فتاوى الواضحة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فتاوى الواضحة - نسخه متنی

محمد باقر صدر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: الفتاوى الواضحة
المؤلف: للسيد محمد باقر الصدر
الجزء:
الوفاة: 1400
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مطبعة الآداب - النجف الأشرف
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
الفتاوى الواضحة
للسيد محمد باقر الصدر
دام ظله
الجزء الأول
مطبعة الآداب في النجف الأشرف

1
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد
والأئمة الهداة من آله الطاهرين وبعد فان هذه
(الفتاوى الواضحة) تشتمل على احكام ترخيصية تمثل
فتاوانا وعلى احكام الزامية تمثل فتاوانا أو مواقع الاحتياط
الواجب في نظرنا وعلى آداب تعبر عن فتوى
أو احتمال اخذ به الفقهاء ومن الله تعالى نستمد السداد
والاعتصام وهو ولي التوفيق
محمد باقر الصدر
24 محرم الحرام 1396

3
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهداة الميامين خاتم الأنبياء
وأهل بيته الطاهرين.
وبعد فان الله سبحانه وتعالى حينما انزل على خاتم الأنبياء أشرف
رسالات السماء ضمن انسجامها مع فطرة الانسان وانفتاحها على كل ابعاد
وجوده ورعايتها له المهد إلى اللحد.
وقد انعكس ذلك بكل وضوح على الشريعة الاسلامية فكانت شريعة
الحياة في كل مناحيها والقيمة على توجيهها مع أخذ كل خصائص الانسان
وظروفه الواقعية بعين الاعتبار
كيف نشأت الحاجة إلى الاجتهاد
والمصدر الأساس للشريعة هو الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ولو
كانت أحكام الشريعة قد أعطت كلها من خلال الكتاب والسنة صيغ
وعبائر واضحة صريحة لا يشوبها اي شك أو غموض لكانت عملية استخراج
الحكم الشرعي نم الكتاب والسنة ميسورة لكثير من الناس، ولكنها في
الحقيقة لم تعط بهذه الصورة المحدودة المتميزة الصريحة وانما أعطيت منثورة
في دراستها والمقارنة بينها واستخراج النتائج النهائية منها، ويزداد هذا الجهد

4
العلمي ضرورة وتتنوع وتتعمق أكثر متطلباته وحاجاته كلما ابتعد الشخص
عن زمن صدور النص وامتد الفاصل الزمني بينه وبين عصر الكتاب والسنة
بكل ما يحمله هذا الامتداد من مضاعفات كضياع جملة من الأحاديث ولزوم
تمحيص الأسانيد وتغير كثير من أساليب التعبير وقرائن التفهيم والملابسات
التي تكتنف الكلام ودخول شئ كثير من الدس والافتراء في مجاميع
الروايات الامر الذي يتطلب عناية بالغة في التمحيص والتدقيق، هذا إضافة
إلى أن تطور الحياة يفرض هددا كبيرا من الواقع والحوادث الجديدة لم
يرد فيها نص خاص فلابد من استنباط حكمها على ضوء القواعد العامة
ومجموعة ما أعطي من أصول وتشريعات.
كل ذلك وغير ذلك مما لا يمكن استيعابه في هذا الحديث الموجز جعل
التعرف على الحكم الشرعي في كثير من الحالات عملا علميا معقدا وبحاجة
إلى جهد وبحث وهناء وان لم يكن كذلك في جملة من الحالات الأخرى
التي يكون الحكم الشرعي فيها واضحا كل الوضوح
كيف نشأت الحاجة إلى التقليد
وكانت ولا تزال سنة الحياة في كل ناحية نم مناحيها تفرض موقفا
مشابها لما تقدم، فأنت اي مجال من الحياة لاحظته تجد أن مما سنه تتطلب
معرفة معينة وان جزاء من هذه المعرفة قد يكون واضحا ومتيسرا على العموم
ولكن الجزء الأكبر منها غير واضح ويتطلب جهدا علميا ومعاناه في الدرس
والبحث، ففي المجال الصحي مثلا يعلم كل انسان بحكم التجربة الساذجة في
حياته انه إذا تعرض إلى مناخ بارد فجأة فقد يصاب باعراض حمى، ولكن
كثيرا من أساليب الوقاية والعلاج لا يعرفها الا عن طريق الطبيب ولا

5
يعرفها الطبيب الا بالبحث والجهد، وهكذا الحال في مجال التعمير والبناء
ومجالات الزراعة والصناعة على اختلاف فروعها.
ومن هنا وجد كل انسان انه لا يمكن عمليا ان يتحمل بمفردة مسؤولية
البحث والجهد الكامل في كل ناحية من نواحي الحياة لان هذا
عادة أكبر من قدرة الفرد وعمرة من ناحية ولا يتيح له التعمق في كل تلك
النواحي بالدرجة الكبيرة من ناحية أخرى، فاستقرت المجتمعات البشرية
على أن يتخصص لكل مجال من مجالات المعرفة والبحث عدد من الناس
فيكتفي كل فرد في غير مجال اختصاص محملا لهم المسؤولية في تقدير الموقف
وكان ذلك لونا من تقسيم العمل بين الناس سار عليه لانسان بفطرته منذ
أبعد العصور
ولم يشذ الاسلام عن ذلك بل جرى على نفس الأساس الذي اخذ
به الانسان في كل مناحي حياته فوضع مبدئي الاجتهاد والتقليد فالاجتهاد
هو التخصص في علوم الشريعة والتقليد هو الاعتماد على المتخصصين، فكل
مكلف يريد التعرف على الأحكام الشرعية يعتمد أولا على بداهته الدينية
العامة وما لا يعرف بالبداهة من احكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد
المتخصص، ولم يكلف الله تعالى كل انسان بالاجتهاد ومعاناة البحث والجهد
العلمي من اجل التعرف على الحكم الشرعي توفيرا للوقت وتوزيعا للجهد
الانساني على كل حقول الحياة. كما لم يأذن الله سبحانه وتعالى لغير المتخصص
المجتهد بأن يحاول التعرف المباشر على الحكم الشرعي من الكتاب والسنة
ويعتمد على محاولته بل أوجب عليه ان يكون التعرف على الحكم عن طريق

6
التقليد والاعتماد على العلماء المجتهدين، وبهذا كان التقليد أمرا واجبا مفروضا
في الدين. والتقليد على هذا الأساس يعني تحميل المسؤولية وانما سمي تقليدا
لان المكلف يضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلده تعبيرا رمزيا
عن تحميله مسؤولية هذا العمل امام الله سبحانه وتعالى وليس التقليد هو
التعصب والاعتقاد بما يعتقده الآخرون جهلا وبدون دليل
ففرق بين ان يبدي شخص رأيا فتسارع إلى اليقين بذلك الرأي بدون
ان تعرف دليلا عليه وتؤكد صحته، وبين ان يبدي شخص رأيا فتتبعه محملا
له مسؤولية هذا الرأي بحكم كونه من ذوي الاختصاص والمعرفة، فالأول
هو التقليد المذموم شرعا وعقلا والثاني هو التقليد الصحيح الذي جرت عليه
سنة الحياة شرعا وعقلا.
وقد احتاطت الشريعة للتقليد احتياطا كبيرا ففرضت على المكلف ان
يقلد اعلم المتخصصين في حالة اختلاف آرائهم وان لا يقلد الا من كان عادلا
لا يميل عن الشرع إلى هواه خطوة في كبيرة أو صغيرة لكي يضمن المقلد
بذلك أكبر درجة ممكنة من الصواب في رأي مرجعه الديني وأمرته في
اللحظة التي يجد فيها الأكفأ والأعلم من مقلده السابق ان يعدل إليه، كل
ذلك للابتعاد بالتقليد من معنى المتابعة العمياء والتعصب المذموم.
وعلى ذلك جرت سنة المؤمنين والمسلمين منذ عصر الأئمة عليهم
السلام إلى يومنا، هذا فقد كان الأئمة عليهم السلام يوجهون السائلين من
أبناء الأمصار الأخرى إلى تقليد الفقهاء من أبناء مدرستهم والرجوع إليهم
ولا يرون لهم عذرا في التسامح في ذلك.

7
حرمة التقليد في أصول الدين: وفي الوقت الذي أوجبت فيه الشريعة التقليد بالمعنى الذي ذكرناه
في فروع الدين من الحلال والحرام حرمته في أصول الدين فلم تسمح
للمكلف بان يقلد في العقائد الدينية الأساسية وذلك لان المطلوب شرعا في
أصول الدين ان يحصل العلم واليقين للمكلف بربه ونبيه ومعاده ودينه
وامامه ودعت الشريعة كل انسان إلى أن يتحمل بنفسه مسؤولية عقائده
الدينية الأساسية بدلا عن أن يقلد فيها ويحمل غيره مسؤوليتها، وقد عنف
القرآن الكريم بأشكال مختلفة أولئك الذين يبنون عقائدهم الدينية ومواقفهم
الأساسية من الدين قبولا ورفضا على التقليد للآخرين بدافع الحرص على
طريقة الآباء مثلا والتعصب لهم أو بدافع الكسل عن البحث والهروب من
تحمل المسؤولية.
ومن الواضح ان العقائد الأساسية في الدين - أصول الدين - لما
كانت محدودة عددا من ناحية ومنسجمة مع فطرة الناس عموما من ناحية
أخرى على نحو تكون الرؤية المباشرة الواضحة ميسورة فيها غالبا وذات
أهمية قصوى في حياة الانسان من ناحية ثالثة - كان تكليف الشريعة لكل
انسان بان يبذل جهدا مباشرا في البحث عنها واكتشاف حقائقها أمرا
طبيعيا ولا يواجه غالبا صعوبة كبيرة ولا يؤثر على المجرى العملي لحياة
الانسان، ولئن واجه أحيانا صعوبات كذلك فالانسان جدير ببذل الجهد
لتذليل تلك الصعوبات لان عقيدة الانسان هي أهم ما فيه، ومع ذلك فقد
لاحظت الشريعة أيضا اختلاف مستويات الناس الفكرية والثقافية فلم تكلف
كل انسان بالنظر والبحث في أصول الدين الا بالقدر الذي يتناسب مع

8
مستواه ويصل به إلى قناعة كاملة بالحقيقة تطمئن بها نفسه ويعمر بها قلبه
ويتحمل مسؤوليتها المباشرة امام ربه.
الاجتهاد والتقليد مبدآن مستمران: ولما كانت مصادر الشريعة محفوظة إلى يومنا هذا في الكتاب الكريم
كاملا بدون نقصان وفي عدد كبير من أحاديث السنة الشريفة، فمن الطبيعي
ان يستمر الاجتهاد كتخصص علمي في فهم تلك المصادر واستخراج الأحكام الشرعية
منها، ومن الطبيعي أيضا ان تنمو خبرات المجتهدين وتراكم لفتاتهم
وانتباهاتهم على مر الزمن وتكون للمجتهد المتأخر دائما رصيدا أكبر وعمقا
أوسع في الاستنباط، وهذا من الأسباب التي تدعو إلى عدم جواز جمود
المقلدين على مر الزمن وتكون للمجتهد المتأخر دائما رصيدا أكبر وعمقا
أوسع في الاستنباط، وهذا من الأسباب التي تدعو إلى عدم جواز جمود
المقلدين على رأي فقيه من فقهاء عصر الغيبة طيلة قرن أو قرون لان ذلك
كالجمود على رأي طبيب كذلك مع نمو الطب بعده وتراكم الخبرات
خلال تلك المدة.
ومن هنا كانت رابطة المقلد بالمرجع الديني رابطة حية متجدد باستمرار
ويزيدها قدسية ما يتمثل في المرجع من نيابة عامة عن الامام عليه الصلاة والسلام.
التركيز على العلماء في الشريعة: وحينما وضعت الشريعة الاجتهاد والتقليد كمبدئين مستمرين ما دام
الكتاب والسنة وفرضت المجتهد محورا ومرجعا للآخرين في شؤون دينهم
استعملت كل الأساليب الكفيلة بانجاح هذين المبدئين وأدائهما لرسالتهما

9
الدينية باستمرار. فمن ناحية أوجبت الاجتهاد وجوبا كفائيا على ما يأتي في الفقرة (21) من باب التقليد والاجتهاد. وحثت على طلب العلم ودراسة علوم الشريعة قال الله سبحانه وتعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (التوبة: 122). ومن ناحية أخرى حثت على التمسك بالعلماء والسؤال منهم قال تعالى
(فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (الأنبياء: 43) وقدمتهم إلى الناس
بوصفهم ورثة للأنبياء فقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) ان العلماء
ورثة الأنبياء وجاء عنه انه قال اللهم ارحم خلفائي فقيل يا رسول الله
ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي فيعلمونها
الناس من بعدي.
وفي رواية عن الامام أمير المؤمنين علي (ع) انه قال مجاري الأمور
على أيدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه إلى غير ذلك من الأحاديث
والروايات.
ورغبت الشريعة بشتى الأساليب في التقرب من العلماء والاستفادة
منهم حتى جعلت النظر إلى وجه العالم عبادة للترغيب في الرجوع إليهم
والاخذ منهم.
وبقدر عظمة المسؤولية التي أناطتها الشريعة بالعلماء شددت عليهم
وتوقعت منهم سلوكا عامرا بالتقوى والايمان والنزاهة نقيا من كل ألوان
الاستغلال للعلم لكي كونوا ورثة الأنبياء حقا.
فقد جاء عن الإمام العسكري عليه السلام في هذا السياق قوله فاما

10
من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه
فللعوام ان يقلدوه.
وفي رواية عن الإمام الصادق انه قال من استأكل بعلمه افتقر فقيل
له ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ويتلقون منهم
الصلة فقال ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى
من الله ليبطل الحقوق طمعا في حطام الدنيا.
وفي حديث عن الرسول (ص) انه قال: الفقهاء امناء الرسل ما لم
يدخلوا في الدنيا.
وقد جاء في الأحاديث التأكيد على المعنى العملي لاستمرار مبدأ الاجتهاد
إضافة إلى استمراره الشرعي وعلى ان الدين لن يعدم ابدا العلماء القادرين
على استيعابه والتفقه فيه وتفهيمه للآخرين ورفع الشبهات عنه.
فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) انه قال: يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف
الضالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير (1) خبث الحديد.
الرسالة العملية أهميتها وتطويرها: وقد كانت الرسائل العملية التي يكتبها المجتهدون لمقلديهم هي الأساس
لتعرف المقلدين على فتاوى من يقلدون، وبالتالي على ما يحتاجون إليه من
الأحكام الشرعية.
وقد قامت الرسائل العملية بدور مهم وجليل في هذا المجال ولكن
على الرغم مما تمتاز به عادة من الدقة في التعبير والايجاز في العبارة توجد

11
فيها على الأغلب ملاحظتان تستدعيان التغيير والتطوير.
الملاحظة الأولى: ان هذه الرسائل تخلو غالبا من المنهجية الفنية في
تقسيم الاحكام وعرضها وتصنيف المسائل الفقهية على الأبواب المختلفة.
ومن نتائج ذلك حصل ما يلي: أولا - ان كثيرا من الاحكام أعطيت ضمن صور جزئية محدودة
تبعا للأبواب ولم تعط لها صيغة عامة يمكن للمقلد ان يستفيد منها في نطاق واسع.
ثانيا - ان عددا من الاحكام دس دسا في أبواب أجنبية عنه لأدنى
مناسبة حرصا على نفس التقسيم التقليدي للأبواب الفقهية.
ثالثا - ان جملة من الاحكام لم تذكر نهائيا لأنها لم تجد لها مجالا
ضمن التقسيم التقليدي.
رابعا - انه لم يبدأ في كل مجال بالأحكام العامة ثم التفاصيل ولم تربط
كل مجموعة من التساؤلات بالمحور المثير لها ولم تعط المسائل التفريعية
والتطبيقية بوصفها أمثلة صريحة لقضايا أعم منها لكي يستطيع المقلد ان
يعرف الأشباه والنظائر
خامسا - افترض في كثير من الأحيان وجود صورة مسبقة عن العبادة
أو الحكم الشرعي ولم يبدأ العرض من الصفر اعتمادا على تلك الصورة
المسبقة.
سادسا - انطمست المعالم العامة للأحكام عن طريق نثرها بصورة غير
منتظمة وضاعت على المكلف فرصة استخلاص المبادئ العامة منها
الملاحظة الثانية: ان الرسائل العملية لم تعد تدريجيا بوضعها التاريخي
المألوف كافية لأداء مهمتها بسبب تطور اللغة والحياة، ذلك أن الرسالة
العملية تعبر عن احكام شرعية لوقائع من الحياة، والأحكام الشرعية بصيغتها

12
العامة وان كانت ثابتة ولكن أساليب التعبير تختلف وتتطور من عصر إلى
عصر آخر، ووقائع الحياة تتجدد وتتغير، وهذا التطور الشامل في مناهج
التعبير ووقائع الحياة يفرض وجوده على الرسائل العملية بشكل وآخر.
فاللغة المستعملة تاريخيا في الرسائل العملية كانت تتفق مع ظروف
الأمة السابقة إذ كان قراء الرسالة العملية مقصورين غالبا على علماء البلدان
وطلبة العلوم المتفقهين لان الكثرة الكاثرة من أبناء الأمة لم تكن متعلمة
واما اليوم فقد أصبح عدد كبير من أبناء الأمة قادرا على أن يقرأ ويفهم
ما يقرأ إذا كتب بلغة عصره وفقا لأساليب التعبير الحديث فكان لابد
للمجتهد المرجع ان يضع رسالته العملية للمقلدين وفقا لذلك.
والمصطلحات الفقهية التي تعتمد عليها الرسائل العملية غالبا للتعبير
عن المقصود قد كان من مبرراتها تاريخيا اقتراب الناس سابقا من تلك
المصطلحات في ثقافتهم، بينما ابتعد الناس عنها اليوم وتضاءلت معلوماتهم
الفقهية حتى أصبحت تلك المصطلحات على الأغلب غريبة تماما.
وعرض الاحكام من خلال صور عاشها فقهاؤنا في الماضي كان أمرا
معقولا فمن الطبيعي ان تعرض أحكام الإجارة مثلا من خلال افتراض
استئجار دابة للسفر، ولكن إذا تغيرت تلك الصور فينبغي ان يكون العرض
لنفس تلك الأحكام من خلال الصور الجديدة ويكون ذلك أكثر صلاحية
لتوضيح المقصود للمقلد المعاصر.
والوقائع المتزايدة والمتجددة باستمرار بحاجة إلى تعيين الحكم الشرعي
ولئن كانت الرسائل العملية تاريخيا تفي بأحكام ما عاصرته من وقائع فهي اليوم
بحاجة إلى أن تبدأ تدريجا باستيعاب غيرها مما تجدد في حياة الانسان
والأحكام الشرعية على الرغم من كونها ثابتة قد يختلف تطبيقها تبعا
للظروف من عصر إلى عصر فلابد لرسالة عملية تعاصر تغيرا كبيرا في

13
كثير من الظروف ان تأخذ هذا التغيير بعين الاعتبار في تشخيص الحكم
الشرعي، فمثلا الشرط الضمني - على حد تعبير الفقهاء - واجب ونافذ وهو
كل شرط دل عليه العرف العام وان لم يصرح به في العقد ولكن نوع هذه
الشروط - لما كان العرف هو الذي يحددها - تختلف فقد يكون شئ
ما شرطا ضمنيا مع العقد في عصر دون عصر.
وهكذا ينبغي للرسالة العملية ان تأخذ العرف المتطور بعين الاعتبار
في تحديد ذلك القسم من الاحكام الذي يرتبط بالعرف.
وقد وجدت محاولات منذ زمن للتطوير والتجديد في الرسائل العملية
ولكن لكل محاولة أهميتها وقيمتها.
وحينما صدرت تعليقتنا العملية على منهاج الصالحين أحسست احساسا
واضحا من خلال مراجعات القارئين وأسئلة السائلين بما كنت على ايمان به
من ضرورة الاخذ بالملاحظتين السابقتين في وضع رسالة عملية تتقيد بمنهج
سليم في العرض من الناحية الفنية وتلتزم بلغة مبسطة حديثة وتبدأ في
العرض من الصفر وتحاول ان تعرض الاحكام من خلال صور حية وتطبيقات
منتزعة من واقع الحياة وتتجه إلى بيان الحكم الشرعي لما يستجد من وقائع
وهذه (الفتاوى الواضحة) تحقيق لذلك بالقدر الذي اتسع له المجال
وإتاحة الفرصة ونسأل المولى القدير سبحانه وتعالى ان يتقبلها بلطفه وينفع
بها إخواننا المؤمنين.

14
مصادر الفتوى
ونرى من الضروري ان نشير أخيرا بصورة موجزة إلى المصادر التي
اعتمدنا بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة، وهي كما ذكرنا
في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة
بامتدادها المتمثل في سنة الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام
باعتبارهم أحد الثقلين الذين امر النبي (ص) بالتمسك بهما ولم نعتمد في
شئ من هذه الفتاوى على غير هذين المصدرين، اما القياس والاستحسان
ونحوهما فلا نرى مسوغا شرعيا للاعتماد عليها تبعا لائمة أهل البيت عليهم السلام.
واما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه
هل يسوغ العمل به أو لا فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به
ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف اثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل
كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة
واما ما يسمى بالاجماع فهو ليس مصدرا إلى جانب الكتاب والسنة
ولا يعتمد عليه الا من اجل كونه وسيلة اثبات للسنة في بعض الحالات
وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلى الله
تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بهما ومن استمسك بهما (فقد استمسك بالعروة
الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)

15
التقسيم في هذه الرسالة
وقد بدانا في هذه الرسالة العملية بالتقليد فذكرنا احكام المقلد واحكام
الاجتهاد والاحتياط وتكلمنا بعد ذلك عن التكليف وشروطه ثم صنفنا
الاحكام إلى أربعة اقسام:
القسم الأول العبادات.
القسم الثاني الأموال ويشمل على الأموال العامة والأموال الخاصة.
القسم الثالث السلوك الخاص.
القسم الرابع السلوك العام.
وسيأتي توضيح ما هو المقصود بكل واحد من هذه الأقسام في نهاية
الحديث عن التكليف وشروطه.
ونسأل المولى القدير تعالى السداد والاعتصام وما توفيقي الا بالله عليه
توكلت واليه أنيب وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
النجف الأشرف
26 / محرم الحرام 1396
محمد باقر الصدر

16
التقليد والاجتهاد

17
بسم الله الرحمن الرحيم

18
الطرق الثلاث لطاعة الله
1 - في دين الله سبحانه أوامر ونواه، جلت عظمته، يسأل عباده
عنها، ولا وسيلة لمعرفة المكلف بأنه قد أدى إلى الله طاعته في امره واتقاه
في نهيه الا إذا كان في جميع أفعاله وتروكه مجتهدا في أحكام الشريعة
أو مقلدا لمن هو أهل للتقليد والاقتداء به، أو محتاطا على أن يستند في
احتياطه إلى علمه هو واجتهاده أو إلى تقليد مجتهد معين.
هذا في غير البديهيات الدينية والمسلمات الواضحة كوجوب الصوم
والصلاة وحرمة الزنا والربا وكالمسائل القطعية التي يمكن العلم بها بلا جهد
ودرس كبعض الواجبات وكثير من المستحبات وأكثر المباحات التي يعرف
حكمها الكثير من الناس الذين يعيشون في البيئات الدينية، ومنها - على
سبيل المثال - وجوب العدة على زوجة الميت وعلى المطلقة الشابة بعد المقاربة
واستحباب الأذكار والدعوات، وإباحة اكل الرمان، فان هذا النوع من
الاحكام لا اجتهاد فيه ولا تقليد ولا احتياط.
وأيضا لا تقليد في تطبيق المعاني الكلية على افرادها الخارجية والتمييز
بينها، مثل ان يشك المقلد: هل هذا المائع السائل خمر أو خل؟ تعريف الطرق الثلاث: 2 - الاجتهاد هو القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من
دليله المقرر له.

19
والاحتياط ان يأتي المكلف بكل شئ يحتمل فيه الامر والوجوب
ولا يحتمل تحريمه على الاطلاق، وان يترك كل شئ يحتمل فيه النهي
والتحريم ولا يحتمل فيه الوجوب بحال.
والتقليد قدوة وأسوة، ويتحقق بمجرد العمل، أو بمجرد الجزم
والعزم على العمل - عند الحاجة - بقول مجتهد معين فاحد هذين كاف في
صحة التقليد وواف في جواز البقاء عليه بعد موت المقلد على ما يأتي.
حكم من ترك الطرق الثلاث
3 - لا وزن لعمل عامل غير مجتهد في احكام الله تعالى ولا محتاط
فيها ولا مقتد بمجتهد عادل حتى ولو كان العامل جاهلا بوجوب التقليد
أو الاحتياط، لان الجهل هنا ليس بعذر، ولكن لو تكشف له ان عمله
كان على النهج المطلوب منه واقعا بالتمام والكمال، أو كان موافقا لفتوى
من يجب عليه تقليده ساعة الكشف والعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط
لو كان هذا كفاه عمله السابق، ولا شئ عليه
وإذا انتبه وعلم بوجوب التقليد أو الاحتياط ولكنه شك في أن
عمله السابق بلا تقليد واحتياط: هل كان على النهج المطلوب حتى لا يجب
القضاء على حد تعبير الفقهاء، - وهم يطلقون كلمة القضاء على الاتيان
بالفعل المأمور به بعد فوات أمده المضروب له - أو لم يكن على النحو
المطلوب بل كان باطلا حتى يقضي المكلف ما فات؟ فماذا يصنع؟
الجواب: اما فيما يعود إلى القضاء فقط فلا يجب عليه في مثل هذا
الفرض، وتجب الإعادة ما بقي وقت الفريضة.

20
التقليد
4 - التقليد هو الطريق الأكثر عملية لجل الناس، فقد اعتاد الناس
في كل مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك المجال وهو
واجب على كل مكلف لا يتمكن من الاجتهاد.
ويشترط فيمن يرجع إليه التقليد البلوغ، والعقل، والذكورة،
والايمان، والاجتهاد، والعدالة (1) والحياة اي يجب في سائر الأحوال
ان يبدأ التقليد بالعمل أو الالتزام بقول الحي دون الميت.
5 - إذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة، وكانوا
متفقين في آرائهم وفتاويهم، فبامكان المقلد ان يرجع إلى اي واحد منهم
ولكن هذا مجرد افتراض نظري وليس واقعا في الحياة العملية عادة لان
الاجتهاد مثار للاختلاف بين المجتهدين غالبا. فإذا اختلفوا وعلم المقلد
بأنهم مختلفون في آرائهم فلمن يرجع؟ ومن يقلد؟
الجواب: انه يرجع إلى الأعلم في الشريعة، والأعرف والأقدر
على تطبيق أحكامها في مواردها، مع فهم للحياة وشؤونها بالقدر الذي
تتطلبه معرفة أحكامها من تلك الأدلة. وبعبارة موجزة يجب على المقلد ان



(1) سيأتي معنى العدالة في المرجع في الفقرة (32) من هذا الباب.
21
يقلد الأعلم من المجتهدين في هذه الحالة
والجواب: انه يعرف بطرق منها
أولا: بشهادة عدلين من المجتهدين الأكفاء أو الأفاضل القادرين
على التقييم العلمي وسيأتي معنى العادل في الفقرة (32) من هذا الباب.
ثانيا: الخبرة والممارسة الشخصية من المقلد إذا كان له من الفضل
والعلم ما يتيح له ذلك وان لم يكن مجتهدا. وأخيرا بكل سبب يؤدي إلى
يقين المقلد وايمانه بان فلانا اعلم - مهما كان السبب - فان ذلك يحتم عليه
ان يقلده دون سواه، ومن ذلك الشياع بين أهل العلم والفضل، أو الشياع
في صفوف الأمة إذا أدى إلى يقين المقلد بان من شاع انه اعلم هو الأعلم حقا.
ويجب على المقلد الفحص والبحث عن الأعلم في كل مظنة وسبيل
ممكن وأيضا يجب على المكلف ان يحتاط في أعماله مدة البحث والفحص
7 - قد يتفق ويصادف ان يكون الأعلم أكثر من واحد من بين
المجتهدين اي اثنين - مثلا - هما على مستوى واحد مقدرة وفضلا، وقد
اختلفا في الفتوى، فهل هناك مرجحات غير العلم والاجتهاد توجب تقديم
أحدهما على الآخر في التقليد؟
الجواب: قيل بتقديم الأعدل، ولكن الصحيح ان الواجب في كل
واقعة الاخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط، وبكلمة أخرى لا يتصرف
المكلف تصرفا الا إذا اتفقا على الترخيص فيه.
8 - إذا شك المكلف وتردد: هل زيد اعلم من بكر - مثلا - أو
بكر اعلم منه، إذا حدث هذا ينظر فان كان المكلف على يقين بان أحدهما
- ولنفرض مثلا انه زيد - كان من قبل اعلم بلا ريب ولكن بكرا جد
ونشط في البحث أمدا غير قصير بعد العلم بأعلمية زيد حتى احتمل المكلف

22
أو ظن بأنه قد وصل إلى درجة زيد في العلم ثم تفوق عليه، ان كان هذا
فعلى المكلف ان يقلد زيدا لا بكرا، وان لم يسبق العلم بأعلمية زيد وشك
هل بكر في علمه بمنزلة أكبر من زيد منذ البداية أو هو دونه فالواجب في
كل واقعة الاخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط. وإذا شك المكلف وتردد
هل زيد اعلم من بكر - مثلا - أو هما بمنزلة سواء في العلم، إذا حدث هذا
ينظر كما مر قبل لحظة فان كان المكلف على يقين بان زيدا من قبل اعلم
ويحتمل ان بكرا التحق بدرجته وساواه بعد ذلك - فعلى المكلف ان يقلد
زيدا لا بكرا، وان شك المكلف منذ البداية في أن بكرا في علمه بمنزلة
زيد أو هو دونه - فالواجب في كل واقعة الاخذ بمن كان قوله أقرب إلى
الاحتياط.
9 - إذا قلد الأعلم ثم وجد من هو اعلم منه يقينا تحول من السابق
إلى اللاحق ومعنى هذا ان التقليد يدور مع الأعلم كيفما دار وجودا وعدما
وإذا قلد الأعلم ثم وجد من يساويه جاز له ان يستمر على تقليده.
10 - من تخيل لسبب أو لآخر ان فلانا هو المجتهد الأعلم وبعد حين
ظهر له العكس - فعليه ان يستدرك ويعدل إلى المجتهد الأعلم ويسمى هذا
المقلد بالمشتبه.
اما الفرائض والواجبات التي أداها حين الاشتباه من صلاة وصيام
ونحوها - فليس عليه ان يقضيها ما دام المقلد السابق مجتهدا وان كان أقل
علما من غيره وأما إذا ظهر له ان المقلد السابق لم يكن مجتهدا فعليه ان
يقضي كل ما ثبت لديه انه قد أداه باطلا في رأي مقلده الجديد، وسيأتي
تأكيد ذلك وتفصيله في الفقرتين (18) و (19).
11 - لا يجوز التحول والتنقل في التقليد من مرجع إلى مرجع مهما
كانت الظروف والأسباب الا بعد القطع واليقين بوجود المبرر الشرعي.

23
وهو ان يفقد المرجع بعض الشروط الرئيسية، أو يوجد من هو اعلم
منه كما قلنا في الفقرة العاشرة.
12 - يستطيع المقلد ان يتعرف على فتوى مقلده بإحدى الوسائل
التالية: أولا: ان يستمع منه مباشرة. ثانيا: ان ينقل الفتوى إليه شاهدان عادلان، وتسمى شهادة العادلين
بالبينة. ثالثا: ان يخبره بها شخص يعرفه بصدق اللهجة والترج عن
الكذب حتى لو لم يكن عادلا وملتزما دينيا في سلوكه، ويسمى بالثقة.
رابعا: ان يجد الفتوى في كتاب الفه المرجع أو أقره، كالرسالة
العملية الصادرة منه.
13 - إذا جاءه ثقة بفتوى عن مقلده، وجاءه ثقة آخر بفتوى
تتعارض مع الفتوى الأولى، فكيف يصنع المقلد؟. والجواب: ان الثقتين إذا كانا يتحدثان عن زمنين مختلفين وجب
العمل بالفتوى المنقولة عن الزمن المتأخر، مثال ذلك: ان يخبر أحدهما
عن فتوى سمعها قبل سنة، ويخبر الآخر عن فتوى سمعها قبل شهر،
فيعمل على أساس الخبر الثاني.
وأما إذا كانا يتحدثان عن زمن واحد فلا يمكن للمقلد ان يعتمد على
اي واحد منهما بل يحتاط إلى أن يتضح له واقع الحال.
14 - إذا شك المقلد في أن فتوى المقلد تغيرت واحتمل انه عدل عنها
إلى فتوى جديدة فيعمل على أساس ان الفتوى السابقة لا تزال باقية، ما لم
يقم دليل شرعي على العكس.
والشئ نفسه نقوله كلما شك في بقاء واحد من الشروط التي يجب

24
توفرها في المرجع، فإنه عمل على أساس انها باقية، ويظل على علاقته
به ما لم يثبت العكس.
15 - قد تعرض لعبادة المكلف المقلد عارضة، وهو يؤديها ولا يعرف
لها حكما ودواء، فماذا يصنع؟
الجواب: يسوغ له في هذا الفرض ان يثق بظنه ويعمل به حيث
لا وسيلة سواه، شريطة ان يرجع إلى مقلده ويسأله عن حكم ما عرض له
ويعمل بموجب قوله وفتواه، ولا يجوز له ان يهمل السؤال ويكتفي بظنه
هو واحتماله.
في حالات موت المرجع:
16 - إذا مات المرجع في التقليد فما هو تكليف من كان مقتديا به
ومقلدا له؟ والجواب: عن هذا السؤال يستدعي التفصيل كالآتي:
1 - قد يكون الميت المقلد اعلم من كل الاحياء الموجودين بالفعل.
وفي هذا الفرض يستمر المكلف على تقليد الميت تماما كما لو كان المرجع
حيا بلا أدنى فرق فيما عمل به من أقوال المرجع وفيما لم يعمل.
2 - وقد يكون الحي اعلم من الميت، وعلى هذا يجب العدول إلى
تقليد الحي في كل المسائل دون استثناء.
3 - وقد يوجد في الاحياء من هو مساو للميت علما واجتهادا،
وحينئذ ينظر فان كان الميت أسبق في الأعلمية استمر المكلف على تقليد
الميت، وان تبين انهما كانا على مستوى واحد منذ البداية فالواجب في كل
واقعة الاخذ بمن كان قوله أقرب إلى الاحتياط

25
ومن الضروري الإشارة إلى أنه في الحالات التي يسوغ للمقلد ان يستمر
على تقليد المرجع الميت لا يحق له ان يستمر هكذا بصورة اعتباطية، وانما
يسوغ له الاستمرار كذلك بعد أن يتعرف على الأعلم من المجتهدين الاحياء
ويرجع إليه في التقليد، فيسمح له بالاستمرار على العمل بفتاوى المرجع
الميت، وإذا لم يصنع ذلك واستمر على تقليد الميت بصورة اعتباطية كان
كمن يعمل بدون تقليد
17 - إذا استمر الكلف على تقليد الميت بفتوى الأعلم الحي، ثم
مات هذا المفتي، فعلى المكلف ان يرجع ثانية إلى اعلم آخر من الاحياء
في بقائه على تقليد الميت.
في حالات العدول
18 - إذا عدل المقلد - بمبرر - شرعي - من مرجع إلى آخر فكيف
يصنع بما أداه من صلاة وصيام ونحوهما في الفترة السابقة؟ ومثال ذلك
من يموت مرجعة فيعدل إلى تقليد المجتهد الحي الأعلم، أو من يقلد الأعلم
ثم يصبح غيره اعلم منه في حياته فيعدل إليه، وكل من التقليدين في حينه
صحيح.
والجواب: انه لا يجب عليه ان يقضى تلك الواجبات التي أداها وانتهى
وقتها حتى ولو كانت باطلة في رأي مقلده الجديد.
وأما إذا صلى صلاة الظهر مثلا على رأي مقلده الأول، ثم عدل
إلى المقلد الجديد بمبرر شرعي قبل ان تغرب الشمس، وجب عليه ان
يقيم صلاته على أساس فتاوى المرجع الجديد.
فان كانت صلاته متفقة مع فتاواه فهي صحيحة ولا تجب اعادتها.

