3) الكفاية: 293.
(4) المختلف: 743.
(5) أنظر على سبيل المثال: الدروس 2: 357، الروضة
البهية 8: 62، مفتاح الكرامة 8: 105.
70
أولا - الاستحقاق بالفرض:
وهو استحقاق الإرث طبقا لنص الكتاب
العزيز، فإنه قد ورد التنصيص على بعض السهام،
ويطلق عليها: السهام المفروضة، كما يطلق على هذا
النوع من الاستحقاق: الاستحقاق بالفرض.
ثانيا - الاستحقاق بالقرابة:
وهو استحقاق الإرث لاندراج مستحقه في
قوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) * (1) كما في الأعمام والأخوال، فإنه لم يرد
نص بالخصوص بالنسبة إليهم، وكالأب لو لم يجتمع
مع الأولاد، أما لو اجتمعوا معه فقد نص على سهمه
وهو السدس، ويقال لهذا النوع من الاستحقاق:
الاستحقاق بالقرابة.
ثالثا - الاستحقاق بالرد:
وهو استحقاق الإرث الزائد على الفريضة
بسبب أقربية الوارث إلى الميت من غيره، كالبنت
الواحدة، فإنها تستحق النصف بالفرض، والنصف
الآخر بالرد لو لم يكن في طبقتها وارث آخر أو أحد
الزوجين، ولا يدفع الزائد إلى الطبقة الثانية كالأخ
مثلا، ويقال لهذا النوع من الاستحقاق: الاستحقاق
بالرد.
مقادير السهام المفروضة:
السهام المفروضة والمقدرة في كتاب الله تعالى
ستة:
الأول - النصف:
وهو سهم ثلاثة أصناف:
1 - سهم البنت الواحدة لو لم يكن معها ابن،
وقد دل عليه قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن
ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف...) * (1).
2 - سهم الأخت الواحدة إذا كانت للأبوين
أو للأب، ويدل عليه قوله تعالى: * (... إن امرؤ هلك
ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك...) * (2).
3 - سهم الزوج إذا لم يكن للزوجة المتوفاة
ولد، ويدل عليه قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك
أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (3).
الثاني - الثلثان:
وهو سهم صنفين:
1 - للبنات إن كن أكثر من واحدة، لقوله
تعالى: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما
ترك) * (4).
2 - للأخوات إن كن أكثر من واحدة، لقوله
تعالى: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (5).



(1) الأنفال: 75، والأحزاب: 6.
(1) النساء: 11.
(2) النساء: 176.
(3) النساء: 12.
(4) النساء: 11.
(5) النساء: 176.
71
الثالث - الثلث:
وهو سهم صنفين أيضا:
1 - سهم الأم إن لم يكن لها حاجب من الولد
والإخوة، لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه
أبواه فلأمه الثلث) * (1).
2 - سهم كلالة الأم، وهم من يتقربون من
جهتها، كالأخ والأخت من قبلها، لقوله تعالى:
* (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث) * (2).
الرابع - الربع:
وهو سهم صنفين أيضا:
1 - سهم الزوجة - وإن تعددت - إذا لم يكن
للزوج المتوفى ولد، لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما
تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (3).
2 - سهم الزوج إذا كان للزوجة المتوفاة ولد،
لقوله تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما
تركن) * (4).
الخامس - السدس:
وهم سهم ثلاثة أصناف:
1 - سهم الأب إن كان معه ولد - ذكرا كان أو
أنثى - لقوله تعالى: * (ولا بويه لكل واحد منهما
السدس مما ترك إن كان له ولد) * (5).
2 - سهم الأم إن كان معها ولد للميت، أو كان
معها من يحجبها، من الإخوة، لما سبق ولقوله تعالى:
* (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (1).
3 - للواحد من كلالة الأم، وهم من يتقربون
من جهتها كالأخ والأخت من قبلها، لقوله تعالى:
* (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس) * (2).
السادس - الثمن:
وهو سهم الزوجة - وإن تعددت - إذا كان
للزوج المتوفى ولد، لقوله تعالى: * (فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن مما تركتم) * (3).
العول والتعصيب:
إن نسبة التركة إلى مجموع السهام (الفروض)
لها ثلاث حالات:
الأولى - التساوي:
بأن تكون التركة إذا قسمت بحسب الفروض
لم يزد ولم ينقص منها شئ، كما إذا ترك الميت أبوين
وبنتين، فللأبوين السدسان (الثلث)، وللبنتين
الثلثان، ومجموع السهام يساوي التركة.
16 + 16 = 16 + 1 = 26 = 13 سهم الأبوين
23 (سهم البنتين) + 13 (سهم الأبوين) = 23 + 1 = 33 مجموع التركة مجموع السهام



(1) النساء: 11.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 12.
(4) النساء: 12.
(5) النساء: 11.
(1) النساء: 11.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 12.
72
الثانية - زيادة السهام على التركة:
كما إذا اجتمعت البنتان مع الزوج والأبوين،
فللبنتين الثلثان، وللزوج الربع، وللأبوين السدسان
(الثلث). ففي هذه الصورة يكون مجموع السهام
أكثر من مجموع التركة.
23 (سهم البنتين) + 14 (سهم الزوج) + 13 (سهم الأبوين) = 812 + 3 + 4 =
1512 مجموع التركة مجموع السهام
الثالثة - زيادة التركة على السهام:
كما إذا مات عن بنت واحدة مع الزوجة،
فللبنت النصف، وللزوجة الثمن، فيكون مجموع
السهام أقل من مجموع التركة.
12 (سهم البنت) + 18 (سهم الزوجة) = 48 + 1 = 8 مجموع التركة 5 مجموع السهام
كانت هذه حالات ثلاث للتركة، أما الحالة
الأولى، فلا كلام ولا إشكال فيها، وأما الحالتان
الثانية والثالثة، فقد وقع الخلاف في كيفية حل
المشكلة بين مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم.
أما الحل الذي انتهجه غير أهل البيت (عليهم السلام)
فهو:
أنهم في صورة زيادة السهام على التركة
يقسمون النقص على جميع الورثة، كما إذا كان على
الميت ديون، فإنها تقسم على جميع التركة أيضا.
ففي المثال السابق يرفع مجموع التركة إلى
مجموع السهام وتقسم بحسب 1515، فيكون سهم
البنتين 815 بعد أن كان 812 فينزل من الثلثين إلى
قريب النصف، وسهم الزوج 315 بعد أن كان 312 أي
ينزل من الربع إلى الخمس، وسهم كل واحد من
الأبوين 215 بعد أن كان 212 ومجموعهما 415 بعد
أن كان 412، أي يصبح مجموعهما قريبا من الربع
بعد أن كان ثلثا.
وقد سميت هذه الحالة ب‍ " العول " أي: عول
الفريضة، لزيادة السهام ونقصان التركة، لأن العول
في اللغة هو: الزيادة والنقصان، والخروج عن حد
الاعتدال (1).
وأما إذا زادت التركة عن مجموع السهام،
فإنهم يدفعون الزائد إلى عصبة الميت، وهم أقرباؤه
من قبل الأب، كالابن والأخ والعم وأولادهم (2).
ففي المثال المتقدم يدفع الزائد وهو 38 إلى عصبة
الميت وإن كانوا في الطبقة الثانية، والورثة ذوو
الفروض في الطبقة الأولى.
وسميت هذه الحالة ب‍ " التعصيب "، أي:
توريث العصبة (3).
كانت هذه طريقة الحل عند غير



(1) أنظر لسان العرب: " عول ".
(2) المصدر نفسه: " عصب ".
(3) والعصبة عندهم قسمان:
أ - عصبة بنفسه، وهم الذكور المنتسبون إلى الميت بلا
واسطة، كالابن والأخ، أو مع الواسطة، كالعم، وأولاد
هؤلاء.
ب - عصبة بغيره، وهن البنات، وبنات الابن،
والأخوات من الأبوين أو من الأب.
73
أهل البيت (عليهم السلام)، وأما الطريقة التي أنتهجها
أهل البيت (عليهم السلام)، فهي على النحو التالي:
أولا - إذا كانت السهام أكثر من التركة،
فيدخلون النقص على البنت أو البنات والأخت أو
الأخوات دون الأبوين والزوجين.
والسبب في ذلك هو:
أن الفرائض على قسمين:
الأول - الفرائض التي ذكر لها فرضان في
كتاب الله تعالى، فإذا أزيلت عن الفرض الأول
استقرت في الفرض الثاني، ولم يقع عليها أي تغيير،
وهذه الفرائض هي:
1 - فريضة الزوج، فإن له النصف لو لم يكن
للميت (الزوجة) ولد، وله الربع لو كان له ولد.
2 - فريضة الزوجة، فإن لها الربع لو لم يكن
للميت (للزوج) ولد، ولها الثمن لو كان له ولد.
3 - الأم، فإن لها الثلث لو لم يكن للميت ولد،
ولها السدس لو كان له ولد.
الثاني - الفرائض التي لم يذكر لها إلا فرض
واحد، فإذا أزيلت عنه لم يكن لصاحب الفرض إلا
الباقي، وهي:
1 - البنت، أو الأخت للأبوين أو الأب
خاصة، فإن لها النصف.
2 - البنات، أو الأخوات للأبوين أو الأب
خاصة، فإن لهن الثلثين.
وأما الأب فله مع الولد فرض واحد وهو
السدس، ومع عدمه لا فرض له، بل يأخذ بالقرابة.
فإذا ورد النقص في الفريضة فهو يرد على
البنت والبنات أو الأخت والأخوات، لأنهن إذا
تغيرت الفريضة الأولى يكون لهن الباقي، لعدم
فرض آخر ينتقلن إليه.
وقد ورد هذا التوجيه بنحو طريف في رواية
وردت عن علي عليه أفضل الصلاة والسلام،
نستعرضها في عنوان " عول " إن شاء الله تعالى.
ثانيا - وأما إذا كانت التركة أكثر من السهام،
فلا يدفع الزائد للعصبة ما دام يوجد من يتقدمهم في
الرتبة، بل إن كان الموجودون ذوي فرض فيرد
الزائد عليهم بنسبة سهامهم إلا الزوجين، لأنهما
لا يزاد نصيبهما على الحد الأعلى ولا ينقص عن الحد
الأدنى، إذا كانا مع وارث غيرهما (1)، وكذا لا يرد
على الأم لو كان من يحجبها من الإخوة والأولاد.
وإن كان في الورثة من يأخذ بالقرابة لا
بالفرض فيرد الباقي عليه خاصة.
مثال الأول: إذا كان الوارث بنتا واحدة
وزوجة فيرد الزائد على البنت خاصة، وإذا كان بنتا
واحدة وأبوين - ولم يكن للأم حاجب - رد الزائد
على الجميع حسب السهام.
ومثال الثاني: إذا كان الورثة أبوين وزوجة،



(1) وإن لم يكن معهما وارث في جميع الطبقات عدا
الإمام (عليه السلام) ففي الرد عليهما أو على الزوج خاصة كلام
وتفصيل، تقدم البحث فيه في موجبات الإرث - ولاء
الإمامة.
74
فللزوجة الربع، وللأم الثلث إذا لم يكن لها حاجب
والسدس إن كان، والباقي للأب خاصة، وكذا لو
كان الورثة أبوين وزوجة وابنا، فللأبوين
السدسان، وللزوجة الثمن، والباقي للابن. وهكذا (1).
وعلى هذا فلا عول ولا تعصيب عند
أهل البيت (عليهم السلام).
وفي ذلك تفصيل، راجع فيه مصطلحي:
" تعصيب " و " عول ".
تفصيل السهام:
نشير فيما يلي إلى سهم كل واحد من الورثة
بصوره المختلفة، من الاجتماع والافتراق بشكل
إجمالي:
أولا - الطبقة الأولى:
وهم الأبوان والأولاد - أو أولادهم إن
عدموا - وتفصيل الإرث فيهم كالآتي:
1 - الأب إذا انفرد، فالمال كله له بالقرابة، إذ
لا فرض مقدرا له في هذه الصورة.
2 - الأم إذا انفردت، فلها ثلث المال
بالفرض، والباقي بالرد.
3 - البنت إذا انفردت، فلها النصف بالفرض،
والباقي بالرد.
4 - البنتان أو أكثر إذا انفردن، فلهن الثلثان
بالفرض والباقي بالرد، يقسمنه بينهن بالتساوي.
5 - الابن إذا انفرد، فله المال كله بالقرابة، إذ
لا فرض له، ولو تعدد الأبناء، فلهم المال يقسمونه
بينهم بالتساوي.
6 - وإذا اجتمع الأولاد ذكورا وإناثا فيقسم
المال بينهم، للذكر سهمان وللأنثى سهم واحد.
7 - وإذا اجتمع الأبوان، فللأم الثلث
بالفرض إن لم يكن لها حاجب، وإلا فلها السدس،
والباقي على التقديرين للأب بالقرابة.
8 - وإذا اجتمع الأبوان مع البنت، فللبنت
النصف بالفرض، ولكل من الأبوين السدس
بالفرض - أيضا - ويرد الباقي عليهم حسب السهام.
9 - وإذا اجتمع الأبوان مع البنتين فصاعدا،
فللبنتين الثلثان بالفرض، وللأبوين السدسان
بالفرض أيضا.
10 - وإذا اجتمع الأبوان مع الابن أو الأبناء،
فللأبوين السدسان بالفرض، وللابن أو الأبناء
الباقي بالقرابة، يقسمونه بينهم بالسوية.
11 - وإذا اجتمع الأبوان مع الأولاد ذكورا
وإناثا، فللأبوين السدسان بالفرض والباقي
للأولاد، يقسمونه بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين،
كما قال الله تعالى.
12 - وإذا اجتمع مع الأبوين الزوج أو
الزوجة، أخذ نصيبه الأعلى مع عدم الأولاد
والأدنى مع وجودهم، حسب فرض المسألة.
13 - وكلما زادت الفريضة على السهام، رد

75
الزائد على غير الزوجين والأم مع الحاجب، وإن
نقصت فيرد النقص على البنات خاصة لا على
غيرهن، كما تقدم.
ثانيا - الطبقة الثانية:
وهي تتضمن الإخوة والأجداد، وتفاصيل
إرثهم كما يلي:
1 - للجد المنفرد - لأب كان أو لأم - المال كله
بالقرابة، وكذا الجدة.
2 - ولو اجتمع الأجداد والجدات من قبل
الأب والأم، كان للمتقرب من قبل الأب الثلثان،
للذكر مثل حظ الأنثيين، ولمن يتقرب بالأم الثلث،
يقسم بينهم بالسوية على المشهور.
3 - للأخ المنفرد إن كان من الأبوين المال كله
بالقرابة، وإن تعدد الإخوة فالمال بينهم بالسوية.
4 - وللأخت الواحدة إذا كانت من الأبوين
نصف المال بالفرض، والباقي بالرد.
5 - وللأختين فصاعدا إذا كن من الأبوين
ثلثا المال بالفرض، والباقي بالرد، ولا يعطى للعصبة
شئ.
6 - وإذا اشترك الإخوة والأخوات، فللذكر
مثل حظ الأنثيين.
7 - يقوم كلالة الأب - وهم الإخوة
والأخوات من قبل الأب فقط - مقام كلالة الأبوين
- الإخوة والأخوات من قبلهما - إذا لم يكن منهم
أحد.
8 - ولو كان الوارث واحدا من كلالة الأم
- أي كان أخا للميت من قبل الأم أو أختا له - فله
السدس بالفرض، والباقي بالرد.
9 - وإن كانوا أكثر فلهم الثلث بالفرض،
والباقي بالرد، يقسم بينهم بالسوية.
10 - ولو اجتمع الكلالات من قبل الأب
والأم، ومن قبل الأب فقط، ومن قبل الأم فقط،
حرم كلالة الأب خاصة من الإرث، وأعطي كلالة
الأم السدس أو الثلث ودفع الباقي لكلالة الأبوين،
لأن مع وجود كلالة الأبوين - وهم ذوو سببين -
لا يرث كلالة الأب فقط - لأنهم ذوو سبب واحد -
أما كلالة الأم فيأخذون فرضهم على كل تقدير.
11 - وإذا اشترك الأجداد والجدات مع
الإخوة والأخوات، كان الأجداد من قبل الأب
كالإخوة من قبله، والجدات من قبله كالأخوات من
قبله، والأجداد والجدات من قبل الأم كالإخوة
والأخوات من قبلها، فيقسم الثلث بين الطائفة
الثانية بالتساوي، والثلثان بين الطائفة الأولى للذكر
مثل حظ الأنثيين إذا اختلفوا في الذكورية والأنوثية
وإلا فبالتساوي أيضا، كما إذا كان جد وإخوة أو
جدة وأخوات.
12 - وإذا اشترك مع الإخوة والأجداد
والأخوات والجدات الزوج أو الزوجة أخذ نصيبه
الأعلى، لعدم وجود الأولاد، وقسم الباقي حسبما
تقدم.
13 - وإذا زادت الفريضة رد الزائد على من
يتقرب بالأب والأم، دون من يتقرب بالأم، ودون

76
الزوج أو الزوجة.
وإن كان بعض الورثة يتقرب بالأب خاصة
وبعضهم بالأم خاصة، ففي اختصاص الرد بمن
يتقرب بالأب خاصة، أو اشتراكهما في الرد
قولان.
14 - وإذا نقصت الفريضة جعل النقص على
من يتقرب بالأب والأم، أو الأب دون من يتقرب
بالأم، والزوج أو الزوجة.
15 - يقوم أولاد الإخوة والأخوات مقام
الآباء والأمهات إن عدموا، ويأخذون حسب
سهامهم، فإن كانوا تقربوا من قبل الأب فللذكر مثل
حظ الأنثيين، وإن كانوا تقربوا من قبل الأم
فيقتسمون سهمهم بالتساوي.
16 - يقوم أب الجد مقام الجد إن عدم وهكذا
بالنسبة إلى الجدات، كل ذلك من الطرفين.
ثالثا - الطبقة الثالثة:
وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات،
وهؤلاء يرثون بالقرابة، وبآية * (وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (1). ولم يرد لهم أو
لبعضهم فرض خاص في كتاب الله تعالى، وعلى أي
حال فتفصيل سهامهم كالآتي:
1 - إذا انفرد كل من الأربعة فالمال كله له.
2 - وإذا اشترك الأعمام فقط أو العمات فقط
أو الأخوال فقط أو الخالات فقط، فالمال بينهم
بالسوية.
3 - إذا اشترك أعمام الميت وعماته وتساووا
في جهة القرابة - بأن كان كلهم إخوة وأخوات لأب
الميت من قبل أبيه وأمه، أو أبيه فقط - فللذكر منهم
مثل حظ الأنثيين. وإن كانوا من أمه فقط، ففيه
قولان:
أ - القول بالتسوية.
ب - القول بالتقسيم طبقا لقوله تعالى:
* (للذكر مثل حظ الأنثيين) *.
ولعل المشهور القسمة بالتسوية (1).
4 - وإذا اشترك الأعمام والعمات بأن كان
بعضهم للأب والأم أو الأب، وبعضهم للأم فقط،
فللمتقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن
كان أكثر، يقسم بينهم بالسوية ذكورا وإناثا،
والباقي للمتقرب بالأبوين، وإن فقدوا فالمتقرب
بالأب فقط، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
5 - إذا اشترك الخال والخالات وتساووا في
جهة القرب إلى أم الميت، فالمال يقسم بينهم
بالسوية.
6 - وإذا اختلفوا في جهة القرب فللمتقرب
بالأم - بأن كان أخا أو أختا لأم الميت من قبل الأم
فقط - السدس إن كان واحدا، والثلث إن كان أكثر،
يقسم بينهم بالتساوي، والباقي للمتقرب إليها بالأب
والأم أو بالأب فقط يقسم بينهم بالتساوي أيضا،



(1) الأنفال: 75، الأحزاب: 6.
(1) أنظر: الجواهر 39: 174.
77
وفيه قول بأنه يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين.
7 - إذا اشترك الأعمام والعمات والأخوال
والخالات، فللخال أو الخالة السدس إن انفرد،
والثلث إن تعدد الأخوال والخالات، والباقي للعم
والعمات انفردوا أو تعددوا، والتقسيم كما سبق.
8 - المتقربون بالأب والأم مقدمون على
المتقربين بالأب فقط كما تقدم.
9 - يقوم الأبناء مقام الآباء والأمهات
ويأخذون سهمهم.
10 - لا يرث ابن عم مع عم ولا ابن خال مع
خال ولا ابن عم مع خال ولا ابن خال مع عم، إلا
في مسألة إجماعية وهي: ما لو اجتمع ابن عم لأب
وأم مع عم لأب، فابن العم أولى.
11 - يأخذ الزوج أو الزوجة إذا اجتمع مع
هذه الطبقة الحد الأعلى لسهمه، لعدم الأولاد.
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم:
الأصل أنه لا يرث إنسان من آخر إلا مع
تحقق حياة الوارث بعد الموروث، ومع عدم إحراز
ذلك، كالعلم باقتران موت المتوارثين أو الشك فيه
- بأن يشك في أصل التقدم والتأخر أو في المتقدم
والمتأخر بعد إحراز أصل التقدم - فلا يتحقق
التوارث إلا في بعض الصور، فيتبع ذلك كيفية
الموت، وهي لا تخلو من إحدى حالات ثلاث:
الأولى - أن يكون الموت بالهدم والغرق:
اتفق الفقهاء على أن المتوارثين يتوارثان لو
ماتا بالهدم أو الغرق بشروط - ستأتي الإشارة
إليها - منها عدم العلم بالتقارن في الموت. وهذه
الصورة هي القدر المتيقن مما خرج عن الأصل
المتقدم، حيث يرث كل واحد من المهدوم عليهم
والغرقى من الآخر، مع الشك في أصل التقدم أو
المتقدم في الموت.
الثانية - أن يكون الموت بحتف الأنف:
ادعى بعض الفقهاء الإجماع على عدم
التوارث في هذه الصورة، منهم الشهيد الثاني (1).
وهل يختص ذلك بصورة العلم بتقارن موت
المتوارثين، أو يشمل حتى صورة الشك
بالاقتران؟
استظهر السيد العاملي (2) من كلام بعض
الفقهاء أن ذلك مختص بصورة العلم بالاقتران، وأما
لو اشتبه الحال فيتوارثان كالغرقى والمهدوم عليهم،
وقد صرح بذلك كل من السيد الخوئي (3) والإمام
الخميني (4) أيضا.



(1) المسالك (الحجرية) 2: 343، والروضة البهية 8:
221.
(2) مفتاح الكرامة 8: 260، وانظر الجواهر 39:
308.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 381، فصل في
ميراث الغرقى، المسألة 1833.
(4) تحرير الوسيلة 2: 361، كتاب الإرث، الفصل الثاني
في ميراث الغرقى، المسألة 3.
78
ومع ذلك فقد ادعى الشهيد الثاني
الإجماع على عدم التوارث في صورة الاشتباه
أيضا، ويلوح من صاحب الجواهر دعواه
كذلك (1).
وممن صرح بعدم التوارث السيد الحكيم (2)،
إلا أنه اختار العمل بالقرعة، لتعيين المتقدم في الموت
في صورة العلم بعدم التقارن.
الثالثة - أن يكون الموت بسبب غير ما تقدم:
وذلك كالموت بسبب الأوبئة والطاعون
والقتل وغيره، وعبارات الفقهاء في ذلك مختلفة،
حصرها السيد العاملي في ثلاث طوائف:
أ - إلحاق كل مشتبه في التقديم والتأخير بالهدم
والغرق:
نسب ذلك إلى جماعة من الفقهاء، منهم:
ابن الجنيد (3)، والشيخ المفيد (4)، والشيخ الطوسي (5)،
والحلبي (1)، وسلار (2)، وابن حمزة (3)، وابن
إدريس (4)، وابن سعيد (5)، وممن اختاره من
المعاصرين: السيد الخوئي (6) والإمام الخميني (7).
ب - عدم الإلحاق:
نسب ذلك إلى بعض القدماء وجمهور المتأخرين (8)،
ومنهم: العلامة (9) وولده (10)، والشهيدان (11).
ج - التوقف:
وهو مذهب المحقق (12)، ويظهر من ابن فهد (13)



(1) الجواهر 39: 308، وادعاه ابن فهد أيضا في المهذب
البارع 4: 430.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 413، فصل في
ميراث الغرقى، المسألة 2.
(3) المختلف (الحجرية): 750.
(4) المقنعة: 698، وليس فيه ما يدل على ذلك بصراحة إلا
ما أضيف عن بعض النسخ، فإن الإضافة صريحة في
المطلوب، وقد استفاد العلامة في المختلف من كلامه:
تخصيص الحكم بالهدم والغرق.
(5) النهاية: 674، المبسوط 4: 119، وعبارته فيهما ظاهرة
في المطلوب وليست صريحة.
(1) الكافي: 376.
(2) المراسم: 225.
(3) الوسيلة: 400.
(4) السرائر 3: 301، وعبارته كعبارة الشيخ في المبسوط
حيث قال: " ومتى ماتا حتف أنفهما في وقت واحد لم
يورث بعضهم من بعض، لأن ذلك إنما يجوز في الموضع
الذي يشتبه الحال فيه، فيجوز تقديم موت أحدهما على
صاحبه ".
(5) الجامع للشرائع: 520.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 381، ميراث
الغرقى، المسألة 1833.
(7) تحرير الوسيلة 2: 361، كتاب الإرث، ميراث
الغرقى، المسألة 3.
(8) نسبه إليهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 8: 260.
(9) المختلف (الحجرية): 750.
(10) إيضاح الفوائد 4: 274.
(11) الدروس 2: 352، والروضة البهية 8: 221.
(12) الشرائع 4: 50، المختصر النافع: 275.
(13) المهذب البارع 4: 431 - 432.
79
والفاضل المقداد (1)، لأنهما ذكرا القولين ولم يرجحا.
د - العمل بالقرعة:
وهناك رأي رابع ذهب إليه السيد الحكيم،
وهو العمل بالقرعة لمعرفة المتقدم ليرثه المتأخر،
فيما إذا لم نحتمل التقارن، وإلا فلا ميراث (2).
شروط توريث الغرقى:
يشترط في توريث الغرقى والمهدوم عليهم
وأمثالهم - بناء على تعدية الحكم إليهم - أمور،
وهي:
1 - أن يكون لهما أو لأحدهما مال، وهذا
واضح، إذ لا معنى للتوريث مع عدم المال.
2 - أن يكون بينهما أحد أسباب التوارث من
النسب أو السبب، ولم يكن مانع من التوارث، فلو
مات أخوان ولكل منهما ولد لم يتوارثا، لأن الولد
يحجب الأخ عن الإرث.
3 - أن يشتبه المتقدم والمتأخر منهما في
الموت، أو يشك في أصل التقدم والتأخر، أما لو علم
اقتران موتهما لم يتوارثا، ولو علم المتقدم ورث
المتأخر دون المتقدم.
كيفية التوريث:
وطريقة توريث كل من المتوارثين هي:
1 - أن نفرض أحدهما ميتا ونورث الآخر،
ثم نفرض هذا الآخر ميتا ونورث الأول منه، فإذا
مات أب وابن - مع الشرائط المتقدمة - وكان للأب
زوجة - هي أم الابن المتوفى - وابن آخر، وكان
للابن زوجة وابن أيضا، فكيفية توريثهما: أن
نفرض الابن - مثلا - متوفى أولا، فيكون سدس
مال الابن لأبيه، وسدسه لأمه، وثمنه لزوجته،
والباقي لابنه.
ثم نفرض الأب متوفى أولا، فيكون ثمن ماله
لزوجته - وهي أم الابن المتوفى - والباقي بين
الأخوين - وهما الابن الحي والابن الميت -
بالمناصفة.
2 - المشهور أنهما لا يتوارثان مما ورثه كل
منهما من الآخر، بل يقتصر التوارث على ما هو
موجود قبل التوارث، وينتقل ما ورثه كل من
الطرفين إلى سائر ورثة كل منهما، إلا أن الشيخ
المفيد (1) وسلار (2) ذهبا إلى التوريث مما توارثاه
أيضا.
3 - المعروف أنه لا فرق في تقديم أي منهما في
التوريث، إلا أن بعض الفقهاء قالوا بتقديم توريث
الأضعف نصيبا، بمعنى: فرض الأقوى نصيبا ميتا
أولا، اتباعا للأثر الوارد (3).



(1) التنقيح الرائع 4: 216 - 217.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 414، ميراث
الغرقى، المسألة 3.
(1) المقنعة: 699.
(2) المراسم: 225 - 226.
(3) أنظر الوسائل 26: 315، الباب 6 من أبواب ميراث
الغرقى.
80
قالوا: وتظهر الثمرة - بناء على قول المفيد -
بتوريث كل منهما مما ورثه الآخر (1).
هذا وبقيت طوائف أخرى ذكر الفقهاء
كيفية توريثها، وقد تعرضنا لبعضها فيما سبق،
وسوف يأتي التعرض لبعضها الآخر في المواطن
المناسبة.
فقد تكلمنا - مثلا - في ميراث " ولد
الملاعنة " و " الغائب " عند البحث في موانع
الإرث.
وسيأتي التعرض لميراث " الخنثى "
و " المجوس " في هذين العنوانين، إن شاء الله
تعالى.
إرجاف
لغة:
الرجف هو الاضطراب الشديد، يقال:
رجفت الأرض والقلب. ويقال: البحر رجاف،
لاضطرابه. وقال تعالى: * (يوم ترجف الأرض
والجبال) * (2).
والإرجاف: إيقاع الرجفة، إما بالفعل وإما
بالقول، وأرجف الناس في الشئ: إذا خاضوا فيه
واضطربوا، وأرجف القوم: إذا خاضوا في الأخبار
السيئة، من الفتنة ونحوها (1).
اصطلاحا:
الإرجاف وإن كان عاما يشمل كل خبر
يوجب الاضطراب في المجتمع، إلا أن المراد منه - في
الفقه - هو نشر الأخبار الكاذبة المضعفة لقلوب
المسلمين، من جهة سياسية أو عسكرية، بأن يقال:
اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب
المسلمين ونحو ذلك، أو يقال بالنسبة لسرايا
المسلمين: إنهم قتلوا وهزموا (2).
الأحكام:
أولا - الحكم التكليفي:
لا إشكال في حرمة الإرجاف - تكليفا -
لنص الكتاب، قال تعالى: * (لئن لم ينته المنافقون
والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك
بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا



(1) أنظر هذا الموضوع وسابقه في: الروضة البهية 8: 213 -
221، والجواهر 39: 306 - 319، ومفتاح الكرامة 8:
260 - 262.
(2) المزمل: 14.
(1) أنظر: معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب
الإصفهاني)، ومعجم مقاييس اللغة، والعين، ولسان
العرب: " رجف ".
(2) أنظر: تفسير مجمع البيان (7 - 8): 370، وتفسير
التبيان 8: 361.
81
أخذوا وقتلوا تقتيلا) * (1).
فقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي:
أنها نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون
برسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج في بعض غزواته،
يقولون: قتل وأسر، فيغتم المسلمون لذلك ويشكون
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنزل الله في ذلك: * (لئن لم
ينته المنافقون...) * (2).
ومعنى * (لنغرينك بهم) *: لنسلطنك عليهم
بالأمر بقتالهم (3).
وربما يظهر من عبارات بعض المفسرين عدم
اختصاص الإرجاف في الآية الكريمة بالإرجاف
في الأمور العسكرية والسياسية، وأن المراد
من الإرجاف فيها مطلق إشاعة الباطل، للاغتمام
به (4).
ولعله يساعده سياق الآيات السابقة على
هذه الآية، الدالة على استحقاق الذين يؤذون الله
ورسوله والمؤمنين والمؤمنات ونساء النبي خاصة،
اللعن والعذاب المهين.
ثانيا - سائر الأحكام:
1 - إذا عرف الإمام من رجل الإرجاف
فينبغي أن يمنعه من الغزو معه.
2 - وإذا خالف وغزا لم يسهم له ولا لفرسه،
ولا يرضخ له، لأنه ليس من المجاهدين، بل هو
عاص.
والسهم: هو المقدار المعين الذي يأخذه
المجاهد من الغنيمة، ويختلف باختلاف كونه فارسا
أو راجلا (1).
والرضخ: هو المقدار الذي يدفعه الإمام
لمن يحضر مع المقاتلين لغرض غير القتال،
كحضور النساء للطبخ ومداواة الجرحى، أو لمن
يحضر للقتال ولم يكن واجبا عليه، كالعبيد
والمراهقين. وليس له قدر معين، بل هو منوط
برأي الإمام (2).
مظان البحث:
كتاب الجهاد: قسمة الغنيمة.



(1) الأحزاب: 60 - 61.
(2) تفسير القمي 2: 171.
(3) أنظر التبيان 8: 361، ومجمع البيان (7 - 8): 371.
(4) أنظر التبيان 8: 361، والميزان 16: 340.
(1) أنظر: المبسوط 2: 7 و 8، والمنتهى (الحجرية) 2:
946، 948 و 950.
(2) أنظر المصدرين السابقين.
82
أرحام
لغة:
جمع رحم، وهي رحم المرأة ومنبت الولد،
استعير للقرابة، لكونهم خارجين من رحم واحدة،
فالأرحام هم الأقارب، ويطلق على كل من يجمع
بينك وبينه نسب (1).
اصطلاحا:
للفقهاء في ذلك إطلاقان:
الأول - في باب المواريث: فيطلق على
الأقارب الذين لم يذكر لهم فرض - أي نصيب -
خاص في كتاب الله تعالى، كالأولاد البنين والإخوة
والأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال
والخالات وأولادهم، حيث يرثون استنادا إلى قوله
تعالى: * (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (2)
فيقال: إنهم يرثون بالرحمية والقرابة، في مقابل
الذين يرثون بالفرض (3)، كما تقدم في عنوان
" إرث "، فراجع.
الثاني - في غير المواريث: فالمعروف أنه
يراد به: كل من يعرف في العادة أنه من القرابة سواء
كان وارثا أو غير وارث، يجوز نكاحه أو لا يجوز،
فالملاك هو الصدق العرفي (1).
وقال الشهيد الثاني في موضوع الهبة: " إن
المراد بالرحم في هذا الباب وغيره - كالرحم الذي
تجب صلته ويحرم قطعه -: مطلق القريب المعروف
بالنسب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه، وهو
موضع نص ووفاق " (2).
وهذا رأي الشيخ في المبسوط (3) أيضا إلا أنه
اختار في النهاية: أن قرابة الإنسان هم جميع ذوي
نسبه الراجعين إلى آخر أب وأم له في الإسلام (4)،
وقد تقدمه الشيخ المفيد في ذلك (5).
ونقل عن ابن الجنيد: أنهم من تقرب من
جهة الولد أو الوالدين، قال: ولا أختار أن يتجاوز
بالتفرقة ولد الأب الرابع، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يتجاوز
ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس (6).



(1) أنظر: مفردات ألفاظ القرآن الكريم (للراغب
الإصفهاني)، ولسان العرب، والصحاح، والنهاية:
" رحم ".
(2) الأنفال: 75، والأحزاب: 6.
(3) أنظر الروضة البهية 8: 152.
(1) أنظر: جامع المقاصد 10: 57 - 58، والجواهر 28:
183.
(2) المسالك 6: 31.
(3) المبسوط 4: 40، وانظر الخلاف 4: 150.
(4) النهاية: 614.
(5) المقنعة: 675.
(6) أنظر جامع المقاصد 10: 58.
83
هذا، وقد تضاف إلى الأرحام كلمة " أولو "
و " ذوو "، فيقال: أولو الأرحام، وذوو الأرحام.
وفيما يلي نبحث في الأرحام بالمعنى الثاني، أما
الأول فقد تقدم البحث فيه في عنوان: " إرث ".
وسوف يأتي البحث في " الرحم " - بمعنى رحم
المرأة - تحت عنوان " رحم ".
الأحكام:
تتعلق بالأرحام أحكام عديدة متفرقة نشير
- فيما يلي - إلى أهمها:
حرمة قطع الأرحام:
ندبت الشريعة إلى صلة الأرحام وأكدتها،
ونهت عن قطيعة الرحم بشدة، وقد وردت بذلك
النصوص المتظافرة كتابا وسنة:
أما الكتاب فمثل:
1 - قوله تعالى: * (فهل عسيتم إن توليتم أن
تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * (1).
2 - وقوله تعالى: * (والذين يصلون ما أمر الله
به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء
الحساب) * (2).
3 - * (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض
أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) * (1).
وتشبهها آية أخرى (2).
وأما السنة، فمنها:
1 - ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في الجنة درجة لا يبلغها إلا إمام
عادل، أو ذو رحم وصول، أو ذو عيال صبور " (3).
2 - وما روته سالمة مولاة أبي عبد الله (عليه السلام)،
قالت: " كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)
حين حضرته الوفاة وأغمي عليه، فلما أفاق قال:
أعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين - وهو
الأفطس (4) - سبعين دينارا، وأعطوا فلانا كذا،
وفلانا كذا، فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة
يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين أن لا أكون من
الذين قال الله عز وجل * (والذين يصلون ما أمر الله
به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) *؟
نعم، يا سالمة إن الله خلق الجنة فطيبها وطيب ريحها،
وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، فلا يجد ريحها
عاق ولا قاطع رحم " (5).
3 - وما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " في
كتاب علي (عليه السلام): ثلاث خصال لا يموت صاحبهن



(1) محمد (صلى الله عليه وآله): 22.
(2) الرعد: 21.
(1) الرعد: 25.
(2) البقرة: 27.
(3) البحار 71: 90، باب صلة الرحم، الحديث 9.
(4) وهو ابن عم أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
(5) البحار 71: 96، باب صلة الرحم، الحديث 29.
84
أبدا حتى يرى وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم،
واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة
ثوابا لصلة الرحم... " (1).
4 - وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال
في إحدى خطبه: " أعوذ بالله من الذنوب التي
تعجل الفناء " فقام إليه عبد الله بن الكواء
اليشكري (2)، فقال: يا أمير المؤمنين أو تكون
ذنوب تعجل الفناء؟ فقال: نعم، ويلك، قطيعة
الرحم، إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم
فجرة فيرزقهم الله، وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع
بعضهم بعضا فيحرمهم الله وهم أتقياء " (3).
حكم صلة الأرحام:
إن صلة الأرحام قد تكون واجبة أو
مستحبة:
أما الواجبة فهي التي يخرج بها عن قطيعة
الرحم التي لا إشكال في حرمتها كما تقدم.
وأما المستحبة فهي ما زاد على ذلك (4).
بماذا تتحقق الصلة؟
الصلة من الأمور العرفية، فيرجع فيها إلى
العرف، لكن ورد في بعض الروايات: أن من الصلة
السلام ورد الجواب، بل عد في بعضها من الصلة
كف الأذى أيضا، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): " صلوا أرحامكم ولو بالتسليم،
يقول الله تبارك وتعالى: * (واتقوا الله الذي تساءلون
به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * " (1)، وعن
أبي عبد الله (عليه السلام) - أيضا -: " قال: إن صلة الرحم
والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا
أرحامكم، وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام
ورد الجواب " (2)، وعن الرضا (عليه السلام) قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام): صل رحمك ولو بشربة من ماء،
وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنها " (3).
قال الشهيد الأول: " ولا ريب أنه مع فقر
بعض الأرحام - وهم العمودان - تجب الصلة بالمال،
ويستحب لباقي الأقارب، ويتأكد في الوارث، وهو
قدر النفقة، ومع الغنى فبالهدية في بعض الأحيان
بنفسه أو رسوله.
وأعظم الصلة ما كان بالنفس - وفيه أخبار
كثيرة - ثم بدفع الضرر عنها، ثم بجلب النفع إليها، ثم
بصلة من يحب وإن لم يكن رحما للواصل - كزوجة
الأب والأخ ومولاه - وأدناها السلام بنفسه، ثم



(1) الكافي 2: 347، باب قطيعة الرحم، الحديث 4.
(2) كان من رؤساء الخوارج.
(3) الكافي 2: 347، باب قطيعة الرحم، الحديث 7.
(4) القواعد والفوائد 2: 53، القاعدة 163.
(1) الكافي 2: 155، باب صلة الرحم، الحديث 22.
والآية في سورة النساء: 1.
(2) الكافي 2: 157، باب صلة الرحم، الحديث 31.
(3) البحار 71: 88، باب صلة الأرحام، الحديث الأول.
85
برسوله، والدعاء بظهر الغيب، والثناء في
المحضر " (1).
وقال الشهيد الثاني: " وإنما يستحب عطية
الرحم حيث لا يكون محتاجا إليها، بحيث لا يندفع
حاجته بدونها، وإلا وجبت عينا، لأن صلة الرحم
واجبة عينا على رحمه، وليس المراد منها مجرد
الاجتماع البدني، بل ما يصدق معه الصلة عرفا، وقد
يتوقف ذلك على المعونة بالمال حيث يكون الرحم
محتاجا والآخر غنيا لا يضره بذل ذلك القدر
الموصول به، بل قد يتحقق الصلة بذلك وإن لم يسع
إليه بنفسه، كما أن السعي إلى زيارته بنفسه غير كاف
فيها مع الحاجة على الوجه المذكور " (2).
ووافقه على ذلك المحقق السبزواري (3)،
لكن خالفهما صاحب الجواهر، واستشكل عليهما
فيما لو لم يكن المورد من موارد وجوب
الإنفاق (4).
استحباب إعطاء الزكاة للأرحام:
يستحب إعطاء الزكاة للأرحام، بمعنى أن
الدفع إليهم أفضل من غيرهم إذا كانوا فقراء ولم
تجب نفقتهم على الدافع، قال السيد اليزدي:
" يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم
وفقرهم، وعدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه... " (1).
ولا فرق بين الوارث منهم - كالأخ أو العم مع فقد
الولد - وغيره (2).
وقد دلت على الاستحباب نصوص، منها ما
رواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)،
قال: " قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل
بعضهم على بعض، فيأتيني إبان الزكاة، أفأعطيهم
منها؟ قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم، قال: هم
أفضل من غيرهم، أعطهم... " (3).
راجع: زكاة.
استحباب تقديم الأرحام في زكاة الفطرة:
قال السيد اليزدي - بصدد المستحقين لزكاة
الفطرة -: " يستحب تقديم الأرحام على غيرهم، ثم
الجيران، ثم أهل العلم والفضل والمشتغلين، ومع
التعارض تلاحظ المرجحات والأهمية " (4).
راجع: زكاة، فطرة.



(1) القواعد والفوائد 2: 53، القاعدة 163.
(2) المسالك (الحجرية) 1: 374.
(3) كفاية الأحكام: 145.
(4) الجواهر 28: 190.
(1) العروة الوثقى: كتاب الزكاة - فصل أوصاف
المستحقين، المسألة 16.
(2) الجواهر 15: 403.
(3) الوسائل 9: 245، الباب 15 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2.
(4) العروة الوثقى: كتاب الزكاة، فصل مصرف زكاة
الفطرة، المسألة 5. وانظر الجواهر 15: 542.
86
استحباب تقديم الأرحام في مطلق الصدقات:
يستحب تقديم الأرحام في إعطاء
الصدقات (1)، وقد وردت في ذلك عدة روايات،
منها:
1 - ما رواه السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أي الصدقة
أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح " (2).
والكاشح: المتولي عنك بوده، أو العدو الذي
يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه، والكشح:
ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، كأنه يوليك
كشحه ويعرض عنك بوجهه، أو يضمر لك العداوة
في كشحه الذي فيه كبده، وهو بيت العداوة
والبغضاء (3).
2 - ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سئل عن الصدقة على من يسأل على
الأبواب، أو يمسك ذلك عنهم ويعطيه ذوي قرابته؟
قال: لا، بل يبعث بها إلى من بينه وبينه قرابة، فهذا
أعظم للأجر " (4).
3 - ما أرسله الصدوق قال: قال (عليه السلام):
" لا صدقة وذو رحم محتاج " (1).
استحباب الهبة لذوي الأرحام:
قال صاحب الجواهر - مازجا لكلام صاحب
الشرائع -: " وتستحب العطية لذي الرحم وإن لم
يكن فقيرا، بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك،
وتتأكد في الوالد والولد الذين هم أولى من غيرهم
من الأرحام، لأنها من صلة الرحم المعلوم ندبها
كتابا وسنة وإجماعا، بل لعله من الضروري... " (2).
ثم نقل كلام الشهيد الثاني في المسالك
- المتقدم - الذي قال فيه بوجوب العطية لو توقف
صلة الرحم عليها، ثم استشكل عليه.
لزوم الهبة لذوي الأرحام:
المشهور أن الهبة لو كانت لذوي الأرحام
فلا يجوز للواهب الرجوع فيها، فتكون من الهبة
اللازمة، ونقل الخلاف في ذلك عن ابن الجنيد والسيد
المرتضى والشيخ، فقالوا بجواز الرجوع فيها.
هذا في غير الوالدين والأولاد، أما فيهم فقد
نقل الإجماع على اللزوم وعدم جواز الرجوع، وإن
نقلوا في الأولاد بعض الخلاف أيضا (3).
وسوف يأتي تفصيله في عنوان: " هبة ".



(1) أنظر: الدروس 1: 255 - 256، والجواهر 28: 131،
و 15: 542.
(2) الوسائل 9: 411، الباب 20 من أبواب الصدقة،
الحديث الأول.
(3) لسان العرب: " كشح ".
(4) الوسائل 9: 412، الباب 20 من أبواب الصدقة،
الحديث 6.
(1) المصدر نفسه: الحديث 4.
(2) الجواهر 28: 189.
(3) أنظر: جامع المقاصد 9: 157، والحدائق 22: 327،
والجواهر 28: 181.
87
الوقف على ذوي الأرحام:
لا يبعد استحباب الوقف على ذوي الأرحام،
لأنه من الصلة المأمور بها، وإن لم يصرح الفقهاء
بذلك.
وعليه فإذا أوقف على ذوي أرحامه، فيكون
الملاك في الاستحقاق صدق الرحمية عرفا، وعندئذ
يشترك الذكور والإناث ويستوون في القسمة، إلا
مع التصريح بخلافه.
وإذا قيده بالأقرب فالأقرب، فيكون
الاستحقاق على حسب طبقات الإرث، فلا يرث
الأبعد مع وجود الأقرب.
ويجوز الوقف على الذمي إذا كان رحما على
المشهور، فإن في الوقف على الذمي أقوالا، هي: المنع
مطلقا والجواز مطلقا والتفصيل بين الرحم وغيره.
ولا يجوز الوقف على الحربي على المشهور
أيضا (1).
راجع: وقف.
الوصية على ذوي الأرحام:
المعروف عند فقهائنا أن الوصية تجوز لذوي
الأرحام، سواء كانوا من الورثة أو لا، ولا يبعد
استحبابها، فقد جاء في الروضة: " تستحب الوصية
لذوي القرابة، وارثا كان أم غيره، لقوله تعالى:
* (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين) * (1)، ولأن فيه صلة
الرحم، وأقل مراتبه الاستحباب " (2).
وأحكامها شبيهة بالوقف.
راجع: وصية.
قيام الأرحام بتجهيز الميت:
قال الفقهاء: إن أولى الناس بالميت أولاهم
بميراثه، لما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: " يغسل
الميت أولى الناس به " (3)، واختلفوا في الولي من
هو؟ فقيل: إنه المحرم من الوارث، كما نسب إلى
بعض علماء البحرين (4)، وقيل: إنه أشدهم علاقة
به، كما يظهر من صاحب المدارك (5) الميل إليه،
واحتمل صاحب الجواهر أنه مطلق الأرحام،
ولكن صرح بأنه لم يقل به أحد (6)، والمشهور أنه
الوارث حسب طبقات الإرث (7).
راجع: دفن، غسل، كفن، ولاية.



(1) أنظر: جامع المقاصد 9: 49 - 52، والجواهر 28: 30 -
33 و 50 - 51.
(1) البقرة: 180.
(2) الروضة البهية 5: 55، وانظر: جامع المقاصد 10:
53، والجواهر 28: 365.
(3) الوسائل 2: 535، الباب 26 من أبواب غسل الميت،
الحديث الأول.
(4) الجواهر 4: 44.
(5) المدارك 2: 60.
(6) الجواهر 4: 43.
(7) الجواهر 4: 41.
88
حكم إنزال الأرحام الميت في القبر:
ذكر الفقهاء (1): أنه يكره أن يتولى الأقارب
إنزال الميت في القبر إلا في المرأة، فإن زوجها
ومحارمها أولى بها، لأنها عورة، وقد ورد عن
علي (عليه السلام) أنه قال: " مضت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في
حياتها " (2).
كراهة إهالة الأرحام التراب على الميت:
وقال الفقهاء (3) - أيضا -: إنه يكره أن يهيل
ذو الرحم التراب على رحمه، فقد ورد: أنه مات
لبعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ولد، فحضر أبو
عبد الله (عليه السلام)، فلما الحد تقدم أبوه فطرح
عليه التراب فأخذ أبو عبد الله (عليه السلام) بكفيه وقال:
لا تطرح عليه التراب، ومن كان منه ذا رحم فلا
يطرح عليه التراب، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن
يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب، فقلنا:
يا بن رسول الله، أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال:
أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم،
فإن ذلك يورث القسوة في القلب، ومن قسا قلبه
بعد من ربه " (1).
قبول شهادة الأرحام:
النسب - وإن قرب - لا يمنع قبول الشهادة
كالأب لولده وعليه، والولد لوالده، والأخ لأخيه
وعليه، وقد ادعى في الجواهر (2) قيام الإجماع
بقسميه: المحصل والمنقول عليه، إلا أن الشيخ قيد
ذلك - في النهاية (3) - بانضمام غيره من أهل الشهادة
معه.
وأما شهادة الولد على والده ففيه قولان:
القبول وعدمه، وقد تقدم تفصيله في عنوان
" أب " فراجع، وسوف يأتي في عنوان " شهادة "
أيضا.
وهناك أحكام مشابهة يستثنى فيها الأب
فقط، كما في حدي السرقة والقذف، وكما في
القصاص أيضا، فإن المعروف عدم إجراء حد
القذف وحد السرقة فيما لو كان القاذف أو السارق
أبا، وكذا لا يقتص من القاتل لو كان أب المقتول
أيضا، وقد تقدم البحث في ذلك كله في عنوان
" أب "، وسوف يأتي في عناوين: " سرقة "،
" قذف "، " قتل "، " قصاص ".



(1) أنظر: المدارك 2: 131، والجواهر 4: 285 -
288.
(2) الوسائل 3: 187، الباب 26 من أبواب الدفن، الحديث
الأول.
(3) أنظر: المدارك 2: 148، والجواهر 4: 334.
(1) الوسائل 3: 191، الباب 30 من أبواب الدفن،
الحديث الأول.
(2) الجواهر 41: 74.
(3) النهاية: 330.
89
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: غسل الميت وتكفينه
والصلاة عليه ودفنه.
2 - كتاب الزكاة: زكاة المال وزكاة الفطرة،
أوصاف المستحقين.
3 - كتاب الصدقات والهبات.
4 - كتاب الوقف: الوقف على الأرحام.
5 - كتاب الوصية: الوصية للأرحام.
6 - كتاب الشهادة: قبول شهادة ذوي
الأرحام.
7 - كتاب الحدود: حد السرقة وحد القذف،
إجراء الحد على الأرحام إلا على الأب لو
كان قاذفا أو سارقا.
8 - كتاب القصاص: القصاص من الأرحام
إلا الأب، موارد متفرقة أخرى.
أرز
لغة:
حب. وفيه ست لغات: " أرز " و " أرز "
و " أرز " و " أرز " و " رز " و " رنز " (1)، وهو نبات
حولي من الفصيلة النجيلية لا غنية له عن الماء،
يحمل سنابل ذوات غلف صفر تقشر عن حب أبيض
صغير يطبخ ويؤكل، وهو من الأغذية الرئيسة في
كثير من أنحاء العالم (1).
اصطلاحا:
لا يراد منه معنى جديد.
الأحكام:
استحباب الزكاة فيه:
المشهور بين الفقهاء استحباب الزكاة في
الأرز (2)، ونقل عن يونس بن عبد الرحمن (3) وابن
الجنيد (4) القول بالوجوب، وسبب الاختلاف هو
الاختلاف في الروايات الواردة، فإن في بعضها نفي
الزكاة عن غير الغلات الأربع من النباتات، وفي
بعضها وجوبها في كل الحبوب وكل ما كيل بالصاع.
فمن القسم الأول ما رواه عبد الله بن بكير
عن محمد بن الطيار، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عما تجب فيه الزكاة؟ فقال: في تسعة أشياء:
الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب
والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما



(1) لسان العرب، والصحاح: " أرز ".
(1) المعجم الوسيط: " أرز ".
(2) أنظر: المدارك 5: 48، والحدائق 12: 108،
والجواهر 15: 69، وغيرها.
(3) نقله عنه الكليني، أنظر الكافي 3: 509، باب ما وضع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الزكاة عليه، الحديث 2.
(4) نقله عنه العلامة، أنظر المختلف: 180.
90
سوى ذلك. فقلت: أصلحك الله، فإن عندنا حبا
كثيرا؟ قال: فقال: وما هو؟ قلت: الأرز. قال:
نعم ما أكثره، فقلت: أفيه الزكاة؟ قال: فزبرني.
قال: ثم قال: أقول لك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عفا عما
سوى ذلك، وتقول لي: إن عندنا حبا كثيرا أفيه
الزكاة؟ " (1).
ومن القسم الثاني ما رواه محمد بن مسلم
قال: " سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ فقال: البر
والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس
والسمسم، كل هذا يزكى وأشباهه " (2).
الترغيب في الأكل منه:
وردت روايات في الترغيب في الأكل من
الأرز، وأنه يفيد لبعض أوجاع البطن، فروي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " نعم الطعام الأرز، وإنا
لندخره لمرضانا " (3). وعن حمران، قال: كان
بأبي عبد الله (عليه السلام) وجع بطن، فأمر أن يطبخ له
الأرز، ويجعل عليه السماق، فأكل فبري (4).
مظان البحث:
1 - كتاب الزكاة: ما تجب فيه الزكاة.
2 - كتاب الأطعمة والأشربة في كتب
الحديث.
إرسال
لغة:
يأتي الإرسال في اللغة على معان، كالإهمال
والإطلاق، والبعث، والتسليط، فيقال: أرسل
الطائر، وأرسل الكلام، وأرسل الرسول، وأرسل
الكلب على الصيد. ويأتي بمعنى الإرخاء، وتشترك
معه في هذا المعنى كلمتا " الإسبال " و " الإسدال "،
فيقال: أسبل الثوب وأسدله بمعنى أرخاه وأرسله (1).
اصطلاحا:
للفقهاء عدة إطلاقات لهذه الكلمة تنشأ من
إطلاقاتها اللغوية، ولهم إطلاق آخر يشترك معهم
فيه علماء الحديث والأصول، حيث يقع وصفا
للحديث والمحدث، فيقال: في الحديث إرسال،
وفلان أرسل في حديثه.
وفيما يلي نستعرض الإطلاقات الفقهية



(1) الوسائل 9: 58، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة،
الحديث 12.
(2) الوسائل 9: 62، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة،
الحديث 4.
(3) الوسائل 25: 124، الباب 66 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 4.
(4) الوسائل 25: 124، الباب 66 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 7.
(1) أنظر: المعجم الوسيط، ولسان العرب، والمصباح
المنير: " رسل " و " سبل " و " سدل ".
91
للإرسال، ونحيل البحث فيه من حيث كونه وصفا
للحديث على عنوان " حديث "، فإنه أنسب للبحث.
اطلاقات الإرسال في الفقه:
1 - إرسال اليدين في الصلاة:
جاء مصطلح " إرسال " في الصلاة في أكثر
من مورد، وأهمها:
أ - إرسال اليدين حال القيام:
ذكروا أن من مستحبات القيام - في الصلاة -
إرسال اليدين بمعنى إهمالهما وإرخائهما، واستخدم
بعضهم (1) عنوان " إسبال " مكان " إرسال " والكل
يريد معنى واحدا، وهو الإرخاء.
ومما ورد في هذا المجال صحيحة زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إذا قمت في الصلاة فلا تلصق
قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا - إصبعا أقل ذلك،
إلى شبر أكثره - وأسدل منكبيك، وأرسل يديك،
ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة
ركبتيك... " (2).
ومن فقهائنا من خص ذلك بالرجال،
لاستحباب ضم المرأة يديها إلى صدرها لأجل
ثدييها (3).
ويتعلق بالموضوع أبحاث أخرى نستعرضها
في عنوان " تكفير ".
ب - إرسال اليدين بعد التكبير للركوع:
عد الفقهاء من مسنونات الركوع: " أن يكبر
له رافعا يديه محاذيا بهما وجهه، ثم يركع بعد
إرسالهما " (1).
ج - إرسال (إسدال) المنكبين حال القيام:
عد الفقهاء من مسنونات القيام إسدال
المنكبين بمعنى إرسالهما وإرخائهما (2)، وقد ورد ذلك
في صحيحة زرارة المتقدمة.
2 - إرسال ماء غسل الميت إلى الكنيف:
قال الشهيد بالنسبة إلى غسل الميت: " أجمعنا
على كراهية إرسال الماء في الكنيف دون البالوعة " (3).
والفرق بينهما هو أن الكنيف معد للتخلي
والقاذورات، والبالوعة معدة لغير ذلك، كماء المطر
والغسالات ونحوهما.
3 - إرسال طرف العمامة لصاحب الميت:
قال الشيخ: " يجوز لصاحب الميت أن يتميز
من غيره، بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر
فوقها، على الأب والأخ، فأما على غيرهما فلا
يجوز على حال " (4).



(1) كالقاضي في المهذب 1: 98.
(2) الوسائل 5: 461، الباب الأول من أبواب أفعال
الصلاة، الحديث 3.
(3) أنظر: الحدائق 8: 87، والجواهر 9: 281 - 282.
(1) المختصر النافع: 32.
(2) أنظر المستمسك 6: 146.
(3) الذكرى: 45، وانظر الجواهر 4: 147.
(4) المبسوط 1: 189.
92
وتبعه بعض الفقهاء (1)، ولكن خالفه ابن
إدريس وقال: " لا يجوز اعتقاد ذلك وفعله، سواء
كان على الأب أو الأخ أو غيرهما " (2).
وأما إرسال طرف العمامة في غير هذه الحالة
فسوف نذكره في عنوان " تحنك ".
4 - إرسال الصيد في الحرم:
قال المحقق: " من دخل بصيد إلى الحرم
وجب عليه إرساله " (3)، وادعى عليه الاجماع
جماعة، منهم: صاحب المدارك (4) وصاحب
الجواهر (5).
5 - إرسال آلة الصيد:
والمراد - هنا - إطلاق آلة الصيد سواء كانت
حيوانا كالكلب المعلم، أو جمادا كالسهم ونحوه.
وأكثر ما يستعمل في إرسال الكلب المعلم للصيد،
وذكروا لجواز الصيد به شروطا ثلاثة:
1 - أن يسترسل إذا أرسله صاحبه.
2 - أن ينزجر إذا زجره.
3 - أن لا يأكل مما يمسكه.
وذكروا للمرسل شروطا أربعة:
1 - أن يكون مسلما.
2 - أن يرسله للاصطياد، فلو استرسل من
قبل نفسه لا يحل صيده.
3 - أن يسمي عند إرساله.
4 - أن لا يغيب الصيد عنه وحياته مستقرة،
لاحتمال استناد القتل إلى غير الآلة (1).
راجع: آلات الصيد، والصيد.
6 - إرسال الطير عند ذبحه:
ذكر الفقهاء من جملة آداب الذباحة: أنه
يستحب في الطير أن يرسل بعد الذباحة (2)، وورد في
الحديث: " الإرسال للطير خاصة " (3).
7 - إرسال الماء في الملك:
قال الفقهاء: لو أرسل في ملكه ماء فأغرق
مال غيره، أو أجج نارا فيه فأحرق، لم يضمن ما لم
يتجاوز قدر حاجته اختيارا، ولم يعلم أو يظن
التعدي (4).
8 - إرسال الماء في أرض العدو:
ذكر الفقهاء من جملة آداب الحرب أنه:
" يكره إرسال الماء، وإضرام النار، وقطع الأشجار
إلا مع الضرورة " (5).



(1) مثل ابن حمزة في الوسيلة: 69، والعلامة في المختلف 2:
321 وغيرهما.
(2) السرائر 1: 173.
(3) الشرائع 1: 292.
(4) المدارك 8: 384.
(5) الجواهر 20: 306.
(1) الجواهر 36: 19 - 37.
(2) الجواهر 36: 133.
(3) الوسائل 24: 11، الباب 3 من أبواب الذبائح،
الحديث 2.
(4) الجواهر 37: 59.
(5) القواعد 1: 103.
93
وعبر بعضهم بدلا من الإرسال بالتسليط (1).
راجع: جهاد، حرب.
9 - إرسال الطلاق:
وهو إجراء صيغة الطلاق ثلاثا في مجلس
واحد، وبلفظ واحد - كأن يقول: طلقتك ثلاثا -
وهو باطل بمعنى أنه لا يقع ثلاثا، ولكن اختلف
الفقهاء في وقوعه واحدة، والمشهور وقوعه كذلك.
ويقابل إرسال الطلاق ترتيبه بأن يكرر
صيغة الطلاق ثلاث مرات وفي مجلس واحد،
وبدون رجعة، كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق،
أنت طالق، ويقع طلاقا واحدا (2).
راجع: طلاق.
10 - إرسال الرسول للفحص عن الغائب:
ذكر الفقهاء: أن زوجة الغائب إذا رفعت
أمرها إلى الحاكم فعليه أن يستخبر حاله، إما
بإرسال الرسل إلى النواحي والأطراف، أو إنفاذ
الكتب إليها (3).
راجع: غائب.
11 - إرسال الهدية:
من مصاديق صلة الأرحام إرسال الهدية
إليهم، كما تقدم في عنوان " أرحام ".
راجع: أرحام، هدية.
12 - ضمان ما تتلفه الدابة الصائلة بإرسالها:
قال الفقهاء: يجب حفظ الدابة الصائلة،
كالبعير المغتلم، والكلب العقور، والهرة الضارية،
فإن أهمل صاحبها ضمن.
وأما قوله (عليه السلام) في مرسلة يونس: " بهيمة
الأنعام لا يغرم أهلها شيئا ما دامت مرسلة " (1) فلعل
المراد من الإرسال فيها كونها غير صائلة، أو مجهولة
الحال، أو المراد ما دامت من شأنها الإرسال، بأن
لا تكون صائلة (2).
مظان البحث:
يعلم مظان البحث حول الإرسال مما تقدم.
أرش
لغة:
أصله من " أرش "، أي: " حرش "، يقال:
أرش بين القوم إذا حمل بعضهم على بعض، وأفسد
بينهم.
وقيل: أصل الأرش الخدش، ثم قيل لما
يؤخذ دية لها: " أرش ".



(1) الشرائع 1: 312، وانظر الجواهر 21: 66.
(2) الجواهر 32: 81 - 82، 116، 135 و 140.
(3) الجواهر 32: 293، والحدائق 25: 479.
(1) الوسائل 29: 246، الباب 13 من أبواب موجبات
الضمان، الحديث الأول.
(2) الجواهر 42: 129 - 130.
94
وله في اللغة عدة إطلاقات، منها: الدية،
والرشوة، وما يدفع بين السلامة والعيب في السلعة.
وقيل: إنما أطلق على هذه الأمور
" الأرش "، لأنها سبب الاختلاف والنزاع غالبا (1).
اصطلاحا:
وللفقهاء في الأرش عدة إطلاقات ربما ترجع
إلى معنى واحد، وقد انتزع منها الشيخ الأنصاري
تعريفا جامعا، وهو أنه: " مال يؤخذ بدلا عن
نقص مضمون في مال أو بدن ولم يقدر له في الشرع
مقدر " (2).
وسوف تأتي موارد إطلاقاته في مطاوي
الكلام.
الأحكام:
تعرض الفقهاء للأرش في عدة مواطن نذكر
أهمها:
أولا - أرش البكارة:
وهو عوض النقص الوارد على الأمة بسبب
إزالة بكارتها، لو كان المزيل غير المالك أو من هو
بمنزلته، كما لو غصب جارية غيره وافتضها بإصبعه،
فعليه أن يدفع التفاوت بين قيمة الأمة باكرة وقيمتها
ثيبة.
هذا أحد الأقوال في المسألة، وفيه قولان
آخران:
أحدهما: دفع عشر قيمتها، وهو المشهور
- على ما قيل - ووردت به رواية.
ثانيهما: أكثر الأمرين من الأرش وعشر
القيمة (1).
ثانيا - أرش الجناية:
وهو مال يستحقه المجني عليه من الجاني
بسبب جنايته، إذا لم يكن له مقدر شرعي، ويطلق
عليه الحكومة أيضا، قال المحقق الحلي: " كل موضع
قلنا فيه: الأرش أو الحكومة، فهما واحد " (2) وكذا
قال غيره (3).
راجع: حكومة.
وطريقة الحساب هي: أن يفرض المجني عليه
عبدا، ثم يقوم صحيحا، ويقوم معيبا، ثم تؤخذ
النسبة بين الفاضل والصحيح (4)، ويستخرج بهذه



(1) أنظر: لسان العرب، والصحاح، والمصباح المنير:
" أرش ".
(2) المكاسب (الحجرية): 271، ونقل عن الشهيد: أنه
مشترك لفظي بين عدة معان.
(1) أنظر: المسالك (الحجرية) 2: 432، والروضة البهية
9: 124، والجواهر 41: 371، و 37: 188، وموارد
أخرى.
(2) شرائع الإسلام 4: 279.
(3) أنظر الروضة البهية 10: 285.
(4) هذه المعادلة مطوية في كلمات الفقهاء هنا وفي نظائرها
- فيما يأتي - ذكرناها توضيحا.
95
النسبة من دية النفس لا دية العضو (1).
مثاله: إذا أورد الجاني نقصا على إحدى
شفتي المجني عليه، ولم يكن فيه مقدر شرعي،
فيفرض المجني عليه عبدا، ويقوم صحيحا تارة،
ومعيبا أخرى، فإذا قوم ب‍ (800 دينار) صحيحا
و 600 دينار معيبا، فيكون الفاضل 200 دينار، ثم
تؤخذ النسبة بين 200 دينار و 800 دينار، فتكون
ربعا (14)، ويؤخذ بهذه النسبة من دية النفس وهي
1000 دينار، أي: 250 دينارا، فهذا هو أرش
العيب الوارد على الشفة مثلا، فيكون الحساب
كالآتي:
800 - - 600 = 200 الفاضل بين قيمة المجني عليه
(المفروض عبدا) صحيحا ومعيبا
800 / 200 = 4 / 1 النسبة بين الفاضل وبين قيمة الصحيح
1000 × 4 / 1 = 250 أرش الجناية على الشفة
وإذا حصل اختلاف في التقويم فيؤخذ
المعدل، وله طرق يأتي توضيحها في " أرش
العيب ".
هذا هو المعروف، لكن يظهر من السيد
الخوئي: أن التقدير بيد الحاكم، استنادا إلى إخبار
العدول من ذوي الخبرة من المؤمنين، من دون
تحديد في الحساب، قال في تكملة المنهاج:
"... وتعيين الأرش بنظر الحاكم بعد رجوعه في ذلك
إلى ذوي عدل من المؤمنين " (1). واستند في ذلك إلى
صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
" قال: دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل،
وما كان جرحا دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل
منكم، * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون) * " (2).
ثالثا - أرش العيب:
وهو مال يستحقه من له خيار العيب، لتدارك
العيب إذا لم يمكن رد المعيب على صاحبه، أو أمكن
ولكن لم يختره صاحب الخيار، كما إذا اشترى متاعا
فظهر فيه عيب، فللمشتري الخيار بين فسخ العقد
وإبقائه وأخذ التفاوت بين المتاع صحيحا ومعيبا،
وهو الأرش.
وفيما يلي نشير إلى بعض ما يتعلق
بالموضوع:
أ - ثبوت الأرش في العوضين:
لا فرق في ثبوت الخيار بين الرد، والإمساك
مع استحقاق الأرش عند ظهور العيب بين الثمن



(1) أنظر: الروضة البهية 10: 285، والجواهر 43: 353
وغيرهما.
(1) مباني تكملة المنهاج 2: 212، المسألة 218.
(2) الوسائل 29: 389، الباب 9 من أبواب ديات
الشجاج والجراح، الحديث الأول، والآية في سورة
المائدة: 44.
96
والمثمن (العوض والمعوض)، كما إذا باع كتابا
بكتاب آخر أو دارا بسيارة - مثلا - فظهر العيب في
أحدهما، ولكن لما كان الغالب في الثمن أن يكون من
النقود، فلذلك تداول على ألسنة الفقهاء البحث في
ظهور العيب في المثمن.
ب - الأرش جزء من الثمن أو غرامة؟
إذا قلنا: إن الأرش جزء من الثمن، فمعناه:
تقسيط الثمن على العين ووصفها بالصحة، فإذا انتفى
وصف الصحة، فللمشتري استرداد ما قابله من
الثمن.
استظهر الشيخ الأنصاري هذا الرأي من
الأكثر (1)، لأنهم عرفوا الأرش - هنا - بأنه: " جزء
من الثمن نسبته إليه مثل نسبة التفاوت بين
القيمتين " (2).
أما إذا قلنا: إن الأرش غرامة، فمعناه: أن
الثمن كله انتقل إلى البائع لكن للمشتري أخذ الغرامة
منه، لانعدام وصف الصحة في المبيع.
وتوضيحه: أن وصف الصحة لا يقابل
بالثمن، إذ هو أمر معنوي كسائر الأوصاف، ولذلك
لو بيع الجنس الربوي - كالحنطة - بمثله وكان أنقص
منه وصفا لا مقدارا لا يلزم منه الربا، إلا أن الدليل
دل على ضمان هذا الوصف - أي وصف الصحة -
من بين سائر الأوصاف، وأنه يكون في عهدة
البائع.
وهذا رأي جماعة من الفقهاء، منهم: صاحب
الجواهر (1)، والشيخ الأنصاري (2)، والسيد
الخوئي (3)، والإمام الخميني (4)، ونسبه الشيخ
الأنصاري إلى جماعة أيضا (5).
وتظهر الثمرة بين القولين في وجوب دفع
الأرش من نفس الثمن وعدمه، فعلى الأول يجب
وعلى الثاني لا يجب، بل يجوز دفعه من غيره أيضا،
كما سيأتي توضيحه.
وللسيد اليزدي رأي آخر وهو: أن المعاملة
لها صورتان: صورة لبية (واقعية) وصورة
ظاهرية، ففي الظاهر لم يجعل المتعاقدان لوصف
الصحة سهما من الثمن، إلا أنهما في اللب يفرضان له
نصيبا منه (6)، لكن صرح في مكان آخر بأنه
غرامة (7).



(1) المكاسب (الحجرية): 271.
(2) الروضة البهية 3: 474.
(1) الجواهر 23: 294.
(2) المكاسب (الحجرية): 271.
(3) مصباح الفقاهة 7: 275.
(4) البيع 5: 129.
(5) المكاسب (الحجرية): 271.
(6) حاشية المكاسب، قسم الخيارات (للسيد اليزدي):
101.
(7) المصدر نفسه: 103.
97
ج - هل الواجب دفع التفاوت بين قيمة
الصحيح والمعيب واقعا أو بينهما بحسب
المسمى (1)؟
يمكن فرض قيمتين للمتاع: قيمة واقعية
- وهي القيمة السوقية -، وقيمة معاوضية - وهي
ما اتفق عليه المتعاقدان - وهاتان القيمتان قد
تتفقان - كما هو الغالب - وقد تختلفان، فربما تزيد
المعاوضية على السوقية وربما تنقص. وعندئذ يصح
السؤال عما يجب دفعه في الأرش: هل هو التفاوت
بين قيمة الصحيح والفاسد واقعا، أو بحسب
المسمى؟
المعروف بين الفقهاء - بل ادعى الشيخ
الأنصاري عدم الخلاف فيه (2) - أن الواجب هو دفع
التفاوت بحسب المسمى لا بحسب الواقع، فلو كانت
قيمة المتاع السوقية مئة لو كان صحيحا، وخمسين
لو كان معيبا، فالتفاوت بين المعيب والصحيح
خمسون، ولو فرضنا أن المشتري اشترى نفس هذا
المتاع بخمسين وظهر فيه نفس العيب، فعلى رأي
الفقهاء يجب دفع خمسة وعشرين، وأما لو قلنا
بوجوب دفع التفاوت بين الصحيح والمعيب واقعا،
فيجب دفع خمسين، وبذلك يكون المشتري قد جمع
بين العوض - وهو الخمسون - وبين المعوض - وهو
المتاع الذي اشتراه بخمسين - وهذا خلاف المرتكز
العرفي، وإن كان للسيد اليزدي كلام في هذا
الإشكال، إلا أنه التزم بأصل المطلب كغيره.
أما الروايات فربما يكون ظاهر بعضها هو
المحاسبة طبق القيمة الواقعية، إلا أن الفقهاء صرفوها
عن ظاهرها وحملوها على ما هو الغالب من تطابق
القيمة السوقية مع القيمة المعاوضية، أما في صورة
الاختلاف فلا إشكال في المحاسبة طبق القيمة
المعاوضية (1).
د - اللازم محاسبة القيمة يوم العقد أو
القبض؟
ذكر العلامة احتمالات ثلاثة في محاسبة القيمة،
وهي: قيمة يوم العقد، وقيمة يوم التقابض - أي
قبض البائع الثمن والمشتري المثمن - وأقل
الأمرين (2).
واختار الشهيدان (3) والمحقق الثاني (4) والمحقق



(1) في التعبير تسامح، لاختصاص المسمى بالصحيح، لكن
لا مناص منه.
(2) المكاسب (الحجرية): 271.
(1) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 528، الروضة 3:
474، المكاسب (الحجرية): 271، وحاشية المكاسب،
قسم الخيارات (للسيد اليزدي): 101، وحاشية
المكاسب (للإصفهاني) 3: 131 - 132، ومصباح
الفقاهة 7: 272 - 275، والبيع 5: 126 - 129.
(2) التذكرة (الحجرية) 1: 528.
(3) أما الشهيد الأول فقد نقله عنه السيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 632، وأما الشهيد الثاني ففي المسالك
(الحجرية) 1: 196.
(4) جامع المقاصد 4: 335 - 336.
98
الأردبيلي (1) والسيد اليزدي (2) محاسبة القيمة يوم
العقد، واختار الشيخ الطوسي أقل الحالين من وقت
العقد ووقت القبض (3)، وأطلق أكثر الأصحاب ولم
يعينوا، كما قال السيد العاملي (4).
واختار صاحب الجواهر القول الأول، إلا
أنه رجح أن يكون المدار قيمة يوم اختيار الأرش
من بين رد المعاملة وقبول الأرش، لأنه وقت
استحقاقه (5).
ه‍ - عدم وجوب دفع الأرش من نفس الثمن:
صرح بعض الفقهاء بأنه لا يجب على البائع
أن يدفع الأرش من نفس الثمن الذي قبضه من
المشتري، لأن البائع تملك الثمن بمجرد العقد،
والأرش غرامة، لا جزء من الثمن يقابل وصف
الصحة كي يستحقه المشتري عند فقده، وبناء على
ذلك يجوز أن يدفعه من غيره (6)، لكن تردد فيه
المحقق الثاني (7)، ويظهر من السيد اليزدي الميل إلى
لزوم الدفع من نفس الثمن لو طالبه المشتري (1).
و - هل يجب أن يكون الأرش من النقود:
بعد أن اتضح أن الأرش لا يجب دفعه من
الثمن، فهل يجب دفعه من النقود أو يجوز إبداله
بالعروض؟
صرح الشيخ الأنصاري بلزوم كونه من
النقدين، لأنهما الأصل في ضمان المضمونات، إلا أن
يتراضيا على غير النقدين من باب الوفاء
والمعاوضة (2)، ووافقه المحقق الإصفهاني (3) والسيد
الخوئي (4) والإمام الخميني (5).
ونسب الشيخ الأنصاري (6) إلى المحقق الكركي
بأنه استظهر من كلمات العلامة (7) - بل الشهيد (8) -:
أنه لا يتعين أن يكون الأرش من النقدين، ثم
استشكل - أي الكركي - على ذلك: " بأن الحقوق
المالية إنما يرجع فيها إلى النقدين " (9).
هذا إذا كان الثمن نقدا، وأما إذا كان عروضا،



(1) مجمع الفائدة 8: 426.
(2) حاشية المكاسب (للسيد اليزدي): 103.
(3) المبسوط 2: 132.
(4) مفتاح الكرامة 4: 632.
(5) الجواهر 23: 289.
(6) أنظر: مفتاح الكرامة 4: 632، والجواهر 23: 294،
والمكاسب (الحجرية): 271 - 272، وحاشية
المكاسب (للمحقق الإصفهاني) 3: 132، ومصباح
الفقاهة 7: 275 - 276، والبيع 5: 129.
(7) جامع المقاصد 4: 194.
(1) حاشية المكاسب، قسم الخيارات (للسيد اليزدي):
102.
(2) المكاسب (الحجرية): 272.
(3) حاشية المكاسب (للمحقق الإصفهاني) 3: 133.
(4) مصباح الفقاهة 7: 276 - 277.
(5) البيع 5: 132.
(6) المكاسب (الحجرية): 272.
(7) القواعد 1: 132، والتحرير 1: 172.
(8) الدروس 3: 304.
(9) أنظر جامع المقاصد 4: 192 - 194.
99
فقد صرح الإمام الخميني بجواز دفع الأرش من
مثله أيضا (1)، ولا بد من تقييده بصورة عدم
استلزامه للربا.
ز - استغراق الأرش لجميع الثمن:
اختلف الفقهاء في إمكان استغراق الأرش
لجميع الثمن وعدمه، والمعروف عدم إمكانه، لأن
المبيع لم تبق له مالية بعد ظهور العيب واستغراق
الأرش، فيكون كالمتلف ينفسخ به العقد، وإذا بقيت
له مالية فيعني ذلك عدم استغراق الأرش.
هذا إذا كان زمان حدوث العيب قبل العقد،
أما لو كان بعده وقبل القبض أو في زمان الخيار، فقد
صور بعضهم فيه استغراق الأرش لجميع الثمن.
واشتهر عن العلامة تصوير الأرش المستغرق
للقيمة في بيع العبد الجاني إذا استغرقت جنايته
قيمته (2).
ح - طريق معرفة الأرش:
وطريقة حساب الأرش هي: أن تقدر قيمة
المعيب صحيحا تارة ومعيبا أخرى، ثم تؤخذ النسبة
بين الفاضل منهما وقيمة الصحيح (3)، ثم يستخرج
من القيمة المعاوضية - أي: القيمة التي اتفق عليها
المتعاقدان - بتلك النسبة، مثاله:
إذا اشترى متاعا ب‍ 90 دينارا، وكانت قيمته
صحيحا 120 دينارا، وقيمته معيبا 80 دينارا،
فتؤخذ النسبة بين الفاضل من القيمتين - وهو 40
دينارا - وقيمة الصحيح، فتكون 3 / 1، ثم تؤخذ من
القيمة المعاوضية بتلك النسبة، فتكون 30 دينارا.
120 دينارا (قيمة الصحيح) - - 80 دينارا (قيمة
المعيب) = 40 دينارا
120 (قيمة الصحيح) / 40 (الفاضل من قيمة الصحيح والمعيب) = 3 / 1
90 (القيمة المعاوضية) م 3 = 30 دينارا وهو
الأرش.
ط - اختلاف المقومين:
هذا إذا لم يكن اختلاف في تقويم المتاع،
وأما إذا اختلف المقومون، فهل يؤخذ بالأكثر،
أو الأقل، أو يؤخذ المعدل بين التقويمات المختلفة؟
وجوه (1)، والمعروف هو الأخير، لما فيه من الجمع
بين الحقوق.
وذكروا طرقا ثلاثة لكيفية الجمع، وهي على
النحو التالي:
الطريقة الأولى:
أن يؤخذ المعدل لقيم الصحيح، والمعدل لقيم



(1) البيع 5: 132.
(2) أنظر: المكاسب (الحجرية): 272، وحاشية المكاسب
(للسيد اليزدي): 102 - 103، وحاشية المكاسب
(للمحقق الإصفهاني) 3: 133، ومصباح الفقاهة 7:
277 - 285، والبيع 5: 134.
(3) هذه المعادلة مطوية في كلمات الفقهاء، كما تقدم. وانظر:
التذكرة (الحجرية) 1: 540، والقواعد 1: 146.
(1) أنظر: الجواهر 23: 290، والمكاسب (الحجرية):
273، فإنهما ذكرا وجوها أخر، كالرجوع إلى القرعة
والمصالحة ونحوهما.
100
المعيب، ثم تؤخذ النسبة بين الفاضل منهما والمعدل
لقيم الصحيح، ثم يستخرج بهذه النسبة من القيمة
المعاوضية، فإذا كانت قيم الصحيح 120 و 100،
وقيم المعيب 60 و 50، والقيمة المعاوضية 90
فيكون حساب الأرش كالآتي:
120 + 100 = 220 مجموع قيم الصحيح
220 م 2 = 110 المعدل لقيم الصحيح
60 + 50 = 110 مجموع قيم المعيب
110 م 2 = 55 المعدل لقيم المعيب
110 - - 55 = 55 الفاضل من المعدلين
110 (المعدل لقيم الصحيح) / 55 (الفاضل من المعدلين) = 2 / 1 نسبة الفاضل
من المعدلين ومعدل قيم الصحيح
90 (القيمة المعاوضية) م 2 = 45 وهو الأرش
الطريقة الثانية:
أن تجمع قيم الصحيح وتعتبر قيمة واحدة،
وتجمع قيم المعيب وتعتبر قيمة واحدة، ثم تؤخذ
النسبة بين الفاضل منهما وبين مجموع قيم الصحيح،
ثم يستخرج بهذه النسبة من القيمة المعاوضية،
فتكون طريقة الحساب في المثال السابق كالآتي:
120 + 100 = 220 مجموع قيم الصحيح (قيمة
الصحيح الفرضي)
60 + 50 = 110 مجموع قيم المعيب (قيمة
المعيب الفرضي)
220 - 110 = 110 الفاضل من القيمتين
الفرضيتين
220 (قيمة الصحيح الفرضي) / 110 (الفاضل من القيمتين) = 2 / 1 النسبة بين
الفاضل وقيمة الصحيح الفرضي
90 (القيمة المعاوضية) م 2 = 45 الأرش
الطريقة الثالثة:
أن تؤخذ النسبة بين قيمة الصحيح والمعيب
في كل تقدير، ثم يؤخذ المعدل لهذه النسب، ثم
يستخرج من القيمة المعاوضية بهذه النسبة، فتكون
طريقة الحساب في المثال المتقدم كالآتي:
120 / 60 = 2 / 1 النسبة في التقويم الأول
100 / 50 = 2 / 1 النسبة في التقويم الثاني
2 / 1 + 2 / 1 = 2 / 1 + 1 = 2 / 2 مجموع النسب
2 / 2 / 2 = 2 / 1 المعدل بين النسب
90 (القيمة المعاوضية) / 2 = 45 الأرش
وهذه الطريقة منسوبة إلى الشهيد الأول،
غير أن عبارته لا تدل عليها، لا في الدروس ولا في
اللمعة، كما صرح به الشهيد الثاني (1).
ي - حكم عدم إمكان التقويم:
ولو لم يمكن معرفة القيمة إما لفقد أهل الخبرة،
أو لعدم توفر الشروط اللازمة فيهم، أو توقفهم،
فهل يكتفى بمطلق الظن أو يجب دفع الأكثر، أو يكفي



(1) أنظر: الدروس 3: 287، والروضة البهية 3: 475 -
480، والجواهر 23: 290 - 295، والمكاسب: 273 -
275.
101
الأقل؟ وجوه، يظهر من السيد اليزدي (1)، والمحقق
الإصفهاني (2)، والإمام الخميني (3)، والسيد الخوئي (4)
الاكتفاء بالأقل، ولم يرجح الشيخ الأنصاري (5)
شيئا منها، نعم ضعف وجوب دفع الأكثر، ويظهر
من صاحب الجواهر لزوم الرجوع إلى الصلح بما
يراه الحاكم (6).
ك - صفات المقوم:
اشترط بعض الفقهاء في المقوم شروطا، منهم
الشهيد الأول، حيث قال: " ويشترط في المقوم
العدالة والمعرفة والتعدد والذكورة وارتفاع
التهمة " (7).
واستشكل عليه صاحب الجواهر: بأن ذلك
مبتن على كون التقويم من باب الشهادة، ومع الغض
عن ذلك فاشتراط بعضها لا يخلو من نظر (8).
هذا، وقسم الشيخ الأنصاري المقومين إلى
ثلاثة أصناف:
الأول - أن يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة
والمضبوطة عند أهل البلد وأهل الخبرة منهم، وهذا
الإخبار داخل في عنوان الشهادة، فيعتبر فيه ما
يعتبر فيها من التعدد والعدالة والإخبار عن الحس
ونحو ذلك.
الثاني - أن يخبر عن نظره وحدسه بالنسبة
إلى قيمة هذا الشئ من جهة كثرة ممارسته لأمثاله
وإن لم يعلم مدى رغبة الناس في شرائه فعلا، ومثلوا
له بمن له خبرة بالكتب المخطوطة، أو بالأحجار
الكريمة ونحوهما (1). وهذا داخل في عنوان أهل
الخبرة. ويحتاج زيادة على ما تقدم من الصفات إلى
الخبروية أيضا.
الثالث - أن يخبر عن خصوصيات المبيع مع
كون القيمة معلومة في السوق، كالصائغ يخبر عن
عيار الذهب هل هو 18 أو 20، مع أن قيمة كل منهما
معلومة في السوق. وهذا داخل في عنوان أهل
الخبرة أيضا، لكن لم يصرح الشيخ بذلك.
ثم قال: إن مرادهم من المقوم هو الثاني، وأما
من حيث الشرائط فالأظهر عدم التفرقة بين
الأقسام وإن احتمل اختصاص شرط تعدد المقومين
بالصنف الأول، لأنه من باب الشهادة دون
الأخيرين (2).



(1) حاشية المكاسب، قسم الخيارات (للسيد اليزدي):
103، لكن قيده بالبناء على كون الأرش غرامة، وأما إذا
كان مقابلا لوصف الصحة فالأقوى هو وجوب دفع
الأكثر.
(2) حاشية المكاسب (للمحقق الإصفهاني) 3: 136.
(3) البيع 5: 138.
(4) مصباح الفقاهة 7: 287.
(5) المكاسب: 273.
(6) الجواهر 23: 290.
(7) الدروس 3: 288.
(8) الجواهر 23: 290.
(1) أنظر: مصباح الفقاهة 7: 286، والبيع 5: 136.
(2) المكاسب (الحجرية): 273.
102
ويرى السيد اليزدي (1) أن الأول لا يجب فيه
التعدد أيضا، لأنه ليس من باب الشهادة.
ويرى السيد الخوئي (2) والإمام الخميني (3) أن
الأول من باب الشهادة والأخيرين من باب
الرجوع إلى أهل الخبرة، فيشترط التعدد في الأول
دون الأخيرين، ويظهر ذلك من المحقق الإصفهاني
أيضا، مع تصريحه بأن الرجوع إلى الشاهدين
ليخبرا عن القيمة السوقية ليس من باب التقويم (4).
هذا، وبقيت بحوث أخرى في الأرش، كثبوته
في خيار الغبن وعدمه، وفي الهبة المعوضة، وموارد
سقوطه وملك العبد لأرش جنايته وعدمه وغير
ذلك، وسوف نتطرق إلى أهمها في المواطن المناسبة
كعنوان: " عيب " و " غبن " و " هبة " ونحوها.
مظان البحث:
1 - كتاب البيع: خيار العيب، الأرش بين
المعيب والصحيح.
2 - كتاب الديات: أرش البكارة وأرش
الحكومة.
إرشاد
لغة:
الدلالة والهداية (1).
اصطلاحا:
ترد كلمة " الإرشاد " بهذا المعنى في
موردين:
الأول - ترد صفة لقسم من الأوامر
والنواهي، فيقال: الأوامر الإرشادية، والنواهي
الإرشادية - في مقابل الأوامر والنواهي المولوية -
وذلك إذا تضمن الأمر أو النهي دلالة على أمر آخر
هو المقصود بالذات، مثل قوله تعالى: * (أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (2)، فإن وجوب
إطاعة هؤلاء عقلية، والآية ترشد إلى هذا الحكم
العقلي، ومثل الروايات الدالة على الاحتياط، من
قبيل قول علي (عليه السلام) لكميل بن زياد: " أخوك دينك،
فاحتط لدينك بما شئت " (3)، فإنها - على أحد
الاحتمالات - إرشاد إلى حكم العقل بالاحتياط،



(1) حاشية المكاسب، قسم الخيارات (للسيد اليزدي):
103.
(2) مصباح الفقاهة 7: 285 - 287.
(3) البيع 5: 136 - 138.
(4) حاشية المكاسب (للمحقق الإصفهاني) 3: 135 -
136.
(1) أنظر: العين، ولسان العرب: " رشد ".
(2) النساء: 59.
(3) الوسائل 27: 167، الباب 12 من أبواب صفات
القاضي، الحديث 46.
103
ومثل قول أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا سهوت في
الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما " (1)، فإنه إرشاد إلى
سببية الشك في عدد الركعات في الركعتين الأوليين
لبطلان الصلاة، أو مثل ما ورد من النهي عن الصلاة
في جلد ما لا يؤكل لحمه، فإنه إرشاد إلى مانعية
أجزاء ما لا يؤكل لحمه عن صحة الصلاة (2)،
وغيرها من الأوامر والنواهي الدالة على جزئية
شئ لشئ أو شرطيته أو مانعيته.
والفرق بين الأوامر والنواهي الإرشادية
والمولوية هو: أن المولوية يترتب على امتثالها
الثواب، وعلى عصيانها العقاب - لو كانت إلزامية -
بخلاف الإرشادية فإنه لا يترتب على العمل بها
ثواب ولا على مخالفتها عقاب، نعم هما يترتبان على
امتثال وعصيان الأمر المتعلق بما أرشد إليه، كالأمر
بالصلاة مثلا، فإن النهي عن الصلاة في جلد ما لا
يؤكل لحمه إرشاد إلى بطلانها، وذلك يعني عدم
امتثال الأمر بالصلاة، فاستحقاق العقاب من جهة
عدم امتثال الأمر بالصلاة، لا من جهة عدم امتثال
النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه.
وقد وردت كلمة " الإرشاد " بهذا المعنى في
كلمات الفقهاء والأصوليين كثيرا.
الثاني - ترد مضافة إلى كلمة " الجاهل "،
فيقال: إرشاد الجاهل، ويريدون به: هدايته
ودلالته إلى ما هو الصواب والصلاح.
والإرشاد بهذا المعنى لم يتطرق له إلا بعض
الفقهاء بعناوين أخرى، ك‍ " إعلام " و " تعليم "
و " تبليغ "، كما ستأتي الإشارة إليه.
والذي نخصه بالبحث - هنا - هو الثاني، وأما
الأول فموطنه الملحق الأصولي في عنواني " أمر "
و " نهي ".
النسبة بين إرشاد الجاهل والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر:
إن مورد إرشاد الجاهل هو الجاهل بالحكم
الشرعي أو موضوعه - كما سيأتي توضيحه - وأما
مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العالم
بالحكم والموضوع، لأن الفقهاء يعدون من شرائط
الأمر بالمعروف تنجيز الحكم في حق من يؤمر
بالمعروف أو ينهى عن المنكر، والحكم لا يكون
منجزا إلا مع العلم بالحكم والموضوع معا.
فالذي لا يعلم أن الخمر حرام، أو يعلم ذلك
ولكن لا يعلم أن ما يشربه خمر لا يكون النهي عن
شرب الخمر منجزا في حقه، فمثل هذا الشخص لا
ينهى عن المنكر، لعدم صدق المنكر على ما يفعله،
وذلك بسبب عدم تنجز الحكم - أي: الحرمة - في
حقه، بل يرشد إلى ما تعلق جهله به من الحكم أو
الموضوع أو كليهما، فيقال له: الخمر حرام، أو هذا
خمر.



(1) الوسائل 8: 191، الباب الأول من أبواب الخلل،
الحديث 15.
(2) الوسائل 4: 345، الباب 2 من أبواب لباس المصلي.
104
نعم، لو كان عالما بحرمة الخمر وبأن ما يشربه
خمر وجب نهيه عن المنكر، لصدق المنكر على ما
يفعله، لمخالفته لتكليف منجز في حقه.
الأحكام:
قبل بيان أحكام إرشاد الجاهل من اللازم أن
نبين مواطن الإرشاد، لأن حكم الإرشاد يختلف
باختلاف موطنه.
مواطن الإرشاد:
يتحقق إرشاد الجاهل في موطنين:
الأول - في الأحكام الكلية الإلهية:
ويقصدون بذلك تعليم الجاهل بالأحكام
الشرعية الكلية، كتعليمه أصل وجوب الصلاة
وكيفيتها وأحكامها، وكذا سائر العبادات
والمعاملات.
الثاني - في الموضوعات الخارجية:
ويقصدون بذلك تنبيه الجاهل لما يرتكبه
خطأ، لا من حيث جهله بأصل الحكم، بل من جهة
جهله بالموضوع، كمن يعلم ببطلان الوضوء بالماء
المتنجس، ولكن لا يعلم بأن الماء الذي يتوضأ به
متنجس فعلا، أو كمن يعلم بحرمة شرب الخمر،
ولكن لا يعلم أن ما يشربه فعلا خمر، أو كمن يعلم
بحرمة قتل المؤمن، ولكن يقتل مؤمنا بعنوان أنه
كافر، ونحو ذلك.
وربما يستشعر من كلمات بعض الفقهاء أن
" الإرشاد " يطلق على الموطن الأول، وأما الثاني
فيطلق عليه " الإعلام ".
الحكم التكليفي للإرشاد:
الظاهر من كلمات الفقهاء أن إرشاد الجاهل
بالأحكام الكلية الإلهية واجب في الجملة، قال
الشيخ الأنصاري بالنسبة إلى تعليم الجاهل:
" نعم، وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم،
لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر
التكليف إلى آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب،
فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله، ليتم الحجة على
الجاهل ويتحقق فيه قابلية الإطاعة والمعصية " (1).
وقال السيد الخوئي:
" وأما الأحكام الكلية الإلهية فلا ريب في
وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبليغ الأحكام
الشرعية على الناس جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة،
وقد دلت عليه آية النفر والروايات الواردة في بذل
العلم وتعليمه وتعلمه " (2).
ومقصوده من آية النفر قوله تعالى: * (وما
كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون) * (3).



(1) المكاسب 1: 77.
(2) مصباح الفقاهة 1: 121.
(3) التوبة: 122.
105
ومن جملة الروايات الواردة في بذل العلم
وتعليمه وتعلمه:
1 - ما رواه الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" قال: قرأت في كتاب علي: إن الله لم يأخذ على
الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا
ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل " (1).
2 - وما رواه - أيضا - عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" قال:... إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون " (2).
3 - وما رواه عنه (عليه السلام) أيضا: " قال: لا يسع
الناس حتى يسألوا ويتفقهوا " (3).
هذا وقد صرح بعض الفقهاء بوجوب تعليم
الأحكام عند بحثهم في حكم أخذ الأجرة على
الواجبات، حيث عدوا من جملتها تعليم الأحكام،
قال الشهيد الأول: " ومن الواجب الذي يحرم أخذ
الأجرة عليه تعليم الواجب - عينا أو كفاية - من
القرآن العزيز والفقه، والإرشاد إلى المعارف الإلهية
بطريق التنبيه " (4).
وبهذا المضمون قال غيره أيضا (5).
هذا كله في الأحكام الكلية، وأما
الموضوعات، فهل يجب فيها إرشاد الجاهل أو لا؟
فيها قولان:
الأول - الوجوب، وهو الظاهر من العلامة
حيث قال - في جواب السيد مهنا بن سنان عندما
سأله عمن رأى غيره قد أخل بشئ من وضوئه أو
غسله، هل عليه أن يعرفه ذلك أم لا؟ -: " نعم،
يجب عليه إعلامه، لأنه من باب الأمر
بالمعروف " (1).
ونسب في الحدائق هذا الرأي إلى بعض
الفضلاء، ونقل عن صاحب المعالم أنه نسبه إلى
بعض الأصحاب أيضا (2).
ولكن ناقش بعض الفقهاء العلامة الحلي ومن
ارتأى رأيه: بأن أدلة وجوب النهي عن المنكر
مختصة بما إذا كان صدور الفعل من الفاعل منكرا،
وفي المقام ليس كذلك، لأنا قد فرضنا جهل
الفاعل بالواقع، فلم يكن ما صدر منه منكرا في
حقه (3).
الثاني - عدم الوجوب، وهو الظاهر من
جماعة من الفقهاء - بل صرح به بعضهم - ك‍:
صاحب المعالم (4)، وصاحب الحدائق (5)، والشيخ



(1) الكافي 1: 41، باب بذل العلم، الحديث الأول.
(2) الكافي 1: 40، باب سؤال العالم وتذاكره، الحديث 2.
(3) الكافي 1: 40، باب سؤال العالم وتذاكره، الحديث 4.
(4) الدروس 3: 172.
(5) أنظر على سبيل المثال: مفتاح الكرامة 4: 92،
والجواهر 22: 124.
(1) الرسالة المهنائية: 48، المسألة 52.
(2) الحدائق 5: 260 - 261.
(3) أنظر: مصباح الفقاهة 1: 119، والحدائق 5: 261.
(4) نقله عنه صاحب الحدائق، أنظر الحدائق 5: 260.
(5) المصدر نفسه: 261.
106
الأنصاري (1)، والسيد اليزدي (2)، والسيد الحكيم (3)،
والسيد الخوئي (4)، والإمام الخميني (5).
وهناك بعض النصوص تدعم هذا الرأي،
منها:
1 - ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام)، قال: " سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه
دما وهو يصلي؟ قال: لا يؤذنه حتى ينصرف " (6).
2 - ما رواه عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: اغتسل أبي من الجنابة،
فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال
له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة
بيده " (7).
3 - ما رواه عبد الله بن بكير، قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى
فيه وهو لا يصلي فيه، قال: لا يعلمه... " (1).
بل يرى بعض الفقهاء أن الإعلام يحرم لو
أدى إلى إيذاء الجاهل أو إلقائه في العسر والحرج (2).
ثم، إن بعض الفقهاء استثنى من ذلك الأمور
المهمة، كالنفوس والأعراض والأموال الخطيرة،
فأوجب الإعلام فيها.
فمثلا: لو اعتقد الجاهل أن شخصا مهدور الدم
شرعا، فتصدى لقتله، وكان محترم الدم في الواقع،
فيجب إعلامه، لأن إنقاذ النفس المحترمة واجب بأية
طريقة كانت، ومنها إعلام الجاهل بجهله.
وكذا لو اعتقد أن امرأة معينة يجوز له
نكاحها، فأراد أن يتزوجها وكانت محرمة عليه في
الواقع، لأنها كانت أخته من الرضاعة وهو لا يعلم.
أو اعتقد في مال كثير أنه مال الحربي الذي
يجوز إتلافه، فهم بإتلافه، في حين أنه كان مالا
لمؤمن لا يجوز إتلافه.
ففي هذه الموارد وأمثالها يجب إعلام الجاهل،
لأن في عدم إعلامه مفسدة وإن كان معذورا لو فعل.
وعد بعضهم من هذا القبيل منع الصبي عن
اللواط أو الزنا وعن شرب المسكرات إلى غير ذلك
من الموارد التي نعلم باهتمام الشارع بها وعدم رضاه
بوقوعها في الخارج.



(1) المكاسب 1: 77.
(2) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل إزالة النجاسة عن
ثوب المصلي وبدنه، المسألة 32.
(3) المستمسك 1: 523.
(4) التنقيح 2: 333، ومصباح الفقاهة 1: 119 - 120.
(5) تحرير الوسيلة 1: 401، كتاب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، القول في شرائط وجوبهما، الشرط الأول،
المسألة 4.
(6) الوسائل 3: 487، الباب 47 من أبواب النجاسات،
الحديث الأول.
(7) الوسائل 3: 487، الباب 47 من أبواب النجاسات،
الحديث 2.
(1) الوسائل 3: 487، الباب 47 من أبواب النجاسات،
الحديث 3.
(2) التنقيح 2: 333.
107
صرح بهذا الاستثناء الشيخ الأنصاري (1)
والسيد الخوئي (2)، والإمام الخميني (3)، ولا نستبعد
أن يكون سائر الفقهاء يعتقدون ذلك وإن لم
يصرحوا به، لأنه مستنبط من روح الشريعة،
ويساعده الذوق الفقهي.
هذا، ويظهر من السيد الحكيم استثناء آخر،
وهو: استثناء المأكول والمشروب، فيجب فيهما
إعلام الجاهل بنجاستهما (4) كي لا يأكل ولا يشرب
النجس أو المتنجس، لقوله (عليه السلام) - عند السؤال عن
حكم الزيت الذي وقع فيه الجرذ -: " تبيعه، وتبينه
لمن اشتراه ليستصبح به " (5)، والأمر ببيان نجاسة
الزيت للمشتري، لأجل أن لا يأكله.
ويتعدى من الزيت إلى غيره من المأكولات
والمشروبات بقرينة التعليل، فإن مقتضاه عدم الفرق
بين الزيت وغيره.
لكن لما كان يشكل التعدي عنهما إلى
غيرهما، لعدم مساعدة الارتكاز العرفي لذلك،
فيتعين الاقتصار عليهما (1).
تنبيه:
وردت كلمة " الإرشاد " بمعنى الهداية
في مورد آخر، وهو إرشاد الحاضر للبادي،
وقد تعرض له بعض الفقهاء في مسألة " بيع
الحاضر للبادي "، منهم العلامة في نهاية الإحكام،
قال:
" ولو استرشد البدوي الحضري، فهل له
إرشاده إلى الادخار والبيع على التدريج؟ الأقرب
جوازه " (2).
مظان البحث:
أكثر ما يتطرق لهذا الموضوع في الموارد
التالية:
1 - كتاب الطهارة: أحكام النجاسات،
إعلام الغير بالنجاسة.
2 - كتاب البيع:
أ - بيع الدهن المتنجس ولزوم الإخبار
بنجاسته.
ب - أخذ الأجرة على الواجبات.



(1) المكاسب 1: 76.
(2) أنظر: التنقيح 2: 335، ومصباح الفقاهة 1: 120
و 122.
(3) تحرير الوسيلة 1: 401، كتاب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، القول في شرائط وجوبهما، المسألة 4.
(4) ولا يختص وجوب الإعلام بصورة التسبيب، كالبيع
والإعارة ونحوهما، بل يجب على غير المسبب أيضا على
هذا الرأي خلافا للسيد الخوئي حيث خص ذلك بصورة
التسبيب.
(5) التهذيب 9: 85، باب الذبائح، الحديث 94.
(1) المستمسك 1: 523 - 524.
(2) نهاية الإحكام 2: 517.
108
أرض
لغة:
الكرة التي نعيش عليها.
اصطلاحا:
للفقهاء إطلاقان بالنسبة إلى الأرض:
الأول - إطلاقهم بلحاظ تكونها من التراب
وما يشتق منه، كالحجر والرمل والآجر والجص
والنورة، ونحو ذلك مما هو على وجه الأرض.
وبهذا المعنى يكون مرادفا للصعيد على بعض
معانيه، ويبحث فيه في موضوع المطهرات والتيمم
والسجود.
الثاني - إطلاقهم بلحاظ أنها الكرة التي
نعيش عليها، وبلحاظ ما تشتمل عليه بحسب
ظاهرها وباطنها من أشجار ومعادن ونحوهما، مع
اختلاف في سعة العنوان وضيقه في بعض المصاديق.
وبهذا اللحاظ يبحث فيه في موضوع البيع
وإحياء الموات والخمس والغنيمة والوقف والعارية
ونحوها.
الأحكام:
للأرض أحكام كثيرة يمكن تحديدها في
قسمين:
1 - أحكام الأرض بما هي أرض.
2 - أحكام الأرض بحسب أقسامها إسلاميا.
وهذا التقسيم يخضع لاعتبار آخر فني غير
الاعتبار الأول الذي ذكرنا فيه إطلاقات الفقهاء،
فإنه قد يحصل تداخل في التقسيمين.
أولا - أحكام الأرض بما هي أرض:
أ - طهارة الأرض:
الأرض طاهرة في حد ذاتها، لأن الأصل
طهارة الأشياء، فهي على الطهارة حتى يعلم
نجاستها.
ب - مطهرية الأرض:
تكون الأرض مطهرة في موردين:
1 - تطهير الآنية إذا ولغ فيها كلب أو خنزير،
بالماء والتراب، وقد تقدم الكلام حوله في عنوان
" آنية "، ويأتي في عنوان " ولوغ ".
2 - تطهير باطن الخف والقدم بالمشي عليهما
إذا أصابتهما نجاسة.
وأما بالنسبة إلى هذا، فنقول: قد ادعى عليه
الإجماع عدد من الفقهاء (1)، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قوله: " إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه، فطهورهما
التراب " (2)، وورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " جعلت لي



(1) أنظر: جامع المقاصد 1: 179، والمدارك 2: 372،
والجواهر 6: 303.
(2) عوالي اللآلي 3: 60، وانظر سنن أبي داود 1: 105،
باب في الأذى يصيب النعل، تسلسل الحديث 385
و 386.
109
الأرض مسجدا وطهورا " (1) بناء على تفسير
الطهور بالطاهر المطهر، وورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " إن الأرض يطهر بعضها بعضا " (2).
وهي تطهر باطن القدم والخف والنعل
ونحوها، وفي تطهير غيرها من: أسفل خشبة الأقطع
وعصا الأعرج وعكاز الأعمى، ويدي وركبتي من
يمشي عليهما خلاف، ولم يتعرض لها كثير من
الفقهاء، وأكثر من تعرض لها يرى منع تطهيرها
بالأرض.
وذكروا لتطهير الأرض شروطا بعضها متفق
عليه، وبعضها مختلف فيه، وهي:
1 - زوال عين النجاسة: وهذا متفق عليه، إذ
لا تحصل الطهارة مع بقاء عين النجاسة.
2 - طهارة الأرض: ذهب إليه بعضهم، كابن
الجنيد (3)، والشهيد الأول (4)، والمحقق (5) والشهيد (6)
الثانيين، وصاحب المدارك (1)، وصاحب الحدائق (2)،
وصاحب الجواهر (3)، والسيد اليزدي (4)، والسيد
الحكيم (5)، والسيد الخوئي (6)، والإمام الخميني (7).
3 - جفاف الأرض: واشترطه الفقهاء المتقدم
ذكرهم إلا الشهيد الأول في الذكرى (8)، والثاني في
الروضة (9)، فإنهما لم يشترطاه، وقد تقدمهما العلامة،
لكن اشترط أن لا تكون الأرض وحلا (10).
واستثنى بعض مشترطي الجفاف الرطوبة
القليلة غير المسرية، كالسيد اليزدي (11)، والسيد
الخوئي (12)، وصرح بذلك الشهيد الثاني - أيضا - في
الروض (13).



(1) الوسائل 3: 350، الباب 7 من أبواب التيمم، الحديث
2، 3 و 4.
(2) الوسائل 3: 458، الباب 32 من أبواب النجاسات،
الحديث 3.
(3) نقله عنه المحقق في المعتبر، وربما يلوح منه قبوله أيضا، إذ
لم يرده، راجع المعتبر: 124.
(4) الذكرى: 15.
(5) جامع المقاصد 1: 179.
(6) المسالك 1: 130، لكن نسب إليه أنه استحسن عدم
اشتراطها في روض الجنان، وهو غير واضح، أنظر روض
الجنان: 170، نعم يظهر من الروضة عدم اشتراطها،
أنظر الروضة البهية 1: 66.
(1) المدارك 2: 374.
(2) الحدائق 5: 457.
(3) الجواهر 6: 308.
(4) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل المطهرات،
الثاني: الأرض.
(5) المستمسك 2: 69 - 70.
(6) التنقيح 3: 128.
(7) تحرير الوسيلة 1: 111، كتاب الطهارة، فصل
المطهرات، ثانيها: الأرض.
(8) الذكرى: 15، حيث اقتصر على اشتراط الطهارة.
(9) الروضة البهية 1: 66.
(10) نهاية الإحكام 1: 291.
(11) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الثاني:
الأرض.
(12) التنقيح 3: 130.
(13) روض الجنان: 170.
110
والمراد من الأرض ما يشمل التراب والرمل
والحجر والآجر والجص والنورة، أما المطلي بالقار
والخشب ونحوهما فقد استشكل فيه العلامة (1)
والسيد اليزدي (2)، والسيدان الحكيم (3) والخوئي (4)،
لانصراف الأرض إلى الأرض المعهودة، كما ادعى
المحدث البحراني (5) عدم الخلاف فيه.
ج - تطهير الأرض:
يمكن تطهير الأرض بمطهرين: الماء
والشمس.
1 - التطهير بالماء:
تختلف كيفية التطهير بالماء بحسب نوع الماء
وحالات الأرض، فإن الأرض إما صلبة وإما
رخوة، والماء إما قليل أو كثير، فهنا أربع صور:
الأولى - إذا كانت الأرض صلبة وكان
التطهير بالماء الكثير، كالكر والجاري وماء المطر،
فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في حصول الطهارة مع
زوال العين في هذه الصورة.
الثانية - إذا كانت الأرض صلبة، وكان
التطهير بالماء القليل، فقد صرح صاحب الجواهر
بأنه لا بحث في إمكان طهارتها، لكن يبقى المحل الذي
تجتمع فيه الغسالة نجسا (1). فإما أن يكون طريق
لخروج الغسالة أو تحفر حفيرة لتجتمع فيها، ثم تطم
بالتراب الطاهر. كما صرح بذلك السيد اليزدي (2).
ولم يعلق عليه السيدان الحكيم (3) والخوئي (4).
الثالثة - إذا كانت الأرض رخوة وكان الماء
كثيرا - بأن كان جاريا أو كرا أو غيثا - فالمعروف
بين الفقهاء حصول الطهارة بذلك، لكن ينبغي
وصول الماء بكثرته إلى ما لاقته النجاسة في عمق
الأرض.
الرابعة - إذا كانت الأرض رخوة وكان الماء
قليلا، فالمعروف - أيضا - عدم حصول الطهارة
بذلك (5)، بناء على نجاسة الغسالة - كما هو المشهور -
لعدم إمكان انفصالها عنها حينئذ، وهو شرط في
التطهير بالماء القليل.
نعم، استظهر من المحقق الحلي إمكان ذلك إذا
كانت الأرض منحدرة وأمكن إجراء الغسالة عن
محل الغسل (6).



(1) نهاية الإحكام 1: 291.
(2) تقدم تخريجه.
(3) المستمسك 2: 67 - 68.
(4) التنقيح 3: 126.
(5) الحدائق 5: 458.
(1) الجواهر 6: 326.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل المطهرات،
الأول: الماء، المسألة 26.
(3) المستمسك 2: 51.
(4) التنقيح 3: 92.
(5) أنظر المصادر المتقدمة.
(6) استظهره من كلامه صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 6:
326، والمعتبر: 124 - 125.
111
كما ويظهر من الشيخ إمكان ذلك أيضا ولو لم
تكن الأرض منحدرة، فيما إذا القي عليها ذنوب (1)،
لما روي أن أعرابيا بال في المسجد، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله)
أن يلقى عليه ذنوب (2). لكن لم يرتض ذلك أغلب
الفقهاء (3)، نعم ارتضاه ابن إدريس (4).
واستثنى السيد اليزدي (5) من الأرض
الرخوة الأرض الرملية إذا كان الماء يرسب فيها إلى
الداخل، فيطهر الظاهر منها ويبقى الباطن نجسا،
إلا أنه استشكل فيه، ولكن السيدين الحكيم (6)
والخوئي (7) دفعا الإشكال عنه.
2 - التطهير بالشمس:
تطهر الأرض بالشمس على المشهور، لقول
أبي جعفر (عليه السلام): " ما أشرقت عليه الشمس فقد
طهر " (8) أو " كل ما أشرقت عليه الشمس فهو
طاهر " (9).
ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد والراوندي
وابن حمزة والمحقق الحلي (1).
ويشترط في ذلك: عدم وجود عين النجاسة،
وأن تكون الأرض رطبة، وأن يحصل الجفاف
بإشراق الشمس خاصة، لا بها وبعامل آخر
كالريح (2).
راجع تفصيل ذلك في عنوان " شمس ".
د - التيمم بالأرض:
لا إشكال في أن محل التيمم هو الأرض، لقوله
تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) * (3).
والصعيد هو إما مطلق وجه الأرض أو خصوص
التراب منه على اختلاف التفسيرين، ولقوله (صلى الله عليه وآله):
" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (4)، والطهور
هو الطاهر المطهر، ولقول الصادق (عليه السلام) - في جواب
من سأله عن الوضوء باللبن -: " لا، إنما هو الماء
والصعيد " (5).
نعم، اختلف الفقهاء في أن التيمم هل يصح



(1) المبسوط 1: 92.
(2) صحيح مسلم 1: 236، الباب 30 من أبواب كتاب
الطهارة، رقم تسلسل الحديث: 284 - 285. والذنوب:
الدلو الملأى، وقيل: الدلو العظيمة (لسان العرب).
(3) أنظر على سبيل المثال: المعتبر: 124 - 125، والمسالك
1: 131، والحدائق 5: 380 وغيرها.
(4) السرائر 1: 188.
(5) تقدم تخريج أقواله.
(6) تقدم تخريج أقواله.
(7) تقدم تخريج أقواله.
(8) الوسائل 3: 452، الباب 30 من أبواب النجاسات،
الحديث 5.
(9) الوسائل 3: 453، الباب 30 من أبواب النجاسات،
الحديث 6.
(1) أنظر المعتبر: 124.
(2) أنظر: الجواهر 6: 253، والمستمسك 2: 75،
والتنقيح 3: 139.
(3) النساء: 43، والمائدة: 6.
(4) الوسائل 3: 350، الباب 7 من أبواب التيمم،
الحديث 2، 3 و 4.
(5) الوسائل 3: 351، الباب 7 من أبواب التيمم،
الحديث 6.
112
بمطلق ما يصدق عليه الأرض أو ببعضه، بعد اتفاقهم
على عدم جواز التيمم بالمعدن والنبات ونحوهما مما
لا يصدق عليه اسم الأرض قطعا؟ ومنشأ
الاختلاف هو الاختلاف في صدق الصعيد على
مطلق الأرض أو خصوص بعض أجزائه، والأقوال
فيه - إجمالا - كما يلي:
1 - جواز التيمم بمطلق ما يصدق عليه
الأرض من التراب والحجر والرمل والجص والنورة
- قبل إحراقهما - وهذا هو المشهور (1).
2 - اختصاص الجواز بالتراب فقط، وهذا
رأي السيد المرتضى في شرح الرسالة - كما نسبه إليه
المحقق (2) - وأبي الصلاح الحلبي (3)، بحيث يكون
الفاقد للتراب فاقدا للطهورين.
3 - اختصاص الجواز بغير الحجر من التراب
والرمل ونحوهما عند التمكن منها، والجواز بالحجر
عند عدم التمكن. هذا إذا لم يكن على الحجر تراب
ونحوه، وإلا فهو بحكم التراب، وهذا رأي الشيخ
المفيد (4)، والشيخ الطوسي في النهاية (5)، وسلار (6)،
وابن حمزة (1)، وابن إدريس (2).
4 - جواز التيمم بالأرض وبكل ما كان من
جنسها كالكحل والزرنيخ، نسب ذلك إلى ابن أبي
عقيل (3).
وفيه تفصيلات يراجع فيها عنوان " تيمم ".
ه‍ - السجود على الأرض:
أجمع فقهاء الإمامية على أن السجود لا يصح
إلا على الأرض أو ما أنبتته مما لم يكن مأكولا أو
ملبوسا، فكل ما صدق عليه اسم الأرض يصح
السجود عليه، سواء كان ترابا أو حجرا أو رملا أو
غير ذلك، وما لم يصدق لم يصح وإن خرج منها،
كأغلب المعادن مثل: الذهب والفضة والعقيق
والفيروزج والقير ونحوها (4).
راجع تفصيله في عنوان " سجود ".
و - ثبوت الخمس في الأرض التي يشتريها
الذمي من المسلم:
نسب إلى المشهور القول بثبوت الخمس على
الذمي في الأرض التي يشتريها من المسلم، ونسب
إلى بعض المتقدمين من الأصحاب كابن أبي عقيل،



(1) أنظر: الحدائق 4: 293، والجواهر 5: 118.
(2) نسبه إليه المحقق في المعتبر، ونسب إليه رأيا آخر وافق
فيه المشهور، أنظر المعتبر: 102.
(3) الكافي في الفقه: 136.
(4) المقنعة: 60.
(5) النهاية: 49.
(6) المراسم: 53، وفيه خفاء إلا أن يختص الصعيد
بالتراب.
(1) الوسيلة: 71.
(2) السرائر 1: 137.
(3) نسبه إليه المحقق، أنظر المعتبر: 102.
(4) أنظر على سبيل المثال: المستمسك 5: 487، مستند
العروة 2: 142، وللسيد الخوئي إشكال في عدم صدق
الأرض على الأحجار الكريمة، كالعقيق والفيروزج.
113
وابن الجنيد، والشيخ المفيد، وسلار، وأبي الصلاح
عدمه، لأنهم لم يتطرقوا إلى ذلك عند ذكرهم
ما يثبت فيه الخمس (1).
وفي المسألة تفصيلات يراجع فيها عنوان
" خمس ".
ز - بيع الأرض:
تختلف الأراضي من حيث جواز بيعها
وعدمه، وسوف نبين ذلك عند بيان أقسام الأرض،
ولكن نشير هنا إلى أمرين:
الأول - أنه يجوز بيع الأرض بالوصف
وبالمشاهدة، ولكن ينبغي أن يكون الوصف بحيث
يرفع الغرر، كما يأتي تفصيله في إجارة الأرض.
الثاني - إذا كان في عقد البيع ما يدل على
دخول بعض الأشياء مع الأرض عند بيعها فلا كلام
فيه، وإلا فقد صرح الفقهاء (2) بأنه لا بد من متابعة
اللغة والعرف في تشخيص ذلك كسائر المبيعات.
ومن المعلوم أن الأعراف تختلف بحسب الأزمنة
والأمكنة.
هذا، وقد ذكر الفقهاء بعض الأمثلة والنماذج
في هذا المجال لا يسعنا التعرض لها، وإنما نشير إلى
مورد واحد لكثرة أهميته، وهو: أنه لو باع أرضا
فهل يدخل فيها المعدن الموجود فيها أو لا؟
للفقهاء - بشكل عام - فيه قولان:
الأول - أنه يدخل ضمن الأرض، وهذا هو
الرأي السائد، وممن التزم به - على سبيل المثال -
الشيخ (1)، والعلامة (2)، والشهيد الأول (3)، وصاحب
الجواهر (4)، والسيد الحكيم (5)، والإمام الخميني (6)،
وعللوه بأنه جزء الأرض.
الثاني - أنه لا يدخل، وهؤلاء على قسمين،
لاختلاف وجهة نظر بعضهم تجاه ملكية المعدن عن
وجهة نظر سائر الفقهاء.
فبعضهم يرى عدم الدخول، لأن المعدن
حقيقة أخرى غير الأرض، فلذلك لا يدخل ضمن
بيع الأرض، ومفهوم كلامهم أنه يبقى على ملك
المالك الأول. وهذا الرأي استقربه العلامة في
القواعد (7) وولده في الإيضاح (8)، واختاره المحقق (9)



(1) أنظر على سبيل المثال: الحدائق 12: 359، والجواهر
16: 65، والمستمسك 9: 506.
(2) أنظر: شرائع الإسلام 2: 27، والقواعد 1: 148،
والمسالك 3: 227، ومفتاح الكرامة 4: 668،
والجواهر 23: 126.
(1) المبسوط 2: 110.
(2) التذكرة (الحجرية) 1: 572.
(3) الدروس 3: 206.
(4) الجواهر 23: 143.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 64، كتاب
التجارة، الفصل السادس، المسألة 5.
(6) تحرير الوسيلة 1: 459، كتاب البيع، ما يدخل في
المبيع، المسألة 4.
(7) القواعد 1: 150.
(8) إيضاح الفوائد 1: 505.
(9) جامع المقاصد 4: 385.
114
والشهيد (1) الثانيان.
ويرى بعض آخر عدم الدخول لا من جهة
أن المعدن حقيقة أخرى، بل لأن رقبة المعدن
لا تدخل في ملك الأفراد، نعم يملك المعدن من
يستخرجه، فعلى هذا لا يكون المعدن - ما لم
يستخرج - ملكا لا للمالك الأول ولا للثاني، بل
يملكه من يستخرجه. وهذا ما ذهب إليه السيد
الخوئي (2) والسيد الصدر (3)، وزاد الأخير: أنه
ينبغي مراعاة حق صاحب الأرض إذا أراد غيره
الاستثمار من المعدن، وهو أمر واضح.
ح - إعارة الأرض:
لا إشكال ظاهرا في جواز إعارة الأرض في
الجملة، سواء كانت لدفن ميت أو غرس وزرع
وبناء ونحوها (4)، وإنما وقع الخلاف في بعض
جزئيات هذه الموارد، نشير إليها فيما يلي:
1 - إعارة الأرض للدفن:
تجوز إعارة الأرض للدفن، ولا يجوز رجوع
المعير عن الإعارة بعد الدفن إذا كان الميت مسلما
أو بحكمه إجماعا - كما ادعاه عدد من الفقهاء (1) -،
لعدم جواز نبش قبر المسلم إجماعا، أما قبل الدفن
فيجوز الرجوع، واختلفوا في جوازه بعد وضع
الميت في القبر وقبل طمه، للشك في تحقق النبش
بإخراجه الناشئ من الشك في صدق الدفن بمجرد
وضعه دون طمه.
راجع: إذن.
2 - إعارة الأرض لغير الدفن:
تجوز إعارة الأرض للزرع والغرس والبناء
- كما تقدم - ويجوز رجوع المعير عن إعارته قبل
تحقق ذلك بلا إشكال، لأن العارية عقد جائز،
وإنما الإشكال في رجوعه بعد التحقق، فقد اختلف
الفقهاء فيه على أقوال:
1 - إذا كانت العارية للبناء والغرس، وكانت
مطلقة - أي من دون تعيين مدة - فيجوز الرجوع
فيها، وادعى فخر المحققين عليه الإجماع (2).
2 - وإن كانت إلى مدة فالمشهور جواز
الرجوع فيها أيضا، لكن المنقول عن ابن الجنيد:
أنه لا يجوز الرجوع قبل انقضائها (3).
3 - وإذا كانت العارية للزرع، فلا يجوز
رجوع المعير قبل إدراك الزرع، ولا يجبر المستعير



(1) المسالك 3: 236.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 45، كتاب
التجارة، الفصل السادس، المسألة 176، لكن خص
ذلك بالمعادن الباطنة، أما الظاهرة فهي تدور مدار صدق
التبعية للأرض عرفا.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 64، كتاب
التجارة، الفصل السادس، هامش المسألة 5. وانظر
اقتصادنا 2: 448.
(4) الجواهر 27: 170.
(1) أنظر: مفتاح الكرامة 6: 61، والجواهر 27: 178 -
179.
(2) إيضاح الفوائد 2: 126.
(3) إيضاح الفوائد 2: 126.
115
على الإزالة، بل يجبر المعير على التبقية، لأن له أمدا
معينا، وهذا مذهب الشيخ (1) وابن إدريس (2).
وحيث يجوز الرجوع والمطالبة بالإزالة
- كما هو المشهور - فلا بد من دفع الأرش على
المشهور، بل يظهر من بعضهم أنه لا خلاف فيه (3).
وكيفية معرفة الأرش هي أن يقوم الشجر أو
الزرع أو آلات البناء قائمة في الأرض وهي مغروسة
ومزروعة، ثم تقوم وهي مطروحة على الأرض،
فالفائض من القيمتين هو الأرش (4). كما تقدم في
عنوان " أرش ".
وهناك رأي آخر وهو: أن تقدر قيمة
الآلات بما هي مستعملة في البناء من دون ملاحظة
أنها باقية كذلك، وتقدر بما هي مقلوعة، فما يحصل
فيها من النقص بسبب هدم البناء - وهو الفاضل من
القيمتين - هو الأرش. اختار هذا الرأي صاحب
الجواهر (5).
ط - إجارة الأرض:
1 - لا إشكال ولا خلاف في جواز إجارة
الأرض إجمالا، لكن ينبغي تعيين الأرض إما
بالمشاهدة أو بالوصف بما يرفع الغرر (1)، أما
إجارتها على نحو الكلي في الذمة، بحيث تكون قابلة
للانطباق على عدة موارد فاستشكلوا فيه (2)،
واستثنى السيد اليزدي ما إذا كانت قابلة للوصف
بحيث يرفع الغرر، ووافقه السيدان الحكيم
والخوئي (3).
وينبغي تعيين المنفعة المطلوبة من الأرض،
كالغرس والزرع والبناء ونحو ذلك (4).
وإذا استؤجرت الأرض للزرع فلا بد من
وجود الماء، إما فعلا أو في وقت يمكن استفادته
للزرع، فلو لم يكن لها ماء ولم يمكن إجراؤه إليها
بطلت الإجارة (5).
2 - ويجوز إجارة الأرض لتعمل مسجدا،
لكنهم اختلفوا في ثبوت أحكام المسجد عليها، فقد



(1) المبسوط 3: 56.
(2) السرائر 2: 433.
(3) أنظر: الحدائق 21: 497، والجواهر 27: 175 -
176.
(4) أنظر: المسالك (الحجرية) 1: 316. والمصدرين
السابقين وغيرهما.
(5) الجواهر 27: 176 - 177.
(1) أنظر: جامع المقاصد 7: 211، ومفتاح الكرامة 7:
218.
(2) أنظر: جامع المقاصد 7: 88 و 94، والجواهر 27:
289، ومفتاح الكرامة 7: 94.
(3) العروة الوثقى: كتاب الإجارة، الفصل 6، المسألة
الأولى. وانظر المستمسك 12: 118. ومستند العروة
(الإجارة): 340.
(4) جامع المقاصد 7: 211، ومفتاح الكرامة 7: 218.
(5) أنظر: جامع المقاصد 7: 215 - 218، والحدائق 21:
586، ومفتاح الكرامة 7: 222، والمستمسك 12:
10، ومستند العروة (الإجارة): 48 بما فيهما العروة
الوثقى.
116
نفى العلامة - كما نسب إليه (1) - والمحقق (2) والشهيد (3)
الثانيان ذلك، وعلله المحقق: بأن إطلاق المسجد
عليها مجاز باعتبار ثبوت مقصود المسجد لها، وهو
إعدادها للصلاة، وعلله الشهيد: بأن شرط المسجد
أن يكون موقوفا، والوقف شرطه التأبيد، والإجارة
ينافيها التأبيد.
وظاهر كل من السيد العاملي (4) وصاحب
الجواهر (5) موافقتهما لذلك.
هذا، واستظهر المحقق الأردبيلي ثبوت أحكام
المسجد، لعدم ثبوت اشتراط الوقفية في أصل
المسجد، وإن كان ظاهر العبارات ذلك (6).
وفصل السيد اليزدي بين ما إذا كان
الاستئجار لمجرد الصلاة، فالأقوى عدم ترتب آثار
المسجدية، وبين ما إذا كان بعنوان المسجدية وكانت
المدة طويلة - كمئة سنة أو أزيد -، فلا يبعد ترتب
آثار المسجدية (7).
وارتضى السيد الخوئي هذا التفصيل لو
صحت الإجارة، وعندئذ لا فرق بين المدة القصيرة
والطويلة، لكن الإشكال في صحتها، لأن المسجدية
تساوي تحرير الأرض لله، وهذا شئ يعتبر فيه
الدوام والاستمرار، والإجارة تنافيه (1).
ويظهر ذلك من السيد الحكيم أيضا (2).
3 - لا يجوز - على المشهور (3) - إجارة
الأرض للزرع وجعل العوض ما يحصل منها،
لورود النهي عنه، وعلل في بعضها بأنه غير
مضمون، فإنه قد لا تنتج الأرض شيئا، بخلاف
الذهب والفضة، فإنهما مضمونان (4).
وكلام المحقق في المختصر والعلامة في التبصرة
يشعر بالجواز على كراهة، فقد قال الأول: " وتكره
إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير " (5)،
وقال الثاني: " ويكره إجارة الأرض بالحنطة
والشعير " (6)، ونسب إلى العلامة القول بالكراهة في
المختلف أيضا، لكن كلامه ظاهر في المنع، قال:
" ويجوز أن يستأجر الأرض بالحنطة ويزرعها
حنطة على الأشهر، لا مما يخرج منها... " (7).



(1) نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 241.
(2) جامع المقاصد 7: 243.
(3) المسالك 5: 211 - 212.
(4) مفتاح الكرامة 7: 241.
(5) الجواهر 27: 301.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 10: 21 - 22.
(7) العروة الوثقى: كتاب الإجارة، الفصل 6، المسألة 2.
(1) مستند العروة (الإجارة): 340 - 343.
(2) المستمسك 12: 119.
(3) أنظر: مفتاح الكرامة 7: 302 - 303.
(4) الوسائل 19: 54، الباب 16 من أبواب المزارعة،
الحديث 2.
(5) المختصر النافع: 148 (المزارعة).
(6) تبصرة المتعلمين: 135 (المزارعة).
(7) المختلف (الحجرية): 470.
117
ويمكن حمل كلام المجوزين على أن تكون
الأجرة حنطة أو شعيرا معينا من حيث الكيل أو
الوزن، لا أن يكون من حاصل نفس الأرض بحيث
يكون غير مضمون الحصول.
لكن صرح المحدث الكاشاني بالكراهة حتى
إذا كان مما يخرج منها (1).
هذا، إذا اشترطا على أن تكون الأجرة مما
يخرج من الأرض، وأما إذا لم يشترطا ذلك بأن
أطلقا، أو اشترطا كونه من أرض أخرى، فقد نسب
الشهيد إلى المشهور القول بالجواز على كراهة (2)،
وتبعه في هذه النسبة غيره (3)، لكن يظهر من بعض
الفقهاء عدم الجواز - أيضا - لو كان من جنس
ما يزرع فيها وإن كان من حاصل أرض أخرى،
كصاحب الجواهر (4)، والسيدين الحكيم (5)
والخوئي (6)، بل نسبه السيد الحكيم إلى ظاهر الجميع
عدا القائلين بالكراهة.
هذا، ونسب الفقهاء إلى القاضي ابن البراج
القول بحرمة إجارة الأرض بالطعام مطلقا، سواء
كان من حاصل هذه الأرض أو أرض أخرى أو
كان نقدا أو نسيئة (1).
ولو كان العوض في الذمة واشترط دفعه من
الأرض المستأجرة، لم يستبعد بعضهم جوازه
كصاحب الجواهر (2)، والسيد الحكيم (3)، بل صرح
السيد الخوئي (4) بالجواز.
وخص السيد اليزدي المنع بالحنطة
والشعير (5)، لكن صرح السيدان الحكيم (6)
والخوئي (7) بعدم الاختصاص، بل قال الأخير: لم
يصرح بالاختصاص غيره.
4 - قال السيد اليزدي: " خراج الأرض
المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها، ولو
شرط كونه على المستأجر صح على الأقوى. ولا
يضر كونه مجهولا من حيث القلة والكثرة، لاغتفار
مثل هذه الجهالة عرفا " (8).
ويبدو من المستند (9) والمستمسك (10) أن
الحكم مشهور أو متسالم عليه، إلا أن الشهيد الثاني



(1) مفاتيح الشرائع 3: 110، المفتاح 975.
(2) المسالك 5: 13.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 110.
(4) الجواهر 27: 14.
(5) المستمسك 12: 116.
(6) مستند العروة (الإجارة): 337.
(1) أنظر: المسالك 5: 14، والمهذب 2: 10.
(2) الجواهر 27: 12.
(3) المستمسك 12: 117.
(4) مستند العروة (الإجارة): 338 - 339.
(5) العروة الوثقى: الإجارة، الفصل 6.
(6) المستمسك 12: 118.
(7) مستند العروة (الإجارة): 337 - 338.
(8) العروة الوثقى: الإجارة - خاتمة -، المسألة الأولى.
(9) مستند العروة (الإجارة): 451.
(10) المستمسك 12: 190.
118
اشترط معلوميته عند الاشتراط، ولو زاد السلطان
على المقدار المشترط فهو على المالك (1)، واستشكل
صاحب الرياض في أصل الحكم، لاقتضاء القاعدة
كونها على المستأجر (2).
والمراد من المالك - كما نبه عليه السيد
الحكيم - هو الذي فوض إليه التصرف في الأرض
من قبل السلطان، لأن الأراضي الخراجية - كما
سيأتي - لم يكن لها مالك خاص، وإنما يملكها
المسلمون.
والأغلب ذكروا هذه المسألة في المزارعة إلا
صاحب العروة والمعلقين عليها فإنهم ذكروها في
الإجارة.
ثانيا - أحكام الأرض بحسب أقسامها إسلاميا:
قسم الفقهاء الأرض من لحاظين وبعدين:
الأول من حيث لحاظ الأرض بما هي أرض مع
غض النظر عن كونها في بلاد إسلامية أو في بلاد
كفر، والثاني من حيث لحاظها أرضا إسلامية.
وقد بحث الفقهاء - عادة - في موضوع
الأرض من حيث اللحاظ الأول في كتاب إحياء
الموات، ومن حيث اللحاظ الثاني في كتاب
الجهاد، وربما ذكروا القسمين معا، خاصة في كتاب
البيع.
أ - تقسيم الأرض بما هي أرض:
قسم الفقهاء الأرض - مطلقا سواء كانت في
بلاد إسلامية أو غيرها - إلى أربعة أقسام: عامرة
بالأصالة، وميتة بالأصالة، وعامرة بالعرض، وميتة
بالعرض.
1 - الأراضي العامرة بالأصالة:
وهي الأراضي العامرة طبيعيا، من دون
تدخل الإنسان في عمارتها، كالغابات وحافة
الشطوط والأنهار ورؤوس الجبال وبطون الأودية
لو كانت عامرة وفيها أشجار.
وهذه الأراضي من الأنفال (1) فيشملها
حكمها، فتكون للإمام (عليه السلام)، لكن استظهر صاحب
الجواهر من كلام الفقهاء أنها ليست من الأنفال،
قال: " أما غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه
- ومنه ما نحن فيه - فلا دلالة في كلامهم على
اندراجه في الأنفال، بل ظاهره العدم، فيكون من
المباحات الأصلية حينئذ " (2).
ويرى كثير من الفقهاء أن الحكم عام يشمل
أراضي بلاد الكفر وأراضي بلاد الإسلام، بل وحتى
ما كان منها عامرا طبيعيا عند فتحها عنوة. في حين
يرى بعضهم - كالسيد الصدر - أن ما كان منها عامرا
طبيعيا وقت الفتح يدخل في الأراضي المفتوحة



(1) المسالك 5: 34.
(2) الرياض (الحجرية) 1: 613.
(1) أنظر: المكاسب (الحجرية): 161، ومصباح الفقاهة
5: 133 - 134، والبيع 3: 24.
(2) الجواهر 16: 120.
119
عنوة، ويشملها حكمها، وهو كونها للمسلمين (1).
وهل تملك هذه الأراضي بالحيازة؟ ذكر
الشيخ الأنصاري وجهين لذلك:
1 - عدم حصول الملك، لأنها مال
الإمام (عليه السلام).
2 - حصول الملك، لأن كونها للإمام (عليه السلام)
لا ينافي جواز حيازتها، كما لا ينافي الإحياء في
الأرض الميتة كونها للإمام (عليه السلام) أيضا (2).
وأكد السيد الخوئي الوجه الأول، وزاد في
التعليل: بأن الحيازة إنما تكون في المباحات
الأصلية، كالطيور والأسماك والبحار ونحوها، لا فيما
كان له مالك معين، كأراضي الأنفال. نعم، يمكن أن
يشملها حكم الإحياء فيما إذا وضع الإنسان يده
عليها وعمل فيها بما يصلحها، والإحياء عنده يفيد
حق الاختصاص لا الملكية خلافا للمشهور (3).
2 - الأراضي الميتة بالأصالة:
وهي الأراضي التي لا ينتفع بها، إما لانقطاع
الماء عنها، أو لاستيلاء الماء عليها، أو لاستئجامها،
أو غير ذلك مما يمنع من الانتفاع بها.
وهذه الأراضي من الأنفال أيضا، فهي ملك
للإمام (عليه السلام)، سواء كانت في بلاد الإسلام أو بلاد
الكفر.
وفي تملك هذه الأراضي بالإحياء وعدمه
قولان:
الأول - حصول الملكية بالإحياء لو تحققت
شروطه، وهذا هو الرأي المشهور، بل ادعي عليه
الإجماع (1).
الثاني - حصول حق الاختصاص والأولوية
دون الملكية، ذهب إلى هذا الرأي كل من السيد
الخوئي (2)، والسيد الصدر (3)، ونسب إلى الشيخ
الطوسي أيضا، حيث استفيد ذلك من كلامه في
باب الجهاد، قال: " فأما الموات فإنها لا تغنم
وهي للإمام خاصة، فإن أحياها أحد من المسلمين
كان أولى بالتصرف فيها، ويكون للإمام
طسقها (4) " (5).
وكلامه في إحياء الموات موهم للملكية
والاختصاص (6).
وهل يجب على المحيي دفع الخراج في مقابل
تملكه أو استحقاقه للأرض؟ فيه تفصيل يراجع فيه



(1) اقتصادنا 2: 421.
(2) المكاسب (الحجرية): 161.
(3) مصباح الفقاهة 5: 136 - 137.
(1) المكاسب (الحجرية): 161، حيث نقل الإجماع عن
عدة من الفقهاء.
(2) مصباح الفقاهة 5: 128 - 133.
(3) اقتصادنا 2: 416 - 421.
(4) قال الجوهري: " الطسق: الوظيفة من خراج
الأرض، فارسي معرب ". الصحاح: " طسق ".
(5) المبسوط 2: 29.
(6) المبسوط 3: 278.
120
عنوان " خراج "، كما يراجع في كيفية الإحياء
وشرائطه عنوان " إحياء ".
3 - الأراضي العامرة بالعرض:
وهي الأراضي التي طرأ عليها العمران
بعد الموت، وهذه على أقسام، لأن الأرض التي
طرأ عليها العمران إما أن تكون ميتة بالأصالة
أو بالعرض، والعمران إما أن يكون طبيعيا أو
بشريا:
أ - فإن كانت الأرض ميتة بالأصالة وكان
العمران طبيعيا فتكون من الأنفال كأصلها.
ب - وأما إذا كان العمران بشريا فتكون
الأرض المحياة ملكا للمحيي على المشهور، أو يكون
له حق الاختصاص والأولوية على الرأي الآخر كما
تقدم.
ج - وأما إذا كانت الأرض التي طرأ عليها
العمران ميتة بالعرض - بمعنى أنها كانت مسبوقة
بالحياة ثم طرأ عليها الموت - فسيأتي حكمها.
ثم إن المحيي إما أن يكون مسلما أو كافرا،
والأرض قد تكون في بلاد الإسلام أو في بلاد
الكفر.
فإن كان المحيي مسلما وبقيت الأرض
عامرة، فلا يزول ملكه عنها إلا بناقل، كبيع وهبة
وإرث ونحوها، أو بالإعراض عنها. وأما إذا تركها
حتى ماتت فتدخل في القسم الرابع الذي سنتعرض
له، ولا فرق في ذلك بين أن تكون في بلاد الإسلام أو
الكفر.
وإن كان كافرا، فلو كان في بلاد الإسلام
وقلنا بعدم اشتراط الإسلام في التملك بالإحياء،
فيملك بالإحياء ولا يزول ملكه إلا بسبب ناقل
أو بالإعراض، وكذا لو كان في بلاد الكفر إلا
أنه يزول ملكه أيضا بوقوع الأرض غنيمة في يد
المسلمين.
4 - الأراضي الميتة بالعرض:
وهي الأراضي التي طرأ عليها الموت بعد أن
كانت عامرة. وهذه على قسمين:
الأول - ما كان منها مسبوقا بالعمران
الأصلي، كما إذا صارت الأرض المحياة طبيعيا ميتة،
فلا إشكال في بقائها على حكمها الأول، وهو كونها
من الأنفال على الرأي المشهور، أو من المباحات
الأصلية على رأي صاحب الجواهر، كما تقدم في
القسم الثالث.
الثاني - ما كان منها مسبوقا بالعمران
العرضي، كما إذا كانت الأرض محياة بشريا ثم طرأ
عليها الموات، وهي على قسمين أيضا:
أ - ما إذا لم يعرف لها مالك: وذلك كالأراضي
الدارسة والمتروكة التي باد أهلها ولم يبق من
أصحابها أحد.
وهذا القسم كالموات بالأصل، فهو من
الأنفال، عند المشهور، لكن يرى صاحب الجواهر:
أنه لو بقي منهم أحد ولم يكونوا معروفين فتكون
أرضهم من مجهول المالك، فيشملها حكمه، وأما إذا
لم يبق فهي للإمام (عليه السلام)، لكونه وارث من لا وارث

121
له (1)، لكن صرح الشهيد الثاني بأن الأرض إنما
تكون من مجهول المالك إذا كانت حية، وأما إذا
كانت ميتة فتدخل في ملك الإمام (عليه السلام) (2).
ب - ما إذا كان لها مالك معروف:
وفي ذلك صورتان أيضا:
الأولى - إذا كان ملك الأرض بالأسباب
المملكة غير الإحياء كالشراء والإرث والهبة
ونحوها.
والمشهور في هذه الصورة - بل ادعي عليه
الإجماع (3) -: أن الأرض تبقى في يد مالكها
ولا تخرج عن ملكه وإن أصابها الموات.
الثانية - إذا كان ملك الأرض بالإحياء،
والمعروف أنها تبقى له ولورثته ما دامت محياة،
وأما إذا صارت مواتا فهل تبقى في ملكه أيضا
أو لا؟ فيه أقوال:
الأول - أنها تبقى في ملك مالكها، ولا تنتقل
إلى ملك الآخر لو قام بإحيائها، ذهب إلى هذا القول
جماعة، منهم: الشيخ (4)، والقاضي ابن البراج (5)،
وابن إدريس (1)، وابن سعيد (2)، والعلامة في
التحرير (3)، والشهيد الأول (4)، والمحقق الثاني (5)،
وصاحب الجواهر (6).
الثاني - أنها تصير ملكا لمن أحياها ثانيا - لو
توفرت الشروط اللازمة في الإحياء - لأنها تصير
بموتها من الأنفال، وأول من اختار هذا الرأي - فيما
يبدو - هو العلامة في التذكرة (7)، وتبعه بعض
الفقهاء كالشهيد الثاني (8)، والمحقق السبزواري (9)،
والمحدث الكاشاني (10)، والمحدث البحراني (11).
الثالث - إذا كان خراب الأرض ناشئا من
امتناع المحيي الأول عن عمارتها فيزول ملكه أو
حقه - على اختلاف المبنى - عن الأرض، وإن كان
لسبب آخر فلا، إذ مجرد الخراب لا يوجب زوال
الملك أو الحق.