26
وان كانت صلاته مختلفة مع فتاواه فالاختلاف على قسمين:
أحدهما: الاختلاف في نقطة يعذر فيها فلا تحب إعادة الصلاة
لأنه كان جاهلا، ومثالها: ان يكون قد قرأ التسبيحات في الركعة الثالثة
مرة واحدة والمرجع الجديد يرى وجوبها ثلاث مرات.
والآخر: الاختلاف في نقطة لا يعذر فيها الجاهل فتجب الإعادة،
ومثالها: أن يكون قد توضأ للصلاة بماء الورد وفقا لرأى مقلده السابق
والمرجع الجديد يرى بطلان هذا الوضوء.
19 - إذا قلد المكلف شخصا وعمل رأيه فترة من الزمن، ثم
اتضح ان تقليده لم يكن صحيحا، كما إذا ظهر له ان ذلك الشخص لم يكن
مجتهدا فعدل عنه إلى المجتهد فماذا يصنع بما أداه من فرائض على رأى مقلده
السابق
والجواب: ان الفريضة التي لا يزال وقتها باقيا يجب عليه اعادتها الا
في حالتين:
الأولى: ان يعلم بأنها متفقة مع رأى مقلده الجديد.
الثانية: ان تكون مختلفة في نقطة يعذر فيها الجاهل.
واما الفريضة التي مضى وقتها فيجب قضاؤها الا في ثلاث حالات:
الأولى: ان يعلم بأنها متفقة مع رأى مقلده الجديد.
الثانية: ان يشك هل هي متفقة مع رأى المقلد الجديد أو لا نظرا
لأنه لا يتذكر طريقة أدائه لها.
ان يعلم بأنها مختلفة مع رأى المقلد الجديد ولكن في نقطة
يعذر فيها الجاهل.
20 - الوكيل والوصي ينفذان أمر الأصيل وفقا لتقليده هو وليس
لتقليدهما. لقرينة المناسبة والاعتبار ولدلالة ظاهر الحال على أن الأصيل لو

27
باشر العمل بنفسه لاتى به على موجب تقليده وليس على مقتضى تقليد
الآخرين
وأما الأصيل نفسه فهو انما يتصرف وفقا لتقليده، ويعتبر رأى
مقلده هو المقياس، لافى عمله فحسب، بل في عمل الآخرين أيضا بقدر
ما يتصل به. ومثال ذلك: ان يقوم خالد بمعاملة خاصة فيبيع دينارا
نقدا بدينار ونصف مؤجل، اعتمادا على رأى مقلده الذي يقول بجواز
ذلك، وزيد مقلد لمن يرى بطلان هذه المعاملة، ففي هذه إحالة - يجب
على زيد ان يتبع رأى مقلده فيعتبر المعاملة التي قام بها خالد باطلة والمال
الذي انتقل إلى خالد بسببها غير جائز، ولا يسمح لنفسه بان يشترى منه
ذلك المال وقد يرتبط زيد وخالد في معاملة واحدة كعقد بيع مثلا،
وعقد البيع يشتمل على بيع أي يجاب من قبل البائع وشراء أي قبول
من قبل المشترى، ففي هذه الحالة لا يجوز لكل منهما ان يعتبر المعاملة
صحيحة الا إذا كانت متفقة مع رأى مقلده.
ويستثنى من ذلك الحالات التي يعذر فيها الجاهل ويقع العمل منه
صحيحا كما إذا كان خالد مقلدا لمن يرى أن التسبيحات انما تجب في
الركعة الثالثة والرابعة مرة واحدة وزيد مقلد لمن يرى أنها تجب ثلاث
مرات، فيقتدى زيد بخالد الذي يأتي بها مرة واحدة، ويصح هذا الاقتداء
لأن التسبيحات يعذر الجاهل في تركها أو ترك شئ منها فتكون صلاة خالد
على هذا الأساس صحيحة لدى زيد

28
الاجتهاد
21 - الاجتهاد واجب كفائي على المسلمين، ومعنى ذلك أنه إذا قام
به البعض وبلغوا درجة الاجتهاد سقط الوجوب عن الآخرين، وإذا أهمل
المسلمون جميعا هذا الواجب فلم يتوفر مجتهد كان الجميع آثمين.
والعدد الواجب توفره من المجتهدين ليس محددا شرعا، بل يتحدد
وفقا للحاجة.
22 - والاجتهاد على قسمين:
أحدهما كامل، ويسمى ذو الكامل بالمجتهد المطلق، وهو
القدير على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرر في مختلف أبواب الفقه
والآخر ناقص، ويسمى ذو الاجتهاد الناقص بالمتجزئ، على استخراج
الحكم الشرعي من دليله في نطاق محدود من المسائل فقط.
وكل من المجتهد المطلق والمجتهد المتجزئ يجوز له ان يعمل على
وفق اجتهاده في حدود قدرته على استخراج الحكم من دليله، ويجوز
لكل منهما ان يعبر عن رأيه وفتواه، ولكنهما يختلفان في آثار أخرى،
كما يأتي في الفقرة التالية.
23 - المجتهد المطلق إذا توافرت فيه سائر الشروط الشرعية في مرجع
التقليد المتقدمة في الفقرة (4) جاز للمكلف ان يقلده كما تقدم، وكانت

29
له الولاية الشرعية العامة شؤون المسلمين شرطة ان يكون كفؤا لذلك
من الناحية الدينية والواقعية معا.
وقد كانت تلك الولاية العامة للمجتهد المطلق الكفؤ بسبب غيبة ولى
العصر الإمام الحجة عليه السلام إذ كتب قبيل غيبته الكبرى إلى شيعته
كتابا يوضح فيه ذلك قائلا، واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة
أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله.
وللمجتهد المطلق أيضا ولاية القضاء، يسمى على هذا الأساس
بالحاكم الشرعي وسيأتي الحديث عن الولاية العامة والقضاء واحكامه في
القسم الرابع من (الفتاوى الواضحة) إن شاء الله تعالى.
واما المجتهد المتجزئ فليست له الولاية الشرعية العامة، ولا ولاية
القضاء، ولا يجوز للمكلف ان يقلده حتى فيما اجتهد فيه من مسائل، الا
إذا أصبح فيها اعلم من للمجتهد المطلق.
ويدخل ضمن ولاية المجتهد رعاية شؤون القاصرين من أيتام ومجانين
إذا لم يكن لهم ولي خاص، وكذلك رعاية شؤون الأوقاف العامة التي
ليس لها متول خاص بنص الواقف. ورعاية المجتهد لهذه الشؤون قد يكون
بالمباشرة وقد يكون بتعيين آخرين.
وإذا عين المجتهد شخصا لرعاية شئ من ذلك ومات هذا المجتهد
فهل يسوغ لذلك الشخص ان يواصل رعايته اعتمادا على ذلك التعين؟
والجواب: ان المجتهد الذي مات إن كان قد عين ذلك الشخص كوكيل
عنه في الرعاية فيموت ذلك المجتهد ينتهى دور الشخص الوكيل، يجب
عليه ان يرجع إلى مجتهد حي.

30
جعلتك وليا على مال هذا اليتم، فتبقى هذه الولاية نافذة المفعول حتى بعد
موت ذلك المجتهد.
وإذا أمر الحاكم الشرعي بشئ تقديرا منه للمصلحة العامة وجب
تباعه على جميع المسلمين، ولا يعذر في مخالفته حتى من يرى أن تلك
المصلحة لا أهمية لها ومثال ذلك أن الشريعة حرمت الاحتكار في بعض
السلع الضرورية وتركت للحاكم الشرعي ان يمنع عنه في سائر السلع ويأمر
بأثمان محددة تبعا لما يقدره من المصلحة العامة فإذا استعمل الحاكم الشرعي
صلاحيته هذه وجبت اطاعته.
24 - من ليس مجتهدا يحرم عليه الافتاء، ومن كان مجتهدا ولكنه لم
تتوفر فيه سائر الشروط الشرعية للمرجع لا يحرم عليه ان ينصب نفسه علما
ومرجعا للافتاء للآخرين.
25 - من ليس اهلا للقضاء يحرم عليه ان يقضي بين الناس، وتحرم
المحاكمة والمرافعة لديه والشهادة عنده وكل مال يحكم به فهو حرام محرم
حتى على صاحب الحق.
اجل، إذا انحصر استيفاء الحق واستنقاذه بالترافع عند من ليس اهلا
جاز ذلك، فان حكم بالحق وكان المحكوم به عينا اخذها صاحبها، وان
كان مالا في الذمة استأذن الحاكم الشرعي في اخذه.
26 - المجتهد الذي توافرت فيه الشروط الشرعية بكاملها إذا قضى
في خصومة بين شخصين لأحدهما على الآخر ولم يأل جهدا في تطبيق
موازين القضاء لم يجز لأي مجتهد آخر ان ينقض ذلك الحكم باصدار حكم
على خلافة حتى ولو كان على يقين بان من قضى المجتهد الأول لصالحه
ليس هو صاحب الحق.

31
27 - وإذا قضى هذا المجتهد بان الدار التي يدعيها زيد له مثلا دون
بكر، وهناك من يعلم بان الدار لبكر لا لزيد، فهل يعمل هذا العالم في
سلوكه وتعامله الشخصي على أساس ما صدر من قاء أو على أساس علمه
مثلا إذا أراد ان يستأجر تلك الدار فهل يتصل يزيد أو ببكر؟ والجواب
انه يعمل على أساس علمه، واما غير من يعلم يقينا بان الدار ليست لزيد
فيجب عليه ان يسلك عمليا وفقا لحكم المجتهد، ولا يجوز له ان يخالفه.

32
الاحتياط
28 - الاحتياط هو الطريق الثالث لطاعة الله تعالى.
وقد تقدم تعريفه، وهو على قسمين لأنه تارة يستدعى التكرار
وأخرى لا يستدعيه، ومثال الأول: ان يجهل المكلف في بعض الحالات
ان الواجب عليه صلاة القصر - وهي صلاة الظهر مثلا تؤدى ركعتين -
أو صلاة التمام - وهي صلاة الظهر مثلا تؤدى أربع ركعات - فإذا أراد
ان يحتاط تحتم عليه ان يعيد الصلاة مرتين، قصرا تارة وتماما أخرى.
ومثال الثاني: أن يجهل المكلف حكم الإقامة للصلاة فلا يدرى هل
هي واجبة أو مستحبة؟ فإذا أراد أن يحتاط أقام وصلى، وليس في ذلك
تكرار.
وكلا القسمين جائز، سواء كان المكلف متمكنا من التعريف على
الحكم الشرعي وتحديده بالضبط عن طريق الاجتهاد أو التقليد أولا.
29 - ولكن هذا لا يعنى ان المكلف الاعتيادي يمكنه أن يستغنى
بالاحتياط عن التقليد، وذلك لأن معرفة الأسلوب الذي يحصل به الاحتياط
تحتاج إلى اطلاع وانتباه فقهيين واسعين، فلابد للمحتاط ان يحيط علما
بكل الأشياء التي من المحتل وجوبها لكي يأتي بها، وبكل الأشياء التي
من المحتل حرمتها لكي يتركها، وقد يكون شئ واحد يحقق الاحتياط
في حالة دون أخرى، ومثال ذلك: ان انشاء حياء زوجية بعقد نكاح
يتم بلغة غير عربية مخالف للاحتياط، لأن هناك من يقول بان اللغة العربية
شرط في عقد النكاح، ولكن إذا وقع العقد على هذا النحو فنفى الزوجية

33
وما تستدعيه من تكاليف مخالف للاحتياط أيضا، لان هناك من يقول
بصحة هذا العقد.
30 - وإضافة إلى ذلك قد يتعذر الاحتياط أحيانا بصورة نهائية،
وذلك فيما إذا كان الانسان يخشى من تورطه في مخالفة حكم الله تعالى على
أي حال ولا يمكنه التأكيد من اطاعته الا إذا تعرف على الحكم بصورة
محددة.
ومثال ذلك أن ينذر شخص نذرا وينهاه والده عنه، فهو يحتمل
ان الوفاء بالنذر واجب لأنه نذر، ويحتمل انه حرام رعاية لنهي الوالد،
ولا يمكنه ان يحتاط والحالة هذه، فيتعين عليه الاجتهاد أو التقليد للتعرف
على الحكم الشرعي بصورة محددة.
31 - وكثيرا ما تواجه الانسان حالات لا يمكنه فيها ان يطمئن إلى أن
تصرفه تجاهها مرضي شرعا ما لم يتعلم مسبقا أحكامها، إذ لا يتاح له الاحتياط
في تلك اللحظة بدون تعلم مسبق، ومن ذلك حالات الشك في عدد الركعات
أو بعض اجزاء الصلاة، ولهذه يجب على المكلف ان يتعلم ويعرف حكم
ما قد يعرض له من شك في ذلك، أيضا عليه ان يتعلم حكم ما يزيده في
عباداته أو يتركه منها سهوا أو نسيانا.
وعلى العموم يجب على كل مكلف - رجلا أو امرأة - ان يكون على
بصيرة من دينه ومعرفته بالأحكام التي من الممكن أن يتعرض لها ولا يمكن
ان يعطيها حقها الا بتعلمها.
ولا عذر للمكلف في ترك الفرائض والواجبات جهلا بما يجب عليه
منها، ولا عذر له في الاتيان بها بصورة غير صحيحة جهلا منه بخصائصها
واجزائها وشروطها، بل يتحتم عليه ان يتعلم ذلك حتى إذا صلى أو صام
- مثلا - علم أنه أدى لله ما عليه من هذه العبادة الواجبة على النهج المطلوب

34
لأنه متفقة بقدر ما يعلم بصحتها والاكتفاء بها والخروج عن عهدة أمرها
ووجوبها.
العدالة
32 - تقدم في القرة (4) ان العدالة شرط في مرجع التقليد كما انها
شرط في مواضع عديدة شرعا ولهذا نشير إليها فيما يلي:
" فاستقم كما أمرت ومن تاب معك - 112 هود " وقال: " وان لو استقاموا
على الطريقة - 16 الجن " شريطة ان تكون هذه الاستقامة طبيعة ثابتة
للعادل تماما كالعادة. ولا فرق من هذه الجهة بين ترك الذنب الكبير
والذنب الصغير ولا بين فعل الواجب المتعب وغيره ما دام الاذعان والاستسلام
ركنا من أركان السمع والطاعة لأمر الله ونهيه أيا كان لونهما ووزنهما.
اما من استثقل شرع الله واحكامه فهو من الذين أشارت إليهم الآية
الكريمة " وانها لكبيرة إلا على الخاشعين - 45 البقرة " ومن الجدير بالذكر
الإشارة إلى أن العدالة شرط أساسي في مواقع شرعية متعددة فالمرجعية
العليا للتقليد والولاية العامة على المسلمين والقضاء وإمامة صلاة الجماعة
وإقامة الشهادة التي يأخذ بها القاضي والشهادة على الطلاق - كل هذه
المسؤوليات يشترط فيها عدالة الانسان الذي يتحملها، والعدالة في الجميع
بمعنى الاستقامة على الشرع كما تقدم، وهذه الاستقامة تستند إلى طبيعة
ثابتة في الانسان المستقيم، وكلما كانت المسؤولية أكبر وأوسع وأجل خطرا
- كانت العدالة في من يتحملها بحاجة إلى رسوخ أشد وأكمل في طبيعة
الاستقامة لكي يعصم بها من الزالق، ومن اجل ذلك صح القول بان

35
المرجعية تتوقف على درجة عالية من العدالة ورسوخ أكيد في الاستقامة
والاخلاص لله سبحانه وتعالى:
33 - تعرف العدالة
أولا: بالحس والممارسة.
ثانيا: بشهادة عادلين بها.
ثالثا: بشهادة الثقة " مر تفسير الثقة في الفقرة (12) ".
رابعا: بحسن الظاهر والسيرة الحسنة بين الناس، بمعنى أن يكون
معروفا عندهم بالاستقامة والصلاح والتدين، فان ذلك دليل على العدالة
ولو لم يحصل الوثوق والاطمئنان بسبب ذلك.
34 - إذا مارس العادل في لحظة ضعف أو هوى ذنبا زالت عنه
العدالة، فإذا ندم وتاب فهو عادل ما دام طبع الطاعة والانقياد ثابتا
في نفسه.

36
التكليف وشروطه

37
1 - التكليف تشريف من الله سبحانه تعالى للانسان وتكريم له،
لأنه يرمز إلى ما ميز الله به الانسان من عقل وقدرة على بناء نفسه والتحكم
في غرائزه وقابلية لتحمل المسؤولية خلافا لغيره من أصناف الحيوانات
ومختلف كائنات لا أرض، فان أدى الانسان واجب هذا التشريف وأطاع
وامتثل شرفه الله تعالى بعد ذلك بعظيم ثوابه وبملك لا يبلى ونعيم لا يفنى، وان
قصر في ذلك وعصى كان جديرا بعقاب الله سبحانه وسخطه لأنه ظلم نفسه
وجهل حق ربه ولم يقم بواجب الأمانة التي شرفه الله بها وميزه عن سائر
مخلوقات الأرض. (انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال
فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان... الآية) الأحزاب 72
ويجب على العاصي شرعا وعقلا ان يتوب عن معصيته ويؤوب إلى
ربه، وإذا لم يتب كان ذلك معصية أخرى منه. والتوبة تتلخص في أن
يندم على ما وقع منه من ذنب، ويتخذ قرارا بالتحفظ وعدم تكرار ذلك
في المستقبل.
شروط التكليف
وللتكليف شروط عامة وهي كما يلي:
2 - أولا: البلوغ فلا يتجه التكليف إلى الانسان - رجلا كان أم
امرأة - الا إذا بلغ. وللبلوغ تقدير شرعي محدد يأتي شرحه. فغير البالغ
ليس بمكلف، ونعني بذلك ان جانب الالزام والمسؤولية الأخروية - العقاب
في الآخرة - من احكام الله تعالى لا يبت بشأن الانسان غير البالغ، فلو
شرب المسكر أو كذب أو ترك الصلاة - لا يعاقب يوم القيامة نظرا إلى صدور
ذلك منه قبل بلوغه.

39
ولكن ينبغي الالتفات إلى ما يلي:
3 - (أ) ان ذلك لا يعني عدم كون الولي مسؤولا عن تصرف هذا
الانسان غير البالغ وتوجيهه وانزال العقاب به في حالات التأديب، فالولي
من أهله يجب عليه ان يقيه النار والتعرض لسخط الله تعالى عند بلوغه،
وذلك بان يهيئه قبل البلوغ للطاعة ويقربه نحو الله تعالى بالوسائل المختلفة
للتأديب، من الترهيب والترغيب والتعويد والتثقيف عملا بقوله تعالى " قو
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس. الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد
لا يعصون الله ما امر هم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم (6)
وإذا أدى الولي كل ما عليه ولم يفلح في حمل ولده على الهدى والصلاح
فلا وزر عليه من هذه الناحية.
4 - (ب) ان اعفاء غير البالغ من المسؤولية الأخروية وما تمثله من
الالزام لا يعني عدم استحسان الطاعة منه وعدم وقوع العبادة صحيحة إذا
أداها بالصورة الكاملة، فيستحب منه ما يجب على البالغ وما يندب إليه
البالغ من عبادات على أن لا تكون مضرة بحاله. وينبغي للصبي أن يبدأ
بالتعود على الصلاة إذا أكمل سبع سنين، وعلى الصيام إذا أكمل تسع
سنين ولو بان يصوم قسطا من النهار ثم يفطر إذا أجهده الصوم وغلب
عليه العطش أو الجوع.
5 - (ج) ان عدم كونه ملزما ومكلفا شرعا لا يعفيه نهائيا من
التبعات التي قد تنجم عن بعض تصرفاته، كتعويض الآخرين إذا تسبب
إلى اتلاف أموالهم مثلا، وانما يوجب تأجيل الزامه بهذا التعويض إلى حين
البلوغ على ما يأتي إن شاء الله تعالى في المواضع المناسبة من هذا الكتاب.
6 - ثانيا: العقل ونقصد به ان يكون لديه من الرشد ما يمكن ان
يعي به كونه مكلفا ويحس بمسؤولية تجاه ذلك.

40
فلا تكليف للمجنون أو الأبله الذي لا يدرك الواضحات لبلاهته
وقصور عقله.
7 - وإذا كان الانسان مجنونا في حالة وسويا في حالة أخرى سقط
عنه التكليف في الحالة الأولى ويثبت عليه في الحالة الثانية.
وقد يكون الانسان مجنونا أو قاصر الادراك بدرجة ما لا يمكن أن يعي
معها بعض التكاليف ولكن يعي بعضها الآخر، ومثال ذلك: إنسان ضعيف
الادراك ولا يمكنه ان يعي اعمال الحج ولا ان يؤدبها، ولكنه يمكنه أن يدرك
انه لا ينبغي للانسان ان يقتل انسانا ومثل هذا المجنون تثبت عليه التكاليف
التي يمكن ان يدركها ويعيها وتسقط عنه من التكاليف مالا يمكنه ادراكها
ووعيها بحكم جنونه وقصور ادراكه.
8 - ثالثا: القدرة قال الله سبحان وتعالى " لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها البقرة (384) " فمن عجز عن الطاعة كان معذورا وسقط عند
التكليف سواء كان التكليف أمرا وإلزاما بشئ وقد عجز عنه كالمريض
يعجز عن القيام في الصلاة، أو نهيا وتحريما لشئ وقد عجز عن اجتنابه
وتركه كالغريق يعجز عن اجتناب الخطر.
9 - وقد لا يعجز بالمعنى الكامل ولكن الطاعة تكلفه التضحية بحياته
وفي هذا الفرض يسقط التكليف أيضا حفاظا على حياته، الا في حالتين:
الأولى: ان تكون تلك الطاعة مما يفرضها الجهاد الواجب، فان
الجهاد إذا توفرت شروطه وجب على اي حال.
الثانية: ان يأمره شخص قادر على بان يقتل مسلما بدون حق
ويهدده بالقتل إذا امتنع عن ذلك، فان عليه في هذه الحالة ان يطيع الله
تعالى بالامتناع عن قتل ذلك الانسان ولو تعرض للموت.
10 - وقد يواجه المكلف تكليفين لا يعجز عن طاعة كل واحد منهما

41
بصورة منفردة عن الآخر ولكنه يعجز عن طاعتهما معا، ومثال ذلك:
ان تكون عليه صلاة واجبة ضاق وقتها ويشب امامه حريق، وهو قادر
على أن يصلي ويهمل الحريق، وقادر على أن يطفئ الحريق وتفوته الصلاة
وفي فروض من هذا القبيل يسقط من التكليف الأقل أهمية في
تلك الحالة، وهذا أمر لا يمكن في كثير من الأحيان لغير المجتهد البت
فيه إلا بالرجوع إلى مقلده ليعين له موقفه.
11 - وإذا توجه التكليف إلى الانسان فعلا فرق في عصيانه بين
ان يكون يترك ما أمر به الله اختيارا، أو بالاقدام على عمل معين يعلم
المكلف بأنه سوف يعجز بسببه عن الطاعة. ومثاله ان يحل عليه وقت
الصلاة ويتوجه إليه التكليف بها فيركب القطار وهو يعلم بأنه سوف يعجز
عند ركوبه عن أداء فريضة الصلاة، فان هذا يعتبر عصيانا أيضا، بل
لا يجوز له ان يقدم حينئذ على عمل يحتمل بأنه يعجز بسببه عن القيام بما
وجب عليه فعلا.
12 - الاسلام ليس من الشروط العامة للتكاليف فالتكاليف الشرعية
كما تتجه إلى المسلم تتجه إلى الكافر أيضا. ويستثنى من ذلك وجوب قضاء
الصلاة والصيام، فان الكافر يخاطب شرعا بالصلاة والصيام في أوقاتهما
ولكن لا يخاطب بوجوب قضائهما.
البلوغ وعلاماته
13 - عرفنا أن أحد الشروط العامة للتكليف البلوغ ويتحقق البلوغ
إذا توفرت في الذكر أو الاثني أحد الأمور التالية:
(1) خروج المني سواء كان ذلك في حالة النوم أو في اليقظة، في

42
حالة جماع واتصال جنسي أو بدونه.
(2) نبات الشعر على العانة إذا كان خشنا، ولا اعتبار بالزغب.
والعانة تقع بين العورة ونهاية البطن.
(3) اكمال مرحلة معينة من العمر وذلك في الذكر بان يكمل خمس
عشرة سنة من السنين القمرية، وفي الأنثى بان تكمل تسع سنين قمرية.
والأفضل والأحوط للدين استحبابا ان يعتبر الصبي نفسه مكلفا منذ اكماله
ثلاث عشرة سنة ودخوله في السنة الرابعة عشر، فلا يتهاون بشئ من
الواجبات التي يلزم بها البالغون.
14 - وإذا شك الصبي - وكذلك الصبية - في بلوغه بنى على عدم
البلوغ حتى يحصل له اليقين ببلوغه.
15 - وإذا شك البالغ المكلف في قدرته على الطاعة والامتثال لم
يسمح له بأن يفترض في نفسه العجز لمجرد الشك، بل يجب عليه ان يحاول
إلى أن يثبت لديه انه عاجز.
آثار عامة للتكليف الشرعي
16 - إذا ثبت تكليف شرعي وكان أمرا كالأمر بالصلاة والامر
بالصدقة ترتب على ذلك أن كل مقدمة يتوقف عليها ذلك الواجب الذي
أمرت به الشريعة تصبح واجبة، ولابد للمكلف من القيام بها.
17 - وإذا ثبت التكليف وكان نهيا وتحريما كالنهي عن شرب
الخمر أو قتل النفس ترتب علي ذلك أن المكلف لابد له حذرا من الوقوع
في حرام ان يجنب كل موقف أو عمل يؤدي بطبيعته إلى وقوع الحرام
وصدوره منه.

43
18 - وإذا وجب على انسان القيام بفعل حرم على اي انسان آخر
ان يحاول صرفه عن القيام به وإذا حرم على انسان القيام بفعل حرم على
اي انسان آخر ان يسعى من اجل أن يقوم بذلك الفعل.
ومثاله: إذا حرم على الجنب ان يدخل المسجد حرم عليك أن تدخله
وإذا حرم على انسان ان يأكل النجس حرم عليك ان تقدم له طعاما نجسا
وتستدرجه إلى اكله، وهكذا.
19 - وإذا وجب على الانسان شئ يقينا وشك في أنه هل اتى به أو
لا؟ وجب عليه ان يأتي به ما دام في الوقت متسع. ومثال ذلك: ان
يشك في أنه هل صلى أولا ولا يزال وقت الصلاة باقيا، ومثلا آخر:
أن يشك المدين في أنه هل وفى زيدا وسدد له دينه ومثال ثالث: ان يشك
من وجبت عليه الزكاة في أنه هل أدى الزكاة ففي كل هذه الحالات يجب
عليه ان يأتي بالواجب ليكون على يقين بالطاعة.
20 - إذا وجب شئ على المكلف فأداه ثم شك بعد الفراغ منه
انه هل أداه على الوجه الصحيح الكامل شرعا أولا؟ بنى على الصحة واكتفى
بما أداه في حالتين:
الأولى: ان يكون العمل الذي أداه غير قابل للتكميل فعلا لو لم يكن كاملا لأنه أدى
بصورة ناقصة ومثاله ان يصلى ثم يشك في أنه هل كان على وضوء حين الصلاة
أو هل استقبل القبلة في الصلاة أو هل ركع في كل ركعة فان التكميل
هنا غير ممكن لو لم تكن الصلاة كاملة وانما الممكن اعادتها من الأساس
ففي مثل ذلك لا تجب الإعادة ويكتفي بما أداه. وكذلك إذا ركع ثم قام
وشك في أنه هل كان مستقرا في ركوعه أولا؟ فان الركوع الذي وقع
لا يمكن اصلاحه وانما الممكن إعادة الركوع ولو بإعادة الصلاة من الأساس
فلا قيمة للشك حينئذ.

44
الثانية: ان يكون ذلك العمل الذي أداه محددا شرعا بأن يؤدى قبل
عمل آخر وقد بدأ المكلف في العمل الاخر ثم تشكك في صحة عمله الأول
ومثاله: الاذان المحدد بأن يؤدى قبل الإقامة ويشك المكلف بعد أن بدأ
بالإقامة انه هل أتى بكل أجزأ الاذان أولا، ومثال آخر: الإقامة المحددة
بأن تؤدى قبل الصلاة ويشك المكلف بعد أن بدأ بالصلاة انه هل أقام
أولا ومثال ثالث: الركوع محدد بان يكون قبل السجود فيسجد المكلف
ويشك في أنه ركع أو لا، ففي هذه الفروض يمضي ولا يلتفت إلى شكه
ويستثنى مما ذكرناه في هذه الفقرة الوضوء فان له أحكاما خاصة
يراجع فيها باب الوضوء الفقرة (101) وقد يخطئ المقلد في تطبيق
الحالتين المذكورتين أحيانا، ولهذا يحسن به أحيانا ان يستعين بمقلده في
التعرف على أن هذا الفرض أو ذاك هل يدخل ضمن الحالة الأولى أو الثانية
أو لا، وسوف نذكر في الأبواب المقبلة عددا من التطبيقات لهاتين الحالتين.
21 - كلمة اليقين والعلم تعني الجزم الذي لا يبقى معه مجال لأي
تردد واحتمال للعكس، والظن يعني ان احتمال هذا الشئ أكبر من احتمال
العكس، فحينما نقول (نظن أن المطر سينزل) نعني ان احتمال المطر أكبر
من خمسين في المائة. والاطمئنان يعني درجة عالية من الظن يقارب العلم
واليقين على نحو يبدو احتمال العكس ضئيلا جدا إلى درجة يلغى عمليا عند
العقلا، كما إذا كان احتمال العكس واحدا في المائة مثلا.
وكلما جاءت كلمة اليقين والعلم بصدد حكم شرعي في الأحكام الشرعية
الآتية فنريد بها الجزم والاطمئنان معا فما يثبت للجزم والعلم من آثار شرعا
يثبت للاطمئنان أيضا.

45
تقسيم الاحكام
واحكام الشريعة على الرغم من ترابطها واتصال بعضها ببعض يمكن
تقسيمها إلى أربعة اقسام كما يلي:
1 - العبادات وهي الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والحج
والعمرة والكفارات.
2 - الأموال وهي على نوعين:
(أ) الأموال العامة: ونريد بها كل مال مخصص لمصلحة عامة
ويدخل ضمنها الزكاة والخمس فإنهما على الرغم من كونهما عبادتين يعتبر
الجانب المالي فيهما أبرز، وكذلك يدخل ضمنها الخراج والأنفال وغير ذلك
والحديث في هذا القسم يدور حول أنواع الأموال العامة واحكام كل نوع
وطريقة انفاقه.
(ب) الأموال الخاصة: ونريد بها ما كان مالا للأفراد واستعراض
أحكامها في بابين:
الباب الأول - في الأسباب الشرعية للتملك أو كسب الحق الخاص
سوأ كان المال عينيا - اي مالا خارجيا - أو مالا في الذمة وهي الأموال التي
تشتغل بها ذمة شخص لاخر كما في حالات الضمان والغرامة. ويدخل في
نطاق هذا الباب احكام الاحياء والحيازة والصيد والتبعية والميراث والضمانات
والغرامات بما في ذلك عقود الضمان والحوالة والقرض والتأمين وغير ذلك
الباب الثاني: في احكام التصرف في المال، ويدخل في نطاق ذلك
البيع والصلح والشركة والوقف والوصية وغير ذلك من المعاملات
والتصرفات.

46
3 - السلوك الخاص: ونريد به كل سلوك شخصي للفرد لا يتعلق
مباشرة بالمال ولا يدخل في عبادة الانسان لربه. واحكام السلوك الخاص
نوعان:
الأول: ما يرتبط بتنظيم علاقات الرجل مع المرأة ويدخل فيه النكاح
والطلاق والخلع والمبارات والظهار والايلاء وغير ذلك.
الثاني: ما يرتبط بتنظيم السلوك الخاص في غير ذلك المجال، ويدخل
فيه احكام الأطعمة والأشربة والملابس والمساكن وآداب المعاشرة واحكام
النذر واليمين والعهد والصيد والذباحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر
وغير ذلك من الاحكام المحرمات والواجبات.
4 - السلوك العام ونريد به سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم والقضاء
والحرب ومختلف العلاقات الدولية، ويدخل في ذلك احكام الولاية العامة
والقضاء والشهادات والحدود والجهاد وغير ذلك

47
القسم الأول
العبادات

49
احكام عامة للعبادات
1 - توجد في الشريعة أشياء أمر الله سبحانه وتعالى بها وشرط فيها
على المكلف ان يأتي بها من اجله سبحانه وتعالى أي بنية القربة فلا تقع
صحيحة الا إذا كانت مع نية القربة، وتسمى هذه الأشياء بالعبادات.
وخلافا لها أشياء أخرى أمر الله سبحانه وتعالى بها ولم يشترط على المكلف
ان يأتي بها بنية القربة فيكون المكلف بالخيار ان شاء اتى بها من اجله
سبحانه وتعالى وان شاء بها بدافع من دوافعه الخاصة وهي في الحالتين
تقع صحيحة وكافية. وتسمى هذه الأشياء بالتوصليات أي ان المقصود بها
شرعا مجرد التوصل إلى فوائدها بدون اشتراط كيفية مخصوصة في أدائها
وللعبادات دور مهم في الشريعة الاسلامية وسنعطي في نهاية القسم الأول
إن شاء الله تعالى نظرة موجزة عامة عن العبادات ومدلولها التربوي ومغزاها
العقائدي.
2 - العبادات في الشريعة هي الطهارة (الوضوء والغسل والتيمم)
والصلاة (الأذان والإقامة ونفس الصلاة) والصيام والاعتكاف الحج
والعمرة والطواف والزكاة والخمس والجهاد والكفارات والعتق وغير هذه
الأشياء من الواجبات والمستحبات توصليات، كتطهير البدن والملابس من
النجاسة والانفاق على الزوجة والأقارب وصلة الرحم وتعليم الاحكام وتكفين
الأموات ودفنهم ووفاء الدين وأداء الأمانة ونصح المستشير والبر بالوالدين ورد
التحية (جواب السلام) ودفع الظلم عن المظلوم والامر بالمعروف والنهي

51
عن المنكر وانقاذ الانسان من مهلكة حريق أو غرق ونحوهما وزيارة مشاهد
النبي والأئمة عليهم السلام وقرأة القرآن إلى غير ذلك من الواجبات
والمستحبات التوصلية.
3 - نية القربة معناها: الاتيان بالفعل من اجل الله سبحانه وتعالى
فهي الباعث نحو الفعل، سوأ كانت هذه النية بسبب الخوف من عقاب
الله تعالى أو رغبة في ثوابه أو حبا له وايمانا بأنه أهل لان يطاع، فالعبادة
تقع صحيحة إذا اقترنت بنية القربة على أحد هذه الأوجه، ولا يعتبر فيها
ان ينوي كون الفعل واجبا أو مندوبا ومستحبا، بل يكفي ان يأتي به
طاعة لله تعالى ولو لم يقصد الوجوب في الواجب أو الاستحباب والندب
في المستحب والمندوب.
4 - إذا أتى المكلف بالواجب التوصلي - كالانفاق على الزوجة -
بنية القربة دفع عن نفسه العقاب واستحق بلطف الله تعالى الأجر والثواب
وإذا أتى به بدافع من الدوافع الخاصة - كحبه لزوجته - على نحو لم يكن
ليقوم بذلك لولا تلك الدوافع الخاصة دفع عن نفسه العقاب ولكنه لا يستحق
بذلك الأجر والثواب، وكذلك إذا أحسن الغني بالمال في سبيل من سبل
الخير فإنه ان نوى بذلك القربة إلى الله تعالى استحق بلطف الله الثواب
وسمى احسانه بالصدقة وان لم ينو القربة لم يستحق ذلك وكثيرا ما يتفضل
الله سبحانه وتعالى عليه بذلك لأنه أكرم الأكرمين وأوسع المعطين.
5 - وإذا أتى المكلف به بنية القربة وبالدافع الخاص معا على نحو
لو لم يكن هناك دافع خاص لقام بذلك أيضا من اجل الله تعالى فقد برئ
من العقاب واستحق الثواب. واما العبادات الواجبة فلا ينجو المكلف من
العقاب بسببها الا إذا أتى بها بنية القربة.
6 - نية القربة كما تتحقق في حالة تمييز العبادة كذلك تتحقق في حالة

52
عدم التمييز، ومثال ذلك: ان الصلاة إلى القبلة واجبة فقد يميز القبلة
ويعرف ان الصلاة إلى هذه الجهة هي الصلاة إلى القبلة فينوي بها القربة،
وقد تحتاج معرفته للقبلة إلى السؤال فلا يعلم هل المطلوب الصلاة إلى هذه
الجهة أو تلك، فبدلا عن السؤال يصلي إلى الجهتين معا بنية القربة دون ان
يميز العبادة المطلوبة بالضبط.
7 - إذا علم المكلف بان هذا الفعل ليس مطلوبا لله سبحانه وتعالى
حرم عليه ان يأتي به بنية القربة، ويسمى ذلك تشريعا والتشريع حرام
وأما إذا شك في أن هذا الفعل هل هو مطلوب لله أو لا وأحب ان يأتي
به بأمل ان يكون مطلوبا له لم يكن آثما، ويسمى هذا احتياطا.
8 - الرياء هو الاتيان بالفعل من اجل كسب ثناء الناس واعجابهم
وهذا حرام في العبادات، فأي عبادة يأتي بها الانسان بهذا الدافع تقع
باطلة ويعتبر الفاعل آثما، سوأ أتى بالفعل من اجل الناس وحدهم أو من
اجلهم ومن اجل الله معا، وقد سمي ذلك في بعض الأحاديث بالشرك.
واما في التوصليات فلا يحرم الرياء ولا يبطل العمل، فمن أنفق على الفقراء
ووصل أرحامه وبر والديه لا لشئ الا من اجل الحصول على ثنائهم وحبهم
أو من اجل أن يصبح مشهورا بين الناس بحسن السلوك يقع العمل صحيحا
ولا يعتبر آثما ولكن يفوته رضوان من الله أكبر.
9 - الرياء إذا حصل للانسان بعد الفراغ من عبادته بان صلى مثلا
ثم حاول ان يتحدث وينوه بذلك لكسب رضا الناس وثنائهم لا يبطل
بذلك العمل.
10 - وإذا كان المكلف مقدما على العبادة من اجل الله سبحانه وتعالى
مخلصا له في نيته ولكنه كان مذموما لدى الناس ومتهما بعدم التدين فحاول

53
التظاهر بعبادته تلك امام الآخرين ليدفع عنه التهمة جاز ذلك وصحت
عبادته.
11 - ويكره للانسان - ولا يحرم - ان يتحدث إلى الآخرين بما
يقوم به من طاعات وعبادات (فلا تزكوا أنفسكم هو اعلم بمن اتقى النجم
(32) ويستثنى من ذلك ما إذا كان يحتمل نفع الآخرين دينيا بهذا الحديث
لما فيه من ترغيب لهم في الطاعة وكان هذا الاحتمال هو الدافع.
12 - ولا ضير على الانسان إذا عبد ربه فاطلع على ذلك غيره صدفة
فشعر بالسرور لاطلاع الغير على عبادته وطاعته فان شعوره هذا لا كراهة
فيه ولا ينقص من قدره.
13 - وليس من الرياء أن يتعبد الانسان أو يحسن عبادته بدافع ترغيب
الآخرين في الطاعة ومجاراته أو تقريب دينه ومذهبه إلى قلوبهم ولكن على
أن يكون الدافع هو ذلك فقط لا اعلاء شانه وتقريب شخصه بوصفه الخاص
إلى القلوب والا كان رياءا محرما.
14 - العجب هو ان يشعر الانسان بالزهو والمنة على الله سبحانه
بعبادته وانه أدى لربه كامل حقه وهذا محرم شرعا إلا ان العبادة لا تبطل
به ولكن يذهب به ثوابها.
واما مجرد سرور الانسان بعبادته وطاعته فلا ضير فيه ولا اثم.
15 - إذا كان في العبادة بعض الفوائد الصحية أو الجسدية أو النفسية
فاتى المكلف بها من اجل الله سبحانه وتعالى ومن اجل بعض تلك الفوائد
فهل تقع العبادة منه صحيحة؟ ومثال ذلك من يتوضأ بنية القربة ومن أجل
التنظيف معا.
والجواب: ان نية القربة إذا كانت كافية لدفع المكلف إلى القيام
بتلك العبادة حتى ولو لم يلتفت إلى تلك الفوائد صح عمله، وإذا لم يكن

54
المكلف ليتحرك من اجل الله وحده لولا تلك الفوائد الإضافية فالصلاة
باطلة.
16 - الايمان شرط أساسي في صحة العبادة - اي عبادة - فلا تقع
العبادة من الانسان صحيحة الا كان قلبه
عامرا بالايمان.
17 - وليس التلفظ شرطا لنية القربة في شئ من العبادات فهي شئ
في النفس ولا يجب ان يتلفظ به اللسان.
18 - وعلى العموم يعتبر التستر بادأ العبادات المستحبة أفضل من
التجاهر بها امام الناس لكي تكون النية أوضح اخلاصا، ويستثنى من ذلك
ما إذا كان للعامل المتعبد غرض ديني في التجاهر للترغيب في الطاعة.
19 - ولا يجوز في العبادة النيابة عن الحي بمعنى ان الانسان لا يمكنه
أن يصلي عن قريب أو صديق أو اي شخص آخر لا يزال حيا لا الصلاة
الواجبة على ذلك القريب أو غيره ولا صلاة مستحبة يقصد بها النيابة عنه
ومثل الصلاة سائر العبادات فان ذلك لا يصح، ويستثنى من هذا الحج
المستحب والطواف المستحب والعمرة المستحبة فإنها عبادات لكن يمكن
للشخص ان ينوب فيها عن الحي، وكذلك الحج الواجب في حالة خاصة
يأتي شرحها في فصول الحج.
وينبغي ان لا يفهم من ذلك أنه لا يصح للانسان ان ينوب عن الحي
في كل أوجه البر والخير، بل يصح ان ينوب عنه الانسان في أوجه البر
وصلة الفقراء وزيارة المشاهد المشرفة ونحو ذلك من المستحبات التوصلية.
وإذا أراد الانسان ان ينفع شخصا لا يزال حيا بعبادته أمكنه ان يأتي
بصلاته أو عباداته الأخرى المندوبة بصورة أصيلة ثم يطلب من الله تعالى
أن يسجل ثواب العمل لذلك الشخص عسى أن يمن الله تعالى عليه بإجابة
طلبة.

55
20 - تجوز النيابة في العبادات عن الميت فيصلي عنه ويصام عنه إلى
غير ذلك من العبادات واجبة كانت أو مستحبة، كما يمكن الاتيان بالعبادة
بصورة أصيلة ثم اهداء ثوابها إلى الميت نظير ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة
النسبة إلى الحي.
21 - كلما صح التبرع بالعبادة عن شخص صح أيضا استئجار شخص
للقيام بتلك العبادة نيابة عنه، وهناك شرط أساسي لهذه الصحة وهو ان
يكون الدافع للأجير للقيام بهذا العمل هو الخوف من الله سبحانه وتعالى
أن يأكل الأجرة حراما على نحو لا يكون مستعدا لأخذ الأجرة حتى لو تيسر
له أخذها ما لم ينجز العمل الذي استؤجر لأدائه لكي لا تكون الأجرة حراما
عليه ولا يكون خائنا، فان هذا القدر من النية الحسنة لدى الأجير يحقق
نية القربة التي لا تصح عبادة بدونها، وأما إذا كان الأجير مستعدا لأخذ
الأجرة على اي وجه اتفق وهو لا يؤدي العمل الا لأنه لا يتاح له ان يقبض
تلك الأجرة الا بأداء العمل - إذا كان الأجير كذلك فلا تصح منه النيابة
والعبادة لان عمله يكون تجاريا بحتا من اجل المال ولا أثر للخوف من الله
ورعاية حقه فيه.
22 - ويحرم على الانسان مهما تعبد وأطاع ربه أن يأمن مكره وعقابه
ويثق ثقة مطلقة بمستقبله ومنقلبه، كما يحرم عليه مهما قصر وأذنب ان ييأس
من رحمته ويقنط من عفوه، ويعتبر ذلك الأمن من مكره وهذا اليأس من
رحمته من كبائر الذنوب.
23 - ولئن كانت العبادات مقصورة على أمور معينة كالصلاة والصيام
ونحوهما فان بامكان الانسان شرعا ان يحول جل أعماله ومساعيه الصالحة في
مختلف جوانب حياته إلى عبادة إذا أتى بها على وجه يرضى الله سبحانه
وتعالى ومن اجله، فمن عمل في وجه من وجوه الكسب المباح من اجل

56
القيام بما يجب عليه أو يستحب له من الانفاق على عائلته كان عمله
عبادة وهكذا.
هذه احكام موجزة عامة عن العبادات. وسنستعرض نوعا بعد نوع
مع احكام كل نوع بالتفصيل على الترتيب التالي.
أولا - نقدم الصلاة باعتبارها أهم العبادات.
ثانيا - نقدم الطهارة على الصلاة لأن الطهارة شرط أساسي في الصلاة
ثالثا - سنستعرض احكام الحج بهذا أيضا ولكن بصورة موجزة اعتمادا
في التفاصيل على مناسك الحج التي ألفناها بهذا الصدد (موجز احكام الحج).
رابعا - ان الزكاة والخمس على الرغم من كونهما عبادتين سوف
ندرجهما في القسم الثاني لأن الجانب المالي فيهما أبرز وأهم. كما أن الجهاد
سوف ندرجه في القسم الرابع لأنه يدخل في نطاق السلوك العام وعلى
هذا الأساس سوف نستعرض العبادات بادئين بالطهارة، ثم الصلاة،
فالصيام، فالاعتكاف، ثم الحج والعمرة، ونختم القسم الأول بالكفارات.

57
الطهارة
احكام الماء

59
تمهيد
أهم العبادات الصلاة، فإنها عمود الدين وقد أوجب الشارع على
المصلي ان يكون متطهرا من الخبث ومن الحدث. ونقصد بالخبث هنا
النجاسة، ومرد النجاسة إلى أشياء مادية تقع تحت الحواس، كالدم والبول
والغائط والميتة وغيرها من الأخباث (اي النجاسات التي يأتي الكلام
عنها). واما الحدث في اصطلاح الفقهاء فلا يدرك بالحس، بل هو امر
اعتباري معنوي يوجب الوضوء أو الغسل، ومثاله الجنابة.
والخبث يزال وتحصل الطهارة منه بالغسل بالماء الطاهر وبوسائل أخرى
أحيانا كالأرض. والحدث يزال وتحصل الطهارة منه بالوضوء بالماء الطاهر
أو الاغتسال به وبالتيمم بالتراب أحيانا وسيأتي في الأبواب المقبلة تفصيل
الحديث عن كل ذلك انشاء الله تعالى. ولما كان الماء الطاهر هو المطهر
الرئيس من الحدث والخبث تعين في البداية ان نتحدث عن الماء وأقسامه
ومتى يكون طاهرا ومطهرا من الحدث والخبث ومتى لا يكون كذلك.
الماء مطلق أو مضاف
1 - ينقسم الماء إلى مطلق ومضاف وتختلف احكام كل منهما عن احكام
الاخر، وسنعرض الفرق والاختلاف في الفقرات الآتية.
والمراد بالماء المطلق هذا الماء الذي يفهمه كل الناس من قوله تعالى
(وجعلنا من الماء كل شئ حي - 30 - الأنبياء) وهو الذي يجري في
الأنابيب إلى البيوت والحمامات والفنادق والمعابد الخ ويشربه الانسان

61
والحيوانات، ويحيا به الشجر والنبات، ونغتسل به ونطهر الأجسام والثياب
ومنه ماء البحر والمذاب من الثلج والبرد والمياه المعدنية، والتالي فلا يحتاج
الماء المطلق إلى تفسير لوضوح معناه
والمضاف هو اما ماء مطلق خالطه جسم آخر فأخرجه عن أصل
الخلقة وسلب عنه اسم الاطلاق ولم يعد ماء حقيقة كالشاي وماء الورد،
واما ماء اعتصر من جسم كماء البطيخ والليمون.
2 - الماء المطلق والمضاف كلاهما طاهر لك ان تشرب منهما وتستعملها
بما شئت والفرق الأساس بين حكم المطلق وحكم المضاف يتمثل فيما يلي:
أولا: ان الماء المطلق لك ان تطهر به الشئ المتنجس كالإناء والثوب
والبدن إذا اصابته النجاسة وليس لك ان تطهره بالمضاف.
وثانيا: ان الماء المطلق لك ان تتوضأ به وتغتسل من الجنابة أو اي
غسل آخر، وليس لك ان تتوضأ أو تغتسل بالمضاف، وهذا معنى الكلمة
الفقهية القائلة: الماء المطلق طاهر في نفسه ومطهر لغيره من الحدث والخبث
وان الماء المضاف طاهر في نفسه ولكنه لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا.
وثالثا - ان الماء المطلق لا يتأثر ولا يتنجس بملاقاة النجاسة الا في
بعض الحالات كما سيأتي (لاحظ الفقرة (18) و (19) من هذا الباب)
واما الماء المضاف فيتأثر ويتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة، وأي شئ
يتنجس سواه من الأجسام الصلبة ينجسه، قليلا كان أم كثيرا.
ورابعا: ان الماء المطلق إذا تنجس وأوصلناه بماء غزير أو اصابه
ماء المطر يطهر على ما يأتي. واما الماء المضاف فلا يطهر بذلك إذا تنجس،
وانما يطهر إذا حولناه إلى ماء مطلق فنطهره بما يطهر به الماء المطلق.
3 - المائعات التي لا تحمل اسم الماء بحال كالنفط والحليب تتفق مع
الماء المضاف فيما تقدم من احكام،
فلا يصح التطهير بها من الخبث أو الحدث

62
وتتنجس بمجرد الملاقاة، وإذا تنجست لا تطهر بحال.
4 - إذا ملأت إبريقا بماء الورد واخذت تصبه على ارض نجسة
تنجس من ماء الورد ما أصاب الأرض، ولا يتنجس كل ما في الإبريق.
وكذلك في كل حالة يتحرك فيها المائع باندفاع فيلاقي نجسا فان الذي
يتنجس هو الملاقي المباشر، واما القدر الذي بعد لم يندفع ولم يصل إلى
النجاسة فلا ينجس.
وهذا الحكم ثابت أيضا في الماء المطلق إذا كان يتنجس بالملاقاة فإنه
في حالة تحركه واندفاعه والتقائه وهو مندفع مع النجس يتنجس منه الملاقي
المباشر، لا مبدأه الذي بعد لم يصل إلى النجاسة (لاحظ الفقرة (9) من
هذا الباب).
5 - الماء المطلق له خصائصه وطعمه ولونه الخاص، فقد يتغير طعمه
أو لونه كالماء الذي تلقي فيه شيئا قليلا من الملح أو من الصبغ الأحمر
ويسمى حينئذ بالماء المتغير ولكنه لا يخرج عن كونه ماءا مطلقا وله احكام
الماء المطلق، ولكن إذا تفاقم هذا التغير وتراكمت على الماء صفات أخرى
غريبة عنه فقد يتحول إلى ماء مضاف، وبذلك يفقد احكام الماء المطلق
وتثبت له احكام الماء المضاف.
6 - وقد يتغير الماء المطلق على هذا الأساس، ولكن لا تدري ما هو
حجم هذا التغيير ومقداره، وهل انه كان بدرجة كبيرة يؤدي إلى تحول
الماء المطلق إلى مضاف أو لا؟ والحكم في مثل ذلك أن يبني على أنه
لا يزال ماءا مطلقا حتى يحصل اليقين بالعكس.
وقد يتغير الماء المطلق بدرجة شديدة يتحول بموجبها إلى مضاف ثم
يتناقض هذا التغيير كما إذا سحبنا قسما من المادة الصبغية التي كانت في
الماء أو ألقينا عليه ماءا مطلقا فتناقض التغير واقترب من لونه وطعمه الطبيعي

63
وفي هذه الحالة قد نشك في أن الباقي من التغير في هذا الماء هل هو كثير
على وجه لا يزال الماء معه مضافا أو ضئيل على وجه عاد الماء ماءا مطلقا
والحكم في ذلك نبني على أنه لا يزال مضافا حتى يحصل اليقين بالعكس.
الماء المطلق كثير وقليل
7 - ينقسم الماء المطلق إلى قسمين:
1 - يسمى بالماء الكثير ونطلق هذا الاسم
أولا: على كل ماء له مادة تمده بالماء كماء البئر النابع وماء العيون
النابعة سواء كان الماء النابع منها جاريا أو واقفا وكذلك الماء الجاري في
الجداول والأنهار سواء كان مستمدا من عيون في جوف الأرض أو في
باطن الجبال أو من ذوبان الثلج المتراكم على رؤوس الجبال، فان كل ماء
من هذا القبيل يعتبر ماء كثيرا، سواء كان الظاهر منه للعيان كثيرا حقا
كما في الأنهار، أو قليلا كما في بعض العيون النابعة الواقفة، لان الكثرة
هنا على أساس المادة.
ثانيا: على ماء المطر حين نزوله من السماء، على أن يبلغ من الكثرة
حدا يمكن أن يجري على الأرض الصلبة ولو قليلا، فإنه يعتبر كثيرا حينئذ
ويبقى كثيرا أيضا بعد تجمعه على سطح الأرض، حتى ولو كان المتجمع
كمية ضئيلة ما دام المطر يتقاطر عليه باستمرار.
ثالثا: على الماء الراكد الذي ليس له مادة في الأرض ولا في السماء
إذا بلغ كرا أو أكثر، وسيأتي تحديد الكر في الفقرة (10) من هذا الباب
2 - يسمى بالماء القليل وهو غير الماء الكثير، ويعني الماء الذي لا مادة
له ولا يبلغ مقدار الكر وليس مطرا.

64
حكم القليل والكثير
8 - والقليل والكثير طاهران مطهران من الحدث والخبث (1) غير أنهما
يختلفان في تأثرهما بالنجاسة، فالماء الكثير لكثرته وحصانته لا يتأثر ولا
يتنجس بمجرد ملاقاته للنجاسة، فلو أصابه بول أو دم يبقى طاهرا، واما
الماء القليل فيتأثر وينجس بمجرد ان يلاقي العين النجسة. كالبول والدم
والكلب، أما إذا لاقاه الشئ المتنجس دون العين النجسة (وهو الشئ
الذي تنجس بملاقاة العين النجسة كالملعقة التي يمسها الكلب) فينظر هل
هي ذائبة مائعة كالماء والحليب أو جامدة كالملعقة والصابون؟ فان كانت
مائعة يتنجس الماء القليل بمجرد الملاقاة، وان تك جامدة فلا يتنجس إذا
لم يكن في العين المتنجسة التي لاقت الماء اجزاء من العين النجسة، والا
تنجس الماء القليل بالملاقاة لعين النجاسة، فالملعقة إذا أصابها الدم ومسحت
عنها الدم وغمستها في ماء قليل فلا تنجسه.
9 - إذا أصابت عين النجاسة جانبا من الماء القليل تنجس الماء كله
ولم تقتصر النجاسة على ذلك الجانب.
ولكن إذا كان النجس في مكان أسفل وورد عليه ماء قليل من أعلى
كما إذا صب من إبريق فتسري النجاسة إلى محل الملاقاة من الماء فقط،
اما الماء الاعلى فيبقى على طهارته. ولو انعكس الامر وكانت النجاسة في
أعلى والماء القليل في أسفل، وذلك بان كان الماء القليل يفور صاعدا
كالعمود بسبب أو بآخر، ويلاقي النجاسة في العلو، لو كان ذلك سرت

65
النجاسة للطرف الأعلى من الماء القليل الملاقي ولا تسري إلى العمود وما
دونه. ومثله لو كانت النجاسة في محاذاة الماء القليل وفي خط مقابل ومواجه
له، ثم دفع الماء إلى النجاسة فينجس منه ما لاقاه فقط ويبقى ما عداه على
طهارته. وبكلمة موجزة ان الماء إذا كان في حالة تحرك سريع في اي اتجاه
من الاتجاهات ولاقى النجس في اتجاهه تنجس موضع الملاقاة من الماء ولم
يتنجس ما خلفه من ماء.
10 - أشرنا في الفقرة (7) إلى أن أحد اقسام الماء الكثير الكر من
الماء وهو كل ماء بلغ وزنه ثلاثمائة وستة وسبعين كيلوا تقريبا.
وإذا كان الماء من الماء الصافي الذي يستعمل عادة في أنابيب الإسالة (1)
فالكر منه يشغل مساحة مكعبة قدرها يقارب ستة وثلاثين شبرا إذا كان
طول الشبر اثنين وعشرين سنتمترا، ويقارب أربعين شبرا ونصف الشبر
إذا كان طول الشبر واحد وعشرين سنتمترا.
فكل ماء كان بهذا الوزن أو بما يتطابق معه من المساحة فهو كر
لا يتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة.
11 - الماء الكر إذا كان راكدا ساكنا فلا فرق فيه بين ان يكون بكامله
في مكان واحد أو أكثر، ولا بين ان يكون جز منه في أعلى وآخر في
أسفل ما داما متصلين بسبب من الأسباب ففي كل هذه الحالات يعتبر كثيرا
ومعتصما ولا ينجس بمجرد الملاقاة.
12 - الماء الكر قد يكون جاريا ومتحركا، ومثاله: الماء الذي

66
يجري من خزانات الحمامات بواسطة الأنابيب إلى حياض صغيرة تحت
الأنابيب، وهذا له حالتان:
الأولى: أن يكون الماء الموجود في الخزان بقدر الكر أو أزيد.
الثانية: ان يكون الماء الموجود في الخزان دون الكر، ولكن إذا
ضم إليه المقدار الذي جرى منه في الأنابيب وما انحدر منها إلى الخوض
الصغير الموضوع تحت الأنبوب كان الكل بقدر الكر.
ففي الحالة الأولى يعتبر ما في الخزان معتصما وكذلك ما في الحوض
الصغير ما دام الأنبوب مفتوحا عليه ويصب فيه، فلو وقع دم في ماء الخزان
أو ماء الحوض لا ينجس.
وفي الحالة الثانية يعتبر ما في الحوض الصغير معتصما لا ينجس بمجرد
ملاقاة النجس ما دام متصلا بمخزنه عن طريق تدفق الماء من الأنبوب إليه
واما ما في الخزان فليس معتصما، فإذا لاقته عين النجاسة يتنجس.
13 - كل ماء قليل اتصل بماء كثير فهو معتصم وتجري عليه نفس
الاحكام التي تجرى على الماء الكثير فلو كانت هناك ساقية فيها ماء قليل
وتقاطر عليها ماء المطر أو اتصلت بجدول من الماء له مادة أو فتحت عليها
أنبوبا يصب عليها من خزان كبير أصبح ماء الساقية معتصما ما دام الاتصال ثابتا.
ومن الجدير الإشارة هنا إلى أن ما يوضع في فوهة اتصال خزان
الماء بالمادة التي يستمد منها الخزان - ويسمى بالطوافة - يقطع الاتصال ماء
الخزان بالمادة في حالة امتلائه، فإذا لم يكن الخزان بقدر الكر اعتبر الماء
قليلا، ولكن بمجرد ان يبدأ الخزان بدفع الماء وتنخفض الطوافة يعود
الاتصال، ويصبح ماءا كثيرا معتصما.
وقد يوضع في فوهة الأنبوب حاجز فيه ثقوب صغيرة متقاربة، ينفذ
الماء من خلالها بقوة - ويسمى بالدوش - وهذا الماء المنحدر من هذه الثقوب

67
إذا كان ينزل على شكل قطرات متلاحقة مع فواصل بينها ولو صغيرة فهو
ماء قليل، وإذا كان تتابع القطرات سريعا على نحو يشكل خطا متصلا
في نظر العرف فهو ماء كثير لأنه متصل بمادته.
14 - لو رأينا ماء في حوض صغير مثلا وشككنا: هل هو بوزن
الكر حتى لا ينجس بالملاقاة أو دون ذلك فحكمه حكم الماء القليل يتنجس
بمجرد الملاقاة لعين النجاسة.
15 - لو رأينا ماء قليلا دون الكر، وهو يجري على الأرض،
وشككنا: هل هو متصل بماء كثير أو بمادة نابعة حتى لا ينجس بالملاقاة
باعتباره كثيرا أو غير متصل كي يتنجس بها؟ فحكمه حكم القليل الا إذا
كان الشاك على علم سابق بان هذا القليل الجاري كان متصلا من قبل بالكثير
أو بالمادة، فيحكم عندئذ بطهارته ان لاقته النجاسة ولم يتغير.
16 - حوض ماء فيه ما يزيد على كر وأخذ منه مقدار يسير للاستعمال
وشككنا: هل بقي في الحوض كر من الماء أو بعض من ذلك؟ فحكمه
حكم الكثير فلا يتنجس بمجرد الملاقاة لعين النجاسة.
17 - تقدم في الفقرة (7) ان أحد اقسام الماء الكثير ماء المطر
البالغ حدا من الكثرة يمكنه ان يجري على الأرض الصلبة. وهذا يعني انه
لا يتنجس بملاقاة النجاسة فلو ان قطرة من ماء المطر وقعت مباشرة على
عين نجسة كالميتة مثلا لم تتنجس. ولو تجمعت قطرات المطر في موضع
من الأرض فوقع فيها نجس لم تتنجس ما دام المطر يتقاطر وكذلك الحاكم
إذا جرى ماء المطر على السطح مثلا وانحدر منه إلى الأرض في ميزاب
ونحوه فان الماء المنحدر من الميزاب معتصم ولا يتنجس لو لاقى في الأرض
عينا نجسة ما دام تقاطر المطر وامداده مستمرا. ومثل الماء المنحدر من السطح
إلى الأرض تماما ماء المطر المتساقط على أوراق الشجر والمنحدر منها إلى

68
الأرض. وأما إذا أصاب ماء المطر سقف الغرفة وتسربت رطوباته في
السقف ثم ترشح منه إلى ارض الغرفة، فلا يعتبر الماء المتساقط على ارض
الغرفة كثيرا ومعتصما حتى ولو كان المطر لا يزال يتقاطر على سقف الغرفة
لان الصلة انقطعت بين ماء المطر والماء المتساقط من سقف الغرفة على
أرضها. 18 - تقدم في الفقرة (7) ان أحد اقسام الماء الكثير الماء النابع من
مادة ولا فرق في ذلك بين عيون الماء المستمرة في النبع طيلة السنة والعيون
الموسمية التي ينبع منها الماء في موسم معين من السنة، فان ماءها يعتبر
كثيرا ومعتصما في ذلك الموسم الذي تنبع فيه.
كيف يتنجس الماء الكثير
19 - مر بنا ان الماء الكثير بكل أقسامه المتقدمة في الفقرة (7)
لا يتنجس بمجرد ملاقاة عين النجس، ولكنه يتنجس إذا لاقته عين النجس
فغيرت لونه أو ريحه أو طعمه بالنجاسة، وإذا تغير بوصف رابع كثقل
الوزن أو خفته مثلا مع احتفاظه باللون والريح والطعم الطبيعي للماء فلا
ينجس.
20 - ولا اثر لتغير الماء الكثير بملاقاته للشئ المتنجس بعين النجس (1)،
اجل إذا تنجس الماء بعين النجاسة الموجودة فعلا في المتنجس يتنجس الماء عندئذ
بلا ريب، - مثلا - ماء متنجس بالدم وصار لونه احمر لوجود الدم فيه ثم
ألقينا هذا الماء المتنجس الأحمر في حوض طاهر - كرا أو أكثر - فتغير لونه

69
وصار أصفر، فماء الخوض يتنجس في هذه الحالة.
21 - كما لا أثر أيضا لتغير الماء الكثير بعين النجس بدون ملاقاة،
كما إذا انتقلت الرائحة من عين النجس المطروحة قريبا من الماء الكثير إليه
بسبب قربها منه فإنه لا ينجس بذلك.
22 - لا نقصد بالتغير الذي ينجس الماء الكثير ان يكتسب نفس لون
النجس أو طعمه أو ريحه بالضبط، بل
يكفي أن يحصل تغير في لون الماء
وطعمه وريحه ولو لم يتطابق مع النجس، ومثاله: ان يصبح الماء الكثير
أصفر بسقوط دم أحمر فيه فيكون نجسا.
23 - لنفرض ان عين النجاسة لاقت الماء ولم يتغير لونه ولا طعمه
ولا رائحته، اما لسبب يعود إلى عين النجاسة أو الماء، واما لأمر خارج
عنها وعن الماء أيضا بحيث لولا هذا الامر الخارج أو ذاك الوصف لتغير
اللون أو الطعم أو الرائحة، فهل يحكم بتنجس الماء في هذا الفرض؟
والجواب على ذلك يستدعي التفصيل التالي:
1 - قد يستند بقاء الماء على حاله وعدم تغيره إلى أن عين النجاسة
ليس لها لون أو رائحته مثلا لتعطي للماء شيئا من لونها أو رائحتها حتى
يتغير، فان كان الامر كذلك فالماء طاهر ولا يتنجس.
2 - وقد يستند عدم تغير الماء إلى أن عين النجاسة يتطابق لونها مثلا
مع لون الماء الذي كان متصفا به قبل وقوع النجاسة فيه، ومثاله: ان
يكون الماء احمر اللون بسبب صبغ من الاصباغ ثم تسقط فيه كمية من الدم
فلا يبدو لحمرة الدم أثر لان الماء أحمر، وفي هذا الفرض يتنجس الماء
3 - وقد يكون لعين النجاسة وصفها الخاص بها وهو وصف
يختلف عن صفات الماء ولكن يستند عدم تغير الماء بها إلى أمر
خارج عن النجاسة والماء معا كبرودة الجو التي تحول دون تأثر الماء برائحة

70
الجيفة النجسة بحيث لو كان الجو معتدلا أو حارا لحدث التغير، وفي هذا
الفرض يبقى الماء على طهارته.
24 - إذا كان الماء من أحد اقسام الماء الكثير وتغير بعضه بالنجاسة
فتنجس فهل يتنجس الجز المتغير منه فقط أو يتنجس كله؟ والجواب: ان
غير ذلك الجزء إن كان لا يزال ماءا كثيرا فهو معتصم ولا يتنجس.
ويمكن توضيح ذلك على سبيل المثال في حالتين:
الأولى: لنفرض حوضا كبيرا وقع دم في جانب منه فاصفر الماء في
هذا الجانب، فهل يتنجس الماء في الجانب الاخر قبل ان يتسرب إليه لون
الدم؟ والجواب بالنفي ما دام الجانب الاخر بقدر الكر.
الثانية: لنفرض ماءا جاريا دون الكر في ساقية وله مادة وقد أصاب
النجس وسط الساقية فتغير الماء في ذلك الوضع فهل يتنجس الماء كله؟
والجواب: ان الماء الواقع بين ذلك الموضع والمادة التي ينبغ منها
الماء لا يتنجس بحال، واما الماء الواقع بعد موضع التغير فحكمه يحتاج إلى
تفصيل وهو: ان وسط الساقية إذا كان فيه خيط من لماء لا يزال غير
متغير ويربط الماء الذي بعده بما قبله من ماء الساقية فلا يتنجس من ماء
الساقية سوى ما تغير فعلا، وإذا كان قد تغير كله فيتنجس ما بعده.
إذا تنجس الماء فكيف يطهر
25 - إذا تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة فيطهر إذا أوصلناه بماء
كثير معتصم. ومثال ذلك ماء في وعاء يتنجس فنفتح عليه أنبوبا من أنابيب
الماء الممتدة إلى البيوت في هذا العصر، فيطهر ماء الاناء بوصول الماء من
الأنبوب إليه وفي نفس اللحظة بدون حاجة للانتظار إلى أن ينتشر ماء

71
الأنبوب في كل جوانب الاناء. ومثال آخر ماء في وعاء يتنجس فتضعه تحت
السماء فيتقاطر عليه ماء المطر بدرجة ملحوظة - لا قطرة وقطرتين فقط -
فيطهر بذلك، بل إن الماء يتحول في كلا المثالين إلى ماء معتصم ما دام
متصلا بماء الأنبوب أو المطر، ويطهر حينئذ الوعاء الذي هو فيه.
وإذا تنجس الماء الكثير بسبب التغير بعين النجس فيطهر إذا توافر
أمران:
أحدهما: أن يزول التغير ويعود الماء إلى حالته الطبيعية، سواء حصل
ذلك بمرور الزمن أو بمزجه بماء آخر.
والامر الثاني: ان يوصل وهو سليم من التغير بماء كثير معتصم
ككر من الماء أو ماء المطر وغيرهما.
ويمكن إنجاز الامرين معا بعملية واحدة بان نفتح مثلا أنبوب الماء
على الماء المتغير فينتشر ماء الأنبوب في الماء المتغير حتى يزيل تغيره ويطهره
باستمرار اتصاله به بعد ذلك.
ونذكر مثالين لتطهير الماء المتغير للتوضيح كما يأتي:
الأول: ان يتغير حوض من الماء برائحة الجيفة فيترك مدة إلى أن
تزول تلك الرائحة الكريهة ثم يفتح عليه أنبوب الماء فيطهر.
الثاني: ان يتغير ماء الحوض بلون الدم ويصفر فيصب فيه ماء آخر
سليم بوعاء مرات عديدة حتى تضعف الصفرة وتزول ثم يفتح أنبوب الماء
عليه أو يتساقط عليه ماء المطر فيطهر، ويمكن أيضا ان يفتح عليه ماء
الأنبوب منذ البداية - كما عرفت - فيزيل الصفرة ثم يطهره.

72
تبخير الماء النجس
26 - إذا تنجس الماء ثم تبخر وتحول البخار من جديد إلى ماء فهذا
الماء طاهر. ونفس الشئ يصدق على كل مائع آخر ولو لم يكن ماء مطلقا
بل ماء مضافا كماء الورد أو لم يكن ماء على الاطلاق كالحليب، بل يصدق
على البول أيضا وغيره من الفضلات، فإنه إذا تبخر وصار البخار مائعا
فهذا المائع طاهر.
حكم الماء إذا تطهر به الانسان
27 - عرفنا ان الماء يتطهر به الانسان من النجاسة ويتوضأ ويغتسل
والسؤال ان هذا الماء إذا استعمل في التطهير والوضوء والغسل فهل يبقى
طاهرا أو يتنجس؟ وهل يمكن استعمال نفس الماء مرة ثانية في التطهير
أيضا؟
والجواب: انه لا يتنجس إلا إذا لاقى عين النجاسة وكان الماء قليلا
أو تغير بأوصافها على ما تقدم. وإذا تنجس فلا يسمح بالتطهير به ثانية،
وإذا لم يتنجس خلال الاستعمال الأول ظل كما كان فيجوز التطهير به من
النجاسة كما يجوز الوضوء والغسل به.
حكم الشك والاشتباه
28 - إذا شك المكلف في أن هذا الماء نجس أو طاهر اعتبره طاهرا.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان على علم بأنه كان متنجسا في السابق ولا يدرى
هل طهر أم لا؟ ففي هذا الفرض يحكم الماء بأنه لا يزال متنجسا حيث
يثبت العكس

73
الطهارة الوضوء

75
تمهيد
1 - الوضوء عبارة عن غسل الوجه واليدين والمسح على مقدم الرأس
وعلى القدمين، فهذه الغسلات الثلاث والمسحات الثلاث تسمى في الشرع
وضوءا ويطلق على الوجه واليدين ومقدم الرأس والقدمين أعضاء الوضوء
وصورة الوضوء بايجاز هي ان تغسل وجهك بماء مطلق طاهر ابتدأ من
منابت الشعر إلى نهاية الذقن ثم تغسل يدك اليمنى ابتداء من المرفق إلى
أطراف الأصابع ثم تغسل يدك اليسرى كذلك وتمسح بنفس الرطوبة التي
خلفها في باطن كفك اليمنى مقدم رأسك ولو بإصبع واحدة ثم تمسح ولو
بإصبع واحده منها أيضا ظاهر قدمك اليمنى ويكفي ان تضع باطن أحد أصابع
كفك اليمنى أو راحتها على أطراف أصابع قدمك اليمنى وتجرها إلى نهاية قدمك
(الكعب) ثم تمسح برطوبة باطن كفك اليسرى التي نشأت من الوضوء
ظاهر قدمك اليسرى كذلك وتحرص في كل ذلك على أن لا تتماهل إلى الدرجة
التي تجف بسببها ا لرطوبة في أعضاء الوضوء قبل ان تكمل الوضوء
ويعتبر الوضوء طهارة شرعا والمتوضي متطهرا وعلى طهور والطهارة
التي تحصل بالوضوء شرعا تبقى مستمرة إلى أن يصدر من المتوضئ شئ
من البول أو الغائط أو غير ذلك مما يسمى شرعا بالحدث، وسيأتي في فقرة
لاحقة بيان تلك الأشياء التي تنقض أثر الوضوء، وهي ما يعبر عنها بنواقض
الوضوء وبموجباته أيضا.
والوضوء عباد بمعنى انه لا يصح ولا يحقق طهارة شرعا الا مع نية
القربة. ونية القربة هي ان تأتي بالفعل من اجل الله سبحانه وتعالى، ومثالها
من يأتي بالفعل بداعي الطاعة لله اما لأنه تعالى أهل لان يطاع ويعبد أو

77
التماسا لثوابه أو خوفا من عذابه، فالمتوضئ لابد له ان يقصد بوضوئه انه
يأتي به لأجل الله وامتثالا لامره تعالى.
والوضوء في نفسه طاعة ومندوب في كل الأحوال والمواقع، وفي
نفس الوقت هو واجب لغيره حيث يجب للصلاة وأشياء أخرى على ما يأتي
في بعض الفقرات المقبلة.
والوضوء لا يتم بدون ماء لان الماء هو الذي يتوضأ به فيغتسل به الوجه
واليدان ويمسح به الرأس
والقدمان، ولهذا يسمى الوضوء بالطهارة المائية.
وللوضوء شروط واجزاء ونواقض تفسده، وأيضا له كماليات
ومستحبات وغير ذلك على التفصيل الآتي:
1 - الشروط
شروط ماء الوضوء
2 - هناك شروط للماء الذي يتوضأ به وهي
أولا: أن يكون الماء مطلقا فلا يصح الوضوء بالماء المضاف كماء
الورد.
ومن كان عنده إناءان: في أحدهما ماء مطلق وفي الاخر ماء الورد
مثلا وكلاهما طاهر، ولكنهما تشابها ولم يميز بينهما فله ان يتوضأ أولا بأحدهما
ثم يكرر الوضوء بالثاني وبذلك يعلم بصحة الوضوء.
وثانيا: ان يكون طاهرا فلا يصح الوضوء بالماء النجس.
وثالثا: ان يكون مباحا فلا يصح ان تتوضأ بماء لغيرك بدون موافقته.
وإذا وجد ماء في إنائين وعلم المكلف الذي وجب عليه الوضوء ان
أحدهما نجس والاخر طاهر من غير تعيين أو ان أحدهما له والاخر لشخص

78
لا يأذن باستعماله من غير تعيين أيضا فعليه ان يبتعد عنهما معا، ولو توضأ
من أحدهما لم يصح الا إذا كان المكلف على علم سابق بنجاسة أحدهما
المعين المعلوم لديه بالخصوص أو بأنه لانسان آخر وعندئذ يبتعد عنه وحده
وله ان يستعمل الاخر فيما شاء.
ولا يشترط في ماء الوضوء إذا كان طاهرا ان يكون غير مستعمل
في إزالة الخبث ولا في الوضوء والغسل كما تقدم في الفقرة (27) من فصل
احكام الماء فكل ماء مطلق مباح يصح به الوضوء.
3 - إذا كان الماء مباحا والوعاء الذي يحويه مغصوبا، فهل يصح
الوضوء بهذا الماء؟
والجواب: إذا كان المتوضي يغترف من هذا الاناء ويتوضأ به صح
الوضوء وأثم المتوضي، وأما إذا غمس وجهه في الاناء بقصد الوضوء
ورأى العرف ان هذا الغمس بالذات هو تصرف في نفس الاناء المغصوب
فعندئذ يكون الوضوء باطلا.
ولا يجب في صحة الوضوء ان يقع الماء المنفصل عن أعضاء المتوضي
في مكان مباح.
4 - يصح الوضوء من الماء الموضوع في اناء الذهب والفضة.
5 - لا يسوغ الوضوء بماء الآخرين الا مع الاذن منهم صراحة أو
بشاهد الحال. ومجرد الشك في الرضا وعدمه غير كاف. اجل يسوغ الشرب
والوضوء من الأنهار والجداول والعيون الغزيرة النابعة وما إليها مما جرت
عليه عادة الناس مع عدم المنع والانكار من أصحاب الماء، بل ليس
لأصحاب هذا الماء منع الآخرين من ذلك.
وأيضا يسوغ الوضوء بالماء الموقوف في المساجد والمدارس للوضوء
وغيره من الانتفاعات الا مع العلم بان ماءها وقف خاص على المصلين في

79
المسجد أو على طلاب المدرسة دون غيرهم، فإذا علم بذلك لم يصح الوضوء
بماء المسجد من غير المصلين فيه، ولا بماء المدرسة من غير طلبتها.
ونفترض ان انسانا علم بان هذا الماء لا يسوغ الوضوء به الا لمن صلى
في هذا المكان بالذات، هو بهذا القصد والنية، ولكنه لم يصل
في ذلك المكان لسبب من الأسباب فهل يكون وضوءه صحيحا؟
الجواب: كلا بل عليه ان يستأنف الوضوء في هذا الفرض.
6 - من توضأ جاهلا أو ناسيا، بماء متنجس أو مضاف أو مغضوب
بطل وضوءه.
شروط المتوضئ
7 - وهناك شروط في المتوضئ لا يصح الوضوء بدونها وهي:
أولا: طهارة المواضع التي تغسل وتمسح في الوضوء من الوجه
واليدين والرأس والقدمين، فلو توضأ وشئ منها نجس لم يصح الوضوء
ولكن هذا لا يعني انه يجب عليه ان يطهر وجهه ويديه ورأسه وقدميه منذ
البداية، بل لو كانت يده اليسرى متنجسة مثلا فبدأ بالوضوء قبل تطهيرها
فغسل وجهه ثم طهرها وواصل وضوءه صح عمله، فالمقياس ان يكون كل
واحد من مواضع الغسل والمسح طاهرا عندما يغسل أو يمسح.
وكذلك لا يعني ما ذكرنا ان يكون كل رأسه طاهرا، أو ان تكون
قدمه كلها طاهرة حين الوضوء، بل يكفي أن يكون موضع من الرأس
والقدمين طاهرا بالقدر الذي يتاح له ان يمسح عليه، وسيأتي بيان المقدار
الذي يجب مسحه.
ثانيا: ان يكون جسم المتوضئ - وبتعبير أخص المواضع التي يمسها

80
من جسمه - في مكان مباح غير مغصوب عند مسح الرأس والقدمين،
ولا يشترط أن يكون كذلك عند غسل الوجه واليدين فلو صادف غسل الوجه
واليدين في مكان مغصوب ومسح الرأس والقدمين في مكان مجاور مباح صح
الوضوء، ولو انعكس الامر بان غسل الوجه واليدين في مكان مباح ومسح
الرأس والقدمين في مكان مجاور مغصوب
بطل الوضوء وفسد.
ثالثا: ان يكون المتوضئ في حالة صحية على نحو لا يضر به الوضوء
ضررا خطيرا فإذا كان الوضوء يضربه ضررا خطيرا وجب عليه التيمم ولو
عصى وتوضأ بطل وضؤه وإذا كان الوضوء يضر به ضررا غير خطير بان
يصاب بحمى يسيره مثلا كان بامكانه التيمم ولكن لو ترك التيمم وتوضأ
صح وضؤه.
رابعا: نية القربة وحقيقتها الداعي والباعث نحو الفعل ابتغاء مرضاة
الله ومن اجله، لان الوضوء عبادة - كما تقدم في الفقرة (1) - وكل عبادة
لا تصح بدون نية القربة كما مر بنا في الفقرة (1) من فصل احكام عامة
للعبادات كما مر في ذلك الفصل توضيح هذه النية والأحكام المتعلقة بها
فلاحظ الفقرات (3) و (6) و (8) و (9) و (10) و (11) و (17) من
ذلك الفصل.
وإيجاد الوضوء من اجل الله تعالى قد يكون على أساس ان الوضوء في
نفسه طاعة ومندوب، وقد يكون على أساس انه واجب لغيره مما يريده الله
تعالى كالصلاة، فمن نوى بوضوئه الاتيان به من اجل الله على أحد هذين
الأساسين صح وضؤه.
وعلى هذا فمن نوى الوضوء لصلاة الظهر مثلا قربة إلى الله تعالى
صح وضؤه، ولا فرق في ذلك بين ان يكون وضؤه بعد دخول وقت
الصلاة أو قبل دخوله.

81
ومن نوى الوضوء لكونه طاعة لله ومندوبا في نفسه صح منه، ولا
فرق في ذلك أيضا بين ان يكون وضوءه قبل دخول وقت الصلاة أو بعد
دخوله.
8 - لا يجب في نية القربة قصد الوجوب أو الندب فلو توضأ من
اجل الله تعالى وتقربا إليه لعلمه بان هذا مما يرضيه صح وضوءه ولا حاجة
به إلى أن يعين الوجوب أو الندب.
9 - يجب استمرار هذه النية والبقاء عليها حتى الانتهاء والفراغ من
الوضوء بالكامل، ولا يمنع عن الاستمرار فيها ان يسرح ذهن المتوضئ
في أمور أخرى ما دامت النية في أعماق نفسه ثابتة على نحو لو سأله شخص
ماذا تصنع لأجاب اني أتوضأ من اجل الله تعالى.
10 - من وجب عليه التيمم لان الوقت لا يتسع للوضوء والصلاة معا لكن
يتسع لها مع التيمم، ومع ذلك عصى وتوضأ، فهل يصح منه هذا الوضوء؟
الجواب: ان صحة الوضوء هنا تناط بقصد المتوضئ ونيته، فان
توضأ بنية امتثال الامر المتعلق - بهذا الوضوء كمقدمة لطاعة الامر المتعلق
بالصلاة الواجبة عليه فعلا مع علمه ويقينه بأنه لا امر بالوضوء من هذه
الصلاة - بطل وضؤه لان الوضوء في هذا الفرض تشريع وبدعة، وان
نوى ذلك عن جهل بأنه لا امر بالوضوء من اجل الصلاة صح الوضوء
وأيضا يكون الوضوء صحيحا لو كان المكلف قد توضأ بنية ان الوضوء
طاعة ومندوب في نفسه أو لأية غاية غير صلاته هذه المفروضة عليه الآن
اي عند ضيق الوقت عن الوضوء.
11 - لو كان عند المكلف قليل من الماء لا يكفي الا لوضوئه فقط
ولكن أجحف به العطش، شربه وتيمم، ولو صبر على شدة العطش
وتوضأ صح منه الوضوء.