(1) الجواهر 38: 27.
(2) المسالك (الحجرية) 2: 288.
(3) أنظر: المسالك (الحجرية) 2: 288، والروضة البهية
7: 138 - 139، والمفاتيح 3: 23، والجواهر 38: 20
- 21.
(4) المبسوط 3: 269.
(5) المهذب 2: 28.
(1) السرائر 2: 375.
(2) الجامع للشرائع: 374.
(3) تحرير الأحكام 2: 130.
(4) الدروس 3: 56.
(5) جامع المقاصد 7: 17 - 18.
(6) الجواهر 38: 23.
(7) التذكرة (الحجرية) 2: 401.
(8) المسالك (الحجرية) 2: 288.
(9) الكفاية: 239.
(10) المفاتيح 3: 23، بناء على وجود عبارة: " وهو
الأصح " كما في بعض النسخ وإلا فيشكل نسبته إليه.
(11) الحدائق 18: 316 - 317.
122
اختار هذا الرأي المحقق الإصفهاني (1).
الرابع - إذا كان الخراب ناتجا من منع الظالم أو
الغاصب من عمرانها، أو كان ناشئا من غلبة الماء
ونحو ذلك فلا يزول حق المحيي الأول، وإلا فيزول
حقه.
وهذا رأي السيد الخوئي (2)، ولعله يرجع إلى
السابق، وعده في الجواهر قولا (3).
الخامس - إذا أعرض المالك الأول عن
الأرض فترجع إلى أصلها - أي: ملكية الإمام
(عليه السلام) -، لأنها تصبح من الأنفال، فيجوز لغير المالك
الأول إحياؤها، وفي غير ذلك تبقى على ملك مالكها
ولا يجوز لغيره أن يتصرف فيها إلا بإذنه.
وهذا رأي الإمام الخميني (4)، لكن يبدو أن
هذا ليس رأيا جديدا أيضا، لو قلنا بأن الإعراض
موجب لزوال الملك على القاعدة، فيندرج هذا
القول في القول الأول.
ثم على فرض عدم خروج الأرض عن ملك
الأول أو حقه، فهل يجوز لغيره إحياء الأرض أو
لا؟ فيه أقوال:
1 - لا يجوز الإحياء إلا بإذن المالك الأول،
ومفهومه أنه لو تصرف كان ضامنا.
نسب الشهيد الثاني (1) هذا القول إلى بعض
الفقهاء ولم يسمهم، ويظهر من الإمام الخميني (2)
اختياره، كما أنه الظاهر من كلام المحقق الإصفهاني
في صورة عدم الامتناع من عمارة الأرض (3)،
ومن كلام السيد الخوئي في صورة الخراب
القهري (4).
2 - يجوز ذلك، ويصير الثاني - بسبب
الإحياء - أحق بالأرض من الأول وإن لم يملكها،
لكن عليه أن يؤدي طسقها (5) إلى الأول.
نسب الشهيد الثاني هذا القول إلى الأكثر،
وقال: " ولم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالإحياء
وغيره من الأسباب المملكة، حيث يعرض لها
الخراب وتصير مواتا " (6).
وهذا القول يظهر من المحقق الإصفهاني في
صورة امتناع المالك من العمارة (7)، كما يظهر من
السيد الخوئي في صورة الخراب غير القهري (8).
3 - ما ذكره الشهيد الأول من التفصيل،



(1) الحاشية على المكاسب (للمحقق الإصفهاني) 1:
246.
(2) مصباح الفقاهة 5: 140 - 146.
(3) الجواهر 21: 181.
(4) البيع 3: 31 - 32.
(1) المسالك (الحجرية) 2: 288.
(2) البيع 3: 31 - 32.
(3) تقدم تخريجه.
(4) تقدم تخريجه.
(5) تقدم معنى الطسق في الصفحة 120.
(6) المسالك (الحجرية) 2: 288، وانظر الروضة البهية
7: 141.
(7) تقدم تخريجه.
(8) تقدم تخريجه.
123
قال: "... نعم، لو تعطلت الأرض وجب عليه أحد
الأمرين: إما الإذن لغيره، أو الانتفاع، فلو امتنع
فللحاكم الإذن، وللمالك طسقها على المأذون، فلو
تعذر الحاكم فالظاهر جواز الإحياء مع الامتناع من
الأمرين، وعليه طسقها " (1).
ب - تقسيم الأرض من حيث كونها أرضا
إسلامية:
قسم الفقهاء الأرض الإسلامية - أي الواقعة
في بلاد الإسلام - إلى الأقسام التالية:
1 - أرض أسلم عليها أهلها طوعا.
2 - أرض الصلح.
3 - الأرض المفتوحة عنوة.
4 - أرض الأنفال.
وفيما يلي نتكلم عن كل منها باختصار:
1 - أرض أسلم عليها أهلها طوعا:
الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء في أنه لو
أسلم الكفار طوعا فتكون أراضيهم لهم كسائر
أموالهم ما داموا قائمين بعمارتها، وليس عليهم شئ
سوى الزكاة مع تحقق شرائطها.
نعم، اختلفوا فيما إذا تركوا عمارتها، ففيه
أقوال:
1 - تبقى على ملك أربابها ولا تخرج عن
ملكهم، ذهب إليه ابن إدريس (2).
2 - تكون للمسلمين، وأمرها إلى الإمام
(عليه السلام)، يدفعها لمن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه من
النصف أو الربع أو غير ذلك.
وهذا القول ذهب إليه القاضي ابن البراج (1)،
وابن حمزة (2)، والشهيد الثاني (3)، والمحدث
الكاشاني (4).
3 - يدفعها الإمام (عليه السلام) إلى من يقوم بعمارتها
إزاء حصة معينة، ثم يدفع لصاحب الأرض
طسقها.
وهذا قول الشيخ (5)، والحلبي (6)، واختاره
العلامة (7)، والمحقق الثاني (8).
قال الأول في المبسوط: " فإن تركوا عمارتها
وتركوها خرابا جاز للإمام أن يقبلها ممن يعمرها بما
يراه من النصف أو الثلث أو الربع، وكان على المتقبل
بعد إخراج حق القبالة ومؤونة الأرض إذا بقي معه
النصاب العشر أو نصف العشر، ثم على الإمام أن
يعطي أربابها حق الرقبة ".



(1) الدروس 3: 56 - 57.
(2) السرائر 1: 477.
(1) المهذب 1: 181 - 182.
(2) الوسيلة: 132.
(3) المسالك 3: 58، وانظر الروضة 7: 141.
(4) المفاتيح 3: 22، المفتاح 863.
(5) المبسوط 1: 234 - 235، وانظر النهاية: 194.
(6) الكافي: 260.
(7) أنظر: المختلف 4: 425 - 426، والتذكرة (الحجرية)
1: 427، والمنتهى (الحجرية) 2: 935.
(8) رسائل المحقق الكركي 1: 240.
124
وقال الثاني في الكافي: " فإن تركها حتى
بارت ثلاثا أخذت منه وسلمت إلى من يعمرها
ويخرج منها الحق ".
وليس من المعلوم أن مراده من " الحق " هل
هو حق قبالة الأرض الذي يدفع إلى الإمام، أو حق
رقبة الأرض الذي يدفع إلى صاحبها الأول، أو
الزكاة؟ نعم، إذا كان المراد هو الأعم فهو يشبه كلام
الشيخ، كما أن قيد " الثلاث " لم يرد في كلام الشيخ
أيضا.
4 - إن المحيي الثاني أحق بالأرض، ولكن
لا تخرج عن ملك الأول، بل على المحيي الثاني دفع
الطسق للأول، ولم يتعرض في هذا القول لحق
القبالة.
وقد تقدم عند بحثنا في ترك الأرض المحياة
المؤدي إلى خرابها أن جعلنا هذا الرأي أحد
الأقوال الثلاثة في المسألة، ونقلنا عن الشهيد الثاني
نسبته إلى الأكثر، فلو قلنا: إن مورد مسألتنا هذه
داخل في ذلك العنوان ومصداق له - كما يظهر من
بعض الفقهاء حيث قالوا - بعد التعرض لذكر هذا
القسم -: " كل أرض ترك أهلها عمارتها كان
للإمام (عليه السلام) تقبيلها ممن يقوم بها، وعليه طسقها
لأربابها " (1) - فيمكن نسبة هذا الرأي في هذا المورد
إلى الأكثر أيضا، ويؤيده أنهم جعلوا رأي الشهيد
الأول في الدروس - الذي كان أحد الأقوال
الثلاثة - في تلك المسألة، أحد الأقوال في هذه
المسألة أيضا.
2 - أرض الصلح:
ويعبر عنها ب‍ " أرض الذمة " و " أرض
الجزية " أيضا، وهي الأرض التي صولح أهلها على
أن تكون لهم وأنهم يقرون على دينهم، ولكن عليهم
الجزية... إما على رؤوسهم أو على أرضهم، حسب
ما يراه الإمام (عليه السلام).
ومعنى جعلها على الأرض: هو أن يصالحهم
على ثلث الحاصل أو ربعه أو نصفه مثلا.
وهذه الأرض ملك لهم يتصرفون فيها بما
شاؤوا من بيع وغيره، وعليهم الجزية المقررة.
ويملكها المسلم بوجه مملك كالبيع والهبة
والإرث ونحوها. ولا ينتقل ما على الأرض من
الجزية - لو كانت عليها - إلى المسلم، لأن المسلم
لا جزية عليه، بل تكون على البائع الذمي على
المشهور، وذهب أبو الصلاح الحلبي إلى أنها تكون
بعاتق المشتري (1).
ولو أسلم صاحب الأرض سقطت الجزية
عنه، لما تقدم من أن المسلم لا جزية عليه، وكانت
أرضه له كسائر المسلمين.
ولو وقع الصلح بأن تكون الأرض للمسلمين
خاصة، ويكون للكفار السكنى خاصة، كان حكم



(1) أنظر: الشرائع 1: 323، والروضة البهية 7: 139،
والحدائق 18: 316، والجواهر 21: 176.
(1) الكافي في الفقه: 260.
125
هذه الأرض حكم المفتوحة عنوة (1).
3 - الأراضي المفتوحة عنوة (2):
وهي الأراضي المأخوذة بالجهاد المسلح،
ويطلق عليها: " الأراضي الخراجية " أيضا، وهي
على قسمين: ميتة وعامرة.
أما الميتة، فهي من الأنفال، وادعى بعضهم
الإجماع عليه (3).
وأما العامرة، فحكمها كما يلي:
1 - إنها للمسلمين قاطبة، من وجد منهم
ومن سوف يوجد إلى يوم القيامة، وليس للغانمين
منها إلا مثل ما لغيرهم من المسلمين.
2 - يظهر من بعض الفقهاء (4) أن ذلك - أي:
كونها للمسلمين - بعد إخراج الخمس منها ودفعه
لمستحقيه، وخص بعضهم إخراج الخمس بحال
الحضور دون الغيبة (5).
3 - اتفق الفقهاء على أنه لا يصح بيع شئ
من هذه الأراضي ولا هبته ولا وقفه ولا رهنه
ولا إرثه ولا غير ذلك مما هو متوقف على الملك،
نعم اختلفوا في هذه التصرفات لو كانت بتبع آثارها
من البناء والغرس ونحو ذلك على أقوال:
أ - المنع مطلقا، استفيد ذلك من كلام
الشيخ (1).
ب - الجواز، نسب ذلك إلى ابن إدريس (2)،
ويظهر من العلامة موافقته في المختلف (3)، وصرح به
الشهيد الثاني (4)، والمحقق السبزواري (5) وإن كان
يشعر كلامه بالجواز مستقلا لا بتبع الآثار. ونسبه
السيد الخوئي إلى المشهور (6).
ج - عدم جواز بيع الأرض مطلقا ولو بتبع
الآثار، نعم يجوز بيع حق الاختصاص الحاصل
للفرد بالنسبة إلى هذه الأرض، أو بيع نفس الآثار
من بناء وغرس ونحو ذلك. ويظهر من العلامة
اختيار هذا الرأي في التذكرة (7) والمنتهى (8)، كما



(1) أنظر على سبيل المثال: المبسوط 1: 235، والمنتهى 2:
935، والتذكرة 1: 427، والمسالك 3: 57 - 58،
والحدائق 18: 318، والجواهر 21: 171 - 174.
(2) بفتح العين وسكون النون: الخضوع والتذلل، ومنه قوله
تعالى: * (وعنت الوجوه للحي القيوم) * (طه: 111)،
والمراد هنا: القهر والغلبة بالسيف. أنظر: السرائر 1:
477، والجواهر 21: 157.
(3) الجواهر 21: 169.
(4) أنظر: المبسوط 2: 34، والسرائر 1: 477.
(5) حكاه المحدث البحراني عن بعضهم، أنظر الحدائق 18:
294.
(1) المبسوط 2: 34.
(2) السرائر 1: 477 - 478.
(3) المختلف 4: 429.
(4) المسالك 3: 56.
(5) كفاية الأحكام: 80.
(6) مصباح الفقاهة 5: 148، وانظر الجواهر 22: 349.
(7) التذكرة (الحجرية) 1: 427 - 428.
(8) المنتهى (الحجرية) 2: 936.
126
يظهر من الشيخ الأنصاري (1)، والسيدين الخوئي (2)
والخميني (3)، وربما حمل بعضهم - كصاحب
الجواهر (4) - كلام ابن إدريس على هذه الصورة،
وليس ببعيد، لأنه قال: " فإن قيل: نراكم تبيعون
وتشترون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة؟
قلنا: نبيع ونقف تصرفاتنا وتحجيرنا وبناءنا، فأما
نفس الأرض لا يجوز ذلك فيها " (5)، ولعله يستفاد
ذلك من كلام الشيخ أيضا، وعليه يرتفع الخلاف
بينه وبين غيره.
د - التفصيل بين زماني الحضور والغيبة،
فتجوز هذه التصرفات حال الغيبة دون حال
الحضور، إذ يجب تحصيل موافقة الإمام (عليه السلام)،
ذهب إلى هذا الرأي الشهيد الأول (6) والمحقق
الثاني (7).
ه‍ - وقال صاحب الجواهر - بعد مناقشة هذه
الأقوال -: " يقوى في النظر أن الأرض المفتوحة
عنوة يختص بها من أحياها من المسلمين، ويكون
أحق بها من غيره، وعليه خراج المسلمين، بل قد
يقوى في النظر عدم اعتبار الإذن في إحيائها زمن
الغيبة من حاكم الشرع أو حاكم الجور... " (1)، ثم
علله بحصول الإذن منهم (عليهم السلام).
ولا بد من حمل كلامه على ما إذا كانت
الأرض ميتة فعلا ومعمورة حال الفتح، فإنها لا
تخرج عن ملك المسلمين على المشهور - كما سيأتي -
لكنه اختار ملك المحيي لها كما تدل عليه عبارته،
لأن البحث ليس في الميتة بالأصالة قطعا إذ هي
من الأنفال.
و - أجمل بعض الفقهاء وأطلق المنع من
التصرف، منهم المحقق الحلي (2)، ولكن يمكن حمل
كلامهم على صورة وقوع هذه التصرفات بنحو
الاستقلال.
4 - للإمام أن يقبل الأرض - أي: يعطيها -
لمن يعمرها ويقوم بشؤونها وإدامة عمرانها، في
قبال سهم معين من حاصل الأرض، كالربع والثلث
والنصف، وله أن يأخذ الأرض من المتقبل بعد
انتهاء المدة المقررة ويقبلها لغيره.
5 - يصرف الحاصل من هذه الأرض - وهو
ما يأخذه من له الأمر في مقابل دفع الأرض،



(1) المكاسب (الحجرية): 162 - 163.
(2) مصباح الفقاهة 5: 148 - 149، وانظر منهاج الصالحين
2: 26، كتاب التجارة، الفصل الثالث، المسألة 99،
ولعله يستفاد ذلك من كلام السيد الحكيم في هذه
المسألة، أنظر منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 36،
كتاب التجارة، الفصل الثالث، المسألة 13.
(3) البيع 3: 56.
(4) الجواهر 22: 349.
(5) السرائر 1: 478.
(6) الدروس 2: 41.
(7) رسائل المحقق الكركي 1: 252.
(1) الجواهر 22: 351 - 352.
(2) شرائع الإسلام 1: 322.
127
المسمى بالخراج - في مصالح المسلمين العامة.
6 - اختلف الفقهاء في من يجب الاستئذان
منه في زمن الغيبة، للتصرف في الأرض المفتوحة
عنوة على أقوال، ذكرها كل من الشيخ الأنصاري
والسيد اليزدي، ونحن نذكرها كما ذكرها السيد:
أ - لا يجوز التصرف إلا بإذن السلطان
الجائر. نسب ذلك إلى الشهيد الأول في الدروس (1)،
واختاره المحقق الكركي في فوائد الشرائع (2) وجامع
المقاصد (3)، بل نسبه الشهيد الثاني إلى
الأصحاب (4)، ولصاحب الجواهر (5) مناقشة في هذه
النسبة، لأن الموجود في كلامهم هو عدم جواز
التصرف في الخراج والمقاسمة بدون إذن الجائر
المتسلط، وهذا لا يعني تسلطه على الأرض وتوقف
التصرف فيها على إذنه.
ب - لا بد من استئذان الجائر أولا، فإن
لم يمكن - كما إذا لم يكن، أو كان ولم يكن متسلطا،
أو لم يمكن مراجعته - فالحاكم الشرعي. نسب الشيخ
الأنصاري هذا الرأي إلى بعض الأساطين، ويقصد
به كاشف الغطاء (1).
ج - لا بد من استئذان الحاكم الشرعي أولا،
فإن لم يمكن فالحاكم الجائر. اختار هذا الرأي
الشهيد الثاني (2)، والسيد العاملي (3)، واختاره السيد
الصدر أيضا (4).
د - إن الأمر بيد الحاكم الشرعي، لكن إذا
تصرف الجائر وطالب بالخراج كان نافذا من غير
حاجة إلى استئذان الحاكم الشرعي. نسب السيد
اليزدي ذلك إلى ظاهر كثير من متأخري
المتأخرين (5). وممن يظهر منه ذلك صاحب الجواهر
في كتاب الجهاد (6).
ه‍ - يجب استئذان الحاكم الشرعي إن أمكن،
وإلا فيجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها، نعم لو لم
يمكن إلا مع استئذان الجائر كان جائزا.
ذكره السيد اليزدي ولم ينسبه إلى أحد.



(1) نسبه إليه المحقق الكركي، والشيخ الأنصاري في
المكاسب 2: 214، 215، وانظر الدروس 3: 169 -
170.
(2) فوائد الشرائع (مخطوط): الورقة 93، من مخطوطات
مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم 78299، وانظر
الجواهر 21: 164.
(3) جامع المقاصد 4: 45، وفيه: " أنه لا يجوز أخذها - أي
الخراج والمقاسمة - بغير أمر الجائر قطعا ".
(4) المسالك 3: 55، وعبارته تقرب من عبارة المحقق
الكركي.
(5) الجواهر 21: 164.
(1) المكاسب 2: 223.
(2) المسالك 3: 55.
(3) مفتاح الكرامة 4: 245.
(4) منهاج الصالحين 2: 36، كتاب التجارة، الفصل
الثالث، شروط العوضين، هامش المسألة 13.
(5) الحاشية على المكاسب (للسيد اليزدي): 47.
(6) الجواهر 21: 164.
128
و - يجوز التصرف لآحاد الشيعة من غير
توقف على استئذان أحد، لا الحاكم الشرعي
ولا الحاكم الجائر، اختاره صاحب الحدائق (1)،
ونسبه السيد اليزدي إلى الفاضل النراقي (2)، وهو
الظاهر من صاحب الجواهر في كتاب التجارة (3)،
وعلله بحصول الإذن العام.
ز - أن يكون الأمر بيد كل من الحاكم
الشرعي والجائر، فيجزي الرجوع إلى كل منهما.
احتمل السيد اليزدي نفسه هذا الرأي إلا أنه صرح
بأنه لم يقل به أحد، لكن يمكن استفادته من كلام
المحقق الكركي في رسالته الخراجية (4).
ح - لا بد من الاستئذان من الحاكم الشرعي،
وعدم الاكتفاء بالاستئذان من الحاكم الجائر وإن
توقف عليه خارجا. لكن نقل السيد اليزدي عن
الشيخ الأنصاري أنه لم يقل به أحد.
هذا ما ذكره السيد اليزدي من الأقوال،
وأما هو فقد رجح الرأي الخامس وبعده الرابع
وبعده السادس (5). وأما الشيخ الأنصاري فلم نحرز
رأيه بصورة قطعية، فإنه يحتمل أن يكون هو
الخامس أو السادس (1).
ويستفاد من كلام السيد الحكيم (2) والسيد
الخوئي (3) والإمام الخميني (4): أن الجائر لو كان
مدعيا للخلافة العامة (5)، وآخذا للخراج والمقاسمة
بهذا العنوان، وكان يصرفهما في مواردهما المقررة
شرعا وهو حفظ مصالح المسلمين (6)، فيكفي
استئذانه، واستشكل السيدان الحكيم والخوئي في
الاكتفاء باستئذان الفقيه حينئذ. وإن لم يكن مدعيا
للخلافة العامة فلا يشترط استئذانه، بل اللازم
استئذان الحاكم الشرعي.
7 - إذا ماتت الأرض المحياة بشريا عند الفتح
تبقى على أصلها ملكا للمسلمين على المشهور،



(1) الحدائق 18: 301.
(2) الحاشية على المكاسب (للسيد اليزدي): 47، وانظر
مستند الشيعة (الحجرية) 2: 357.
(3) الجواهر 22: 352.
(4) رسائل المحقق الكركي 1: 270، وانظر الخراجيات:
73 - 74.
(5) الحاشية على المكاسب (للسيد اليزدي): 46 - 47.
(1) المكاسب 2: 222، وانظر (الحجرية): 163.
(2) منهاج الصالحين 2: 36، كتاب التجارة، الفصل
الثالث (شرائط العوضين)، المسألة 13.
(3) منهاج الصالحين 2: 26، كتاب التجارة، الفصل
الثالث (شرائط العوضين)، المسألة 99.
(4) البيع 3: 77.
(5) كما في كلام السيدين الحكيم والخوئي. وللشيخ
الأنصاري - كغيره - كلام في هذا المجال، قال: " ظاهر
الأخبار ومنصرف كلمات الأصحاب الاختصاص
بالسلطان المدعي للرئاسة العامة وعماله، فلا يشمل من
تسلط على قرية أو بلدة خروجا على سلطان
الوقت... "، ثم تكلم في شمول الحكم للسلطان المؤمن
والكافر أيضا، أنظر المكاسب 2: 227.
(6) كما في كلام الإمام الخميني.
129
ولا تصير من الأنفال.
8 - اختلف الفقهاء في تعيين الأراضي
المفتوحة عنوة: فبين قائل بأنها أرض مكة والشام
وأكثر بلاد الإسلام (1)، أو العراق ومصر وإيران
وسورية وأجزاء كثيرة من العالم الإسلامي (2)، وبين
قائل باختصاصها بأرض مكة والعراق (3).
وهناك من يقول: إن غالب بلاد الإسلام
فتحت صلحا (4).
وبين هذه الأقوال أقوال متوسطة (5)، والقدر
المتيقن منها: أن العراق مفتوح عنوة، وقد ادعي
عدم الخلاف فيه إلا ما يظهر من المحقق الأردبيلي من
التشكيك في ذلك - ناسبا نفي كونها من المفتوحة
عنوة إلى الشيخ في المبسوط - لعدم توفر بعض
الشروط المعتبرة في كون الأرض مفتوحة عنوة،
مثل كون الجهاد بإذن الإمام (عليه السلام) (1).
وللفقهاء توجيهات في دفع هذه الشبهة، مثل
أن فتحها في خلافة عمر كان برضا الإمام (عليه السلام) ونحو
ذلك.
بقيت هناك مسائل أخرى ترتبط بالموضوع،
من قبيل شرائط، ومقدار ما يؤخذ بعنوان الخراج
والمقاسمة، وموارد مصرفهما وأمور أخرى تركنا
البحث فيها إلى عنوان " خراج " فراجع.
4 - أراضي الأنفال:
وهذه الأراضي ملك للإمام (عليه السلام) ولكن لا
بمعنى أن تكون ملكا لشخصه، بل بمعنى أنها ملك
لمنصب الإمامة، وبتعبير آخر تكون ملكا للدولة،
وسوف نستوفي البحث في الأنفال بصورة عامة،
وعن أراضي الأنفال بصورة خاصة في عنوان
" أنفال "، وإنما نشير - هنا - إلى أراضي الأنفال
بصورة إجمالية.
عد الفقهاء أراضي الأنفال كما يلي:
1 - كل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب، أي ملكها المسلمون من غير قتال، سواء
انجلى عنها أهلها وتركوها للمسلمين أو سلموها
طوعا مع بقائهم فيها.
2 - كل أرض ميتة بالأصالة سواء كانت في
الأراضي المفتوحة عنوة أو غيرها، في بلاد الإسلام
أو الكفر.



(1) هو قول المحدث الكاشاني في المفاتيح 3: 21، المفتاح
863.
(2) وهو قول الشهيد الصدر في اقتصادنا 2: 401.
(3) أما مكة، ففي الجواهر (21: 166): " أنه المعروف بين
الأصحاب "، وأما العراق، ففي المكاسب (2: 240):
" أنه المعروف بين الإمامية بلا خلاف ظاهر ". وانظر
الحدائق 18: 310.
(4) الجواهر 21: 167.
(5) أنظر المنتهى (الحجرية) 2: 937، والتذكرة (الحجرية)
1: 528، والخراجيات (مجموعة رسائل في الخراج)،
رسالة المحقق الكركي: 61، ورسالة الفاضل القطيفي:
77، ورسالة المحقق الأردبيلي: 18، وغيرها.
(1) مجمع الفائدة والبرهان 7: 473.
130
3 - كل أرض باد أهلها وانمحوا، سواء بزلزال
أو ببلاء، كمرض ونحوه.
4 - رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام
سواء كانت في الأراضي الموات بالأصالة أو غيرها
على المشهور - وخصها ابن إدريس بما إذا لم تكن في
ملك مسلم، بل كانت مستأجمة قبل الفتح (1) - ومن
ذلك سيف البحار.
5 - كل أرض غنمها المسلمون بقتال غير
مأذون من قبل الإمام (عليه السلام) (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - المطهرات، مطهرية الأرض، مطهرية
الشمس للأرض.
ب - كيفية تطهير المتنجسات، تطهير
الأرض.
ج - التيمم، ما يتيمم به.
2 - كتاب الصلاة: السجود، ما يصح
السجود عليه.
3 - كتاب الخمس: ثبوت الخمس في الأرض
التي اشتراها الذمي من المسلم.
4 - كتاب البيع: ما يدخل ضمن المبيع.
5 - كتاب العارية:
أ - إعارة الأرض للدفن.
ب - إعارة الأرض للزراعة والبناء...
6 - كتاب الإجارة: إجارة الأرض.
7 - كتاب الجهاد: قسمة الغنائم، الأرض
وبالمناسبة أقسام الأرض.
8 - كتاب المكاسب والبيع:
أ - بيع وشراء الأراضي الخراجية.
ب - شرائط العوضين، أن يكون المبيع
ملكا طلقا، وبالمناسبة البحث عن الأراضي
الخراجية وعن سائر أقسام الأرضين.
ج - إحياء الموات، ما يقبل الإحياء
وبالمناسبة أقسام الأرضين.
9 - هذا وتطرق الشيخ وتبعه ابن إدريس
لأقسام الأرض في كتاب الزكاة.
أرنب
لغة:
وهو الحيوان المعروف، يطلق على الذكر
والأنثى، وقيل: اسم للمؤنث، واسم الذكر: خزر،
والجمع: أرانب (1).



(1) السرائر 1: 497.
(2) أنظر على سبيل المثال: المصدر السابق، والحدائق 12:
474، والجواهر 16: 116، وحاشية السيد اليزدي:
50.
(1) أنظر: لسان العرب: " رنب ".
131
اصطلاحا:
المراد به هو الحيوان المعروف - مطلقا - ذكرا
كان أو أنثى.
الأحكام:
للأرنب أحكام عديدة متفرقة في مواطن
كثيرة، نشير إليها فيما يلي:
حكمه من حيث الطهارة:
اختلف الفقهاء في طهارة الأرنب ونجاسته
على قولين:
الأول - القول بالنجاسة:
وهو يظهر من بعض المتقدمين من فقهائنا،
كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والحلبي،
والقاضي، وابن حمزة، وابن زهرة.
قال الشيخ المفيد - في لباس المصلي -:
" ولا يجوز في جلود سائر الأنجاس من الدواب:
كالكلب، والخنزير، والثعلب، والأرنب، وما أشبه
ذلك، ولا تطهر بدباغ، ولا تقع عليها ذكاة " (1).
وقال الشيخ الطوسي في النهاية: " وإذا
أصاب ثوب الإنسان كلب، أو خنزير، أو ثعلب،
أو أرنب، أو فأرة، أو وزغة، وكان رطبا، وجب
غسل الموضع الذي أصابه " (2). وقال مثله في
المبسوط في باب أحكام النجاسات (1).
لكن يظهر منه في بيع المبسوط القول
بالطهارة، لأنه قسم غير الآدمي من الحيوان إلى
نجس العين وطاهر العين، ومثل للأول بالكلب
والخنزير والفأرة وجميع المسوخ، ثم قسم طاهر
العين إلى ما ينتفع به، وما لا ينتفع به، وقسم ما ينتفع
به إلى مأكول اللحم وغير مأكول، ثم مثل لغير
المأكول وقال: " ما لا يؤكل لحمه، مثل: الفهد،
والنمر، والفيل، وجوارح الطير - مثل: البزاة،
والصقور، والشواهين، والعقبان - والأرانب،
والثعالب، وما أشبه ذلك، وقد ذكرناه في النهاية،
فهذا كله يجوز بيعه " (2).
ويستفاد من كلامه هذا: أن الأرنب
والفيل ليسا من المسوخ، لكنه قال في الخلاف:
" لا يجوز بيع شئ من المسوخ مثل: القرد،
والخنزير، والدب، والثعلب، والأرنب، والذئب،
والفيل... " (3)، واستدل قبله على عدم جواز بيع
القرد بأنه من المسوخ، والمسخ نجس، والنجس
لا يجوز بيعه (4).
وقال أبو الصلاح الحلبي في كيفية تنجيس
المتنجسات: " والثاني: أن يماس الماء وغيره حيوان
نجس، كالكلب، والخنزير، والثعلب، والأرنب،



(1) المقنعة: 150.
(2) النهاية: 52.
(1) المبسوط 1: 37.
(2) المبسوط 2: 165 - 166.
(3) الخلاف 3: 183 - 184، المسألة 306 و 308.
(4) الخلاف 3: 183 - 184، المسألة 306 و 308.
132
والكافر " (1).
وجعل القاضي ولوغ الأرنب منجسا لما وقع
فيه (2).
وعد سلار لعاب المسوخ مما يجب إزالته،
- كثيرا كان أو قليلا - كالبول والخمر... (3).
وعد ابن حمزة الأرنب مما يجب الغسل بمسه
مع الرطوبة في جملة تسعة أشياء (4).
وذكره ابن زهرة في جملة الأعيان
النجسة (5).
الثاني - القول بالطهارة:
وهو الرأي المشهور والسائد بين الفقهاء
المتأخرين عمن تقدم، مثل ابن إدريس (6)،
والمحقق (7)، والعلامة (8)، ومن تأخر عنهم، بل كاد أن
يكون مجمعا عليه عندهم (9)، بل هو الذي استقر
عليه المذهب من زمن الحلي - ابن إدريس - إلى
يومنا، كما قال صاحب الجواهر (1).
حكم سؤره:
اختلفوا في سؤر الأرنب على قولين أيضا،
والمشهور طهارته، فإن السؤر يتبع ذا السؤر في
النجاسة والطهارة، إلا أنه يظهر من الشيخ الطوسي
القول بطهارة سؤره مع قوله بنجاسته، قال في
المبسوط: " وسؤر غير الآدمي على ضربين:
أحدهما سؤر الطيور، والآخر سؤر البهائم والسباع
- إلى أن قال -: فأما غير الطيور، فكل ما كان منه
في البر، فلا بأس بسؤره إلا الكلب والخنزير، وما
عداهما فمرخص فيه " (2).
هذا ولكن الترخيص أعم من الحكم بالطهارة.
راجع: أسئار.
ما ينزح من البئر بوقوعه فيها:
اختار جماعة من الفقهاء (3) نزح أربعين دلوا
بوقوع الأرنب والثعلب وشبههما في البئر وموتهما
فيها - وجوبا عند القدماء، واستحبابا عند غيرهم -
لكن اكتفى صاحب المدارك بنزح دلاء (4).



(1) الكافي في الفقه: 131.
(2) المهذب 1: 51.
(3) المراسم: 55.
(4) الوسيلة: 77.
(5) الغنية: 44.
(6) السرائر 1: 85 (في بحث الأسئار).
(7) أنظر: المعتبر (الحجرية): 148 (في لباس المصلي)،
والشرائع 1: 16 (في بحث الأسئار).
(8) أنظر: المنتهى 1: 148 (في بحث الأسئار)، والتذكرة 1:
43 (في بحث الأسئار).
(9) أنظر: الجواهر 6: 81، والمستمسك 1: 441.
(1) الجواهر 5: 371.
(2) المبسوط 1: 10.
(3) أنظر: مفتاح الكرامة 1: 111، والجواهر 1: 233 -
234.
(4) مدارك الأحكام 1: 80.
133
راجع: بئر.
حرمة لحمه:
يحرم أكل لحم الأرنب عند الفقهاء كافة، وقد
ادعى الإجماع عليه جماعة، منهم: السيد المرتضى،
والشيخ الطوسي، وصاحب الجواهر.
قال الأول: " ومما انفردت به الإمامية:
تحريم أكل الثعلب، والأرنب، والضب "، ثم قال:
" والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه، الإجماع
المتردد " (1).
وقال الثاني: " الأرنب حرام عندنا " (2).
وقال الثالث: " لا خلاف - بل الإجماع
بقسميه عليه - في أنه يحرم الأرنب والضب... " (3).
قابليته للتذكية:
اختلف الفقهاء في قابلية الأرنب للتذكية
وعدمها على قولين:
الأول - أنه غير قابل للتذكية:
ذهب بعض الفقهاء إلى عدم قابلية الأرنب
للتذكية، ولكن يختلف منشأ حكمهم هذا، فقد يكون
أحد أمور ثلاثة:
1 - إذ ربما يكون المنشأ هو الحكم بنجاسة
الأرنب وعده كالكلب والخنزير.
وهذا يظهر من الشيخين: المفيد في المقنعة،
والطوسي في موضع من الخلاف، أما الأول فقد
تقدمت عبارته عند الكلام حول طهارة الأرنب،
وأما الثاني، فإنه قال - بعد ذكر ما يجوز استعمال
جلده بعد التذكية -: " فأما ما عدا ذلك من الكلب
والأرنب والذئب والخنزير والثعلب فلا يجوز
استعماله على حال " (1).
ويمكن أن نلحق بهما كل من قال بنجاسة
الأرنب، وإن لم يصرح بعدم قابليته للتذكية.
2 - وربما يكون السبب هو كونه مما لا يؤكل
لحمه، إذا كان المبنى عدم قابلية غير مأكول اللحم
للتذكية مطلقا، وقد التزم بهذا المبنى الشهيد الثاني
في المسالك، وربما يظهر من المحقق في المعتبر أيضا،
إلا أنهما التزما - أيضا - بعدم قابلية المسوخ للتذكية
- كما سيأتي - وهو منشأ ثالث.
3 - وقد يكون السبب هو كونه من المسوخ،
بناء على عدم قابليتها للتذكية، إما لكونها نجسة، أو
لأنها في حد ذاتها غير قابلة للتذكية.
ويرى الشهيد الأول: أن أكثر القائلين بعدم
وقوع الذكاة على المسوخ عللوه بنجاستها (2).
ومهما يكن، فمن القائلين بعدم قابلية
المسوخ للتذكية - من جهة كونها مسوخا - هم:



(1) الانتصار: 186.
(2) المبسوط 6: 280.
(3) الجواهر 36: 296.
(1) الخلاف 1: 63 - 64.
(2) نقله عنه الشهيد الثاني في الروضة البهية 7: 237.
134
المحقق في الشرائع (1) والمعتبر (2)، والشهيد الثاني
في المسالك (3)، والإمام الخميني (4)، ولم يصرح
هؤلاء بكون الأرنب من المسوخ أو لا، نعم، ذكر
الأولان بعض الروايات الذاكرة للمسوخ، ومنها
الأرنب.
وما قاله المحقق هنا قد يخالف ما سيأتي منه
من القول بجواز الصلاة في وبر الأرنب وجلده، وهو
مشعر بكونه قابلا للتذكية.
الثاني - أنه قابل للتذكية:
نسب ذلك إلى السيد المرتضى (5)، ويظهر
من الشيخ - في المبسوط (6) والنهاية (7) - والقاضي
ابن البراج (8)، وابن إدريس (9)، ويحيى بن
سعيد (10)، حيث استثنى هؤلاء الكلب والخنزير فقط
مما يجوز استعمال جلده في غير الصلاة إذا ذكي
ودبغ.
واختاره كل من العلامة (1)، وولده
فخر المحققين (2)، والشهيد الأول (3)، والفاضل
الإصفهاني (4)، والمحدث الكاشاني (5)، والسيد
العاملي (6)، وصاحب الجواهر (7)، والسيد الحكيم (8)،
والسيد الخوئي (9).
ومن الذين يظهر منهم اختيار ذلك: الشهيد
الثاني في الروضة (10).
حكم لبس وبره وجلده:
يقع الكلام في لبس جلد الأرنب ووبره في
مقامين:



(1) شرائع الإسلام 3: 210.
(2) المعتبر: 148.
(3) المسالك (الحجرية) 2: 231.
(4) تحرير الوسيلة 2: 138، كتاب الصيد والذباحة، القول
في الذباحة، المسألة 23.
(5) أنظر شرائع الإسلام 3: 210.
(6) المبسوط 1: 82.
(7) النهاية: 586 - 587.
(8) المهذب 1: 30 - 31.
(9) السرائر 3: 113 - 114.
(10) الجامع للشرائع: 66.
(1) المختلف (الحجرية): 684 - 685، والقواعد 2:
154.
(2) إيضاح الفوائد 4: 129 - 131.
(3) أنظر: الدروس 2: 410، والذكرى: 143، واللمعة
(ضمن الروضة البهية) 7: 231.
(4) كشف اللثام 2: 257.
(5) مفاتيح الشرائع 1: 69.
(6) مفتاح الكرامة 4: 45.
(7) أنظر الجواهر 22: 35، و 36: 198.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 363، كتاب
الصيد والذباحة، فصل الذباحة، المسألة 35، ويظهر من
السيد الصدر موافقته له، لأنه لم يعلق عليه.
(9) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 341، المسألة
1669.
(10) الروضة البهية 7: 237.
135
الأول - لبسهما في غير الصلاة:
أما بناء على القول بطهارة الأرنب وقابليته
للتذكية فيترتب عليه طهارة جلده ووبره، فيجوز
لبسهما في غير الصلاة، فكل من يقول بقابليته
للتذكية يقول بذلك، بل قال صاحب مفتاح
الكرامة: "... كيف وقد أطبقوا على جواز استعمال
جلود الأرانب والثعالب، حتى قيل بالجواز في
الصلاة، وإنما اختلفوا في احتياجه إلى الدبغ،
والأصحاب فيه على قولين، منقول على كل منهما
الشهرة " (1)، وقال صاحب الجواهر: "... كما أنه
لا شك في جواز الانتفاع بعظم الفيل منها - أي:
المسوخ - المسمى بالعاج، وجلود الثعالب والأرانب
مع التذكية، بشرط الدباغ أو مطلقا " (2).
وأما بناء على نجاسته وعدم قابليته للتذكية
فيبتني جواز الاستفادة من جلده ووبره على جواز
الانتفاع بالنجس، والمعروف بين القدماء هو القول
بعدم الجواز، بينما اختار جماعة من المتأخرين الجواز
فيما لا يشترط فيه الطهارة (3).
الثاني - لبسهما في الصلاة:
المشهور (4) عدم جواز الصلاة في وبر الأرنب
وجلده - بعد القول بطهارته وقابليته للتذكية -،
لكن يظهر من بعض الفقهاء رغبتهم في الفتوى
بالجواز. منهم: المحقق الحلي، وصاحب المدارك،
أما الأول فقال: " وفي الثعالب والأرانب
روايتان، أشهرهما المنع "، ومقصوده من الروايتين
طائفتان منها، ثم ذكر المانعة، ثم قال: " واعلم أن
المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا
السنجاب، ووبر الخز، والعمل به احتياط في
الدين ". ثم ذكر روايتين دالتين على الجواز، ثم قال:
" وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطريق،
ولو عمل بهما عامل جاز، وعلى الأول عمل
الظاهرين من الأصحاب، منضما إلى الاحتياط
للعبادة " (1).
وقال صاحب المدارك بعد نقل ذلك كله:
" والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة أخبار
الجواز واستفاضتها، واشتهار القول بالمنع، بل
إجماعهم عليه - بحسب الظاهر - وإن كان ما ذكره في
المعتبر لا يخلو من قرب " (2).
ويظهر ذلك أيضا من المحقق الأردبيلي - وهو
أستاذ صاحب المدارك - حيث قال بعد ذكر
الطائفتين من الروايات: " واعلم أن المصنف (3)
رجح عدم الجواز في الثعالب والأرانب، بالشهرة،



(1) مفتاح الكرامة 4: 45.
(2) الجواهر 22: 35.
(3) أنظر: المكاسب 1: 97 - 107، والمستمسك 1: 340 -
343، والتنقيح 1: 560 - 561 وغيرها.
(4) ادعى الشهرة كثير من الفقهاء: تجدهم في مفتاح
الكرامة 2: 142، وانظر الرياض 3: 172.
(1) المعتبر (الحجرية): 150.
(2) المدارك 3: 173.
(3) ويقصد به العلامة الحلي في إرشاد الأذهان.
136
وكثرة الأخبار، والاحتياط، وهو غير ظاهر. نعم،
لا بأس بالاحتياط مع الإمكان " (1).
واستضعف المحدث الكاشاني روايات المنع
عن الصلاة في جلد مطلق ما لا يؤكل لحمه، بعضها
من حيث السند وبعضها من حيث الدلالة (2).
راجع: لباس، لباس المصلي.
كفارة قتله حال الإحرام:
ادعى عدد من الفقهاء (3) عدم الخلاف في أن
كفارة قتل الأرنب حال الإحرام هي شاة، لكنهم
اختلفوا في حكمها مع عدم التمكن على أقوال:
1 - فقيل: يجب عليه تقويم الشاة وفض ثمنها
على الفقراء، ولكل منهم نصف صاع، فإن عجز
صام عن كل نصف صاع يوما، فإن عجز صام ثلاثة
أيام، وإذا زادت قيمة الشاة على إطعام العشرة
لا يجب ما زاد، وإذا نقصت لا يجب التدارك. وممن
ذهب إلى هذا الرأي الشيخ الطوسي (4)، والحلبي (5)،
وابن إدريس (6)، ويحيى بن سعيد (7)، وصاحب
المدارك (1)، والسيد الطباطبائي (2)، وصاحب
الجواهر (3).
2 - وقيل: يجب عليه إطعام عشرة مساكين،
فإن لم يتمكن فصيام ثلاثة أيام، كما هو مقتضى
قاعدة البدلية عن الشاة إذا لم يرد نص على البدل.
وممن اختار هذا الرأي كل من الشيخ المفيد (4)،
والسيد المرتضى (5)، والشهيد الثاني (6).
3 - وقيل: ليس عليه شئ، بل يستغفر الله.
نسبه الشهيد الثاني في المسالك إلى جماعة، وذهب
إليه الفاضل الإصفهاني (7)، وصاحب الحدائق (8)،
نعم قال الأخير: الأول أحوط، أي: ما اختاره
الشهيد.
4 - وسكت جماعة عن حكم البدل، كما نقل
ذلك عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن بابويه (9)،
وحمل صاحب الحدائق كلامهم على ما ذهب إليه من



(1) مجمع الفائدة والبرهان 2: 100.
(2) مفاتيح الشرائع 1: 109.
(3) أنظر: المدارك 8: 329، والحدائق 15: 198،
والجواهر 20: 209.
(4) المبسوط 1: 340.
(5) الكافي في الفقه: 205.
(6) السرائر 1: 557.
(7) الجامع للشرائع: 189.
(1) المدارك 8: 329.
(2) الرياض 7: 266 - 267.
(3) الجواهر 20: 209 - 210.
(4) المقنعة: 435.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى - 3):
71، ونسب إليه القول الأول، وهو سهو.
(6) المسالك 2: 418 - 419.
(7) كشف اللثام 1: 393.
(8) الحدائق 15: 200 - 201.
(9) أنظر: المختلف 4: 99، والمدارك 8: 329، مع
اختلاف في كيفية النقل.
137
وجوب الاستغفار.
ثم إن القائلين بثبوت البدل اختلفوا - في أنه
على الترتيب أو التخيير - على قولين.
راجع: كفارة.
ثبوت الضمان في قتله أو جرحه:
قالوا: إن أتلف المتلف ما لا يؤكل من
الحيوان، وكان مما يصح ذكاته، ففيه صورتان:
الأولى - أن يتلفه بالتذكية، فحينئذ يستحق
المالك الأرش، وهو تفاوت قيمة الحيوان بين كونه
حيا ومذبوحا، وهل يتعين على المالك أخذ الأرش،
أو يتخير بينه وبين دفع الحيوان وأخذ قيمته؟ فيه
قولان.
الثانية - أن يتلفه لا بالتذكية، فحينئذ يضمن
قيمته، لكن بعد استثناء ما ينتفع به حتى مع عدم
تذكية الحيوان، مثل عظم الفيل ونحوه، بلا خلاف
ولا إشكال كما قال في الجواهر (1).
وإنما الإشكال في كون المسوخ قابلة للتذكية
أو لا، وقد تقدم الكلام حول ذلك.
لكن عدم قابليتها للتذكية لا يخرجها عن
المالية - يعني: شيئا قابلا للتمول - إلا إذا عدت مما
لم يجعل له الشارع مالية أصلا - كالخنزير وبعض
أفراد الكلب - وهو خلاف المشهور.
هذا في الجناية على نفسه، وأما في الجناية على
أطرافه، فيكون الضمان بالنسبة.
حكم المعاوضة عليه:
اختلف الفقهاء في حكم المعاوضة على
الأرنب، لكن عباراتهم عامة تحوم حول المسوخ
والسباع غالبا، ويزيد الإشكال تفرقة بعضهم بينهما
في الحكم في حين أنه لم ينقح أن الأرنب من المسوخ
أو من السباع التي لم تكن من المسوخ، لكن الذي
يهون الخطب اشتراكهما في الحكم عند أكثر الفقهاء
وخاصة المتأخرين.
وعلى أي حال، فيمكن تقسيم آراء الفقهاء
إلى طائفتين:
الطائفة الأولى - الذين صرحوا بتحريم
التجارة بالمسوخ والسباع، أو يظهر منهم ذلك،
وهؤلاء هم:
ابن أبي عقيل، وابن الجنيد - حسبما نقل عنهما
العلامة في المختلف (1) - والشيخ المفيد (2)، والشيخ
الطوسي في النهاية (3) والخلاف (4)، وسلار (5)،



(1) أنظر: الجواهر 43: 392، وكشف اللثام 2: 523.
(1) المختلف 5: 10، لكن لا يدل كلام ابن الجنيد على
التحريم صريحا، بل يدل على التنزه عن ثمنه في المطعم
والمشرب.
(2) المقنعة: 589.
(3) النهاية: 364.
(4) الخلاف 3: 184، المسألة 308.
(5) المراسم: 170.
138
والمحقق الحلي في خصوص المسوخ (1)، والعلامة في
المنتهى (2).
الطائفة الثانية - الذين صرحوا بالجواز أو
يظهر منهم ذلك، وأهم هؤلاء:
الشيخ الطوسي في المبسوط (3)، وابن
إدريس (4)، والمحقق الحلي - في خصوص السباع (5) -
والعلامة في المختلف (6)، وولده في الإيضاح (7)،
والمحقق الثاني (8)، والمحقق الأردبيلي (9)، والمحدث
البحراني (10)، والسيد الطباطبائي (11)، والسيد
العاملي (12)، وصاحب الجواهر (13)، والشيخ
الأنصاري (14)، والسيد الحكيم (15)، والسيد
الخوئي (1)، والإمام الخميني (2).
وعلق الشهيدان (3) جواز بيع المسوخ على
قبولها للتذكية.
والذي يبدو من مجموع كلمات الفقهاء: أن
السبب المانع من جواز المعاوضة بالحيوان - مهما
كان - هو عدم وجود المنفعة المحللة المقصودة فيه،
ولذلك قال المتقدمون بعدم جواز المعاوضة
بالمسوخ، لالتزامهم بنجاستها، ومن ثم قالوا بعدم
قابليتها للتذكية، وإذا لم تكن قابلة للتذكية لم تكن
فيها منفعة محللة مقصودة.
وأما غيرهم فلما التزموا بطهارة المسوخ
والسباع - عدا الكلب والخنزير - وقالوا بقابليتها
للتذكية، قالوا بجواز المعاوضة عليها.
وقد صرح بهذه النكتة بعض من تقدم من
الفقهاء، والفاضل المقداد في التنقيح (4). وعلقوا
جواز المعاوضة على وجود منفعة محللة مقصودة في
المبيع.
ولما كان المشهور طهارة الأرنب وقابليته
للتذكية، فتكون المعاوضة عليه جائزة على
المشهور.



(1) الشرائع 2: 10.
(2) المنتهى (الحجرية) 2: 1016.
(3) المبسوط 2: 166.
(4) السرائر 2: 220 - 222.
(5) الشرائع 2: 10.
(6) المختلف 5: 10.
(7) إيضاح الفوائد 1: 403 - 404.
(8) جامع المقاصد 4: 20.
(9) مجمع الفائدة 8: 53.
(10) الحدائق 18: 94 - 95.
(11) الرياض (الحجرية) 1: 500 - 501.
(12) مفتاح الكرامة 4: 45.
(13) الجواهر 22: 35.
(14) المكاسب 1: 43 - 44، 155 - 161.
(15) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 8، كتاب
التجارة، المسألة 11.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 5، كتاب
التجارة، المسألة 11.
(2) تحرير الوسيلة 1: 426، كتاب المكاسب، المسألة 7.
(3) أنظر: الدروس 3: 167، والمسالك 3: 124.
(4) التنقيح 2: 9 - 10.
139
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - الأعيان النجسة.
ب - الأسئار.
ج - حكم الجلود (في كتب القدماء).
د - منزوحات البئر.
2 - كتاب الصلاة: لباس المصلي، ما يصلى
فيه.
3 - كتاب الحج: كفارات الإحرام،
الصيد.
4 - كتاب المكاسب: المكاسب المحرمة
(ما يحرم التكسب به).
5 - كتاب الصيد والذباحة: التذكية،
(ما يقبل التذكية).
6 - كتاب الأطعمة والأشربة: ما يحرم أكله
من الحيوانات.
7 - كتاب الديات: الجناية على الحيوانات.
إزالة
لغة:
بمعنى الإذهاب، من الزوال بمعنى الذهاب
والاضمحلال (1).
اصطلاحا:
ليس فيها اصطلاح جديد، وإنما يتضح المراد
منها مع ما تضاف إليه، مثل إزالة النجاسة، وإزالة
الرق، ونحو ذلك، لكن إذا أطلقت وحدها - في كتابي
الطهارة والصلاة - ربما تنصرف إلى خصوص إزالة
النجاسة.
الأحكام:
نقتصر - هنا - على البحث في بيان أحكام
إزالة النجاسة، وأما غيرها مما تضاف إليه " الإزالة "
فسوف نتعرض له في مظانه، فنقول:
إن إزالة النجاسة قد تكون واجبة، وقد
تكون مندوبة.
أولا - موارد وجوب الإزالة:
تجب إزالة النجاسة في الموارد التالية:
الأول - الإزالة عن الثوب والبدن:
تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في
المواطن الآتية:
1 - للدخول في الصلاة:
لا فرق في وجوب الإزالة عن الثوب
للدخول في الصلاة بين الساتر وغيره، عدا ما
يستثنى مما لا تتم الصلاة فيه، كما لا فرق في الصلاة
بين الواجبة والمندوبة، بل تجب الإزالة حتى في توابع
الصلاة، مثل صلاة الاحتياط، وقضاء التشهد
والسجدة المنسيين.



(1) لسان العرب: " زول ".
140
وقد ادعى عدد من الفقهاء (1) الإجماع على
ذلك.
ولا فرق في النجاسة بين قليلها وكثيرها إلا
الدم، فإنه عفي عما دون الدرهم منه.
والمنقول عن ابن الجنيد: استثناء ما دون
الدرهم في جميع النجاسات (2)، وهو مخالف
للإجماع (3).
راجع عناوين: لباس، لباس المصلي، دم.
2 - للدخول في الطواف:
المشهور (4) وجوب إزالة النجاسة عن الثوب
والبدن في الطواف الواجب والمندوب، إلا أن
المعروف عن ابن الجنيد (5) وابن حمزة (6) أنهما كرها
الطواف في الثوب النجس، ورجح صاحب
المدارك (7) قولهما، لكن قال: الأولى اجتناب ما لم
يعف عنه في الصلاة.
راجع: طواف.
3 - للدخول في المساجد:
تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن
للدخول في المسجد، على المشهور إجمالا.
وهل يشترط في وجوب الإزالة أن تكون
النجاسة متعدية ويستلزم من إدخالها التلويث، أو
لا يشترط، فيحرم الإدخال وتجب الإزالة مطلقا
وإن لم يلزم التلويث؟ فيه قولان.
وبناء على لزوم الإزالة في صورة عدم
التلويث، فهل تجب مطلقا أو إذا استلزم عدم الإزالة
الهتك؟ فيه قولان أيضا (1).
راجع: مسجد.
4 - للشروع في الطهارات الثلاث:
اختلف الفقهاء في وجوب إزالة النجاسة
عن جميع البدن في الغسل، وعن مواضع
الوضوء والتيمم فيهما، ولهم في ذلك تفصيلات
وأقوال عديدة لا يسعنا التعرض لها فعلا،
وسوف نتعرض لها في مواطنها إن شاء الله
تعالى (2).
راجع: تيمم، غسل، وضوء.
الثاني - الإزالة عن محل السجود:
ومما تجب إزالة النجاسة عنه، محل سجود



(1) أنظر: المعتبر: 120، والتذكرة 1: 71، والحدائق 5:
290، والرياض 2: 371 - 372، والجواهر 6: 89،
والمستمسك 1: 488، وغيرها.
(2) أنظر: المعتبر: 118، والتذكرة 1: 71.
(3) الجواهر 6: 89.
(4) أنظر: الحدائق 16: 86 - 87، والجواهر 19:
271.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف 4: 198.
(6) الوسيلة: 173.
(7) المدارك 8: 117، وانظر 2: 304.
(1) أنظر: الجواهر 6: 93 - 96، والمستمسك 1: 494 -
495، والتنقيح 2: 278 - 282.
(2) أنظر: الجواهر 3: 101، والمستمسك 4: 419 -
420، و 2: 423 - 424، والتنقيح 4: 354.
141
الجبهة، وقد ادعي عليه الإجماع مستفيضا (1)، وأما
مواضع سائر المساجد، فالمشهور عدم وجوب
طهارتها، لكن المنقول عن السيد المرتضى (2) اعتبار
طهارة ما يلاقيه البدن، واشترط الحلبي (3) طهارة
مساقط الأعضاء السبعة.
راجع: سجود.
الثالث - الإزالة عن المساجد:
لا إشكال في وجوب إزالة النجاسة عن
المساجد، وقد نقل عليه الإجماع مستفيضا (4).
نعم، وقع الكلام في أمور:
الأول - هل الوجوب فوري، أو لا؟
المعروف بين من تعرض للمسألة أن
الوجوب فوري، ونسبه صاحب المدارك إلى
قطع الأصحاب، فقال: " وقد قطع الأصحاب
بوجوب إزالة النجاسة عن المساجد على الفور
كفاية " (5).
الثاني - هل الوجوب كفائي، أو لا؟
الظاهر من عبارات الفقهاء: أن الوجوب
كفائي - كما هو صريح العبارة السابقة -، لحصول
الغرض بفعل كل من خوطب بالإزالة، إلا أن
الشهيد الأول قال في الذكرى: " لو كان في المساجد
نجاسة ملوثة وجب إخراجها كفاية، ولو أدخلها
مكلف تعين عليه الإخراج " (1).
فيظهر من العبارة أن إزالة النجاسة تكون
واجبا عينيا على من أدخلها، فلو لم يزلها - لعصيان
ونحوه - وجب على غيره الإزالة كفاية.
لكن استظهر صاحب المدارك من كلام
الشهيد: أنه لم يخاطب غير من أدخل النجاسة
بإزالتها، وقال بعد نقل عبارته: " وهو محتمل " (2).
الثالث - حكم التزاحم بين وجوب إزالة
النجاسة ووجوب الصلاة:
تقع المزاحمة بين وجوب الصلاة ووجوب
الإزالة بناء على فوريته، وهنا حالتان:
الأولى - أن يكون الوقت مضيقا:
فإذا كان وقت الصلاة مضيقا، فلا إشكال في
تقديمها على الإزالة، لأن الصلاة أهم من الإزالة،
والأهمية من المرجحات في باب التزاحم.
الثانية - أن يكون الوقت موسعا:
وإذا كان وقت الصلاة موسعا، فلا بد من
تقديم الإزالة على الصلاة، لأن الإزالة تكون
فورية، والصلاة غير فورية، والفوري مقدم على
غيره عند التزاحم.
والظاهر أنه لا كلام في هذا المقدار، وإنما وقع



(1) أنظر: المستمسك 1: 490.
(2) أنظر المصدر نفسه.
(3) الكافي في الفقه: 140.
(4) أنظر المستمسك 1: 493.
(5) المدارك 2: 306، وانظر الجواهر 6: 97.
(1) الذكرى: 157.
(2) المدارك 2: 306.
142
الكلام عند الفقهاء في أنه لو عصى المكلف - في هذه
الصورة - ولم يقدم الإزالة، بل قدم الصلاة مع أنها
ليست فورية، لعدم ضيق وقتها، فهل تكون صلاته
صحيحة أو لا؟
وهذه المسألة طويلة الذيل حتى جعلها
الأصوليون إحدى ثمرات مسألة " الضد "، ونحن
نكتفي - هنا - بالإشارة الإجمالية إلى أصل الموضوع
ونحيل البحث التفصيلي على مظانه، فنقول:
1 - إذا التزمنا في مسألة " الضد " بأن الأمر
بالشئ يقتضي النهي عن ضده الخاص (1)، والتزمنا
بأن النهي عن العبادة موجب لفسادها، فلا مناص
من الالتزام ببطلان الصلاة في هذه الصورة (2).
2 - وإذا لم نلتزم المسألتين معا - سواء التزمنا
إحداهما، أو لا - فالصلاة تقع صحيحة، لأن مع عدم
النهي عن الصلاة، أو عدم اقتضائه للفساد مع فرض
وجوده، لا وجه لفسادها (3).
3 - لكن نقل عن الشيخ البهائي (1) إشكال يمنع
عن الالتزام بصحة الصلاة في هذا الفرض أيضا،
وحاصله:
أن الصلاة وإن لم تكن منهيا عنها (2)، إلا أنه
لا أمر بها أيضا، لأنه لا يعقل أن تكون مأمورا بها
مع وجود الأمر بالإزالة.
هذا، وقد ذكرت عدة وجوه وطرق للتخلص
من الإشكال، نشير إليها على نحو الإجمال:
الطريق الأول - قصد الأمر بالجامع:
وخلاصة هذا الطريق - وهو منسوب إلى
المحقق الثاني (3) - هو: أنه لا مانع من الالتزام بوجود



(1) الضد الخاص هو كل فعل ينافي فعلا آخر، كالأكل
والنوم والاشتغال بعمل آخر بالنسبة إلى الصلاة. ويقابله
الضد العام، وهو مطلق ترك الفعل سواء اشتغل بفعل
آخر أو لا.
(2) أنظر على سبيل المثال: كفاية الأصول: 133، الأمر
الرابع من مسألة " الضد " حول ثمرة المسألة، ومحاضرات
في أصول الفقه 3: 50، ومنتهى الدراية 2: 463،
وبحوث في علم الأصول 2: 319، والتنقيح 2: 284.
(3) راجع المصادر المتقدمة.
(1) زبدة الأصول (الحجرية): 82، وانظر كفاية الأصول:
133، والموجود في الزبدة هو بهذا المضمون: أنه لو أبدل
في موضوع " الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده
الخاص أو لا " بالعبارة التالية لكان أقرب، بأن يقال:
" الأمر بالشئ يقتضي عدم الأمر بضده الخاص أو لا ".
(2) إن الشيخ البهائي بصدد أن يقول بأن الصلاة باطلة وإن
لم نقل باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص،
لأن مع الأمر بأحد الضدين لا أمر بالضد الآخر، وعدم
الأمر كاف لعدم صحة العبادة ولا حاجة إلى النهي، ووجه
عدم الأمر هو المنافاة بين الأمر بالصلاة مع الأمر بالإزالة.
(3) أنظر: محاضرات في أصول الفقه 3: 52 - 53، وبحوث
في علم الأصول 2: 319 - 320، أصول الفقه (للمظفر)
1: 273، وانظر كلام المحقق الكركي في جامع المقاصد 5:
12 - 14، فإن الجواب استفيد من كلامه، لا أنه كان بصدد
الإجابة عن إشكال الشيخ البهائي لتقدم الكركي عليه.
143
الأمر بجامع الصلاة الموسعة، والتي لها أفراد طولية
وعرضية عديدة في ذلك الوقت الموسع، لأنه
لا تزاحم بين هذا الأمر وبين الأمر بالإزالة، وإنما
المزاحمة بين أحد أفراد هذا الواجب الموسع - وهو
الفرد من الصلاة الواقع في خصوص وقت الإزالة -
مع وجوب الإزالة، فإذا فرضنا عدم تعلق النهي
بهذا الفرد - لعدم قبول المقدمتين السابقتين أو
إحداهما - فيمكن أن يكون فردا للمأمور به،
فيجزي عن الجامع المأمور به لو أتي به، نعم، لو قلنا
بتعلق النهي به لم يكن فردا للمأمور به.
ويظهر من السيد الخوئي ارتضاؤه هذا
الطريق - ونسبه إلى جماعة من المحققين - لكنه يرى
أن هذا الحل صحيح بالنسبة إلى المتزاحمين،
ولا مزاحمة بين الواجب الموسع (الصلاة) والواجب
المضيق (الإزالة)، لأن الفرد المزاحم للإزالة من
الصلاة غير مأمور به أصلا، نعم هو مصداق للمأمور
به وهو طبيعي الصلاة، فإذا أتى به المكلف يصدق
عليه أنه أتى بالمأمور به وإن كان عاصيا بترك
الإزالة (1).
الطريق الثاني - الترتب:
ومفاد هذا الطريق هو: إثبات وجود الأمر
بالأهم والمهم معا، لكن على نحو طولي وترتبي
لا عرضي، بمعنى: أن يكون وجوب إتيان المهم
مقيدا بصورة عدم الإتيان بالأهم.
فإذا ثبت هذا الطريق، أمكن تصحيح الصلاة
بها، لأنه مع عدم الإتيان بالإزالة تكون الصلاة
مأمورا بها، فتقع صحيحة مع قصد هذا الأمر.
قيل: إن أول من ابتكر هذه الطريقة هو
الشيخ جعفر الكبير (1) وتبعه جماعة، كالميرزا
الشيرازي (الكبير) (2)، والمحقق النائيني (3)، ومنهم
السيد الحكيم أيضا (4).
ولكن أنكر الشيخ الأعظم الأنصاري (5)
صحة الترتب، وتبعه تلميذه المحقق الخراساني (6).
راجع تفصيل ذلك في عنوان: " ترتب ".
الطريق الثالث - قصد الملاك:
ومفاده هو: أنه لا تتوقف صحة العبادة
وإمكان التقرب بها على وجود الأمر بها فعلا، بل



(1) محاضرات في أصول الفقه 3: 64 وما قبله، وانظر
التنقيح 2: 284، هذا مع غض النظر عن إمكان
تصحيح الصلاة عن طريق الترتب وإلا فهو يقول به
أيضا، أنظر المحاضرات 3: 125.
(1) محاضرات في أصول الفقه 3: 102، وانظر كشف
الغطاء: 27، البحث الثامن عشر، لكن يلوح القول
بالترتب من كلام المحقق الكركي أيضا، راجع جامع
المقاصد 5: 14.
(2) نقله عنه تلميذه المحقق الخراساني، أنظر كفاية
الأصول: 136.
(3) أنظر فوائد الأصول 1: 373.
(4) المستمسك 1: 496 - 500.
(5) مطارح الأنظار: 119.
(6) كفاية الأصول: 134.
144
يكفي مجرد رجحانها ومحبوبيتها، ووجود ملاك
العبادة الصحيحة فيها، لصحة التقرب بها، فالصلاة
المزاحمة للإزالة، مع فرض عدم النهي عنها - لأنه
مفروض البحث - لا يرتفع عنها إلا الأمر بها، وأما
ملاكها - وهو المصلحة الموجودة فيها - ومحبوبيتها
فهما باقيان، لعدم كون الصلاة منهيا عنها، ولا
مبغوضة للشارع، وإذا ثبت ذلك فيصح التقرب بها.
وهذه الطرق الثلاثة عامة الفائدة، لأن الذين
لا يقولون باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده
الخاص، يصبح بإمكانهم حينئذ تصحيح العبادة
الواقعة ضدا بأحد الطرق الثلاثة، ومواردها كثيرة
جدا.
ولا بد من مراعاة الترتيب في العلاج والحل
بها، فإن أمكن العلاج بالطريق الأول فلا يصل
الدور إلى غيره، وإلا فيصل الدور إلى الثاني، فإن لم
يمكن، فيصل الدور إلى الثالث، فإن السيد الخوئي
مع أنه قائل بصحة الترتب، صحح الصلاة بالطريق
الأول، وهو الأمر بالجامع.
ولكل من المحقق العراقي (1) والإمام الخميني (2)
طريق خاص لإثبات بقاء الأمر بالمهم في قبال الأمر
بالأهم - أو فقل الأمر بالموسع في مقابل الأمر
بالمضيق - مع غض النظر عن الترتب، وبه يمكنهما
الحكم بصحة الصلاة مع ترك الإزالة.
كما أن في الفقهاء من صرح بصحة الصلاة ولم
يتضح لنا أنه بنى الصحة على أي من الطرق الثلاثة،
منهم السيد اليزدي في العروة الوثقى (1).
الرابع - الإزالة عما يلحق بالمساجد:
ألحق بعض الفقهاء أمورا بالمساجد نشير إليها
فيما يلي:
1 - آلات المسجد:
والمقصود من آلاته ما كان من قبيل أبوابه
وشبابيكه، وما يعد منسوبا إليه، ويتشرف بشرفه،
وأضاف كثير من الفقهاء إليه فرشه أيضا.
وممن ألحق آلات المسجد به: المحقق
الكركي (2)، والشهيد الثاني (3)، وصاحب
المدارك (4)، وصاحب الجواهر (5)، والمحقق
الهمداني (6)، والسيد الحكيم (7)، والسيد الخوئي (8)،



(1) نهاية الأفكار 1 - 2: 367 - 370.
(2) تهذيب الأصول 1: 238 - 247، وانظر تحرير الوسيلة
1: 103، كتاب الطهارة، أحكام النجاسات، المسألة
الأولى.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل إزالة النجاسة عن
الثوب والبدن في الصلاة، المسألة 4.
(2) جامع المقاصد 1: 169.
(3) المسالك 1: 327.
(4) المدارك 4: 399، و 2: 305.
(5) الجواهر 6: 97.
(6) الطهارة (للهمداني): 586.
(7) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 157، كتاب
الطهارة، أحكام النجاسات، المسألة 44.
(8) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 115، كتاب
الطهارة، أحكام النجاسات، المسألة 434.
145
والإمام الخميني (1)، وغيرهم.
2 - المصاحف:
ألحق الشهيد الأول المصاحف بالمساجد في
حرمة التنجيس ووجوب إزالة النجاسة عنها، وتبعه
كثير ممن تأخر عنه، منهم: المحقق الكركي (2)،
والشهيد الثاني (3)، وصاحب المدارك (4)، وصاحب
الجواهر (5)، والشيخ الأنصاري (6)، والسيد
اليزدي (7)، والسيد الحكيم (8)، والسيد الخوئي (9)،
والإمام الخميني (10)، وغيرهم.
وهؤلاء بين من قيد وجوب الإزالة بصورة
استلزام عدمها الهتك - كالسيد اليزدي - وبين من
أطلق. وبين مقتصر للحكم على خط المصحف،
وبين معمم له حتى الجلد وسائر آلاته، وهم
الأكثر.
راجع: مصحف.
3 - الضرائح المقدسة:
ألحق الشهيدان (1) والمحقق الكركي (2) وكثير
ممن تأخر عنهم (3) الضرائح المقدسة للنبي (صلى الله عليه وآله) أو
أحد المعصومين (عليهم السلام) بالمساجد في حرمة التنجيس
ولزوم الإزالة، إلا أن السيد اليزدي فصل في العروة
بين حرمة التنجيس ولزوم الإزالة، فألحقها
بالمساجد من حيث حرمة التنجيس، فيحرم ذلك
مطلقا سواء استلزم الهتك أو لا، أما وجوب الإزالة
فقيده بصورة استلزام عدمها الهتك.
ومال السيدان الحكيم (4) والخوئي (5) إلى هذا
التفصيل في شرحهما على العروة، بل صرح به
الأخير، إلا أنهما لم يذكراه في منهاج الصالحين (6)،
بل أطلقا القول بوجوب الإزالة.
ويلحق بالضرائح ما هو بحكمها عرفا مما
يحيطها.



(1) تحرير الوسيلة 1: 103، كتاب الطهارة، أحكام
النجاسات، المسألة 2.
(2) جامع المقاصد 1: 169.
(3) المسالك 1: 124.
(4) المدارك 2: 306.
(5) الجواهر 6: 98.
(6) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 369.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، أحكام النجاسات،
المسألة 21.
(8) المستمسك 1: 516، ومنهاج الصالحين 1: 158،
أحكام النجاسات، المسألة 52.
(9) التنقيح 2: 314، ومنهاج الصالحين 1: 116، أحكام
النجاسات، المسألة 442.
(10) تحرير الوسيلة 1: 103، كتاب الطهارة، أحكام
النجاسات، المسألة الأولى.
(1) تقدمت الإشارة إلى المصادر.
(2) تقدمت الإشارة إلى المصادر.
(3) تقدمت الإشارة إلى المصادر.
(4) المستمسك 1: 515.
(5) التنقيح 2: 311.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 158، أحكام
النجاسات، المسألة 52، منهاج الصالحين (للسيد
الخوئي) 1: 116، أحكام النجاسات، المسألة 442.
146
4 - كل ما علم وجوب تعظيمه، وحرمة
إهانته:
وألحق بعضهم بالمساجد كل مورد علم حاله
من الشريعة من وجوب تعظيمه وحرمة إهانته
وتحقيره. واستنادا إلى هذه القاعدة ألحق بعضهم (1)
التربة الحسينية، وبعض آخر كتب الحديث (2)
بالمساجد.
والوجوب في كل هذه الموارد فوري وكفائي
كما في نفس المسجد.
الخامس - الإزالة عن الطعام والشراب وعن
ظروفهما:
إن وجوب إزالة النجاسة عن المأكول
والمشروب مما لا خلاف فيه - كما في التنقيح (3) -، بل
من الضروريات - كما في المستمسك (4) -، لحرمة
أكل النجس وشربه، وكذا تجب إزالتها عن
ظروفهما، لاستلزام وجودها فيها نجاسة المأكول
والمشروب.
السادس - الإزالة عن بدن الميت:
يجب إزالة النجاسة عن بدن الميت قبل
تغسيله، وكذا لو خرجت في أثنائه، أو بعده. وأصل
الحكم لا خلاف فيه - كما ادعي - وإن اختلفوا في
بعض جزئياته (1).
راجع: غسل، غسل الميت.
السابع - الإزالة عن كفن الميت:
إذا تنجس كفن الميت بنجاسة منه أو من غيره
وجب إزالتها - ولو بعد الوضع في القبر - بغسل أو
بقرض إذا لم يفسد الكفن، وإن لم يمكن ذلك، فقد
قال بعضهم: يجب تبديله مع الإمكان (2).
ويبدو أن أصل الحكم معروف بين
الأصحاب، لكن اختلفوا في تقديم الغسل على
القرض مطلقا، أو قبل وضع الميت في القبر، أو
تقديم القرض مطلقا، على أقوال (3).
راجع: تجهيز، تكفين.
هل الوجوب نفسي أو شرطي؟
يختلف نوع الوجوب في الموارد المتقدمة، ففي
بعضها نفسي، وفي بعضها الآخر شرطي.
والمقصود من النفسي: ما كان الوجوب فيه
لنفسه، يعني أن الشئ يكون مطلوبا في حد ذاته.
والمقصود من الشرطي: ما كان الوجوب فيه



(1) كبعض من تقدمت أسماؤهم.
(2) كالإمام الخميني في تحرير الوسيلة 1: 103.
(3) التنقيح 2: 327، وانظر الجواهر 6: 99.
(4) المستمسك 1: 521.
(1) أنظر: المدارك 2: 78، والجواهر 4: 115،
والمستمسك 4: 121.
(2) العروة الوثقى: فصل في تكفين الميت، المسألة 7،
وانظر المدارك 2: 116، والجواهر 4: 251،
والمستمسك 4: 162.
(3) أنظر: المدارك 2: 116، والجواهر 4: 251،
والمستمسك 4: 162.
147
لغيره، أي: شرطا لعمل آخر.
ويمكن أن نمثل للأول بوجوب إزالة النجاسة
عن المصحف الكريم، وعن المساجد، وعما يلحقها
من المشاهد المشرفة ونحوها.
كما يمكن أن نمثل للثاني بوجوب إزالة
النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف
والطهارات الثلاث، وعن محل السجود، ونحوها.
وتبقى موارد قابلة للتأمل، مثل: إزالة
النجاسة عن الطعام والشراب وظروفهما، ولعله
يمكن الاطمئنان بأن الوجوب في الظروف
شرطي (1)، وأما في نفس المأكول والمشروب، فإن
قلنا: إن التكليف هو حرمة أكل النجس وشربه،
فيكون إزالة النجاسة عن المأكول والمشروب مقدمة
لعدم ارتكاب هذا المحرم، وعلى هذا يكون الوجوب
غيريا وشرطيا، ولذلك فلا تجب الإزالة لو لم يرد
أكل ذلك المتنجس أو شربه، ومن المحتمل أن يكون
كذلك كما صرح به السيد الخوئي في التنقيح (2)، وإلا
فيكون نفسيا أيضا.
وبناء على ما تقدم، لا مانع من اتصاف
الإزالة بالوجوب فيما لو كانت مقدمة وشرطا
للمندوب، كالطواف والصلاة المندوبين، وكالطهارة
المندوبة، لأن المراد من الوجوب هو الوجوب
الشرطي الذي لا ينافي مندوبية المشروط، ولذلك
عبر بعضهم بدلا من ال‍ " وجوب " أو " يجب "
ب‍ " اشتراط " أو " يشترط " كما فعل صاحب
العروة (1).
وجوب إزالة العين دون غيرها:
صرح الفقهاء في مواطن وجوب إزالة
النجاسة، وخاصة عن الثوب والبدن: بأن الواجب
هو إزالة عين النجاسة، دون اللون والرائحة، فلا
يجب إزالتهما وإن كان العلامة يرى وجوب إزالتهما
مع عدم العسر، أو إزالة خصوص اللون دون
الرائحة (2).
ثانيا - موارد استحباب الإزالة:
كل مورد ورد الأمر فيه بالإزالة ولم يثبت
وجوبها تكون الإزالة مستحبة. وقد ذكر المحدث
الكاشاني جملة منها في المفاتيح (3).
بماذا تتحقق الإزالة؟
تتحقق الإزالة بنحوين:
الأول - الإزالة بالمزيل الشرعي:
وهي إزالة النجاسة العينية أو الحكمية بما



(1) كما صرح به في الجواهر 6: 99.
(2) التنقيح 2: 327.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل اشتراط إزالة
النجاسة عن الثوب والبدن في الصلاة.
(2) أنظر: المنتهى 3: 243، ونهاية الإحكام 1: 279.
(3) أنظر: مفاتيح الشرائع 1: 78، المفتاح 88.
148
جعله الشارع مزيلا مطلقا، كالماء - فإنه مطهر
لأغلب النجاسات - أو في ظروف خاصة،
كالشمس، والأرض، والاستحالة، والانقلاب
ونحوها مما سوف نذكره في عنوان " مطهرات ".
الثاني - الإزالة بالمزيل العقلي:
وهي إزالة النجاسة عن طريق إعدامها
بإعدام موضوعها، كقرض المحل المتنجس، أو
إحراقه، وقد تقدم في إزالة النجاسة عن الكفن: أن
فيه قولا بقرض المقدار المتنجس من الكفن (1).
مظان البحث:
أولا - قسم الفقه:
1 - كتاب الطهارة:
أ - أحكام النجاسات.
ب - الوضوء، الغسل، التيمم.
ج - غسل الميت وتكفينه.
2 - كتاب الصلاة: أحكام المساجد.
3 - كتاب الحج: الطواف.
ثانيا - قسم الأصول:
1 - البحث في الثمرة المترتبة على مسألة الضد،
أي: " الأمر بالشئ يقتضي النهي عن
ضده ".
2 - النهي في العبادات موجب لفسادها.
أسئار
لغة:
قال ابن الأثير: " إذا شربتم فاسئروا، أي:
أبقوا منه بقية، والاسم السؤر - إلى أن قال: -
ويستعمل في الطعام والشراب وغيرهما " (1).
وقال ابن منظور: " السؤر بقية الشئ،
وجمعه: أسئار " (2).
وقال الجوهري: " يقال: إذا شربت فاسئر،
أي: أبق شيئا من الشراب في قعر الإناء " (3).
ونقل في مجمع البحرين عن المغرب وغيره:
" أن السؤر بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء،
أو في الحوض، ثم استعير لبقية الطعام " (4).
اصطلاحا:
إن معرفة المعنى المصطلح من " السؤر "
تتوقف على معرفة عدة أمور، وهي:
أولا - هل السؤر المبحوث عنه هو مطلق ما
باشره الحيوان، سواء كان بالفم أو بغيره من أعضاء



(1) أنظر الجواهر 6: 89.
(1) النهاية (لابن الأثير): " سأر ".
(2) لسان العرب: " سأر ".
(3) الصحاح: " سأر ".
(4) مجمع البحرين: " سأر ".
149
جسده، أو يختص بما باشره بفمه؟
صرح بعض الفقهاء بالتعميم، منهم:
القاضي ابن البراج، فإنه قال: " وأسآر
الحيوان: هي فضلة ما شربوا منه واستعملوه
وماسوه بأجسامهم " (1). وابن إدريس، حيث قال:
" والسؤر: عبارة عما شرب منه الحيوان، أو باشره
بجسمه، من المياه وسائر المائعات " (2). والشهيد
الأول، فإنه قال: " وهو ما باشره جسم
حيوان " (3). والشهيد الثاني الذي قال: " وهو لغة:
ما يبقى بعد الشرب، وشرعا: ماء قليل باشره جسم
حيوان وإن لم يشرب منه " (4). ونحوه قال في
المسالك (5).
واختار هذا المعنى بعض من تأخر عنهم،
منهم: المحقق الأردبيلي (6)، والمحدث البحراني (7)،
والسيد الطباطبائي (8)، وصاحب الجواهر (9)،
والسيد الخوئي (10).
واستظهر بعضهم (1) ذلك من الشيخ المفيد (2)
أيضا، إلا أنه ذكر التعميم بعد " الكافر "، ولعله
يكون مختصا به، لأنه نجس العين فينجس ما لاقى
بدنه مع الرطوبة، سواء كان الملاقي هو الفم أو غيره.
وعبارة الشيخ الطوسي (3) تشبه عبارته من
هذه الجهة.
لكن صرح بعض الفقهاء - كما يظهر من
آخرين - بأن السؤر هو خصوص ما باشره الحيوان
بفمه، منهم: صاحب المدارك (4)، والفاضل
النراقي (5)، والشيخ الأنصاري (6)، ولعله يظهر من
السيد الحكيم (7).
ثانيا - هل ذلك مخصوص بالماء، أو يشمل
مطلق المائع؟
صرح بالإطلاق ابن إدريس، وصاحب
الحدائق، والسيد الخوئي، ويظهر ذلك من القاضي
ابن البراج، والشهيد الأول (8).
ثالثا - هل يشترط في السؤر أن يكون قليلا؟



(1) المهذب 1: 25.
(2) السرائر 1: 85.
(3) الذكرى: 12.
(4) الروض: 157.
(5) المسالك 1: 23.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 1: 283.
(7) الحدائق 1: 418 - 419.
(8) الرياض 1: 187.
(9) الجواهر 1: 366.
(10) التنقيح 1: 437.
(1) كصاحب الجواهر، أنظر الجواهر 1: 366.
(2) المقنعة: 65.
(3) المبسوط 1: 10.
(4) المدارك 1: 128.
(5) المستند 1: 110.
(6) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 60، الأسئار.
(7) المستمسك 1: 268.
(8) تقدم تخريج أقوالهم.
150
صرح بعض الفقهاء باشتراط القلة في السؤر،
كالشهيد الثاني، وصاحب المدارك، والسيد
الطباطبائي، وصاحب الجواهر، ونسبه السيد
الطباطبائي إلى جملة من الفقهاء (1).
ولعل وجه اشتراط القلة هو: أن الماء المطلق
لو كان كثيرا لم ينجس بمجرد الملاقاة.
ولذلك يثمر هذا الاشتراط في خصوص الماء
المطلق، ومن حيث النجاسة فقط، لأن المضاف
ينجس بمجرد الملاقاة، سواء كان قليلا أو كثيرا،
وأما الكراهة فلا تتوقف على القلة، فلا مانع من
اتصاف الماء الكثير بالكراهة لو قلنا بالتعميم.
الأحكام:
يمكن تقسيم الأسئار من لحاظين وجهتين: من
جهة الحكم الوضعي، ومن جهة الحكم التكليفي.
الجهة الأولى - انقسام الأسئار من حيث الحكم
الوضعي:
تنقسم الأسئار من حيث الحكم الوضعي إلى
أسئار طاهرة وأسآر نجسة.
أولا - الأسئار الطاهرة:
وهي ما عدا الأسئار النجسة مما سوف
نذكرها، وهي أسئار أكثر الحيوانات بناء على
المشهور، وبناء على ما وردت به النصوص، ففي
صحيحة أبي العباس، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن فضل الهرة، والشاة، والبقرة، والإبل، والحمار،
والخيل، والبغال، والوحش، والسباع، فلم أترك
شيئا إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به، حتى انتهيت
إلى الكلب، فقال: رجس نجس، لا تتوضأ بفضله،
واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة، ثم
بالماء " (1).
واستفاد الفقهاء قاعدة عامة من مجموع
النصوص، وهي: أن السؤر يتبع ذا السؤر في
الطهارة والنجاسة.
ثانيا - الأسئار النجسة:
القدر المتيقن من الأسئار النجسة هو: سؤر
نجس العين، وهو: الكلب، والخنزير، والكافر - سواء
كان أصليا أو مرتدا - للقاعدة العامة المتقدمة.
هذا المقدار لا كلام فيه إجمالا، وإنما وقع
الكلام في أمرين:
1 - في صدق عنوان " الكافر " على بعض
الفرق المنسوبة إلى الإسلام وعدمه، وقد تقدم أن
القدر المتيقن هو صدقه على فرقتين: النواصب
والغلاة.
راجع: ارتداد.
2 - ذهب بعض الفقهاء المتقدمين إلى لزوم
اجتناب سؤر بعض الحيوانات، إما من جهة القول



(1) تقدم تخريج أقوالهم.
(1) الوسائل 1: 226، الباب الأول من أبواب الأسئار،
الحديث 4.
151
بنجاستها عينا، أو من جهة لزوم الاجتناب عن
سؤرها تعبدا، فمن تلك الحيوانات:
1 - المسوخ:
منع ابن الجنيد (1) عن سؤر المسوخ، وعد
سلار (2) لعابها ضمن الأعيان النجسة، وقال
الشيخ (3) بنجاسة المسوخ، وعليه ينبغي أن يقول
بنجاسة أسئارها، للقاعدة المتقدمة، أي: تبعية
السؤر لذي السؤر طهارة ونجاسة.
والمشهور قائلون بطهارتها عينا وسؤرا.
راجع: مسوخ.
2 - الجلال:
وهو الحيوان الذي اعتاد أكل عذرة الإنسان،
فالمشهور قائلون بطهارته، لكن منع ابن الجنيد (4)،
والشيخ (5)، والقاضي (6) من سؤره.
راجع: جلال.
3 - آكل الجيف:
وهو الحيوان الذي يأكل الميتات، والمشهور
قائلون بعدم نجاسته، في حين منع الشيخ (7)
والقاضي (8) عن سؤره.
4 - ما يمكن التحرز منه مما لا يؤكل لحمه
من حيوانات الحضر:
منع الشيخ عن سؤر حيوانات الحضر مما لا
يؤكل لحمه من البهائم، ويمكن التحرز منه، دون ما
لا يمكن، كالهرة والفأرة (1).
وتبعه في ذلك ابن إدريس (2)، وصرح
بنجاسته.
الجهة الثانية - انقسام الأسئار من حيث الحكم
التكليفي:
تنقسم الأسئار من حيث الحكم التكليفي إلى:
محرمة، ومكروهة، ومستحبة، ومباحة.
ولم يتعرض الفقهاء لهذه الأقسام إلا المكروه
منها، والسبب الذي دعاهم إلى ذكره هو بيان حمل
النهي الوارد فيها على الكراهة دون النجاسة، نعم
تعرض له بعضهم، منهم القاضي ابن البراج على نحو
الإجمال (3).
أولا - الأسئار المحرمة:
وهي الأسئار النجسة، كسؤر الكلب
والخنزير والكافر، لحرمة شرب النجس وأكله، وأما
استعمالها في غير الأكل والشرب - كالتطهير فيما
يشترط فيه الطهارة - فليس له حكم تكليفي في حد



(1) نقله عنه العلامة، أنظر المختلف 1: 229.
(2) المراسم: 55، ذكر: تطهير الثياب.
(3) الخلاف 3: 183 - 184، المسألة 306 و 308.
(4) نقله عنه العلامة، أنظر المختلف 1: 229.
(5) المبسوط 1: 10.
(6) المهذب 1: 25.
(7) المبسوط 1: 10.
(8) المهذب 1: 25.
(1) المبسوط 1: 10.
(2) السرائر 1: 85.
(3) المهذب 1: 25.
152
ذاته، إلا من جهة استلزامه بطلان المشروط
بالطهارة وتركه.
ثانيا - الأسئار المكروهة:
حكم كثير من الفقهاء بكراهة بعض الأسئار
تخلصا من النهي الوارد في بعضها بحمله على التنزه،
وتخلصا من مخالفة بعض المتقدمين القائلين بلزوم
اجتنابها، وهذه الأسئار هي:
1 - سؤر الجلال:
تقدم تعريفه، وقلنا: إن المشهور قائلون
بطهارة سؤره إلا أنهم قالوا بكراهته أيضا.
هذا، إذا لم تكن عين النجاسة موجودة على
فمه أو منقاره، وإلا فينجس ملاقيه إذا كان ماء قليلا
أو مضافا.
2 - آكل الجيف:
تقدم تعريفه أيضا، فقد حكم بعض الفقهاء
بكراهة سؤره بعد أن نفى النجاسة عنه.
ويأتي فيه القيد المتقدم.
3 - سؤر ما لا يؤكل لحمه:
نسب القول بكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه إلى
جمهور الأصحاب، واستثنوا من ذلك سؤر المؤمن،
كما استثنى بعضهم سؤر الهرة أيضا.
4 - سؤر مكروه اللحم:
كالخيل، والبغال، والحمير، فإن لحوم هذه
الحيوانات مكروهة وليست محرمة، فيتبعها سؤرها.
5 - سؤر الحائض غير المأمونة:
وهي التي لا تبالي بالطهارة والنجاسة،
ويوجد في بعض العبارات عنوان " المتهمة " بدل
" غير المأمونة ".
والموجود في النصوص: النهي عن التوضؤ
بسؤر غير المأمونة، وليس فيها النهي عن
الشرب (1).
هذا، وسرى بعضهم الحكم إلى مطلق
" المتهم "، وهو الذي لا يراعي الطهارة والنجاسة.
6 - سؤر الحية والفأرة:
والحكم بطهارة سؤرهما وكراهته هو
المشهور، وعن بعضهم عدم الكراهة، كما أن بعضهم
قيد عدم المنع من سؤر الحية بعدم موتها في الماء.
7 - ما وقع فيه الوزغ والعقرب:
وقيد بعضهم الحكم بالموت فيه.
هذا، وقد نقل خلاف الشيخين في بعض ما
تقدم.
8 - قال الشيخ: " ويكره سؤر ما شرب منه
الدجاج خاصة، على كل حال " (2) أي سواء كان
جلالا أو لا.
وقال المحقق - بعد نقله ذلك عن الشيخ -:
" وهو حسن إن قصد المهملة، لأنها لا تنفك من
الاغتذاء بالنجاسة " (3).



(1) الوسائل 1: 237، الباب 8 من أبواب الأسئار،
الحديث 5، وانظر الباب كله.
(2) المبسوط 1: 10.
(3) المعتبر: 25.
153
ويظهر من العلامة قبول ذلك (1).
هذا ما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء (2).
ثالثا - الأسئار المستحبة:
ليس في الأسئار ما يتصف بالاستحباب سوى
سؤر المؤمن، ولم يتعرض له إلا بعض الفقهاء
استطرادا، وذلك حينما يستثنونه من سؤر ما لا
يؤكل لحمه، حيث يحكمون عليه بالكراهة (3).
ووجه الاستحباب ما ورد من النصوص في
ذلك، منها ما ورد عن علي (عليه السلام) - في حديث
الأربعمئة - قال: " سؤر المؤمن شفاء " (4).
رابعا - الأسئار المباحة:
وهي سائر الأسئار، أي: غير المحرمة
والمكروهة والمستحبة، مثل سؤر المسلم، وسؤر
الحيوانات المحللة الأكل التي لا ينطبق عليها عنوان
" الجلال " ونحوه مما يسبب كراهته.
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: بحث الأسئار.
2 - كتاب الأطعمة والأشربة أحيانا.
أسارى
لغة:
قال ابن منظور: " الإسار: ما شد به،
والجمع: أسر... "، وقال: " الإسار: القيد، ويكون
حبل الكتاف، ومنه سمي الأسير، وكانوا يشدونه
بالقد، فسمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يشد به، يقال:
أسرت الرجل أسرا وإسارا، فهو أسير ومأسور،
والجمع: أسرى وأسارى "، وقال: " ويقال للأسير
من العدو: أسير، لأن آخذه يستوثق منه بالإسار،
وهو القد لئلا يفلت " (1).
اصطلاحا:
المستفاد من كلمات الفقهاء: أن الأسير هو
الآدمي الذي يستولي عليه المسلمون، من الكفار أو



(1) المنتهى 1: 163.
(2) أنظر المصادر التالية:
1 - المقنعة: 65.
2 - المبسوط 1: 10.
3 - المدارك 1: 130 - 138.
4 - الجواهر 1: 371 - 388.
5 - المستمسك 1: 271 - 272.
6 - التنقيح 1: 439 - 444.
(3) أنظر على سبيل المثال:
1 - الحدائق 1: 421.
2 - المستمسك 1: 271.
3 - التنقيح 1: 440.
(4) الوسائل 25: 263، الباب 18 من أبواب الأشربة
المباحة، الحديث 3.
(1) لسان العرب: " أسر "، وانظر الصحاح: المادة نفسها.
154
البغاة، حال الحرب أو بعدها. وكذا المسلم الذي
يستولي عليه الكفار أو البغاة، حال الحرب أو
بعدها.
ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، والصغير
والكبير، إلا أن النساء والذراري - وهم الصغار -
يطلق عليهم " السبي " أيضا.
الأحكام:
الكلام تارة يكون حول الأسارى الذين
يقعون بأيدي المسلمين، وتارة حول الأسارى
المسلمين الذين يقعون بأيدي الكفار، فيكون الكلام
في مقامين:
المقام الأول
حكم الأسارى الذين يقعون بأيدي المسلمين
الذين يقعون أسارى في أيدي المسلمين على
قسمين، لأنهم:
1 - إما أسارى من الكفار الأصليين.
2 - وإما أسارى من المسلمين البغاة.
ولكل من الطائفتين حكمه الخاص به.
القسم الأول - الأسارى من الكفار الأصليين:
ونعني بهم الذين يقعون في الأسر وهم كفار
أصليون غير معتصمين بذمة أو عهد أو أمان،
لأنهم لو كانوا معاهدين أو أعطي لهم الأمان وهم
على عهدهم وأمانهم لم تقع حرب معهم ولم يجز
أسرهم.
وحكم هؤلاء يختلف باختلاف شخص
الأسير من حيث الذكورية والأنوثية، وباختلاف
حالات الأسر. وفيما يلي نشير إلى كل منهما:
أولا - حكم الأسارى الإناث وغير البالغين
من الذكور:
إذا كان الأسارى من الإناث - مطلقا - أو من
الذكور غير البالغين، فحكمهم هو الاسترقاق لا
غير، فيحرم قتلهم، وعلله العلامة: بأن النبي (صلى الله عليه وآله)
نهى عن قتل النساء والولدان، وكان يسترقهم إذا
سباهم (1).
وقد ادعى بعض الفقهاء الإجماع على ذلك (2).
ولا فرق في ذلك بين وقوعهم في الأسر بعد
انتهاء الحرب أو قبل ذلك.
ولو اشتبه الطفل بالبالغ اختبر من حيث
إنبات الشعر الخشن على العانة، إما باللمس، أو
النظر، فإن لم ينبت وجهل سنه، ولم يحصل العلم
ببلوغه - ولو من أمارات متعددة غير منصوصة -
ألحق بالذراري.
وقيل: إن سعد بن معاذ حكم بذلك في بني



(1) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 423، والمنتهى
(الحجرية) 2: 926، وانظر الوسائل 15: 64، الباب
18 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
(2) أنظر المصدرين المتقدمين، ومجمع الفائدة والبرهان 7:
463، والرياض 7: 530، والجواهر 21: 120.
155
قريظة، وأجازه النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
ولو أقر بالاحتلام، قال بعضهم: يقبل منه
كغيره من الأقارير (2)، وتأمل فيه السيد
الطباطبائي (3).
ولو ادعى استعجال الإنبات بالدواء، قال
بعضهم: يقبل منه، للشبهة الدارئة للحد (4)، لكن
تأمل فيه صاحب الجواهر (5).
ثانيا - حكم الأسارى الذكور البالغين:
إن للأسارى الذكور البالغين حالتين: لأنهم
تارة يؤسرون والحرب قائمة ولم تضع بعد أوزارها،
وتارة يؤسرون بعد انتهاء القتال:
الحالة الأولى - أن يقعوا في الأسر قبل انقضاء
الحرب:
وحكم هؤلاء هو القتل، وقد ادعي عدم
الخلاف فيه إلا من الإسكافي (6) لأنه يرى - حسب
ما نقل عنه -: أن الإمام يتخير بين استرقاقهم، أو
قبول الفدية منهم في مقابل إطلاق سراحهم، أو المن
عليهم، بإطلاق سراحهم من دون فدية.
وقال صاحب الجواهر - بعد نقل ذلك عنه -
" ومقتضاه عدم القتل، ولكنه معلوم البطلان نصا
وفتوى... " (1).
وفي كلام الحلبي ما يدل على الخلاف أيضا،
حيث قال: " فالإمام مخير بين قتله وصلبه حتى
يموت، وقطعه من خلاف... أو الفداء به " (2).
كيفية القتل:
المشهور - كما قيل (3) -: أن الإمام مخير في
كيفية القتل بين ضرب الأعناق، وقطع الأيدي
والأرجل وتركهم ينزفون حتى يموتوا.
وأضاف أبو الصلاح الحلبي (4) إلى ذلك
" الصلب "، ولم يعين القاضي نوعا خاصا من القتل،
بل قال: يتخير الإمام في قتلهم أي نوع أراده (5).
الحالة الثانية - أن يقعوا في الأسر بعد انقضاء
الحرب:
إذا وقع الأسر بعد انقضاء الحرب، فالحكم
هو: تخيير الإمام أو نائبه بين أمور ثلاثة: المن
عليهم بإطلاق سراحهم، أو قبول الفدية منهم في
مقابل إطلاق سراحهم، أو استرقاقهم.
وهذا الحكم هو المشهور - كما قيل (6) - بل



(1) المبسوط 2: 20.
(2) أنظر الجواهر 21: 121.
(3) الرياض 7: 531، وانظر المصدر المتقدم.
(4) الرياض 7: 531، وانظر المصدر المتقدم.
(5) أنظر الجواهر 21: 121.
(6) الجواهر 21: 122، وانظر المنتهى (الحجرية) 2:
927، والتذكرة (الحجرية) 1: 423 - 424.
(1) الجواهر 21: 122، وانظر المنتهى (الحجرية) 2:
927، والتذكرة (الحجرية) 1: 423 - 424.
(2) الكافي في الفقه: 257.
(3) الجواهر 21: 126.
(4) الكافي في الفقه: 257.
(5) المهذب 1: 317.
(6) الجواهر 21: 126.
156
نسبه العلامة إلى علمائنا أجمع (1).
وزاد القاضي ابن البراج " القتل "، فقال:
" يكون الإمام أو من نصبه الإمام مخيرا فيهم، إن
شاء قتلهم، وإن شاء فاداهم، وإن شاء من عليهم،
وإن شاء استرقهم، ويفعل في ذلك ما يراه صلاحا في
التدبير والنفع للمسلمين " (2).
وظاهر القائلين بالتخيير هو التخيير
بالتشهي، إلا أن بعضهم كالشيخ (3)، والقاضي (4)،
والعلامة (5)، والشهيد الثاني (6) قيدوه بمراعاة الأصلح
فالأصلح، فعلى الإمام - وهو ولي أمر المسلمين - أو
نائبه أن يراعي ما هو الأصلح للمسلمين.
وهل التخيير المتقدم شامل لجميع الأسراء،
كتابيين كانوا أو غيرهم، أو يختص بالكتابيين ومن
لهم شبهة الكتاب كالمجوس، أما غيرهم - كالوثنيين
والمشركين - فالإمام أو نائبه مخير فيهم بين المن
والفداء فقط، لأنهم لا يقرون على دينهم في بلاد
الإسلام ولا تؤخذ منهم الجزية، فلا يجوز
استرقاقهم؟
اختار الشيخ (1) الرأي الثاني، وتابعه ابن
حمزة (2)، والعلامة في المختلف (3)، فإنه - بعد ما نقل
عبارة الشيخ الدالة على ما تقدم - قال: " وهو
حق ".
إسلام الأسير:
إن لإسلام الأسير عدة صور:
الصورة الأولى - أن يسلم قبل وقوعه في
الأسر:
ففي هذه الحالة يكون كسائر أفراد المسلمين
يحقن دمه وماله وأولاده الصغار التابعين له، فلا
يجوز قتله، ولا استغنام ماله، ولا استرقاق نسائه
وذراريه، قال العلامة:
" لو أسلم الأسير قبل الظفر به ووقوعه في
الأسر لم يجز قتله إجماعا، ولا استرقاقه، ولا
مفاداته، لأنه أسلم قبل أن يقهر بالسبي، فلا يثبت
فيه التخيير، ولا فرق بين أن يسلم وهو محصور في
حصن أو مصبور أو رمى نفسه في بئر وقد قرب
الفتح، وبين أن يسلم في حال أمنه " (4).



(1) التذكرة (الحجرية) 1: 424، والمنتهى (الحجرية) 2:
927.
(2) المهذب 1: 316 - 317.
(3) المبسوط 2: 20.
(4) المهذب 1: 316 - 317.
(5) التذكرة (الحجرية) 1: 424، والمنتهى (الحجرية) 2:
928.
(6) المسالك 3: 40 و 41.
(1) المبسوط 2: 20.
(2) الوسيلة: 202 - 203.
(3) المختلف 4: 423.
(4) التذكرة 1: 424، وانظر: المنتهى 2: 928،
والمبسوط 2: 20، والمهذب 1: 317، والدروس 2:
36، وكشف الغطاء: 398.
157
الصورة الثانية - أن يسلم بعد وقوعه في
الأسر والحرب قائمة:
إذا أسلم الأسير بعد الأسر سقط عنه القتل
وإن كانت الحرب قائمة بعد، وادعي عدم الخلاف
فيه، بل الإجماع عليه (1)، لأن الدماء تحقن بالإسلام
الذي هو الغاية من جواز القتال، كما روي عنه (صلى الله عليه وآله):
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله،
فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " (2)، وفي خبر
الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام): " الأسير إذا
أسلم فقد حقن دمه، وصار فيئا " (3).
لكن اختلف الفقهاء في حكمه بعد نفي القتل
عنه على قولين:
1 - فمنهم من قال: إن الإمام مخير بين
استرقاقه، وأخذ الفداء منه، والمن عليه، كالشيخ (4)
والعلامة (5)، والشهيد الثاني (6)، والمحقق الأردبيلي (7)،
ويظهر من كاشف الغطاء أيضا (1).
2 - ومنهم من قال: يتعين المن عليه وإطلاق
سراحه، نسب الشهيد الثاني (2) ذلك إلى بعض
الأصحاب، واختاره السيد الطباطبائي (3)، وجعله
صاحب الجواهر (4) أحوط القولين بعد أن قوى
الأول، ويظهر من أبي الصلاح الحلبي (5) اختياره.
الصورة الثالثة - أن يسلم بعد وقوعه في
الأسر وبعد انتهاء الحرب:
وفي المسألة قولان أيضا:
1 - التخيير بين الأمور الثلاثة: الاسترقاق،
والمن، والفداء، ويبدو أن هذا القول هو المشهور،
بل لم ينقل فيه مخالف إلا من نسب إليه القول
الثاني (6)، كما سيأتي.
2 - التخيير بين المن والفداء وسقوط
الاسترقاق، لأن عقيلا أسلم بعد الأسر ففاداه النبي
ولم يسترقه. نسب الشيخ هذا القول إلى بعضهم، ولم
يسم قائله (7).



(1) التذكرة (الحجرية) 1: 424، والمنتهى (الحجرية) 2:
928، والجواهر 21: 124.
(2) صحيح مسلم 1: 52، كتاب الإيمان، الباب 8، الحديث
35.
(3) الوسائل 15: 72، الباب 23 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 2.
(4) المبسوط 2: 20.
(5) التذكرة (الحجرية) 1: 424، والمنتهى (الحجرية) 2:
928.
(6) المسالك 3: 39 - 40، والروضة البهية 2: 400.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 7: 464.
(1) كشف الغطاء: 398.
(2) المسالك 3: 39، وانظر الروضة البهية 2: 400، ولعل
مراده من بعض الأصحاب المحقق الكركي أنظر: حاشيته
على الشرائع (مخطوط: 186).
(3) الرياض 7: 531 - 532.
(4) الجواهر 21: 125 - 126.
(5) الكافي في الفقه: 257.
(6) أنظر الجواهر 21: 128.
(7) المبسوط 2: 20، وكان ذلك في واقعة بدر الكبرى.
158
وأورد عليه الفقهاء: أن غاية ما تدل عليه
الرواية هو: أن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما أخذ بأحد أفراد
التخيير، ولا دلالة فيها على عدم جواز
الاسترقاق (1).
أحكام الأطفال:
أهم الأحكام التي تترتب على الأطفال
الأسارى هي كالآتي:
أولا - إذا أسر الطفل مع والديه أو أحدهما،
فهو يتبعهما من حيث الدين، وهو الكفر، وتترتب
عليه أحكام الكفر: كالنجاسة وعدم وجوب
تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه لو مات، ونحو
ذلك.
ثانيا - إذا أسر منفردا من دون والديه، فهل
يتبع السابي في الدين - وهو الإسلام هنا - فترتب
عليه أحكام الإسلام مطلقا، أو لا يتبع مطلقا، أو
يفصل في الأحكام، أو يتوقف في ذلك؟ فيه أقوال:
1 - عدم التبعية مطلقا: نسبه صاحب
الجواهر إلى غير واحد ولم يسمهم (2)، ويظهر ذلك
من الإمام الخميني (3).
2 - التبعية مطلقا: فيكون بحكم المسلم، ذهب
إليه ابن الجنيد (1)، والشيخ (2)، والقاضي (3)، والشهيد
الأول في الدروس (4)، والمحدث الكاشاني (5).
3 - التفصيل بين الطهارة فيحكم فيها
بالتبعية، وبين غيرها، كوجوب التغسيل والتكفين
ونحوهما فلا يحكم بالتبعية فيه. استقرب هذا الرأي
العلامة في القواعد (6)، واختاره ولده فخر الدين في
الإيضاح (7)، والمحقق الكركي (8)، والشهيد الثاني (9)
- لكن مع تأمل وترديد في المسألة - وصاحب
المدارك (10)، والشيخ الأنصاري (11)، والمحقق
الهمداني (12)، والسيد اليزدي (13)، والسيد الحكيم في



(1) أنظر: الدروس 2: 39، والرياض 7: 535، والجواهر
21: 128.
(2) الجواهر 21: 136.
(3) تحرير الوسيلة 1: 113، كتاب الطهارة، المطهرات،
الثامن: التبعية.
(1) نسبه إليه العلامة في المختلف 4: 421.
(2) المبسوط 2: 23.
(3) المهذب 1: 318.
(4) الدروس 2: 39.
(5) مفاتيح الشرائع 3: 59، المفتاح 501.
(6) القواعد (الحجرية) 1: 105.
(7) إيضاح الفوائد 1: 364، 2: 141.
(8) جامع المقاصد 6: 122.
(9) المسالك 3: 43 - 46.
(10) المدارك 2: 298.
(11) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 350 - 351،
النجاسات، الثامن: الكافر.
(12) الطهارة (للهمداني): 563.
(13) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، التاسع:
التبعية.
159
المنهاج (1) - وإن استشكل في أصل التبعية في
المستمسك (2) - والسيد الخوئي (3)، ويظهر من السيد
الطباطبائي في الرياض (4)، بل يظهر من المحقق
الأردبيلي (5) الإجماع عليه، ونقل عن شرح
المفاتيح (6) نسبة ذلك إلى ظاهر الأصحاب.
4 - التوقف: وهو الظاهر من المحقق (7)،
والعلامة (8)، والشهيد الأول في الذكرى (9)،
وصاحب الجواهر (10).
ثالثا - قال الشيخ: " إذا وقعت المرأة وولدها
في السبي فلا يجوز للإمام أن يفرق بينهما فيعطي الأم
لواحد والولد لآخر... " إلى أن قال:
" فإن بلغ الصبي سبعا أو ثمان سنين فهو السن
الذي يخير فيه بين الأبوين، فيجوز أن يفرق بينهما...
وكذلك لا يفرق بينه وبين الجدة أم الأم، لأنها بمنزلة
الأم في الحضانة، وأما التفرقة بينه وبين الوالد فإنه
جائز... " (1).
وإن كان كلامه خليطا بين مسألتي الأسر
والبيع إلا أن الملاك - عنده - واحد.
والمنقول عن ابن الجنيد: أنه لا يختار التفرقة
بين الطفل وأحد أبويه أو من يقوم مقامهما في الخير
والشفقة عليه من جد أو جدة أو أخ أو أخت، إذا
كان الطفل بحاجة إلى من يقوم بأموره، فإن استغنى
بعضهم عن بعض، وطابت نفس الأصغر بذلك، أو
بلغ سبع سنين فلا بأس بذلك، والمرأة أحق بطفلها
بالجمع من الوالد (2).
واستنبط العلامة (3) والشهيد الأول (4)
الكراهة من كلامه دون التحريم.
ويرى ابن إدريس كراهة التفرقة بين الطفل
وأمه دون سائر أقاربه حتى الوالد (5)، في حين يرى
العلامة كراهة التفرقة بين الجميع (6)، واختاره



(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 174، كتاب
الطهارة، المطهرات، التاسع، التبعية.
(2) المستمسك 2: 126.
(3) التنقيح 3: 239.
(4) الرياض 7: 543.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 7: 466.
(6) أنظر: الطهارة (للشيخ الأنصاري): 350، النجاسات،
الثامن: الكافر، والمستمسك 2: 126.
(7) شرائع الإسلام 1: 318.
(8) المختلف 4: 421، التذكرة (الحجرية) 1: 425،
المنتهى (الحجرية) 2: 932، وكان هذا رأيه القديم،
وأما الذي استقر عليه فهو الذي تقدم منه في القواعد، كما
صرح بذلك ولده في الإيضاح والمحقق الكركي في جامع
المقاصد.
(9) الذكرى: 14.
(10) الجواهر 21: 138.
(1) المبسوط 2: 21.
(2) المختلف 4: 419.
(3) المختلف 4: 421.
(4) الدروس 2: 38.
(5) السرائر 2: 13.
(6) المنتهى (الحجرية) 2: 931، وانظر المختلف 4: 419.
160
الشهيد في الدروس (1).
وفي النصوص ما يدل على النهي عن التفرقة
بين الأم وولدها، لكن حملت على الكراهة، من قبيل
ما ورد:
1 - عن الصادق (عليه السلام) أنه: " أتي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بسبي من اليمن، فلما بلغوا الجحفة نفدت
نفقاتهم، فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم،
فلما قدموا على النبي (صلى الله عليه وآله) سمع بكاءها، فقال: ما
هذه؟ قالوا: يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا
ابنتها، فبعث بثمنها فأتي بها، وقال: بيعوهما جميعا
أو امسكوهما جميعا " (2).
2 - وعنه أيضا: " أنه اشتريت له جارية من
الكوفة، فذهبت لتقوم في بعض الحاجة، فقالت:
يا أماه، فقال لها أبو عبد الله (عليه السلام): ألك أم؟ قالت:
نعم، فأمر بها فردت، وقال: ما أمنت - لو حبستها -
أن أرى في ولدي ما أكره " (3).
ونحوهما روايات أخر.
أحكام الأزواج:
للزوجين عدة حالات حين الأسر:
1 - إذا أسرت الزوجة فقط، انفسخ النكاح
بنفس الأسر، لأن المرأة تسترق بنفس الأسر.
2 - إذا أسر الزوجان معا، فالحكم كذلك،
لانفساخ النكاح بسبب أسر الزوجة.
3 - إذا أسر الزوج فقط، فإن تخير الإمام
استرقاقه انفسخ النكاح أيضا، وإن تخير المن أو
المفاداة لم ينفسخ.
ادعي الإجماع على الموارد المتقدمة (1)، إلا أن
العلامة قال بالنسبة إلى أسر الزوجة في المختلف:
"... ولو قيل: يتخير الإمام أو من جعلت في نصيبه
بين إبقاء العقد وفسخه، كان وجها " (2).
وقال في المنتهى بالنسبة إلى أسرهما معا - بعد
أن حكم بانفساخ النكاح -: " والوجه أنه إذا
سباهما واحد ملكهما معا، لأن النكاح باق، وله
فسخه " (3).
4 - ولو أسر الزوجان معا، وكانا مملوكين قبل
الأسر، ففيه قولان:
أ - بقاء الزوجية، لعدم حدوث رق جديد،
ذهب إليه الشيخ (4)، وابن إدريس (5).



(1) الدروس 2: 38 - 39.
(2) الوسائل 18: 264، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان،
الحديث 2.
(3) الوسائل 18: 264، الباب 13 من أبواب بيع الحيوان،
الحديث 3.
(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 928 - 929، والتذكرة
(الحجرية) 1: 426، والجواهر 21: 140 - 141.
(2) المختلف 4: 418.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 929، وانظر التذكرة
(الحجرية) 1: 426.
(4) المبسوط 2: 21.
(5) السرائر 2: 14.
161
ب - تخيير من جعلا في نصيبه بين إبقاء
الزوجية وفسخها، ذهب إليه المحقق الحلي (1)،
والعلامة الحلي (2)، والشهيد الثاني (3).
أحكام متفرقة:
بقيت أحكام متفرقة للأسير الواقع في أيدي
المسلمين، نشير إليها - فيما يلي - على نحو
الإجمال:
أولا - وجوب إطعام الأسير:
المعروف بين من تعرض لهذا الموضوع: أنه
يجب أن يطعم الأسير ويسقى وإن أريد قتله (4)، لما
ورد عن علي (عليه السلام)، أنه قال: " إطعام الأسير
والإحسان إليه حق واجب وإن قتلته من الغد " (5)،
وما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " الأسير
يطعم وإن كان يقدم للقتل " (6)، وما ورد عنه (عليه السلام)
أيضا أنه قال: " إطعام الأسير حق على من أسره
وإن كان يراد من الغد قتله، فإنه ينبغي أن يطعم
ويسقى ويرفق به كافرا كان أو غيره " (1).
لكن حمل صاحب الجواهر هذه الروايات
على الاستحباب، نعم قال: " قد يقال بإطعامه لبقاء
حياته حتى يصل إلى الإمام (عليه السلام) " (2).
ثانيا - حكم عجز الأسير عن المشي:
لو عجز الأسير عن المشي، ولم يكن محمل
لحمله، فقد صرح بعض فقهائنا: أنه لا يجوز قتله (3)،
لأنه لا يدرى ما هو نظر الإمام (عليه السلام) في حقه، كما
ورد في خبر الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام)،
حيث جاء فيه: " إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي
ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله، فإنك لا
تدري ما حكم الإمام فيه " (4).
هذا، وبدل بعض الفقهاء - كالمحقق والعلامة -
عبارة " لا يجوز قتله " بعبارة " لا يجب قتله "، ولعله
لدفع شبهة وجوب قتله من جهة احتمال قدرته بعد
إطلاق سراحه، والتحاقه بالعدو.
ثم إن الشهيد الثاني قال في المسالك:
" والمراد بالأسير - هنا - المأخوذ والحرب قائمة،



(1) الشرائع 1: 318.
(2) المنتهى (الحجرية) 2: 929، والتذكرة (الحجرية) 1:
427.
(3) المسالك 3: 47.
(4) أنظر على سبيل المثال: النهاية: 296، والسرائر 2:
12، وشرائع الإسلام 1: 318، والمنتهى (الحجرية) 2:
932، والدروس 2: 37، والمسالك 3: 42.
(5) الوسائل 15: 92، الباب 32 من أبواب جهاد
العدو، الحديثان 3 و 2.
(6) الوسائل 15: 92، الباب 32 من أبواب جهاد
العدو، الحديثان 3 و 2.
(1) الوسائل 15: 91، الباب 32 من أبواب جهاد العدو،
الحديث الأول.
(2) الجواهر 21: 130 - 131.
(3) أنظر المصادر المذكورة في الهامش رقم 4 في العمود
السابق. وانظر الجواهر 21: 128 - 130.
(4) الوسائل 15: 72، الباب 23 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 2.
162
لا بعد انقضائها، لأن القتل عن الثاني مرتفع أصلا،
والتعليل - أي: الوارد في الرواية - يشعر بذلك،
للعلم بأن الإمام لا يحكم بقتل هذا النوع... " (1).
لكن يرد عليه: أن الأول يتعين قتله.
ثالثا - عدم جواز قتل الأسير مع الأمان:
لا يجوز قتل الأسير بعد إعطاء الأمان له،
وقد ادعى صاحب الرياض عدم الخلاف فيه (2).
راجع: أمان، ذمام.
رابعا - كراهة قتل الأسير صبرا:
صرح الفقهاء (3) بأنه يكره قتل الأسير صبرا
إن أريد قتله، لما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه: " لم
يقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبرا قط غير رجل واحد،
عقبة بن أبي معيط، وطعن ابن أبي خلف، فمات بعد
ذلك " (4).
واختلفوا في معناه، فقيل: هو أن يحبس
للقتل، ذكره العلامة، ونقل صاحب الجواهر عن
بعضهم نسبة ذلك إلى المشهور، وقيل: هو أن تقيد
يداه ورجلاه حال قتله، اختاره صاحب الجواهر،
وحمل التفسير المتقدم عليه، وقيل: هو أن يعذب
حتى يموت، أو يقتل جهرا بين الناس، أو يهدد
بالقتل ثم يقتل، أو يقتل وينظر إليه شخص آخر، أو
هو عدم إطعامه وسقيه حتى يموت عطشا وجوعا (1).
وقال بعضهم: لا بأس بالقول بكراهة كل
ذلك (2).
خامسا - جناية الأسير والجناية عليه:
أما بالنسبة إلى جنايته على غيره، فلم
يتعرض له إلا بعضهم، كالقاضي ابن البراج حيث
قال: " وإذا جنى الأسير جناية تحيط بنفسه قبل
القسمة، سلم إلى مستحق ذلك بنفسه وخرج عن
القسمة، وإن كانت الجناية دون النفس بيع في
الجناية، ودفع إلى المجني عليه قيمة الجناية، وترك
الباقي في المغنم " (3).
ولا بد من فرض ذلك في الأسير الذي لا
يتحتم فيه القتل، لأن مع تحتمه لا مورد لبيعه.
وأما بالنسبة إلى الجناية عليه: فقد صرح
عدد من الفقهاء بأنه لا شئ على الجاني، لا الدية،
ولا الكفارة، لأنه كافر لا أمان له، قال صاحب
الجواهر: " فلو بدر مسلم أو كافر فقتله - أي:
الأسير بفرديه - كان هدرا بلا خلاف أجده بيننا،
لعدم احترامه، فلا يترتب عليه دية ولا
كفارة... " (4).



(1) المسالك 3: 41.
(2) الرياض 7: 537.
(3) أنظر المصادر المذكورة في الصفحة السابقة: الهامش رقم
4 (العمود الأول)، ورقم 3 (العمود الثاني).
(4) الوسائل 15: 148، الباب 66، الحديث الأول.
(1) أنظر: المنتهى 2: 932، والمسالك 3: 42،
والرياض 7: 538، والجواهر 21: 131.
(2) أنظر: المنتهى 2: 932، والمسالك 3: 42،
والرياض 7: 538، والجواهر 21: 131.
(3) المهذب 1: 319.
(4) الجواهر 21: 130، وانظر المسالك 3: 42.
163
نعم، قال بعضهم: يعزر القاتل، مسلما كان
أو كافرا (1).
القسم الثاني - الأسارى من المسلمين البغاة:
والمقصود من البغاة هم الخارجون - من
المسلمين - على الإمام العادل، وهؤلاء على طائفتين
أيضا:
الأولى - أن يكون لهم فئة يرجعون إليها:
بمعنى أن يكون لهم رئيس يعد لهم العدة،
ويجهز لهم الجيوش، ومثلوا لهؤلاء بأصحاب صفين،
فإنهم كان لهم رئيس مطاع - وهو معاوية - يمدهم بما
يحتاجون إليه.
فحكم هؤلاء هو: أنه يجوز الإجهاز على
جريحهم، واتباع مدبرهم، وقتل أسيرهم.
الثانية - أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها:
بأن يجتمعوا على الخروج من دون أن يكون
لهم رئيس مطاع، وجهة تمدهم بما يحتاجون إليه من
القوة والعتاد، ومثلوا لهؤلاء بالخوارج، ومثل أكثر
من تعرض للمسألة من الفقهاء لهم بأصحاب الجمل
أيضا، لأنهم وإن كان لهم رئيس مطاع - وهما
طلحة والزبير - إلا أنهما قتلا، فبقوا من دون
رئيس، ومع ذلك فقد عدهم الشهيد الثاني (2) في
الطائفة الأولى.
وحكم هؤلاء: أنه لا يجوز الإجهاز على
جريحهم، ولا اتباع مدبرهم، ولا قتل أسيرهم،
لأن الهدف من قتالهم هو تفريق جمعهم بعد أن لم
يرجعوا ولم يلبوا نداء الإمام عند دعوته إياهم إلى
الحق.
وقد ادعى الإجماع على ذلك عدد من
الفقهاء (1)، واستدلوا له بما ورد من سيرة علي أمير
المؤمنين (عليه السلام) في أهل صفين، والجمل، والنهروان،
فمن ذلك ما ورد عن أبي حمزة الثمالي، قال: " قلت
لعلي بن الحسين (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) سار في أهل
القبلة بخلاف سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل
الشرك، قال: فغضب، ثم جلس، ثم قال: سار فيهم
بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح، إن عليا (عليه السلام)
كتب إلى مالك وهو على مقدمته في يوم البصرة: بأن
لا يطعن في غير مقبل، ولا يقتل مدبرا، ولا يجيز
على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، فأخذ الكتاب
فوضعه بين يديه على القربوس من قبل أن يقرأه، ثم
قال: اقتلوا، فقتلهم حتى أدخلهم سكك البصرة، ثم
فتح الكتاب فقرأه ثم أمر مناديا فنادى بما في
الكتاب " (2).
وعن عبد الله بن شريك، عن أبيه، قال: " لما



(1) أنظر المسالك 3: 42، والرياض 7: 537.
(2) الروضة البهية 2: 407.
(1) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 456، والمنتهى
(الحجرية) 2: 987، والجواهر 21: 328.
(2) الوسائل 15: 74، الباب 24 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 2.
164
هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا
تتبعوا موليا، ولا تجيزوا على جريح، ومن أغلق بابه
فهو آمن، فلما كان يوم صفين قتل المقبل والمدبر،
وأجاز على الجريح.
فقال أبان بن تغلب لعبد الله بن شريك: هذه
سيرتان مختلفتان؟ فقال: إن أهل الجمل قتل طلحة
والزبير، وإن معاوية كان قائما بعينه وكان
قائدهم " (1).
وهناك روايات أخرى بهذا المضمون.
وفي الحالتين: إذا وقع أسير من أهل البغي في
أيدي أهل العدل، فلا يخلو: إما أن يكون من أهل
القتال أو لا:
1 - فإن كان من أهل القتال، وهو الشاب
الجلد الذي يقاتل، تعرض عليه المبايعة، فإن بايع
على الطاعة والحرب قائمة، قبل ذلك منه وأطلق،
وإن لم يبايع ترك في الحبس حتى تنقضي
الحرب.
فإذا انقضت الحرب، ففيه حالتان:
أ - فإن أتى الذين كان يقاتل هذا الأسير
معهم تائبين، أو طرحوا السلاح وتركوا القتال، أو
ولوا مدبرين إلى غير فئة، أطلق سراحه.
ب - وإن ولوا مدبرين إلى فئة لا يطلق
سراحه، بل يبقى في السجن، وقد ادعى بعض الفقهاء
الإجماع على ذلك (1).
2 - وإن كان الأسير من غير أهل القتال:
كالنساء والصبيان والمراهقين والعبيد ونحوهم،
فيرى بعض الفقهاء - كالشيخ (2) -: أن حكمهم
السجن أيضا حتى تنتهي الحرب فيطلق سراحهم،
ويرى بعض آخر - كالعلامة (3) والشهيد الأول (4) -
أنهم لا يحبسون، واختاره الشيخ في الخلاف (5).
ولا يجوز سبي ذراري الفريقين من أهل
البغي، ولا تملك نساؤهم، بلا خلاف بين الأمة - كما
قاله العلامة في التذكرة (6) - وإجماعا كما صرح به
آخرون (7).
ونقل في المختلف عن بعض الشيعة - ولم
يسمهم -: أن الإمام بالخيار إن شاء أسرهم وإن
شاء من عليهم فلم يأسرهم، وما كان من علي (عليه السلام)
يوم البصرة إنما كان منا منه، كما فعل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بأهل مكة (8).



(1) الوسائل 15: 74، الباب 24 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 3.
(1) أنظر: التذكرة (الحجرية) 1: 456، المنتهى
(الحجرية) 2: 987.
(2) المبسوط 7: 271.
(3) المختلف 4: 454. التذكرة (الحجرية) 1: 456.
(4) الدروس 2: 42.
(5) الخلاف 5: 341، كتاب الباغي، المسألة 7.
(6) التذكرة (الحجرية) 2: 456، وانظر المنتهى
(الحجرية) 2: 988.
(7) أنظر: الشرائع 1: 337، والجواهر 21: 334
وغيرهما.
(8) المختلف 4: 453.
165
ونسب الشهيد - في الدروس (1) - هذا الرأي
إلى الحسن بن أبي عقيل، لكن الذي نسبه إليه
العلامة هو القول المعروف.
ومهما يكن فهذا القول شاذ. نعم، هناك بعض
النصوص تدل على هذا المعنى، منها ما رواه زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " لولا أن عليا سار في
أهل حربه بالكف عن السبي والغنيمة، للقيت شيعته
من الناس بلاء عظيما، ثم قال: والله لسيرته كانت
خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس " (2).
وقال صاحب الجواهر معلقا - بعد سرد بعض
هذه الروايات -: "... على أنه (عليه السلام) مع منه عليهم بما
من، وكانت سيرته معلومة لديهم وقد فعلوا في
كربلاء ما فعلوا " (3).
والذي يراه الفقهاء من الوظيفة الفعلية هو
عدم جواز التعرض للنساء والذراري من البغاة
وعدم سبيهم.
المقام الثاني
حكم الأسارى المسلمين الذين في أيدي الكفار
ذكر الفقهاء للأسارى المسلمين الذين يقعون
في أيدي الكفار أحكاما في مواطن متفرقة،
نشير إلى أهمها فيما يلي:
أولا - النهي عن الاستئسار:
ورد النهي في بعض الروايات عن أن يستأسر
المجاهد من دون أن يغلب عليه أو تحصل فيه جراحة
مثقلة، فقد ورد عن علي (عليه السلام) قال: " لما بعث رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بالراية معي، بعث معي ناسا، فقال لهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استأسر من غير جراحة مثقلة
فليس منا " (1)، وورد عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال:
" حرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس يوم خيبر، فقال:
من استأسر من غير جراحة مثخنة فليس منا " (2)،
وورد عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين (عليهما السلام):
" أن عليا (عليه السلام) كان يقول: من استأسر من غير أن
يغلب، فلا يفدى من بيت مال المسلمين، ولكن
يفدى من ماله إن أحب أهله " (3).
ثانيا - حكم الشروط التي يعقدها الكفار مع الأسير
لإطلاق سراحه:
قال الشيخ في المبسوط: " إن أسر المشركون
مسلما ثم أطلقوه على أن يكونوا منه في أمان ويقيم
عندهم ولا يخرج إلى دار الإسلام كانوا منه في أمان
وعليه أن يخرج إلينا متى قدر، ولا يلزمه الإقامة
بالشرط، لأنه حرام... " (4).



(1) الدروس 2: 42.
(2) الوسائل 15: 79، الباب 25 من أبواب جهاد العدو،
الحديث 8.
(3) الجواهر 21: 337.
(1) المستدرك 11: 70، الباب 26 من أبواب
جهاد العدو، الأحاديث 1، 3 و 2.
(2) المستدرك 11: 70، الباب 26 من أبواب
جهاد العدو، الأحاديث 1، 3 و 2.
(3) المستدرك 11: 70، الباب 26 من أبواب
جهاد العدو، الأحاديث 1، 3 و 2.
(4) المبسوط 2: 24.
166
ونحوه قال بعض آخر كالقاضي (1)، والمحقق
الحلي (2)، والعلامة الحلي (3)، وصاحب الجواهر (4).
وقال الشيخ أيضا: " وإن أطلقوه على مال
يحمله إليهم من دار الإسلام فإن لم يفعل وإلا عاد،
فلا يلزمه الوفاء بذلك، لا بحمل المال ولا بالعود،
وأما الفداء، فإنهم إن كانوا أكرهوه على الضمان لم
يلزمه الوفاء به، لأنه أمر مكروه محرم، وإن تطوع
ببذل الفداء فقد عقد عقدا فاسدا، لا يلزمه الوفاء
به " (5).
ونحوه قال آخرون (6).
ثالثا - عقد الأسير الأمان للكفار:
قال العلامة: " الأسير من المسلمين إذا عقد
أمانا باختياره نفذ " (7). يعني إذا كان المسلم أسيرا
في أيدي المشركين وطلبوا منه أن يعقد لهم الأمان،
فإن كان مختارا غير مكره في ذلك صح أمانه، وإن
كان مكرها لم يصح.
رابعا - جعل الأسير حكما:
قال الشيخ ما مضمونه: إذا جعل الكفار
الأسير المسلم حكما بينهم وبين المسلمين بحيث
ينزلون على حكمه إذا حكم، فإن كان حسن الرأي
جاز النزول على رأيه، لكن على كراهة (1).
خامسا - تترس الكفار بالأسارى المسلمين:
لو تترس الكفار بأسارى المسلمين - بأن
جعلوهم كالترس يحمون به أنفسهم من المسلمين -
ففيه حالتان:
1 - أن يمكن دفع الكفار أو التسلط عليهم من
دون قتل المسلمين، فيحرم في هذه الحالة قتل
المسلمين، ولو قتلهم أحد من المسلمين، فإن كان
عمدا فعليه القود والكفارة، وإن كان خطأ فعليه
الكفارة، والدية على عاقلته، بلا خلاف ولا
إشكال، كما قال في الجواهر (2).
2 - أن لا يمكن ذلك إلا بقتل المسلمين،
فالرأي المشهور هو جواز قتلهم، بل ادعي عدم
الخلاف فيه (3)، لكن اشترط بعضهم - كالمحقق (4)



(1) المهذب 1: 320.
(2) شرائع الإسلام 1: 315.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 917. التذكرة (الحجرية) 2:
417 - 418.
(4) الجواهر 21: 107.
(5) المبسوط 2: 25.
(6) أنظر المصادر المتقدمة.
(7) المنتهى (الحجرية) 2: 914، والتذكرة (الحجرية) 1:
415.
(1) المبسوط 2: 17.
(2) الجواهر 21: 72.
(3) الرياض 7: 507.
(4) الشرائع 1: 312.
167
والعلامة (1) - أن تكون الحرب ملتحمة، فإذا كانت
غير ملتحمة بل كانت منتهية لكن تترس الكفار
بالمسلمين فلا يجوز قتلهم.
اختلفوا في ثبوت الكفارة في الصورة الثانية
- وهي حالة الاضطرار - بعد نفي القود والدية، على
أقوال:
1 - القول بثبوتها، وهو المشهور (2).
2 - القول بعدم ثبوتها، وهو منسوب إلى
الشيخ في النهاية (3).
3 - التردد، وهو الظاهر من المحقق الحلي (4)
والعلامة الحلي (5).
وهل الكفارة - هنا - كفارة عمد أو خطأ؟
فيها وجهان:
أ - إنها كفارة عمد، نظرا إلى الواقع، حيث إن
القاتل كان قاصدا لقتل المسلم، استوجه الشهيد
الثاني (6) هذا الوجه، وقواه صاحب الجواهر (7).
ب - إنها كفارة خطأ، لأن مطلوبه هو
الكافر (1).
واختلفوا في أن الكفارة - هنا أيضا - على
القاتل أو على بيت المال؟
1 - استظهر صاحب الجواهر من المحقق
والعلامة والشهيد والمقداد: الأول (2).
2 - وصرح الشهيد الثاني بأنها على بيت
المال، لأنه معد لمصالح المسلمين، وهذا من أهمها،
ولأن إيجابها على المسلم يستلزم تخاذل المسلمين
عن حرب المشركين (3)، وتبعه السيد الطباطبائي (4)،
ويظهر من صاحب الجواهر اختيار ذلك
أيضا (5).
سادسا - إقامة الأحكام (الحدود والقصاص) على
الأسارى:
قال ابن البراج: " إذا كان قوم من المسلمين
أسارى في دار الحرب، وقتل بعضهم بعضا أو
تحاربوا ثم صاروا إلى دار الإسلام، أقيمت عليهم
الأحكام في ذلك... " (6).