82
12 - الرياء مضر بنية القربة وهو ان يتوضأ لامن اجل الله فقط
بل من اجله تعالى ومن اجل كسب مرضاة الناس واعجابهم، فيكون
الوضوء باطلا.
ولا يضر بنية القربة العجب - وهو ان يشعر المكلف بعد أن يتوضأ
لله بالزهو لذلك - فإنه لا يبطل الوضوء
وان أحبط ثوابه.
وأما قصد النظافة والتبريد ورفع الكسل وما إلى ذلك مما هو من
فوائد الوضوء وثماره التابعة له - فلا يضر اطلاقا ما دام تابعا للباعث على
طاعة الله وما دام السبب الرئيسي الداعي إلى الوضوء هو الاخلاص له
سبحانه وتعالى.
13 - من دخل مكانا مغصوبا بلا إرادة منه واختيار، ثم عجز عن
الخروج منه صح وضؤه في ذلك المكان.
14 - ومن دخل مكانا مغصوبا بلا إرادة منه ثم تمكن من الخروج
وجب عليه ان يعجل بالخروج بلا ابطاء، وإذا تسنى له الوضوء حين
الخروج فتوضأ، صح وضوءه، شريطة ان لا يستدعي ذلك منه المكث
المعتد به بحيث يتنافى مع التعجيل الواجب.
ومثله في الحكم ان دخل المكان المغصوب بإرادته واختياره ثم ندم
واستغفر.
شروط الوضوء
إذا تكاملت شروط الماء وشروط المتوضئ جاء دور شروط الوضوء
نفسه وهي ثلاثة:
15 - أولا: المباشرة والمراد بها هنا ان يزاول ويمارس المتوضئ

83
بنفسه أفعال الوضوء بالكامل، ولا يسوغ له ان يستنيب غيره في شئ
من ذلك الا مع العجز والاضطرار، وليس من الاستنابة غير السائغة ان
يمسك غيره إبريق الماء بيده ويصب الماء منه فيغترف المتوضئ من ذلك
الماء فيتوضأ أو يقرب وجهه أو ذراعه منه حتى يغمره الماء بالكامل، فان
هذا جائز ويعتبر الغير هنا بمثابة أنبوب الماء.
وإذا اضطر المتوضئ إلى أن يوضأه غيره لمرض ونحوه فيجب ان ينوي
فيغسل الغير وجهه ويديه ثم يمسح رأسه وقدميه بكف المريض نفسه.
16 - ثانيا: الموالاة بمعنى التتابع في أفعال الوضوء وعدم الفاصل
بينها بحيث لا يجف تمام الأعضاء السابقة في الجو المعتدل. ولا يضر جفاف
العضو لحرارة الجو ولداء ترتفع فيه حرارة الجسم إلى الدرجة القصوى
- مثلا - أو بسبب التجفيف، ولا اثر لوجود الرطوبة في أطراف لحية متعدية
عن حد الوجه.
17 - ثالثا: الترتيب بين أفعال الوضوء، والقصد منه تقديم غسل
الوجه على غسل اليد اليمنى وتقديم هذه على اليسرى، وتقديم اليسرى
على مسح الرأس، وتقديمه على مسح القدم اليمنى، وتقديم هذه على القدم
اليسرى.
18 - ولو عاكس وخالف الترتيب سهوا أو عمدا أعاد على الترتيب
مع الحرص على بقاء الموالاة، وان استدعت إعادة الترتيب عدم الموالاة
ونفيها استأنف الوضوء من جديد.
2 - الاجزاء
اجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس
ومسح القدمين والتفصيل كما يلي:

84
غسل الوجه
الواجب الأول من اجزاء الوضوء غسل الوجه.
19 - مقدار ما يغسل: بعد تحقق نية القربة يجب غسل الوجه
بإسالة الماء عليه، وحده طولا منابت شعر الرأس من مقدمه إلى نهاية
الذقن، وعرضا ما دارت عليه الإصبع الوسطى والابهام، وما زاد فليس
بواجب إلا من باب الاطمئنان والتأكد من وجود الواجب.
20 - ومن نبت الشعر على جبهته أو كان أصلع قدر وقاس بالمثيل
والنظير في حد وجهه طولا وعرضا بلا صلع في الرأس ولا شعر على
الجبهة، ومن صغر وجهه أو كبر أكثر من المعروف، أو طالت أصابعه
أو قصرت عما هو مألوف، يراعي الوسطى والابهام المتلائمتين المتناسبتين
مع وجهه.
21 - ولا يجب غسل ما تحت الشعر النابت في الوجه بل يجب غسل
الظاهر من الشعر فقط من غير فرق
بين الرجل والمرأة وبين شعر اللحية
وغيرها، شريطة أن يكون الشعر محيطا بالمحل كالشارب والحاجب، ولو
تفرق الشعر وظهرت البشرة للعيان من خلاله وجب غسلها، اما الشعر
الرقيق الناعم النابت على بشرة الوجه فإنه يغسل مع البشرة.
22 - ولا يجب فتح العينين وغسلهما عند غسل الوجه، كما لا يجب
غسل باطن الفم أو الانف ولا ما طال واسترسل من اللحية، ولا الشعر
المتدلي من الرأس على الوجه.
كيفية الغسل: يؤدي الغسل بالكيفية التالية:
23 - أولا: يجب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله،

85
فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصح الوضوء. ولا يعني ذلك التدقيق
على نحو يغسل كامل جبهته ثم ينتقل منها إلى منطقة العينين من وجهه
وهكذا فان هذا تدقيق غير لازم، فلو أسال ماء على جبهته فأصاب الجز
الأيمن من جبهته وعينه اليمنى ثم أسال كفا آخر من الماء على الجز الأيسر
من جبهته وما تحته صح وضوءه.
24 - ثانيا: يجب ايصال الماء إلى الوجه بقصد الوضوء اما بإسالة
الماء عليه بالكف وامرار المتوضئ يده على وجهه لايصال الماء إلى كامل
الوجه، واما بوضع الوجه تحت أنبوب من الماء مبتدأ من الأعلى إلى
الأسفل، واما بغمسه في ماء حوض وغيره مع مراعاة الابتداء من الأعلى
إلى الأسفل، ففي كل هذه الحالات إذا كان حين ايصال الماء إلى وجهه
قاصدا الوضوء بذلك صح منه.
وأما إذا كان الماء قد وصل إلى وجهه بدون قصد الوضوء وأراد
بعد ذلك أن يقصد الوضوء بما على وجهه
من ماء فلا يصح.
ومثال ذلك أن يسقط ماء المطر أو الشلال أو الميزاب على وجه
انسان ويجري عليه فحين يرى الماء على وجهه يقصد به الوضوء، فهذا
باطل لأن وصول الماء إلى وجهه لم يكن بقصد الوضوء.
وأما إذا كان قد قصد الوضوء من البداية بوقوفه تحت المطر صح
وضؤه إذا جرى الماء على كامل وجهه ولو لم يستعمل كفه في غسل وجهه.
ومثال آخر ان يغمس الانسان وجهه أو رأسه في الماء، بدون قصد
الوضوء ثم يقصد الوضوء باء الذي يغمر وجهه وهو في الماء أو يقصد
الوضوء حالة اخراج وجهه من الماء، فهذا باطل لأنه لم يقصد الوضوء
بادخال وجهه إلى الماء، وأما إذا أدخل وجهه في الماء بقصد الوضوء
ولاحظ الابتداء من الأعلى إلى الأسفل صح وضؤه.

86
25 - ثالثا: يجب ان يمس الماء وجه المتوضئ بدون حاجز ومانع عن وصول
الماء إلى محله، وعليه فان كان على علم بعدم الحاجز والمانع فذاك هو
المطلوب والا وجب ان يلاحظ المحل الذي يظن بوجود الحاجب فيه أو يشك
في ذلك كأطراف العينين والحاجبين وغير ذلك، ولا يكفي مجرد الظن
بعدم الحاجز بل عليه كلما شك في وجوده ان يبحث ويفحص عنه حتى
يحصل له العلم أو الاطمئنان بنفيه وعدمه، وبالأولى عليه ذلك إذا أيقن
بوجود شئ وشك في أنه: هل يحجب ويمنع أولا؟
26 - رابعا: أن يكون الماء بدرجة تجعله يستولي على الوجه ويجري
عليه ويتحرك. فإذا كان قليلا جدا واستعمله المتوضئ كما يستعمل الدهن
لمجرد التدهين فلا يصح.
غسل اليدين
الواجب الثاني من اجزاء الوضوء غسل اليدين اليمنى أولا ثم
اليسرى.
27 - مقدار ما يغسل: وحد الغسل الواجب من اليد يبدأ بالمرفق
وينتهي بأطراف الأصابع، والمرفق هو المفصل بين العضد والساعد.
ولو قطعت اليد مما دون المفصل وجب غسل ما بقي منها مهما كان
مقداره وحجمه، ولو قطعت من فوق المفصل سقط الغسل.
28 - وكل ما نبت على اليد من الشعر يجب غسله مع البشرة رقيقا
كان أم غليظا.
29 - والشقوق التي تحدث في ظهر الكف من اثر البرد يجب غسل
جوفها وباطنها ان اتسعت، ضاقت فلا يجب وأيضا مع الشك في

87
الضيق والاتساع الموجب للشك في وجوب غسل الجوف لا يجب الغسل.
30 - وإذا انقطع شئ من لحم اليدين بأحد الأسباب وجب غسل
ما بقي وظهر منها، اما اللحم المقطوع فيجب غسله ما دام متصلا باليد ولو
بجلدة وإلا خرج عن حكم أعضاء الوضوء.
كيفية الغسل: وكيفية غسل اليدين هي كيفية غسل الوجه تماما.
31 - فأولا يجب الابتداء في الغسل من المرافق والانتهاء بأطراف
الأصابع، ولا يسوغ الابتداء من الأصابع أو الوسط ثم الصعود إلى
المفصل لأنه مخل بصدق الغسل من أعلى إلى أسفل.
32 - وثانيا: يجب ان يقصد الوضوء عند وصول الماء إلى العضو
لا بعد ذلك، فإذا ادخل يده في الماء وغمسها حتى المفصل بدون قصد
الوضوء ثم حركها حركة خفيفة وأخرجها شيئا فشيئا بقصد الوضوء لم
يصح ذلك.
33 - وثالثا: يجب التأكد من عدم وجود المانع والحاجز عن وصول
الماء إلى البشرة وإذا ارتفع الوسخ على أعضاء الوضوء ولو يسيرا بحيث
يحس به تحت اليد وجب رفعه وازالته وإلا فلا أثر له في صحة الوضوء
كالعرق المتجمد وذرات من غبار لا تقع تحت الحواس. واما الوصخ يكون
تحت الظفر فلا تجب ازالته الا ان يعلو الوسخ البشرة التي يجب غسلها
مثل ان يقص المر أظافره فيصير ما تحتها ظاهرا.
والقاعدة العامة ان كل ما هو ظاهر من البشرة يجب غسله دون ما هو
مستتر منها بالباطن. ومع الشك في أن هذا الشئ بالذات: هل هو من
الظاهر أو الباطن لا يجب غسله في هذا الغرض الا مع اليقين السابق بأنه
كان من الظاهر الذي يجب غسله ثم حدث الشك في تحوله إلى الباطن
فعندئذ يجب غسله.

88
ولا يجب اخراج الشوكة من اجل الوضوء إلا إذا كانت ظاهرة
ومانعة عن وصول الماء إلى محله.
ولا تجب إزالة ما قد يتجمد على الجرح ويصبح تماما كالجلد بعد أن
يبرأ الجرح ويندمل.
34 - ورابعا: يجب أن يكون الماء بدرجة يستولي معها على البشرة
ويجري ولا يكفي ما هو دون ذلك مما يشبه المسح والتدهين.
مسح الرأس
الواجب الثالث من أجزأ الوضوء المسح على مقدم الرأس ببلة
وضوء الكف اليمنى والتفصيل كما يأتي:
35 - موضع المسح: يجب أن يكون المسح على مقدم الرأس أي
على الربع المقدم منه، ولا يجب أن يكون المسح على بشرة الرأس،
فيجوز المسح على الشعر النابت في ذلك الموضع شريطة ان لا يتجاوز طوله
ومداه المكان الذي ينبت فيه شعر الرأس عادة وعليه فإذا طال شعر
الرأس النابت في مقدم الرأس وتجاوز الحد المذكور، ثم جمعه المتوضئ
على مقدم الرأس ومسحه بقصد الوضوء فمسحه هذا ليس بشئ. وكذلك
لو طال شعره النابت في غير مقدم الرأس فمده وغطى به مقدم رأسه
ومسح عليه فان مسحه هذا ليس بشئ أيضا.
36 - الماسح: ويجب ان يكون المسح بالكف اليمنى بباطنها لا بظاهرها
- بالأصابع أو براحة الكف -
ويكفي المسح بإصبع منها، ويستحب ان يكون
بثلاث أصابع. وإذا تعذر المسح بالأصابع تعين المسح بما بقي من الكف،
فان تعذر مسح بالذراع كيف اتفق.

89
37 - كيفية المسح: ويكفي مسمى المسح كيف اتفق طولا وعرضا ومن
أعلى إلى أسفل والعكس. والشرط الأساسي في المسح أن يكون ببلة اليد اليمنى
الحاصلة عند فراغه من غسل وجهه ويديه في الوضوء، فلو فرغ من
غسل وجهه ويديه فغمس يمناه من جديد في الماء أو جففها ثم مسح بها
رأسه بطل وضؤه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النداوة والرطوبة
في الكف قليلة أو كثيرة بحيث إذا مسح بها يكون المسح أشبه بالغسل.
38 - وقد تسأل: إذا اختلطت بلة اليمنى ببلة ثانية من أعضاء
الوضوء بطريق أو بآخر فهل يمنع ذلك من المسح بلة اليمنى على الرأس؟
والجواب: ان كان البلل الدخيل قليلا لا يعتد به ولا يمنع من اسناد
المسح عرفا إلى الأصيل - فلا بأس والا امتنع المسح ببلة اليمنى، ولا فرق
في ذلك بين أن يكون الدخيل من اليد اليسرى أو من الوجه أو من غيرهما
وقد يكون الدخيل أحيانا من نفس الرأس فيما إذا مسحه وهو ندي والحكم
هو ما عرفت.
39 - وقد تسأل: إذا جف ما على اليد اليمنى من رطوبة فهل يتعذر
عليه مواصلة الوضوء؟
والجواب: انه يسمح للمتوضي في هذه الحالة بأن يأخذ من رطوبة
اللحية أو العنفقة وهي شعيرات بين الشقة السفلى والذقن - أو من الشارب
والحاجبين أو سائر أعضاء الوضوء، وإذا جفت أعضاؤه بكاملها أعاد
الوضوء.
نعم لو كان كلما كرر الوضوء جفت الأعضاء لحر أو مرض أو اي
شئ آخر انتقل حكمه إلى التيمم.
40 - ولا يصح المسح مع وجود حائل بين العضو الماسح والعضو
الممسوح حتى ولو كان الحائل رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

90
مسح القدمين
الواجب الرابع من أجزأ الوضوء مسح ظاهر القدمين.
41 - موضع المسح: يجب مسح ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع
إلى المفضل طولا (1) واما في العرض فيكفي مسمى المسح، اما شعر القدم
فان كان ضمن المألوف والمتعارف كفى المسح على القدم بما عليها من الشعر
وإذا كان خارجا عن المتعارف فيجب المسح على البشرة ولا يكفي المسح
على الشعر.
ولو قطع بعض القدم مسح على الباقي، وان قطعت القدم بالكامل
سقط المسح.
42 - الماسح: يجب مسح الرجل اليمنى بالكف اليمنى - بباطنها -
ومسح الرجل اليسرى بالكف اليسرى - بباطنها أيضا - ولا فرق بين
المسح بالأصابع أو براحة الكف.
43 - كيفية المسح: ويشترك مسح القدمين مع مسح الرأس في الشرط
الأساس وهو أن يكون المسح ببلة الوضوء الموجودة في الكف. وحكم
مسح القدمين من حيث الرطوبة أو الاختلاط برطوبة أخرى أو الحائل هو
عين الحكم في مسح الرأس باليد اليمنى (انظر الفقرة (38) و (39) و (40)
44 - والطريقة الصحيحة بلا شك في مسح القدمين هي وضع راحة
الكف أو أصابعها على رؤوس أصابع القدم وجرها شيئا فشيئا حتى المفصل
فلو وضع كفه على تمام ظهر وجرها فلا يقين بكفايته.



(1) المفصل ما بين الساق ومنتهى القدم.
91
3 - وضوء الجبيرة
45 - الجبيرة ما يوضع على العضو الكسير، ويطلق الفقهاء هذا الاسم
أيضا على العصابة التي تعصب بها الجروح والقروح. ووضوء الجبيرة هو
الوضوء الذي تحل فيه الجبيرة على بشرة المتوضئ محل البشرة فيسمح عليها
مثلا بدلا عن المسح على ما تخفيه من البشرة، وهذا الوضوء يصح ضمن
شروط معينة والتفصيل كالتالي.
الجريح والكسير والمقروح لهم احكام بالنسبة إلى الوضوء تتضح
باستعراض الحالات التالية التي قد يواجهونها.
46 - أولا: إذا كان العضو المريض من غير أعضاء الوضوء ولم
يكن يتضرر من غسل تلك الأعضاء وجب على المريض الوضوء بالطريقة
الاعتيادية.
47 - ثانيا: إذا كان العضو المريض من غير أعضاء الوضوء وكان
يتضرر بغسل أعضاء الوضوء لكونه قريبا لكونه قريبا منها وجب على المريض التيمم
بدلا عن الوضوء.
48 - ثالثا: إذا كانت الإصابة - الجرح أو الكسر أو القرح - في
أحد أعضاء الوضوء وكان الموضع طاهرا ومكشوفا وبالامكان غسله بدون
ضرر - وجب على المريض الوضوء وبالطريقة الاعتيادية.
49 - رابعا: إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان
الموضع طاهرا ومعصبا - اي عليه جبيرة - وبالامكان غسله بدون ضرر
إذا حلت العصابة عنه، ولكن العصابة لا يتيسر حلها للمكلف لعدم وجود
الطبيب المختص لأنها محكمة الشد ولا يتيسر حلها الا للطبيب مثلا، ولا
يتسرب الماء إلى العضو بدون حلها.
وفي هذه الحالة يجب على المريض التيمم إذا لم تكن الإصابة المعصبة

92
في الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمم (1) والا تيمم وتوضأ معا
واكتفى بالمسح على العصابة التي عصب بها الجرح أو القرح أو الجبيرة
التي جبر بها الكسر.
50 - خامسا نفترض الحالة السابقة نفسها ولكن مع امكان ايصال
الماء إلى العضو على الرغم من بقاء العصابة أو الجبيرة، وفي هذه الحالة
يجب الوضوء وايصال الماء إلى موضع الإصابة ولو بغمسه في الماء مع
مراعاة الترتيب والحفاظ على ابتدأ غسل العضو من أعلى إلى أسفل.
51 - سادسا: إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان
بالامكان حل العصابة وفكها عن ذلك العضو واسباغ الوضوء بدون ضرر
ولكن المشكلة هي انه نجس بسبب الدم والقيح مثلا ولا يمكن تطهيره والحكم
هنا هو التيمم سوأ كان الموضع المتنجس من المواضع المشتركة بين الوضوء
والتيمم كالجبهة مثلا أو من المواضع التي يختص بها الوضوء كالأنف والخد
والقدم.
52 - سابعا: إذا كانت الإصابة في أحد أعضاء الوضوء وكان قيام
المكلف بما يتطلبه الوضوء من فك العصابة وفصلها عن العضو المريض
وتطهيره بالماء إذا كان نجسا واسباغ ماء الوضوء عليه مضرا به أو كان
شئ من ذلك مضرا به ومؤديا إلى تفاقم الجرح أو البط في البر - إذا
كان الامر كذلك وجب عليه ان يتوضأ ويتفادى ما يضره - ونسمي مثل
هذا الوضوء بوضوء الجبيرة - فان كان الموضع معصبا بعصابة أو محاطا
بجبيرة توضأ ومسح على العصابة أو الجبيرة تفاديا للضرر، وإذا كانت



(1) أعضاء التيمم هي الجبهة والكفان على ما يأتي في باب التيمم إن شاء الله
تعالى.
93
الإصابة مكشوفة اكتفى بغسل ما حولها ويصح الوضوء حينئذ ويكتفي به
على أساس الاكتفاء بغسل ما حول الإصابة إذا كانت مكشوفة وعلى أساس
ان مسح العصابة في الجرح المعصب والكسر المجبور يعتبر بديلا شرعا عن
غسل نفس البشرة إذا كانت في موضع الغسل - الوجه واليدين - وبديلا
عن مسح نفس البشرة إذا كانت في موضع المسح - مقدم الرأس والقدمين -
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الجرح وغيره مما سبب تلك الجبيرة قد
أحدثه المتوضئ بنفسه عامدا آثما أو أصيب به بدون إرادة واختيار.
3 - والعصابة أو الجبيرة قد تكون على عضو من الأعضاء التي تغسل
في الوضوء - وهي الوجه واليدان - وقد تكون على عضو من الأعضاء
التي تمسح - وهي مقدم الرأس والقدمان - وقد تكون في الكف التي
يجب أن يمسح بها، ففي الحالة الأولى يكون المسح على الجبيرة بديلا شرعا
عن غسل ما تستره من العضو المغسول، وفي الحالة الثانية يكون المسح على
الجبيرة بديلا شرعا عن المسح على ما تستره من العضو الممسوح إذا لم يبق
منه مكشوفا القدر الكافي، وفي الحالة الثالثة يمسح على الجبيرة عند غسل
العضو ويمسح بها بعد ذلك بدلا عن المسح بالبشرة إذا لم يبق مقدار
مكشوف يكفي المسح به.
ولكي تكون العصابة أو الجبيرة بديلا شرعا عن البشرة يجب أن
يتوافر فيها:
54 - أولا: الطهارة والمهم في ذلك أن يكون ظاهرها طاهرا ولا
تضر نجاسة ما هو داخل الجبيرة، وعلى هذا الأساس إذا كانت الجبيرة
نجسة أمكن الحصول على المطلوب بدون تبديلها، وذلك بان يضع المتوضئ
خرقة طاهرة عليها وضعا محكما بحيث تعد جزءا من الجبيرة ويمسح عليها
برطوبة.

94
55 - ثانيا: ان لا تزيد العصابة أو الجبيرة على المألوف المعروف
كما وحجما، والعادة جارية بأن تكون العصابة أو الجبيرة أوسع من موضع
الإصابة بقدر ما، فإذا تجاوزت ذلك وأشغلت حيزا أكبر مما هو مألوف
لم يكف المسح عليها، بل يجب تصغيرها أن أمكن وإلا جرى حكم الحالة
الرابعة المتقدمة.
وما دامت في الحدود المألوفة فلا يجب تصغيرها وتقليمها، بل يجوز
وضع شئ آخر عليها وان لم تدع إليه الحاجة شريطة ان يصبح كالجزء
منها في نظر العرف.
56 - ثالثا: أن لا تستوعب الجبيرة كل أعضاء الوضوء وإلا وجب
الجمع بين وضوء الجبيرة والتيمم.
57 - رابعا: ان تكون مباحة فلا يصح المسح على العصابة أو الجبيرة
المغصوبة.
58 - يأتي في باب الصلاة ان لباس المصلي يجب أن لا يكون من
الذهب والحرير المحض بالنسبة إلى الرجال، ولا من جلد حيوان الا إذا
كان مذكى ومأكول اللحم، ويأتي الشرح والتفصيل. ولا يشترط في الجبيرة
من أجل الوضوء شئ من ذلك.
59 - وإذا كان في عضو واحد من أعضاء الوضوء جبيرتان أو أكثر
وخلا بعض أجزأ هذا العضو من الجبيرة - وجب غسل الخالي أو مسحه
متبعا لما تعلق به من الوجوب.
60 - وإذا دعت الحاجة إلى وضع خرقة على الجرح المكشوف
وتعصيبه - وجب أولا غسل وتطهير أطراف الجرح ثم وضع خرقة طاهرة
عليه، لئلا يتعذر عليه بعد ذلك غسل تلك الأطراف وتطهيرها.

95
حكم الحواجز الأخرى
61 - وكل حاجز أو مانع يحيط بالبشرة أو يلصق بها لا يجوز
الاكتفاء بالمسح عليه سوى ما تقدم من العصابة التي تعصب بها الجروح
والقروح والجبيرة التي يجبر بها الكسر.
ونضيف الان إلى عصابة الجريح والقريح وجبيرة الكسير حالة واحدة
وهي: إذا كان هذا الحاجز دواء لطخ به موضع من أعضاء الوضوء
للتداوي فان العضو المريض إذا كان بحاجة إلى ذلك أمكن للشخص ان يتوضأ
ويمسح بها عليه.
62 - وعلى هذا الأساس إذا التصق بموضع من أعضاء الوضوء شئ
من الاصباغ أو القبر وتعذرت ازالته وجب عليه ان يتيمم، وإذا كان
هذا في الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمم يتيمم ويتوضأ.
63 - وقد تلتصق عين النجاسة ببدن المتوضئ فتشكل حاجزا عن
وصول الماء إلى البشرة ومثال ذلك: ما إذا اختلط الدواء على الجرح
بما يرشح من دمه ويصيران شيئا واحدا يتجمد مع الزمن في مكان الجرح
وتتعذر إزالته بعد الشفاء حيث تستدعي خروج الدم وحدوث جرح جديد
وحكم ذلك: ان هذا الحاجز إذا لم يكن في الأعضاء المشتركة بين الوضوء
والتيمم وجب عليه التيمم، وإذا كان في تلك الأعضاء وجب عليه ان
يتيمم ويتوضأ تماما كما يفعل عندما يلتصق ببدنه القير ونحوه ولكن هنا
لا يغسل الحاجر مباشرة لأنه نجس وانما يضع عليه شيئا طاهرا بقدره ويمسح
عليه في وضوئه، اجل إذا كان هذا الدم المختلط قد تحول من

96
الدم إلى شئ وأصبح جز من جلد الانسان عرفا جرى عليه حكم
البشرة (اي ظاهر الجلد).
حكم المريض بدون جرح وكسر
64 - ولك مريض بدون جرح وكسر وقرح إذا كان يتضرر من
اسباغ الوضوء على بدنه فلا يسوغ له استعمال الجبيرة واصطناع الحواجز بل
يتعين عليه التيمم، فالأرمد مثلا الذي من ايصال الماء إلى ظاهر
أجفانه يتيمم.
حكم من كان بدنه متنجسا بدون جرح
5 - إذا لم يكن في بدن الانسان جرح أو قرح أو كسر ولكن
تنجس بعض أعضاء وضوئه وتعذر عليه تطهير ذلك العضو لعدم
وجود ماء يكفي لتطهيره أو لأنه يتضرر بذلك أو لأي سبب آخر فالواجب
عليه التيمم، ولا يصح منه وضع عصابة أو خرقة على العضو المتنجس
والمسح عليه كما في وضوء الجبيرة.
ولا فرق في وجوب التيمم في الحالة الانفة الذكر بين ان يكون
العضو المتنجس من أعضاء الوضوء والتيمم معا، أو من الأعضاء التي
يختص بها الوضوء.
66 - يجب نزع الجبيرة ورفعها عن الجرح والقرح والكسر عند
أمن الضرر وعدم الخوف منه، والا بقيت في مكانها ما دام الخوف قائما
وتجري عليها جميع ما يخصها من احكام حتى مع احتمال الشفاء.

97
آثار وضوء الجبيرة واحكامه
67 - وضوء الجبيرة يرفع الحدث حقيقة وواقعا وليس مبيحا فقط
لممارسة ما يجب فيه الوضوء وكفى، ولكنه ناقص بالنسبة إلى الوضوء
الاختياري الكامل، لان صحة وضوء الجبيرة يناط بما يبررها وجودا
وعدما، وان أردت في التوضيح فإليك ما يلي:
إذا دخل وقت الصلاة وكان صاحب الجبيرة يعتقد بأنه سيبرأ في
آخر الوقت ويصبح متمكنا من الوضوء الكامل وجب عليه ان ينتظر إلى
الفترة الأخيرة من الوقت، لكي يبرأ ويتوضأ بالطريقة الاعتيادية، ولو
استعجل والحالة هذه وتوضأ في الوقت الأول وضوء الجبيرة لم يكفه ذلك
وإذا دخل وقت الصلاة وكان صاحب الجبيرة يعتقد أو يظن أن
عذره باق ومستمر حتى آخر وقت الصلاة أو يخشى أن يكون كذلك -
جاز له في هذا الفرض ان يبادر إلى الصلاة في وقتها الأول، ولكن إذا
صلى وزال العذر في أثناء الوقت المؤقت للصلاة خلافا لظنه أو ترقبه
أعاد الوضوء والصلاة، ومعنى هذا ان وضوء الجبيرة ناقص بالنسبة إلى
الوضوء الاختياري ولو كان تاما لم
تجب الإعادة.
68 - وإذا توضأ المريض وضوء الجبيرة وصلى واستمر به المرض
والعذر إلى نهاية الوقت ثم برأ بعد ذلك وهو بعد لم يذهب إلى الغائط
ولم يصدر منه شئ من نواقض الوضوء فهل يمكنه ان يصلي الصلوات
الجديدة اعتمادا على ذلك الوضوء؟
الجواب: كلا بل يتوضأ من جديد وضوءا كاملا ثم يصلي.
69 - وإذا انتهى وانقضى السبب الموجب والمبرر لبقاء الجبيرة قبل

98
انتهاء وقت الصلاة، ولكن صادف ان عملية رفعها وازالتها تستغرق أمدا
غير قصير بحيث يفوت معه وقت الصلاة المفروضة ولكن يمكنه التيمم،
ان صادف ذلك لا يجوز الوضوء ويجب التيمم.
70 - وإذا اعتقد الضرر في غسل العضو فوضع الجبيرة عليه، وعمل
بموجبها في وضوئه، ثم تبين وانكشف العكس، وانه لا ضرر في الواقع
ولا موجب للجبيرة من الأساس - بطل وضؤه.
71 - وإذا انعكس الفرض السابق فاعتقد بأنه لا ضرر ولا حاجة
للجبيرة فتركها وتوضأ تماما كالسليم المعافى، ثم تبين وانكشف وجود
الضرر في الواقع وان احكام الجبيرة من واجباته ووظائفه - فهل يصح منه
الوضوء والغسل في هذا الفرض؟
والجواب هنا يقتضي التفصيل بين أن يكون الضرر المنكشف يسيرا
يمكن الصبر عليه عادة، فعلى هذا يصح الغسل والوضوء، وبين ان يكون
الضرر المنكشف خطيرا يحرم شرعا تحمله والصبر على شدته فيبطل الوضوء
72 - وكذلك يجرى التفصيل في حق من اعتقد وجود الضرر
وان وظيفته ان يعمل بالجبيرة وحكمها، ومع ذلك تركها وتوضأ أو اغتسل
ثم تبين الخطأ في اعتقاده، وانه لا ضرر ولا حاجة للجبيرة، وبكلام آخر
ان كان قد اعتقد وجود الضرر اليسير صحت أعماله، وان كان قد اعتقد وجود
الضرر الخطير المحرم بطلت.
4 - فيما يجب الوضوء له ويستحب
73 - الوضوء في نفسه طاعة ومندوب وبه يتقرب إلى الله ومرضاته
وفي نفس الوقت هو واجب لغيره، حيث يجب للصلاة والواجبة والمستحبة أداء

99
وقضاء، ولركعات الاحتياط، واجزاء الصلاة المنسية، وأيضا يجب لصلاة
الطواف ولطواف المعتمر أو الحاج. وتسمى هذه الأشياء بالغايات الواجبة
للوضوء. بمعنى انها لا تصح ولا تستساغ بدونه.
74 - ويستحب للطواف المستحب ولأي فعل من أفعال الحج،
وللدعاء، ولتلاوة القرآن الكريم، ولصلاة الجنائز وللمكث في المساجد
وزيارة العتبات المقدسة.
وتسمى هذه الأشياء بالغايات المستحبة للوضوء لأنها بدون وضوء طاعة
أيضا وان كانت مع الوضوء أكمل وأفضل.
75 - وقد مر بنا في شروط المتوضي ان نية القربة شرط لا يصح
الوضوء بدونها وهي تحصل بان يأتي بالوضوء قربة إلى الله تعالى لأنه مطلوب
في نفسه أو لأنه يريد بذلك ايجاد إحدى غاياته الواجبة أو المستحبة.
احكام المحدث
76 - وليس للمحدث ان يمس كتابة المصحف الشريف حتى الحرف
الواحد منه، بل حتى الحركة والسكون. ابدا لا يمس شيئا من ذلك
لا بيده ولا بشئ من جسمه وشعره من غير فرق بين أن تكون الكتابة
بالحروف أو غيرها، ولا بين ان تكون بالقلم أو الطباعة، أو الحفر أو
الحرف الناتئ، البارز في الحجر أو الخشب أو غيرهما. ويجوز له ان
يمس ما عدا الكتابة من الورق والجلد وأسماء السور الموضوعة في أول
الصفحة وأرقام الاجزاء والأحزاب.
77 - وإذا لم تكن الكلمة القرآنية أو الآية في المصحف بل كانت
بكتاب أو برسالة أو بطاقة تهنئة أو ورقة تعزية أو نقش خاتم - فيجوز

100
للمحدث ان يمسها.
78 - وكذلك يجوز للمحدث ان يمس اسم الجلالة وصفاته في غير
المصحف وأسماء المعصومين عليهم الصلاة والسلام.
79 - ويسوغ للمحدث إذا أراد ان يمس كتابة المصحف الشريف
ان يتوضأ بقصد مسها بحيث يكون هذا المس بالذات هو الغاية من الوضوء
لئلا يمس بدون وضوء فيقع في الحرام وبخاصة إذا كان المس بالتقبيل.
5 - نواقض الوضوء
النقض لغة: الابطال والهدم، وناقض الوضوء عند الفقهاء ما يبطل
الوضوء ويزيل أثره الشرعي - اي الطهارة - ويخرجه عن الفائدة المقصودة
منه ويسمى كل واحد من نواقض الوضوء بالحدث.
ونواقض الوضوء كما يلي:
80 - " الأول " خروج البول، اما خروج المذي أو الوذي أو
الودي فإنه لا ينقض الوضوء، كما أنه لا ينجس الموضع على مأتي في فصل
أنواع النجاسات.
والمذي: ماء ابيض لزج يخرج من الذكر بملاعبة النساء أو التفكير بالجماع
والوذي: ماء يخرج بعد خروج المني، والودي: ماء يخرج بعد خروج
البول.
81 - " الثاني " خروج الغائط وإذا خرج البول أو الغائط من المكان
الطبيعي فهو ناقض على اي حال سواء خرج بصورة اعتيادية أو سحب
بآلة ونحوها، وكذلك إذا خرج من منفذ آخر اعتاده الانسان في حالة
طارئة لمرض ونحوه.

101
82 - وإذا خرج من غير المكان الطبيعي كجرح ونحوه وبدون اعتيادية
لذلك - فهو ناقض إذا كان خروجه بدفع طبيعي من جسم الانسان، وأما إذا
كان قد سحب بآلة من ذلك الجرح فلا ينقض.
83 - إذا استعمل المتوضئ الحقنة فخرج ماؤها ولا شئ فيه من
الغائط بقي على وضوئه ولو خرج شئ من الغائط مع الماء أو بعده ولو
يسيرا انتقض الوضوء ومع الشك في خروج شئ أو عدم خروجه فلا يبطل
الوضوء.
84 - " الثالث " خروج الريح من الدبر ولا اثر شرعا لخروج
الريح من مكان آخر.
85 - " الرابع " النوم المستغرق الذي لا يبقي معه سمع ولا بصر ولا
ادراك، ومثله الجنون والسكر والاغماء.
86 - " الخامس " استحاضة المرأة، ويأتي الكلام عنها مفصلا إن شاء الله
تعالى في الأغسال (1)
هذه هي نواقض الوضوء أو الاحداث الموجبة للوضوء.
87 - ويكفي وضوء واحد للمحدث حتى لو تكرر منه الحدث،
فترتفع به آثار كل ما صدر منه من احداث.
88 - ولا يجب على المتوضئ ان يقصد بالوضوء رفع حدث معين،
ولا ان يستحضر في ذهنه انه محدث ويريد رفع الحدث، بل يكفيه ان
يتوضأ بقصد القربة.



(1) تنبغي الإشارة هنا إلى أن خروج المني ينقض الوضوء أيضا ولكنه
لا يوجب الوضوء وانما يوجب الغسل ولا يتطهر المكلف منه بدونه ولهذا لم
نذكره هنا.
102
89 - ويسوغ للمتوضئ ان ينقض وضوءه ما دام قادرا على استئنافه
لتوفر الماء والقدرة على استعماله، وأما إذا علم بأنه لا يقدر على إعادة
الوضوء إذا نقضه فيسوغ له أيضا نقضه قبل دخول وقت الصلاة حتى
ولو علم بالعجز عن الوضوء بعد دخول الوقت فان له ان يبطله اعتمادا
على أنه يتيم ويصلى، واما بعد دخول الوقت فلا يجوز له ان ينقض
وضوءه ما دام غير قادر على التوضئ من جديد للصلاة.
المبطون والمسلوس
المبطون: من به داء البطن، وهو الذي لا يستمسك معه الغائط،
والمسلوس: من به داء السلس، وهو الذي لا يستمسك معه البول،
ويسمى المبتلى بأحد الدائين بدائم الحدث عند الفقهاء، ويختلف حكم
المسلوس والمبطون تبعا للحالات التالية:
90 - الحالة الأولى: ان تكون للمسلوس أو المبطون عادة مستمرة
وذلك بان تمر به فترة معينة من الزمن تتسع للطهارة والصلاة معا في الوقت
الموقت للصلاة ولو بالاقتصار على الواجبات وترك جميع المستحبات،
وعندئذ يجب على المبتلى بهذا الداء ان ينتظر هذه الفترة سواء أكانت في
أول الوقت أو وسطه أو آخره، ومتى جاءت الفترة المعينة تحب المبادرة
فورا إلى الوضوء والصلاة. وفي غير تلك الفترة تجري عليه الاحكام
الاعتيادية للمحدث.
91 - الحالة الثانية: ان يكون الحدث متصلا بلا فترة اطلاقا،
أو توجد فترة قصيرة لا تتسع للطهارة وبعض الصلاة، فيجب عندئذ ان
يتوضأ ويصلي، ويجوز له أن يجمع بوضوء واحد صلاتين أو أكثر لأنه

103
بحكم المتطهر يمارس كل ما يمارسه المتطهر الا ان يحدث بحدث آخر من
نوم ونحوه، أو يشفى ولو يوما واحدا بحيث يخرج منه البول والغائط
حسب المعتاد والمعروف.
92 - الحالة الثالثة: ان تكون له فترة معينة من الزمن ولكنها
لا تتسع للصلاة والطهارة بالكامل، بل تتسع للطهارة وبعض الصلاة،
وعندئذ يجب عليه ان ينتظر هذه الفرة بالذات تمام كالحال الأولى،
ويتوضأ فيها ويصلى، ولا يجب عليه ان يجدد الوضوء في أثناء صلاته
إذا فاجأه الحدث، بل يمضي إلى نهايتها حتى ولو لم يكن عليه حرج ومشقة
في تجديد الوضوء، ولكن لا يجوز له - احتياطا - الجمع بين صلاتين
في وضوء واحد بل يجب لكل صلاة وضوء وإذا أراد ان يصلي صلاة
مستحبة توضأ لها أيضا وكذلك يتوضأ أيضا لصلاة الاحتياط، ولا حاجة
به إلى وضوء مستقل للسجدة أو الشهد اللذين ينساهما في الصلاة ويقضيهما
بعد الفراغ منها.
93 - وإذا توضأ لصلاة ثم صلى صلاة ثانية بدون وضوء آخر واتفق
صدفة انه لم يصدر منه حدث منذ بدأ يتوضأ للصلاة الأولى إلى أن فرغ
من كلتا الصلاتين صحتا معا.
94 - وكلما جاز للمسلوس والمبطون ان يصلى بوضوئه جاز له أيضا
ان يمس كتابة المصحف الشريف، ولا تجري عليه احكام الحدث إلى أن
ينتهي مفعول الوضوء واثره في استساغة الصلاة.
95 - هل يجب على كل من المسلوس والمبطون ان يحرص ويتحفظ
- جهد المستطاع - من تعدي البول والغائط وسرايتهما إلى البدن والثياب؟
الجواب: اجل يجب ذلك عليه من اجل الصلاة، وبخاصة إذا
تيسر له بعض المصنوعات الحدية لهذه الغاية وأيضا يجب عليه عند كل

104
صلاة ان يطهر الحشفة والمعقد وكل ما سرت إليه النجاسة مما يتصل ببدنه
وثيابه بلا استثناء.
6 - الخلل والشك في الوضوء
الخلل لغة: الوهن والفساد، اما الفقهاء فيريدون به نقص العمل
والشك هو التردد في انجاز العمل بصورة كاملة وفيما يلي أمثلة للخلل
أو الشك في الوضوء مع أحكامها.
96 - من كان على يقين من وضوئه وطهارته، وبعد أمد تردد
وشك في أنه: هل أحدث وانقض وضوؤه وطهارته؟ بنى على بقاء
الوضوء والطهارة.
ومن كان على يقين من الحدث وشك في أنه: هل توضأ وزال
الحدث، أو لم يتوضأ؟ بنى على بقاء الحدث وعدم الوضوء. وإذا ذهل
بعد ذلك وصلى بلا وضوء في هذا الفرض بطلت صلاته - وعليه أن يعيد
الصلاة في داخل وقتها ويقضي في خارجه ان تذكر أو ذكر.
97 - من علم أنه قد توضأ، وأيضا علم أنه قد أحدث ولكنه
لا يدري: هل كان الوضوء متأخرا كي يكون على طهر، أو كان الحدث
متأخرا عن الوضوء كي يكون الآن محدثا فماذا يصنع؟
الجواب: هو في حكم المحدث، وعليه ان يتوضأ لكل ما يشترط
فيه الوضوء سواء أكان عالما بالساعة التي توضأ فيها وجاهلا بتاريخ حدوث
الحدث، أم كان عالما بالساعة التي أحدث فيها وجاهلا بتاريخ الوضوء،
أم جهل التاريخين معا.
98 - من شك، وهو في أثناء الصلاة وقبل تمامها في أنه: هل

105
توضأ وصلى، أم دخل في الصلاة بلا وضوء - فعليه ان يتوضأ ويستأنف
الصلاة من جديد.
99 - إذا فرغ المرء من صلاته وشك في أنها: هل كانت بلا
وضوء فصلاته صحيحة، ولكن عليه ان يتوضأ للصلاة الآتية، ولا يجب
ان يعيد ما مضى وانقضى من صلاته الا إذا علم وتيقن بان الشك في الوضوء
كان لسبب سابق على هذه الصلاة ولم يكن قد تنبه له حين دخوله بالصلاة
ولو أنه التفت إليه وتنبه قيل إن يصلى لشك وأحجم عن الصلاة حتى
يعالج شكه بما تقتضيه القواعد الشرعية ومثال ذلك أن يعلم بعد الصلاة أنه
كان قد غسل وجهه ويديه قبلها يقينا ولا يدري هل كان يقصد بذلك
الوضوء أو مجرد التنظيف ولكنه يعلم أنه بادر إلى الصلاة غافلا عن ذلك
وانه لو التفت إلى حاله وهو يصلي لشك أيضا تمام كما يشك الآن، ففي
هذا الفرض وأمثاله يجب الوضوء وإعادة الصلاة حتى ولو كان الشك بعد
الفراغ، وفيما عدا ذلك لا تجب إعادة الصلاة وانما يجب الوضوء لما يأتي
من صلوات.
وإذا حصل الشك الآنف الذكر بعد انتهاء وقت الصلاة فلا يجب
قضاؤها على اي حال.
100 - إذا كان في أثناء الوضوء وعلم أنه قد ترك منه مالا غنى عنه
في الوضوء وصحته - وجب عليه ان يستدرك النقص والخلل، ويأتي بما
فات وأهمل مراعيا كل ما يعتبر في الوضوء من الشروط التي تقدم الكلام
عنها مفصلا. هذا إذا علم بالنقص والخلل في أثناء الوضوء، وكذلك
الامر إذا علم بالخلل بعد الفراغ من الوضوء وكان بالامكان تكميله مع
الحفاظ على كل شروطه وأما إذا علم به بعد الفراغ بمدة ولم يتيسر التكميل
مع الاحتفاظ بتلك الشروط لطول المدة أو لأي سبب آخر فإنه يستأنف

106
الوضوء بلا ريب.
101 - أما إذا شك في فعل من أفعال الوضوء قبل الفراغ من
الوضوء - رجع وأنى به مع مراعاة الشروط المعتبرة في الوضوء تماما كما
هو الشأن لو علم لا نقص والخلل، ومثال ذلك أن يشك في غسل ذراعه
اليمنى وهو مشغول فعلا بغسل ذراعه اليسرى أو بالمسح على رأسه، أو يشك
في غسل ذراعه اليسرى وهو يمسح على رأسه، أو يشك في أنه مسح على
رأسه وهو يمسح فعلا على قدمه ففي كل هذه الحالات يجب عليه ان
يعود ويأتي بما شك فيه. وكذلك الامر إذا كان يعلم بأنه غسل يده اليمنى
مثلا ولكنه شك - وهو لا يزال مشغولا بأفعال الوضوء - في أنه هل غسل
يده بالصورة الصحيحة من الذراع إلى أطراف الأصابع أو بصورة معكوسة
فان الأجدر بالمكلف وجوبا واحتياطا ان يعود إلى ما شك فيه فيأتي به
بالصورة الصحيحة ما دام الشك قد حدث له وهو في اثنا الوضوء
وأما إذا حدث الشك في غسل ذراعه أو في أنه هل غسلها بالصورة
الصحيحة أولا - أو اي شك من هذا القبيل - إذا حدث هذا الشك بعد
الفراغ من الوضوء فهنا حالتان:
الأولى: ان يحدث بعد أن يكون المتوضئ قد دخل في عمل آخر من
قبيل تجفيف بدنه أو غلق أنبوب الماء - أو تحرك عن المكان الذي كان
يتوضأ فيه أو حصل فاصل يعتد به بحيث لا يمكن بحال الجمع بين التتابع
والموالاة وبين تدارك ما فات أو جفت أعضاء وضوئه ففي أمثال ذلك لا يعتني
بشكه ويعتبر وضوءه صحيحه
الثانية ان يحدث الشك المذكور قبل هذه الأشياء التي ذكرناها في
الحالة الأول وحكمه حكم من شك في الأثناء كما تقدم.
102 - إذا علم بان الخاتم كان في إصبعه حينما توضأ وهو يدري

107
أيضا بأنه لم ينزعه ولم يحركه حين كان يتوضأ غفلة منه أو اعتقادا بأنه
لا يمنع الماء من الوصل إلى البشرة، ولكنه الآن بعد الفراغ من
الوضوء في أن الماء هل وصل إلى البشرة أو حجبه الخاتم عن ذلك. ففي
هذا الفرض يجب عليه ان يستأنف الوضوء.
103 - وإذا علم بوجود الحاجب المانع من صحة الوضوء ولكنه لا يدري:
هل كان موجودا قبل الوضوء لكي يكون الوضوء باطلا، أو ان الحاجب وجد
بعد الوضوء كي يكون الوضوء صحيحا؟ يصح الوضوء إذا احتمل انه
كان ملتفا عند الوضوء إلى حقيقة الحاجب وما يترتب عليه، أما إذا علم
بعدم الالتفات إلى ذلك فتجب عليه إعادة الوضوء
104 - من توضأ ثم جدد الوضوء ثانية لأنه نور على نور، وصلى
وبعد الصلاة علم بان الوضوء الأول باطل لسبب من الأسباب اكتفى
بالوضوء الثاني وكانت صلاته صحيحة ولا يجب ان يعيد الوضوء للصلاة
الآتية:
105 - ومن توضأ وصلى ثم جدد وضوءه ثانية لأنه نور على
نور وعلم بعد ذلك بان أحد الوضوئين باطل كما إذا أيقن بأنه لم يمسح
على رأسه في أحدهما لم يعد صلاته ولم يحتج إلى وضوء للصلوات الآتية.
106 - ومن توضأ وصلى ثم أحدث بان بال أو نام مثلا وبعد ذلك
توضأ من جديد وصلى صلاة أخرى وفي عقاب ذلك علم بان أحد الوضوئين
باطل وجب عليه يتوضأ ويعيد ما اتى به من صلاة.
107 - إذا توضأ مرتين، وصلى بعد اكمال الوضوئين معا، ثم علم
أنه قد أحدث الوضوئين، ولا يدري هل كان الحدث بعد
الوضوء الأول فيبطل هو وحده، ويكون الثاني صحيحا وبه تصح صلاته
أو ان الحدث كان بعد الوضوء الثاني فيبطل الوضوء ان معا وتكون الصلاة

108
باطلة، إذا كان ذلك صح ما مضى من صلاته إذا احتمل انه كان ملتفتا
إلي الحدث وآثاره حين العمل ووجب الوضوء للصلاة الآتية:
108 - إذا علم بعد فراغه من وضوئه انه قد ترك جزء منه ولكنه
لا يدري: ان المتروك هو الجزء الواجب كمسح الرأس أو المستحب كالمضمضة
- يحكم بصحة الوضوء.
109 - إذا علم أنه قد باشر الوضوء واتى ببعض أفعاله كغسل الوجه
واليدين ولكنه شك في أنه: هل أكمله يمسح بمسح الرأس والقدمين، أو انه
عرضت له حاجة فترك وضوءه ولم يكمله - فوضوءه باطل وعليه ان يعيده
ويستأنف.
110 - إذا فرغ من وضوئه، ثم علم يقينا بأنه قد عاكس وخالف
في أفعال الوضوء فمسح مثلا على العصابة التي تلف قدمه بدلا عن المسح
على القدم مباشرة ولكن لا يدري: هل فعل ذلك لوجود مبرر كحالات
وضوء الجبيرة كي يكون الوضوء صحيحا أولا لعذر شرعي بل سهوا أو غفلة.
إذا كان هذا لا يجب عليه ان يعيد الوضوء بل يعتبر صحيحا.
سنن الوضوء
سنن الوضوء تعني مستحباته وآدابه التي ثياب المتوضئ إذا أداها ولا
يعاقب إذا تركها ومن ذلك:
111 - ان يغسل يديه ثم يتمضمض ويستنشق قبل الابتداء بغسل
أعضاء وضوئه، وإذا بدأ بالوضوء فله ان يغسل وجهه مرتين، وكلا
من يديه مرتين، وتعتبر الغسلة الثانية حينئذ مستحبة.
ويسحب للمتوضئ عند الابتداء بصب الماء ان يقول: (بسم الله

109
وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وعند الانتهاء من
الوضوء ان يقول: (الحمد لله رب العالمين).
7 - قضاء الحاجة واحكامها
مر بنا استعراض نواقص الوضوء، ولما كان البول والغائط
صح ان نذكر عقيب مسائل الوضوء واحكامه بعض الأحكام التي ترتبط
بقضاء الحاجة واحكامها
والمراد من الحاجة هنا المضي إلى الخلاء للتغوط، وقد جاء في الحديث
" إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها "
ويجب عند قضاء الحاجة أمور:
112 - (الأول) ستر العورة عن كل ناظر بالغ أو بالغة، وكذلك
عمن لم يصل إلى سن البلوغ إذا كان ينظر إلى العورة نظرا متميزا عن
نظره إلى سائر لجزاء الانسان.
ولا يجب سترها عن الأزواج، والمراد بالعورة في الرجل السبيلان
والبيضتان وسترها عن الناظر المذكور واجب في كل حال الا اضطرار
ولا خصوصية من هذه الجهة للحاجة وقضائها، والقصد من ذكرها
بالخصوص بيان الحكم عندها دون الحصر ويأتي الحكم بوجوب الستر
بصيغة العامة وتفاصيله في القسم الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
113 - (الثاني) ان لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حالة التبول
والتغوط سواء كان المتخلي في فضاء مكشوف أو في المرافق المعدة لقضاء
الحاجة. وان اضطر المتخلي إلى أن يستقبل القبلة أو يستدبرها عند الحاجة
حيث لا ثالث فهو مخير.

110
114 - وإذا جهل مكان القبلة فعليه أن يبحث ويسأل يتفادى
استقبالها واستدبارها، وان يئس عن معرفتها، وصعب عليه ان يصبر
وينظر للضرر أو للحرج فلا اثم عليه أنى يتجه.
115 - (الثالث) إزالة النجاسة عن السبيلين وتطهيرهما.
116 - ويطهر مح البول بمجرد اتصاله وملاقاته للماء الكثير، أما إذا
كان الماء قليلا فيجب غسل المحل مرتين ولا يكفي غير الماء.
117 - اما محل الغائط فان تعدت النجاسة من المخرج إلى ما حوله
تعين الغسل بالماء حتى ينقى المحل تماما كغيره من المتنجسات، وان لم يتعد
الغائط المخرج تخير المكلف في إزالة النجاسة بين الماء أو الأحجار والخرق
ونحوها من أشياء. والماء أفضل والجمع بينه وبين الأحجار أكمل على حد
تعبير الفقهاء عليهم الرحمة والرضوان.
ولابد من الإشارة إلى أنه لو خرج مع الغائط شئ آخر من النجاسة
كالدم وتنجس به المخرج أو ما حوله تعين التطهير بالماء وحده.
118 - إذا أراد ان يطهر موضع الغائط بالأحجار ونحوها فيجب ان
تكن الأحجار وما إليها طاهرة، وأن يكون المسح بثلاثة منها حتى ولو
زالت النجاسة وتحقق النقاء بالواحد أو بالاثنين، وإذا احتاجت الإزالة
إلى أكثر من ثلاثة وجب الزائد حتى تزول النجاسة بالغا ما بلغ العدد.
وإذا زالت عين النجاسة بالماء أو بالأحجار ولكن بقيت رائحتها
أو لونها فلا باس.
119 - ولا يجوز قضاء الحاجة في ملك الآخرين الا باذن خاص أو
عام ولو بطاهر الحال، ولا يجوز التخلي في مرافق المدارس لغير طلبتها إذا
ثبت انها مختصة بهم ولو باخبار متولي المدرسة أو سكنتها.
120 - لا يحب الاجتناب عن ماء الاستنجاء (وهو الذي استعمل

111
في إزالة البول أو الغائط) ولا عما يلاقيه، شريطة ان لا يتغير بالنجاسة لونه
أو طعمه أو رائحته وأن لا تكون النجاسة قد تعدت السبيلين تعديا
مخالفا للعادة وأن لا يحمل ماء الاستنجاء شيئا من النجاسة.
وفي سائر الأحوال فان هذا الماء لا يزيل خبثا ولا يرفع حدثا.
121 - الاستبراء: يستحب للرجل أن يستبري من البول، وهو ان
يتحرى خروج ما يحتمل بقاؤه من البول في قصبة الذكر.
وكيفية الاستبراء: ان يمسح الرجل بيده من المعقد إلى أصل القضيب
ثلاث مرات، ثم يضع إصبعه تحت الذكر وابهامه فوقه ويمسحه إلى
رأس الحشفة ثلاث مرات، ثم ينترها ثلاث مرات.
122 - أما فائدة ذلك فهي: ان المستبرئ إذا خرج من ذكره
رطوبة يجهل حقيقتها وتردد أمرها بين البول أو المذي أو الوذي أو الودي
- وهي رطوبات تقدم شرحها في بداية نواقض الوضوء - يحكم بطهارتها
وانها لا توجب وضوء ولا تقضه، خلافا لمن بال ولم يستبرء وتوضأ ثم
خرجت منه هذه الرطوبة المشكوك في أمرها فإنها تعتبر حينئذ بولا منجسا
للموضع وناقضا للوضوء.

112
الغسل

113
احكام عامة للغسل
تمهيد
1 - الغسل هو كل البدن - الرأس والرقبة والجسد - وبكيفية
تأتي تفاصيلها.
ومنه مستحب ومنه واجب، والواجب على قسمين: واجب لنفسه
وهو غسل الأموات فان وجوبه ذاتي أي ليس شرطا أو مقدمة لشئ آخر
وواجب غيري، اي وجب من اجل غيره باعتباره شرطا له ومقدمة،
والغسل الواجب لغيره أنواع: غسل الجنابة، وغسل الحيض،
وغسل الاستحاضة، وغسل النفاس، وغسل مس الميت، وإذا
عطفنا غسل الأموات على هذه الخمسة يكون مجموع الأغسال الواجبة ستة
أنواع. نتكلم عن كل واحد من الستة في بحث مستقل. والأغسال
المستحبة كثيرة ولها أوقاتها أو مواقعها الخاصة المحدودة شرعا، ويأتي الإشارة
إلى بعضها كالغسل في يوم الجمعة والغسل لمن أراد الاحرام لعمرة أو لحج
والأغسال الواجبة والمستحبة كلها عبادات كالوضوء فلا يصح شئ منها
الا مع نية القربة.
وتعتبر هذه الأغسال طهارة ونظافة شرعا.
2 - وكل غسل لم يأمر به الشارع إلزاما ووجبا أو ندبا واستحبابا
- ليس عبادة ولا طهارة ولا أثر له شرعا فإذا اغتسل الانسان في غير
المواقع التي أمر الشارع فيها بالغسل - الزاما ووجوبا أو استحبابا وندبا -
لم يصح ولم تقع به الطهارة شرعا وبذلك يختلف الغسل عن الوضوء فقد
عرفنا سابقا ان الوضوء طاعة ومندوب في نفسه كل الأحوال والمواقع

115
لأنه مستحب في كل الظروف فمتى توضأ بنية القربة صح وضوءه واعتبر
متطهرا.
وكل واحد من الأنواع الخمسة للغسل الواجب لغيره له سببه الذي
يوجبه كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ومس الميت وهذه الأسباب
المجبة للغسل يسمى واحدها في عرف الفقهاء بالحدث الأكبر تمييزا لها
عن نواقض الوضوء التي يطلق على كل منها اسم الحدث الأصغر، والوضوء
طهارة من الحدث الأصغر، والغسل طهارة من الحدث الأكبر.
3 - وكل عمل مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر - اي الوضوء -
فهو مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر كالصلاة وغيرها على ما تقدم في
الوضوء في الفقرة (73).
4 - وكل ما يحرم على المحدث بالحدث الأصغر حتى يوضأ - يحرم
أيضا على المحدث بالحدث الأكبر حتى يغتسل فيحرم عليه مس كتابة المصحف
الشريف كما تقدم في الفقرة (73) من الوضوء.
وهناك أشياء إضافية تحرم بسبب بعض الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث
الأكبر الموجب للغسل كفاه ان يغتسل وأجزأه ذلك عن الوضوء، وكذلك
إذا اغتسل بدون حدث أكبر في المواقع التي يكون الغسل فيها مستحبا فإنه
يجزى عن الوضوء أيضا.
وإجزاء الغسل عن الوضوء له استثناء واحد بالنسبة إلى غسل المستحاضة
يأتي توضيحه عند الحديث عن أحكامها، وبيان ان غسلها يجب ان يضم
إليه الوضوء أحيانا.
وإذا تراكمت أسباب الغسل كمن أجنب ومس ميتا أو كالمرأة

116
تنقى من حيضها ويقاربها زوجها فتجنب - كفى غسل واحد يقصد به كل
ما عليه من أغسال أو واحدا معينا عنه فيكفيه عن الباقي.
كيف يغتسل المكلف
7 - الأنواع الخمسة من الغسل الواجب لغيره والأغسال المستحبة
كلها تتفق في كيفية الغسل فالجنب والحائض إذا نقت والمستحاضة إذا
ابتليت باستمرار الدم والنفساء إذا انتهى نفاسها والانسان إذا مس ميتا
والمتطوع إذا تطوع بغسل جمعة أو غيره من الأغسال المستحبة - كل هؤلاء
يغسلون على نحو واحد.
ويتميز عن ذلك جميعا غسل الأموات فان له كيفية خاصة به
وسوف نشرح هنا كيفية الغسل العامة، تاركين الكيفية التي يتميز بها
غسل الأموات إلى الفصل المختص به.
الشروط
الغسل طهارة مائية لأنه لا يتم الا بالماء
8 - والشروط في ماء الغسل هي نفس الشروط في ماء الوضوء من
اطلاق الماء وطهارته واباحته وينطبق هنا كل ما تقدم في الفقرة (2) و
(3) و (4) و (%) و (6) من فصل الوضوء.
9 - والشروط في المغتسل هي طهارة المواضع التي تغسل أولا وأن
يكون المغتسل في حالة صحية على نحو لا يضر به الغسل ضررا خطيرا ثانيا
ونية القربة ثالثا وكل ذلك كما تقدم نظيره في الوضوء في الفقرة (7)

117
وكان من الشروط المتوضئ ان يكون في مكان مباح عند المسح وحيث لا مسح
في الغسل فليس هذا من شروط المغتسل وكل ما تقدم في الفقرات (8)
و (9) و (10) و (11) و (12) من شروط المتوضئ واحكام النية يجري
هنا أيضا.
قد تقدم في الفقرة (15) من الوضوء ان المباشرة شرط في الوضوء
وكذلك هي شرط في الغسل بالمعنى المتقدم في تلك الفقرة.
كيفية الغسل
للغسل الشرعي صورتان: ترتيب وارتماس
10 - والترتيب: أن تفيض الماء على الرأس والرقبة كيفما
بدأت وانتهيت ولا تدع منهما شيئا، ثم على سائر البدن كيف اتفق،
ان شئت قدمت الجانب الأيمن، وان شئت قدمت الأيسر، وان شئت أفضت
عليهما معا دفعة واحدة بشرط الاستيعاب والاستغراق وغسل البشرة والشعر
معا.
ولا يكفي إذا كان العضو في داخل الماء ان تحركه وهو في الماء،
فان تحريك العضو في داخل الماء ليس غسلا له وانما يحصل الغسل بادخاله
فيه بقصد الغسل أوصب الماء عليه.
ولا يجب التتابع في الغسل بل يمكنك ان تغسل رأسك أو شيئا من
رأسك في ساعة وتكمل في ساعة أخرى ولو طال الفاصل الزمني.
11 - اما غسل الارتماس فهو: ان يرمس الجنب جميع بدنه في الماء
سواء كان الماء كرا أو أقل من ذلك بحيث يستوعب الاجزاء ويغمرها
بالكامل، وإذا كان الشعر كثيفا ومتراكما فرقه بيده حتى يعلم بوصول

118
الماء إلى الكل عند ارتماسه في الماء، وأي موضع من البدن لا يصل إليه
الماء عادة بتلك الارتماسة يجب غسله على الفور وبلا فاصل عرفي، وتبدأ
النية في الارتماس بابتداء عملية الارتماس، ولا يكفي ان تكون عند تغطية
تمام البدن فقط.
12 - وفي الترتيب والارتماس معا يجب غسل الشعر طويلا كان أم
قصيرا، كثيفا أم رقيقا، كما يجب غسل ما تحته من الجد، ولا يجب
غسل ما يعد من باطن الجسم لامن ظاهره كباطن الانف ومطبق الشفتين
ولا ما يشك في أنه من الباطل أو الظاهر الا مع العلم السابق بأنه كان من
الظاهر ثم طرأ الاحتمال والشك في تبدله وتحوله اله الباطن
13 - والغسل الترتيبي خير من الارتماسي وأحسن عملا، ومن عزم
على الغسل الترتيبي وابتدأ به فله ان يعدل عنه إلى الارتماسي
ويجب أن يلاحظ في الغسل الترتيبي والارتماسي معا الأمور التالية:
14 - (أولا) ان يكون قاصدا للغسل عند ايصال الماء إلى البدن
وذلك بإسالة الماء عليه أو بادخال البدن في الماء بنية الغسل، ولا يكفي
إذا كان العضو أو البدن في داخل الماء ان تحركه وهو في الماء فمن
غمس بدنه في حوض أو بركة وغمره الماء وأراد أن يغتسل بذلك
الحوض أو البركة فلا يمكنه ان ينوي الغسل وهو هكذا ويكتفي بتحريك
جسده، بل يتعين عليه إذا أراد الغسل الارتماسي ان يخرج شيئا من بدنه
كجبهته وعينيه مثلا ويعود إلى الماء مرة ثانية بقصد غسل، وإذا أراد
الغسل الترتيبي يتعين عليه عند غسل رأسه ورقبته ان يخرج كاملة رأسه
ورقبته ثم يغمسهما في الماء بقصد الغسل، وعند غسل سائر جسده أن
يخرجه كاملة من الماء ثم يغمسه فيه بقصد الغسل
15 - (ثانية) ان يمس الماء بدن المغتسل بدون حاجز ومانع

119
بالتفاصيل المتقدمة في الفقرة (25) من فصل الوضوء. 16 - (ثالثا) ان يكون الماء بدرجة تجعله يستولي ويجري على بدن
المغتسل كما تقدم بشأن الوضوء في الفقرة
(26). صدور ما يوجب الوضوء في أثناء الغسل 17 - إذا حدث منه - أو منها - ما يوجب الوضوء كالبول ونحوه
وهو قائم بعملية الغسل من الجنابة أو من مس الميت أو غير هما من الأنواع
الخمسة الواجبة من الغسل - فما يصنع؟
الجواب: يتم الغسل وترتفع بذلك الجنابة أو غيرها مما أوجب الغسل
ولكنه لا يجزي عن الوضوء فيجب عليه ان يتوضأ، وإذا عدل المغتسل
بعد صدور ما يوجب الوضوء منه من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي جاز له
ذلك وأجزأه عن الوضوء أيضا في كل حالة كان الغسل فيه مجزيا عن
الوضوء بمقتضى نوعه وأصله.
صدور ما يوجب الغسل في أثناء الغسل
18 - إذا أحدث بما يوجب الغسل، وهو قائم بعملية الغسل، فما
هو الحكم؟
الجواب: ان كان الموجب الثاني من نوع الموجب الأول كما لو كان
يغتسل من الجنابة واجنب ثانية - استأنف الغسل واعاده من جديد.
وان كان الموجب الثاني مباينا للموجب الأول في النوع كما لو مس
الميت في أثناء غسل الجنابة - فله ان يتم الغسل مستمرا على نيته ولكن

120
على وجه الرجاء والاحتمال في أن وظيفته الاتمام ثم بعيد الغسل بنية الخروج
عن العهدة شرعا، وله أيضا ان يقطع الغسل ولا يتمه ويستأنف غسلا
جديدا فان استأنفه بالارتماسي ساغ له أن ينوي بالغسل المستأنف الجنابة
أو مس الميت أو كلا الامرين. وان استأنفه بالترتيب نوى الخروج عن
العهدة شرعا.
مسائل تتصل بشرط الإباحة
19 - من اغتسل وعلى عورته ساتر أو على جزء اخر من بدنه
وكان هذا الساتر مغضوبا - صح منه الغسل ما دام لا يحجب ولا يمنع من
إسالة الماء على البشرة (اي ظاهر الجلد) ولكنه يأثم لمكان الغصب
وفعله.
20 - ومن غصب وقودا أو موقدا كهربائيا مثلا وأحمى به ماء
مباحا، واغتسل به - صح غسله، وان كان اثما لفعل الغصب.
21 - ومن اغتسل في إحدى الحمامات التجارية، وكان من قصده
منذ البداية أن لا يعطي العوض لصاحب الحمام، أو يعطيه من مال حرام،
أو بعد حين دون ان يخبر صاحب الحمام بالتأجيل - فهل يصح منه الغسل
أو يبطل؟
الجواب: للصحة وجه وجيه، ولكن الأولى استحبابا إعادة الغسل
غسل الجبيرة
22 - في فصل الوضوء تكلمنا عن وضوء الجبيرة الذي يجب على

121
الكسير والجريح والمقروح ونشير هنا إلى غسل الجبيرة ضمن النقاط التالية
أولا: في حالات وجود جرح وقرح، يسمح للمكلف الذي حصل
له موجب الغسل ان يغتسل ويكتفي بغسل أطراف الجرح والقرح كما يسمح
له بان يتيم.
ثانيا: الكسير الذي شد العضو المريض بجبيرة يغتسل ويمسح على
الجبيرة تماما كالمتوضئ الكسير.
ثالثا: الكسير الذي لم يضع جبيرة على محل الكسر يجب عليه التيمم
ولا يكتفي منه بالغسل الناقص
حول احكام الخلل في الغسل
23 - إذا حصل ما يوجب الغسل وشك المكلف في أنه هل اغتسل
أو لا؟ وجب عليه ان يغتسل، ومن هذا القبيل من علم بأنه قد دخل
الحمام بقصد الغسل من الجنابة أو غيرها ولكن بعد أن خرج منه بأمد
حدث له الشك في أنه: هل اغتسل، أم سها عنه فلم يغتسل أو انصرف
عن الغسل لسبب كان قد فجأه عند الدخول إلى الحمام - مثلا - ففي مثل
هذه الحالة يجب عليه ان يغتسل، لأنه باق على حكم الجنب.
24 - وإذا اغتسل - أو اغتسلت - ثم علم بعد الانصراف أو في
الأثناء انه لم يغسل على الترتيب المطلوب شرعا، فلم يقدم الرأس والرقبة
على الجسد بل غسلهما في ضمن الجسد، بان صب الماء على بدنه كله
بدون ملاحظة ذلك، اكتفى بما وقع منه من غسل للرأس والرقبة، ووجب
عليه ان يعيد غسل جسده (الجسد ما عدا الرأس والرقبة من البدن).
25 - وإذا اغتسل - على الرتيب - ثم علم الانصراف انه ترك

122
غسل عضو من أعضائه فماذا يصنع؟
والجواب: ان كان هذا العضو هو الرأس أو الرقبة أو جزأ منهما
وجب عليه ان يغسله ويعيد بعد ذلك غسل جسده، وان كان العضو
في جسد كاليد والرجل اقتصر على غسله ولم يعد غسل سائر الأعضاء.
26 - وإذا اغتسل - أو اغتسلت - وشك في أنه هل لاحظ الترتيب
في غسله وقدم الرأس والرقبة على لجسد فماذا؟
والجواب: انه يعتبر غسله صحيحا ولا يعيده.
27 - وإذا اغتسل - أو اغتسلت - وبعد الانصراف شك في أنه هل
غسل رأسه أو رقبته أو شك في غسل جزء منهما، بني على أن غسله
صحيح ولا يعيده.
ويجري الحكم نفسه إذا كان يغسل جسده - اي ما سوى الرأس والرقبة
من البدن - وشك في غسل الرأس أو الرقبة، فإنه لا يعيد بل يتم غسله.
وأما إذا شك في غسل الرأس والرقبة أو جزء منهما قبل ان يبدأ بغسل
الجسد، فيجب عليه ان يغسل ما شك في غسله.
28 - وإذا اغتسل وغسل رأسه ورقبته وانحدر إلى جسده ثم شك
في أنه هل غسل هذا العضو من جسده كاليد أو الصدر أو اي عضو
آخر من الجسد - وجب عليه ان يرجع إلى العضو المشكوك ويغسله ولا
يعيد غسل ما عداه، سواء حصل الشك لديه بعد الانصراف من الغسل
أو في الأثناء، ولا فرق بين ان يكون العضو المشكوك في الجانب الأيمن
من البدن أو الأيسر.
29 - إذا لم يكن شاكا في غسل العضو من الأساس بل علم بغسل
العضو المعين، ولكنه شك في صحة غسله وفساده - مثلا احتمل انه

123
غسله بماء نجس أو مضاف، فيبني على الصحة ولا تجب الإعادة، سواء
حصل له هذا الشك بعد الانصراف من الغسل، أو في أثنائه بعد الانتقال
من غسل ذلك العضو إلى غسل عضو آخر، أو بمجرد الفراغ من غسل
ذلك العضو وقبل الانتقال إلى عضو آخر.

124
غسل الجنابة واحكامها
سبب الجنابة
المراد بالجنابة هنا أمر معنوي شرعي وسببه أمران: خروج المني
والجماع، وكلمة جنب تطلق على الذكر والأنثى والواحد والجمع والمثنى
والفقهاء يسمون من جامع أو خرج منه المني جنبا، وقد يكون من مبررات
ذلك أنه يجتنب الصلاة ونحوها.
خروج المني
30 - ونتحدث الآن عن السبب الأول، وهو خروج المني من القبل
فإنه موجب للغسل الشرعي من الجنابة قليلا كان أم كثيرا، في اليقظة أم
في النوم، ومع الاضطرار والاختيار وبالوطئ وغيره.
وقد يخرج من غير القبل والموضع المعتاد، أو يخرج بلون الحمرة
كالدم لمرض أو لأي سبب آخر، فيلحقه حكم المني الاعتيادي شريطة
العلم واليقين بأنه مني.
وكذلك إذا خرج بدون لذة أو باي صفة أخرى غريبة ما دام من
المعلوم انه مني.
والعبرة في وجوب الغسل بسبب المني أن يبرز ويخرج من الجسم،
ولا اثر اطلاقا لمجرد تحركه في داخل الجسم سواء أحدث ذلك في اليقظة
أم في المنام.

125
31 - إذا علمنا بان هذا الخارج مني ألحقنا به احكامه كما عرفت.
ولكن قد يخرج من الرجل ماء يشك في أنه: هل هو مني أو غير مني؟
فماذا يصنع؟
الجواب: لابد في هذا الفرض من اللجوء إلى ثلاثة أوصاف، وهي
الخروج مع اللذة، والدفق (اي الخروج بشدة) وفتور الجسم (اي حالة
الاسترخاء) عقيب خروجه، فان اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة بالكامل
في المشكوك كان حكمه حكم المني، وإذا انتفى وصف واحد منها مع سلامة
الجسم من المرض فلا يرتب عليه آثار المني.
اما ماء المرض فلا يشترط - ليتعرف على أنه مني - الدفق، بل
يكفي للحكم عليه بأنه مني ان يجتمع فيه وصفان فقط: اللذة والفتور، وإذا
انتفى واحد منهما فلا يرتب عليه آثار المني.
32 - إذا خرج من الرجل مني، واغتسل من الجنابة وبعد الغسل
رأى رطوبة لا يعلم: هل هي من بقية المني السابق قد تخلفت في المجرى
أو سائل طاهر كالوذي مثلا، فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانية؟
الجواب: إذا كان قد بال قبل ان يغتسل فلا شئ عليه، وإلا
كانت الرطوبة يحكم المني مع بوله فلا شئ عليه.
33 - وإذا خرج منه ماء جديد وعلم بأنه بول أو مني ولم يستطع
ان يميزه فماذا يصنع؟
الجواب: إذا كان المكلف قبل قبل خروج هذا الماء منه متطهرا ولا
وضوء عليه ولا غسل وجب عليه في هذا الفرض الوضوء والغسل معا.
وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء توضأ ولا غسل عليه.

126
وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الجنابة اغتسل ولا وضوء عليه.
34 - وقد تسأل وتقول هذا كله عن مني الرجل فماذا عن المرأة؟
والجواب: ان المرأة إذا خرج الماء منها بسبب حالة شهوة وتهيج جنسي
وجب عليها ان تغتسل، وتضيف إلى غسلها الوضوء إذا كان قد حصل
لها ما يوجب الوضوء قبل خروج ذلك الماء أو بعده.
وإذا خرج الماء منها وهي في حالة شهوة وتهيج لم يجب عليها
شئ حتى ولو كان في وقت مداعبة الزواج لها لم تتأثر بالمداعبة عاطفيا
الجماع
35 - أشرنا فيما سبق إلى أن سبب الجنابة أمران: خروج المني والجماع
وأيضا سبق الكلام عن السبب الأول والآن نشير إلى السبب الثاني (اي
الجماع) ويتحقق بايلاج الحشفة في الفرج - قبل المرأة - ان كانت الحشفة
سليمة، أو بمقدارها من الذكر ان كانت مقطوعة حتى ولو لم ينزل المني
فإذا تحقق الجماع بهذا المعنى وجب الغسل على الواطئ وعلى المرأة الموطوئة
معا وكانا جنبين، سواء كانا صغيرين أم كبيرين، عاقلين أم مجنونين،
مختارين أم مضطرين.
36 - وهناك حالات أخرى يجب ان نعرف حكمها وهي كما يأتي:
1 - الايلاج في دبر امرأة أو ذكر؟
2 - الايلاج في بهيمة؟
3 - الايلاج في ميت؟
4 - الايلاج ببعض الحشفة؟
وفي الحالات يجب على المباشر المغسل، ولكن لا يكتفي به إذا

127
كان قد حدث منه ما يوجب الوضوء قبل ذلك الايلاج أو بعده، بل يضم
إليه الوضوء أيضا.
37 - يسوغ للانسان ان يوجد السبب الموجب للجنابة بمقاربة زوجته
حتى ولو علم بأنه لن يتمكن من الغسل وسيضطر إلى التيمم للصلاة،
ولافرق في ذلك بين أن يكون اتيانه لأهله - والحالة هذه - قيل دخول
وقت صلاة الفريضة أو بعد دخولها.
الحاجة إلى غسل الجنابة
غسل الجنابة طاعة ومندوب في نفسه، وكذلك هو شرط في عبادات
أخرى فلا تصح تلك العبادات بدون ان يغتسل الجنب، وقد تقدم في الفقرة
(3) من هذا الفصل ان كل ما يكون الوضوء من المحدث بالحدث الأصغر
شرطا لصحة يكون الغسل من المحدث الأكبر - كالجنابة - شرطا
لصحة أيضا، وعلى هذا الأساس يجب الغسل من الجنابة كشرط للصحة
في الصلوات الخمس أداء وقضاء وفي ركعاتها الاحتياطية واجزائها المنسية
التي تؤدى بعد الصلاة، وكذلك هو شرط للصحة في الصلاة المندوبة
حيث لا صلاة بلا طهور ولطواف الحاج أو المعتبر ولصلاة الطواف.
وليس الغسل شرطا للصلاة على الأموات كما لم يكن الوضوء شرطا
لها فيجوز للجنب ان يصلي على الميت، وليس شرطا لسجدتي السهو تماما
كالوضوء.
39 - ويزيد الغسل على الوضوء:
أولا: بأنه شرط للطواف المسحب لان الجنب لا يمكنه دخول
المسجد الحرام فضلا عن الطواف فيه حول الكعبة الشريفة.