(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 910، والتذكرة
(الحجرية) 2: 413.
(2) أنظر: الرياض 7: 506، والجواهر 21: 71.
(3) النهاية: 293.
(4) نسب إليهما السيد الطباطبائي وصاحب الجواهر،
أنظر الرياض 7: 506، والجواهر 21: 71، وانظر
الشرائع 1: 312، والمختصر النافع: 112، والتحرير
1: 136.
(5) نسب إليهما السيد الطباطبائي وصاحب الجواهر،
أنظر الرياض 7: 506، والجواهر 21: 71، وانظر
الشرائع 1: 312، والمختصر النافع: 112، والتحرير
1: 136.
(6) المسالك 3: 26، والروضة البهية 2: 394.
(7) الجواهر 21: 22.
(1) لم أعثر على من نسب إليه هذا الرأي، وإنما اكتفى من
تعرض للمسألة بذكره.
(2) الجواهر 21: 72.
(3) المسالك 3: 26.
(4) الرياض 7: 507.
(5) الجواهر 21: 72.
(6) المهذب 1: 319، وانظر المبسوط 2: 35.
168
سابعا - حكم تزوج المسلم الأسير بالكافرة:
قال الشيخ في النهاية: " والمسلم إذا أسره
المشركون، لم يجز له أن يتزوج فيما بينهم، فإن اضطر
جاز له أن يتزوج في اليهود والنصارى، فأما غيرهم
فلا يقربهم على حال " (1).
ووافقه ابن إدريس (2)، والشهيد الأول (3).
ثامنا - حكم أولاد المسلمة الحرة الأسيرة المتولدين
من الكفار:
وقال القاضي أيضا: " إذا أسر مشرك امرأة
حرة مسلمة، ووطأها بغير نكاح، ثم ظفر المسلمون
بها، لم يسترق أولادها، وكانوا مسلمين بإسلامها،
وكذلك الحكم إن كان لها زوج في دار الإسلام، إلا
أن أولادها من المشرك لا يلحقون بزوجها المسلم،
وإنما يلحقون بالمشرك وإن كان نكاحها فاسدا،
للشبهة " (4).
تاسعا - حق الأسير في الغنيمة:
إذا انفلت أسير من يد المشركين ولحق
الغانمين، فقد ذكر الشيخ في المبسوط له ثلاث
حالات:
إحداها - أن يلحق بهم قبل انقضاء القتال
وحيازة المال، ويحضر معهم القتال ويشهد الواقعة،
فهذا يسهم له، لأن الاعتبار بحال الاستحقاق.
ثانيتها - أن يلحق بهم قبل انقضاء الحرب
وقبل حيازة المال، فهذا يسهم له أيضا.
ثالثتها - أن يلحق بهم بعد انقضاء القتال وبعد
حيازة الغنيمة، فإنه يسهم له ما لم تقسم الغنيمة (1).
ومفهوم كلامه أنها لو قسمت ثم التحق لم
يكن له شئ.
وادعى العلامة الإجماع على عدم الاستحقاق
في هذه الصورة (2)، ويظهر من صاحب الجواهر ذلك
أيضا (3).
عاشرا - عبادات الأسير:
أ - الصلاة:
إذا خاف الأسير من إقامة الصلاة أمام العدو
جهارا صلى إيماء، لما رواه سماعة، قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام)، عن الرجل يأخذه المشركون
فتحضره الصلاة فيخاف منهم أن يمنعوه، فيومئ؟
قال: يومئ إيماء " (4)، وفي روايته الأخرى: " سألته



(1) النهاية: 296.
(2) السرائر 2: 15.
(3) الدروس 2: 37.
(4) المهذب 1: 319، وانظر المبسوط 2: 35.
(1) المبسوط 2: 72.
(2) المنتهى 2: 953.
(3) الجواهر 21: 200.
(4) الوسائل 8: 448، الباب 5 من أبواب صلاة الخوف،
الحديث 2.
169
عن الأسير يأسره المشركون... " (1).
وإن صدق على الأسير عنوان " المسافر "
قصر وإلا فالذي استظهره صاحب الجواهر (2) من
عبارات القدماء هو عدم التخفيف في عدد الركعات
بسبب الخوف، بل يقتصر على القصر في الكيفية،
وهو أن يومئ إيماء كما تقدم. وقد صرح بذلك
الشهيد في الذكرى (3).
ويصدق " المسافر " عليه بقصد المسافة ولو
عن إكراه وتبعا لقصد من استأسره، فإن لم يعلم
بذلك بقي على التمام حتى يحصل له العلم به (4).
ب - الصوم:
قال السيد اليزدي: " الأسير والمحبوس إذا لم
يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر (5)، عملا بالظن،
ومع عدمه تخيرا في كل سنة بين الشهور، فيعينان
شهرا له، ويجب مراعاة المطابقة بين الشهرين في
سنتين، بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا... " (6).
ونقل السيد الحكيم عدة إجماعات على
ذلك (7).
حادي عشر - زوجة الأسير:
جاء في منهاج الصالحين للسيدين الحكيم
والخوئي: " الغائب إن عرف خبره وعلمت حياته
صبرت امرأته، وكذا إن جهل خبره وأنفق عليها
وليه من مال الغائب أو من مال نفسه، وإن لم يكن
للغائب مال ولم ينفق الولي عليها من مال نفسه،
فإن صبرت المرأة على ذلك فهو، وإن لم تصبر
فالمشهور: أنها ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي
فيؤجلها أربع سنين، ثم يفحص عنه في الجهات
التي فقد فيها، فإن علم حياته صبرت، وإن علم
موته اعتدت عدة الوفاة، وإن جهل حاله
وانقضت الأربع سنين أمر الحاكم وليه بأن يطلقها،
فإن امتنع أجبره، فإن لم يكن له ولي أو لم يمكن
إجباره طلقها الحاكم، ثم اعتدت عدة الوفاة
وليس عليها فيها حداد، فإذا خرجت من العدة
صارت أجنبية عن زوجها وجاز لها أن تتزوج من
شاءت، وإذا جاء زوجها حينئذ، فليس له عليها
سبيل، وما ذكره المشهور قريب وإن منعه
بعض " (1).
وبهذا المضمون قال الإمام الخميني أيضا، إلا
أنه قال: " وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمل ونظر، إلا



(1) الوسائل 8: 448، الباب 5 من أبواب صلاة الخوف،
الحديث 3.
(2) الجواهر 14: 188.
(3) الذكرى: 264.
(4) أنظر المستمسك 8: 29 - 30.
(5) أي شهر رمضان.
(6) المستمسك 8: 476، وانظر الجواهر 16: 381.
(7) المستمسك 8: 476، وانظر الجواهر 16: 381.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 319 - 320،
كتاب الطلاق، فصل في العدة، المسألة 8، منهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 300، كتاب الطلاق،
فصل في العدة، المسألة 1459.
170
أن اعتبار الجميع هو الأحوط " (1).
وجاء في منهاج الصالحين أيضا: " ذكر بعض
الأكابر: أن المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكن
زوجته من الصبر يجوز للحاكم أن يطلق زوجته،
وكذلك المحبوس الذي لا يمكن إطلاقه من الحبس
أبدا إذا لم تصبر زوجته على هذه الحال.
وما ذكره (قدس سره) بعيد. وأبعد منه ما ذكره أيضا، من
أن المفقود إذا أمكن إعمال الكيفيات المذكورة، من
ضرب الأجل والفحص، لكن كان ذلك موجبا للوقوع
في المعصية، تجوز المبادرة إلى طلاقها من دون ذلك.
ولازم كلامه جواز المبادرة إلى طلاق الزوجة
بلا إذن من الزوج إذا علم كون بقائها على الزوجية
موجبا للوقوع في المعصية! وهو كما ترى! " (2).
وعلق الشهيد الصدر على قوله: " وما ذكره
بعيد " بقوله: " ولكنه قريب فيما إذا علم بأنه قد
أهمل زوجته في النفقة وقصر في ذلك ولم يمكن
تحصيله لإجباره على الإنفاق، فإن حاله حينئذ
حال الحاضر الممتنع عن الإنفاق على زوجته مع
تعذر إجباره على الإنفاق أو الطلاق " (3).
لكن هل يشمل كلامه مثل الأسير الذي
لا يؤمن خلاصه، ولا يمكن للمرأة الصبر؟
ثاني عشر - ميراث الأسير:
الأسير إن عرف خبره من الحياة أو الممات
فيترتب عليه أثره، فهو يرث من قريبه ويفرز له
نصيبه حتى يأتي، وقيل: يجوز لسائر الوراث
التصرف فيه مع الضمان (1)، ويرث منه أقرباؤه لو
علموا بموته.
وأما لو لم يعلم بحياته ولا مماته فيدخل تحت
عنوان " المفقود "، والأقوال في كيفية الإرث منه،
أربعة (2)، وهي:
1 - تحبس أمواله عن ورثته بقدر ما يطلب في
الأرض - أربع سنين - ويفحص عنه. ذهب إليه
الصدوق (3)، والسيد المرتضى (4)، والحلبي (5)،
والعلامة (6)، والشهيدان (7)، وصاحب الكفاية (8)،



(1) تحرير الوسيلة 2: 304، كتاب الطلاق، القول في عدة
الوفاة، المسألة 11. وانظر الجواهر 32: 288 وما بعده.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 319 - 320،
كتاب الطلاق، فصل في العدة، المسألة 8 و 9، منهاج
الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 300، كتاب الطلاق،
فصل في العدة، المسألة 1468.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 320.
(1) المبسوط 4: 125.
(2) تقدمت هذه الأقوال في ميراث المفقود في عنوان
" إرث "، وإنما ذكرناها تيسيرا للقارئ.
(3) الفقيه 4: 330، باب ميراث المفقود، ذيل الحديث
5707.
(4) الانتصار: 307.
(5) الكافي: 378.
(6) المختلف (الحجرية): 749.
(7) الدروس 2: 352، والروضة البهية 8: 50.
(8) كفاية الأحكام: 292.
171
والمحدث الكاشاني (1)، والسيد الطباطبائي (2)،
والسيد الحكيم (3)، والسيد الخوئي (4)، واستظهر
الأخير جواز التقسيم بعد مضي عشر سنوات بلا
حاجة إلى الفحص.
2 - الانتظار أربع سنين فيمن فقد في عسكر
شهدت هزيمته، وقتل من كان فيه أو أكثرهم.
والمأسور في قيد العدو يوقف ماله ما جاء خبره،
فإذا انقطع ينتظر عشر سنين من زمن الانقطاع.
وأما من لا يعرف مكانه في غيبته ولا خبر له،
فينتظر عشر سنين أيضا.
ذهب إلى هذا الرأي ابن الجنيد (5).
3 - إن كان الورثة ملآء - أي: ليسوا فقراء -
اقتسموا المال بينهم، وهم ضامنون له إن عرف
خبره بعد ذلك، ولا بأس ببيع دار المفقود بعد عشر
سنين من فقده.
ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد (6).
4 - لا تقسم أمواله إلا مع العلم بموته
- بالتواتر، أو بالبينة، أو بالخبر المحفوف بالقرائن
المفيدة للعلم - أو انقضاء مدة لا يعيش مثله إليها
غالبا، لأصالة بقاء حياة الغائب وبقاء التركة على
ملكه حتى يثبت ما يزيل ذلك.
وهذا رأي الشيخ (1) وتابعيه، بل ادعي أنه
المشهور، وأنه رأي أكثر الفقهاء (2).
مفاداة الأسرى ومبادلتهم:
لم يتعرض الفقهاء لهذا الموضوع - مع ما فيه
من الأهمية - بصورة مستقلة، نعم جعل له العلامة
عنوانا مستقلا في المنتهى، وتعرض له ضمن
موضوع آخر في التذكرة.
أنواع الفداء:
إن التفدية - كما يستفاد من كلام الفقهاء - على
نحوين:
الأول - تفدية الأسارى بالأسارى:
وهو ما يعبر عنه بتبادل الأسرى، وقد فعله
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجرت السيرة من بعده، ففادي
رجلين من المسلمين برجل من المشركين (3)،
وذكروا قضايا أخرى تتضمن مبادلة الأسارى أيام



(1) المفاتيح 3: 319.
(2) الرياض (الحجرية) 2: 373.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 412، كتاب
الإرث، ميراث المفقود، المسألة 10.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 379، كتاب
الإرث، ميراث المفقود، المسألة 1827.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف (الحجرية): 749.
(6) المقنعة: 706.
(1) المبسوط 4: 125.
(2) أنظر الروضة البهية 8: 49، وكفاية الأحكام: 291،
والمفاتيح 3: 319، والجواهر 39: 63.
(3) أنظر: الخلاف 4: 193، وسنن الدارمي 2: 223،
باب فداء الأسرى، وسنن الترمذي 4: 135، باب ما
جاء في قتل الأسارى والفداء، الحديث 1568.
172
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
الثاني - تفدية الأسارى بالمال:
والأسارى تارة كفار وتارة مسلمون:
أ - تفدية الأسارى الكفار بالمال:
بمعنى أن يؤخذ منهم المال في مقابل إطلاق
سراحهم، فقد فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدر، والقضية
- كما قال الشيخ - مشهورة، فقيل: إنه فادى كل
رجل بأربعمئة، وقيل: بأربعة آلاف، وفيهم نزل
قوله تعالى: * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى
يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة
والله عزيز حكيم) * (2).
وروي أن أبا العاص زوج زينب كان ممن
وقع في الأسر، وكانت هي بمكة، فأنفذت مالا
لتفكه من الأسر، وكانت فيه قلادة لأمها خديجة
أدخلت بها زينب على أبي العاص، فلما رآها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرفها، فرق لها رقة شديدة، فقال:
" لو خليتم أسيرها ورددتم مالها، قالوا: نعم، ففعلوا
ذلك " (3).
فالقضية تدل على جواز المفاداة بالمال،
وأما رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) القلادة على زينب، فلعله
لحرمة خديجة - سلام الله عليها - ومكانتها
وما قامت به من خدمات للإسلام. وفي بعض
الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله) اشترط على أبي العاص
- وكان ابن أخت خديجة - أن يبعث إليه زينب
ولا يمنعها من اللحوق به، فعاهده على ذلك ووفى
له (1).
ب - تفدية الأسارى المسلمين بالمال:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لهذا النوع، نعم
تعرض له بعضهم كالشيخ في المبسوط (2)، والعلامة
في المنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5). قال في
المنتهى:
" يجب فداء الأسارى المسلمين مع المكنة،
روى ابن الزبير: أنه سأل الحسن بن علي (عليهما السلام):
على من فكاك الأسير؟ قال: على الأرض الذي
يقاتل عليها (6)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أطعموا



(1) أنظر على سبيل المثال: صحيح مسلم 3: 1375، كتاب
الجهاد، باب فداء المسلمين الأسارى، الحديث 46،
المسلسل 1755.
(2) الأنفال: 67.
(3) الخلاف 4: 193 - 194.
(1) مجمع البيان 3 - 4: 559.
(2) المبسوط 2: 52.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 958.
(4) التذكرة (الحجرية) 1: 437.
(5) التحرير (الحجرية) 1: 148.
(6) لم نعثر على ذلك، نعم جاء في دعائم الإسلام للقاضي
النعمان: " وعن الحسين بن علي أنه قال: فكاك... الخ "
أنظر دعائم الإسلام 1: 377، ورواه عنه الشيخ النوري
في المستدرك 11: 128، باب نوادر ما يتعلق بأبواب
جهاد العدو، الحديث 20، وبهامشه: في نسخة
" الحسن "، أي بدل " الحسين ".
173
الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني (1). وروى
حنان بن أبي حبلة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن
على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم، ويعودوا
عن غازيهم (2)، وكتب (صلى الله عليه وآله) كتابا بين المهاجرين
والأنصار: أن يعقلوا معاقلهم، وأن يكفوا عامهم
بالمعروف (3)، وقد فادى النبي (صلى الله عليه وآله) رجلين من
المسلمين برجلين أخذهما من بني عقيل (4) ".
على من الفداء؟
لم يصرح الفقهاء بذلك، لكن يستفاد من
الروايات التي ذكرها العلامة أنه على المسلمين، إما
مطلقا كما يستفاد من غير الأولى، وإما على مسلمي
الأرض التي كان يقاتل عليها كما يستفاد من الرواية
الأولى، لكن لا يبعد أن يكون على بيت المال المعد
لمصالح المسلمين، ولعله لأجل هذا عد ابن الجنيد فك
الأسارى من جملة مصارف سهم " الرقاب " الذي
هو من سهام الزكاة، لكن قيده بما إذا لم يقدر على
فدية نفسه (5). ويمكن إدخاله تحت عنوان " سبيل
الله " بناء على شموله لكل سبل الخير المضافة إليه
تعالى.
ويؤيد كون الفداء على بيت المال مفهوم ما
ورد عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين
(عليه السلام): " أن عليا (عليه السلام) كان يقول: من استأسر من
غير أن يغلب، فلا يفدى من بيت مال المسلمين،
ولكن يفدى من ماله إن أحب أهله " (1).
كان هذا أهم ما يتعلق بموضوع الأسارى،
وبقيت أمور أخرى أعرضنا عن الإشارة إليها مخافة
التطويل.
مظان البحث:
يتضمن كتاب الجهاد أكثر أبحاث هذا
الموضوع. ويأتي التطرق إليه في كتب أخرى:
كالصلاة بمناسبة مسألتي صلاة الخوف أو الصلاة
الإيمائية، والقصر في الصلاة، وفي كتاب الصوم
- أيضا - بمناسبة الكلام في إحراز شهر رمضان، وفي
كتاب الخمس بمناسبة ما يتعلق به الخمس من
الغنائم، وفي كتاب الطلاق في أحكام العدد في عدة
المفقود، وفي كتاب الميراث في ميراث المفقود، ونحو
ذلك من الموارد المتفرقة.



(1) مسند أحمد 4: 394، نقله عن أبي موسى الأشعري،
وانظر سنن الدارمي 2: 223، باب في فكاك الأسير.
(2) لم نعثر على مصدره.
(3) لم نعثر على مصدره.
(4) أنظر الصفحة 172، الهامش رقم 3 (العمود الثاني).
(5) المختلف 3: 201.
(1) مستدرك الوسائل 11: 70، الباب 26 من أبواب
جهاد العدو، الحديث 2.
174
أسباب
لغة:
جمع سبب، وهو: الحبل، والحبل: ما يتوصل
به إلى الاستعلاء، ثم استعير لكل شئ يتوصل به
إلى أمر من الأمور (1).
اصطلاحا:
عرف الشهيد الأول السبب بأنه: " كل
وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه معرفا
لإثبات حكم شرعي، بحيث يلزم من وجوده
الوجود، ومن عدمه العدم، ويمتنع الحكم بدونه " (2).
وتقييده بكونه معرفا مبتن على كون الأسباب
الشرعية معرفات لا مؤثرات، كما يأتي توضيحه.
ولهم إطلاق آخر للسبب - وهو إطلاقه في
مقابل المباشرة - قد مر في عنوان " إتلاف " فراجع.
لعنوان السبب بحوث كثيرة سوف يأتي
التطرق إليها في عنوان " سبب "، لكن لما كانت كلمة
" أسباب " مضافة إلى أمور كثيرة، وقد انتهى
إطلاقها في بعض الموارد إلى أن تكون اصطلاحا،
ولما لم يمكننا التعرض لجميع الموارد، لبلوغها
العشرات، فلذلك اكتفينا بذكر ما رأينا مناسبا ذكره
- هنا - وتركنا الكلام حول ما تبقى منها إلى ما
يناسبها، وهو العنوان الذي أضيفت إليه كلمة
" الأسباب "، فأسباب الإباحة وأسباب الارتداد
وأسباب الإرث تقدم البحث فيها تحت عناوين
" إباحة " و " ارتداد " و " إرث "، وأسباب التيمم
والغسل والوضوء سوف يأتي البحث فيها تحت
عناوين: " تيمم " و " غسل " و " وضوء "، وهكذا
أسباب التلف، وأسباب الضمان، وأسباب العتق،
وأسباب إزالة العتق، و....
أسباب الاختصاص
وهي الأمور التي تسبب اختصاص الأرض
- أو ما يراد إحياؤه - بشخص معين أو طبقة خاصة،
وتمنع الغير عن القيام بإحيائها، وهذه الأسباب كما
ذكرها العلامة في القواعد ستة:
1 - العمارة: فلا يملك معمور بالإحياء، بل
هو لمالكه.
2 - حريم العامر: لا يصح إحياء حريم العامر
لاختصاصه بأصحاب المعمور.
3 - اليد: كل أرض عليها يد مسلم لا يصح
إحياؤها لغير المتصرف، بل هي مختصة به.
4 - التحجير: كل من حجر أرضا فهي مختصة
به، ما لم يخالف شرطا من شروطه.



(1) المصباح المنير: " سبب ". وانظر لسان العرب: المادة
نفسها.
(2) القواعد والفوائد 1: 39، القاعدة 9.
175
5 - المشعرية: كل أرض تكون مشعرا
للعبادة ك‍ " عرفة " و " منى "، فهي تختص بالعبادة
والمتعبدين فيها.
6 - الإقطاع: وهو إعطاء النبي (صلى الله عليه وآله) أو
الإمام (عليه السلام) أرضا لشخص على أن يقوم بعمارتها،
كما أقطع النبي (صلى الله عليه وآله) بعض الصحابة (1)، وهو يسبب
اختصاص الأرض بالمقطع له.
وفي حكم الإقطاع " الحمى " وهو منع
النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) الناس عن رعي كلأ
المحمي من الأرض المباحة، ليختص به دونهم، كما
حمى النبي (صلى الله عليه وآله) " النقيع " (2).
يراجع تفصيل هذه الموارد في نفس العناوين
المذكورة، ويراجع - أيضا - عنوان " إحياء " حيث
تكلمنا فيه حولها تحت عنوان: " شروط الإحياء ".
الأسباب الاختيارية
راجع: أسباب الانتقال.
أسباب الانتقال
المقصود من الانتقال: انتقال ملك أو حق من
شخص إلى آخر، وأسباب الانتقال هي الأمور التي
يستلزم وجودها انتقال ملك أو حق. وهي قد
تكون اختيارية، وقد تكون قهرية:
أولا - أسباب الانتقال القهرية:
وهي التي يؤدي وجودها إلى انتقال الملك أو
الحق من شخص إلى آخر من دون اختيارهما.
وهذه الأسباب هي:
1 - الموت: وهو سبب للتوارث الذي هو
سبب قهري للانتقال.
2 - الارتداد الفطري: وهو بحكم الموت،
فيكون سببا للإرث الذي هو سبب قهري لانتقال
أموال المرتد وحقوقه إلى ورثته، والحكم مختص
بالرجل.
راجع: إرث، ارتداد.
ثانيا - أسباب الانتقال الاختيارية:
وهي التي يستلزم وجودها انتقال ملك أو
حق من شخص إلى آخر، باختيارهما أو باختيار
أحدهما - على الأقل - وهي:
1 - أسباب تفيد ملك العين بعقد معاوضة:
كالبيع، والصلح، والمزارعة، والمساقاة،
والمضاربة.



(1) كما أقطع النبي عبد الله بن مسعود " الدور " - وهي اسم
موضع بالمدينة -، والزبير مقدار حضر فرسه - أي
بمقدار عدوه -، وبلال بن الحارث " العقيق "، ووابل بن
حجر أرضا بحضرموت، أنظر الجواهر 38: 55.
(2) أنظر: القواعد (الحجرية) 1: 219 - 221، وجامع
المقاصد 7: 19 - 33، ومفتاح الكرامة 7: 6 - 32.
والنقيع: موضع قرب المدينة كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
حماه لخيله. معجم البلدان 5: 310، " نقيع ".
176
2 - أسباب تفيد ملك العين بعقد لا معاوضة
فيه: كالهبة، والصدقة، والوصية بالعين.
3 - أسباب تفيد ملك العين بغير عقد:
كالحيازة، وإحياء الموات (1)، والاغتنام، والالتقاط.
4 - أسباب تفيد ملك المنفعة بعقد معاوضة:
كالإجارة.
5 - أسباب تفيد ملك المنفعة بعقد لا معاوضة
فيه: كالوصية بالمنفعة، وكبعض أنواع الوقف،
كوقف بستان على طبقة خاصة على أن تكون منافعه
لهم.
6 - أسباب تفيد ملك المنفعة لا بعقد: كفتح
الأراضي عنوة، فإن فتح الأراضي عنوة سبب لملك
المسلمين المنفعة الحاصلة منها من دون عقد (2).
7 - أسباب تفيد ملك الانتفاع بعقد معاوضة:
مثل ملكية انتفاع الزوج ببضع الزوجة، فإن الزوج
لا يملك العين ولا المنفعة، لكن يملك الانتفاع.
8 - أسباب تفيد ملك الانتفاع بعقد لا معاوضة
فيه: كما في ملكية الموقوف عليهم في الأوقاف
العامة - كالمساجد، والمشاهد، والمدارس،
ونحوها - فإن الموقوف عليهم يملكون الانتفاع بعقد
الوقف - وهو لا معاوضة فيه - ولا يملكون العين
ولا المنفعة.
9 - أسباب تفيد ملك الانتفاع لا بعقد: كما في
تملك الضيف الانتفاع بالأكل في دار المضيف، فإن
الضيف يملك حق الانتفاع بالأكل والشرب
وبالمكان، ولا يملك العين ولا المنفعة.
راجع: انتفاع، منفعة، حق، ملك.
أسباب التحريم
وهي الأمور التي تستلزم حرمة المرأة على
الرجل، وهي:
أولا - النسب:
يحرم على الرجل سبعة أصناف من النساء
حسبما تضمنته الآية الشريفة، وهي قوله تعالى:
* (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم
وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) * (1).
والمراد بالأم: كل أنثى ينتهي إليها نسبك
بالولادة، بواسطة أو بغيرها.
والمراد بالبنت: كل أنثى ولدتها أو ولدت من
ولدها - ذكرا كان أو أنثى - بواسطة أو بغير واسطة،



(1) بناء على إفادته الملكية لا حق الاختصاص.
(2) ذكر الشهيد الأول (قدس سره) هذه الأمور في القواعد والفوائد
(1: 36، القاعدة 7) تحت عنوان " أسباب تفيد الملك "
وجعل مثال القسم السادس " إرث المنافع ": لكن لما
جعلنا الإرث من الأسباب غير الاختيارية ذكرنا مكانه
المثال المتقدم، كما أنه لم يتطرق لأسباب ملك الانتفاع،
وما ذكرناه إنما استفدناه من محاضرات أساتذتنا،
ودراساتنا في الفقه.
(1) النساء: 23.
177
فيشمل هذا التحديد بنات البنت وإن نزلن، وبنات
الابن كذلك.
والمراد بالأخت: كل امرأة ولدها أبواك أو
أحدهما.
والمراد بالعمة: كل أنثى هي أخت ذكر ولدك
بواسطة أو بغيرها، سواء كانت الأخوة من جهة
الأب أو الأم أو منهما. ويشمل التحديد عمات الأب
وعمات الأم فصاعدا، أي: عمات الجد والجدة،
وهكذا.
والمراد بالخالة: كل أنثى هي أخت أنثى
ولدتك بواسطة أو بغير واسطة، فيشمل التحديد
خالة الأب، وخالة الأم، وخالة الجد، وخالة الجدة،
وهكذا.
والمراد من بنات الأخ: كل أنثى ولدها الأخ
بواسطة أو بغير واسطة.
والمراد من بنات الأخت: كل أنثى ولدتها
الأخت بواسطة أو بغيرها.
والضابطة الكلية هي: أنه يحرم على الإنسان
- رجلا كان أو امرأة - كل قريب عدا أولاد العمومة
والخؤولة، والحرمة من الطرفين، فكما تحرم بنت
الأخت على الخال، يحرم الخال على بنت الأخت
أيضا (1).
راجع: نسب.
ثانيا - الرضاع:
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، بمعنى
أن كل امرأة حرمت بالنسب حرمت نظيرتها
الواقعة موقعها في الرضاع (1).
راجع: رضاع.
ثالثا - المصاهرة:
وهي علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل
منهما بسبب النكاح توجب الحرمة، فكل من وطي
امرأة بالعقد الصحيح - الدائم أو المنقطع - أو الملك
حرمت على الواطي أبدا أم الموطوءة وإن علت،
لأب أو لأم، وبناتها وإن سفلن، لابن أو بنت. ويحرم
على الموطوءة أب الواطي وإن علا، لأب أو لأم،
وأولاده وإن سفلوا، لابن أو بنت تحريما مؤبدا (2).
وكذا يوجب التحريم - في الموارد المتقدمة -
العقد المجرد عن الدخول، نعم يستثنى من ذلك بنت
الزوجة، فإنه إذا عقد الرجل على امرأة ولم يدخل
بها جاز له أن يعقد على بنتها لو فارق الأم، وذلك
بنص الكتاب العزيز، حيث قيد التحريم بالدخول
في قوله تعالى: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا
جناح عليكم) * (3).



(1) أنظر: الحدائق 23: 308 - 310، والجواهر 29: 238
- 240.
(1) أنظر: الحدائق 23: 317، والجواهر 29: 264.
(2) أنظر: الحدائق 23: 445، والجواهر 29: 348.
(3) النساء: 23.
178
ولم يشمل هذا الاستثناء الأم ما لو عقد على
البنت ولم يدخل بها، فلذلك تحرم الأم بمجرد العقد
على البنت بناء على المشهور. نعم، المنقول عن
ابن أبي عقيل القول بعدم التحريم بمجرد العقد، وأن
التحريم متوقف على الدخول هنا أيضا (1). ونقل
العلامة وصاحب المدارك بعض الروايات الصحيحة
الدالة على ذلك، ولذلك توقف العلامة في الحكم،
لكن رجح القول بالتحريم، احتياطا وموافقة
للأكثر (2)، وقال صاحب المدارك: والمسألة قوية
الإشكال (3).
ويلحق بالمصاهرة أمور:
الأول - تحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا:
بمعنى أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في عقد النكاح،
سواء كان في عقد دائم أو منقطع، لقوله تعالى:
* (... وأن تجمعوا بين الأختين) * (4).
ولو أراد نكاح الأخت الأخرى بعد أن نكح
الأولى فليس له ذلك، حتى يفارق الأولى وتخرج
من العدة، أو يكون الطلاق بائنا (5).
ولو عقد عليهما معا:
فإن كان ذلك في عقدين متتاليين، بطل عقد
الثانية بناء على المشهور، بل ادعى صاحب الجواهر
عدم الخلاف في ذلك، قال: " لو تزوج أختين نسبا
أو رضاعا لأب وأم، أو لأحدهما، كان العقد
للسابقة، وبطل عقد الثانية بلا إشكال ولا خلاف،
سواء دخل بالثانية أو لا، وسواء دخل بالأولى
أو لا " (1).
والمنقول عن ابن الجنيد: التفصيل بين ما إذا
لم يدخل بالثانية فيفرق بينهما، وبين ما إذا دخل بها
فيتخير بين الأختين (2).
وإن كان ذلك في عقد واحد، فعن ابن
الجنيد: القول بتخيير العاقد بينهما (3)، وتابعه الشيخ
في النهاية (4)، وابن البراج (5)، والعلامة في المختلف (6)،
لكن اختار ابن إدريس (7)، وابن حمزة (8)،
والمحقق (9)، وأكثر المتأخرين (10) بطلان العقد.
ويجوز الجمع بين الأختين في مجرد الملك،



(1) أنظر: الحدائق 23: 445 - 457، والجواهر 29:
350.
(2) المختلف (الحجرية): 522.
(3) نهاية المرام 1: 133، وانظر الحدائق 23: 448.
(4) النساء: 23.
(5) الحدائق 23: 264.
(1) الجواهر 29: 380، وانظر المستمسك 14: 243.
(2) المختلف (الحجرية): 526.
(3) المختلف (الحجرية): 526.
(4) النهاية: 454، واختار في المبسوط القول المشهور،
المبسوط 4: 206.
(5) المهذب 2: 184.
(6) المختلف (الحجرية): 526.
(7) السرائر 2: 522 و 536.
(8) الوسيلة: 293.
(9) شرائع الإسلام 2: 290.
(10) نسبه إليهم المحدث البحراني في الحدائق 23: 523.
179
ولا يجوز له وطؤهما، فلو وطي إحداهما حرم عليه
وطء الأخرى حتى تخرج الأولى من ملكه (1).
الثاني - تحرم بنت أخت الزوجة وبنت أخيها
إلا برضاها: فإذا أراد أن يعقد على بنت أخت
الزوجة أو بنت أخيها فعليه أن يستأذنها، فإن
أذنت جاز نكاحها، وإن لم تأذن فلا يجوز، ولو
عقد على إحداهما من غير استئذان زوجته، ففيه
أقوال:
1 - بطلان عقد الداخلة، ذهب إليه المحقق
الحلي (2)، وصاحب الحدائق (3).
2 - بطلان عقد الداخلة - ولا أثر للرضا
المتأخر - وتزلزل عقد المدخول عليها، فلها أن
تفسخ نكاح نفسها من غير طلاق، ولها أن تبقى على
نكاحها، ذهب إليه ابن إدريس (4).
3 - تخيير العمة أو الخالة بين فسخ عقد
الداخلة، وبين إمضائه، وبين فسخ عقد نفسها
فتنعزل وتفارق زوجها من دون طلاق، نسب ذلك
إلى الشيخين ومن تبعهما (5).
4 - بقاء عقد المدخول عليها صحيحا،
وتزلزل عقد الداخلة، فيتوقف على إذن المدخول
عليها - أي: العمة أو الخالة - فإن أذنت صح العقد
وإن ردته بطل، نسب ذلك إلى العلامة وكثير - أو
جمع - من المتأخرين (1).
الثالث - المشهور أن الوطء ء بشبهة يوجب
التحريم كالوطء الصحيح (2)، فما يحرمه الوطء ء
الصحيح يحرمه وطء الشبهة أيضا، إلا أن ابن
إدريس (3) والمحقق (4) الحليين اختارا عدم التحريم،
وتوقف صاحب الحدائق في الحكم (5).
هذا إذا كان سابقا على العقد، وأما إذا كان
لاحقا فلا يوجب التحريم.
الرابع - هناك أسباب اختلف في استلزامها
التحريم تختص بالإماء - على ما هو المعروف -
كالنظر (6) بشهوة واللمس، حيث قال بعضهم
باستلزامهما حرمة الملموسة والمنظورة على أب
اللامس والناظر وابنه، بل قيل: إنه المشهور (7).



(1) الحدائق 23: 527 - 528.
(2) شرائع الإسلام 2: 288.
(3) الحدائق 23: 474 - 479.
(4) السرائر 2: 545.
(5) أنظر: المقنعة: 505، والنهاية: 459، والمراسم: 150،
والوسيلة: 293، لكن الموجود في النهاية: تخيير العمة أو
الخالة بين إمضاء العقد وبين الاعتزال.
(1) أنظر: المختلف 2: 528، والحدائق 23: 478،
والجواهر 29: 361 - 363، والمستمسك 14: 204.
(2) الحدائق 23: 506، والجواهر 29: 373 - 374.
(3) السرائر 2: 535.
(4) شرائع الإسلام 2: 289.
(5) الحدائق 23: 507.
(6) أي النظر إلى ما لا يحل لغير المالك النظر إليه
كالفرج.
(7) راجع الحدائق 23: 507، والجواهر 29: 374.
180
رابعا - الزنا:
وهو موجب للتحريم من جهتين:
الأولى - من جهة الزنا بالمرأة نفسها، وذلك
يوجب التحريم المؤبد فيما إذا زنى بها وهي ذات بعل
أو في العدة الرجعية (1).
الثانية - من جهة الزنا بأم المرأة أو بنتها قبل
العقد عليها، فالمشهور - أو الأشهر - قائلون بأن
ذلك موجب للتحريم، وفي مقابله قول بعدم
التحريم، وخص بعضهم التحريم ببنت العمة والخالة
لو زنى بأمهما.
وأما الزنا بأم المرأة أو بنتها بعد العقد
والوطء، فلا يوجب التحريم إجماعا - كما في
الحدائق والجواهر - وأما الزنا بهما بعد العقد وقبل
الوطء ء ففيه خلاف (2).
راجع: زنا.
خامسا - العقد على المرأة في عدتها:
وفيه صور:
الأولى - أن يكون الرجل والمرأة عالمين
بكونها في العدة وبتحريم العقد عليها في العدة، ومع
ذلك يعقد عليها الرجل ويدخل بها.
الثانية - أن يكونا عالمين بذلك ومع ذلك يعقد
عليها ولا يدخل بها.
الثالثة - أن يكونا جاهلين بذلك ويعقد عليها
ويدخل بها.
الرابعة - أن يكونا جاهلين بذلك ويعقد عليها
ولا يدخل بها.
الخامسة - أن يكون أحدهما جاهلا
والآخر عالما بكونها في العدة، وبتحريم العقد
عليها.
ادعي في الحدائق والجواهر عدم الخلاف في
لزوم التحريم في الصور الثلاث الأول، فتحرم المرأة
على ذلك الرجل.
وأما في الرابعة فيبطل العقد، فإذا خرجت من
العدة جاز أن يعقد عليها.
وأما في الخامسة ففيه كلام، ويظهر من
بعضهم أنه يلحق كل واحد منهما حكمه الخاص به،
فالعالم يحرم عليه النكاح، والجاهل يحل له ذلك
ظاهرا (1).
راجع: عدة.
سادسا - العقد على المرأة ذات البعل:
نسب صاحب الجواهر إلى جماعة من
المتأخرين - بل استظهره من الجميع - أن حكم
ذات البعل حكم ذات العدة من حيث استلزام



(1) أنظر الحدائق 23: 580، والجواهر 29: 446.
(2) أنظر: الحدائق 23: 479 وما بعدها، والجواهر 29:
363 وما بعدها.
(1) أنظر: الحدائق 23: 585 - 590، والجواهر 29:
428 - 434.
181
العقد عليها - مع العلم - أو الدخول التحريم، لأن
ذات العدة الرجعية بحكم الزوجة، فيشمل حكمها
ذات البعل أيضا (1).
سابعا - العقد حال الإحرام:
فلو عقد المحرم على امرأة عالما بالحرمة
حرمت عليه أبدا وإن لم يدخل بها، ولو كان
جاهلا فسد العقد ولم تحرم، إجماعا كما
قيل (2).
راجع: إحرام.
ثامنا - الفجور بالغلام:
من فجر بغلام فأوقبه حرم أبدا على الواطي
العقد على أم الموطوء وأخته وبنته إجماعا، إذا كان
ذلك قبل العقد، وأما إذا كان بعد العقد، فالمشهور
أنه لا يوجب التحريم (3).
راجع: لواط.
تاسعا - الطلاق:
وهو موجب للحرمة في الطلقة الثالثة حتى
ينكحها زوج آخر ثم يفارقها، فتحل على الأول،
وبعد الطلاق التاسع تحرم مؤبدا (1).
راجع: طلاق.
عاشرا - اللعان:
وهو ملاعنة الرجل زوجته بعد قذفه لها
بالزنا، أو نفي ولدها عن نفسه، وهو موجب للفرقة
بين الزوجين والحرمة الأبدية بينهما (2).
حادي عشر - قذف الصماء والخرساء بما يوجب
اللعان:
تحصل الفرقة بمجرد قذف الزوجة الصماء
والخرساء وعدم إقامة البينة، من دون حاجة إلى
اللعان (3).
راجع: لعان.
ثاني عشر - الكفر:
لا خلاف في تحريم غير الكتابية على المسلم،
لكن اختلفوا في الكتابية على أقوال نذكرها حسب
ما ذكرها صاحب المدارك، ونحيل التفصيل إلى
محله، وهو عنوان " كفر ".
قال صاحب المدارك: " أجمع علماؤنا كافة



(1) الجواهر 29: 434 - 435.
(2) أنظر: الحدائق 23: 602، والجواهر 29: 450.
(3) أنظر: الحدائق 23: 596، والجواهر 29: 447، وانظر
المستمسك 14: 160.
(1) الجواهر 30: 14 - 18، و 32: 122 - 128.
(2) راجع: الحدائق 23: 641، والجواهر 30: 24،
و 34: 2 و 65.
(3) راجع المصادر المتقدمة، والجواهر 34: 30.
182
على أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية من
أصناف الكفار على ما نقله جماعة، واختلفوا في
الكتابية على أقوال ستة:
الأول - التحريم مطلقا، اختاره المرتضى
والشيخ في أحد قوليه، وهو أحد قولي المفيد، وقواه
ابن إدريس.
الثاني - جواز متعة اليهود والنصارى
اختيارا، والدوام اضطرارا، وهو اختيار الشيخ في
النهاية، وابن حمزة، وابن البراج.
الثالث - عدم جواز العقد بحال، وجواز ملك
اليمين، وهو أحد أقوال الشيخ (رحمه الله).
الرابع - جواز المتعة وملك اليمين لليهودية
والنصرانية، وتحريم الدوام، وهو اختيار أبي
الصلاح، وسلار، وأكثر المتأخرين.
الخامس - تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا،
وتجويزه مطلقا اضطرارا، وتجويز الوطء ء بملك
اليمين، وهو اختيار ابن الجنيد.
السادس - التجويز مطلقا، وهو اختيار ابن
بابويه، وابن أبي عقيل... " (1).
وقال صاحب المدارك بعد ذلك كله:
" وقد ظهر أن القول بالجواز مطلقا لا يخلو
من رجحان، وإن كان الأولى والأحوط التنزه
عنه " (2).
ووافقه في ذلك السيد الحكيم، حيث قال:
" وفي الكتابية قولان، أظهرهما الجواز في المنقطع،
وأما في الدائم إشكال، والأظهر الجواز " (1).
وقال السيد الخوئي: " وفي الكتابية قولان:
أظهرهما الجواز في المنقطع، بل في الدائم أيضا وإن
كان الاحتياط لا ينبغي تركه " (2).
وقال الإمام الخميني - بعد نقل الأقوال -:
" والأقوى الجواز في المنقطع، وأما في الدائم
فالأحوط المنع " (3).
راجع: أهل الكتاب، وكفر.
وفي التحريم بالارتداد تفصيل تقدم في عنوان
" ارتداد "، فراجع.
ثالث عشر - استيفاء العدد:
لا خلاف بين الأصحاب بل بين علماء
الإسلام - على ما قيل - في أنه لا يجوز للحر أن يجمع
بين ما زاد على أربع حرائر بالعقد الدائم، أما بملك
اليمين والعقد المنقطع فله ما شاء.
ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يجوز للحر
الزيادة على أمتين على أن تكونا من جملة الأربع،



(1) نهاية المرام 1: 189 - 192.
(2) نهاية المرام 1: 189 - 192.
(1) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 285، كتاب
النكاح، الفصل الثالث في المحرمات، الرابع.
(2) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 270، كتاب
النكاح، الفصل الثالث في المحرمات، الرابع.
(3) تحرير الوسيلة 2: 256، كتاب النكاح، أسباب
التحريم، القول في الكفر.
183
فتحل له حرتان وأمتان، ولا يحل له أربع إماء
ولا ثلاث إماء مع حرة وبدونها، ولا أمتان مع
ثلاث حرائر.
ولا خلاف في أنه لا تجوز للعبد الزيادة
على أربع إماء، أو حرتين، أو حرة وأمتين.
كل ذلك بالعقد الدائم دون المنقطع أو ملك
اليمين، فإن له ما شاء (1).
وإذا ماتت واحدة من العدد المتعين أو طلقت
جاز نكاح أخرى مكانها، لكن يشترط في المطلقة
خروجها من العدة إذا كان الطلاق رجعيا، لأن
المطلقة رجعيا بحكم الزوجة أيام العدة، وأما إذا كان
بائنا فلا يشترط فيها ذلك على المشهور (2).
رابع عشر - الإفضاء قبل التسع:
يحرم الدخول بالأنثى قبل بلوغها تسعا، أما
العقد عليها فلا يحرم، فلو عقد عليها لا يجوز له
الدخول بها، ولو دخل بها فأفضاها حرم على
الزوج وطؤها من دون أن تبين منه، وفي المسألة
تفصيل (3).
راجع: إفضاء.
أسباب التسلط على ملك الغير
وهي على أقسام:
الأول - ما يسلط عليه بالتملك قهرا:
وأمثلة ذلك:
1 - الشفعة: فإن الشفيع له أن يتسلط
على حصة شفيعه بحق الشفعة فيتملكها قهرا بالشراء
منه.
2 - المقاصة: فإن المماطل بدفع الدين
مع القدرة يجوز لغريمه أن يتملك ماله قهرا
مقاصة.
3 - الامتناع عن أداء الحق الواجب: فمن امتنع
عن أداء الحق الواجب عليه - كالنفقة - جاز بيع ماله
بقدر ما يجب عليه الإنفاق.
4 - التفليس: يجوز لصاحب المال أن يرجع
على المفلس، ويأخذ عين ماله لو وجده عنده،
ولا يشترك معه سائر الغرماء.
5 - الموت: يجوز لصاحب المال أن يرجع
على الورثة ويأخذ عين ماله لو وجده، إذا كان
الباقي من الأموال كافيا لتسديد سائر الديون، وأما
إذا لم يكن كافيا ففيه كلام.
6 - الفسخ: لو فسخ صاحب الخيار
واسترجع ما دفعه، فقد تسلط على مال الغير، هذا
بناء على تحقق الانتقال بمجرد العقد.



(1) أنظر: الحدائق 23: 617 - 620، والجواهر 30:
2 - 9.
(2) أنظر: الحدائق 23: 626 - 627، والجواهر 30:
9.
(3) أنظر: الحدائق 23: 607، والجواهر 29: 416.
184
الثاني - ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة
المتصرف خاصة:
كالعارية، فإن المستعير يتسلط على ملك
الغير - المعير - بالتصرف فيه لمصلحة نفسه.
الثالث - ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة
المالك خاصة:
كالوديعة المأذون في نقلها وإخراجها،
والوكالة المتبرع بها.
الرابع - ما يسلط على ملك الغير بمجرد وضع اليد:
كالوديعة غير المأذون له فيها، إذا لم يحتج إلى
النقل.
الخامس - ما يسلط لمصلحتهما:
كالشركة، والقراض، والوكالة بجعل (1).
الأسباب التعبدية
راجع: الأسباب الشرعية.
الأسباب الشرعية
وهي الأمور التي جعلها الشارع سببا لحكم
شرعي - تكليفي أو وضعي - بحيث يلزم من
وجودها وجود الحكم الشرعي، ومن عدمها
عدمه، كالوضوء والغسل والتيمم بالنسبة إلى
الطهارة، والملاقاة للأعيان النجسة بالنسبة إلى
النجاسة، ودلوك الشمس إلى وجوب الصلاة،
والبيع إلى الملكية، والنكاح إلى حلية الوطء ء،
ونحوها.
وقد اختلفوا في المراد من السببية - هنا - هل
هي بمعنى السببية الحقيقية كما في الأمور التكوينية،
كسببية النار للإحراق؟ أو بمعنى الأمارية والعلامية،
بمعنى أن تكون علامات وأمارات للحكم الشرعي،
فوجودها يدل على الحكم الشرعي وانتفاؤها يدل
على انتفائه؟ أو لها حالة وسطى، فإنها تارة تكون
سببا كالأسباب التكوينية، وتارة كالعلامات
والأمارات أو غير ذلك؟ على أقوال:
الأول - أنها كالعلل التكوينية:
وهذا ما يظهر من بعض كلمات العلامة، حيث
قال في المختلف - رادا على من قال بتداخل أسباب
سجدتي السهو لو تعددت -: " والأقرب عدم
التداخل مطلقا، لنا: إن التداخل ملزوم لأحد
محالات ثلاثة، وهو: إما خرق الإجماع، أو تخلف
المعلول عن علته التامة لغير مانع، أو تعدد العلل
المستقلة على المعلول الواحد الشخصي، وكل واحد
منها محال، فالملزوم محال " (1).



(1) أنظر القواعد والفوائد 1: 37.
(1) المختلف 2: 428.
185
الثاني - أنها علامات ومعرفات:
وقد قال بهذا كثير منهم حتى قيل: إنه
المشهور (1). وممن صرح بذلك:
1 - فخر المحققين: فإنه صرح بذلك في أكثر
من موطن، من جملتها قوله: " والأسباب الشرعية
علامات، فلا يستحيل تعددها " (2). وقد اشتهر
عنه (3) أنه بنى مسألة تداخل الأسباب وعدمها على
هذه المسألة، فقال في تداخل أسباب سجود السهو:
" والتحقيق: أن هذا الخلاف يرجع إلى أن الأسباب
الشرعية هل هي مؤثرة أو علامات " (4). لكن يظهر
من ذيل كلام العلامة المتقدم - وهو في هذه المسألة -
أن هناك من بنى مسألة التداخل على هذه المسألة
قبل العلامة أيضا.
ومهما يكن فقد ناقش المتأخرون هذا البناء
كما سوف نتعرض له في عنوان " تداخل الأسباب ".
2 - المحقق الثاني: فإنه قال - معلقا على كلام
العلامة حول ما إذا باع وكيلان لشخص ماله
لشخص آخر ووكيله، أو لوكيليه: " فإن اتفق الثمن
جنسا وقدرا صح " -: " لأنه لا مانع من الصحة
إلا كونهما سببين تامين في انتقال الملك، ولا امتناع
في اجتماعهما، لأن الأسباب الشرعية معرفات
للأحكام " (1).
3 - المحقق الأردبيلي: فقد قال: "... وعلل
الشرع معرفات، ومعنى المعرفية: العلامة التي نصبها
الشارع دليلا على الحكم، بمعنى كل من له أهلية
معرفة الحكم، إذا عرفها يعرف ثبوت الحكم من الله
في تلك الواقعة... " (2).
4 - صاحب المدارك: فإنه قال في أكثر من
موطن: " إن علل الشرع علامات ومعرفات لا
علل حقيقية " (3). وقال: "... تطبيق المسائل
الشرعية على القواعد الحكمية لا يخلو من
تعسف " (4).
5 - الإمام الخميني: فإنه قال - في مسألة
اجتماع خيار الحيوان والمجلس، ودفع إشكال
اجتماعهما -: " إن الأسباب الشرعية ليست كالعقلية
مؤثرات وموجدات، بل هي معرفات كالمعرفات
المنطقية، كقولهم: " الإنسان حيوان ناطق "،
و " الإنسان حيوان ضاحك "، و " هو ماش مستقيم
القامة " إلى غير ذلك، وجميعها معرفات لموضوع
واحد بجهات مختلفة، فالأسباب والتعليلات



(1) حقائق الأصول 1: 467.
(2) إيضاح الفوائد 1: 48.
(3) أنظر الكفاية: 205، ذيل مفهوم الشرط، وحواشيها
وشروحها.
(4) إيضاح الفوائد 1: 145.
(1) جامع المقاصد 4: 88.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 12: 207.
(3) المدارك 1: 193، وانظر 1: 141 و 98، و 3:
323، و 6: 112، ونسب فيه القول بالمعرفية إلى الأصحاب.
(4) المدارك 1: 193، وانظر 1: 141 و 98، و 3:
323، و 6: 112، ونسب فيه القول بالمعرفية إلى الأصحاب.
186
الشرعية معرفات للموضوعات، أو حكم ونكات
للجعل، لا مؤثرات وعلل واقعية حتى يمتنع اجتماعها
على مسبب ومعلول واحد... " (1)، ثم استمر في
توضيح ذلك.
الثالث - أنها قد تكون عللا حقيقية، وقد تكون
معرفات:
ذهب جملة من المحققين المتأخرين إلى أن
الأسباب الشرعية قد تكون عللا حقيقية، مثل
حصول الاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج، فإنه
متى حصلت الاستطاعة بجميع جهاتها وجب الحج،
ومثل الوضوء والغسل والتيمم بالنسبة إلى الطهارة
الحاصلة منها، فإنه متى حصلت إحدى الطهارات
الثلاث حصلت الطهارة المترتبة عليها، وغيرها من
الموارد الكثيرة.
وقد تكون علامات ومعرفات، مثل خفاء
الجدران الذي هو علامة وأمارة على قطع المسافة
اللازمة لوجوب القصر، وكذا خفاء الأذان،
وإلا فنفس خفاء الأذان والجدران ليس علة
لوجوب القصر، وإنما العلة هي قطع المسافة
المعينة.
وهذا التفصيل موجود في الأمور التكوينية
أيضا، فإن طلوع الشمس علة لوجود النهار، لكن
ضوء العالم أمارة على طلوع الشمس، وعلامة تدل
عليه، وليس علة له (1).
وممن ذهب إلى هذا التفصيل هو:
1 - الفاضل النراقي: حيث قال في العوائد
- في بحث تداخل الأسباب -: " وينكشف منه أن
الأصل الأولي في جميع الأسباب الشرعية التداخل
إلا ما شذ وندر (2) وإن جوزنا كون بعضها مؤثرات
حقيقية ومقتضيات بأنفسها، إذ لا يمكن العلم بالعلة
الحقيقية غالبا... " (3).
2 - المحقق المراغي: فإنه قال في العناوين:
" لا ريب أن الأحكام الشرعية أيضا ناشئة عن
علل حقيقية، ويحتمل أن يكون ما نص عليه
الشارع من العلل عللا حقيقية، ويحتمل كونها
كاشفة عن علل واقعية، وعلى الثاني يحتمل تعدد
الكواشف مع كون العلة في الواقع واحدة، ويحتمل
التعدد في العلة أيضا... " (4).
3 - المحقق الخراساني: فإنه قال رادا على فخر
المحققين: "... فلا وجه لما عن الفخر وغيره من ابتناء
المسألة (5) على أنها معرفات أو مؤثرات، مع أن
الأسباب الشرعية حالها حال غيرها في كونها
معرفات تارة ومؤثرات أخرى " (6).



(1) البيع 4: 189، وانظر تهذيب الأصول 1: 349.
(1) أنظر منتهى الدراية 3: 384 - 385.
(2) هذا حسب ما يراه.
(3) عوائد الأيام: 101.
(4) عناوين الأصول (الحجرية): 87، العنوان 8.
(5) يقصد بها مسألة تداخل الأسباب.
(6) كفاية الأصول: 205، ذيل مفهوم الشرط.
187
ويظهر من فقهاء آخرين اختيار هذا الرأي
وإن لم يصرحوا به، منهم:
1 - صاحب الجواهر: فإنه قال: " الظاهر
جريانها (1) مجرى العلل الحقيقية حتى يعلم
خلافه " (2).
وشبه الأسباب الشرعية بالأسباب العقلية في
عدة مواطن، كما نفى التشبيه بينهما في مواطن
أخرى، كما سنشير إلى بعضها.
2 - المحقق العراقي: حيث قال في مسألة
التداخل: " إن حال العلل والأسباب الشرعية من
هذه الجهة إنما هو كالعلل والأسباب التكوينية
العقلية، فكما أن قضية السببية والمؤثرية الفعلية في
العلل التكوينية لا تختص بصرف الوجود المنطبق
على أول وجود، بل جار في الوجود الساري في
ضمن الأفراد المتعاقبة، ومع فرض قابلية المحل
يكون كل وجود منه مؤثرا فعليا - كما في النار -
حيث إن كل وجود منها كانت مؤثرة في الإحراق،
كذلك الأمر في العلل الشرعية... " (3).
لكن إسناد هذا الرأي إليه بمجرد هذه العبارة
مشكل، لأنه في مقام تشبيه الأسباب الشرعية
بالعقلية من جهة خاصة، لا أن بعضها كالعقلية
وبعضها معرفات.
نعم، ربما يظهر مما قاله حول الشرط المتأخر
- من أن الشروط الشرعية ليست من باب المؤثرية
والمتأثرية - حيث نفى كونها كالأسباب العقلية، فإنه
قال: " فلا محيص حينئذ - بعد اللتيا والتي - من
المصير إلى كون دخل الشرائط في المعلول من قبيل
دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري، ودخل
ما تقوم به الحدود في المحدود لا من باب المؤثرية
والمتأثرية كما لا يخفى " (1).
3 - السيد الحكيم: فإنه قال في رد كون
الإجازة ناقلة: "... لكن المرتكزات العرفية
تستوجب حمل الأسباب الشرعية على الأسباب
العقلية، وكما أن آثار الأسباب العقلية كائنة في زمان
أسبابها، كذلك مضمون العقد كائن في زمانه، فكأنه
السبب والإجازة دخيلة في سببيته، فالبناء على أنه
كائن في زمان الإجازة المتأخرة خلاف الارتكاز
المذكور... " (2).
ويؤيده ارتضاؤه تفصيل صاحب الكفاية في
كتابه حقائق الأصول (3)، واستبعاد أن يريد الحمل
من جميع الجهات.
الرابع - أن الأسباب الشرعية ليست عللا بمعنى
المقتضيات:
بل هي علل بمعنى شروط مصححة لفاعلية



(1) أي الأسباب الشرعية.
(2) الجواهر 1: 260.
(3) نهاية الأفكار 1: 489.
(1) نهاية الأفكار 1: 279.
(2) المستمسك 14: 495.
(3) حقائق الأصول 1: 467.
188
الفاعل.
هذا ما اختاره المحقق الإصفهاني، حيث قال
معلقا على كلام صاحب الكفاية - المتقدم -:
" لا يخفى عليك أن نفي العلية عن العلل الشرعية
وجعلها معرفات، إن أريد منه نفي الاقتضاء والتأثير
- كما هو ظاهر لفظ " السبب " - فهو حق، بداهة أن
التكاليف والاعتبارات الشرعية كلها قائمة بالشارع
قيام الفعل بفاعله، لا أنها قائمة بشئ قيام المقتضى
بالمقتضي حتى يمكن جعل ما يسمى عللا وأسبابا
مقتضيات لها.
وإن أريد نفي العلية بقول مطلق - حتى
الشرطية الراجعة إلى تصحيح فاعلية الفاعل،
وتتميم قابلية القابل - فلا وجه له، إذ كما أن القدرة
والإرادة والشعور مصححة لفاعلية الفاعل،
ومخرجة لها من القوة إلى الفعل، كذلك الجهات
الموجبة لاتصاف الفعل بالمصلحة والدخيلة في
ترتب فائدته عليه، متممة لقابلية الفعل لتعلق
الإرادة به، ولا مانع من كون المسمى بالسبب والعلة
في الشرع من هذا القبيل، وليس إلى منعه سبيل " (1).
الخامس - الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية من
حيث عدم تأخر مسبباتها عنها:
ذهب إليه المحقق النائيني، حيث قال في مسألة
تداخل الأسباب: " إن قضية كون الأسباب
الشرعية معرفات أو مؤثرات مما لا محصل لها، فإنه
إن كان المراد من الأسباب الشرعية هي موضوعات
التكاليف، فدعوى كونها مؤثرة أو معرفة مما لا
ترجع إلى محصل، لأن موضوع التكليف ليس بمؤثر
ولا معرف إلا إذا كان المراد من المؤثر عدم تخلف
الأثر عنه، فيستقيم، لأن الحكم لا يتخلف عن
موضوعه، إلا أن إطلاق " المؤثر " على هذا الوجه
مما لا يخلو عن مسامحة.
وإن كان المراد من الأسباب المصالح والمفاسد
فهي مؤثرة باعتبار، [أي:] من حيث تبعية
الأحكام لها، ومعرفة باعتبار [أي:] من حيث إنها
لا تقتضي الاطراد والانعكاس. كما هو شأن الحكمة
إن كان المراد من المعرف هذا المعنى، أي: عدم
الاطراد والانعكاس " (1).
ويظهر من تلميذه السيد الخوئي أنه يرى هذا
الرأي أيضا، حيث قال في مسألة اجتماع خيار
الحيوان وخيار المجلس ودفع إشكال اجتماع سببين
على مسبب واحد:
"... لو كان غرضهم من كون الأمر الخارجي
سببا [سببا] اصطلاحيا أو معرفا، فهو باطل من
أصله.
وإن كان غرضهم من كون الأمور الخارجية
سببا للحكم الشرعي هو أن يكون موضوعا له تمام
الموضوع، كالنجاسة والطهارة، بأن يكون نسبة



(1) نهاية الدراية 2: 431 - 432.
(1) فوائد الأصول 1: 492.
189
الحكم إلى الموضوع كنسبة المعلول إلى العلة، بأن
لا ينفك الحكم عن ذلك الأمر الخارجي، كما
لا ينفك المعلول عن علته، فلا شبهة أن الأمور
الخارجية حقيقة أسباب للأحكام الشرعية، لا أنها
معرفات " (1).
فهما يشتركان في قبول السببية بين
الموضوعات وأحكامها، بمعنى عدم تخلف
الموضوعات عن الأحكام، كما لا يتأخر المعلول
عن العلة.
الخصائص المشتركة للأسباب الشرعية:
يمكن أن نستخلص من مطاوي كلمات الفقهاء
عدة خصائص مشتركة بين الأسباب الشرعية، ربما
يكون بعضها متسالما عليه ولو بحسب القواعد
العامة، وتلك الخصائص هي:
أولا - أنها موقوفة على وضع الشارع:
لا إشكال في توقف السببية - في الأسباب
الشرعية - على جعل الشارع ووضعه (2)، فسببية
أفعال الطهارات الثلاث لحصول الطهارة (3)، وسببية
الملاقاة للأعيان النجسة لحصول النجاسة، وسببية
الاستطاعة لوجوب الحج، أو بلوغ النصاب
لوجوب الزكاة، أو عقد البيع لنقل الملك، أو النكاح
لحل الوطء ء، أو الطلاق للفراق، مجعولة بوضع
الشارع، لكن يكون الجعل في بعضها استقلاليا
وتأسيسيا، وفي بعضها الآخر امضائيا وتقريريا
لما هو موجود عند العرف، فالأول مثل: الطهارات
الثلاث، والزكاة، ونحوهما، والثاني مثل: عقد البيع
ونحوه.
ثانيا - أنها موقوفة على مورد النص:
إن الأسباب الشرعية كما أنها موقوفة على
وضع الشارع، موقوفة على مورد النص أيضا،
فلا يصح التعدي عنه إلى غيره (1).
ثالثا - أنها كالعقلية تؤثر في القابل دون
غيره:
قال صاحب الجواهر مستدلا على صحة بيع
ما يملك خاصة إذا باع ما يملك وما لا يملك، وتوقف
صحة بيع ما لا يملك على إجازة المالك، بناء على
صحة الفضولي: "... لإطلاق الأدلة وعمومها
السالمين عن المعارض، خصوصا بعد ملاحظة ما
يظهر من النص والفتوى من كون الأسباب الشرعية
كالعقلية تؤثر في القابل دون غيره... " (2).



(1) مصباح الفقاهة 6: 186 - 187.
(2) أنظر على سبيل المثال: إيضاح الفوائد 1: 236، وجامع
المقاصد 5: 386، و 9: 141، و 10: 20، والمسالك
(الحجرية) 2: 30، والجواهر 10: 309 وموارد
أخرى، والمكاسب: 100.
(3) بناء على أن الطهارة هي الحالة المعنوية الحاصلة من
أفعال الطهارة.
(1) أنظر: إيضاح الفوائد 3: 75 تقريرا عن والده
العلامة، و 4: 447، وجامع المقاصد 9: 141.
(2) الجواهر 22: 310.
190
رابعا - لا تمانع بين الأسباب الشرعية:
لا مانع من اجتماع سببين شرعيين أو أكثر
على مسبب واحد، بناء على جميع الأقوال في تفسير
السببية الشرعية، إلا على القول الأول الذي جعل
السببية الشرعية كالعقلية من جميع الجهات، ولما
كانت الأسباب العقلية لا تجتمع على مسبب واحد
فالأسباب الشرعية كذلك، فلذلك استنبط العلامة
القول بعدم تداخل الأسباب على هذا المبنى الذي
اختاره. أما على سائر الأقوال فلا تمانع بينها وإن
ذهب قسم من المحققين إلى أن الأصل عدم التداخل
حتى يثبت بدليل (1)، فإن هذا يثبت عدم التمانع
أيضا، لأنه لو كان تمانع لما أمكن الاجتماع مطلقا.
وسوف يأتي توضيح ذلك في عنوان
" تداخل " فراجع.
خامسا - لا تتوقف سببية الأسباب الشرعية
على العلم بسببيتها:
تشترك الأسباب الشرعية مع العقلية في أن
تأثيرها لا يتوقف على العلم بسببيتها، فهي تؤثر مع
الجهل بالسببية أيضا، قال صاحب الجواهر في رد
الاستدلال على وجوب نية " الاستباحة " أو " رفع
الحدث " في الوضوء ونحوه: "... لأن كون الوضوء
مشروعا لذلك لا يقضي بوجوب نيته وقصده، بل
لو كان جاهلا بما شرع له لم يؤثر في وضوئه فسادا،
فلو فرض شخص لم يعرف تسبيب الأحداث لهذه
الأفعال ومانعيتها للصلاة بدون فعل الوضوء، لكن
علم أن هذه الأفعال مطلوبة للشارع فجاء بها
بعنوان الإطاعة، إما على وجه الوجوب أو الندب،
كان وضوءه صحيحا، وارتفعت مانعيتها، لما يظهر
من الأدلة أنها سبب رافع له، ومن المعلوم أن السبب
لشئ غير موقوف تأثيره على العلم بسببيته، إذ
الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية لا تتوقف على
ذلك، فمن ادعى أن قصد ذلك من تمام السببية شرعا
كان عليه الدليل، بل هو خلاف ظاهر الأدلة من
الكتاب والسنة... " (1).
سادسا - لا يصح التعليق في الأسباب
الشرعية:
تشترك الأسباب الشرعية مع العقلية في أنها
لا تؤثر مع التعليق، إلا ما دل الدليل على خروجه
من القاعدة، ولهم بحوث كثيرة في مسألة التعليق في
العقود والإيقاعات سوف تأتي في مواطنها إن شاء
الله تعالى (2).
كانت هذه أهم الخصائص المشتركة، وهناك
خصائص أخرى ذكرت في مطاوي كلمات الفقهاء
نذكرها مع نسبتها إلى أصحابها:



(1) أنظر: السرائر 1: 258، وإيضاح الفوائد 1: 48، 136
و 145، والقواعد والفوائد 1: 43، وجامع المقاصد 4:
88، والمدارك 1: 98 و 194 وغيرهما، وكشف اللثام
1: 377، و 2: 91 و 246، والجواهر 2: 131 و 137
وغيرهما.
(1) الجواهر 2: 89 - 90.
(2) أنظر الجواهر 21: 268، و 32: 78 - 79 وغيرها.
191
1 - الأسباب الشرعية إنما تؤثر مع العلم
بوجودها:
تفترق الأسباب الشرعية عن التكوينية من
جهة أن الأسباب الشرعية يتوقف تأثيرها على
العلم بوجودها خلافا للأسباب التكوينية، قال ذلك
فخر المحققين في مسألة ما لو نذر أن لا يخرج من
الدار إلا بإذن شخص آخر، فأذن ذلك الشخص
وهو لا يعلم، قال: "... وإن أذن ولم يسمع إذنه
ولو بقول مخبر، ولا علم به وخرج احتمل عدم
الحنث، لوجود الإذن والرضا منه، وهو السبب أو
الشرط المساوي في انحلال اليمين، ولأنه حرم
خروجا لم يوافق إذنه وإرادته، وهذا الخروج قد
وافق إذنه وإرادته، فلا يحنث. ويحتمل الحنث، لأن
الإذن سبب في إباحة الخروج شرعا - هنا -
والأسباب الشرعية إنما تؤثر مع العلم بوجودها،
لأن الخطاب الشرعي متعلق بها، وخطاب الغافل
محال، وإذا لم يعلم به فلا يؤثر... " (1).
وهل هو كذلك مطلقا؟ فيه تأمل.
2 - عدم مدخلية قصد الصحة في آثار
الأسباب الشرعية:
تشترك الأسباب الشرعية مع الأسباب
العقلية في أن تأثيرها لا يتوقف على قصد الصحة
فيها، فالبيع يؤثر أثره لو تحقق بشرائطه، سواء قصد
البائع البيع الصحيح أو لم يقصد، وكذا في النكاح
والطلاق ونحوهما، ذكر ذلك صاحب الجواهر (1).
3 - إمكان تأخر الأسباب الشرعية عن
مسبباتها:
للفقهاء والأصوليين أبحاث مهمة في موضوع
الشرط المتأخر، فقد نفاه بعضهم وقال باستحالته،
وأثبته بعض آخر، ومثلوا له بغسل المستحاضة في
الليل بالنسبة إلى صحة صوم اليوم المتقدم عليه،
فعلى القول بثبوته يصح القول بإمكان تأخر
الأسباب الشرعية عن مسبباتها، بناء على صدق
السبب على الشرط (2).
راجع: شرط.
وفي الختام نشير إلى أن للأصوليين بحثا في
جريان البراءة وعدمه عند الشك في حصول
الأسباب الشرعية، للشك في تحقق جزئها أو
شرطها (3)، يراجع فيه عنوان " براءة ".
الأسباب القهرية
راجع: أسباب الانتقال



(1) إيضاح الفوائد 4: 33.
(1) الجواهر 32: 90.
(2) أنظر على سبيل المثال: المستمسك 3: 411، والتنقيح
7: 144، وفوائد الأصول 1: 271، ونهاية الأفكار 1:
279.
(3) أنظر على سبيل المثال: فوائد الأصول 3: 360،
ونهاية الأفكار 3: 401.
192
الأسباب المبيحة
راجع: أسباب الانتقال
الأسباب المملكة
راجع: أسباب الانتقال
إسباغ
لغة:
يأتي بمعنى الإكمال والإتمام، يقال: شئ
سابغ، أي: كامل واف، وسبغ الشئ: اتسع، وأسبغ
الله عليه النعمة: أكملها وأتمها ووسعها، وإسباغ
الوضوء: المبالغة فيه وإتمامه (1)، أو إبلاغه مواضعه،
وإيفاء كل عضو حقه (2).
اصطلاحا:
قال العلامة المجلسي: " إسباغ الوضوء كماله
والسعي في إيصال الماء إلى أجزاء الأعضاء ورعاية
الآداب والمستحبات فيه من الأدعية وغيرها " (3).
وقال صاحب الحدائق: " الإسباغ هو الغسل
الواجب بماء كثير يتيقن استيعابه للعضو،
ولا يستلزم تعدد الغرفات، بل قد يكون بغرفة
واحدة مملوءة، فالإسباغ حينئذ يحصل إما بملء
الكف من الماء مرة واحدة... أو بالمرتين غير
المملوءتين... " (1).
ويمكن أن يقال: إن الإسباغ قد يحصل في
الغسل الواجب، وهو المرة الواحدة، وقد يحصل في
الغسل المستحب، وهو المرة الثانية، بمعنى أنه يمكن
أن يكتفي بالغسل مرة مع الإسباغ أو أن يغسل مرة
ثانية - بعنوان الغسل المستحب - ويحقق الإسباغ
فيها.
والظاهر من كلمات الفقهاء هو المعنى
الجامع.
ولا يختص الإسباغ بالوضوء، بل يشمل
الغسل أيضا (2).
الأحكام:
قال السيد اليزدي في العروة: " الإسراف في
ماء الوضوء مكروه، لكن الإسباغ مستحب " (3).



(1) لسان العرب، والمصباح المنير: " سبغ ".
(2) مجمع البحرين: " سبغ ".
(3) البحار 77: 302، كتاب الطهارة، باب ثواب إسباغ
الوضوء، ذيل الحديث 2.
(1) الحدائق 2: 339، وانظر الجواهر 2: 274 - 275.
(2) الحدائق 3: 116 - 117. والجواهر 3: 119 - 120.
(3) المستمسك 2: 419، وانظر التنقيح 4: 337.
والرواية في الوسائل 1: 487، الباب 54 من أبواب
الوضوء، الحديث 2.
193
وقال السيد الحكيم معلقا عليه: " بلا خلاف
ولا إشكال ظاهر، والنصوص به متواترة، أو قريبة
من التواتر، ففي صحيح ابن جعفر (عليه السلام) عن
أخيه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة
ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه،
وأدى النصيحة لأهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله)، فقد استكمل
حقيقة الإيمان، وأبواب الجنان مفتحة له " (1).
مقدار الماء الذي يحصل به الإسباغ:
قالوا: إن المقدار الذي يحصل به الإسباغ من
الماء هو مد في الوضوء، وصاع في الغسل (2).
راجع: وضوء، غسل.
مظان البحث:
كتاب الطهارة:
أ - سنن الوضوء.
ب - سنن الغسل.
استئجار
لغة:
طلب إجارة الشئ.
راجع: إجارة.
استئذان
لغة:
طلب الإذن، وقد تقدم معنى الإذن،
فراجع.
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي.
الأحكام:
أولا - الحكم التكليفي:
الاستئذان قد يكون واجبا وقد يكون
مستحبا.
أ - الاستئذان الواجب:
يجب الاستئذان تكليفا في التصرف في ملك
الغير أو حقه أو ولايته، وبعبارة أخرى: كل ما لم
يحل التصرف فيه من دون إذن صاحبه فيجب فيه



(1) المستمسك 2: 419، وانظر التنقيح 4: 337. والرواية
في الوسائل 1: 487، الباب 54 من أبواب الوضوء،
الحديث 2.
(2) الحدائق 3: 116 - 117، والجواهر 3: 119 - 120.
والصاع ثلاثة أمداد، والمد ما يعادل الكيلو تقريبا. أنظر
منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 321، زكاة
الفطرة، المسألة 1178.
194
استئذانه، كما ستأتي الإشارة إلى بعض نماذجه.
ب - الاستئذان المستحب:
يستحب الاستئذان في الموارد التي يجب فيها
ذلك لكن كان مندوبا إليه شرعا، إما بعنوانه
الخاص، وإما باعتبار كونه من الآداب العامة، مثل
استئذان المرأة الثيب أو البنت الباكرة الرشيدة أباهما
أو جدهما في النكاح (1).
ثانيا - الحكم الوضعي:
يشترط الاستئذان في صحة بعض الأفعال،
وبدونه لا يقع صحيحا، مثل الصلاة في ملك الغير،
نعم ربما يكون الإذن اللاحق مصححا للفعل وإن لم
يكن استئذان من قبل، مثل إذن المالك أو من في
حكمه في العقد الفضولي.
محل الاستئذان:
إن محل الاستئذان قد يكون تصرفا في ملك
الغير أو حقه أو ولايته:
1 - الاستئذان للتصرف في ملك الغير:
من أظهر موارد لزوم الاستئذان هو التصرف
في ملك الغير، كأرضه وبيته وطعامه ومركوبه ودابته
ولباسه ونحو ذلك.
2 - الاستئذان للتصرف في حق الغير:
لا يجوز لغير ذي الحق أن يتصرف في حق
الغير إلا مع إذن ذي الحق، فمن كان له حق الانتفاع
بمكان خاص - بعوض أو بغيره، كمن كانت له غرفة
في مدرسة، بمعنى: أنه منح حق الانتفاع بها بالسكنى
فيها - لا يجوز لغيره أن ينتفع به إلا بإذنه إذا كان
مأذونا في أن يأذن لغيره بالانتفاع، وهكذا في سائر
موارد الحقوق: كحق الحمى وحق التحجير وحق
الاختصاص ونحوها.
3 - الاستئذان للتصرف في ولاية الغير:
لا يجوز التصرف في ولاية الأولياء على
اختلاف رتبهم، كالإمام، والحاكم، والوالي من
قبله، والأب، والناظر على الوقف، والوصي، وولي
الميت، ونحو هؤلاء، فمن أراد تصرفا في ولاية أحد
هؤلاء فعليه أن يستأذنه، فمن يريد إقامة الجمعة (1)
أو عقد صلح أو مهادنة أو ذمة - على العموم - مع
العدو أو نحو ذلك مما يرتبط بولاية الإمام (عليه السلام) أو
نائبه فعليه أن يستأذنه (2). وكذا بالنسبة إلى سائر
الأولياء، كاستئذان ولي الميت في تجهيز الميت
والصلاة عليه.
شروط المستأذن:
تعتبر في الآذن شروط لا بد من توفرها كي
يصح منه الإذن، وقد تقدم تفصيلها في عنوان
" إذن " نشير إليها إجمالا:
1 - أن يكون مالكا أو من في حكمه،



(1) المستمسك 14: 478.
(1) الخلاف 1: 626. وراجع الجواهر 11: 151.
(2) الجواهر 21: 312. والرياض 7: 497.
195
كصاحب الحق، وصاحب الولاية.
2 - أن يكون فيه أهلية التصرف.
3 - أن لا يكون محجورا عليه.
4 - أن يصدر منه الإذن عن اختيار وطيب
نفس.
5 - أن يكون الإذن في حدود صلاحياته.
راجع: إذن، شروط الآذن.
موارد سقوط الاستئذان:
يسقط الاستئذان في الموارد التالية:
1 - موارد التزاحم:
إذا تزاحم حرمة التصرف في مال الغير مع
ما هو أهم، كوجوب إنقاذ نفس محترمة رجح
وجوب الإنقاذ، لأنه أهم - والأهمية من مرجحات
باب التزاحم - وعندئذ يسقط وجوب استئذان
صاحب المال لو لم يمكن أو أمكن ولم يأذن.
وأمثلة هذا الباب كثيرة، ولعل منها سقوط
وجوب استئذان الطبيب المريض أو استئذان وليه
إذا لم يكن ممكنا وكان المريض مشرفا على الهلاك.
2 - خروج من يجب استئذانه عن الأهلية
للإذن:
إذا خرج من يجب استئذانه عن الأهلية
بسبب الجنون أو الإغماء أو الارتداد يسقط وجوب
الاستئذان، هذا إذا لم يكن في رتبة متأخرة من يجب
استئذانه، كالحاكم، وإلا وجب.
مثال الأول: ما لو كان محل الإذن النكاح،
فالبنت الباكرة حيث يجب عليها استئذان أبيها أو
جدها يسقط عنها وجوب ذلك لو خرجا - إذا كانا،
أو أحدهما لو لم يكن الآخر - عن الأهلية بجنون أو
إغماء أو ارتداد، ولا يجب استئذان شخص آخر
كالحاكم والأخ والعم، قال صاحب الحدائق:
" لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
استقلال البكر البالغة بالولاية على مالها، وكذا
لا خلاف في ولايتها في النكاح مع فقد الأب والجد،
أو وجودهما وانتفاء شرائط الولاية عنهما... " (1).
ومثال الثاني: ما لو كان محل الإذن هو المال
فيسقط وجوب استئذان المالك لو ارتد، لكن يجب
استئذان ورثته حينئذ، فإن لم يكونوا فالحاكم
الشرعي.
راجع: ارتداد.
3 - استلزام وجوب الاستئذان الضرر
والحرج:
إذا استلزم وجوب الاستئذان الضرر أو
العسر والحرج سقط الوجوب، كما إذا عضل الولي
البنت الباكرة - أي: امتنع من تزويجها من الكفؤ مع
رغبتها ودفع مهر المثل لها - فحينئذ يسقط وجوب
استئذانه (2).



(1) الحدائق 23: 210 و 269، وانظر المستمسك 14:
481.
(2) الجواهر 29: 183 - 184، وانظر المستمسك 14:
448.
196
وفي حكم العضل الغيبة المنقطعة التي لا يمكن
معها الاستئذان، فلو غاب الولي ولم يعلم خبره
سقط وجوب استئذانه (1).
4 - موارد الاقتصاص:
يسقط وجوب الاستئذان في موارد التقاص
مع توفر شروطه، لأن مورده هو الامتناع عن دفع
الحق، وهو لا يجتمع مع الاستئذان، كما هو واضح.
ومن أمثلته: امتناع المديون عن أداء دينه (2)،
وامتناع الزوج عن دفع النفقة الواجبة بعد
استقرارها ووجوبها عليه (3)، وامتناع الورثة عن
أداء الحق الواجب على الميت - كالحج - إذا كان
للميت مال عند غير الورثة وديعة - مثلا (4) - ومنها
ما إذا كان الفقير المستحق للزكاة مديونا لمن تجب
عليه (5).
ففي كل هذه الموارد يسقط وجوب استئذان
المالك ونحوه، فيجوز للحاكم (6) أن يأخذ من مال
الزوج بمقدار النفقة الواجبة، وأن يأخذ الدين من
مال المديون، كما يجوز أن يدفع الودعي الحق من
قبل الميت من ماله، وأن يقتص المالك من المستحق
للزكاة دينه، فيجعل ما في ذمة الفقير بعنوان الزكاة.
وفي هذه الأمثلة تفصيلات يراجع فيها
مواطنها.
5 - كل مورد صدر فيه الإذن:
يسقط لزوم الاستئذان في كل مورد صدر فيه
الإذن ممن له أهلية ذلك، كالأكل من بيوت من
سمتهم الآية، والأكل مما ينثر في الأعراس ونحو
ذلك، وقد تقدم ما يتصل بالموضوع في عنوان
" إذن " فراجع.
صيغة الاستئذان:
ليس للاستئذان صيغة خاصة، بل يتحقق
بكل ما يدل عليه، لفظا أو كتابة أو إشارة إذا لم يكن
المورد مهما جدا، كتلف نفس أو مال كثير أو جرح،
ونحو ذلك، لأن ارتكاب هذه الموارد يحتاج إلى
حجة قوية وصريحة لا تحتمل التأويل.
نعم، ورد في بعض النصوص أن الصيغة
للاستئذان في دخول البيوت والدخول على الأبوين
ونحوهم هي التسليم، فقد قال تعالى: * (يا أيها
الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا
وتسلموا على أهلها) * (1)، وورد: أن الاستئناس وقع
النعل والتسليم (2). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) - في



(1) الحدائق 23: 232.
(2) الجواهر 40: 388.
(3) الجواهر 31: 388.
(4) الجواهر 17: 402.
(5) الجواهر 15: 363 - 364.
(6) بناء على اشتراط إذن الحاكم في التقاص، وإلا فالمباشر
يكون صاحب الحق، كالزوجة والدائن.
(1) النور: 27.
(2) الوسائل 20: 219، الباب 122 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2.
197
حديث - أنه قال: " ومن بلغ الحلم فلا يلج على أمه
ولا على أخته ولا على خالته ولا على سوى ذلك
إلا بإذن، ولا تأذنوا حتى يسلموا، والسلام طاعة
لله عز وجل " (1).
وقد تقدم في عنوان " الإذن " أقسام
ما يتحقق به الإذن، فقد يتحقق صراحة، أو بشاهد
الحال، أو بالفحوى، ولكل منها أقسام يراجع
تفصيله هناك.
كانت هذه الأمور العامة المرتبطة
بالاستئذان، وبقي علينا أن نستعرض الموارد التي
يجب فيها الاستئذان أو يستحب، لكن لما كانت هذه
الموارد كثيرة جدا - وقد أشرنا إلى مواطنها في
عنوان " إذن " - فلا يسعنا استعراض جميعها، لكن
نذكر ما جاء التصريح بلزوم الاستئذان فيه في
الكتاب العزيز، لكثرة الابتلاء به، وأما غيره من
الموارد فيرجع فيه إلى مواطنه.
المواطن التي ورد الأمر بالاستئذان فيها في الكتاب
العزيز:
1 - استئذان العبيد والذين لم يبلغوا الحلم
ثلاث مرات باليوم:
ورد الأمر باستئذان العبيد للدخول على
مواليهم، والذين لم يبلغوا الحلم للدخول على آبائهم
وأمهاتهم في اليوم ثلاث مرات: قبل صلاة الفجر،
وحين الاستراحة والنوم بعد الظهر، وبعد العشاء،
لأن هذه الأوقات هي مظنة كشف العورة حيث
يضع الإنسان ثيابه، قال تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت
أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من
قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة
ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم
ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم
على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم
حكيم) * (1).
وأما غير الأوقات الثلاثة فلا جناح في
الدخول من دون استئذان، لاستلزام الاستئذان
الحرج، لكثرة الدخول، وهذا ما أشارت إليه الآية
بكلمة " طوافون " (2).
والحكم مختص بالمميزين، أما غيرهم
فلا مورد لاستئذانهم، لانتفاء الحكمة - وهي التستر
منهم ونحوه - لعدم تشخيصهم العورة من غيرها،
وما يترتب عليه من القبح وتهييج الشهوة.
وهل الأمر باستئذانهم حكم تكليفي؟ فيه
كلام، إذ يحتمل أن يكون الخطاب متوجها للآباء بأن
يأخذوا الأبناء على ذلك، ويحتمل أن يكون



(1) الوسائل 20: 215، الباب 120 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2، وانظر مسالك الأفهام في آيات
الأحكام 3: 291.
(1) النور: 58.
(2) أنظر كنز العرفان 3: 225.
198
للإرشاد وتعليم المعاشرة والتمرين، ويحتمل
غيره (1).
2 - استئذان البالغين الأحرار مطلقا:
ورد الأمر بلزوم استئذان البالغين الأحرار
من دون تقييد بالأوقات الثلاثة، قال تعالى بعد
الآية المتقدمة: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله
لكم آياته والله عليم حكيم) * (2).
وعن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) - في
حديث - أنه قال: " ومن بلغ الحلم منكم فلا يلج
على أمه ولا على أخته ولا على ابنته ولا على من
سوى ذلك إلا بإذن، ولا يؤذن لأحد حتى يسلم،
فإن السلام طاعة الرحمن " (3).
3 - الاستئذان للدخول في بيوت الغير:
قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها
ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون * فإن لم تجدوا فيها أحدا
فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا
فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس
عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع
لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * (1).
دلت الآية الكريمة على عدة أمور:
1 - النهي عن الدخول في بيوت الآخرين من
دون استئذان، وهو يحصل بأمور أحسنها وأفضلها
السلام، وأما قوله: " تستأنسوا " فقد ذكروا له
معاني، منها أن يكون استفعال من آنس الشئ إذا
أبصره ظاهرا مكشوفا (2)، والمعنى: حتى تستكشفوا
وتستعلموا الحال: هل في الدار أحد، وهل يراد
دخولكم أو لا؟ وبعد إحراز ذلك يأتي دور التسليم.
ويحصل الاستئناس بكل ما يستعلم به الحال
كالتنحنح، أو وقع النعل، أو السلام، أو التكبير
والتهليل، ونحو ذلك مما وضع له، كطرق الباب
بوسائله المختلفة.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام): " الاستئناس وقع
النعل والتسليم " (3).
وعنه (عليه السلام): " الاستئذان ثلاثة: أولهن
يسمعون، والثانية يحذرون، والثالثة إن شاؤوا أذنوا
وإن شاؤوا لم يفعلوا، فيرجع المستأذن " (4).



(1) أنظر كنز العرفان 3: 224، ومسالك الأفهام في آيات
الأحكام 3: 291.
(2) النور: 59.
(3) الوسائل 20: 216، الباب 120 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 4.
(1) النور 27 - 29.
(2) الكشاف 3: 59، في تفسير الآية الشريفة، وانظر
مجمع البيان 7: 135.
(3) الوسائل 20: 219، الباب 122 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2.
(4) الوسائل 20: 219، الباب 122 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
199
فالأولى التي لسماع أهل البيت من
الاستئناس الذي أشارت إليه الرواية الأولى.
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد
الله الأنصاري (رضي الله عنه)، قال: " خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يريد فاطمة وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع
يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم، فقالت
فاطمة (عليها السلام): وعليك السلام يا رسول الله، قال:
أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله، قال: أدخل أنا
ومن معي؟ قالت: ليس علي قناع، فقال: يا فاطمة
خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك، ففعلت، ثم
قال: السلام عليك، فقالت: وعليك السلام يا رسول
الله، قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال:
أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال جابر: فدخل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخلت وإذا وجه فاطمة (عليها السلام)
أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ما لي أرى وجهك أصفر؟! قالت: يا رسول الله،
الجوع، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم مشبع الجوعة
ودافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد، قال جابر:
فوالله لنظرت إلى الدم يتحدر من قصاصها حتى عاد
وجهها أحمر، فما جاعت بعد ذلك اليوم " (1).
2 - النهي عن الدخول إن لم يوجد في البيت
أحد.
3 - الأمر بالرجوع إذا لم يأذن صاحب البيت
بالدخول.
4 - جواز دخول البيوت غير المسكونة من
دون استئذان، وجاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام):
أنها الحمامات والخانات (1)، ولعله من باب التمثيل
لا الحصر، فكل ما كان مظنة للاستطراق العام
فلا يحتاج إلى الإذن، ومنه المضائف العامة
والمشاهد المشرفة التي يدل شاهد الحال على وجود
الإذن العام فيها.
مظان البحث:
تقدم في عنوان " إذن " مواطن البحث في
" الإذن "، وهي بنفسها تكون موطنا للبحث في
الاستئذان أيضا.
استئسار
لغة:
الاستسلام للأسر (2).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي.
راجع: أسارى.



(1) الوسائل 20: 215، الباب 120 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 3.
(1) الوسائل 20: 219، الباب 122 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 3.
(2) المعجم الوسيط: " أسر ".
200
استئمار
لغة:
الائتمار والاستئمار والمؤامرة كلها تأتي بمعنى
المشاورة (1).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى الاصطلاحي المعنى اللغوي،
فالاستئمار: طلب أمر المستأمر - بالفتح - ولكن
لا يكون أمره مولويا، بل إرشاديا إلى ما هو
الأصلح في نظر الآمر (2).
وقد استعمل الفقهاء هذا المصطلح في موردين
وكلاهما بهذا المعنى، هما: خيار الشرط، وتزويج
الثيب كما سيأتي توضيحه.
الأحكام:
ورد استعمال هذا المصطلح في موردين - كما
تقدم - نشير إليهما فيما يلي:
أولا - الاستئمار في البيع:
ذكر الفقهاء من جملة أحكام خيار الشرط:
أنه يجوز للمتبايعين أو أحدهما اشتراط الاستئمار
- أو اشتراط المؤامرة - في العقد، بمعنى أن يستأمر
البائع أو المشتري أو كلاهما شخصا معينا في البيع أو
الشراء، كأن يشترط الولد في العقد استئمار والده،
أو الأخ استئمار أخيه، أو الأجنبي استئمار الأجنبي
ونحو ذلك (1).
ويترتب على ذلك:
1 - أنه إن أمر المستأمر بإبقاء العقد صار
العقد لازما، ولا خيار للمشترط في الفسخ.
2 - وإن أمر بالفسخ فللمشترط الفسخ
وعدمه، ولا يتعين عليه الفسخ، لأن المتفق عليه في
العقد هو أن يكون للمشترط خيار الفسخ، لا أنه
يتعين عليه الفسخ، ولذلك لا يثبت خيار الفسخ
للمشترط إلا بعد الاستئمار.
3 - إذا فسخ المشترط قبل الاستئمار لا ينفذ
فسخه، لأنه لا خيار له قبل الاستئمار، لكن جاء في
التحرير: أن له الفسخ حينئذ (2)، وهو قول نادر.
4 - يظهر من بعض الفقهاء أنه إذا أمر
المستأمر بالفسخ قبل الاستئمار فلا خيار للمشترط،
لعدم تحقق الاستئمار، نعم لو اشترط في العقد الائتمار
بأمره ابتداء، كان للمشترط خيار الفسخ بعد أمره،
وممن يرى ذلك الشيخ الأنصاري (3).



(1) لسان العرب، الصحاح: " أمر ".
(2) أنظر البيع 4: 220.
(1) أنظر جامع المقاصد 4: 292، والجواهر 23: 35.
(2) تحرير الأحكام 1: 166.
(3) المكاسب (الحجرية): 229.
201
ولكن يرى بعض آخر أنه لا خصوصية
لنفس الاستئمار، بل المهم هو أمر الشخص المستأمر
ونظره، فإن أبداه من دون استئمار وطلب منه فهو
يؤثر في ثبوت حق الخيار في صورة اشتراطه، وممن
يرى هذا الرأي صاحب الجواهر (1)، والسيد
الخوئي (2)، وقد نزل الأول عبارات الفقهاء على
الغالب من ترتب الأمر على الاستئمار وحصوله
بعده.
5 - اشترط أغلب الفقهاء تحديد المدة
وضبطها، وقالوا: مع الإطلاق وعدم التعيين يبطل
العقد، لكن قال الشيخ: " ومتى لم يذكر زمانا، كان
له ذلك أبدا حتى يستأمره " (3).
6 - وهل تعتبر مراعاة المصلحة في أمر الآمر
أو لا؟ قولان:
أ - اعتبار المراعاة: وممن ذهب إليه المحقق
الكركي، قال: " وينبغي أن يقال: يجب على
المشروط استئماره اعتماد المصلحة، لأنه مؤتمن، فلو
أمره بخلاف ما فيه مصلحة لم يجب عليه امتثاله (4)،
لكن لو أمره بعدم الفسخ وكان الأصلح الفسخ، فهل
له الفسخ؟ فالظاهر العدم، لانتفاء المقتضي، إذ لم
يشترط لنفسه خيارا " (1).
ب - عدم اعتبارها: وممن ذهب إليه الشيخ
الأنصاري، قال: "... أوجههما العدم إن لم يستفد
الاعتبار من إطلاق العقد بقرينة حالية أو
مقالية " (2).
7 - الفرق بين استئمار الغير وجعل الخيار له
هو: أن الغرض من الاستئمار الانتهاء إلى أمره،
فليس للمستأمر الفسخ أو الالتزام، وإنما إليه الأمر
والرأي خاصة، بخلاف من جعل له الخيار فإنه
بإمكانه الأخذ بالخيار مباشرة (3).
ثانيا - الاستئمار في النكاح:
يجب على من يريد إنكاح امرأة لا ولاية له
عليها شرعا أن يستأمرها، بمعنى أن يستشيرها في
ذلك، فإن أمرت - أي: رضيت - به صح النكاح
وإلا فلا، والموارد التي تستأمر فيها المرأة في النكاح
هي:
1 - الثيب إذا كانت ثيبوبتها بالوطء، وكانت
بالغة، فتسقط ولاية الأب والجد عنها، فاللازم
عليهما - فضلا عن غيرهما - استئمارها في
إنكاحها.



(1) الجواهر 23: 35.
(2) مصباح الفقاهة 6: 223.
(3) المبسوط 2: 86، وانظر مفتاح الكرامة 4: 563.
(4) ينبغي أن يكون مراده أنه لا يكون للمشترط خيار
الفسخ حينئذ، لأن عدم وجوب امتثال أمر الآمر ثابت
على أي تقدير سواء كان في أمره مصلحة أو لا كما تقدم.
(1) جامع المقاصد 4: 292.
(2) المكاسب (الحجرية): 229.
(3) الحدائق 19: 40.
202
2 - البكر البالغة الرشيدة إذا أراد غير الأب
والجد أن ينكحها، أو أرادا هما وقلنا بسقوط
ولايتهما عنها.
3 - البكر البالغة غير الرشيدة إذا أراد غير
الأب والجد أن ينكحها، أما الأب والجد فلا تسقط
ولايتهما عنها في هذا الفرض، إلا مع عدم
أهليتهما (1).
ففي صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال:
" سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء، ألها مع
أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم
تثيب " (2).
وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) قال: " لا تستأمر الجارية إذا كانت بين
أبويها، ليس لها مع الأب أمر، وقال: يستأمرها كل
أحد ما عدا الأب " (3).
وفي نكاح البكر الرشيدة روايات وأقوال في
أن المناط رضا أبيها أو رضاها أو رضاهما معا أو
غير ذلك، تقدمت الإشارة إليها في عنوان " إذن "
فراجع.
استئمان
لغة:
طلب الأمان.
اصطلاحا:
طلب الكافر الأمان حال الحرب لدخول
بلاد الإسلام (1).
راجع: أمان.
استئناس
لغة:
هو طلب الأنس. والأنس والأنس والإنس
بمعنى الطمأنينة. ويأتي الاستئناس بمعنى
الاستعلام (2)، ولعله لأجل طلب الطمأنينة.
اصطلاحا:
يأتي بمعنى الاستئذان واستعلام حال من
في البيت قبل الدخول فيه، كما في قوله تعالى:



(1) أنظر: الجواهر 29: 170 - 188، والحدائق 23: 210
- 230.
(2) الوسائل 20: 271، الباب 3 من أبواب عقد النكاح
وأولياء العقد، الحديث 11.
(3) الوسائل 20: 273، الباب 4 من أبواب عقد النكاح
وأولياء العقد، الحديث 3.
(1) أنظر الجواهر 21: 92.
(2) لسان العرب: " أنس ".
203
* (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا
على أهلها) * (1).
راجع: استئذان.
استئناف
لغة:
من استأنف الشئ، أي: أخذ أوله
وابتدأه (2).
اصطلاحا:
فعل الشئ من جديد وإعادته.
راجع: إعادة.
استباحة
لغة:
من استباح الشئ بمعنى استحله، أي عده
حلالا ومباحا (3).
اصطلاحا:
الظاهر أن المراد منها عند فقهائنا هو طلب
الإباحة، وهو يختلف باختلاف الموارد، فاستباحة
الصلاة: طلب إباحة الدخول فيها بفعل ما تتوقف
عليه، كالطهارة، واستباحة الطواف: طلب إباحة
الدخول فيه بفعل ما يتوقف عليه، كالطهارة أيضا،
واستباحة الطعام: طلب إباحة أكله بسبب خاص،
كالإذن من المالك أو من بحكمه كالشارع أو من هو
مأذون من قبله، ونحو ذلك.
الأحكام:
تطرقوا إلى موضوع الاستباحة في مواطن
الكلام عما يرتبط بها، كالنية في الطهارات الثلاث،
حيث تكلموا حول اشتراط نية الاستباحة وعدمه،
وكذا البحث عما يستباح به الدخول في الطواف من
الطهارة المائية والترابية، ونحو ذلك.
وفيما يلي نشير إلى خصوص مسألة
الاستباحة في الطهارة لأهميتها، ونحيل البحث في
غيرها على مواطنه.
نية الاستباحة في الطهارة:
اختلف الفقهاء في لزوم قصد استباحة الفعل
المشروط بالطهارة عند إتيانها، والمعروف بين
المتقدمين لزومه تعيينا أو تخييرا بينه وبين قصد رفع
الحدث أو لزوم قصدهما معا، ولكن ذهب
المتأخرون إلى عدمه.



(1) النور: 27.
(2) لسان العرب: " أنف ".
(3) محيط المحيط، المعجم الوسيط: " بوح ".
204
قال السيد اليزدي: " لا يجب في الوضوء
قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى ".
وعلق عليه السيد الحكيم قائلا: " كما نسب
إلى جماعة من المتأخرين، لما عرفت من عدم الدليل
على وجوبها، فقاعدة البراءة العقلية محكمة مضافا
إلى الإطلاق المقامي، فإنه يقتضي عدمه.
خلافا لما عن ظاهر الكافي، والغنية، وموضع
من الوسيلة، وغيرها من اعتبار نيتهما معا.
ولما عن المبسوط، والسرائر، والتحرير،
والمنتهى، والمختلف، والتذكرة من الاكتفاء بنية
أحدهما تخييرا، وظاهر محكي السرائر الإجماع
عليه.
ولما عن بعض كتب الشيخ (رحمه الله) من لزوم نية
رفع الحدث.
ولما عن السيد (رحمه الله) من لزوم نية الاستباحة.
والكل ضعيف، مخالف لقاعدة البراءة،
وللإطلاق المقامي " (1).
راجع: طهارة، نية.
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن الاستباحة في موضوع
النية من الطهارات الثلاث وخاصة في نية الوضوء،
لأنه أول ما يبحث عنه من الطهارات.
ويأتي الكلام حولها في موارد متفرقة أخرى
كالطواف، حيث يبحث عن اشتراطه بالطهارة،
وكالاضطرار إلى أكل وشرب المحرم حيث يبحث
فيه عن كيفية الاستباحة ومقدار ما يبيحه
الاضطرار ونحو ذلك.
راجع: اضطرار، طواف.
استباق
راجع: سباق، وسبق.
استبانة
لغة:
الاستبانة من " استبان الشئ " أي: ظهر
واتضح، واستبنت الشئ، أي: عرفته
واستوضحته، فهو يأتي لازما ومتعديا، ومثله
التبين، فيقال: تبين الشئ، أي: ظهر، وتبينت
الشئ، أي: عرفته واستوضحته (1).
اصطلاحا:
لم يتعد ما ورد في الروايات ولسان الفقهاء



(1) المستمسك 2: 469 - 470، وانظر الجواهر 2: 89.
ومفتاح الكرامة 1: 214.
(1) أنظر: لسان العرب، المعجم الوسيط: " بين ".
205
المعنى اللغوي، ومنه قول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية
مسعدة بن صدقة:
" كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام
بعينه، فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب
يكون قد اشتريته وهو سرقة... والأشياء كلها
على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به
البينة " (1).
وقال السيد الخوئي معلقا على الرواية:
"... فإن المراد بالبينة هي مطلق الحجة
الشرعية، في قبال الاستبانة التي هي بمعنى الوضوح
بالعلم الوجداني... " (2).
الأحكام:
تقدم أن الاستبانة والتبين بمعنى واحد، وما
جاء في الفقه بعنوان التبين أكثر مما جاء بعنوان
الاستبانة بكثير، ونحن نكتفي - هنا - بذكر ما ورد
بعنوان الاستبانة، ونحيل ما ورد بعنوان التبين إلى
موضعه.
1 - اشتراط استبانة النجاسة في تنجس الماء بالدم:
اختلف الفقهاء في تنجس الماء القليل بالدم
القليل غير القابل للرؤية، فقد ذهب الشيخ إلى عدم
تنجسه، وربما مال إليه بعضهم (1)، والمشهور قائلون
بنجاسته، قال الشيخ بالنسبة إلى الماء القليل:
" وذلك ينجس بكل نجاسة تحصل فيها، قليلة
كانت النجاسة أو كثيرة، تغيرت أوصافها أو لم
تتغير، إلا ما لا يمكن التحرز منه، مثل رؤوس الإبر
من الدم وغيره، فإنه معفو عنه، لأنه لا يمكن التحرز
منه " (2).
ومستنده صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن
أخيه موسى (عليه السلام)، قال: " سألته عن رجل امتخط
فصار بعض ذلك الدم قطرا صغارا، فأصاب إناءه،
هل يصلح الوضوء منه؟ فقال: إن لم يكن شئ
يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا بينا
فلا تتوضأ منه " (3).
لكن حمل المشهور الصحيحة على ما إذا علم
بإصابة الدم الإناء لكنه شك في إصابته الماء، قال
الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر الرواية: " ويحمل
على الشك في إصابة الماء مع تيقن إصابة الإناء كما
هو ظاهر الرواية، ويكون التعبير بالاستبانة
وعدمها بمعنى تحقق وصول الدم الماء وعدمه " (4).



(1) الكافي 5: 313، باب النوادر من كتاب المعيشة،
الحديث 40.
(2) مستند العروة (الصلاة / 2) 5: 440.
(1) كالمحقق الحلي (الشرائع 1: 16)، والسيد العاملي
(المدارك 1: 140)، والمحقق السبزواري (الذخيرة:
125)، لكن جعل الأولان القول بالتنجيس أحوط.
(2) المبسوط 1: 7.
(3) الوسائل 1: 150، الباب 8 من أبواب الماء المطلق،
الحديث الأول، وفي نسخة " الرباني ": قطعا صغارا.
(4) المسالك 1: 25.
206
ومن المؤاخذات الأخرى على الشيخ إسراؤه
الرواية الواردة في الدم إلى غيره من النجاسات (1).
2 - استبانة السن في الشيخوخة:
والمقصود من استبانة السن في الإنسان كبر
السن الذي يلازم الضعف بحيث يحتاج بقاء الصحة
إلى تعدد الأكل والشرب في أزمنة متقاربة، وهو
علامة للشيخوخة التي يجوز معها الإفطار في صوم
رمضان.
قال صاحب الجواهر: " هذا، والتحقيق أن
المراد بالشيخ والشيخة من توقف بقاء صحة
مزاجهما على تعدد الأكل والشرب في أزمنة متقاربة
للاستبانة لا لمزيد الهضم... " (2).
ولم يتعرض أكثر الفقهاء للاستبانة في هذا
الموضع.
3 - استبانة الحمل:
المقصود من استبانة الحمل هو ظهوره، وقد
تطرقوا له في موردين:
الأول - في الحيض: حيث تكلموا عن
إمكان اجتماع الحيض مع الحمل وعدمه، وذكروا في
ذلك عدة أقوال، من جملتها التفصيل بين استبانة
الحمل وعدمه، بمعنى أنه لو كانت المرأة مستبينة
الحمل فلا تحيض، وإن لم تكن مستبينة الحمل
فيمكن أن تحيض.
ذهب إلى هذا القول الشيخ (1)، وابن إدريس
الحلي (2).
ويظهر من الشيخ - في الاستبصار - أن
الاستبانة إنما تحصل بتأخر الحيض عن وقت العادة
لعشرين يوما (3).
والفترة التي شرعت للعدة هي صالحة
لاستبانة الحمل، وهي الحكمة من تشريعها، كما
صرح بذلك في بعض الروايات (4).
الثاني - في الطلاق: فإنهم عدوا من جملة
شروط الطلاق أن تكون الزوجة مستبرأة، فلو
طلقها في طهر واقعها فيه لم يقع الطلاق، واستثنوا من
ذلك: اليائسة، ومن لم تبلغ المحيض، والحامل.
ثم تكلم بعضهم في أنه هل يشترط في صحة
طلاق الحامل استبانة حملها، أو يكفي كونها حاملا
في الواقع وإن لم تتحقق الاستبانة؟



(1) الجواهر 1: 390.
(2) الجواهر 17: 150 - 151.
(1) الخلاف 1: 239.
(2) السرائر 1: 150.
(3) الاستبصار 1: 140، ذيل الحديث 481.
(4) منها رواية محمد بن حكيم عن العبد الصالح (عليه السلام) التي
جاء فيها: "... رفع الطمث ضربان: إما فساد من
حيضة، فقد حل لها الأزواج وليس بحامل، وإما حامل
فهو يستبين في ثلاثة أشهر، لأن الله عز وجل جعله وقتا
يستبين فيه الحمل ". الوسائل 22: 224، الباب 25 من
أبواب العدد، الحديث 4.
207
نقل صاحب الجواهر عن مصابيح العلامة
الطباطبائي أنه اشترط الاستبانة، وأنه نسب ذلك
إلى الشيخين ومن تابعهما، ولكن استظهر هو - أي:
صاحب الجواهر - الحرمة التكليفية دون الوضعية،
بمعنى أنه يحرم - تكليفا - إيقاع الطلاق في طهر
المواقعة قبل استبانة الحمل، لأصالة عدم الحمل،
لكن لو فعل فبان حصول الحمل كان الطلاق
صحيحا.
ثم ذكر عبارات من نسب إليهم الاشتراط
وقال: إنها لا دلالة فيها على الاشتراط.
ثم اعتذر عن المصابيح بأنها جمعت بعد
وفاته، وفيها المنسوخ وغيره (1).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة:
أ - انفعال الماء القليل، وربما تعرضوا له
بعد البحث في الأسئار، كما في الشرائع
وشروحه.
ب - إمكان اجتماع الحيض مع الحمل.
2 - كتاب الصوم: جواز الإفطار للشيخ
والشيخة.
3 - كتاب الطلاق: اشتراط عدم كون الطلاق
في طهر المواقعة واستثناء الحامل من
ذلك.
استبراء
لغة:
الاستبراء هو طلب البراءة، ويختلف
باختلاف المستبرأ والمستبرأ منه، فتارة يكون
لطلب براءة الذكر من البول، وتارة لطلب براءة
الرحم من الحمل أو من دم الحيض، ونحو ذلك مما
سنتعرض له (1).
وقال الزمخشري: " استبرأت الشئ: طلبت
آخره لأقطع الشبهة عني " (2).
اصطلاحا:
لم يتعد المعنى اللغوي، نعم قد استعمل في فقهنا
في الموارد التالية:
1 - استبراء الذكر من البول.
2 - استبراء الذكر ومجاري المني من المني بعد
خروجه.
3 - استبراء الرحم، أو الفرج من دم
الحيض.
4 - استبراء الرحم من النطفة والحمل.



(1) الجواهر 32: 41 - 43.
(1) لسان العرب: " برأ "، وانظر المصباح المنير وغيره من
كتب اللغة، المادة نفسها.
(2) أساس البلاغة: " برأ ".
208
5 - استبراء الحيوان الجلال من الجلل.
6 - استبراء اللحم المجهول من كونه ميتة.
الأحكام:
وفيما يلي نبين حكم كل مورد من الموارد
المتقدمة بالخصوص:
أولا - الاستبراء من البول
ذكروا من جملة آداب التخلي الاستبراء من
البول، وفيما يلي نتعرض لأهم أحكامه:
الحكم التكليفي للاستبراء:
اختلفوا في حكم الاستبراء من الناحية
التكليفية على قولين:
1 - القول بالوجوب، وهو المعروف عن
الشيخ (1)، وابني حمزة وزهرة في الوسيلة (2) والغنية (3).
2 - القول بالاستحباب، وهو المشهور بين
سائر الفقهاء (1).
هذا ويرى السيد الخوئي: أن الأخبار
الواردة في الاستبراء لا دلالة فيها، لا على الوجوب
ولا على الاستحباب، بل هي واردة للإرشاد ولبيان
ما يتخلص به من انتقاض الوضوء بالبلل المشتبه،
لأنه ناقض للطهارة ومحكوم بالنجاسة (2).
ما يترتب على الاستبراء:
يترتب على الاستبراء من البول أمران:
الأول - طهارة البلل الخارج من الذكر بعد
الاستبراء، لعدم اشتباهه بالبول حينئذ.
الثاني - عدم نقض الوضوء الحاصل بعد
الاستبراء بخروج البلل المشتبه، لعدم العلم بتحقق
الناقض، وهو خروج البول.
وأما إذا لم يستبرئ فيكون البلل الخارج من
الذكر مشتبها بالبول، فيجب الاجتناب عنه، كما أنه
يوجب إعادة الاستنجاء والوضوء اتفاقا كما قيل (3).
الحكمة في الاستبراء:
تبين وجه الحكمة في الاستبراء مما تقدم، إذ
من المحتمل أن يبقى بعد البول قطرات منه في المجرى،



(1) ليس في كلام الشيخ ما يدل على الوجوب، بل الموجود
في المبسوط 1: 17 مشعر بخلافه، نعم عنون في
الاستبصار الباب الذي ذكر فيه روايات الاستبراء بما
يستفاد منه الوجوب، فقال: باب وجوب الاستبراء قبل
الاستنجاء من البول، أنظر الاستبصار 1: 48، الباب
28 من أبواب المياه وأحكامها.
(2) الوسيلة: 47، فقد عد الاستبراء من المقدمات الواجبة
للطهارة.
(3) الغنية: 36.
(1) المدارك 1: 175.
(2) التنقيح 3: 436.
(3) الجواهر 2: 58، وانظر المستمسك 2: 228.
209
وبخروجه يوجب نجاسة ما لاقاه ونقض الوضوء،
أما لو استبرأ فيندفع هذا الاحتمال، فلا يجب
الاستنجاء ولا الوضوء بذلك، ويحمل البلل على
كونه وديا.
اختصاص الاستبراء بالرجال:
الظاهر من كلمات الفقهاء أن استحباب
الاستبراء مختص بالرجال، وأما النساء فليس
عليهن استبراء، بمعنى أنه لا يترتب على استبرائهن
أو عدمه أثر، مما هو مترتب على استبراء الرجل.
نعم، قال العلامة - في المنتهى -: الرجل
والمرأة في ذلك سواء (1).
وقال بعضهم: الأولى أن تصبر قليلا
وتتنحنح وتعصر فرجها عرضا (2).
وعلى أي حال، فالرطوبة الخارجة منها
محكومة بالطهارة وعدم كونها ناقضة، إلا إذا علمت
بكونها بولا (3).
كيفية الاستبراء:
اختلف الفقهاء في كيفية الاستبراء على
أقوال:
الأول - أن تكون المسحات تسعا: بأن يمسح
من المقعد (مخرج الغائط) إلى أصل القضيب ثلاثا،
ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا، وينتره ثلاثا.
هذا هو الرأي المشهور كما قيل (1).
الثاني - أن تكون المسحات ستا: بأن يمسح
من المقعد إلى الأنثيين ثلاث مرات، ثم ينتر الذكر
ثلاث مرات.
ذهب إلى هذا الرأي الصدوق (2)، وسلار (3)،
وابن حمزة (4)، وابن زهرة (5)، وابن إدريس (6).
وكلام الشيخ (7) يحتمل هذا وسابقه، لكن
المعروف نسبة الأول إليه (8).
الثالث - أن تكون المسحات ثلاثا: بأن ينتر
الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثا.
وهذا الرأي منسوب إلى السيد المرتضى (9).
الرابع - أن يكون المسح بما يحصل به



(1) المنتهى 1: 256.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل الاستبراء.
(3) أنظر: العروة الوثقى، وبهامشها المستمسك 2: 229.
والتنقيح 3: 437، وانظر الجواهر 2: 58.
(1) التنقيح 3: 431.
(2) الفقيه 1: 31.
(3) المراسم: 32.
(4) الوسيلة: 47.
(5) الغنية: 36، لكن فيه: " أما البول فيجب الاستبراء
منه أولا بنتر القضيب، والمسح من مخرج النجو إلى رأسه
ثلاث مرات ".
(6) السرائر 1: 96.
(7) المبسوط 1: 17.
(8) أنظر: المدارك 1: 300، والجواهر 3: 113.
(9) المعتبر: 35.
210
الاطمئنان بالنقاء من دون تحديده بمقدار معين.
وهذا هو رأي المفيد، فإنه قال في المقنعة:
"... فليمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى
أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثم يضع مسبحته تحت
القضيب وإبهامه فوقه، ويمرهما عليه باعتماد قوي
من أصله إلى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا، ليخرج
ما فيه من بقية البول " (1).
ما يقوم مقام الاستبراء:
صرح بعض الفقهاء بأنه يقوم مقام الاستبراء
طول المدة بعد البول، على وجه يقطع بعدم بقاء شئ
من البول في المجرى، ولا يكفي الظن بعدم البقاء.
والسر في ذلك أن المسحات التسع أو الست
لا خصوصية فيها، لأن الروايات إنما وردت
للإرشاد إلى ما يتخلص به من انتقاض الوضوء
بالبلل المشتبه بعد البول والوضوء (2).
عدم لزوم المباشرة في الاستبراء:
ولا تجب المباشرة في الاستبراء، فيكفي في
ترتب الفائدة إن باشره غيره، كزوجته ومملوكته.
وعلته تظهر مما تقدم (3).
* هامش) * (1) المقنعة: 40.
(2) أنظر: الجواهر 3: 116، والمستمسك 2: 228،
والتنقيح 3: 436.
(3) أنظر: الجواهر 3: 116، والمستمسك 2: 230،
والتنقيح 3: 441. (*)
عدم حرمة الاستبراء مستقبلا للقبلة:
يظهر ممن تعرض للمسألة من الفقهاء أن
الاستبراء لا يلحق بالتبول من حيث حرمة استقبال
القبلة واستدبارها، قال صاحب الجواهر:
" والظاهر خروج الاستبراء والاستنجاء عن
هذا الحكم " (1)، أي: حرمة الاستقبال والاستدبار،
ولم ينقل خلافا عمن تقدمه. نعم، قال السيد الحكيم
في المستمسك: " فقد حكي عن الدلائل والذخيرة
عموم الحكم لهما " (2).
كراهة الاستبراء باليمين:
ويكره الاستبراء باليمين لقول أبي جعفر (عليه السلام):
" إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه " (3). وعن
عائشة أنها قالت: " كانت يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليمنى
لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه
وما كان من أذى " (4).



(1) الجواهر 2: 11.
(2) المستمسك 2: 197، وانظر التنقيح 3: 373.
(3) الوسائل 1: 322، الباب 12 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 6، وروى مسلم في صحيحه عن أبي
قتادة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إذا دخل أحدكم
الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه "، صحيح مسلم، كتاب
الطهارة، باب النهي عن الاستنجاء باليمين، الحديث 2.
(4) سنن أبي داود 1: 16، كتاب الطهارة، الباب 18
باب كراهية مس الذكر باليمنى في الاستبراء، الحديث
33.
211
هذا وقد عد السيد اليزدي - في العروة - من
جملة مستحبات التخلي: " أن يكون الاستنجاء
والاستبراء باليد اليسرى " (1).
ثانيا - الاستبراء من المني
والمقصود منه استبراء مجاري البول والمني من
وجود المني قبل الاغتسال.
الحكم التكليفي للاستبراء من المني:
اختلف الفقهاء في حكم الاستبراء من المني
على قولين:
الأول - القول بالوجوب: وهو قول المتقدمين
من فقهائنا، كالشيخ (2) وأصحابه: أبي الصلاح (3)
وسلار (4) وابن حمزة (5)، وعده كل من الشهيد
الأول (6)، والمحقق الكركي (7)، وصاحب المدارك (8)
أحوط القولين، واختاره صاحب الحدائق (1)، بل
نسبه الشهيد والكركي إلى معظم الأصحاب.
الثاني - القول بالاستحباب: وهو المشهور
بين المتأخرين، كما صرح بذلك بعضهم (2).
وعلى أي تقدير لم يكن الاستبراء شرطا في
صحة الغسل، بل لو اغتسل من دون استبراء، ثم
صلى، ثم خرج منه بلل مشتبه كانت صلاته صحيحة
وعليه أن يغتسل للصلاة الآتية، كما سيأتي توضيحه (3).
كيفية الاستبراء:
اختلفت عبارات الفقهاء في كيفية الاستبراء
من المني - سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه - على
أقوال:
الأول - أن المراد من الاستبراء - هنا - هو
البول: وأما الاستبراء بمسح الذكر - كما تقدم في
الاستبراء من البول - فإنه من آداب التخلي لا من
آداب الغسل. نعم تترتب بعض الآثار على العمل به
أو تركه.
ويبدو أن هذا التفسير هو المشهور بين الفقهاء
المتأخرين.



(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل مستحبات التخلي
ومكروهاته. وانظر: المستمسك 2: 240، والتنقيح 3:
455.
(2) المبسوط 1: 29.
(3) الكافي: 133.
(4) المراسم: 41.
(5) الوسيلة: 55.
(6) الدروس 1: 96، والذكرى: 103.
(7) جامع المقاصد 1: 265.
(8) المدارك 1: 300.
(1) الحدائق 3: 105.
(2) أنظر: المدارك 1: 300، والحدائق 3: 103،
والجواهر 3: 109.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في مستحبات
غسل الجنابة، المسألة 2.
212
الثاني - أن المراد منه هو البول ثم الاستبراء
منه: وهو منسوب إلى الجعفي (1)، واختاره سلار (2)،
والمحقق الحلي (3)، ويظهر من فقهاء آخرين
كالشهيدين (4).
الثالث - أن المراد منه هو البول أولا، فإن لم
يتيسر فالاجتهاد بالاستبراء بالتمسح: وهو مختار
الشيخ المفيد (5)، والشيخ الطوسي في النهاية (6)، وابن
حمزة (7)، وابن إدريس (8)، وابن سعيد (9)،
والعلامة (10).
الرابع - أن المكلف مخير بين البول وبين
الاجتهاد: وهو مختار الشيخ (11) في المبسوط، وابن
زهرة (1).
الخامس - أن الاستبراء المطلوب - هنا - هو
الاستبراء من البول: اختار ذلك المحقق الحلي في
المختصر (2)، والعلامة في التحرير (3) والمنتهى (4).
وهناك أقوال أخر يطول ذكرها.
ما يترتب على الاستبراء:
يترتب على الاستبراء معلومية حكم البلل
المشتبه الخارج بعد الغسل، وصور المسألة - كما
ذكرها صاحب المدارك - خمس:
الأولى - أن يكون قد بال واستبرأ من البول،
فلا إعادة عليه إجماعا، كما قال صاحب المدارك.
لكن فصل السيد اليزدي بين ما إذا كانت
الرطوبة مرددة بين البول والمني وغيرهما - كالمذي
مثلا - فلا تجب الإعادة، وبين ما إذا لم يحتمل
غيرهما، بأن كانت الرطوبة مرددة بين البول والمني،
فأوجب الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء (5).



(1) أنظر الجواهر 3: 109.
(2) المراسم: 41.
(3) كذا نسب إليه، لكن الموجود في الشرائع أمران:
استحباب البول قبل الغسل، واستحباب الاستبراء منه،
لا أنه فسر الاستبراء بالتبول والتمسح معا، أنظر شرائع
الإسلام 1: 28.
(4) أنظر: الدروس 1: 96، والروضة البهية 1: 94.
(5) المقنعة: 52.
(6) النهاية: 21، وفيها: " فإذا أراد الغسل من الجنابة
فليستبرئ نفسه بالبول، فإن تعذر عليه فليجتهد "، لكن
يحتمل أن يريد بالاجتهاد أن يجتهد بأن يبول.
(7) الوسيلة: 55، وعبارتها كالنهاية.
(8) السرائر 1: 118.
(9) الجامع للشرائع: 39، وعبارته كالنهاية أيضا.
(10) القواعد 1: 13، والتذكرة 1: 232.
(11) المبسوط 1: 29.
(1) الغنية: 61، وفيها: "... الاستبراء بالبول أو الاجتهاد
فيه... ثم الاستبراء من البول "، فيكون أقرب إلى القول
الثاني.
(2) المختصر النافع: 8.
(3) التحرير 1: 13.
(4) المنتهى 2: 206.
(5) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل مستحبات غسل
الجنابة، المسألة 3، وفي عبارته غموض، راجع التنقيح
6: 12 - 23، والمستمسك 3: 121.
213
وذلك للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما،
ومعارضة استصحاب عدم خروج البول
باستصحاب عدم خروج المني، ومع تساقطهما لا بد
من الجمع بين الوضوء والغسل لقاعدة الاشتغال
حتى يقطع بالفراغ (1).
واختار ذلك كل من السيد الحكيم (2)، والسيد
الخوئي (3)، والإمام الخميني (4).
الثانية - أن لا يكون قد بال ولا استبرأ. قال
صاحب المدارك: " والأظهر فيه وجوب إعادة
الغسل، وهو المعروف من مذهب الأصحاب ".
ونقل في المستمسك (5) عدة إجماعات على ذلك، إلا
أن المنقول عن الصدوق (6) الاكتفاء بالوضوء. كما أن
المنقول عن الشيخ في الاستبصار (7) التفصيل بين
ترك البول عمدا فتجب إعادة الغسل، وتركه نسيانا
فلا تجب إعادته.
الثالثة - أن يكون قد اقتصر على الاستبراء
ولم يبل مع إمكانه. قال صاحب المدارك: " والحكم
فيه كالثانية " ثم استظهر من كلام المحقق في
الشرائع (1) والمختصر النافع (2) عدم وجوب الإعادة
في هذه الصورة، ثم استبعده.
الرابعة - أن يكون قد اقتصر على الاستبراء
ولم يبل لعدم إمكانه، قال صاحب المدارك: " فيه
قولان، أظهرهما أنه كالذي قبله ". ثم نقل عن
الشيخ في الاستبصار (3) القول بعدم الإعادة.
ونسب صاحب الجواهر القول بعدم الإعادة
إلى المقنعة، والمراسم، والسرائر، والجامع، والتذكرة
والدروس، والبيان، والذكرى، وجامع المقاصد،
ونسب القول بالإعادة إلى الشيخ في الخلاف
وجماعة من متأخري المتأخرين، ثم قواه (4).
نعم، يظهر من السيد الحكيم (5) والإمام
الخميني (6) أن الخرطات إذا كانت توجب القطع بعدم
بقاء شئ في المجرى فهي تقوم مقام البول، ولعله
يقول به غيرهما ممن لم يصرح بذلك، وخاصة من



(1) التنقيح 6: 12 - 23.
(2) المستمسك 3: 121.
(3) التنقيح 6: 12 - 23.
(4) تحرير الوسيلة 1: 40، كتاب الطهارة، فصل غسل
الجنابة، القول في واجبات الغسل، المسألة 16.
(5) المستمسك 3: 118.
(6) المصدر نفسه، وانظر المدارك 1: 305، ومن لا يحضره
الفقيه 1: 85، ذيل الحديث 188.
(7) أنظر المصدرين السابقين، وانظر الاستبصار 1: 120،
كتاب الطهارة، الباب 72.
(1) شرائع الإسلام 1: 28.
(2) المختصر النافع 1: 9.
(3) الاستبصار 1: 120، كتاب الطهارة، الباب 72، ذيل
الحديث 7، لكن في النسبة تأمل، نعم يظهر ذلك من
التهذيب 1: 145، ذيل الحديث 103 فراجع.
(4) الجواهر 3: 124.
(5) المستمسك 3: 124.
(6) تحرير الوسيلة 1: 39، كتاب الطهارة، فصل في غسل
الجنابة، القول في واجبات الغسل، المسألة 15.
214
يقول بكفاية الخرطات في الاستبراء.
الخامسة - أن يكون قد اقتصر على البول ولم
يستبرئ منه بالخرطات، قال صاحب المدارك:
" والظاهر إعادة الوضوء خاصة " (1). وقال في
الجواهر: " هو المعروف بين الأصحاب بل يظهر من
بعضهم دعوى الإجماع عليه، كما هو صريح
بعضهم " (2).
هذا وقيد السيد الخوئي وجوب الوضوء بما
إذا احتملنا كون البلل بولا، وأما إذا دار أمره بين
كونه منيا أو مذيا، فلا يجب عليه الوضوء، لأن
الظاهر من الروايات الآمرة بالوضوء هو من جهة
احتمال كون البلل بولا (3).
هذا كله إذا لم يحصل له العلم بكون الخارج
منه بولا أو منيا، وإلا فيترتب عليه حكمه.
اختصاص الاستبراء بصورة الإنزال:
نسب إلى المشهور (4) القول باختصاص
الاستبراء بصورة الجنابة بالإنزال، أما الجنابة بمجرد
الجماع ومن دون إنزال فلا استبراء فيه، لأن الحكمة
من الاستبراء هو إخراج ما تبقى من أجزاء المني،
وهو إنما يكون في صورة الإنزال دون غيره.
نعم يظهر من المحقق السبزواري القول بتعميم
الحكم (1).
واحتمل الشهيد في الذكرى استحبابه - في
صورة عدم الإنزال - مع احتمال خروج المني، أخذا
بالاحتياط (2).
اختصاص الاستبراء بالرجل:
المشهور بين الفقهاء اختصاص الاستبراء
- سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه - بالرجل دون
المرأة، وعلله العلامة في المختلف بقوله: " لأن المراد
منه استخراج المتخلف من بقايا المني في الذكر
بالبول، وهذا المعنى غير متحقق في طرف المرأة، لأن
مخرج البول ليس هو مخرج المني فلا معنى للاستبراء
هنا " (3).
وشرك الشيخ في النهاية المرأة مع الرجل في
لزوم الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (4)، في حين
خص المفيد الاستبراء بالبول بما إذا تيسر لها ذلك،
وإلا فلا شئ عليها (5).
وعلى أية حالة فالرطوبة الخارجة منها
محكومة بالطهارة، استبرأت أو لم تستبرئ، على



(1) أنظر المدارك 1: 304 - 306.
(2) الجواهر 3: 123.
(3) التنقيح 6: 17.
(4) الجواهر 3: 111.
(1) الذخيرة: 58.
(2) الذكرى: 103.
(3) المختلف 1: 335 - 336.
(4) النهاية: 21.
(5) المقنعة: 54.
215
ما هو المعروف (1)، إلا إذا علمت أنها من مني
الرجل أو من بولها أو منيها فيترتب عليه حكمه (2)،
أو حصل لها العلم الإجمالي بكونه إما من بولها أو
منيها، فوظيفتها كوظيفة الرجل حسبما تقدم.
وبقيت هناك أمور يظهر حكمها مما ذكرناه
في الاستبراء من البول.
ثالثا - استبراء الرحم من الدم
والمراد منه طلب براءة الرحم من دم
الحيض، والكلام فيه يكون كالآتي:
الحكم التكليفي للاستبراء من الدم:
إذا انقطع الدم في الظاهر واحتملت المرأة
بقاءه في الداخل عند إمكان كونه حيضا - بأن كان
الانقطاع لدون عشرة أيام - فمقتضى الأصل عدم
وجوب الفحص عليها وجواز اعتمادها على
استصحاب بقاء الدم ما لم تستيقن بانقطاعه من
أصله، كما في غيره من الشبهات الموضوعية (3).
ومع ذلك لم يلتزم الفقهاء بهذا الاستصحاب،
لكن لا من جهة الإشكال عليه بأنه استصحاب في
الأمور التدريجية، وهي لا تنحفظ فيها الوحدة بين
المتيقن والمشكوك - الذي هو شرط في
الاستصحاب - إذ الوحدة العرفية كافية وإن لم
تتحقق الوحدة العقلية، بل من جهة قيام الدليل على
وجوب الاستبراء في هذه الحالة، فلو كان الاعتماد
على الاستصحاب جائزا لكان بينه الإمام (عليه السلام)،
لكن لم يبينه واعتمد على خصوص الاستبراء، فقد
جاء في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):
" إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة،
فإن خرج فيها شئ من الدم فلا تغتسل وإن لم تر
شيئا فلتغتسل " (1). وفي موثقة سماعة عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قلت له: المرأة ترى الطهر
وترى الصفرة أو الشئ، فلا تدري أطهرت أم لا؟
قال: فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى
حائط، وترفع رجلها على حائط - كما رأيت الكلب
يصنع إذا أراد أن يبول - ثم تستدخل الكرسف،
فإذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج،
فإن خرج دم فلم تطهر، وإن لم يخرج فقد
طهرت " (2).



(1) أنظر: الجواهر 3: 112، والمستمسك 3: 123.
(2) فإن كان من مني الرجل، فلا يجب عليها إلا غسل
ما مسه من ظاهر الفرج ونحوه، وإن كان من بولها، فعليها
الوضوء خاصة، لانتقاض الطهارة الصغرى بالبول، وإذا
كان من منيها فعليها الغسل، لانتقاض الطهارة الكبرى.
(3) الطهارة (للمحقق الهمداني): 276.
(1) الوسائل 2: 308، الباب 17 من أبواب الحيض،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 2: 308، الباب 17 من أبواب الحيض،
الحديث 4.
216
ولذلك فالقول بوجوب الاستبراء هو
المشهور بين الفقهاء، وإن عبر عنه الشيخ الطوسي
- في الاقتصاد (1) - ب‍ " ينبغي " المشعر بالاستحباب،
ونفى عنه الشيخ الأنصاري الوجوب لولا فتوى
الأصحاب بذلك، حيث قال (قدس سره): " والإنصاف أنه
لولا فتوى الأصحاب بالوجوب كانت استفادته من
هذه الأخبار مشكلة " (2).
وهل هذا الوجوب نفسي، أو شرطي، أو
إرشادي؟ فيه احتمالات:
1 - الوجوب النفسي:
بمعنى أن يكون استبراء الرحم عند انقطاع
الدم ظاهرا واجبا في حد نفسه، لكن استبعد السيد
الخوئي أن يكون مراد القائلين بالوجوب هذا النحو
منه، قال: " إن القائل بالوجوب النفسي في
الاستبراء صريحا غير معلوم، فمراد القائل
بالوجوب إنما هو الوجوب الشرطي " (3).
نعم ظاهر عبارة الشيخ الأنصاري المتقدمة
نسبة الوجوب النفسي إليهم.
2 - الوجوب الشرطي:
بمعنى أن الاستبراء شرط لصحة الغسل،
تحصيلا للجزم ببراءة الرحم تعبدا (4)، فلو اغتسلت
الحائض من دون استبراء بطل غسلها.
وقد تقدم أنه نسب هذا القول إلى القائلين
بالوجوب، كما أن صاحب الجواهر استظهره من
عبارات الأصحاب وقواه (1)، وجعله الشيخ
الأنصاري محتملا (2).
3 - الوجوب المقدمي:
بمعنى أن الاستبراء مقدمة للعبادة المشروطة
بالطهارة، قال الشيخ الأنصاري: " ثم وجوب
الاستبراء إنما هو من باب المقدمة للعبادة المشروطة
بالطهارة، فلا تجب إلا بوجوبها، وليس شرطا في
صحة الغسل إلا لأجل أن الأمر بالغسل إنما يتوجه
على الطاهر من الحيض، ويتوقف معرفة كون المرأة
كذلك على الاستبراء " (3).
4 - الوجوب الإرشادي:
بمعنى أن العقل يحكم بلزوم الاستبراء،
والروايات الآمرة به إنما هي إرشاد إلى حكم
العقل.
ويظهر من السيدين الحكيم والخوئي اختيار
هذا الرأي، إلا أن لكل منهما توجيها يختص به،
واحتمله الشيخ الأنصاري (4).
أما السيد الحكيم فخلاصة ما أفاده هو:
أن ما ورد في الروايات إرشاد إلى أحد



(1) الاقتصاد: 245.
(2) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 226، الحيض.
(3) التنقيح 6: 285.
(4) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 227، الحيض.
(1) الجواهر 3: 191.
(2) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 227، الحيض.
(3) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 227، الحيض.
(4) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 227، الحيض.
217
أمرين:
1 - إما إلى أن الحجة في معرفة النقاء الواقعي
هي خصوص الاستبراء، لا انقطاع الدم.
2 - وإما إلى عدم جواز الاعتماد على بقاء
الحيض على الأصل - أي: الاستصحاب - ولا على
عدم بقاء الدم بمجرد الانقطاع، فلا يجوز البناء على
بقاء الحيض - استنادا إلى استصحاب بقاء الدم -
ولا على عدمه - استنادا إلى ظاهر الانقطاع -
فيكون وجوب الاستبراء نظير وجوب الفحص في
الشبهات الحكمية.
ثم نسب هذا التفسير للوجوب إلى
الأصحاب (1)، وهو يخالف ما نسبه إليهم السيد
الخوئي وصاحب الجواهر من القول بالوجوب
الشرطي.
وأما السيد الخوئي فحاصل ما أفاده هو:
أن المرأة تعلم بأن عليها تكاليف إلزامية،
وتعلم إجمالا أن هذه التكاليف الإلزامية إما مترتبة
على الحيض، كوجوب ترك العبادات وحرمة
الوطء ء، وإما مترتبة على الطهر، كوجوب العبادات
ووجوب التمكين عند مطالبة الزوج، فلا بد من
تعيين حالتها كي تتخلص من التكاليف الإلزامية
التي كلفت بها، وحكم العقل بلزوم التخلص من
التكليف الإلزامي في موارد العلم الإجمالي أمر
واضح.
وطرق التخلص تنحصر في ثلاثة:
الأول - استصحاب بقاء الدم (الحيض):
وتترتب عليه الأحكام الإلزامية المترتبة على
الحائض.
لكن قد تقدم أن هذا الطريق وإن كان في حد
ذاته ممكنا إلا أنه مرفوض، لعدم أمر الإمام (عليه السلام)
به، وإرشاده إلى طريق آخر.
الثاني - الاحتياط: بمعنى أن تغتسل وتأتي
بما عليها من العبادات الواجبة على الطاهر، وتترك
الأمور المحرمة على الحائض، كالوطء ودخول
المسجد ونحو ذلك.
لكن هذا الطريق إنما يتم في موردين:
1 - أن لا تكون الحرمة في عبادات الحائض
حرمة ذاتية، لأنه لو كانت العبادة محرمة ذاتا على
الحائض لما أمكن لها قصد القربة، ولو على فرض
احتمال مصادفة كونها طاهرا واقعا، لأن مجرد احتمال
كون العبادة محرمة ذاتا - بسبب احتمال كونها حائضا
واقعا - يمنع من قصد التقرب بها.
2 - أن لا يكون المورد مثل الوطء ء، فإنه
يدور الأمر فيه بين المحذورين، لأنه لو طلب الزوج
منها التمكين فيجب عليها الإجابة على فرض كونها
طاهرا، ويحرم عليها ذلك على فرض كونها حائضا،
وهذا لا يمكن الاحتياط فيه، لدوران الأمر فيه بين
المحذورين كما تقدم.
الثالث - الاستبراء: وهو الطريق المأمور به
في الروايات، ولم تترتب عليه المحاذير المتقدمة.



(1) المستمسك 3: 257 - 258.
218
إذن يجب على التي انقطع دمها أن تستبرئ
ليحصل لها العلم بما هي فيه من حالتي الطهر
والحيض، لتأتي بما يجب عليها من الأحكام
الإلزامية.
وهذا الوجوب وجوب عقلي وما ورد في
الروايات من الأمر به إرشاد إليه (1).
كيفية الاستبراء:
إن أصح الروايات الواردة في استبراء
الحائض هي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، وهي
لم تتضمن كيفية خاصة في الاستبراء. نعم، تضمنت
روايات أخرى كيفيات مختلفة، منها: موثقة سماعة
المتقدمة أيضا، وأما غيرها فهي ضعاف، وقد جاء
في الموثقة: " فلتلصق بطنها إلى حائط، وترفع
رجلها على حائط... ثم تستدخل الكرسف... ".
وقد استنتج المشهور من الجمع بين
الروايتين: أنه لا تجب كيفية خاصة في الاستبراء،
لكن الأفضل أن تصنع كما ورد الأمر به في هذه
الموثقة (2).
وظيفة من لا تتمكن من الاستبراء:
إذا لم تتمكن الحائض من الاستبراء - إما
لشلل أو عمى أو فقد ما تستبرئ به ونحو ذلك - فقد
صرح بعض الفقهاء بأنه لا يجوز لها الاعتماد على
استصحاب بقاء الدم، ولا الاعتماد على انقطاعه، بل
يجب عليها الاحتياط فيما يمكنها، وأما فيما لا يمكنها
فيدور الأمر فيه بين المحذورين، ووظيفتها حينئذ
التخيير، فلها أن تعمل بأي الطرفين (1).
ما يترتب على الاستبراء:
إن ما يترتب على الاستبراء فيه تفصيل نحيل
بيانه على موطنه وهو مصطلح " حيض "، لكن
نشير إلى ذلك على نحو الإجمال بما ذكره السيد
اليزدي في العروة، قال:
" إذا انقطع الدم قبل العشرة، فإن علمت
بالنقاء وعدم وجود الدم في الباطن، اغتسلت
وصلت، ولا حاجة إلى الاستبراء، وإن احتملت
بقاءه في الباطن، وجب عليها الاستبراء واستعلام
الحال بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هنيئة،
فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت، وإن خرجت
ملطخة - ولو بصفرة - صبرت حتى تنقى أو تنقضي
عشرة أيام إن لم تكن ذات عادة أو كانت عادتها
عشرة.
وإن كانت ذات عادة أقل من عشرة فكذلك،
مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة، أما إذا احتملت
التجاوز فعليها الاستظهار بترك العبادة - استحبابا -



(1) أنظر التنقيح 6: 287.
(2) أنظر: الجواهر 3: 190، والمستمسك 3: 260،
والتنقيح 6: 291 - 293.
(1) التنقيح 6: 290، وانظر المستمسك 3: 259.
219
بيوم أو يومين أو إلى العشرة مخيرة بينها، فإن انقطع
الدم على العشرة أو أقل، فالمجموع حيض في الجميع،
وإن تجاوز فسيجئ حكمه " (1).
وما ذكره هو المشهور بين الفقهاء كما صرح
بذلك بعضهم (2)، إلا أن السيد الخوئي يرى أن
الصفرة في غير أيام العادة ليست حيضا، نعم إذا
كانت في أيام العادة فهي حيض للروايات (3).
رابعا - استبراء الرحم من الحمل
والمقصود من ذلك طلب براءة الرحم من
الحمل.
الفرق بين الاستبراء والاعتداد:
فرق صاحب الجواهر بينهما: بأن الاستبراء
- وهو طلب البراءة لغة - معناه: التربص عن
وطء الأمة مدة بسبب إزالة ملك أو حدوثه،
شرعا.
وأما الاعتداد - وهو مأخوذ من العدة
المأخوذة من العدد - فمعناه شرعا: تربص المرأة
الحرة (1) بسبب مفارقة الزوج، أو ذي الوطء ء المحترم
بفسخ أو طلاق أو موت أو زوال اشتباه، بل والأمة
إذا كانت الفرقة عن نكاح أو وطء شبهة.
وعلل وجه تسمية كل منهما بأن الاستبراء
- وهو طلب البراءة - يحصل من دون حاجة إلى
تعدد الأقراء، بخلاف العدة المأخوذة من العدد،
حيث يكون المطلوب فيها تعدد الأقراء.
ثم قال: هذا ولكن قد تطلق العدة على
الاستبراء وبالعكس (2).
والمقصود بالبحث - هنا - هو المعنى المعروف
للاستبراء، وهو التربص عن وطء الأمة بسبب
إزالة الملك أو حدوثه، وسوف يأتي البحث عن
الاعتداد في عنوان " عدة ".
والبحث في الاستبراء يكون كالآتي:
حكم استبراء الرحم تكليفا:
قال صاحب الحدائق: " لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يجب استبراء
الأمة على البائع قبل البيع إذا وطأها، وكذا
المشتري... " (3).
ومثله قال صاحب الجواهر (4)، ومفهومه: أنه



(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل الحيض، المسألة
23.
(2) كالسيد الحكيم في المستمسك 3: 256 - 271، والسيد
الخوئي في التنقيح 6: 283 وما بعدها.
(3) التنقيح 6: 294.
(1) أي انتظارها وامتناعها عن النكاح.
(2) أنظر الجواهر 32: 211 و 305، نقلناه بتصرف.
(3) الحدائق 19: 424.
(4) الجواهر 24: 193.
220
إذا لم يطأها البائع فلا يجب عليه الاستبراء.
الحكمة في استبراء الرحم:
الحكمة في استبراء الرحم - كما في الاعتداد -
هي المنع من اختلاط المياه واشتباه الأنساب، لأن
حفظ الأنساب من الأهداف التي تحرص عليها
الشريعة.
عدم اختصاص الاستبراء بالبيع:
المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في
وجوب الاستبراء بين البيع وغيره من الوجوه
الناقلة للملك، وكذا الشراء، فيجب الاستبراء
بكل ملك زائل وحادث (1). لكن خص ابن إدريس
ذلك بالبيع دون الوجوه المملكة الأخرى (2)، إلا
أنه يظهر منه التراجع عنه في موضع آخر، حيث
قال: " ومتى ملك الرجل جارية بأحد وجوه
التمليكات من بيع، أو هبة، أو سبي، أو غير ذلك،
لم يجز له وطؤها في قبلها إلا بعد أن
يستبرئها... " (3).
ويظهر من صاحب الكفاية موافقته لابن
إدريس باختصاص الحكم بالبيع (4).
وجوب الاستبراء على من انتقلت إليه الأمة:
يجب على كل من البائع والمشتري ومن
بحكمهما استبراء الأمة، فلا يختص الوجوب
بمن انتقلت منه، وقد ادعي عدم الخلاف فيه، كما
تقدم.
نعم هناك موارد يستثنى فيها وجوب
الاستبراء سنشير إليها.
موارد سقوط وجوب الاستبراء:
ذكر الفقهاء موارد يسقط فيها وجوب
الاستبراء عن البائع والمشتري - أو من بحكمهما - أو
عن أحدهما بالخصوص، وهي - على نحو الإجمال -
كما يلي:
1 - إخبار العدل أو الثقة - على اختلاف
المباني - بالاستبراء، فإذا أخبر العدل أو الثقة
باستبراء المالك - أو كان المخبر هو المالك وكان عدلا
أو ثقة - سقط وجوب الاستبراء عن المشتري،
لتحقق الغرض (1).
وأوجب ابن إدريس (2) وفخر الدين (3)
الاستبراء وإن أخبر الثقة بحصوله.
2 - إذا كانت الأمة صغيرة أو يائسة بحيث
لا يتوقع منها الحمل، فيسقط الاستبراء عن البائع



(1) الحدائق 19: 424، والجواهر 24: 200.
(2) السرائر 2: 346.
(3) السرائر 2: 634.
(4) الكفاية: 175.
(1) الحدائق 19: 426، والجواهر 24: 202.
(2) السرائر 2: 634.
(3) إيضاح الفوائد 3: 165.
221
والمشتري (1).
3 - إذا كان المالك غير قادر على الوطء ء،
لعدم قابليته، لكونه صغيرا، أو كبيرا، أو مجبوبا، أو
عنينا، أو نحو ذلك (2).
4 - إذا كان المالك امرأة، لكن يظهر من
بعضهم اشتراط عدم العلم بكون الأمة موطوءة في
ملك المرأة عن طريق التحليل أو التزويج، بل يظهر
من بعض آخر اشتراط عدم احتمال ذلك، فيجب
الاستبراء بمجرد احتمال الوطء ء إذا لم تخبر بعدمه (3).
5 - إذا كانت الأمة حائضا، فيكتفى في جواز
وطئها بإتمام حيضتها (4)، خلافا لابن إدريس حيث
لم يكتف بإتمام الحيضة، بل أوجب حيضة أخرى (5).
6 - إذا كانت حاملا، لعدم فائدة للاستبراء
المفسر بترك الوطء ء حتى يتبين حالها، نعم لو فسر
بترك الوطء ء حتى يبرأ رحمها مما فيه من ماء أو حمل،
أمكن القول بأن استبراءها هو ترك وطئها حتى
تضع، أو إلى مضي المدة (6).
واختلف الأصحاب في جواز وطء الجارية
الحبلى المشتراة وعدمه على أقوال، أهمها:
أ - تحريم وطئها حتى تمضي عليها أربعة
أشهر، فإذا مضى ذلك عليها وطأها إن أحب دون
الفرج، فإن وطئها فيه فليعزل عنها، واجتناب
وطئها أحوط حتى تضع ما في بطنها، ذهب إلى ذلك
الشيخ المفيد (1).
ب - تحريم وطئها حتى تضع الحمل أو تمضي
عليها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أراد وطأها
قبل ذلك وطئها فيما دون الفرج، ذهب إلى هذا الرأي
الشيخ في النهاية (2).
ج - تحريم وطئها حتى تمضي عليها أربعة
أشهر، وكراهة الوطء ء بعد ذلك، ذهب إليه المحقق،
ونسب إلى جماعة (3).
د - كراهة وطئها وعدم حرمته، ذهب إليه
الشيخ في الخلاف (4)، وابن إدريس (5).
ه‍ - تحريم الوطء ء إلى زمن وضع الحمل، إلا
إذا كان الحمل من زنا فيكره ولا يحرم، ذهب إليه
العلامة في المختلف (6).
وهناك تفصيلات أخر أعرضنا عنها.
7 - لو كانت زوجة الإنسان أمة لغيره



(1) الجواهر 24: 207.
(2) الجواهر 24: 206.
(3) الجواهر 24: 205.
(4) الجواهر 24: 210.
(5) السرائر 2: 635.
(6) الجواهر 24: 211.
(1) المقنعة: 544.
(2) النهاية: 496.
(3) شرائع الإسلام 2: 59، وانظر الجواهر 24: 211.
(4) الخلاف 5: 85.
(5) السرائر 2: 635.
(6) المختلف (الحجرية): 572.
222
فابتاعها، بطل نكاحها وحل له وطؤها بملك اليمين
من غير استبراء، بلا خلاف، كما قال صاحب
الجواهر (1).
كيفية الاستبراء:
المعروف بين الفقهاء هو: أن الاستبراء إنما
يتحقق بأحد أمرين:
الأول - بانتظار حيضتها المتعقبة للطهر الذي
واقعها فيه، إن كانت ممن تحيض.
الثاني - ترك وطئها خمسة وأربعين يوما، إن
كان مثلها تحيض وهي لم تحض (2).
وهل يجب التحرز عن وطء الدبر أيضا، أم
يكفي التحرز عن وطء القبل فقط؟
وهل تحرم سائر الاستمتاعات أم لا؟
فيهما كلام يرجع فيه إلى المطولات.
خامسا - استبراء الحيوان الجلال
لما كان بيان الاستبراء - هنا - يتوقف على
بيان مفهوم الجلل وأحكام الجلال، فنشير إليها
إجمالا، ونحيل التفصيل على محله وهو عنوان
" جلال "، فنقول:
الحيوان الجلال هو الحيوان المأكول اللحم
المتعود على أكل عذرة الإنسان، ومثله يحرم أكله
وينجس بوله وروثه بالعرض، ويحل أكله ويطهر
بوله وروثه بعد استبرائه.
كيفية الاستبراء:
وهي أن يمنع الحيوان عن التغذي بالعذرة،
ويعلف علفا طاهرا في مدة الاستبراء.
وهذا لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في مدة
الاستبراء، والغاية التي ينتهي عندها، وفيها عدة
أقوال:
الأول - المدة التي يستبرأ فيها كل حيوان هي
ما ورد في خصوصه في الروايات، فينبغي مراعاة
تلك المدة، سواء بقي عنوان " الجلال " على الحيوان
أو لم يبق.
وهذا القول منسوب إلى ظاهر المشهور (1)
- وإن شكك في النسبة السيد الخوئي (2) - وبناء عليه،
يحرم أكل لحم الحيوان قبل انقضاء المدة المنصوصة
وإن انتفى عنه عنوان " الجلال "، كما يجوز أكل لحمه
بعد تلك المدة وإن بقي العنوان.
وسنذكر المدة المنصوصة عن قريب.
الثاني - يجب مراعاة أكثر الأمرين، من
انتفاء عنوان " الجلال " والمدة المنصوصة، استضعافا
للنصوص وأخذا بالاحتياط.