128
ثانيا: بأنه شرط لصيام شهر رمضان وقضائه فعلى الجنب أن يغتسل
قبل الفجر ليصح منه الصوم على تفصيلات نتركها لفصل الصوم وليس
شرطا للصوم المستحب فيمكن للجنب أن يصوم ويصبح صائما وهو جنب
وثالثا: بأنه شرط للاعتكاف لأن الجنب لا يمكنه المكث في المسجد
وسيأتي في الفقرة (45) ان هناك أشياء تحرم على الجنب فلا تحل له
الا بالغسل.
حول احكام الخلل:
40 - إذا نسي الجنب جنابته وصلى كانت صلاته باطلة ووجب عليه
ان يغتسل ويعيدها.
وقد يخرج المني من الانسان دون اختيار منه وإرادة بل دون أن يشعر
بخروجه وعليه فإذا احتلم وخرج منه مني وهو لا يعلم فتوضأ وصلى ثم علم
بحاله - وجب عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة
41 - وإن صادف أن رأى على ثوبه أو بدنه منيا، وأيقن أنه منه
لامن غيره حيث لا سبيل لأي احتمال أن يكون من غيره: وأيضا أيقن أنه
لم يغتسل منه إن صادف ذلك وجب أن يغتسل من الجنابة: أما ما مضى
من صلاته وانتهى وقتها فليس عليه ان يقضي أي فريضة فات وقتها وانتهى
إذا كان يظن أو يحتمل أنه قد أداها وأتى بها قبل هذه الجنابة، وإنما
يجب عليه أن يقضي كل فريضة إنتهى وقتها ويعلم بأنه أداها وأتى بها بعد
وقوع تلك الجنابة
وإذا كان قد صلى صلاة ولم ينته وقتها بعد فيجب عليه إعادتها الا
إذا علم بأنها كانت قبل وقوع تلك الجنابة

129
- وقد يستعمل اثنان لباسا واحدا على التعاقب والتناوب ثم يظهر
على اللباس مني يعلم كل واحد منهما أنه من أحدهما يقينا، ولكن لا على التعيين،
فهل يجب الغسل عليهما، وعلى من يجب الغسل؟
الجواب: توجد هنا حالات كما يأتي:
أولا: إذا كان كل منهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته، فيجب على
كل منهما الغسل ومثال ذلك: أن يكون كل منهما عادلا فينتفع الآخر
بطهارته حيث يتيح له ذلك الائتمام به، ففي هذه الحالة يجب على كل
منهما الغسل.
ثانيا: إذا كان أحدهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته واما الآخر فلا
ينتفع في طهارته بشئ، فيجب الغسل على المنتفع خاصة، ومثال ذلك
أن يكون أحدهما جديرا بالاقتداء به في الصلاة والثاني غير جدير بذلك،
فالثاني ينتفع بطهارة الأول إذا أتيح له الائتمام به، والأول لا ينتفع بطهارة
الثاني، وفي هذه الحالة يجب الغسل على المنتفع خاصة
وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمنتفع إذا اغتسل أن يأتم بالآخر ما دام الآخر لم يغتسل
ثالثا: إذا كان كل منهما لا ينتفع بغسل الآخر وطهارته فلا يجب
الغسل على أحد منهما، ومثال ذلك: ان يكون كل منهما غير واثق بجدارة
صاحبه للاقتداء به في الصلاة فيجوز لكل منهما ان يصلي صلاته بدون
غسل وفي كل الحالات الثلاث إذا كان هناك ثالث ينتفع بطهارة كل منهما
بأن كان متمكنا عادة من الصلاة خلفهما وورائهما بجدارة لذلك - فيجب
على هذا الثالث أن يجتنب الصلاة خلف كل منهما ما لم يغتسل
43 - من شك في حصول الجنابة منه بنى على أنه ليس جنبا،

130
ومن ذلك أن يشك في تحقق الإيلاج الموجب للغسل، أو يتذكر بأنه رأى
في منامه حلما ويشك في خروج المني منه، ففي مثل ذلك لا يجب الغسل
- 44 - الجنب إذا اعتقد بأنه اغتسل فدخل في الصلاة وشك في أثنائها
هل انه اغتسل حقا؟ بطلت صلاته وكان عليه ان يغتسل ويعيد الصلاة
وهذا الانسان إذا فرغ من الصلاة ثم شك هل انه كان قد اغتسل من
جنابته؟ وجب عليه ان يغتسل ويعيد الصلاة
وهذا الانسان الذي شك إذا صدر منه ما يوجب الوضوء قبل ان
يغتسل فاغتسل وأعاد الصلاة لم يكتف بهذا الغسل للصلوات الآتية بل يتوضأ
لها أيضا
ما يحرم على الجنب حتى يغتسل
تقدم في الفقرة (4) من هذا الفصل ان كل ما يوجب الغسل إذا حصل
من الانسان حرم عليه مس كتابه المصحف الشريف تماما كما يحرم على من
حصل منه ما يوجب الوضوء، فيحرم على الجنب مس كتابة المصحف
ولا يحرم عليه مس اسم الجلالة وصفاته في غير المصحف وأسماء الأنبياء
والأئمة (ع)
ويحرم على الجنب إضافة إلى مس كتابة المصحف أمور هي: 45 - أولا: قرائة آية السجدة من سور العزائم وهي ألم السجدة
آية - 15 - وحم السجدة آية - 27 - والنجم آية - 63 - والعلق آية - 19 -
46 - وثانيا: التواجد في الحرمين الشريفين: المسجد الحرام ومسجد
النبي (ص) فإنهما محرمان على الجنب ولا يسمح له بالمكث فيهما ولا بمجرد
المرور والاجتياز أيضا

131
47 - ثالثا: التواجد في غير الحرمين من المساجد فإنه حرام على
الجنب بكل اشكاله ويستثنى من ذلك حالتان:
الأولى: أن يكون للمسجد بابان فيجتاز الجنب المسجد بأن يدخل
من باب ويخرج من الباب الآخر مباشرة بدون مكث.
الثانية: ان يدخل إلى المسجد لأخذ شئ فيه، كما لو كان له متاع
أو كتاب في المسجد فيدخل ويأخذه ويخرج بدون مكث.
وبالمقارنة بين المحرمين الثاني والثالث يتضح ان استثناء هاتين الحالتين
لا يشمل المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ويختص بغيرهما من المساجد
48 - والعتبات المقدسة التي في وسطها القبر الشريف للمعصوم يجري
عليها حكم المساجد من هذه الناحية دون الأروقة.
49 - والتحريم الذي ذكرناه على الجنب بالنسبة إلى المساجد يعم
ويشمل مساجد الله بالكامل المعمور منها والمهجور والخراب أينما كان ويكون
في شرق الأرض وغربها.
50 - إذا جهلنا وشككنا في أن هذا البناء أو هذا الموضع والمكان
- مثلا - هل هو جزء من المسجد، أو انه تابع له ووقف خاص به دون
ان يشمله ويصدق عليه اسم المسجد فهل تجري عليه احكام المسجد؟
الجواب: المتبع هنا عمل المسلمين من أهل البلد الذي فيه المسجد
وسيرتهم فيما يفعلون فإن كانت على وفق احكام المسجد فهو كذلك والا فلا
تجري احكام المسجد. 51 - إذا لم يكن الجنب قادرا على الطهارة من الجنابة فلا يستأجر

132
لعمل في المسجد يستدعي المكث فيه كتنظيفه أو اعداده لمجلس عزاء أو اي
شئ مباح ولكن يتعذر القيام به من غير المكث.. وإذا صادف وجرى
عقد الإجارة مع الجنب على شئ من ذلك - على أساس ان الجنب كان
مقدما على العصيان ولا يبالي بأن يمكث في المسجد وهو جنب - إذا صادف
ذلك يكون العقد صحيحا وإذا تخلف الأجير بعد ذلك عن القيام بالعمل
معتذرا بأنه جنب كان من حقه ذلك ولكن للمستأجر خيار الفسخ.
52 - المحرمات على الجنب كلها تختص بمن علم بالجنابة، اما من
يجهلها ويشك فيها فهي سائغة له ولا تحرم عليه عمليا إلا أن يكون على
علم سابق بالجنابة فإنه يبني على بقائها وبقاء محرماتها حتى يتيقن بأنه اغتسل
وتطهر من تلك الجنابة.
كيفية غسل الجنابة
53 - وكيفية غسل الجنابة هي كيفية الغسل على العموم بأحكامها
وتفاصيلها المتقدمة في الفقرات (10 - 16) من هذا الفصل..
ويجب في غسل الجنابة نية القربة ويمكن للجنب ان يقصد القربة
بغسلة بما هو طاعة ومندوب أو بما هو واجب من اجل الصلاة ونحوها
من العبادات أو من اجل ان يباح له مس كتابة المصحف أو غير ذلك
مما لا يباح للجنب كما تقدم في الوضوء في الفقرة (79) من فصل الوضوء
54 - وإذا علم الشخص بأن عليه غسل الجنابة ولم يكن عليه غسل
آخر فاغتسل وقصد بذلك غسل الجنابة صح غسله.
وإذا علم بأن عليه غسلا ولا يدري هل هو غسل الجنابة أو غسل

133
مس الميت مثلا فاغتسل وقصد بذلك ما في عهدته صح غسله.
وإذا علم بأن عليه كلا الغسلين فاغتسل وقصد بذلك غسل الجنابة
أو قصد غسل مس الميت أو قصدهما معا بغسل واحد صح غسله وإذا اغتسل
ولم يقصد شيئا منهما بطل غسله.

134
غسل الحيض
أقسام دم المرأة
55 - المرأة قد ينزل منها الدم من الموضع المخصوص في غير حالة
الولادة وهو على اقسام
1 - الدم الذي تعتاد المرأة البالغة ان تقذفه في دورة شهرية وباستمرار
ويسمى دم الحيض، والحيض: اجتماع الدم وبه سمي الحوض لاجتماع
الماء فيه، ويقال حاضت المرأة وتحيضت وهي حائض وحائضة إذا خرج
منها هذا الدم وهو دم طبيعي في المرأة السوية، ويجب الغسل عند
انقطاعه وانتهائه ويسمى بغسل الحيض.
2 - الدم الذي ينزل بسبب جرح أو قرح في الرحم، أو لمضاعفات
عملية جراحية سابقة.
3 - دم البكارة وهو الدم الذي ينزل بسبب افتضاض بكارة الفتاة.
4 - كل دم ينزل من الباطن سوى ذلك ويسمى بدم الاستحاضة،
وتسمى المرأة التي اتفق لها ذلك بالمستحاضة، اما المرأة الحائض فلها احكام
خاصة سيأتي شرحها، منها انه لا يجب عليها الصلاة، ومنها ان تمتنع
عن أشياء كالمكث في المسجد ومقاربة زوجها.
واما القسم الثاني والثالث فلا أثر لهما شرعا من ناحية الطهارة سوى
تطهير الموضع من النجاسة بإزالة الدم وغسله بالماء مع التمكن وعدم التضرر
بذلك، ولا يتطلب هذان الدمان وضوءا أو غسلا.

135
وتكون المستحاضة مكلفة بانجاز ذلك وأداء الصلاة خلافا للحائض على
ما عرفت.
الشروط العامة لدم الحيض
لكي يكون الدم حيضا شرعا اي من القسم الأول يجب ان تتوفر
فيه الأمور التالية:
56 - أولا: ان تكون المرأة قد أكملت تسع سنين ولم تتجاوز
خمسين سنة، والتسع هو سن البلوغ شرعا والخمسون سن اليأس، وإذا
لم تضبط المرأة عمرها ورأت الدم وهي لا تعلم أنها بلغت سن اليأس أم لا
اعتبرت نفسها غير يائس وعملت كما كانت تعمل قبل ذلك، وأما إذا
رأت الدم وهي تشك في اكمالها لتسع سنين فان أدت رؤيتها هذه إلى
اليقين بأنها قد أكملت تسع سنين - نظرا إلى أن البنت لا ترى دما عادة
قبل التاسعة اعتبرت ذلك الدم حيضا، وإذا للم يحصل لها اليقين بذلك
لم تعتبره حيضا.
57 - ثانيا: ان يكون الدم مستمرا خلال ثلاثة أيام، ونقصد
بذلك ثلاثة نهارات مع الليلة الواقعة عقيب النهار الأول والليلة الواقعة
عقيب النهار الثاني، فإذا رأت الدم في أول نهار السبت وجب ان يستمر
إلى غروب نهار الاثنين، وكذلك إذا رأته في ليلة السبت، وإذا رأته
ظهر السبت وجب ان يستمر إلى ظهر نهار الثلاثاء. ولا يضر بالاستمرار
حصول فترات توقف قصيرة إذا لم تتجاوز ما هو المألوف لدى النساء من
توقف دم العادة أحيانا.
58 - ثالثا: ان لا يتجاوز عشرة أيام، فإذا تجاوز عشرة أيام فلا يعتبر

136
كله حيضا بل قد يعتبر بعضه حيضا على ما يأتي، لان الحيض الشرعي
لا يكون أكثر من عشرة أيام.
59 - رابعا: ان تكون المرأة قد مرت بها قبل ذلك فترة طهر
وسلامة من دم الحيض لا تقل عن عشرة أيام، فإذا كانت قد حاضت
ونقت من حيضها ثم رأت دما بعد تسعة أيام مثلا لم يعتبر الدم الجديد
حيضا، لان فترة الطهر بين حيضين لا يمكن ان تكون أقصر من عشرة
أيام شرعا.
ونقصد بعشرة أيام عشرة نهارات والليالي التسع الواقعة بين النهار
الأول والنهار الأخير منها، كما نقصد بالطهر السلامة من دم الحيض،
سواء كانت نقية من الدم بصورة كاملة أو مبتلاة بدم استحاضة.
60 - ولكي يثبت للمرأة حكم الحائض حين يعرضها الدم ضمن
الشروط السابقة لابد ان يخرج الدم في بدايته، فلو تحرك الدم من الرحم
إلى فضاء الفرج (اي ما اتسع منه) ولم يتجاوزه إلى الخارج فلا يجري
عليه حكم من احكام الحيض وان طال به أمد المكث، وإذا خرج الدم
في البداية كفى ذلك في تحقق حكم الحيض ولو ظل بعد ذلك في فضاء
الفرج، وليس من الضروري لكي يثبت حكم الحيض ان يخرج الدم من
الموضع المخصوص، فلو خرج دم الحيض من غيره اعتبرت المرأة
حائضا أيضا.
كيف تميز امرأة دم الحيض: إذا توفرت الأمور السابقة وشكت المرأة مع ذلك في أن الدم الذي
نزل منها من دم الحيض أم لا فهنا حالات:

137
61 - الأولى: ان يكون الشك في ذلك قائما على أساس احتمال ان
الدم من قرحة أو جرح (اي من القسم الثاني) وفي مثل ذلك تعتبره
المرأة عمليا من القسم الثاني، فلا تكلف نفسها بتكاليف الحائض ولا
المستحاضة. 62 - الثانية: ان يكون الشك في ذلك قائما على أساس احتمال ان
الدم دم البكارة (اي من القسم الثالث) وفي مثل ذلك يجب على المرأة
ان تميز الدم بادخال قطنة في الموضع المخصوص وتركها مليا ثم اخراجها
برفق، فان وجدت الدم مستديرا على أطراف القطنة دون ان يستغرقها
أو يستغرق أكثرها فهو من دم البكارة، وان كان قد غطاها وغمرها
بالكامل أو غمر أكثرها فهو من دم الحيض.
وان تركت المرأة هذا الفحص والاختبار واتت بشئ من العبادة
كالصوم والصلاة تبطل عبادتها الا ان تعلم بأنها قد صادفت الطهر من
الحيض.
وإذا تعذرت على المرأة عملية الاختبار بالقطنة لسبب أو لآخر
فماذا تصنع؟
الجواب: عليها ان تفعله الطاهر وتترك ما تتركه الحائض، فتصلي
وتصوم ولا تمكث في المساجد ولا تمس كتابة المصحف.. الخ
62 - الثالثة: ان تعلم المرأة بأن الدم ليس من جرح وقرح ولا من
البكارة ولكن لا تدري هل هو حيض أو استحاضة، ويمكن لها في هذه
الحالة ان تستعمل إحدى طريقتين:
إحداهما: ان تحتاط - إذا أمكن - وذلك بأن تمتنع عن الأشياء التي
تلزم الحائض بالامتناع عنها، وتؤدي الأشياء التي تلزم المستحاضة بأدائها
من وضوء وغسل وصلاة وهكذا حتى ينقطع الدم فتغتسل وترجع إلى حالتها

138
الاعتيادية. وكلما ذكرنا الاحتياط بالنسبة إلى المرأة من هذا القبيل فنقصد
بالاحتياط هذا المعنى.
والآخر ان تلجأ إلى تطبيق قاعدتين شرعيتين لاثبات الحيض
1 - اثباته على أساس الصفات.
2 - اثباته على أساس العادة.
اثباته على أساس الصفات
64 - دم الحيض له صفات تميزه في العادة فهو غالبا يكون اسود
أو احمر حارا يخرج بدفق وحرقة، وخلافا لذلك دم الاستحاضة فإنه على
الأكثر لا تتوفر فيه هذه الصفات ويكون لونه اصفر، وقد جعل الشارع
تلك الصفات الغالبة في دم الحيض دليلا على أنه حيض، فمتى رأت
المرأة الدم وكان بلون حمرة أو سوادا اعتبرته حيضا، سواء كان
ذلك في الأيام التي اعتادت ان ترى الدم فيها من كل شهر أو في غيرها.
ولكن على المرأة ان تظل مراقبة لحالها إلى ثلاثة أيام من حين رؤيتها للدم
فان استمر بصفة الحيض طيلة هذه المدة تأكدت انها حيض واستمرت على
عمل الحائض، سواء ظل الدم بعد الأيام الثلاثة محتفظا بصفة الحيض
أو خف لونه وأصبح اصفر.
وإذا انقطع الدم أو زالت عنه صفة الحيض ولونه قبل اكتمال ثلاثة
أيام انكشف انه ليس من دم الحيض شرعا بل دم استحاضة، ووجب
على المرأة ان تعمل عمل المستحاضة وتقضي ما تركته من عبادة وصلاة
خلال تواجد الدم.

139
اثباته على أساس العادة: 65 - وإذا لم يكن الدم بصفة الحيض بأن كان اصفر اللون رجعت
المرأة إلى القاعدة الشرعية الثانية، ومؤداها: ان الدم الأصفر إذا رأته
المرأة في أيام عادتها وهي الأيام التي تجيئها عادتها فيها عادة فهو دم الحيض
وكذلك إذا رأته قبل موعدها المعتاد بيوم أو يومين، وإذا رأته في غير
تلك الأيام فهو دم استحاضة.
ولابد للمرأة من المراقبة أيضا على النحو الذي تقدم في التمييز على
أساس الصفات بان ترصد الدم، فان استمر ثلاثة أيام استقرت على حكم
الحيض، والا انكشف لديها انها مستحاضة وقضت ما تركته من عبادة في
فترة تواجد الدم.
ولكي تستفيد المرأة من عادتها السابقة في تمييز الدم لابد ان تكون
ذاكرة لها، وأما إذا كانت لها عادة منتظمة في وقت محدد ولكنها نست
موعدها ورأت الدم فماذا تصنع؟
والجواب: ان الدم إذا كان بصفات الحيض اعتبرت نفسها حائضا
على أساس القاعدة الأولى (التمييز بالصفات) وأما إذا لم يكن بصفات
الحيض اعتبرت نفسها مستحاضة ما دامت لا تعلم بمجئ موعد عادتها.
وإذا رأت دما بدون صفات الحيض وأيقنت بحدسها انه يستمر بها
أياما كأسبوع أو أكثر وكانت تعلم بأن عادتها الشهرية اما في النصف الأول
من الأسبوع أو في النصف الثاني منه مثلا - وجب عليها ان تحتاط طيلة
المدة فتجتنب ما تتركه الحائض وتؤدي ما تؤديه المستحاضة
66 - وقد تسأل كيف تحصل العادة الشهرية للمرأة؟

140
والجواب: انها تحصل برؤية المرأة لدم الحيض في وقت معين من
شهر ورؤيتها له في نفس الوقت من الشهر اللاحق مباشرة، وكذلك
تحصل بانتظام فاصل زمني معين بأن تعتاد المرأة بأن يكون الفاصل بين
الحيضتين نصف شهر باستمرار. وقد تقول إذا اعتادت المرأة ان ترى
الدم في بداية كل شهر قمري إلى خمسة أيام مثلا فهل اثبات ان الدم
المشكوك دم الحيض على أساس العادة يتوقف على أن يكون هذا الدم
مبتدئا في بداية الشهر ومستمرا إلى خمسة أيام؟
والجواب: لا بل يكفي ان يكون واقعا ضمن تلك الفترة فلو رأت
دما اصفر من اليوم الثاني إلى اليوم الخامس كان حيضا.
وقد تقول: إذا اعتادت المرأة ان ترى الدم في بداية كل شهر
ولكنه يستمر بها أحيانا ثلاثة أيام وأحيانا أكثر فما هي أيام العادة؟
الجواب: هي الثلاثة الأولى من الشهر.
اثبات الحيض على أساس الصفات والعادة معا
67 - وإذا رأت المرأة الدم الأصفر في أيام العادة واستمر بها بعد
انتهاء أيام العادة وكان ما استمر بعد أيامها بصفات الحيض فالدم كله دم
حيض إذا توفرت الشروط العامة لدم الحيض المتقدمة - بعضه على أساس
العادة وبعضه على أساس الصفات
وإذا رأت المرأة دما احمر قبل الموعد الشهري بأيام واستمر إلى
أيام العادة كان الكل حيضا أيضا ضمن الشروط العامة المتقدمة.
ويتلخص مما سبق: ان كل امرأة رأت الدم ولم تعلم بأنه حيض
أو استحاضة تعتبره حيضا إذا انطبقت عليها إحدى القاعدتين، فكان الدم

141
بصفة الحيض أو كان في أيام العادة أو قبلها بيوم أو يومين، والا فهي
مستحاضة.
لا تنتج العادة على أساس الصفات
68 - إذا تكرر الحيض في بداية الشهر مرتين متعاقبتين كان ذلك
عادة على ما بينا وتحتم على المرأة ان تجعل الدم الذي تراه بعد ذلك في نفس
الموعد حيضا ولو كان اصفر كما عرفت.
ولكن إذا تكرر الدم في بداية الشهر مرتين متعاقبتين ولم تتأكد
المرأة انه حيض، ولكنه كان بصفة الحيض فاعتبرته حيضا على أساس
الصفة دون ان تكون على يقين من ذلك، ثم جاءها الشهر الثالث فرأت
في نفس الموعد دما اصفر ليس بصفة الحيض، فماذا تعمل هذه المرأة؟
وهل تعتبر نفسها ذات عادة منتظمة فتجعل هذا الدم الجديد حيضا لأنها
رأته في عادتها على الرغم من عدم كونه بصفة الحيض؟ أو تعتبر نفسها
غير ذات عادة ما دامت غير متأكدة من أن الدمين السابقين كانا حيضا؟
والجواب: ان هذه المرأة تعمل على أساس الصفات، فما دام الدم
أصفر تجعل نفسها مستحاضة.
الحامل والعادة الشهرية
69 - ما ذكرناه ينطبق على غير الحامل، واما الحامل فهي قد تحيض
أيضا، فإذا رأت الدم وكانت واثقة بأنه من دم الحيض عملت ما تعمله
الحائض، وإذا لم تدر بأنه دم حيض أو دم استحاضة فلها حالتان:

142
1 - ان يكون الدم بصفة الحيض وفي أيام العادة أو قبلها بيوم أو يومين
وفي هذه الحالة تعتبره حيضا منذ البداية وتتأكد من ذلك باستمراره
ثلاثة أيام.
2 - ان لا يكون الدم بصفة الحيض ولا في أيام العادة أو قبيلها،
وفي هذه الحالة تعتبره استحاضة.
3 - ان يكون بصفة الحيض ولكن في غير أيام العادة أو في أيام
العادة ولكن بدون صفة الحيض، وعليها حينئذ ان تحتاط.
متى تغتسل الحائض: 70 - إذا احتملت الحائض خلال عشرة أيام من حين ابتداء الدم
ان الدم قد انقطع فلا يجوز لها ان تهمل هذا الاحتمال وتظل على حيضها
بل يجب عليها ان تفحص وتتأكد وذلك بان تدخل قطنة وتتركها في
موضع الدم ثم تخرجها، فان كانت نقية فقد انقطع حيضها ووجب عليها
الغسل، والا فهنا ثلاث حالات:
الأولى: ان تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرة ولم يتجاوز الدم
فعلا أيام عادتها، فهي حائض ما دامت تجد القطنة غير نقية.
الثانية: ان لا تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرة كالمرأة التي
تحيض تارة سبعة أيام وأخرى ثمانية وهكذا وهذه تعتبر نفسها حائضا إذا
خرجت القطنة غير نقية ما دام الدم لم يتجاوز عشرة أيام من حين ابتدائه
الثالثة: ان تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرة أقل من عشرة
أيام كأسبوع مثلا ورأت القطنة ملوثة بعد انتهاء أيام العادة وقبل تجاوز

143
عشرة أيام، وهذه ان كانت مستحاضة قبل مجئ عادتها واتصل دم العادة
بدم الاستحاضة أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها واعتبرت ما يبقى من الدم
استحاضة.
وان لم تكن مستحاضة على هذا النحو بل كانت طاهرة قبل مجئ
العادة فالحكم يتبع تقديرها الشخصي، فإذا كانت تقدر بصورة جازمة
ان الدم سيستمر في المستقبل ويتجاوز عشرة أيام أنهت حيضها بانتهاء
أيام عادتها الباقي استحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل
تجاوز عشرة أيام وجب عليها ان تضيف يوما واحدا على الأقل إلى عادتها
فتعتبر نفسها حائضا فيه ثم تعمل كمستحاضة، ويجوز لها ان تضيف يومين
أو كل ما يتبقى من الأيام العشرة إلى أيام عادتها فتواصل حكم الحائض طيلة المدة
وإذا قامت المرأة - قبل مضي عشرة أيام من حين رؤيتها للدم
- بالفحص والاختبار وظهرت القطنة، ولكنها غير واثقة من انقطاع
الدم نهائيا بمعنى انها ترى ان بالامكان عودته في أثناء العشرة فماذا تعمل؟
والجواب: إذا كانت واثقة من عودة الدم من جديد فلا تبال بهذا النقاء
المؤقت وتعتبر حالها كما لو لم يكن الدم قد انقطع، وإذا لم تكن واثقة
من عودة الدم وجب عليها ان تغتسل وتصلي فإذا لم يعد الدم خلال
الأيام العشرة صح ما عملته وان عاد قبل مضي عشرة أيام من حين ابتدائه
عادت إلى حكم الحيض وكانت كمن استمر بها الدم طيلة هذه المدة، ومثال
ذلك: امرأة رأت الحيض أربعة أيام ثم نقت فاغتسلت وصلت يومين ثم
رأت الدم ثلاثة أيام فتعتبر أيامها التسعة كلها حيضا وينكشف لديها في
النهاية ان ما أتت به من غسل وعبادة خلال اليومين الخامس والسادس
ليس صحيحا شرعا.

144
وهذا معنى قول الفقهاء ان النقاء المتخلل بين دمين يعتبر مع الدمين
حيضا واحدا مستمرا إذا لم يتجاوز المجموع عشرة أيام.
والفحص والاختبار بالطريقة التي ذكرناها أو باي طريقة أخرى تؤدي
نفس الغرض واجب في كل وقت تحتمل فيه المرأة النقاء، فإذا لم تفحص
المرأة واغتسلت غسل الحيض بأمل ان تكون قد نقت من الدم وهي لا تدري
شيئا عنه فلا يعتبر هذا الغسل صحيحا ومطهر لها الا إذا ثبت لديها
بعد ذلك انها كانت نقية من الدم حين اغتسلت، وإذا أيقنت المرأة بالنقاء
بدون فحص لم يجب عليها الاختبار وكان لها ان تغتسل وتصلي.
إذا تجاوز الدم العشرة.
قلنا فيما سبق: ان الدم إذا انقطع قبل اكتمال ثلاثة أيام ينكشف
انه دم استحاضة، لأن الحد الأدنى لدم الحيض ثلاثة أيام كما تقدم ونقول
الان: انه إذا تجاوز عشرة أيام وهو الحد الاعلى لدم الحيض ينكشف ان
بعضه ليس بدم الحيض بمعنى ان هذا الدم قد يكون بدأ مثلا دم حيض ثم
تحول إلى استحاضة، لان الحيض لا يتجاوز عشرة أيام، ولكن السؤال
هو ان المرأة كيف تعرف من أين بدأ تحول الدم إلى الاستحاضة، فهل
هو من حين تجاوز الدم للعشرة أو من موعد زمني سابق، واثر ذلك انها
كانت قد تركت الصلاة والعبادة إلى نهاية العشرة، فإذا انكشف لديها
الآن ان الدم تحول إلى استحاضة وان التحول هذا تم في موعد زمني سابق
وجب عليها ان تقضي ما تركته من صلاة وعبادة منذ ذلك الموعد، فكيف
يمكن تحديد ذلك الموعد شرعا؟
والجواب: على ذلك يختلف باختلاف نوع المرأة، فان المرأة قد

145
تكون لها عادة شهرية وقد لا تكون، وعلى هذا الأساس تنقسم إلى خمسة
اقسام كما يلي.
71 - (الأول) ذات العادة الوقتية والعددية وهي التي ترى الدم
مرتين متماثلتين وقتا وعددا، ومتتابعتين بحيث لا تتخلل بينهما حيضة تختلف
عنهما في العدد ولا في الوقت.
ومثالها: ان ترى الدم في أول الشهر خمسة أيام وأيضا تراه في أول
الشهر الذي يليه خمسة أيام، وإذا رأت الدم في أول هذا الشهر ثلاثة
أيام وفي أول الثاني أربعة أو رأت الثلاثة في أول هذا الشهر ثم رأتها في
آخر الثاني أو وسطه فما هي بذات عادة وقتية وعددية معا.
وهذه تثبت ان الدم حيض حين تراه إذا كان بصفات الحيض أو كان
في أيام عادتها على ما تقدم، فإذا تجاوز دمها العشرة تجعل أيام عادتها فقط
حيضا حتى ولو كان الدم في هذه الأيام على غير صفات الحيض وما زاد
عن المعتاد فهو استحاضة بالغا ما بلغ حتى ولو كان على شاكلة الحيض في
كل وصف، وتصنع نفس الشئ إذا بدأ معها الدم قبل موعدها الشهري
وكان بصفة الحيض واستمر بها إلى نهاية أيام عادتها أو بعد ذلك وكانت
مدته أزيد من عشرة أيام، فإنها تجعل أيام العادة حيضا وما قبلها استحاضة
فتقضي ما تركته وقتئذ من صلاة وعبادة.
وإذا اتفق لها ان جاءتها في غير الوقت المعتاد شهريا وتجاوز العشرة
جعلت أيام الحيض بعدد أيام عادتها والباقي استحاضة.
إذا لم تستكمل العدد في وقتها.
72 - عرفنا ان ذات العادة الوقتية والعددية إذا رأت الدم في كل

146
أيام العادة وفي أيام أخرى قبل العادة أو بعد العادة أو قبلها وبعدها معا
وكان مجموع أيام الدم أكثر من عشرة أيام جعلت الحيض أيام عادتها
خاصة.
والسؤال الآن يتعلق بالمرأة إذا رأت الدم في بعض أيام العادة وفي
غير أيامها وتجاوز المجموع العشرة، ومثال ذلك: امرأة موعدها أول
الشهر وعادتها سبعة أيام، فرأت الدم في اليوم الرابع واستمر بها أسبوعين
فهل تجعل حيضها ما وقع من الدم في أيام عادتها فيكون ثلاثة أيام وهي الرابع والخامس والسادس من الشهر، أو تجعل حيضها من الرابع إلى
نهاية العاشر لكي يتطابق مع العدد الذي اعتادته في حيضها وهو أسبوع
ومثال آخر في المرأة نفسها، إذا رأت الدم قبل أسبوع من بداية الشهر
واستمر إلى اليوم الخامس من الشهر، فهل تجعل حيضها ما وقع من الدم
في أيام عادتها فيكون خمسة أيام ابتداء من أول الشهر إلى الخامس منه،
أو تضيف إلى ذلك يومين من الأيام السابقة لكي يكتمل الحيض أسبوعا
ويتطابق مع عدد عادتها العددية؟ واثر ذلك بالنسبة إلى المرأة بعد تجاوز
الدم انها على التقدير الأول يجب ان تقضي كل ما تركته في غير أيام العادة
وأما على التقدير الثاني فلا يجب عليها ان تقضي ما تركته في بعض تلك
الأيام أي فيما اضافته إلى أيام عادتها وكملت به العدد أسبوعا والأحوط
أو الأقرب هو ان تقضي كل ما تركته في غير أيام العادة ولا يؤذن لها بان
تستكمل العدد أسبوعا من غير أيام العادة.
إذا نسيت ذات العادة موعدها.
73 - وإذا نسيت هذه المرأة موعد عادتها الشهري وعدد أيامها فقد

147
قلنا سابقا انها تميز الدم حينئذ بالصفات، فإذا رأت الدم بصفة الحيض
وتجاوز العشرة فماذا تصنع وكيف تجعل أيام عادتها حيضا وهي لا تتذكر
والجواب: ان لها حالتين.
الأولى: ان لا تعلم بمجئ الموعد الشهري لها خلال أيام الدم، وحينئذ
تجعل الحيض بقدر أيام عادتها مفترضة أكبر الاحتمالات في أيام العادة،
ومثال ذلك: ان تكون ناسية فلا تدري ان أيام عادتها خمسة أيام أو سبعة،
فتجعل الحيض سبعة أيام والباقي استحاضة.
الثانية: ان تعلم بان موعدها الشهري يصادف بعض أيام الدم ولا
تستطيع ان تحدد تلك الأيام بالضبط، فيجب عليها حينئذ ان تحتاط،
وذلك بان تقضي ما تركته من عبادة وتجتنب فعلا عما تتركه الحائض وتؤدي
ما تكلف به المستحاضة.
74 - (الثاني) ذات العادة العددية فقط وهي التي تستقيم عادتها
عددا لا وقتا أي ترى حيضتين متماثلتين في العدد دون الوقت كالتي ترى
الدم كل مرة خمسة أيام ولكن مرة تراها في أول الشهر وتارة في آخره
وآنا في وسطه وتسمى هذه مستقيمة العدد مضطربة الوقت.
وهذه تثبت ان الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض،
فإذا حاضت وتجاوز دمها عشرة أيام جعلت الحيض بعدد أيام عادتها من
بداية رؤيتها للدم والباقي استحاضة.
وإذا نسيت هذه المرأة عدد أيام عادتها أخذت بأكبر الاحتمالات،
ومثال ذلك: إذا نسيت فلا تدري ان عدد أيام العادة خمسة أو ستة
فتجعل أيام حيضها ستة.
75 - (الثالث) ذات العادة الوقتية فقط وهي التي تستقيم عادتها
وقتا لا عددا أي ترى حيضتين متماثلتين في الوقت دون العدد كالتي لا يأتيها

148
الحيض الا في أول الشهر - مثلا - ولكن مرة تراه ثلاثة أيام وفي شهر
آخر تراه خمسة وحينا تراه ستة وأيضا تسمى هذه مستقيمة مضطربة
العدد.
وهذه تثبت ان الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض أو كان
في موعدها الشهري المعتاد، فإذا حاضت وتجاوز دمها عشرة أيام أمكنها
ان تجعل الحيض ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
وإذا نسيت هذه المرأة وقت عادتها كان حكمها هو ما تقدم في الفقرة
(173) بشأن ذات العادة الوقتية والعددية إذا نست.
76 - (الرابع) المضطربة وهي التي لم تستقم لها عادة أبدا لا وقتا
ولا عددا كالتي ترى الدم مرة أربعة أيام في أول الشهر ومرة خمسة في
آخره وحينا ثلاثة في وسطه.
وهذه تثبت ان الدم الذي تراه حيض إذا كان بصفات الحيض، فإذا
حاضت وتجاوز دمها عشرة أيام فهنا حالتان:
الأولى - أن يكون الدم طيلة المدة بصفات الحيض وعلى وتيرة واحدة
وبلون واحد، وفي هذه الحالة يمكنها ان تجعل حيضها منذ بداية رؤيتها
للدم إلى ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
الثانية - ان يكون الدم مختلفا في لونه فهو في فترة من الزمن بصفة
الحيض وفي فترة أخرى بدون هذه الصفة أو في فترة من الزمن بصفة الحيض
بدرجة شديدة وفي فترة أخرى بصفة الحيض أيضا ولكن بدرجة أخف
كما إذا كان حينا شديد الحمرة إلى درجة تبلغ السواد وحينا احمر بدرجة
دون ذلك وفي هذه الحالة تجعل الأقرب إلى الحيض حيضا اي تجعل ما هو
بالصفة حيضا في مقابل ما ليس بصفة الحيض أو تجعل ما هو بالصفة بدرجة

149
شديدة حيضا في مقابل ما كان بصفة الحيض ولكنه أخف منه ويستثنى من
ذلك ما يلي:
أولا - ان تقل فترة الدم الأقرب إلى صفة الحيض عن ثلاثة أيام،
والحكم حينئذ هو نفس الحكم في الحالة الأولى المتقدمة.
ثانيا - ان تزيد فترة الدم الأقرب إلى صفة الحيض على عشرة
والحكم حينئذ هو نفس الحكم في الحالة الأولى المتقدمة
ثالثا - ان ترى المرأة الدم الأقرب إلى صفة الحيض فترتين منفصلتين
يفصل بينهما دم ليس كذلك ولا تزيد مدة الدمين الواجدين لصفة الحيض
على عشرة ولكنها مع إضافة فترة الدم الواقعة في الوسط تزيد على عشرة
كما إذا رأت الدم بصفة الحيض خمسة أيام ثم تحول الدم إلى اصفر خمسة
أيام وعاد بصفة الحيض خمسة أيام أخرى فهذه المرأة حين يتجاوز دمها
العشرة يجب عليها ان تحتاط وتجتنب عما تتركه الحائض وتؤدي ما يطلب
من المستحاضة وتقضي ما تركته من عبادة في الأيام السابقة.
77 - (الخامس) المبتدئة: وهي التي ترى الدم الأول مرة.
وهذه تثبت ان الدم حيض إذا كان بصفات الحيض على ما تقدم،
فإذا حاضت وتجاوز دمها العشرة فلها حالتان كالمضطربة:
الأولى: ان يكون الدم طيلة المدة بصفات الحيض، فتلجأ إلى عادة
أقاربها فتجعل الحيض بعدد عادتهن والباقي استحاضة، وإذا لم يتسن لها
ذلك بان لم يوجد لها أقارب أو كن مختلفات في عادتهن أمكنها ان تجعل
الحيض ستة أو سبعة أيام والباقي استحاضة.
الثانية: أن يكون الدم مختلفا فبعضه بصفة الحيض وبعضه بدون
هذه الصفة، فتجعل ما كان على شاكلة دم الحيض حيضا والباقي استحاضة
مع ملاحظة ما تقدم من استثناءات في المضطربة.