(1) الجواهر 32: 327.
(2) أنظر: الجواهر 24: 195، والحدائق 19: 426.
(1) المستمسك 2: 134.
(2) التنقيح 3: 259 - 260.
223
نسب ذلك إلى الشهيد الثاني وجماعة (1)، لكن
الموجود في المسالك: الأخذ بأكثر التقديرات فيما إذا
وردت نصوص متفاوتة في الحيوان، لا ما نسب
إليه (2). نعم، جعل في الروضة (3) المعيار " غلبة الظن
بزوال الجلل " على فرض رفع اليد عن النصوص
لضعفها، فتكون الموارد المنصوصة وغير المنصوصة
على حد سواء.
وبناء على هذا القول إذا انتفى عنوان
" الجلال " قبل انقضاء المدة فلا بد من انتظار
قضائها، وإذا انتفت المدة قبل انتفاء عنوان
" الجلال " فلا بد من انتظار انتفائه.
الثالث - يجب العمل طبق المدة المنصوصة،
إلا إذا علمنا ببقاء العنوان فيجب استمرار
الاستبراء حتى يزول الجلل، ويترتب عليه أنه
لو زال العنوان قبل انتهاء المدة يجب الاجتناب
أيضا.
استظهر بعضهم هذا الرأي من صاحب
الجواهر، وذيل كلامه ظاهر فيما نسب إليه إلا أن
صدره مشعر بالقول الآتي (4).
الرابع - يجب منع الحيوان عن أكل العذرة
حتى يزول عنه اسم " الجلال "، فإذا زال حل أكله
وإن لم تمض المدة المنصوصة، لأن الموضوع في الحكم
بحرمة أكل الجلال هو الجلل، وبما أن الحكم يتبع
موضوعه بحسب الحدوث والبقاء فمع ارتفاعه
لا يحتمل بقاء الأحكام المترتبة عليه.
نعم، الأحوط - مع زوال الاسم - مراعاة
مضي المدة المنصوصة في كل حيوان.
ذهب إلى هذا الرأي السيد اليزدي (1)، وتابعه
السيد الخوئي (2).
ويظهر من الإمام الخميني اختيار هذا الرأي
إلا أن الاحتياط عنده وجوبي لا استحبابي (3).
وللسيد الخوئي محاولة للجمع بين الأقوال
الثلاثة الأخيرة (4).
هذا كله بالنسبة إلى الحيوانات التي ورد فيها
نص خاص، وأما ما لم يرد فيه نص فالمعيار فيه هو
صدق العنوان وعدمه، كما هو واضح، فيجب
الاستبراء إلى أن يزول عنوان " الجلال " عن
الحيوان.



(1) نسبه إليهم صاحب الجواهر والسيد الحكيم، أنظر
الجواهر 36: 280، والمستمسك 2: 134.
(2) المسالك (الحجرية) 2: 239.
(3) الروضة البهية 7: 293.
(4) أنظر: الجواهر 36: 376، والمستمسك 2: 134،
والتنقيح 3: 261.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الحادي
عشر: استبراء الحيوان الجلال.
(2) التنقيح 3: 259.
(3) تحرير الوسيلة 2: 144، كتاب الأطعمة، القول في
الحيوان، المسألة 19.
(4) التنقيح 3: 261.
224
الموارد المنصوصة:
الموارد التي ورد النص في مدة الاستبراء فيها
- كما هو المشهور - كالآتي:
1 - في الإبل أربعون يوما.
2 - في البقر ثلاثون يوما.
3 - في الغنم عشرة أيام.
4 - في البطة خمسة أو سبعة أيام.
5 - في الدجاجة ثلاثة أيام.
وفي بعض منها روايات أخر.
سادسا - استبراء اللحم المجهول
المقصود من استبراء اللحم المجهول هو اختبار
كون اللحم مذكى أو ميتة، وقد وردت رواية تبين
كيفية هذا الاختيار، وعمل طبقها المشهور،
ومفادها: أنه يطرح اللحم على النار، فإن انقبض
فهو مذكى وإن انبسط فهو ميتة (1).
والرواية موصوفة بالضعف: ولذلك نقل
صاحب الجواهر (2) عن جماعة عدم الاعتداد بهذا
الاختبار، لأن الأصل عدم تذكية الحيوان حتى
يحصل العلم بتذكيته، من هؤلاء الفاضل المقداد،
والشهيد الثاني.
قال الأول: " والأولى اجتنابه، لأصالة موت
الحيوان حتف أنفه، وأن لا يحكم بالتذكية إلا مع
يقين حصول شرائطها " (1).
وقال الثاني: " والأقوى تحريمه مطلقا " (2).
ونسب المحقق (3) والعلامة (4) هذا الاختبار إلى
القول، فقالا: " قيل... "، وهو مشعر بتضعيفهما له.
مظان البحث:
كتاب الطهارة:
أ - آداب التخلي.
ب - سنن الوضوء.
ج - سنن الغسل.
د - الأعيان النجسة، الحيوان الجلال.
ه‍ - الحيض.
كتاب البيع: بيع الإماء.
كتاب الطلاق: العدد، استبراء الأمة عند
بيعها أو شرائها.
كتاب الأطعمة والأشربة:
أ - الأطعمة المحرمة، الحيوان الجلال
وكيفية استبرائه.
ب - استبراء اللحم المجهول.



(1) أنظر الوسائل 24: 188، الباب 37 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث الأول.
(2) الجواهر 36: 402.
(1) التنقيح الرائع 4: 57.
(2) الروضة البهية 7: 337.
(3) شرائع الإسلام 3: 227.
(4) إرشاد الأذهان 2: 113.
225
استبصار
لغة:
استبصر الشئ: استبانه، واستبصر: تبين
ما يأتيه من خير وشر، واستبصر في دينه: صار
ذا بصيرة فيه، والبصيرة: الحجة (1).
وقال الطريحي: البصيرة هي الدلالة التي
يستبصر بها الشئ على ما هو به (2).
اصطلاحا:
يطلق في عرف الفقهاء على من اهتدى - من
سائر الفرق الإسلامية - إلى مذهب الإمامية اعتقادا
وعملا، وأما إذا كان كافرا ثم أسلم واختار مذهب
الإمامية فهو وإن كان مستبصرا واقعا، لكن
لا يلحقه ما ذكروه من أحكام للاستبصار، وكذا
لو ارتد ثم رجع إلى الحق.
الأحكام:
تترتب على الاستبصار آثار عديدة يختص
بعضها بالعبادات وبعضها بغيرها:
أولا - آثار الاستبصار في العبادات:
الظاهر من كلمات الفقهاء أن المخالف إذا فاته
شئ من العبادات ثم استبصر فعليه قضاء ما فاته،
لأنه كان مكلفا بها وقد فاتته، وبذلك يتحقق
موضوع القضاء، وهو فوت العبادة المأمور بها، لكن
يظهر من صاحب الجواهر ترجيح القول بعدم
وجوب القضاء في هذه الصورة، حيث قال:
"... فالإنصاف أن احتمال سقوط القضاء أصلا
ورأسا، فعلوا أو لم يفعلوا، فضلا عن أن يخلوا بترك
شرط ونحوه لا يخلو من وجه " (1).
وهل يجب عليه قضاء العبادات التي أتى بها
قبل الاستبصار أو لا؟
المعروف بين فقهائنا (رضوان الله عليهم) أن
المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به من
العبادات إلا الزكاة كما سيجئ، لما ورد في ذلك من
النصوص، منها:
1 - صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر
وأبي عبد الله (عليهما السلام): " أنهما قالا في الرجل يكون في
بعض هذه الأهواء: الحرورية، والمرجئة، والعثمانية،
والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه،
أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج،
أوليس عليه إعادة شئ من ذلك؟: ليس عليه
إعادة شئ من ذلك غير الزكاة، لا بد أن يؤديها،



(1) أنظر: لسان العرب، والمعجم الوسيط: " بصر ".
(2) مجمع البحرين: " بصر ".
(1) الجواهر 13: 8.
226
لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنما موضعها
أهل الولاية " (1).
2 - وعن عمر بن أذينة، قال: كتب إلي
أبو عبد الله (عليه السلام): " إن كل عمل عمله الناصب في
حال ضلاله أو حال نصبه، ثم من الله عليه وعرفه
هذا الأمر، فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة،
فإنه يعيدها، لأنه وضعها في غير موضعها، وإنما
موضعها أهل الولاية، وأما الصلاة والصوم فليس
عليه قضاؤهما " (2).
هذا كله إذا استبصر بعد خروج الوقت، وأما
إذا استبصر والوقت باق، ففيه قولان:
الأول - القول بالإعادة:
اختاره السيد اليزدي (3)، والإمام الخميني (4)،
ولعله لعموم أدلة التكليف بالعبادة، واختصاص
نصوص الإجزاء بالقضاء.
الثاني - القول بعدم الإعادة:
يظهر من صاحب الجواهر (5) اختياره، ولم
يستبعده السيد الحكيم (1)، وقواه السيد الخوئي (2)،
ولعله لعدم اختصاص نصوص الإجزاء بالقضاء،
وأما ورود لفظ " القضاء " في بعضها فهو لا يصير
قرينة لإرادة خصوص القضاء، لأن المراد منه مطلق
الإعادة، فهو أعم من القضاء المصطلح عند الفقهاء.
وجوب إعادة الزكاة بعد الاستبصار:
لا خلاف ظاهرا - كما قيل (3) - في أنه لو
أعطى المخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر فعليه
الإعادة.
وأما لو دفعها إلى أهل الولاية ثم استبصر،
فقد نسب في الجواهر إلى غير واحد القول بعدم
الإعادة، لكنه قال: وفيه بحث، ثم قال: فتأمل.
ومقصوده من البحث، وقوع التعارض بين
ظاهر التعليل - وهو: وقوع الزكاة في غير موضعها،
لو دفعها المخالف إلى غير أهل الحق، فتجب الإعادة
بعد الاستبصار، ومفهومه: أنه لو دفعها إلى أهل
الحق فلا تجب الإعادة - وإطلاق المعلل - وهو:
وجوب دفع الزكاة ثانية لأهل الولاية، سواء دفعها
أولا لأهل نحلته أو لأهل الولاية - لكن أمره بالتأمل



(1) الوسائل 9: 216، الباب 3 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2.
(2) المصدر نفسه، الحديث 3.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في صلاة القضاء،
المسألة 5.
(4) تحرير الوسيلة 1: 189، كتاب الصلاة، القول في صلاة
القضاء، المسألة 1.
(5) الجواهر 13: 9.
(1) المستمسك 7: 60، ويظهر منه في المنهاج القول
بالإعادة احتياطا، أنظر منهاج الصالحين 1: 276، فصل
قضاء الصلوات، المسألة 2.
(2) مستند العروة (الصلاة) 5 / 1: 132.
(3) أنظر الجواهر 15: 386 - 388.
227
- كما قال في المستمسك (1) - لعله إشارة إلى تقديم
ظاهر التعليل على إطلاق المعلل، وينتج عدم
وجوب الإعادة (2).
ولذلك اختار السيد اليزدي (3) عدم الإعادة،
وربما يلوح ذلك من السيد الحكيم في المستمسك (4)،
لكن اختاره صريحا في المنهاج (5)، كما اختاره السيد
الخوئي في منهاجه (6) أيضا.
ما يشترط في عدم وجوب القضاء:
اشترط بعض الفقهاء في عدم وجوب القضاء
أن يكون ما أتى به من العبادة موافقا لمذهبه الذي
كان عليه، واعتبر في خصوص الحج أن لا يكون قد
أخل بركن منه.
وهذا يحتاج إلى شئ من التوضيح، فنقول:
أما بالنسبة إلى غير الحج فالاحتمالات
المتصورة ثلاثة:
* هامش) * (1) المستمسك 9: 280.
(2) أنظر أيضا الجواهر 15: 386 - 388.
(3) العروة: كتاب الزكاة، فصل أوصاف المستحقين،
الأول: الإيمان، المسألة 5.
(4) المستمسك 9: 280.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 437، الزكاة،
أوصاف المستحقين، الأول: الإيمان، المسألة 12.
(6) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 314، الزكاة،
أوصاف المستحقين للزكاة، الأول: الإيمان، المسألة
1145. (*)
الأول - أن يأتي بالفعل مطابقا لمذهبه وإن
خالف فيه المذهب الذي اهتدى إليه.
وهذا هو القدر المتيقن مما شملته الروايات،
وأفتى به الفقهاء من القول بعدم وجوب القضاء.
الثاني - أن يأتي بالفعل مخالفا لمذهبه
والمذهب الحق الذي اهتدى إليه.
وهذا هو القدر المتيقن مما هو خارج عن
الروايات وفتوى الفقهاء، لأنهم اشترطوا في عدم
وجوب القضاء عدم كون ما أتى به فاسدا طبق
مذهبه، وهذا المورد هو القدر المتيقن من مخالفة هذا
الشرط.
الثالث - أن يأتي بالفعل مخالفا لمذهبه وموافقا
للمذهب الحق.
وهذا المورد قد تأمل بعض الفقهاء في شمول
الروايات له، لأن القدر المتيقن منها أن يكون ما أتى
به موافقا لمعتقده.
وممن يظهر منه التأمل: الشهيد الأول في
الذكرى (1) حيث احتمل وجوب الإعادة، وصاحب
الجواهر - في بحث قضاء الصلاة (2) - والسيد
اليزدي (3).
وممن صرح أو يظهر منه القول بعدم وجوب



(1) الذكرى: 135.
(2) الجواهر 13: 9 - 10.
(3) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل القضاء، المسألة
5.
228
الإعادة: الشهيد الثاني (1)، وصاحب الجواهر - في
كتاب الحج (2) - والمحقق الهمداني (3)، والسيدان
الحكيم (4) والخوئي (5).
لكن قيده بعضهم - كصاحب الجواهر والسيد
الخوئي - بإمكان قصد التقرب، بحيث يمكنه - أي
المخالف - أن يأتي بالعبادة وفقا لمذهب الإمامية
متقربا به إلى الله.
ومثل له السيد الخوئي - بعد أن قال بعض
الفقهاء بعدم إمكانه (6) - بما إذا اعتقد المخالف صحة
العبادة المأتي بها وفقا لمذهب الإمامية، وهذا ممكن
كما أفتى فضيلة الشيخ محمود شلتوت - شيخ الجامع
الأزهر بمصر في وقته - بصحة العمل وفق مذهب
الإمامية.
هذا كله بالنسبة إلى غير الحج، وأما بالنسبة
إلى الحج ففيه أقوال:
الأول - وجوب الإعادة مطلقا، سواء أتى به
صحيحا أو فاسدا، عندنا أو عندهم.
وهذا القول منسوب إلى ابن الجنيد (1)
واختاره ابن البراج (2).
الثاني - وجوب الإعادة إذا أخل بركن.
نسب صاحب المدارك هذا القول إلى الشيخ
وأكثر الأصحاب (3).
هذا واختلف الأصحاب في المراد من الركن
هل هو ما كان ركنا عندنا أو عندهم؟
نص المحقق (4) والعلامة (5) والشهيد الأول (6)
على أن المراد بالركن ما يعتقده أهل الحق
ركنا.
وقال الشهيد الثاني: "... وأطلق الأكثر "
أي: لم يقيدوه بكونه ركنا عندنا أو عنده (7).
الثالث - وجوب الإعادة إذا كان فاسدا
عنده - مهما كان سبب الفساد - وعدم وجوبها
إذا كان صحيحا عنده وإن كان فاسدا عند
الإمامية.
اختار هذا الرأي السيد اليزدي (8)، والسيد



(1) روض الجنان: 356.
(2) الجواهر 17: 306.
(3) نقل عنه ذلك في مستند العروة (الصلاة) 5 / 1: 132،
وانظر مصباح الفقيه 3: 106، آخر كتاب الزكاة.
(4) المستمسك 7: 59 و 60.
(5) مستند العروة (الصلاة) 5 / 1: 132.
(6) كالسيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 382، والسيد
الخوئي نفسه في معتمد العروة 1: 274.
(1) أنظر المختلف 4: 19.
(2) المهذب 1: 268.
(3) المدارك 7: 74، وانظر المبسوط 1: 303.
(4) المعتبر (الحجرية): 331.
(5) المنتهى (الحجرية) 2: 860.
(6) الدروس 1: 315.
(7) المسالك 2: 147.
(8) العروة الوثقى: كتاب الحج، شرائط وجوب حجة
الإسلام، الاستطاعة، المسألة 78.
229
الحكيم (1)، والسيد الخوئي (2)، والإمام الخميني (3).
ولعل السر في ذلك هو أن الروايات الدالة
على عدم الإعادة والقضاء منصرفة إلى صورة
السؤال عن أن مجرد تبدل المذهب هل يوجب
الإعادة والقضاء أو لا؟ وهذا إنما يتم في صورة
فرض صحة العمل المأتي وفق المذهب السابق، وأما
مع فرض عدم صحته أو عدم إتيانه فهو ما زال
مكلفا بالعمل بالتكليف، تبدل مذهبه أو لم يتبدل
وإن كان يظهر من صاحب الجواهر سقوط القضاء
في هذه الصورة أيضا (4)، فإذا ثبت ذلك يصير قولا
رابعا في المسألة.
وهل يجب القضاء لو أتى به المخالف مطابقا
لمذهب الإمامية ومخالفا لمذهبه؟
يظهر من صاحب الجواهر (5) والسيدين
الحكيم والخوئي القول بعدم الوجوب، لكن قيده
صاحب الجواهر والسيد الخوئي بما إذا أمكن قصد
التقرب، كما تقدم توضيحه في الصلاة.
هل عدم الإعادة تفضل أو لصحة العمل؟
اختلف الفقهاء في أن عدم إعادة العمل هل
هو تفضل من الله تعالى، أو لصحة العمل، أو لغير
ذلك؟ فيه أقوال:
الأول - أن عدم الإعادة إنما هو تفضل منه
تعالى، لأن العمل في نفسه غير صحيح، لفقده شرط
الإيمان بالمعنى الأخص، أي: الولاية.
اختار ذلك الشهيد الثاني وقال: " ظاهر
النصوص وأكثر الفتاوى لا يدل إلا على عدم
الإعادة، وهي أعم من الصحة " (1)، واختاره أيضا
سبطه صاحب المدارك (2)، وصاحب الحدائق (3)،
والمحدث الكاشاني (4)، والسيد الطباطبائي (5).
الثاني - أن شرط صحة العمل هو الإسلام
لا الإيمان بالمعنى الأخص، وهو حاصل، نعم
تترتب على الإيمان بالمعنى الأخص آثار أخرى
كالثواب.
اختار هذا الرأي المحقق (6) والعلامة (7)
الحليان، والشهيد الأول (8) - ونسبه إلى المشهور -
والفاضل المقداد (9).



(1) المستمسك 10: 224 - 225.
(2) معتمد العروة (الحج) 1: 274.
(3) تحرير الوسيلة 1: 328، كتاب الحج، شرائط وجوب
حجة الإسلام، المسألة 51.
(4) الجواهر 13: 8.
(5) الجواهر 17: 305، وانظر 13: 9.
(1) المسالك 2: 148.
(2) المدارك 7: 75.
(3) الحدائق 14: 164.
(4) مفاتيح الشرائع 1: 300.
(5) الرياض 6: 85.
(6) المعتبر (الحجرية): 331.
(7) المختلف 4: 20 - 21.
(8) الدروس 1: 315.
(9) التنقيح الرائع 1: 424.
230
الثالث - أن الإيمان شرط متأخر في صحة
العمل، بمعنى أن العمل الصادر من المخالف إنما يكون
صحيحا إذا تعقبه الإيمان.
ذهب إلى هذا الرأي صاحب الجواهر (1)،
ولعل به يمكن الجمع بين القولين الأولين، كما صرح
بذلك المحقق الأردبيلي (2).
ثانيا - آثار الاستبصار في غير العبادات:
لم يتعرض الفقهاء - مع الأسف - إلى الجوانب
الأخرى غير العبادات إلا على نحو الإشارة من قبل
بعضهم، ونحن نشير إليها - تبعا - حسب منهجنا
فنقول:
إن غير العبادات - أو بالأحرى غير
الموارد المنصوصة - يمكن تقسيمه إلى العناوين
التالية:
1 - غسل المتنجسات.
2 - الطهارات الثلاث.
3 - النكاح والطلاق.
4 - المواريث ونحوها.
5 - حقوق الناس.
1 - غسل المتنجسات:
الظاهر أنه لا إشكال في أن المخالف لو غسل
المتنجسات وفقا لمذهب الإمامية، ثم استبصر
واهتدى لم يكن بحاجة إلى إعادة الغسل، لأنه من
الأمور التوصلية التي لا تحتاج إلى النية كالعبادات،
ولا مانع آخر منه إلا إذا كان من الفرق المحكوم
بكفرها ونجاستها كالنواصب والغلاة، فإن تطهيره
للمتنجس لا يفيد لو كان مباشرا، لاستلزامه
تنجيسه مرة ثانية بمباشرته له.
وإنما الإشكال فيما إذا غسل المخالف المتنجس
وفقا لمذهبه، بأن غسل ما يحتاج في غسله إلى مرتين
مرة واحدة، فهل يجزئ ذلك بعد استبصاره، أو يجب
غسله وفقا لمذهب الإمامية؟
ذكر صاحب الجواهر وجهين، ثم قوى
وجوب إعادة الغسل، لاستصحاب بقاء النجاسة
بعد الشك في زوالها، ولقصور الأدلة الدالة على عدم
الإعادة عن شمول هذا المورد، قال:
" وفي وجوب إعادة غسل المتنجسات إذا
كان فاسدا عندنا وجهان، أقواهما ذلك، للأصل،
وقصور الأدلة عن التناول " (1).
2 - الطهارات الثلاث:
إن الطهارات الثلاث: وإن كان فيها جانب
عبادي، لكن لم ندرجها في قسم العبادات لعدم
شمول النصوص لها بصراحة، كالصلاة والحج
ونحوهما.



(1) الجواهر 17: 306، وانظر 3: 39 - 40.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 6: 100.
(1) الجواهر 13: 9.
231
وعلى أي حال فهل تلحق بالعبادات فتسقط
عن المخالف إذا أتى بها وفق مذهبه ثم استبصر، أو
تجب عليه الإعادة بعد الاستبصار؟ فإذا اغتسل أو
توضأ وفق مذهبه ثم استبصر، فهل تجب عليه إعادة
الغسل أو الوضوء أو لا؟
ذكر صاحب الجواهر فيه وجهين:
1 - سقوط الإعادة، إلحاقا لها بسائر
العبادات إلا الزكاة.
2 - عدم السقوط، لأن وصف الجنابة يحصل
بسببه الخاص ولا يزول إلا بما جعله الشارع مزيلا
في نظر المذهب الذي اهتدى إليه، وبعبارة أخرى:
إن الصلاة من خطاب التكليف، والغسل من خطاب
الوضع، والأحكام الوضعية تابعة لأسبابها ثبوتا
وسقوطا.
لكنه قوى الوجه الأول (1).
هذا ما قاله في باب الطهارة، وأما في باب
الصلاة فاستشكل في المسألة وإن كان يظهر منه أنه
رجح القول الأول أيضا (2).
3 - النكاح والطلاق:
رأينا من المناسب أن نذكر - هنا - خلاصة
ما كتبه السيد الحكيم جوابا عن استفتاء وجه
إليه:
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يقول مولانا حجة الإسلام والمسلمين آية
الله العظمى في العالمين السيد محسن الحكيم دام ظله
العالي في رجل من أهل السنة طلق زوجته طلاقا
غير جامع للشرائط عندنا، وجامعا للشرائط
عندهم، ثم استبصر، وكذا إذا طلقها ثلاثا بإنشاء
واحد، فهل له الرجوع بزوجته بعد الاستبصار،
أو لا؟ أفتونا مأجورين، مع بيان الدليل على
المسألة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الظاهر في مفروض السؤال جواز
الرجوع بزوجته المذكورة، ويقتضيه العمل
بالأدلة الدالة على بطلان الطلاق الفاقد للشرائط
المقررة عندنا، لعدم ما يوجب الخروج عنها، إلا
ما قد يتوهم من دلالة النصوص على بينونة المرأة
المذكورة، إذا كان الزوج من المخالفين حسب
ما يقتضيه مذهبه، لكن التوهم المذكور ضعيف،
إذ النصوص الواردة في الباب على طوائف
ثلاث:
الأولى - ما دل على قاعدة الإلزام: مثل
رواية عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن
أبي حمزة: " أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المطلقة
على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال (عليه السلام):



(1) الجواهر 3: 39 - 40.
(2) الجواهر 13: 9.
232
ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن،
فلا بأس بذلك " (1).
ومن المعلوم أن جواز الإلزام أو وجوبه
لا يدل على صحة الطلاق المذكور، وإنما يدل على
مشروعية الإلزام بما ألزم به نفسه، ومن الواضح أن
الإلزام بذلك إنما يصح مع بقائه على الخلاف لا مع
تبصره، فإنه مع تبصره لا يلزم نفسه بالطلاق وإنما
يلزم نفسه بالزوجية، فلا يقتضي عدم مشروعية
الرجوع بها.
ثم ذكر روايات أخر تتضمن الأمر بتزويج
المطلقات التي طلقن على غير الشرائط المعتبرة
عندنا، ثم قال:
الطائفة الثانية - ما تضمنت اللزوم دون
الإلزام، مثل ما في رواية عبد الله بن طاوس:
"... قلت أليس قد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس،
فإنهن ذوات الأزواج؟ فقال: ذلك من إخوانكم
لا من هؤلاء، إنه من دان بدين قوم لزمته
أحكامهم " (2).
ثم ذكر رواية أخرى، ثم قال:
ودلالتها - أي: هذه الطائفة - على صحة
الطلاق أيضا غير ظاهرة، فإن اللزوم أعم ولا سيما
بملاحظة لزوم التعارض بين تطبيقي الحديث فيما لو
كان أحد الزوجين مخالفا والآخر مستبصرا، فإن
المستبصر يدين بفساد الطلاق والمخالف يدين
بصحته، ولا يمكن الجمع بين الحكمين، لأن الطلاق
لا يقبل الوصف بالصحة والفساد من جهتين، فلا بد
أن يكون المراد مجرد الحكم على من دان منهما
بما دان، فإذا تبصر المخالف وصارا معا متبصرين،
كان مقتضى الحديث جواز ترتيب أحكام الزوجية
منهما، لأنهما معا يدينان بذلك.
الطائفة الثالثة - ما تضمن تحريم المطلقة ثلاثا
على الزوج إذا كان يعتقد ذلك، كرواية الهيثم بن
أبي مسروق عن بعض أصحابه (1)...
ثم ناقش الرواية سندا ودلالة، ثم قال:
والذي يتحصل من هذه الأخبار: لزوم
العمل على من تدين بدينه على حسب دينه، وجواز
إلزامه بذلك، وكلا الأمرين لا يقتضيان التحريم في
مورد السؤال المذكور.
نعم في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع:
" سألت الرضا (عليه السلام) عن ميت ترك أمه وإخوة
وأخوات، فقسم هؤلاء ميراثه، فأعطوا الأم
السدس، وأعطوا الإخوة والأخوات ما بقي، فمات
بعض الأخوات، فأصابني من ميراثه، فأحببت أن



(1) الوسائل 22: 74، الباب 30 من أبواب مقدمات
الطلاق، الحديث 5.
(2) المصدر نفسه، الحديث 11.
(1) المصدر نفسه، الحديث 2.
233
أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها
على هذه القسمة، أم لا؟ فقال: بلى، فقلت: إن أم
الميت - فيما بلغني - قد دخلت في هذا الأمر، أعني
الدين، فسكت قليلا، ثم قال (عليه السلام): خذه " (1).
فقد يتوهم منها أن الاستبصار لا يوجب
تغير الحكم.
وفيه، أنه لا ريب في أن مقتضى قاعدة
الإلزام جواز أخذ الأخوات من الأم إلزاما لها
بما تدين (2)، وبعد الأخذ والتملك لا يستوجب
الاستبصار تبدل الحكم، فإن من تزوج المطلقة ثلاثا
على غير السنة كان تزويجه صحيحا، وتخرج به عن
الزوجية للمطلق، فإذا استبصر لا يبطل التزويج
الثاني. وكذا إذا أخذ الأخ بالعصبة، فاستبصرت
البنت أو الأم أو الأخوات، لا يوجب استبصارهن
رجوع المال إلى ملكهن، غاية الأمر أن مفاد الرواية
عموم القاعدة لإلزام المخالف المخالف الآخر... إلى أن
قال:
ومن ذلك تعرف: أن الطلاق الواقع منهم
ليس صحيحا، وإنما اقتضى إلزامهم به بما أنه
مذهبهم، فإذا تبصروا خرج عن كونه مذهبهم،
فلا موجب للإلزام به.
ثم ذكر أمورا أخر لتوضيح وترسيخ ما
قاله (قدس سره) (1).
وإنما التزمنا بهذا التطويل لندرة من تعرض
للمسألة وعموم الفائدة.
ويراجع - مزيدا للتوضيح - مصطلح " إلزام "
حيث يبحث فيه عن " قاعدة الإلزام ".
4 - الميراث ونحوه:
يظهر حكم الميراث ونحوه، كالوصية والوقف
ونحوهما مما سبق في النكاح، فإن اكتسب مالا عن
طريق الميراث ولم يكن مستحقا وفق المذهب
الإمامي ثم استبصر فلا يخرج عن ملكه، لقاعدة
الإلزام، نعم لا يبعد لزوم التخلص من حق الغير
لو استبصر المأخوذ منه والمدفوع إليه معا، وأما أمر



(1) الوسائل 26: 157، الباب 4 من أبواب ميراث
الإخوة، الحديث 6.
(2) توضيح ذلك: أن الأم - حسب فقه الإمامية - تكون في
الطبقة الأولى من الميراث، والإخوة والأخوات في الطبقة
الثانية، وما دام يوجد في الطبقة الأولى أحد من الورثة
فلا يصل الدور إلى أفراد الطبقة الثانية، خلافا لمن
يورثون الإخوة والأخوات مع الأم.
فمراده من أخذ الأخوات من الأم هو الأخذ من
حقها.
(1) أنظر المستمسك 14: 524 - 530. وراجع أيضا:
منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2: 313، فصل أقسام
الطلاق، المسألة 2، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي)
2: 295، فصل أقسام الطلاق، المسألة 1434، وتحرير
الوسيلة 2: 295، كتاب الطلاق، القول في الصيغة،
المسألة 8.
234
الإمام (عليه السلام) بأخذ الميراث - في صحيحة البزنطي
المتقدمة - ممن زاحم الأم في ميراثها من ابنها
وإن استبصرت الأم بعد ذلك، فإنما هو لأجل أن
الأخت إنما ورثت الميت بناء على مذهبه الذي كانت
الأم تدين به أيضا، فملكت ما أخذته بناء على
قاعدة الإلزام، فلا يخرج من ملكها بسبب استبصار
الأم، ومن ثم صح إرث ابن بزيع من الأخت
المتوفاة.
والمسألة - كما قلنا - غير محررة (1).
5 - حقوق الناس:
وأما حقوق الناس فقد استفيد من التعليل
الوارد في الزكاة لزوم التخلص وبراءة الذمة منها،
فإن قوله (عليه السلام) - تعليلا لوجوب إعادة دفع الزكاة -:
" لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنما موضعها
أهل الولاية " (2) مشعر بلزوم التخلص من حقوق
الآدميين، بل إن بعضها أولى من الزكاة.
قال صاحب الجواهر: "... نعم استثنى المحقق
الثاني مما يسقط عن الكافر بعد إسلامه حكم الحدث
كالجنابة، وحقوق الآدميين، فلعله هنا (3) كذلك
أيضا، مع أنه يمكن منعه عليه هنا في الأول خاصة،
لعموم الأدلة، بخلاف الثاني، لإشعار تعليل الزكاة
به، بل بعضها أولى من الزكاة... " (1).
شمول أحكام الاستبصار لجميع الفرق:
الظاهر من عبارات الفقهاء عدم اختصاص
الأحكام المتقدمة بفرقة دون أخرى، فتشمل جميع
المخالفين حتى من حكمنا بكفره، كالنواصب
والغلاة (2)، وربما يظهر من العلامة وجوب القضاء
على الناصب ونحوه لكفره (3).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: الطهارات الثلاث، غسل
الجنابة.
2 - كتاب الصلاة: قضاء الصلوات الفائتة.
3 - كتاب الزكاة: أوصاف المستحقين
للزكاة.
4 - كتاب الحج: شرائط وجوب الحج.
ويراجع أيضا كتاب الطلاق.



(1) أنظر على سبيل المثال: الجواهر 39: 133.
(2) الوسائل 9: 216، الباب 3 من أبواب المستحقين
للزكاة، الحديث 2.
(3) أي في الاستبصار.
(1) الجواهر 13: 8 - 9، وانظر جامع المقاصد 1:
270، وقد ذكر فيه جنابة الكافر ولم يتعرض لحقوق
الناس، ولعله تعرض له في مكان آخر أو في كتاب
آخر.
(2) أنظر: المسالك 2: 147، والمدارك 7: 74.
(3) المختلف 4: 21.
235
استبضاع
لغة:
الاستبضاع من البضع، وهو - في اللغة - بمعنى
القطع، فيقال: بضع اللحم، إذا جعله قطعا، والبضعة
القطعة منه، ومنه حديث " فاطمة بضعة مني " أي:
جزء مني.
وبضع المرأة بضعا: جامعها.
وعن الأزهري: اختلف الناس في البضع،
فقال قوم: هو الفرج، وقال قوم: هو الجماع، وقد
قيل: هو عقد النكاح.
والاستبضاع: طلب البضع.
والاستبضاع - أيضا -: جعل الشئ
بضاعة، ومنه قولهم: " كمستبضع التمر إلى
هجر ".
والبضاعة أصلها القطعة من المال الذي يتجر
به (1).
اصطلاحا:
أما الاستبضاع بمعنى طلب البضع فيراد منه
ما كان من أنواع النكاح في الجاهلية، قال
ابن الأثير:
"... والاستبضاع: نوع من نكاح الجاهلية،
وهو استفعال من البضع: الجماع، وذلك أن تطلب
المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط، كان الرجل
منهم يقول لأمته أو امرأته: أرسلي إلى فلان
فاستبضعي منه، ويعتزلها، فلا يمسها حتى يتبين
حملها من ذلك الرجل، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة
الولد " (1).
وأما الاستبضاع بمعنى جعل الشئ بضاعة،
فيراد منه - هنا - دفع المال لشخص ليتجر به مجانا،
وقد مر تحت عنوان " إبضاع " فراجع.
الأحكام:
تعرضنا لحكم الاستبضاع بالمعنى الثاني في
مصطلح " إبضاع "، لأن المبحوث عنه في فقهنا هو
هذا العنوان لا عنوان الاستبضاع.
وأما الاستبضاع بالمعنى الأول فلم يتعرض
له فقهاؤنا (رضوان الله تعالى عليهم)، ولعله
لمعلومية بطلانه وحرمته.



(1) أنظر: لسان العرب، النهاية (لابن الأثير)، معجم
مقاييس اللغة، مجمع البحرين: " بضع ".
(1) النهاية (لابن الأثير): " بضع ". وانظر: لسان العرب
أيضا، المادة نفسها. وانظر أيضا: البخاري 3: 248،
كتاب النكاح، باب من قال: لا نكاح إلا بولي.
236
استتابة
لغة:
بمعنى طلب التوبة، يقال: استتبت فلانا:
عرضت عليه التوبة مما اقترف، أي الرجوع والندم
على ما فرط منه (1).
اصطلاحا:
ليس لها معنى خاص غير المعنى اللغوي.
الأحكام:
تقدم في عنوان الارتداد حكم استتابة المرتد،
فكل مورد يدخل في هذا العنوان موضوعا يشمله
حكمه، فيقتل مستحل الحرام الذي ثبتت حرمته
بالضرورة ولا يستتاب إذا كان فطريا، ويستتاب
إذا كان مليا أو امرأة مطلقا.
نعم قيل: يلزم استتابة من ترك الصلاة غير
مستحل لتركها، بعد تعزيره ثلاث مرات وعوده،
فإن لم يتب قتل، سواء كان فطريا أو مليا (2).
وقالوا: من باع الخمر مستحلا يستتاب، فإن
تاب وإلا قتل، وإن لم يكن مستحلا عزر.
وقيل: يستتاب شاربها مستحلا أيضا، فإن
لم يتب أقيم عليه الحد - أي حد الشرب - ثم قتل،
من غير فرق بين الفطري وغيره.
وفرق بعضهم بين شربه وبيعه، فإن حرمة
شربه ضرورية ومنكرها منكر للضروري بخلاف
حرمة بيعها، فلذلك لا يستتاب شاربها مستحلا إذا
كان عن فطرة بخلاف بائعها فإنه يستتاب (1).
مظان البحث:
كتاب الحدود: استتابة من فعل شيئا من
المحرمات ومن جملتها شرب الخمر وبيعها.
استتار
لغة:
بمعنى التغطي والاختفاء، يقال: استتر
وتستر، أي: تغطي واختفى (2).
اصطلاحا:
لا يختلف عن معناه اللغوي، نعم يختلف من
حيث مورده، إذ قد يكون هو العورة، وقد يكون



(1) لسان العرب: " توب ".
(2) الجواهر 13: 133.
(1) أنظر الجواهر 41: 464 - 467، والروضة البهية 9:
206.
(2) أنظر: لسان العرب، والمعجم الوسيط: " ستر ".
237
البدن، وقد يكون غير ذلك.
الأحكام:
تتعلق بعنوان الاستتار أحكام تختلف
باختلاف مورده، نشير فيما يلي إلى أهمها:
أولا - الاستتار حال التخلي:
الاستتار حال التخلي قد يكون واجبا أو
مستحبا.
أ - الاستتار الواجب:
يجب ستر العورة حال التخلي - بل وغيرها -
وقد ادعى عليه الإجماع عدد من الفقهاء (1)، بل
قيل: إنه - في الجملة - من ضروريات الدين (2).
ويشهد له ما ورد من الأمر بالائتزار في
الحمام، وما دل على حرمة النظر إلى عورة الغير، كما
ستأتي الإشارة إلى بعضها.
وبيان ذلك يحتاج إلى توضيح بعض الأمور:
1 - من يجب الاستتار منه:
يجب الاستتار من الناظر المحترم - وهو من
عدا الطفل غير المميز - سواء كان من المحارم أو لا،
رجلا كان أو امرأة، بل وحتى من المجنون والصبي
المميز.
ويستثنى من الناظر المحترم: الزوج
والزوجة، والمملوكة بالنسبة إلى المالك، والمحللة
بالنسبة إلى المحلل له، فيجوز نظر كل من الزوجين
إلى عورة الآخر، وهكذا في المملوكة ومالكها
والمحللة والمحلل له، ولا يجوز نظر المالكة إلى عورة
مملوكها أو مملوكتها وبالعكس (1).
ويراجع تفصيله في عنوان " نظر ".
2 - المراد من العورة:
المراد من العورة - على ما هو المشهور - هو
القبل (القضيب) والبيضتان والدبر في الرجل،
والقبل والدبر في المرأة (2).
وقيل: العورة هي ما بين السرة والركبتين (3).
ولهم إطلاق آخر للعورة بالنسبة إلى
خصوص النساء، حيث يطلق على جميع البدن عدا
ما استثني.
راجع: عورة.
3 - هل يختص وجوب التستر بصورة العلم
بوجود الناظر؟
المنقول عن المحقق الهمداني: أن الوجوب



(1) أنظر المستمسك 2: 185.
(2) أنظر المستمسك 2: 185.
(1) أنظر: العروة الوثقى، كتاب الطهارة، فصل أحكام
التخلي، المسألة 1 و 3، وانظر المستمسك 2: 186
و 189، والتنقيح 3: 351 - 361، والجواهر 2: 2 - 4،
هذا وفسر في العروة الناظر المحترم بمن عدا الطفل غير
المميز والزوج والزوجة... ولكن الظاهر أن الزوج
والزوجة وأمثالهما مستثنون من الناظر المحترم، لا أنهم
خارجون تخصصا. (أنظر الجواهر 2: 4، والتنقيح 3:
361).
(2) أنظر المصادر السابقة.
(3) أنظر المصادر السابقة.
238
مختص بصورة العلم بوجود الناظر المحترم، وأما مع
الشك أو الظن في وجوده فلا يحرم كشف العورة،
لأصالة البراءة عن حرمة الكشف، وإن كان
الأحوط عدم الكشف (1).
وقال صاحب الجواهر: " وليعلم أنه لا
إشكال في وجوب التستر مع العلم بالناظر، ويقوى
إلحاق الظن، وفي الشك وجهان " (2) ويظهر منه
ترجيح القول بوجوب التستر في صورة الشك
أيضا، وأما في صورة الوهم فقد قوى العدم.
وقال السيد اليزدي: " لو شك في وجود
الناظر، أو كونه محترما، فالأحوط الستر " (3).
وعلق عليه السيد الخوئي بقوله: " مقتضى
المحافظة التستر في كل مورد احتمل فيه الناظر
المحترم، فمع الشك لا مناص من الاحتياط، بل يمكن
الجزم بوجوب التستر " (4).
ومثله قال السيد الحكيم (5).
4 - بماذا يتحقق الاستتار:
يتحقق الاستتار بكل ما يمنع عن رؤية لون
البشرة، وكذا شبح العورة - وهو ما يتراءى عند
كون الساتر رقيقا - دون حجمها (1).
ب - الاستتار المستحب:
يستحب الاستتار - أي: ستر البدن - عند
إرادة التخلي، إما بأن يبعد المذهب، أو يلج في
حفيرة، أو يدخل بناء (2)، ففي خبر حماد بن عيسى
عن الصادق (عليه السلام)، قال: " قال لقمان لابنه: إذا
سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم - إلى أن قال: -
وإن أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في
الأرض " (3).
وعنه (عليه السلام) قال: " ما أوتي لقمان الحكمة
لحسب، ولا مال، ولا بسط في جسم، ولا جمال،
ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورعا في الله،
ساكنا، سكيتا - إلى أن قال: - ولم يره أحد من
الناس على بول ولا غائط قط، ولا اغتسال، لشدة
تستره وتحفظه في أمره - إلى أن قال: - فبذلك أوتي
الحكمة، ومنح القضية " (4).



(1) نقله عنه السيد الخوئي، أنظر التنقيح 3: 365، وانظر
الطهارة (للمحقق الهمداني): 82.
(2) الجواهر 2: 6.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل أحكام التخلي،
المسألة 10.
(4) التنقيح 3: 366.
(5) المستمسك 2: 191.
(1) أنظر: الجواهر 2: 2، والعروة الوثقى، كتاب الطهارة،
فصل أحكام التخلي، المسألة 6، والمستمسك 2:
190، والتنقيح 3: 363.
(2) أنظر: الجواهر 2: 6. العروة: كتاب الطهارة، فصل
مستحبات التخلي، والمستمسك 2: 235، والتنقيح
3: 448. لكن الأخير تأمل في الحكم بالاستحباب
لضعف المستند وعدم القول بقاعدة التسامح في أدلة
السنن.
(3) أنظر الوسائل 1: 305، الباب 4 من أبواب
أحكام الخلوة، الحديثين 1 و 2.
(4) أنظر الوسائل 1: 305، الباب 4 من أبواب
أحكام الخلوة، الحديثين 1 و 2.
239
وروي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ير على بول
ولا غائط (1).
وعن جنيد (جندب) بن عبد الله - في
حديث - قال: " نزلنا النهروان، فبرزت عن
الصفوف وركزت رمحي، ووضعت ترسي إليه،
واستترت من الشمس، فإني لجالس إذ ورد علي
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أخا الأزد، معك
طهور؟ قلت: نعم، فناولته الإدواة، فمضى حتى لم
أره، وأقبل وقد تطهر، فجلس في ظل الترس " (2).
ثانيا - الاستتار حال الاغتسال:
يجب ستر العورة من الناظر المحترم حال
الاغتسال، بل الاستحمام مطلقا.
ويحصل الاستتار بكل ما يتحقق به،
كالانفراد في محل خاص أو وضع اليد على العورة أو
الائتزار، ونحو ذلك. وقد وردت بذلك السنة،
واستمرت عليه السيرة.
فعن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)
- في حديث المناهي - قال: " إذا اغتسل أحدكم في
فضاء من الأرض فليحاذر على عورته.
وقال: لا يدخل أحدكم الحمام إلا بمئزر،
ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم " (3).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " يا علي، إياك
ودخول الحمام بغير مئزر، ملعون، ملعون، الناظر
والمنظور إليه " (1).
وعن حنان بن سدير عن أبيه، قال: " دخلت
أنا وأبي وجدي وعمي حماما بالمدينة، فإذا رجل في
بيت المسلخ، فقال لنا: ممن القوم؟ - إلى أن قال: -
ما يمنعكم من الأزر؟ فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال: فبعث أبي إلى
كرباسة فشقها بأربعة، ثم أخذ كل منا واحدا، ثم
دخلنا فيها - إلى أن قال: - سألنا عن الرجل؟ فإذا
هو علي بن الحسين (عليه السلام) " (2).
ثالثا - الاستتار حال الصلاة:
يجب على المصلي - رجلا كان أو امرأة -
الاستتار حال الصلاة سواء كان هناك ناظر محترم أو
لا، وقد ادعى عليه الإجماع جماعة من الفقهاء (3).
والوجوب - هنا - شرطي بمعنى أنه لا تصح
الصلاة بدون الستر، لكن مع التمكن (4).



(1) أنظر الوسائل 1: 305 - 306، الباب 4 من
أبواب أحكام الخلوة، الحديثين 3 و 5.
(2) أنظر الوسائل 1: 305 - 306، الباب 4 من
أبواب أحكام الخلوة، الحديثين 3 و 5.
(3) الوسائل 1: 299، الباب الأول من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 2.
(1) الوسائل 2: 33، الباب 3 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 5.
(2) الوسائل 2: 39، الباب 9 من أبواب آداب الحمام،
الحديث 4.
(3) أنظر المستمسك 5: 250.
(4) أنظر المصدر السابق، والجواهر 8: 175، والمدارك
3: 190.
240
مقدار ما يجب فيه الاستتار:
اختلف الفقهاء في مقدار ما يجب فيه الاستتار
بالنسبة إلى كل من الرجل والمرأة على أقوال:
أ - ما يجب ستره على الرجل:
وفيه قولان:
الأول - أن ما يجب ستره هو القبل والدبر،
والمقصود من القبل هو القضيب والبيضتان، ومن
الدبر حلقة الدبر - أي المخرج - دون الأليين
والفخذين، فلذلك يرى بعضهم (1) كفاية ستر
القضيب والبيضتين، لأن الدبر مستور بالأليين، لكن
بشرط عدم ظهور المخرج عند الركوع والسجود
وإلا وجب ستره أيضا.
وهذا هو المشهور (2)، وقالوا: الأفضل ستر
ما بين السرة إلى الركبة.
الثاني - الواجب هو ستر ما بين السرة
والركبة، ذهب إلى هذا الرأي القاضي (3)، والحلبي (4).
ب - ما يجب ستره على المرأة:
وفيه ثلاثة أقوال:
الأول - الواجب ستر القبل والدبر، كما في
الرجل.
وهذا القول منسوب إلى ابن الجنيد، حيث
نقل عنه قوله: " الذي يجب ستره من البدن
العورتان، وهما القبل والدبر من الرجل والمرأة " (1)،
لكن نقل عنه - أيضا - قوله: " لا بأس أن تصلي
المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث
لا يراها غير ذي محرم لها " (2).
الثاني - الواجب ستر جميع الجسد دون
الوجه والكفين والقدمين.
وهو قول الأكثر ومنهم الشيخ (3)، وقد حكي
الإجماع على الوجه والكفين، أما القدمان فهو
المشهور على ما قيل (4).
الثالث - الواجب ستر جميع الجسد إلا الوجه.
وهو قول الشيخ في الاقتصاد (5)، ويظهر من
المحدث البحراني اختياره أيضا، واستظهره من
أبي الصلاح وابن زهرة (6).
هذا كله بالنسبة إلى جسد المرأة، وأما شعرها
فقد قال صاحب المدارك - معلقا على عبارة
الشرائع -:



(1) أنظر: الذكرى: 139، والمهذب البارع 1: 329 -
330، وجامع المقاصد 2: 94 و 95، والمدارك 1:
156، و 3: 191، والمستمسك 5: 252.
(2) أنظر المصادر السابقة وغيرها.
(3) المهذب 1: 83.
(4) الكافي في الفقه: 139.
(1) المختلف 2: 98، وانظر المدارك 3: 188.
(2) المختلف 2: 96، والحدائق 7: 7.
(3) أنظر المدارك 3: 188.
(4) المستمسك 5: 254 - 258.
(5) الاقتصاد: 258.
(6) الحدائق 7: 7 - 8.
241
" واعلم أنه ليس في العبارة كغيرها من
عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر
الشعر، بل ربما ظهر منها أنه غير واجب، لعدم
دخوله في مسمى الجسد، ويدل عليه إطلاق الأمر
بالصلاة، فلا يتقيد إلا بدليل ولم يثبت، إذ الأخبار
لا تعطي ذلك ".
ثم قال: " واستقرب الشهيد في الذكرى
الوجوب " (1).
وقال صاحب الكفاية: " ولم يذكر في أكثر
عبارات الأصحاب وجوب ستر الشعر، وأوجبه
الشهيد (رحمه الله)، وفيه تأمل " (2).
ولكن صرح بوجوب الستر عديد من
الفقهاء، منهم السادة: اليزدي (3)، والحكيم (4)،
والخوئي (5)، والخميني (6) (رحمة الله عليهم أجمعين).
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى المرأة الحرة، وأما
المملوكة فلا يجب عليها ستر رأسها إجماعا محصلا
ومنقولا، كما قيل (1).
وسوف تأتي تتمة هذه الأبحاث في العناوين:
" ساتر " و " ستر " و " لباس - لباس المصلي ".
رابعا - الاستتار عند الجماع:
إن الاستتار حين الجماع يكون من جهتين:
1 - من جهة تعري المجامعين.
2 - من جهة وجود الناظر.
الأولى - الاستتار من جهة تعري المجامعين:
ورد النهي عن التعري حين الجماع، لكن حمل
على الكراهة، فلذلك عد الفقهاء من جملة
مكروهات الجماع: التعري حينه (2).
ومن جملة ما ورد في ذلك:
1 - ما رواه محمد بن العيص: أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: " أجامع وأنا عريان؟
فقال: لا، ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها " (3).
2 - وما رواه الحسين بن زيد العلوي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: " إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعريان فعل



(1) المدارك 3: 189.
(2) كفاية الأحكام: 16.
(3) أنظر: المستمسك 5: 257، ومنهاج الصالحين
(للسيد الحكيم) 1: 188، كتاب الصلاة، المقصد الثالث
في الستر، الفصل الأول، المسألة 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 136، كتاب
الصلاة، المقصد الثالث في الستر، الفصل الأول، المسألة
518.
(6) تحرير الوسيلة 1: 123، كتاب الصلاة، المقدمة الثالثة
في الستر، المسألة 3.
(1) المستمسك 5: 261.
(2) أنظر على سبيل المثال: الحدائق 23: 137، والجواهر
29: 57 - 58، والعروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة
11.
(3) الوسائل 20: 119، الباب 58 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2.
242
الحمارين، فإن الملائكة تخرج من بينهما إذا فعلا
ذلك " (1).
هذا إذا لم يستلزم فعلهما إراءة عورتيهما
للناظر المحترم وإلا فيحرم كما تقدم في نظائره.
الثانية - الاستتار من جهة وجود الناظر:
وورد النهي أيضا عن الجماع مع وجود
ناظر ينظر إلى المجامعين، وحمل الفقهاء هذا النهي
على الكراهة، فلذلك عدوا من جملة مكروهات
الجماع، الجماع مع وجود ناظر ينظر إليهما (2).
لكن ينبغي أن يكون مرادهم صورة عدم اقترانه
بما يوجب الحرمة، ككون الناظر غير محرم
بحيث يرى ما يحرم عليه النظر إليه، أو النظر
إلى عورتي المجامعين وإن كان الناظر محرما، ونحو
ذلك.
ومما ورد في ذلك:
1 - ما رواه الحسين بن زيد، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي
نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي
مستيقظ، يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح
أبدا، إن كان غلاما كان زانيا، أو جارية كانت
زانية، وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أراد أن يغشى
أهله أغلق الباب، وأرخى الستور، وأخرج
الخدم " (1).
2 - وعن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): تعلموا من الغراب خصالا ثلاثا:
استتاره بالسفاد، وبكوره في طلب الرزق،
وحذره " (2).
وخص المحقق الكركي الكراهة بكون الناظر
مميزا (3)، واستحسنه بعض الفقهاء (4)، وأطلق
آخرون (5)، بل صرح بعضهم بشمول الحكم للرضيع
أيضا (6).
خامسا - الاستتار في غير الموارد المتقدمة:
تقدم الكلام حول حكم الاستتار في
حالات التخلي والاغتسال والصلاة، وأما
الاستتار في غيرها من الحالات فيكون حكمه



(1) الوسائل 20: 120، الباب 58 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 3.
(2) أنظر على سبيل المثال: الحدائق 23: 135 - 137،
والجواهر 29: 57 - 58، والعروة الوثقى: كتاب
النكاح، المسألة 1.
(1) الوسائل 20: 133، الباب 67 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2.
(2) الوسائل 20: 133، الباب 67 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 6.
(3) جامع المقاصد 12: 25.
(4) كالشهيد الثاني وسبطه صاحب المدارك، أنظر المسالك
7: 38، ونهاية المرام 1: 49.
(5) كالمحقق وصاحب الجواهر، بل صرح الأخير بالتعميم،
أنظر الجواهر 29: 58.
(6) كالمحدث البحراني، أنظر الحدائق 23: 136.
243
كالآتي:
أولا - يجب على الرجل ستر العورتين إذا كان
ناظر محترم، ويستثنى من ذلك الزوجة، والمملوكة،
والطفل غير المميز، فلا يجب التستر منهم، وهذا
لا خلاف فيه ظاهرا.
ثانيا - يجب على المرأة ستر جميع بدنها من
غير الزوج والمحرم. وهذا مما لا إشكال ولا خلاف
فيه.
نعم، اختلفوا في وجوب ستر الوجه
والكفين وقد وقع - مع الأسف - تداخل في
بحوث الفقهاء بين مسألتي وجوب الستر
وحرمة النظر، وعلى أي حال فالأقوال في
وجوب الستر اثنان: الوجوب، وعدمه، في حين
الأقوال في حرمة النظر ثلاثة: الجواز، والحرمة،
والتفصيل بين النظرة الأولى فالجواز، وغيرها
فالحرمة.
فمن القائلين بعدم وجوب الستر: الشيخ
الطوسي (1)، والشيخ الأنصاري (2)، والسيد
اليزدي (1)، والسيد الحكيم (2).
ومن القائلين بالوجوب: السيد الخوئي (3).
وأكثر من تعرض للمسألة إنما تعرض لها من
حيث النظر، وكثير من القائلين بحرمة النظر إنما قالوا
بها من جهة الاحتياط وإن الاجتناب طريق
السلامة، لا من حيث الاقتناع بالأدلة (4).
وممن قال بالحرمة: العلامة في التذكرة (5)،
وصاحب الجواهر (6)، والسيد اليزدي (7)، والسيد
الخوئي (8).



(1) المبسوط 4: 160، فإنه عد الوجه والكفين - في المرأة -
خارجين عن العورة.
(2) النكاح: 44 - 52، كذا نسب إليه، لكن كلامه في جواز
النظر إلى وجه المرأة وكفيها، لا في عدم وجوب التستر
عليها إلا أن يقال: إن جواز النظر يلازم عدم وجوب
التستر دون العكس، إذ قد لا يجب التستر ولكن يحرم
النظر.
(1) العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في الستر والساتر،
فهنا قال بعدم وجوب الستر، لكن التزم في كتاب النكاح
(المسألة 31) بحرمة النظر احتياطا، وهذا ما قلناه من
إمكان القول بعدم وجوب الستر على المرأة والقول بحرمة
النظر على الرجل.
(2) المستمسك 5: 241، وإن كان له إشكال في آخر بحثه،
وانظر منهاج الصالحين 2: 276، كتاب النكاح، الفصل
الأول، المسألة 4.
(3) منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 260، كتاب
النكاح، المسألة 1233.
(4) أنظر على سبيل المثال: جامع المقاصد 12: 40،
المسالك 7: 48، نهاية المرام 1: 56، وانظر ما يأتي من
المصادر.
(5) التذكرة (الحجرية) 2: 573.
(6) الجواهر 29: 80.
(7) العروة الوثقى: كتاب النكاح، المسألة 31.
(8) مستند العروة (النكاح) 1: 64.
244
وممن صرح بجواز النظر: الشيخ الطوسي (1)،
وصاحب الحدائق (2)، والشيخ الأنصاري (3)،
والسيد الحكيم (4).
وممن قال بالتفصيل: المحقق (5)، والعلامة (6).
وأما الإمام الخميني فالذي اختاره في
التحرير (7) هو القول بالاحتياط وعدم النظر، ونقل
عنه غير ذلك لكن لم نعثر على مستند لهذا النقل.
كل ما تقدم كان في صورة عدم قصد الالتذاذ
بالنظر وإلا فلا إشكال ولا خلاف في حرمته.
وتفصيل هذه الأمور يأتي في عنوان: " ستر "
و " عورة " و " نظر ".
سادسا - ترغيب العاصي بالاستتار وعدم فضح
نفسه:
ورد ترغيب العاصي وحثه على الاستتار من
معصيته وعدم فضح نفسه عند الناس، بل وحتى
عند الحاكم أيضا، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في
حديث الزاني الذي أقر أربع مرات - أنه قال لقنبر:
" احتفظ به - ثم غضب وقال -: ما أقبح بالرجل
منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه
على رؤوس الملأ؟! أفلا تاب في بيته، فوالله لتوبته
فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد " (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أتى النبي (صلى الله عليه وآله)
رجل، فقال: إني زنيت - إلى أن قال -: فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو استتر، ثم تاب كان خيرا
له " (2).
وقال صاحب الجواهر في مسألة تلقين الحاكم
الغريم التوقف عن الإقرار:
"... وكذا لا يجوز إيقاف غريم الغريم عن
الإقرار بالحق، لأنه ظلم لغريمه، ولكن يجوز ذلك في
حقوق الله، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لماعز - عند
اعترافه بالزنا -: " لعلك قبلتها، لعلك لمستها " في
الخبر المشهور، وهو تعريض منه بإيثار الاستتار،
وحمل له على عدم الإتمام بتكرار الإقرار أربع
مرات، كل ذلك من الرأفة بعباده ورحمتهم، ولذا
درأ عنهم حدوده بالشبهات " (3).



(1) المبسوط 4: 160.
(2) الحدائق 23: 53 - 58، ويظهر من ذيل كلامه إباحة
النظرة الأولى خاصة.
(3) النكاح: 44 - 52.
(4) المستمسك 14: 26 - 28، ومنهاج الصالحين 2: 275،
كتاب النكاح، الفصل الأول، المسألة 3.
(5) شرائع الإسلام 2: 269.
(6) قواعد الأحكام (الحجرية) 2: 3، وتحرير الأحكام
2: 3.
(7) تحرير الوسيلة 2: 221، كتاب النكاح، المسألة 18.
(1) الوسائل 28: 36، الباب 16 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 2.
(2) الوسائل 28: 36، الباب 16 من أبواب مقدمات
الحدود، الحديث 5.
(3) الجواهر 40: 129 - 130.
245
وقال السيد الخوئي معلقا على كلام
السيد اليزدي: " لا يجب على المرتد الفطري
بعد التوبة تعريض نفسه للقتل، بل يجوز له الممانعة
منه... ":
" قد يفرض الكلام قبل ثبوت الارتداد عند
الحاكم، وأخرى بعد ثبوته:
أما الصورة الأولى: فلا ينبغي التردد في
حرمة تعريض المرتد نفسه إلى القتل بإظهاره عند
الحاكم أو بغيره، لوجوب حفظ النفس عن القتل،
بل له رد الشاهدين وإنكار شهادتهما أو الفرار قبل
إقامة الدعوى عند الحاكم، وعلى أنه اظهار
للمعصية، وإفضاح لنفسه، وهو حرام " (1).
والشاهد في الجملة الأخيرة حيث قال بحرمة
اظهار المعصية وفضح النفس بذلك.
وأما بالنسبة إلى الصورة الثانية - أي: بعد
ثبوت الحكم عند الحاكم - فلم يستبعد فيها وجوب
تعريض المرتد نفسه للقتل، بل ربما يستفاد من قضية
" ماعز " نهي الغير عن ترغيب العاصي بالإقرار
بالمعصية وإظهارها للحاكم أو لغيره. قال ابن فهد
بعد نقل القضية:
فقد استفيد من هذا الحديث أمور:
أ - تعدد مجالس الإقرار...
ب - جواز تعريض الحاكم المقر بالرجوع...
ج - جواز الرجوع للمقر إذا نوى التوبة.
ثم قال: ويعلم من الواقعة رابع أيضا، وهو:
استحباب الإشارة بذلك لمن علم منه، ويكره حثه
على الإقرار، لأن " هزالا " قال لماعز: بادر إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن ينزل فيك قرآن، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ألا سترته بثوبك كان خيرا
لك؟! " (1).
كان هذا أهم ما يتعلق ب‍ " الاستتار " وهناك
موارد أخرى يأتي البحث فيها في مواطن أنسب من
هذا العنوان، مثل استتار المصلي من المار حيث
نبحث فيه تحت عنوان " سترة " أي سترة المصلي،
واستتار قرص الشمس في تحقق الغروب وعدمه
فنبحث فيه تحت عنوان " غروب "، واستتار البيوت
في تحقق حد الترخيص للمسافر، واستتار من عليه
الحد من الإمام وعدم حضوره الجمعة، واستتار
المحرم من الشمس، ولزوم استتار أهل الذمة فيما هو
مباح عندهم وحرام عندنا كشرب الخمر، ونحو
ذلك.



(1) التنقيح 3: 237.
(1) المهذب البارع 5: 22.
وأما قضية " ماعز " فانظر فيها: الوسائل 28:
101، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث
الأول.
لكن لم توجد فيه الزيادة التي نقلها ابن فهد، نعم هي
موجودة في مسند أحمد في حديث هزال.
أنظر مسند أحمد 5: 257، رقم الحديث 21949
وما بعده.
246
مظان البحث:
كتاب الطهارة:
1 - التخلي.
2 - الغسل.
كتاب الصلاة: لباس المصلي.
كتاب النكاح: آداب الخلوة بالزوجة (آداب
النكاح)
كتاب الحدود: الإقرار بالزنا ونحوه.
وموارد أخرى متفرقة.
استثفار
لغة:
مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها،
وهو: أن يدخل الإنسان إزاره بين فخذيه ملويا ثم
يخرجه، واستثفر الرجل بثوبه إذا رد طرفه بين
رجليه إلى حجزته، واستثفر الكلب إذا أدخل ذنبه
بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه (1).
اصطلاحا:
هو ما تفعله المستحاضة للمنع عن تلوث
ثيابها بالدم. قال الشهيد الثاني في تفسير
الاستثفار:
" والمراد به - هنا -: التلجم بأن تشد على
وسطها خرقة كالتكة، وتأخذ خرقة أخرى وتعقد
أحد طرفيها بالأولى من قدام وتدخلها بين فخذيها،
وتعقد الطرف الآخر من خلفها بالأولى، كل ذلك
بعد غسل الفرج وحشوه قطنا قبل الوضوء " (1).
الأحكام:
ذكر الفقهاء أنه يجب على المستحاضة
الاستظهار في منع خروج الدم منها بحسب الإمكان
- كما إذا لم تتضرر - بحبسه بحشو الفرج بقطن أو
غيره بعد غسله، فإن انحبس فهو وإلا فبالتلجم
والاستثفار (2).
وورد في أكثر من رواية الأمر بالاستثفار (3).
أنظر: " استحاضة "، " استذفار "،
" استظهار ".
مظان البحث:
كتاب الطهارة: الاستحاضة.



(1) أنظر: لسان العرب، والصحاح، والنهاية (لابن الأثير):
" ثفر ".
(1) روض الجنان: 88.
(2) أنظر المصدر السابق والذكرى: 32، والمدارك 2:
42، والحدائق 3: 305، والجواهر 3: 348، والعروة:
كتاب الطهارة، فصل الاستحاضة، المسألة 9.
(3) أنظر الوسائل 2: 371، الباب الأول من أبواب
الاستحاضة.
247
استثناء
تتعلق بعنوان " استثناء " أبحاث فقهية
وأصولية عديدة، تعرض لبعضها الفقهاء في الفقه،
وتعرض الأصوليون لبعضها الآخر في الأصول،
ونحن نتبع أثرهم فنذكر ما ذكروه في الفقه هنا،
ونحيل ما ذكروه في الأصول على الملحق
الأصولي.
الاستثناء لغة:
قال الفيومي: " الاستثناء: استفعال من ثنيت
الشئ ثنيا من باب رمى إذا عطفته ورددته، وثنيته
عن مراده إذا صرفته عنه " (1).
وقال ابن منظور: " يقال: حلف فلان يمينا
ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ولا ثنية ولا مثنوية
ولا استثناء، كله واحد. وأصل هذا كله من الثني
والكف والرد، لأن الحالف إذا قال: والله لا أفعل
كذا وكذا إلا أن يشاء الله غيره، فقد رد ما قاله
بمشيئة الله غيره " (2).
الاستثناء اصطلاحا:
يستفاد من كلمات بعض الفقهاء: أن
الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ (1).
وعلى هذا يكون المستثنى والمستثنى منه
متناقضين دائما، فإذا كان أحدهما مثبتا كان الآخر
منفيا.
الأحكام:
قبل بيان الأحكام المترتبة على الاستثناء
لا بد من بيان القواعد العامة للاستثناء التي يبتني
عليها بعض الأحكام الشرعية.
القواعد العامة للاستثناء:
ذكر الفقهاء والأصوليون عدة قواعد ترتبط
بالاستثناء، نذكر أهمها:
القاعدة الأولى - الاستثناء من الإثبات نفي،
ومن النفي إثبات:
فإذا قيل: جاء القوم إلا زيدا، معناه: أن
زيدا لم يجئ، وإذا قيل: ما جاء القوم إلا زيد،
فمعناه: أن زيدا قد جاء.
والظاهر أن الأول لا خلاف فيه بين علماء
الإسلام - كما قيل (2) - نعم، نقل الخلاف عن أبي
حنيفة في الثاني، وأنه يعتقد أن هناك واسطة بين



(1) أنظر المصباح المنير، ولسان العرب: " ثني ".
(2) أنظر المصباح المنير، ولسان العرب: " ثني ".
(1) أنظر: الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 245، والروضة
البهية 6: 409.
(2) أنظر: جامع المقاصد 9: 295 - 296، والروضة البهية
6: 410، والجواهر 35: 86.
248
النفي والإثبات وهي عدم الحكم، لكنه محجوج
بكلمة التوحيد، لأنه لولا صحة ذلك لم يتم التوحيد
بقول: " لا إله إلا الله " (1).
القاعدة الثانية - الاستثناء المستغرق باطل:
يعتبر في صحة الاستثناء أن تبقى بعد الاستثناء
بقية، فلو لم يبق منه شئ لم يكن صحيحا (2).
وهل يشترط أن يكون الباقي أكثر أو يصح أن
يكون مساويا، أو أقل؟ نقل اشتراطه عن غير فقهاء
الإمامية (3). نعم استقبح المحقق في المعارج أن يقال:
له عندي مئة إلا تسعة وتسعين درهما ونصفا (4).
القاعدة الثالثة - الاستثناء المجهول باطل:
لا يصح الاستثناء المجهول - عند الفقهاء -
فيبطل في المبيعات وسائر العقود، كقوله: بعتك هذه
الصبرة إلا جزءا منها (5).
نعم، قال الشهيدان: وربما جاء في
الإيقاعات، كقوله: عبيدي أحرار إلا واحدا، أو
أعطوه نخلي إلا نخلة (6).
القاعدة الرابعة - يجوز الاستثناء من الجنس
ومن غيره:
الاستثناء من الجنس مثل قول المقر: له علي
عشرة دراهم إلا درهما، والاستثناء من غير الجنس
مثل قوله: له علي مئة درهم إلا ثوبا.
أما الأول فجائز إجماعا (1)، وأما الثاني فإنه
وإن تردد فيه المحقق في الشرائع (2)، لكن يبدو أن
الأكثر قائلون بجوازه، بل صرح في الجواهر: بأنه لم
يجد فيه خلافا (3)، وقد ورد في الذكر الحكيم، مثل
قوله تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) * (4)،
وقوله تعالى: * (ما لهم به من علم إلا اتباع
الظن) * (5)، فقد استثني السلام من اللغو، وهو من
غير جنسه كاستثناء الظن من العلم.
نعم صرح بعضهم: بأن ذلك على نحو المجاز
لا الحقيقة، فيكون معنى: له علي مئة درهم إلا ثوبا،
إلا ثوبا قيمته عشرة دراهم مثلا (6).
القاعدة الخامسة - يشترط اتصال المستثنى منه
بالمستثنى:



(1) أنظر: جامع المقاصد 9: 296، والروضة البهية 6: 410.
(2) أنظر: القواعد والفوائد 1: 235، القاعدة 74، وتمهيد
القواعد: 200، القاعدة 70، والروضة البهية 6: 417.
(3) أنظر: إيضاح الفوائد 2: 453، والتنقيح الرائع 3:
494، والجواهر 35: 87، ومفاتيح الأصول: 171.
(4) معارج الأصول: 94.
(5) أنظر: القواعد والفوائد 1: 237، القاعدة 76، وتمهيد
القواعد: 201، القاعدة 71.
(6) المصدران المتقدمان.
(1) أنظر: التذكرة 2: 163، والجواهر 35: 86.
(2) شرائع الإسلام 3: 149.
(3) الجواهر 35: 86.
(4) مريم: 62.
(5) النساء: 157.
(6) أنظر: الذريعة 1: 245، والتذكرة 2: 163 و 164،
وجامع المقاصد 9: 298، والروضة البهية 6: 416،
والجواهر 35: 86.
249
اشترط الفقهاء والأصوليون اتصال
المستثنى منه بالمستثنى اتصالا عاديا، بأن لا يفصل
بينهما بأجنبي، ولا سكوت طويل يخرج عن
الاتصال عادة (1).
وذكر الفقهاء هذا الشرط في الاستثناء في
اليمين (2)، لكنه عام.
القاعدة السادسة - حكم الاستثناءات
المتعددة:
لو تعددت الاستثناءات ففيها حالات:
أولا - إذا كانت متعاطفة مثل قول المقر: له
علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة، فهنا يستثنى مجموع
الاستثناءات من المستثنى منه، فيكون الباقي في
المثال ثلاثة. نعم، لو حصل الاستغراق فيبطل
ما حصل به الاستغراق، مثل قوله: له علي عشرة
إلا خمسة وإلا ستة، فيكون الباقي خمسة، لبطلان
استثناء الستة.
ثانيا - إذا كانت غير متعاطفة، وكانت
متساوية أو كان الثاني أزيد من الأول، مثل قوله:
له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا أربعة، أو إلا أربعة
إلا خمسة، ففي هذه الصورة ترجع الاستثناءات إلى
المستثنى منه، وحكمه في صورة الاستغراق
كالصورة الأولى.
ثالثا - إذا كانت غير متعاطفة وكان الثاني
أنقص من الأول، ففيه ضابطان لمعرفة الحاصل
يبتنيان على القاعدة الأولى، وهي: أن الاستثناء
من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فإذا كان
المستثنى منه مثبتا، كان المستثنى الأول منفيا،
والمستثنى الثاني مثبتا، لأنه مستثنى من المنفي،
والثالث منفيا، لأنه مستثنى من المثبت، والرابع
مثبتا، لأنه مستثنى من المنفي، وهكذا...
الضابط الأول - أن يستثنى المستثنى الأول
من المستثنى منه، ثم يجمع الفاضل مع الثاني - لأن
المستثنى منه إثبات، والمستثنى الثاني إثبات أيضا -
ثم يستثنى من الحاصل المستثنى الثالث، ثم يجمع
الحاصل مع المستثنى الرابع، ثم يستثنى منه الخامس،
وهكذا...
الضابط الثاني - أن تجمع كل الأعداد المثبتة
على حدة، ثم المنفيات على حدة، ثم يستخرج
الفاضل منهما، وهو المراد من مجموع الاستثناءات.
فمثلا لو قال: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية
إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا
اثنين إلا واحدا.
فعلى الطريقة الأولى تستثنى التسعة من
العشرة، فيبقى واحد، ثم يجمع مع الثمانية فيصير
تسعة، ثم ينقص منها سبعة فيبقى اثنان، ثم يجمع مع
الستة فيصير ثمانية، ثم ينقص منها خمسة فتبقى ثلاثة،
ثم تجمع مع الأربعة فتصير سبعة، ثم ينقص منها
ثلاثة فتبقى أربعة، ثم تجمع مع الواحد فتصير خمسة.
وعلى الطريقة الثانية لا بد من جمع الأعداد



(1) أنظر تمهيد القواعد: 195.
(2) أنظر الجواهر 35: 243.
250
المثبتة على حدة، وهي العشرة، والثمانية، والستة،
والأربعة، والاثنان، فيكون المجموع ثلاثين، وتجمع
الأعداد المنفية، وهي التسعة، والسبعة، والخمسة،
والثلاثة، والواحد، فيكون المجموع خمسا وعشرين،
والفاضل بين المجموعين هو خمسة أيضا (1).
10 + 8 + 6 + 4 + 2 = 30
9 + 7 + 5 + 3 + 1 = 25
30 - 25 = 5
القاعدة السابعة - حكم الاستثناء الواقع
عقيب جمل متعددة:
تكلم الفقهاء والأصوليون حول حكم
الاستثناء إذا وقع عقيب جمل متعددة: هل يرجع
إلى خصوص الأخيرة أو إلى الجميع أو يتوقف فيه
إلا إذا قامت قرينة على مورد خاص؟
ومثاله: قوله تعالى: * (والذين يرمون
المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوا كل واحد
منهم مئة جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم
الفاسقون * إلا الذين تابوا) * (1).
وتفصيله موكول إلى الملحق الأصولي، لأن
الأكثر تعرضوا للمسألة في أصول الفقه.
أقسام الاستثناء:
ينقسم الاستثناء إلى قسمين:
الأول - الاستثناء المتصل: وهو الذي يكون
فيه المستثنى داخلا في المستثنى منه لولا الاستثناء،
مثل جاء الطلاب إلا زيدا.
الثاني - الاستثناء المنقطع: وهو الذي
لا يكون فيه المستثنى داخلا في المستثنى منه لولا
الاستثناء، سواء كان من جنسه أو لا.
فالأول مثل قولك: جاء بنو زيد إلا ابن
عمرو، والثاني مثل قوله تعالى: * (ما لهم به من
علم إلا اتباع الظن) * (2)، ومثل قول المقر: له علي مئة
درهم إلا ثوبا.
وهل إطلاق الاستثناء عليه إطلاق حقيقي



(1) أنظر: التنقيح الرائع 3: 494، وجامع المقاصد 9:
296، وتمهيد القواعد: 204، والروضة البهية 6: 414،
والجواهر 35: 90.
ويتبادر إلى الذهن طريق آخر، وهو: أن يبدأ
بالاستثناء من الأخير، ففي المثال: يستثنى الواحد من
الاثنين فيبقى واحد، ويستثنى هذا الواحد من الثلاثة
فيبقى اثنان، ويستثنى الاثنان من الأربعة فيبقى اثنان
أيضا، ويستثني الاثنان من الخمسة فتبقى ثلاثة،
وتستثنى الثلاثة من الستة فتبقى ثلاثة أيضا، وتستثنى
الثلاثة من السبعة فتبقى أربعة، وتستثنى الأربعة من
الثمانية تبقى أربعة، وتستثنى الأربعة من التسعة فتبقى
خمسة، وتستثنى الخمسة من العشرة فتبقى خمسة
أيضا.
ولعل هذا الطريق يبين حقيقة الاستثناء في هذه
الأمثلة بشكل أوضح.
(1) النور: 4 - 5.
(2) النساء: 157.
251
أو مجازي؟ فيه مذهبان، أصحهما الثاني عند الشهيد
الثاني (1).
صيغ الاستثناء:
للاستثناء صيغ لغوية، وصيغة شرعية
خاصة:
1 - الصيغ اللغوية:
وأهمها: إلا، وغير، وسوى، وليس،
وحاشا، وخلا، وعدا.
2 - الصيغة الشرعية:
أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أن لا يقول: إني سأفعل
كذا على نحو الجزم، بل ينبغي أن يستثني، وذلك في
قوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا
إلا أن يشاء الله) * (2).
والصيغة المعروفة هي: " إن شاء الله ".
ووصف هذه الصيغة بكونها شرعية من حيث
كون واضعها هو الشارع، لا أن غيرها غير شرعي
لا يترتب عليه أثر شرعي.
ويعبر عن هذا النوع من الاستثناء
ب‍ " الاستثناء بالمشيئة ".
الأحكام الفقهية المترتبة على الاستثناء:
الاستثناء تارة يكون بالمشيئة، وتارة
بغيرها، ولكل منهما حكمه:
أولا - الاستثناء بالمشيئة:
المعروف بين فقهاء الإمامية أن الاستثناء
بالمشيئة لا يصح إلا في اليمين (1)، لكن للشيخ
قول بصحته في غير اليمين - أيضا - كالطلاق
والعتق والنذر والإقرار (2)، ويبدو منه أنه رجع
منه، حيث قال - أيضا - بعدم صحته في غير
اليمين (3).
هذا إذا جاء به بنية الاستثناء واقعا، وأما إذا
كان بنية التبرك فالظاهر لا خلاف في صحته في
الموارد المتقدمة، ولم تترتب عليه آثار الاستثناء
الواقعي.
ويترتب على صحة مجيئه في اليمين أنه يوقف
اليمين عن الانعقاد إجماعا - كما قال في الجواهر (4) -
فلا يحنث بترك المحلوف عليه.
نعم، قال العلامة في القواعد: " وضابط
التعليق بمشيئة الله تعالى: أن المحلوف عليه إن كان
واجبا أو مندوبا انعقدت، وإلا فلا " (5).



(1) تمهيد القواعد: 196، القاعدة 67.
(2) الكهف: 23 و 24.
(1) أنظر: السرائر 3: 41 - 42، وإيضاح الفوائد 4: 8،
والتنقيح الرائع 3: 310 - 311، وكشف اللثام 2:
221، والجواهر 32: 80 - 81.
(2) المبسوط 5: 66، و 6: 200، والخلاف 4: 483.
(3) الخلاف: كتاب الأيمان، المسألة 26.
(4) الجواهر 35: 242.
(5) قواعد الأحكام 2: 130.
252
فإنه فصل في الانعقاد بين ما إذا كان المحلوف
عليه مما يشاؤه الله قطعا كالواجب والمندوب - ومنه
ترك الحرام - فإنه ينعقد مع الاستثناء بالمشيئة أيضا،
وبين غيره كالمباح، فلا ينعقد.
ويظهر من الفاضل الإصفهاني موافقته له (1).
راجع: يمين.
ثانيا - الاستثناء بغير المشيئة:
والمقصود منه الاستثناء بأدوات الاستثناء
مثل: إلا، وغير، وعدا، وحاشا، ونحوها. ويختلف
الاستثناء باختلاف الموارد. ونشير فيما يلي إلى
أهمها:
أ - الاستثناء في الإقرار:
يبدو أنه لا خلاف في جريان الاستثناء في
الإقرار، قال صاحب الجواهر: " لا خلاف في
جريانه في الإقرار، بل الإجماع بقسميه عليه،
بل وعند غيرنا عدا ما يحكى عن مالك، فمنعه،
ولا ريب في فساده " (2).
نعم، لا بد من ملاحظة القواعد المتقدمة عند
جريانه. وذكر الفقهاء فروعا كثيرة مترتبة عليها،
ولذلك تطرق الفقهاء إلى معظم أبحاث الاستثناء
وقواعده في موضوع الإقرار.
ب - الاستثناء في الطلاق:
الظاهر أن فقهاءنا لم يتكلموا حول الاستثناء
في الطلاق إلا من حيث الاستثناء بالمشيئة، وقد
تقدم أهم أحكامه. نعم، يظهر منهم: أن الاستثناء
بجميع أنواعه لا يجري في الطلاق، إذا كان متضمنا
لتعليق الصيغة على صفة أو شرط، لأنه باطل
ومبطل للعقد على ما هو المعروف (1).
ج - الاستثناء في اليمين:
تقدم أنه لا يصح الاستثناء بالمشيئة إلا في
اليمين، هذا بالنسبة إلى مشيئة الله تعالى. وأما
بالنسبة إلى مشيئة غيره فقد صرح صاحب الجواهر
أنه: لا إشكال ولا خلاف في جوازها أيضا، فإن
قال: والله لأدخلن الدار اليوم إن شاء زيد - مثلا -
فقد علق عقد اليمين على مشيئة زيد على وجه تكون
المشيئة شرطا فيه، فإن قال: شئت، انعقدت اليمين،
لتحقق الشرط، فإن ترك حنث، وإن قال: لم أشأ لم
تنعقد (2).
وللفقهاء كلام حول لزوم التلفظ بالاستثناء
بالمشيئة في اليمين، فهم إما مشترط، وإما غير
مشترط، وإما مفصل (3).
د - الاستثناء في البيع والإجارة:
يصح الاستثناء في البيع والإجارة بأن يقول
مثلا: بعتك هذه الأرض إلا عشرها بكذا (4)، أو



(1) كشف اللثام 2: 221.
(2) الجواهر 35: 85.
(1) الجواهر 32: 80.
(2) الجواهر 35: 248.
(3) الجواهر 35: 246.
(4) أنظر مفتاح الكرامة 4: 300.
253
آجرتك هذه الدار بما فيها من الغرف إلا غرفة
واحدة بكذا.
ويشترط في ذلك:
1 - أن لا يكون الاستثناء موجبا لتعليق
الصيغة على صفة أو شرط، كأن يقول: بعتك
الكتاب إلا إذا خالف أبي، فإن هذا يؤدي إلى تعليق
البيع على أمر لا يعلم حصوله، في حين أنه يشترط
فيه التنجيز.
2 - أن لا يوجب الجهالة والغرر في العقد،
كأن يقول: بعتك هذه الأرض إلا جزءا منها.
3 - أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة.
وما تقدم مستل من القواعد العامة المذكورة
في هذين البابين.
وهناك موارد أخرى ربما يأتي بحثها في
مواطنها، كالوقف، والوصية والهبة ونحوها.
مظان البحث:
عمدة ما يبحث في الفقه عن الاستثناء
وأحكامه إنما هو في موضوع الإقرار، فيبحث ثمة
عن القواعد العامة للاستثناء، ثم عن الفروع الكثيرة
المترتبة عليها. ويبحث أيضا عنه في:
1 - كتاب الطلاق: عند البحث في تجرد
الصيغة من التعليق على الشرط والصفة.
2 - كتاب اليمين: عند البحث في جواز دخول
الاستثناء بالمشيئة في اليمين.
3 - وفي موارد متفرقة أخرى من أبواب
الفقه، كالبيع في استثناء جزء من المبيع،
وأحيانا في الوصية والوقف في استثناء
جزء من الموصى به أو الموقوف، ونحو
ذلك.
وأما في الأصول فيبحث فيه في موردين:
1 - في المفاهيم: مفهوم الاستثناء.
2 - في العموم والخصوص: بعنوان الاستثناء
المتعقب للجمل المتعددة.
هذا في كتب المتأخرين، وأما في كتب القدماء
فبحث بصورة مستقلة.
ويبحث فيه أيضا في الكتب المعدة للبحث في
القواعد العامة - فقهية كانت أو أصولية - مثل
" القواعد والفوائد " للشهيد الأول، و " تمهيد
القواعد " للشهيد الثاني.
استجمار
لغة:
استجمر الإنسان في الاستنجاء: قلع النجاسة
بالجمرات والجمار، وهي الحجارة (1).
راجع: استنجاء.



(1) المصباح المنير: " جمر ".
254
استحاضة
لغة:
قال ابن الأثير: الاستحاضة أن يستمر
بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة، يقال:
استحيضت فهي مستحاضة، وهو استفعال من
الحيض (1).
ويقرب منه ما قاله الجوهري (2) وابن
منظور (3).
ويبدو أن بناءه للمعلوم غير مسموع، فلا
يقال: استحاضت، ولا تستحيض، بل يقال:
استحيضت، وتستحاض (4).
اصطلاحا:
الاستحاضة عند أكثر الفقهاء: كل دم يخرج
من الرحم وليس بحيض ولا نفاس ولا دم عذرة
ولا قرح ولا جرح، لانحصار الدماء الخارجة من
المرأة في ذلك بناء على المشهور كما سيجئ.
ولا فرق - عند الفقهاء - بين أن يكون الدم
متصلا بالحيض، كالدم المتجاوز أكثر أيام الحيض
- وهو عشرة أيام - أم لا، كالدم الذي تراه الصغيرة
واليائسة، والذي تراه البالغة في سائر الأيام.
ولم يستثن بعض الفقهاء - في تعريف
الاستحاضة - دم العذرة، ولم يستثن بعض آخر دم
النفاس ودم العذرة، مع أن استثناءهما لازم
لتشخيص دم الاستحاضة، ولعلهم تركوا ذلك
لوضوحه (1).
وهل يجب العلم بعدم كونه دم جرح أو قرح،
أو يكفي عدم العلم بذلك؟
استظهر صاحب الجواهر من بعض الفقهاء
الأول (2)، لكن قوى - هو - الثاني (3)، وقال به بعض
من تأخر عنه من الفقهاء (4). وبناء على هذا فكل دم
ليس بحيض ولا نفاس ولا دم عذرة فهو استحاضة



(1) النهاية: " حيض ".
(2) الصحاح: " حيض ".
(3) لسان العرب: " حيض ".
(4) روض الجنان: 82 وغيره، وانظر المصادر المتقدمة.
(1) أنظر: جامع المقاصد 1: 337. وروض الجنان: 82.
والعروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة.
(2) استظهره صاحب الجواهر من جماعة كالعلامة في
القواعد، والشهيد في البيان، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد وغيرهم، أنظر الجواهر 3: 260.
(3) الجواهر 3: 261.
(4) كالسيد الخوئي في التنقيح 7: 25 اعتمادا على أصالة
السلامة - ونسبه إلى أكثر الفقهاء -، وقال به السيد
اليزدي والإمام الخميني احتياطا، أنظر العروة الوثقى:
كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة، وتحرير الوسيلة
1: 51، كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة، وللسيد
الحكيم تفصيل آخر.
255
حتى يعلم أنه من قرح أو جرح.
وأما انتفاء الحيضية - وكذا النفاس والعذرة -
فالظاهر لزوم العلم به (1).
هذا، وقد ناقش بعضهم في كلية القاعدة
المتقدمة (2).
أقسام الدم الخارج من المرأة:
المعروف بين الفقهاء - كما يستفاد من تعريفهم
السابق للاستحاضة - أن الدماء الخارجة من المرأة
منحصرة في خمسة، وهي:
1 - دم الحيض: وهو الذي تراه المرأة أيام
عادتها.
2 - دم الاستحاضة: وهو غير الدماء
الأخرى.
3 - دم النفاس: وهو الذي تراه المرأة عند
الولادة.
4 - دم العذرة: وهو الذي تراه عند إزالة
بكارتها.
5 - دم القرح أو الجرح: وهو الدم الخارج
من الجرح أو القرح الموجود في فضاء الفرج أو
داخل الرحم (1).
ويظهر من بعض الفقهاء - كالسيد الحكيم -
المناقشة في انحصار الدماء في ذلك (2).
المراد من دم الجروح والقروح:
قلنا: إن دم الاستحاضة هو ما لم يكن حيضا
ولا نفاسا، ولا دم جرح أو قرح. وقد تحدث بعض
الفقهاء عن المراد من الجرح والقرح: هل هو مطلقهما
سواء كانا في فضاء الفرج أو في داخل الرحم، أو
يختص بالأول؟
يرى السيد الحكيم أن المراد من الجرح
والقرح الواقعين في التعريف هما الواقعان في فضاء
الفرج، ولا يعم الكائنين في داخل الرحم، فإن ذلك
خلاف إطلاق النصوص، ولذلك لو كانا في داخل
الرحم وعلم بكون الدم منهما يحكم باستحاضته (3).
في حين يرى السيد الخوئي: أن مطلق دم
الجروح والقروح ليس باستحاضة وإن كان الجرح
في داخل الرحم، لانحصار الدم في الخمسة
المتقدمة (4).
ولعل إطلاق كلمات الفقهاء - في تعريف
الاستحاضة - يرشد إليه أيضا.



(1) أنظر الجواهر 3: 260، ويستفاد ذلك من التعريف
أيضا.
(2) أنظر: مدارك الأحكام 2: 9، والمستمسك 3: 378 -
383، وتحرير الوسيلة 1: 51، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة.
(1) أنظر التنقيح 7: 22.
(2) المستمسك 3: 378.
(3) المستمسك 3: 382 - 383.
(4) التنقيح 7: 20.
256
صفات دم الاستحاضة:
قال السيد اليزدي في صفات دم
الاستحاضة: " وهو في الأغلب أصفر بارد رقيق
يخرج بغير قوة ولذع وحرقة، بعكس الحيض، وقد
يكون بصفة الحيض " (1).
وتقييده بالأغلب - كما فعله كثير من الفقهاء -
لأجل أن هذه الصفات قد تجتمع مع غير
الاستحاضة، كالحيض، فإن كل دم تراه المرأة أيام
عادتها فهو حيض، سواء كان بصفات الحيض أو
الاستحاضة (2).
والصفات التي اعتبرها الفقهاء - كما ذكرها
السيد - أربع، وهي:
1 و 2 - الصفرة والبرودة: ويبدو أنه ذكرهما
أكثر الفقهاء، وإن كان بينهم اختلاف في التعبير.
3 - الرقة: ذكرها جماعة من الفقهاء (3) أيضا
إلا أن المحقق (4) والشهيد (5) نسباها إلى الشيخين (6)،
وهو مشعر بترددهما فيها.
4 - الخروج بغير قوة: وقد يعبر عنه بالفتور
أيضا، ونسب في المستمسك (1) إلى بعض القول بنفي
الخلاف فيه، لكن أهمل ذكره بعض الفقهاء، ويظهر
من صاحب المدارك نفيه (2).
ولعل نسبته إلى الفقهاء - وإن لم يذكروه - من
جهة ذكر مقابله في الحيض، وهو الخروج بدفع
وقوة (3).
وأما عدم اللذع والحرقة، فقد ذكرهما
بعضهم، وهما يرجعان إلى البرودة كما قيل (4).
الأحكام:
قبل بيان أحكام الاستحاضة ينبغي أن نبين
أقسامها ليتضح حكم كل قسم منها.
أقسام الاستحاضة:
قسم المشهور من الفقهاء الاستحاضة إلى
ثلاثة أقسام:
1 - الاستحاضة القليلة:
نجد في عبارات الفقهاء عدة تعبيرات
لتوضيح هذا القسم:



(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة.
(2) ذكر ذلك كثير من الفقهاء، أنظر: التذكرة 1: 279،
والمسالك 1: 66، والجواهر 3: 258 - 259.
(3) أنظر المستمسك 3: 376.
(4) المعتبر: 64.
(5) الذكرى: 29.
(6) أنظر المقنعة: 56، وأما الشيخ الطوسي فلم نعثر في كتبه
الثلاثة على كلام يدل على ذلك، بل اقتصر فيها على
الوصفين: الصفرة والبرودة.
(1) المستمسك 3: 377.
(2) المدارك 2: 8.
(3) أنظر: روض الجنان: 83، والجواهر 3: 258 -
259، والطهارة (للمحقق الهمداني): 295.
(4) المستمسك 3: 377.
257
ففي المقنعة: أن لا يرشح الدم على الخرق
ولا يظهر عليها (1)، وفي المبسوط: أن لا يرشح على
القطنة (2)، وفي بعضها: أن لا يثقب الكرسف أو
القطنة (3)، وفي بعض آخر: أن يظهر على القطنة
كرؤوس الأبر ولا يغمسها (4)، وفي قسم منها: أن
تتلوث القطنة من غير غمس فيها (5).
وقال الشهيد في المسالك: " المراد بثقب الدم
الكرسف غمسه له ظاهرا وباطنا " (6).
وقال المحقق الثاني - مفسرا للغمس -: " بمعنى
شموله باطنها وظاهرها جميعا ". ثم قال - بعد ذكر
الثقب والظهور والغمس -: " ومرادهم واحد
قطعا " (7).
وقال السيد الحكيم: " والظاهر أن مراد
الجميع واحد " (8).
والظاهر أن مرادهم من القليلة هو: أن
تتلوث القطنة بالدم ولكن لا يظهر من طرفها
الآخر.
2 - الاستحاضة المتوسطة:
وهي التي يغمس فيها الدم القطنة، أو يثقبها،
أو يظهر من طرفها الآخر - على اختلاف التعابير -
ولا يسيل منها (1).
3 - الاستحاضة الكثيرة:
وهي التي يسيل فيها الدم من الجانب الآخر
من القطنة ويصل إلى الخرقة التي تشدها المرأة على
القطنة (2).
هذا كله بناء على المشهور، لكن يظهر من
بعض الفقهاء أن الاستحاضة - عندهم - قسمان:
قليلة وكثيرة، لأنهم اقتصروا على بيان حكمهما،
وأما المتوسطة فهي عندهم كالكثيرة. وهؤلاء هم:
ابن أبي عقيل (3)، وابن الجنيد (4)، والمحقق الحلي في
المعتبر (5)، والعلامة في المنتهى (6)، والمحقق
الأردبيلي (7)، وتلميذاه صاحب المدارك (8)
وصاحب المعالم (9)، والشيخ البهائي (10).



(1) المقنعة: 56.
(2) المبسوط 1: 67 وغيره.
(3) كما في الخلاف 1: 249، والشرائع 1: 34، والدروس
1: 99، والمدارك 2: 29، والحدائق 3: 277،
وغيرها.
(4) كما في التذكرة 1: 279، والقواعد 1: 16.
(5) كما في العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة الأولى.
(6) المسالك 1: 74.
(7) جامع المقاصد 1: 340.
(8) المستمسك 3: 384.
(1) أنظر المصادر المتقدمة.
(2) أنظر المصادر المتقدمة.
(3) أنظر المختلف 1: 372.
(4) أنظر المختلف 1: 372.
(5) المعتبر: 65.
(6) المنتهى 2: 412.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 1: 155.
(8) المدارك 2: 31 - 32.
(9) نقله عنه في المستمسك 3: 389 - 390.
(10) الحبل المتين: 53.
258
أحكام كل قسم من الاستحاضة:
1 - حكم الاستحاضة القليلة:
وحكمها هو أنه يجب عليها أمران:
الأول - الوضوء لكل صلاة: وهو
المشهور (1)، بل ادعي عليه الإجماع (2)، والمخالف فيه
القديمان ابن أبي عقيل وابن الجنيد.
أما الأول فقد نفى وجوب الوضوء والغسل
معا، لأنه نفى أن تكون الاستحاضة القليلة من
الأحداث.
وأما الثاني، فقد أوجب عليها الغسل لكل
يوم وليلة.
قال المحقق الثاني - بعد نقل قولهما -:
" وهما نادران، لإجماع الأصحاب بعدهما
على خلافهما، مع دلالة الأخبار على الوضوء
متكررا " (3).
الثاني - إبدال القطنة لكل صلاة: وهذا الحكم
مشهور بين الفقهاء، بل ادعي عليه الإجماع (4)، إلا
أن بعض الفقهاء ناقش فيه كصاحب المدارك (5)،
والفاضل الإصفهاني (1)، والمحدث البحراني (2)،
وصاحب الجواهر (3)، والسيدان الحكيم (4)
والخوئي (5)، لكن اختار الأخيران في كتابيهما في
الفتوى وجوب الإبدال احتياطا (6)، ومثلهما الإمام
الخميني (7).
2 - حكم الاستحاضة المتوسطة:
والمشهور أنها يجب عليها أمران:
الأول - العمل بما تقدم في الاستحاضة القليلة،
من تبديل القطنة والوضوء لكل صلاة.
الثاني - غسل واحد لكل يوم تقدمه على
صلاة الفجر، لتصلي به جميع صلوات يومها.
وبعض من استشكل - ممن ذكرناهم - في
تبديل القطنة في القليلة لم يستشكل فيه هنا،



(1) أنظر: المختلف 1: 371، والجواهر 3: 315.
(2) نقله في الجواهر 3: 315 عن الناصريات والخلاف
والغنية، وسيأتي عن جامع المقاصد.
(3) جامع المقاصد 1: 340، وانظر المختلف 1: 372،
والذكرى: 30.
(4) أنظر: المنتهى 2: 409، والجواهر 3: 313.
(5) المدارك 2: 30.
(1) كشف اللثام 1: 100، وقال: لم يذكره الصدوقان ولا
القاضي، وعلق وجوب التبديل على ثبوت الإجماع
عليه، إذ لا دليل غيره.
(2) الحدائق 3: 278.
(3) الجواهر 3: 315.
(4) المستمسك 3: 388.
(5) التنقيح 7: 28 - 31.
(6) أنظر: منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 92،
كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة، المسألة
27، ومنهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 1: 65، كتاب
الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة، المسألة 239.
(7) تحرير الوسيلة 1: 51، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة.
259
كالفاضل الأصفهاني (1)، وصاحب الجواهر (2)
والسيد الحكيم (3)، بل نقلوا الإجماع على وجوب
التبديل.
هذا بناء على المشهور، وأما بناء على
جعل حكم المتوسطة كالكثيرة فسوف يأتي
حكمها.
3 - حكم الاستحاضة الكثيرة:
والمعروف بين الفقهاء أنه يجب عليها الأمور
التالية:
الأول - أغسال ثلاثة: أحدها للفجر، والثاني
للظهرين تجمع بينهما، والثالث للعشاءين تجمع بينهما
أيضا.
وقد ادعى الإجماع على وجوب الأغسال
الثلاثة عدة من الفقهاء (4).
وأما الجمع بين الصلاتين، فقيل: إنه لا كلام
فيه (5). ويجوز لها الفصل بين الصلوات، لكن عليها
أن تغتسل لكل صلاة حينئذ، إلا أن صاحب
الجواهر استظهر من بعضهم وجوب الجمع بين
الصلاتين (1).
الثاني - تبديل القطنة: وقيل: إنه لا خلاف
فيه (2). وزاد بعضهم تبديل الخرقة التي تلفها
على القطنة. وقيل: لا خلاف فيه أيضا (3). لكن
يرى السيد الخوئي أنه لا دليل على وجوب إبدال
القطنة والخرقة - هنا - نعم وجوبه مبني على
الاحتياط (4).
الثالث - الوضوء: والأقوال في وجوب
الوضوء وعدمه ثلاثة:
أ - وجوب الوضوء لكل صلاة: نسب ذلك إلى
المشهور (5)، ويبدو من بعضهم أن أول من قال ذلك
ابن إدريس، وإليه ذهب عامة المتأخرين (6).
ب - وجوب الوضوء مع كل غسل: فإذا جمعت
بين الصلاتين بغسل واحد اكتفت بوضوء واحد
أيضا: ويظهر هذا الرأي من الشيخ المفيد (7)، والسيد
المرتضى في الجمل (8)، والمحقق الحلي (9)، وجعله



(1) كشف اللثام 1: 101.
(2) الجواهر 3: 319.
(3) المستمسك 3: 388.
(4) أنظر: الخلاف 1: 233، والمعتبر: 65، والمنتهى 2:
412 - 413، وجامع المقاصد 1: 341، والمدارك 2:
34، والجواهر 3: 329.
(5) أنظر المستمسك 3: 393.
(1) الجواهر 3: 341.
(2) أنظر: الجواهر 3: 326، والمستمسك 3: 392.
(3) المستمسك 3: 393.
(4) التنقيح 7: 76 - 78.
(5) المختلف 1: 371. المستمسك 3: 391.
(6) أنظر: المدارك 2: 34، والسرائر 1: 152.
(7) المقنعة: 57.
(8) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3:
27.
(9) المعتبر: 66.
260
الشيخ الأنصاري خير الأقوال (1)، ونسب إلى
جماعة من متأخري المتأخرين (2).
ج - عدم وجوب الوضوء والاقتصار على
الأغسال: وهذا القول يظهر من الصدوق (3)، والسيد
المرتضى في الناصريات (4)، والشيخ الطوسي (5)
وتابعيه (6)، حيث لم يذكروا إلا وجوب الغسل ولم
يتعرضوا لوجوب الوضوء.
وممن نفى وجوب الوضوء: المحقق الأردبيلي (7)
وتلميذه صاحب المدارك (8)، والمحقق السبزواري (9)،
والمحدث البحراني (10)، والسيد الخوئي (11).
الأحكام العامة للاستحاضة:
ذكرنا فيما سبق الأحكام الخاصة لكل قسم
من أقسام الاستحاضة، وفيما يلي نذكر الأحكام
العامة التي تشمل جميع الأقسام:
أولا - وجوب الاختبار:
صرح جماعة من الأصحاب - على ما قال
صاحب الجواهر (1) - بوجوب اختبار المستحاضة
حالها، لتعرف نوع استحاضتها وترتب عليه
أحكامه.
وهل هذا الوجوب نفسي أو شرطي أو
طريقي (أو إرشادي) (2)؟ فيه احتمالات.
وبناء على ذلك فلو أخلت باختبار حالها
وعملت بما تحتمله وصلت فطابق الواقع:
فعلى الأول تصح صلاتها لكنها تكون قد
تركت واجبا، وهو الاختبار والفحص.
وعلى الثاني تبطل صلاتها، لعدم إتيان
شرطها وهو الاختبار، لكن لم تستحق عقابا، لأن
وجوب الاختبار شرطي لا نفسي، ولا عقوبة في
ترك الواجب الشرطي، نعم تستحق العقاب على
ترك الصلاة المشروطة بالاختبار، لعدم إتيانها مع
شرطها.
وعلى الثالث تصح صلاتها ولم تستحق



(1) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 251، المقصد الثالث في
الاستحاضة، قبيل التنبيهات.
(2) أنظر المستمسك 3: 391.
(3) المقنع: 15.
(4) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 188، المسألة
45.
(5) أنظر: النهاية: 28 - 29، والخلاف 1: 233 و 249.
وكلامه في المبسوط 1: 67 يحتمل هذا القول والقول
المشهور.
(6) كالحلبي في الكافي: 129، والقاضي في المهذب 1: 37 -
38، وغيرهما.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 1: 160، لكنه قال بإتيان
الوضوء قبل الغسل احتياطا.
(8) المدارك 2: 34 - 35.
(9) الكفاية: 5.
(10) الحدائق 3: 284 - 287.
(11) التنقيح 7: 78 - 83.
(1) الجواهر 3: 310.
(2) فقد جاء التعبير بالطريقي في التنقيح، والإرشادي في
المستمسك.
261
العقاب، لا على ترك الاختبار، لعدم وجوبه وجوبا
نفسيا، ولا على الصلاة، لصدق الامتثال بإتيانها مع
شرائطها وليس من شرائطها الاختبار حسب
الفرض.
والاحتمال الثالث هو الظاهر من كلمات
صاحب الجواهر (1)، والسيد اليزدي (2)، والسيد
الحكيم (3)، والسيد الخوئي (4).
هذا في حال التمكن من الاختبار، وأما في
صورة عدمه، فقال بعضهم: تأخذ بالقدر المتيقن،
فإذا احتملت الاستحاضة القليلة والمتوسطة فتعمل
عمل المتوسطة، وإذا احتملت المتوسطة والكثيرة
تعمل عمل الكثيرة، وهكذا (5).
ثانيا - حكم وطء المستحاضة:
الأقوال في وطء المستحاضة خمسة:
1 - توقف جواز الوطء على أفعالها مطلقا،
قليلة كانت أو كثيرة، أغسالا كانت أو غيرها.
ذهب إلى هذا الرأي ابن الجنيد (1)، والشيخ
المفيد (2)، والشيخ الطوسي في النهاية (3)، والحلبي (4)،
وابن إدريس (5)، ونسبه العلامة إلى ظاهر
الأصحاب (6)، والسيد الطباطبائي إلى الشهرة
العظيمة بعد أن اختاره (7).
2 - توقف الجواز على الغسل فقط.
نسبه السيد الطباطبائي إلى الصدوقين (8)،
ويظهر ذلك من الإمام الخميني (9).
3 - توقف الجواز على الغسل والوضوء.
ذهب إليه الشيخ الطوسي في المبسوط (10).
4 - توقف الجواز على الغسل والاحتشاء
بدل الوضوء.



(1) الجواهر 3: 311.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 4.
(3) المستمسك 3: 400 - 401، وانظر منهاج الصالحين 1:
92، كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة،
المسألة 26.
(4) التنقيح 7: 105 - 107، وانظر منهاج الصالحين 1:
65، كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة،
المسألة 238.
(5) أنظر المصادر المتقدمة، وانظر تحرير الوسيلة 1: 52،
كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة، المسألة 1.
(1) نقل عنه ذلك المحقق في المعتبر: 66.
(2) المقنعة: 57.
(3) النهاية: 29.
(4) الكافي: 129.
(5) السرائر 1: 153.
(6) أنظر: المنتهى 2: 418، والتذكرة 1: 290 - 291.
(7) الرياض 2: 122.
(8) أنظر: الرياض 2: 122، والفقيه 1: 91، كتاب
الطهارة، باب غسل الحيض والاستحاضة، ذيل المسألة
195، والهداية: 22. لكن في النسبة تأمل.
(9) تحرير الوسيلة 1: 53، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 8.
(10) المبسوط 1: 67.
262
ذهب إليه سلار (1).
5 - عدم توقف جواز الوطء ء على أمر،
فيجوز الوطء ء بدون فعل شئ، لكن على كراهية.
ذهب إليه القاضي (2)، والمحقق في المعتبر (3)،
والعلامة (4)، والشهيد الأول (5)، والسيد الخوئي (6)،
واستظهره صاحب المدارك (7)، وقواه المحقق الثاني (8)
وصاحب الجواهر (9) والسيد الحكيم (10) - إلا أنه
اختار في كتاب فتواه وجوب الغسل احتياطا - ولم
يستبعده المحقق الأردبيلي (11)، واستقربه المحقق
السبزواري (12).
وقيد المحقق الكراهة بالمغلظة، ولم يتعرض
لأصل الكراهة بعضهم.
ثالثا - حكم دخول المسجدين والمكث في
سائر المساجد:
اختلف الفقهاء في جواز دخول (أو اجتياز)
المستحاضة المسجدين والمكث في سائر المساجد
قبل الاغتسال على قولين.
وظاهر كلامهم أن الاختلاف إنما هو في
المتوسطة والكثيرة لا القليلة، فإنها يجوز لها الدخول
مطلقا (1).
ومهما يكن فالقولان هما:
1 - القول بالجواز: يظهر ذلك من الشيخ في
النهاية (2)، والشهيد في الروض (3)، والمحقق
الأردبيلي (4)، وصاحب المدارك (5)، والمحقق
السبزواري (6)، والسيد الطباطبائي (7)، والسيد
الحكيم (8)، والسيد الخوئي (9)، والإمام الخميني (10).



(1) المراسم: 45.
(2) المهذب 1: 38.
(3) المعتبر: 66.
(4) التذكرة 1: 291، والمنتهى 2: 418.
(5) أنظر: الدروس 1: 99، والبيان: 66.
(6) التنقيح 7: 176، وقال باستحباب الغسل في منهاج
الصالحين 1: 68، كتاب الطهارة، المقصد الثالث في
الاستحاضة، المسألة 252.
(7) المدارك 2: 37.
(8) جامع المقاصد 1: 343 - 344.
(9) الجواهر 3: 356 - 361.
(10) المستمسك 3: 425، وانظر منهاج الصالحين 1: 97،
كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة، المسألة
40.
(11) مجمع الفائدة والبرهان 1: 164.
(12) الذخيرة: 76.
(1) أنظر المستمسك 3: 422، ولاحظ أيضا عبارة السيد
اليزدي في المسألة 18.
(2) النهاية: 29.
(3) روض الجنان: 85.
(4) مجمع الفائدة 1: 164.
(5) المدارك 2: 37.
(6) الذخيرة: 76.
(7) الرياض 2: 120.
(8) المستمسك 3: 423.
(9) التنقيح 7: 178.
(10) تحرير الوسيلة 1: 53، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 8.
263
2 - القول بعدم الجواز: نقل في الجواهر عن
المصابيح نسبته إلى المشهور (1)، ولكن تأمل بعضهم
في هذه النسبة (2).
رابعا - حكم قراءة العزائم:
يظهر من كلمات بعض الفقهاء أن حكم قراءة
العزائم حكم دخول المساجد (3).
خامسا - حكم مس القرآن:
لا يجوز للمستحاضة أن تمس كتابة القرآن
قبل أن تعمل ما يجب عليها من وضوء أو غسل،
لقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (4)، فإذا
عملت بما وجب عليها جاز لها المس، وفي
المستمسك: " الظاهر منهم التسالم على الجواز " (5)
و " أن الجواز عندهم من الواضحات " (6)، أي: بعد
العمل بوظائفها.
وفصل السيد الخوئي بين المس الواجب
والمستحب، فالتزم بوجوب التطهر والمس لو
اضطرت إليه، كما إذا أرادت إزالة ما يستلزم
وجوده الهتك، وإن كان وجوده في مدة التطهر
مستلزما للهتك أيضا فيجب المس وإن لم تفعل
ما وجب عليها. أما المس المستحب فاستشكل فيه
وإن فعلت ما وجب عليها من الطهارة (1).
وقال السيد اليزدي - بعد أن بين توقف المس
على الوضوء والغسل، أو الغسل فقط للصلاة -:
" بل الأحوط ترك المس لها مطلقا " (2).
ولهم كلام في لزوم تعدد الوضوء أو الغسل
بتعدد المس وعدمه يرجع فيه إلى المطولات.
سادسا - حكم صوم المستحاضة:
المعروف بين فقهائنا هو: أن المستحاضة إذا
عملت بما وجب عليها من الأغسال صح صومها،
وأما إذا أخلت بها فلا يصح منها الصوم إجمالا (3)،
إلا أنه يظهر من بعضهم التوقف فيه، كالشيخ في
المبسوط، لأنه نسب وجوب القضاء في صورة
الإخلال إلى رواية، فقال: " وإن لم تفعل ما يجب
عليها وصامت فقد روى أصحابنا أن عليها
القضاء " (4). وصرح صاحب المدارك بالتوقف،
فقال بعد مناقشته في الرواية: " ويظهر من الشيخ في
المبسوط التوقف في هذا الحكم، حيث أسنده إلى
رواية الأصحاب، وهو في محله " (5).



(1) الجواهر 3: 354 - 355.
(2) أنظر: المصدر المتقدم، والمستمسك 3: 422، والتنقيح
7: 178.
(3) أنظر: المستمسك 3: 425، والتنقيح 7: 178.
(4) الواقعة: 79.
(5) المستمسك 3: 427.
(6) المستمسك 3: 427.
(1) التنقيح 7: 184.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 18.
(3) أنظر: الجواهر 3: 365، والمستمسك 3: 409 -
410.
(4) المبسوط 1: 68.
(5) المدارك 2: 39.
264
والرواية وإن كانت صحيحة - على ما قيل -
إلا أنها من مشكلات الأخبار، ولذلك التزم بعض
الفقهاء بالبطلان احتياطا لا فتوى (1).
ثم، إن القائلين ببطلان صوم المستحاضة
بالإخلال بوظيفتها اختلفوا في أن الصحة تتوقف
على الأغسال فقط، أو على جميع ما يجب عليها حتى
الوضوء وتبديل القطنة؟
يظهر من الشيخ (2) وابن إدريس الحلي (3)
اختيار الرأي الثاني.
واختلف أصحاب الرأي الأول في أن الذي
يتوقف عليه صحة الصوم هو جميع الأغسال
النهارية والليلية، أو النهارية فقط، أو الفجر
خاصة؟ وإذا كانت الليلية معتبرة فهل هي غسل
الليلة الماضية أو اللاحقة أو كلاهما؟ وجوه تعرض
لها بعض الفقهاء، والعبارات - هنا - غير منقحة.
ولهم اختلاف آخر في وجوب تقديم غسل
الفجر عليه وعدمه (4).
سابعا - حكم قضاء الصلوات:
اختلف الفقهاء في جواز قضاء المستحاضة
صلواتها اليومية التي فاتتها، إذا عملت بوظيفتها من
الغسل والوضوء وسائر الأعمال.
فالذي يستفاد من كلمات بعض الفقهاء: أن
أصل الجواز من الواضحات (1) وإن لم يصرح به كثير
من الفقهاء، لكن يرى السيد الخوئي (2): أن
الاستحاضة حدث، وإنما يجوز للمستحاضة الصلاة
مع فعل ما يجب عليها من باب الاضطرار، ولذلك
لا تكون هذه الطهارة كافية للعبادات الموسعة،
كقضاء الصلوات الفائتة.
ثم، على فرض القول بالجواز فهل تحتاج
المستحاضة - حينئذ - إلى طهارة مستقلة غير ما
فعلته لفرائضها، أو يكفيها ذلك؟ فيه قولان.
والكلمات غير منقحة، والمتعرضون له
قليلون، قال الشهيد الثاني: "... ليس للمستحاضة
أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد سواء في ذلك
الفرض والنفل، بل لا بد لكل صلاة من وضوء. أما
غسلها فللوقت، تصلي به ما شاءت من الفرض
والنفل أداء وقضاء مع الوضوء لكل صلاة، وتغيير
القطنة والخرقة، وغسل المحل إن أصابها الدم... " (3).
وقال السيد اليزدي: " يجوز للمستحاضة
قضاء الفوائت مع الوضوء والغسل وسائر الأعمال
لكل صلاة، ويحتمل جواز اكتفائها بالغسل



(1) كالسيد اليزدي في العروة: كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 12، والسيد الخوئي في التنقيح 7:
143.
(2) المبسوط 1: 68.
(3) السرائر 1: 153.
(4) راجع في ذلك كله: الجواهر 3: 366، والمستمسك 3:
410 - 412، والتنقيح 7: 144 - 146.
(1) المستمسك 3: 427.
(2) التنقيح 7: 186.
(3) روض الجنان: 88.
265
للصلوات الأدائية، لكنه مشكل، والأحوط ترك
القضاء إلى النقاء " (1).
ثامنا - وجوب صلاة الآيات على
المستحاضة:
قال السيد اليزدي: " المستحاضة تجب عليها
صلاة الآيات، وتفعل لها كما تفعل لليومية، ولا تجمع
بينهما بغسل وإن اتفقت في وقتها " (2).
وعلق السيد الحكيم على الفقرة الأخيرة
بقوله: " هذا لا يخلو من إشكال، للإجماع على عدم
الاحتياج إلى التجديد في الوقت... " (3).
وبناء على ما قاله السيد الحكيم فلا تحتاج إلى
تجديد الغسل، نعم تحتاج إلى تجديد الوضوء بناء
على لزوم الوضوء لكل صلاة.
ويظهر هذا الرأي من السيد الخوئي
أيضا (4).
تاسعا - حكم النوافل:
تكفي للنوافل أغسال الفرائض، وقد ادعي
عليه الإجماع مستفيضا (5). وأما الوضوء فيجب لكل
صلاة على المشهور، كما تقدم في الفريضة، وفيه
أقوال أخر تراجع ثمة.
ولما كانت النوافل يؤتى بها ركعتين ركعتين،
فينبغي أن تتوضأ المستحاضة لكل ركعتين من
النوافل.
لكن قال الشيخ في المبسوط: " إذا توضأت
المستحاضة للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت
من النوافل، لأنه لا مانع فيه " (1). وتبعه بعض من
تأخر عنه، كالقاضي (2).
وعلق عليه صاحب الجواهر بقوله: " لكنه
ينبغي حينئذ اختصاص إرادته النوافل لكل فرض،
لا مطلق النوافل، ويؤيده سهولة الملة وسماحتها، إذ
في التجديد لكل ركعتين كما يقتضيه التعميم المتقدم
من المشقة ما لا يخفى " (3).
عاشرا - وجوب الاستثفار:
يجب على المستحاضة - بعد الوضوء
والغسل - الاستظهار بمعنى التحفظ من خروج الدم،
ومن طرق ذلك الاستثفار (4)، وقد يعبر عنه
بالاستذفار.
راجع عناوين: استثفار، استذفار،
استظهار.



(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 19، وانظر المستمسك 3: 427، والتنقيح 7:
186.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 20.
(3) المستمسك 3: 428.
(4) التنقيح 7: 189.
(5) أنظر المستمسك 3: 394.
(1) المبسوط 1: 68.
(2) المهذب 1: 39.
(3) الجواهر 3: 318.
(4) أنظر المستمسك 3: 406.
266
حكم انقطاع دم الاستحاضة:
إن انقطاع دم الاستحاضة قد يكون انقطاع
برء أو انقطاع فترة. والمقصود من الأول هو انقطاع
الدم كليا وبرء المستحاضة من استحاضتها، ومن
الثاني انقطاع الدم مؤقتا واحتمال عوده ثانيا.
وعلى كل تقدير، فقد يكون الانقطاع قبل
الإتيان بما يجب على المستحاضة من الأعمال،
كالغسل والوضوء والصلاة، وقد يكون في أثناء تلك
الأعمال، وقد يكون بعدها.
ولكل من هذه الأقسام حكمه نشير - فيما
يلي - إلى بعضها إجمالا:
أ - انقطاع الدم للبرء قبل الإتيان بالأعمال:
وفيه قولان:
الأول - لا يجب عليها شئ غير الوضوء،
وإن كانت استحاضتها كثيرة أو متوسطة.
وهذا القول يظهر من الشيخ (1) والعلامة (2).
الثاني - يجب عليها ما هو وظيفتها قبل
الانقطاع، من الوضوء أو هو مع الغسل.
ذهب إلى هذا القول جماعة، منهم: الشهيد
الأول (3)، والشهيد الثاني (4)، والمحقق الثاني (5)،
وصاحب المدارك (1)، وصاحب الجواهر (2)، والسيد
اليزدي (3)، والسيد الحكيم (4)، والسيد الخوئي (5)،
والإمام الخميني (6).
ب - انقطاع الدم للبرء أثناء الصلاة:
وفيه قولان أيضا:
الأول - أنها تتم صلاتها، ولا تعيد.
ذهب إلى هذا القول الشيخ (7)، وتبعه جماعة،
كيحيى بن سعيد (8)، والعلامة (9)، والشهيد الأول (10)،
وصاحب المدارك (11)، ونسب إلى المحقق - في المعتبر -



(1) أنظر المبسوط 1: 68.
(2) أنظر: المنتهى 2: 422، والقواعد 1: 16، وانظر
التذكرة 1: 292.
(3) أنظر: الذكرى: 31، والبيان: 66.
(4) روض الجنان: 86.
(5) جامع المقاصد 1: 345.
(1) المدارك 2: 40.
(2) الجواهر 3: 332.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 14.
(4) المستمسك 3: 414.
(5) التنقيح 7: 154.
(6) تحرير الوسيلة 1: 53، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 7.
(7) أنظر: المبسوط 1: 68، والخلاف 1: 250.
(8) الجامع للشرائع: 45.
(9) أنظر المختلف 1: 377، والمنتهى 1: 205، هذا ما
اختاره في نواقض الوضوء، ولكنه احتمل في بحث
الاستحاضة وجوب الإتمام والإعادة، والإبطال، ثم قوى
الأول، واقتصر في التذكرة على نقل كلام الشيخ. أنظر
المنتهى 2: 423، والتذكرة 1: 289.
(10) البيان: 67.
(11) المدارك 2: 41.
267
الميل إليه (1).
الثاني - أنها تستأنف الطهارة والصلاة.
ويظهر هذا القول من ابن إدريس (2)،
والشهيد الأول في الدروس (3)، والشهيد الثاني في
الروض (4)، وصاحب الجواهر (5)، والشيخ
الأنصاري (6)، والسيد اليزدي (7)، والسيد الحكيم (8)
والسيد الخوئي (9) والإمام الخميني (10).
ج - انقطاع الدم للبرء بعد الصلاة:
وفيه قولان أيضا:
الأول - لا تجب إعادة الصلاة.
قواه صاحب الجواهر (1)، والشيخ
الأنصاري (2)، واختاره السيد الخوئي في التنقيح (3)،
والإمام الخميني (4).
الثاني - تجب إعادة الصلاة.
اختاره السيد اليزدي (5)، والسيد الحكيم (6)،
والسيد الخوئي في المنهاج (7).
د - انقطاع الدم للبرء بعد الطهارة وقبل
الصلاة:
وفيه قولان أيضا:
الأول - استئناف الطهارة: نسب ذلك إلى
المشهور (8).
الثاني - عدم استئناف الطهارة: ذهب إليه
يحيى بن سعيد الحلي لكنه قيده بما إذا فرغت من



(1) أنظر المعتبر: 28.
(2) السرائر 1: 152 - 153.
(3) الدروس 1: 99.
(4) روض الجنان: 86.
(5) الجواهر 3: 336.
(6) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 254، المقصد الثالث في
الاستحاضة.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 14.
(8) المستمسك 3: 414 - 415، وانظر منهاج الصالحين 1:
94، كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة،
المسألة 32.
(9) التنقيح 7: 154، وانظر منهاج الصالحين 1: 66، كتاب
الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة، المسألة 244.
(10) تحرير الوسيلة 1: 53، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 7.
(1) الجواهر 3: 332.
(2) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 254، المقصد الثالث في
الاستحاضة، التنبيه الثاني.
(3) التنقيح 7: 155.
(4) تحرير الوسيلة 1: 53، كتاب الطهارة، فصل في
الاستحاضة، المسألة 7.
(5) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة،
المسألة 14.
(6) المستمسك 3: 414 - 416، وانظر منهاج الصالحين
1: 94، كتاب الطهارة، المقصد الثالث في الاستحاضة،
المسألة 32.
(7) منهاج الصالحين 1: 66، كتاب الطهارة، المقصد
الثالث في الاستحاضة، المسألة 244.
(8) أنظر المستمسك 3: 415 - 416.
268
الوضوء وانقطع الدم في وقت واحد (1)، ونسب إلى
المحقق في المعتبر (2).
هذا كله إذا كان الانقطاع انقطاع البرء، وأما
إذا كان انقطاع فترة، فإن كانت الفترة واسعة فيبدو
من كلماتهم أنه بحكم انقطاع البرء، والمقصود من
الفترة الواسعة هو إمكان تجديد الطهارة والصلاة.
وإن كانت الفترة غير واسعة فيكون حكمها
حكم من لم ينقطع منها الدم (3).
ولهم تفاصيل أخرى حول ما إذا شكت في
كون الانقطاع للبرء أو الفترة، أو شكت في كون
الفترة واسعة أو لا، يرجع فيها إلى المطولات.
كان هذا خلاصة ما أردنا إيراده حول
الاستحاضة، وبقيت موضوعات أخر لا يسعنا
التعرض لها فعلا مخافة التطويل.
مظان البحث:
يبحث في هذا الموضوع غالبا في كتاب
الطهارة حيث يعقد له فصل خاص، وقد يبحث فيه
أيضا في كتاب الحج بمناسبة الطواف ودخول
المسجد، وفي كتاب الصوم بمناسبة اشتراط الطهارة
من الجنابة ونحوها حين الإصباح، وتطرق له
بعضهم في بحث نواقض الوضوء أيضا.
استحالة
لغة:
من " حال "، وأصله " الحول " بمعنى التحرك
في دور، ولذلك يقال للعام: حول، لأنه يحول، أي
يدور، ويقال لكل متحول عن حالة: حال (1).
واستحال الشئ: إذا تغير عن طبعه ووصفه.
واستحال الشئ - أيضا -: إذا صار محالا،
والمحال غير ممكن الوقوع (2).
اصطلاحا:
ورد استعمال المعنيين في الفقه، لكن لم يكن
للفقهاء مصطلح خاص بالنسبة إلى المعنى الثاني، بل
استعملوه - كغيرهم - في معناه اللغوي.
وأما المعنى الأول فلهم فيه اصطلاح خاص،
وتترتب عليه أحكام، وقد عرفوا الاستحالة بذلك
المعنى بعدة تعريفات، نشير إلى أهمها:
1 - الاستحالة: " تغيير الأجزاء وانقلابها
من حال إلى حال ".
2 - إنها: " تبدل حقيقة الشئ وصورته



(1) الجامع للشرائع: 45.
(2) أنظر المستمسك 3: 415 - 416.
(3) أنظر: الجواهر 3: 334، والتنقيح 7: 156،
والمستمسك 3: 416 وغيرها.
(1) معجم مقاييس اللغة: " حول ".
(2) المصباح المنير: " حول ". وانظر غيره من كتب اللغة:
المادة نفسها.
269
النوعية إلى صورة أخرى ".
نقل عن الشهيد الأول أنه نسب التعريف
الأول إلى الفقهاء، والثاني إلى الأصوليين (1).
3 - إنها: " تبدل الحقيقة عرفا ".
ذكره الفاضل النراقي (2).
4 - إنها: " تبدل جسم بجسم آخر مباين
للأول في صورته النوعية عرفا وإن لم تكن بينهما
مغايرة فعلا ".
ذكره السيد الخوئي، ثم أخذ في توضيح
ما أفاده، فقال ما خلاصته:
إن التبدل قد يفرض في الأوصاف الشخصية
أو الصنفية - مع بقاء الحقيقة النوعية بحالها - وذلك
كتبدل الحنطة دقيقا، والدقيق خبزا، والقطن خيوطا
والخيوط ثوبا. فإن الحقيقة باقية في هذين المثالين
وإنما حصل التغير في الصفات.
وقد يفرض في الصورة النوعية أيضا، كما إذا
تبدلت الصورة بصورة نوعية أخرى مغايرة للأولى
عرفا، كتغير الخشب أو العظم رمادا.
وهذه الصورة هي المرادة بالاستحالة في
كلمات الفقهاء، سواء حصل تغير عقلا أيضا - كتبدل
الكلب الواقع في مملحة ملحا، أو تبدل الخمر الذي
شربه الحيوان نطفة ثم حيوانا آخر - أو لم يحصل
تغير عقلا وإن حصل تغير عرفا، كما إذا تبدلت
الخمر خلا (1).
الأحكام:
عد الفقهاء الاستحالة من جملة المطهرات،
ولكن يرى بعضهم - ومنهم السيد الخوئي -: أن ذلك
نوع من التسامح، لأن الاستحالة تستلزم تبدل
الموضوع، وإذا تبدل الموضوع تبدل الحكم أيضا،
فمثلا: إن البول مما لا يؤكل لحمه موضوع من
موضوعات النجاسة، بمعنى أن الحكم بالنجاسة
يترتب عليه. فإذا شرب حيوان مأكول اللحم بول
ما لا يؤكل لحمه فاستحال نطفة وتولد منه الحيوان
المأكول اللحم يكون طاهرا، لأن البول كان
موضوعا للنجاسة، والحيوان المأكول اللحم موضوع
للطهارة، لأن كل حيوان مأكول اللحم طاهر. إذن
فقد تبدل ما هو موضوع للنجاسة إلى ما هو موضوع
للطهارة، فيكون تبدل الحكم لتبدل الموضوع.
ويشهد لذلك أن الاستحالة قد تسبب
النجاسة، كما إذا استحال الطاهر إلى أحد الأعيان
النجسة.
ولذلك كله ينبغي ملاحظة عنوان المستحال
إليه، فإن كان من العناوين التي ثبتت لها الطهارة في
حد ذاتها، فتثبت الطهارة لهذا العنوان، كتبدل
النجس إلى حيوان طاهر أو شجر، ونحو ذلك.
وإن كان من العناوين المشكوكة بحيث



(1) أنظر: الجواهر 6: 278 و 281، والمستمسك 2: 88.
(2) مستند الشيعة 1: 325.
(1) التنقيح 3: 167.
270
لا ندري أنه طاهر أو لا؟ فنتمسك بقاعدة الطهارة
لإثبات طهارة ذلك الشئ.
ولذلك تكون الطهارة في الصورة الأولى
طهارة واقعية، وفي الثانية طهارة ظاهرية (1).
موارد الاستحالة:
ولما كانت موارد الاستحالة مختلفة من حيث
اتفاق الفقهاء وعدمه، فلذلك رأينا - تبعا لبعض
الفقهاء - من المناسب أن نفرد كل مورد - مما
ذكروه - مستقلا ليتضح حكمه.
أولا - الاستحالة بالنار رمادا أو دخانا:
اتفق الفقهاء - كما قيل - على أن النار لو
أحالت النجس رمادا صار طاهرا، وقد ادعى عليه
الإجماع جماعة من الفقهاء (2).
نعم، ربما يظهر من المحقق الحلي - في المعتبر -
التردد في حصول الطهارة، لأنه ناقش استدلال
الشيخ على الطهارة بالإجماع، وبرواية الحسن بن
محبوب الواردة في الجص الذي يوقد عليه النار
بالعذرة، لكنه قال بعد ذلك:
" ويمكن أن يستدل بإجماع الناس على عدم
التوقي من دواخن السراجين النجسة، ولو لم يكن
طاهرا بالاستحالة لتورعوا منه " (1).
واقتفى أثره العلامة في الإشكال على
استدلال الشيخ والاستدلال عليه " بأن الناس
بأسرهم لا يتوقون منه " وهو عبارة أخرى عن
سيرة المسلمين (2).
وهذا ليس إشكالا في أصل الحكم بل في
مستنده.
ومثل ذلك ما لو استحال النجس دخانا، فقد
ادعى عليه الإجماع بعض (3).
لكن نسب الشيخ في المبسوط إلى الأصحاب
أنهم رووا: أنه يستصبح بالزيت النجس تحت
السماء دون السقف، ثم استنبط منه نجاسة الدخان،
وفرع عليه وجوب إزالة ما علق منه على الثوب إذا
كان كثيرا، لكنه قوى هو عدم النجاسة ونسبه إلى
جماعة من الأصحاب.
وعبارة المحقق في الشرائع مشوشة، فإنه قال
في كتاب الأطعمة:
" ولو كان المائع دهنا، جاز الاستصباح به



(1) التنقيح 3: 168، وانظر المستمسك 2: 88.
(2) كالشيخ الطوسي في المبسوط 6: 283، والخلاف 1:
499 - 500، والحلي في السرائر 3: 121، والعلامة في
التذكرة 1: 75، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1:
179.
(1) المعتبر (الحجرية): 125.
(2) المنتهى 3: 287.
(3) أنظر: المبسوط 6: 283 (لكن في كلامه تأمل)،
والسرائر 3: 121، والمنتهى 3: 292، والتذكرة 1:
74 - 75، وجامع المقاصد 1: 179، وانظر الشرائع 3:
226.
271
تحت السماء ولا يجوز تحت الأظلة، وهل ذلك
لنجاسة دخانه؟ الأقرب لا، بل هو تعبد ". ثم قال:
" ودواخن الأعيان النجسة عندنا طاهرة،
وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا،
على تردد " (1).
وفي العبارة التي نقلها عنه صاحب الجواهر
- في كتاب الطهارة - والسيد الحكيم في المستمسك
زيادة: " أو فحما " بعد " أو دخانا "، وعلى هذا فمن
المحتمل أن يكون تردده بالنسبة إلى خصوص
الفحم، فلا يكون مخالفا في صورة استحالته
" دخانا " أو " رمادا "، كما استظهره صاحب
الجواهر (2)، والسيد الحكيم (3).
ثانيا - الاستحالة بالنار فحما:
أهمل المتقدمون ذكر الفحم، ولعل أول من
تعرض له - إذا لم تصح النسبة المتقدمة إلى المحقق -
هو الشهيد الأول في البيان (4)، واختار فيه طهارة
الفحم، لتحقق الاستحالة، وتبعه المحقق الثاني (5)،
والمحدث الكاشاني (6)، والفاضل النراقي (7)، ولكن
الأغلب - ممن تعرض للمسألة - بين ناف للطهارة
- ولعل أولهم الشهيد الثاني (1) - لعدم تحقق
الاستحالة، وبين متوقف، للشك في تحققها.
ثالثا - الاستحالة بالنار بخارا:
المعروف بين الفقهاء طهارة البخار المستحيل
من النجس، بل يظهر من كلام بعضهم: أنه لا كلام
فيه، للسيرة المستمرة على عدم التوقي منه: كما في
بخار الحمام والبول (2)، لكن قال العلامة الحلي:
"... أما البخار المتصاعد من الماء النجس إذا
اجتمعت فيه نداوة على جسم صقيل وتقاطر فإنه
نجس، إلا أن يعلم تكونه من الهواء، كالقطرات
الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فإنها
طاهرة " (3).
وقد تنبه بعض الفقهاء - كالسيدين الحكيم
والخوئي - لتفصيل دقيق وهو:
أن الشئ لو استحال بخارا، ثم استحال
عرقا، فإن كان متنجسا فهو طاهر، وإن كان نجسا
فكذلك، إلا إذا صدق على العرق نفسه عنوان
إحدى النجاسات، كعرق الخمر، فإنه يصدق عليه
عنوان " المسكر " (4).



(1) الشرائع 3: 226.
(2) الجواهر 6: 268.
(3) المستمسك 2: 89.
(4) البيان: 92.
(5) جامع المقاصد 1: 179.
(6) مفاتيح الشرائع 1: 80، المفتاح: 92.
(7) مستند الشيعة 1: 326.
(1) المسالك 1: 130.
(2) المستمسك 2: 90.
(3) المنتهى 3: 292.
(4) منهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 1: 172،
المطهرات، الرابع الاستحالة، المسألة 37، ومنهاج
الصالحين (للسيد الخوئي): المطهرات، الرابع
الاستحالة، المسألة 488.
272
رابعا - استحالة نطفة الحيوان غير مأكول
اللحم حيوانا:
فإن نطفة غير مأكول اللحم نجسة فإذا
صارت حيوانا صارت طاهرة، لكن هذا في غير
الكلب والخنزير والكافر التي هي من الأعيان
النجسة، فإن الاستحالة في نطفهم لا تؤثر شيئا.
وكذا لو شرب الحيوان الطاهر العين مائعا
نجسا فتبدل إلى العرق أو اللعاب، أو تبدل إلى
البول، لكن في خصوص مأكول اللحم، لأن بول
ما لا يؤكل لحمه نجس في حد ذاته.
والظاهر عدم الخلاف في ذلك (1).
خامسا - استحالة النجس إلى الدود
والتراب:
والمعروف فيها الطهارة أيضا، إلا أن المحقق
نقل - في المعتبر - عن الشيخ قولين في خصوص
التراب: قول بالطهارة وقول بعدمها، ثم رجح
القول بالطهارة (2).
لكن بعد التأمل في كلامي الشيخ يظهر عدم
الاختلاف بينهما، لأنه قال بالنسبة إلى التيمم بتراب
القبر: " فأما تراب القبر فإنه يجوز التيمم به سواء
كان منبوشا أو غير منبوش، إلا أن يعلم فيه شيئا
من النجاسة " (3).
وقال في موضع آخر: " فأما إذا نبش قبر
وأخذ ترابه وقد صار الميت رميما واختلط بالتراب
فلا يجوز السجود على ذلك التراب، لأنه
نجس... " (1).
ولا منافاة بين الكلامين، لأن مفروض
الكلام الأول هو عدم العلم باختلاط تراب القبر مع
النجاسة، ومفروض الكلام الثاني هو العلم
باختلاطه معها، لأن الرميم هو العظم البالي (2)،
وذلك يعني أنه لم يصر ترابا بعد.
ويشهد لذلك كلام المحقق، حيث قال - بعد
نسبة القولين إلى الشيخ -: " ويمكن أن يكون قوله
بالطهارة أرجح بتقدير أن تصير النجاسة ترابا " (3).
وممن تردد في المسألة، العلامة في التذكرة (4).
سادسا - استحالة الكلب والخنزير ملحا،
لوقوعهما في المملحة:
وفي حصول الطهارة بهذه الاستحالة قولان:
1 - القول بعدم الطهارة: وهو الظاهر من
المحقق في المعتبر (5)، والعلامة في بعض كتبه (6)، ويظهر
منه التردد في بعض كتبه الأخرى (7).



(1) أنظر: مستند الشيعة 1: 331، والمستمسك 2: 90.
(2) المعتبر (الحجرية): 125.
(3) المبسوط 1: 32.
(1) المبسوط 1: 93.
(2) المصباح المنير: " رمم ".
(3) المعتبر (الحجرية): 125.
(4) التذكرة 1: 75.
(5) المعتبر (الحجرية): 125.
(6) المنتهى 3: 287.
(7) التذكرة 1: 75.
273
2 - القول بالطهارة: وهو المشهور بين
المتأخرين عن المحقق والعلامة، كما قال صاحب
الحدائق (1).
سابعا - استحالة الطين النجس خزفا:
اختلف الفقهاء في طهارة الطين النجس
لو طبخ فصار آجرا أو خزفا على أقوال:
1 - القول بالطهارة: وهو قول الشيخ (2)،
والعلامة (3)، وقواه الشهيد الأول في البيان (4)،
وصاحب المعالم (5)، بل نسب إلى الأكثر (6)، وادعى
عليه الشيخ الإجماع (7).
2 - القول بعدم الطهارة: وهو قول فخر
المحققين (8)، والشهيد الثاني (9)، ويظهر من المحقق
الثاني (10)، وصاحب الجواهر (11)، والسيد
اليزدي (1)، والسيدين الحكيم (2) والخوئي (3)،
والإمام الخميني (4)، بل نسبه المحقق الهمداني إلى جمع
من المتأخرين (5).
3 - التوقف: نسب إلى المحقق في المعتبر (6)
وهو مذهب العلامة في بعض كتبه (7)، والشهيد في
الذكرى (8) والدروس (9)، وصاحب المدارك (10)،
وآخرين.
وهناك موارد أخرى لم نتعرض لها مخافة
التطويل.
والمعيار في الجميع - كما قاله المحققون - هو:
أنه كلما تبدلت الصورة النوعية للشئ تحققت
الاستحالة وإلا فلا، ولذلك لم يحكموا بتحققها في مثل
تبدل الحنطة طحينا أو خبزا، واللبن جبنا ونحو
ذلك، لأن العرف لا يرى فرقا حقيقيا بين اللبن



(1) الحدائق 5: 471، وانظر مستند الشيعة 1:
330.
(2) المبسوط 1: 94.
(3) نهاية الإحكام 1: 291.
(4) البيان: 92.
(5) نقله عنه المحقق الهمداني في مصباح الفقيه 1: 634.
(6) أنظر: المستمسك 2: 95 حيث نقل القول بنسبته إلى
الأكثر، لكن لا يساعده التحقيق.
(7) الخلاف 1: 499 - 500.
(8) إيضاح الفوائد 1: 32.
(9) أنظر: المسالك 1: 130، والروضة 1: 67.
(10) جامع المقاصد 1: 186.
(11) الجواهر 6: 271 - 273.
(1) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات الرابع،
الاستحالة.
(2) المستمسك 2: 95.
(3) التنقيح 3: 174.
(4) تحرير الوسيلة 1: 112، كتاب الطهارة، المطهرات،
الرابع: الاستحالة.
(5) الطهارة (للمحقق الهمداني): 634.
(6) المعتبر (الحجرية): 125.
(7) أنظر: المنتهى 3: 288، والتذكرة 1: 79.
(8) الذكرى: 15.
(9) الدروس 1: 125.
(10) المدارك 2: 369.
274
والجبن، أو بين الحنطة والخبز مثلا، كما يراه بين
الخشب والرماد أو بين النطفة والحيوان.
ويراجع لتكملة الموضوع عنواني:
" استهلاك " و " انقلاب ".
شمول حكم الاستحالة للمتنجس:
أطلق المتقدمون حكم الاستحالة، ولم
يفصلوا بين النجس والمتنجس، وأغلب أمثلتهم
تدور حول الأعيان النجسة، نعم بعضها يكون من
المتنجس من قبيل ما ذكروه: من أن اللبن إذا كان
ماؤه نجسا أو متنجسا فهل يطهر بصيرورته خزفا أو
آجرا بالطبخ بالنار أو لا (1)؟
ومن المعلوم أن اللبن - في مفروض المسألة -
متنجس، لا نجس.
وقيل (2): إن أول من أثار الموضوع هو
الفاضل الإصفهاني صاحب كشف اللثام (3)، لكن
نقل صاحب المعالم - وهو متقدم على الفاضل
الإصفهاني بكثير - عن بعض الفقهاء التنبه لهذه
المسألة، فإنه قال - حسب ما نقله عنه صاحب
الحدائق -:
" إن مورد الحديث - كما علمت - هو استحالة
عين النجاسة، وقد وقع في كلام أكثر الأصحاب
فرض المسألة كما في النص، وعمم بعضهم الحكم
على وجه يتناول المتنجس أيضا، نظرا إلى أن ثبوت
ذلك في أعيان النجاسات يقتضي ثبوته في المتنجس
بها بطريق أولى، وهو جيد... " (1).
وقال المحقق السبزواري - وهو معاصر
للفاضل الإصفهاني -: " وعمم بعضهم الحكم بحيث
يتناول المتنجس أيضا تعويلا على أن ثبوت ذلك في
أعيان النجاسات يقتضي ثبوته في المتنجس هنا
أيضا بطريق أولى، وللتأمل فيه مجال، والحكم بأحد
الطرفين لا يخلو عن إشكال " (2)، وهو مشعر بعدم
قبول التعميم.
نعم، صرح بالتفصيل الفاضل النراقي في
المستند، حيث قال - بعد بيان الاستحالة في
النجاسات -: "... دون المتنجسات على الأقوى،
للاستصحاب وعدم تغير الموضوع، كما أشرنا إليه،
وبينا تفصيله في موضعه من الأصول " (3).
ولعل الشيخ الأنصاري - وهو تلميذ النراقي -
تأثر بأستاذه، حيث طرح المسألة في الأصول أيضا،
عند الكلام في شرطية بقاء الموضوع في
الاستصحاب (4).