150
وينبغي الإشارة إلى أن الحالة الثانية هنا كالحالة الثانية في المضطربة
تتحقق تارة بان يكون الدم في فترة احمر وفي فترة أخرى اصفر، وتتحقق
أخرى بان يكون في فترة اسود أو مائلا إلى السواد وفي فترة أخرى احمر
فتجعل الحيض أشد الدمين لونا.
تجاوز الدم للعشرة على قسمين.
78 - وتجاوز الدم للعشرة الذي تنطبق عليه الاحكام السابقة على
نحوين:
الأول: ان يظل الدم مستمرا بدون انقطاع حتى تمضي عشرة أيام
ويدخل اليوم الحادي عشر.
الثاني - ان يتواجد الدم فترة وينقطع وقبل ان يستمر الانقطاع عشرة
أيام يعود الدم من جديد.
وأما إذا كانت فترة الانقطاع عشرة أيام فكلا الدمين حيض وفقا
للقواعد السابقة.
ولا ينطبق عليه حكم تجاوز الدم للعشرة.
79 - تطبيقات وتكميلات.
مساعدة للمرأة على التعرف على الحكم الشرعي لما تراه من الدم
على ضوء القواعة السابقة نستعرض فيما يلي عشر حالات ونطبق عليها
ما تقدم من قواعد لتكون لديها خبرة بكيفية تطبيق الحكم الشرعي:
1 - إذا رأت المرأة - أي مرأة - الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام فصاعدا

151
إلى عشرة ثم انقطع عنها عشرة أيام ثم رأته بنفس الصفة ثلاثة أيام فصاعدا
إلى العشرة كان كل من الدمين حيضا والفترة الواقعة بينهما فترة طهر ونقاء
2 - إذا رأت المرأة - اي امرأة - الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام ثم
انقطع بضعة أيام وعاد مرة أخرى بصفة الحيض أيضا وانقطع قبل ان تتجاوز
عشرة أيام من ابتداء الدم الأول معها اعتبرت هذه الأيام كلها أيام حيض
بما فيها فترة الانقطاع القصيرة الواقعة بين الدمين.
3 - إذا رأت المرأة - اي امرأة - الدم بصفة الحيض ثم انقطع قبل
اكتمال ثلاثة أيام وعاد بصفة الحيض بعد يوم أو يومين أو أكثر كان الدم
الثاني حيضا دون الأول، لأنه لم يتوفر فيه الشرط الثاني من الشروط
العامة لدم الحيض.
4 - إذا رأت المرأة - اي امرأة - الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام
أو أكثر ثم تحول الدم إلى اصفر يوما أو يومين أو أكثر وعاد بعد ذلك
إلى صفة الحيض ولم يتجاوز عشرة أيام من ابتداء رؤية الدم جعلت
الكل حيضا.
5 - إذا رأت المرأة باستثناء ذات العادة الوقتية - دما
اصفر فلا تعتبره حيضا بل تكون مستحاضة، وهذا الحكم ينطبق على ذات
العادة العددية إذا رأت دما اصفر ولو استمر بعدد أيام عادتها فإنها تعتبره
استحاضة لا حيضا.
وأما ذات العادة الوقتية فما تراه من دم اصفر في غير موعدها المقرر
ينطبق عليها الحكم نفسه أيضا وما تراه في موعدها المقرر يعتبر حيضا
كما تقدم.
6 - إذا رأت المرأة في غير أيام العادة دما أصفر اللون ثم أصبح
أحمر بصفة الحيض واستمر بالصفة نفسها ثلاثة أيام أو أكثر جعلت نفسها

152
مستحاضة في الأيام التي كان الدم فيها أصفر واعتبرت الدم حيضا من حين
تواجده بصفة الحيض.
7 - ذات العادة الوقتية والعددية قد ترى الدم في أيام عادتها وينقطع.
قبل أن تستكمل العدد، مثال ذلك: امرأة كان وقت عادتها أول الشهر
وعدد عادتها أسبوعا فرأت الدم أول الشهر خمسة أيام ثم انقطع خمسة
أيام وبعد ذلك رأت دما بصفة الحيض أسبوعا فهل يمكن ان تعتبر الدم
الثاني حيضا بدلا عن الأول لأنه يتطابق مع العدد والجواب: لا بل تعتبر
الدم الأول حيضا ولو كان أصفر وتعتبر الثاني استحاضة ولو كان بصفة
الحيض.
8 - إذا رأت ذات العادة الوقتية دما قبل موعدها بثلاثة أيام أو أكثر
واستمر إلى أيام العادة والى ما بعدها وكان المجموع لا يزيد على عشرة أيام
فهو منذ يومين قبل موعد العادة حيض بدون شك سواء كان أحمر أو
أصفر، وما كان منه قبل ذلك يعتبر حيضا إذا كان بصفة الحيض ويعتبر
استحاضة إذا لم يكن بصفته وعلى شاكلته.
9 - إذا رأت العادة الوقتية والعددية دما قبل موعدها الشهري
بأيام واستمر إلى ما بعد انتهاء عادتها بأيام وتجاوز عشرة أيام من حين
ابتدائه جعلت الدم الذي في أيام العادة حيضا وغيره مما تقدم أو تأخر عنه
استحاضة، بمعنى انها تقضي ما تركته في الفترة المتقدمة أو المتأخرة.
10 - إذا رأت ذات العادة العددية دما بصفة الحيض فترة من الزمن
وانقطع ثم عاد فترة وتجاوز عشرة أيام من حين ابتداء الدم الأول فهنا
حالات:
الأولى: ان يكون عدد أيام عادتها مساويا لفترة الدم الأول فتجعله
حيضا دون سواه.

153
الثانية: ان يكون أقل منها فتجعل الحيض بقدر عدد أيام عادتها
من فترة الدم الأول والباقي استحاضة.
الثالثة: ان يكون عدد أيام عادتها مساويا لفترة الدم الأول وفترة
الانقطاع وحكمها هو حكم الحالة الأولى.
الرابعة: أن يكون عدد أيام عادتها أزيد مما ذكرنا في الحالة الثالثة
بيوم أو يومين مثلا أو أكثر من ذلك فتجعل الدم الأول حيضا وتعتبر نفسها حائضا من حين رؤيته إلى مضي يوم أو يومين من الدم الثاني لكي
يتطابق مع أيام عادتها.
وكذلك الحال في ذات العادة العددية والوقتية معا إذا رأت الدم
بصفة الحيض على النحو المتقدم في غير موعدها الشهري.
الحاجة إلى غسل الحيض.
80 - دم الحيض لا صلاة معه ولا صيام، فلا تجب الصلاة اليومية ولا صلاة الآيات، ولا صيام شهر رمضان على الحائض إلى أن تنقى من
دم الحيض، فيجب عليها حينئذ ما يجب على غيرها من صلاة وصيام،
ولكن لا تصح منها الصلاة الا إذا اغتسلت غسل الحيض لأن دم الحيض
يسبب حدثا شرعيا ويعتبر هذا الحدث مستمرا حتى بعد النقاء إلى أن
تغتسل المرأة.
ولا يصح الغسل منها ولا يرفع هذا الحدث الا إذا وقع بعد النقاء
من دم الحيض. 81 - وكل ما يعتبر غسل الجنابة شرطا لصحته من العبادات فغسل
الحيض شرط لصحته أيضا باستثناء صيام شهر رمضان، فان المرأة إذا

154
نقت من الدم قبل طلوع الفجر من شهر رمضان ولم تغتسل حتى طلع
عليها الفجر فصامت واغتسلت بعد الطلوع صح صومها.
ما يحرم بالحيض.
82 - يحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب مما تقدم في الفقرات
(45 / 46 / 47 / 48).
وأيضا يحرم عليها وعلى زوجها الاتصال بالجماع، فلا يحل للزوج
يطأ زوجته الا بعد نظافتها ونقائها من دم الحيض، فإذا نقت من الدم
واغتسلت منه الغسل الشرعي أو غسلت مخرج الدم ومدرجه - على الأقل -
كان الاتصال الجنسي بها سائغا، وإذا عصى الزوج وغلبته شهوته فوطأ
أثم ولا كفارة عليه ولا عليها، وله ان يستمتع بغير الوطء كيف يشاء
ويكره له ان يستمتع باي شئ بين ركبتها وسرتها (وهي التجويف الصغير
المعهود في وسط البطن).
83 - وإذا قارب الزوج زوجته - قبل الحيض أو في أثناء الحيض
اجتمع عليها اثر الحيض واثر الجنابة، فإذا اغتسلت من الجنابة حال الحيض
صح غسلها وارتفع اثر الجنابة وبقي، اثر الحيض.
احكام أخرى بشأن الحائض.
84 - على الحائض ان تقضي بعد الطهر كل ما فاتها من الصيام
الواجب، سواء وجب وفاء لشهر رمضان المبارك أم لنذر، كما لو نذرت
صيام الجمعة من أول الشهر القادم فحاضت فيه فعليها ان تفطر وتقضيه

155
ولا يجب عليها ان تقضي الصلوات الخمس والصلاة المنذورة وصلاة
الآيات.
ويبطل طلاق الحائض الا ان تكون حاملا أو غير مدخول بها أو كان
زوجها غائبا عنها على التفصيل الذي يأتي في القسم الثالث من الفتاوى
الواضحة، وان طلقها باعتقاد انها طاهرة من الحيض فانكشف انها حائض
بطل طلاقها، وان طلقها على انها حائض فظهر انها طاهر فما هو الحكم؟
الجواب: إن كان على يقين بأنها حائض وبأن طلاق مثلها لا اثر له
وانما قال كلمة الطلاق لثقته بذلك فالطلاق باطل وان وقع في طهر
حيث لا قصد هنا في حقيقة الأمر، وان كان جاهلا بالحيض أو عالما به
وجاهلا بان الطهارة من الحيض شرط أساس في صحة الطلاق - فالطلاق
صحيح.
85 - وتصح من الحائض في حال الحيض الأغسال المندوبة وكذلك
الوضوء، ويستحب لها في أوقات الصلاة أن تتوضأ تقربا إلى الله تعالى
وتجلس بقدر صلاتها فتستقبل القبلة تذكر الله وتسبح بحمده: غسل الحيض وكيفيته.
86 - غسل الحيض طاعة ومندوب في نفسه وواجب لما يتوقف عليه
من صلاة الفريضة. وكيفيته نفس الكيفية العامة للغسل المتقدمة في الفقرة
(10) و (11)، وتجب فيه نية القربة بأحد الأوجه المتقدمة في غسل
الجنابة في الفقرة (53) كما أن نفس الحالات التي استعرضناها في الفقرة
(54) من غسل الجنابة تجري مع أحكامها في المرأة الحائض إذا اغتسلت

156
في المستحاضة واحكامها
دم الاستحاضة.
87 - الاستحاضة لغة من الحيض، وسبقت الإشارة إلى معناه، اما
فقهيا فهي على عكس الحيض. وقد عرفنا سابقا ان كل دم تراه المرأة
في غير حالة الولادة ولم يكن حيضا ولا دم جرح أو قرح أو بكارة فهو
دم استحاضة.
ودم الاستحاضة يخالف دم الحيض في الصفات غالبا لأنه في الأكثر
اصفر بارد رقيق يخرج بفتور بلا قوة ولذع ولكنه قد يكون أحيانا بصفات
الحيض تماما. ولا يشترط في دم الاستحاضة شئ من الشروط العامة
الأربعة لدم الحيض المتقدمة في الفقرة (56) فهو قد يعرض للأنثى قبل
سن التاسعة، وبعد سن الخمسين، وعقيب تمام الحيض بلا فاصل، أو قبل
ان يتخلل بين الحيضتين عشرة أيام من طهر. ولا حد لقليل دم الاستحاضة
فقد يمكث يوما أو بعض يوم، ولا لأكثره فقد يستمر شهورا أو سنين.
88 - ويعتبر دم الاستحاضة حدثا شرعا فإذا كانت المرأة على وضوء
- مثلا - وخرج منها دم الاستحاضة ولو بواسطة القطنة - بطل وضوءها
وعليها ان تتطهر على التفصيل التالي، وإذا لم يظهر دم الاستحاضة ويبرز
إلى الخارج فلا اثر له حتى ولو تحرك من مكانه إلى فضاء ذاك المكان
الخاص.

157
اقسام المستحاضة والصلاة.
89 - تنقسم المستحاضة بالنظر إلى قلة ما تراه من الدم وكثرته - إلى
ثلاثة اقسام: صغرى، ووسطى، وكبرى، ويقوم هذا التقسيم على أساس
ما يجب عليها من اختبار نفسها بقطنة تضعها في ذلك المكان، وتتركها بعض الوقت.
فان تلوثت القطنة بدم لا يسيل منها ولا يستوعبها فهي مستحاضة
صغرى، وحكمها ان تبدل القطنة أو تطهرها مع المكان - اي ظاهر
الفرج - وان تتوضأ لكل صلاة فرضا كانت أم ندبا، ولا يجب عليها
ان تجدد الوضوء لركعات الاحتياط والأجزاء المنسية من الصلاة، وبالأولى
لسجود السهو.
ولا يسوغ لها ان تصلي صلاتين بوضوء واحد.
وان غمر القنطة كلها أو جلها دون ان يسيل منها فهي وسطى
وحكمها ان تبدل القطنة أو تطهرها مع المكان والخرقة التي تشدها عادة
في هذه الحال وأمثالها من المناديل النسائية، وأيضا يجب عليها غسل واحد
كل يوم قبل صلاة الفجر والوضوء لصلاة الفجر والأحوط ان يكون قبل
الغسل - والوضوء لكل صلاة ولا تصلي صلاتين بوضوء واحد كما تقدم في الصغرى.
وان نفذ الدم من القطنة وسال إلى الخرقة أو الفخذين أو اي طرف
من بدنها أو ثوبها - فهي كبرى، وحكمها ان تبدل الخرقة والقطنة
أو تطهرهما وتطهر المكان، وان تغتسل ثلاثة أغسال: واحد لصلاة الفجر
وآخر تجمع به بين الظهرين (الظهر والعصر) وثالث تجمع به بين

158
العشائين (المغرب والعشاء) وغسل الاستحاضة الكبرى يغنيها عن الوضوء
90 - وفي سائر الأحوال يجب ان تعجل وتبادر إلى الصلاة بعد قيامها
وتأديتها لما وجب عليها من غسل ووضوء، ومع ذلك يسوغ لها ان تأتي
بالمستحبات قبل الصلاة، كالاذان والإقامة، وفي أثنائها أيضا كالقنوت.
فإذا تماهلت وتسامحت فلم تبادر إلى الصلاة على الوجه الذي قررناه
وجب عليها ان تعيد عملية الطهارة من جديد وتبادر إلى الصلاة عقيبها
ولا يكفيها ان تصلي بدون إعادة لعملية الطهارة.
91 - وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها ان تفعله من اجل الصلوات
اليومية جاز لها ان تصلي اي صلاة أخرى على أن تتوضأ لكل صلاة ولا
حاجة بها إلى إعادة الغسل حتى ولو كانت ذات استحاضة كبرى.
احكام عامة لدم الاستحاضة.
92 - إذا انقطع دم الاستحاضة وأصبحت المرأة نقية منه ونظيفة
ولكن كان ذلك قبل ان تؤدي وتقوم بعملية الطهارة الواجبة عليها من
غسل ووضوء فهل تستغني عن هذه العملية وماذا تصنع؟
الجواب: يجب عليها ان تقوم بعملية الطهارة التي كانت واجبة عليها
وتصلي، بل لو انقطع الدم أثناء عملية الطهارة أو أثناء الصلاة أو بعدها
وفي الوقت متسع للطهارة والصلاة - وجب عليها في كل هذه الحالات
والفروض ان تستأنف وتعيد الطهارة والصلاة.
93 - إذا سمحت الفرصة بجزء من وقت الصلاة يتسع لها وللطهارة
فعليها ان تتأخر وتنتظر إلى أن تحين الفرصة فتنتهزها على الفور، وإذا
تقدمت في صلاتها على الوقت المتاح بطلت حتى ولو كانت مع الغسل

159
والوضوء، وإذا أضاعت الفرصة وأخرت الصلاة عمدا فهي آثمة ولا بأس
عليها مع النسيان، ويجب عليها حينئذ ان تؤدي عملية الطهارة المقررة لها
وتصلي.
وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة فصلت وفقا لحالتها كمستحاضة
ثم انقطع الدم لا على وجه النقاء والخلاص من الاستحاضة الحالية بل انقطع
لأمد معين يتسع للطهارة والصلاة - وجب عليها ان تقوم من جديد بعملية
الطهارة التي كانت واجبة عليها وتصلي.
94 - المستحاضة بشتى أقسامها - إذا تركت سهوا أو عمدا عملية
الاختبار بالقطنة على الوجه المتقدم ثم أدت اية عبادة - فلا يجوز لها
الاكتفاء بما فعلت الا إذا علمت وأيقنت ان ما أدته وقامت به كان وافيا
بالمطلوب منها والواجب عليها شرعا.
95 - إذا انقطع دم الاستحاضة وانتهت المرأة منه وأدت عملية الطهارة
التي كانت واجبة عليها كمستحاضة فلها ان تبادر فورا إلى الصلاة ولها ان
تؤجلها إلى آخر الوقت وتعود إلى حكمها الاعتيادي في التطهير والصلاة
كما كانت قبل الاستحاضة.
96 - إذا تحولت الاستحاضة من قسم إلى قسم أشد منه لتزايد الدم
وجب عليها ان تؤدي منذ ذلك الحين عملية الطهارة وفقا لاستحاضتها
الحالية، ومثال ذلك: امرأة استحاضتها وسطى وقد اغتسلت قبل صلاة
الصبح ثم عند الغروب وجدت استحاضتها كبرى فيجب عليها ان تغتسل
لصلاتي المغرب والعشاء.
97 - وإذا تحولت الاستحاضة من قسم إلى قسم أدنى منه وجب عليها
ان تؤدي لأول مرة عملية الطهارة وفقا لحالتها السابقة ثم تعمل على أساس
استحاضتها الحالية، ومثال ذلك: مستحاضة باستحاضة كبرى وأثبت

160
الاختبار ان استحاضتها صارت صغرى عند الظهر مثلا فيجب عليها ان
تغتسل وتصلي الظهر والعصر، ولا حاجة بها بعد ذلك للغسل لصلاتي
المغرب والعشاء بل تكتفي بالوضوء لكل صلاة.
98 - يسوغ للمرأة المستحاضة بشتى أقسامها - ان تدخل المساجد
وتمكث فيها، وتقرأ سور العزائم وآيات السجدة منها، سواء أدت ما يجب
عليها من عملية الطهارة لصلواتها اليومية أم لا.
وطلاق المستحاضة حتى الكبرى جائز وصحيح على العكس من
الحائض، ولا يسوغ للمرأة المستحاضة بشئ أقسامها أن تمس كتابة المصحف
الشريف بدون ان تؤدي عملية الطهارة المناسبة لها، وإذا أدت عملية الطهارة
المناسبة لها على وجه يسوغ لها فعلا ان تصلي بتلك الطهارة جاز لها ان
تمس الكتابة.
احكام للوسطى والكبرى.
99 - إذا أصبحت المرأة مستحاضة بالاستحاضة الوسطى قبل الفجر
أو بعد الفجر ولم تغتسل لصلاة الصبح بان كانت نائمة مثلا - وجب عليها
ان تغتسل لصلاة الظهرين وهكذا.
وإذا أصبحت المرأة مستحاضة بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح
وجب عليها ان تغتسل عندما تريد ان تصلي الظهر والعصر ولا تعيد الغسل
لصلاتي المغرب والعشاء. وإذا أصبحت المرأة مستحاضة كذلك بعد صلاتي
الظهر والعصر وجب عليها ان تغتسل عندما تريد ان تصلي المغرب والعشاء.
وإذا استمرت الاستحاضة الوسطى إلى اليوم الثاني وجب الغسل قبل
صلاة الصبح من اليوم الثاني، سواء كانت في اليوم الأول قد اغتسلت

161
صباحا أو ظهرا أو مغربا.
100 - يجب على المستحاضة حين الصلاة ان تتحفظ بخرقة وتحوها
وتحرص كل الحرص على حبس الدم وعدم تجاوزه إلى الخارج إن أمكن
بلا ضرر، وإذا اهملت تهاونا وتجاوز الدم حين الصلاة فعليها ان تعيدها
مع الحرص المطلوب ولا يجب تجديد الغسل.
101 - إذا اغتسلت المستحاضة الكبرى لصلاة الظهرين، ولكنها
فرقت ولم تجمع بينهما لعذر أو غير عذر - فعليها ان تغتسل مرة ثانية
لصلاة العصر، وكذلك الحكم في العشائين - صلاة المغرب وصلاة العشاء -
102 - إذا فعلت المستحاضة الكبرى أو الوسطى ما يجب عليها من
غسل جاز لزوجها ان يقاربها ولا يقاربها بدون ذلك.
واما المستحاضة الصغرى فيجوز لزوجها مقاربتها على كل حال.
103 - يصح الصوم من المستحاضة الصغرى والوسطى سواء تطهرت
بوضوء أو بغسل أم لا. واما المستحاضة بالاستحاضة الكبرى فلا يصح
الصوم منها ما لم تكن مؤدية في النهار الذي تصوم فيه لغسل صلاة الصبح
وغسل الظهر والعصر، بل لكي تكون على يقين من صحة صومها يجب
ان تكون قد اغتسلت للمغرب والعشاء من الليلة التي تريد ان تصوم في
نهارها فلا يقين بصحة صوم السبت مثلا الا إذا اغتسلت لصلاتي المغرب
والعشاء من ليلة السبت واغتسلت لصلاة الصبح من نهار السبت واغتسلت
لصلاتي الظهر والعصر منه. واما كيفية غسل المستحاضة الوسطى وغسل
المستحاضة الكبرى فقد تقدمت في الاحكام العامة للغسل.

162
في النفاس واحكامه
104 - النفاس بكسر النون، وهو لغة: ولادة المرأة، فمتى ولدت
قيل: هي نفساء، ووليدها منفوس، ودم النفاس في عرف الفقهاء هو
الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة فان ولدت ولم تر الدم اطلاقا،
أو رأته بسبب مرض، أو بسبب غير الولادة فلا نفاس حتى ولو خرج
من الرحم بالذات.
والنفساء لها احكام تشابه احكام الحائض وتترك العبادات وعليها غسل
عند نقائها يسمى بغسل النفاس وسيأتي التفصيل.
105 - يتحقق النفاس بالسقط تماما كما يتحقق بالولادة، فإذا أسقطت
المرأة حملها، ورأت الدم بسببه جرت عليه احكام دم النفاس.
106 - لا حد لأقل النفاس. فيتحقق بالقطرة، وإذا مضت عشرة
أيام من تاريخ الولادة ولم تر فيهن دما فلا نفاس حتى ولو رأت بعد
العشرة دما كثيرا وغزيرا.
اما أكثر النفاس فعشرة أيام ابتداء من رؤية الدم لا من تاريخ
الولادة، وعلى هذا فإذا لم تر الدم - مثلا - الا في اليوم السابع من
ولادتها كان هذا اليوم السابع هو اليوم الأول من الأيام العشرة التي هي
الحد الأقصى للنفاس، وتكون نهايتها بنهاية اليوم السابع عشر من تاريخ
الولادة. 107 - إذا رأت الدم بعد الولادة بلا فاصل، ثم انقطع يوما أو
أكثر، وقبل انتهاء اليوم العاشر رأت دما - كان الدمان وما بينهما نفاسا
واحدا.

163
108 - إذا ولدت توأمين، وبين الولادتين فاصل قصير أو طويل
وكانت قد رأت الدم عند ولادة الأول، ثم انقطع، ورأته بعد ذلك عند
ولادة الثاني - فهل الزمن المتخلل بين الدمين يعد طهرا أم نفاسا؟.
الجواب، يعد هذا الزمن طهرا لا نفاسا حتى ولو كان بمقدار لحظة
ويكون للمرأة عندئذ نفاسان، لكل ولد نفاس مستقل عن الآخر.
109 - الدم الذي تراه المرأة حين الطلق وقبل الولادة - ليس
بنفاس سواء اتصل بدم الولادة، أم انفصل عنه، وأيضا ما هو بحيض
الا مع العلم بأنه حيض وانما هو استحاضة واما ما تراه الحامل من دم قبل
الطلق فيطبق عليه حكم دم الحامل المتقدم في احكام الحيض في الفقرة (69)
من هذا الفصل.
110 - وتجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط ان يفصل بين دم الحيض
الذي تراه المرأة قبل الولادة ودم النفاس عشرة أيام لأن هذه العشرة
شرط للطهر بين حيضتين لا بين حيض ونفاس.
111 - متى انقطع الدم عن النفساء ونقت اغتسلت وانتهى بذلك
نفاسها حتى ولو كان انقطاعه بعد فترة قصيرة من وقت الولادة كيوم أو
أقل من ذلك لما تقدم في الفقرة (106) من أنه لا حد لأقل النفاس.
112 - النفساء إذا كانت ذات عادة عددية أقل من عشرة أيام
واستمر بها دم النفاس وتجاوز عن عدد أيام عادتها فان كانت على يقين
بأنه سيستمر حتى يتجاوز عشرة أيام من ابتداء رؤية الدم أنهت نفاسها
واغتسلت وجعلت نفسها مستحاضة، وإذا كانت تأمل انقطاع الدم قبل
تجاوز العشرة أضافت إلى نفاسها يومين أو أكثر على أن لا يزيد المجموع
على عشرة واعتبرت نفسها بعد ذلك مستحاضة.
113 - النفساء إذا لم تكن ذات عادة عددية واستمر بها الدم

164
واصلت نفاسها واستمرت في ترك العبادة ما لم يتجاوز عشرة أيام، فإذا
انقطع دون ان يتجاوز العشرة كان ذلك نفاسها، ومثلها أيضا ذات العادة
العددية إذا كان عدد عادتها عشرة أيام.
114 - إذا استمر الدم بالنفساء وتجاوز عشرة أيام فان كانت ذات
عددية جعلت أيام عادتها نفاسا والباقي استحاضة وهذا يعني ان تقضي
ما تركته بعد أيام عادتها من عبادة، وإذا لم تكن ذات عادة عددية
جعلت الأيام العشرة كلها نفاسا وما بعدها استحاضة.
115 - إذا كانت النفساء ذات عادة عددية ولكنها نسيتها ولم تتذكرها
فماذا تصنع قبل ان يتجاوز دمها عشرة أيام وماذا تصنع إذا تجاوز؟ والجواب:
انها تفترض أكبر الاحتمالات في عادتها فإذا كانت لا تدري هل انها خمسة
أو ستة اعتبرتها ستة وطبقت على نفسها حكم ذات العادة العددية التي كانت
عادتها ستة أيام على النحو المتقدم في الفقرة (112) و (114).
116 - النفساء كالحائض يجب عليها كلما احتملت انقطاع دم النفاس
ان تختبر حالها وتفحص بقطنة كما تقدم في احكام الحيض.
117 - إذا استمر الدم بالنفساء وتجاوز العشرة وبقي مستمرا مدة
طويلة واخذت تعمل عمل المستحاضة فكيف تستطيع ان تعرف ان عادتها
الشهرية قد جاءتها بعد نفاسها ومتى تجعل الدم حيضا؟ والجواب: ان
هذه المرأة إذا كانت ذات عادة وقتية تظل على الاستحاضة الا في حالتين:
الأولى: ان ترى الدم في أيام عادتها فتعتبره حيضا ولو لم يكن
بصفة الحيض.
الثانية: ان تراه بصفة الحيض في غير أيام العادة متميزا بلونه
وشدته عما سبقه من دم فتجمع بين تروك الحائض وواجبات المستحاضة.
وإذا لم تكن ذات عادة وقتية فان تميز بعض الدم بصفة الحيض.

165
وكان واجدا لشروطه العامة اعتبرته حيضا وان كان كله فاقدا لصفة الحيض
ظلت على استحاضتها وان كان كله واجدا لصفة الحيض أصبح حكمها
حكم المضطربة وقد تقدم في احكام الحيض.
118 - حكم النفساء والحائض واحد من تحريم مس كتابة المصحف
وقراءة آية السجدة من العزائم، والمكوث في المسجد، والوطء، وعدم
صحة الطلاق وكما لا تكلف الحائض بالصلاة والصيام ولا يصحان منها
كذلك النفساء تماما تترك الصلاة والصيام ما دامت في نفاسها وتقضي بعد
ذلك الصيام دون الصلاة ويباح للنفساء ما يباح للحائض.
وصورة الغسل من النفاس تماما كصورة الغسل من الحيض والاستحاضة
والجنابة. وقد تقدمت كيفية الغسل على العموم في الاحكام العامة للغسل.

166
في احكام الأموات
إذا مات المسلم توجهت على الاحياء واجبات على سبيل الكفاية،
متى قام بها البعض سقطت عن الكل، وإذا تركوا جميعا كانوا مسؤولين
ومحاسبين والتفصيل فيما يلي:
الاحتظار.
119 - الاحتظار يكون عند حضور الاجل وزهق الأرواح أعاننا الله
عليه (ويجب ان يلقى المحتضر على ظهره حين النزع وباطن قدميه إلى القبلة
بحيث لو جلس لاستقبل القبلة بوجهه ومقاديم بدنه.
ويستحب التعجيل بتجهيزه حين يموت وإذا شك في موته فيجب
الانتظار حتى يعلم موته.
وذكر العلماء رضوان الله عليهم انه يستحب نقله إلى مصلاه ان
اشتد عليه النزع ويستحب تلقينه الشهادتين والاقرار بالنبي والأئمة عليهم السلام
وإذا مات فيستحب ان تغمض عيناه ويطبق فمه وتمد ساقاه وتمد يداه إلى
جانبيه ويغطى بثوب ويقرأ عنده القرآن كما يستحب اعلام المؤمنين بموته
ليحضروا جنازته.
وجوب الغسل
120 - يجب تغسيل الميت قبل ان يدفن، وإذا دفن بلا غسل لأي
سبب كان - عمدا أو خطأ - ولا مضرة على بدنه من نبش قبره ولا هتك
لستره وكرامته ولا شقاق وقتال بين أهله - وجب نبشه واخراجه من القبر
وتغسيله إن أمكن والا يمم على التفصيل الآتي.
121 - ومن مات - أو ماتت - وعليه الغسل من الجنابة أو الحيض
- لو كانت امرأة - غسل غسل الأموات وكفى ولا يجب ان يغسل
غسلا آخر.

167
من يجب تغسيله.
يجب تغسيل الميت إذا توافرت فيه الأمور التالية:
122 - الأول: ان يكون مسلما، وأطفال المسلمين ومجانينهم بحكمهم
حتى السقط إذا تمت له ستة أشهر يجب تغسيله كالكبير بل لا يترك الاهتمام
والاحتياط بتغسيله قبل ذلك أيضا إذا تمت له أربعة أشهر. ولا فرق في
الميت المسلم بين الشيعي والسني فالشرط هو اسلام الميت مهما كان نوع
مذهبه، واما الكافر فلا يجب تغسيله.
وإذا علمنا أن أحد هذين الميتين مسلم والآخر غير مسلم وتعذر التمييز
والتعيين وجب غسل كل منهما وتكفينه ودفنه.
123 - الثاني: ان لا يكون الميت شهيدا فالشهيد لا يجب تغسيله بل
يدفن بعد الصلاة عليه في دمائه وثيابه بلا تغسيل ولا تحنيط ولا تكفين.
والمراد بالشهيد من توافر فيه أمران: أحدهما ان يستشهد لاشتراكه
في معركة سائغة مشروعة من اجل الاسلام. والاخر ان لا يدركه المسلمون
وبه رمق من الحياة فإذا أدركوه وبه رمق من الحياة ثم مات وجب الغسل
وكل من توافر فيه هذان الأمران فهو شهيد سواء أدركه المسلمون على
ارض المعركة أو خارجها.
ولقد أطلق الشارع الأقدس كلمة شهيد على النفساء والمهدوم عليه
والغريق وعلى من مات دفاعا عن ماله وأهله وغير هؤلاء، والمراد
مساواتهم أو مشابهتهم للشهداء في الأجر والثواب لا في عدم الغسل والتكفين.
124 - الثالث: ان لا يكون قد مات قتيلا بقصاص أو رجم، فلا
يغسل من قتل - بحق - قصاصا لأنه ارتكب جناية القتل عمدا، ولا من
رجم - بحق - أيضا بالحجارة حتى الموت لأنه اقترف فاحشة الزنا، لا
يغسل هذا المرجوم ولا ذاك المقتول بل يؤمر كل منهما بان يغتسل تماما

168
كغسل الأموات بالكامل ثم يحنط ويكفن كأنه ميت وبعد ذلك كله يقدم
للقتل أو للرجم ويصلى عليه بعد موته ويدفن في مقابر المسلمين. وهكذا
نعرف ان كل ميت مسلم وليس بشهيد ولا قتيل قصاصا أو رجما - يجب تغسيله.
على من يجب التغسيل.
125 - يجب تغسيل الميت على كل بالغ عاقل قادر على أداء هذا
الواجب. والوجوب هنا كفائي بمعنى ان الواجب يؤدى ويحصل بقيام بعض
الافراد به ويسقط عندئذ عن الآخرين، وإذا لم يؤد الواجب من قبل أحد
كانوا جميعا آثمين.
كيفية الغسل والتيمم البديل.
126 - يغسل الميت ثلاث مرات، الأولى: بالماء مع قليل من السدر
والثانية، بالماء مع قليل من الكافور. والثالثة: بالماء الخالص دون ان
يضاف إليه شئ.
ومن مات وهو محرم ولم يكن قد حل له الطيب فلا يسوغ ان يوضع
شئ من الكافور بماء غسله ولا يحنط به - يأتي الكلام عن التحنيط بعد
قليل - وأيضا يحرم تطيبه أو تطييب كفنه بكل ذي رائحة عطرة.
127 - وكما يجب الترتيب بين هذه الأغسال الثلاثة كذلك يجب بين
الأعضاء الثلاثة، فيبدأ الغاسل بالرأس مع الرقبة، ويثني بالجانب الأيمن،
ويثلث بالجانب الأيسر. ولا بد من نية القربة في كل غسل من الأغسال
الثلاثة. ولو تعاون اثنان أو أكثر على الغسل ومقدماته فالمعتبر نية من
باشر الغسل بالذات واستند إليه العمل بحيث يعد عرفا هو الغاسل واحدا
كان أو أكثر. واخذ الشخص الذي يغسل الميت للمال لا يتعارض مع نية
القربة إذا كان ثمنا لماء الغسل، تماما كما يسوغ ثمن الكفن والسدر

169
والكافور وكل ما لا يجب بذله مجانا.
ويجب ان لا يكثر السدر والكافور في الماء خشية ان يصير الماء
مضافا، وان لا يقلا خشية ان لا يصدق الوضع والخلط.
128 - ويسوغ غسل الميت بمجرد خروج الروح من جسده وقبل
برده، ويجوز تغسيله من وراء الثوب، ولا يجوز للمغسل ان ينظر إلى
عورة الميت أو يلامسها بيده حين التغسيل.
129 - وإذا تعذر السدر والكافور وجب - بدلا عن الغسل الأول -
الغسل بالماء الخالص مع نية البدل عن السدر، والتيمم أيضا مع نية البدل هذه
ووجب - بدلا عن الغسل الثاني - الغسل بالماء الخالص مع نية البدل عن
الكافور، والتيمم أيضا مع نية البدل هذه، وبعد ذلك يجب الغسل
بالماء الخالص.
130 - إذا تعذر غسل الميت لسبب من الأسباب وجب تيممه ثلاث
مرات بنية أداء ما هو الواجب واقعا عليه، وحين ييمم الميت ييمه الحي
بيده - اي بيد الحي نفسه - وييمه أيضا بيد الميت اي يستعمل الأسلوبين
معا ان أمكن ولا يسوغ تيمم الميت الا مع الياس من الغسل والعجز عنه،
ومع وجود الامل بارتفاع العذر يجب الصبر والانتظار حتى يحصل الياس
أو الخوف على الجثمان من النتن وغيره من الضرر.
131 - وإذا أمكن الغسل بعد التيمم وقبل الدفن بطل التيمم ووجب
الغسل، وإذا أمكن الغسل بعد الدفن حرم نبش القبر واخراج الميت لأجل
الغسل إذا أدى ذلك إلى مضرة تلحق بالميت ومثله تماما إذا غسل بلا سدر
ولا كافور. وأما إذا لم يكن في النبش مضرة وهدر لكرامة الميت وجب
اخراج الميت واجراء الغسل الواجب عليه

170
شروط الغسل.
132 - لا بد في غسل الميت من اطلاق الماء وطهارته وطهارة السدر
والكافور وإباحة الجميع مع عدم الحاجب على بدن الميت.
133 - ويجب عند تغسيل اي موضع من بدن الميت ان تزال عنه
النجاسة. وإذا أصابت النجاسة موضعا من جسد الميت قد غسل أو بعد
الفراغ من الغسل فلا تجب إعادة الغسل وانما يجب تطهير ذلك الموضع
ما دام لم يدفن الميت تحت الثرى. وإذا خرج من الميت بول أو مني فلا
يعاد غسله حتى ولو حدث ذلك قبل ان يحمل إلى حفرته ويكتفي بتطهير المحل.
شروط الغسل.
وهي أمور: 134 - الأول: البلوغ، فلا يجزي غسل الميت من الصبي حتى
ولو غسله على أكمل وجه بمعنى ان البالغين لا يمكنهم الاكتفاء بذلك.
135 - الثاني: العقل. فلا يجزي الغسل من المجنون.
136 - الثالث: الاسلام، فلا يجزي الغسل من الكافر، وإذا
كان الميت مؤمنا بالإمامة غسله المؤمنون بها. ويجزى غسل المؤمن للميت
المسلم سواء كان مؤمنا أو لا، كما يجزي غسل المسلم غير المؤمن للميت الذي
يشابهه في الاسلام وعدم الايمان فيكتفي المسلم المؤمن بذلك التغسيل ولو كان
مخالفا للكيفية الصحيحة في اعتقاده.
137 - الرابع: المماثلة بين الميت والغاسل، فالذكر يغسله ذكر

171
والأنثى تغسلها مثلها ما عدا الزوج والزوجة فان لكل منهما ان يغسل الآخر.
وأيضا يسوغ لكل من الذكر والأنثى ان يغسل الطفل غير المميز حتى
ولو تجاوز عمره ثلاث سنين صبيا كان أم صبية، ونريد بغير المميز هنا
من لم يبلغ السن التي يحتشم فيها.
وأيضا للمحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة ان يغسل بعضهم بعضا
دون النظر إلى العورة إذا لم يوجد مماثل مسلم مؤمن، والمراد بالمحارم هنا
من يحرم التزاوج فيما بين بعضهم البعض تحريما مؤبدا على أساس نسب أو
رضاع أو مصاهرة كالآباء والبنات والاخوة والأخوات.
وإذا لم يتوفر مماثل للميت من المسلمين المؤمنين ولا أحد محارمه فماذا
يصنع به؟
الجواب: يغسله مسلم مماثل ولو كان مختلفا معه في الايمان. وإذا
لم يتوفر مماثل للميت من المسلمين بحال ولا أحد محارمه فماذا يصنع به؟
الجواب: يغسله الكافر الكتابي ان وجد فيرغب إليه المسلم المؤمن
ان يتطهر بالماء ويغتسل ثم يمارس عملية الغسل حسب ارشاد المؤمن الشيعي العارف.
وإذا لم يتوفر مماثل لا من المسلمين ولا من غيرهم ولا أحد المحارم
فهل يغسل الميت غير المماثل؟
الجواب: في هذه الحالة يسقط وجوب الغسل، ولكن يستحب ان
يغسله مؤمن شيعي غير مماثل من وراء ساتر دون ان ينظر أو يلمس - ولو
بلبس قفاز - شيئا من الجسد، ثم ينشف جسم الميت بعد غسله وقبل دفنه
أيضا بلا لمس ونظر.
وإذا اشتبه لميت بين الذكر والأنثى غسل مرتين مرة بيد الذكر
وأخرى بيد الأنثى، الا إذا كان دون سن البلوغ والتمييز فيغسل مرة
واحدة بيد ذكر أو أنثى.