(1) أنظر مصادر العنوان السابق.
(2) قاله السيد الخوئي في التنقيح 3: 17.
(3) كشف اللثام 1: 57.
(1) نقله عنه المحدث البحراني، أنظر الحدائق 5: 462،
وليس لدي كتاب المعالم - قسم الفقه.
(2) ذخيرة الأحكام: 172.
(3) مستند الشيعة 1: 326.
(4) فرائد الأصول 2: 694.
275
والسبب الذي دعا بعضهم للتشكيك هو:
أن الاستحالة تؤدي إلى تغير الموضوع،
فيصير الكلب ملحا - مثلا -، والموضوع الجديد
يتبع حكمه - وهو الطهارة هنا - ولا يجري فيه
استصحاب النجاسة الثابتة للكلب، لانعدام
الموضوع وتبدله، فإن الموجود هو الملح
لا الكلب.
وهذا واضح في الأعيان النجسة. وأما
المتنجسات، فلما كان الموضوع فيها: الشئ
المتنجس، فيكون عنوان " الشئ " باقيا بعد
الاستحالة أيضا، فيجري في حقه استصحاب
النجاسة، فالخشب المتنجس شئ متنجس، وهذا
العنوان باق بعد صيرورته رمادا، فيقال له: شئ
أيضا، فيجري فيه استصحاب النجاسة، فيثبت أنه
شئ متنجس.
وقد أجيب عن الشبهة بما حاصله:
أن الميزان لجريان الاستصحاب هو بقاء
الموضوع، أو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة،
والمشخص لهذه الوحدة هو العرف، فكلما شخص
العرف بقاء الموضوع يجري فيه الاستصحاب وإلا
فلا، وهو لا يرى فرقا من هذه الناحية بين الأعيان
النجسة والمتنجسة، فيرى أن الموضوع يتبدل فيهما،
فكما أن الملح غير الكلب، فكذا رماد الخشب
المتنجس غير الخشب نفسه، فلا يصح استصحاب
النجاسة المترتبة على الخشب لإثباتها للرماد، لأنه
موضوع آخر، وهذا بخلاف مثل القطن إذا نسج
فصار ثوبا، أو الحنطة إذا طحنت فصارت دقيقا،
فإن العرف لا يرى تعددا بينهما، فلذلك يجري
الاستصحاب في مثل هذه الموارد.
ويؤيد ذلك ما جرت عليه سيرة المتدينين من
عدم اجتنابهم الحيوانات الطاهرة، إذا أكلت أو
شربت شيئا متنجسا (1).
هذا وقد جعل صاحب المعالم الاستحالة
مطهرة في المتنجسات بطريق أولى كما تقدم.
حكم الشك في الاستحالة:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لحالة الشك في
الاستحالة، نعم تعرض لها السيد اليزدي وعلق على
الموضوع السيدان الحكيم والخوئي، ولكل منهم رأي
خاص نشير إليه فيما يلي:
أولا - رأي السيد اليزدي: قال السيد
اليزدي: "... ومع الشك في الاستحالة لا يحكم
بالطهارة " (2)، ولعل وجهه - كما قال السيد الحكيم -
الشك في تحقق المطهر، وهو الاستحالة فيوجب
الرجوع إلى أصالة عدم تحققه، وهو يوافق أصالة
بقاء النجاسة.



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 695، ومصباح الفقيه 1:
633 - 634، والمستمسك 2: 91 - 92، والتنقيح 3:
171 - 172.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، المطهرات، الرابع:
الاستحالة.
276
ثانيا - رأي السيد الحكيم: أما السيد الحكيم
فيظهر منه القول بالطهارة، سواء كانت الشبهة
موضوعية أو مفهومية، فالأول مثل الشك في
صيرورة الكلب ملحا والخشب رمادا ونحو ذلك،
بعد الفراغ عن تحقق الاستحالة بذلك. والثاني مثل
الشك في طهارة العذرة إذا صارت فحما، للشك في
صدق الاستحالة بسبب الشك في بقاء صدق العذرة
على العذرة المحروقة.
ففي كل هذه الموارد لا يجري الاستصحاب
بمختلف أقسامه، للشك في بقاء الموضوع، بل يرجع
فيها إلى قاعدة الطهارة (1).
ثالثا - رأي السيد الخوئي: ويرى السيد
الخوئي أنه لا مانع من جريان استصحاب بقاء
عين النجس أو المتنجس عند الشك في الاستحالة،
إلا إذا كان المورد من الأعيان النجسة وكان
الشك في تحقق الاستحالة من جهة الشك في
المفهوم، فإنه يحكم فيه بالطهارة. فلو شك في
صدق الاستحالة على العذرة المحترقة من جهة
الشك في صدق العذرة عليها بعد الاحتراق،
فلما لم يكن هناك أصل يعين سعة المفهوم أو
ضيقه، فلا بد من الرجوع إلى قاعدة الطهارة،
وبها يحكم بطهارة الموضوع المشكوك في
استحالته (2).
مظان البحث:
1 - كتاب الطهارة: المطهرات، الاستحالة.
2 - كتاب الصلاة: السجود، ما يصح
السجود عليه.
3 - كتاب الأطعمة والأشربة.
استحباب
راجع: الملحق الأصولي.
استحسان
راجع: الملحق الأصولي.
استحلاف
لغة:
طلب الحلف.
راجع: حلف.



(1) المستمسك 2: 95.
(2) التنقيح 3: 174.
277
استحلال
لغة:
استحل الشئ، بمعنى: اتخذه وعده حلالا،
واستحله الشئ إذا سأله أن يحله له (1).
ويقال: تحللته واستحللته: إذا سألته أن
يجعلك في حل من قبله (2).
إذن فالاستحلال في اللغة على معان:
1 - عد الشئ حلالا.
2 - الطلب من الغير أن يحل له شيئا.
3 - طلب التحلل من الغير، بأن يجعله في حل
مما له عليه.
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء الاستحلال في المعاني الثلاثة:
أما بالمعنى الأول فكقولهم: من استحل شيئا
من المحرمات المجمع عليها يقتل.
ويمكن أن نعبر عنه بالاستحلال بغير سبب
شرعي.
وأما بالمعنى الثاني، فقد ورد في النكاح
كثيرا: أن استحلال الفرج يكون بالعقد أو بملك
اليمين.
ويمكن أن نعبر عنه بالاستحلال بسبب
شرعي.
وأما بالمعنى الثالث فقد استعمله الفقهاء فيما إذا
كانت على شخص مظلمة لشخص آخر من مال أو
حق كغيبة ونحوها، فعليه أن يستحله، أي يطلب منه
أن يجعله في حل مما له عليه.
الأحكام:
ورد لكل واحد من المعاني الثلاثة أحكام
تذكر في مظانها، وإنما نشير - هنا - إلى بعض الأمور
بصورة كلية.
أولا - حكم استحلال الحرام بغير سبب شرعي:
صرح الفقهاء - في كتاب الحدود - بأنه: من
استحل شيئا من المحرمات التي ثبتت حرمتها
بالضرورة فهو محكوم بالارتداد. وكذا لو كانت
الحرمة مجمعا عليها، لكن مع كلام في الأخير.
وصرحوا في أوائل كتب " الصلاة "
و " الصوم " و " الزكاة " و " الحج " بأنه: من أنكر
وجوبها، أو استحل تركها فهو محكوم بالكفر.
وقد تقدم الكلام حول ذلك في عنوان
" ارتداد "، وتكلمنا حول اشتراط علم المنكر
بضرورية ما أنكر وجوبه أو حرمته، أو علمه بكونه
مجمعا عليه، فراجع.
وتكلم الفقهاء حول استحلال المحرمات التي



(1) محيط المحيط: " حلل ".
(2) النهاية لابن الأثير: " حلل ".
278
لم تقم الضرورة أو الإجماع على حرمتها، مثل بيع
الخمور، فإنه لم تكن حرمته ضرورية أو مجمعا
عليها، نعم قامت الضرورة وتم الإجماع على حرمة
شرب الخمر، لذلك قالوا: من باع الخمر مستحلا
يستتاب، فإن تاب فهو، وإلا يقتل (1).
راجع: استتابة.
ثانيا - حكم استحلال الحرام بسبب شرعي:
ورد الاستحلال بهذا المعنى على ألسنة
الفقهاء، وخاصة في كتاب النكاح، حيث صرحوا:
بأن الفروج المحرمة إنما تستحل بسبب العقد، أو ملك
اليمين.
وبهذا المعنى روي عنه (صلى الله عليه وآله) قوله في خطبة
حجة الوداع: "... فاتقوا الله في النساء، فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة
الله... " (2).
ومنه ما ورد في الدعاء بعد صلاة ركعتين عند
إرادة التزويج، ومن جملته أن يقول - بعد أن يضع
يده على ناصية الزوجة -: " اللهم على كتابك
تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت
فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما
سويا، ولا تجعله شرك شيطان " (1).
ومن هذا القسم قولهم: لا يجوز استحلال
مال الغير إلا بسبب شرعي.
ومنه أيضا استحلال الصلاة بالطهارة - وقد
يعبر عنه بالاستباحة أيضا - وإن كان في الإطلاق
مسامحة.
وموارد أخرى يرجع فيها إلى مواطنها.
والأصل في الاستحلال بهذا المعنى أن يكون
مباحا، وقد يكون واجبا أو مستحبا أو مكروها
باختلاف الموارد.
ثالثا - حكم الاستحلال بمعنى طلب الحلية من الغير:
ورد الأمر بالاستحلال بهذا المعنى في الموارد
التي تكون للغير مظلمة على الإنسان (2)، سواء كانت



(1) أنظر الجواهر 41: 469 و 467.
(2) أنظر: سنن ابن ماجة 2: 1025، كتاب المناسك، باب
حجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتحف العقول: 23، مواعظ
النبي (صلى الله عليه وآله)، خطبته (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع.
(1) الوسائل 20: 113، الباب 53 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث الأول.
(2) من ذلك ما رواه ابن إدريس عن صاحب غريب
القرآن (الهروي) عن النبي (صلى الله عليه وآله): " من كانت عنده
مظلمة من أخيه فليستحلله "، ورواه الشهيد في كشف
الريبة.
أنظر السرائر 2: 69، وكشف الريبة: 110، وانظر
المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 337.
وبهذا المعنى مراسيل أخرى ذكر بعضها الشيخ
الأنصاري في المكاسب في بحث الغيبة ولكن استضعفها،
وقال: إنها غير نقية السند، ثم قال: " والأحوط
الاستحلال إن تيسر وإلا فالاستغفار " أنظر
المكاسب 1: 340 - 341، وانظر الجواهر 22:
72.
هذا بالنسبة إلى الغيبة وأمثالها، وأما في موارد الغصب
ونحوه مما تكون ذمة الإنسان مشغولة للغير، فقد ادعى
صاحب الجواهر عدم الخلاف في وجوب التخلص وفراغ
الذمة، إما برد المال إن أمكن أو الاستحلال، أنظر
الجواهر 24: 50، وانظر 41: 109 - 116.
279
مالا أو حقا.
فالأول مثل الغصب، ومثل زيادة ونقصان
الموازين والمكاييل، وما يسقط من الذهب والفضة
في تراب الصاغة، ونحو ذلك.
والثاني مثل الغيبة ونحوها.
وفي هذه الموارد تارة يكون الاستحلال
واجبا، وتارة مستحبا، وتارة مباحا، وربما يقيد
الحكم - كما في الغيبة ونحوها - بما إذا لم يوجب إثارة
الفتنة، وإلا فقد ينعكس الحكم.
مظان البحث:
أما المعنى الأول فيتعرض له في:
1 - كتاب الحدود، حد من استحل شيئا من
المحرمات.
2 - أوائل كتب الصلاة والصوم والحج
والزكاة والخمس.
3 - كل مورد يتعرض فيه لموضوع الارتداد.
وأما المعنى الثاني ففي:
1 - كتاب النكاح وملك اليمين.
2 - كتاب الطهارة: بمناسبة قصد استباحة
الصلاة بها.
3 - موارد متفرقة في العقود والإيقاعات.
وأما المعنى الثالث، ففي:
1 - كتاب الغصب واللقطة وما يتبعهما.
2 - كتاب التجارة: بيع تراب الصاغة.
3 - كتاب الدين والشركة ونحوهما.
4 - موارد الأمانات، كالعارية والقرض
ونحوهما.
5 - كتاب التجارة: المكاسب المحرمة،
موضوع الغيبة.
6 - كتاب الشهادات: موضوع عدالة
الشهود، ما يوجب فسقهم، التوبة.
استخارة
لغة:
الاستخارة طلب الخيرة في الشئ، والخيرة
بسكون الياء: الاسم من ذلك. واستخار الله: طلب
منه الخيرة، ومنه: اللهم خر لي، أي اختر لي أصلح
الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه (1).
اصطلاحا:
يظهر من بعض الفقهاء أن الاستخارة وردت



(1) أنظر: لسان العرب، والنهاية (لابن الأثير)، ومجمع
البحرين: " خير ".
280
في الروايات بعدة معان، وهي:
1 - بمعنى طلب الخيرة من الله تعالى، بأن
يسأل الله في دعائه أن يجعل له الخير ويوفقه في الأمر
الذي يريده.
2 - بمعنى طلب تيسر ما فيه الخيرة.
وهذا المعنى قريب من المعنى الأول.
3 - بمعنى طلب العزم على ما فيه الخير، بمعنى
أن يسأل الله تعالى أن يوجد فيه العزم على ما فيه
الخير.
4 - بمعنى طلب تعرف ما فيه الخيرة.
وهذا هو المعروف في العصور المتأخرة (1).
لكن يرى صاحب الجواهر أن للاستخارة
معنيين لا غير:
أحدهما - أن يسأل الله سبحانه أن يجعل الخير
فيما أراد إيقاعه من الأفعال.
ثانيهما - أن يوفقه الله لما يختاره له وييسره
له.
ولمعرفة الثاني طرق تتبع إرادة المستخير،
مثل: أن يطلب من الله أن يعرفه ذلك بأن يوجد فيه
العزم على الفعل، أو بأن يوقع ما يختاره له على لسان
المستشار، أو يعينه بالرقاع أو البنادق أو السبحة أو
المصحف ونحو ذلك (2).
الأحكام:
مشروعية الاستخارة:
الظاهر أنه لا خلاف في أصل مشروعية
الاستخارة، فقد ورد عن جعفر بن محمد، عن
أبيه (عليهما السلام)، قال: " كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم
السورة من القرآن " (1).
وورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه)
قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمنا الاستخارة في
الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن " (2).
حكم الاستخارة تكليفا:
وردت عدة روايات في الحث على
الاستخارة (3) - ستأتي الإشارة إلى بعضها - وذكر
صلاتها ضمن الصلوات المندوبة كثير من الفقهاء،
بل صرح باستحبابها بعضهم:
قال صاحب الحدائق: " المستفاد من الأخبار
استحباب الاستخارة لكل شئ وتأكدها حتى في
المستحبات... " (4).



(1) أنظر: الحدائق 10: 524 - 526، ومفتاح الكرامة 3:
272.
(2) الجواهر 12: 162 - 163.
(1) الوسائل 8: 66، الباب الأول من أبواب
الاستخارات، الحديث 9.
(2) أنظر سنن النسائي 6: 80، كتاب النكاح، كيفية
الاستخارة.
(3) أنظر: البحار 88: 222، كتاب الصلاة، أبواب
الاستخارات، الباب الأول. والوسائل 8: 63، الباب
الأول من أبواب الاستخارة.
(4) الحدائق 10: 531.
281
وقال كاشف الغطاء: " إنها مستحبة حتى
بالنسبة إلى الأعمال المندوبة " (1).
وقال تلميذه السيد العاملي: " المستفاد من
الأخبار استحباب الاستخارة لكل شئ، بل
يستفاد استحبابها حتى في العبادات المندوبات " (2).
وجعل صاحب الوسائل عنوان الباب الأول
من أبواب صلاة الاستخارة هكذا: " باب
استحبابها حتى في العبادات المندوبات " (3).
والضمير وإن كان بحسب الظاهر يرجع إلى
صلاة الاستخارة، لكن الظاهر أن استحباب الصلاة
لاستحباب الاستخارة نفسها، ويشهد له أن السيد
العاملي نقل كلام صاحب الوسائل استشهادا
لاستحباب الاستخارة نفسها.
الحكمة في تشريع الاستخارة:
الحكمة الظاهرية في تشريع الاستخارة
واضحة، لأنها ترفع حيرة المستخير وتوجد فيه
العزم على الفعل أو الترك، وهو مؤثر في حياة
الإنسان، لأن التردد والتذبذب يوجبان
الاضطراب والملل النفسيين.
ولعل الحكمة الواقعية هي تقوية روح التوكل
على الله والتسليم لأمره والرضا بما يختاره
للإنسان (1)، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" ما أبالي إذا استخرت الله على أي جنبي
وقعت " (2)، وقال أيضا: " من استخار الله راضيا بما
صنع الله له خار الله له حتما " (3).
مورد الاستخارة:
لا إشكال في أنه لا تصح الاستخارة على
فعل الحرام أو تركه وترك الواجب أو فعله، وأما
غيرهما من الأحكام فلا مانع من الاستخارة في
مواردها (4). قال صاحب الحدائق: " المستفاد من
الأخبار استحباب الاستخارة لكل شئ وتأكدها
حتى في المستحبات " (5). وقال كاشف الغطاء: " إنها
مستحبة حتى بالنسبة إلى الأعمال المندوبة " (6)،
وقال أيضا: " لا بأس بالاستخارة على ترك مندوب
أو فعل مكروه مع الشك في بقاء الرجحان " (7).



(1) كشف الغطاء: 262.
(2) مفتاح الكرامة 3: 272.
(3) الوسائل 8: 63، أبواب صلاة الاستخارة.
(1) أنظر البحار 88: 287، آخر أبواب الاستخارة تحت
عنوان " فذلكة ".
(2) الوسائل 8: 67، الباب الأول من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث 10.
(3) الوسائل 8: 63، الباب الأول من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث 2.
(4) أنظر: فتح الأبواب (للسيد ابن طاووس): 167
و 176 - 177، ورسالة الاستخارة للكلباسي (ضمن
مجموعة رسائل الاستخارة): 62.
(5) الحدائق 10: 531.
(6) كشف الغطاء: 262.
(7) كشف الغطاء: 262.
282
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: " كان علي
بن الحسين (عليه السلام) إذا هم بأمر حج أو عمرة أو بيع أو
شراء أو عتق تطهر، ثم صلى ركعتي الاستخارة
فقرأ... " (1).
ولا بد من حمل الحج على غير الواجب، أو
على بعض أفراد الواجب، كالحج ماشيا أو راكبا أو
عن طريق معين، ونحو ذلك.
وهل يعتبر أن يكون المستخير مترددا في
فعله أو لا؟
الظاهر من الروايات عدم اعتبار ذلك،
وخاصة في بعض أنواع الاستخارة، وإن كان
الأغلب إنما يستخير الإنسان إذا كان مترددا في
الفعل والترك.
كيفية الاستخارة:
ذكر الفقهاء أنواعا عديدة للاستخارة، نذكر
أهمها باختصار:
1 - الاستخارة بالصلاة والدعاء:
وردت عدة روايات ترشد إلى كيفية
الاستخارة بالصلاة والدعاء، فبعضها يتضمن المعنى
الأول الذي ذكرناه للاستخارة، وبعضها يتضمن
المعنى الثاني، وبعضها الثالث، وسنذكر فيما يلي لكل
واحدة منها رواية:
أ - عن عمرو بن حريث، قال: " قال
أبو عبد الله (عليه السلام): صل ركعتين واستخر الله، فوالله
ما استخار الله مسلم إلا خار له البتة " (1).
وحملت هذه الرواية على المعنى الأول، وهو:
أن يسأل الله في دعائه أن يختار له الخير ويوفقه في
الذي يريده (2).
ب - عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
" كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا هم بأمر حج أو عمرة
أو بيع أو شراء أو عتق تطهر ثم صلى ركعتي
الاستخارة، فقرأ فيهما بسورة (الحشر)، وسورة
(الرحمن)، ثم يقرأ (المعوذتين) و (قل هو الله أحد)
إذا فرغ وهو جالس في دبر الركعتين، ثم يقول:
اللهم إن كان كذا وكذا خيرا لي في ديني ودنياي
وعاجل أمري وآجله، فصل على محمد وآله،
ويسره لي على أحسن الوجوه وأجملها. اللهم وإن
كان كذا وكذا شرا لي في ديني أو دنياي وآخرتي
وعاجل أمري وآجله فصل على محمد وآله
واصرفه عني. رب صل على محمد وآله واعزم لي
على رشدي وإن كرهت ذلك أو أبته نفسي " (3).
ويستفاد من هذه الرواية المعنى الثاني



(1) الوسائل 8: 63، الباب الأول من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث 3.
(1) الوسائل 8: 63، الباب الأول من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث الأول.
(2) الحدائق 10: 524.
(3) الوسائل 8: 63، الباب الأول من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث 3.
283
للاستخارة، وهو: أن ييسر الله للمستخير ما فيه
الصلاح والرشد (1)، وإن كان ذيلها يومي إلى المعنى
الثالث.
ج - عن علي بن أسباط، قال: " قلت لأبي
الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك، ما ترى، آخذ
برا أو بحرا، فإن طريقنا مخوف شديد الخطر؟
فقال: اخرج برا، ولا عليك أن تأتي مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتصلي ركعتين في غير وقت
فريضة، ثم تستخير الله مائة مرة ومرة، ثم تنظر فإن
عزم الله لك على البحر، فقل الذي قال الله عز
وجل: * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها إن
ربي لغفور رحيم) * " (2).
ويستفاد منها المعنى الثالث، وهو: أن يوجد
الله فيه العزم على ما فيه الصلاح، فإذا فعل ذلك
ووجد في نفسه العزم على الفعل أو الترك، فقد خار
الله له ذلك (3).
2 - الاستخارة بالصلاة والدعاء والرقاع:
وردت بعض الروايات تتضمن الاستخارة
بالصلاة والدعاء والرقاع، منها:
ما رواه هارون بن خارجة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع
فاكتب في ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم،
خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة:
(افعل)، وفي ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم،
خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة:
(لا تفعل)، ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صل ركعتين،
فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة:
أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثم استو جالسا،
وقل: اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري في
يسر منك وعافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع
فشوشها وأخرج واحدة واحدة، فإن خرج ثلاث
متواليات: (افعل) فافعل الأمر الذي تريده، وإن
خرج ثلاث متواليات: (لا تفعل) فلا تفعله، وإن
خرجت واحدة: (افعل) والأخرى: (لا تفعل)
فاخرج من الرقاع إلى خمس، فانظر أكثرها فاعمل
به، ودع السادسة، لا تحتاج إليها " (1).
وقد ذكر السيد ابن طاووس أهمية هذه
الاستخارة في كتاب الاستخارات: " فتح
الأبواب " (2).
والمستفاد من هذه الرواية وأمثالها المعنى
الرابع للاستخارة، وهو طلب تعرف ما فيه الخيرة،
وهذا قد يكون بالرقاع وقد يكون بغيرها،
كالمصحف والسبحة، ونحوهما كما سنشير إليه (3).



(1) الحدائق 10: 525.
(2) المصدر نفسه: الحديث 5، والآية في سورة هود: 41.
(3) الحدائق 10: 525.
(1) الوسائل 8: 68، الباب 2 من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث الأول.
(2) فتح الأبواب: 179.
(3) أنظر الحدائق 10: 526.
284
3 - الاستخارة بالدعاء والاستشارة:
ومن أنواع الاستخارات التي ورد فيها النص
الاستخارة عن طريق الدعاء والاستشارة، فقد
روى المفيد في المقنعة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا حتى
يبدأ فيشاور الله عز وجل، فقيل له: وما مشاورة
الله عز وجل؟ فقال: يستخير الله تعالى فيه أولا، ثم
يشاور فيه، فإنه إذا بدأ بالله أجرى الله له الخير على
لسان من شاء من الخلق " (1).
وبهذا المعنى وردت روايات أخرى.
4 - الاستخارة بالصلاة والنظر في المصحف:
ورد بعض الروايات الدالة على الاستخارة
بالمصحف مع الصلاة، مثل رواية أبي علي اليسع
القمي، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أريد الشئ
فأستخير الله فيه فلا يوفق فيه الرأي، أفعله أو
أدعه؟ فقال: أنظر إذا قمت إلى الصلاة، فإن
الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى
الصلاة، فانظر إلى أي شئ يقع في قلبك فخذ به،
وافتتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به
إن شاء الله " (2).
هذا بناء على ما قاله المجلسي: من أن الظاهر
أن " الواو " في قوله " وافتتح المصحف " بمعنى
" أو " (1)، وأما بناء على عدم ذلك فيشكل الجمع بين
العمل بما يقع في القلب، والنظر في المصحف.
وهذه الاستخارة توافق المعنى الثالث
للاستخارة.
5 - الاستخارة بالدعاء وحده:
أما الاستخارة بالدعاء وحده، فقد روى
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان
أبو جعفر (عليه السلام) يقول: ما استخار الله عبد قط مائة
مرة إلا رمي بخيرة الأمرين، يقول: اللهم عالم
الغيب والشهادة، إن كان أمر كذا وكذا خيرا لأمر
دنياي وآخرتي وعاجل أمري وآجله فيسره لي،
وافتح لي بابه ورضني فيه بقضائك " (2).
وهذه الاستخارة من النوع الثاني من الأنواع
الأربعة للاستخارة.
6 - الاستخارة بالدعاء والسبحة:
قال ابن طاووس في كتاب الاستخارات:
" وجدت بخط أخي الصالح... محمد بن محمد بن
محمد الحسيني... ما هذا لفظه: عن الصادق (عليه السلام):
من أراد أن يستخير الله تعالى فليقرأ (الحمد) عشر
مرات، و (إنا أنزلناه) عشر مرات، ثم يقول: " اللهم



(1) المقنعة: 216. وانظر البحار 88: 252، كتاب الصلاة،
الباب 6 من أبواب الاستخارات.
(2) الوسائل 8: 78، الباب 6 من أبواب صلاة الاستخارة،
الحديث الأول.
(1) البحار 88: 244، كتاب الصلاة، الباب 4 من أبواب
الاستخارات، ذيل الحديث 5 في قوله: " بيان ".
(2) الوسائل 8: 76، الباب 5 من أبواب صلاة
الاستخارة، الحديث 9.
285
إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور، وأستشيرك
لحسن ظني بك في المأمول والمحذور. اللهم إن كان
أمري هذا قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه،
وحفت بالكرامة أيامه ولياليه، فخر لي اللهم فيه
خيرة ترد شموسه ذلولا وتقعص أيامه سرورا،
يا الله، إما أمر فأتمر، وإما نهي فأنتهي.
اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية "، ثلاث
مرات. ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة.
ثم قال: ولعل المراد بأخذ الحصى والسبحة
أن يكون قد قصد بقلبه إن خرج عدد الحصى
والسبحة فردا، كان (افعل)، وإن خرج زوجا، كان
(لا تفعل) " (1).
قال الشهيد - بعد ذكر ذلك -: " لم تكن هذه
مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير
العابد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني،
المجاور بالمشهد المقدس الغروي " (2).
وهناك أنواع أخرى للاستخارة يرجع فيها
إلى المطولات، والمتداول - أكثر من غيره - في
زماننا هو الاستخارة بالمصحف أو السبحة مع قراءة
سورة قصيرة، كالحمد ودعاء مختصر مثل " أستخير
الله برحمته خيرة في عافية " ونحوها، والصلاة على
النبي وآله.
هذا، وقد نفى ابن إدريس الاستخارة بغير
الصلاة والدعاء بشدة، فقال: " فأما الرقاع
والبنادق والقرعة فمن أضعف أخبار الآحاد وشواذ
الأخبار " (1).
وتبعه المحقق في المعتبر (2).
لكن شدد من تأخر عنهما النكير عليهما في
هذا الإنكار، وخاصة على ابن إدريس (3).
أقول: ذكر العلماء والصلحاء أسرارا عجيبة
للاستخارة كاد بعضها أن يكون نافذة إلى الغيب،
وخاصة الاستخارة بالمصحف الشريف، وكأنه
يتكلم مع المستخير ويفصح عن مراده وما يترتب
على ما يهم به - فعلا أو تركا - من آثار (4).



(1) أنظر: فتح الأبواب: 272، والوسائل 8: 82، الباب 8
من أبواب صلاة الاستخارة، الحديث 2، والذكرى:
252.
(2) الذكرى: 252.
(1) السرائر 1: 313.
(2) المعتبر: 227.
(3) أنظر على سبيل المثال: فتح الأبواب: 289، والمختلف
2: 355، والذكرى: 252، والجواهر 12: 166.
(4) وقد اتفق لي ذلك مرارا منذ كنت مراهقا وحتى يومي
هذا وأنا أطوي الخامسة والأربعين، وأرى من المناسب
أن أذكر قضية واحدة منها:
كان المؤمنون في العراق يهتمون بقضايا عاشوراء
وواقعة الطف، للأوامر الكثيرة الواردة عن أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) في ذلك، ومن جملة الشعائر التي كانوا يهتمون
بها شعيرة المشي على الأقدام لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)
من جميع مدن العراق ومنها النجف الأشرف، وقد
تشوقت أن أمشي مع ركب من أقربائي - وكان
ذلك في أوان بلوغي - فاستخرت الله عند المرحوم
السيد الخوئي تغمده الله برحمته الواسعة، فاستخار لي
بالمصحف الشريف - ولا أذكر الآية بالخصوص إلا أنها
كانت من سورة يوسف - فقال لي: إن الذي تقصده فيه
مشاكل وصعوبات إلا أن عاقبته جيدة.
فتوكلت على الله وسرت مع الركب، وبعد سويعات
من خروجنا من الكوفة - وقد اخترنا طريق الماء على
طريق البر - واجهنا عاصفة شديدة ومطرا غزيرا كأفواه
القرب، وكان قد أقبل علينا الليل، ومع ذلك فقد جهدنا
أن نسير لكن لم نتمكن فتوقفنا في سقيفة قرب
" العباسية " - وهي تبعد عن الكوفة نحو فرسخين - وقد
حطمتها العاصفة، ثم رجعنا إلى الكوفة راكبين، وبقينا
تلك الليلة في بيت أحد أقربائنا. ولما أصبحنا ذهب
جماعة ليتفحصوا ويجدوا الطريق هل يمكن السير فيه أو
لا؟ لكني ترددت في أصل السير، فاستخرت الله
بالمصحف الشريف فخرجت هذه الآية الشريفة:
* (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي...) * - البقرة: 196 - فذكرت ذلك للرفقة فصمم
الجميع على المسير، فسرنا على بركة الله سالمين آمنين،
والحمد لله رب العالمين.
286
النيابة في الاستخارة:
قلما تعرض الفقهاء لهذا الموضوع في كتبهم
الفقهية، نعم نقل المجلسي في البحار عن السيد
ابن طاووس في كتابه " فتح الأبواب " أنه قال:
" اعلم أني ما وجدت حديثا صريحا أن الإنسان
يستخير لسواه ".
ثم أخذ يستدل على الجواز بكون الاستخارة
ذلك في أوان بلوغي - فاستخرت الله عند المرحوم
السيد الخوئي تغمده الله برحمته الواسعة، فاستخار لي
بالمصحف الشريف - ولا أذكر الآية بالخصوص إلا أنها
كانت من سورة يوسف - فقال لي: إن الذي تقصده فيه
مشاكل وصعوبات إلا أن عاقبته جيدة.
فتوكلت على الله وسرت مع الركب، وبعد سويعات
من خروجنا من الكوفة - وقد اخترنا طريق الماء على
طريق البر - واجهنا عاصفة شديدة ومطرا غزيرا كأفواه
القرب، وكان قد أقبل علينا الليل، ومع ذلك فقد جهدنا
أن نسير لكن لم نتمكن فتوقفنا في سقيفة قرب
" العباسية " - وهي تبعد عن الكوفة نحو فرسخين - وقد
حطمتها العاصفة، ثم رجعنا إلى الكوفة راكبين، وبقينا
تلك الليلة في بيت أحد أقربائنا. ولما أصبحنا ذهب
جماعة ليتفحصوا ويجدوا الطريق هل يمكن السير فيه أو
لا؟ لكني ترددت في أصل السير، فاستخرت الله
بالمصحف الشريف فخرجت هذه الآية الشريفة:
* (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي...) * - البقرة: 196 - فذكرت ذلك للرفقة فصمم
الجميع على المسير، فسرنا على بركة الله سالمين آمنين،
والحمد لله رب العالمين. (*)
من أنواع الدعاء والتوسلات، وقد وردت أحاديث
عديدة تتضمن الحث على [طلب] قضاء حوائج
الإخوان من الله تعالى بالدعوات والتوسلات.
وعلق عليه المجلسي بقوله: " ما ذكره السيد
من جواز الاستخارة للغير لا يخلو من قوة... " - إلى
أن قال -: " لكن الأولى والأحوط أن يستخير
صاحب الحاجة لنفسه، لأنا لم نر خبرا ورد فيه
التوكيل في ذلك ".
ثم ذكر أنه لم يرد في رواية: أن أصحاب
الأئمة كانوا يلتمسون منهم أن يستخيروا لهم (1).
وقال صاحب الحدائق: " المفهوم من ظواهر
الأخبار الواردة في الاستخارة: أن صاحب الحاجة
هو المباشر للاستخارة، ولم أقف على نص صريح أو
ظاهر في الاستنابة فيها، إلا أن من عاصرناهم من
العلماء كلهم على العمل بالنيابة " (2).
وقال الشيخ الكبير كاشف الغطاء: " لا بأس
بالتوكيل عليها كسائر التوكيلات " (3).
ومع ذلك كله فقد استشكل صاحب الجواهر
في النيابة، ثم أنكر أن يكون ما هو متداول، من
النيابة، قال: "... بل قد يقال: إنه ليس من النيابة



(1) أنظر: فتح الأبواب: 281، والبحار 88: 285،
كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب الاستخارات، باب
النوادر، الحديث الأول.
(2) الحدائق 10: 532.
(3) كشف الغطاء: 262.
287
ما لو دعا المستخير لنفسه وسأل من ربه صلاحه
واستناب غيره في قبض السبحة أو فتح المصحف أو
نحوهما وإن دعا هو معه، ولعل الاستنابة المتعارفة في
أيدينا من هذا القبيل " (1).
هذا ونقل في الحدائق عن الشريف ملا أبي
الحسن العاملي - وهو جد صاحب الجواهر -
والشيخ أبي الحسن سليمان البحراني كلاما حول
جواز النيابة في الاستخارة يتضمن التصريح بعدم
وجود النص على ذلك (2).
تكرار الاستخارة:
المقصود من تكرار الاستخارة إما الاستخارة
على الاستخارة، بمعنى أن يستخير ليستخير، وإما
بمعنى أن يستخير على فعل شئ مثلا، ثم يستخير
على فعله مرة ثانية.
وما عثرت - فيما بيدي من الكتب - على من
تعرض للقسمين قبل كاشف الغطاء، قال (قدس سره) في
كشف الغطاء - بعد عده أمورا ترتبط بالاستخارة -:
" لا مانع من الاستخارة على الاستخارة
والاستشارة، والاستشارة على الاستشارة
والاستخارة " (3).
هذا بالنسبة إلى المعنى الأول للتكرار، وأما
بالنسبة إلى المعنى الثاني فقد قال: " إذا استخار
مقيدا بوقت كانت له الإعادة بعد مضيه وإلا فلا " (1).
والظاهر أن مراده من ذلك هو: أنه لو
استخار أن يسافر يوم الخميس فخرجت نهيا ولم
يسافر حتى مضى يوم الخميس، فله أن يستخير بعد
ذلك للسفر، وأما إذا كانت الاستخارة للسفر من
دون تقييد بيوم الخميس فلا معنى لتجديد
الاستخارة.
وقال الميرزا أبو المعالي الكلباسي الإصفهاني
في رسالة الاستخارة:
" لا مجال للاستخارة بعد الاستخارة بدون
اختلاف في المنوي أولا وثانيا، وبعبارة أخرى:
لا مجال للإعادة في باب الاستخارة بدون التغيير،
كما صرح به العلامة النجفي والوالد... " (2).
ثم نقل عن المحقق القمي أنه كان يقول: ربما
استخرت على فعل فنهيت عنه، ثم استخرت عليه
ثانية فأمرت به، فأصابني ضرر من ذلك.
مخالفة الاستخارة:
قال كاشف الغطاء: " لا يجب العمل بها إلا مع
احتمال وقوع مفاسد عظيمة وحصول التجربة
المؤدية إلى حصول المظنة " (3).



(1) الجواهر 12: 176.
(2) الحدائق 10: 532.
(3) كشف الغطاء: 262.
(1) كشف الغطاء: 262.
(2) رسالة الاستخارة: 64.
(3) كشف الغطاء: 262.
288
وفصل الكلباسي بين الضرر المالي والنفسي،
فأوجب العمل بالاستخارة إذا كان في مخالفتها
مظنة الضرر بالنفس، لوجوب دفع الضرر المظنون
عن النفس، وأما إذا كانت في المخالفة مظنة
الضرر بالمال، فهو مبني على وجوب دفع
الضرر عن المال وعدم جواز إضرار الشخص
بماله (1).
جواز الاستخارة جمعا وانفرادا:
قال كاشف الغطاء: " الاستخارة على مجموع
أشياء لا تنافي الاستخارة على الآحاد بخلاف
الجميع " (2).
ومقصوده: أنه لو استخار شخص على إطعام
عشرة - مثلا - فورد الأمر بذلك، فله أن يستخير
على عدم إطعام كل واحد منهم بخصوصه، فإن ورد
النهي عنه فلا يطعمه.
وقال أيضا: " لو استخار جماعة على فعل
فخرجت نهيا، فلهم الاستخارة على الآحاد. وإذا
خرجت نهيا على استقلال الآحاد صحت
الاستخارة على مجموع الآحاد " (3).
ومقصوده: أنه لو استخار عشرة - استخارة
واحدة - على فعل فخرجت نهيا، فيجوز أن
يستخير كل واحد منهم بانفراده، فإذا خرجت أمرا
جاز العمل به. وإذا استخار كل واحد منهم على
إتيان فعل مستقلا فخرجت نهيا، جاز أن
يستخيروا لإتيان الفعل جماعة، فإذا خرجت أمرا
جاز العمل به.
آداب الاستخارة:
ذكرت الكتب والرسائل المعدة للاستخارة
آدابا لها، جمعها العلامة كاشف الغطاء في عبارة
موجزة، قال:
" إنه ينبغي أن يكون على أفضل الأحوال من
طهارة - بقسميها - وشرف زمان ومكان واستقبال،
ونحوها ووقوعها بعد العبادات، ويختلف حالها
باختلافها واختلاف مباشريها " (1).
ونحوه قال صاحب الجواهر (2).
مظان البحث:
تطرق الفقهاء للاستخارة بمناسبة ذكر
الصلوات المندوبة التي منها صلاة الاستخارة.
وقد ألفت كتب ورسائل في هذا الموضوع
ذكر العلامة الطهراني اثني عشر منها، أهمها كتاب
" فتح الأبواب بين ذوي الألباب ورب الأرباب "
للسيد علي بن موسى بن طاووس الحلي (قدس سره).



(1) رسالة الاستخارة: 63.
(2) كشف الغطاء: 262.
(3) كشف الغطاء: 262.
(1) كشف الغطاء: 262.
(2) الجواهر 12: 161 - 162.
289
استخلاف
لغة:
مصدر استخلف، يقال: استخلف فلانا من
فلان: جعله مكانه، ويقال: خلفت فلانا واستخلفته
أنا، أي: جعلته خليفتي، واستخلفه: جعله خليفة،
والخليفة: الذي يستخلف ممن قبله (1).
اصطلاحا:
ورد الاستخلاف على لسان الفقهاء بمعناه
اللغوي في عدة مواطن، كإمامة الجماعة والجمعة
والقضاء.
الأحكام:
أولا - الاستخلاف في الإمامة:
لو عرض لإمام الجمعة أو الجماعة ما لا يمكن
معه إتمام الصلاة، كما إذا سبقه الحدث أو الرعاف أو
الأذى في بطنه ونحوها جاز له أن يستخلف من تتم
به صلاة المأمومين. قال صاحب الجواهر بالنسبة إلى
صلاة الجماعة مازجا لكلام المحقق:
" " إذا عرض للإمام ضرورة " بأن سبقه
الحدث أو الرعاف أو الأذى في بطنه، أو ذكر أنه
كان على غير طهارة أو تمت صلاته لسفر، " جاز أن
يستنيب " عنه من يتم الصلاة بالمأمومين بلا خلاف
أجده في هذه الأعذار، بل في الذكرى: يجوز
الاستخلاف عند علمائنا أجمع للإمام إذا أحدث أو
عرض له مانع " (1)، ثم نقل إجماعات أخرى على
المسألة.
وقال نحو ذلك في صلاة الجمعة، إلا أنه قال
بعد ذلك: " والمتجه أنه إن كان للمنصوب إذن في
النصب جاز وإلا فلا " (2). والوجه فيما قاله هو: أن
إمامة الجمعة ليست كإمامة الجماعة، فإن الأولى
تحتاج إلى إذن خاص دون الثانية.
وتفصيله في العنوانين: " جماعة " و " جمعة ".
ثانيا - الاستخلاف في القضاء:
أ - تكلم الفقهاء حول جواز استخلاف
القاضي المنصوب قاضيا آخر مكانه. قال صاحب
الجواهر مازجا لكلام المحقق:
" " إذا أذن الإمام (عليه السلام) له في الاستخلاف "
مطلقا أو على وجه خاص، عنه نفسه أو عن
الإمام (عليه السلام) " جاز، ولو منع " عنه " لم يجز " وإن صعب
عليه القيام بما فوضه إليه لسعته، بلا خلاف في شئ
من ذلك، بل ولا إشكال، لأن الحكومة حق له، فهو
مسلط عليها تسلط المالك على ملكه من غير فرق



(1) لسان العرب: " خلف ".
(1) الجواهر 13: 369.
(2) الجواهر 11: 195.
290
بين الاحتياج لذلك لسعة الولاية أو لا، كما لو أذن
للوكيل في التوكيل أو نهاه.
" ومع إطلاق التولية " نظر " إن كان هناك
أمارة تدل على الإذن " في ذلك، " مثل سعة الولاية
التي لا تضبطها اليد الواحدة جاز الاستنابة " لشهادة
الحال بالإذن فيها.
وهل يستخلف حينئذ في القدر الزائد على
ما يمكنه القيام به أو في الكل؟ وجهان تقدما في
توكيل الوكيل " (1).
ويراجع تفصيله في العنوانين: " قاضي "
و " قضاء ".
ب - إذا مات القاضي الذي استخلف خليفة
للقضاء، ففي بطلان نيابة الخليفة وزوال منصبه
وعدمه أقوال:
1 - عدم انعزال الخليفة عن منصبه، لأن
النائب عن القاضي كالنائب عن الإمام لا ينعزل
بموت الواسطة.
2 - انعزال الخليفة عن منصبه كسائر الوكلاء.
3 - التفصيل بين ما إذا استخلف القاضي
الأول قاضيا ثانيا استنادا إلى القرائن العامة الدالة
على الإذن، فينعزل الخليفة بموت الذي استخلفه،
وما إذا استخلفه استنادا إلى الإذن الخاص من
الإمام فلا ينعزل بموت القاضي الأول ولا بانعزاله.
مال إلى الأخير الشهيد الثاني (2)، وصاحب
الجواهر (1).
ومال المحقق الحلي إلى الثاني بعد أن ذكر
الأول (2).
ويراجع تفصيله في العنوانين: " قاضي "
و " قضاء ".
مظان البحث:
كتاب الصلاة:
1 - صلاة الجمعة.
2 - صلاة الجماعة.
كتاب القضاء: صفات القاضي.
استدامة
لغة:
مصدر استدام، واستدام الشئ بمعنى طلب
دوامه (3).
اصطلاحا:
لم يرد لفظ " الاستدامة " في الفقه إلا بمعناه
اللغوي، نعم ربما أعطى معنى خاصا فيما إذا أضيف



(1) الجواهر 40: 47.
(2) المسالك (الحجرية) 2: 356.
(1) الجواهر 40: 67.
(2) الشرائع 4: 71.
(3) أنظر: المعجم الوسيط، ولسان العرب: " دوم ".
291
إلى غيره، كما في استدامة النية، وهو أهم مورد من
هذا القبيل.
والمراد من استدامة النية - إجمالا - هو:
استمرار المكلف - المأمور بأمر عبادي ذي أجزاء -
بنيته إلى إتيان آخر جزء مما كلف به.
وهذا شئ يحتاج إلى توضيح:
أقسام الاستدامة:
الاستدامة على قسمين:
1 - الاستدامة الفعلية:
والمقصود منها أن يقترن كل جزء من أجزاء
الفعل العبادي بالنية مضافا إلى النية التي اقترنت
بالشروع فيه، بمعنى أن يستحضر ما في نيته فعلا عند
إتيان كل جزء من العبادة.
2 - الاستدامة الحكمية:
اختلف الفقهاء في تفسيرها على أقوال:
الأول - ما ذكره أغلب الفقهاء (1)، وهو: أن لا
يأتي بنية تنافي النية الأولى. قال الشيخ في المبسوط:
" ولا يلزم استدامتها إلى آخر الغسل
والوضوء، بل يلزمه استمراره على حكم النية،
ومعنى ذلك: ألا ينتقل من تلك النية إلى نية
تخالفها... " (2).
وهناك بعض العبارات توهم غيره إلا أن
المقصود منها هو ما تقدم، كعبارة ابن إدريس،
حيث قال: " والفرض الثالث: استمرار حكم هذه
النية إلى حين الفراغ من العبادة، وذلك بأن يكون
ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها " (1).
فإن قوله: " غير فاعل لنية تخالفها " تفسير
لقوله: " ذاكرا لها "، لأن استمرار الذكر لا يناسب
الاستدامة الحكمية، بل التزامه موجب لبطلان عبادة
الذاهل بعد صدور أصل النية منه، وهو خلاف ما
قام الإجماع عليه من القول بصحة عبادته، كما قال
صاحب الجواهر (2).
وبناء على هذا التفسير تكون الاستدامة أمرا
عدميا، وهو عدم الإتيان بنية تخالف النية الأولى.
الثاني - ما ذكره السيد اليزدي، وهو: " عدم
حصول الغفلة بالمرة، بحيث يزول الداعي على وجه
لو قيل له: ما تفعل؟ يبقى متحيرا. وأما مع بقاء
الداعي في خزانة الخيال فلا تضر الغفلة ولا يلزم
الاستحضار الفعلي " (3).
ويظهر من السيدين الحكيم (4) والخوئي (5)



(1) أنظر: جامع المقاصد 1: 200، ومدارك الأحكام 1:
192، والجواهر 2: 105 - 106.
(2) المبسوط 1: 19، وانظر الخلاف 1: 307 - 308.
(1) السرائر 1: 98.
(2) الجواهر 2: 106.
(3) أنظر العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل في النية،
المسألة 15.
(4) أنظر: المستمسك 6: 36، و 2: 465.
(5) أنظر مستند العروة (كتاب الصلاة) 3: 58، والتنقيح
4: 483.
292
موافقتهما له.
وبهذا المعنى أيضا تكون الاستدامة أمرا
عدميا، وهو عدم حصول الغفلة بالمرة.
الثالث - ما ذكره الشهيد في الذكرى، وهو:
البقاء على حكم النية الأولى والعزم على مقتضاها.
وبناء على هذا التفسير تكون الاستدامة
أمرا وجوديا، وهو: العزم على مقتضى النية
الأولى.
وبنى ذلك على مسألة كلامية، وهي: أن
الممكن هل يحتاج في بقائه إلى مؤثر أو لا؟ فعلى
القول بالاحتياج فلا بد في بقاء النية من سبب
وجودي وهو " العزم "، لأن العدمي لا يؤثر في
البقاء، قال في الذكرى - في نية الصلاة -:
" ويجب استدامة النية، بمعنى البقاء على
حكمها والعزم على مقتضاها، لأن الاستدامة فعلا مما
يمتنع أو يعسر، فاكتفي بالحكم دفعا للحرج.
وفسر كثير من الأصحاب الاستمرار على
النية بما قاله في المبسوط، وهو: أن لا ينتقل من تلك
النية إلى نية تخالفها، وكأنه بناء منهم على أن الباقي
مستغن عن المؤثر " (1).
وقد انتقده بعض من تأخر عنه، قال المحقق
الثاني: " والبناء المذكور مع بعده غير مستقيم في
نفسه " (2). وقال صاحب المدارك: " وفيه نظر من
وجوه "، ثم ذكر وجوها ثلاثة:
الأول - أن ما قاله هو عين الاستدامة الفعلية
التي نفاها أولا.
الثاني - أن مقتضى ذلك بطلان عبادة الذاهل،
وهو باطل قطعا.
الثالث - أن قياس العلل الشرعية على العقلية
غير صحيح، لأن الأسباب الشرعية معرفات
وعلامات، لا علل حقيقية (1).
وللفقهاء كلام في الأسباب الشرعية، يراجع
فيه عنوان: " أسباب ".
ولعله لما يرد عليه عدل الشهيد نفسه في نية
الصلاة في الذكرى نفسها، حيث قال: " يجب
استدامة حكم النية إلى آخر الصلاة إجماعا، ولا
يجب استحضاره الفعلي، لعسره، بل ولا يستحب
لتحقق انعقاد الصلاة، ومعنى الحكم: أن لا ينوي
المنافي في باقي الصلاة " (2).
هذا، وقد حاول الشيخ الأنصاري أن يجمع
بين كلام المشهور وكلام الشهيد، وحمله على أنه: إذا
توجه ذهن المكلف إلى الفعل وذكره أثناء الاشتغال
به فيجب عليه أن يبقى على حكم النية الأولى ويعزم
على مقتضاها. وهذا لا ينفك عما قاله المشهور من
عدم نية الخلاف (3).



(1) الذكرى: 81.
(2) جامع المقاصد 1: 200.
(1) المدارك 1: 193.
(2) الذكرى: 177.
(3) الطهارة (للشيخ الأنصاري): 98.
293
الأحكام:
صرح كثير من الفقهاء بوجوب استدامة النية
في كل عمل عبادي متقوم بالنية، كالطهارات الثلاث
والصلاة والصوم ونحوها، بل قال صاحب الجواهر:
" لا خلاف على الظاهر في اعتبارها " (1).
والوجه في الوجوب: أنه لما كان كل جزء من
الأجزاء عبادة، فلا بد له من النية، ولكن لما كانت
الاستدامة الحقيقية غير ممكنة عادة أو متعسرة
- على الأقل - اقتصروا على الاستدامة الحكمية.
ولا فرق في وجوب الاستدامة بين القول
بكونها أمرا وجوديا أو عدميا، ولا بين كون النية
هي الإخطار أو الداعي، فعلى جميع الفروض تجب
الاستدامة.
ومن المعلوم أن الوجوب - هنا - شرطي
بمعنى أن صحة العبادة متوقفة على استدامة النية.
هذا، وهناك فروع تترتب على وجوب
الاستدامة، من قبيل نية الخلاف والرجوع إلى النية
الأولى، وغيرها يراجع فيها عنوان " نية ".
مظان البحث:
يتطرق لموضوع استدامة النية في المواطن التي
يتطرق فيها لأصل النية، كالطهارات الثلاث
والصلاة والصوم والحج ونحوها، وأكثر ما يتطرق
إليه في نية الوضوء، ثم نية الصلاة.
استدانة
لغة:
مصدر استدانه، أي: طلب منه الدين
واستقرض منه (1).
راجع العنوانين: دين، وقرض.
استدبار
لغة:
الاستدبار خلاف الاستقبال، وكل شئ
جعلته تلقاء وجهك فقد استقبلته.
وهو - أي الاستدبار -: استفعال من الدبر،
ودبر كل شئ عقبه ومؤخره (2).
اصطلاحا:
ليس للفقهاء فيه اصطلاح خاص، وإنما
استعمل في معناه اللغوي، نعم كثيرا ما يراد منه
استدبار القبلة، كما في الاستقبال، فاستدبار القبلة



(1) الجواهر 2: 105.
(1) لسان العرب: " دين ".
(2) أنظر: لسان العرب، والمصباح المنير: " دبر "،
" قبل ".
294
جعلها خلف الظهر، خلاف استقبالها.
الأحكام:
تترتب على الاستدبار أحكام عديدة متفرقة
سوف تذكر تفاصيلها في مظانها، وإنما نشير إلى
عناوين أهمها:
1 - حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال
التخلي (1).
2 - كراهة استقبال الشمس والقمر والريح
واستدبارها حال التخلي (2).
3 - بطلان الفريضة بالاستدبار، بمعنى جعل
القبلة خلف ظهره (3).
4 - استحباب استقبال جمرة العقبة واستدبار
الكعبة في الرمي، واستقبال غيرها من الجمرات
والكعبة معا، فيه (4).
5 - كراهة الجماع حال كونه مستقبل القبلة
ومستدبرها (5).
6 - جواز دفن الذمية في مقابر المسلمين
إذا كانت حاملا بمسلم، فتدفن مستدبرة القبلة،
وقيل: على يسارها، ليستقبل الجنين المسلم
القبلة (1).
7 - جواز التحرف في القتال لاستدبار
الشمس (2).
8 - من آداب الزيارة استقبال وجه المزور
واستدبار القبلة حال الزيارة (3).
وللفقهاء كلام في بعض هذه الموارد.
9 - ومن آداب صلاة الاستسقاء أن يستقبل
الإمام القبلة بعد الفراغ من الصلاة ثم يذكر الأذكار
المذكورة، ثم يستدبر القبلة ويستقبل المصلين ويذكر
الأذكار المعهودة أيضا (4).
راجع: استقبال.
استدلال
لغة:
الاستدلال طلب الدليل، والدليل هو المرشد،
والذي يدلك، وما يستدل به (5).
راجع: دليل.



(1) أنظر الجواهر 2: 7.
(2) أنظر الجواهر 2: 62 - 66.
(3) أنظر الجواهر 11: 28.
(4) أنظر الجواهر 19: 112 - 113.
(5) أنظر الجواهر 29: 59.
(1) أنظر الجواهر 4: 297 - 299.
(2) أنظر الجواهر 21: 59.
(3) أنظر الجواهر 20: 102.
(4) أنظر التذكرة 4: 215.
(5) أنظر: لسان العرب، المصباح المنير والمعجم الوسيط:
" دلل ".
295
استذفار
لغة:
من الذفر - بالتحريك - يقع على الطيب
والكريه، ويفرق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به (1).
اصطلاحا:
لم يتحدد معناه اصطلاحا لعدم استعمال
الفقهاء له إلا نادرا، نعم ورد في بعض الروايات
بمعناه اللغوي، منها:
1 - ما أورده الكليني في الكافي عن أبي
عبد الله (عليه السلام): " قال: ادعت امرأة على زوجها - على
عهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه - أنه لا يجامعها
وادعى أنه يجامعها، فأمرها أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
تستذفر بالزعفران، ثم يغسل ذكره، فإن خرج الماء
أصفر صدقه وإلا أمره بطلاقها " (2).
2 - وما أورده عن الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن المرأة تستحاض،
فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن المرأة تستحاض، فأمرها أن تمكث أيام
حيضها، لا تصل فيها، ثم تغتسل وتستدخل قطنة
وتستثفر بثوب، ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء
الثوب، قال: تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين.
والاستذفار أن تطيب وتستجمر بالدخنة
وغير ذلك، والاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة " (1).
وليس من المعلوم أن هذا التفسير من ضمن
الرواية أو من الكليني (قدس سره) نفسه، وقد أورده
صاحب الوسائل أيضا، لكن يحتمل أن يكون من
الكليني، كما احتمل ذلك المحدث الكاشاني وقال:
" ربما يقال باتحاد معنييهما، وأنه قلب الثاء ذالا " (2).
الأحكام:
قال صاحب الجواهر: " إن الأقوى عدم
وجوب الاستذفار إن فسر بغير الاستثفار، بل
ينبغي القطع به " (3).
راجع: استثفار، استحاضة.
مظان البحث:
كتاب الطهارة: الاستحاضة.



(1) النهاية (لابن الأثير): " ذفر ".
(2) الكافي 5: 412، الحديث 11، وانظر الوسائل 21:
234، الباب 16 من أبواب العيوب، الحديث 3.
(1) الكافي 3: 89، الحديث 3، وانظر الوسائل 2: 372،
الباب الأول من أبواب الاستحاضة، الحديث 2.
(2) نقله عنه صاحب الجواهر في الوافي، أنظر الجواهر 3:
351، وانظر الوافي 4: 471، باب الاستحاضة، ذيل
الحديث 2.
(3) الجواهر 3: 350.
296
استراق السمع
لغة:
قال ابن فارس: " السين والراء والقاف أصل
يدل على أخذ الشئ في خفاء وستر... واسترق
السمع: إذا تسمع مختفيا " (1).
ومنه قوله تعالى: * (... وحفظناها من كل
شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب
مبين) * (2).
لم أعثر على استعمال الفقهاء لهذا العنوان.
نعم، ربما يمكن أن يستفاد حكمه من العنوانين:
" استماع "، و " سماع " ونحوهما.
استرجاع
لغة:
يقال: استرجعت منه الشئ، إذا أخذت
منه ما دفعته إليه (3)، وقد يطلق عليه:
الاسترداد.
اصطلاحا:
استعمل الاسترجاع على لسان الفقهاء في
معنيين:
1 - في معناه اللغوي، وهو الاسترداد.
2 - في قول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ".
الأحكام:
تكلم الفقهاء حول الاسترجاع بمعنييه، أما
الاسترجاع بمعنى الاسترداد فسوف نشير إليه
إجمالا في عنوان " استرداد ".
وأما الاسترجاع بالمعنى الثاني فنشير إلى
أهم أحكامه فيما يلي:
أولا - مشروعية الاسترجاع ومورده:
شرع الاسترجاع في مورد المصيبة بنص
القرآن الكريم، قال تعالى: * (ولنبلونكم بشئ من
الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات
وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله
وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة وأولئك هم المهتدون) * (1).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " أربع من كن فيه
كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة أمره شهادة
أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته
مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ومن إذا



(1) معجم مقاييس اللغة: " سرق ".
(2) الحجر: 18.
(3) أنظر لسان العرب: " رجع ".
(1) البقرة: 155 - 157.
297
أصاب خيرا قال: الحمد لله رب العالمين، ومن إذا
أصاب خطيئة قال: أستغفر الله وأتوب إليه " (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال:
" من صبر واسترجع وحمد الله عز وجل فقد رضي
بما صنع الله ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل
ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله
أجره " (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من الهم
الاسترجاع عند المصيبة وجبت له الجنة " (3).
والمصيبة - هنا - مطلقة، فيراد منها مطلق
المصيبة سواء كانت فقد عزيز أو مال أو غيرهما،
نعم أظهر مصاديقها فقد الأعزة والأحبة.
كما لا فرق بين أن يقولها صاحب المصيبة
نفسه أو يقولها غيره عند تسليته له.
ومن موارد الاسترجاع بالخصوص هو
عندما يهال التراب على الميت بعد الدفن، إذ
يستحب أن يهيل الحاضرون التراب على الميت
قائلين: " إنا لله وإنا إليه راجعون " (4).
ثانيا - الحكمة في الاسترجاع:
ينبغي للمسترجع أن يفهم معنى الاسترجاع
ويعقد قلبه عليه، فلا يقتصر على تلفظه، فينبغي أن
يعترف بأنا مملوكون لله تعالى، وأن ملكيته لنا
ملكية حقيقية لا اعتبارية كملكيتنا للأشياء،
والمالك الحقيقي له أن يفعل بملكه ما يشاء، ولا يفعل
إلا ما يراه صلاحا.
فإذا اعترف الإنسان بذلك هانت عليه
المصائب، فلا يجزع ولا يفزع (1).
ثالثا - الحكم التكليفي للاسترجاع:
يظهر حكم الاسترجاع مما تقدم، لأن أقل ما
يستفاد من الأمر به في النصوص هو الاستحباب.
استرداد
لغة:
طلب الرد، يقال: استرد الشئ، أي: طلب
رده عليه (2).
اصطلاحا:
استعمله الفقهاء في المعنى اللغوي نفسه.



(1) الوسائل 3: 248، الباب 73 من أبواب الدفن، الحديث
8.
(2) الوسائل 3: 248، الباب 73 من أبواب الدفن، الحديث
7.
(3) الوسائل 3: 248، الباب 73 من أبواب الدفن، الحديث
9.
(4) أنظر الجواهر 4: 310.
(1) تفسير الميزان 1: 354.
(2) لسان العرب: " ردد ".
298
الأحكام:
تكرر عنوان " الاسترداد " بلفظه أو بمعناه
- كاسترجاع ونحوه - في مواطن عديدة يرجع إليها
لمعرفة تفاصيل الأحكام، وإنما نشير إلى أهم
المواطن التي تعرضوا له فيها:
1 - فساد العقد.
2 - فسخ العقد أو إقالته.
3 - عدم إجازة المالك الأصلي في البيع
الفضولي.
ففي هذه الموارد يسترد الطرفان العوضين،
فالبائع يسترد المثمن، والمشتري الثمن.
4 - انتهاء مدة الإجارة.
5 - في موارد الأمانات العامة، كالعارية
والوديعة واللقطة ونحوها.
6 - في موارد الغصب وما يماثله.
7 - في الهبة إذا لم تكن لازمة بأن كانت
معوضة أو لذي رحم.
8 - في ما إذا كان الميت مديونا، وكان عين
المال موجودا وكذا المفلس، لكن على كلام فيهما
تقدمت الإشارة إليه في عنوان " إرث " فراجع.
ففي هذه الموارد ونحوها يسترد صاحب العين
عين ماله، فيسترد المؤجر العين المستأجرة، والمعير
أو المودع العين المستعارة أو المستودعة، وكذا في
سائر الموارد.
ثم إن الاسترداد قد يتعلق بالمال وقد يتعلق
بالحق، كما في البيع إذا كان العوضان أو أحدهما حقا
وقلنا بإمكانه، فلو فسخ البيع أو وقع فاسدا،
فيسترد العوضان.
كما أن الاسترداد قد يتحقق برد العين إن
كانت، وإن لم تكن فبمثلها لو كانت مثلية كالكتاب،
أو قيمتها إذا كانت قيمية كالخاتم.
استرسال
لغة:
ورد الاسترسال في اللغة على عدة معان
أهمها:
1 - الاستئناس والطمأنينة والانبساط والثقة
بالطرف الآخر، فيقال: استرسل إليه، أي: انبسط
واستأنس به.
2 - سبط الشعر وتدليه ونزوله، فيقال:
استرسل الشعر، أي: صار سبطا وتدلى ونزل،
والسبط غير المجعد والمعقد.
3 - طلب الإرسال، والإرسال: الإطلاق
والإهمال والتسليط (1).
اصطلاحا:
ورد الاسترسال في كلمات الفقهاء بالمعاني
الثلاثة كما سيتبين ذلك.



(1) أنظر: لسان العرب ومحيط المحيط: " رسل ".
299
الأحكام:
تعرض الفقهاء لعنوان " الاسترسال "
و " المسترسل " بمعانيه الثلاثة في عدة مواطن نشير
إلى أهمها:
أولا - في خيار الغبن، فإنه ورد النهي عن غبن
المسترسل، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): " غبن المسترسل
سحت " (1)، وقال (عليه السلام) لمن استشاره في التجارة:
" عليك بصدق اللسان في حديثك، ولا تكتم عيبا
يكون في تجارتك، ولا تغبن المسترسل، فإن غبنه
لا يحل... " (2).
والاسترسال - هنا - استعمل بالمعنى الأول،
فالمسترسل في معاملته هو من يثق بالطرف الآخر
الذي يعامله (3).
ويراجع تفصيل الموضوع في العنوانين:
" خيار "، و " غبن ".
ثانيا - في الوضوء، حيث قال بعض الفقهاء
باستحباب غسل الشعر المسترسل من اللحية
الخارج عن حدود الوجه (4).
وقال بعض الفقهاء: إنه لو جف ما على يدي
المتوضي أخذ من لحيته ولو من المسترسل
منها... (1).
والاسترسال والمسترسل - هنا - إنما بالمعنى
الثاني.
ثالثا - في الصيد - ويتبعه في الإحرام - حيث
يقولون: إنه يشترط في الكلب المعلم للصيد، أن
يسترسل إذا أرسله صاحبه، بمعنى أنه متى أغراه
بالصيد هاج عليه إذا لم يكن له مانع (2).
والاسترسال - هنا - استعمل بالمعنى الثالث.
أنظر: " إرسال ".
استرقاق
لغة:
يقال: استرق المملوك بمعنى أدخله في الرق،
ورق فلان، أي: صار عبدا (3).
اصطلاحا:
لم يتعد - على لسان الفقهاء - المعنى اللغوي.
يراجع في معرفة أحكامه العنوانان:
" أسارى "، " رق " ونحوهما مما يناسب الموضوع.



(1) الوسائل 18: 31، الباب 17 من أبواب الخيار،
الحديث الأول.
(2) الوسائل 17: 385، الباب 2 من أبواب آداب التجارة،
الحديث 7.
(3) أنظر الجواهر 23: 41 - 42.
(4) أنظر الجواهر 2: 155.
(1) أنظر الجواهر 2: 189.
(2) أنظر الجواهر 36: 19.
(3) أنظر لسان العرب: " رقق ".
300
استسعاء
لغة:
طلب السعي، واستسعى العبد: كلفه من
العمل ما يؤدي به عن نفسه إذا عتق بعضه، ليعتق به
ما بقي، وبعبارة أخرى هو: أن يسعى العبد في فكاك
ما بقي من رقه، فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه إلى
مولاه (1).
اصطلاحا:
ورد في تعبير الفقهاء بهذا المعنى.
يراجع لمعرفة أحكامه العنوان: " عتق ".
استسقاء
لغة:
الاستسقاء: استفعال من طلب السقيا، أي:
إنزال الغيث على البلاد والعباد، والاسم: السقيا
بالضم، واستسقيت فلانا: إذا طلبت منه أن
يسقيك (2).
اصطلاحا:
الاستسقاء طلب السقيا من الله تعالى عند
الحاجة إليها (1).
الأحكام:
مشروعية الاستسقاء:
مشروعية الاستسقاء ثابتة بالكتاب والسنة
والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: * (وإذ استسقى
موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه
اثنتا عشرة عينا) * (2).
وقوله تعالى: * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان
غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال
وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * (3).
وأما السنة فقد ورد فيها مستفيضا استسقاء
النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وغيرهما (4).
وأما الإجماع، فقد قال العلامة: " وأجمع
المسلمون كافة على مشروعية الاستسقاء وإن
اختلفوا في كيفيته " (5).



(1) لسان العرب: " سعى ".
(2) لسان العرب: " سقى ".
(1) أنظر: روض الجنان: 324، والمدارك 4: 191.
(2) البقرة: 60.
(3) نوح: 10 - 12.
(4) أنظر الوسائل 8: 5، أبواب صلاة الاستسقاء.
(5) التذكرة 4: 203.
301
الحكم التكليفي للاستسقاء:
الظاهر أنه لا كلام في استحباب الاستسقاء
إجمالا، لأنهم عدوا صلاة الاستسقاء من جملة
الصلوات المندوبة مدعين على مندوبيته الإجماع (1)،
ويكفي في استحباب الاستسقاء ما ورد فيه من السنة
القولية والفعلية.
الحكمة في تشريع الاستسقاء:
تظهر الحكمة في تشريع الاستسقاء إذا عرفنا
السبب المؤدي إلى الجدب وقلة الأمطار، والسبب
الذي يؤدي إلى نزول البركات ورفع الجدب،
فنقول:
إن المستفاد من الآيات والروايات: أن
للمعاصي أثرا كبيرا في نزول البلاء وقطع البركات
ومنها الأمطار، كما أن للاستغفار والتوبة من
المعاصي والتوجه إلى الله تعالى أثرا بالغا في نزول
البركات ودفع البلاء. ويمكن أن نعد ذلك من السنن
الإلهية.
قال تعالى: * (ظهر الفساد في البر والبحر بما
كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم
يرجعون) * (2).
وقال تعالى: * (وضرب الله مثلا قرية كانت
آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت
بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا
يصنعون) * (1).
وقال تعالى: * (وأن لو استقاموا على الطريقة
لأسقيناهم ماء غدقا) * (2).
وقال تعالى: * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان
غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا) * (3).
وقال تعالى: * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا
لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا
فأخذناهم بما كانوا يكسبون) * (4).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: " إذا غضب
الله على أمة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها،
وقصرت أعمارها، ولم تربح تجارها، ولم تزك
ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها،
وسلط الله عليها أشرارها " (5).
فإذا كانت المعاصي من المؤثرات في جدب
الأنهار وقلة الأمطار، والتوجه إلى الله تعالى،
والاستغفار والتوبة والإنابة إليه مؤثرا في دفع البلاء
وفي نزول البركات فيتضح ما للاستسقاء من
الحكمة، لأن الاستسقاء من طرق التقرب إلى الله



(1) أنظر الحدائق 10: 479، والجواهر 12: 127.
(2) الروم: 41.
(1) النحل: 112.
(2) الجن: 16.
(3) نوح: 10 - 11.
(4) الأعراف: 96.
(5) الوسائل 8: 13، الباب 7 من أبواب صلاة
الاستسقاء، الحديث 2.
302
تعالى والتوجه إليه، ومن آدابه - كما سيأتي -
الاستغفار والتوبة إليه تعالى، وهما من أسباب نزول
البركات كما دلت عليه الآيات المتقدمة.
مورد الاستسقاء:
القدر المتيقن من موارد تشريع الاستسقاء
هو حصول الجدب وقلة الأمطار، قال الشيخ
الطوسي: " إذا أجدبت البلاد وقلت الأمطار
استحب صلاة الاستسقاء " (1).
لكن قال المحقق في الشرائع: "... وهي
مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار " (2).
وقال العلامة في التذكرة: " ويستحب فيه
الصلاة عند قلة الأمطار وغور الأنهار والآبار، عند
علمائنا كافة " (3).
فزاد الأول غور الأنهار، والثاني غور
الآبار.
وقال الشيخ الكبير كاشف الغطاء: " وإنما
تشرع لغور الأنهار في مقام يكون الاعتماد عليها،
وقلة الأمطار أو البرف (4)، حيث يكون الاعتماد
عليهما، ومع الغلاء والرخاء، مع عموم العارض
لأهل تلك الناحية بحيث لا يختص بقليل منهم.
ولا يجوز لغير المياه " (1).
وقال صاحب الجواهر بعد نقل الإجماع عن
العلامة: " وهو الحجة " (2).
أنواع الاستسقاء:
المعروف بين فقهاء الإمامية أن الاستسقاء
يتم بالصلاة والدعاء، وتسمى هذه الصلاة بصلاة
الاستسقاء، ولذلك عدوها من جملة الصلوات
المستحبة وتطرقوا لموضوع الاستسقاء عند ذكرها.
نعم يجوز بغير الصلاة أيضا، قال الشهيد في
الذكرى: " يجوز الاستسقاء بغير صلاة إما في خطبة
الجمعة والعيدين، أو في أعقاب المكتوبات، أو يخرج
الإمام إلى الصحراء فيدعو والناس يتابعونه " (3).
ولكن هذه دون الأولى - أي صلاة
الاستسقاء - في الفضل (4).
كيفية صلاة الاستسقاء:
المعروف بين فقهاء الإمامية أن صلاة



(1) المبسوط 1: 134.
(2) شرائع الإسلام 1: 108.
(3) التذكرة 4: 203، وانظر الذكرى للشهيد الأول: 249.
(4) البرف، كلمة فارسية يراد بها الثلج النازل من السماء.
(1) كشف الغطاء: 259.
(2) الجواهر 12: 152.
(3) الذكرى: 251، وانظر المعتبر: 223، والجواهر 12:
127، حيث صرح فيهما بجواز الاستسقاء بالدعاء من
دون صلاة، عند الرد على أبي حنيفة القائل باختصاص
الاستسقاء بالدعاء.
(4) التذكرة 4: 221.
303
الاستسقاء كصلاة العيد ركعتان، قال الشيخ المفيد:
"... فصلى بالناس ركعتين، يجهر فيهما بالقراءة
على صفة صلاة العيد " (1). وقال الشيخ الطوسي:
"... فإذا انتهى إلى الصحراء قام فصلى بهم ركعتين
من غير أذان وإقامة يقرأ فيهما ما شاء من السور،
ويكون ترتيب الركعتين كترتيب صلاة العيدين
سواء " (2).
وكذا قال من تأخر عنهما، بل ادعى بعض
الفقهاء الإجماع على المماثلة، كالشيخ (3) نفسه
والعلامة (4).
وتشمل " المماثلة " عدد الركعات
والتكبيرات والقنوتات. فتكون صلاة الاستسقاء
ركعتين: في الأولى - على المشهور - خمس تكبيرات
وخمسة قنوتات، وفي الثانية أربع تكبيرات وأربعة
قنوتات، لكن يستغفر - هنا - في القنوتات
ويستعطف الله ويطلب منه نزول الرحمة وإرسال
الغيث.
ولا أذان ولا إقامة لصلاة الاستسقاء، لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاها ركعتين بغير أذان ولا إقامة،
بل يقول المؤذن: " الصلاة " ثلاثا، وقد ادعي عليه
الإجماع (1).
وتصلى جماعة وفرادى، وادعي عليه
الإجماع أيضا (2).
الخطبة في صلاة الاستسقاء:
قال العلامة: " إذا فرغ من الصلاة، خطب
عند علمائنا أجمع " (3).
وهل يخطب خطبتين كصلاة العيد، أو يكتفي
بخطبة واحدة؟
صرح بعض الفقهاء بلزوم خطبتين، منهم:
المحقق (4)، والعلامة (5)، والشهيد الأول (6)، والثاني (7)،
وتقتضيه " المماثلة " بين صلاتي العيد والاستسقاء،
فإن صلاة العيد لها خطبتان.
واستظهر صاحب الجواهر من عبارة المحقق
في الشرائع ومن تقدم عليه، ومن الروايات:
الاقتصار على الواحدة، لأنهم قالوا: " يخطب "، ولم
يذكروا التعدد (8).



(1) المقنعة: 207.
(2) المبسوط 1: 134.
(3) أنظر الخلاف 1: 685، والاستبصار 1: 452، ذيل
الحديث 2 من الباب 281.
(4) أنظر التذكرة 4: 204، والمنتهى: 355.
(1) أنظر: المعتبر: 224، والتذكرة 4: 211، والجواهر
12: 152.
(2) أنظر: المعتبر: 224، والتذكرة 4: 212.
(3) التذكرة 4: 213.
(4) المعتبر: 224.
(5) التذكرة 4: 215.
(6) الذكرى: 250.
(7) روض الجنان: 325.
(8) الجواهر 12: 150.
304
وهل الخطبة أو الخطبتان قبل الصلاة أو
بعدها؟
ادعى بعض الفقهاء الإجماع على أن الخطبة
بعد الصلاة، وتقتضيها المماثلة بين صلاة الاستسقاء
وصلاة العيد.
نعم في رواية إسحاق بن عمار عن
الصادق (عليه السلام): " أن الخطبة في الاستسقاء قبل
الصلاة ".
لكن قال الشيخ في الاستبصار: " إنها شاذة
مخالفة لإجماع الطائفة " (1).
وقت صلاة الاستسقاء:
قال الشهيد في الذكرى: " ووقتها وقت العيد
في ظاهر كلام الأصحاب، وصرح ابن أبي عقيل
بأن الخروج في صدر النهار، وأبو الصلاح عند
انبساط الشمس، وابن الجنيد بعد صلاة الفجر،
والشيخان لم يعينا وقتا، إلا أنهما حكما بمساواتها
العيد " (2).
وقال العلامة: " وفي أي وقت خرج جاز،
وصلاها في أي زمان، إذ لا وقت لها بلا خلاف "، ثم
قال: " والأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأن
ما بعد العصر أشرف " (3).
آداب صلاة الاستسقاء وسننها:
ذكر الفقهاء آدابا وسننا لصلاة الاستسقاء
نذكر أهمها:
1 - يستحب الصيام ثلاثة أيام قبل الخروج،
والخروج في اليوم الثالث، وليكن يوم الاثنين (1)،
وقيل: إن لم يتيسر فيوم الجمعة (2).
2 - الإصحار بها، فلا يستسقى في المساجد
إلا بمكة، فإنه يصلى في المسجد الحرام (3)، وقد روي
عن علي (عليه السلام) أنه قال: " مضت السنة أنه
لا يستسقى إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى
السماء، ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة " (4).
3 - قال العلامة: " يستحب الخروج لكافة
الناس، لأن اجتماع القلوب على الدعاء مظنة
الإجابة.
ويخرج الإمام من كان ذا دين وصلاح
وشرف وعفاف وعلم وزهد، لأن دعاءهم أقرب
إلى الإجابة.
ويخرج الشيوخ والعجائز والأطفال، لأنهم
أقرب إلى الرحمة وأسرع للإجابة....



(1) الاستبصار 1: 452، ذيل الحديث 2 من الباب 281.
(2) الذكرى: 250، وانظر المختلف 2: 340.
(3) التذكرة 4: 212.
(1) المبسوط 1: 134، وغيره.
(2) شرائع الإسلام 1: 109.
(3) أنظر المبسوط 1: 134، والمعتبر: 224، والتذكرة 4:
207، والذكرى: 250 وغيرها.
(4) الوسائل 8: 10، الباب 4 من أبواب صلاة
الاستسقاء، الحديث الأول.
305
ولا تخرج الشواب من النساء، ليؤمن
الافتتان بهن " (1).
وبهذا المضمون قال غيره، إلا أن الأخير لم
يصرح به إلا بعض الفقهاء، لكن استظهره صاحب
الجواهر من عبارات الفقهاء، لأنهم اقتصروا على
ذكر خروج الشيوخ والعجائز والأطفال (2).
4 - اختلف الفقهاء في خروج أهل الذمة
والفساق من المسلمين على أقوال:
أ - لا يخرجون، لأنهم مغضوب عليهم.
وليسوا أهلا للإجابة، ولقوله تعالى: * (وما دعاء
الكافرين إلا في ضلال) * (3).
قاله المحقق في المعتبر (4)، وقال العلامة في
التذكرة: " ويمنع الكفار من الخروج معهم، وإن كانوا
أهل ذمة " (5) ثم ذكر التعليل المتقدم، ومثله قال
الشهيد في الذكرى (6).
ب - يكره إخراجهم للعلل المتقدمة.
قاله الشيخ في المبسوط (7).
ج - لا يمنعون من الخروج، لأنهم إذا خضعوا
واعترفوا بذنوبهم كانت الإجابة لهم أقرب من
غيرهم، وقد خرج المنافقون مع النبي (صلى الله عليه وآله)
للاستسقاء.
وعن الصادق (عليه السلام)، أنه: " جاء أصحاب
فرعون إلى فرعون فقالوا له: غار ماء النيل وفيه
هلاكنا، فقال: انصرفوا اليوم، فلما كان الليل توسط
النيل ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم
أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجئ بالماء إلا أنت،
فجئنا به، فأصبح النيل يتدفق " (1).
قال العلامة بعد ذكر الرواية في المنتهى:
" فعلى هذه الرواية لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا،
لأنهم يطلبون أرزاقهم من الله، وقد ضمنها لهم في
الدنيا، فلا يمنعون من طلبها، فلا يبعد
إجابتهم... " (2).
ويظهر من صاحب الجواهر الميل إلى هذا
الرأي (3)، واكتفى صاحب المدارك بنقل ما قاله
العلامة ولم يعلق عليه (4).
5 - ويستحب أن يخرجوا على سكينة ووقار
وخشوع (5).
6 - ويستحب أن يفرقوا بين الأطفال
وأمهاتهم لما فيه من الهيبة بكثرة البكاء والضجيج.



(1) التذكرة 4: 209، وانظر المصادر الفقهية المتقدمة.
(2) الجواهر 12: 142.
(3) الرعد: 14.
(4) المعتبر: 224، وانظر الشرائع 1: 109.
(5) التذكرة 4: 209.
(6) الذكرى: 250.
(7) المبسوط 1: 135.
(1) الفقيه 1: 334، الحديث 1499.
(2) المنتهى (الحجرية) 1: 355.
(3) الجواهر 12: 143.
(4) المدارك 4: 196 - 197.
(5) التذكرة 4: 208، والذكرى: 249، وغيرهما.
306
نسب ذلك في الكفاية إلى المشهور (1)، إلا أن
المحقق - في المعتبر - نسب ذلك إلى السيد
المرتضى (2)، ولعل الشهرة حصلت بعده.
وزاد صاحب الجواهر: أنه ينبغي مراعاة
حفظ الأطفال لأنه واجب، فيفرقونهم حينئذ بأن
يدفع كل واحد إلى غير أمه، أو غير ذلك إذا أمن
الضرر معه (3).
7 - ويستحب للإمام إذا فرغ من صلاته أن
يحول رداءه، بمعنى أن يجعل ما على اليمين على اليسار
وبالعكس.
وهل يختص الاستحباب بالإمام أو يشمل
المأمومين؟ فيه قولان.
صرح الشيخ في المبسوط (4)، والشهيد
الثاني (5)، والمحقق الثاني (6) بالشمول، وقواه الشهيد
الأول (7)، ويظهر من العلامة في التذكرة (8).
ويظهر من الشيخ في الخلاف (9)، والمحقق (10)،
والعلامة في المنتهى (1)، وصاحب الجواهر (2)
اختصاص الحكم بالإمام.
8 - ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة
ويكبر مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثم يسبح الله
ملتفتا إلى الناس عن يمينه مائة تسبيحة كذلك، ثم
يهلل الله مائة تهليلة ملتفتا إلى الناس عن يساره
كذلك، ثم يستقبل الناس بوجهه ويحمد الله مائة مرة
كذلك.
وهناك اختلاف في الأذكار وكيفية تقسيمها.
ونص بعض الفقهاء على متابعة المأمومين
الإمام في الأذكار ورفع الصوت (3).
واحتمل بعضهم التخيير بين المتابعة والتأمين
على دعائه (4).
وهل الأذكار متقدمة على الخطبة بحيث تكون
الخطبة آخر ما يفعل من صلاة الاستسقاء، أو تكون
متأخرة عنها بحيث تكون الأذكار هي آخر
ما يفعل؟ فيه أقوال:
الأول - تقديم الأذكار على الخطبة، وممن
ذهب إليه: الشيخ في المبسوط (5)، والمحقق في
الشرائع (6)، ونقل عن ابن أبي عقيل (7)، بل قال في



(1) كفاية الأحكام: 23.
(2) المعتبر: 224.
(3) الجواهر 12: 144.
(4) المبسوط 1: 135.
(5) المسالك 1: 275.
(6) جامع المقاصد 2: 484.
(7) الذكرى: 250.
(8) التذكرة 4: 216.
(9) الخلاف 1: 688.
(10) أنظر: الشرائع 1: 109، والمعتبر: 224.
(1) المنتهى (الحجرية) 1: 356.
(2) الجواهر 12: 144.
(3) أنظر الجواهر 12: 146 - 147.
(4) أنظر الجواهر 12: 146 - 147.
(5) المبسوط 1: 134.
(6) الشرائع 1: 109.
(7) نقله عنه الشهيد في الذكرى: 251.
307
الحدائق: إنه المشهور بين المتأخرين (1).
الثاني - تقديم الخطبة على الأذكار، وممن
ذهب إليه: الشيخ الصدوق (2)، والشيخ المفيد (3)،
والسيد المرتضى (4) وابن إدريس (5)، بل ادعى
الشهيد في الذكرى أنه المشهور (6).
الثالث - التخيير، ذهب إليه العلامة في
التذكرة (7)، والشهيد في البيان، وقال فيه: أن التقديم
أشهر (8).
9 - يستحب الجهر في القراءة في الصلاة وفي
القنوت، كما في صلاة العيد (9).
10 - ويستحب رفع الأيدي في دعاء
الاستسقاء، للتأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) (10).
11 - ويستحب لأهل الخصب أن يستسقوا
لأهل الجدب بالدعاء ونحوه، وأما الجواز بالصلاة
والخطبة ونحوهما كما لو كانوا هم أهل الجدب
فلا يخلو من إشكال (11).
12 - لو تأهبوا للخروج فسقوا قبل
خروجهم لم يخرجوا، وكذا لو سقوا قبل الصلاة
لم يصلوا، لحصول الغرض، نعم يستحب صلاة
الشكر، ويسألون زيادته (1).
وقال الشهيد: " ولو سقوا أثناء الصلاة
أتموها، والظاهر سقوط باقي الأفعال " (2).
13 - إذا تأخرت الإجابة استحب الخروج
ثانيا وثالثا، وهكذا (3).
14 - وإذا زادت الأمطار فخيف منها الضرر
جاز الدعاء بإزالة مضرته وتخفيفه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
فعل ذلك (4)، وقال في الذكرى: " ولو صلي ركعتان
للحاجة كان حسنا " (5)، وربما يعبر عنه ب‍ " صلاة
الاستصحاء " (6).
استسقاء النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة:
وردت في استسقاء النبي (صلى الله عليه وآله) عدة روايات



(1) الحدائق 10: 491.
(2) الفقيه 1: 526، الحديث 1499، باب صلاة الاستسقاء.
(3) المقنعة: 208.
(4) أنظر السرائر 1: 326.
(5) أنظر السرائر 1: 326.
(6) الذكرى: 251.
(7) التذكرة 4: 216.
(8) البيان: 220.
(9) الذكرى: 251، والجواهر 12: 152.
(10) الذكرى: 251، والجواهر 12: 153.
(11) أنظر الذكرى: 251، والجواهر 12: 153.
(1) أنظر المعتبر: 225، والتذكرة 4: 220.
(2) الذكرى: 251.
(3) أنظر المعتبر: 225، والتذكرة 4: 219، والمنتهى
(الحجرية) 1: 356.
(4) أنظر التذكرة 4: 220، والمنتهى (الحجرية) 1:
357.
(5) الذكرى: 251.
(6) المسالك 1: 275، لكن فيه: الاستضحاء، وفي
الوسائل (8: 15): باب استحباب الدعاء للاستصحاء
عند زيادة المطر.
308
يظهر منها أنه (صلى الله عليه وآله) استسقى أكثر من مرة، نذكر
نموذجين منها:
أولا - روى الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: " أتى قوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا:
يا رسول الله إن بلادنا قد قحطت وتوالت السنون
علينا فادع الله تبارك وتعالى يرسل السماء علينا.
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع
الناس، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا وأمر الناس أن
يؤمنوا، فلم يلبث أن هبط جبرئيل فقال: يا محمد
أخبر الناس أن ربك قد وعدهم أن يمطروا يوم كذا
وكذا وساعة كذا وكذا. فلم يزل الناس ينتظرون
ذلك اليوم، وتلك الساعة، حتى إذا كانت تلك
الساعة أهاج الله عز وجل ريحا فأثارت سحابا
وجللت السماء وأرخت عزاليها فجاء أولئك النفر
بأعيانهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله ادع الله
لنا أن يكف السماء عنا، فإنا كدنا أن نغرق. فاجتمع
الناس ودعا النبي (صلى الله عليه وآله) وأمر الناس أن يؤمنوا على
دعائه، فقال له رجل من الناس: يا رسول الله،
أسمعنا فإن كل ما تقول ليس نسمع، فقال: قولوا:
اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم صبها في بطون
الأودية وفي نبات (1) الشجر وحيث يرعى أهل
الوبر، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا " (2).
ثانيا - وروى - أيضا - عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته عن صلاة
الاستسقاء، فقال: مثل صلاة العيدين يقرأ فيها،
ويكبر فيها، كما يقرأ ويكبر فيها، يخرج الإمام
ويبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع
ومسكنة، ويبرز معه الناس فيحمد الله ويمجده
ويثني عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح
والتهليل والتكبير ويصلي مثل صلاة العيدين
ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد، فإذا سلم الإمام
قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن
على الأيسر، والذي على الأيسر على الأيمن، فإن
النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك صنع " (1).
فإن عبارة " فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك صنع " إن
رجعت إلى جميع الرواية دلت على كيفية استسقاء
النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك، وأما إذا رجعت إلى الفقرة
الأخيرة - أي: كيفية تقليب الثوب - فلم تدل إلا
على حكاية فعل النبي (صلى الله عليه وآله) في خصوص كيفية
التقليب.
هذا وقد وردت أحاديث أخرى تبين
استسقاء أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتذكر بعض خطبه
البليغة في الاستسقاء، واستسقاء الإمام علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) أيام المأمون، واستسقاء محمد بن
خالد - والي المدينة - بعد استشارته الإمام الصادق
(عليه السلام) وتعليم الصادق (عليه السلام) إياه كيفية الاستسقاء



(1) كذا في الكافي، ولعله مصحف: منابت.
(2) الكافي (الروضة) 8: 217، الحديث 266.
(1) الكافي 3: 462، كتاب الصلاة، باب صلاة
الاستسقاء، الحديث 2.
309
وآدابه، يراجع كل ذلك في البحار (1) والوسائل (2).
مظان البحث:
كتاب الصلاة: الصلوات المندوبة، صلاة
الاستسقاء.
استسلام
لغة:
الاستسلام: الانقياد، ويأتي بمعنى السلام
وهو ضد الحرب (3).
راجع: أسارى واستئسار.
استشارة
لغة:
يقال: شاورته في كذا واستشرته: راجعته
لأرى رأيه فيه، فأشار علي بكذا: أراني ما عنده فيه
من المصلحة... والاسم: المشورة، وفيه لغتان:
سكون الشين وفتح الواو (مشورة)، والثانية ضم
الشين وسكون الواو (مشورة) (1).
اصطلاحا:
استعمل الفقهاء الاستشارة بالمعنى اللغوي
نفسه.
الأحكام:
قلما تعرض الفقهاء للاستشارة، نعم يمكن
استفادة كثير مما يرتبط بها من الروايات، وفيما يلي
نشير إلى بعض جوانبها، ونحيل بعض جوانبها
الأخرى على عنوان " شورى ".
مشروعية الاستشارة وتأكيد أهميتها:
إن مشروعية الاستشارة ثابتة كتابا وسنة
وعقلا، بل ربما لا خلاف في مشروعية أصل
الاستشارة مع الغض عن موردها:
1 - أما الكتاب: فقد قال تعالى مادحا
المؤمنين: * (وأمرهم شورى بينهم) * (2). وقال تعالى
آمرا نبيه (صلى الله عليه وآله): * (وشاورهم في الأمر) * (3).
2 - وأما السنة: فقد وردت روايات كثيرة
عن النبي وآله (عليهم صلوات الله) تحث على



(1) البحار 88: 289، كتاب الصلاة، أبواب الصلوات التي
يتوصل بها إلى حصول المقاصد والحاجات، باب صلاة
الاستسقاء وآدابها وخطبها وأدعيتها.
(2) الوسائل 8: 5، أبواب صلاة الاستسقاء.
(3) أنظر: الصحاح، ولسان العرب: " سلم ".
(1) المصباح المنير: " شور ".
(2) الشورى: 38.
(3) آل عمران: 159.
310
الاستشارة في الأمور، نذكر بعضها:
أ - عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " فيما
أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام)، قال:
لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل
كالتدبير " (1).
ب - وعنه (عليه السلام) أيضا: " قيل: يا رسول
الله ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي
واتباعهم " (2).
ج - وعن علي (عليه السلام): " لا غنى كالعقل،
ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير
كالمشاورة " (3).
د - وعنه (عليه السلام) أيضا: " من استبد برأيه
هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها " (4).
3 - وأما العقل: فلا شك في حكمه بحسن
الاستشارة.
حكم الاستشارة:
يظهر الحكم التكليفي للاستشارة مما تقدم،
إذ بعد ورود الحث عليها في الكتاب والسنة لا يبقى
مجال للشك في استحبابها، ولو من باب التأسي، نعم
ربما تجب أو تحرم أو تكره لعارض.
مورد الاستشارة:
الاستشارة مشروعة في كل الأمور وتتأكد في
الأمور الخطيرة: مثل الافتاء والقضاء وتدبير أمور
المجتمع ونحو ذلك.
هذا بالنسبة إلى غير النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)،
وأما بالنسبة إليهم فلم يستشيروا أحدا فيما يرتبط
بالتشريع، لأنهم هم الطريق إليه، وأما ما يرتبط
بغير التشريع فقد وردت نصوص تؤيد أنهم كانوا
يستشيرون فيه أصحابهم، ولكن كانت هناك
مصالح وراء هذه المشورة، مثل أن يستن بهم غيرهم
وترتفع معنوياتهم وأقدارهم، أو لمصالح أخرى، ولم
ينقص ذلك من علمهم.
وأما النصوص الدالة على استشارة
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة أصحابهم فمنها:
1 - قوله تعالى: * (فبما رحمة من الله لنت لهم
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت
فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) * (1).
وقد ذكر المفسرون حكمة استشارته أصحابه
مع إمكان استغنائه عن ذلك بالوحي، وفي الآية
إشارة إلى جهة مهمة منها، وهي: أن استشارته لهم



(1) الوسائل 12: 39، الباب 21 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 2.
(2) المصدر نفسه، الحديث الأول.
(3) المصدر نفسه: الحديث 5، وانظر نهج البلاغة: قسم
الحكم، الحكمة 54.
(4) المصدر نفسه: الحديث 6، وانظر نهج البلاغة: قسم
الحكم، الحكمة 161.
(1) آل عمران: 159.
311
كانت من لينه وعدم غلظته، ولو كان فظا غليظا
لانفضوا من حوله وتركوه، ومع ذلك كله جعل
(تعالى) الاختيار النهائي له بقوله: * (فإذا عزمت
فتوكل على الله) *.
2 - ما رواه معمر بن خلاد، قال: " هلك
مولى لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) يقال له: " سعد "
فقال: أشر علي برجل له فضل وأمانة، فقلت: أنا
أشير عليك؟! فقال شبه المغضب: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد " (1).
3 - وما رواه الحسن بن جهم، قال: " كنا
عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فذكر أباه (عليه السلام) فقال:
كان عقله لا توازن به العقول، وربما شاور الأسود
من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟! فقال: إن
الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه، قال: فكانوا
ربما أشاروا عليه بالشئ، فيعمل به من الضيعة
والبستان " (2).
4 - وما رواه الفضيل بن يسار، قال:
" استشارني أبو عبد الله (عليه السلام) مرة في أمر، فقلت:
أصلحك الله، مثلي يشير على مثلك؟! قال: نعم،
إذا استشرتك " (3).
صفات المستشار:
الصفات المعتبرة في المستشار بعضها إيجابية
وبعضها سلبية، ودلت عليها الروايات:
أ - الصفات الإيجابية:
ونقصد بالصفات الإيجابية الصفات التي
ينبغي وجودها في المستشار، وهي:
العقل، والتدين، والورع، والمعرفة بما
يستشار فيه، والنصح، وكتمان السر.
وهذه الأمور مستفادة من مجموعة من
الروايات، ومما يدل على أهمها ما رواه الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال - أي: أبو
عبد الله (عليه السلام) -: إن المشورة لا تكون إلا بحدودها،
فمن عرفها بحدودها، وإلا كانت مضرتها على
المستشير أكثر من منفعتها له، فأولها أن يكون
الذي تشاوره عاقلا، والثانية أن يكون حرا
متدينا، والثالثة أن يكون صديقا مؤاخيا، والرابعة
أن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك
ثم يسر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلا انتفعت
بمشورته، وإذا كان حرا متدينا أجهد نفسه في
النصيحة لك، وإذا كان صديقا مؤاخيا كتم سرك
إذا أطلعته عليه، وإذا أطلعته على سرك فكان
علمه به كعلمك، تمت المشورة، وكملت
النصيحة " (1).



(1) الوسائل 12: 44، الباب 24 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 12: 44، الباب 24 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 3.
(3) الوسائل 12: 44، الباب 24 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 2.
(1) الوسائل 12: 43، الباب 22 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 8.
312
ب - الصفات السلبية:
ونقصد بها الصفات التي ينبغي أن لا توجد في
المستشار، وأهمها: الجبن، والبخل، والحرص،
والسفالة، والفجور.
ومما يدل على ذلك ما رواه الصدوق
بإسناده عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، عن
علي (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي،
لا تشاورن جبانا فإنه يضيق عليك المخرج،
ولا تشاورن بخيلا فإنه يقصر بك عن غايتك،
ولا تشاورن حريصا فإنه يزين لك شرها. واعلم
أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها سوء
الظن " (1).
وعن عمار الساباطي، قال: " قال أبو
عبد الله (عليه السلام): يا عمار، إن كنت تحب أن تستتب
لك النعمة وتكمل لك المروءة وتصلح لك المعيشة،
فلا تستشر العبيد والسفلة في أمرك، فإنك إن
ائتمنتهم خانوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن نكبت
خذلوك، وإن وعدوك بوعد لم يصدقوك " (2).
وعن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
- في حديث -: "... ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه
على سرك، ولا تأتمنه على أمانتك، واستشر في
أمورك الذين يخشون ربهم " (3).
وورد النهي في بعض الروايات عن مشاورة
النساء والعبيد، وهو محمول على الكراهة.
ويمكن القول بارتفاع الكراهة إذا اتصفا
بالصفات الإيجابية المتقدمة، بأن كانت المرأة عاقلة
متدينة، عارفة بالأمور، حافظة للسر، ولم تكن
بخيلة أو جبانة أو حريصة، وكذا العبد.
وقد تقدم أنه روى الحسن بن جهم، فقال:
" كنا عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فذكر أباه (عليه السلام)
فقال: كان عقله لا توازن به العقول، وربما شاور
الأسود من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟!
فقال: إن الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه،
قال: فكانوا ربما أشاروا عليه بالشئ فيعمل به من
الضيعة والبستان " (1).
النهي عن مخالفة المستشار:
ورد النهي عن مخالفة المستشار إذا كان أهلا
للمشورة، فمن ذلك:
1 - ما رواه سليمان بن خالد، قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: استشر العاقل من الرجال
الورع، فإنه لا يأمر إلا بخير، وإياك والخلاف، فإن
مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا " (2).



(1) الوسائل 12: 46، الباب 26 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث الأول.
(2) المصدر نفسه: الحديث 2.
(3) المصدر نفسه: الحديث 3.
(1) الوسائل 12: 44، الباب 24 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 3.
(2) الوسائل 12: 42، الباب 22 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 5.
313
2 - وما رواه منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله،
فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف،
فإن في ذلك العطب " (1).
لزوم نصح المستشير:
ينبغي على المستشار أن يجهد في النصيحة
فلا يكتمها، وقد دلت بعض الروايات على ذلك،
منها:
1 - ما رواه عمر بن يزيد عن أبي
عبد الله (عليه السلام): " قال: من استشار أخاه فلم ينصحه
محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه " (2).
2 - ما جاء في رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى
النجاشي - حينما ولي على الأهواز واستشار
الإمام (عليه السلام) في ذلك -: " أخبرني - يا عبد الله - أبي،
عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: من استشاره أخوه
المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه " (3).
استثناء مورد المشورة من حكم الغيبة:
استثنى الفقهاء من حرمة الغيبة عدة موارد،
منها نصح المستشير، قال الشيخ الأنصاري - عند
عد موارد الرخصة -:
" منها - نصح المستشير، فإن النصيحة واجبة
للمستشير، فإن خيانته تكون أقوى مفسدة من
الوقوع في المغتاب، وكذلك النصح من غير
مشورة... " (1).
ثم استظهر من بعض الروايات وجوب نصح
المؤمن، ولم يذكرها ولعل منها ما رواه معاوية بن
وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: يجب للمؤمن
على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب " (2)،
وما رواه سماعة، قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: أيما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه،
فقد خان الله ورسوله " (3).
كانت هذه أهم الأمور التي ترتبط
بالاستشارة، وبقيت أمور أخرى، مثل استشارة
القاضي والمفتي غيرهما من أهل العلم والفضل قبل
القضاء والافتاء، ودور الشورى في نظام الحكم
الإسلامي، سوف نتعرض لها في عنوان " شورى "



(1) الوسائل 12: 42، الباب 22 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 6.
(2) الوسائل 12: 44، الباب 23 من أبواب أحكام
العشرة، الحديث 2.
(3) الوسائل 17: 208، الباب 49 من أبواب ما يكتسب
به، الحديث الأول.
(1) المكاسب 2: 351.
(2) الوسائل 16: 381، الباب 35 من أبواب فعل
المعروف، الحديث 2.
(3) الوسائل 16: 383، الباب 36 من أبواب فعل
المعروف، الحديث 2.
314
إن شاء الله تعالى.
مظان البحث:
لم يتعرض الفقهاء لموضوع الاستشارة، وإنما
أشير إليه في بعض الموارد، كموضوع الغيبة
والاستخارة، ومقدمات النكاح وآدابه، وآداب
القضاء ونحوها.
استشفاء
لغة:
طلب الشفاء، والشفاء: الدواء (1)، أو البرء
من المرض (2).
اصطلاحا:
لا يتجاوز المعنى اللغوي، لكن قد يستفاد من
بعض استعمالاته أنه يراد به طلب شفاء خاص،
وهو اقترانه بأمور معنوية خارجة عن نطاق
التداوي بالأمور المادية، كما يظهر ذلك مما يأتي.
الأحكام:
الأصل في الاستشفاء أن يكون مباحا، لكن
قد يصير واجبا، كما إذا توقفت حياة الإنسان عليه،
وقد يكون مستحبا، كالاستشفاء بالقرآن والدعاء،
وقد يكون حراما، كالاستشفاء بالمحرمات مع عدم
الاضطرار إليها، وربما يكون مكروها، كالاستشفاء
بالمياه الحارة.
ولذلك نقسم الاستشفاء إلى قسمين: جائز
وحرام. ونقصد بالجائز غير الحرام، فيشمل
المستحب، والواجب، والمكروه، والمباح.
أولا - الاستشفاء الجائز:
إذا قلنا: الاستشفاء بمعنى التداوي، فهما
مترادفان، والاستشفاء الجائز بهذا المعنى كثير. وإن
قلنا بتميزه عن التداوي فهو محدود. ومهما كان، فقد
ورد الاستشفاء في الحديث وكلمات الفقهاء في
الموارد التالية:
1 - الاستشفاء بالقرآن الكريم:
قال تعالى: * (وننزل من القرآن ما هو شفاء
ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) * (1).
ذكر شيخ الطائفة الطوسي (2)، وأمين الإسلام
الطبرسي (3) في تفسيريهما وجوها لكون القرآن شفاء
للمؤمنين يجمعها: أن للإنسان بعدين: بعد جسمي



(1) أنظر: القاموس، ولسان العرب: " شفى ".
(2) المعجم الوسيط: " شفى ".
(1) الإسراء: 82.
(2) التبيان في تفسير القرآن 6: 513.
(3) مجمع البيان (5 - 6): 436.
315
وبعد روحي، ولكل منهما صحة وسقم، والقرآن
كما هو سبب لصحة الروح، لما فيه من البيان
الذي يزيل الجهل والشك، فهو يمكن أن يكون سببا
لصحة الجسم إذا استشفي به. فقد وردت نصوص
متظافرة في الاستشفاء بالقرآن (1)، من جملتها
ما رواه الطبرسي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال:
تضع يدك على موضع الوجع وتقول: " اللهم إني
أسألك بحق القرآن العظيم الذي نزل به الروح
الأمين، وهو عندك في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم،
أن تشفيني بشفائك، وتداويني بدوائك وتعافيني من
بلائك " ثلاث مرات، وتصلي على محمد وأهل
بيته " (3).
2 - الاستشفاء بالتربة الحسينية:
يجوز الاستشفاء بتراب قبر الإمام الحسين
ابن علي (عليهما السلام) بإجماع الإمامية، للنصوص
المستفيضة التي ادعي تواترها (4)، ومن جملتها
ما رواه سعد بن سعد، قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الطين؟ فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة والدم
ولحم الخنزير إلا طين الحائر [قبر الحسين]، فإن فيه
شفاء من كل داء، وأمنا من كل خوف... " (1).
النهي عن أكلها بدون قصد الاستشفاء:
ورد النهي عن أكل التربة الحسينية بدون
قصد الاستشفاء، وأفتى طبقه الفقهاء (2)، فقد روى
حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: من
أكل من طين قبر الحسين (عليه السلام) غير مستشف به،
فكأنما أكل من لحومنا " (3)، وفي حديث آخر: " من
أكله بشهوة لم يكن له فيه شفاء " (4).
لكن نقل عن الشيخ الطوسي جواز أكله
يومي العيدين، وعصر عاشوراء تبركا (5)، إلا أن
بعض الفقهاء رد ذلك، قال الشهيد في المسالك:
" واحترز المصنف بقوله: للاستشفاء بها، عن أكلها
بمجرد التبرك، فإنه غير جائز على الأصح،
وإنما يجوز تناولها للاستشفاء بها من المرض
الحاصل " (6)، وقال سبطه في المدارك في أعمال
يوم العيد: " ولا يجوز الإفطار على التربة الحسينية
إلا بقصد الاستشفاء لمن كان به علة، كغيره من



(1) مكارم الأخلاق: 363، الباب الحادي عشر، الفصل
الثاني: في الاستشفاء بالقرآن.
(2) وهو ولد الطبرسي صاحب مجمع البيان المتقدم ذكره.
(3) مكارم الأخلاق: 390.
(4) الجواهر 36: 358.
(1) الوسائل 24: 226، الباب 59 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 2، وانظر سائر الأحاديث في هذا
الباب، وفي الباب 70 من أبواب المزار في المجلد 14:
521.
(2) أنظر: كشف اللثام 2: 268، والجواهر 36: 368.
(3) المصدر المتقدم، الحديثان 6 و 1.
(4) المصدر المتقدم، الحديثان 6 و 1.
(5) ممن نقله عنه صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 36:
368.
(6) المسالك (الحجرية) 2: 244.
316
الأيام " (1)، وقال صاحب الجواهر - بعد بيان
عدم جواز الأكل في الأوقات الثلاثة بغير قصد
الاستشفاء ولو للتبرك -: " خلافا للمحكي عن
الشيخ في المصباح، فجوزه لذلك في الأوقات
الثلاثة، لكن لم نقف له على حجة... " (2).
مقدار ما يستشفى به:
والمقدار الذي يستشفى به هو مقدار حمصة
لا أكثر، كما صرحت بذلك الروايات وأفتى به
الفقهاء (3).
وهنا يظهر الفرق بين التداوي المتعارف
والاستشفاء، حيث لا يتحدد التداوي بشئ بمقدار
خاص منه، بل يتداوى بالمقدار الذي يستلزمه
التداوي، بخلاف الاستشفاء فيكتفى فيه حتى
باليسير منه، إما لزوما، كما في التربة الحسينية، وإما
جوازا، كما في غيرها.
الموضع الذي يؤخذ منه التراب:
قال الشهيد في المسالك - محددا الموضع
الذي يؤخذ منه التراب -: "... وهي تراب
ما جاور قبره الشريف عرفا أو ما حوله إلى سبعين
ذراعا، وروي إلى أربعة فراسخ. وطريق الجمع:
ترتبها في الفضل، وأفضلها ما أخذ بالدعاء المرسوم،
وختمها تحت القبة المقدسة بقراءة سورة
القدر... " (1).
وكذا قال فقهاء آخرون.
آداب الاستشفاء بالتربة الحسينية:
وردت آداب وأدعية في كيفية الأخذ من
تراب قبر الحسين (عليه السلام)، وكيفية استعماله، وربما
جعلها بعضهم شرطا في جواز الاستشفاء به (2)، لكن
حملها الأكثر على الأفضلية وسرعة التأثير، ونحو
ذلك (3).
النهي عن بيع التربة الحسينية:
ورد النهي عن بيع التربة الحسينية، فعن
الصادق (عليه السلام): " من باع طين قبر الحسين (عليه السلام) فإنه
يبيع لحم الحسين ويشتريه " (4).
الاستشفاء بتربة النبي (صلى الله عليه وآله) وسائر
الأئمة (عليهم السلام):
ورد النهي عن الاستشفاء - أكلا - بتربة سائر
الأئمة (عليهم السلام)، ويظهر منه أن الاستشفاء بالتربة
- أكلا - مخصوص بتربة الإمام الحسين (عليه السلام)، فمن
ذلك ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):



(1) المدارك 4: 114.
(2) الجواهر 36: 368.
(3) أنظر: المسالك (الحجرية) 2: 244، وكشف اللثام 2:
268، والجواهر 36: 358، والوسائل 14: 529،
الباب 72 من أبواب المزار، الحديث الأول.
(1) المسالك (الحجرية) 2: 244.
(2) أنظر كشف اللثام 2: 268.
(3) أنظر الجواهر 36: 364.
(4) الوسائل 24: 228، الباب 59 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 5.
317
" قال:... ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به،
فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن
علي (عليهما السلام)، فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا
وأوليائنا " (1).
وعن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام)، قال: " سألته عن الطين الذي يؤكل،
فقال: كل طين حرام، كالميتة والدم وما أهل لغير الله
به، ما خلا طين قبر الحسين (عليه السلام) فإنه شفاء من كل
داء " (2).
ومع ذلك فقد ورد في بعض الروايات جواز
الاستشفاء بطين قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)،
لكنه حمل على صورة الاستشفاء بغير الأكل.
قال الحر العاملي بعد ذكر بعض هذه
الروايات: " أقول: الاستشفاء بما عدا تربة
الحسين (عليه السلام) مخصوص بغير الأكل " (3).
وقال المجلسي بعد ذكر بعضها أيضا:
" أقول: هذا الخبر يدل على جواز الاستشفاء
بطين قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة (عليهم السلام)، ولم
يقل به أحد من الأصحاب، ومخالف لسائر
الأخبار عموما وخصوصا، ويمكن حمله على
الاستشفاء بغير الأكل، كحملها، والتمسح بها،
وأمثال ذلك " (1).
وقال صاحب الجواهر: " وعلى كل حال
فظاهر الفتاوى الاقتصار على استثناء قبر
الحسين (عليه السلام) من بين قبورهم (عليهم السلام) حتى النبي (صلى الله عليه وآله)،
بل المعروف كون ذلك من خواصه (عليه السلام)، كما ورد به
بعض النصوص، لكن قد سمعت ما في خبر الثمالي،



(1) الوسائل 14: 529، الباب 72 من أبواب المزار،
الحديثان 2 و 3.
(2) الوسائل 14: 529، الباب 72 من أبواب المزار،
الحديثان 2 و 3.
(3) الوسائل 24: 228، الباب 59 من أبواب الأطعمة
المحرمة، ذيل الحديث 3.
(1) البحار 57: 156، كتاب السماء والعالم، باب تحريم
أكل الطين، ذيل الحديث 22.
أقول: روى المجلسي في البحار كيفية استشفاء أحمد
ابن ربيعة الأنباري الكاتب وقد اعتلت يده وأكلتها
الخبيثة وأشير عليه بقطعها، ولم يشك أحد ممن رآه
في تلفه، فأمر فحمل - بعد أن غسلوه وطيبوه وطرحوا
عليه ثيابا نظيفة طاهرة - إلى قبر موسى بن جعفر
صلوات الله عليه، فلاذ به وأخذ من تربته وطلى يده إلى
زنده وكفه، وشدها، فلما كان من الغد حلها وقد تساقط
كل لحم وجلد عليها حتى بقيت عظاما وعروقا مشبكة
وانقطعت الرائحة. وبلغ خبره وزير المقتدر علي بن
[محمد بن] موسى [بن] الفرات فحمل إليه حتى رآه،
ثم عولج وبرأ، ورجع إلى الديوان، فكتب بها كما كان
يكتب....
البحار 91: 33 - 34، كتاب الذكر والدعاء، باب
الاستشفاع بمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) في الدعاء، ذيل
الحديث 22.
ونماذج ذلك كثيرة جدا تطلب من مظانها، وراجع
العنوانين: " توسل "، " شفاعة "، ونحوهما.
ولا غرو في ذلك بعد أن جعل الله كرامة لأهل هذا
البيت لما بذلوه في سبيله من كل غال ونفيس.
318
وقوله (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: " الشراب الذي شربته
فيه طين قبور آبائي " ولكن لم نجد عاملا بذلك على
وجه يحل أكله كحل أكل طين القبر... " أي قبر
الحسين (عليه السلام).
ثم بين أنه لا بأس بالاستشفاء به بغير
الأكل (1).
3 - الاستشفاء بالصدقة والدعاء والصلاة:
ورد الأمر بالاستشفاء بالصدقة والدعاء
والصلاة، فعن الصادق (عليه السلام): " داووا مرضاكم
بالصدقة " (2)، وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام):
" عليكم بالدعاء، فإن الدعاء والطلب إلى الله
عز وجل يرد البلاء وقد قدر وقضي فلم يبق
إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله وسئل، صرف البلاء
صرفا " (3). وعن إسماعيل بن عبد الله بن محمد
ابن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: " مرضت
مرضا شديدا حتى يئسوا مني، فدخل علي أبو
عبد الله (عليه السلام) فرأى جزع أمي علي، فقال: توضئي
وصلي ركعتين، وقولي في سجودك: " اللهم أنت
وهبته لي ولم يك شيئا فهبه لي هبة جديدة " ففعلت،
فأصبحت وقد صنعت هريسة، فأكلت منها مع
القوم " (4).
4 - الاستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ونحوهما:
وردت روايات مستفيضة - إجمالا - في
الاستشفاء بعدة أمور، من قبيل: ماء زمزم، وماء
ميزاب الكعبة، وماء السماء (المطر) قبل أن يصل إلى
الأرض، وسؤر المؤمن (1)، والعسل، لقوله تعالى:
* (فيه شفاء للناس) * (2) ونحو ذلك، تطلب تفاصيلها
من مظانها.
5 - الاستشفاء بالمياه الحارة:
المقصود من المياه الحارة هي العيون
الكبريتية التي تكون مياهها حارة، ويقصد إليها
للتداوي والاستشفاء بها، وقد ورد النهي عن ذلك،
فروى مسعدة بن صدقة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاستشفاء بالحمات،
وهي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي يوجد
فيها رائحة الكبريت " (3).
لكن حمل الفقهاء النهي على الكراهة (4).



(1) الجواهر 36: 368.
(2) مكارم الأخلاق: 388 و 395.
(3) مكارم الأخلاق: 388 و 395.
(4) مكارم الأخلاق: 388 و 395.
(1) أنظر الوسائل 25: الأبواب 16، 17، 18، 21 و 23
وغيرها من أبواب الأشربة المباحة.
(2) النحل: 69، وانظر الوسائل 25: 97، الباب 49 من
أبواب الأطعمة المباحة.
(3) الوسائل 1: 221، الباب 12 من أبواب الماء المضاف،
الحديث 3.
(4) الجواهر 36: 424، وانظر النهاية: 592، والسرائر
3: 132، والقواعد 2: 159، وغيرها.
319
6 - الاستشفاء بأبوال الإبل:
يجوز الاستشفاء بأبوال الإبل (1)، لما ورد:
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر قوما اعتلوا بالمدينة أن يشربوا
أبوال الإبل (2). وأنها تفيد " الربو "، فعن المفضل
ابن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه شكا إليه
الربو الشديد، فقال: اشرب له أبوال اللقاح،
فشربت ذلك، فمسح الله دائي " (3)، وعن موسى
ابن عبد الله بن الحسن، قال: " سمعت أشياخنا
يقولون: ألبان اللقاح شفاء من كل داء وعاهة،
ولصاحب الربو أبوالها " (4).
راجع: إبل، تداوي.
تنبيه:
ورد في بعض الروايات جواز التداوي
بالطين الأرمني، وهو طين كان يجلب من أرمينية
يتداوى به، خصوصا من الإسهال والوباء (5)، لكن
لما كانت ألفاظ الروايات وكلمات الفقهاء وردت
بعنوان " التداوي " لا " الاستشفاء " فلذلك آثرنا
ذكره في العنوانين: " تداوي " و " طين ".
ثانيا - الاستشفاء بالحرام:
لا يجوز الاستشفاء بالمحرم والتداوي به إذا لم
ينحصر الدواء فيه، وقد ادعى صاحب الجواهر عدم
الخلاف فيه (1)، لما ورد من النهي عن التداوي بالخمر
ونحوه، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): " قال: لا
ينبغي لأحد أن يستشفي بالحرام " (2)، ونحوه غيره.
وأما في صورة انحصار الدواء في الحرام،
فيكون من مصاديق الاضطرار (3)، وهو رافع
للتكليف بصريح الكتاب في قوله تعالى: * (فمن
اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) * (4)، وغيره.
وفيه تفصيل يراجع فيه العنوانان:
" اضطرار "، و " تداوي ".
مظان البحث:
أكثر ما يبحث عن هذه الموارد في كتاب
الأطعمة والأشربة، ويأتي البحث عن بعضها
بالمناسبة في موارد أخرى مثل:
المكاسب المحرمة: البحث عن أبوال الإبل.
وأعمال يوم العيد: البحث عن بعض جهات
التربة الحسينية.



(1) الجواهر 36: 391.
(2) دعائم الإسلام 2: 476، الحديث 1711.
(3) الوسائل 25: 115، الباب 59 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 8.
(4) الوسائل 25: 114، الباب 59 من أبواب الأطعمة
المباحة، الحديث 3.
(5) المسالك (الحجرية) 2: 244.
(1) الجواهر 36: 445.
(2) الوسائل 25: 345، الباب 20 من أبواب الأشربة
المحرمة، الحديث 5.
(3) أنظر الجواهر 36: 424.
(4) البقرة: 173.
320
والطهارة: بمناسبات مختلفة، كحرمة تنجيس
التربة الحسينية، وكراهة غسل الميت
بالماء الساخن ونحو ذلك.
استشفاع
لغة:
من استشفعه: طلب منه الشفاعة، أي قال:
كن لي شافعا. والشافع: الطالب لغيره. والشفع من
الأعداد: الزوج، مقابل الفرد (1).
فكأن الشفيع ينضم إلى الوسيلة الناقصة التي
مع المستشفع، فيصير به زوجا بعد ما كان فردا،
فيقوى على نيل ما يريده (2).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي.
الأحكام:
سوف يأتي في عنوان " شفاعة " الكلام عن
عدة أمور، من جملتها:
1 - جواز الاستشفاع إلى الله تعالى بأنبيائه،
وأوليائه، وعباده الصالحين، وبالقرآن ونحوه، وبيان
المعنى الصحيح للاستشفاع الذي نقول بجوازه.
2 - عدم جواز الشفاعة في الحدود.
3 - كراهة شفاعة القاضي إلى المستحق
لإسقاط الحق.
4 - استحباب شفاعة المؤمن لأخيه المؤمن في
قضاء حوائجه.
وغير ذلك مما يرتبط بالاستشفاع، والشفاعة.
استشهاد
لغة:
مصدر استشهد، ويأتي على معنيين:
1 - طلب الشهادة، فيقال: استشهدت فلانا،
أي: سألته أن يشهد.
2 - القتل في سبيل الله، فيقال: استشهد
فلان، أي: قتل في سبيل الله (1).
اصطلاحا:
يستعمل الاستشهاد بالمعنى الأول في تحمل
الشهادة وأدائها، ويأتي توضيح ذلك كله في عنوان
" شهادة ".
وأكثر ما يستعمل الفقهاء هذا المعنى بعنوان
" إشهاد ".
وأما الاستشهاد بالمعنى الثاني فسوف يأتي
بعنوان " شهيد ".



(1) لسان العرب، وغيره: " شفع ".
(2) الميزان في تفسير القرآن 1: 157.
(1) أنظر: الصحاح، ولسان العرب: " شهد ".
321
استصباح
لغة:
مصدر استصبح، بمعنى: أوقد المصباح،
واستصبح بالزيت ونحوه: أمد به مصباحه (1).
اصطلاحا:
ورد " الاستصباح " في كلمات الفقهاء بالمعنى
الثاني، وهو: إمداد المصابيح، وأما بمعنى
إيقادها فهو مذكور عندهم بلفظ " إسراج " أو
" إيقاد ".
الأحكام:
ذكر الفقهاء عنوان " الاستصباح " في عدة
مواطن كلها ترتبط بموضوع واحد، وهو
الاستصباح بالدهن النجس أو المتنجس، فقد
تكلموا حول ذلك بمناسبة ذكر الأعيان النجسة في
كتاب الطهارة، وفي أول المكاسب المحرمة بمناسبة بيع
الميتة والدهن النجس، وفي كتاب الأطعمة بمناسبة
عنوان " أكل الميتة "، و " المائعات النجسة ".
وفيما يلي نشير إلى إجمال ما ذكروه
فنقول:
أولا - الاستصباح بالدهن النجس:
إذا كان الدهن من الأعيان النجسة، كأليات
الغنم الميتة وشحومها، أو شحوم سائر الحيوانات
الميتة، فالمعروف بين الفقهاء هو حرمة استعماله من
جميع الوجوه، ومنها الاستصباح (1).
لكن يظهر من بعض الفقهاء جواز ذلك،
منهم: العلامة، فقد نقل عنه في حلقة الدرس: أنه
جوز الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة، تحت
السماء (2).
ومنهم: السيد اليزدي (3) والسيدان الحكيم (4)
والخوئي (5)، حيث خص هؤلاء تحريم الانتفاع
بالميتة بالانتفاع المشروط بالطهارة والتذكية (6)،
كالأكل واللبس في الصلاة ونحوهما، وأما
ما لا يشترط فيه شئ منهما - كالتسميد



(1) المعجم الوسيط: " صبح ".
(1) أنظر: الجواهر 22: 16، 36: 341، والمكاسب 1:
39، والتنقيح 1: 560.
(2) نقل الشهيد الأول في حواشيه على القواعد أنه نقل
عنه ذلك، جاء ذلك في مفتاح الكرامة 4: 19.
(3) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في النجاسات،
الرابع: الميتة، المسألة 19.
(4) المستمسك 1: 340 - 342.
(5) التنقيح 1: 560 - 561.
(6) اقتصر السيد اليزدي على ذكر الطهارة، ولم يزد السيد
الحكيم عليها شيئا، وإنما زاد السيد الخوئي قيد التذكية،
ولعله لأجل عدم الملازمة - عنده - بين عدم التذكية
والنجاسة كما هو عند المشهور.
322
والاستصباح ونحوهما - فلا يحرم الانتفاع بها.
ثانيا - الاستصباح بالدهن المتنجس:
ونقصد بذلك ما كان طاهرا في حد ذاته
- كالأدهان المتخذة من النباتات والأليات
الطاهرة - لكن أصابه النجس.
والظاهر أن المشهور يقولون بجواز
الاستصباح بهذه الأدهان (1)، كما صرحت به
الروايات، بل ادعي عليه الإجماع (2).
لكن يبقى أمران لا بد من التنبيه عليهما،
وهما:
أ - هل يجب أن يكون الاستصباح به تحت
السماء، فلا يجوز تحت السقف، أو لا يجب؟
المشهور بين الفقهاء وجوب كون الاستصباح
تحت السماء (3). وعن بعضهم عدم وجوب ذلك (4)،
وفصل العلامة بين ما إذا علم بتصاعد شئ من
أجزاء الدهن - مع الدخان - وما إذا لم يعلم، فوافق
المشهور في الأول (5).
ب - المعروف بين فقهائنا جواز المعاوضة
على الدهن المتنجس، لكن اختلفوا في أن صحة البيع
هل هي مشروطة باشتراط المتبايعين الاستصباح به
صريحا - في العقد - أو يكفي قصدهما لذلك، أو
لا يشترط شئ منهما؟ أو يشترط قصد
الاستصباح إذا كان الاستصباح منفعة نادرة للدهن
- كدهن اللوز والبنفسج - وكانت منحصرة فيه، أما
إذا كانت المنفعة منفعة غالبة - كالأدهان المعدة
للإسراج - فلا يعتبر في صحة البيع قصد
الاستصباح؟
فيه أقوال (1).
استصحاب
راجع: الملحق الأصولي.
استصلاح
راجع: الملحق الأصولي.



(1) أنظر الوسائل 17: 97، الباب 6 من أبواب ما يكتسب
به.
(2) أنظر الجواهر 36: 385، و 22: 13.
(3) أنظر: الجواهر 36: 385، و 22: 13، والمكاسب 1:
78.
(4) أنظر الجواهر 22: 15، فإنه حكى عن بعضهم جواز
الاستصباح مطلقا سواء كان تحت السقف أو لا.
(5) المختلف (الحجرية): 686.
(1) أنظر المكاسب 1: 68 - 72.
323
استصناع
لغة:
مصدر استصنع الشئ، أي: دعا إلى
صنعه (1).
اصطلاحا:
لم يتعرض فقهاؤنا لهذا العنوان إلا القليل
منهم، كالشيخ، وابن حمزة، وابن سعيد، فلذلك
لم تتضح حقيقته هل هو عقد أو لا؟ وإذا كان عقدا
هل هو صحيح أو لا؟ وإذا كان عقدا صحيحا هل
هو لازم أو لا؟ وإن كان لازما هل هو بيع أو
إجارة؟
ويظهر من كلام الشيخ أنه عقد فاسد، قال في
الخلاف: " استصناع الخفاف، والنعال، والأواني من
الخشب والصفر والرصاص والحديد، لا يجوز... ".
ثم قال:
" دليلنا على بطلانه: أنا أجمعنا على أنه
لا يجب تسليمها، وأنه بالخيار بين التسليم ورد
الثمن، والمشتري لا يلزمه قبضه، فلو كان العقد
صحيحا لما جاز ذلك، ولأن ذلك مجهول غير معلوم
بالمعاينة، ولا موصوف في الذمة، فيجب المنع
منه " (1).
وقال في المبسوط: " واستصناع الخف والنعل
والأواني من خشب أو صفر أو حديد أو رصاص
لا يجوز، فإن فعل لم يصح العقد، وكان بالخيار إن
شاء سلمه وإن شاء منعه، فإن سلمه كان المستصنع
بالخيار إن شاء رده وإن شاء قبله " (2).
لكن يظهر من ابن حمزة وابن سعيد أن
الاستصناع عقد صحيح جائز من الطرفين، فلكل
منهما الفسخ.
قال ابن حمزة في الوسيلة: " ومن استصنع
شيئا قبل، وفعل الصانع، كان مخيرا بين التسليم
والمنع، والمستصنع بين القبول والرد " (3).
وقال ابن سعيد في الجامع للشرائع:
" واستصناع شئ كالخف، وفعلة (4) الصانع، غير
لازم للمستصنع، وله رده " (5).
ويمكن توجيه كلام الشيخ - وخاصة
ما ذكره في المبسوط - بما يمكن جمعه مع كلام
الأخيرين.
هذا، ويحتمل أن يكون الاستصناع مواعدة
ابتدائية.



(1) لسان العرب: " صنع ".
(1) الخلاف 3: 215، المسألة 33.
(2) المبسوط 2: 194.
(3) الوسيلة: 257.
(4) في نسخة: وفعل الصائع.
(5) الجامع للشرائع: 259.
324
الأحكام:
لا يجب الوفاء على الطرفين في الاستصناع
سواء قلنا بأنه عقد أو مواعدة، لأنه على فرض
كونه عقدا فهو عقد جائز - على ما يظهر من غير
الخلاف من الكتب المتقدمة - والعقد الجائز لا يجب
الوفاء به.
هذا بناء على كونه عقدا صحيحا، وأما بناء
على كونه عقدا فاسدا - كما يظهر من الخلاف -
فلا موجب للزوم الوفاء أصلا.
وأما بناء على كونه مواعدة ابتدائية، فلا يجب
الوفاء به أيضا، لأنه لا يجب الوفاء بالوعد
الابتدائي. نعم، يجب الوفاء بالوعد لو كان ضمن
عقد لازم.
وأحسب أن هناك محاولات جديدة للبحث
عن هذا العقد وإعطائه صيغا مقبولة.
استطابة
لغة:
الاستطابة مصدر استطاب، بمعنى وجده
طيبا.
والطيب - كما قال الطريحي في مجمع
البحرين - يأتي على معان أربعة:
1 - المستلذ.
2 - ما حلله الشارع.
3 - ما كان طاهرا.
4 - ما خلا من الأذى في النفس والبدن.
وهو حقيقة في الأول لتبادره إلى الذهن عند
الإطلاق. والخبيث يقابل الطيب.
وقال - أيضا -: " والإطابة والاستطابة
كنايتان عن الاستنجاء بغسل أو مسح بحجر
- وقيل: بمسح فقط - لأن الإنسان يطيب جسده
بإزالة الخبث عنه، أي: يطهره " (1).
ويطلق على إزالة الشعر - أيضا - لأنه تنظيف
وإزالة أذى (2).
اصطلاحا:
تأتي الاستطابة بمعنى التنظيف بمعناه العام،
وبمعنى الاستنجاء.
الأحكام:
سوف يأتي الكلام عن الاستنجاء في محله، كما
يأتي الكلام عن كل مورد من موارد الاستطابة
كإزالة الشعر، وتقليم الأظفار، والاستحمام ونحوها
في موطنه. لكن لا بأس بذكر ما يرتبط بالاستطابة
بنحو عام، كما ذكره الشهيد في الذكرى، فإنه جعل
الاستطابة نوعين، وذكر الاستطابة العامة في النوع



(1) مجمع البحرين: " طيب ".
(2) أنظر لسان العرب، والمصباح المنير، والنهاية لابن
الأثير: المادة نفسها.
325
الأول، والاستطابة بمعنى الاستنجاء في النوع الثاني.
وقال في النوع الأول - ما خلاصته -:
" الأول - المطلقة: وقد مر بعضها كالخضاب، وإزالة
الشعر، ومنها: الطيب، وتقليم الأظفار يوم الجمعة
وأخذ الشارب، وعن الصادق (عليه السلام): أنهما أبلغ في
استنزال الرزق من التعقيب إلى طلوع الشمس،
وروى هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام): القلم يوم
الجمعة أمان من الجذام والبرص والعمى... وعن
الصادق (عليه السلام): أربعة من أخلاق الأنبياء: التطيب،
والتنظيف بالموسى، وحلق الجسد بالنورة، وكثرة
الطروقة... وقال (عليه السلام): ليتزين أحدكم يوم الجمعة،
ويغتسل، ويتنظف، ويسرح، ويلبس أنظف ثيابه،
وليتهيأ للجمعة، وليكن عليه في ذلك السكينة
والوقار... وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حفوا الشوارب
واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود... وقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء: اتركن من أظافيركن، فإنه
أزين لكن، وقال الصادق (عليه السلام): لا ينبغي للمرأة أن
تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قلادة... وروي:
أن السنن الحنيفية خمس عشرة، خمس في الرأس:
المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الشعر،
وقص الشارب. وخمس في البدن: قص الأظفار،
وحلق العانة، والإبطين، والختان، والاستنجاء.
ويتأكد السواك عند الوضوء والصلاة والسحر،
وقراءة القرآن وتغيير النكهة " (1).
ثم ذكر النوع الثاني، وهو الاستطابة بمعنى
الاستنجاء.
راجع: استنجاء.
استطاعة
لغة:
الاستطاعة: القدرة على الشئ (1).
اصطلاحا:
ورد عنوان " الاستطاعة " في كلمات
المتكلمين، والأصوليين، والفقهاء، وكلهم يريد بها:
القدرة.
أما المتكلمون فيريدون بها: قدرة الإنسان
على أفعاله، فالقائلون منهم بالاستطاعة - وهم
الشيعة والمعتزلة - يقولون: إن الإنسان قادر على أن
يفعل أو لا يفعل، وهذه القدرة موجودة قبل
التكليف (2).



(1) الذكرى: 19.
(1) لسان العرب: " طوع ".
(2) وردت روايات عديدة في تفسير الاستطاعة بالقدرة،
ومما جاء في ذلك ما رواه ابن أبي عمير عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا
إلا وهو مستطيع وقد يكون مستطيعا غير فاعل، ولا
يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة ".
ومن ذلك ما رواه هشام بن الحكم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * ما يعني ذلك؟
قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد
وراحلة ".
أنظر التوحيد (للصدوق): 350، باب الاستطاعة،
الحديث 13 و 14. وانظر تصحيح الاعتقاد (للمفيد):
23، معنى الاستطاعة، ودلائل الصدق 1: 340،
وغيرها، والآية في سورة آل عمران: 97.
326
وأما الأصوليون والفقهاء، فتارة يريدون
بالقدرة القدرة العقلية، وتارة القدرة الشرعية.
ومرادهم من القدرة العقلية: قدرة المكلف
تكوينا على إتيان الفعل المأمور به. ويقولون: إن
التكاليف مشروطة - عقلا - بالقدرة على إتيان
متعلقاتها، إما من جهة قبح تكليف الإنسان بما
لا يطيقه، أو من جهة أن نفس الخطاب والتكليف
بشئ يقتضي القدرة عليه.
ومرادهم من القدرة الشرعية: قدرة المكلف
على إتيان المكلف به مع جميع قيوده وشروطه
المأخوذة فيه شرعا بنفس الخطاب أو بخطاب آخر.
فالتكليف بالوضوء - في الآية الشريفة (1) -
مقيد عقلا بالقدرة على تحصيل الماء، لكن وردت
شروط - ضمن خطابات شرعية أخر - للماء الذي
يتوضأ به، مثل: طهارته، وإباحته، وإطلاقه،
ونحوها. ولذلك لو وجد الماء لكن لم يتصف
بالصفات المطلوبة شرعا، فالقدرة العقلية متحققة،
لكن القدرة الشرعية غير متحققة (1).
وأغلب ما استعملت " الاستطاعة " بمعنى
القدرة الشرعية في خصوص الحج، وأما في غيره
فالمتداول استعمال " القدرة " بدل " الاستطاعة "،
ولذلك نكتفي - هنا - ببيان أحكام الاستطاعة في
خصوص الحج، ونترك الكلام في غيره إلى عنوان
" قدرة ".
الأحكام:
لا إشكال في اشتراط وجوب الحج
بالاستطاعة، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا) * (2)، وللسنة المتواترة،
ولإجماع المسلمين كما قال صاحب الجواهر (3)،
وقال السيد اليزدي - عند عد شرائط وجوب
الحج -:
" الثالث - الاستطاعة من حيث المال،
وصحة البدن وقوته، وتخلية السرب وسلامته،
وسعة الوقت، وكفايته، بالإجماع والكتاب



(1) وهو قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم... فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا طيبا) * المائدة: 6.
(1) أنظر فوائد الأصول 1: 314 - 315، والتنقيح 9:
357.
(2) آل عمران: 97.
(3) الجواهر 17: 248.
327
والسنة " (1).
واحتمل صاحب الجواهر أن يكون اشتراط
وجوب الحج بالاستطاعة ضروريا مثل وجوب
أصل الحج (2).
هذا المقدار مما لا كلام فيه، لكن ينبغي بيان
أقسام الاستطاعة وما يرتبط بها من أحكام على
سبيل الاختصار.
أقسام الاستطاعة:
ذكروا للاستطاعة أقساما ربما يتداخل
بعضها، وهي: الاستطاعة العقلية، والاستطاعة
الشرعية، والاستطاعة البذلية، والاستطاعة
البدنية، والاستطاعة الزمانية، والاستطاعة
السربية، والاستطاعة المالية.
القسم الأول - الاستطاعة العقلية:
ويقصد بها القدرة على إتيان أعمال الحج في
الموسم المقرر، عقلا، سواء تحقق ذلك بالمشي أو
الركوب، وسواء كان فيه حرج شديد أو لا، وسواء
كان مستلزما لمهانته أو لا؟
فالغرض من الاستطاعة العقلية هو مجرد
التمكن من إتيان المناسك في الموسم بأي وسيلة
كانت.
والمعروف بين فقهاء الإمامية: أن هذه
الاستطاعة غير كافية لوجوب الحج، بل لا بد من
تحقق الاستطاعة الشرعية - كما سيأتي بيانها - لكن
استشكل صاحب المدارك وصاحب الحدائق فيما
ذهب إليه المشهور كما سيتضح.
القسم الثاني - الاستطاعة الشرعية:
والمقصود بها الاستطاعة التي اعتبرها
الشارع إضافة إلى الاستطاعة العقلية، فإن هناك
روايات دلت على اشتراط وجود الزاد والراحلة في
تحقق الاستطاعة، فمن لم يجد الزاد والراحلة
ولا ثمنهما فليس بمستطيع، وكذا من وجدهما لكن
كان السفر شاقا وحرجيا بالنسبة إليه، كما تقتضيه
قاعدة " نفي الحرج ".
فالمستطيع بحسب جملة من الروايات: هو
الذي يمتلك زادا وراحلة، ولم يكن السفر وأداء
المناسك موجبين للمشقة والحرج عليه، بل يمكن أن
نقول: إن الاستطاعة الشرعية متضمنة
للاستطاعات التي سوف نذكرها.
تقدم أن قلنا: إن المعروف بين الفقهاء هو
اعتبار الاستطاعة الشرعية في وجوب الحج،
فلا تكفي الاستطاعة العقلية، وقد خالف في ذلك
صاحب المدارك وصاحب الحدائق.
أما الأول فقد قال - بعد نقل كلمات القائلين
باعتبار الاستطاعة الشرعية (الزاد والراحلة)،



(1) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الشرط الثالث.
(2) الجواهر 17: 248.
328
وبعد ذكر بعض الروايات الدالة على عدم
اعتبارهما -:
" وبالجملة فالمسألة قوية الإشكال، إذ
المستفاد من الآية الشريفة تعلق الوجوب
بالمستطيع، وهو القادر على الحج، سواء كانت
استطاعته بالقدرة على تحصيل الزاد والراحلة أو
بالقدرة على المشي، كما اعترف به الأصحاب في
حق القريب " (1).
وقال الثاني - بعد نقل كلام المحقق والعلامة في
اعتبار الاستطاعة الشرعية -:
" أقول: وعلى هذه المقالة اتفقت كلمتهم
(رضوان الله عليهم) كما سمعته من كلام العلامة،
ومقتضى ذلك - كما صرحوا به -: أنه لا يجزي الحج
ماشيا مع الإمكان لو لم يملك الراحلة. وعندي فيه
إشكال، حيث إن الآية قد دلت على أن شرط
الوجوب الاستطاعة، والاستطاعة لغة وعرفا:
القدرة، وتخصيصها بالزاد والراحلة يحتاج إلى دليل
واضح " (2).
تنبيهات:
وهنا لا بد من التنبيه على أمور:
الأول - اختلف الفقهاء في اشتراط الراحلة
للمكي ونحوه ممن يمكنه إتيان المناسك ماشيا،
فاشترط بعضهم وجودها أيضا، ونفاه بعض آخر،
وأطلق آخرون.
فممن اشترط وجودها: الفاضل
الأصفهاني (1)، والسيد اليزدي (2)، والسيد
الخوئي (3). واشترط الشهيد الثاني وجودها في
صورة عدم التمكن من إتيان المناسك بدونها (4).
وممن نفى اشتراطها أو يظهر منه ذلك: الشيخ
في المبسوط (5)، والمحقق (6)، والعلامة (7)، وصاحب
المدارك (8)، وصاحب الجواهر (9).
وأطلق الأكثر - كما قال صاحب الجواهر (10) -
ولم يقيدوا اشتراط الزاد والراحلة بالبعيد.
ولعله يمكن الجمع بين الجميع بأن نحمل كلام
القائلين بالاشتراط للقريب على صورة حصول
المشقة والحرج من أداء مناسك عرفة ومنى ماشيا،
لكن الاشتراط عندئذ ليس من جهة توقف صدق



(1) المدارك 7: 37.
(2) الحدائق 14: 82.
(1) كشف اللثام 1: 289.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الشرط الثالث، المسألة 2.
(3) معتمد (مستند) العروة الوثقى 1: 85.
(4) المسالك 2: 129.
(5) المبسوط 1: 298.
(6) شرائع الإسلام 1: 225.
(7) المنتهى (الحجرية) 2: 652، التذكرة 7: 51،
وغيرهما.
(8) المدارك 7: 36.
(9) الجواهر 17: 252.
(10) المصدر نفسه.
329
الاستطاعة على وجود الراحلة للمكي، بل من جهة
اقتضاء قاعدة " لا حرج " ذلك (1).
الثاني - المراد بالزاد - هنا - المأكول
والمشروب وسائر ما يحتاج إليه المسافر - من
الأوعية التي يتوقف عليها حمل ما يحتاج إليه -
وجميع ضروريات السفر بحسب حاله: قوة وضعفا،
وزمانه: حرا وبردا، ذهابا وإيابا (2).
والمراد بالراحلة مطلق ما يركب.
واللازم وجود ما يليق بحاله قوة وضعفا
بحيث لا يكون موجبا للمشقة عليه. وأما مراعاة
اللياقة بحسب الضعة والشرف، فقد اشترطها
بعضهم، كالسيد اليزدي (3)، وصاحب الجواهر (4)،
والسيد الحكيم (5)، والسيد الخوئي (6)، والإمام
الخميني (7). واستظهره صاحب المدارك (8) من المحقق
والعلامة، لكن استشكل صاحب الحدائق (9) في هذا
الاستظهار.
وقيده بعض المشترطين بما إذا استلزم عدم
المراعاة العسر والحرج.
وممن نفى اشتراطها: الشهيد الأول (1)،
وصاحب المدارك (2)، والمحقق السبزواري (3)،
والفاضل الإصفهاني (4)، وصاحب الحدائق (5).
الثالث - لا يشترط وجود الزاد والراحلة
عينا، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما
من المال سواء كان من النقود أو من العقارات أو من
الضياع أو غيرها مما هو زائد على ما يحتاج إليه.
وقال السيد الحكيم: "... وهو مما لا إشكال
فيه، وينبغي عده من الضروريات، فإن مقتضى
الجمود على ما تحت قوله (عليه السلام): " له زاد وراحلة "
وإن كان هو اعتبار وجودهما عينا، لكن المراد منه
ما ذكر، ويقتضيه قوله (عليه السلام): " ما يحج به " " (6).
الرابع - قال السيد اليزدي: " قد عرفت أنه
لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج



(1) المصدر نفسه، وانظر كلام المشترطين والنافين.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الشرط الثالث، المسألة 4.
(3) المصدر نفسه.
(4) الجواهر 17: 256.
(5) المستمسك 10: 75 - 76.
(6) معتمد العروة الوثقى 1: 90.
(7) تحرير الوسيلة 1: 319، كتاب الحج، شرائط وجوب
حجة الإسلام، المسألة 11.
(8) المدارك 7: 40، واستظهره غيره أيضا.
(9) الحدائق 14: 98.
(1) الدروس 1: 312، فإنه قال: " ولا يكفي علو منصبه
في اعتبار المحمل أو الكنيسة، فإن النبي والأئمة (عليهم السلام)
حجوا على الزوامل ".
(2) المدارك 7: 40.
(3) الذخيرة: 559.
(4) كشف اللثام 1: 289.
(5) الحدائق 14: 98.
(6) المستمسك 10: 73 - 74.
330
من الزاد والراحلة، ولا وجود أثمانها من النقود، بل
يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها، لكن
يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات
معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله،
ولا خادمه المحتاج إليه، ولا ثياب تجمله اللائقة
بحاله - فضلا عن ثياب مهنته - ولا أثاث بيته من
الفراش والأواني وغيرهما مما هو محل حاجته، بل
ولا حلي المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب
حالها في زمانها ومكانها، ولا كتب العلم لأهله التي
لا بد له منها فيما يجب تحصيله، لأن الضرورة الدينية
أعظم من الدنيوية، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها
في معاشه، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه،
ولا سلاحه، ولا سائر ما يحتاج إليه، لاستلزام
التكليف بصرفها في الحج العسر والحرج، ولا يعتبر
فيها الحاجة الفعلية... " (1).
هذا، وقد ناقش بعض الفقهاء قسما من هذه
الموارد، نشير إليها فيما يلي:
1 - قال الشهيد الأول: " ويصرف في
الاستطاعة ما عدا داره وثيابه وخادمه ودابته
وكتب علمه "، ثم قال: " في استثناء ما يضطر إليه
من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع عندي
نظر " (2).
2 - لم يصرح باستثناء الحلي المتعارف بحسب
حال المرأة إلا بعض الفقهاء، كالشهيد الثاني (1)،
ويظهر ذلك من السيد الحكيم (2) - حيث لم يعلق على
كلام السيد اليزدي -، والسيد الخوئي، لكنه قيده
بما إذا كان بيع الحلي موجبا للحرج، كما إذا كانت
المرأة شابة (3).
لكن استشكل صاحب المدارك (4) وصاحب
الحدائق (5) وصاحب الجواهر (6) في هذا الاستثناء.
3 - استشكل الفاضل الإصفهاني في استثناء
فرس الركوب، قال: " في التذكرة الإجماع على
استثناء فرس الركوب، ولا أرى له وجها، فإن
فرسه إن صلح لركوبه فهو من الراحلة وإلا فهو في
مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه وإنما يفتقر إلى غيره،
ولا دليل على أن له حينئذ أن لا يبيعه في نفقة الحج
إذا لم يتم إلا بثمنه " (7).
4 - استثنى المحقق في الشرائع " ثياب
المهنة " (8) وهي ما يبتذل منها غالبا، ونسب الشهيد



(1) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الشرط الثالث، المسألة 10.
(2) الدروس 1: 311.
(1) المسالك 2: 129.
(2) المستمسك 10: 83.
(3) معتمد العروة 1: 99.
(4) المدارك 7: 38.
(5) الحدائق 14: 94.
(6) الجواهر 17: 253.
(7) كشف اللثام 1: 289.
(8) شرائع الإسلام 1: 225.
331
إلى الأكثر استثناء الثياب مطلقا إذا كانت لائقة بحاله
زمانا ومكانا وشرفا، سواء كانت ثياب تجمل أو
ثياب مهنة، ولا يستثنى الزائد على ذلك وإن كان
ثياب مهنة (1).
ولعل هذا مراد من قال: بأن المعيار في ذلك
كله لزوم العسر والحرج، فما يلزم من بيعه العسر
لا يباع سواء كان ثياب مهنة أو ثياب تجمل،
وما لم يلزم من بيعه ذلك يباع (2)، لأن الحج
الواجب المطلوب من المكلف في العمر مرة
واحدة مشروط بعدم العسر، فإذا استلزم العسر
فلا يجب (3).
الخامس - قال الشهيد - بعد ذكر
المستثنيات -:
" لو لم يكن له هذه المستثنيات وملك مالا
يستطيع به، صرف فيها، ولا يجب الحج إذا لم يتسع
المال " (4).
وتابعه بعض من تأخر عنه، منهم: الشهيد
الثاني (5)، وسبطه صاحب المدارك (6)، وصاحب
الجواهر (1)، والسيد اليزدي (2)، والسيد الحكيم (3)،
والسيد الخوئي (4)، والإمام الخميني (5)، إلا أن
صاحب المدارك ومن تأخر عنه قيدوه بصورة
الضرورة، ولزوم الحرج لو لم يصرف المال في شراء
المستثنيات.
السادس - ومن جملة ما هو شرط في تحقق
الاستطاعة وجود نفقة عياله مدة ذهابه وإيابه، لأن
النفقة حق لآدمي سابق على وجوب الحج، فيكون
مقدما عليه.
وادعى بعضهم عدم الخلاف في ذلك إجمالا (6).
وهل يختص الحكم بواجبي النفقة شرعا، أو
يشمل كل من يعوله عرفا وإن لم يكن واجب النفقة
شرعا؟ فيه قولان:
1 - الاختصاص بواجبي النفقة، وممن
ذهب إليه: العلامة (7)، والشهيدان (8)، وصاحب



(1) المسالك 2: 129.
(2) أنظر: المدارك 7: 38، والحدائق 14: 94، والجواهر
17: 253.
(3) معتمد العروة 1: 89، 97 - 99.
(4) الدروس 1: 311.
(5) المسالك 2: 130.
(6) المدارك 7: 39.
(1) الجواهر 17: 254.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 13.
(3) المستمسك 10: 87.
(4) معتمد العروة الوثقى 1: 105.
(5) تحرير الوسيلة 1: 320، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 17.
(6) أنظر: الحدائق 14: 123 - 124، والجواهر 17:
273، ومعتمد العروة 1: 200.
(7) المنتهى (الحجرية) 2: 653، وانظر التذكرة 7: 57.
(8) الدروس 1: 313، والمسالك 2: 136.
332
المدارك (1)، والفاضل الإصفهاني (2)، وصاحب
الحدائق (3). ويظهر من المحقق الثاني - أيضا -
اختياره (4).
2 - الشمول لكل من يعوله عرفا وإن لم يكن
واجب النفقة شرعا، وممن ذهب إليه: صاحب
الجواهر (5)، والسيد اليزدي (6)، والسيد الحكيم (7)،
والسيد الخوئي (8)، والإمام الخميني (9).
السابع - اختلف الفقهاء في اشتراط
الاستطاعة بوجود ما يكفيه - له ولعياله عند
الرجوع إلى وطنه - من مال أو تجارة أو صنعة، أو
نحوها على قولين:
1 - القول بالاشتراط، فلو كان بحيث لو أنفق
ماله في الحج، لم يبق له من المال ما يمون به عياله، ولم
تكن له صنعة، أو تجارة أو سبب آخر يدر عليه
الرزق، لم يكن مستطيعا.
ذهب إلى هذا القول الشيخان (1)،
وأبو الصلاح (2)، وابن البراج (3)، وابن حمزة (4)،
وابن زهرة (5)، وابن سعيد (6)، والسيد الطباطبائي (7)،
والسيد اليزدي (8)، والسيد الحكيم (9)، والسيد
الخوئي (10)، والإمام الخميني (11).
هذا، وقيد بعض هؤلاء الاشتراط بصورة
لزوم الحرج، لأن دليل الاشتراط منحصر عنده
بقاعدة " نفي الحرج " فلو لم يلزم حرج ومشقة من
الحج مع عدم وجود كفاية يرجع إليها لم يشترط
وجودها.
2 - القول بعدم الاشتراط، ذهب إليه ابن أبي



(1) المدارك 7: 51.
(2) كشف اللثام 1: 291.
(3) الحدائق 14: 123.
(4) جامع المقاصد 3: 130، حيث لم يعلق على تقييد
العلامة النفقة بالواجبة.
(5) الجواهر 17: 274.
(6) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 57.
(7) المستمسك 10: 160 - 161.
(8) معتمد العروة الوثقى 1: 200 - 201.
(9) تحرير الوسيلة 1: 325، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 38.
(1) أنظر: المقنعة: 384. والمبسوط 1: 297. والخلاف
2: 245.
(2) الكافي في الفقه: 192.
(3) شرح جمل العلم والعمل: 205.
(4) الوسيلة: 155.
(5) الغنية: 153.
(6) الجامع للشرائع: 173.
(7) الرياض 6: 56 - 57.
(8) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 58.
(9) المستمسك 10: 162 - 163.
(10) معتمد العروة الوثقى 1: 201 - 203.
(11) تحرير الوسيلة 1: 325، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 39.
333
عقيل (1)، وابن الجنيد (2)، والسيد المرتضى (3)، وابن
إدريس (4)، والمحقق (5)، والعلامة (6)، وولده (7)،
والشهيدان (8)، والمحقق الأردبيلي (9)، وصاحب
المدارك (10)، والمحقق السبزواري (11)، والفاضل
الإصفهاني (12)، وصاحب الحدائق (13)، وصاحب
الجواهر (14).
الثامن - إذا لم يكن للإنسان مال يحج به،
وكان له دين على شخص، فهل يجب اقتضاؤه
والحج به، أو لا؟
للمسألة صور يختلف الحكم فيها، للاختلاف
في صدق الاستطاعة فيها، وتوضيح ذلك هو:
أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، فمتى
تحققت وجب الحج، ومتى لم تتحقق لم يجب كما
لم يجب تحصيلها أيضا، لأن شرط الوجوب لا يجب
تحصيله بخلاف شرط الواجب (1).
وصور المسألة هي:
1 - أن يكون الدين حالا، والمديون باذلا
للدين غير مماطل فيه، ولا إشكال في صدق
الاستطاعة في هذه الصورة (2).
2 - أن يكون الدين حالا والمديون جاحدا
- وإن كان موسرا - ولم يمكن تخليصه بوجه.
3 - أن يكون الدين حالا والمديون معسرا
وإن كان معترفا.
4 - أن يكون الدين مؤجلا والمديون غير
باذل حتى مع المطالبة.
ولا إشكال في عدم صدق الاستطاعة في هذه
الصور الثلاث، ويجمعها عدم القدرة على اقتضاء
الدين (3).



(1) نقله عنه العلامة في المختلف 4: 6.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 4: 6.
(3) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 243، المسألة
136، وانظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى) 3: 62، فهو لم يتعرض لهذا الشرط ضمن
الشروط التي ذكرها.
(4) السرائر 1: 508.
(5) المعتبر: 329.
(6) المختلف 4: 6، وانظر القواعد (الحجرية) 1: 75،
والتذكرة (الحجرية) 1: 302.
(7) إيضاح الفوائد 1: 269.
(8) الدروس 1: 315، والمسالك 2: 149، وانظر غاية
المراد (للشهيد الأول) وبهامشه حاشية الإرشاد
(للشهيد الثاني) 1: 372.
(9) مجمع الفائدة 6: 53.
(10) المدارك 7: 76 - 77.
(11) كفاية الأحكام: 56.
(12) كشف اللثام 1: 291.
(13) الحدائق 14: 126.
(14) الجواهر 17: 308 - 309.
(1) أنظر: المدارك 7: 42، والمستمسك 10: 90.
(2) قاله كل من تعرض للمسألة ممن راجعت كلامه، أنظر
المبسوط 1: 298، والشرائع 1: 226، والمنتهى
(الحجرية) 2: 653، وغيرها.
(3) قاله كل من تعرض للمسألة ممن راجعت كلامه، أنظر
المبسوط 1: 298، والشرائع 1: 226، والمنتهى
(الحجرية) 2: 653، وغيرها.
334
5 - أن يكون الدين مؤجلا، ويكون المديون
باذلا للدين، ولهذه الصورة فرضان:
أ - أن يكون باذلا من دون مطالبة.
يرى بعض الفقهاء حصول الاستطاعة في هذه
الصورة، كالفاضل الإصفهاني (1) والسيد الحكيم (2)،
والإمام الخميني (3)، ويظهر من العلامة في
التذكرة (4)، وهو يلزم كل من يقول بالفرض الآتي،
لكن استشكل صاحب الجواهر في وجوب أخذ
الدين، نعم لو أخذه صار مستطيعا (5).
ب - أن يكون باذلا مع المطالبة.
ويرى بعض الفقهاء حصول الاستطاعة في
هذه الصورة - أيضا - فتجب المطالبة، كالسيد
اليزدي (6)، والسيد الخوئي (7)، ولكن استشكل فيه
السيد الحكيم (8)، والإمام الخميني (9)، وقالا بعدم
وجوب المطالبة.
6 - أن يكون الدين حالا، والمديون مماطلا
غير باذل للدين، لكن يمكن تخليصه منه بالرجوع
إلى الحاكم.
يرى بعض الفقهاء صدق الاستطاعة حينئذ،
منهم: الشهيد الثاني (1)، وسبطه صاحب المدارك (2)،
وصاحب الجواهر (3) - لكن قيد الحاكم بغير الجائر -
والسيد اليزدي (4)، والسيد الخوئي (5)، والإمام
الخميني (6).
لكن استشكل فيه السيد الحكيم (7) - ونقل
ذلك عن بعض الأعاظم أيضا - لأن شرط وجوب
الحج هو الاستطاعة الفعلية، فلا يجب تحصيلها لو لم
توجد فعلا، والرجوع إلى الحاكم من قبيل تحصيل
الاستطاعة، فلا يجب.
التاسع - لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن
له مال، وإن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة،
لأنه تحصيل للاستطاعة، وهو غير واجب.



(1) كشف اللثام 1: 289.
(2) المستمسك 10: 91.
(3) تحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 18.
(4) التذكرة 7: 59.
(5) الجواهر 17: 258.
(6) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 15.
(7) معتمد العروة الوثقى 1: 110.
(8) المستمسك 10: 92.
(9) تحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 18.
(1) المسالك 2: 131 - 132.
(2) المدارك 7: 42.
(3) الجواهر 17: 258.
(4) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 15.
(5) معتمد العروة الوثقى 1: 109.
(6) تحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 18.
(7) المستمسك 10: 90.
335
لكن هل يجب عليه الاستدانة للحج لو كان له
مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال
حاضر لا يرغب في شرائه أحد فعلا، أو دين
مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل؟
فيه اختلاف، ومنشؤه الاختلاف في صدق
الاستطاعة، فيرى بعضهم أنها صادقة في هذا
الفرض، مثل الشهيد الأول (1) والثاني (2) - إلا أنهما لم
يذكرا الدين المؤجل - وسبطه صاحب المدارك (3)،
وصاحب الجواهر (4)، والسيد اليزدي (5)، وقد
احتمله الفاضل الإصفهاني في الدين المؤجل (6).
لكن استشكل فيه السيد الحكيم (7)، والإمام
الخميني (8)، وعلله السيد الحكيم: بأن الاستطاعة
تتحقق بأمور ثلاثة: ملك المال الوافي للحج،
ووجوده عنده، وكونه مما يمكن الاستعانة به
- فعلا - على السفر. فإذا لم يملك مالا كافيا للحج،
أو ملك ولكن لم يكن عنده - كالدين المؤجل -
أو كان ولكن لا يمكن صرفه في الحج - كالمال
الذي لا يرغب في شرائه أحد فعلا - لم تتحقق
الاستطاعة.
وفصل السيد الخوئي بين ما يمكن تبديله
إلى ما يمكن صرفه في الحج وما لا يمكن، فقال
بوجوب الاستدانة في الصورة الأولى دون
الثانية (1).
العاشر - إذا كان له مال وكان عليه دين، فإن
كان المال يفي بالدين والحج معا فلا إشكال في
وجوب الحج، لتحقق الاستطاعة، وإن لم يف بهما
فهل يمنع الدين من حصول الاستطاعة، أو لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:
1 - إن الدين يمنع وجوب الحج مطلقا سواء
كان حالا - مع المطالبة وعدمها - أو مؤجلا، وسواء
كان واثقا من الأداء بعد الحج أو لا؟
ذهب إلى هذا القول جماعة كالشيخ (2)،
والمحقق (3)، والعلامة (4)، والشهيد الأول (5)، والسيد
الحكيم (6).
2 - إن المانع من وجوب الحج هو الدين



(1) الدروس 1: 311.
(2) المسالك 2: 132.
(3) المدارك 7: 44.
(4) الجواهر 17: 260.
(5) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 16.
(6) كشف اللثام 1: 289.
(7) المستمسك 10: 93 - 95.
(8) تحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 18.
(1) معتمد العروة الوثقى 1: 113 - 114.
(2) المبسوط 1: 298.
(3) شرائع الإسلام 1: 226.
(4) المنتهى (الحجرية) 2: 653، والتذكرة 7: 56.
(5) الدروس 1: 311.
(6) المستمسك 10: 97.
336
الحال المطالب به، أما المؤجل أو الحال غير المطالب
فلا يمنع من وجوب الحج.
اختار هذا القول صاحب المدارك (1).
3 - إن الدين مانع مطلقا إلا المؤجل الذي
يسع أجله للحج والعود.
اختار هذا القول الفاضل الإصفهاني (2)، لكن
قال السيد الخوئي: كان عليه أن يزيد صورة
أخرى، وهي: ما إذا كان الدين حالا وأذن المديون
بتأخير دينه، لعدم الفرق بينهما (3). فيكون حينئذ
القول الثاني نفسه.
4 - إن الدين إذا كان حالا، أو كان مؤجلا،
لكن لا يثق المديون بقدرته على أدائه بعد الحج
فلا يجب الحج، لعدم صدق الاستطاعة أو لشمول
خطاب الحج لمثل هذا الشخص ووقوع التزاحم بين
الحج وقضاء الدين وترجيح الثاني.
أما إذا كان حالا غير مطالب وأذن له الدائن
بالتأخير، أو كان مؤجلا وكان المديون يثق بنفسه
أنه قادر على الأداء بعد الحج - في الصورتين -
فيجب الحج، لصدق الاستطاعة حينئذ.
اختار هذا القول السيد اليزدي (4)، والسيد
الخوئي (1)، والإمام الخميني (2).
وذكرت تفصيلات أخر.
الحادي عشر - إذا كان له من المال قدر ما
يحج به، فنازعته نفسه إلى النكاح، فهل يصرف
المال في الحج، أو في النكاح؟
لا إشكال في أنه يجب صرف المال في الحج لو
لم يلزم من ترك النكاح ضرر أو حرج أو مشقة.
وأما في غير هذه الصورة، فالموجود في كلام
الشيخ تقديم الحج على النكاح وإن لزم من تركه
العنت، قال: " وإن قدر على زاد وراحلة، ولا زوجة
له لزمه فرض الحج وتقديمه على النكاح، لأنه فرض
والنكاح مسنون، سواء خاف العنت أو لم يخف،
ويلزمه الصبر " (3).
وقال المحقق: " ولو كان معه قدر ما يحج به
فنازعته نفسه إلى النكاح، لم يجز صرفه في النكاح
وإن شق تركه، وكان عليه الحج " (4).
ومثلهما قال العلامة في التذكرة (5)
والإرشاد (6).



(1) المدارك 7: 43.
(2) كشف اللثام 1: 289.
(3) معتمد العروة الوثقى 1: 116.
(4) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 17.
(1) معتمد العروة الوثقى 1: 117.
(2) تحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 19.
(3) المبسوط 1: 298.
(4) شرائع الإسلام 1: 226.
(5) التذكرة 7: 56.
(6) إرشاد الأذهان 1: 310.
337
لكن قيده العلامة في المنتهى (1) والتحرير (2)،
وكثير ممن تأخر عنه بما إذا لم يستلزم من ترك
النكاح ضرر شديد لا يتحمل مثله عادة، أو خشي
حدوث مرض، أو الوقوع في الزنا.
قال الشهيد الثاني - معلقا على كلام المحقق -:
" قيد ذلك جماعة من الأصحاب بما إذا لم يلزم من
تركه ضرر شديد لا يتحمل مثله في العادة، أو خشي
حدوث مرض، أو الوقوع في الزنا وإلا قدم النكاح،
ولا بأس به " (3).
وقال صاحب الحدائق - بعد نقل وجوب
الحج عن الشيخ والمحقق والعلامة -: " ولا يبعد
تقييد كلام الموجبين لتقديم الحج بذلك (4) أيضا، وإن
صرحوا بوجوب تقديمه، وإن حصلت المشقة بترك
النكاح، بحمل ذلك على مشقة لا يترتب عليها
الضرر " (5).
وممن صرح - أيضا - بهذا التقييد الشهيد
الأول (6) والمحقق الثاني (7)، وصاحب المدارك (8)،
وصاحب الجواهر (1)، والسيد اليزدي (2)، والسيد
الحكيم (3)، والسيد الخوئي (4)، والإمام الخميني (5).
لكن نفى بعضهم أن يكون الخوف من الزنا مبررا
لترجيح النكاح على الحج.
القسم الثالث - الاستطاعة البذلية:
وهي النوع الثالث من أنواع الاستطاعة،
والمراد بها: الاستطاعة الحاصلة من بذل الغير الزاد
والراحلة ونفقة العيال أو ثمنها. وإذا حصلت هذه
الاستطاعة وجب الحج، وادعي الإجماع على ذلك
مستفيضا (6).
والمراد بالبذل: الإباحة التي تحصل بأي
صيغة اتفقت، من غير حاجة إلى صيغة معينة، من
هبة ونحوها (7).
ويتوقف توضيحها على عدة أمور:
1 - المعروف بين الفقهاء - على ما يظهر - عدم



(1) المنتهى (الحجرية) 2: 653.
(2) التحرير (الحجرية) 1: 91.
(3) المسالك 2: 133.
(4) أي إذا لم يستلزم ضررا.
(5) الحدائق 14: 107.
(6) الدروس 1: 311.
(7) جامع المقاصد 3: 128.
(8) المدارك 7: 44.
(1) الجواهر 17: 260 - 261.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 14.
(3) المستمسك 10: 88.
(4) معتمد العروة 1: 107.
(5) تحرير الوسيلة 1: 320 - 321، كتاب الحج، شرائط
وجوب الحج، المسألة 17.
(6) أنظر الجواهر 17: 261 فإنه نقل الإجماع عن عدة
منهم، وانظر المدارك 7: 45، والحدائق 14: 99.
(7) أنظر: ذخيرة المعاد: 560، والجواهر 17: 268.
338
تقييد هذه الاستطاعة بشئ، لكن قيدها بعض
الفقهاء ببعض الحالات:
فمثلا قيدها ابن إدريس بما إذا كان الباذل
مملكا لما بذله للمبذول له (1)، وقيدها الشهيد بما إذا
كان الباذل مملكا أو كان موثوقا به (2)، وقيدها
بعضهم بما إذا كان البذل واجبا على الباذل، كما إذا
كان ناذرا مثلا (3)، وقيدها جماعة - كما قال صاحب
الحدائق - بأحد الأمرين: التمليك أو وجوب
البذل (4)، وقيدها صاحب المدارك بما إذا كان الباذل
موثوقا به (5).
2 - لو كان له بعض النفقة وبذل له متممها
وجب الحج، لصدق الاستطاعة. وقال في
المستمسك: " كذا ذكر جماعة مرسلين له إرسال
المسلمات... " (6) ثم ذكر جماعة من الفقهاء.
3 - المعروف بين الفقهاء - كما يظهر -: أن
وجوب الحج يستقر بمجرد البذل، لكن يظهر من
بعضهم توقفه على قبول المبذول له، فلو لم يقبل
لم يستقر الوجوب، مثل العلامة (1) وتوقف فيه
الشهيد الأول (2)، لكن استظهر منه الشهيد الثاني أن
الوجوب يحصل بمجرد البذل (3). ونسب إلى ابن
إدريس الاشتراط، لكن كلامه خال منه إلا أن
يستفاد من اشتراطه تمليك المبذول للمبذول له
المتوقف - قهرا - على القبول (4).
4 - صرح كثير من الفقهاء بأن من وهب له
مال لم يجب عليه قبوله، وعلله الشهيد الثاني: بأن
القبول نوع اكتساب، وهو غير واجب، لأن
الاكتساب محقق لشرط الوجوب وهو الاستطاعة،
فلا يجب تحصيله (5)، وقد تقدم بيانه.
هذا إذا كانت الهبة مطلقة، وأما إذا كانت
مقيدة بصرفها في الحج، بأن وهب له مال ليحج به،
فقد صرح جملة من الفقهاء بوجوب القبول في هذه
الصورة ولم يفرقوا بين البذل والهبة للحج، وقال
الشهيد الأول - معلقا على القول بعدم وجوب
القبول -: " وفي الفرق نظر " (6).
وممن صرح أو يظهر منه عدم الفرق: المحقق



(1) السرائر 1: 517.
(2) الدروس 1: 310.
(3) نسب ذلك في المدارك (7: 46) إلى العلامة في التذكرة،
لكن الموجود فيها هو البحث عن أن البذل هل يجب على
الباذل أو لا؟ فعلق وجوب الحج على ما إذا كان وفاء
الباذل ببذله واجبا عليه، أنظر التذكرة 7: 61 - 62، نعم
قاله المحقق الثاني، أنظر جامع المقاصد 3: 129.
(4) الحدائق 14: 100.
(5) المدارك 7: 46.
(6) المستمسك 10: 131.
(1) التذكرة 7: 61.
(2) الدروس 1: 310.
(3) المسالك 2: 134.
(4) السرائر 1: 517.
(5) المسالك 2: 134.
(6) الدروس 1: 310.
339
الأردبيلي (1)، وصاحب المدارك (2)، والمحقق
السبزواري (3)، والفاضل الإصفهاني (4)، والمحدث
البحراني (5)، والسيد اليزدي (6)، والسيد الحكيم (7)،
والسيد الخوئي (8)، والإمام الخميني (9).
هذا ويظهر من بعض الفقهاء: أن مطلق الهبة
لا يجب قبولها، كالمحقق الحلي (10)، والشهيد
الثاني (11)، وصاحب الجواهر (12).
وربما يستفاد من كلام المحقق السبزواري
وجوب القبول في مطلق الهبة حيث استشكل في
التعليل المذكور، لعدم وجوب القبول في الهبة
المطلقة (13).
5 - لا يشترط الرجوع إلى كفاية في
الاستطاعة البذلية إلا إذا لزم من قبول البذل
والذهاب إلى الحج حرج، فلا يجب.
وكأن ذلك لا خلاف فيه كما قال في
المستمسك (1).
6 - قال السيد اليزدي: " الحج البذلي مجز
عن حجة الإسلام، فلا يجب عليه إذا استطاع مالا
بعد ذلك، على الأقوى " (2).
وقال السيد الحكيم معلقا عليه: " كما هو
المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، إذ لم
يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ في
الاستبصار " (3).
القسم الرابع - الاستطاعة البدنية:
قال السيد اليزدي: " يشترط في وجوب
الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضا لا يقدر
على الركوب، أو كان حرجا عليه... لم يجب " (4).
وعلق عليه السيد الحكيم قائلا: " بلا خلاف



(1) مجمع الفائدة 6: 57.
(2) المدارك 7: 47.
(3) ذخيرة المعاد: 560.
(4) كشف اللثام 1: 290.
(5) الحدائق 14: 104.
(6) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 37.
(7) المستمسك 10: 135.
(8) مستند العروة 1: 167.
(9) تحرير الوسيلة 1: 323، كتاب الحج، شرائط وجوب
الحج، المسألة 31.
(10) شرائع الإسلام 1: 226.
(11) المسالك 2: 134.
(12) الجواهر 17: 268، وكلامه صريح في التعميم.
(13) ذخيرة المعاد: 561.
(1) المستمسك 10: 134.
(2) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 40.
(3) المستمسك 10: 139، وانظر الاستبصار 2: 143،
الباب 83.
(4) العروة الوثقى: كتاب الحج، فصل شرائط الوجوب،
الثالث، المسألة 61.
340
أجده فيه، بل عن المنتهى: كأنه إجماعي، وعن
المعتبر: الاتفاق عليه، كذا في الجواهر وغيرها.
ويقتضيه ما دل على اعتبار صحة البدن في
الاستطاعة زائدا على اعتبار الزاد والراحلة " (1).
القسم الخامس - الاستطاعة الزمانية:
وقال السيد اليزدي - أيضا -: " ويشترط
- أيضا - الاستطاعة الزمانية فلو كان الوقت ضيقا
لا يمكنه الوصول إلى الحج، أو أمكن لكن بمشقة
شديدة لم يجب " (2).
ونقل السيد الحكيم عن بعض الفقهاء الإجماع
على ذلك (3)، مضافا إلى أن الاستطاعة الزمانية
داخلة في الاستطاعة العقلية التي هي شرط في جميع
الواجبات، فيما لو قصر الزمان بحيث لا يمكن
الوصول إلى المناسك وإتيانها في أوقاتها، وأما لو
أمكن لكن كان حرجيا، فيرتفع الوجوب بقاعدة
الحرج (4).
القسم السادس - الاستطاعة السربية:
وقال السيد اليزدي - أيضا -: " ويشترط
- أيضا - الاستطاعة السربية بأن لا يكون في
الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى
تمام الأعمال، وإلا لم يجب. وكذا لو كان غير مأمون
بأن يخاف على نفسه، أو بدنه، أو عرضه، أو ماله،
وكان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطرق
كذلك " (1).
وعلق عليه السيد الحكيم بقوله: " بلا خلاف
ولا إشكال، وفي المستند: اشتراطها مجمع عليه محققا
ومحكيا، ويقتضيه - مضافا إلى ذلك - الآية
والنصوص المتضمنة لتخلية السرب " (2).
نعم، هناك اختلاف في أن الحكم بعدم
الوجوب في صورة عدم إحراز الأمن حكم ظاهري
أو واقعي، فيرى السيد الحكيم أنه حكم ظاهري (3)،
ويرى السيد الخوئي أنه حكم واقعي (4).
وتظهر الثمرة في صورة انكشاف الخلاف وأن
الطريق كان مأمونا واقعا، فبناء على كونه حكما
ظاهريا يتبين أن الاستطاعة كانت موجودة واقعا،
ويترتب على ذلك وجوب حفظها إلى السنة
القادمة. وأما بناء على كونه حكما واقعيا يظهر أن



(1) المستمسك 10: 168.
(2) العروة الوثقى: المسألة 62.
(3) المستمسك 10: 169.
(4) معتمد العروة الوثقى 1: 212.
(1) أنظر العروة الوثقى: المسألة 63.
(2) المستمسك 10: 170.
(3) المستمسك 10: 170، واستثنى من ذلك صورة احتمال
تلف النفس، حيث يصير موضوعا للحكم الظاهري،
وهو حرمة السفر، وهو يصير موضوعا للحكم الواقعي
بعدم الاستطاعة، إذ الاستطاعة لا تتحقق بالسفر الحرام.
(4) معتمد العروة 1: 214.
341
الاستطاعة لم تكن موجودة من أول الأمر
فلا وجوب كي يتحفظ عليه إلى العام المقبل،
فيكون كالوضوء إذا احتملنا الضرر من استعمال
الماء ثم تيممنا، فظهر عدم كونه مضرا، فهنا لا تجب
الإعادة ولا القضاء، لأن موضوع التيمم احتمال
الضرر، كذا بالنسبة إلى الحج، فإن موضوع عدم
الاستطاعة - واقعا - خوف الضرر واحتماله،
لا العلم به جزما.
القسم السابع - الاستطاعة المالية:
ويقصدون بها قدرة الإنسان المالية على
تأمين الزاد والراحلة وجميع مستلزمات السفر ونفقة
الأهل والعيال ونحو ذلك مما يعتبر في الاستطاعة
الشرعية، فالاستطاعة المالية محققة للاستطاعة
الشرعية، بل هي نفسها.
كانت هذه أنواع الاستطاعة المعتبرة في الحج،
ولا فرق فيها بين الرجل والمرأة، ولا يشترط
في تحقق الاستطاعة بالنسبة إلى المرأة وجود الزوج
أو المحرم، قال العلامة: " شرائط وجوب الحج
على الرجل هي بعينها شرائطه في حق المرأة من
غير زيادة، فإذا كملت الشرائط وجب عليها
الحج وإن لم يكن لها محرم، ذهب إليه علماؤنا
أجمع " (1).
نعم يظهر منهم اعتبار كونها مأمونة.
مظان البحث:
كتاب الحج: شرائط وجوب الحج،
الاستطاعة.
استظلال
لغة:
استظل وتظلل بمعنى واحد، وتظلل بالشئ
كان في ظله (1)، والظل: الفئ الحاصل من الحاجز
بينك وبين الشمس أي شئ كان، وقيل: هو
مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس، وما كان
بعده فهو فئ (2). لكن جاء في الفروق اللغوية: أن
الظل يكون ليلا ونهارا، ولا يكون الفئ إلا
بالنهار (3).
اصطلاحا:
ورد الاستظلال في عدة موارد، أريد في
بعضها المعنى اللغوي، وفي بعضها الآخر نوع خاص
منه، كما في الإحرام.
وفيما يلي نبحث كل مورد بما يناسبه.



(1) المنتهى 2: 658.
(1) المعجم الوسيط: " ظلل ".
(2) النهاية لابن الأثير: " ظلل ".
(3) معجم الفروق اللغوية: الفرق بين الظل والفئ.
342
الاستظلال في الإحرام
المراد من الاستظلال:
لم يتضح المراد من الاستظلال - دقيقا - في
كلمات الفقهاء، وإنما اقتصروا بالمثال له بالركوب في
المحمل والهودج ونحوهما، وزاد المتأخرون الركوب
في السيارة والطائرة.
ويرى السيد الخوئي: أن المراد من
الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحر
أو المطر ونحو ذلك، فإذا لم يكن شئ من
ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس
بها (1).
وقوى الإمام الخميني جواز الاستظلال
بالليل (2)، وربما يظهر من بعض الفقهاء ذلك أيضا،
لتعليلهم حرمة الاستظلال بكونه منافيا للاضحاء
الذي هو البروز للشمس (3).
حكم الاستظلال تكليفا:
المعروف من مذهب الإمامية أن الاستظلال
حال الإحرام حرام، لكن المنقول عن ابن الجنيد أنه
يرى استحباب عدم الاستظلال (1)، واستشكل
السبزواري في الحرمة (2).
وقد بلغ معروفية هذا الحكم من مذهب أهل
البيت (عليهم السلام) حتى ناظر بعضهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
في هذا الموضوع، ومن جملة ذلك، ما رواه محمد بن
الفضيل: " قال: كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة،
وكان هناك أبو الحسن موسى (عليه السلام) وأبو يوسف،
فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه، فقال:
يا أبا الحسن - جعلت فداك - المحرم يظلل؟ قال:
لا، قال: فيستظل بالجدار والمحمل ويدخل البيت
والخباء؟ قال: نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه
المستهزئ، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): يا أبا يوسف
إن الدين ليس يقاس كقياسك وقياس أصحابك،
إن الله عز وجل أمر في كتابه بالطلاق، وأكد فيه
شاهدين، ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه
بالتزويج وأهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين
فيما أبطل الله، وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله
عز وجل، وأجزتم طلاق المجنون والسكران، حج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأحرم ولم يظلل، ودخل البيت
والخباء واستظل بالمحمل والجدار، فقلنا (فعلنا) كما
فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله). فسكت " (3).



(1) المعتمد 4: 240.
(2) تحرير الوسيلة 1: 365، كتاب الحج، تروك الإحرام،
المسألة 38.
(3) منهم صاحب الحدائق 15: 485 - 486، وانظر
الجواهر 18: 401 - 402.
(1) أنظر المختلف 4: 83.
(2) أنظر: ذخيرة المعاد: 598، وكفاية الأحكام: 61.
(3) أنظر الوسائل 12: 521، الباب 66 من أبواب تروك
الإحرام، الحديث 2، ونقلت القضية مع غير أبي يوسف
وبمحضر المهدي أو هارون الرشيد.
343
هذا بالنسبة إلى أصل الحكم بصورة إجمالية،
لكن هناك بعض الاختلافات نشير إليها فيما يلي:
أولا - هل يختص الحكم بحال الركوب؟
يظهر من بعض الفقهاء أن حرمة الاستظلال
مختصة بحال الركوب، فلو كان حال السير ماشيا في
الظل فلا إشكال فيه، كما إذا مشى في ظل المحمل أو
السيارة.
وممن يظهر منهم ذلك الشهيد الثاني في
المسالك (1)، وسبطه في المدارك (2). قال الشهيد:
"... وإنما يحرم حالة الركوب، فلو مشى تحت الظل،
كما لو مر تحت الحمل والمحمل جاز ".
ولا بد من حمل كلامهما على ما إذا كان الظل
متحركا مع حركة المحرم - كما في المثال - وأما إذا لم
يكن كذلك فالظاهر من كلمات الفقهاء هو الجواز
أيضا كما صرح بذلك جملة منهم، وعلى هذا المعنى
يحمل كلام الشيخ: " ويجوز له أن يمشي تحت
الظلال " (3)، وإذا كان الشهيد وسبطه يريدان هذا
المعنى فلا خلاف حينئذ، ولا فرق فيه بين الراكب
والماشي.
ثانيا - هل تختص الحرمة بالتظليل فوق
الرأس؟
القدر المتيقن من حرمة الاستظلال هو
التظليل فوق الرأس، وأما لو ظلل على نفسه من
أحد الجانبين بحيث لم تكن المظلة فوق رأسه فهل
يحرم أو لا؟ فيه أقوال:
الأول - اختصاص التحريم بما كان فوق
الرأس.
ذهب إليه الشيخ (1) وتبعه جماعة، مثل: ابن
زهرة (2)، والعلامة (3)، وتبعهم بعض من تأخر
عنهم (4)، كالشهيد الثاني (5) والمحقق الأردبيلي (6)
وقواه الإمام الخميني (7).
قال الشيخ: " للمحرم أن يستظل بثوب
ينصبه ما لم يكن فوق رأسه، بلا خلاف ".
وقال العلامة ضمن عد موارد جواز
الاستظلال: "... وأن يستظل بثوب ينصبه إذا كان
سائرا ونازلا، ولكن لا يجعله فوق رأسه سائرا
خاصة لضرورة وغير ضرورة عند جميع أهل
العلم ".
وقال الشهيد: " يتحقق التظليل بكون



(1) المسالك 2: 265.
(2) المدارك 7: 364.
(3) المبسوط 1: 321.
(1) الخلاف 2: 318، كتاب الحج، المسألة 118.
(2) الغنية: 159.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 792.
(4) قال ذلك صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 18: 400.
(5) المسالك 2: 264.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 6: 321.
(7) تحرير الوسيلة 1: 365، كتاب الحج، تروك الإحرام،
المحرم التاسع عشر.
344
ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل، فلا يقدح فيه
المشي في ظل المحمل ونحوه عند ميل الشمس إلى
أحد جانبيه، وإن كان قد يطلق عليه التظليل لغة ".
الثاني - شمول التحريم للتظليل من جميع
الجهات.
قال بعض الفقهاء بتعميم التحريم لجميع أنحاء
الاستظلال، سواء كان من جهة فوق الرأس أو من
جهة أخرى. لكن قال بذلك بعضهم من باب
الفتوى، وآخرون من باب الاحتياط.
وممن أفتى بذلك صاحب الحدائق (1)، والسيد
الخوئي (2)، لكنهما استثنيا ما ورد في صحيحة ابن
بزيع، وهو المشي تحت ظل المحمل فيجوز، أما مثل
نصب الثوب في أحد الجانبين فلا.
وممن اختار التحريم احتياطا: المحقق
الكركي (3)، والفاضل الأصفهاني (4)، والسيد
الطباطبائي (5)، وصاحب الجواهر (6).
الثالث - التردد والتوقف.
وهو الظاهر من الشهيد الأول في
الدروس (7).
ثالثا - هل يشمل التحريم الاستظلال
بالأشياء الثابتة؟
ذكر بعض الفقهاء الاستظلال بالأشياء
الثابتة، كالجبال والأشجار والجدران وسقوف
الأسواق ونحوها.
وهذه الأشياء تارة تكون في مسير المحرم في
طريقه إلى مكة، أو منها إلى عرفة ومنى، وتارة
تكون في المنزل الذي نزل فيه، كمكة ومنى
وعرفات أنفسها.
أما إذا كان في الطريق فيرى بعض الفقهاء
جواز الاستظلال بذلك، وممن يظهر منه ذلك أو
صرح به: الشيخ (1)، وابن إدريس (2)، والعلامة (3)،
وولده فخر الدين (4)، والمحقق الأردبيلي (5)،
وصاحب الجواهر (6)، والسيد الخوئي (7).
وربما يظهر من الشهيد الثاني (8)، وسبطه
صاحب المدارك (9) أيضا.



(1) الحدائق 15: 484 - 485.
(2) المعتمد 4: 237، وانظر 236.
(3) جامع المقاصد 3: 187.
(4) كشف اللثام 1: 332.
(5) الرياض 6: 330 - 331.
(6) الجواهر 18: 401.
(7) الدروس 1: 378 - 379.
(1) المبسوط 1: 321.
(2) السرائر 1: 547.
(3) القواعد 1: 82.
(4) حكاه عنه الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1:
333.
(5) مجمع الفائدة 6: 321.
(6) الجواهر 18: 403.
(7) المعتمد 4: 238.
(8) المسالك 2: 264 - 265.
(9) المدارك 7: 364.
345
ولكن يظهر من الفاضل الإصفهاني (1)،
وصاحب الجواهر التوقف في ذلك، إذا لم تكن
ضرورة في المشي تحت الظل، وأما إذا كانت
ضرورة فيدخل تحت المستثنيات كما سيأتي. قال
الفاضل الأصفهاني: " وأما جواز المشي في الطريق
في ظل الجمال والمحامل والأشجار اختيارا ففيه
الكلام خصوصا تحتها، ولم يتعرض لذلك الأكثر ".
وأما إذا كان الاستظلال في المنزل فيدخل في
المستثنيات، وسوف نبحث في شمول الاستثناء
للاستظلال أثناء السير في المنزل كمكة ومنى.
مستثنيات حرمة الاستظلال:
استثنى الفقهاء من حرمة الاستظلال بعض
الموارد نشير إليها إجمالا فيما يلي:
أولا - النساء والأطفال:
قال صاحب الحدائق: " الظاهر أنه لا خلاف
ولا إشكال في جواز تظليل النساء والصبيان، كما
تقدم في جملة من الأخبار السابقة... " (2).
وقال صاحب الجواهر: "... أما المرأة فيجوز
لها التظليل بلا خلاف محقق أجده فيه، بل الإجماع
بقسميه عليه... " (3).
وقال أيضا: " وكذا لا بأس بالتظليل على
الصبيان، لما سمعته في صحيح حريز السابق الذي
أفتى به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم،
ولعله لضعفهم عن مقارفة الحر والبرد " (1).
وإطلاق بعض الفقهاء وعدم تقييدهم المحرم
بالرجل منزل على هذا التفصيل (2).
ثانيا - حالة الاضطرار:
قال صاحب الحدائق: " لا خلاف
ولا إشكال في أنه لو اضطر المحرم إلى الظلال جاز له
التظليل، وقد تقدم في جملة من الأخبار " (3).
وقال صاحب الجواهر: " نعم، لو اضطر لم
يحرم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه
عليه، وهو الحجة " (4).
وفسر الشهيد الثاني الضرورة والاضطرار
بالمرض ونحوه، وبحصول مشقة في تركه لا تتحمل
عادة (5).
وتثبت الفدية في هذه الصورة بخلاف الموارد
المستثناة الأخرى، كما سيأتي توضيحها.



(1) كشف اللثام 1: 333.
(2) الحدائق 15: 488.
(3) الجواهر 18: 405.
(1) المصدر نفسه: 406.
(2) أنظر: المقنعة: 432، والمبسوط: 321، فإن عبارة
الأول - بعد أن جعل العنوان: " ما يجب على المحرم
اجتنابه في إحرامه " -: " ولا يظلل على نفسه "، وعبارة
الثاني: " ولا يجوز للمحرم أن يظلل على نفسه إلا عند
الضرورة "، وكذا غيرهما من المتقدمين.
(3) الحدائق 15: 479.
(4) الجواهر 18: 398.
(5) المسالك 2: 265.
346
ثالثا - حال النزول:
المعروف بين الفقهاء جواز التظليل حال
النزول، بل ادعي عليه الإجماع (1)، وتدل عليه
الروايات الحاكية لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) كما مر بعضها (2)،
فيجوز الجلوس في البيوت والأخبية ونحوهما.
نعم، اختلف بعضهم فيما إذا استظل المحرم
ماشيا حال النزول، كما إذا حمل مظلة في مكة أو
منى، فاستشكل فيه بعضهم وأجازه آخرون، ولم
يتطرق له كثيرون.
وممن استشكل فيه: الفاضل الإصفهاني (3)،
وصاحب الجواهر (4).
وممن صرح بالجواز أو يظهر منه ذلك:
العلامة (5)، والمحقق الأردبيلي (6)، والسيد الخوئي (7)،
والإمام الخميني (8).
وربما يظهر ذلك من الشهيد الثاني (9)، وسبطه
صاحب المدارك (1)، لأنهما جوزا للمحرم السير
ماشيا تحت الظلال.
رابعا - التظليل ببعض البدن:
صرح جملة من الفقهاء بجواز ستر المحرم رأسه
بيده أو بعض أعضائه، منهم: الشيخ (2)، والعلامة في
المنتهى (3) والتذكرة (4)، وصاحب المدارك (5)،
والفاضل الإصفهاني (6)، وصاحب الحدائق (7)،
والسيد الطباطبائي (8)، وصاحب الجواهر (9)،
والسيد الخوئي (10)، والإمام الخميني (11).
واستشكل في ذلك العلامة في التحرير (12)،
والشهيد الثاني في المسالك (13)، وجعل الشهيد
الأول في الدروس المنع أولى (14).



(1) أنظر: المنتهى (الحجرية) 2: 792، والتذكرة 7:
342، وكشف اللثام 1: 333، والرياض 6: 332.
(2) أنظر الوسائل 12: 520، الباب 66 من أبواب تروك
الإحرام.
(3) كشف اللثام 1: 333.
(4) الجواهر 18: 405 - 406.
(5) المنتهى (الحجرية) 2: 792.
(6) مجمع الفائدة 6: 321.
(7) المعتمد 4: 242 - 244.
(8) تحرير الوسيلة 1: 365، كتاب الحج، تروك الإحرام،
المسألة 37.
(9) المسالك 2: 264.
(1) المدارك 7: 364.
(2) المبسوط 1: 351.
(3) المنتهى (الحجرية) 2: 790.
(4) التذكرة 7: 331، لكنه استشكل فيه في الصفحة
335.
(5) المدارك 7: 354.
(6) كشف اللثام 1: 331.
(7) الحدائق 15: 487.
(8) الرياض 6: 331.
(9) الجواهر 18: 386 و 401.
(10) المعتمد 4: 239.
(11) المناسك: المحرم 17 من محرمات الإحرام، المسألة 3.
(12) التحرير 1: 114.
(13) المسالك 2: 262.
(14) الدروس 1: 379.
347
وبعض هؤلاء - بل وغيرهم - ذكر ذلك في
موضوع ستر المحرم رأسه، وهو غير التظليل،
والنتيجة واحدة.
فدية الاستظلال:
المعروف بين فقهاء الإمامية وجوب الفدية
بالتظليل، وخالفهم ابن الجنيد (1)، لما تقدم من قوله
بعدم حرمة الاستظلال.
اختلف القائلون بوجوب الفدية في نوعها
على أقوال:
1 - مذهب الأكثر أنها شاة (2)، وقيل: إنه
المشهور (3).
2 - ونسب إلى ابن أبي عقيل أنه قال
بالتخيير بين صيام ثلاثة أيام، والصدقة بثلاثة
أصوع من طعام بين ستة مساكين، والنسك، أي دم
شاة (4).
3 - وقال الصدوق: إن الفدية هي مد من
طعام عن كل يوم (5).
4 - وقال أبو الصلاح وابن زهرة الحلبيان:
يجب على المختار لكل يوم شاة، وعلى المضطر لجملة
المدة شاة (6).
وقال الفاضل، المقداد السيوري: " والأولى
قول الحلبي، وبه أفتى الشهيد (رحمه الله) بحضورنا " (1).
هل تتعدد الفدية بتعدد السبب؟
الظاهر لم يقل أحد من الفقهاء بتعدد الفدية
لتعدد السبب في الاستظلال، بمعنى أنه لو استظل مثلا
ثم رفع المظلة ثم استظل ثانية وهكذا... فعليه أن
يكفر عن كل استظلال بكفارة مستقلة، فلذلك قال
الشهيد الثاني: " ولم نقف لأحد على قول بتعددها
بتعدد الفعل مع اختلاف الزمان " (2). وادعى السيد
الخوئي التسالم على عدم تعدد الكفارة بذلك (3).
لكن احتمل صاحب الجواهر تعدد الكفارة
بتعدد السبب كما إذا استظل يوما للصداع، واستظل
يوما آخر لسبب آخر، أو كما إذا استظل اختيارا
وعصيانا ثم تاب ثم استظل كذلك. نعم لو استمر
العذر فله كفارة واحدة مهما كان زمانه (4).
ويستفاد من كلام الصدوق تداخل الأسباب
في يوم واحد، فلو استظل مرارا في يوم واحد فعليه
كفارة واحدة.
ويستفاد من كلام أبي الصلاح وابن زهرة أن
لكل يوم شاة وإن تعددت الأسباب لمن استظل
اختيارا، ولجميع مدة الإحرام شاة إذا كان



(1) المدارك 7: 442.
(2) المدارك 7: 442.
(3) الجواهر 20: 415.
(4) المصدران المتقدمان.
(5) المقنع: 74.
(6) أنظر: الكافي في الفقه: 204، والغنية: 167.
(1) التنقيح الرائع 1: 565.
(2) المسالك 2: 486.
(3) المعتمد 4: 247.
(4) الجواهر 20: 417.
348
الاستظلال من اضطرار وإن تعددت الأسباب
أيضا (1).
وصرح جماعة بأن لكل إحرام كفارة
واحدة، فلإحرام العمرة كفارة، ولإحرام الحج
كفارة، وممن صرح بذلك: الشيخ في التهذيب (2)،
والشهيد الثاني - ونسبه إلى جماعة (3) - وسبطه
صاحب المدارك (4)، وصاحب الحدائق (5)،
وصاحب الجواهر (6)، والسيد الخوئي (7)، والإمام
الخميني (8).
واستظهر المحقق الكركي التعدد أيضا (9).
ونسب إلى العلامة القول بوجوب دم
واحد (10)، لكن يظهر أن مراد العلامة إنما هو بالنسبة
إلى عمرة التمتع فقط، لا هي مع حج التمتع، وكأنه
فهم هذا من كلام الشيخ. قال العلامة: " لا فرق بين
أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتع بها أو إحرام
الحج، وقال الشيخ في بعض كتبه: لو وقع التظليل في
إحرام العمرة المتمتع بها لزمه كفارتان، لما رواه
أبو علي بن راشد... "، وقال بعد ذكر الرواية:
" ومع صحة السند نحمله على الاستحباب " (1).
تنبيهان:
الأول - لا فرق في ثبوت الكفارة بين حالتي
الاختيار والاضطرار، نعم، استظهر بعض الفقهاء
من كلام المفيد والمرتضى وسلار اختصاص وجوب
الفدية على الاستظلال اختيارا (2)، قال المفيد:
"... فإن ظلل على نفسه مختارا فعليه فداء " (3).
وقال السيد المرتضى: " ومما يظن انفراد الإمامية
به، ولهم فيه موافق القول بأن المحرم لا يجوز له
أن يستظل في محمله من الشمس إلا عن ضرورة،
وذهبوا إلى أنه يفدي ذلك إذا فعله بدم... " (4).
وقال سلار: " ومن ظلل على نفسه مختارا فعليه
دم " (5).
الثاني - لا كفارة في موارد الاستثناء عدا
مورد الضرورة والاضطرار، كما تقدم بيانه.



(1) الكافي في الفقه: 204، والغنية: 167.
(2) التهذيب 5: 311، باب تفصيل فرائض الحج، ذيل
الحديث 64 (التسلسل العام 1066).
(3) المسالك 2: 486.
(4) المدارك 8: 443.
(5) الحدائق 15: 482.
(6) الجواهر 20: 417.
(7) المعتمد 4: 247.
(8) تحرير الوسيلة 1: 366، كتاب الحج، تروك الإحرام،
المسألة 40.
(9) جامع المقاصد 3: 358.
(10) أنظر المصدر المتقدم.
(1) التذكرة 7: 345، وانظر المنتهى (الحجرية) 2:
792.
(2) أنظر الجواهر 20: 417.
(3) المقنعة: 432.
(4) الانتصار: 97.
(5) المراسم: 121.
349
مظان البحث:
كتاب الحج:
1 - الإحرام، تروك الإحرام.
2 - قسم الكفارات.
الاستظلال في الطريق
المراد من الاستظلال في الطريق هو جعل
ما يستظل به - من سقف ونحوه - في الطريق.
والطريق إما عام أو خاص:
فإن كان خاصا لفرد أو جماعة جاز لهم
التصرف فيه مع توافقهم، ومن ذلك تظليل الطريق
وتسقيفه.
وأما إذا كان عاما، فقد صرح جملة من
الفقهاء: أنه يجوز التصرف فيه بما لا ينافي حق
العابرين، لأن الأصل في وضع الطريق أن يكون
للاستطراق، لكن يجوز التصرف فيه بما لا ينافي حق
المارة.
وممن صرح بذلك: العلامة (1)، والشهيدان (2)،
وصاحب الجواهر (3)، والسيد الخوئي (4)، والإمام
الخميني (1).
لكن فرق الشهيد الأول بين التظليل
والتسقيف، فجوز الأول ومنع الثاني، قال: " وأما
الطرق ففائدتها في الأصل الاستطراق، ولا يمنع من
الوقوف فيها إذا لم يضر بالمارة، وكذا القعود... " إلى
أن قال: "... وله أن يظلل لنفسه بما لا يضر بالمارة،
وليس له تسقيف المكان، ولا بناء دكة ولا غيرها
فيه... ".
وقال الشهيد الثاني: "... وله أن يظلل عليه
موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية
ونحوها، لا ببناء دكة إلا مع سعة الطريق بحيث
لا تضر المارة به أصلا فيتجه الجواز ".
لكن علق صاحب الجواهر على كلامهما
بقوله: " وتحقيق ذلك هو: أن الأصل والسيرة
القطعية يقتضيان جواز سائر وجوه الانتفاع بالمنافع
المشتركة إذا لم تعارض أصل المنفعة المقصودة منه،
الذي أعد لها بإحياء المحيي أو بوقف الواقف أو
بتسبيل المسبل أو بغير ذلك، من غير فرق بين
ما يدوم أثر التصرف كالبناء ونحوه وبين ما لا يدوم
مع فرض عدم إخراجه بذلك عما أعد له... " إلى
أن قال: " وكذلك الكلام في السقف، ولا ينافي ذلك
ثبوت حق الاستطراق بعد ما سمعت من الإجماع
على جواز الارتفاق بغير المضر به ".



(1) القواعد 1: 221.
(2) الشهيد الأول في الدروس 3: 70، والشهيد الثاني في
المسالك (الحجرية) 2: 292.
(3) الجواهر 38: 81.
(4) منهاج الصالحين 2: 161، كتاب المشتركات، المسألة
753.
(1) تحرير الوسيلة 2: 191، القول في المشتركات، المسألة
9.
350
مظان البحث:
كتاب إحياء الموات: المشتركات.
كتاب الصلح.
الاستظلال بجدار الغير
يتحقق الاستظلال بجدار الغير بأن يجلس في
ظله، وفيه صور:
الأولى - أن يكون الجلوس في مكان مباح مع
عدم الاستناد إلى جدار الغير.
والظاهر أنه لا إشكال في جواز ذلك، وليس
لمالك الجدار منع الجالس، لأن ذلك لا يعد في العرف
تصرفا في مال الغير، وربما يدعى قيام السيرة على
جوازه حتى مع منع المالك (1).
الثانية - أن يكون الجلوس في مكان مباح مع
الاستناد إلى جدار الغير.
وهنا تارة يمنع المالك من الاستناد، وتارة
لا يمنع:
فإذا لم يمنع، فالظاهر لا مانع من جواز
الاستظلال، للإذن الحاصلة بشاهد الحال.
وأما إذا منع منه ففيه قولان:
1 - القول بعدم الجواز. ذهب إليه العلامة (2)،
والشهيد الثاني (1)، وصاحب الجواهر (2)، والإمام
الخميني (3).
2 - القول بالجواز إذا لم يصل ضرر بالاستناد
إلى الجدار. ذهب إليه الشهيد الأول، قال:
" وهل لمالك الجدار منع المستند أو المستظل إذا
كان المجلس مباحا؟ الأقرب المنع مع عدم
التضرر " (4).
الثالثة - أن لا يكون المجلس مباحا للجالس،
وقد ادعي الإجماع على عدم الجواز فيه، قال
الشهيد الثاني: " وموضع الخلاف ما إذا كان المجلس
للمستند وإلا لم يجز إجماعا " (5).
والظاهر أن المنع في غير الصورة الأولى من
جهة التصرف في مال الغير بالاستناد أو الجلوس
ونحوهما، لا من جهة الاستظلال في نفسه.
وقد تقدم في عنوان " إذن " ما ينفع هذا
الموضوع، فراجع.
مظان البحث:
كتاب إحياء الموات: المشتركات.
كتاب الصلح.



(1) أنظر الجواهر 26: 266، فإن كلامه ظاهر في قيام
السيرة على جواز مماسة جدار الغير - من دون استناد -
حتى مع منع المالك، فإذا لم تكن مماسة فبطريق أولى.
(2) التذكرة (الحجرية) 2: 185.
(1) المسالك 4: 289.
(2) الجواهر 26: 266.
(3) تحرير الوسيلة 1: 491، كتاب الصلح، المسألة 27.
(4) الدروس 3: 344.
(5) المسالك 4: 289.
351
استظهار
لغة:
ورد الاستظهار في اللغة على عدة معان،
أهمها: طلب ظهور الحال، والغلبة، والاستعانة،
والاحتياط، والقراءة على ظهر القلب (1).
وأرجع ابن فارس جميع هذه المعاني إلى
معنيين، وهما: البروز، والقوة، فقال: " الأصل كله
ظهر الإنسان، وهو خلاف بطنه، وهو مجمع البروز
والقوة " (2).
اصطلاحا:
لم يتعد استعمال الفقهاء لهذه الكلمة
استعمالات اللغويين.
الأحكام:
وردت كلمة " الاستظهار " في موارد
عديدة في الفقه وبمعان متعددة نشير - إجمالا -
إلى أهمها:
أولا - استظهار الحائض
إذا انتهت عادة المرأة - وهو الزمان الذي
تحيض فيه - فلها عدة حالات:
1 - أن ينقطع عنها الدم. فهذه طاهرة تغتسل
وتصلي.
2 - أن لا ينقطع عنها الدم. وهذه:
أ - إما أن تكون عادتها عشرة أيام، فتجعل
العشرة حيضا، وما زاد استحاضة.
ب - وإما أن تقل عن عشرة أيام، وتعلم أن
الدم يستمر بها إلى بعد العشرة، فهذه تجعل عادتها
حيضا والباقي استحاضة.
ج - وإما أن تقل عن عشرة أيام، ولا تعلم
أن الدم سيستمر إلى بعد العشرة أو لا؟
ففي هذه الحالة تستظهر المرأة، بمعنى: أنها
تطلب ظهور حالها (1)، بأن تستصحب حالة الحيضية



(1) أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح
المنير: " ظهر ".
(2) معجم مقاييس اللغة: " ظهر ".
(1) ورد الاستظهار - هنا - بهذا المعنى في كلمات كثير من
الفقهاء، منهم صاحب المدارك (1: 332)، وصاحب
الحدائق (3: 216) وصاحب الجواهر (3: 196)
وغيرهم، لكن ورد في بعض الأخبار بمعنى الاحتياط، كما
ورد عن أبي جعفر (عليه السلام): " المستحاضة تقعد أيام قرئها،
ثم تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا
اغتسلت... ".
الوسائل 2: 302، الباب 13 من أبواب الحيض،
الحديث 7.
352
السابقة، فتعمل عمل الحائض إلى مدة معينة
- سنتكلم عنها - فإن انقطع الدم لعشرة أيام أو
دونها جعلت الكل - مقدار العادة وما بعده -
حيضا، وإن تجاوز العشرة، جعلت مقدار العادة
حيضا، وما سواه استحاضة.
يبدو من بعض الفقهاء أن هذا مما لا خلاف
فيه (1)، وإنما وقع الاختلاف في موردين:
1 - في حكم الاستظهار، هل هو واجب، أو
مستحب، أو مباح؟
2 - في مدة الاستظهار، هل هو يوم أو
يومان، أو ثلاثة، أو أكثر؟
ولذلك يكون كلامنا في هذين الأمرين:
حكم الاستظهار:
الظاهر أن الأقوال في حكم الاستظهار
ثلاثة:
1 - القول بالوجوب، نسبه المحقق الحلي إلى
السيد المرتضى (2)، واستظهره من كلام الشيخ
الطوسي في الجمل (3)، واختاره كل من ابن إدريس (4)،
وصاحب الحدائق (1)، وصاحب الجواهر (2)، والسيد
الحكيم (3)، والسيد الخوئي (4)، والإمام الخميني (5)،
لكن على نحو الاحتياط الوجوبي عند الأخير.
2 - القول بالاستحباب، وهو منسوب إلى
عامة من تأخر عن المحقق الحلي (6)، منهم:
العلامة (7)، والشهيدان (8)، والمحقق الكركي (9).
3 - القول بالإباحة، وهو الظاهر من المحقق
الحلي (10)، والأردبيلي (11)، والسبزواري (12).
مدة الاستظهار:
اختلفوا في مدة الاستظهار - لاختلاف
الأخبار - على أقوال:



(1) الحدائق 3: 416.
(2) المعتبر: 57.
(3) المصدر المتقدم وانظر الجمل والعقود (الرسائل العشر):
163، واستظهره بعضهم من كلامه في النهاية أيضا. أنظر
النهاية: 24، والمدارك 1: 333.
(4) السرائر 1: 149.
(1) الحدائق 3: 218.
(2) الجواهر 3: 198، ونسبه إلى الفاضل الطباطبائي في
منظومته.
(3) المستمسك 3: 270، واستظهره من جماعة.
(4) التنقيح 6: 314 - 315.
(5) تحرير الوسيلة 1: 45، كتاب الطهارة، فصل في
الحيض، المسألة 18.
(6) نسبه إليهم صاحب المدارك.
(7) أنظر: المنتهى 1: 320، والتذكرة 1: 278.
(8) أنظر: الذكرى: 29، وروض الجنان: 73.
(9) جامع المقاصد 1: 332.
(10) المعتبر: 57.
(11) مجمع الفائدة 1: 149.
(12) ذخيرة المعاد: 70.
353
1 - إنه يوم أو يومان. نسبه المحقق الحلي إلى
المشايخ الثلاثة: ابن بابويه، والمفيد، والطوسي (1)،
واختاره العلامة في بعض كتبه (2).
2 - إنه ثلاثة أيام، وهو موجود في كلام ابن
بابويه في المقنع (3).
3 - إنه من انتهاء العادة إلى إكمال عشرة أيام،
وهو المنسوب إلى السيد المرتضى (4)، واختاره
صاحب الجواهر (5)، ويظهر من المحقق الأردبيلي (6).
4 - التخيير بين اليوم واليومين والثلاثة،
اختاره ابن إدريس (7)، وهو الظاهر من الشهيد
الأول في الذكرى (8)، والشهيد الثاني في روض
الجنان (9)، والمحقق الكركي (10)، واختاره صاحب
المدارك (11)، وصاحب الذخيرة (12)، وصاحب
الحدائق (1)، والسيد اليزدي (2).
وبعض هؤلاء جعل التخيير بين الأمور
المتقدمة وإكمال عشرة أيام.
5 - إحالة الأمر على المرأة نفسها، فهي
أعرف بنفسها وبمزاجها، فتجتهد لتعرف مدى
ما تحتاجه من المدة إلى الاستظهار، هل هو يوم
أو يومان أو ثلاثة أو أكثر، والترديد في الروايات
محمول على هذا، وهو ليس من التخيير في
شئ.
اختار هذا الرأي العلامة في المنتهى (3)،
ويظهر من السيد الحكيم (4)، ولعله يمكن حمل كلام
الشيخ المفيد في المقنعة - حيث قال: " فلتترك الصلاة
حتى تنقى " (5) - على هذا، وكذا كلام الشيخ الطوسي
في الجمل: " تصبر حتى تنقى " (6).
6 - يجب عليها الاستظهار بيوم واحد، وبعد
ذلك فهي مخيرة بين الاستظهار بيوم، أو يومين، أو
ثلاثة أيام، أو إلى آخر العشرة أيام، وعدم
الاستظهار أصلا.



(1) أنظر المعتبر: 57، وهو موجود في كلام الشيخ في
النهاية: 24.
(2) التذكرة 1: 277.
(3) المقنع: 16، قاله بالنسبة إلى استظهار النفساء.
(4) المعتبر: 57.
(5) الجواهر 3: 195 - 196، 198.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 1: 149.
(7) السرائر 1: 149.
(8) الذكرى: 29.
(9) روض الجنان: 73.
(10) جامع المقاصد 1: 332.
(11) المدارك 1: 335.
(12) الذخيرة: 70.
(1) الحدائق 3: 222 - 223.
(2) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الحيض،
المسألة 23.
(3) المنتهى 1: 331.
(4) المستمسك 1: 270 - 271.
(5) المقنعة: 55.
(6) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 163.
354
ذهب إلى هذا الرأي السيد الخوئي (1).
وللإمام الخميني ما يقرب من هذا الرأي،
وحاصله: الأحوط وجوبا الاستظهار بيوم،
أما بعد ذلك فمستحب، لكن لا ينبغي ترك
الاستظهار (2).
تنبيه:
إذا استظهرت المرأة ثم تبين أنها كانت
حائضا أيام الاستظهار فتجري عليها أحكام
الحائض في تلك المدة، فتقضي ما فاتها من الصيام
دون الصلاة، وأما إذا تبين أنها كانت طاهرة فتقضي
ما فاتها من الصلاة والصيام.
وتتمة الكلام في عنوان: " حيض ".
معنى آخر للاستظهار:
وردت كلمة " الاستظهار " في أعمال الحائض
بمعنى آخر، وهو: اختبار حالها من حيث انقطاع
الدم وعدمه، بأن تستدخل قطنة، فإن خرجت
ملوثة فهي بعد حائض وإلا فهي طاهر (3).
وبهذا المعنى يكون الاستظهار مرادفا
للاستبراء، وقد تقدم الكلام فيه في عنوان
" استبراء ".
ثانيا - استظهار المستحاضة
وردت كلمة " الاستظهار " في أعمال
المستحاضة بمعنيين أيضا:
أحدهما - بمعنى الاستبراء، كما تقدم في
الحيض (1).
ثانيهما - بمعنى منع الدم من أن يتعدى
الموضع إلى سائر أجزاء البدن أو الثياب بقدر
الإمكان (2).
والاستظهار بالمعنى الأول يكون بمعنى طلب
ظهور الحال، وبالمعنى الثاني بمعنى الاحتياط.
وقد مر الكلام عن الأول في عنوان
" استبراء "، وعن الثاني في العناوين: " استثفار "،
" استحاضة "، " استذفار ".
ثالثا - استظهار النفساء
حكم النفساء حكم الحائض في أغلب
الأحكام، فكلما قيل في استظهار الحائض



(1) التنقيح 6: 314 - 315.
(2) تحرير الوسيلة 1: 46، كتاب الطهارة، فصل في
الحيض، المسألة 18.
(3) أنظر: المستمسك 3: 460 و 256، والتنقيح 7:
246.
(1) المتداول عند الفقهاء استخدام كلمة " الاختبار " في
هذا الموضع، بدلا من " الاستظهار ". أنظر: العروة
الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في الاستحاضة، المسألة 4،
وانظر المستمسك 3: 399، والتنقيح 7: 102.
(2) أنظر: الحدائق 3: 305، والجواهر 3: 348.
355
- بمعنييه - يقال في استظهار النفساء أيضا (1).
راجع: نفاس.
رابعا - استظهار المسلوس والمبطون
ذكر جماعة من الفقهاء بعد بيان وجوب
الاستظهار على المستحاضة وجوب الاستظهار على
المسلوس والمبطون بصورة استطرادية (2).
والمراد من المسلوس: من كان به سلس
البول، وهو استرساله وعدم استمساكه لمرض،
ومن المبطون: من كان عليل البطن، ويشتكي
بطنه (3)، ولعل المراد منه، من لم يتمكن من أن يمسك
نفسه، ويمنع من خروج الريح أو الغائط، كالمسلوس.
ومهما كان فقد الحق بهما من يتقاطر منه الدم
أيضا.
وكيفية استظهار هؤلاء هو: أن يشدوا على
أنفسهم ما يمنع من تعدي النجاسة، وقد ورد في
خصوص المسلوس وما شابهه: أن يجعل قطنا في
كيس ويجعل ذكره فيه ويعلقه على نفسه، فقد ورد
عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا كان الرجل يقطر منه
البول والدم، إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا، وجعل
فيه قطنا، ثم علقه عليه، وأدخل ذكره فيه، ثم
صلى... " (1).
ويأتي الكلام عن أحكام المسلوس والمبطون
في العنوانين أنفسهما.
والاستظهار هنا بمعنى التحفظ والاحتياط.
خامسا - الاستظهار في الوضوء والغسل
ذكر جملة من الفقهاء: أنه يستحب
الاستظهار في الغسل والوضوء بمعنى إمرار اليد على
البشرة، وفتح العين عند غسل الوجه، ليصل الماء
إلى أطراف العين - وليس المراد وصوله إلى نفس
العين، لما فيه من المشقة والضرر المنفيين شرعا -
وتخليل ما يصل إليه الماء بدون التخليل، كالشعر
الخفيف، ومعاطف الأذنين، والإبطين، والسرة،
وما تحت ثدي المرأة، ونحو ذلك.



(1) أنظر: المستمسك 3: 460، وتحرير الوسيلة 1: 56،
كتاب الطهارة، فصل في النفاس، المسألة 5، والتنقيح 7:
246 - 251، إلا أن السيد الخوئي استشكل في كلية
قاعدة الاشتراك بين الحيض والنفاس، ولذلك قال
بوجوب الاستظهار - بمعنى الاختبار - في حق الحائض،
ولم يقل به في حق النفساء. هذا في التنقيح إلا أنه صرح
في المنهاج بوجوب الاستظهار - بمعنى الاختبار - على
النفساء أيضا، أنظر منهاج الصالحين (للسيد الخوئي)
1: 71، كتاب الطهارة، النفاس، المسألة 257.
(2) أنظر: الحدائق 3: 307، والجواهر 3: 350.
(3) أنظر: المصباح المنير، والقاموس المحيط، ولسان
العرب: " سلس " و " بطن ".
(1) أنظر الوسائل 1: 297، الباب 19 من أبواب نواقض
الوضوء، الحديث الأول.
356
وأما ما يتوقف وصول الماء إليه على
تخليله، فيجب مقدمة للعلم بحصول الغسل
الواجب (1).
والاستظهار هنا بمعنى الاحتياط والتحفظ
على الواقع أيضا.
سادسا - الاستظهار من النصوص
وردت كلمة " الاستظهار " ومشتقاتها في
كلمات الفقهاء كثيرا، وهم يريدون بها معنى آخر
غير ما ذكر من المعاني المتقدمة، فيقولون: يمكن أن
نستظهر من النصوص كذا، ومن كلمات الفقهاء كذا،
وإن فلانا استظهر من الرواية كذا... الخ.
ويريدون بذلك: المفهوم من ظاهر النص،
الذي استظهروا منه.
والاستظهار هنا بمعنى طلب الظهور.
والظهورات حجة عند العقلاء، وسوف يأتي
الكلام حولها وما يتعلق بها في عنوان " ظاهر "
و " ظهور " في الملحق الأصولي.
مظان البحث:
كتاب الطهارة: الوضوء، الغسل، الحيض،
الاستحاضة، النفاس.
استعاذة
لغة:
طلب العوذ، والعوذ: الالتجاء (1)
والاعتصام (2). وقيل: الاستعاذة هي الاستجارة (3).
اصطلاحا:
قول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ونحوه
مما يدل على الاستعاذة بالله والالتجاء إليه من
الشيطان الرجيم.
والشيطان: كل متمرد من الجن والإنس
والدواب، ولذلك قد يستعاذ بالله من شر كل
ذي شر.
ويجمع الكل تعريف الاستعاذة بأنها:
" استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع
والتذلل " (4).
الأحكام:
قبل بيان أحكام الاستعاذة نرى من



(1) أنظر: المعتبر 1: 44، والحدائق 2: 195، و 3: 113،
والجواهر 2: 189، و 3: 107 - 108.
(1) لسان العرب: " عوذ ".
(2) المصباح المنير: " عوذ ".
(3) مجمع البيان 1: 18.
(4) أنظر: مجمع البيان 1: 18، وكنز العرفان 1: 148،
ومسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 214.
357
اللازم الإشارة إلى حكمة تشريع الاستعاذة،
وأركانها.
حكمة تشريع الاستعاذة:
المستفاد من مجموع آيات الاستعاذة:
أن الاستعاذة التجاء إليه تعالى وتحصن به،
وتوكل عليه. فهي من جهة إقرار بالعبودية وإظهار
لها، لأن التوكل معيار لصدق العبودية، ومن جهة
أخرى يستدفع العبد بالاستعاذة بالله شر كل
ذي شر، ومن أعظم الشرور شر الشيطان الذي
يوسوس في صدور الناس. قال الله تعالى: * (فإذا
قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه
ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون
* إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به
مشركون) * (1).
وقد استفاد السيد الطباطبائي من هذه
الآيات: أن المطلوب هو إيجاد حالة الاستعاذة في
نفس المستعيذ، وأن التلفظ بلفظ الاستعاذة إنما هو
سبب لإيجاد هذه الحالة (2).
أركان الاستعاذة:
للاستعاذة أركان ثلاثة:
1 - المستعيذ: وهو الإنسان، سواء كان
مكلفا أو غير مكلف.
2 - المستعاذ به: وهو الله تبارك وتعالى،
ولا فرق في مقام اللفظ بين أسمائه وصفاته.
وأما الاستعاذة بغيره تعالى، فلم أعثر على
من تطرق له من الفقهاء، لكن يمكن أن يقال: إن
كان التعوذ بالجن، فإنه غير جائز، لقوله تعالى:
* (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن
فزادوهم رهقا) * (1)، ولدخوله في أنواع السحر المنهي
عنه. وإن كان بغيره، فالظاهر جوازه ما لم ينته إلى
محرم، كالشرك ونحوه. وعلى أي حال لم تتداول
الاستعاذة بغير الله تعالى عندنا بلفظ الاستعاذة.
3 - المستعاذ منه: وهو كثير، وأهم أفراده
الشيطان بمعناه العام الشامل لكل متمرد من الجن
والإنس والدواب. وقد ملئت الأدعية المأثورة عن
أهل البيت (عليهم السلام) بذكر ما يستعاذ منه، ومن جملة
ذلك ما ورد في الصحيفة السجادية - للإمام علي بن
الحسين السجاد (عليه السلام) - في الاستعاذة، وقد جاء فيه:
" اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص،
وسورة الغضب، وغلبة الحسد، وضعف الصبر،
وقلة القناعة، وشكاسة الخلق، وإلحاح الشهوة،
وملكة الحمية، ومتابعة الهوى، ومخالفة الهدى... "
إلى أن يقول:
" ونعوذ بك من سوء السريرة، واحتقار
الصغيرة، وأن يستحوذ علينا الشيطان، أو ينكبنا



(1) النحل: 98 - 100.
(2) الميزان في تفسير القرآن 12: 343.
(1) الجن: 6.
358
الزمان، أو يتهضمنا السلطان، ونعوذ بك من تناول
الإسراف، ومن فقدان الكفاف، ونعوذ بك من شماتة
الأعداء، ومن الفقر إلى الأكفاء، ومن معيشة
في شدة، وميتة على غير عدة، ونعوذ بك من
الحسرة العظمى والمصيبة الكبرى، وأشقى الشقاء،
وسوء المآب، وحرمان الثواب، وحلول العقاب،
اللهم صل على محمد، وأعذني من كل ذلك
برحمتك، وجميع المؤمنين والمؤمنات، يا أرحم
الراحمين " (1).
حكم الاستعاذة:
الاستعاذة - بصورة عامة - مستحبة بلا
خلاف ظاهرا، نعم حكي فيه قول بالوجوب في
بعض الموارد لكنه شاذ، كما سنشير إليه.
صيغ الاستعاذة:
تختلف صيغ الاستعاذة بحسب مواطنها كما
سيتضح.
مواطن الاستعاذة:
أولا - الاستعاذة قبل تلاوة القرآن:
ورد الأمر بالاستعاذة قبل تلاوة القرآن، في
قوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم) * (1).
والمعروف بين الفقهاء والمفسرين: أن الأمر
هنا للاستحباب لا اللزوم، بل ادعي عدم الخلاف
فيه (2). نعم نقل عن الشيخ أبي علي - ولد الشيخ
الطوسي - القول بالوجوب (3)، لكنه شاذ وإن مال
إليه العلامة المجلسي (4).
ومحل الاستعاذة قبل القراءة، وأما قوله
تعالى: * (فإذا قرأت...) * فمعناه: إذا أردت القراءة،
مثل: إذا أكلت فاغسل يديك (5).
وأما صيغتها، فالمشهور: " أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم " (6)، وروي: " أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم " (7). واختار
هذه الصيغة الشيخ المفيد (8)، والقاضي (9)،



(1) الصحيفة السجادية: الدعاء الثامن، دعاؤه في
الاستعاذة.
(1) النحل: 98.
(2) ادعاه شيخ الطائفة في التبيان (6: 425)، وأمين
الإسلام الطبرسي في مجمع البيان (5 - 6: 385).
(3) نقله عنه الشهيد في الذكرى: 191.
(4) البحار 82: 6، كتاب الصلاة، الباب 23.
(5) التبيان 6: 424، ومجمع البيان (5 - 6): 385.
(6) نسبها إلى المشهور المحدث البحراني، ونقل عن
الشهيد الأول: أنها محل وفاق. أنظر الحدائق 8:
162.
(7) الوسائل 6: 135، الباب 57 من أبواب القراءة في
الصلاة، الحديث 7.
(8) المقنعة: 104.
(9) المهذب 1: 92، ونسب إليه صيغة أخرى.
359
ورجحها صاحب الحدائق (1)، وكاشف الغطاء (2)،
وصاحب الجواهر (3)، ورويت صور أخرى غير
مشهورة (4).
ثانيا - الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة:
الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة كالاستعاذة
قبل تلاوة القرآن في غير الصلاة، من حيث الحكم
التكليفي والصيغة (5).
ومحلها على المشهور الركعة الأولى قبل
القراءة (6)، لكن يظهر من بعضهم عدم اختصاصها
بالركعة الأولى، كصاحب الحدائق (7)، والفاضل
النراقي (8)، وصاحب الجواهر (9).
ويستحب الإسرار (الإخفات) بها على
المشهور (1)، ونقل عن بعضهم الميل إلى القول
بالإجهار (2)، لما روي الإجهار بها (3).
وتستحب في كل صلاة فريضة كانت أو
نافلة (4).
وكلما سقطت القراءة في الصلاة سقطت
الاستعاذة أيضا، لأنها تتبعها كما في المأموم إذا لم
يقرأ (5)، وصلاة الميت (6).
ثالثا - الاستعاذة عند قراءة آية النقمة:
تستحب الاستعاذة عند قراءة آية فيها نقمة
أو عذاب أو تخويف (7)، بل قيل: إنها تستحب
للمأموم أيضا إذا قرأها الإمام (8)، لما رواه الحلبي



(1) الحدائق 8: 164.
(2) كشف الغطاء: 238.
(3) الجواهر 9: 421.
(4) أنظر الحدائق 8: 162 - 164، والجواهر 9: 421،
والوسائل 6: 133، الباب 57 من أبواب القراءة
في الصلاة، و 197، الباب 14 من أبواب قراءة
القرآن.
(5) أنظر المصادر المتقدمة واللاحقة.
(6) أنظر: الخلاف 1: 326، والتذكرة 3: 127،
والذكرى: 191، وكنز العرفان 1: 49.
(7) الحدائق 8: 162.
(8) مستند الشيعة 5: 175.
(9) الجواهر 9: 420، وعلقه على عدم قيام إجماع على
خلافه.
(1) نسبه إلى المشهور النراقي في المستند 5: 175، وانظر
المصادر المتقدمة، فقد ادعى عليه الشيخ في الخلاف
الإجماع.
(2) نقله صاحب الجواهر، أنظر الجواهر 9: 420.
(3) أنظر الوسائل 6: 134، الباب 57 من أبواب القراءة،
الحديثان 4 و 5.
(4) أنظر: الخلاف 1: 324 - 325، والتذكرة 3: 125،
والذكرى: 191.
(5) أنظر: التذكرة 4: 342، وكنز العرفان 1: 149،
والحدائق 11: 136.
(6) أنظر: التذكرة 2: 74، والبيان: 77، وكنز العرفان
1: 149، وروض الجنان: 309.
(7) أنظر: الخلاف 1: 422، والمعتبر: 199، والدروس
1: 174، والمدارك 3: 271.
(8) الجواهر 9: 420.
360
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته عن الرجل
يكون مع الإمام فيمر بالمسألة أو بآية فيها ذكر جنة
أو نار؟ قال: لا بأس بأن يسأل عند ذلك، ويتعوذ
من النار، ويسأل الجنة " (1).
والظاهر عدم اختصاص الاستحباب
بالقراءة في الصلاة وإن ذكره الفقهاء فيها،
لما رواه سماعة، قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مر بآية من القرآن
فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير
ما يرجو، ويسأل العافية من النار ومن
العذاب " (2).
وروى الرجاء بن الضحاك، قال: " كان
الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان يكثر بالليل في
فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر
جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة، وتعوذ به من
النار " (3).
رابعا - الاستعاذة عند التخلي:
من آداب التخلي الاستعاذة، والدعاء
بالمأثور (4)، لما روى معاوية بن عمار، قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المخرج
فقل: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبيث
المخبث، الرجس النجس، الشيطان الرجيم... " (1)،
وروى الصدوق مرسلا، قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا أراد دخول المتوضأ قال: اللهم إني أعوذ بك من
الرجس النجس، الخبيث المخبث الشيطان
الرجيم... " (2).
وهناك موارد أخرى ذكر استحباب
الاستعاذة فيها، مثل: الاستعاذة عند دفن الميت (3)،
وعند المخاوف (4)، وغيرهما.
راجع: تعويذ، عوذة، رقية، حرز.
مظان البحث:
تظهر مواطن البحث عن الاستعاذة مما
تقدم، فأكثرها في كتاب الصلاة بمناسبة القراءة
فيها.



(1) الوسائل 6: 69، الباب 18 من أبواب القراءة في
الصلاة، الحديث 3 و 2.
(2) الوسائل 6: 69، الباب 18 من أبواب القراءة في
الصلاة، الحديث 3 و 2.
(3) البحار 89: 210، كتاب القرآن، الباب 25 أدعية
التلاوة، الحديث 3.
(4) أنظر: المعتبر: 35، والذكرى: 20، وروض الجنان:
25.
(1) الوسائل 1: 306، الباب 5 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 1 و 5.
(2) الوسائل 1: 306، الباب 5 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 1 و 5.
(3) كشف اللثام 1: 136.
(4) الوسائل 11: 394، الباب 23 من أبواب آداب
السفر، الحديث 2، والباب 24، الحديث الأول، وراجع
البحار 90 و 91: كتاب الذكر والدعاء.
361
استعارة
لغة:
طلب العارية.
اصطلاحا:
المعنى اللغوي نفسه.
راجع: إعارة، وعارية.
استعانة
لغة:
طلب العون (1).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي إلا أنه قد يطلق على
قبول الإعانة من دون مطالبتها، كما ستأتي الإشارة
إليه.
الأحكام:
يختلف حكم الاستعانة باختلاف المستعان،
والغرض من الاستعانة، فقد يكون حلالا - بمعناه
العام - وقد يكون حراما، وفيما يأتي نشير إلى كل
منهما:
أولا - الاستعانة المحللة:
ونقصد بالمحلل معناه العام المقابل للمحرم،
فيشمل الواجب والمستحب والمكروه والمباح، ومن
أهم موارد الاستعانة المحللة ما يلي:
1 - الاستعانة بالله تعالى:
ندبت الشريعة إلى الاستعانة بالله تعالى
وبكل ما يرجع إلى الاستعانة به في المآل. فمما
دل على الأول قوله تعالى: * (قال موسى لقومه
استعينوا بالله واصبروا) * (1)، وقوله تعالى:
* (إياك نعبد وإياك نستعين) * (2). ومما دل على
الثاني قوله تعالى: * (واستعينوا بالصبر
والصلاة) * (3).
قال الطبرسي: " وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا حزنه
أمر استعان بالصلاة والصوم " (4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان علي (عليه السلام)



(1) محيط المحيط: " عون ".
(1) الأعراف: 128.
(2) الفاتحة: 5.
(3) البقرة: 45.
(4) مجمع البيان (1 - 2): 99.
362
إذا هاله شئ فزع إلى الصلاة، ثم تلا هذه الآية:
* (واستعينوا بالصبر والصلاة) * " (1).
وفسر الصبر في بعض الأحاديث بالصوم،
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل:
* (واستعينوا بالصبر...) * " قال: الصبر الصيام.
وقال: إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم،
فإن الله عز وجل يقول: * (واستعينوا بالصبر...) *
يعني الصيام " (2).
حكمة الاستعانة بالله تعالى:
حكمة الاستعانة بالله تعالى واضحة، لأنه
لا معين في الحقيقة إلا الله سبحانه. ومما يؤدي - في
المآل - إلى الاستعانة به تعالى هو الصبر والصلاة
اللذان أمر الله بالاستعانة بهما، لأن الصبر - مهما
فسرناه - يقوي عزيمة الإنسان وإرادته فيصغر عنده
كل أمر عظيم ونازلة تنزل به.
وأما الصلاة، فإن المصلي حينما يقول في
صلاته: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * فيعني أنه أقبل
إلى الله تعالى والتجأ وانقطع إليه، ومثل هذه الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فالصبر والصلاة عاملان لتربية الروح
الإنسانية للصمود أمام الرغبات والشهوات التي
هي أساس أكثر المشاكل التي تواجه الإنسان (1).
2 - الاستعانة بغير الله تعالى:
الاستعانة بغير الله تعالى قد تكون محرمة،
كالاستعانة بالسحر والشعبذة، وهذا سوف يأتي
بيانه.
وقد تكون محللة، كالاستعانة بالإنسان،
وبغيره.
أ - الاستعانة بالإنسان:
الأصل جواز استعانة إنسان بإنسان آخر،
لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى...) * (2)
إلا إذا استلزم محرما، كإذلال المستعين والاستهانة
به وتحقيره، أو إذلال مؤمن آخر، ومن ذلك
الاستعانة بالكفار فيما يحرم مباشرتهم له، كتعمير
المساجد، والمصاحف، والذبح، والصيد ونحو ذلك.
ويستثنى من ذلك موارد الاضطرار الرافع للحرمة.
قال الطبرسي: " إن الاستعانة بالعباد في رفع
المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا
قبيح، بل ربما يجب ذلك، وكان نبينا (صلى الله عليه وآله) يستعين
فيما ينوبه بالمهاجرين والأنصار وغيرهم، ولو كان
قبيحا لم يفعله " (3).



(1) الكافي 3: 480، باب صلاة من خاف مكروها،
الحديث الأول.
(2) الكافي 4: 63، كتاب الصيام، باب ما جاء في فصل
الصوم، الحديث 7.
(1) أنظر على سبيل المثال: مجمع البيان (1 - 2): 99،
والميزان 1: 152.
(2) المائدة: 2.
(3) مجمع البيان (5 - 6): 235، ذيل قوله تعالى:
* (فأنساه الشيطان ذكر ربه) * يوسف: 42.
363
وقد وردت روايات عديدة في إعانة
المستعين، فعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " أيما رجل
من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه فاستعان به في
حاجته، فلم يعنه وهو يقدر إلا ابتلاه الله بأن يقضي
حوائج غيره من أعدائنا، يعذبه عليها يوم
القيامة " (1).
وعنه (عليه السلام)، قال: " لم يدع رجل معونة أخيه
المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من
يأثم، ولا يؤجر " (2).
راجع: إعانة.
ب - الاستعانة بغير الإنسان:
الاستعانة المحللة بغير الإنسان كثيرة،
كاستعانته بالأدوية على دفع الأمراض، واستعانته
بالحيوانات، ونحو ذلك.
ثانيا - الاستعانة المحرمة:
كل استعانة تبتني على حرام أو تنتهي إليه
فهي محرمة إلا في صورة الاضطرار الرافع للحرمة،
ومن أمثلة ذلك: الاستعانة بالسحر والكهانة
والشعبذة ونحوها، وكالاستعانة بالمؤمن لإيذاء
مؤمن آخر، وإن علم المستعان بالغاية كان شريكا.
وكالاستعانة بالحاكم الجائر على إنقاذ حق مع وجود
طريق مشروع لإنقاذه.
راجع: سحر، شعبذة، كهانة، ونحوها.
كان هذا حكم الاستعانة بصورة عامة.
وهناك بعض الموارد من الاستعانة وقع البحث في
حكمها نشير إليها فيما يلي:
1 - الاستعانة في الطهارة:
أ - المعروف كراهة الاستعانة في الوضوء حال
الاختيار (1)، لكن الظاهر أن الحكم يشمل الغسل
والتيمم أيضا (2).
ومرادهم من الاستعانة هو الأعم من طلب
العون وقبوله من دون طلب (3).
وخالف كل من صاحب المدارك (4)،
وصاحب الحدائق (5)، والسيد الخوئي (6) في ذلك، فلم
يحكموا بالكراهة، لعدم تمامية مستندها.
وهناك عنوان آخر، وهو " التولية "،
ومعناها: أن يباشر المعين في غسل أعضاء المتوضي



(1) الكافي 2: 366، باب من استعان به أخوه فلم
يعنه، الحديثان 2 و 3.
(2) الكافي 2: 366، باب من استعان به أخوه فلم
يعنه، الحديثان 2 و 3.
(1) المدارك 1: 251.
(2) أنظر: المدارك 1: 310، والحدائق 2: 362،
والجواهر 3: 134.
(3) المسالك 1: 44، والمدارك 1: 251، والجواهر 2:
344.
(4) المدارك 1: 252.
(5) الحدائق 2: 364.
(6) التنقيح 4: 432.
364
أو المغتسل أو يشاركه في ذلك (1).
والتولية محرمة - في حال الاختيار - بناء على
ما هو المعروف، فتبطل الطهارة معها.
والقدر المتيقن من الاستعانة المكروهة هو
صب الماء في كف المتوضي ليباشر هو غسل
جوارحه أو مسحها.
وأما صب الماء على العضو - مع فرض
تولي المتوضي الغسل بنفسه - فهو من التولية
المحرمة عند المحقق الكركي (2)، والشهيد
الثاني (3)، وسبطه صاحب المدارك (4)، والفاضل
الأصفهاني (5)، لكنه من الاستعانة المكروهة
عند صاحب الجواهر (6)، والسيد اليزدي (7)، وعلله
السيد الحكيم ب‍: " أن صب الماء في الفرض
المذكور لا ينافي صحة نسبة الغسل إلى المكلف
مستقلا " (8).
وأما الاستعانة في المقدمات البعيدة، مثل
تحضير الماء وتسخينه ونحوهما، فقوى الشهيد
الثاني كونها من الاستعانة المكروهة (1)، واستظهرها
سبطه صاحب المدارك (2)، إلا أن بعضهم صرح بعدم
كونها من الاستعانة المكروهة، كالمحقق الكركي (3)،
والسيد اليزدي (4)، ويظهر ذلك من صاحب
الجواهر (5).
ب - تجب الاستعانة في الطهارة لو اضطر إليها
بحيث لم يمكنه الطهارة إلا معها. وقد ادعي الإجماع
على وجوب التولية إذا توقفت الطهارة عليها (6)،
فالاستعانة بطريق أولى.
2 - الاستعانة في الصلاة:
تجوز الاستعانة حال القيام في الصلاة
عند الاضطرار كأن يتكئ على إنسان أو حائط
أو عصا ونحوها، بل تجب إذا توقف القيام
عليها (7).
وأما حال الاختيار، فالمشهور عدم جوازه،



(1) الحدائق 2: 362.
(2) جامع المقاصد 1: 231.
(3) روض الجنان: 42.
(4) المدارك 1: 251.
(5) كشف اللثام 1: 74.
(6) الجواهر 2: 344.
(7) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في شرائط الوضوء،
التاسع: المباشرة.
(8) المستمسك 2: 448.
(1) روض الجنان: 42، المسالك 1: 44.
(2) المدارك 1: 251.
(3) جامع المقاصد 1: 231.
(4) العروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل في شرائط
الوضوء، التاسع: المباشرة.
(5) الجواهر 2: 344 - 345.
(6) أنظر المستمسك 2: 449، فإنه نقل الإجماع عن
العلامة والاتفاق عن المعتبر على وجوب التولية مع
الاضطرار إليها.
(7) الجواهر 9: 250، والمستمسك 6: 105.
365
لكن اختار بعضهم الكراهة، كالحلبي (1)، ولم
يستبعده صاحب المدارك (2)، وقواه صاحب
الكفاية (3)، وصاحب الحدائق (4)، والفاضل
النراقي (5)، والسيد الخوئي (6).
3 - الاستعانة بالظالم لإنقاذ الحق:
المستفاد من كلمات الفقهاء في مواطن
عديدة: أن المال أو الحق المغصوب إذا توقف إنقاذه
على الاستعانة بالظالم بحيث لا يمكن بدونها،
جازت. بل ربما يقال بوجوبها إذا توقف أداء
واجب على ذلك المال أو الحق، كما تقدمت الإشارة
إليه في عنوان " استطاعة " (7).
لكن توقف في ذلك بعضهم، كصاحب
الكفاية، حيث أجازه إذا كانت العين المغصوبة
موجودة، أما في غير ذلك فلا يخلو من
إشكال (1).
والظاهر أن مورد التوقف هو ما إذا كان
الرجوع إلى الظالم بعنوان كونه حاكما، للنهي عن
التحاكم إلى قضاة الجور، الذي حمله المشهور على
صورة عدم توقف إنقاذ الحق عليه.
4 - الاستعانة في الحرب:
الاستعانة في الحرب يمكن أن تكون على أنحاء
مختلفة، نشير إلى أهمها في ما يلي:
1 - الاستعانة بأهل الذمة على أهل الحرب:
قال العلامة: " يجوز للإمام أن يستعين
على أهل الحرب بأهل الذمة " ثم ذكر استعانة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصفوان بن أمية عام الفتح،
وأنه خرج معه إلى هوازن، وكان مشركا. ثم
قال:
" وإنما يجوز بشرطين:
أحدهما - أن يكون حسن الرأي في الإسلام.
الثاني - أن يكون مع الإمام قوة يمكنه الدفع
لو صار أهل الشرك الذين معه مع أهل الحرب في
مكان واحد " (2).
2 - الاستعانة بأهل الذمة على أهل البغي:
قال العلامة أيضا: " وللإمام أن يستعين



(1) الكافي في الفقه: 125.
(2) المدارك 3: 328.
(3) الكفاية: 18.
(4) الحدائق 8: 62.
(5) مستند الشيعة 5: 44.
(6) مستند العروة (الصلاة) 3: 207.
(7) أنظر: المسالك 2: 131 - 132، والمسالك (الحجرية)
2: 352، والمدارك 7: 42، والجواهر 40: 35،
و 17: 258، و 15: 52، والعروة الوثقى (الحج)
1: 109، وتحرير الوسيلة 1: 321، كتاب الحج،
شرائط وجوب الحج، المسألة 18، و 2: 366، كتاب
القضاء، المسألة 4.
(1) كفاية الأحكام: 262.
(2) المنتهى 2: 986.
366
بأهل الذمة على حرب أهل البغي... وقال
الشيخ (رحمه الله) في المبسوط: ليس له ذلك، وهو خلاف
ما عليه الأصحاب... " (1).
3 - الاستعانة بأهل البغي على أهل البغي:
قال العلامة أيضا: " إذا افترق أهل البغي
طائفتين، ثم اقتتلوا، فإذا كان للإمام قوة على
قهرهما فعل، ولم يكن له معاونة إحداهما على
الأخرى، لأن كل واحدة على خطأ والإعانة على
الخطأ من غير حاجة خطأ، بل يقاتلهما معا حتى
يعودوا إلى طاعته، وإن لم يتمكن من ذلك تركهما،
فأيهما قهرت الأخرى دعاها إلى الطاعة، فإن أبت
قاتلهم.
وإن ضعف عنهما وخاف من اجتماعهما عليه
جاز أن يضم إحداهما إليه ويقاتل الأخرى... ولم
يجز له قتال الطائفة الأخرى التي ضمها إليه إلا بعد
دعائها إلى طاعته، لأن ضمها إليه يجري مجرى أمانه
إياها " (2).
وذكر العلامة صورا أخرى من الاستعانة
كاستعانة أهل البغي بنسائهم وصبيانهم وعبيدهم،
وكاستعانتهم بالمشركين، ونحو ذلك مما يطول
التعرض له، وسوف نتعرض له في مظانه،
كالعنوانين: " باغي " و " بغي " ونحوهما.
وللفقهاء كلام في استحقاق المستعان بهم من
الغنيمة، أو استحقاقهم للأجرة إذا عقد معهم عقد
الإجارة، يراجع فيه العنوانان " رضخ "
و " غنيمة " (1).
5 - موارد أخرى من الاستعانة:
ذكر الفقهاء موارد أخرى من الاستعانة في
مواطن متفرقة، من قبيل وجوب استعانة الملتقط
بالمسلمين في الإنفاق على اللقيط (2)، واستعانة العبد
المكاتب في أداء ما عليه (3)، ونحو ذلك يرجع فيها
إلى مظانها.
ويراجع: إعانة.
مظان البحث:
ورد البحث عن الاستعانة في مواطن متفرقة،
أهمها:
1 - كتاب الطهارة:
أ - الوضوء.
ب - الغسل.
2 - كتاب الصلاة:
أ - القيام.
ب - الركوع والسجود.
3 - كتاب الحج:



(1) المنتهى 2: 985، وانظر الجواهر 21: 346.
(2) التذكرة 1: 455.
(1) أنظر الجواهر 21: 193.
(2) الجواهر 38: 165.
(3) الجواهر 34: 316.
367
صدق الاستطاعة مع وجود مال عند
مديون مماطل فيما إذا أمكن تخليصه ولو
بظالم.
4 - كتاب الجهاد:
استعانة المسلمين بالكفار.
5 - كتاب المتاجر:
حرمة الاستعانة بالسحر والكهانة
والشعبذة ونحوها.
6 - كتاب القضاء:
وجوب الرجوع إلى حاكم العدل وعدم
جواز الرجوع إلى حاكم الجور إلا في
صورة توقف إنقاذ الحق عليه.
استعطاء
لغة:
طلب العطاء والعطية، وهما اسم لما يعطى،
واستعطى الناس بكفه وفي كفه: سألهم (1).
اصطلاحا:
لم يرد بهذا العنوان أو بعنوان " المستعطي "
في كلمات الفقهاء إلا نادرا، نعم ورد بعنوان
" السائل بكفه "، وهو الذي يباشر السؤال
والأخذ بنفسه (1)، أو الذي يدور على الأبواب،
وعلى الناس في سؤال الشئ اليسير من الخبز
ونحوه (2).
ومن المعلوم أن الاستعطاء أعم من ذلك.
الأحكام:
أولا - ورد النهي الشديد عن السؤال وإظهار
الحاجة بصورة عامة، فمن جملة ذلك:
1 - ما رواه محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
اتبعوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه قال: من فتح على
نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر " (3).
2 - ما رواه محمد بن مسلم - أيضا - عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام): يا محمد، لو
يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، ولو
يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا، ثم قال:
يا محمد، إنه من سأل وهو بظهر غنى لقي الله مخموشا
وجهه يوم القيامة " (4).
3 - ما رواه هارون بن خارجة عن أبي



(1) لسان العرب: " عطا ".
(1) المسالك (الحجرية) 2: 406.
(2) الجواهر 41: 82.
(3) الوسائل 9: 437، الباب 31 من أبواب الصدقة،
الحديث 3.
(4) الوسائل 9: 437، الباب 31 من أبواب الصدقة،
الحديث 4.
368
عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): من
سأل الناس شيئا وعنده ما يقوت يومه فهو من
المسرفين " (1).
ثانيا - جعل المحدث الحر العاملي عنوان الباب
الذي ذكر فيه الروايات المتقدمة هكذا: " باب
تحريم السؤال من غير احتياج "، وهو صريح في
الحكم بحرمة السؤال من دون حاجة.
لكن قال صاحب الجواهر: " ثم إنه قد
يستفاد من النصوص المزبورة، بل والفتاوى عدم
حرمة السؤال بالكف، فضلا عن غيره ".
وقال أيضا - معلقا على القول بالحرمة -:
"... وهو وإن كان مغروسا في الذهن، والنصوص
مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس، لكن كثيرا منها
محمول على بعض مراتب الأولياء، وهو الغنى عن
الناس والالتجاء إلى الله تعالى، وآخر محمول على
المدلس بإظهار الحاجة والفقر لتحصيل المال من
الناس بهذا العنوان، وهم الذين يسألون الناس
إلحافا، عكس الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من
التعفف (2)، وأما حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا
ولو بالكف، فلا دليل مطمئن به على حرمته وإن كان
ذلك مغروسا في الذهن، فتأمل فإنه لم يحضرني كلام
للأصحاب فيه منقح " (1).
ويستفاد من كلامه أنه لا إشكال في حرمة
الاستعطاء لو كان المستعطي مدلسا، كما هو الغالب
في السائلين بالكف.
ويستفاد من كلام آخر له: أنه لا إشكال في
عدم حرمة السؤال لو كان عن طريق الوقار وإن
صرح بالحاجة وطلب الإعانة وكان مستحقا
واقعا (2).
ثالثا - المشهور عدم قبول شهادة السائل
بكفه - وهو الذي يتخذ السؤال مهنة - بل ادعي
عليه الإجماع (3)، لأنه يسخط إذا منع، ولأن السؤال
يدل على مهانة النفس، فلا يؤمن على المال،
لاحتمال انخداعه، فقد روى محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: " رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة
السائل الذي يسأل في كفه. قال أبو جعفر (عليه السلام):
لأنه لا يؤمن على الشهادة، وذلك لأنه إن أعطي
رضي، وإن منع سخط " (4).
واستثنى ابن إدريس (5) ما إذا كان السؤال
عن ضرورة، وتبعه جماعة، وقيل: إنه الأشهر بين



(1) الوسائل 9: 437، الباب 31 من أبواب الصدقة،
الحديث 10.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: * (يحسبهم الجاهل أغنياء من
التعفف...) * البقرة: 273.
(1) الجواهر 41: 82.
(2) المصدر نفسه.
(3) أنظر المسالك (الحجرية) 2: 406.
(4) الوسائل 27: 382، الباب 35 من أبواب الشهادات،
الحديث 2.
(5) السرائر 2: 122.
369
المتأخرين (1).
راجع عنوان " شهادة ".
استعلاء
راجع: الملحق الأصولي.
استعمال
لغة:
يأتي على معان، فيقال: استعملته، أي:
جعلته عاملا، واستعملته: سألته أن يعمل،
واستعملت الثوب ونحوه، أي: أعملته فيما يعد له (2).
اصطلاحا:
لا يتعدى المعنى اللغوي.
الأحكام:
وردت كلمة " الاستعمال " في مواطن عديدة
يمكن العثور على حكمها بمراجعة العناوين التي
أضيفت إليها كلمة الاستعمال، مثل: استعمال
آنية الذهب والفضة، واستعمال جلود الميتة، ونحو
ذلك.
وراجع: الملحق الأصولي: استعمال.



(1) الجواهر 41: 82.
(2) المصباح المنير: " عمل ".
370
الملحق الأصولي

371
إرادة
مقدمة:
قبل بيان حقيقة الإرادة وما يتعلق بها من
أبحاث نرى من اللازم أن نشير إلى سبب تعرض
الأصوليين لهذا الموضوع في كتبهم الأصولية فنقول:
لما ينتهي الأصوليون في البحث عن موضوع
" الأمر " وأنه يدل على الطلب إجمالا - مع غض
النظر عن أنه يدل على مطلق الطلب، أو الطلب
المطلق أو الطلب الخاص - يبحثون عن حقيقة
الطلب وهل هو متحد مع الإرادة - أي أنهما شئ
واحد - أو هما مختلفان؟
وبهذه المناسبة تورطوا في البحث فيما ذهب
إليه الأشاعرة من اتحادهما وما ترتب على ذلك من
القول بالكلام النفسي، ثم البحث في الجبر والاختيار
بمناسبة البحث عن الإرادة.
وفيما يلي نشير إلى إجمال هذه الموضوعات
بالمقدار الذي تسعه الموسوعة، فنقول:
الإرادة لغة:
بمعنى " المشيئة "، وقد تستعمل مشتقاتها
بمعنى " الطلب "، مثل: ارتاد الماء، أي: طلبه، ومنه
الرائد، وهو الذي يرسل في طلب الماء والكلأ.
ورواد العلم: طالبوه (1).
الإرادة اصطلاحا:
اختلف الأصوليون - تبعا لاختلاف الفلاسفة
والمتكلمين - في تفسير الإرادة، ويتجلي هذا الخلاف
في الإرادة الإلهية، وفيما يلي نشير إلى أهم الآراء في
الموردين: الإرادة في الله تعالى، والإرادة في الإنسان:



(1) أنظر الصحاح، لسان العرب: " رود ".
373
أولا - معنى الإرادة فيه تعالى:
أهم الآراء في تفسير إرادته تعالى ثلاثة:
الأول - تفسيرها بمعنى العلم بما هو أصلح
وأكمل:
فسر بعض المتكلمين والفلاسفة الإرادة
فيه تعالى بمعنى: علمه بالنظام الأصلح والأكمل
والأتم.
وممن يظهر منه اختيار هذا التفسير المحقق
نصير الدين الطوسي، حيث نقل عنه تفسيره لها
ب‍ " أنها العلم بنظام الكل على الوجه الأتم " (1).
ويظهر من صدر المتألهين الشيرازي ارتضاؤه
لذلك، حيث قال: " إرادته بعينها، هي علمه بالنظام
الأتم، وهو بعينه هو الداعي والغاية... " (2)، وقال:
" الإرادة... في الواجب تعالى - لبراءته عن الكثرة
والنقص، ولكونه تاما وفوق التمام - يكون عين
الداعي، وهو نفس علمه - الذي هو عين ذاته -
بنظام الخير في نفس الأمر المقتضي له " (3).
وممن تبعهم من الأصوليين المحقق الخراساني،
حيث فسر إرادته تعالى التكوينية بأنها: " العلم
بالنظام على النحو الكامل التام " (1)، ومنهم المحقق
الإصفهاني في أحد تفسيريه (2).
ويظهر أن هذا الرأي هو المشهور بين
متكلمي الإمامية، قال المحدث المجلسي: " اعلم أن
إرادة الله سبحانه عند متكلمي الإمامية هي العلم
بالخير، والنفع، وما هو الأصلح، ولا يثبتون فيه
تعالى وراء العلم شيئا " (3).
الثاني - تفسيرها بمعنى الابتهاج:
يرى قسم آخر من الحكماء أن إرادته تعالى
بمعنى ابتهاجه، وهو على نحوين:
1 - ابتهاجه بذاته، لأن ذاته صرف الوجود،
وصرف الخير، فهو مبتهج بذاته أتم ابتهاج، وذاته
مرضية لذاته أتم الرضا.
2 - ابتهاجه بما يصدر منه في مرحلة الفعل
- أي الخلق - فإن من أحب شيئا أحب آثاره، ولما
كان تعالى مبتهجا بذاته فهو مبتهج بما يصدر منه من
الفعل.
وتفترق الإرادتان:
1 - بأن الإرادة الثانية من رشحات وآثار
الإرادة الأولى.
2 - وأن متعلق الإرادة الأولى الذات،
ومتعلق الثانية الفعل.



(1) نقله عنه صدر الدين الشيرازي في الأسفار 6: 331
(الجزء الأول من السفر الثالث - الموقف الرابع - الفصل
السادس). لكن يبدو من الأسفار أنه قال ذلك بيانا
لمذهب الحكماء، ولعل له معنى أدق من ذلك عنده.
(2) المصدر نفسه: 333.
(3) المبدأ والمعاد: 99.
(1) كفاية الأصول: 67.
(2) نهاية الدراية 1: 278.
(3) أنظر: مرآة العقول 2: 15، والبحار 4: 137.
374
3 - وبأن الأولى ذاتية وقديمة، فهي من
صفات الذات، والثانية حادثة، فهي من صفات
الفعل.
ويرى هؤلاء أن الروايات المفسرة للإرادة بما
يوافق حدوثها محمولة على الإرادة بالتفسير الثاني.
اختار هذا الرأي الحكيم الأصولي، المحقق
الإصفهاني، ونسبه إلى أهل النظر وبعض
الأعيان (1).
الثالث - تفسيرها بمعنى إعمال القدرة
والسلطة:
ويرى بعض آخر أن الإرادة فيه تعالى ليست
إلا قدرته وسلطته في خلقه، ولما كانت سلطته تامة
من جميع الجهات، ولا يتصور فيها النقص، فلذلك
يتحقق الفعل في الخارج بمجرد إعمال هذه السلطة.
ويظهر من الشيخ المفيد اختيار هذا التفسير
حيث قال: " إن إرادة الله لأفعاله هي نفس
أفعاله " (2)، واختاره السيد الخوئي (3)، وربما تسنده
ظواهر بعض الآيات والروايات، أما الآيات فمثل
قوله تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون) * (4)، وأما الروايات، فمثل ما رواه عاصم
ابن حميد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قلت: لم يزل
الله مريدا؟ قال: إن المريد لا يكون إلا لمراد معه، لم
يزل عالما قادرا ثم أراد " (1).
وعن بكير بن أعين، قال: " قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): علم الله ومشيئته هما مختلفان أو
متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشيئة، ألا ترى أنك
تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول: سأفعل
كذا إن علم الله، فقولك: إن شاء الله دليل على أنه لم
يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء، وعلم الله
السابق للمشيئة " (2).
وروى سليمان الجعفري، قال: " قال
الرضا (عليه السلام): المشيئة والإرادة من صفات الأفعال،
فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريدا شائيا، فليس
بموحد " (3).
وهذه النصوص فسرت من قبل أصحاب
الرأي الأول بما لا يتنافى مع تفسيرهم للإرادة،
وحملت من قبل أصحاب الرأي الثاني على الابتهاج
في مرحلة الفعل.
وعلق السيد الطباطبائي - صاحب تفسير
" الميزان " - على كلام العلامة المجلسي الذي نقلناه



(1) نهاية الدراية 1: 278.
(2) أوائل المقالات: 19.
(3) محاضرات في أصول الفقه 2: 37.
(4) يس: 82.
(1) أصول الكافي 1: 109، باب الإرادة أنها من صفات
الفعل، الحديث الأول.
(2) أصول الكافي 1: 109، باب الإرادة أنها من صفات
الفعل، الحديث 2.
(3) التوحيد (للصدوق): 337، باب المشيئة والإرادة،
الحديث 5.
375
آنفا في التفسير الأول للإرادة قائلا: " هذا الذي
ذكروه تصوير للإرادة الذاتية التي هي عين الذات
- إن صح تصويرهم - وأما الإرادة التي في الأخبار
فهي الإرادة التي هي من الصفات الفعلية، كالرزق،
والخلق، وهي نفس الموجود الخارجي: من زيد،
وعمرو، والأرض، والسماء، كما ذكره شيخنا
المفيد (رحمه الله). ط " (1).
ثانيا - معنى الإرادة في الإنسان:
ذكروا عدة تفاسير للإرادة في الإنسان، نذكر
أهمها، وما هو المعروف عندنا منها:
الأول - تفسير الأشاعرة:
فسر الأشاعرة الإرادة - حسبما نقل عنهم -:
بأنها صفة مخصصة لأحد طرفي المقدور، وهي
مغايرة للعلم والقدرة (2).
الثاني - تفسير المعتزلة:
وفسرها المعتزلة: بأنها اعتقاد النفع،
وفسروا الكراهة باعتقاد الضرر، لأن نسبة القدرة
إلى طرفي الفعل والترك بالسوية، فإذا حصل في
القلب اعتقاد النفع لأحد الطرفين يرجح بسببه ذلك
الطرف، ويصير الفاعل مؤثرا مختارا (3).
الثالث - التفسير المعروف:
لعل المعروف - وخاصة بين المتأخرين منا -
تعريف الإرادة بأنها: الشوق الأكيد المحرك
للعضلات لتحصيل المراد، قال صدر المتألهين
الشيرازي: " الإرادة فينا شوق متأكد - يحصل
عقيب داع هو تصور الشئ الملائم تصورا علميا أو
ظنيا أو تخيليا - موجب لتحريك الأعضاء الآلية
لأجل تحصيل ذلك الشئ " (1).
لكن يظهر منه - في الأسفار - ومن غيره: أن
الإرادة ليست بهذا المعنى دائما (2)، لأنه قد يقدم
الإنسان على شئ ويريده من دون اشتياق إليه،
كشرب الدواء المر.
وفي هذا المجال بحوث كثيرة لا يسعنا الدخول
فيها.
مبادئ الإرادة:
ذكروا للإرادة مبادئ ومقدمات لا بد من
توفرها كي تتحقق الإرادة، واختلفوا في تعدادها،



(1) البحار 4: 137، الهامش رقم (3).
(2) الأسفار 8: 337 (الجزء الأول من السفر الثالث
- الموقف الرابع - الفصل السابع)، وانظر المعجم الفلسفي
1: 58، " إرادة ".
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(1) المبدأ والمعاد: 99، وانظر القبسات (للمحقق الداماد):
335 حيث نقل عن ابن سينا ذلك ولم يعلق عليه، وشرح
المنظومة (للسبزواري): 184 غرر في الإرادة، وكفاية
الأصول: 65، ونهاية الدراية 1: 279 وغيرها.
(2) أنظر: الأسفار 6: 343 (الجزء الأول من السفر
الثالث - الموقف الرابع - الفصل السابع)، ورسالة الطلب
والإرادة للإمام الخميني (المطبوعة مع الترجمة): 39.
376
لكن المتفق عليه منها اثنان:
1 - تصور الشئ وتصور فائدته.
2 - التصديق بثبوت هذه الفائدة والنفع لذلك
الشئ.
فإذا حصل هذان المبدئان يحصل عقيبهما
الشوق إلى ذلك الشئ، فإذا تأكد هذا الشوق،
تحصل الإرادة وتتحرك العضلات نحو المراد
عندئذ (1).
هل الإرادة اختيارية، أو لا؟
سؤال واجه الإنسان منذ زمن بعيد،
وتضاربت فيه الأفكار، وانزلقت به الأقدام، وقد
تورط فيه الأصوليون عند تورطهم في البحث عن
اتحاد الطلب والإرادة، ونحن ندخل في الموضوع في
حدود ما تعرض له الأصوليون المتأخرون
باختصار، فنقول:
تبلورت شبهة عدم اختيارية الإرادة في
أذهان بعض الناس - سواء كانوا إلهيين أو غير
إلهيين، ومسلمين أو غير مسلمين - واستدل
بعضهم على ذلك: بأن الإرادة إما أن تكون
اختيارية، أو لا. فإن كانت اختيارية فهي بحاجة
إلى إرادة أخرى، وننقل الكلام إلى الإرادة الثانية
ونتساءل هل هي اختيارية أو لا؟... وهكذا، فيلزم
التسلسل وهو باطل، إذن لا يبقى إلا الالتزام بكونها
غير اختيارية.
ولو حللنا السؤال المتقدم فهو ينحل في الواقع
إلى ثلاثة أسئلة حول الإرادة، كل منها ينظر إليها
من جهة، وهذه الأسئلة هي (1):
1 - هل الإرادة - في حد ذاتها - ضرورية
الوجود بعد تحقق مقدماتها؟
2 - وهل يجب وجود الفعل الذي تعلقت به
إرادة الإنسان من حيث كونه إنسانا وفاعلا
مباشرا؟
3 - وهل يجب وجود فعل العبد من حيث
كونه متعلقا لإرادة الباري تعالى؟
وفيما يلي نشير إلى خلاصة نظريات
الأصوليين في هذا المجال:
أولا - نظرية المحقق الخراساني:
وحاصل ما أفاده هو: أن الإرادة إذا تحققت
مبادئها ومقدماتها فلا تتخلف، وإذا تحققت الإرادة
فيتحقق ما تعلقت به - أي: المراد - لكن يرى أن
مقدمات الإرادة لم تكن جميعها خارجة عن
الاختيار، بل بعضها اختياري، كالتفكر في عاقبة
الفعل وما يترتب عليه من آثار حسنة أو سيئة،
وبهذه النكتة يتخلص من الشبهة المتقدمة.
وأما بالنسبة إلى السؤال الثالث فهو يقول:



(1) أنظر المصادر السابقة.
(1) إنما طرح هذه الأسئلة المحقق الإصفهاني، وهي محاور
الأبحاث عند أغلبهم، ويمكن استخراجها واستخراج
أجوبتها من كلامهم، أنظر نهاية الدراية 1: 284.
377
إن إرادة الباري تعالى قد تعلقت بصدور الفعل عن
الفاعل عن إرادته المسبوقة ببعض مقدماتها
الاختيارية، ولذلك لو لم يصدر الفعل عن اختيار
العبد للزم تخلف إرادته - تعالى - عما تعلقت به، وهو
صدور الفعل عن الفاعل عن اختيار (1).
لكنه تورط - بعد ذلك - في شبهة لم يكد
يتخلص منها، ولا يسعنا - فعلا - التعرض لها.
ثانيا - نظرية المحقق الإصفهاني:
وهي تشبه نظرية أستاذه من حيث المحتوى
وإن افترقت عنه من حيث التدليل والتعبير، فإنه
قال جوابا عن السؤال الأول: إن الفعل الاختياري
ما كان نفس الفعل - فيه - بالإرادة، لا ما كان
إرادته بالإرادة، فإن القادر المختار من إذا شاء فعل،
لا من إذا شاء شاء، وإلا لم يكن فعل اختياري في
العالم، حتى فعله - تعالى عما يقول الظالمون - لأنه
لو كانت إرادته تعالى بإرادته، فيلزم زيادة الثانية
على الأولى التي هي متحدة مع ذاته تعالى (2).
وحاصل ما أفاده هو: أن الإرادة تتحقق
بمجرد تحقق مقدمات الإرادة، ولا تتوقف على إرادة
أخرى.
وقال جوابا عن السؤال الثاني: إن وجوب
الفعل بالإرادة يؤكد إراديته، ودعوى لزوم بقاء
الإرادة على حال بحيث لو شاء فعل، ولو لم يشأ
لم يفعل فاسدة، لأن الإرادة ما لم تبلغ حدا يستحيل
تخلف المراد عنها لا يمكن وجود الفعل، لأن معناه
صدور المعلول بلا علة تامة، وإذا بلغت ذلك الحد
امتنع تخلفها عنه، وإلا لزم تخلف المعلول عن
علته (1).
وقال جوابا عن السؤال الثالث: إن الفعل لم
تتعلق به إرادة الباري بما هو هو، بل به بمبادئه
الاختيارية (2).
ثالثا - نظرية المحقق العراقي:
نرى من المناسب أن نذكر نظرية المحقق
العراقي كما ذكرها هو من دون تحليلها لاستخراج
أجوبة الأسئلة الثلاثة المتقدمة، لأن في كلماته بعض
الإبهامات تمنعنا من ذلك، وحاصل ما أفاده هو:
1 - إن من الممكن أن تكون صفة الاختيار
من لوازم وجود الإنسان، بحيث لا يحتاج في جعله
إلى أزيد من جعل الإنسان نفسه - كالحرارة بالنسبة
إلى النار - بخلاف العلم والقدرة، فإنهما غير مجعولين
فيه بنفس جعله، بل هما بحاجة إلى جعل آخر
مستقل.
2 - إن صفة الاختيار تغاير صفة الإرادة، بل
يمكن أن نعد الاختيار من مبادئ الإرادة، فتكون
للعمل الصادر عن إرادة، مبادئ متعددة، منها:
كونه مما تعلق به الاختيار.



(1) أنظر كفاية الأصول: 67 - 68 (مباحث الأمر)،
و 260 - 261 (مباحث التجري).
(2) نهاية الدراية 1: 288.
(1) المصدر نفسه: 284.
(2) المصدر نفسه: 284.
378
3 - إن الفعل الاختياري الصادر من الإنسان
له جهتان: فمن جهة مستند إلى الإرادة الأزلية،
وهي إرادة البارئ تعالى، ومن جهة أخرى مستند
إلى ذات الإنسان، وذلك لأن مبادئ الإرادة على
قسمين: فبعضها مستندة إلى إرادة الله تعالى الأزلية
كعلم الإنسان وقدرته ونحوهما، وبعضها مستندة
إلى ما تقتضيه ذات الإنسان، وهو الاختيار،
فلا يكون فعل الإنسان مفوضا إليه بقول مطلق،
ولا مستندا إليه تعالى كذلك. وعندئذ يصدق:
لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين (1).
رابعا - نظرية المحقق النائيني:
وحاصل ما أفاده هو:
1 - إن الإرادة ومقدماتها غير اختيارية،
ويستنبط منه: أن الإرادة متى ما تحققت مقدماتها
وجدت بالضرورة.
2 - إن الفعل الذي تعلقت به الإرادة لا يصير
ضروري الوجود بمجرد تعلق الإرادة به، بل للنفس
قدرة وسلطة على اختيار إيجاده وعدمه. وبعبارة
أخرى: إن هناك أربع مراحل لتحقق الفعل
الاختياري، وهي: تصور الفعل، والتصديق
بفائدته، والشوق المؤكد بالنسبة إليه - المعبر عنها
بالإرادة - والاختيار، وهو تأثير النفس في حركة
العضلات نحو تحقق الفعل، فالنفس هي الفاعل
المباشر لحركة العضلات المستلزم لوجود الفعل،
وهذه الفاعلية ذاتية، وليست خارجية، وهي التي
نعبر عنها ب‍ " الطلب ".
3 - إن الفعل من حيث إنه يصدر عن اختيار
العبد، فهو منتسب إليه، وبما أن إفاضة الوجود
والقدرة وغيرهما من مبادئ الفعل مستمرة من قبله
تعالى، فالفعل منتسب إليه، له جهتان واقعيتان،
بكل جهة ينتسب إلى فاعل، فيثبت الأمر بين
الأمرين (1).
خامسا - نظرية السيد الخوئي:
وقد أسهب في الموضوع، وحاصل ما يستفاد
منه هو:
1 - إنه لم يناقش في حتمية تحقق الإرادة بعد
تحقق مقدماتها.
2 - إنه ركز نقاشه في ضرورة وجود الفعل
الذي تعلقت به الإرادة بعد تحققها، وصرح بأن
الإرادة مهما بلغت ذروتها لا يترتب عليها الفعل
كترتب المعلول على علته التامة، بل الفعل على
الرغم من وجود الإرادة وتحققها يكون تحت اختيار
النفس وسلطانها، فلها أن تفعل، ولها أن لا تفعل (2).
وقال: إن الله - عز وجل - خلق النفس
الإنسانية واجدة لهذه السلطنة والقدرة، وهي ذاتية
لها وثابتة في صميم ذاتها، ولأجل هذه السلطنة
تخضع العضلات لها وتنقاد في حركاتها، فلا تحتاج



(1) مقالات الأصول 1: 212 - 213.
(1) أجود التقريرات 1: 88 - 93.
(2) محاضرات في أصول الفقه 2: 54.
379
النفس في إعمالها لتلك السلطنة والقدرة إلى إعمال
سلطنة وقدرة أخرى (1).
3 - إنه صرح بأن إرادة الباري - تعالى -
ليست ذاتية له، بل هي عبارة عن المشيئة وإعمال
القدرة والسلطنة، ومعنى تمامية سلطنته وقدرته من
جميع الجهات: عدم افتقار ذاته - سبحانه - إلى
غيره، وأنه سلطان بالذات، وليس معناه وجوب
صدور الفعل منه (2).
4 - إن للفعل الصادر من الإنسان نسبتين
واقعيتين:
إحداهما - نسبته إلى فاعله بالمباشرة - وهو
الإنسان - باعتبار صدوره منه باختياره، وإعمال
قدرته وسلطته.
والأخرى - نسبته إلى الله تعالى باعتبار أنه
معطي الحياة، والقدرة - للإنسان - في كل آن
وبصورة مستمرة.
ويوضح ذلك: أنا لو فرضنا شخصا مشلولا
لا تتحرك يده، ثم ربطناها بآلة كهربائية بإمكانها أن
تمنح القوة الكافية لليد الشلاء بحيث يصبح بإمكانها
أن تتحرك باختيار صاحب اليد، لكانت حركة اليد
مستندة إلى صاحبها من جهة، لأنه الفاعل المباشر،
ومستندة إلى معطي القوة من جهة أخرى، لأنه
الذي منح القدرة لذلك.
وهذا هو واقع " الأمر بين الأمرين " الذي
جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، وعليه تحمل
الآيات أمثال قوله تعالى: * (وما تشاؤون إلا أن يشاء
الله) * (1).
سادسا - نظرية الإمام الخميني:
وتتلخص نظريته في النقاط التالية:
1 - ناقش في كون الإرادة هي الشوق
الأكيد، أو كون ذلك من مقدماتها، لأن الإنسان قد
يقدم على ما لا يريد، فإنه يقدم على شرب الدواء
المر، ويرضى بقطع عضوه الفاسد، ولكن لم تظهر منه
مناقشة ضرورة تحقق الإرادة إذا تحققت
مقدماتها (2).
2 - فرض حالة وسطى بين الإرادة وتحقق
الفعل، وهي حالة الاختيار، لأنه بعد تحقق الشوق
الأكيد نحو الفعل - أو بعد أن رأى العقل صلاحية
تحقق الفعل وإن لم يحصل الشوق بالنسبة إليه كما في
شرب الدواء المر - تختار النفس الفعل وتتحرك
العضلات نحو تحققه (3).
3 - وقال في دفع الجبر في الإرادة:
إن الأفعال الاختيارية الصادرة عن النفس
نوعان:



(1) محاضرات في أصول الفقه 2: 60.
(2) محاضرات في أصول الفقه 2: 70.
(1) محاضرات في أصول الفقه 2: 93 - 94، وانظر الصفحة
88، والآية من سورة الإنسان: 30.
(2) رسالة الطلب والإرادة (المطبوعة مع الترجمة): 38.
(3) رسالة الطلب والإرادة (المطبوعة مع الترجمة): 38.
380
الأول - ما يحتاج في تحققه إلى آلات جسمية،
كالكتابة والصياغة ونحوهما، ففي هذه الأفعال تقوم
النفس بفاعليتين:
الأولى - فاعلية مباشرة: وهي فاعلية النفس
في تحريك العضلات لتحقق الفعل. وهنا تقع بين
النفس وحركة العضلات مبادئ الإرادة من التصور
والتصديق والعزم ونحو ذلك.
الثانية - فاعلية غير مباشرة: وهي فاعلية
النفس بواسطة العضلات التي تقوم بعملية الكتابة
والصياغة ونحوهما.
الثاني - ما لا يحتاج في تحققه إلى واسطة
جسمية، إما لعدم احتياجه إلى واسطة أصلا أو
لاحتياجه إلى واسطة غير جسمية، مثل اختراع
النفس الصور الذهنية، كما يخترع المهندس - مثلا -
صورة هندسية في نفسه، فإن تصور هذه الصورة
لا يحتاج إلى وسائط ومقدمات - كتصور هذه
الصورة المتصورة والتصديق بفائدتها والشوق
والعزم في تحريك العضلات، بل قد لا يمكن ذلك،
لعدم كون التصور مبدأ للتصور - بل الصورة
الهندسية تحصل بخلاقية النفس، فالنفس فاعلة
وموجدة لهذه الصورة.
ثم قال: إن العزم والإرادة والقصد كل ذلك
من أفعال النفس، وما هذا شأنه لم يقع بينه وبين
النفس إرادة أخرى، ليلزم التسلسل، أو الجبر في
الإرادة (1).
4 - وأما بالنسبة إلى نسبة الأفعال الصادرة
منا إلى إرادة الله تعالى فقد بين المذهب الحق، وهو
الأمر بين الأمرين بما هو معروف وتقدم بيانه (1).
سابعا - نظرية السيد الصدر:
والذي يمكن أن نستخلصه مما قاله هو:
1 - إنه لم يناقش في حتمية تحقق الإرادة بعد
وجود مقدماتها.
2 - إنه ركز نقاشه في عمومية قاعدة " الشئ
ما لم يجب لم يوجد "، ثم في وجوب وجود الفعل بعد
تحقق الإرادة، وقد تأثر في ذلك بالمحقق النائيني
والسيد الخوئي، وحاصل ما أفاده هو:
أ - أن قاعدة " الشئ ما لم يجب لم يوجد "
ليست قاعدة عقلية مبرهنة، حتى لا يجوز
تخصيصها، بل هي قاعدة وجدانية من المدركات
الأولية للعقل.
ب - أن الإمكان الذاتي لا يكفي للوجود، بل
يحتاج إلى أمر آخر، وهو - بحكم العقل - أحد أمرين:
1 - الوجوب بالغير، فإذا وجب الشئ
بالغير وجب وجوده.
2 - السلطنة، فإذا اتصفت ذات بالسلطنة
أمكن صدور الفعل منها (2)، إلا أن صدوره لم يكن



(1) رسالة الطلب والإرادة: 108.
(1) المصدر نفسه: 72.
(2) إن كلام المقرر مشوش في هذا المقام، حيث لم يتضح
فيه أن السلطنة صفة لأي شئ؟ هل هي صفة للشئ
الذي يريد أن يوجد، أو للذي يصدر منه الوجود، أي:
الفاعل؟
381
ضروريا وواجبا، كما في الوجوب بالغير.
وهذه السلطنة يمكن إثباتها في الله تعالى
وإقامة البرهان عليها، ويرجع البحث فيها إلى
قدرته تعالى.
وأما في الإنسان، فينحصر إثباتها عن طريق
الوجدان أو الشرع، فإننا نعلم بالوجدان أنه لو
حصل فينا شوق أكيد نحو شئ، لا نقدم عليه
مقهورين، ولا يدفعنا إليه أحد، بل نقدم عليه
بالسلطنة - التي فينا - فلنا أن نفعل ولنا ألا نفعل.
3 - وأما بالنسبة إلى صدور الفعل من
الإنسان أو منه تعالى، وصحة نسبة الفعل إليهما أو
إلى أحدهما فقال ما خلاصته:
إن الفروض المتصورة خمسة: أن يكون
الفاعل هو الله تعالى فقط، أو يكون الإنسان فقط،
أو يكون كليهما والإنسان هو المباشر، أو يكون
كليهما والمباشر هو الله تعالى لكن الإنسان لا يعدو
عن كونه مقدمة إعدادية، أو يكون الفعل له فاعل
واحد، لكن يكون من جهة هو الله تعالى، ومن جهة
أخرى هو الإنسان، فبلحاظ أن نسبة العبد إلى الله
نسبة الربط والفناء والاندكاك يكون فعله فعل الله
تعالى، وبلحاظ عدم اندكاكه يكون الفعل فعله.
ثم قال: إن الأول مذهب الأشاعرة، وهو
باطل بالوجدان، والثاني مذهب المعتزلة وهو باطل
بالبرهان، والخامس مذهب عرفاء الفلاسفة، وهو
معنى لا نفهمه، فيبقى المعنيان الثالث والرابع، وهما
محتملان.
ولكن إذا ثبت وجود مفهوم السلطنة في
الإنسان فيبطل الوجه الرابع ويبقى الوجه الثالث هو
الصحيح، وهو أن يكون الفاعل المباشر - والمختار -
هو الإنسان، والله - تعالى - هو الفاعل غير المباشر
من باب أن هذه القوى مخلوقة - حدوثا وبقاء - له
تعالى، ومفاضة آنا فآنا ومعطاة من قبله تعالى (1).
الإرادة تكوينية وتشريعية:
قسموا الإرادة إلى إرادتين: تكوينية
وتشريعية، واختلفت التعابير في كيفية التفرقة
بينهما:
1 - قال صاحب الكفاية: إن الإرادة
التكوينية هي العلم بالنظام على النحو الكامل التام.
وأما التشريعية، فهي العلم بالمصلحة في فعل
المكلف (2).
وإنما ذكر هذا التفسير بالنسبة إلى إرادته
تعالى، وأما بالنسبة إلى إرادة الإنسان فلم يذكر
شيئا.
2 - وقال المحقق الإصفهاني: إن تقسيم
الإرادة إلى تكوينية وتشريعية باعتبار تعلق الأولى
بفعل المريد نفسه، وتعلق الثانية بفعل الغير، أي
المراد منه.



(1) أنظر: بحوث في علم الأصول 2: 27 - 38، مع تقديم
وتأخير.
(2) كفاية الأصول: 67.
382
وقال في توضيح ذلك: إن فعل الغير إذا كان
له فائدة عائدة إلى الشخص فسوف ينبعث من
الشوق إلى تلك الفائدة شوق إلى فعل الغير، وبتبعه
يحصل الشوق إلى ما يوجب حصول الفعل من الغير
اختيارا، وهو تحريكه إلى الفعل.
فالإرادة التشريعية ليست هي المتعلقة
بتحريك الغير - لأن هذه تكوينية، إذ التحريك
من فعله - بل هي الشوق المتعلق بفعل الغير
الصادر منه اختيارا، لما فيه فائدة عائدة إلى
المريد.
فالإرادة التشريعية - عنده - لها عنصران:
1 - أن يكون متعلقها فعل الغير، الصادر منه
اختيارا.
2 - أن يترتب على ذلك الفعل فائدة عائدة
إلى المريد.
فإذا انتفى أحد العنصرين لم تكن الإرادة
تشريعية عندئذ.
ولما لم يعقل عود النفع إليه تعالى فلا تعقل
فيه الإرادة التشريعية، بل تكون إرادته تكوينية
دائما، ومتعلقها النظام التام في عالم الإمكان، نعم،
من جملة هذا النظام إرسال الرسل وتحريك العباد لما
فيه صلاحهم، وزجرهم عما فيه فسادهم.
لكن لا بأس بإطلاق الإرادة التشريعية على
نفس البعث والزجر، كما ورد في الخبر الشريف عن
أبي الحسن (عليه السلام)، قال: " إن لله إرادتين ومشيئتين:
إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر
وهو لا يشاء " (1).
وعلى هذا الأساس لا تتحقق الإرادة
التشريعية في نفس النبي (صلى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) أيضا،
وذلك لعدم وجود نفع عائد من فعل المكلفين إليهما،
بل إنما تكون إرادتهما تكوينية، وهي تحريك العباد
وبعثهم بداعي انبعاثهم نحو الفعل (2).
3 - وقال المحقق العراقي في الفرق بينهما: إن
كل آمر ومريد لفعل من الغير، تارة تتعلق إرادته
بوجود العمل منه مطلقا، شاء أو أبى، بحيث يكون
مسلوب الاختيار، وتارة تتعلق بوجوده على نحو
يصدر منه باختياره.
ويمكن أن نمثل - من قبله - للأول بما إذا أخذ
شخص بيد شخص آخر ليختم في الورقة، مع أنه
لا يريد ذلك، بل يكرهه، وللثاني بأمر ذلك
الشخص أو استدعائه أو التماسه لأن يقوم بالختم
باختياره.
فالإرادة على النحو الأول تكوينية، وعلى
النحو الثاني تشريعية (3).
4 - وأما المحقق النائيني فلم يظهر منه فرق
دقيق بين الإرادتين إلا ما قاله: من أنه لا فرق في
تفسير الطلب بالتحريك نحو المطلوب وتأثير النفس



(1) الكافي 1: 151، الحديث 4.
(2) نهاية الدراية 1: 280.
(3) أنظر: نهاية الأفكار 1: 168، ومقالات الأصول 1:
216.
383
في الحركة بين أن تكون الحركات مباشرية، كما في
الإرادة التكوينية، أو منزلة منزلة المباشرة، كما في
التشريعية، فإن عضلات العبد وحركاتها منزلة
منزلة عضلات المولى وحركاتها (1).
5 - وأما السيد الخوئي فيظهر من تعليقته على
الكلام المتقدم لأستاذه المحقق النائيني: أن الإرادة
التشريعية هي ما تعلقت فيها الإرادة بفعل الغير،
وهذا يتحقق بنفس الإنشاء المظهر لاعتبار كون
الفعل على ذمة المكلف، فلا حاجة إلى ما تكلف به
الأستاذ (2).
وعلى كل تقدير، فالفارق الجوهري بين
الإرادتين هو: أن التكوينية إذا تعلقت بشئ
- وتعقبها الاختيار على بعض المباني - لم تتخلف،
أما التشريعية حيث تتعلق بصدور الفعل عن الغير
عن اختياره، فتحقق المراد فيها منوط باختيار
الغير، فلا يلزم تحققه قطعا.
اتحاد الطلب والإرادة:
مما تورط فيه علماء الأصول - أيضا - هو
البحث في موضوع وحدة الطلب والإرادة
وتعددهما، وهل هما متحدان مفهوما وخارجا أو
متعددان؟
والسبب في ذلك هو ما أبدعه الأشاعرة من
القول بوجود الكلام النفسي في الواجب تعالى،
الذي عبروا عنه بالطلب أيضا، وقالوا: إنه غير
العلم والإرادة.
وتوضيح ذلك: أنه أثيرت في القرن الثاني
مسائل كلامية مهمة، منها: ما أثير حول كلام الله:
هل هو قديم أو حادث؟ فذهب إلى كل فريق، حتى
أريقت في سبيله الدماء، فقال الأشاعرة: إنه قديم،
وقال المعتزلة والإمامية: إنه حادث.
فالذين قالوا: إنه قديم - وهم الأشاعرة -
عبروا عنه بالكلام النفسي، وسموه في خصوص
النسب الإنشائية - كالأمر - بالطلب، وقالوا: إنه
- أي الطلب - غير العلم والإرادة.
وأما الذين قالوا بحدوث كلامه تعالى، فقد
قالوا: إنهم لا يعرفون شيئا قديما غير العلم والإرادة
يعبر عنه بالكلام النفسي أو الطلب.
وهناك من الإمامية من يرى تعدد الطلب
والإرادة، ولكن ينكر شيئا باسم الكلام النفسي.
وفيما يلي نشير إلى وجهات نظر كل من هذه
الفرق الثلاث:
نظرية الأشاعرة:
تتلخص نظرية الأشاعرة فيما يلي:
1 - لا شك في أن المتكلم عندما يريد أن
يتكلم، يهيئ الكلام - المؤلف من تصورات،
وتصديقات والنسب الموجودة بينها - في نفسه،
وبعدها يجري ذلك الكلام في قالب الألفاظ، فالأول
كلام نفسي، والثاني كلام لفظي.
2 - إن الكلام النفسي في الواجب تعالى قديم



(1) أجود التقريرات 1: 92.
(2) أجود التقريرات 1: 92.
384
كذاته، وأما اللفظي فحادث يحدثه في موجوداته،
فهو متدرج الوجود ومنصرم فلا يكون قديما.
3 - إن هذا الكلام النفسي في الأمر - الذي هو
من النسب الإنشائية - اسمه الطلب.
4 - إن الطلب غير الإرادة، وذلك:
أ - لأن الله تعالى قد يأمر بشئ - أي:
يطلبه - ولا يريده واقعا، كما في الأوامر الامتحانية،
من قبيل أمره - تعالى - إبراهيم بذبح ولده إسماعيل،
فإن الذبح لم يكن مرادا لله واقعا - لأنه لو كان مرادا
لوقع حتما ولما تخلف - مع أنه كان مطلوبا من
إبراهيم (عليه السلام).
ب - ولأن الله تعالى يأمر العاصي بالطاعة،
والكافر بالإيمان مع أنه لم يكن - واقعا - مرادا له،
لأنه لو تعلقت إرادته - تعالى - بإيمان الكافر
وإطاعة العاصي لما تخلفت هذه الإرادة، ولتحققت
خارجا، ولما لم تتحقق، فيتبين أنها لم تكن مرادة،
ومع ذلك فقد طلب من العاصي الطاعة ومن الكافر
الإيمان.
إذن الطلب غير الإرادة (1).
نظرية المعتزلة:
وتتلخص نظرية المعتزلة ومن وافقهم من
الإمامية بما يلي:
1 - إن الطلب والإرادة هما واحد بحكم
الوجدان.
2 - وأما ما قالوه من أن المتكلم يهيئ في نفسه
- قبل التكلم - النسب الخبرية، وذلك هو الكلام
النفسي، فجوابه: أن ما يهيئه إنما هو مجموعة من
التصورات والتصديقات والنسب الموجودة بين
التصديقات - كما تقدم - وليس ذلك إلا العلم بتلك
الأمور، إذ ليس العلم إلا التصور والتصديق،
ولا يعقل معنى آخر - للكلام النفسي - وراء ذلك.
3 - إن الكلام إن كان بمعنى العلم - كما تقدم -
فهو قديم كذاته تعالى وإلا فلا نفهم ما هو حتى نحكم
عليه بالقدم أو الحدوث.
4 - وأما الأوامر الامتحانية فالمراد
والمطلوب فيها هو نفس المقدمات - كإلقاء إسماعيل
ووضع السكين على منحره ونحو ذلك في المثال -
وأما ذو المقدمة فغير مراد واقعا، فلم يتعلق بها
طلب ولا إرادة واقعا وإن تعلق بها الأمر صورة.
5 - وأما موضوع أمر العاصي بالطاعة مع
عدم تعلق إرادته تعالى بتحققها، وكذا بالنسبة إلى
أمر الكافر بالإيمان، فجوابه: أنه قد وقع خلط بين
الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، فالإرادة
التي تعلقت بتكليف العاصي بالطاعة والكافر
بالإيمان إنما هي الإرادة التشريعية، وأما الإرادة
التي لم تتعلق بطاعة العاصي وإيمان الكافر فهي
الإرادة التكوينية، ولا منافاة بينهما.



(1) أنظر: محاضرات في أصول الفقه 2: 18 - 33، ونهاية
الدراية 1: 262، وكفاية الأصول: 64 - 67، وبدائع
الأفكار: 206، وهداية المسترشدين: 133، ودلائل
الصدق 1: 145، ورسالة الطلب والإرادة (للإمام
الخميني): 37.
385
وبعبارة أخرى: إن إرادته - تعالى - إذا
تعلقت بفعل نفسه لم تتخلف، وأما إذا تعلقت بفعل
غيره - أي بصدور فعل من غيره كما في موارد
التشريع - فهي منوطة بصدور ذلك الفعل عن هذا
الغير - وهو المكلف - عن اختيار، فإن أراد يتحقق،
وإلا فلا (1).
نظرية القائلين بالتعدد من الإمامية:
قلنا: ذهب بعض الإمامية إلى القول بتعدد
الطلب والإرادة، منهم: المحقق الخوانساري (2)،
والسيد الأعرجي - صاحب المحصول (3) -، والشيخ
محمد تقي - صاحب الحاشية على المعالم (4) -، والمحقق
النائيني (5)، والمحقق الإصفهاني (6)، والسيد
الخوئي (7).
ولكل منهم توجيهه، وإنما نشير إلى
بعضها:
الأول - ما أفاده المحقق الإصفهاني:
وحاصله: أن البحث في الموضوع يختلف
باختلاف كيفية الرؤية إليها، فإنه قابل لأن يبحث
فيه من زاوية لغوية، أو كلامية، أو أصولية (8).
فإذا نظرنا إليه نظرة لغوية، فأغلب الظن أن
الطلب عنوان لمظهر الإرادة بقول أو فعل، كما يظهر
من قولهم: طلبت زيدا فما وجدته، فإن الطلب
- هنا - عنوان لفعله الخارجي، وليس المراد أنه
أراده قلبا فحسب ولم يطلبه خارجا (1).
وإذا نظرنا إليها نظرة عقلية وكلامية، فيقع
الكلام في ثبوت صفة نفسانية، أو فعل نفساني في
مقابل الإرادة، عند الأمر بشئ.
والحق: إمكان ذلك، لكن لا يكون كلاما
نفسيا مدلولا عليه بالكلام اللفظي (2).
والوجدان الصحيح شاهد على وجود النسبة
الخبرية في نفس الإنسان وإن لم ينظر إلى ما يطابق
هذه النسبة في الخارج، وهذه النسبة مخلوقة للنفس،
ووجودها وجود نوري، وهي ما تسمى بحديث
النفس.
وهذا الوجود النوري غير قابل لأن يقع
مدلولا للكلام اللفظي، لأن ذلك شأن الماهيات،
لا الوجود الحقيقي سواء كان عينيا أو إدراكيا (3).
وأما إذا نظرنا إليها نظرة أصولية، فيقع
البحث في أن مدلول صيغة " إفعل " وأشباهها ماذا؟
هل هو الطلب أو الإرادة أو أمر آخر؟
والتحقيق: أن مدلولها هو بعث المأمور



(1) أنظر المصادر السابقة.
(2) نقل عنه ذلك في منتهى الدراية 1: 382.
(3) نقله عنه المحقق الرشتي في بدائع الأصول: 207.
(4) هداية المسترشدين: 133 - 135.
(5) ستأتي الإشارة إلى المصادر.
(6) ستأتي الإشارة إلى المصادر.
(7) ستأتي الإشارة إلى المصادر.
(8) نهاية الدراية 1: 261.
(1) المصدر نفسه: 267.
(2) المصدر نفسه: 263.
(3) المصدر نفسه: 264 - 265.
386
وتحريكه نحو المأمور به، لا الطلب ولا الإرادة، نعم
يمكن البحث في أنها هل تكشف عن إرادة قلبية
للبعث الإنشائي أو الإرادة الإنشائية أو الطلب
الإنشائي أو لا؟ وهذا المعنى لا يتوقف - إثباتا
ونفيا - على كون مدلول الصيغة أي شئ، نعم
البحث الكلامي المتقدم ينفع الطرفين إثباتا ونفيا (1).
الثاني - ما ذكره المحقق النائيني:
وحاصله: أنه جعل البحث في موردين:
المورد الأول - البحث في أن الطلب والإرادة
متحدان مفهوما أو لا؟
فقال في الجواب:
إن كان المراد من الاتحاد هو ترادفهما،
فالإنصاف أن الإرادة - باتفاق الجميع - عبارة عن
الكيف النفساني القائم بالنفس، وأما الطلب فهو
عبارة عن التصدي لتحصيل شئ في الخارج،
لا الشوق لتحصيله فقط. هذا في التكوينيات.
وأما في التشريعيات فهو عبارة عن نفس
إيجاد الصيغة، فإنه بها يتصدى الآمر لتحصيل
مطلوبه في الخارج.
وإن كان المراد تغايرهما مفهوما واتحادهما
مصداقا، فهو فاسد أيضا، لأن الإرادة من مقولة
الكيف، والطلب من مقولة الفعل، ويستحيل صدق
المقولتين على أمر واحد باعتبارين.
فالصحيح: هو التغاير بين الطلب والإرادة.
المورد الثاني - هل الموجود في النفس - والذي
تترتب عليه حركة العضلات - أمور ثلاثة:
التصور، والتصديق، والشوق المؤكد المعبر عنه
بالإرادة، أو أن هناك أمرا آخر يتوسط بين الإرادة
وحركة العضلات؟
الحق: أن هناك أمرا آخر وراء الإرادة
تترتب عليه حركة العضلات، وهو الطلب
والاختيار (1)، وفاقا لجماعة من محققي المتأخرين،
ومنهم صاحب الحاشية.
والبرهان على ذلك: أن مقدمات الإرادة من
التصور والتصديق كلها غير اختيارية، فإن كانت
حركة العضلات مترتبة عليها من غير تأثير النفس
فيها، وبلا اختيارها، للزم صدور الأفعال من دون
اختيار.
هذا كله في إرادات العباد وأفعالهم التكوينية،
وقس عليه الطلب والإرادة التشريعية، فإن الآمر
يتصدى بأمره لتحريك عضلات المأمور نحو تحقق
المأمور به (2).
الثالث - ما ذكره السيد الخوئي:
وخلاصته: أن الإرادة من الصفات
النفسانية، ومن مقولة الكيف القائم بالنفس،



(1) نهاية الدراية: 266 - 267.
(1) وسماه في فوائد الأصول ب‍: حملة النفس، أو حركة
النفس، أو تصدي النفس.
(2) أنظر: أجود التقريرات 1: 88 - 92، وفوائد الأصول
1: 130 - 134.
387
وأما الطلب، فهو من الأفعال الاختيارية الصادرة
عن الإنسان بالإرادة والاختيار، وهو عبارة
عن التصدي لتحصيل شئ في الخارج، ومن
هنا لا يقال: طالب الضالة، أو طالب العلم إلا
لمن تصدى خارجا لتحصيلهما، وأما من اشتاق
إليهما وأرادهما فحسب، فلا يصدق عليه أنه طالب
لهما.
وبعبارة موجزة: إن الطلب عنوان للفعل
- سواء كان فعلا نفسانيا أو خارجيا - فلا يصدق
على مجرد الشوق والإرادة النفسانية (1).
هذا بالنسبة إلى اتحاد الطلب والإرادة
وعدمه. وأما بالنسبة إلى وجود صفة أخرى غير
العلم والإرادة باسم الكلام النفسي أو الطلب فقد
ذكر أدلة الأشاعرة وناقشها، وحاصل ما أفاده هو:
1 - إن التكلم من الصفات الفعلية دون
الصفات الذاتية، وذلك لوجود ملاك الصفات
الفعلية فيه، حيث يصح أن يقال: إنه تعالى كلم
موسى ولم يكلم غيره، بخلاف العلم، فإنه صفة ذاتية
حيث لا يصح أن يقال: إنه ليس عالما بالشئ
الفلاني.
وإذا كان التكلم من صفات الفعل فهو حادث
ولم يكن قديما كما ادعته الأشاعرة.
2 - إن ما يتصوره المتكلم قبل التكلم
لا ينحصر بالتكلم، بل جار في كل فعل، فإن كل
فعل اختياري مسبوق بالتصور، فهل يطلق عليه
الأشاعرة الفعل النفسي؟
نعم، هو نوع من العلم، لأنه تصور للكلام
الملفوظ.
وأمور أخرى يطول ذكرها (1).
محاولة الصلح بين المتنازعين:
حاول المحقق الخراساني إيقاع الصلح بين
المتنازعين في وحدة الطلب والإرادة وتعددهما،
وتتركز عملية المصالحة بفرض معنيين لكل من
الطلب والإرادة: معنى حقيقي، ومعنى إنشائي،
فالحقيقي ما يتحقق في أفق النفس، والإنشائي
ما يظهر بصورة الإنشاء والطلب اللفظي. وقال: إن
المعنى الحقيقي لكل من الطلب والإرادة أمر واحد،
فهما متحدان واقعا، كما أن المعنى الإنشائي لهما واحد
أيضا، نعم هناك اختلاف بين الإرادة الحقيقية،
والطلب الإنشائي كما تقدم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الإرادة
عندما تطلق تنصرف غالبا إلى الإرادة الحقيقية
لا الإنشائية، خلافا للطلب، فإنه عندما يطلق
ينصرف إلى الإنشائي.
وعلى هذا الأساس، فمن قال بتعدد الإرادة
والطلب قصد بذلك تعددهما من حيث الإنشاء
والواقع، فحمل الطلب على الإنشائي منه، والإرادة
على الحقيقي منها، ومن المعلوم أنهما متعددان.



(1) محاضرات في أصول الفقه 2: 16.
(1) أنظر محاضرات في أصول الفقه 2: 23 - 27.
388
ومن قال باتحادهما نظر إلى المعنى الحقيقي
والإنشائي لهما، فالطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية
بمعنى واحد كما تقدم، كما أن الإنشائي فيهما كذلك
أيضا (1).
لكن بعضهم لم يرتض هذه المصالحة، لأن
النزاع أعمق من ذلك (2).
وهناك أمور أخرى تتعلق بالإرادة يراجع
فيها العناوين: " اختيار "، " استعمال "، " قصد "،
" نية ".
مظان البحث:
الموطن الأصلي للبحث عن هذا الموضوع في
علم الأصول هو أول بحث الأوامر، وللمحقق
الخراساني بحث عن الإرادة في موضوع التجري
أيضا.
ارتكاز
لغة:
من " ركز "، يقال: ركزت الرمح، أي: غرزته
في الأرض، وركز شيئا في شئ: أقره وأثبته فيه،
ولذلك يقال للمعدن: " ركاز " لأنه ثابت ومستقر
في باطن الأرض، ويقال للثابت في العقول: مركوز
فيها (1).
والارتكازي: الأمر المركوز في العقول.
اصطلاحا:
تمهيدا لمعرفة المعنى الاصطلاحي للارتكاز
لا بد من بيان عدة أمور، لأن الأصوليين لم يبحثوا
في ذلك وإن اعتبروه من الأدلة - إجمالا - في كتبهم
الفقهية والأصولية:
أولا - المعنى الإجمالي للارتكاز:
معنى الارتكاز إجمالا هو ثبوت مفهوم
خاص في ذهن طائفة من الناس أو أغلبهم أو كلهم.
مثل: ارتكاز أن الاثنين أكثر من الواحد، وأن خبر
الثقة مما يعتمد عليه عند الناس كافة، وارتكاز
حرمة القرآن والكعبة عند المسلمين قاطبة، وحرمة
الأئمة (عليهم السلام) عند الإمامية.
ثانيا - منشأ الارتكاز:
يمكن أن يكون منشأ الارتكاز أحد الأمرين
التاليين:
1 - الفطرة والغريزة:
هناك أمور فطرية وغريزية مركوزة في
أذهان جميع أفراد الإنسان، قال الشيخ الطوسي:



(1) كفاية الأصول: 66.
(2) أنظر منتهى الدراية 1: 392.
(1) أنظر: الصحاح، ولسان العرب، ومعجم مقاييس
اللغة، ومجمع البحرين: " ركز ".
389
" الطريق إلى معرفة الأشياء أربعة لا خامس لها:
أولها - أن يعلم الشئ ضرورة، لكونه مركوزا في
العقول، كالعلم بأن الاثنين أكثر من واحد... " (1).
وجعل في مكان آخر قبح التكليف بما لا
يطاق مما هو مركوز في الأذهان أيضا (2).
وقال الشهيد بالنسبة إلى النية: "... إنها
مركوز في جبلة العقلاء، حتى أن الإنسان لا يكاد
يفعل فعلا خاليا عن القصد والداعي... " (3).
وقيل: " إن العمل على الحالة السابقة أمر
مركوز في النفوس حتى الحيوانات... " (4).
ومن ذلك قبول خبر الثقة وترجيح الأوثق
عند تعارضه مع الثقة، لأنه مركوز في أذهان
الناس (5).
2 - القوة التشريعية:
وربما يحصل الارتكاز على أثر القوة
التشريعية، ومهما كانت هذه القوة أكثر نفوذا في
القلوب كان الارتكاز أكثر عمقا ودواما، وأما لو
كانت قوة قهرية غير نافذة في القلوب فلا تتحقق
الأرضية المناسبة للارتكاز، بل ربما يسير الناس
وفق القوة القهرية لكن من دون حصول ارتكاز
أصلا.
قال المحقق النائيني بالنسبة إلى الطريقة
العقلائية، وهي مبتنية على المرتكزات الذهنية:
"... إن مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو: إما أن يكون
لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء
عصره على تلك الطريقة واتخذها العقلاء في الزمان
المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من
مرتكزاتهم، وإما أن يكون مبدؤها أمر نبي من
الأنبياء بها في عصر حتى استمرت، وإما أن تكون
ناشئة من فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما
أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة
حفظا للنظام.
ولا يخفى بعد الوجه الأول، بل استحالته
عادة، وكذا الوجه الثاني، فالمتعين هو الوجه
الثالث... " (1).
ومقصوده من نفي أن يكون النبي سببا للارتكاز
إنما هو بالنسبة للمرتكزات العقلائية لا المرتكزات
الشرعية فإنها لا بد من أن تنتهي إلى تشريع الأنبياء
- وسوف يأتي مزيد توضيح للفرق بينهما - ولذلك
قال السيد محمد تقي الحكيم بالنسبة إلى تكوين
ارتكاز المتشرعة: "... وتكوين الارتكاز في نفوس
الرأي العام لا يحتاج من وجهة نفسية إلى أكثر من
إمرار فتوى ما في جيلين أو ثلاث على الحرمة مثلا،
ليصبح ارتكازا في نفوس العاملين عليها " (2).

390
ثالثا - تحقق الارتكاز في الأمور النظرية والعملية:
المفهوم المرتكز في الأذهان قد يكون مفهوما
نظريا صرفا، مثل ارتكاز أن الاثنين أكثر من
الواحد، وقد يكون مفهوما نظريا يبتني عليه العمل،
مثل ارتكاز حجية قول الثقة وإخباره عند عقلاء
العالم، فإنهم يبنون حياتهم المعيشية وأعمالهم على
هذا الأصل المرتكز في أذهانهم. ومثل ارتكاز
حرمة الكعبة والقرآن عند المسلمين، فإنهم يعملون
طبقا لهذا الارتكاز، ويلومون أشد اللوم من يهتك
حرمتهما ولم يحفظها.
والذي نستخلصه مما تقدم هو: أن الارتكاز
عبارة عن رسوخ بعض المفاهيم في ذهن الناس،
وتارة تقوم على وفقه سيرة عملية وتارة لا تقوم
- لأنها مفاهيم نظرية - ومنشأ الارتكاز تارة يكون
الفطرة والغريزة، وتارة القدرة التشريعية.
لكن الذي يعده الأصوليون من جملة الأدلة
- إجمالا - هو الارتكاز الذي قامت طبقها سيرة
عملية، فيكون الارتكاز رصيدا فكريا للسيرة
العملية.
هذا ما يستفاد من كلمات الفقهاء والأصوليين
في موارد استعمالاتهم لهذا الاصطلاح.
لكن يظهر من الشهيد الصدر أن الارتكاز هو
الرصيد الفكري سواء وجدت على وفقه سيرة
عملية أو لا، قال بالنسبة إلى السيرة العقلائية:
" ونقصد بها ما هو أعم من السلوك الخارجي، فهي
تشمل أيضا المرتكزات العقلائية، وإن لم يصدر
منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها لعدم تحقق
موضوعها بعد " (1).
ويقابله السيد محمد تقي الحكيم حيث قال
بالنسبة إلى ارتكاز المتشرعة: "... والظاهر أنهم
يريدون به بالإضافة إلى توفر السيرة على الفعل أو
الترك بالنسبة إلى شئ ما، شعور معمق بنوع الحكم
الذي يصدر عن فعله أو تركه المتشرعون لا يعلم
مصدره على التحقيق " (2).
أقسام الارتكاز:
ينقسم الارتكاز - بحسب من يتحقق فيهم -
إلى ثلاثة أقسام:
1 - ارتكاز العقلاء:
وذلك إذا كان من تحقق فيهم الارتكاز هم
العقلاء بما هم عقلاء، مع غض النظر عن دينهم
كارتكاز قبول خبر الثقة عندهم.
2 - ارتكاز المسلمين:
ويتحقق ذلك فيما إذا كان المرتكز عندهم، هم
المسلمون بما هم مسلمون مع غض النظر عن
مذاهبهم الخاصة بهم، كارتكاز لزوم استقبال القبلة
عند الصلاة عندهم، فهذا الارتكاز موجود مع غض
النظر عن الأدلة القائمة على ذلك، وكارتكاز حرمة
هتك القرآن والكعبة، كما تقدم.

391
3 - ارتكاز المتشرعة:
ويقصد به ما هو المرتكز عند خصوص
الملتزمين بالمذهب والمتشرعين، كارتكاز مطلوبية
استقبال القبلة حالة النوم، ومذمومية حلق اللحية
عندهم.
حجية الارتكاز:
حكم الارتكاز حكم السيرة من حيث
الحجية، فإذا كان الارتكاز متصلا بزمان أحد
المعصومين وكان بمرأى ومسمع منه ولم ينه عنه مع
تمكنه منه يكون حجة، وإلا فالارتكاز الحاصل بعد
زمان المعصومين لا يكون حجة إلا إذا أحرز رضاه
بذلك بطريق ما، وهو بعيد عادة.
وشأن الارتكاز شأن سائر الأدلة اللبية
- كالإجماع والسيرة - من حيث إنها لا تدل إلا على
القدر المتيقن، وليس فيها إطلاق.
وسوف يأتي تفصيل ذلك في عنوان:
" سيرة " فراجع.
مظان البحث:
ليس للبحث عن الارتكاز موطن خاص،
وإنما يتطرق له بالمناسبة، ومن جملة ذلك البحث عن
دليلية السيرة على حجية الخبر الواحد، لكن فتح
السيد الصدر بابا مستقلا لحجية السيرة في مبحث
الظن، كما فتح السيد الحكيم عنوانا صغيرا مستقلا
للبحث في ارتكاز المتشرعة.
أسباب
راجع: قسم الفقه.
استثناء
تقدم في قسم الفقه معنى الاستثناء لغة
واصطلاحا، وذكرنا بعض القواعد العامة وأهم
ما يرتبط به من أحكام فقهية، وأحلنا ما يرتبط
به من الناحية الأصولية إلى الملحق الأصولي،
فنقول:
قد تطرق الأصوليون إلى الكلام عن
الاستثناء في موردين:
الأول - في قسم المفاهيم، حيث تكلموا حول
مفهوم الاستثناء.
الثاني - في العموم والخصوص، حيث تطرقوا
فيه إلى موضوع تعقيب الاستثناء للجمل المتعاطفة.
وفيما يلي نشير إلى الموضوعين:
أولا - مفهوم الاستثناء:
تارة يكون الاستثناء راجعا إلى موضوع
الحكم، كما في قولنا: " لا تكرم العالم غير العادل "،
أو: " أكرم العالم إلا الفاسق "، إذا فرضنا " إلا " بمعنى

392
" غير "، ومنه قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله
لفسدتا) * (1).
وتارة يكون راجعا إلى الحكم، كما هو الظاهر
في أغلب موارد استعمالات " إلا " مثل قولنا: " أكرم
العلماء إلا الفساق منهم ".
لا إشكال في عدم المفهوم للنحو الأول، فمعنى
" لا تكرم العالم غير العادل ": النهي عن إكرام العالم
الموصوف بكونه غير عادل، فلا يدل على وجوب
إكرام العالم العادل.
ففي مثل هذه الموارد تكون أداة الاستثناء مع
ما بعدها صفة لما قبلها.
وأما النحو الثاني، فلا إشكال في دلالته على
انتفاء الحكم الوارد على " المستثنى منه " عن
" المستثنى "، ففي مثل: أكرم العلماء إلا الفساق، تدل
الجملة على نفي وجوب الإكرام عن فساق العلماء،
وهذا مما لا إشكال فيه.
نعم، وقع الخلاف في أن هذه الدلالة هل هي
بالمفهوم أو بالمنطوق، أو فيها تفصيل؟ فالأقوال
ثلاثة:
الأول - أن الدلالة إنما هي بالمفهوم، وهذا هو
الظاهر من المشهور - كما قيل (2) - بل قال بعضهم:
" إنه من شدة وضوحه اشتبه على بعض فتوهم: أن
الدلالة المزبورة كانت من جهة المنطوق " (1).
وتقريب ذلك: أن أداة الاستثناء تضيق
دائرة موضوع سنخ الحكم - أي: طبيعة الحكم -
المتعلق بالمستثنى منه، ولازم هذا التضييق انتفاء
سنخ الحكم عن المستثنى، فليس مفاد أداة الاستثناء
نفي شخص حكم المستثنى منه عن المستثنى، حتى
تكون الدلالة بالمنطوق (2).
وبعبارة أخرى: إن المقدار الذي يتكفله
منطوق القضية، إنما هو مجرد إثبات الحكم - سلبا أو
إيجابا - للمستثنى منه، وأما إثبات نقيض ذلك
الحكم الثابت، للمستثنى فهو إنما يكون بالمفهوم، من
جهة كونه من لوازم انحصار سنخ الحكم بالمستثنى
منه (3).
الثاني - أن الدلالة بالمنطوق، نسب ذلك إلى
بعضهم، وممن عثرنا على موافقته لهذا الرأي هو:
الفاضل التوني (4)، والسيد المجاهد (5).
الثالث - التفصيل: هناك تفصيلات ذكرت في
المسألة، مثل:



(1) الأنبياء: 22.
(2) أنظر: حقائق الأصول 1: 478، ومنتهى الدراية 3:
434.
(1) نهاية الأفكار (1 - 2): 501.
(2) أنظر: حقائق الأصول 1: 478، ومنتهى الدراية 3:
434.
(3) نهاية الأفكار (1 - 2): 501.
(4) الوافية: 231.
(5) مفاتيح الأصول: 213، ويرى بعض المعاصرين هذا
الرأي أيضا، أنظر أنوار الأصول 2: 72.
393
1 - التفصيل بين ما إذا كانت " إلا " حرفا،
وبين ما إذا كانت متضمنة معنى الفعل، وهو:
" أستثني "، فعلى الأول تكون الدلالة بالمفهوم،
وعلى الثاني تكون الدلالة بالمنطوق، لأن الدال على
نفي الحكم عن المستثنى هو ذلك الفعل حقيقة،
لا الأداة القائمة مقامه (1).
2 - التفصيل بين مثل " ليس " و " لا يكون "
ونحوهما، وبين مثل " إلا " و " غير " ونحوهما، فعلى
الأول تكون الدلالة بالمنطوق، وعلى الثاني تكون
بالمفهوم (2).
والظاهر أن مرد التفصيلين إلى أمر واحد،
وهو أن أداة الاستثناء إن كانت فعلا أو متضمنة
معنى الفعل، فتكون الدلالة على الاستثناء بالمنطوق،
وإن كانت حرفا، فتكون الدلالة بالمفهوم.
ويراجع تفصيل ذلك في مصطلح: " مفهوم ".
ثانيا - تعقيب الاستثناء للجمل المتعددة:
تكلم الأصوليون في موضوع العام والخاص
عما إذا تعددت الجمل وتعاطفت ثم تعقبها استثناء،
فهل يرجع إلى خصوص الجملة الأخيرة فتبقى سائر
الجمل على عمومها وسالمة من التخصيص، أو
يرجع إلى جميع الجمل فيسقط عمومها عن الحجية،
أو يحتمل الأمران، أو فيه تفصيل؟ وجوه، بل
أقوال.
وقبل بيان الأقوال، لا بد من الإشارة إلى
أمرين:
الأول - أن هذا البحث إنما يصح بعد فرض
إمكان رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل، وأما إذا لم
يمكن ذلك - لأي سبب كان - فلا يأتي هذا البحث.
الثاني - الظاهر أنه لا إشكال في رجوع
الاستثناء إلى الأخيرة من باب القدر المتيقن، وإنما
الكلام في رجوع الاستثناء إلى الجميع أو خصوص
الأخيرة من باب الظهور.
ومهما يكن فالأقوال في المسألة كالآتي:
الأول - أن الاستثناء يرجع إلى الجميع، نسب
هذا القول إلى الشيخ (1).
الثاني - أنه يرجع إلى خصوص الأخيرة،
نسب ذلك إلى بعض، منهم المحقق القمي، فإنه يرى
أن الاستثناء - بصورة عامة - موضوع للإخراج
الكلي، وكل من الإخراج من خصوص الجملة
الأخيرة، والإخراج من جميع الجمل قابل لأن



(1) أنظر منتهى الدراية 3: 435.
(2) حقائق الأصول 1: 479.
وانظر تفصيل الموضوع في المصادر التالية:
كفاية الأصول: 209، وفوائد الأصول (1 - 2):
505، وأجود التقريرات 1: 438، ونهاية الأفكار (1
- 2): 501، والمحاضرات 5: 140، وحقائق الأصول
1: 476، وتهذيب الأصول 1: 366، وبحوث في علم
الأصول 3: 213، ومنتهى الدراية 3: 425، وغيرها.
(1) نسبه إليه المحقق الحلي في معارج الأصول: 94، وانظر
عدة الأصول (الحجرية): 123 - 124، الفصل 38.
394
يكون فردا لهذا الكلي، ولما لم يمكن إرادة إخراجين
باستعمال واحد من جهة، وكان الإخراج من الجملة
الأخيرة أقرب من الإخراج من الجميع، فلذلك
يحمل على الإخراج من خصوص الأخيرة (1).
الثالث - أنه يحتمل الأمران، ويتوقف تعيينه
على القرينة، إما من جهة الاشتراك، كما يظهر ذلك
من السيد المرتضى، وإما لتعليلات أخرى كما يظهر
من صاحب المعالم، وصاحب الكفاية، والمحقق
العراقي.
قال السيد المرتضى: " والذي أذهب إليه أن
الاستثناء إذا تعقب جملا، وصح رجوعه إلى كل
واحدة منها لو انفردت، فالواجب تجويز رجوعه
إلى جميع الجمل، كما قال الشافعي، وتجويز رجوعه
إلى ما يليه على ما قال أبو حنيفة، وألا يقطع على
ذلك إلا بدليل منفصل، أو عادة، أو أمارة، وفي
الجملة لا يجوز القطع على ذلك لشئ يرجع إلى
اللفظ " (2).
وقال صاحب المعالم: " والذي يقوى في
نفسي: أن اللفظ محتمل لكل من الأمرين، لا يتعين
لأحدهما، إلا بالقرينة " (3).
وقال صاحب الكفاية: أنه "... لا ظهور لها
في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة، وإن
كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير " (1).
وقال المحقق العراقي: " قد عرفت أن الأخيرة
هي القدر المتيقن في المرجعية، لأنه على كل تقدير
يعلم بتخصيصها، وأما غير الأخيرة فلا ظهور
للكلام يقتضي رجوعه إليه... " (2).
الرابع - التفصيل بين ما إذا تعددت الجمل
موضوعا ومحمولا، وما إذا لم تكن كذلك، سواء
تعدد الموضوع فقط أو المحمول فقط، ففي الأول
يرجع إلى الأخيرة، وفي الثاني إلى الجميع.
وهذا الرأي تبنته مدرسة المحقق النائيني، بل
قيل: إنه المعروف بين المحققين (3). وبيانه يحتاج إلى
شئ من التوضيح، فنقول:
إن الصور المحتملة في المسألة خمس:
الأولى - أن يتكرر الموضوع والمحمول معا،
كأن يقول: أكرم العلماء وأكرم الشيوخ وأكرم
الهاشميين إلا الفساق.
ففي هذه الصورة يرجع الاستثناء إلى
خصوص الجملة الأخيرة، لظهوره في ذلك، لأن
الاستثناء إخراج من الموضوع، وهو موجود في
الجملة الأخيرة فيأخذ مأخذه، ولا يتوقف على
إرجاعه إلى جميع الجمل.
لكن يرى الإمام الخميني أن الأمرين



(1) القوانين (طبعة 1303) 1: 291 - 292.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 249.
(3) معالم الدين (الحجرية): 126.
(1) كفاية الأصول: 235.
(2) نهاية الأفكار (1 - 2): 542.
(3) بحوث في علم الأصول 3: 394.
395
محتملان معا، لأن الاستثناء إن اشتمل على ضمير
- كما إذا قال: إلا الفساق منهم - فيكون الاستثناء
تابعا له في السعة والضيق، وبما أن كل جملة مشتملة
على الاسم الظاهر، فيكون الضمير قابلا للعود إلى
الأخيرة وإلى الجميع، فيتبعه الاستثناء، ولو لم
يشتمل على الضمير فيحتمل الأمران أيضا،
لانطباق عنوان المستثنى منه على الجميع (1).
الثانية - أن يتكرر المحمول فقط، ولا يتكرر
الموضوع، كما إذا قال: أكرم العلماء وأحسن
ضيافتهم واحترمهم إلا الفساق، ومن ذلك قوله
تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم
شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين
تابوا) * (2).
ففي هذه الصورة يرجع الاستثناء إلى الجميع،
لأن الاستثناء - كما تقدم - إنما هو من الموضوع،
وهو مذكور في الجملة الأولى، فيرجع إليه وإلى
ما بعده.
الثالثة - الصورة نفسها، ولكن مع تكرر
الموضوع أيضا في بعض الجمل، كما إذا قال: أكرم
العلماء وأحسن ضيافتهم، وجالس العلماء
واستشرهم إلا الفساق، فالظاهر رجوع الاستثناء
إلى خصوص الجملة التي تكرر فيها الموضوع، وإلى
ما بعدها.
ففي المثال يرجع الاستثناء إلى جملة " جالس
العلماء " وما بعدها.
الرابعة - أن يتكرر الموضوع فقط، مثل ما إذا
قال: أكرم العلماء والأشراف والسادة إلا الفساق،
أو أكرم الفقهاء والأصوليين والمتكلمين إلا
الفساق.
ففي هذه الصورة يرجع الاستثناء إلى الجميع
أيضا، لأن ثبوت حكم واحد لموضوعات متعددة
قرينة عرفا على أن الجميع في مقام اللحاظ موضوع
واحد.
الخامسة - الصورة نفسها، ولكن مع تكرر
المحمول أيضا في بعض الجمل، كما إذا قال: " أكرم
الفقهاء والأصوليين، وأكرم المتكلمين إلا الفساق ".
فالظاهر رجوع الاستثناء إلى خصوص المتكرر فيها
المحمول وما بعدها من الجمل - لو كانت -، لأن
تكرار عقد الحمل قرينة عرفا على أنها جملة مستقلة
منفصلة عما تقدمها من الجمل، فيأخذ الاستثناء
مأخذه.
هذا كله بالنسبة إلى مدرسة المحقق
النائيني والتابعين لها في خصوص هذه
المسألة (1).



(1) تهذيب الأصول 2: 61.
(2) النور: 4 - 5.
(1) أنظر: أجود التقريرات 1: 496، وفوائد الأصول (1
- 2): 554، ومحاضرات في أصول الفقه 5: 306،
وبحوث في علم الأصول 3: 394.
396
وهناك آراء أخرى يرجع فيها إلى
المطولات.
ما يترتب على هذه الأقوال من الثمرة:
الثمرة المترتبة على هذه الأقوال تظهر في
إمكان تخصيص عموم الجمل المتعددة أو إطلاقها
وعدمه، فنقول:
لا إشكال في أن الجملة الأخيرة تفقد عمومها
- أو إطلاقها - بسبب الاستثناء، لأنه قد تقدم أنه
لا إشكال في رجوع الاستثناء إلى الأخيرة ولو من
جهة أنها القدر المتيقن مما يرجع إليه الاستثناء، أو
لا أقل من احتمال ذلك، وهو يمنع من انعقاد العموم أو
الإطلاق فيها.
وأما غيرها، فإن قلنا برجوع الاستثناء إليها
أيضا، فهو يمنع من انعقاد العموم أو الإطلاق فيها
أيضا.
وإن قلنا بعدم رجوعها إليها قطعا فهي تبقى
على عمومها أو إطلاقها.
وإن قلنا باحتمال رجوعه إليها، فلا ينعقد لها
ظهور في العموم أو الإطلاق، لأن الاستثناء بمنزلة
قرينة محتملة على الخلاف، ومحتمل القرينة يمنع من
انعقاد الظهور كالقرينة القطعية (1).
ويرى بعضهم: أنه يمكن أن تجري أصالة
الحقيقة، أو أصالة العموم في غير الجملة الأخيرة
فيما إذا توفر شرطان:
الأول - أن نقول بحجية أصالة الحقيقة أو
أصالة العموم من باب التعبد، وأنهما تجريان حتى
مع احتمال الخلاف، نعم لا تجريان مع العلم به،
فحينئذ يمكن جريانهما في غير الجملة الأخيرة وإن
احتملنا رجوع الاستثناء إليه.
وأما لو قلنا بحجيتهما من باب حجية
الظهورات فلا تجريان، لوجود الاستثناء، واحتمال
رجوعه إلى الجمل يمنع من انعقاد ظهورها في
العموم.
الثاني - أن يكون عموم الجمل بالوضع
- أي فيها ما يدل على العموم بالوضع - لا بالإطلاق
ومقدمات الحكمة، لأن من جملة مقدمات
الحكمة عدم وجود قرينة - أو ما يصلح للقرينية -
على الخلاف، والاستثناء صالح لأن يكون
قرينة على الخلاف وإن لم نحرز أنه كذلك
فعلا (1).
مظان البحث:
1 - بحث المفاهيم: مفهوم الاستثناء.
2 - بحث العام والخاص: الاستثناء المتعقب
لجمل متعددة.



(1) أنظر المصادر المتقدمة.
(1) أنظر: كفاية الأصول: 235، ونهاية الأفكار (1 -
2): 542 - 544، ومنتهى الدراية 3: 634.
397
استحباب
لغة:
قال الجوهري في الصحاح: " الاستحباب
كالاستحسان " (1)، وعلق عليه في مختار الصحاح
بقوله: " قلت: استحبه عليه أي آثره عليه
واختاره، ومنه قوله تعالى: * (فاستحبوا العمى على
الهدى) * (2)، واستحبه: أحبه، ومنه المستحب " (3).
اصطلاحا:
يظهر من استعمالات الفقهاء والأصوليين
لكلمتي " الاستحباب " و " الندب " ترادفهما.
واشتهر تعريف الاستحباب أو الندب بأنه:
طلب الفعل مع عدم المنع من الترك، أو رجحان
الفعل مع عدم المنع من الترك، في مقابل الوجوب
الذي هو: طلب الفعل مع المنع من الترك.
لكن لم يرتض المتأخرون هذا التعريف، لأن
الحكم - الوجوب والاستحباب وغيرهما - عندهم
أمر بسيط غير مركب، وهو إما الإرادة نفسها، فإن
كانت شديدة فتفيد الوجوب وإن كانت ضعيفة فتفيد
الاستحباب، وإما منتزع من مقام إبراز الإرادة،
فإن كان منشأ الانتزاع إرادة شديدة فينتزع منها
الوجوب، وإن كانت إرادة ضعيفة فينتزع منها
الاستحباب، إلى آخر ما ذكروه من المباني في بيان
حقيقة الحكم والوجوب.
نعم، قالوا: إن المنع من الترك لازم للإرادة
الشديدة في الوجوب، وعدم المنع لازم للإرادة
الضعيفة في الاستحباب، وإنما ذكرا في التعريف
تقريبا للأذهان، ولبعضهم كلام في ذلك أيضا (1).
الاستحباب في النصوص:
وردت مشتقات كلمة " الاستحباب " مثل
" يستحب " و " تستحب " في النصوص، ولكن أريد
منها في الأغلب المعنى اللغوي، كما في قوله تعالى:
* (فاستحبوا العمى على الهدى) *، و * (استحبوا الكفر
على الإيمان) *، و * (الذين يستحبون الحياة الدنيا على
الآخرة) * (2)، وكما في قوله (عليه السلام): " تستحب عرامة



(1) الصحاح: " حبب "، وانظر لسان العرب، والمصباح
المنير: المادة نفسها.
(2) فصلت: 17، ومنه قوله تعالى: * (استحبوا الكفر على
الإيمان) * التوبة: 23.
(3) مختار الصحاح: " حبب "، وانظر المعجم الوسيط، المادة
نفسها.
(1) أنظر: القوانين (طبعة 1303) 1: 128 و 142،
وكفاية الأصول: 133، وأجود التقريرات 1: 94
و 252، ومحاضرات في أصول الفقه 2: 123 و 3: 47،
ومنتهى الدراية 3: 460.
(2) إبراهيم: 3.
398
الصبي في صغره، ليكون حليما في كبره " (1)، فإن
عرامة الصبي - وهي شراسته - أمر تكويني خارج
عن إرادة الإنسان، فلا معنى لتعلق التكليف به.
لكن هناك روايات أخرى لا يبعد أن تكون
قد استعمل فيها الاستحباب في المعنى الاصطلاحي،
مثل ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)،
قال: " سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو
أم لا؟ قال: يستحب، فإن نسي فليس عليه
شئ " (2)، فإن المقابلة بين الواجب والمستحب قرينة
على إرادة واقع المعنى الاصطلاحي وإن فرضنا عدم
اصطلاحه في هذا المعنى آنذاك، ويؤيده أن المعنى
اللغوي - وهو حب الشئ واستحسانه وإيثاره على
غيره - لا ينافي الوجوب (3).
ما يدل على الاستحباب:
لا إشكال في أن مادة الأمر مثل " آمرك "
ونحوه، وصيغته مثل " اضرب " تدلان على
الاستحباب لو اقترنتا بما يصرفهما عن الوجوب،
سواء كانت القرينة لفظية أو حالية أو حاصلة من
جهة تعارض النصوص والأدلة.
وأما إذا لم تقترنا بذلك، فإن اقترنتا بما يدل
على الوجوب دلتا عليه، وإن خلتا من القرينة
فالمعروف بين المحققين المتأخرين حملهما على
الوجوب، والمنقول عن صاحبي المعالم والمدارك،
والمحققين الخوانساري والسبزواري التوقف في ذلك
فيما إذا كان في كلام الأئمة - لا القرآن وكلام
النبي (صلى الله عليه وآله) -، لكثرة ورود الأمر في كلامهم في
الاستحباب (1).
الاستحباب نفسي وغيري:
الاستحباب قد يكون نفسيا أو غيريا، لأن
المستحب قد يكون مستحبا لنفسه لا لغاية أخرى،
كالكثير من المستحبات، مثل النوافل اليومية
والصوم المستحب في المناسبات الخاصة كيوم عرفة،
والطهارات الثلاث بناء على استحبابها ذاتا، وقد
يكون مستحبا لغيره، مثل الطهارات الثلاث التي
تستحب لأجل غاياتها بناء على عدم استحبابها
ذاتا، كالوضوء للصلاة المندوبة، ولدخول المسجد،



(1) الكافي 6: 51، باب التفرس في الغلام، الحديث 2.
والرواية مروية عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليهما السلام).
(2) الوسائل 7: 461، الباب 21 من أبواب صلاة العيد،
الحديث 10.
(3) تأمل في الموارد التالية لترى هل الاستحباب ومشتقاته
استعملت في المعنى اللغوي أو الاصطلاحي:
الوسائل 2: 525، الحديث 2814، و: 539،
الحديث 2949، و 3: 15، الحديث 2898، والصفحة
192، الحديث 3379، و 5: 92، الحديث 6016،
وغيرها من الموارد.
(1) نقل ذلك عنهم المحدث البحراني في الدرر النجفية:
132، وانظر معالم الدين (الحجرية): 48، قال ذلك
تحت عنوان " فائدة " في آخر بحث الأوامر.
399
وغسل الجنابة للصلاة المندوبة، وكقطع المسافة
للحج المندوب، ونحو ذلك.
اجتماع الوجوب والاستحباب:
يمكن أن يجتمع الوجوب والاستحباب في
موضع واحد ولكن باعتبارين، وهذا يمكن تصوره
في موردين:
الأول - الوجوب الغيري مع الاستحباب
النفسي وعكسه:
وذلك مثل غسل الجنابة بناء على استحبابه
وعدم وجوبه كما هو المشهور، فإنه قد يجب للصلاة
الواجبة بعد دخول وقتها - بناء على وجوب مقدمة
الواجب - ولكن وجوبه غيري، ومع ذلك فهو
مستحب نفسا، بناء على استحباب الطهارات ذاتا.
وأما عكسه فمثل المثال نفسه ولكن بناء على
وجوب خصوص غسل الجنابة مطلقا - سواء كان
لما يشترط فيه الطهارة أو لا - فإنه يكون واجبا
نفسيا ومستحبا غيريا إذا كان لصلاة مندوبة (1).
الثاني - الوجوب التخييري مع الاستحباب:
فإنه قد يتفق أن يكون بعض أفراد الواجب
التخييري أفضل من غيره، كالعتق من بين كفارات
الإفطار العمدي في صوم رمضان، وهي: عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا،
جمعا بين الروايات الدالة على التخيير - وهي أكثر
عددا وأصح سندا على ما قيل - وبين الدالة على
الترتيب (1).
هل يجب المستحب بالشروع فيه؟
قال الشهيد الأول في القواعد: " لا يجب
عندنا النفل بالشروع فيه إلا الحج والاعتمار، وفي
الاعتكاف للأصحاب ثلاثة أوجه: الوجوب
بالشروع، والوجوب بمضي يومين، وعدم
الوجوب، وأوسطها وسطها.
نعم، يكره قطع العبادة المندوبة بالشروع
فيها، وتتأكد الكراهية في الصلاة، وفي الصوم بعد
الزوال " (2).
هل ترك المستحب مكروه؟
الظاهر من كلمات بعض الفقهاء أن فيه
قولين:
الأول - القول بأنه مكروه:
لم أعثر على مصرح بذلك، نعم يمكن
استظهاره من بعض الفقهاء، كالمحقق الحلي،
فإنه يستفاد من بعض عباراته أنه يرى ذلك،



(1) أنظر: المستمسك 3: 68، والتنقيح 5: 435، والعروة
الوثقى فيهما، وانظر كفاية الأصول: 111 وشروحها،
مثل منتهى الدراية 2: 260 وغيرها.
(1) أنظر: الجواهر 16: 267 - 270، والمستمسك 8:
344، وانظر تمهيد القواعد: 35، القاعدة الثانية.
(2) القواعد والفوائد 1: 99، القاعدة 39.
400
فمن جملة عباراته ما قاله في المعتبر مستدلا
على كراهة التكتف بقوله: "... من حيث هي مخالفة
لما دلت عليه الأحاديث من أهل البيت (عليهم السلام)
من استحباب وضعهما على الفخذين، محاذيين
للركبتين " (1).
ومن ذلك ما استفاده الشهيد من كلامه، قال
الشهيد في المسالك - معلقا على كلام المحقق في
الشرائع: " ويكره له (2) الأكل والشرب، وتخف
الكراهة بالمضمضة والاستنشاق " -:
" مقتضاه عدم زوال الكراهة معهما،
والمشهور زوالها... ولعل إطلاق الخفة بسبب ذلك،
بناء على كراهة ترك المستحب " (3).
الثاني - القول بعدم الكراهة:
ويبدو أنه رأي المحققين من العلماء، قال
السيد الطباطبائي في الرياض ضمن كلامه حول
استحباب تباعد البئر والبالوعة: "... إلا على القول
بأن ترك المستحب مكروه، وهو خلاف
التحقيق " (4). وقال في موضع آخر: "... ولا دلالة
فيه على الكراهة إلا على تقدير كون ترك المستحب
مكروها، وهو خلاف التحقيق " (5).
ونفى صاحب الجواهر في مواطن عديدة
أن يكون ترك المستحب مكروها، فمن ذلك
قوله:
" ودعوى أن ترك المستحب مكروه... فيه
ما لا يخفى " (1). ومنه قوله: "... وهو كما ترى
مبني على كراهة ترك المستحب، وفيه نظر أو
منع " (2).
مقدمة المستحب:
لا شبهة في أن مقدمة المستحب مستحبة
كما أن مقدمة الواجب واجبة لو قلنا بالملازمة بين
المقدمة وذيها، بخلاف مقدمة الحرام أو المكروه،
فإنها لا تكون محرمة أو مكروهة إلا إذا كان ذوها
يترتب عليها بحيث يحصل الحرام بمجرد فعل
مقدمته (3).
وتفصيل ذلك موكول إلى محله.
راجع: مقدمة.
وهناك أبحاث أخرى سوف نتطرق لها في
مظانها إن شاء الله تعالى.
راجع العناوين: ندب، نفل، سنة،
مسنون.



(1) المعتبر: 196.
(2) أي الجنب.
(3) المسالك 1: 52.
(4) رياض المسائل 1: 169 - 170.
(5) رياض المسائل 2: 204.
(1) الجواهر 2: 345.
(2) الجواهر 13: 266، وانظر 1: 388، و 10: 117،
و 14: 113.
(3) أنظر كفاية الأصول: 128.
401
مظان البحث:
أولا - الفقه:
1 - كتاب الطهارة:
أ - الوضوء.
ب - الغسل.
2 - كتاب الصوم: كفارة الإفطار العمدي،
وموارد أخرى متفرقة.
ثانيا - الأصول:
1 - أول مبحث الأوامر: البحث عن مادة
الأمر وعن صيغته.
2 - أول مبحث الضد.
3 - مقدمة الواجب: مقدمة المستحب، دفع
الإشكال عن كيفية حصول الثواب على
الطهارات الثلاث مع أنها واجبة لغيرها،
لأنها مقدمة للغير.
4 - الاستصحاب: تفسير الأحكام التكليفية
والوضعية.
استحسان
لغة:
هو: عد الشئ حسنا (1).
اصطلاحا:
لما كان الأصل في هذا الاصطلاح هم غير
أهل البيت (عليهم السلام)، فلا بد من ملاحظة معناه عندهم،
لكن لما لم تتحد تعاريفهم فيه، فلذلك نشير إلى
أهمها:
ذكر الغزالي في المستصفى معاني ثلاثة
للاستحسان، وقال:
الأول - " - وهو الذي يسبق إلى الفهم (1) -:
ما يستحسنه المجتهد بعقله " (2).
الثاني - " دليل ينقدح في نفس المجتهد
لا تساعده العبارة عنه ولا يقدر على إبرازه
وإظهاره " (3).
ونسب الآمدي هذا التعريف إلى بعض
أصحاب أبي حنيفة (4).
الثالث - " أنه ليس قولا بغير دليل، بل هو
بدليل، وهو أجناس، منها: العدول بحكم المسألة
عن نظائرها بدليل خاص من القرآن... ومنها أن



(1) لسان العرب: " حسن ".
(1) توهم بعضهم أن هذه العبارة من جملة التعريف، في
حين أنه أراد بذكرها أن يلوح بأن المعنى المتبادر
والمنساق إلى الذهن من الاستحسان هو هذا المعنى،
فتأمل جيدا، وانظر الموسوعة الفقهية (المصرية) 6:
37.
(2) المستصفى 1: 274.
(3) المصدر نفسه: 281.
(4) الإحكام في أصول الأحكام 4: 391.
402
يعدل بها عن نظائرها بدليل السنة " (1).
ونسب هذا التعريف إلى الكرخي وبعض
أصحاب أبي حنيفة.
وهناك تعاريف أخرى ذكرها الآمدي
وغيره، منها:
1 - " إنه عبارة عن العدول عن موجب
قياس إلى قياس أقوى منه " (2).
2 - " إنه تخصيص قياس بدليل هو أقوى
منه " (3).
3 - " إنه العمل بأقوى الدليلين " (4).
4 - " إنه العمل بالدليل الذي يكون معارضا
للقياس الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل إنعام
التأمل فيه، وبعد إنعام التأمل في حكم الحادثة
وأشباهها من الأصول يظهر أن الدليل الذي عارضه
فوقه في القوة فإن العمل به هو الواجب " (5).
5 - " إنه العمل بالاجتهاد وغالب الرأي في
تقدير ما جعله الشرع موكولا إلى آرائنا، نحو المتعة
المذكورة في قوله تعالى: * (متاعا بالمعروف حقا على
المحسنين) * " (6).
كانت هذه صفوة التعاريف التي ذكروها،
ولكن يمكن إرجاع بعضها إلى بعض.
أقسام الاستحسان:
ذكروا للاستحسان أقساما يمكن استنباطها
من التعاريف المتقدمة، وخاصة من تعريفه بالعمل
بأقوى الدليلين وما يوافقه من التعاريف، وأهم هذه
الأقسام هي:
1 - الاستحسان بالنص:
وهو رفع اليد عن الدليل - أو القياس - لنص
خاص في المورد، ومثلوا له بما ذكروه من أن القياس
يقتضي عدم صحة عقد السلم، لأن المبيع فيه
معدوم، وقد نقل عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" لا تبع ما ليس عندك " (1)، فالنص عام يشمل
مورد السلم أيضا، إلا أنه رفع اليد عنه لورود نص
يرخص فيه بيع السلم (2).
ومن ذلك ما أشار إليه أبو حنيفة في أكل
الناسي للصوم بقوله: " لولا قول الناس، لقلت:
يقضي " بناء على أن مقصوده من قول الناس:
ما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3)، من عدم القضاء في



(1) المستصفى 1: 282 - 283.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 4: 391.
(3) المصدر نفسه: 392، وانظر إرشاد الفحول: 356.
(4) الموافقات للشاطبي 4: 150، نقلا عن أحكام القرآن،
وانظر الأصول العامة للفقه المقارن: 362.
(5) أصول السرخسي 2: 200، والآية في سورة البقرة: 236.
(6) أصول السرخسي 2: 200، والآية في سورة البقرة: 236.
(1) سنن الترمذي 3: 534، كتاب البيوع، باب ما جاء في
كراهية بيع ما ليس عندك.
(2) المصدر نفسه: 602، باب ما جاء في السلف.
(3) المصدر نفسه: 100، كتاب الصوم، باب ما جاء في
الصائم يأكل ويشرب ناسيا.
403
صورة الأكل ناسيا (1).
2 - الاستحسان بالإجماع:
وهو رفع اليد عن الدليل - أو القياس -
بالإجماع، ومثلوا له بالاستصناع، وهو أن يطلب
من الصانع أن يصنع له شيئا - كخف أو باب -
ويعطيه مواصفاته، فالقياس يأبى مثل هذه المعاملة،
لاحتمال وقوع الغلط والخطأ فيها، إلا أن الإجماع قام
على التعامل به بين الناس، من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى يومنا هذا (2).
3 - الاستحسان بالضرورة:
وهو ترك العمل بالدليل - أو القياس -
لاقتضاء الضرورة ذلك، ومثلوا له بأمثلة، منها:
أن القياس يقتضي نجاسة سؤر سباع الطير مثل
سؤر سباع الوحش، باعتبار حرمة أكل لحومها،
ولعابها كلحومها، إلا أنهم رفعوا اليد عن ذلك،
لأن التحرز منها صعب وفيه مشقة، فهي تشبه الهرة
من حيث استثناء سؤرها مع كونها غير مأكولة
اللحم.
ولهم استحسان آخر في هذا المورد، وهو أن
سباع الوحش تشرب بفمها وهي ملطخة بلعابها
غالبا، وأما سباع الطير فهي تشرب بمنقارها، وهو
غير ملطخ غالبا، بل هو من جنس العظم الذي لم
يكن نجسا في الميت فكيف بالحي؟!
ومما ذكروه نموذجا للاستحسان بالضرورة،
الحكم بطهارة الثوب النجس إذا غسل في
الإجانات، فإن القياس يأبى جوازه، لأن ما يرد
على النجاسة يتنجس بملاقاته، والنجس لا يطهر،
لكن ترك هذا القياس للضرورة المحوجة إلى ذلك
لعامة الناس، فإن الحرج مدفوع بالنص (1).
4 - الاستحسان بالعرف:
وهو ترك العمل بالدليل - أو القياس - لما
تعود عليه العرف، ومثلوا له بمثل التعاقد على شئ
يكون محل العقد فيه جهالة، لكن الناس قد تعودوا
عليه وتعارفوا على الرضا به، وذلك مثل دخول
الحمام وإعطاء أجرة معينة، مع أنه ليس من المعلوم
مقدار المكث فيه، ولا مقدار الماء الذي يصرف في
هذه المدة (2).
5 - الاستحسان بالمصلحة:
وهو ترك الدليل - أو القياس - لمصلحة
عامة، ومثلوا له بتضمين الصناع، مع أن القياس
يقتضي عدم تضمينهم، لأن الأمين لا يضمن، وليس
ذلك إلا مراعاة للمصلحة العامة، لأنهم لو لم يضمنوا



(1) أصول السرخسي 2: 202 - 203، وانظر الموسوعة
الفقهية 6: 44.
(2) أصول السرخسي 2: 203، وانظر الموسوعة الفقهية 6:
44.
(1) أصول السرخسي 2: 203، وانظر الموسوعة الفقهية
6: 44.
(2) أنظر أصول السرخسي 2: 208. والإحكام
(للآمدي) 4: 391.
404
لتساهلوا في حفظ ما بأيديهم من متاع الناس (1).
الأقوال في الاستحسان:
اختلفوا في حجية الاستحسان على قولين:
يتضمن أحدهما نفي الحجية عنه، والآخر إثباتها له.
فالمثبتون هم: الحنفية، والمالكية، والحنابلة.
وهم مختلفون فيه من حيث التمسك به شدة وضعفا،
وقد اهتم به الحنفية، واعتبره مالك تسعة أعشار
العلم (2).
والنافون هم: الشافعية، وقد اشتهر عن
الشافعي كلمته المعروفة فيه: " من استحسن فقد
شرع " (3).
والمعروف عن الشيعة والزيدية والظاهرية
أنهم من النفاة أيضا (4).
حجة المثبتين للاستحسان:
استدل القائلون بالحجية بالأدلة التالية:
أولا - من الكتاب:
وأهم ما استدلوا به من الكتاب هو:
1 - قوله تعالى: * (الذين يستمعون القول
فيتبعون أحسنه) * (1).
2 - قوله تعالى: * (واتبعوا أحسن ما أنزل
إليكم من ربكم) * (2).
بتقريب أنه تعالى مدحهم على اتباع أحسن
ما يستمعونه من القول في الآية الأولى، وألزمهم
باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم في الآية
الثانية، والمدح والإلزام أمارة جعل الحجية له.
ويرد على الاستدلال بهاتين الآيتين
ونظائرهما:
1 - إن هذه الآيات استعملت كلمة
" الأحسن " في مفهومه اللغوي، وهو أجنبي
عما ذكروا له من المعاني الاصطلاحية، ولو سلم
فعلى أيها ينزل ليصلح للدليلية عليه، وحمله على
بعضها دون بعض مصادرة واضحة.
نعم، إنها تكون دليلا لمن قال: الاستحسان
هو الأخذ بأقوى الدليلين.
2 - إن الآية الأولى وإن مدحت هؤلاء
المستمعين على اتباع أحسن الأقوال، إلا أنها
افترضت أن هناك أقوالا بعضها أحسن من بعض،
وترجيح بعض الأقوال على بعض إذا كانت صادرة
من الشارع إنما هو من شؤون الكتاب والسنة، وهو
يرجع في واقعه إلى الترجيح في بابي التعارض



(1) الاجتهاد: 104، عن المدخل للفقه الإسلامي: 241.
(2) أصول السرخسي 2: 199، فصل في بيان القياس
والاستحسان، وإرشاد الفحول: 356، البحث الرابع من
الفصل السابع، والموسوعة الفقهية 6: 40 - 44،
والموافقات (للشاطبي) 4: 151.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(4) الأصول العامة للفقه المقارن: 363، والاجتهاد: 101 -
102.
(1) الزمر: 18.
(2) الزمر: 55.
405
والتزاحم، وهذا ليس دليلا مستقلا، بل هو اختيار
أحد الدليلين.
كذا يقال بالنسبة إلى الآية الثانية، مضافا إلى
أنها مدحت الذين اتبعوا أحسن ما أنزل إليهم،
وهي لا تدل على أن " أحسن ما أنزل " ما هو، هل
الاستحسان منه أو لا؟ (1).
ثانيا - من السنة:
استدلوا بالسنة بما روي عن عبد الله بن
مسعود من أنه قال: " ما رآه المسلمون حسنا فهو
عند الله حسن ".
وتقريبه بما تقدم في الآيتين.
ورد الاستدلال ببعض ما تقدم وبأن
الرواية موقوفة على ابن مسعود ولم يروها عن
الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومثلها لا حجية فيها، قال ابن حزم:
" واحتجوا في الاستحسان بقول يجري على
ألسنتهم، وهو: " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله
حسن "، وهذا لا نعلمه يسند إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من وجه أصلا، وأما الذي لا شك فيه، فإنه لا يوجد
البتة في مسند صحيح، وإنما نعرفه عن ابن
مسعود " (2) ثم ذكر سنده إليه.
وعلى فرض صحة النسبة فهي تدل على أن
ما رآه المسلمون حسنا لا آحادهم، فتكون من أدلة
الإجماع (1).
ثالثا - الإجماع:
واستدل المثبتون بإجماع المسلمين على
استحسانهم دخول الحمام وشرب الماء من أيدي
السقائين من دون تقدير لزمان المكث في الحمامات
ومقدار ما يصرف من الماء ونحو ذلك.
وأجيب: بأن الإجماع - إن تم - فإنما هو قائم
على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها،
فضلا عن قيامه على كل استحسان، ولا أقل من
اقتصاره على هذه الموارد بحكم كونه من الأدلة
اللبية التي يقتصر فيها على القدر المتيقن (2).
والظاهر أن هذه الأمور مما قامت عليها
السيرة المستمرة إلى زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مع علمه
وتقريره لها، فيكون الدليل عليها هو تقرير
النبي (صلى الله عليه وآله) كما قال الآمدي (3).
حجة النفاة للاستحسان:
قلنا: إن النفاة للاستحسان هم: الشافعية،
والظاهرية، والزيدية، وفيما يلي ننقل عن كل منهم
ما يناسب الموضوع باختصار ومن دون تعليق:



(1) أنظر الاستدلال والمناقشة فيه الأصول العامة للفقه
المقارن: 373 - 374، وانظر أيضا: الإحكام
(للآمدي): 393 - 394، والمستصفى 1: 276 - 277.
(2) الإحكام في أصول الأحكام (لابن حزم) 5: 197.
(1) أنظر: الإحكام في أصول الأحكام (للآمدي) 4:
394، والأصول العامة للفقه المقارن: 375.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 375 - 376.
(3) الإحكام (للآمدي) 4: 166.
406
أولا - الشافعية:
وردت نصوص عديدة عن الإمام الشافعي
حول عدم اعتبار الاستحسان، ويظهر منها أنه كان
من المتشددين عليه. فمن تلك النصوص هو قوله:
" إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة ليس فيها نص
خبر ولا قياس: استحسن، فلا بد أن يزعم أن
جائزا لغيره أن يستحسن خلافه، فيقول كل حاكم
في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشئ الواحد
بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزا
عندهم فقد أهملوا أنفسهم، فحكموا حيث شاؤوا،
وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه " (1).
وقال: " إن حراما على أحد أن يقول
بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر " (2).
وناقش الغزالي - وهو من الشافعية - أدلة
المثبتين، وقد تقدم بعضها، ومن جملة ما ناقش به
الاستحسان بناء على أنه: " دليل ينقدح في نفس
المجتهد لا تساعد العبارة عنه، ولا يقدر على إبرازه
وإظهاره " هو قوله:
" هذا هوس، لأن ما لا يقدر على التعبير عنه
لا يدرى أنه وهم وخيال أو تحقيق؟ ولا بد من
ظهوره ليعتبر بأدلة الشريعة لتصحيحه الأدلة أو
تزييفه، أما الحكم بما لا يدرى ما هو فمن أين يعلم
جوازه، أبضرورة العقل، أو نظره، أو بسمع متواتر،
أو آحاد؟ ولا وجه لدعوى شئ من ذلك، كيف؟
وقد قال أبو حنيفة: إذا شهد أربعة على زنا شخص،
لكن عين كل واحد منهم زاوية من زوايا البيت،
وقال: زنى فيها، فالقياس أن لا حد عليه، لكنا
نستحسن حده، فيقال له: لم يستحسن سفك دم
مسلم من غير حجة إذا لم تجتمع شهادة الأربعة على
زنا واحد؟ وغايته أن يقول: تكذيب المسلمين
قبيح، وتصديقهم وهم عدول حسن، فنصدقهم،
ونقدر دورانه في زنية واحدة على جميع الزوايا،
بخلاف ما لو شهدوا في أربع بيوت، فإن تقدير
التزاحف بعيد، وهذا هوس... " (1).
ثانيا - الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهري: " ومن المحال أن
يكون الحق فيما استحسنا دون برهان، لأنه لو كان
ذلك لكان الله تعالى يكلفنا ما لا نطيق، ولبطلت
الحقائق ولتضادت الدلائل، وتعارضت البراهين،
ولكان تعالى يأمرنا بالاختلاف الذي قد نهانا عنه،
وهذا محال، لأنه لا يجوز أصلا أن يتفق استحسان
العلماء كلهم على قول واحد... ونحن نجد الحنفيين قد
استحسنوا ما استقبحه المالكيون، ونجد المالكيين قد
استحسنوا قولا قد استقبحه الحنفيون، فبطل أن
يكون الحق في دين الله عز وجل مردودا إلى
استحسان بعض الناس، وإنما كان يكون هذا
- وأعوذ بالله - لو كان الدين ناقصا، فأما وهو تام



(1) كتاب الأم 7: 301، كتاب الاستحسان.
(2) الموسوعة الفقهية 6: 43، عن الرسالة للشافعي.
(1) المستصفى 1: 281 - 282.
407
لا مزيد فيه، مبين كله منصوص عليه، أو مجمع
عليه، فلا معنى لمن استحسن شيئا منه أو من غيره،
ولا لمن استقبح أيضا شيئا منه أو من غيره. والحق
حق وإن استقبحه الناس، والباطل باطل وإن
استحسنه الناس، فصح أن الاستحسان شهوة
واتباع للهوى وضلال، وبالله نعوذ من الخذلان " (1).
ثالثا - الزيدية:
المنقول عنهم عدم اعتباره (2)، وقال
الشوكاني بعد أن ذكر الآراء في الاستحسان:
"... فعرفت بمجموع ما ذكرنا أن ذكر الاستحسان
في بحث مستقل لا فائدة فيه أصلا، لأنه إن كان
راجعا إلى الأدلة المتقدمة فهو تكرار، وإن كان
خارجا عنها فليس من الشرع في شئ، بل هو من
التقول على هذه الشريعة بما لم يكن فيها تارة،
وبما يضادها أخرى " (3).
رابعا - الإمامية:
والمعروف بينهم عدم حجيته، لأن بعض
ما ذكر من المعاني للاستحسان وإن كان صحيحا في
حد ذاته، كالأخذ بأقوى الدليلين إلا أن عده دليلا
مستقلا بعنوان الاستحسان غير صحيح، كما أن
البعض الآخر مما ذكروه لم يقم دليل على اعتباره
وحجيته، وهذا ما يحتاج إلى شئ من التوضيح،
وقد قام به السيد محمد تقي الحكيم في الأصول العامة
نشير - فيما يلي - إلى خلاصته:
الأول - الاستحسان وأقوى الدليلين:
إن تعريف الاستحسان ب‍ " أقوى الدليلين "
يشمل ما كان فيه الدليلان لفظيين أو غير لفظيين، أو
أحدهما لفظيا، والآخر غير لفظي.
1 - الاختلاف في الأدلة اللفظية:
والاختلاف في الأدلة اللفظية قد تكون له
مناشئ، أهمها:
أ - التزاحم:
ويراد بالتزاحم - هنا - صدور حكمين من
الشارع المقدس لا يمكن امتثالهما معا، لعدم قدرة
المكلف على ذلك كما هو الغالب، كالأمر بإزالة
النجاسة عن المسجد، والأمر بالصلاة في وقت
واحد.
وفي هذه الصورة لا بد من الرجوع إلى
مرجحات باب التزاحم، وقد ذكر الأصوليون
- من الإمامية - هذه المرجحات بتفصيل، وعدوا
منها:
- الترجيح بالأهمية، كتقديم الصلاة على أي
واجب عبادي لو وقع التزاحم بينهما بحيث لم يمكن
الجمع بينهما، وكترجيح إنقاذ النفس المحترمة من
الهلاك على غيره من الواجبات حتى الصلاة.
- ترجيح المضيق على الموسع، كترجيح الأمر
بإزالة النجاسة عن المسجد على الأمر بالصلاة لو
كانت موسعة.

408
- ترجيح المعين على المخير، كما لو نذر عتق
رقبة، ووجبت عليه كفارة إفطار شهر رمضان عن
عمد التي أحد أفرادها عتق رقبة ولم يمكنه إلا عتق
رقبة واحدة، فيقدم العتق للنذر، لأنه معين، وأما
العتق للكفارة فله بدلان آخران وهما: إطعام ستين
مسكينا، وصوم ستين يوما.
- ترجيح المقيد بالقدرة العقلية على المقيد
بالقدرة الشرعية، كتقديم الأمر بوفاء الدين - وهو
من حقوق الناس - على الأمر بالحج - وهو من
حقوق الله تعالى - لأن القدرة المنظورة في الأمر
بوفاء الدين عقلية، والقدرة المنظورة في الأمر بالحج
شرعية، لأنها مأخوذة في لسان الدليل.
وغير ذلك من المرجحات.
راجع: تزاحم.
ب - التعارض:
ويراد بالتعارض تخالف الدليلين من حيث
الدلالة، والتعارض قد يكون بدويا يزول بأدنى
تأمل، مثل تعارض العام والخاص، والناسخ
والمنسوخ، والحاكم والمحكوم، ونحو ذلك.
وقد يكون مستقرا، كتعارض المتباينين
والعامين من وجه.
ويرجع في ذلك إلى مرجحات باب
التعارض، وهي مرجحات من حيث سند الرواية،
ويعبر عنها بالمرجحات السندية، ومرجحات من
حيث مضمون الرواية ودلالتها، ويعبر عنها
بالمرجحات الدلالية.
فمن الأول أعدلية الراوي وأوثقيته، ومن
الثاني موافقة الكتاب العزيز.
وعند فقد المرجحات بنوعيها يتساقط
الدليلان على ما هو المبنى المعروف، أو يتخير بينهما
على غيره.
راجع: تعارض.
2 - الاختلاف في الأدلة غير اللفظية:
والمقصود منها الأصول العملية، وهذه
مختلفة، وبعضها مقدم رتبة على بعض، فلو كان
المتخالفان مختلفين رتبة قدم الأقوى رتبة،
كالاستصحاب بالنسبة إلى سائر الأصول العملية
- على ما هو المعروف - وإن كانا في رتبة واحدة
تساقطا.
3 - الاختلاف بين الأدلة اللفظية وغيرها:
وهنا يقدم الدليل اللفظي قطعا، لأنه لا مجال
لغيره مع وجوده.
إذن إذا كان الاستحسان هو الأخذ بأقوى
الدليلين، فهو صواب، لكن لا معنى لعده دليلا
مستقلا مقابل الكتاب والسنة.
الثاني - الاستحسان والعرف:
وينتظم فيه ما أخذ في الاستحسان من
رجوعه إلى العرف، كالاستحسان في عقد
الاستصناع، وهو عقد على معدوم، وصح
استحسانا لأخذ العرف به.
وهذا النوع من الاستحسان من صغريات
مسألة " العرف " وحجيته، وهو غير حجة إلا

409
إذا وصل الحكم الذي يقوم عليه إلى زمن
المعصومين (عليهم السلام) وأقروه، وعندئذ يكون الدليل هو
إقرار المعصوم - وهو من السنة - لا الاستحسان.
راجع: عرف.
الثالث - الاستحسان والمصلحة:
ويدخل ضمن هذا النوع ما يرجع منه إلى
إدراك العقل لمصلحة توجب جعل حكم من الشارع
له على وفقها، وهذا ما يرجع إلى " الاستصلاح "،
وسوف يأتي في محله: أنه ليس من الأصول
القائمة بذاتها، وسوف نقول: إنه ليس حجة
إلا إذا تمكن العقل من إدراك المصلحة بصورة
قطعية.
راجع: استصلاح.
الرابع - الاستحسان وبعض الحالات النفسية:
وينتظم فيه من تعاريف الاستحسان أمثال
قولهم: " دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على
التعبير عنه ".
ومثل هذا النوع من الاستحسان لا يمكن
عده من مصادر التشريع، لكونه عرضة لتحكم
الأهواء فيه بسبب عدم ذكر الضوابط له، حتى
في أنفس المستحسنين اللهم إلا أن يدعى
حصول القطع منه أحيانا، إلا أن حجيته حينئذ
مقصورة على مدعي القطع به من الفقهاء ومقلديهم
خاصة (1).
إلى هنا تم ما أردنا اختصاره ونقله من كلام
السيد الحكيم، ولعل إلى ذلك كله يشير كلام المحقق
القمي، حيث قال:
"... واختلفوا في تعريفه بما لا يرجع إلى
ما يمكن أن يكون محلا للنزاع، ولا حاجة لنا إلى
ذكرها، وأظهرها: أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد،
ويعسر عليه التعبير عنه، أو أنه العدول من حكم
الدليل إلى العادة لمصلحة الناس. والمناسب لطريقهم
أن يوجه بأن يكون مرادهم: أن ينقدح في نفس
المجتهد رجحان واستحسان من غير أن يكون
مستندا إلى دليل شرعي، أو أنه العدول عن حكم
الدليل الشرعي إلى العادة التي لم تعتبر شرعا،
وإلا فالحكم بالعادة المعتبرة شرعا ليس باستحسان
مردود، مثل العدول عما تقتضيه قاعدة الإجارة
في دخول الحمام من غير تعيين مدة المكث
ومقدار الماء المسكوب، وشرب الماء من السقاء
من غير تعيين، لأن تلك العادة كالإجماع، بل هو
إجماع.
والحاصل: أن الاستحسان هو ما يستحسنه
المجتهد بطبعه، أو بعادته أو نحو ذلك، من دون أمارة
شرعية، وهو باطل لعدم الدليل عليه... " (1).
ثم ذكر استدلاله وناقش استدلال المثبتين
للحجية كما تقدم سابقا.



(1) أنظر الأصول العامة للفقه المقارن: 363 - 373.
(1) القوانين (طبعة 1287) 2: 298.
410
استصحاب
لغة:
استصحب الرجل: أي دعاه إلى الصحبة،
وكل ما لازم شيئا فقد استصحبه (1)، واستصحبت
الكتاب: حملته صحبتي، ومن هنا قيل: استصحبت
الحال، إذا تمسكت بما كان ثابتا، كأنك جعلت تلك
الحالة مصاحبة غير مفارقة (2).
اصطلاحا:
اختلف الأصوليون في تعريف الاستصحاب،
فعرفه الشيخ البهائي في الزبدة بأنه: " إثبات
الحكم في الزمن الثاني تعويلا على ثبوته في
الأول " (3).
ونسب المحقق الخوانساري إلى القوم تعريفه
بأنه: " إثبات حكم شرعي في زمان، لوجوده في
زمان سابق عليه " (4).
ومؤداهما واحد.
واختار الشيخ الأنصاري ما قيل في تعريفه
بأنه: " إبقاء ما كان "، وقال: إنه أسد التعاريف
وأخصرها، ثم قال: " والمراد بالإبقاء: الحكم
بالبقاء، ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعليته
للحكم، فعلة الإبقاء هو أنه كان، فيخرج (1) إبقاء
الحكم لأجل وجود علته أو دليله ".
ثم نقل تعريف المحقق القمي له بأنه: " كون
حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق،
مشكوك البقاء في الآن اللاحق " (2) وقال: بأنه
أزيف التعاريف، لأنه بيان لمحل الاستصحاب
لا نفسه (3).
وقال صاحب الكفاية: " إن عباراتهم - في
تعريفه - وإن كانت شتى، إلا أنها تشير إلى مفهوم
واحد ومعنى فارد، وهو الحكم ببقاء حكم أو
موضوع ذي حكم شك في بقائه " (4).
وعرفه المحقق النائيني بأنه: " عبارة عن عدم
انتقاض اليقين السابق المتعلق بالحكم أو الموضوع،
من حيث الأثر والجري العملي بالشك في بقاء متعلق
اليقين "، ثم قال: " وهذا المعنى ينطبق على ما هو



(1) لسان العرب: " صحب ".
(2) المصباح المنير: " صحب "، وانظر مجمع البحرين، المادة
نفسها.
(3) زبدة الأصول: 72 - 73، وانظر فرائد الأصول 2:
541.
(4) مشارق الشموس: 76، وانظر فرائد الأصول 2: 541.
(1) أي يخرج عن التعريف.
(2) القوانين (طبعة 1287) 2: 276، وانظر فرائد
الأصول 2: 541.
(3) فرائد الأصول 2: 541.
(4) كفاية الأصول: 384.
411
مفاد الأخبار " (1).
وعرفه السيد الخوئي بناء على كونه من
الأمارات المفيدة للظن النوعي - كخبر الثقة - بأنه:
" كون الحكم متيقنا في الآن السابق مشكوك البقاء
في الآن اللاحق " فإن كون الحكم متيقنا في الآن
السابق أمارة على بقائه، ومفيد للظن النوعي في
البقاء.
أما بناء على كونه مفيدا للظن الشخصي
- كالظن في تشخيص القبلة - فعرفه بأنه: " الظن
ببقاء حكم يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك
البقاء في الآن اللاحق ".
وأما بناء على كونه من الأصول العملية فعرفه
بأنه: " حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك
من حيث الجري العملي " (2).
تأريخ الاستصحاب:
إذا أخذنا بعين الاعتبار الروايات الدالة على
مفاد الاستصحاب، فيكون بدء تأريخ مفاد
الاستصحاب من زمن الأئمة (عليهم السلام) - وهو زمن
صدور الروايات - وإن لم يصطلح عليه فيها عنوان
الاستصحاب.
وأما لو غضضنا النظر عن ذلك، وجعلنا
المقياس الكتب الأصولية، فأول نص أصولي عثرنا
عليه يتضمن الكلام حول الاستصحاب: هو ما ورد
في رسالة الشيخ المفيد الأصولية المختصرة التي
ذكرها تلميذه الكراجكي في كنز الفوائد، حيث
قال:
" والحكم باستصحاب الحال واجب، لأن
حكم الحال يثبت باليقين، وما ثبت فلن يجوز
الانتقال عنه إلا بواضح الدليل " (1).
وتبعه تلميذاه السيد المرتضى والشيخ
الطوسي، فتعرضا له - في كتابيهما الأصوليين:
الذريعة، والعدة - بصورة أوسع، لكن نفى السيد
المرتضى حجيته، فقال: " وأما استصحاب الحال
فعند التحقيق لا يرجع المتعلق بها إلا إلى أنه أثبت
حكما بغير دليل " (2)، وأثبته الشيخ الطوسي في نهاية
بحثه، حيث قال: "... والذي يمكن أن ينصر به
طريقة استصحاب الحال: ما أومأنا إليه من أن
يقال: لو كانت الحالة الثانية مغيرة للحكم الأول،
لكان على ذلك دليل، وإذا تتبعنا جميع الأدلة فلم نجد
فيها ما يدل على أن الحالة الثانية مخالفة للحالة
الأولى، دل على أن حكم الحالة الأولى باق على
ما كان " (3). وقال في مقدمة الخلاف مبينا طريقته:
" وأن أقرن كل مسألة بدليل نحتج به على من خالفنا
موجب للعلم من: ظاهر قرآن، أو سنة مقطوع بها،



(1) فوائد الأصول 4: 307.
(2) مصباح الأصول 3: 5 - 6.
(1) كنز الفوائد 2: 30.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 829 - 830.
(3) عدة الأصول (الحجرية) 2: 125.
412
أو إجماع، أو دليل خطاب، أو استصحاب حال على
ما يذهب إليه كثير من أصحابنا... " (1).
وتعرض له السيد ابن زهرة في كتابه الغنية،
لكن نفى حجيته (2)، وتمسك به ابن إدريس في
مواضع عديدة، وعلله بما يشبه التعليل الوارد في
روايات الاستصحاب، من قبيل: " فلا يرجع عن
اليقين إلا بيقين مثله " (3)، أو " فلا يخرج عن ذلك
اليقين إلا بيقين مثله " (4)، لكنه قال في موضع آخر:
"... وعندنا أن استصحاب الحال غير صحيح " (5).
وقسمه المحقق الحلي - في مقدمة المعتبر - إلى
أقسام ثلاثة:
1 - استصحاب حال العقل، وهو التمسك
بالبراءة الأصلية.
2 - استصحاب عدم الدليل.
3 - استصحاب حال الشرع، وهو
الاستصحاب المصطلح عندنا.
ثم استدل على نفي حجية استصحاب حال
الشرع (6).
وأما في كتابه الأصولي " معارج الأصول "
فقد أكد حجيته فيما إذا كان للدليل على الحكم
اقتضاء الاستمرار، وإنما حصل الشك في الرافع (1).
وبهذا يكون المحقق هو أول من فصل بين
الشك في المقتضي والشك في الرافع، فمنع من جريان
الاستصحاب في الأول دون الثاني (2).
وبحثه العلامة في كتبه، وقال بحجيته (3).
وتطرق له الشهيدان في القواعد والفوائد (4)،
وتمهيد القواعد (5)، وذكرا له أقساما أربعة، بعضها
لا يرتبط بالاستصحاب المصطلح عندنا - كما تقدم -
وقالا بحجية ما هو المصطلح عندنا. وقال الشهيد
الثاني - بعد أن ذكر فروعا كثيرة تترتب على
الاستصحاب -: " فهذه نبذة من الفروع المترتبة
على القاعدة، وألحق بها ما يحضرك منها، فإنه كثير
جدا، وهي من أشرف القواعد ".
إلى هنا لم نعثر على من استدل على حجية
الاستصحاب بالروايات، بل يظهر من الأصوليين
أنه كان من الأدلة العقلية عندهم، ولكن الشيخ



(1) الخلاف 1: 45.
(2) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 486.
(3) السرائر 1: 62.
(4) المصدر نفسه: 115 - 116.
(5) المصدر نفسه: 153.
(6) المعتبر (الحجرية): 6 - 7.
(1) معارج الأصول: 206 - 210، وانظر الصفحة 209
من قوله: " والذي نختاره نحن... ".
(2) سوف يأتي توضيح الفرق بين الشك في المقتضي
والشك في الرافع.
(3) مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 250، ونهاية
الوصول إلى علم الأصول (مخطوط): 407.
(4) القواعد والفوائد (للشهيد الأول) 1: 132، القاعدة
الثالثة.
(5) تمهيد القواعد: 271.
413
الأنصاري قال: إن والد الشيخ البهائي العاملي كان
أول من استدل على حجيته بالروايات في العقد
الطهماسبي (1).
وتطرق له ولده الشيخ البهائي في زبدة
الأصول (2) والحبل المتين (3) وقال بحجيته.
وخصص صاحب المعالم فصلا مستقلا
للاستصحاب في " معالم الدين " (4)، وذكر استدلال
المانعين والمثبتين، ثم استقرب قول السيد المرتضى
بالمنع، ولم نر أثرا من الاستشهاد بروايات
الاستصحاب في كلامه.
ونفى زميله صاحب المدارك حجيته أيضا،
فقال: " والحق: أن الاستصحاب ليس بحجة إلا
فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه " (5).
وربما يستفاد من مجموع كلام صاحب المعالم
وصاحب المدارك أنهما يريدان أن يفصلا بين الشك
في المقتضي والشك في الرافع كالمحقق الحلي، بل ربما
يستظهر ذلك من السيد المرتضى أيضا.
ونفى الاسترآبادي حجية الاستصحاب إلا في
موردين:
1 - استصحاب ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) حتى
يجئ بنسخه.
2 - استصحاب الأمور الشرعية مثل كون
رجل مالك أرض، وكونه زوج امرأة ونحو ذلك،
حتى يقطع بوجود ما هو سبب لنقضها.
واستدل على المورد الثاني بروايات
الاستصحاب (1).
وبحث الفاضل التوني الاستصحاب في
" الوافية " بأفق جديد أوسع مما في المعالم وغيره،
ففصل بين الأحكام الوضعية كالسببية والشرطية
والجزئية ونحوها، وبين الأحكام التكليفية،
كالوجوب والحرمة و... فالتزم بجريان
الاستصحاب في الوضعية دون التكليفية إلا إذا
كانت منتزعة من الوضعية (2).
ثم استدل على حجيته بالروايات رغم أنه
جعله من الأدلة العقلية، ثم ذكر شروطا للعمل
بالاستصحاب تتضمن إبداعات علمية نفيسة (3).
ولا بد أن لا ننسى دور المحققين: السبزواري
والخوانساري حيث تعرضا للموضوع خلال
أبحاثهما الفقهية في ذخيرة المعاد (4) ومشارق



(1) فرائد الأصول 2: 543، وانظر العقد الطهماسبي
(مخطوط): الورقة 38، رقم الإيداع في مكتبة السيد
المرعشي 1259.
(2) زبدة الأصول (الحجرية): 72.
(3) الحبل المتين (الحجرية): 36.
(4) معالم الدين (الحجرية): 227 - 232.
(5) مدارك الأحكام 1: 46.
(1) الفوائد المدنية (الحجرية): 141 - 144.
(2) ويبدو أن من هذا التأريخ بدأ بحث الأحكام الوضعية
- بالمناسبة - في هذا المقام.
(3) الوافية: 178 و 200 - 218.
(4) ذخيرة المعاد: 115 - 116.
414
الشموس (1) وقد ضيقا في جريان الاستصحاب،
مستندين في ذلك إلى الأخبار.
وأما الوحيد البهبهاني، فقد كتب رسالة
مستقلة في الاستصحاب، وتطرق له في كتابه الفوائد
الحائرية (2) مؤكدا حجيته، ومستندا في ذلك إلى
العقل والنقل.
وجعل تلميذه المحقق القمي فصلا مشبعا
خاصا بالاستصحاب في قوانين الأصول (3) ذكر فيه
أقسامه والأقوال فيه، واختار الحجية مطلقا، ثم
استدل عليه بالعقل والنقل.
وهكذا تعرض له صاحب الفصول في
الفصول الغروية (4)، والسيد محمد الطباطبائي في
مفاتيح الأصول (5) بصورة مستقلة وغيرهما من
معاصريهم الذين كانوا بكثرة - والحمد لله - بفضل
جهود الوحيد البهبهاني قدس الله نفسه الزكية.
وأخيرا جاء الشيخ الأنصاري ليجمع شمل
ما تفرق في الكتب حول الموضوع، ورتب أبحاثه
ترتيبا فنيا، فبحث في تعريف الاستصحاب، وعن
كونه أصلا أو أمارة، وأنه مسألة أصولية أو لا؟
وعن أقسامه، والأقوال فيه، والاستدلال على كل
قول ومناقشته، وذكر في التنبيهات بعض الأمور
المهمة، كالاستصحاب الكلي، والتعليقي،
والاستصحاب في الزمان، ونحو ذلك، ثم ذكر
شروط الاستصحاب ثم ما يعارضه من الأصول
والأمارات، ومعارضته مع نفسه.
وهكذا بدأ الاستصحاب بسطرين في كلام
الشيخ المفيد، وانتهى في كلام الشيخ الأنصاري إلى
رسالة كبيرة، بل كتاب مستقل يتضمن أبحاثا
أصولية في غاية الدقة والعمق (1).
وأما بعد الشيخ الأنصاري، فلم يطرأ عليه
تغيير جوهري.
الاستصحاب أصل أو أمارة؟
ذكروا للفرق بين الأصول العملية والأمارات
وجوها، منها:
1 - إن الأمارات لم يؤخذ في موضوعها
الشك بخلاف الأصول، فإنها أخذ الشك في
موضوعها، فلذلك تكون الأصول العملية وظائف
تعبدية في حالة الشك، فإن أصل البراءة يكون
حجة عند الشك في أصل التكليف مثلا، وأما خبر
الثقة - وهو من الأمارات - فلا تتوقف حجيته على
صورة الشك، فلو قلنا بحجيته يكون حجة مطلقا،
سواء كنا شاكين أو لا.
2 - إن الأمارات بنفسها ومع قطع النظر عن



(1) مشارق الشموس: 76.
(2) الفوائد الحائرية: 273، (الفوائد القديمة) الفائدة 27.
(3) القوانين (طبعة 1287) 2: 276.
(4) الفصول الغروية: 366.
(5) مفاتيح الأصول: 634.
(1) فرائد الأصول 2: 541 - 748.
415
حجيتها تكون كاشفة عن الواقع، فهي كالعلم من
هذه الجهة، إلا أن كاشفية العلم تامة، لكن كاشفية
الأمارة ناقصة، فيتمم الشارع كاشفيتها بجعل الحجية
لها، بخلاف الأصول، فإنها لم تكن كاشفة عن الواقع،
فليس فيها جهة الكاشفية حتى بالمقدار الناقص
إلا في الأصول المحرزة كما سوف نشير إليه (1).
وهناك فوارق أخرى يرجع فيها إلى
العنوانين: " أصل " و " أمارة ".
وبعد بيان هذه المقدمة نقول:
اختلف الأصوليون في أن الاستصحاب هل
هو أصل أو أمارة؟ ويبدو من الشيخ الأنصاري أن
ظاهر أكثر المتقدمين عليه حتى زمان صاحب المعالم
أنه أمارة عندهم، وأما هو فقد اختار كونه أصلا،
وبذلك صار قدوة لمن بعده.
وقد جعل المعيار في كون الاستصحاب أمارة
أو أصلا، كيفية الاستدلال عليه، فإن استدل عليه
بالعقل وكان حجة من باب إفادته الظن، كان دليلا
ظنيا اجتهاديا كالقياس والاستقراء - بناء على
القول بحجيتهما - وإن استدل عليه بالأخبار واستفيد
منها حكم ظاهري ثابت للشئ بوصف كونه
مشكوك الحكم، كالبراءة والاشتغال والتخيير كان
أصلا.
ولما كان الأكثر من زمن السيد المرتضى حتى
زمن صاحب المعالم لم يتمسكوا في حجيته
بالأخبار، فهو أمارة عندهم. نعم، تمسك بها
بعضهم، كوالد الشيخ البهائي، وابن إدريس الحلي،
على احتمال.
وأما المتأخرون عنهم فلما كان عمدة الأدلة
على الاستصحاب عندهم هي الأخبار، واستفيد
منها حكم ظاهري ثابت للشئ بوصف كونه
مشكوك الحكم، وهو التعبد ببقاء ما كان، والجري
والعمل طبقه، وعدم جواز نقضه، فيكون عندهم
من الأصول.
هذا بناء على ما ذكره الشيخ من المعيار لكون
الاستصحاب أصلا أو أمارة، وكذا بناء على المعايير
الأخرى التي ذكرها غيره وذكرنا بعضها، فيكون
الاستصحاب أصلا، لأنه:
أولا - لم تلاحظ في دليله الطريقية والكاشفية
وإن كانت موجودة إلى حد ما، والأخبار لم تجعل
حجيته من حيث كاشفيته - كما في خبر الثقة -
ليكون أمارة، بل من باب التعبد بالبقاء - كما تقدم -
ولعل هذا صار سببا للتعبير عن الاستصحاب بكونه
" أصلا إحرازيا "، وتقديمه على سائر الأصول،
وذلك لوجود نوع كشف وإحراز فيه وإن لم يلحظ
في لسان الدليل.
ولعل هذا الجانب جعل السيد الخوئي يميل إلى
كونه من الأمارات، وإن كانت الأمارات الأخر
تتقدم عليه، فإن الأمارات قد يتقدم بعضها على
بعض.



(1) أنظر: فوائد الأصول 4: 481، ونهاية الأفكار (القسم
الثاني): 20.
416
ثانيا - قد أخذ في لسان دليله عنوان
" الشك "، وهو معيار آخر لكون الاستصحاب
أصلا (1).
هل الاستصحاب مسألة أصولية؟
إن الاستصحاب تارة يكون في الأحكام
الكلية الأصولية، كاستصحاب حجية العام.
وتارة يكون في الأحكام الكلية الفرعية
كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الذي زال تغيره من
قبل نفسه.
وثالثة في الأحكام الجزئية، كاستصحاب
نجاسة الثوب المتنجس بالبول بعد غسله مرة
واحدة، أو في الموضوعات الخارجية، كاستصحاب
حياة زيد أو عدالته.
أما القسم الثالث فليس من المسائل
الأصولية، لعدم انطباق الضوابط المذكورة لعلم
الأصول عليها، من قبيل: كون إجرائها بيد المجتهد،
أو كونها من القواعد الممهدة للاستنباط، أو كونها
من العناصر المشتركة في استنباط كل المسائل
الفقهية أو أكثرها وغير مختصة بباب دون باب، ونحو
ذلك.
ويبدو أن ذلك متسالم عليه.
أما القسمان الأول والثاني، فقد فصل الشيخ
الأنصاري فيهما بين أن تكون حجية الاستصحاب
فيهما من باب إفادته الظن، فيكون من المسائل
الأصولية، كالقياس والاستقراء ونحوهما، وبين أن
تكون حجيته من باب دلالة الأخبار على لزوم
التعبد بالبقاء، فيكون من قبيل سائر القواعد العامة
المستفادة من الكتاب والسنة، كالبراءة،
والاشتغال، والضرر، والحرج، ونحوها المتعلقة
بعمل المكلف، نعم استشكل من حيث إن إجراء
الاستصحاب في الشبهة الحكمية الكلية إنما
هو بيد المجتهد، وهذه خصوصية المسألة
الأصولية (1).
لكن يرى المحققون المتأخرون عن الشيخ أنه
من المسائل الأصولية (2)، لانطباق الضوابط المتقدمة
لعلم الأصول عليه.
نعم يظهر من المحقق الإصفهاني (3) عدم كونه



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 543، ومصباح الأصول 3:
150 - 154، وخاصة الصفحة الأخيرة، والمصادر
السابقة.
(1) فرائد الأصول 2: 544 - 546.
(2) أنظر: كفاية الأصول: 385، وفوائد الأصول 4:
307 - 308، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 6 - 8
إلا أنه استشكل في أصولية الاستصحاب بناء على
استفادته من الأخبار، وبناء على تعريف علم الأصول
بأنه: " القواعد الممهدة... " لخروج أكثر المسائل ومنها
الاستصحاب عنه، لكنه لم يرتض التعريف.
وانظر أيضا: الرسائل (للإمام الخميني): 74 - 76،
وبحوث في علم الأصول 6: 14.
(3) نهاية الدراية 5: 16.
417
من المسائل الأصولية عنده.
وفصل السيد الخوئي بين ما إذا قلنا بحجية
الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية، فيكون
من المسائل الأصولية، وما إذا لم نقل بذلك، فيكون
من القواعد الفقهية، لانحصاره حينئذ في الأحكام
الجزئية والأمور الخارجية (1).
قواعد مشابهة للاستصحاب:
قد تبين من تعريف الاستصحاب أن مورده
هو: أن يتيقن الإنسان بثبوت شئ في زمان
ثم يحصل له الشك في بقائه في زمان آخر،
فيستصحب بقاءه. وهناك قواعد مشابهة
للاستصحاب لكنها ليست منه، نشير إليها فيما
يلي:
1 - قاعدة المقتضي والمانع:
وموردها أن يتعلق اليقين بوجود المقتضي
للتأثير، ويتعلق الشك بوجود المانع من التأثير،
فيكون متعلق اليقين غير متعلق الشك، بخلاف
الاستصحاب حيث يكونان متحدين فيه.
ومثاله: كما إذا صببنا الماء لتحصيل الطهارة
من الخبث مثلا، وشككنا في تحقق الغسل، لاحتمال
وجود مانع من وصول الماء، فمتعلق اليقين هو
صب الماء على الجسم المتنجس، وهو مقتض
لحصول الطهارة، ومتعلق الشك هو وجود المانع
من وصول الماء إلى الجسم وحصول الطهارة
فيها.
والمعروف عدم حجية هذه القاعدة، بمعنى
عدم ترتب الأثر، وهو حصول الطهارة، بمجرد
تحقق المقتضي، وهو مجرد صب الماء، لاحتمال عدم
تحقق الغسل لوجود المانع (1).
2 - قاعدة اليقين:
وتسمى بقاعدة " الشك الساري " أيضا،
وموردها: أن يسري الشك المتأخر إلى اليقين
السابق فيزيله، كما إذا تيقنا يوم الجمعة بعدالة زيد
يوم الخميس، ثم شككنا يوم السبت في عدالته يوم
الخميس أيضا، فكأنه يسري هذا الشك إلى اليقين
فيزيله.
والمعروف عدم حجية هذه القاعدة أيضا،
بمعنى عدم ترتب الأثر على اليقين السابق من حين
الشك فيه. قال الشيخ الأنصاري في نهاية بحثه عن
القاعدة: " وحاصل الكلام في هذا المقام هو: أنه إذا
اعتقد المكلف قصورا أو تقصيرا بشئ في زمان،
موضوعا كان أو حكما، اجتهاديا أو تقليديا، ثم
زال اعتقاده، فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار



(1) مصباح الأصول 3: 6 - 8.
(1) أنظر: فوائد الأصول 4: 313 - 314، ومصباح
الأصول 3: 8 و 240 - 242، وبحوث في علم الأصول
6: 16، وأصول الفقه (للمظفر) 2: 245، وأصول الفقه
المقارن: 455، وللسيد المروج بحث مشبع حول
القاعدة، أنظر منتهى الدراية 7: 129.
418
المعتقد، بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما تقتضيه
الأصول بالنسبة إلى المعتقد وإلى الآثار المترتبة عليه
سابقا أو لاحقا " (1).
3 - الاستصحاب الاستقبالي:
وهو من أفراد الاستصحاب المصطلح حيث
يكون فيه زمان اليقين فعليا، وزمان الشك
استقباليا، كما إذا علم بطهارة ثوبه فعلا وشك في
بقائه على الطهارة في اليوم الآتي، فيستصحب فعلا
طهارة الثوب ليثبتها الآن ليوم غد، ومن موارده
جواز البدار لذوي الأعذار، فمن كان معذورا ولم
تمكنه الطهارة المائية أول الوقت وشك في بقاء عذره
إلى آخر الوقت، فله أن يستصحب بقاءه ويدخل في
الصلاة بالتيمم (2).
4 - الاستصحاب القهقري:
ويعبر عنه ب‍ " أصالة الثبات " أيضا، وهو أن
يتعلق اليقين بشئ فعلا، ثم يحصل الشك فعلا بذلك
الشئ نفسه في الزمان السابق، فيكون المتيقن
متأخرا زمانا عن المشكوك عكس
الاستصحاب (3).
قالوا: إن هذا الاستصحاب ليس بحجة إلا في
مورد واحد، وهو إثبات اللغة، كما إذا علمنا فعلا
بدلالة " الصعيد " على مطلق وجه الأرض،
وشككنا في دلالته على ذلك في زمان التشريع،
فنثبت ذلك بهذا الاستصحاب، وهو أصل عقلائي
في هذا المورد وحجيته ثابتة ببناء العقلاء، ولولاه
لما أمكن الاستنباط (1).
ما يعتبر في الاستصحاب:
ذكر الأصوليون أمورا تعتبر في أصل جريان
الاستصحاب أو في حجيته بعد جريانه، ولم
يذكروها في مكان واحد، بل ذكروها في مواطن
متعددة وتحت عناوين مختلفة من قبيل: أركان
الاستصحاب، ومقومات الاستصحاب، وشرائط
جريان الاستصحاب، ونحو ذلك، ونحن جمعناها في
مكان واحد تحت العنوان المتقدم، وهذه الأمور
هي:
1 - اليقين بالحالة السابقة:
سواء كانت حكما شرعيا أو موضوعا لحكم
شرعي، والمستفاد من أدلة الاستصحاب: أن هذا
اليقين هو العلة لإبقاء المتيقن السابق في الزمان
اللاحق.
والمراد باليقين هو الأعم من اليقين



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 697 - 702، والمصادر
السابقة، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 8 و 242،
والرسائل (للإمام الخميني) 1: 229 - 236.
(2) أنظر: مصباح الأصول 3: 89 - 91.
(3) أنظر: فرائد الأصول 2: 547، وفوائد الأصول 4:
316.
(1) أنظر: نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 29، ومصباح
الأصول 3: 9، وبحوث في علم الأصول 6: 14.
419
الوجداني، وما جعله الشارع يقينا تعبدا (1).
2 - الشك في بقاء اليقين السابق:
ولا معنى للاستصحاب إلا في فرض الشك في
بقاء الحالة المتيقنة سابقا.
والمقصود من الشك هو الأعم من الشك بمعناه
المصطلح - أي: تساوي الطرفين - ومن الظن غير
المعتبر شرعا، كالحاصل من القياس الباطل مثلا (2).
3 - بقاء الموضوع في الزمان اللاحق:
هكذا عبر الشيخ الأنصاري عن هذا الشرط
وقال: " المراد به معروض المستصحب "، فإذا أريد
استصحاب قيام زيد، فزيد هو الموضوع، لأنه
معروض للقيام وهو المستصحب.
لكن ربما يرد عليه إشكال وهو: أنه لا يمكن
استصحاب وجود زيد، إذا شككنا فيه في الزمان
اللاحق.
وقد أجاب عنه الشيخ: بأن الوجود نوعان:
ذهني وخارجي، فزيد معروض للقيام، بوصف
وجوده الخارجي، ومعروض للوجود بوصف
وجوده وتقرره في الذهن.
ولذلك عدل صاحب الكفاية عن هذا التعبير
لكي لا يضطر إلى دفع الإشكال، فقال: " لا إشكال
في اعتبار بقاء الموضوع، بمعنى اتحاد القضية
المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما " (1).
وهذا التعبير صادق في مثل: زيد قائم، وزيد
موجود، لأننا في ظرف الشك نقول: هل زيد قائم،
وهل زيد موجود؟ فنستصحب القيام في القضية
الأولى والوجود في الثانية.
والحاكم بلزوم بقاء الموضوع هو العقل، لأنه
مع ارتفاع الموضوع - أي: زيد مثلا - فلا معنى
لاستصحاب قيامه، لكن من هو المشخص لبقاء
الموضوع؟
ذكر الشيخ الأنصاري موازين ثلاثة
لتشخيص بقاء الموضوع، وهي:
1 - العقل: فلو ترتب الحكم على موضوع
ذي قيود، ثم شككنا في زوال بعضها فالعقل يحكم
بعدم بقاء الموضوع، فلا يجري الاستصحاب بناء على
هذا الميزان، إلا إذا لم يطرأ على الموضوع والحكم أي
تغيير لكن حصل الشك من جهة تغير الزمان
المجعول ظرفا للحكم، كما في خيار الفسخ، فلم يقدح
في جريان الاستصحاب، لأن الاستصحاب مبني
على إلغاء خصوصية الزمان الأول.
2 - لسان الدليل: فإذا كان الدليل مثل قوله:
" الماء المتغير نجس "، وشككنا في بقاء النجاسة بعد
زوال التغير، لم يمكن استصحاب نجاسة الماء، لأن



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 547 - 687، وكفاية
الأصول: 385 و 425 - 426، وفوائد الأصول 4:
403 و 563، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 105،
وبحوث في علم الأصول 6: 111، وأصول الفقه
(للمظفر) 2: 243 - 244.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(1) كفاية الأصول: 427.
420
الحكم - وهو النجاسة - ترتب على " الماء المتغير "
وقد زال جزؤه، وهو المتغير، فلم يبق الموضوع،
بخلاف ما إذا قال: " الماء يتنجس إذا تغير "، فإن
الموضوع فيه هو " الماء " وهو باق بعد زوال التغير
فنستصحب نجاسته.
3 - العرف: فكل مورد يصدق فيه أن
المشكوك عين المتيقن عرفا، وأن نقض اليقين فيه
نقض له بالشك، فيجري فيه الاستصحاب. وإن لم
يكن عينه عرفا وصدق نقض اليقين باليقين فلا
يجري فيه الاستصحاب. مثال ذلك: حكم العرف
ببقاء الزوجية بعد الموت، وببقاء الكرية بعد أخذ
شئ قليل - ككف من الماء - ونحو ذلك، فإنه يرى
بقاء الموضوع في الموضعين.
ويظهر من أكثر المتأخرين عن الشيخ
الأنصاري، أن الميزان في تشخيص بقاء الموضوع
عندهم هو الفهم العرفي - على اختلاف بينهم في
كيفية تفسير وتوجيه ذلك -، فإذا كان العرف يرى
أن الزائل من مقومات الموضوع بحيث يرتفع بزواله،
فلا يجري فيه الاستصحاب، وإلا فيجري (1).
4 - اجتماع اليقين والشك في زمان واحد:
بمعنى أن يتصل زمان الشك بزمان اليقين،
ولا يتخلل بينهما يقين آخر، سواء كان زمان
حدوث اليقين قبل زمان حدوث الشك، كما هو في
الاستصحابات المتعارفة، أو كان زمان حدوث
الشك متقدما، كما إذا شك في طهارة شئ يوم
الخميس، واستمر الشك إلى يوم الجمعة، ثم حصل
له يقين يوم الجمعة بطهارته يوم الأربعاء، أو كان
زمان حدوث الشك واليقين متقارنا، كما إذا تيقن
يوم الجمعة بطهارة ثوبه يوم الخميس، وفي نفس
الوقت شك في بقائه على الطهارة إلى يوم الجمعة، بل
يشمل حتى ما لو كان اليقين فعليا والشك استقباليا،
كما تقدم بيانه في الاستصحاب الاستقبالي.
ففي كل هذه الموارد قد اتصل زمان الشك
بزمان اليقين. ولو لم يتصل، لم يكن موردا
للاستصحاب، ويرى بعضهم أننا في غنى عن ذلك،
لأن مع تخلل يقين آخر يصدق نقض اليقين باليقين
لا بالشك، في حين أن مورد الاستصحاب هو عدم
نقض اليقين بالشك، لا باليقين (1).



(1) أنظر في هذا الموضوع: فرائد الأصول 2: 690 - 693،
وكفاية الأصول: 385 - 386، 426 - 428، وفوائد
الأصول 4: 564 - 586، وخاصة 584 - 586، وانظر
الهوامش في هذه الصفحات للمحقق العراقي، ونهاية
الأفكار 4 (القسم الثاني): 3 - 15، ومصباح الأصول
3: 227 - 240، والرسائل (للإمام الخميني): 215 -
229، وبحوث في علم الأصول 6: 114 - 121.
(1) أنظر: كفاية الأصول: 420، وفوائد الأصول 4:
316، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 209،
ومصباح الأصول 3: 185 و 89، والرسائل (للإمام
الخميني): 193، وبحوث في علم الأصول 6: 312،
ومنتهى الدراية 7: 617 - 618، وأصول الفقه 2:
244، وأصول الفقه المقارن: 454، وانظر قاعدة اليقين.
421
5 - تعدد زمان المتيقن والمشكوك:
لأنه مع فرض اتحاد زمان الشك
واليقين واتحاد المتيقن والمشكوك يستحيل أن
يتحد زمان المتيقن والمشكوك، لاستلزامه
تعلق اليقين والشك بشئ واحد في زمان
واحد.
ومن هذا الشرط وسابقه يستفاد: أن
الاستصحاب إنما يفرض فيما إذا اتحد زمان اليقين
والشك وتعدد زمان المتيقن والمشكوك، كما في
الأمثلة المعهودة للاستصحاب.
وأما لو انعكس الأمر فكان زمان اليقين
والشك متعددا، وزمان المتيقن والمشكوك واحدا،
لم يكن من الاستصحاب، بل من مصاديق قاعدة
اليقين، وقد تقدم الكلام حولها (1).
6 - وحدة متعلق اليقين والشك:
بمعنى أن يتعلق اليقين بحدوث الشئ،
والشك في بقاء الشئ نفسه، وأما لو تعدد،
فلا يكون من الاستصحاب، كما في قاعدة " المقتضي
والمانع " حيث يتعلق اليقين بحدوث المقتضي،
والشك بحدوث المانع، وقد تقدم الكلام حولها أيضا
فراجع.
والمراد من الوحدة هي الوحدة العرفية - كما
في المثال -، لا الدقية العقلية، وإلا لكانت من قاعدة
اليقين، للزوم تعلق اليقين والشك بشئ واحد، وهو
حدوث الشئ (1).
7 - سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك:
الظاهر من مفهوم الاستصحاب وأدلته لزوم
سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك - كالأمثلة
المعهودة - فلو انعكس الأمر بأن كان زمان المتيقن
متأخرا عن زمان المشكوك، بأن يشك في مبدأ
حدوث ما هو متيقن الوجود فعلا لم يكن موردا
للاستصحاب المصطلح، نعم هو مورد لما يصطلح
عليه الاستصحاب القهقري، وقد تقدم أنه ليس
بحجة إلا في إثبات اللغات (2).
8 - فعلية الشك واليقين:
لا بد من أن يكون كل من اليقين والشك
فعليا لكي يجري الاستصحاب، فلو كان كلاهما أو
أحدهما تقديريا فلا يجري، وذلك كما إذا التفت بعد
الصلاة إلى أنه كان محدثا قبلها لكنه غفل عن ذلك
فصلى، ثم شك في أنه تطهر للصلاة أو لا؟ فعلى
تقدير أنه كان ملتفتا قبل الصلاة إلى حالته، كان
استصحاب الحدث جاريا في حقه، فإن قلنا بكفاية
الشك واليقين التقديريين، فالمكلف يجري بعد



(1) تقدمت المصادر في ذيل عنوان " قاعدة اليقين ".
(1) ربما اكتفى بعضهم بشرطية بقاء الموضوع عن هذا
الشرط، راجع المصادر المذكورة هناك والمصادر التالية:
نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 8 - 9، ومصباح
الأصول 3: 240 - 241.
(2) تقدمت المصادر في ذيل عنوان " الاستصحاب
القهقري ".
422
الصلاة - وهو زمان التفاته - استصحاب الحدث قبل
الدخول في الصلاة، ويثبت أنه دخل فيها من دون
طهارة، فعليه الإعادة، وإن قلنا بعدم كفايته ولا بد
من كونهما فعليين فلا يمكنه إجراء الاستصحاب،
لأن الشك في بقاء الحدث قبل الصلاة تقديري
لا فعلي، فتكون صلاته صحيحة لجريان قاعدة
الفراغ - كما قيل - لوجود الشك الفعلي في الطهارة
بعد الفراغ من الصلاة.
نعم، استصحاب بقاء الحدث إنما ينفع بالنسبة
إلى الصلوات المستقبلة.
هذا، ولبعضهم كلام في المثال المتقدم، كما أن
السيد الصدر نفى أصل الشرط (1).
9 - عدم إحراز البقاء أو الارتفاع بدليل
مقدم على الاستصحاب:
فلو أحرز بقاء المستصحب أو ارتفاعه بدليل
مقدم على الاستصحاب رتبة - سواء كان وجدانيا،
كالقطع، أو تعبديا، كسائر الأمارات - لم يبق مورد
لجريان الاستصحاب، وبعبارة أخرى ينتفي
موضوعه - وهو الشك في البقاء - وجدانا أو تعبدا،
وذلك كما إذا تيقنا بطهارة الثوب ثم شككنا في بقاء
طهارته، ولكن قامت البينة على بقاء طهارته أو على
عدم البقاء، فلا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة،
لارتفاع موضوع الاستصحاب وهو الشك في
الطهارة - هنا - ولو تعبدا، إذ البينة حجة وإن لم تفد
علما وكان العامل بها شاكا بعد (1).
ومن هذا المنطلق بحث الأصوليون موضوع
تقدم الأمارات على الاستصحاب، لأنها ترفع
موضوعه، وهو الشك (2)، فمع وجودها لا يصل
الدور إلى الاستصحاب، ثم بحثوا قاعدة اليد
وقاعدة القرعة، وأصالة الصحة ونحوها - ضمن
أبحاث الاستصحاب - وهل هي من الأمارات
لتتقدم على الاستصحاب أو لا؟
وسوف تأتي الإشارة إلى هذا الموضوع أيضا
في العنوانين " أصل " و " أمارة " فراجع.
10 - أن يكون للمستصحب أثر عملي
شرعي:
يظهر من مطاوي كلمات الفقهاء والأصوليين
أن الاستصحاب إنما يكون حجة لو ترتب على



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 547، وكفاية الأصول: 404،
وفوائد الأصول 4: 317 - 318، ونهاية الأفكار 4
(القسم الأول): 13 - 14، ومصباح الأصول 3: 91 -
95، والرسائل (للإمام الخميني) 1: 121 - 123،
وبحوث في علم الأصول 6: 211.
(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 703 - 705، وكفاية
الأصول: 428 - 429، وفوائد الأصول 4: 591 -
601، ونهاية الأفكار 4 (القسم الثاني): 16 - 19،
ومصباح الأصول 3: 247 - 253، والرسائل (للإمام
الخميني) 1: 236، وبحوث في علم الأصول 6: 341.
(2) واختلفوا في كيفية ذلك، هل هو على نحو الورود أو
الحكومة؟
423
المستصحب أثر شرعي، فإذا لم يترتب عليه ذلك
لم يكن حجة، وكأنهم أرسلوه إرسال المسلمات،
وقد أشاروا إليه في الأصول في تنبيهات
الاستصحاب عند بحثهم الأصل المثبت، الذي سوف
يأتي البحث عنه تحت عنوان " الأصل المثبت ".
وقد صرح بعضهم بركنيته في الاستصحاب.
ووجهه: أن الشارع لما نزل الاستصحاب
منزلة اليقين، فله غرض في هذا التنزيل، وهو إثبات
الآثار المترتبة على المتيقن، للمشكوك، ولما كان
التنزيل من قبل الشارع، فلا بد من أن يكون ناظرا
في تنزيله إلى الآثار الشرعية.
هذا وبدل السيد الصدر هذه الصياغة بصياغة
أخرى، وهي: أن يكون للاستصحاب أثر عملي
وإن لم يكن شرعيا، وله فيه بيان لا يسعنا التعرض
له فعلا (1).
انقسامات الاستصحاب:
ذكر الشيخ الأنصاري - وتبعه من تأخر
عنه - انقسامات ثلاثة للاستصحاب باعتبار
اختلاف المستصحب، والدليل الدال عليه، وباعتبار
الشك المأخوذ فيه:
أولا - تقسيمه باعتبار المستصحب:
1 - إن المستصحب تارة يكون أمرا
وجوديا، وأخرى عدميا، فالأول مثل الطهارة
والنجاسة والوجوب والحياة ونحو ذلك، والثاني
مثل عدم اشتغال الذمة بالتكليف، الذي يعبر عنه
ب‍ " البراءة الأصلية " أو أصالة النفي، ومثل عدم
القرينة، وعدم الموت، وعدم التذكية ونحو ذلك.
2 - وعلى التقديرين تارة يكون حكما
شرعيا، وأخرى موضوعا ذا حكم شرعي.
3 - وعلى فرض كونه حكما شرعيا، فإما أن
يكون حكما كليا، أو جزئيا.
4 - وعلى التقديرين تارة يكون حكما
تكليفيا وتارة وضعيا.
فالحكم الشرعي التكليفي الكلي مثل:
وجوب الصلاة والصوم، وحرمة الخمر والغصب.
والحكم الشرعي التكليفي الجزئي مثل:
وجوب الصلاة المعينة على زيد، وحرمة شرب
الخمر المعين عليه.
والحكم الشرعي الوضعي الكلي مثل: بطلان
الصوم بالأكل والشرب، وصحة الوضوء بماء البحر،
وطهارة العصير العنبي، ونجاسة الكلب، ونحو ذلك.
والحكم الشرعي الوضعي الجزئي مثل:
بطلان الصلاة الخاصة لعروض المبطل لها، وصحة
الصوم الخاص، وطهارة هذا الماء، ونجاسة هذا



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 659، وكفاية الأصول: 414،
وفوائد الأصول 4: 481، ونهاية الأفكار 4 (القسم
الأول): 177، ومصباح الأصول 3: 150، وحقائق
الأصول 2: 479، والرسائل (للإمام الخميني) 1:
177، وبحوث في علم الأصول 6: 122، ومنتهى
الدراية 7: 511.
424
الحيوان مثلا، فإن الصحة والبطلان والطهارة
والنجاسة ونحوها من الأحكام الوضعية.
والموضوع ذو الحكم الشرعي مثل: الكرية،
والرطوبة، والحياة، والنهار، والليل.
ثانيا - تقسيمه باعتبار الدليل:
1 - إن الدليل الدال على المستصحب - أي
المتيقن - تارة يكون عقليا وتارة شرعيا.
2 - وعلى فرض كونه شرعيا، فتارة يكون
لفظيا كالكتاب والسنة، وأخرى لبيا كالإجماع.
فالعقلي مثل حكم العقل بأن الصدق الضار
قبيح، الدال بالملازمة العقلية على أن الصدق من
حيث إنه ضار حرام.
وأما الشرعي - بأقسامه الثلاثة - فأمثلته
كثيرة وواضحة.
3 - وعلى كل حال، فقد يدل دليل
المستصحب على استمرار الحكم إلى حصول رافع أو
غاية، وإما أن لا يدل.
وحصول الغاية مثل قوله تعالى: * (كلوا
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (1) وفي
الآية حكمان مستمران إلى غاية معينة، وهما:
جواز الأكل والشرب حتى طلوع الفجر، ووجوب
الصيام والكف عن المفطرات حتى دخول الليل.
وحصول الرافع مثل قول أبي جعفر (عليه السلام):
" نعم، ما لم يحدث " في جواب زرارة حيث سأله:
" يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار
كلها؟ " (1)، فالدليل في حد ذاته دال على استمرار
الطهارة الحاصلة من الوضوء إلى أن يأتي الرافع له،
وهو الحدث.
ثالثا - تقسيمه باعتبار الشك:
1 - إن الشك قد ينشأ من الأمر الخارجي،
كالشك في حدوث البول أو كون الحادث بولا أو
وديا، سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا،
كالطهارة في المثالين، أو موضوعا كالرطوبة
والكرية، ويسمى بالشبهة الموضوعية.
وقد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعي الكلي،
كالشك في بقاء المكلف على الطهارة بعد خروج
المذي منه، ويعبر عنه بالشبهة الحكمية.
2 - الشك قد يكون مع تساوي الطرفين،
وقد يكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع.
3 - إن الشك قد يكون من جهة المقتضي،
والمراد به الشك من حيث استعداده وقابليته في ذاته
للبقاء، كالشك في بقاء الليل والنهار، وخيار الغبن
بعد الزمان الأول.
وقد يكون من جهة طروء الرافع بعد القطع
باستعداده للبقاء، وهذا على أقسام:
لأن الشك إما في وجود الرافع، كالشك



(1) البقرة: 187.
(1) الوسائل 1: 375، الباب 7 من أبواب الوضوء،
الحديث الأول.
425
في حدوث البول، وإما في رافعية الموجود،
كصلاة الظهر يوم الجمعة، حيث يشك في كونها
رافعة لاشتغال الذمة بالتكليف من جهة تردده بين
الظهر والجمعة، وكالرطوبة المرددة بين البول
والودي (1).
الأقوال في حجية الاستصحاب:
إن الأقوال في حجية الاستصحاب كثيرة،
وصفوتها ما يلي:
الأول - القول بالحجية مطلقا:
وهو ما يظهر من الشيخ المفيد (2)، والشيخ
الطوسي (3)، والمحقق الحلي في بدء بحثه في المعارج (4)،
والعلامة (5)، والشهيدين (6)، والشيخ البهائي (7)، بل
نسبه الوحيد البهبهاني (8) إلى المشهور، والمحقق
القمي (1) إلى أكثر المتأخرين، والشيخ الأنصاري إلى
أكثر المحققين (2)، واختاره صاحب الكفاية (3)،
والمحقق العراقي (4)، والسيد الصدر (5)، ويظهر ذلك
من مجموع كلمات الإمام الخميني (6).
الثاني - القول بعدم الحجية مطلقا:
ذهب إليه السيدان المرتضى (7) وابن زهرة (8)،
واختاره المحقق الحلي في مقدمة المعتبر (9)، وصاحبا
المعالم (10) والمدارك (11).
الثالث - التفصيل بين الأحكام الشرعية
الكلية، وبين غيرها:
فلا يعتبر في الأحكام الكلية ويعتبر في غيرها
كالأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية.
اختار هذا القول المحدث الاسترآبادي (12)،



(1) أنظر هذه التقسيمات في: فرائد الأصول 2: 549 -
559، وفوائد الأصول 4: 319، ونهاية الأفكار 4
(القسم الأول): 17، ومصباح الأصول 3: 10.
(2) كنز الفوائد 2: 30، لكن من الصعب نسبته إليه، لأن
هذه التفصيلات لم تكن آنذاك.
(3) عدة الأصول (الحجرية): 304.
(4) معارج الأصول: 206.
(5) مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 250.
(6) القواعد والفوائد 1: 132، القاعدة 3، وتمهيد القواعد:
271، القاعدة 96.
(7) زيدة الأصول: 73.
(8) الفوائد الحائرية: 274 (الفوائد القديمة)، الفائدة 27.
(1) القوانين 2: 279.
(2) أنظر الحاشية على القوانين للشيخ الأنصاري: 67.
(3) كفاية الأصول: 387.
(4) نهاية الأفكار (القسم الأول) 4: 33.
(5) بحوث في علم الأصول 6: 127 - 164، وخاصة
الصفحة الأخيرة.
(6) الرسائل (للإمام الخميني) 1: 76 - 120.
(7) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 829 - 830.
(8) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 486.
(9) المعتبر: 6 - 7.
(10) معالم الدين (الحجرية): 227 - 232، وخاصة
الصفحة الأخيرة.
(11) مدارك الأحكام 1: 46.
(12) الفوائد المدنية: 141 - 143.
426
وتبعه بعض من تأخر عنه من المحدثين (1).
واختاره من غير المحدثين السيد الخوئي (2)
ونسبه إلى النراقي في المستند.
لكن هناك فرق جذري بين الفريقين في كيفية
توجيه هذا القول، كما أن السيد الخوئي خص المنع
بالأحكام الكلية التكليفية الإلزامية، أما غير
الإلزامية كالإباحة والكراهة، والوضعية فلا مانع
من جريان الاستصحاب فيها.
الرابع - التفصيل بين الأحكام التكليفية غير
المنتزعة من الأحكام الوضعية، وبين
غيرها:
فلا يكون حجة في القسم الأول، ويكون
حجة في الثاني الشامل للأحكام الوضعية نفسها
وللأحكام التكليفية المنتزعة منها.
اختاره الفاضل التوني (3).
الخامس - التفصيل بين الشك في المقتضي،
والشك في الرافع:
فإن كان الشك في اقتضاء المستصحب للبقاء
فلا يجري الاستصحاب وإن كان الشك في الرافع
للاستمرار بعد ثبوت أصل الاقتضاء للبقاء أو في
حصول الغاية للحكم فيجري.
اختار هذا التفصيل الشيخ الأنصاري (1)
واستظهره من آخر كلام المحقق الحلي في المعارج (2)،
وتبعه المحقق النائيني (3)، لكن أضاف: أن الشك في
غاية الحكم تارة من قبيل الشك في المقتضي الذي
لا يجري فيه الاستصحاب، وتارة من قبيل الشك
في الرافع الذي يجري فيه الاستصحاب، فيختلف
باختلاف الموارد.
أقول: الذي يبدو لي من خلال مراجعتي
لكلام من نسب إليه عدم الحجية مطلقا، كالسيد
المرتضى والمحقق الحلي، وصاحب المعالم والمدارك
هو: أن هؤلاء يريدون أن يفصلوا بين الشك في
المقتضي والشك في الرافع أيضا فيكون حجة في
الثاني دون الأول، وقد تنبه الشيخ الأنصاري
لخصوص المحقق الحلي وصاحب المعالم، فقال بعد
اختيار هذا التفصيل وحكايته عن المحقق الحلي:
" ويظهر من صاحب المعالم اختياره " (4)، لكن
صاحب المعالم نفسه وحد بين مختاره ومختار المحقق
والسيد المرتضى، حيث نقل عن المحقق قوله:
"... والذي نختاره نحن أن ننظر في الدليل المقتضي
لذلك الحكم، فإن كان يقتضيه مطلقا وجب القضاء
باستمرار الحكم، كعقد النكاح مثلا... "، ثم قال:



(1) منهم المحدث البحراني في الحدائق 1: 51، الفائدة
الثالثة، وفي الدرر النجفية: 34.
(2) مصباح الأصول 3: 36 و 47.
(3) الوافية: 200 - 202.
(1) فرائد الأصول 2: 561.
(2) معارج الأصول: 209.
(3) فوائد الأصول 4: 331.
(4) فرائد الأصول 2: 561.
427
" وهذا كلام جيد لكنه عند التحقيق رجوع عما
اختاره أولا... " (1)، ويقصد بما اختار: القول بالحجية.
وهذا المعنى نفسه موجود في كلام السيد
المرتضى، فإنه قال: " لا بد من اعتبار الدليل الدال
على ثبوت الحكم في الحالة الأولى وكيفية إثباته،
وهل أثبت ذلك في حالة واحدة، أو على سبيل
الاستمرار " (2).
وهو موجود في كلام صاحب المدارك أيضا،
حيث قال: " والحق أن الاستصحاب ليس بحجة
إلا فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه... " (3).
وتعليلهم للحجية حينئذ هو: أن الحكم يكون
طبقا للدليل الدال على الحكم السابق، وليس من
دون دليل.
السادس - التفصيل بين ما لو ثبت الحكم في
المستصحب بدليل عقلي، وما لو ثبت بدليل
شرعي:
فإن ثبت بدليل عقلي وتوصلنا إلى الحكم
الشرعي فيه بقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم
الشرع فلا يجري فيه الاستصحاب، وأما لو ثبت
بدليل شرعي خالص فيجري فيه.
اختار هذا التفصيل الشيخ الأنصاري (4)
أيضا، وقال: إنه لم يجد من فصل كذلك، وعلى هذا
فيكون له تفصيلان في المسألة.
ونسب إلى السيد الخوئي موافقته له في
الجملة (1).
هذا، وذكر الشيخ الأنصاري تفصيلات
أخرى عن المحققين الخوانساري والسبزواري يطول
التعرض لها.
أدلة الاستصحاب:
استدلوا على حجية الاستصحاب بأدلة
مختلفة، وجرى البحث فيها وما يرد عليها من
المناقشات والجواب عنها، وبما أننا لا يسعنا
التعرض لها كلها، فلذلك نكتفي بذكر أصل الأدلة
تاركين التفصيل إلى الكتب المطولة. والأدلة
كالآتي:
أولا - العقل:
وقرره المظفر كما يلي:
المقصود منه هو حكم العقل النظري
لا العملي، فهو يحكم بالملازمة بين العلم بثبوت
الشئ في الزمان السابق، وبين رجحان بقائه في
الزمان اللاحق عند الشك في بقائه، فإذا علم
الإنسان بثبوت شئ في زمان ثم طرأ ما يزلزل العلم
ببقائه في الزمان اللاحق، فإن العقل يحكم برجحان
بقائه، وبأنه مظنون البقاء.



(1) معالم الدين (الحجرية): 232.
(2) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 831.
(3) مدارك الأحكام 1: 46.
(4) فرائد الأصول 2: 554.
(1) أنظر بحوث في علم الأصول 6: 151.
428
لكن أقصى ما يدل عليه هذا الدليل هو
حصول الظن - النوعي أو الشخصي - بالبقاء في
مورد الاستصحاب - وإن نوقش في حصوله - فلا بد
من إثبات حجية مثل هذا الظن شرعا، ولا دليل
عليه (1).
ويبدو أن هذا الدليل كان مستند المتقدمين في
حجية الاستصحاب، فلذلك ذهب بعضهم إلى عدم
حجيته، لعدم تمامية الدليل.
ثانيا - السيرة العقلائية:
والاستدلال بها يتقوم بمقدمتين:
الأولى - أنه لا شك في أن العقلاء من الناس
- على اختلاف مذاهبهم وأذواقهم - جرت سيرتهم
في عملهم، وتبانوا في سلوكهم العملي على الأخذ
بالمتيقن السابق عند الشك في بقائه، وعلى ذلك
قامت الحياة الاجتماعية، ولولاه لاختل النظام
الاجتماعي.
الثانية - لما كان الشارع من العقلاء، بل
رئيسهم، ولم يظهر منه ردع لهذه السيرة، فيحصل
الاطمئنان برضائه بالعمل وفقها، وهو يعني حجية
الاستصحاب.
وممن ارتضى هذا الدليل الشيخ الأنصاري
والمحقق النائيني، وأكده الأخير حيث نقل عنه
السيد الخوئي قوله: " بأن عملهم على طبق الحالة
السابقة هو بإلهام إلهي حفظا للنظام "، وقد نقل
الشيخ الأنصاري شبه هذا الكلام عن بعض الأجلاء
أيضا.
هذا، ولكن ناقش بعضهم في المقدمتين، فنفى
أن تكون السيرة قائمة من حيث التعبد ببقاء الحالة
السابقة، بل من حيث جهات أخر، كحصول
الاطمئنان بالبقاء بالقرائن الحافة، أو برجاء البقاء،
أو احتياطا، أو غفلة عن البقاء وعدمه. كما نفى أن
تكون هذه السيرة - على فرض قيامها - غير
مردوعة من قبل الشارع، فإنها يمكن أن تكون
مردوعة بالآيات الناهية عن العمل بالظن.
وقد أجاب بعضهم عن هذه المناقشات بما
يطول شرحه (1).
ثالثا - الاستقراء:
وحاصله: أنا إذا تتبعنا موارد الشك في
بقاء الحكم السابق من أول الفقه إلى آخره، لم
نجد موردا إلا وحكم الشارع فيه بالبقاء إلا مع
أمارة توجب الظن بالخلاف، فلا يحكم بالبقاء
حينئذ.
اعتمد على هذا الدليل، الوحيد البهبهاني،



(1) أصول الفقه 2: 255، وانظر: الحاشية على استصحاب
القوانين: 93، وكفاية الأصول: 388، ومصباح
الأصول 3: 12، وبحوث في علم الأصول 6: 19.
(1) أنظر: الحاشية على استصحاب القوانين: 87، وكفاية
الأصول: 387، وفوائد الأصول 4: 331، ونهاية
الدراية 5: 29، ومصباح الأصول 3: 10، وبحوث في
علم الأصول 6: 20.
429
حيث قال: "... والحاصل أن هذا الاستقراء
والأخبار الظاهرة في حجية الاستصحاب المشيرة
إلى ما حصل من الاستقراء تكفي للحكم " (1).
وتابعه المحقق القمي (2) والشيخ الأنصاري (3)،
وقال الأخير: " والإنصاف أن هذا الاستقراء يكاد
يفيد القطع... ".
هذا، ولم يتعرض أكثر المتأخرين عن الشيخ
لهذا الاستدلال، نعم قد حصل خلط - في بعض
الكلمات - بين هذا الدليل والدليل الآتي.
رابعا - الإجماع:
ادعى بعضهم إجماع الفقهاء على العمل طبق
الحالة السابقة.
ولكن نوقش في ثبوت أصل الإجماع أولا،
للاختلاف في أصل حجية الاستصحاب، وفي حجية
مثل هذا الإجماع ثانيا، لأنه ليس إجماعا تعبديا (4).
خامسا - الأخبار:
تقدم في تأريخ الاستصحاب أن الشيخ
الأنصاري قال: أول من استدل بالروايات لحجية
الاستصحاب بالصراحة هو والد الشيخ البهائي ثم
شاع من بعده الاستدلال بها، وقد صار في عصرنا
من أهم الأدلة، بل ربما انحصر عند بعضهم الدليل
على الاستصحاب فيها، وهي عديدة نذكر أهمها،
وهي: مضمرة (1) زرارة الأولى:
وقد عبر عنها الشيخ الأنصاري بصحيحة
زرارة، وقال: " لا يضرها الإضمار "، ووجهوه بأن
زرارة أجل من أن يسأل غير الإمام (عليه السلام)، فالرواية
إذن إما من الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام)، والرواية
هي:
" قال: قلت له: الرجل ينام وهو على
وضوء، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟
فقال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب
والأذن، فإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب
الوضوء.
قلت: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟
قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجئ
من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه،



(1) الفوائد الحائرية: 277، (الفوائد القديمة)، الفائدة
27.
(2) القوانين 2: 279، وانظر الحاشية على استصحاب
القوانين: 105 و 273.
(3) فرائد الأصول 2: 563.
(4) أنظر: فرائد الأصول 2: 562، وكفاية الأصول: 388،
وفوائد الأصول 4: 334، ونهاية الأفكار 4 (القسم
الأول): 33، ومصباح الأصول 3: 13.
(1) المضمرة: هي الرواية التي لا يذكر الراوي الأخير
- فيها - اسم المروي عنه بالصراحة، بل يذكره مضمرا،
مثل: سألته، قلت له... ونحو ذلك.
وتختلف المضمرات - من حيث الحجية وعدمها -
باختلاف المضمرين، فمثل زرارة تكون مضمراته
معتبرة، لأنه لم يسأل غير الإمام (عليه السلام) لجلالته ومنزلته
العلمية.
430
ولا ينقض اليقين أبدا بالشك. ولكن ينقضه بيقين
آخر " (1).
ومورد الاستدلال قوله (عليه السلام): "... وإلا فإنه
على يقين من وضوئه... "، وهو جملة شرطية،
الشرط فيها: " وإلا " أي: وإن لم يستيقن أنه قد
نام، والجزاء فيها مقدر، وهو: فلا يجب عليه
الوضوء، ويكون قوله: " فإنه على يقين من
وضوئه " تعليلا للجزاء قام مقامه (2)، فتكون الجملة
هكذا:
وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه
الوضوء، فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض
اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر.
هكذا قال الشيخ الأنصاري، ويرى بعض
آخر أن الجزاء نفس قوله: " فإنه على يقين من
وضوئه... ".
وهناك توجيهات أخر والنتيجة واحدة.
يبقى تجريد الرواية من خصوص الوضوء
وإسراؤها إلى سائر أبواب الفقه، ولهم في ذلك
طرق، أهمها: أن التعليل: " فإنه على يقين من
وضوئه " ظاهر - بمعونة مناسبة الحكم والموضوع
وقرائن أخر من قبيل ورود هذا التعليل في روايات
أخر واردة في غير باب الوضوء - في مطلق اليقين
والشك، إذ لا خصوصية في الوضوء حتى يختص
عدم نقض اليقين بالشك به، فتكون الرواية مشيرة
إلى قاعدة كلية جارية في جميع أبواب الفقه (1).
وهناك روايتان أخريان لزرارة، وروايات
أخر أيضا استدلوا بها.
جريان الاستصحاب في مؤديات الأمارات
والأصول:
لما كان الموجود في لسان أدلة الاستصحاب
هو النهي عن نقض اليقين بالشك، فذلك يعني أن
المستصحب ينبغي أن يكون ثابتا ثبوتا يقينيا، وأما
لو كان ثبوته بالأمارة أو الأصل - كما إذا ثبت
وجوب شئ أو حرمته بالخبر الواحد، أو ثبتت
طهارة الثوب بالبينة أو بأصالة الطهارة - ثم حصل
الشك في بقاء مؤدى الأمارة أو الأصل، فهل يشمله
دليل الاستصحاب أو لا؟
والكلام في مرحلتين:



(1) التهذيب 1: 8، باب الأحداث الموجبة للوضوء،
الحديث 11، وانظر الوسائل 1: 245، الباب 1 من
أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول، وفيه بعض
الاختلاف مع التهذيب.
(2) قال الشيخ الأنصاري في ضمن استدلاله: "... وإقامة
العلة مقام الجزاء لا تحصى كثرة في القرآن وغيره، مثل
قوله تعالى: * (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر
وأخفى) * طه: 7 " ثم ذكر آيات أخر.
(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 563، وكفاية الأصول:
389، وفوائد الأصول 4: 334، ونهاية الأفكار 4
(القسم الأول): 37، ومصباح الأصول 3: 13،
وبحوث في علم الأصول 6: 25، وغيرها.
431
المرحلة الأولى - الأمارات:
هناك عدة أجوبة للسؤال تختلف باختلاف
المباني في الأمارات، نشير إلى بعضها:
أولا - جواب المحقق الخراساني:
وحاصله: أن موضوع الاستصحاب - كما
يستفاد من أدلته - ليس هو الشك في البقاء الفعلي
حتى يتوقف حصوله على اليقين بالثبوت فعلا، بل
موضوعه هو البقاء التقديري، أي: البقاء على
تقدير الثبوت، وهذا حاصل ولو لم يحصل اليقين
بالثبوت، فإذا قامت الأمارة على وجوب الجمعة
حال الظهور وشككنا في بقاء الوجوب حال الغيبة
نستصحب الوجوب حال الغيبة على تقدير ثبوته
حال الظهور، فإذا ألزمتنا الأمارة بوجوبها حال
الظهور فتلزمنا - أيضا - بوجوبها حال الغيبة بمعونة
الاستصحاب (1).
ثانيا - جواب المحقق النائيني:
وحاصله: أنه لا حاجة إلى ما أجاب به
المحقق الخراساني، لأنه إنما التجأ إلى ذلك حيث أنكر
قيام الأمارات والأصول مقام القطع المأخوذ في
الموضوع على وجه الطريقية، فقال: إن المجعول فيها
هو المنجزية إن صادفت الواقع، والمعذرية إن
لم تصادف، لا الطريقية والكاشفية، وأما بناء على
صحة جعل الأمارات والأصول مقام القطع الطريقي
الموضوعي فلم يبق إشكال في البين أصلا، لأن
اليقين المأخوذ في أدلة الاستصحاب إنما هو ملحوظ
بما هو كاشف وطريق إلى ما تعلق به، لا بما هو
صفة قائمة بالنفس، فإذا كان كذلك، فكل ما كان له
هذه الخاصية - وهي خاصية الكشف والإراءة -
يمكن أن يقوم مقام اليقين، ولما كانت حجية
الأمارات من باب كشفها عن الواقع، فيمكن
أن تكون كاليقين من هذه الجهة، فتشملها أدلة
الاستصحاب.
واختار هذا الجواب السيد الخوئي، وجعله
المحقق العراقي أحد الأجوبة، وله أجوبة أخرى عن
الإشكال، ولا يؤثر في الجواب كون مبناه في حجية
الأمارات تتميم كشفها بسبب جعل الحجية لها من
قبل الشارع، وربما يظهر من السيد الحكيم اختيار
هذا الجواب أيضا (1).
ثالثا - جواب الإمام الخميني:
وحاصله: أن التعبير الوارد في الروايات وإن
كان هو: " عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين "
ولكن العرف - بمناسبة الحكم والموضوع - يفهم أن
الموضوع في الاستصحاب هو " الحجة " مقابل
" اللا حجة "، فلذلك يلحق الظن المعتبر شرعا
باليقين، والظن غير المعتبر بالشك، فيكون المقصود
من الروايات هو: عدم جواز نقض الحجة بغير



(1) كفاية الأصول: 404 - 405.
(1) أنظر: فوائد الأصول 4: 403، وأجود التقريرات 2:
387، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 105،
ومصباح الأصول 3: 99، وحقائق الأصول 2: 449.
432
الحجة، وهذا ينطبق على الأمارات، بل وحتى على
الأصول (1).
رابعا - جواب السيد الصدر:
والذي يستفاد من مجموع كلامه هو: أن
المأخوذ في موضوع الاستصحاب ليس هو اليقين
بالحالة السابقة والشك في الحالة اللاحقة، بل
المأخوذ فيه هو ثبوت الحالة السابقة، لأن المستفاد
من بعض الروايات كفاية ثبوت الشئ سابقا في
التعبد الظاهري ببقائه، فتكون الأمارة على الحدوث
منقحة لموضوع الاستصحاب (2).
المرحلة الثانية - الأصول:
والمستفاد من كلمات المحقق النائيني ومن
تأخر عنه هو: أن الأصول - بصورة عامة - يمكن أن
تكون على نحوين:
أولا - أن يكون دليل الأصل متكفلا للحكم
بالبقاء أيضا إضافة للحكم بالحدوث، وذلك
كالاستصحاب، وقاعدتي الحل والطهارة، ففي هذه
الصورة لسنا بحاجة إلى استصحاب مؤدى
الاستصحاب، أو قاعدتي الحل والطهارة في صورة
الشك في بقائه، لأن دليل الاستصحاب أو القاعدتين
يشمل صورة الشك الثانية أيضا، فإذا شككنا في
طهارة ثوب فأثبتنا طهارته بالاستصحاب أو
بقاعدة الطهارة، ثم شككنا في بقاء تلك الطهارة،
فلا حاجة إلى استصحابها، لأن دليل حجية
الاستصحاب الذي ألزمنا بإثبات الطهارة في صورة
الشك الأول، يلزمنا بها في صورة الشك الثاني
أيضا، وبعبارة أخرى: إن تأثير الاستصحاب
الأول موجود بعد من دون حاجة إلى استصحاب
مؤدى الاستصحاب الأول، لأن موضوعه: الشك
في بقاء المتيقن السابق، وهو موجود في كل لحظة
يحصل الشك في بقاء الطهارة الأولى.
ثانيا - ألا يكون دليل الأصل متكفلا للحكم
بالبقاء ثانيا - كقاعدتي الصحة والفراغ - فهنا يجري
الاستصحاب، فلو حكمنا بطهارة شئ متنجس
مغسول بالماء، استنادا إلى إحدى القاعدتين، ثم
شككنا في بقاء الطهارة لاحتمال عروض النجاسة،
فلا مانع من استصحاب الطهارة الثابتة
بالقاعدتين (1).
استصحاب الكلي:
المستصحب قد يكون جزئيا كالحدث
الصادر من شخص معين، وقد يكون كليا، ككلي



(1) الرسائل (للإمام الخميني) 1: 124.
(2) بحوث في علم الأصول 6: 221، 224 و 225.
(1) أنظر: أجود التقريرات 2: 387 - 388، وفوائد
الأصول 4: 404، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول):
112، لكنه لم يذكر القسم الثاني، ومصباح الأصول 3:
100 و 101، وانظر الرسائل (للإمام الخميني): 125،
فإن في كلامه إشارة إلى ذلك، وبحوث في علم الأصول
6: 230 - 235، ففيه تفصيل.
433
الحدث، فالأول لا إشكال في جريان الاستصحاب
فيه، وأما الثاني فقد وقع الكلام في بيان أقسامه
وحجية كل قسم منها. وفيما يلي نشير إلى ذلك
بصورة إجمالية:
لاستصحاب الكلي أقسام، أهمها ثلاثة:
القسم الأول:
ما إذا وجد الكلي ضمن فرد معين، ثم شك في
ارتفاعه، كما إذا وجد كلي الحدث ضمن خروج المني
من شخص معين، ثم شك في ارتفاع ذلك الحدث،
لاحتمال تطهره، فيجوز أن يستصحب كلي الحدث،
ويرتب عليه آثاره، كما يجوز أن يستصحب نفس
الفرد ويرتب عليه آثار الفرد، فالاستصحابان
جاريان (1)، فلا إشكال في حجية هذا القسم.
القسم الثاني:
ما إذا وجد الكلي ضمن فرد مردد بين
شخصين، علم ببقاء أحدهما - على تقدير وجوده -
وعلم بارتفاع الآخر - على فرض وجوده أيضا -
كما لو خرج من شخص بلل مردد بين البول والمني،
ثم توضأ، فإنه في هذا الحال يتيقن بحصول الحدث
الكلي ضمن هذا الفرد المردد - أي البلل المشتبه -
فإن كان بولا فقد ارتفع الحدث بالوضوء يقينا، وإن
كان منيا فهو باق قطعا أيضا، لأن حدثه حينئذ
حدث أكبر لا يرتفع بالوضوء، فعلى القول بجريان
استصحاب الكلي، يستصحب - هنا - كلي الحدث،
فتترتب عليه آثار كلي الحدث، مثل حرمة مس
المصحف الذي يترتب على الحدث الأكبر والحدث
الأصغر معا، لكن لا يترتب عليه آثار خصوص
الحدث الأكبر أو الأصغر، فلا يحرم عليه دخول
المسجد أو قراءة العزائم المترتبان على خصوص
الحدث الأكبر.
والمعروف حجية مثل هذا الاستصحاب
أيضا وإن أورد الشيخ الأنصاري عن المحقق القمي
بعض الإشكالات عليه، فإنها قد أجيب عنها.
ويترتب على هذا الاستصحاب وجوب
الجمع بين الطهارتين: الغسل والوضوء، ليستيقن
برفع الحدث.
القسم الثالث:
وهو ما إذا علم بوجود الكلي ضمن فرد
خاص، ثم علم بارتفاعه واحتمل وجود فرد آخر
له غيره، وهذا على نحوين:
الأول - أن يحتمل حدوث الفرد الثاني مع
حدوث الفرد الأول، أو في ظرف وجوده.
الثاني - أن يحتمل حدوثه مقارنا لارتفاع
الأول، وهذا على نحوين أيضا:
أ - أن يكون الفرد الحادث مباينا للفرد
المعدوم، كما لو علمنا بوجود كلي الإنسان ضمن

434
وجود زيد، ثم علمنا بخروجه وشككنا بمجئ
عمرو مقارنا لخروج زيد.
ب - أن يكون الحادث متبدلا من الفرد
الزائل، وهذا على صورتين أيضا:
1 - فتارة لا يعد الثاني من مراتب الأول عند
العرف - وإن عد منه عقلا - كالصفرة المتبدلة من
الحمرة.
2 - وتارة يعد من مراتبه عرفا، كالسواد
الضعيف الذي يعده العرف من مراتب السواد
الشديد.
والمعروف عدم حجية هذا القسم بجميع
فروعه إلا الأخير، حيث يرى العرف وحدة
ما تعلق به اليقين والشك، وهو السواد - مثلا - وإنما
الاختلاف في المرتبة، فإذا علمنا بوجود السواد
الشديد، ثم علمنا بارتفاعه وشككنا في أنه ارتفع
كليا أو بقيت منه مرتبة ضعيفة، فنجري استصحاب
بقاء السواد ونثبت بقاءه على نحو ضعيف، ويمكن
تطبيق ذلك على مثل الوجوب والاستحباب، فإذا
علمنا بوجوب شئ ثم علمنا بارتفاعه، لكن
شككنا هل ارتفع الوجوب كليا أو تبدل إلى
الاستحباب؟ فنستصحب كلي الطلب الذي كان
ضمن الوجوب فنثبت به الاستحباب.
وقد ألحق بعضهم هذا القسم باستصحاب
الفرد.
هذا وتفرد الشيخ الأنصاري في القول بحجية
القسم الأول من هذا القسم أيضا، بتصور انحفاظ
وحدة متعلق اليقين والشك، لأن الكلي وجد ضمن
الفرد المعلوم الوجود، والمفروض احتمال اقتران
ذلك الفرد بفرد آخر، فكأنما نحتمل بقاء الكلي ضمن
الفرد الآخر فنستصحبه.
ولكن أخذ عليه المتأخرون عنه بأن الكلي
الموجود ضمن الفرد المعلوم الزوال غير الكلي
الموجود ضمن الفرد المشكوك الحدوث، لأن الكلي
الطبيعي إنما يوجد ويتحصص بوجود أفراده، إذن
فما تعلق به اليقين هو الكلي الموجود والمتحصص
ضمن الفرد الزائل قطعا، وما تعلق به الشك هو
الكلي الموجود ضمن الفرد المشكوك الحدوث،
فيكون ما تعلق به اليقين غير ما تعلق به الشك،
فلذلك لم يتم أحد أركان الاستصحاب، ولهم بيانات
مختلفة في بيان الإشكال تنشأ من اختلاف آرائهم في
تفسير الكلي الطبيعي.
ويظهر من الإمام الخميني: أنه جعل الملاك
لصحة الاستصحاب في هذه الأقسام صدق البقاء
عرفا، ولا ضابطة له، نعم لا يبعد أن يكون الضابط
كيفية نظر العرف إلى المتيقن، فإن نظر إليه بما هو كلي
فيجري استصحاب الكلي بما هو كلي، وإن نظر إليه
بلحاظ خصوصياته الشخصية والفردية فلا يجري
فيه الاستصحاب.
وفي كلام السيد الصدر ما يشعر بذلك أيضا،
حيث استثنى من القسم الثالث - غير ما استثناه
الجميع، وهو ما لو اختلف المتيقن والمشكوك شدة
وضعفا، كما في اللون - ما إذا كان المستصحب حالة

435
وصفة للنوع، كما إذا افترضنا أن سواد بشرة
الإنسان الإفريقي كان من اقتضاءات نوع الإنسان
الإفريقي، وشك في بقاء ذلك في هذا الجيل منهم،
فإنه يمكن إجراء استصحاب سواد بشرة الإنسان
الإفريقي، لأن العرف حاكم ببقاء نوع الإنسان
الإفريقي رغم تبدل أفراده (1).
استصحاب الأمور التدريجية:
إن المستصحب تارة لم يكن تدريجيا كما في
استصحاب طهارة الثوب وعدالة زيد، ويسمى
بالأمور القارة، وتارة يكون تدريجيا، وهو على
ثلاثة أقسام:
1 - الزمان، مثل الليل، والنهار، ونحوهما.
2 - الزمانيات، مثل الحركة، والنبع،
والسيلان، والتكلم ونحوها.
3 - الأمور المقيدة بالزمان، مثل الإمساك في
النهار، والوقوف عند الزوال ونحو ذلك.
والكلام - هنا - يقع في الأقسام الثلاثة:
أولا - استصحاب الزمان:
إن استصحاب الزمان قد يكون بنحو مفاد
" كان " التامة، وقد يكون بنحو مفاد " كان "
الناقصة.
أ - استصحاب الزمان بنحو مفاد " كان "
التامة:
وذلك كما إذا علمنا بوجود الليل قبل ساعة،
ثم شككنا في ارتفاعه الآن فنستصحب بقاءه،
ونقول: كان الليل قبل ساعة، فالآن باق أيضا.
ولا إشكال في هذا الاستصحاب عدا ما
يتوهم من أن الزمان أمر متجدد ومنصرم، فلا بقاء
له كي يستصحب، وبعبارة أخرى: إن الجزء
المتيقن هو الجزء المتقدم من الليل الذي علمنا
بوجوده قبل ساعة، وهو الآن منعدم يقينا، والجزء
المشكوك من الزمان هو الذي نحن فيه، وهو غير
المتقدم، فيكون ما تعلق به اليقين غير ما تعلق به
الشك.
وهذا الإشكال مندفع بما قالوا: من أن الزمان
وإن كان متجددا ومتصرما إلا أن لمثل الليل والنهار
ونحوهما وحدة عرفية تشمل ما بين المبدأ والمنتهى
من تلك القطعة من الزمان وإن تكونت من آنات
وأجزاء مختلفة ومنصرمة، وهذه الوحدة كافية لما
نحتاجه في الاستصحاب من وحدة متعلق اليقين
والشك، فيكون ما تعلق به اليقين - في المثال



(1) أنظر في هذا الموضوع: فرائد الأصول 2: 638 - 641
(الأمر الأول)، وكفاية الأصول: 405 - 407، وفوائد
الأصول 4: 412 - 429، ونهاية الأفكار 4: 121 -
136، ونهاية الدراية 5: 136 - 153، ومصباح
الأصول 3: 101 - 116، وزاد في الأقسام الثلاثة
الرئيسية قسما رابعا، وحقائق الأصول 2: 449 -
456، والرسائل (للإمام الخميني) 1: 125 - 135،
وبحوث في علم الأصول 6: 239 - 268، ومنتهى
الدراية 7: 334 - 370، وأصول الفقه 2: 279 - 284،
والأصول العامة للفقه المقارن: 468.
436
السابق - هو الليل، وما تعلق به الشك هو الليل
أيضا.
وإذا استصحبنا الليل، فيترتب عليه الأثر
الشرعي لو كان.
ب - استصحاب الزمان بنحو مفاد " كان "
الناقصة:
كما إذا علمنا بأن الآنات السابقة كانت متصفة
بالليلية أو النهارية، والآن نشك في بقاء هذا
الاتصاف بالنسبة إلى الآن الذي نحن فيه، فنقول:
كان الزمان قبل ساعة نهارا والآن نشك في بقائه
متصفا بالنهارية فنستصحب هذا الاتصاف ونقول:
هذا الآن نهار.
والمعروف عدم جريان هذا الاستصحاب،
لأن اتصاف هذا الآن بالنهارية لم يكن له حالة
سابقة، وإنما المتصف بالنهارية هو الآنات
المتصرمة، وأما استصحاب النهار وإثبات كون هذا
الآن من النهار من الأصل المثبت الذي لم يلتزم
بحجيته، نظير استصحاب بقاء الكر لإثبات كرية
هذا الماء.
لكن ذهب المحقق العراقي إلى جريانه فيه
بنفس النكتة التي التزموا بها في جريان
الاستصحاب في نفس الزمان، وهي أن مجموع
الآنات السابقة واللاحقة تكون وحدة زمنية متصلة
وممتدة بحسب النظرة العرفية، وهذا يعني أن هذا
الآن متصل عرفا بما قبله من الآنات، ولما كانت
الآنات السابقة متصفة بالنهارية فنستصحب هذا
الاتصاف لهذا الآن، فيتم كونه نهارا (1).
واختار هذا الرأي كل من الإمام الخميني (2)
والسيد الصدر (3) أيضا.
ثانيا - استصحاب الزمانيات:
وهي الأمور المتدرجة ذاتا كالزمان، مثل:
الحركة، والتكلم، والسيلان، والنبع وما شابهها. فلو
علمنا بنبع الماء قبل ساعة ثم شككنا في استمرار
نبعه، فهل يجري استصحاب النبع لإثبات نبعه
فعلا؟ وكذا في سيلان دم الحيض ونحوه؟
المعروف أنه يجري، وأما شبهة الانصرام
وعدم الوحدة في متعلق اليقين والشك فمندفعة بما
اندفعت به في نفس الزمان.
وللمحقق النائيني تفصيل، حاصله: أنه منع
من جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في
الزماني لأجل احتمال قيام مبدأ آخر مقام المبدأ
الأول بعد العلم بارتفاعه، كما إذا شك في بقاء
جريان الماء من جهة احتمال وجود منبع آخر له مع
العلم بارتفاع المنبع الأول، ووجه المنع هو: أن هذا
يرجع إلى القسم الثاني من القسم الثالث من
استصحاب الكلي الذي قد تقدم عدم جريان
الاستصحاب فيه (4).



(1) نهاية الأفكار 4: 148 - 149.
(2) الرسائل (للإمام الخميني) 1: 153 - 154.
(3) بحوث في علم الأصول 6: 272.
(4) فوائد الأصول 4: 439.
437
وفصل المحقق العراقي في هذا التفصيل أيضا،
وقال ما حاصله: إن المستصحب إذا تغير عرفا مع
تبدل المبدأ بحيث لم تحفظ الوحدة العرفية بين المتيقن
والمشكوك، فلا يجري الاستصحاب، مثل تغيير
التكلم بسبب تغير الداعي من قراءة القرآن إلى
الدعاء، فلو علمنا بتكلم زيد ضمن قراءة القرآن،
ثم شككنا في بقائه على التكلم بعد العلم بارتفاع
التكلم القرآني، وكان منشأ الشك احتمال وجود داع
آخر غير الداعي الأول - كداعي الدعاء مثلا -
فلا يصح استصحاب تكلمه، لأن التكلم القرآني
وبداعي قراءة القرآن، غير التكلم الدعائي وبداعي
الدعاء.
نعم، لو لم يكن كذلك جرى فيه
الاستصحاب، ولا يبعد أن يكون جريان الماء مع
احتمال تبدل منبع جريانه من هذا القبيل (1).
ثالثا - استصحاب الأمور المقيدة بالزمان:
وذلك كما إذا وجب الإمساك، أو الجلوس،
أو الوقوف في زمان معين، وبعد ذلك شككنا في بقاء
الوجوب، فهل يجري استصحاب الوجوب أو لا؟
أطلق الشيخ الأنصاري عدم الجريان (2)، لأن
المقيد بالزمان لا يعقل فيه البقاء، وربما يظهر من
ذيل كلامه - كما نسب إليه أيضا (3) - أن الزمان إن
كان ظرفا جرى فيه الاستصحاب، وإن كان قيدا
فلا يجري.
وفصل المحقق الخراساني في ذلك، وحاصله:
أن منشأ الشك في بقاء الحكم المقيد متعلقه
بزمان خاص يتصور على وجهين:
الأول - أن يكون الشك ناشئا من الشك في
بقاء القيد - أي نفس الزمان - كما إذا شك في بقاء
النهار وكان وجوب الإمساك مقيدا به، سواء كان
الشك في بقاء القيد على نحو الشبهة الموضوعية كما إذا
علمنا بانتهاء النهار باستتار القرص مثلا، وشككنا
في تحقق الاستتار وعدمه، أو على نحو الشبهة
الحكمية، كما إذا لم نعلم أن انتهاء النهار هو استتار
القرص، أو ذهاب الحمرة المشرقية؟
الثاني - أن يكون الشك ناشئا من أحد
أمرين:
1 - من احتمال كون قيد الزمان (1) على نحو
وحدة المطلوب، مع احتمال وجود ملاك ملزم لبقاء
الحكم في الزمان اللاحق، كما إذا وجب الجلوس في
المسجد نهارا، بحيث كان المطلوب هو الجلوس
النهاري، لكن احتملنا وجود ملاك وجوب
الجلوس في الليل أيضا.
2 - من احتمال كون القيد على نحو تعدد
المطلوب، بحيث يكون الجلوس في المسجد في حد



(1) نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 151 - 152.
(2) فرائد الأصول 2: 646، وانظر 648.
(3) أنظر مصباح الأصول 3: 131.
(1) التعبير بالقيد - هنا - فيه نوع تسامح، لأنه سوف يأتي
أن الزمان المأخوذ تارة يكون قيدا وتارة ظرفا.
438
ذاته مطلوبا، وإيقاعه نهارا مطلوبا آخر، فلا يمنع
من احتمال كون الجلوس مطلوبا في الليل.
كان هذا مجموع ما استفيد من كلامه لمنشئية
الشك في بقاء الحكم، وقد التزم بجريان
الاستصحاب إذا كان منشأ الشك هو الوجه الأول
- وإن كان في شمول كلامه للشبهة الحكمية غموض -
فيجوز استصحاب نفس القيد، وهو النهار، فيترتب
عليه وجوب الامساك، كما يجوز استصحاب المقيد،
وهو الامساك، فيقال: إن الإمساك كان قبل هذا
الآن في النهار، والآن نشك في ذلك، فنستصحب
كونه واقعا في النهار، فيجب.
وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني، فقد التزم
بجريان الاستصحاب في قسميه إذا كان الزمان
ظرفا، وأما إذا كان قيدا، فقد التزم بجريان
الاستصحاب في القسم الثاني منه فقط، وهو ما إذا
كان القيد والمقيد مطلوبين فيه على نحو تعدد
المطلوب، أما القسم الأول، وهو ما إذا كانا مطلوبين
فيه على نحو وحدة المطلوب، فلم يلتزم بجريان
الاستصحاب فيه (1).
والوجه في هذه التفصيلات ملاحظة اعتبار
وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بحسب العرف،
فإنه لا يرى وحدة بينهما إذا كان الزمان مأخوذا
على وجه القيدية، لأنه يصير ما هو مقيد بالزمان
الخاص غير ما هو في زمان آخر، وكأنه يكون من
قبيل إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر،
بخلاف ما إذا كان ظرفا، فإنه لا يوجب تعدد ما أخذ
فيه.
أما المحقق النائيني فقد صرح - كما في فوائد
الأصول (1) - بالفرق بين أن يكون الزمان مأخوذا
على نحو القيدية أو على الظرفية، فقال بعدم جريان
الاستصحاب على النحو الأول دون الثاني، كما قال
به صاحب الكفاية، لكن اختار في أجود التقريرات
- ونسب إليه في مصباح الأصول - القول بعدم
الجريان مطلقا سواء كان القيد مأخوذا على نحو
القيدية أو الظرفية. أما الأول فلما تقدم في كلام
المحقق الخراساني من استلزام أخذ الزمان قيدا تبدل
الموضوع مع ارتفاع القيد، وأما الثاني فلأن مبنى
النائيني عدم جريان الاستصحاب في صورة الشك
في المقتضي - الذي فسره بمقدار استعداد وجود
الشئ في الزمان من دون عروض مانع عن ذلك -
والشك في الزمان من هذا القبيل، فلا يجري فيه
الاستصحاب (2).
ووافقه السيد الخوئي في عدم الجريان، لكن
خالفه في التعليل، لأنه يرى أنه لا معنى لأخذ
الزمان - في لسان الدليل - بمعنى الظرفية، إذ الفعل
على أي تقدير يحصل في ظرف الزمان، فعليه متى ما



(1) كفاية الأصول: 409 - 410.
(1) فوائد الأصول 4: 242.
(2) أجود التقريرات 2: 403 - 404، ومصباح الأصول
3: 131.
439
أخذ الزمان في لسان الدليل فهو مأخوذ على نحو
القيدية، وقد تقدم أنه لا يجري الاستصحاب مع
أخذ الزمان قيدا.
نعم استثنى من ذلك ما لو احتملنا كون القيد
والمقيد مطلوبين على نحو تعدد المطلوب، فالتزم
بجريان الاستصحاب فيه كالمحقق الخراساني (1).
وعكس السيد الحكيم، فقال بجريان الاستصحاب
وإن كان الزمان قيدا، لأنه لا فرق بين قيد الزمان
وسائر القيود في عدم انثلام الوحدة العرفية بين
القضيتين المتيقنة والمشكوكة بانعدامه (2).
وأما المحقق العراقي فله تفصيلات وتشقيقات
عديدة، والحاصل من بعضها: أن الاستصحاب
يجري سواء كان الزمان قيدا أو ظرفا، ثم دفع شبهة
كون الاستصحاب من القسم الثاني من القسم
الثالث من الاستصحاب الكلي الذي قالوا بعدم
جريان الاستصحاب فيه (3).
وللسيد الصدر تشقيقات عديدة يطول
التعرض لها (4).
وأما الإمام الخميني فقد نفى أن يكون هذا
المورد من صميم البحث، ومناط الإشكال فيه ليس
هو مناط الاشكال في الزمان والزمانيات حتى
يقال: إن الزمان إذا أخذ قيدا لا يجري فيه
الاستصحاب بعد ارتفاعه، وإذا أخذ ظرفا يجري،
" لأن ذلك خروج عن محط البحث ومورد النقض
والإبرام " (1).
الاستصحاب التعليقي:
نرى من الضروري أن نمهد مقدمة لتوضيح
هذا القسم من الاستصحاب الذي صار ميدانا
لتضارب الآراء، فنقول:
إن الشك تارة يكون في بقاء موضوع الحكم
الشرعي، مثل بقاء زيد نفسه الذي يكون موضوعا
لأحكام كثيرة، وتارة في الحكم الشرعي نفسه،
وهذا يتصور على وجهين:
1 - الشك في بقاء الحكم الجزئي، مثل طهارة
زيد، وطهارة هذا الماء، ونحو ذلك.
2 - الشك في بقاء الحكم الكلي، وهو يتصور
على أنحاء ثلاثة:
أ - الشك في بقاء الحكم الكلي من جهة احتمال
نسخه، كالشك في بقاء حلية لحم الإبل من جهة
احتمال نسخها.
ب - الشك في بقائه من جهة تغير بعض
حالات موضوع الحكم، كالشك في بقاء حرمة وطء
الحائض عند انقطاع دمها لاحتمال أن يكون موضوع
حرمة الوطء ء هو المرأة حال رؤيتها الدم، واحتمال



(1) مصباح الأصول 3: 131 - 134.
(2) حقائق الأصول: 464.
(3) نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 153 - 155.
(4) بحوث في علم الأصول 6: 273 - 279.
(1) الرسائل (للإمام الخميني): 156.
440
أن يكون الموضوع: المرأة المحدثة بحدث الحيض.
فعلى الأول تختص الحرمة بحال رؤية الدم، فيحل
وطؤها عند انقطاعه ولو قبل الغسل، وعلى الثاني
لا يحل إلا بعد الغسل.
ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذه
الأقسام، عدا استصحاب بقاء الحكم وعدم نسخه،
فإن لبعضهم فيه كلاما.
ج - الشك في بقاء الحكم الكلي من جهة كون
موضوعه مركبا من جزأين تحقق منهما جزء واحد
ثم تغيرت بعض حالات هذا الجزء قبل تحقق الجزء
الثاني منهما، كالمثال المعروف: " العصير العنبي إذا
غلى يحرم " فالحكم هو الحرمة، والموضوع مركب
من جزأين وهما: العصير العنبي، والغليان. فإذا
تبدل العنب وصار زبيبا قبل الغليان، يأتي دور
الاستصحاب التعليقي، فيقال: الزبيب حينما كان
عنبا كان يحرم عصيره على تقدير الغليان، والآن
- بعد أن صار زبيبا - نشك هل يحرم على تقدير
الغليان أيضا؟ فنستصحب الحرمة التقديرية (1).
الأقوال في المسألة:
يبدو أن هذا الموضوع أثير من قبل العلامة
السيد مهدي الطباطبائي (2)، حيث حاول إثبات
حرمة عصير الزبيب إذا غلى بالاستصحاب، ورده
الطباطبائيان صاحب الرياض (1) وولده صاحب
المناهل (2).
وجاء دور الشيخ الأنصاري (3) ليشيد أركان
هذا الاستصحاب ويثبت إمكان جريانه، فتبعه
المحقق الخراساني (4) والمحقق العراقي (5) وغيرهما،
فصار المشهور من بعد الشيخ جريانه، لكن لما جاء
دور المحقق النائيني (6) حاول إثبات عدم جريانه،
وتبعه السيد الخوئي (7)، وقيل: إنه صار مشهورا بعد
النائيني (8).
وهناك تفصيلان:
الأول: ما نسبه السيد الصدر إلى السيد
اليزدي والسيد الحكيم من أن القيد إذا كان راجعا
إلى الموضوع، كما في: " العنب المغلي يحرم "
فلا يجري الاستصحاب، وأما إذا كان راجعا إلى
الحكم فيجري، كما في " العنب إذا غلى يحرم " (9).



(1) أنظر: منتهى الدراية 7: 446 - 447، وبحوث في علم
الأصول 6: 280، ومصباح الأصول 3: 136 - 137.
(2) نقله عنه الشيخ الأنصاري، أنظر فرائد الأصول 2:
653.
(1) نقله عنه الشيخ الأنصاري، أنظر فرائد الأصول 2: 653.
(2) نقله عنه الشيخ الأنصاري، أنظر فرائد الأصول 2: 653.
(3) فرائد الأصول 2: 653.
(4) كفاية الأصول: 411.
(5) نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 162.
(6) فوائد الأصول 4: 458 و 466، وأجود التقريرات
2: 412.
(7) مصباح الأصول 3: 137 - 138.
(8) بحوث في علم الأصول 6: 281.
(9) بحوث في علم الأصول 6: 281 - 282، وانظر حقائق
الأصول 2: 468، والمستمسك 1: 415.
441
الثاني: ما ذهب إليه السيد الصدر نفسه
وهو: التفصيل بين ما إذا كانت قيود الموضوع
مأخوذة في عرض واحد، وبين ما إذا كان بعضها
مأخوذا في موضوع البعض الآخر، فلا يجري
الاستصحاب في الأول ويجري في الثاني.
مثال الأول، ما إذا قيل: " العنب إذا غلى
حرم "، أو قيل: " العنب يحرم المغلي منه ".
ومثال الثاني، ما إذا قيل: " العنب المغلي
حرام " (1).
حجة القائلين بجريان الاستصحاب:
استدل الشيخ الأنصاري على صحة
الاستصحاب بدليلين:
الأول - أن المعتبر في الاستصحاب هو تحقق
المستصحب سابقا، والشك في ارتفاع ذلك المحقق،
ومن المعلوم أن تحقق كل شئ بحسبه. فإذا قيل:
" العنب يحرم ماؤه إذا غلى "، فهناك لازم، وملزوم،
وملازمة، أما الملازمة، وهي سببية الغليان لتحريم
ماء العصير، فهي متحققة بالفعل وليس فيها أي
تعليق. وأما اللازم وهي الحرمة، فله وجود مقيد
بكونه على تقدير الملزوم وهذا الوجود التقديري
أمر متحقق في نفسه أيضا. وحينئذ فإذا شككنا في
أن وصف العنبية له دخل في تأثير الغليان في حرمة
ماء العنب بحيث لا يكون للغليان أثر في التحريم بعد
جفاف العنب وصيرورته زبيبا، فنستصحب الحرمة
على تقدير الغليان، فيثبت أن الزبيب يحرم ماؤه إذا
غلى (1).
الثاني - تقدم أن سببية الغليان لحرمة ماء
العنب أمر متحقق بالفعل وليس تقديريا، فإذا
شككنا في بقاء هذه السببية بعد صيرورة العنب زبيبا
نستصحب بقاءها، فتثبت سببية الغليان لحرمة ماء
الزبيب أيضا (2).
لكن من المعلوم أن هذا الاستصحاب
استصحاب تنجيزي وليس من الاستصحاب
التعليقي، مضافا إلى أن السببية أمر عقلي غير قابل
للجعل على بعض الآراء، فلم يكن قابلا للتعبد به
شرعا حينئذ، فمع ذلك كيف يجري فيه
الاستصحاب؟
حجة القائلين بعدم الجريان:
وهي ما أورده منكرو حجية هذا
الاستصحاب على القول بحجيته، وأهمها هي:
أولا - إن القضية الشرطية " العصير العنبي إذا
غلى يحرم " لها ثبوتان حقيقيان تشريعا، وهما:
1 - الثبوت في مرحلة الجعل والتشريع، أي
حينما يصدر الشارع هذا الحكم ويصير قانونا كليا.
وهذا الثبوت مستمر لا نشك في ارتفاعه
إلا إذا شككنا في نسخه، وهو غير منظور فيما نحن
فيه.
2 - الثبوت في مرحلة المجعول، أي: التحقق



(1) بحوث في علم الأصول 6: 288.
(1) أنظر فرائد الأصول 2: 654.
(2) أنظر فرائد الأصول 2: 654.
442
الخارجي، بأن يكون هناك عصير عنبي واقعا
وخارجا ثم يغلي، فإذا لم يتحقق أحد القيود لم يصر
الحكم فعليا.
وهذا الثبوت لم يتحقق بعد - حسب الفرض -
لأن البحث في استصحاب الحرمة للعنب الجاف على
فرض غليانه.
والشك في الشئ فرع تحققه، فإذا لم يثبت
تحققه لا معنى للشك فيه.
إذن هذه القضية " العصير العنبي إذا غلى
يحرم " لا نشك في بقائها من حيث أصل الجعل
والتشريع، ولم نتيقن بحدوثها وتحققها خارجا حتى
نشك في بقائها، فأين الحكم الشرعي المتيقن سابقا،
والمشكوك لاحقا، حتى يستصحب؟
وأما الحرمة على فرض الغليان فهي أمر عقلي
منتزع من جعل الحرمة على موضوعها المقدر
الوجود، وهو غير قابل للاستصحاب والتعبد.
وهذا الإشكال تبنته مدرسة المحقق
النائيني (1).
وقد ناقش ذلك بعضهم، منهم المحقق
العراقي (2).
ثانيا - إذا ترتب الحكم على موضوع مركب
من جزأين ووجد أحد جزأيه، فالعقل يحكم بأنه
لو وجد جزؤه الآخر لترتب الحكم، وهذا مع كونه
حكما عقليا، فهو معلوم البقاء في كل مركب وجد
أحد أجزائه فلا معنى لاستصحابه (1).
ونوقش ذلك من قبل بعضهم أيضا (2).
ثالثا - في نفس الوقت الذي نجري فيه
استصحاب الحرمة المعلقة، نجري استصحاب الحلية
الفعلية المنجزة، لأننا نعلم بحلية العنب قبل جفافه
وغليانه، فنشك في بقائها بعد الجفاف والغليان
فنستصحب الحلية، وهذه الحلية مطلقة غير معلقة
على شئ، فتقع المعارضة بين الاستصحابين
ويتساقطان ثم يرجع في المورد إلى أصالة الحلية.
لكن أجاب الشيخ الأنصاري عن ذلك بأن
استصحاب الحرمة المعلقة حاكم على استصحاب
الحلية، لأنه بعد جريان الأول يرتفع الشك تعبدا ولم
يبق مجال للثاني حتى تقع المعارضة، وتبعه المحقق
النائيني (3) والإمام الخميني (4).
ولصاحب الكفاية بيان آخر، مفاده: أنه كما
لا معارضة بين قولنا: " العصير العنبي حلال حتى
يغلي " بأن يجعل الغليان غاية للحلية، وبين قولنا:
" العصير العنبي إذا غلى يحرم " بأن تعلق الحرمة على



(1) أنظر: أجود التقريرات 2: 412، وفوائد الأصول 4:
466، والتنقيح 2: 124، ومصباح الأصول 3: 136 -
137.
(2) نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 166 - 167.
(1) أنظر المصادر المتقدمة في الهامشين رقم (1) و (2) في العمود السابق.
(2) أنظر المصادر المتقدمة في الهامشين رقم (1) و (2) في العمود السابق.
(3) فوائد الأصول 4: 473.
(4) الرسائل (للإمام الخميني): 167.
443
الغليان، كذلك لا معارضة بين استصحابيهما
فنستصحب الحلية المغياة بالغليان، والحرمة المعلقة
على الغليان.
إذن لا يعارض استصحاب الحلية استصحاب
الحرمة التعليقية عند فرض العنب زبيبا (1).
وتبعه السيد الخوئي، لكن له بيان آخر
خلاصته: أنا نشك في حدوث حلية أخرى للزبيب
غير الحلية الثابتة للعنب قبل الغليان والأصل عدم
حدوثها - فتكون حلية الزبيب مثل حلية العنب -
وهي مغياة بالغليان، وهي لا تنافي الحرمة المعلقة
على الغليان (2).
وللسيد الصدر بيان آخر، حاصله: أنه لو
جرى استصحاب الحرمة التعليقية فلا يجري
استصحاب الحلية التنجيزية، لعدم تمامية أركانه
بحسب النظر العرفي (3).
ملاحظة (1):
ناقش المحقق النائيني في المثال الذي ذكروه
للاستصحاب التعليقي، وتبعه السيد الخوئي، والسيد
الصدر، وحاصل المناقشة:
أن الوارد على لسان الدليل: أن العصير
العنبي إذا غلى يحرم، والعصير ما يعصر ويتخذ من
الشئ، فالعصير العنبي ما يعصر من العنب،
والزبيب ليس فيه ما يعصر منه، وأما لو نقع في الماء
ثم عصر، فالخارج ماء خارجي لا عصير العنب،
فلم يبق موضوع الحرمة بعد الجفاف.
نعم لو كان موضوع الحرمة العنب نفسه،
فكان للاستصحاب مجال، حيث نقول: إن الزبيب
هو العنب نفسه لكن تغيرت بعض حالاته وأنه صار
جافا، لكن ليس كذلك (1).
ملاحظة (2):
للأصوليين كلام في جريان الاستصحاب في
الموضوعات لم نتعرض له مخافة التطويل.
استصحاب أحكام الشرائع السابقة:
وردت عناوين ثلاثة على ألسنة الأصوليين،
وهي:
1 - عنوان " استصحاب أحكام الشرائع
السابقة "، يعني: إذا شككنا في بقاء حكم من أحكام
إحدى الشرائع السابقة، فهل يجوز استصحاب بقائه
إلى زماننا هذا أو لا؟
2 - عنوان " شرع من كان قبلنا " ويقصدون
به: أنه هل يجب التعبد بأحكام الشرائع السابقة إذا
لم يعلم نسخها؟
وهذا العنوان ذكره الأصوليون من أهل



(1) كفاية الأصول: 412، وانظر: بحوث في علم الأصول
6: 290، ومنتهى الدراية 7: 462.
(2) مصباح الأصول 3: 142.
(3) بحوث في علم الأصول 6: 292.
(1) فوائد الأصول 4: 472، ومصباح الأصول 3: 136،
وبحوث في علم الأصول 6: 293.
444
السنة، وقل من تعرض له من الشيعة، وهو متحد
من حيث المفاد والمحتوى مع العنوان الأول (1).
3 - عنوان " استصحاب عدم النسخ "
والمقصود منه: استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت
عند الشك في نسخه. وهذا المعنى أعم من المعنيين
السابقين، لأنه يجري هذا الاستصحاب بالنسبة إلى
أحكام شريعتنا وأحكام الشرائع السابقة،
ولا يختص بالشرائع السابقة، فلذلك لو شككنا في
نسخ حكم من أحكام شريعتنا يأتي دور
استصحاب عدم النسخ أيضا.
هذا وقد دمج كثير من الأصوليين بين
الموردين، لكن فصل بعضهم بينهما، كالسيد
الصدر (2) ونحن نفصل بينهما أيضا.
أولا - استصحاب أحكام الشرائع السابقة:
ومفاده - كما تقدم -: أن نستصحب بقاء
حكم الشريعة السابقة عند الشك في نسخه.
وقد أوردت عدة إشكالات ومناقشات على
هذا الاستصحاب نشير إلى أهمها:
1 - إن لنا علما إجماليا بنسخ بعض أحكام
الشرائع السابقة، فإذا جاز استصحاب بقاء الحكم
وعدم نسخه في كل حكم، لاستلزم المخالفة القطعية
للعلم الإجمالي المتقدم.
وأجيب عن الإشكال: بأن العلم الإجمالي
منحل بما قام الدليل على نسخه، فإن جملة من
الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة قد نسخت
في هذه الشريعة قطعا، فهذا المقدار المعلوم يسبب
انحلال العلم الإجمالي، وعندئذ يجوز التمسك في
الموارد المشكوك نسخها باستصحاب بقائها (1).
ولتوضيح ذلك راجع عنوان: " احتياط ".
2 - يشترط في صحة الاستصحاب بقاء
الموضوع - كما تقدم - والموضوع لأحكام الشريعة
السابقة هم المكلفون آنذاك، وأما الموضوع في هذه
الشريعة، فهم المكلفون الآن، فلم يتحد الموضوع.
نقل الشيخ الأنصاري هذا الإشكال من
الفاضل النراقي، ثم أجاب عنه بجوابين:
أ - إننا نفرض شخصا مدركا للشريعتين،
فيكون الموضوع متحدا، وعندئذ نتساءل ما المانع
من جريان الاستصحاب في حق هذا الشخص؟
لكن لم يرتض غير الشيخ هذا الجواب، لعدم
كونه حاسما للإشكال.
ب - إن الأحكام الشرعية تبين عادة بشكل
قضايا حقيقية، لا خارجية، والقضايا الحقيقية
لا تتوقف على وجود موضوعاتها، بل يفرض
الموضوع فيها موجودا، ثم يرتب الحكم على



(1) أنظر الأصول العامة للفقه المقارن: 429 - 435.
(2) أنظر بحوث في علم الأصول 6: 294 - 300.
(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 656، وكفاية الأصول:
413، وفوائد الأصول 4: 478، وأجود التقريرات 2:
414، ونهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 174 و 176،
وبحوث في علم الأصول 6: 298.
445
الموضوع المفروض الوجود، فلذلك لا يؤثر عدم
وجود المكلفين في هذه الشريعة عند صدور
الأحكام في تلك الشريعة، كما هو كذلك بالنسبة إلى
أفراد هذه الشريعة المعدومين عند صدور الأحكام
في زمان تشريعها (1).
ولكل من المحقق النائيني والسيد الخوئي
إشكال على هذا الجواب.
أما إشكال السيد الخوئي فحاصله: أن النسخ
هو: بيان لأمد الحكم، والشك في النسخ معناه الشك
في سعة الحكم المجعول وشموله للمعدومين، أو ضيقه
واختصاصه بالموجودين، فيكون الشك بالنسبة إلى
من لم يدرك الشريعة السابقة شكا في أصل التكليف
وثبوته لا في بقائه كي يستصحب.
وأما بيان الأحكام بصورة القضايا الحقيقية،
فهو أمر صحيح، لكن يتم بالنسبة إلى من شملهم
التكليف، وهم المدركون للشريعة السابقة، فلا يرفع
الإشكال (2).
وأما إشكال المحقق النائيني فحاصله:
أن الشريعة اللاحقة إما أن تنسخ جميع
أحكام الشريعة السابقة أو بعضها؟
فعلى الأول، لا مورد للاستصحاب، لأنا
لا نشك في بقاء شئ منها حتى نستصحبه، نعم إذا
رأينا حكما يشبه حكم الشريعة السابقة، مثل إباحة
الماء، فهو من جهة جعل حكم - في هذه الشريعة -
مماثل للحكم المجعول في الشريعة السابقة.
وأما على الثاني، فإن بقاء حكم الشريعة
السابقة وإن كان محتملا إلا أنه يحتاج إلى إمضاء
جديد من هذه الشريعة، ولا أثر لمجرد استصحاب
حكم الشريعة السابقة، وأما استصحابه لإثبات
كونه مما أمضاه الشارع فهو من الأصل المثبت،
وليس بحجة (1).
ووافقه على هذا الإشكال السيد الخوئي
أيضا (2).
3 - وذكر الإمام الخميني إشكالا آخر على
جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة، حاصله:
أننا نحتمل أن يكون المأخوذ في موضوع الحكم
الثابت في الشرائع السابقة عنوان على نحو القضية
الحقيقية لا ينطبق ذلك العنوان على الموجودين
فعلا، كعنوان: " اليهود " و " النصارى " كما في قوله
تعالى: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن
البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما...) * (3)، ومع
احتمال تعدد الموضوع كيف يجري الاستصحاب؟ (4)



(1) أنظر: فرائد الأصول 2: 655، كفاية الأصول: 413،
نهاية الأفكار 4 (القسم الأول): 174 - 176، فوائد
الأصول 4: 478 - 479، مصباح الأصول 3: 146 -
147.
(2) مصباح الأصول 3: 148.
(1) فوائد الأصول 4: 480، أجود التقريرات 2: 415.
(2) مصباح الأصول 3: 149، وانظر بحوث في علم
الأصول 6: 299.
(3) الأنعام: 147.
(4) الرسائل (للإمام الخميني): 175 - 176.
446
ثانيا - استصحاب أحكام هذه الشريعة:
المعروف جريان هذا الاستصحاب، وقد قال
بجريانه حتى الأمين الاسترآبادي الذي أنكر جريان
الاستصحاب (1).
ويرد عليه إشكال تعدد الموضوع، من جهة
أن المخاطبين بالتكليف هم الذين كانوا موجودين
عند التشريع، والذين يتمسكون بالاستصحاب لم
يكونوا موجودين.
والجواب نفس الجواب، وهو: أن الأحكام
تصدر على نحو القضايا الحقيقية.
وهنا لم يرد إشكال المحقق النائيني، لأن
الأحكام أحكام شريعة واحدة لا شريعتين حتى
تحتاج إلى إمضاء. ولم يرد إشكال الإمام الخميني،
لعدم وجود عنوان مغاير للعنوان المنطبق على
الموجودين فعلا، لأنهم متحدون في كونهم
مسلمين.
نعم، يرد إشكال السيد الخوئي، ولذلك قال
بعد ذكر الإشكال المتقدم الذي أورده على
استصحاب عدم نسخ أحكام الشريعة السابقة:
" فالتحقيق: أن هذا الإشكال لا دافع له،
وأن استصحاب عدم النسخ مما لا أساس له، فإن
كان لدليل الحكم عموم أو إطلاق يستفاد منه
استمرار الحكم فهو المتبع، وإلا فإن دل دليل من
الخارج على استمرار الحكم، كقوله (عليه السلام): " حلال
محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم
القيامة " فيؤخذ به، وإلا فلا يمكن إثبات الاستمرار
باستصحاب عدم النسخ " (1).
ولا بد لمن أراد التمسك باستصحاب عدم
النسخ من دفع هذا الإشكال.
استصلاح
لغة:
قيل: هو من استصلح الشئ، أي: عده
صالحا (2)، وقيل: هو طلب الأصلح (3)، وقيل: هو
طلب المصلحة، لأن السين والتاء للطلب (4).
لكن الأنسب أن يقال: هو طلب الصلاح،
لأن السين والتاء إنما تدلان على طلب ما دخلا
عليه، وهو " الصلاح " هنا.
اصطلاحا:
لما كان الأصل في هذا المصطلح هم العامة،
فنحن ننقل كلامهم في هذا الموضوع:



(1) الفوائد المدنية: 141 - 143.
(1) مصباح الأصول 3: 149، وانظر الرواية في أصول
الكافي 1: 58، باب البدع والرأي، الحديث 19.
(2) المعجم الوسيط: " صلح ".
(3) معجم لغة الفقهاء: " استصلاح ".
(4) الموسوعة الفقهية (المصرية) 7: 68 " استصلاح ".
447
قالوا: إن الاستصلاح هو: " العمل بمقتضى
المصالح المرسلة إذا لم يصادم نصا " (1)، أو هو: " بناء
الحكم على المصلحة المرسلة " (2).
واختلفوا في تعريف " المصلحة المرسلة ":
1 - فقيل: " إنها ما لا تستند إلى أصل كلي
ولا جزئي " (3).
2 - وقيل: " إنها كل منفعة داخلة في مقاصد
الشرع دون أن يكون لها شاهد بالاعتبار أو
الإلغاء " (4).
3 - وقيل: " إنها المصلحة التي لا نص على
اعتبارها، ولا على منعها من الشارع " (5).
وقريب من هذا المعنى تفسير المحقق الحلي
والمحقق القمي - من فقهائنا - للمصلحة المرسلة (6)،
فإنهما قسما المصلحة إلى معتبرة، وملغاة، ومرسلة،
فالمرسلة هي التي لم يعتبرها الشارع ولم يلغها.
هذا، وقد وهم بعضهم (7) فحسب أن
الاستصلاح والمصالح المرسلة كالمترادفين، وهو
خطأ كما يظهر مما تقدم (1).
مراتب المصلحة:
ذكر الأصوليون من العامة - تمهيدا لما يجري
فيه الاستصلاح - أنواع المصلحة فحصروها في
ثلاثة، وهي:
أولا - الضروري:
وهو المتضمن لحفظ مقصود من المقاصد
الخمسة التي لم تختلف فيها الشرائع، بل هي مطبقة
على حفظها، وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل،
والمال، والعقل (2).
قال الغزالي: " وهذه الأصول الخمسة حفظها
واقع في رتبة الضروريات، فهي أقوى المراتب في
المصالح، ومثاله: قضاء الشرع بقتل الكافر المضل،
وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، فإن هذا يفوت
على الخلق دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص، إذ به
حفظ النفوس، وإيجاب حد الشرب، إذ به حفظ
العقول التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حد الزنا،
إذ به حفظ النسل والأنساب، وإيجاب زجر
الغصاب والسراق، إذ به يحصل حفظ الأموال
التي هي معاش الخلق وهم مضطرون إليها ". ثم
قال:



(1) معجم لغة الفقهاء: " استصلاح ".
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 382.
(3) إرشاد الفحول: 358، نقلا عن ابن برهان.
(4) الاجتهاد (للسيد محمد بحر العلوم): 105، نقلا عن
ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: 330.
(5) معجم لغة الفقهاء: " استصلاح ".
(6) أنظر: معارج الأصول: 221، والقوانين (طبعة
1287): 298.
(7) أنظر الموسوعة الفقهية (المصرية) 7: 68.
(1) أنظر الأصول العامة للفقه المقارن: 382.
(2) إرشاد الفحول: 320، وانظر أصول الفقه
(للخضري): 300.
448
" وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة
والزجر عنها يستحيل أن لا تشتمل عليها ملة من
الملل، وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح
الخلق، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر،
والقتل، والزنا، والسرقة، وشرب المسكر " (1).
ثانيا - الحاجي:
ويريدون به " ما يقع في محل الحاجة
لا الضرورة " (2)، ومثل له الغزالي بتسليط الولي
على تزويج الصغير والصغيرة، فذلك لا ضرورة
إليه، لكنه محتاج إليه في اقتناء المصالح، وتقييد
الأكفاء، خيفة من الفوات، وطلبا للصلاح المنتظر في
المآل (3).
ومن جملة ما مثل له الخضري: إباحة الصيد،
والتمتع بالطيبات، وجواز المساقاة، والقراض،
والسلم، وتضمين الصناع، ونحو ذلك (4).
ثالثا - التحسيني:
وقد يعبر عنه ب‍ " الكمالي " (5) أيضا، وعرفه
الغزالي بقوله: " هو ما لا يرجع إلى ضرورة
ولا حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين
والتيسير للمزايا والمزائد، ورعاية أحسن المناهج
في العادات والمعاملات " (1).
ومثل له الغزالي بسلب العبد أهلية الشهادة
مع قبول فتواه، ومن جملة ما مثل له الخضري: أخذ
الزينة والتقرب بالنوافل، وآداب الأكل والشرب
وتجنب الإسراف... ونحوها (2).
وهذه المصالح مرتبة حسب الأهمية كما هو
معلوم.
الأقوال في الاستصلاح:
اختلف الأصوليون - بشكل عام - في حجية
الاستصلاح على قولين، فذهب بعضهم إلى الحجية
مطلقا، وآخرون إلى عدمها.
أولا - المثبتون للاستصلاح:
المثبتون لحجية الاستصلاح بصورة مطلقة هم
المالكية، والحنابلة، فذهب مالك وأحمد ومن تابعهما
إلى أن الاستصلاح طريق شرعي لاستنباط الحكم
فيما لا نص فيه ولا إجماع، وأن المصلحة المطلقة التي
لا يوجد من الشرع ما يدل على اعتبارها، ولا على
إلغائها، مصلحة صالحة لأن يبنى عليها
الاستنباط (3).
ونقل عن مالك: أنه جوز ضرب المتهم



(1) المستصفى 1: 287.
(2) إرشاد الفحول: 321.
(3) المستصفى 1: 289.
(4) أصول الفقه (للخضري): 301.
(5) المصدر نفسه: 301.
(1) المستصفى 1: 290.
(2) أصول الفقه (للخضري): 301.
(3) الأصول العامة للفقه المقارن: 384، عن مصادر
التشريع: 73، وانظر إرشاد الفحول: 358.
449
بالسرقة للاستنطاق، فإنها مصلحة لم يأمر بها
الشارع ولم يلغها (1).
وغالى الطوفي - وهو من علماء الحنابلة - في
الاستصلاح، فاعتبره الدليل الشرعي الأساس في
السياسات الدنيوية والمعاملات، وقدمه على
ما يعارضه من النصوص عند تعذر الجمع بينهما (2).
ثانيا - النافون للاستصلاح:
ونقصد بالنافين الأعم من الذين لا يعتبرون
الاستصلاح مطلقا، أو يشترطون فيه شرطا.
وهؤلاء هم: الإمامية، والزيدية، والشافعية،
والظاهرية، والحنفية.
1 - أما الإمامية: فإنهم لم يعملوا طبق
المصلحة المرسلة، نعم، لو حصل القطع باعتبار
المصلحة شرعا - بأي طريق كان ولو عن طريق
العقل - فيجوز العمل طبقها، ولكن لا تكون
المصلحة مرسلة حسب الاصطلاح حينئذ. وإلى هذا
المعنى يشير كلام المحقق الحلي (3)، والمحقق القمي (4)،
ولما كان الكلامان متقاربين نكتفي بنقل كلام المحقق
القمي، لأنه أجمع للفائدة، قال:
" المراد بالمصلحة دفع ضرر أو جلب منفعة
للدين والدنيا ".
ثم قسم المصالح إلى ثلاثة أقسام، فقال:
" والمصالح: إما معتبرة في الشرع، ولو
بالحكم القطعي من العقل، من جهة إدراك مصلحة
خالية عن المفسدة، كحفظ الدين، والنفس، والعقل،
والمال، والنسل، فقد اعتبر الشارع صيانتها وترك
ما يؤدي إلى فسادها.
وإما ملغاة، كإيجاب صيام الشهرين لأجل
الكفارة على الغني حتما، لكونه أزجر له.
وإما مرسلة، يعني لم يعتبرها الشارع
ولا ألغاها، وكانت راجحة وخالية عن المفسدة.
وهذا هو الذي ذهب إلى حجيته بعض
العامة، ونفاها أصحابنا وأكثر العامة، وهو
الحق... ".
ثم أخذ يستدل على نفي الحجية عن هذا
القسم، ويناقش حجة القائلين به.
2 - أما الزيدية: فالمنقول عنهم: أنهم أخذوا
بالمصلحة إذا كانت متفقة مع مقصد الشارع الذي
يؤخذ من مجموع النصوص، ويسمون ذلك:
" المناسب المرسل الملائم " (1).
3 - وأما الشافعية: فيعتقدون: " أنه
لا استنباط بالاستصلاح، ومن استصلح فقد شرع،



(1) أنظر المستصفى 1: 297.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 384، عن مصادر
التشريع: 81.
(3) معارج الأصول: 221.
(4) القوانين (طبعة 1287) 2: 298، نهاية المقصد الرابع
(الأدلة العقلية)، وانظر الأصول العامة للفقه المقارن:
403.
(1) الاجتهاد: 109، نقلا عن الإمام زيد لأبي زهرة:
449، وانظر إرشاد الفحول: 358 - 360.
450
كمن استحسن، والاستصلاح كالاستحسان متابعة
للهوى " (1).
4 - وأما الحنفية: فيرون أنه إذا كان
للمصلحة نص يمكن ردها إليه، فيمكن العمل بها،
وإلا فإنها ملغاة لا تعتبر (2). وهذا يعني إرجاع
الاستصلاح إلى القياس.
ونقل الشوكاني عن إمام الحرمين أنه:
" ذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة إلى
تعليق الأحكام بالمصالح المرسلة بشرط الملاءمة
للمصالح المعتبرة المشهود لها بالأصول " (3).
5 - وأما الظاهرية: فالظاهر أنهم من النفاة
أيضا، لأن ابن حزم وإن لم يتعرض للاستصلاح
بصورة مستقلة، إلا أنه يمكن أن تستنبط نظريته
حول الاستصلاح من كلامه حول الاستحسان
والرأي (4).
وللغزالي - من الشافعية - تفصيل لا بأس في
بيانه، وخلاصته:
أنه اعتبر في جواز التمسك بالمصلحة أمورا
ثلاثة، وهي:
1 - أن تكون المصلحة ضرورية.
2 - أن تكون قطعية.
3 - أن تكون كلية.
فإن وجدت هذه الصفات في مصلحة ما
كشفت عن وجود الحكم فيها، وأما إذا لم توجد،
بأن كانت المصلحة حاجية، أو تحسينية،
لا ضرورية، ولم تكن قطعية، بل محتملة، ولم تكن
كلية بحيث تشمل العموم، بل كانت شخصية، لم
تكشف عن الحكم فيها.
نعم، نقل عنه التمسك بالمصلحة الحاجية أيضا
في " شفاء الغليل " (1).
وذكر مثالا لما يجري فيه الاستصلاح فقال:
" ومثاله أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى
المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار
الإسلام وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس
لقتلنا مسلما معصوما لم يذنب ذنبا، وهذا لا عهد به
في الشرع، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع
المسلمين فيقتلونهم، ثم يقتلون الأسارى أيضا.
فيجوز أن يقول قائل: هذا الأسير مقتول بكل حال
فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع لأنا
نعلم أن مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم
سبيله عند الإمكان فإن لم نقدر على الحسم قدرنا
على التقليل، وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم



(1) أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن: 385، عن مصادر
التشريع: 74، والإحكام (للآمدي) 4: 394.
(2) الاجتهاد: 107، عن أصول أبي زهرة: 268.
(3) إرشاد الفحول: 359.
(4) أنظر آراءه في الاستحسان في الأحكام 6: 195، الباب
35، وآراءه في القياس في 8: 515.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 386، عن محاضرات في
أسباب الاختلاف: 244.
451
بالضرورة كونها مقصود الشرع لا بدليل واحد
وأصل معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر. لكن
تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم
يذنب غريب لم يشهد له أصل معين.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق
القياس على أصل معين، وانقدح اعتبارها
باعتبار ثلاثة أوصاف: إنها ضرورية، قطعية،
كلية.
وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة
بمسلم، إذ لا ضرورة، فبنا غنية عن القلعة، فنعدل
عنها إذ لم نقطع بظفرنا بها، لأنها ليست قطعية،
بل ظنية " (1).
أدلة المثبتين للحجية:
استدل المثبتون لحجية الاستصلاح بالعقل
والسيرة.
أولا - العقل:
1 - " إن الأحكام الشرعية إنما شرعت
لتحقيق مصالح العباد، وإن هذه المصالح التي
بنيت عليها أحكام الشريعة معقولة، أي مما يدرك
العقل حسنها، كما أنه يدرك قبح ما نهي عنه،
فإذا حدثت واقعة لا نص فيها، وبنى المجتهد حكمه
فيها على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر، كان حكمه
على أساس صحيح معتبر من الشارع، ولذلك
لم يفتح باب الاستصلاح إلا في المعاملات ونحوها
مما تعقل معاني أحكامها، فلا تشريع فيها
بالاستصلاح ".
قال السيد محمد تقي الحكيم معلقا على هذا
الدليل:
" وهذا الاستدلال لا يتم إلا على مبنى من
يؤمن بالتحسين والتقبيح العقليين... وقد سبق
أن قلنا: إن العقل قابل للإدراك، ولو أدرك على
سبيل الجزم كان حجة قطعا، لكشفه عن حكم
الشارع، ولكن الإشكال، كل الإشكال، في جزمه
بذلك " (1).
2 - " إن الوقائع تحدث والحوادث تتجدد،
فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح
ضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد،
وقصرت عن حاجاتهم، ولم تصلح لمسايرة مختلف
الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال مع أنها
الشريعة العامة لكافة الناس، وخاتمة الشرائع
السماوية كلها ".
وعلق عليه السيد الحكيم قائلا:
" إن أحكام الشريعة بمفاهيمها الكلية
لا تضيق عن مصالح العباد، ولا تقصر عن
حاجاتهم، وهي بذلك مسايرة لمختلف الأزمنة
والأمكنة والبيئات والأحوال، وبخاصة إذا لوحظت



(1) المستصفى 1: 294.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 386 - 387، ونقل
الاستدلال عن مصادر التشريع: 75.
452
مختلف المفاهيم بعناوينها الأولية والثانوية، وأحسن
تطبيقها والاستفادة منها (1).
والحقيقة: أن تأثير الزمان والمكان،
والأحوال إنما هو في تبدل مصاديق هذه
المفاهيم " (2).
ثم مثل لذلك بقوله تعالى: * (وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة) * (3)، وتطبيقه في كل زمان على
ما يلائم ذلك الزمان وينسجم مع شرائطه.
ثانيا - السيرة:
قالوا: " إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما
طرأت لهم بعد وفاته حوادث وجدت لهم طوارئ
شرعوا لها ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة، وما وقفوا
عن التشريع لأن المصلحة ما قام دليل من الشارع
على اعتبارها، بل اعتبروا أن ما يجلب النفع أو يدفع
الضرر حسبما أدركته عقولهم هو المصلحة،
واعتبروه كافيا لأن يبنوا عليه التشريع والأحكام،
فأبو بكر جمع القرآن في مجموعة واحدة، وحارب
مانعي الزكاة، ودرأ القصاص عن خالد بن الوليد،
وعمر أوقع الثلاث بكلمة واحدة، ووقف تنفيذ حد
السرقة في عام المجاعة، وقتل الجماعة في الواحد،
وعثمان جدد أذانا ثانيا لصلاة الجمعة... الخ ".
قال السيد الحكيم معلقا على هذا الدليل:
" والغريب أن تنزل هذه التصرفات وأمثالها
على القياس تارة والاستحسان أخرى والمصالح
المرسلة ثالثة، وتعتبر على ألسنة البعض أدلة عليها،
وما أدري هل تتسع الواقعة الواحدة لمختلف هذه
الأدلة مع تباينها مفهوما، أم ماذا؟ "
ثم ناقش الدليل من جهتين: من جهة
صغروية، ومن جهة كبروية.
أما من الجهة الصغروية، فلعدم تحقق
أصل السيرة، وأن ما حدث كان تصرفات فردية
لا غير.
وأما من الجهة الكبروية، فلأن هذه السيرة
- على فرض تحققها - لم تكن معللة حتى نعلم
وجهها، وما يدرينا أن الباعث على صدورها هو
إدراك المصالح من قبلهم؟!
وعلى فرض حجية مثل هذه السيرة فإنما
تكون حجة بالنسبة إلى خصوص ما قامت عليه،
فلا تشمل كل موارد الاستصلاح حتى تكون دليلا
عليه.
على أن هذه التصرفات جار أكثرها على
مخالفة النصوص، لأمور اجتهادية لا نعرف اليوم
عواملها وبواعثها الحقيقية (1).



(1) أنظر في هذا الموضوع مقدمتنا للموسوعة في المجلد
الأول، الصفحة: 13 - 24.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 387 - 388، ونقل
الاستدلال عن مصادر التشريع: 75.
(3) آل عمران: 97.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 389، ونقل الاستدلال
عن مصادر التشريع: 75.
453
أدلة النافين للاستصلاح:
وأهم ما استدل به النفاة هو:
1 - " إيمانهم بكمال الشريعة، واستيفائها
لحاجات الناس، ولو كانت مصالح الناس تحتاج إلى
أكثر مما شرعه ومما أرشد إلى الاهتداء به، لبينه ولم
يتركه، لأنه سبحانه قال على سبيل الاستنكار:
* (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * (1) ".
وأجاب السيد الحكيم عن ذلك:
" بأن مثبتي الاستصلاح لا ينكرون وفاء
الشريعة بحاجات الناس وإن أنكروا وفاء النصوص
بها، فهم يعتبرون العقول من وسائل إدراكها
كالنصوص على حد سواء، واهتداء العقول إليها إنما
هو بهداية من الله عز وجل لها، فالعقول - إذن -
كاشفة وليست بمشرعة " (2).
2 - ما ذكره الآمدي في كتابه " الإحكام ":
من أن المصالح منقسمة إلى ما عهد من الشارع
اعتبارها، وإلى ما عهد منه إلغاؤها، والمرسلة
مترددة بين ذينك القسمين، وليس إلحاقها بأحدهما
أولى من إلحاقها بالآخر، فامتنع الاحتجاج بالمرسل
دون شاهد بالاعتبار، يبين أنه من قبيل المعتبر دون
الملغى (3).
وأجاب السيد الحكيم عن ذلك بما خلاصته:
أن اعتبار الشارع لمصلحة قد يكشف عنه
بطريق النص، وقد يكشف عنه بطريق العقل، وفي
الاستصلاح يكشف عنه بطريق العقل. فعدم كشفه
اعتبار المصلحة عن طريق النص لا يدل على
إلغائها (1).
3 - وقال الغزالي - وهو يرد على من يريد
اعتبار الاستصلاح أصلا خامسا -:
" من ظن أنه أصل خامس فقد أخطأ، لأنا
رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع، ومقاصد
الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فكل
مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب
والسنة والإجماع، وكانت من المصالح الغريبة التي
لا تلائم تصرفات الشرع، فهي باطلة مطروحة،
ومن صار إليها فقد شرع، كما أن من استحسن فقد
شرع، وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود
شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة
والإجماع، فليس خارجا من هذه الأصول، لكنه
لا يسمى قياسا، بل مصلحة مرسلة، إذ القياس
أصل معين، وكون هذه المعاني مقصودة، عرفت
لا بدليل واحد، بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من
الكتاب والسنة، وقرائن الأحوال وتفاريق
الأمارات، تسمى لذلك مصلحة مرسلة، وإذا فسرنا
المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه



(1) القيامة: 36.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 400، ونقل الاستدلال
عن مصادر التشريع: 78.
(3) الإحكام في أصول الأحكام (3 - 4): 395.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 402.
454
للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها
حجة " (1).
والذي نفهمه من هذا النص هو: أن المصلحة
إذا كانت مهمتها المحافظة على مقصود شرعي
مستفاد من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهي معتبرة
وإلا فهي ملغاة.
ولكن قد تقدم أن درك المصلحة لا ينحصر
بالطرق الثلاثة المتقدمة - أي: الكتاب والسنة
والإجماع - بل العقل طريق آخر يمكن به إدراك
بعض المصالح أيضا (2).
والمناسب أن ننقل كلام الأستاذ الخضري في
نهاية دراسته لهذا الموضوع، حيث قال:
" إن كان جمهور الأصوليين ينفون القول
بالمصالح المرسلة، فإن معظم الفقهاء - في
استنباطهم - كثيرا ما يعولون عليها، وسلفهم في
ذلك عمر بن الخطاب، فإنه اعتبر هذه المصالح في
كثير من اجتهاداته، فهو الذي أسقط سهم المؤلفة
قلوبهم، مع أن القرآن عدهم من المستحقين،
وأسقط الحد عن السارق عام المجاعة، وترك
التغريب في الزنى بعد أن لحق أحد المغربين بالروم
وتنصر، وجعل الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثا،
بعد أن كان واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه
[وآله] وسلم، وعهد أبي بكر، وصدر من إمارته،
كما روى ذلك مسلم في صحيحه، وله من ذلك كثير.
وقد وافقه في بعض هذه الاجتهادات جميع الفقهاء،
ووافقه بعضهم في شئ منها، ولكنا نرى - كما يقول
الغزالي -: أن الاسترسال في هذا الباب حرج،
ونقول: إن المصالح المرسلة يجب أن تعتبر ما دامت
لا تعود على نص بالإبطال، وإن أبطلت، أو
خصصت فلا تعتبر إلا عند الضرورات الكلية
المتيقنة. أما إذا كان الوصف لا يشهد له أصل معين
بأي اعتبار ولا إلغاء، فلا يعتبر، قولا واحدا، وهذا
هو الذي يسمونه المناسب المرسل الغريب، ومثله
ما إذا دلت الأصول على إلغاء الشارع اعتباره " (1).
ثم مثل للأخير بإفتاء يحيى بن يحيى الليثي،
خليفة الأندلس بصوم ستين يوما حينما جامع في
نهار رمضان ولم يفته بالتخيير استصلاحا، لأن ذلك
أزجر له.
ومن هذا القبيل ما نقله الشوكاني عن ابن
دقيق العيد، حيث قال: " لست أنكر على من اعتبر
أصل المصالح، لكن الاسترسال فيها وتحقيقها محتاج
إلى نظر سديد، وربما يخرج عن الحد، وقد نقلوا عن
عمر: أنه قطع لسان الحطيئة بسبب الهجو، فإن صح
ذلك فهو من باب العزم على المصالح المرسلة، وحمله
على التهديد الرادع، للمصلحة أولى من حمله على
حقيقة القطع، للمصلحة، وهذا يجر إلى النظر في
ما يسمى مصلحة مرسلة ".



(1) المستصفى 1: 310 وما بعدها.
(2) أنظر الأصول العامة للفقه المقارن: 401.
(1) أصول الفقه (للخضري): 316.
455
ثم نقل عنه أنه قال: " وشاورني بعض القضاة
في قطع أنملة شاهد، والغرض منعه عن الكتابة
بسبب قطعها. وكل هذا منكرات عظيمة الموقع في
الدين واسترسال قبيح في أذى المسلمين " (1).
موقف الإمامية من الاستصلاح:
يمكن تلخيص نظرية الإمامية حول
الاستصلاح مما ذكره السيد محمد تقي الحكيم، فإن
ما قاله مأخوذ من الأصول والقواعد المسلم بها عند
الأصوليين من الإمامية، وإن لم يتعرض أغلبهم
لموضوع الاستصلاح.
قال السيد الحكيم ما خلاصته:
إن كانت المصلحة مستفادة من النصوص
والقواعد العامة، بحيث تكون من صغرياتها - كما
يظهر ذلك من بعض التعاريف والكلمات - فتكون
هذه المصلحة مستفادة من السنة، ومصداقا من
مصاديقها، فلا وجه لعدها في مقابل السنة.
وإن كانت يدركها العقل - كما هو ظاهر بعض
التعاريف والكلمات الأخر - فإن كان إدراك العقل
لها كاملا - إدراكا للمصلحة بجميع ما يتعلق في عوالم
تأثيرها في مقام جعل الحكم لها من قبل الشارع -
فهي حجة، إذ ليس وراء القطع مجال لتساؤل أو
استفهام.
ثم ذكر كلام المحقق القمي - الذي قدمناه
سابقا - ثم قال:
ولكن القول بحجيتها هنا لا يجعلها دليلا
مستقلا في مقابل العقل. ثم قال:
" وإن لم يكن إدراكه لها كاملا بأن كان قد
أدرك المصلحة، واحتمل وجود مزاحم لها يمنع من
جعل الحكم، أو احتمل أنها فاقدة لبعض شرائط
الجعل - كما هو الغالب فيها، بل لا يتوفر الإدراك
الكامل إلا في حالات نادرة، وهي التي تكون
المصلحة ذاتية، كما سبق - فإن القول بحجيتها - أعني
هذا النوع من المصالح المرسلة - مما يحتاج إلى دليل،
وليس لدينا من الأدلة ما يصلح لإثبات ذلك. لما
قلناه: من أن الإدراك الناقص - وهو الذي
لا يشكل الرؤية الكاملة - ليست حجيته ذاتية، بل
هي محتاجة إلى الجعل، والأدلة غير وافية بإثباته.
والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها،
لتقومها بالعلم.
وبهذا يتضح أن الشيعة لا يقولون بالمصالح
المرسلة إلا ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم،
كما هو مقتضى مبناهم الذي عرضناه في دليل العقل،
وما عداه فهو ليس بحجة " (1).
أقول: وإذا حصل الجزم بالمصلحة عقلا
فلا تكون مرسلة، لأنها معتبرة حينئذ شرعا بحكم
الملازمة.



(1) إرشاد الفحول: 360.
(1) الأصول العامة للفقه المقارن: 402 - 404، وانظر
القوانين (طبعة 1287) 2: 298 - 299.
456
استعلاء
لغة:
طلب العلو، وهو: الارتفاع، والعظمة،
والتكبر (1).
اصطلاحا:
اظهار العلو، سواء كان مطابقا للواقع أو لا.
تكلم الأصوليون حول اعتبار " العلو " في
دلالة الأمر على الوجوب وعدم كفاية صدوره على
وجه الاستعلاء، لأن الصادر من الداني يسمى
" التماسا " ومن المساوي " طلبا " وإن صدر على نحو
الاستعلاء (2).
استعمال
تقدم الكلام عن الاستعمال بصورة مجملة في
قسم الفقه، وأحلنا الكلام فيه على قسم الأصول،
فنقول:
تكلم الأصوليون حول الاستعمال في عدة
مواطن من مباحث الألفاظ، جمعها السيد الصدر في
مكان واحد، وأطلق عليها عنوان " نظرية
الاستعمال " وفيما يلي نشير إلى خلاصتها:
نظرية الاستعمال
ذكر السيد الصدر - توضيحا للنظرية - عدة
أمور نشير إلى إجمالها:
أولا - علاقة اللفظ بالمعنى:
علاقة اللفظ بالمعنى - حين استخدام لفظ في
معناه - لها جانبان:
أ - جانب يرتبط بالسامع، وهو انتقال ذهنه
من أحدهما - اللفظ والمعنى - إلى الآخر. وهذا
ما يرتبط بالجانب الدلالي.
ب - جانب يرتبط بالمتكلم، وهو أن المتكلم
يستعمل اللفظ في معناه، ويتخذه أداة لتفهيمه،
ويعبر عن هذه العلاقة بالاستعمال.
ثانيا - حقيقة الاستعمال:
الاستعمال ليس مجرد استعمال اللفظ في معناه،
بل لا بد من اقترانه بالإرادة الاستعمالية.
وتوضيح ذلك: أن الإرادة - في مقام التكلم
والتخاطب - على أنحاء ثلاثة:



(1) لسان العرب، والمصباح المنير: " علو ".
(2) راجع نهاية الأفكار 1 - 2: 160، محاضرات في أصول
الفقه 2: 13.
457
1 - الإرادة الاستعمالية:
اختلف الأصوليون في تفسيرها، لاختلافهم
في تفسير الاستعمال على أقوال:
أ - فالمنسوب إلى المشهور هو: أن الاستعمال
إيجاد المعنى باللفظ، وجعل اللفظ فانيا فيه، ووجها
وعنوانا له (1).
ب - الاستعمال هو: إيجاد المعنى في الخارج
باللفظ إيجادا عرضيا.
وهذا ما ذهب إليه المحقق الأصفهاني (2).
ج - الاستعمال هو: العمل بالتعهد والالتزام
النفساني بإبراز المعنى بلفظ خاص عند قصد التفهيم.
ذهب إلى هذا الرأي السيد الخوئي (3).
د - الاستعمال هو: التلفظ باللفظ بما أنه دال
بحسب طبعه وصالح في ذاته لإيجاد صورة المعنى في
الذهن.
اختار هذا السيد الصدر (4).
2 - الإرادة التفهيمية:
وهي إرادة تفهيم المعنى تصورا باللفظ،
وإخطاره فعلا. ومتعلق هذه الإرادة الإخطار الفعلي
في حين أن متعلق الإرادة الاستعمالية هو الإخطار
الشأني. أي الإعداد للإخطار الملائم مع الفعلية
وعدمها.
3 - الإرادة الجدية:
إن من يريد إخطار المعنى تصورا في ذهن
السامع قد يكون جادا وقد يكون هازلا، فإذا كان
جادا تكون الإرادة الجدية متحققة حينئذ وإلا فلا.
وبناء على ذلك لا تتحقق الإرادة الجدية
إلا في الجمل التركيبية التامة دون التركيبية الناقصة
أو الكلمات الإفرادية، إذ هذه لا يتصور فيها
إلا الإرادة الاستعمالية والتفهيمية.
وقد اتضح مما تقدم: أن الاستعمال عملية
إرادية متقومة بالإرادة الاستعمالية، ولا بد في
الاستعمال من لحاظ اللفظ والمعنى معا (1).
ثالثا - مقومات الاستعمال وشروطه:
ذكرت للاستعمال مقومات وشروط كالآتي:
1 - أن يكون في اللفظ صلاحية الدلالة على
المعنى.
2 - أن يكون بين المستعمل والمستعمل فيه
تغاير، فلا يعقل وحدتهما.
3 - ينبغي أن يكون لحاظ اللفظ لحاظا آليا،
بمعنى أن يكون مرآة للمعنى، فلا ينظر إلى اللفظ
بما هو، بل بما هو مرآة للمعنى، كما ينبغي أن يكون
لحاظ المعنى لحاظا استقلاليا، بمعنى أن يكون مستقلا



(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 218 - 219.
(2) نهاية الدراية 1: 152.
(3) محاضرات في أصول الفقه 1: 219، وراجع الصفحة
48.
(4) بحوث في علم الأصول 1: 132.
(1) بحوث في علم الأصول 1: 133.
458
في مقابل اللفظ، ولا ينافي أن يكون مرآة لمعنونه،
فلفظ " زيد " يلحظ آلة لمعناه، ومعناه يلحظ مستقلا
بالنسبة إلى اللفظ، ويلحظ مرآة لمعنونه، وهو زيد
الموجود في الخارج.
ويرى السيد الصدر أن الآلية - أي آلية اللفظ
للمعنى - أمر يقتضيه طبع المطلب، لكنها ليست من
مقومات تفهيم المعنى باللفظ (1).
4 - استحضار المستعمل الجهة المصححة
لدلالة اللفظ على المعنى، والجهة المصححة في المعنى
الحقيقي هي الوضع، فالعلقة الوضعية هي المصححة
لاستعمال اللفظ في معناه الموضوع له. والجهة
المصححة في المعنى المجازي هي العلقة الوضعية
مضافا إلى القرينة.
وكأنه لا إشكال عندهم في عدم لزوم
استحضار الجهة المصححة للاستعمال الحقيقي. وأما
المصححة للاستعمال المجازي، فقد ادعي لزوم
استحضارها، لكن يرى السيد الصدر عدم لزوم
ذلك (2).
5 - ادعي اشتراط وضع اللفظ للمعنى
المستعمل فيه إما بوضع شخصي، كما في الاستعمال
الحقيقي، وإما بوضع نوعي، كما في الاستعمال
المجازي.
لكن يظهر من السيد الصدر عدم قبول هذا
الشرط أيضا (1).
كانت هذه خلاصة " نظرية الاستعمال ".
ثم إن هناك موارد وقع البحث فيها من جهة
احتمال فقدان بعض الشروط والمقومات المتقدمة،
نشير إلى أهمها فيما يلي:
أولا - استعمال اللفظ في شخصه:
إذا استعمل لفظ " زيد " في شخص هذا
اللفظ، كأن يقال: " زيد لفظ " وأريد منه " زيد "
الذي نطق به المتكلم، فربما يرد عليه إشكال عدم
تغاير المستعمل والمستعمل فيه (الدال والمدلول).
وقد تقدم لزوم تغايرهما.
وهناك بعض المحاولات للإجابة عن ذلك،
منها:
1 - ما ذكره صاحب الكفاية، وحاصله: أن
هناك اختلافا اعتباريا بين المستعمل والمستعمل
فيه، فاللفظ بما هو صادر من المتكلم يكون دالا،
وبما هو مراد المتكلم يكون مدلولا (2).
2 - ما ذكره السيد الخوئي، وحاصله: أن هذا
ليس من باب الاستعمال، بل من باب الإيجاد.
توضيح ذلك: أن الألفاظ وضعت لنقل المعاني، لأن
المعاني لا يمكن إحضارها في الأذهان من دون
واسطة الألفاظ، أما إحضار اللفظ في الذهن



(1) بحوث في علم الأصول 1: 140.
(2) المصدر نفسه: 142.
(1) بحوث في علم الأصول 1: 143 و 123.
(2) كفاية الأصول: 14.
459
فلا يحتاج إلى واسطة، فيمكن إحضاره بنفسه
ولا يحتاج إلى لفظ آخر (1).
ثانيا - استعمال اللفظ في نوعه وصنفه:
النوع مثل: " زيد ثلاثي " فيما إذا أريد من
" زيد " الكلي منه، لا شخصه، والصنف مثل: " زيد
في ضرب زيد فاعل ".
والظاهر أن المعروف عدم الإشكال فيه وأنه
من باب الاستعمال (2)، نعم، على مبنى السيد الخوئي
أنه من باب الإيجاد أيضا (3).
ثالثا - استعمال اللفظ في أكثر من معنى:
ومما وقع البحث فيه، وقيل بفقدان شروط
الاستعمال فيه، استعمال اللفظ في أكثر من معنى، كأن
يقول: " رأيت عينا " ويريد بذلك العين بمعنى
الجاسوس، والعين بمعنى آلة البصر.
ومحل النزاع: إرادة أكثر من معنى واحد
بصورة مستقلة من استعمال واحد.
والكلام يقع في مقامين:
الأول - استعمال اللفظ المفرد، ومثاله ما
تقدم.
الثاني - استعمال المثنى والجمع، كأن يقول:
" رأيت عينين " ويريد به الجاسوس والعين
الباصرة، ونحوه الجمع.
المقام الأول - استعمال اللفظ المفرد:
المعروف بين الأصوليين امتناع استعمال اللفظ
المفرد في أكثر من معنى بصورة مستقلة، لكن ذهب
بعضهم إلى إمكانه، منهم: صاحب المعالم (1)، والسيد
الخوئي (2)، والإمام الخميني (3)، والسيد الصدر (4).
ومع ذلك فيرى السيد الخوئي والسيد
الصدر: أن استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
وإن كان جائزا ولا مانع منه عقلا، إلا أنه مخالف
للظهور العرفي، فلا يمكن حمل اللفظ عليه بلا نصب
قرينة ترشد إليه (5).
ويرى صاحب المعالم: أن هذا الاستعمال على
نحو المجاز لا الحقيقة، لأن الموضوع له في المفرد هو
المعنى مقيدا بكونه واحدا (قيد الوحدة) فإذا
استعمل في الأكثر فقد استعمل في غير ما وضع له،
ولذلك يكون مجازا ويحتاج إلى قرينة (6).



(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 101 - 102.
(2) أنظر: كفاية الأصول: 14، بحوث في علم الأصول 1:
147، وتهذيب الأصول 1: 33.
(3) محاضرات في أصول الفقه 1: 102 و 107.
(1) معالم الدين (الحجرية): 32.
(2) محاضرات في أصول الفقه 1: 216 - 221.
(3) تهذيب الأصول 1: 69.
(4) بحوث في علم الأصول 1: 150 - 155.
(5) أنظر: محاضرات في أصول الفقه 1: 221 - 222،
وبحوث في علم الأصول 1: 155.
(6) معالم الدين (الحجرية): 33.
460
واستدل المانعون بوجوه، أهمها:
1 - ما أفاده صاحب الكفاية، وحاصله: أن
حقيقة الاستعمال هي جعل اللفظ وجها وعنوانا
للمعنى، ولذا يسري حسن المعنى وقبحه إلى اللفظ.
ولا يمكن أن يكون شئ عنوانا لشيئين في آن واحد
وعلى نحو الاستقلال، وعليه فلا يمكن أن يصير
اللفظ عنوانا لمعنيين في استعمال واحد (1).
2 - ما أفاده المحقق النائيني، وحاصله: أن
الاستعمال هو إيجاد المعنى في الخارج. والملحوظ
أولا وبالذات هو المعنى، وثانيا وبالعرض وبالتبع
هو اللفظ، فلازم استعمال اللفظ في المعنيين، تعلق
اللحاظ الاستعمالي في آن واحد بمعنيين، ولازمه
الجمع بين اللحاظين في آن واحد، وهو ممتنع
عقلا (2).
3 - ما أفاده المحقق الأصفهاني، وخلاصته:
أن الاستعمال هو إيجاد المعنى في الخارج باللفظ،
ووجود اللفظ في الخارج وجود لطبيعي اللفظ
بالذات، ووجود لطبيعي المعنى بالتبع بواسطة الوضع
وبالعرض لا بالذات، وحيث إن الموجود الخارجي
بالذات واحد - حسب الفرض - فلا مجال لأن
يقال: إن وجود اللفظ وجود لهذا المعنى خارجا،
ووجود لمعنى آخر خارجا أيضا (3).
وللمجوزين مناقشات لهذه الأدلة.
المقام الثاني - في التثنية والجمع:
يرى المانعون من استعمال اللفظ في أكثر من
معنى: أنه لا فرق بين المفرد والمثنى والجمع.
ووجهه: أن المستفاد من كلمات اللغويين: أن علامة
التثنية والجمع إنما تدل على تعدد ما يراد من المفرد
الذي دخلت عليه، فكلمة " عينان " لا تدل إلا على
تثنية " عين "، فما دلت عليه هذه الكلمة، تدل علامة
التثنية على تعدده (1).
وأما المجوزون: فمثل صاحب المعالم يرى أن
الاستعمال في المفرد على نحو المجاز وفي التثنية والجمع
على نحو الحقيقة، لأنه يرى: أن الموضوع له في المفرد
هو المعنى مع اعتبار قيد الوحدة، فعند التثنية والجمع
لا بد من حذف هذا القيد، وعندئذ يكون المثنى في
قوة تكرار المفرد، ف‍ " عينان " يعني " عين "
و " عين "، وكذا في الجمع، فلا مانع من إرادة معنيين
- الباصرة والجاسوس - من " عينين " (2).
وأما السيد الخوئي فيرى - طبقا للقاعدة
المتقدمة من أن علامة التثنية تدل على تعدد
ما دخلت عليه -: أن المقصود من المفرد إن كان
معنى واحدا - كالباصرة - فيكون المثنى تعددا لذلك
المعنى الواحد - أي عينين من الباصرة مثلا - وإن



(1) كفاية الأصول: 36.
(2) أجود التقريرات 1: 51.
(3) نهاية الدراية 1: 152.
(1) أنظر: كفاية الأصول: 37، ومحاضرات في أصول الفقه
1: 222 - 223، ومنتهى الدراية 1: 191.
(2) معالم الدين (الحجرية): 32 - 33.
461
كان معنيين - الباصرة والجاسوس - فيكون المثنى
تعددا لكل من المعنيين، ف‍ " عينان " تدل على تعدد
الباصرة والجاسوس، فيكون معنى " رأيت
عينين ": رأيت عينين باصرتين، وعينين
جاسوسين.
ثم قال: إن الأخير ليس من باب استعمال
المثنى في أكثر من معنى واحد، بل هو استعمال
للمفرد في أكثر من معنى، فيكون من قبيل تثنية
ما يدل على المتعدد، مثل " رأيت طائفتين " (1).
وللسيد الصدر مناقشة في هذا التشبيه (2).
ولهم كلام حول توجيه استعمال التثنية
والجمع في الأعلام وأسماء الإشارة مع إرادة المتكلم
التعدد قطعا (3).
كان هذا أهم ما يرتبط بالاستعمال، وهناك
أمور أخرى يرجع فيها إلى مواطنها، مثل: انقسام
الاستعمال إلى حقيقي ومجازي، وأن مجرد الاستعمال
لا يدل على كونه على نحو الحقيقة، وأمثال ذلك،
يرجع فيها إلى العناوين: " حقيقة "، " مجاز "،
" وضع " ونحوها.
مظان البحث:
يبحث أغلب ما تقدم في أوائل علم
الأصول: مثل مباحث الوضع، والاشتراك
ونحوهما.



(1) محاضرات في أصول الفقه 1: 223.
(2) بحوث في علم الأصول 1: 156.
(3) أنظر بحوث في علم الأصول 1: 156 - 159.
462
ملحق
تراجم الفقهاء والأصوليين

463
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد: فهذه ترجمة مختصرة للفقهاء والأصوليين الذين ذكرت آراؤهم في هذا الجزء من الموسوعة،
وإذا ذكرنا آراء فقهاء آخرين في الأجزاء اللاحقة فسوف نقوم بترجمتهم أيضا.

464
- ابن أبي عقيل
راجع: (1: 563، رقم 1)
- ابن إدريس الحلي
راجع: (1: 563، رقم 2)
- ابن بابويه
راجع: (1: 564، رقم 3)
- ابن البراج
راجع: (1: 564، رقم 4)
- ابن الجنيد
راجع: (1: 565، رقم 5)
- ابن حمزة
راجع: (1: 565، رقم 6)
- ابن زهرة
راجع: (1: 566، رقم 7)
- ابن طاووس
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد
ابن طاووس الحلي (589 - 664 ه‍ ق)
ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن السبط (عليه السلام).
قال السيد الأمين: " آل طاووس أسرة عراقية
جليلة أخرجت جملة من الأعلام في المائتين السابعة
والثامنة، تولوا شؤون النقابة والزعامة الروحية في
أواخر عصور الدولة العباسية، ثم الدولة الإيلخانية
المغولية... " (1).
وقال المحدث الحر العاملي في خصوص
المترجم له: "... حاله في العلم، والفضل، والزهد،
والعبادة، والثقة، والفقه، والجلالة، والورع، أشهر
من أن يذكر، وكان أيضا شاعرا، أديبا منشئا
بليغا... " (2).
وقال - أيضا - عن أخيه أحمد بن موسى:
" كان عالما فاضلا، صالحا، زاهدا، عابدا،
ورعا، فقيها، محدثا، مدققا، ثقة ثقة، شاعرا
جليل القدر عظيم الشأن، من مشائخ العلامة
وابن داود " (3).
وقال المحدث البحراني عنهما: " وأمهما
- على ما ذكره بعض علمائنا - بنت الشيخ مسعود
ورام بن أبي الفراس بن فراس بن حمدان، وأم أمهما



(1) أعيان الشيعة 8: 358.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): 205، الترجمة رقم 622.
(3) المصدر نفسه: 29، الترجمة رقم 79.
465
بنت الشيخ الطوسي، أجاز لها ولأختها أم الشيخ
محمد بن إدريس جميع مصنفاته ومصنفات
الأصحاب " (1).
وأما مصنفات علي بن موسى فكثيرة،
منها:
الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في
السنة، والأمان من أخطار الأسفار والأزمان،
والدروع الواقية من الأخطار، وجمال الأسبوع
بكمال العمل المشروع، وسعد السعود، وغياث
سلطان الورى، وفتح الأبواب بين ذوي الألباب
وبين رب الأرباب (في الاستخارات)، وغير
ذلك، ربما يبلغ مجموعها نحو خمسين عنوانا،
واقتصر في الفقه على كتاب واحد، وهو: غياث
سلطان الورى.
وأما مصنفات الثاني فكثيرة أيضا، منها:
البشرى في الفقه، والملاذ في الفقه أيضا، والعدة في
أصول الفقه، والثاقب للسحر في أصول الدين،
وشواهد القرآن، وغيرها.
- ابن فهد
أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي
(757 - 841 ه‍ ق)
قال عنه الحر العاملي: " فاضل، عالم، ثقة،
صالح، زاهد، عابد، ورع، جليل القدر... " (1).
كان في الحلة، ثم غادرها إلى كربلاء، وكان
بها إلى أن توفي فيها، وقبره معروف يزار لحد الآن.
روى عن ولد الشهيد الأول وبعض تلامذته
كالفاضل المقداد.
ذكروا في جملة أحواله: أنه ناظر العلماء ممن
خالفه في المذهب بمحضر والي العراق الميرزا اسبند
التركماني، فغلبهم، فانتقل الوالي إلى مذهبه وخطب
باسم أمير المؤمنين وأولاده (عليهم السلام)، وضرب النقود
باسمهم.
له عدة كتب ورسائل ربما يبلغ مجموعها 25
عنوانا، أهمها:
1 - المهذب البارع في شرح المختصر النافع،
قال عنه السيد العاملي: "... جيد مشهور ينقل عنه
العلماء كثيرا " (2)، طبع في خمسة مجلدات نقلنا عنه في



(1) لؤلؤة البحرين: 236 - 237، الترجمة رقم 84 و 85.
وانظر المصادر التالية أيضا:
منتهى المقال 1: 352، الترجمة رقم 257، 5: 73،
الترجمة رقم 2119، وروضات الجنات 4: 325،
الترجمة رقم 405، ومعجم رجال الحديث 12: 188،
الترجمة رقم 8532، وغير ذلك من المصادر الكثيرة التي
قامت بترجمة هاتين الشخصيتين.
(1) أمل الآمل (القسم الثاني): 21، الترجمة رقم 50.
(2) أعيان الشيعة 3: 148، وانظر أيضا:
أ - لؤلؤة البحرين: 155، ضمن الترجمة 62.
ب - روضات الجنات 1: 71، الترجمة رقم 17.
وانظر مقدمة الطبعة الحديثة لكل من المهذب البارع
وكشف الالتباس.
466
الموسوعة.
2 - المقتصر في شرح الإرشاد، في الفقه أيضا.
3 - الموجز الحاوي، وهو في الفقه أيضا،
شرحه الشيخ مفلح بن حسن الصيمري، وسماه
" كشف الالتباس عن موجز أبي العباس ".
4 - المحرر، في الفقه أيضا.
- الأردبيلي = (المحقق الأردبيلي)
راجع: (1: 566، رقم 8)
- الاسترآبادي
المولى محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي
(- 1033 ه‍ ق) (1)
مشيد أركان الطريقة الأخبارية في استنباط
الأحكام الشرعية. قال عنه الحر العاملي - وكان
على طريقته -: " مولانا محمد أمين الاسترآبادي،
فاضل محقق، ماهر، متكلم، فقيه، محدث، ثقة،
جليل... " (2).
وقال عنه المحدث البحراني - وكان على
طريقته أيضا -: "... كان فاضلا، محققا، ماهرا في
الأصولين والحديث، أخباريا صلبا، وهو أول من
فتح باب الطعن على المجتهدين، وتقسيم الفرقة
الناجية إلى أخباري ومجتهد، وأكثر في كتابه
" الفوائد المدنية " من التشنيع على المجتهدين، بل ربما
نسبهم إلى تخريب الدين، وما أحسن وما أجاد
ولا وافق الصواب والسداد، لما قد ترتب على ذلك
من عظيم الفساد... " (1).
وقال السيد الأمين: " رأس الأخباريين في
القرن الحادي عشر، وأول من حارب المجتهدين،
وتجرد للرد عليهم، داعيا إلى العمل بمتون الأخبار
طاعنا على الأصوليين بلهجة شديدة، زاعما أن
اتباع العقل والإجماع وأن اجتهاد المجتهد وتقليد
العامي بدع ومستحدثات... " (2).
كان أول أمره في النجف الأشرف، وتتلمذ
لصاحبي المعالم والمدارك، ونال منهما إجازة
الاجتهاد على ما نقله صاحب الروضات، وقال: إنه
رأى ذلك بنفسه (3).
هاجر إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم إلى مكة
المكرمة، فالتقى بالميرزا محمد بن علي بن إبراهيم
الاسترآبادي صاحب كتب الرجال (الكبير



(1) كذا في لؤلؤة البحرين: 119، وفي أمل الآمل نقلا عن
سلافة العصر في سنة 1036، ونقله في الروضات 1:
138 عنه أيضا في سنة 1026، وجاء في أعيان الشيعة:
" توفي سنة 1023 "، ويبدو أن الصحيح ما ذكره صاحب
اللؤلؤة.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): 246، الترجمة رقم 725.
(1) لؤلؤة البحرين: 117، الترجمة رقم 44.
(2) أعيان الشيعة 9: 137.
(3) روضات الجنات 1: 138، الترجمة رقم 33.
467
والأوسط والصغير) وتأثر به، ولعل ذلك كان أهم
عامل لتأثره بالطريقة الأخبارية، كما صرح بذلك
محمد أمين الاسترآبادي نفسه.
توفي في مكة سنة 1033 ودفن في مقبرة
خديجة سلام الله عليها.
له عدة كتب ورسائل، منها:
الفوائد المدنية: مطبوع طبعة رديئة.
الفوائد المكية: غير مطبوع.
ذكرنا طريقته وآراءه وعوامل وجودها
في عنوان " أخباريون " في المجلد الأول من
الموسوعة.
- الإصفهاني (الشيخ محمد حسين)
= المحقق الإصفهاني
راجع: (1: 567، رقم 9)
- الإصفهاني
= الفاضل الهندي
وردت ترجمته تحت عنوان " الفاضل
الهندي "، لأننا ذكرناه بهذا اللقب في المجلد الأول،
لكنا آثرنا في المجلد الثاني استخدام لقبه الآخر
وهو الفاضل الإصفهاني تبعا لبعض الفقهاء
كصاحب الجواهر.
راجع: (1: 594، رقم 60)
- الأنصاري
= الشيخ الأعظم
راجع: (1: 567، رقم 10)
- البجنوردي
راجع: (1: 569، رقم 11)
- البحراني
راجع: (1: 569، رقم 12)
- بحر العلوم
= العلامة الطباطبائي
راجع: (1: 570، رقم 13)
- البروجردي
راجع: (1: 570، رقم 14)
- البهائي
راجع: (1: 571، رقم 15)

468
- التوني = الفاضل التوني
المولى عبد الله بن محمد التوني البشروي (1)
(- قيل: في 1071 ه‍ ق) (2)
قال عنه معاصره الحر العاملي: " مولانا عبد
الله بن محمد التوني البشروي ساكن المشهد: عالم،
فاضل، ماهر، فقيه، صالح، زاهد، عابد،
معاصر... " (3).
له عدة كتب ورسائل من جملتها:
1 - الوافية في الأصول: وهو كتاب تفرد في
تبويبه وترتيبه في عصره، وله فيه تحقيقات
وتدقيقات لطيفة. قال صاحب الروضات: " له في
الاستصحاب ومباحث التعادل والتراجيح
تفريعات وفوائد نادرة، وتصرفات كثيرة، لم يسبقه
إليها أحد من الأصوليين " (4).
نقل الشيخ الأنصاري نظريات التوني
الأصولية من هذا الكتاب وعبر عنه ب‍: " الفاضل
التوني " (5)، وبهذا اللقب يعرف الآن في الأوساط
الأصولية.
للعلماء شروح وحواش عديدة على هذا
الكتاب، أهمها:
أ - شرح الوافية، للسيد صدر الدين القمي (1).
ب - شرح الوافية، للسيد محسن الأعرجي
المعروف بالمقدس الكاظمي، وله شرح آخر عليه
لخص فيه الشرح الأول وسماه ب‍: " المحصول في
شرح الوافية " (2).
2 - شرح الإرشاد في الفقه.
3 - فهرس تهذيب الشيخ الطوسي. وقال هو
- بالمناسبة - في الوافية: " ولم يسبقني إليه أحد " (3).
وعلق عليه صاحب الروضات بقوله: " وهو كما
قال، وفوق ما نقول " (4).
4 - حاشية على المعالم.
5 - حاشية على المدارك.
وعدة رسائل أخر.
سكن أول أمره في إصفهان ثم استقر في مشهد
الإمام الرضا (عليه السلام) بخراسان، ومنها قصد زيارة
العتبات المقدسة في العراق، فأدركته المنية في طريقه
إليها في بلدة كرمانشاه (5).



(1) نسبة إلى تون، وهي منطقة في مقاطعة خراسان، قال في
معجم البلدان: إنها قرب " قائن "، وهي مدينة في
جنوب شرق مشهد الإمام الرضا (عليه السلام).
(2) الفوائد الرضوية: 255.
(3) أمل الآمل 2: 163، الترجمة رقم 477.
(4) روضات الجنات 4: 244، الترجمة رقم 389.
(5) أنظر مثلا: فرائد الأصول 2: 598 (حجة القول السابع
في الاستصحاب)، 641 (ذيل الاستصحاب الكلي).
(1) أنظر الذريعة 14: 167.
(2) أنظر الذريعة 14: 167.
(3) الوافية: 133.
(4) روضات الجنات 4: 245.
(5) روضات الجنات 4: 245، نقلا عن رياض العلماء.
وانظر ترجمته في المصادر التالية أيضا:
أعيان الشيعة 8: 70، ومقدمة الطبعة الجديدة
للوافية.
469
- الحائري
راجع: (1: 571، رقم 16)
- الحر العاملي
راجع: (1: 572، رقم 17)
- الحكيم = السيد محسن
راجع: (1: 573، رقم 18)
- الحكيم = السيد محمد تقي
راجع: (1: 573، رقم 19)
- الحلبي
راجع: (1: 574، رقم 20)
- الحلي = المحقق الحلي
راجع: (1: 574، رقم 21)
- الحلي = العلامة الحلي
راجع: (1: 576، رقم 22)
- الحلي = يحيى بن سعيد
راجع: (1: 577، رقم 23)
- الخراساني = صاحب الكفاية = الآخوند
راجع: (1: 577، رقم 24)
- الخميني = الإمام الخميني
راجع: (1: 578، رقم 25)
- الخوانساري
راجع: (1: 579، رقم 26)
- الخوئي = السيد الخوئي
راجع: (1: 579، رقم 27)
- الراوندي
راجع: (1: 580، رقم 28)
- الرشتي
راجع: (1: 581، رقم 29)

470
- السبزواري
راجع: (1: 582، رقم 30)
- سلار
راجع: (1: 582، رقم 31)
- السيد
راجع: المرتضى، اليزدي
- الشهيد الأول
راجع: (1: 583، رقم 33)
- الشهيد الثاني
راجع: (1: 584، رقم 34)
- الشيخ
راجع: الأنصاري، الطوسي
- صاحب الجواهر
راجع: النجفي
- صاحب الحاشية
الشيخ محمد تقي بن عبد الرحيم الطهراني
الإصفهاني (1) (- 1248 ه‍ ق)
قال عنه العلامة الطهراني: "... أحد
رؤساء الطائفة ومحققي الإمامية المؤسسين في هذا
القرن.
هاجر - في أوائل شبابه - إلى العراق بعد
تكميل المبادئ والمقدمات، فحضر في الكاظمية على
السيد محسن الأعرجي، وفي كربلاء على الأستاذ
الوحيد محمد باقر البهبهاني، وفي النجف على
السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر جعفر
كاشف الغطاء، لازم الأخير زمانا، وصاهره أخيرا
على كريمته، واستمر على الاكتساب من معارف
الشيخ وأقرانه حتى فاز بدرجة عالية من العلم
والعمل معقولا ومنقولا، فقها وأصولا... "، إلى أن
قال:
" وللمترجم آثار هامة جليلة أشهرها
حاشية المعالم، سماها " هداية المسترشدين " في
شرح أصول معالم الدين... وقد حظي هذا الكتاب
بالقبول، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من
المحققين والأعلام، حتى اشتهر المترجم بصاحب
الحاشية، وبذلك يلقب آله حتى التأريخ، وإذا أطلق
بين العلماء في عصرنا لم يتبادر الذهن إلى غير هذا



(1) أصله من " إيوان كيف " من توابع مدينة " ورامين "
التي تقع قرب طهران.
471
الكتاب... " (1).
وقال السيد الأمين: "... وله شرح طهارة
الوافي من تقرير أستاذه بحر العلوم... وله كتاب
الفقه، في الفقه الاستدلالي رئي منه مجلد الطهارة، في
غاية المتانة والتحقيق " (2).
استقر في إصفهان وحضر درسه جماعة كبيرة
من العلماء إلى أن توفي فيها.
- صاحب الحدائق
راجع: البحراني
- صاحب الرياض
راجع: الطباطبائي
- صاحب العروة
راجع: اليزدي
- صاحب الفصول
الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم الطهراني
الإصفهاني الحائري (- 1261 ه‍ ق) (1)
المترجم أخو صاحب الحاشية - المتقدم
ذكره - وأصغر منه سنا.
قال عنه العلامة الطهراني: "... مؤسس
معروف من كبار العلماء. ولد في " إيوان كيف " (2)
ونشأ بها وأخذ مقدمات العلوم في طهران عن لفيف
من الأفاضل، ولما عاد إلى إصفهان شقيقه الحجة
الكبير الشيخ محمد تقي وانتهت إليه المرجعية في
التدريس ونشر العلم، كان المترجم من الذين
اكتسبوا من معارفه وانتهلوا من نمير فضله، فقد
حضر عليه مدة طويلة استفاد منه خلالها كثيرا، ثم
هاجر إلى العراق، فسكن كربلاء، وأخذت شهرته
بالاتساع تدريجا حتى عد في مصاف علماء عصره،
وفي الرعيل الأول منهم... وقد تخرج من معهده جمع
من كبار العلماء وأجلاء الفقهاء... " (3).
وقال عنه السيد الأمين: " الفقيه الأصولي
الشهير أخذ عن أخيه الشيخ محمد تقي صاحب



(1) الكرام البررة 1: 215 - 217.
(2) أعيان الشيعة 9: 198.
وراجع: روضات الجنات 2: 123، الترجمة رقم
148، وكان صاحب الروضات من تلامذته في إصفهان،
وله أبيات في رثائه.
(1) كذا ذكره الخوانساري في الروضات (2: 126)،
والسيد الأمين في الأعيان (9: 233) لكن جعل
الطهراني سنة وفاته 1254.
(2) تقدم شرح الموضع في هامش ترجمة أخيه.
(3) الكرام البررة 1: 390.
472
هداية المسترشدين، وعن الشيخ علي بن الشيخ
جعفر، واختار الإقامة في كربلاء، فرحل إليه
الطلاب وأخذ عنه جماعة من العلماء...
وله مؤلفات في الأصول، منها " الفصول "
وهي من كتب القراءة في هذا الفن. أورد فيه مطالب
القوانين وحلها واعترض عليها، وهو مشهور عند
أهل هذا النوع... " (1).
- صاحب القوانين
راجع: القمي
- صاحب كشف اللثام
راجع: الفاضل الهندي = الفاضل الإصفهاني
- صاحب الكفاية
راجع: الخراساني
- صاحب مفتاح الكرامة
راجع: العاملي
- صاحب المدارك
راجع: العاملي
- صاحب المعالم
راجع: (1: 586، رقم 45)
- صاحب المناهل
راجع: الطباطبائي
- صاحب الوسائل
راجع: الحر العاملي
- الصدر = السيد الصدر
راجع: (1: 587، رقم 48)
- الصدوق
راجع: (1: 588، رقم 49)
- الطباطبائي = صاحب الرياض
راجع: (1: 589، رقم 50)



(1) أعيان الشيعة 9: 233.
وانظر روضات الجنات 2: 126، الترجمة رقم
148، فقد ترجمه ضمن ترجمة أخيه الشيخ محمد تقي.
473
- الطباطبائي = صاحب المناهل
راجع: (1: 589، رقم 51)
- الطباطبائي = صاحب الميزان
السيد محمد حسين بن محمد بن محمد حسين
ابن علي أصغر شيخ الإسلام القاضي
(1321 - 1402 ه‍ ق)
ولد المترجم في أسرة علمية عريقة في تبريز،
فأخذ شطرا من المعارف والعلوم هناك، ثم غادرها
- لاستكمال الدراسات العالية - إلى النجف
الأشرف، فحضر في الفقه والأصول عند العلمين:
الشيخ محمد حسين الإصفهاني، والشيخ محمد
حسين النائيني. وفي الرجال عند الحجة
الكوه كمري. وفي الحكمة والفلسفة عند السيد حسين
البادكوبي. وفي الرياضيات العالية، والعلوم
الهندسية - المسطحة والفضائية - والجبر الاستدلالي
عند السيد أبي القاسم الخوانساري.
اضطر - لسوء المعيشة - إلى العودة إلى
تبريز، فاشتغل فيها بالفلاحة والزراعة طوالة عشر
سنوات، ثم تركها مهاجرا إلى قم، فاستقر بها، فقام
بتربية جيل من العلماء خدموا الثقافة الإسلامية
بصورة عامة، وكان أبرزهم المرحوم الشهيد
مرتضى المطهري (قدس سره).
له مؤلفات كثيرة، كتبها في النجف وقم
وتبريز، أهمها:
1 - تفسير الميزان: في عشرين جزءا، وهو
تفسير القرآن بالقرآن، يشتمل على بحوث في
الفلسفة والتأريخ والاجتماع، وغيرها. وقد تمت
ترجمته إلى الفارسية.
2 - أصول الفلسفة الواقعية (أسس الفلسفة
والمذهب الواقعي) دحض فيه الفلسفة المادية،
ولتلميذه الشهيد المطهري حواش وتعليقات ثمينة
عليه، بلغ المجموع خمسة أجزاء، وقد قام بتعريبه
أحد الأصدقاء الفضلاء.
3 - تعليق على " كفاية الأصول " للآخوند
الخراساني.
4 - تعليق على " الأسفار " لصدر المتألهين.
وله كتب ورسائل عديدة أخرى، إضافة إلى
مناظرات مع البروفسور " كربن " حول الشيعة،
ومقالات ألقاها - في التعريف بالشيعة - على " كنت
موركان " أستاذ جامعة هارفرد الأمريكية (1).
توفي في 18 محرم الحرام سنة 1402، وقد
حضر تشييعه الآلاف من العلماء والطلبة وسائر
الطبقات، وكنت ممن حضر تشييعه.



(1) أنظر ترجمته في:
أ - أعيان الشيعة 9: 254.
ب - نقباء البشر 2: 645.
ج - گنجينهء دانشوران: 226.
د - مهر تابان، وهو مما ألفه أحد تلامذته في حالاته.
474
- الطبرسي = صاحب مجمع البيان
أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (1)
(- 548 ه‍ ق)
" أمين الإسلام... راية العلم وآية الهدى،
وفي الجبهة والسنام، من زعماء الدين وعمد
المذهب... " (2).
كذا قال عنه العلامة الأميني في شهداء
الفضيلة، وبمثل ذلك - أو ما يقاربه - قال عنه كل من
ترجمه، وهم كثيرون.
سكن المشهد الرضوي المقدس، ثم هاجر إلى
سبزوار سنة 523، وكان بها إلى أن توفي - أو
استشهد - ليلة عيد الأضحى سنة 548 عن عمر
يقارب التسعين عاما، ثم نقل جثمانه إلى مشهد
الإمام الرضا (عليه السلام)، وقبره الآن معروف في جوار
مرقد الإمام (عليه السلام).
له كتب عديدة، أهمها:
1 - مجمع البيان في تفسير القرآن: قال عنه
السيد الأمين: " فسر به القرآن الكريم في عشرة
مجلدات، المستمد من " البيان " لشيخ الطائفة محمد
ابن الحسن بن علي الطوسي - كما ألمع إلى ذلك في
مقدمة مجمع البيان - والفائق عليه في الترتيب
والتهذيب والتحقيق والتنميق واختصار الفروع
الفقهية التي أكثر الشيخ من ذكرها، وهو من أحسن
التفاسير وأجمعها لفنون العلم، وأحسنها ترتيبا،
فرغ من تأليفه في منتصف ذي القعدة سنة ست
وثلاثين وخمسمائة... " (1).
2 - الكاف الشاف من كتاب الكشاف: في
التفسير أيضا.
3 - جامع الجوامع أو جوامع الجامع: في
التفسير أيضا. ألفه بعد اطلاعه على تفسير الكشاف
للزمخشري، ليكون جامعا بين فوائد الكتابين
مجمع البيان والكشاف على نحو مختصر.
4 - الوافي: في التفسير أيضا.
ومؤلفات أخرى عديدة في موضوعات
شتى (2).



(1) نسبة إلى طبرس، والمراد منها: إما " طبرستان "، وهي
" مازندران " الحالية الواقعة على حافة بحر الخزر (بحر
قزوين)، وإما " تفرش "، وهي فعلا ضمن مقاطعة
" أراك " في مركز إيران، وكانت تحسب من ضواحي
" قم "، فيكون ضبط الكلمة على الأول " الطبرسي "،
وعلى الثاني " الطبرسي " معرب " تفرش ".
(2) شهداء الفضيلة: 45.
(1) أعيان الشيعة 8: 399.
(2) أنظر ترجمته إضافة إلى ما سبق في المصادر التالية:
أ - أمل الآمل (القسم الثاني): 216، الترجمة رقم
650.
ب - لؤلؤة البحرين: 346، الترجمة رقم 116.
ج - روضات الجنات 5: 357، الترجمة رقم 544.
د - الفوائد الرضوية: 350.
ومصادر أخرى كثيرة.
475
- الطبرسي = صاحب مكارم الأخلاق
أبو نصر الحسن بن الفضل بن الحسن بن الفضل
الطبرسي (القرن السادس)
هو نجل الطبرسي - صاحب مجمع البيان -
المتقدم ذكره، قال عنه صاحب رياض العلماء
ضمن ترجمة والده: " كان (قدس سره)، وولده رضي الدين
حسن بن الفضل صاحب كتاب مكارم الأخلاق،
وسبطه أبو الفضل علي بن الحسن صاحب مشكاة
الأنوار، وسائر سلسلته وأقربائه من أكابر
العلماء " (1).
وقال عنه الحر العاملي: " كان فاضلا محدثا،
له كتاب مكارم الأخلاق... " (2).
وكتابه مكارم الأخلاق مشهور، قال عنه
السيد الأمين: " أول ما طبع هذا الكتاب، طبع في
مصر، في مطبعة محمد عبد الواحد الطوبي وعمر
حسين الخشاب، في شعبان سنة 1303، وانتشر
واشتهر وكثر الإقبال عليه ثم أعيد طبعه مرارا،
فطبع في مطبعة بولاق، وفي مطبعة أحمد البابي الحلبي
سنة 1306، لكنه حرف في جميع الطبعات تحريفا
قبيحا، وغير تغييرا شنيعا، ولم يخش محرفه الله
وقارا... ".
ثم ذكر أنه أعيد طبعه بأمر الإمام الميرزا
السيد محمد حسن الشيرازي طبق النسخ المصححة
الخطية الموجودة في إيران.
ثم ذكر موارد تحريف الكتاب، وهي كثيرة
جدا فيها: إبدال أسماء الأئمة (عليهم السلام) وفاطمة الزهراء
(عليها السلام) بأسماء غيرهم، وحذف بعض أقسام الكتاب،
وإضافة مطالب أخرى إليه (1).
والكتاب من مصادر موسوعة بحار الأنوار،
وترجم إلى الفارسية أيضا.
وللمترجم كتب أخرى.
- الطوسي
راجع: (1: 590، رقم 52)
- العاملي = صاحب المدارك
راجع: (1: 591، رقم 53)
- العاملي
= صاحب مفتاح الكرامة
راجع: (1: 592، رقم 54)



(1) لم يحضرني كتاب رياض العلماء، لكن نقل ذلك عنه
جماعة منهم السيد الخوانساري في روضات الجنات 5:
357، ضمن ترجمة والده.
(2) أمل الآمل (القسم الثاني): 75، الترجمة رقم 203.
(1) أعيان الشيعة 5: 223.
476
- العراقي
راجع: (1: 592، رقم 55)
- العلامة
راجع: الحلي
- العماني
راجع: ابن أبي عقيل
- الفاضل الجواد
راجع: الكاظمي
- الفاضل المقداد
= السيوري
راجع: (1: 593، رقم 59)
- الفاضل الهندي
= الفاضل الإصفهاني
راجع: (1: 594، رقم 60)
- فخر الدين = فخر المحققين
محمد بن الحسن بن يوسف الحلي
(682 - 771 ه‍ ق)
تربى في أحضان والده العلامة الحلي،
وكان يثني عليه كثيرا. وقد ألف عدة من كتبه
بالتماسه كما صرح بذلك في مقدماتها، منها
كتاب " الألفين في إمامة أمير المؤمنين " فإنه قال
فيها:
" أما بعد... أجبت سؤال ولدي العزيز محمد
أصلح الله له أمر داريه كما هو بر بوالديه، ورزقه
أسباب السعادات الدنيوية والأخروية، أطاعني في
استعمال قواه العقلية والحسية، وأسعفه ببلوغ آماله
كما أرضاني بأقواله وأفعاله، وجمع له بين الرياستين،
كما أنه لم يعصني طرفة عين... ".
وقال ما يقرب ذلك في مقدمة التذكرة
والإرشاد والقواعد. وله وصية له في آخر القواعد.
وقد أثنى عليه جملة من المشايخ بأبلغ المدح
والثناء، منهم الشهيد الأول، وكان من تلامذته (1)،
وقال عنه معاصره ابن القوطي: " فخر الدين
أبو الفضائل محمد بن جمال الدين الحسن بن يوسف
ابن المطهر الأسدي الحلي، الفقيه الحكيم الأصولي.
اشتغل على والده بالفقه والأصول، وبحث المنطق،



(1) البحار 104: 195، إجازة الشهيد الأول لمحمد بن
عبد العلى بن نجده.
477
وقرأ أكثر تصانيفه. ولما توجه إلى الحضرة
السلطانية على عزم الإمامة كان في خدمته من سنة
(710). وهو كريم الأخلاق، فصيح العبارة، مليح
الإشارة، رأيته في حضرة والده وله ذهن حاد،
وخاطر نقاد، وفخر الدين ذو الفخر الفخم، والعلم
الجم، والنفس الأبية، والهمة العلية... " (1).
كان بمحضر والده عند التقائه بالشاه
محمد خدابنده واستبصار الشاه على يديه،
وكان بمنزلته العلمية إلى حد بحيث كان ينقد آراء
والده، وربما صار ذلك سببا لعدول والده عن بعض
آرائه.
له آثار فقهية وأصولية وكلامية، وأغلبها
شروح وحواش على كتب والده، منها:
1 - إيضاح الفوائد في شرح القواعد: وقد
نقلنا آراءه الفقهية من كتابه هذا.
2 - حاشية الإرشاد: مخطوط، لم يطبع.
3 - شرح كتاب مبادئ الوصول: مخطوط، لم
يطبع أيضا (2).
- الفضل بن شاذان
كان من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ومن الفقهاء،
قال عنه النجاشي: " الفضل بن شاذان بن الخليل
أبو محمد الأزدي النيسابوري (النيشابوري)
كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر
الثاني، وقيل: الرضا أيضا (عليهما السلام) وكان ثقة،
أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين. وله جلالة
في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن
نصفه " (1).
ونقل عنه ابن النديم ترتيب القرآن في
مصحف أبي بن كعب (2).
وذكره الشيخ الطوسي - في رجاله - في
أصحاب الإمامين: علي بن محمد الهادي، والحسن
ابن علي العسكري (عليهما السلام)، وذكر أباه " شاذان " في
أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام).
أما مصنفاته فقد نقل النجاشي عن الكنجي:
" أنه صنف مائة وثمانين كتابا " (3)، ثم عد منها
ما وصل إليه.
توفي الفضل في أيام أبي محمد العسكري
(عليه السلام)، وقبره بنيسابور (نيشابور) في مقاطعة



(1) نقله عنه السيد محمد صادق بحر العلوم في هامش لؤلؤة
البحرين: 191.
(2) أنظر ترجمته على سبيل المثال في المصادر التالية:
أ - أمل الآمل (القسم الثاني): 260، الترجمة رقم
768.
ب - لؤلؤة البحرين: 190، الترجمة رقم 73.
ج - روضات الجنات 6: 330، الترجمة رقم 591.
د - مقدمة كتاب إيضاح الفوائد.
(1) أنظر: رجال النجاشي: 306، الترجمة 840.
(2) الفهرست (لابن النديم): 40، باب ترتيب القرآن في
مصحف أبي.
(3) أنظر: رجال النجاشي: 306، الترجمة 840.
478
خراسان شمال شرق إيران (1).
- القاضي
راجع: ابن البراج
- القمي = المحقق القمي
راجع: (1: 594، رقم 62)
- الكاشاني
راجع: (1: 595، رقم 63)
- كاشف الغطاء
راجع: (1: 596، رقم 64)
- الكاظمي
= الفاضل الجواد
راجع: (1: 596، رقم 65)
- الكرباسي = الكلباسي
الميرزا أبو المعالي بن إبراهيم الإصفهاني
(1247 - 1315 ه‍ ق)
قال عنه السيد الأمين: " عالم، عامل،
فاضل، متجرد، دقيق النظر، كثير التتبع، حسن
التحرير، كثير التصنيف، كثير الاحتياط، شديد
الورع، عالم رباني، منقطع إلى العلم لا يفتر عن
التحصيل ساعة... " إلى أن قال:
" له جملة مؤلفات ذكر كثيرا منها ولده الميرزا
أبو الهدى في " البدر التمام "... " (1). ثم ذكر نحو خمسة
وستين كتابا ورسالة في الفقه والأصول والرجال
والتفسير وغيرها. منها:
كتاب الاستخارات الذي استفدنا منه في
عنوان " استخارة "، ورسالة في حكم التداوي
بالمسكر، ورسالة في التربة الحسينية، ورسالة في
الإسراف سماها بالرسالة الإسرافية، ورسالة في
أصوات النساء، إلى غير ذلك.
- الكركي
راجع: (1: 597، رقم 66)



(1) الرجال (للشيخ الطوسي): 420 و 434.
وانظر: الفهرست (للشيخ الطوسي): 254، الترجمة
رقم 559، ومعجم رجال الحديث 13: 289، الترجمة
رقم 9355، وسفينة البحار 7: 100، مادة " فضل ".
(1) أعيان الشيعة 2: 433.
وانظر نقباء البشر 1: 81.
479
- الكليني
راجع: (1: 598، رقم 67)
- المجلسي
المولى محمد باقر بن المولى محمد تقي المجلسي
(1037 - 1110 ه‍ ق)
ولد في إصفهان، ونشأ بها، وتوفي فيها.
قال عنه معاصره الحر العاملي:
" عالم، فاضل، ماهر، مدقق، علامة، فهامة،
فقيه، متكلم، محدث، ثقة ثقة، جامع للمحاسن
والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال الله
بقاءه... " (1).
وقال عنه المحدث البحراني:
" كان إماما في وقته في علم الحديث وسائر
العلوم، شيخ الإسلام بدار السلطنة إصفهان، رئيسا
فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية، إماما في الجمعة
والجماعة، وهو الذي روج الحديث ونشره لا سيما في
الديار العجمية، وترجم لهم الأحاديث العربية
- بأنواعها - بالفارسية، مضافا إلى تصلبه في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر... " (2).
وهكذا أطرى عليه كل من ترجم له. والحق
أن له فضلا كبيرا، فهو من مشيدي المذهب (رحمه الله).
له تأليفات كثيرة باللغتين العربية والفارسية،
أهمها:
1 - بحار الأنوار: موسوعة روائية كبيرة تقع
في مئة وعشرة مجلدات بالطباعة الحديثة. جمع فيه
ما ورد من الأحاديث والروايات عن أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) في أصول الاعتقادات والفقه
والأخلاق والأدعية، وتواريخ النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
المعصومين (عليهم السلام)، ومجموعة من إجازات العلماء التي
تضم تراجم جمع غفير منهم أيضا.
وله في ذيل بعض الروايات بيان يرفع فيه
غوامض الأخبار وما يصيبها من العلل، كالتعارض
ونحوه.
2 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول:
وهو شرح لكتاب الكافي للكليني في ستة وعشرين
مجلدا.
3 - ملاذ الأخيار في شرح تهذيب الأخبار:
وهو شرح لكتاب التهذيب للشيخ الطوسي يقع في
ستة عشر مجلدا.
وله كتب ورسائل أخرى كثيرة باللغتين
العربية والفارسية (1).



(1) أمل الآمل (القسم الثاني): 248، الترجمة رقم 733.
(2) لؤلؤة البحرين: 55.
(1) ترجمه كثيرون، أنظر - إضافة إلى ما تقدم - على سبيل
المثال:
أ - روضات الجنات 2: 78، الترجمة رقم 142.
ب - الفوائد الرضوية: 410.
ج - أعيان الشيعة 9: 182.
480
- المحقق
راجع: الحلي
- المحقق الثاني
راجع: الكركي
- المحقق القمي
راجع: القمي
- المراغي
راجع: (1: 599، رقم 72)
- المرتضى = السيد
= السيد المرتضى
راجع: (1: 599، رقم 73)
- المروج
السيد محمد جعفر الموسوي الجزائري
(1328 ه‍ ق -)
ولد في تستر (شوشتر) وأخذ العلم عن
علمائها، ثم هاجر سنة 1348 ه‍ ق إلى النجف
الأشرف، فأخذ العلم من فطاحلها.
ومن جملة من أخذ عنهم: الشيخ ضياء الدين
العراقي، والسيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد
محمود الشاهرودي، والسيد محسن الحكيم.
كانت له حلقة تدريس حضرها جملة من
الأفاضل.
هاجر إلى إيران بعد التهجير العام سنة
1391 ه‍ ق.
له مؤلفات عديدة ربما تتجاوز أربعة عشر
مؤلفا في عشرات المجلدات، فيها تقريرات أبحاث
أساتذته المشار إليهم، وفيها ما كتبه هو في الفقه
والأصول والكلام. والمطبوع منها:
1 - منتهى الدراية في توضيح الكفاية: وهو
شرح لكفاية الأصول للآخوند الخراساني، يقع في
ثمانية مجلدات.
وهو كتاب أصولي متين، حظي باستقبال
وافر من قبل العلماء والفضلاء، وقد استفدنا منه في
قسم الأصول من موسوعتنا هذه.
2 - هدى الطالب: وهو شرح لكتاب
المكاسب للشيخ الأنصاري، من أول البيع إلى بحث
بيع المكره، ألفه على غرار منتهى الدراية. صدر منه
- حديثا - الجزء الأول، وهو ملئ بالتحقيقات
المهمة. وربما لا يقل مجموع أجزاء الكتاب عن خمسة
عشر جزءا (1).



(1) اقتبسنا ما كتبناه من الترجمة التي أتحفنا بها أخونا
سماحة السيد محمد علي المروج نجل المترجم له (أدام الله
ظله ومنحه الصحة والعافية).
481
- المظفر
راجع: (1: 600، رقم 74)
- المفيد
راجع: (1: 601، رقم 75)
- النائيني = المحقق النائيني
راجع: (1: 602، رقم 76)
- النجفي = صاحب الجواهر
راجع: (1: 603، رقم 77)
- النراقي
المولى أحمد بن مهدي بن أبي ذر الكاشاني
النراقي (1185 - 1244 ه‍ ق) (1)
ولد في نراق - من توابع كاشان (2) - ونشأ بها
في حضن والده، وكان من العلماء المعروفين.
سافر إلى العراق سنة 1205 ه‍ ق لزيارة
العتبات المقدسة والالتقاء بكبار العلماء، قال السيد
الأمين:
" قرأ على والده في كاشان كثيرا، وعلى بعض
أفاضل العراق يسيرا، مثل بحر العلوم الطباطبائي،
والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء،
والشهرستاني، ويقال: إنه لقي البهبهاني (1) " (2).
عاد إلى كاشان، وانتهت إليه الرئاسة بعد
وفاة والده سنة 1209 ه‍.
سافر إلى العراق للمرة الثانية سنة
1212 ه‍ ق.
قال عنه السيد الأمين أيضا: " كان عالما
فاضلا جامعا لأكثر العلوم لا سيما الأصول والفقه،
والرياضي، شاعرا بليغا بالفارسية، لكن أكثر
تحصيله كان من الكتب لا أفواه الرجال... ".
إلى أن قال:
"... وكانت له شفقة عظيمة على الضعفاء
والفقراء، وهمة عالية في تحمل أعبائهم، وسد
حاجاتهم، وقضاء حوائجهم " (3).
قصده الشيخ الأعظم الأنصاري أيام تجوله
في المدن الإيرانية لكسب العلوم، واستفاد منه - بل
ربما كانت الاستفادة من الطرفين - وكثيرا ما يعبر
عنه ب‍ " بعض مشايخنا ".



(1) وقيل: كانت ولادته سنة 1186، ووفاته سنة 1245.
(2) بينها وبين كاشان عشرة فراسخ.
(1) ولعله كان يحضر مع والده درس الوحيد البهبهاني.
(2) أعيان الشيعة 3: 184.
(3) المصدر نفسه.
482
توفي بالوباء العام الذي اجتاح منطقة كاشان
آنذاك (1).
- الهمداني = المحقق الهمداني
آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي
(- 1322 ه‍ ق)
قال عنه تلميذه السيد الأمين: " كان عالما
فقيها أصوليا محققا مدققا، من أفضل تلاميذ الميرزا
السيد محمد حسن الشيرازي، مشغولا ليله ونهاره
بالمطالعة والتأليف والتدريس في الفقه والأصول.
يأتي صباحا من داره التي تقرب مسجده الذي كان
يؤم فيه، فنسمع درسه في الفقه الذي كان يلقيه من
كتابه مصباح الفقيه، وقد كتبه في اليوم الماضي
والليلة الماضية... ".
وقال عن زهده وتواضعه وكراهته الشهرة
وانعزاله أمورا كثيرة، وقال فيما قال عنه: "... وبعد
وفاة الميرزا الشيرازي قلد وكان قد كتب حاشية
على نجاة العباد، ورجع إليه جماعة من الخواص
معتقدين أعلميته، ولم تطل أيامه، وعرض له مرض
النسيان فامتنع عن الفتيا وقبض الحقوق، وخرج
من النجف لتغيير الهواء، وأقام بسامراء فازداد فيها
ضعفه ومرضه، وتوفي فيها في سن الكهولة ".
من مؤلفاته:
1 - مصباح الفقيه: شرح على الشرائع، خرج
منه ثلاثة مجلدات (الطهارة = طهارة الهمداني)،
و (الصلاة = صلاة الهمداني)، و (الزكاة والخمس
والصوم)، والثلاثة الأخيرة في مجلد واحد.
2 - حاشية الرسائل.
3 - حاشية المكاسب.
4 - تقريرات أبحاث الميرزا الشيرازي في
الفقه والأصول (1).
- الوحيد البهبهاني = الأستاذ الأكبر
راجع: (1: 604، رقم 79)
- يحيى بن سعيد
راجع: الحلي
- اليزدي = السيد اليزدي
راجع: (1: 605، رقم 80)

483
- يونس بن عبد الرحمن
كان من الفقهاء المعاصرين للأئمة (عليهم السلام)،
المشار إليهم بالبنان، قال عنه النجاشي: " يونس بن
عبد الرحمن، مولى علي بن يقطين... كان وجها في
أصحابنا، متقدما، عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام
ابن عبد الملك، ورأي جعفر بن محمد (عليهما السلام) بين
الصفا والمروة ولم يرو عنه. وروى عن أبي الحسن
موسى والرضا (عليهما السلام)، وكان الرضا (عليه السلام) يشير إليه
في العلم والفتيا... ".
وقال عنه ابن النديم: "... علامة زمانه، كثير
التصنيف على مذاهب الشيعة ".
وقال الإمام الرضا (عليه السلام) لوكيله عبد العزيز
ابن المهتدي - حينما سأله عمن يأخذ معالم دينه -:
" خذ عن يونس بن عبد الرحمن ". وهذه منزلة
عظيمة كما قال النجاشي.
وحينما رأى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
كتابه " كتاب يوم وليلة " قال: " أعطاه الله بكل
حرف نورا يوم القيامة ".
وأما تصانيفه فقد قال عنها النجاشي:
" وكانت له تصانيف كثيرة، منها... " ثم ذكر نحو
ثلاثة وثلاثين كتابا (1).

484
فهرس المصادر
- القرآن الكريم.
- نهج البلاغة.
" الفقه "
- إرشاد الأذهان (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي،
ر: 27 (1).
- اقتصادنا (ط: دار الفكر، الطبعة الثانية): السيد محمد باقر الصدر، ر: 55.
- الأم (ط: دار المعرفة): محمد بن إدريس الشافعي = الإمام الشافعي.
- الانتصار (ط: منشورات الشريف الرضي): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 86.
- إيضاح الفوائد (ط: مؤسسة كوشانبور - اسماعيليان): محمد بن الحسن بن يوسف الحلي = فخر المحققين، ر: 71.
- بداية الهداية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد بن الحسن الحر العاملي، ر: 22.
- البيان (ط: المؤسسة الثقافية للإمام المهدي (عليه السلام)): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 38.
- البيع (ط: مطبعة مهر): الإمام الخميني، ر: 25.
- تبصرة المتعلمين (ط: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي): الحسن بن يوسف
= العلامة الحلي، ر: 27.
- تحرير الأحكام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- تحرير الوسيلة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الإمام الخميني، ر: 30.

485
- تذكرة الفقهاء (ط: المكتبة المرتضوية): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- تذكرة الفقهاء (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- التنقيح في شرح العروة الوثقى (ط: دار الهادي): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- التنقيح الرائع (ط: مكتبة المرعشي): المقداد بن عبد الله السيوري = الفاضل المقداد، ر: 69.
- جامع الشتات (ط: شركة الرضوان): الميرزا أبو القاسم القمي، ر: 74.
- الجامع للشرائع (ط: مؤسسة سيد الشهداء): يحيى بن سعيد الحلي، ر: 28.
- جامع المقاصد (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): علي بن الحسين = المحقق الكركي، ر: 79.
- جواهر الكلام (ط: مكتبة الآخوندي): الشيخ محمد حسن النجفي، ر: 91.
- حاشية الآخوند على المكاسب (ط: الحجرية): محمد كاظم الخراساني = الآخوند الخراساني، ر: 29.
- حاشية السيد اليزدي على المكاسب (ط: مؤسسة دار العلم): محمد كاظم اليزدي = السيد اليزدي، ر: 96.
- حاشية المحقق الإصفهاني على المكاسب (ط: مجمع الذخائر الإسلامية): الشيخ محمد حسين الإصفهاني
= المحقق الإصفهاني، ر: 12.
- الحبل المتين (ط: مكتبة بصيرتي): محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي = الشيخ البهائي، ر: 19.
- الحدائق الناضرة (ط: مكتبة الآخوندي - جماعة المدرسين): يوسف بن أحمد بن عصفور البحراني
= المحدث البحراني، ر: 16.
- الخلاف (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن الحسن = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- الدرة النجفية (ط: مكتبة المفيد): السيد محمد مهدي الطباطبائي = بحر العلوم، ر: 17.
- الدروس (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 38.
- ذخيرة المعاد (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، ر: 35.
- الذكرى (ط: مكتبة بصيرتي): محمد بن مكي العاملي = الشهيد الأول، ر: 38.
- الرسائل (ط: مطبعة مهر): الإمام الخميني، ر: 30.
- رسائل المحقق الكركي (ط: مكتبة آية الله المرعشي): علي بن الحسين = المحقق الكركي، ر: 79.
- رسائل السيد المرتضى (ط: دار القرآن الكريم): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 86.
- رسالة ابن بابويه: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، ر: 3.
- رسالة الاستخارة (ط: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)): أبو المعالي الكلباسي، ر: 78.
- روض الجنان (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 39.
- الروضة البهية (ط: جامعة النجف): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 39.

486
- الرياض (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد علي الطباطبائي، ر: 57.
- الرياض (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): السيد علي الطباطبائي، ر: 57.
- السرائر (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن منصور بن إدريس الحلي، ر: 2.
- شرائع الإسلام (ط: مطبعة الآداب في النجف): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 26.
- الطهارة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 14.
- العروة الوثقى: السيد محمد كاظم اليزدي، ر: 96.
- غنية النزوع (ط: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)): حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، ر: 7.
- فتح الأبواب (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد علي بن موسى بن طاووس الحلي، ر: 8.
- قواعد الأحكام (ط: منشورات الرضي): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- الكافي في الفقه (ط: مكتبة الإمام أمير المؤمنين - إصفهان): أبو الصلاح الحلبي، ر: 25.
- كشف الغطاء (ط: انتشارات مهدوي): الشيخ جعفر الكبير، ر: 76.
- كشف اللثام (ط: مكتبة آية الله المرعشي): محمد بن الحسن = الفاضل الإصفهاني، ر: 48.
- كفاية الأحكام (ط: مدرسة الصدر - مهدوي): محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، ر: 35.
- كنز العرفان (ط: المكتبة الرضوية): المقداد بن عبد الله السيوري = الفاضل المقداد، ر: 69.
- المبسوط (ط: المكتبة المرتضوية): محمد بن الحسن = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- مجمع الفائدة والبرهان (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): أحمد بن محمد = المحقق الأردبيلي،
ر: 10.
- المختصر النافع (ط: مكتبة المصطفوي): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 26.
- مختلف الشيعة (ط: مكتبة نينوى الحديثة): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- مختلف الشيعة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- مدارك الأحكام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد بن علي العاملي، ر: 51.
- المراسم (ط: جمعية منتدى النشر): أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (سلار)، ر: 36.
- مسالك الأفهام (ط: الحجرية): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 39.
- مسالك الأفهام (ط: مؤسسة المعارف الإسلامية): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 39.
- مسالك الأفهام (ط: المكتبة الرضوية): الفاضل الجواد الكاظمي، ر: 65.
- مستمسك العروة الوثقى (ط: مطبعة الآداب في النجف): السيد محسن الحكيم، ر: 23.
- مستند الشيعة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): أحمد بن محمد بن مهدي = الفاضل النراقي، ر: 92.

487
- مستند العروة الوثقى (ط: مكتبة الآداب في النجف): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- مشارق الشموس (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الآقا حسين بن محمد الخوانساري، ر: 26.
- مصباح الفقاهة (ط: المطبعة الحيدرية في النجف): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- مصباح الفقيه = طهارة الهمداني وصلاته وزكاته (ط: مطبعة الحيدري): الآغا رضا بن هادي = المحقق
الهمداني، ر: 93.
- المعتبر (ط: مجمع الذخائر): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 26.
- المعتمد (ط: لطفي - المطبعة العلمية): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- مفاتيح الشرائع (ط: مجمع الذخائر الإسلامية): المولى محمد محسن = الفيض الكاشاني، ر: 75.
- مفتاح الكرامة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد جواد العاملي، ر: 64.
- المقنع (ط: المكتبة الإسلامية): محمد بن علي بن بابويه = الصدوق، ر: 56.
- المقنعة (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن محمد بن النعمان = الشيخ المفيد، ر: 89.
- المكاسب (ط: مطبعة اطلاعات - تبريز = طبعة الشهيدي): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 14.
- المكاسب (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 14.
- المناهل (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد الطباطبائي = السيد المجاهد، ر: 58.
- منتهى المطلب (ط: الحجرية): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- منتهى المطلب (ط: مجمع البحوث الإسلامية - مشهد): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- منهاج الصالحين (ط: دار التعارف): السيد محسن الحكيم مع تعليقات للسيد محمد باقر الصدر، ر: 23 - 55.
- منهاج الصالحين (ط: مدينة العلم، الطبعة 28): السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- موسوعة الفقه الإسلامي (ط: وزارة الأوقاف المصرية): المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
- موسوعة الفقه الإسلامي (ط: ذات السلاسل - الكويت): وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت.
- المهذب (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): عبد العزيز بن البراج = القاضي ابن البراج، ر: 4.
- المهذب البارع (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): أحمد بن محمد بن فهد الحلي، ر: 9.
- الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 86.
- النهاية (ط: دار الكتاب العربي): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- نهاية الإحكام (ط: مؤسسة إسماعيليان): الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- نهاية المرام (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): السيد محمد العاملي، ر: 63.
- الوسيلة إلى نيل الفضيلة (ط: مكتبة آية الله المرعشي): محمد بن علي الطوسي = ابن حمزة، ر: 6.

488
" الأصول "
- الاجتهاد (ط: دار الزهراء (عليها السلام)): السيد محمد بحر العلوم، ر: 17.
- أجود التقريرات (ط: مكتبة المصطفوي، مكتبة الفقيه): تقريرات أبحاث الشيخ محمد حسين النائيني، ر: 90.
- الإحكام في أصول الأحكام (ط: دار الكتب العلمية): علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري.
- الإحكام في أصول الأحكام (ط: دار الكتب العلمية): علي بن أبي علي بن محمد الآمدي.
- إرشاد الفحول (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن علي بن محمد الشوكاني.
- أصول السرخسي (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي.
- الأصول العامة للفقه المقارن (ط: دار الأندلس): السيد محمد تقي الحكيم، ر: 24.
- أصول الفقه (ط: دانش إسلامي): الشيخ محمد رضا المظفر، ر: 88.
- أصول الفقه (ط: المكتبة التجارية بمصر): الشيخ محمد الخضري بك.
- بحوث في علم الأصول (ط: المجمع العلمي للشهيد الصدر): تقرير أبحاث الشهيد السيد الصدر، ر: 55.
- بدائع الأفكار (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الميرزا حبيب الله الرشتي، ر: 34.
- تهذيب الأصول (ط: مطبعة مهر): تقرير أبحاث الإمام الخميني، ر: 30.
- تمهيد القواعد (ط: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي): زين الدين العاملي = الشهيد الثاني، ر: 39.
- الحاشية على استصحاب القوانين (ط: مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري): الشيخ مرتضى
الأنصاري، ر: 14.
- حقائق الأصول (ط: مكتبة بصيرتي): السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ر: 23.
- الدرر النجفية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الشيخ يوسف البحراني، ر: 16.
- الذريعة إلى أصول الشريعة (ط: جامعة طهران): علي بن الحسين = السيد المرتضى، ر: 86.
- الرسائل (ط: مطبعة مهر): الإمام الخميني، ر: 30.
- زبدة الأصول (ط: الحجرية): محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي = الشيخ البهائي، ر: 19.
- الطلب والإرادة (ط: مركز الانتشارات العلمية): الإمام الخميني، ر: 30.
- عدة الأصول (ط: الحجرية): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- عناوين الأصول (ط: الحجرية): السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، ر: 85.
- عوائد الأيام (ط: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي): أحمد بن محمد مهدي النراقي = الفاضل
النراقي، ر: 92.

489
- فرائد الأصول (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ مرتضى الأنصاري، ر: 14.
- الفصول الغروية (ط: دار إحياء العلوم الإسلامية): الشيخ محمد حسين الإصفهاني، ر: 12.
- فوائد الأصول (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ محمد حسين النائيني، ر: 90.
- الفوائد الحائرية (ط: مجمع الفكر الإسلامي): الشيخ محمد باقر بن محمد أكمل = الوحيد البهبهاني، ر: 94.
- الفوائد المدنية (ط: الحجرية): محمد أمين الاسترآبادي، ر: 11.
- القواعد والفوائد (ط: مكتبة المفيد): محمد بن مكي = الشهيد الأول، ر: 38.
- القوانين المحكمة = قوانين الأصول (ط: المكتبة العلمية الإسلامية وطبعة عام 1287): أبو القاسم القمي
= المحقق القمي، ر: 47.
- كفاية الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد كاظم الخراساني = الآخوند الخراساني، ر: 29.
- كنز الفوائد = رسالة المفيد في الأصول (ط: دار الأضواء): محمد بن علي الكراجكي.
- مبادئ الوصول إلى علم الأصول (ط: مركز النشر - مكتب الإعلام الإسلامي): الحسن بن يوسف = العلامة
الحلي، ر: 27.
- محاضرات في أصول الفقه (ط: مكتبة الداوري): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- المستصفى من علم الأصول (ط: دار صادر): أبو حامد الغزالي.
- مصباح الأصول (ط: مطبعة النجف): تقريرات أبحاث السيد أبي القاسم الخوئي، ر: 32.
- معارج الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): جعفر بن الحسن = المحقق الحلي، ر: 26.
- معالم الدين في الأصول (ط: المكتبة العلمية الإسلامية): حسن بن زين الدين (الشهيد الثاني)، ر: 39.
- مفاتيح الأصول (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): السيد محمد الطباطبائي = السيد المجاهد، ر: 58.
- مقالات الأصول (ط: مجمع الفكر الإسلامي): الشيخ ضياء الدين العراقي، ر: 65.
- منتهى الدراية (ط: مطبعة النجف وغيرها): السيد محمد جعفر الجزائري المروج، ر: 87.
- الموافقات في أصول الشريعة (ط: دار الكتب العلمية): أبو إسحاق الشاطبي.
- نهاية الأفكار (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): الشيخ ضياء الدين العراقي، ر: 65.
- نهاية الدراية (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الشيخ محمد حسين الغروي الإصفهاني، ر: 12.
- نهاية الوصول إلى علم الأصول (مخطوط رقم الإيداع في مكتبة السيد الگلپايگاني 3495 / 18 / 15):
الحسن بن يوسف = العلامة الحلي، ر: 27.
- هداية المسترشدين (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد تقي الإصفهاني، ر: 42.
- الوافية (ط: مجمع الفكر الإسلامي): عبد الله بن محمد البشروي = الفاضل التوني، ر: 20.

490
" الحديث "
- الاستبصار (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- البحار (ط: دار إحياء التراث العربي - مؤسسة الوفاء): المولى محمد باقر المجلسي، ر: 81.
- التهذيب (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- دعائم الإسلام (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): القاضي أبو حنيفة، النعمان بن محمد.
- سفينة البحار (ط: دار الأسوة): الشيخ عباس القمي.
- سنن الترمذي (ط: دار إحياء التراث العربي): محمد بن عيسى بن سورة.
- سنن الدارمي (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن عبد الله الدارمي.
- صحيح البخاري مع حاشية السندي (ط: دار الفكر): محمد بن إسماعيل البخاري.
- صحيح مسلم (ط: دار الفكر): مسلم بن الحجاج النيسابوري.
- الكافي (ط: دار الكتب الإسلامية): محمد بن يعقوب الكليني، ر: 80.
- مرآة العقول (ط: دار الكتب الإسلامية): المولى محمد باقر المجلسي، ر: 81.
- مستدرك الوسائل (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): الميرزا حسين النوري.
- مكارم الأخلاق (ط: مؤسسة الأعلمي): الحسن بن الفضل الطبرسي، ر: 60.
- من لا يحضره الفقيه (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي = الصدوق، ر: 56.
- وسائل الشيعة (ط: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)): محمد بن الحسن الحر العاملي، ر: 22.
" التفسير "
- التبيان في تفسير القرآن (ط: دار إحياء التراث العربي): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.
- مجمع البيان في تفسير القرآن (ط: دار إحياء التراث العربي): الفضل بن الحسن الطبرسي، ر: 60.
- الميزان في تفسير القرآن (ط: مؤسسة الأعلمي): السيد محمد حسين الطباطبائي، ر: 59.
" الكلام "
- الاقتصاد (ط: دار الأضواء): محمد بن الحسن الطوسي = الشيخ الطوسي، ر: 62.

491
- أوائل المقالات (ط: مكتبة الداوري): محمد بن محمد بن النعمان = الشيخ المفيد، ر: 89.
- تصحيح الاعتقاد (ط: مكتبة الداوري): محمد بن محمد بن النعمان = الشيخ المفيد، ر: 89.
- التوحيد (ط: مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين): محمد بن علي القمي = الشيخ الصدوق، ر: 56.
- دلائل الصدق (ط: مكتبة بصيرتي): محمد حسن المظفر.
" الفلسفة "
- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة = الأسفار (ط: دار إحياء التراث العربي): صدر الدين الشيرازي
= صدر المتألهين.
" اللغة "
- أساس البلاغة (ط: دار المعرفة): محمود بن عمر الزمخشري.
- الصحاح (ط: دار العلم للملايين): إسماعيل بن حماد الجوهري.
- العين = ترتيب العين (ط: دار الأسوة - الأوقاف): الخليل بن أحمد الفراهيدي.
- الفائق في غريب الحديث (ط: دار الكتب العلمية): محمود بن عمر الزمخشري.
- القاموس (ط: دار الكتب العلمية): محمد بن يعقوب الفيروزآبادي.
- لسان العرب (ط: دار الفكر): محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي.
- مجمع البحرين (ط: مكتبة بوذرجمهري): فخر الدين الطريحي.
- محيط المحيط (ط: مكتبة لبنان): بطرس البستاني.
- مختار الصحاح (ط: عيسى البابي - مصر): محمد بن أبي بكر الرازي.
- المصباح المنير (ط: دار الكتب العلمية): أحمد بن محمد الفيومي.
- معجم لغة الفقهاء (ط: دار النفائس): محمد رواس قلعه جى، وحامد صادق قنيبي.
- معجم مقاييس اللغة (ط: دار الجيل): أحمد بن فارس.
- المعجم الوسيط (ط: مجمع اللغة العربية): لجنة معجم الوسيط.
- مفردات ألفاظ القرآن الكريم (ط: المكتبة المرتضوية): الحسين بن محمد = الراغب الإصفهاني.
- النهاية في غريب الحديث والأثر (ط: المكتبة الإسلامية - بيروت): المبارك بن محمد الجزري = ابن الأثير.

492
/ 1