172
138 - الخامس: ان يكون الغاسل وليا للميت أو مأذونا من قبل
الولي، وهذا يعني انه إذا كان الغاسل وليا للميت صح الغسل منه ولا
يحتاج إلى اذن وترخيص من غيره لأنه الأصيل، وان كان الغاسل غير ولي
للميت وجب عندئذ الاستئذان منه كشرط لصحة الغسل.
والولي هنا الزوج - فيما يعود إلى موت الزوجة - فإنه يقدم حتى على
الآباء والأبناء، ومن بعده الفئة الأولى رتبة في الميراث، ومن بعدها
الثانية ثم الثالثة على التفصيل الموجود في احكام الإرث. والبالغون في كل
فئة مقدمون على غيرهم.
وإذا كانت الفئة تشتمل على ذكور وإناث فلا يوجد ما يبرر الجزم
بتقديم الذكور على الإناث في هذا الحق.
وإذا امتنع الولي أن يباشر بنفسه وان يأذن به إلى غيره سقط اعتبار
اذنه، وصح تغسيل الميت من غير اذن، وكذلك أيضا إذا تعذر الاستئذان
منه كما إذا كان غائبا ولا يتاح الاتصال به فلا ينتظر عندئذ إذنه.
139 - إذا أوصى الميت ان يتولى ويباشر شخص معين غسله بنفسه،
أو يباشر تجهيزه بالكامل الغسل وغير الغسل فهل يجب على هذا الشخص
ان يلبي وينفذ؟ وإذا لبى ونفذ فهل عليه ان يستأذن من الولي أيضا؟
الجواب: كلا بل له ان يرفض، وإذا قبل واستجاب باشر ونفذ
بلا استئذان من الولي، ولا يجوز في هذه الحالة ان يزاحمه الولي في تنفيذ
الوصية. وإذا أوصى الميت ان يكون التجهيز بنظر شخص معين وليس
بمباشرته وممارسته - جاز لهذا الشخص ان يرفض ما دام الموصي حيا
وبامكانه ان يعهد إلى غيره ولا رد بعد الموت، وإذا تقبل هذه المهمة لم
يكن عليه ان يستأذن من الولي بل لا يسمح للولي أو غيره في مباشرة
التجهيز بدون اذن الوصي، وهذا يعني ان وصي الميت مقدم على الولي

173
في هذه الناحية. الحنوط.
140 - جاء في كتب اللغة: حنط الميت إذا عالج جثته وحشاها
بالحنوط كيلا يدركها فساد، والتحنيط عند الفقهاء مسح الكافور براحة
الكف على الأعضاء السبعة من الميت التي يسجد عليها المصلي، وهي
الجبهة، والكفان، والركبتان، وإبهاما الرجلين. ويكره ان يوضع شئ
منه في عين الميت أو أنفه أو اذنه أو على وجهه.
وتجب عملية التحنيط لكل ميت يجب تغسيله باستثناء المحرم إذا مات
فإنه لا يحنط على ما تقدم في الفقرة (126) وموضع التحنيط بعد الغسل
(وإذا كان الميت ممن ييمم بدلا عن الغسل فالتحنيط بعد التيمم) وقبل
التكفين أو في أثنائه.
ولا بد ان يكون الكافور طاهرا ومباحا ودقيقا لا خشنا وذا رائحة.
ولا تجب النية في التحنيط، ويجزي صدوره من كل بالغ عاقل مهما
كان نوع دينه أو مذهبه، بل يجزي صدوره من غير البالغ العاقل أيضا
إذا أحسن العمل وأتقنه.
الكفن.
141 - بعد أن يغسل الميت المسلم ويحنط على الوجه المتقدم، يجب
تكفينه كفاية على كل مكلف بثلاث قطع ذكرا كان أم أنثى أم خنثى،
عاقلا أم غير عاقل، كبيرا أم صغيرا حتى السقط إذا تم له أربعة أشهر

174
والا يلف كيف اتفق ويدفن.
والقطعة الأولى من الثلاث تسمى (المئزر) يلف الميت من السرة
إلى الركبة، والثانية (القميص) من أعلى الكتفين إلى نصف الساق،
والثالثة (الأزار) يغطي البدن بالكامل من أعلى الرأس حتى نهاية القدم.
والشرط في كل قطعة ان لا تحكي ما تحتها.
142 - التكفين كالتغسيل من حيث وجوب الاذن والرخصة من
الولي، اما نية القربة فهي شرط في التغسيل لا في التكفين.
ويجزي التكفين من اي شخص صدر سواء كان صغيرا أم كبيرا،
إذا أحسن العمل وأتقنه.
إذا تعذر وجود القطع الثلاث أجزأ ما أمكن منها ولو ثوبا واحدا
يستر كل البدن، وإذا تعذر الساتر الغامر لكل البدن فما يستر الأكثر، وإذا
لم يتيسر الا ما يستر العورة تعين استعماله.
شروط الكفن
143 - يشترط في كل جزء مق الكفن - للذكر كان أم للأنثى - ان
يكون طاهرا حتى من النجاسة المعفو عنها في الصلاة - يأتي الكلام عنها
مفصلا في فصول الصلاة - وأن يكون مباحا لا حريرا ولا ذهبا ولا من
حيوان غير مأكول، جلدا كان أو شعرا أو برا، ولا من جلد حيوان
مأكول ولا بأس بشعره ووبره.
ولكن هذه الشروط تسقط بالكامل هي وحدها عند العجز عنها،
اما التكفين فلا يسقط بحال الا مع العجز عنه بالذات، كما سبقت الإشارة
وعلى هذا فإذا تعين وانحصر الكفن بالنجس أو بالحرير أو أي شئ ممنوع

175
عند الاختيار - كفن به الميت، أجل لا يجوز التكفين بالمغصوب اطلاقا
لان وجوده وعدمه بمنزلة سواء.
وإذا وجد في هذه الحال كفنان أحدهما حرير والآخر نجس أو
أحدهما من جلد المذكى المأكول والآخر من شعر ووبر غير ذلك، فهل
نتخير كما نشاء أو يجب التقديم والتأخير؟
الجواب: ان وجد ثوب نجس من غير الحرير بل من القطن مثلا،
وثوب طاهر ولكنه من الحرير - كفن الميت بهما معا الا ان يكون الحرير
نجسا أيضا فيترك عندئذ ويكتفي بالنجس غير الحرير.
وان كان أحدهما نجسا - حريرا كان أم غير حرير - والآخر طاهرا
وليس بحرير ولا بنجس كجلد مذكى قدم هذا الجلد المذكى على النجس،
وان كان أحدهما حريرا طاهرا والآخر ليس بحرير ولا نجس كجلد المذكى
قدم جلد المذكى على الحرير. وان كان كل منهما طاهرا ومن غير الحرير
كجلد المذكى المأكول وشعره ووبر غير المأكول من حيوان طاهر - فالحكم
التخيير بينهما.
ولا بأس بالكفن منسوجا من الحرير وغيره إذا كان غير الحرير هو
الأغلب والأكثر من الحرير، فيسوغ مع توفر هذا الشرط ان يكفن بهذا
النسيج الرجل والمرأة حتى مع التمكن والقدرة على غيره.
إذا أصابت النجاسة كفن الميت وجبت ازالتها وتطهير المحل، حتى
ولو بعد أن يوسد الميت في قبره، اما طريقة تطهير الكفن وهل تكون
بالغسل ان أمكن، أو بقص مكان النجاسة ان لم يمكن مع الحرص على
بقاء صفة الكفن المطلوبة شرعا، أو تبديله من الأساس، اما طريقة التطهير
بذلك أو بغير ذلك فتتبع اختيار المكلف مع مراعاة احترام الميت وصيانته
من الهتك ونحوه.

176
إذا كفن الميت وشك بعد الفراغ من التكفين في أن هذا التكفين
هل جرى وفقا لما يجب أولا؟ بنى على الصحة
الصلاة
144 - بعد غسل الميت وتحنيطه وتكفينه، تجب الصلاة عليه وجوبا
كفائيا ان كان من المسلمين وأهل القبلة شيعيا كان أم سنيا، تقيا حتى
الشهيد أم شقيا حتى المنتحر، ذكرا كان أم أنثى، عاقلا أم مجنونا،
كبيرا أم صغيرا بلغ سن السادسة، أو كان قد تعلم وتفهم معنى الصلاة
قبل هذه السن.
والصلاة على الميت عبادة لا تصح بدون نية القربة، ويعتبر في المصلي
كل الشروط التي تقدم في الفقرة (136 وما بعدها) انها معتبرة في المغسل
سوى المماثلة في الذكورة والأنوثة فإنها شرط في المغسل وليست شرطا
في المصلي.
شروط الصلاة.
145 - اما شروط الصلاة على الميت فهي: ان توجد جثته وتحضر
بالفعل حيث لا صلاة على غائب، وان يوضع مستلقيا على ظهره مستور
العورة بأكفانه أو بشئ آخر ان تعذر الكفن وان يستقبل المصلى القبلة،
ويقف خلف الجنازة محاذيا لها غير بعيد عنها، ورأس الميت إلى جهة يمين
المصلي مع عدم الحائل بين المصلي والميت، وأن تكون الصلاة من قيام
لا من قعود الا لمبرر شرعي.

177
وليست الطهارة شرطا في صحة الصلاة على الميت فتصح ممن لم يكن
على وضوء ومن الجنب وممن كان بدنه أو ثوبه نجسا، كما أن إباحة اللباس
ليست شرطا فيها ولا إباحة المكان.
كيفية الصلاة.
146 - ومتى تم ما استعرضناه من شروط نوى المصلي انه يصلي على
الميت قربة إلى الله تعالى، وكبر خمسا بعدد الفرائض اليومية، ويأتي بعد
التكبيرة الأولى بالشهادة لله بالوحدانية ولمحمد (ص) بالرسالة، وبعد
الثانية يصلي على النبي المختار وآله، وبعد الثالثة يدعو للمؤمنين والمؤمنات،
وبعد الرابعة يدعو للميت، ثم يختم بالخامسة.
ولا بد من التتابع وعدم الفاصل بين التكبيرات الخمس وما يتبعها من
شهادة وصلاة على النبي وأدعية، لابد من هذا التتابع لحفظ هيئة الصلاة
وصورتها، ومن اجل ذلك أيضا يترك الكلام الخارج منها وفعل اي شئ
تنمحي معه صورتها وتذهب بهيبة الدعاء والتضرع لله.
147 - إذا كان الميت من ذوي الكرامة والمنزلة العليا في الدين ساغ
تكرار الصلاة عليه، اما على غيره فيجوز تكرارها بأمل ان يكون ذلك
مطلوبا شرعا.
148 - إذا اجتمع أكثر من جنازة في آن واحد، فهل يسوغ الجمع
بينها بالكامل في صلاة واحدة؟.

178
الجواب: يسوغ ذلك، وتكفي صلاة واحدة للجميع، فتوضع
كل جنازة إلى جانب الأخرى هكذا (ااا) أو يوضع الرأس عند ألية
الآخر هكذا (ااا) تماما على هندسة الدرج، ويقف المصلي في الوسط،
ويدعو بضمير التثنية للجنازتين، وبضمير الجمع للجنائز.
149 - وتجوز هذه الصلاة جماعة وفرادي ولكن المأموم يقرأ ويؤدي
التكبيرات الخمس بكيفيتها المتقدمة، ولا يجتزئ بقراءة الامام، ولا تعتبر
العدالة في الامام.
وإذا حضر شخص في أثناء صلاة الجماعة صلى على الميت كما لو كان
منفردا، يتشهد بعد الأولى، ويصلي على النبي وآله بعد الثانية الخ وإذا
فرغ الامام قبله من صلاته اتى المأموم المذكور بما بقي من التكبيرات مع
الدعاء أو بلا دعاء بأمل ان يصادف فعله الرجحان.
150 - إذا حدث الشك والتردد في أداء الصلاة على الميت والآتيان
بها - وجب فعلها على الوجه المطلوب، وإذا حدث الشك في صحتها بعد
الفراغ منها فلا تجب الإعادة، وإذا علم بأنها وقعت باطلة وجب استئنافها
من جديد.
151 - وإذا دفن الميت بلا صلاة، أو بصلاة باطلة - لسبب أو
لاخر - صلي على قبره ما لم يكن جسده قد تبدد واضمحل.
صورة من الصلاة الميت.
152 - فيما يلي ذكر صورة من الصلاة على الميت يتيسر حفظها
لمن أراد.
1 - الله أكبر.

179
(اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له) الها واحدا أحدا فردا
صمدا حيا قيوما دائما ابدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (واشهد ان محمدا
عبده ورسوله) جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون.
2 - الله أكبر.
(اللهم صلى على محمد وآل محمد) وبارك على محمد وآل محمد وترحم
على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم
انك حميد مجيد.
3 - الله أكبر.
(اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم
والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات انك على كل شئ قدير.
4 - الله أكبر.
(اللهم اغفر لهذا الميت) اللهم ان هذا المسجى قدامنا عبدك وابن
أمتك وقد نزل بك وأنت خير منزول به وقد احتاج إلى رحمتك وأنت
الغني عن عقابه اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا فان كان
محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه واحشره مع خيرة عبادك
الصالحين وحسن أولئك رفيقا.
5 - الله أكبر.
ثم تنصرف.
والجملة المقوسة بعد كل تكبيرة تكفي ويمكن للمصلي الاجتزاء بها
وترك باقي الدعاء.

180
الدفن
153 - يجب دفن كل ميت مسلم ذكرا كان أم أنثى وجوبا كفائيا
بالمعنى المتقدم في الغسل، وكذلك يجب دفن أطفالهم ودفن السقط منهم
أيضا حتى السقط الذي لم يبلغ أربعة أشهر من أشهر الحمل فإنه يلف بخرقة
ويدفن، وإذا انفصل من الانسان بعد موته وقبل دفنه شئ كالظفر أو
السن والشعر فالأحسن ان يدفن معه.
كيفيته: بعد تغسيل الميت وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه يدفن
وذلك بمواراته في حفرة من الأرض تمنع عنه الطيور والوحوش وتكف
رائحته وضرره عن الناس، ويجب ان يلقى في حفرته على جانبه الأيمن
موجها وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة فيكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى
المشرق، ومع الجهل بالقبلة والعجز عن معرفتها فأي جهة يظن بأنها هي
يوجه الميت إليها، وإذا تعذر العلم والظن معا فإلى اي جهة يوجه فهي
كافية ومجزية.
ومن ركب البحر ومات ولا سبيل إلى تأخير جثمانه لمكان الضرر،
ولا إلى دفنه في الأرض لبعد المسافة - وضع في وعاء صلب يتسع لجثمانه
واحكم من كل جهاته وسدت جميع ثغراته وألقي في البحر، هذا بعد غسله
وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه.
مكان الدفن.
154 - الدفن يجب ان يكون في الأرض كما عرفنا فلا تجزى مواراته
في صندوق ونحوه حتى ولو جعل الصندوق في بطن الأرض. كما
لا يتحقق الدفن المطلوب شرعا بوضع الميت في موضع والبناء عليه فان هذا

181
لا يجوز حتى ولو كان الدافع إليه دافعا مؤقتا لانتظار فرصة لنقله إلى المشاهد
المشرفة، فان في ذلك تأجيلا للدفن الواجب شرعا فلا مناص اذن عن
مواراة الميت في الأرض.
ويجب ان يلاحظ في الأرض التي يدفن فيها الميت ما يلي.
أولا: يجب ان يكون المكان مباحا شرعا فلا يسوغ الدفن في ارض
يملكها الغير بدون اذنه، ولا في ارض موقوفة لغير الدفن.
ثانيا: لا يسوغ دفن الميت المسلم في مكان مرذول كمحل القذارة والقمامة.
ثالثا: لا يسوغ دفن المسلم في مقابر الكفار، كما لا يسوغ لغير المسلم
ان يدفن في مقابر أهل الاسلام.
وإذا حملت غير المسلمة من مسلم بصورة مشروعة فجنينها بحكم أبيه
- دفنت في مقابر المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرة القبلة ليكون وجه
الحمل إليها.
والأولى والأفضل ان يدفن الميت في اي بلد مسلم يموت فيه سواء
مات في بلده أو في غيره فلا ينقل إلى بلد آخر، اجل يستحب نقل الميت
إلى أماكن الطهر والقداسة وبالخصوص النجف الأشرف وكربلاء المقدسة.
155 - نبش القبر والكشف عن الميت حرام محرم الا مع العلم بان
الأرض قد أفنته ولم تبق له لحما ولا عظما، ويستثنى من هذا التحريم
الحالات التالية:
أولا: إذا كان النبش لمصلحة الميت كنقله إلى النجف وكربلاء،
أو للخوف على جثته من سيل أو وحش، أو تنفيذ وصية له فيما إذا كان
قد أوصى بالدفن في غير المكان الذي دفن فيه وما أشبه.
ثانيا: لدك فتنة مستعصية أو شر مستطير لا يمكن تفاديها الا بوؤية

182
جسد الميف ومشاهدته.
ثالثا: فيما إذا دفن الميت ولم يراع في دفنه الشروط الشرعية، أو
لم يكن قد استكمل - بالصورة الشرعية - التجهيزات السابقة على الدفن
من التغسيل والتحنيط والتكفين، فإنه ينبش حينيذ لتدارك الامر ما لم
يمكن في ذلك هدر لكرامته وإطاحة بقدره، وأما إذا كان قد دفن بدون
ان يصلي عليه فيكفي ان يصلي عليه وهو في قبره كما تقدم في الفقرة (152)
رابعا: إذا دفن معه مال غير زهيد لشخص ولم يكن ذلك الشخص
يأذن في ذلك فينبش لكي يدفع ذلك المال إلى صاحبه.
وليس من مبررات النبش وجود ميت آخر يراد دفنه في نفس القبر
فإنه لا يجوز نبش القبر لدفن ميت آخر فيه.
احكام عامة للأموات وتجهيزهم.
مجموعة الأعمال التي يجب اجراؤها على الأموات من التغسيل إلى
الدفن تسمى بالتجهيز وللتجهيز احكام عامة نذكرها فيما يلي:
156 - أولا: ان كل من يمارس شيئا من تلك التجهيزات لابد له
إذا لم يكن هو ولي الميت ان يستأذن منه على التفصيل المتقدم في احكام
تغسيل الأموات لاحظ الفقرة (140 - 141).
157 - ثانيا: ان الحد الأدنى المعقول من النفقات التي يتطلبها
التجهيز الواجب يستوفى من تركة الميت ونريد بالحد الأدنى المعقول ما كان
وافيا بالمطلوب شرعا وخاليا من الضعة والمهانة للميت، ويدخل في
ذلك ثمن الواجب من ماء الغسل والسدر والكافور والكفن إلى ثمن الأرض
للدفن والضريبة المفروضة والحمال والحفار - كل ذلك يخرج من أصل تركة

183
الميت مقدما على الدين والأرض والوصية.
وما زاد عن الحد الأدنى المعقول من نفقات التجهيز - اي النفقات
التي تبذل للحصول على كفن أفضل أو ارض أحسن وهكذا - لا يخرج من
أصل التركة وكذلك الامر في نفقات الفاتحة واطعام الضيوف الذين
يزورون ذووي الميت لتعزيتهم.
فان اقتصر أولياء الميت وورثته على الحد الأدنى من التجهيز الواجب
أخرجوا نفقات ذلك من التركة سواء كان في الورثة صغار وقاصرون أم لا.
وان أحب الورثة الكبار ان يجهز الميت بتجهيز أفضل وأكثر
مؤونة أمكنهم ان يخرجوا الزائد مما ورثوه من التركة وان وجد في الورثة
صغار أو قاصرون فكل الزائد من سهم الكبار في التركة ولا يتحمل
الصغار والقاصرون منه شيئا.
وان قام غير الورثة بالتجهيز الأفضل وأنفق على ذلك فليس له ان
يرجع على الورثة ويطلبهم بالزائد من النفقات الا إذا كان ما فعله بأمر
صادر منهم بصورة صريحة أو بصورة مفهومة عرفا.
وإذا كان الميت قد أوصى بالصرف من ماله على التجهيز الأفضل
وإقامة الفاتحة ونحو ذلك أخرجت نفقات ذلك من الثلث.
158 - ثالثا: ويستثنى مما ذكرنا في الفقرة السابقة الزوجة إذا ماتت
وزوجها حي فان كل ما يجب شرعا لتجهيز الزوجة على الزوج، حتى ولو
كانت غنية أو صغيرة أو مجنونة أو لم يدخل الزوج بها (الدخول معناه
المقاربة والاتصال الجنسي) أو كانت الزوجة غير دائمة (اي تزوجها
متعة) أو مطلقة رجعية وماتت في العدة.
وأيضا لا فرق في مسؤولية الزوج عن تجهيز الزوجة بين ان يكون
صغيرا أو كبيرا وعاقلا أو مجنونا غنيا أو فقيرا إذا وجد ما يكفي لنفقات

184
التجهيز الواجب أو أمكنه استقراضه بلا عسر ومشقة.
وإذا ماتت الزوجة ومات زوجها في الوقت نفسه كان تجهيزها من
تركتها لا من تركة الزوج. وإذا أوصت بان تجهز من مالها واخذت
الوصية طريقها إلى التنفيذ لم يجب على الزوج شئ في ماله.
159 - رابعا: إذا لم يكن للميت تركة تسدد منها نفقات التجهيز
الواجب وجب على أقربائه الذين كانوا يجب عليهم الانفاق عليه وإعالته
ان يقوموا بتجهيزه.
160 - خامسا: إذا مات المسلم وشك في أنه هل تصدى أحد من
المسلمين لاجراء اللازم عليه من التجهيز وجب التصدي لتجهيزه. وإذا
علم بأنه قد جهز بصورة غير صحيحة شرعا وجب ان يجهز بصورة صحيحة
ويكفينا بالنسبة إلى إخواننا أبناء السنة والجماعة ان يكون تجهيز موتاهم
صحيحا على مذهبهم.
وإذا علم المكلف بان الميت قد جهز وشك في أن تجهيزه هل كان
صحيحا من الناحية الشرعية أم لا بنى على صحته ولم يجب عليه شئ.
161 - سادسا: لا يجوز للانسان اخذ الأجرة على مجرد القيام
بالتجهيزات الواجبة من التغسيل أو التحنيط أو التكفين أو الدفن، ويسوغ
ثمن ماء الغسل كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور وغير ذلك من
الأشياء التي يتطلب التجهيز إحضارها وتوفيرها، ويجوز أيضا أخذ الأجرة
على كيفية خاصة غير واجبة في التغسيل أو الدفن ونحوهما كما في اخذ
الأجرة على الدفن في ارض معينة أو التغسيل من ماء خاص، ونعني بذلك
ان المكلف إذا قال لولي الميت: لا أدفنه الا بأجرة لم يجز ذلك، وإذا
قال له: انا حاضر لدفنه ولكني لا أدفنه في ذلك الموضع البعيد من
الأرض الذي تريده مني الا بأجرة جاز له ذلك.

185
162 - سابعا: كل ما سبق من التجهيزات الواجبة يثبت ويجب إذا
كانت جثة الميت ناقصة أيضا: كالميت الذي قطعت أطرافه، أو الهيكل
العظمي الذي تبدد لحمه، وكذلك إذا عثر على جزء منه يشتمل على
الصدر أو عثر على الصدر خاصة فإنه يغسل ويكفن: بالنحو المناسب له
ويحنط إذا كان فيه أحد مواضع التحنيط ويصلى عليه ويدفن وإذا لم يعثر
على الصدر ولكن عثر على عظم من عظام الميت يشتمل على لحم غسل
ولف بخرقة ودفن ولا تجب الصلاة، وإذا عثر على لحم له بدون عظم
لف بخرقة ودفن ولم يجب فيه التغسيل.
واما الجزء أو العضو المنفصل من الحي فلا يجب فيه شئ من
تلك الأمور.
163 - ثامنا لا يجوز التمثيل بالميت المسلم أو تشريح جثته ولا
التصرف فيها بنحو يوجب اهانته والمس من كرامته لان حرمة المسلم
ميتا كحرمته حيا.
وهناك حالات يجوز فيها التشريح ونحوه لضرورة:
منها: إذا حملت المرأة المسلمة ومات حملها وخيف منه على حياتها
فإنه يجب أولا ان تعالج اخراج الجنين من بطنها طبيبة من أهل الاختصاص
وعلى هذه القابلة المختصة ان ترفق بأم الجنين جهد المستطيع حتى ولو
استدعى ذلك أن يقطع الحمل الميت إربا وان تعذر وجود المرأة المختصة
والمحارم وانحصرت عملية الاخراج الجراحية الضرورة بأجنبي مختص فلا
مانع من الشريعة السمحة ان يباشرها بنفسه بشرط الاقتصار على ما تدعو
إليه الحاجة.
وان ماتت أم الجنين وهو حي أخرجته من بطنها الطبيبة المختصة
أو الطبيب المختص على الوجه المتقدم في موت الجنين دون أمه، ويسوغ

186
عندئذ فتح بطن الام الميتة حيث يتوقف انقاذ الجنين الحي على ذلك.
ومنها: إذا توقف تعلم الطب على ممارسة التشريح لجثة انسان مسلم
وكان العدد الواجب تواجده من الأطباء كفاية غير متوفر بعد، ففي هذه
الحالة يجوز ذلك بقدر الضرورة. والمقياس في عدم توفر العدد الواجب
من الأطباء ان يوجد في المنطقة - التي يريد المكلف العمل في جزء منها
كطبيب - من يموت من المرضى بسبب عدم توفر الطبيب.
164 - تاسعا: لا يجوز ان يقتطع من شعر الميت أو ظفره شئ
حال التغسيل أو قبله أو بعده، فلو اقتطع من ذلك شئ قبل ان يدفن
فالأحسن ان يدفن معه.
165 - عاشرا: إذا وجدت جنازة الميت مع شخص وكان هو
المتولي لشؤونها وادعى انه ولي الميت صدق في دعواه وجرى عليه حكم
الولي شرعا ما لم يثبت العكس.
الغسل من مس الميت.
166 - من مس ميتا قبل ان يبرد جسمه وتذهب حرارته - لا
غسل عليه بهذا المس واللمس، اجل يتنجس نفس العضو والجزء الذي
لمس الميت إذا كان هو أو جسم الميت الملموس نديا رطبا، وتفاعل
الماس والممسوس بسراية النداوة من أحدهما إلى الآخر وعندئذ يجب
تطهير العضو الماس فقط.
وأيضا من مس ميتا مسلما بعد غسله فلا شئ عليه إطلاقا حتى ولو
كان المس بنداوة ورطوبة.
ومن مس ميتا بعد أن يبرد جسمه وقبل ان يغسل غسل الأموات -

187
وجب عليه غسل العضو الماس ان تنجس بالمس كما لو كان بنداوة ورطوبة
ووجب عليه أيضا الغسل من مس الميت.
167 - ولا فرق في ذلك - من ناحية الميت الممسوس - بين ان
يكون الميت ذكرا أو أنثى عاقلا أو مجنونا كبيرا أو صغيرا حتى ولو كان
سقطا دبت فيه الحياة، ولا فرق - من ناحية العضو الذي تمس به الميت -
بين ان يكون المس باليد أو بغيرها من المواضع التي يتواجد فيها عادة
حاسة اللمس.
ولا فرق في المس بين ان يكون عن عمد وإرادة أم بلا قصد واختيار.
ولا فرق من ناحية العضو الممسوس بين ان يكون جزءا ظاهرا
للعيان من البدن كاليد والوجه بل وحتى الظفر والسن والشعر وبين مس
الجزء المستتر كاللسان والأمعاء على فرض بروزها أو ظهور شئ منها
بطعنة في البطن ونحوها، ففي كل هذه الحالات يجب غسل مس الميت.
168 - وإذا انفصل جزء من بدن الميت وجب الغسل بمسه ولمسه
إذا كان عظما أو مشتملا على العظم حتى السن، وإذا لم يكن عظما ولا
مشتملا عليه فلا يجب الغسل بمسه.
وإذا انفصل جزء من بدن الحي فلا يجب الغسل بمسه حتى ولو كان
الجزء المفصول عظما عليه لحم.
وكيفية الغسل من مس الميت هي الكيفية العامة للغسل التي تقدمت
في الفقرة (7) وما بعدها.
169 - ويجوز لمن مس الميت ووجب عليه الغسل بسبب ذلك أن
يدخل المساجد والعتبات المقدسة ويمكث فيها ما شاء وان يقرأ آيات السجدة
من سور العزائم، وتجري عليه الاحكام العامة لمن حصل منه ما يوجب
الغسل المتقدمة في الفقرة (3) و (4)

188
الأغسال المستحبة.
170 - الأغسال المستحبة كثيرة، من فعلها فهو مأجور، ومن تركها
ليس بمأزور وأهمها غسل الجمعة واستحبابه مؤكد في الدين، ووقته من
طلوع الفجر إلى آخر النهار، ولكن الغسل قبل الظهر أفضل وإذا
أخره إلى بعد الظهر نوى به ما هو للمطلوب سواء كان أداء أو قضاء،
وإذا لم يتيسر الماء في يوم الجمعة قضاه يوم السبت.
171 - ومن الأغسال المستحبة غسل يوم عيد الفطر وغسل ليلته
وغسل يوم عيد الأضحى وغسل اليوم الثامن من ذي الحجة وغسل اليوم
التاسع منه (يوم عرفة) وغسل الليلة الأولى من شهر رمضان والليلة
السابعة عشر والليلة التاسعة عشر وليلة إحدى وعشرين وليلة الثالث
والعشرين وليلة الرابع والعشرين والغسل عند إرادة الاحرام وعند دخول
الحرم وعند دخول مكة وعند دخول المدينة وعند دخول البيت الحرام وعند
الكسوف الذي يكسف الشمس بكاملها وغسل التوبة وغير ذلك
172 - ونلاحظ ان هذه الأغسال المستحبة بعضها ما هو مندوب في
زمان معين كغسل يوم العيد مثلا، وبعضها ما هو مندوب لأجل الدخول
في مكان معين كغسل دخول مكة مثلا، وبعضها ما هو مندوب لأجل
القيام بعمل معين كغسل الاحرام، فهذه اقسام ثلاثة والقسم الأول ينبغي
الاتيان به في الزمان المخصص له: والقسم الثاني ينبغي الاتيان به حين
الدخول إلى المكان المعين أو قبيل ذلك. والقسم الثالث ينبغي ان يؤتى به
قبل القيام بالعمل، ويكفي ان يكونا معا في نهار واحد أو في ليلة واحدة
وإذا اغتسل ثم صدر منه ما يوجب الوضوء قبل القيام بالعمل المطلوب

189
أعاد الغسل.
وكيفية الأغسال المستحبة هي الكيفية العامة المتقدمة في الفقرات (7)
وما بعدها، وكلها تجزي عن الوضوء كما تقدم في الفقرة (5).

190
الطهارة
التيمم.

191
تمهيد.
1 - التيمم هو مسح الجبهة وما حولها إلى الحاجبين بباطن الكفين
ومسح ظاهر كل من الكفين بباطن الأخرى.
وهو كالوضوء والغسل عبادة لا يصح الا بنية القربة، ويعبر عنه
بالطهارة الترابية لأنه يستعمل فيه التراب تمييزا له عن الطهارة المائية،
وأعضاء التيمم هي المواضع التي يقع المسح عليها أو بها وتتكون من الجبهة
والجبينين وباطن الكفين وظاهرهما.
ويعتبر التيمم بديلا عن الوضوء فمن حصل منه ما يوجب الوضوء
تيمم عوضا عن الوضوء في حالة عدم تيسر الوضوء له. كما يعتبر بديلا
عن الغسل أيضا فمن حصل منه ما يوجب الغسل تيمم عوضا عن الغسل
في حالة عدم تيسر الغسل ولهذا يسمى بالطهارة الاضطرارية وفيما يلي التفاصيل:
مسوغات التيمم.
قد لا يتيسر الماء لدى المكلف وقد يكون الماء متيسرا وموفورا
ولكن لا يتيسر له استعماله من اجل الصلاة لمرض أو غيره وقد يتيسر له
الماء والاستعمال معا.
فإذا تيسر له الماء والاستعمال معا لم يصح منه التيمم الا في بعض
الحالات النادرة (1) ووجب عليه ان يتوضأ أو يغتسل.



(1) وهي حالتان:
الأولى: إذا أراد ان يؤدي الصلاة على الميت أمكنه ان يتيمم ولو
كان الوضوء ميسورا وأمكنه ان يصلي بدون وضوء ولا تيمم.
الثانية: إذا آوى إلى فراشه لينام وذكر انه ليس على وضوء فقد
سمح له بعض الفقهاء بان يتيمم ليكون نومه على طهارة وان كان استعمال
الماء ميسورا ولا يقين لنا بان هذا السماح ثابت.
193
وإذا لم يتيسر الماء أو لم يتيسر استعماله فيسوغ التيمم فهناك اذن
مسوغان رئيسيان للتيمم وسوف نتكلم عنهما تباعا.
عدم تيسر الماء.
المسوغ الأول عدم تيسر الماء الذي يصح الوضوء به ونعني بعدم
تيسر الماء إحدى الحالات التالية:
2 - الحالة الأولى: ان لا يوجد الماء في كل المساحة التي يقدر المكلف
على الوصول إليها والتحرك ضمنها ما دام وقت الصلاة باقيا. ولا فرق
في ذلك بين ان لا يوجد ماء بحال أو يوجد منه مقدار يسير لا يكفي لما هو
المطلوب من الوضوء أو للغسل أو يوجد منه ما لا يسوغ الوضوء أو
الاغتسال به كماء نجس أو ماء مغصوب.
3 - الحالة الثانية: ان يكون الماء موجودا في تلك المساحة ولكن
يصعب الوصول إليه بدرجة يحس الانسان عند محاولة ذلك بالمشقة الشديدة
والحرج، سواء كانت المشقة جسدية كما إذا كان الماء في موضع بعيد أو
معنوية كما إذا كان الماء ملكا لشخص ولا يأذن بالتصرف فيه الا ان يتذلل
له الانسان ويعامله بما يشق عليه.
4 - الحالة الثالثة: ان يكون الماء موجودا في تلك المساحة وقد
لا يكون بعيدا أيضا ولكن محاولة الوصول إليه تعرض الانسان للضرر أو

194
الخطر، كما إذا كان الانسان في صحراء وكان الماء على مقربة من سباع
مفترسة، أو كان الطريق إليه غير آمن لسبب أو آخر، أو كان الانسان
مريضا كالمصاب بالقلب ويضر به صحيا التحرك وصرف الجهد من اجل
الوصول إلى الماء ولا يوجد من يستعين به.
5 - الحالة الرابعة: ان يكون الماء موجدا في تلك المساحة ولكنه
ملك لشخص لا يأذن لهذا المكلف المريد للوضوء بالتوضئ منه الا إذا دفع
ثمنا مجحفا يضر بحاله من الناحية المالية.
6 - الحالة الخامسة: ان يكون الماء موجودا في تلك المساحة ولكن
الوصول إليه يتوقف على ارتكاب أمور محرمة، كما إذا كانت الآلة التي
يستعملها في الحصول على الماء مغصوبة وان كان الماء مباحا.
ونلاحظ ان المكلف في الحالة الأولى لا يمكن ان يحصل منه الوضوء
فالواجب عليه هو التيمم وفي الحالات الأربع التالية - الثانية إلى الخامسة - قد يمكن ان يتوضأ ولكن الشارع مع هذا لم يأمره به بل سوغ له التيمم
لكن المكلف إذا أصر على الوضوء وحصل على الماء متحملا كل المضاعفات
والصعوبات وجب عليه عندئذ ان يتوضأ به وصح منه الوضوء.
عدم تيسر استعمال الماء.
المسوغ الثاني للتيمم عدم تيسر استعمال الماء على الرغم من وجوده
وتوفره. ونعني بعدم تيسر استعمال الماء إحدى الحالات التالية:
7 - الحالة الأولى: ان يكون التوضي أو الاغتسال من الماء لأجل
الصلاة غير ممكن لضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معا.
8 - الحالة الثانية: ان يكون التوضي أو الاغتسال للصلاة مثلا ممكنا

195
ولكنه مضر بالانسان من الناحية الصحية نظرا لمرضه أو لأي سبب آخر،
والضرر الصحي يشمل نشوء المرض وتفاقمه وطول أمده.
9 - الحالة الثالثة: ان يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل
ممكنا ولا ضرر صحي فيه ولكنه شاق على المكلف وسبب للحرج، كما إذا
كان الماء والجو باردين بدرجة يتألم الانسان عند استعمال ذلك الماء الماء
شديدا محرجا له.
10 - الحالة الرابعة: ان يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل
يؤدي إلى التعرض للعطش على نحو يوقع المتوضي في الخطر أو الضرر
أو الحرج والألم الشديد.
وقد لا يكون المتعرض لضرر العطش أو خطره نفس المتوضئ شخصيا
بل شخصا آخر ممن تجب صيانته، أو كائنا حيا ممن يهمه امره أو يضره
فقده كفرسه وغنمه أو يجب عليه حفظه كما إذا أودع لديه حيوان.
11 - الحالة الخامسة: ان يكون على بدن المكلف نجاسة أو على
ثوبه الذي لا يملك غيره للستر الواجب في الصلاة وعنده ماء يكفي لإزالة
النجاسة فقط أو للوضوء فقط، فيسوغ للمكلف ان يغسل بدنه وثوبه من
النجاسة ويتيمم للصلاة كما يسوغ له أيضا ان يتوضأ ويصلي في الثوب
النجس أو مع نجاسة البدن.
12 - ففي كل هذه الحالات يسوغ التيمم. وإذا أصر المكلف على
الوضوء وتوضأ على الرغم من الظروف المذكورة صح منه الوضوء في الحالة
الثالثة والرابعة وكذلك في الخامسة على ما تقدم. واما حكم الوضوء في
الحالة الأولى فقد تقدم في الفقرة (10) من فصل الوضوء كما تقدم حكم
الوضوء في الحالة الثانية في الفقرة (7) من فصل الوضوء.
ويجمع كل ما تقدم من الحالات العشر ان لا يتيسر الوضوء لعجز أو

196
لضرر أو لمشقة شديده أو رعاية لواجب آخر كالوضوء أو أهم منه
13 - وإذا أخبر الثقة بعدم وجود الماء أخذ بخبره، وإذا أخبر
الطبيب الثقة بالضرر الصحي أخذ بقوله أيضا، بل يكفي مجرد احتمال
الضرر الذي يبعث على الخوف والتردد لدى الناس عادة.
وإذا كان المكلف يائسا من وجود الماء في هذا المكان واحتمل بعد
ذلك أنه وجد لم يجب عليه الفحص بل يعمل بيأسه السابق.
الصعيد الذي يتيمم به
14 - يجب التيمم بوجه الأرض أو ما كان متقطعا منها على أن يكون
طاهرا ومباحا، سواء كان ترابا أو صخرا أو رملا أو طينا يابسا. بل
يصح التيمم بما تبنى به البيوت من جص (1) وآجر و (اسمنت) ما دامت
مواده مأخوذة من الأرض وان أحرقت وصنعت وكذلك ما يصنع من
(الاسمنت) من قطع للبناء (الكاشي والموزائيك) إذا لم تكن مطلية
بطلاء خارجي غير مأخوذ من الأرض، والغالب فيه انها غير مطلية
كذلك حتى الملونة منها (ويصح التيمم بالرخام المعروف في الأوساط
العراقية ب‍ (المرمر). وكل ما يصح التيمم به لا فرق فيه بين ان يكون
في الأرض أو جزءا من جدار وحائط، فيسوغ للانسان ان يتيمم بالجدار
فيضرب يديه عليه إذا كان مكونا من بعض الأشياء التي ذكرناها.
15 - وليس من الضروري في صحة التيمم ان يترك الشئ الذي
يتيمم به اثرا منه في أعضاء التيمم فمن تيمم بحجر نقي ومصقول صح
منه هذا التيمم.
.



(1) الجص ما تطلى به البيوت من الكلس
197
16 - ويشترط في المادة التي يتيمم بها:
أولا: ان تكون كمية واضحة محسوسة لا من قبيل الغبار الذي يعني
اجزاء صغيرة من التراب التي لا يبدو لها حجم وان كانت موجودة في الواقع.
وثانيا: ان لا تكون مخلوطة بالماء بدرجة تجعلها طينا.
17 - فإذا لم يتوافر لدى المكلف مادة بهذين الشرطين تيمم بما
تيسر من غبار الأرض أو الطين، فإذا تيسر الغبار والطين معا قدم الغبار
على الطين بمعنى انه يتيمم عندئذ بالغبار لا بالطين. اجل إذا كان بالامكان
تجفيف الطين أو تجميع الغبار على نحو يصبح ترابا واضحا محسوسا وجب
ذلك فإذا جف الطين أو تجمع الغبار تيمم به.
18 - ولا يسوغ التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض كالذهب
والحديد والفولاذ والنحاس والرصاص وما أشبه أو كالفيروزج والعقيق
واللؤلؤ والمرجان أو كالملح والكحل والرماد وكل ما يؤكل ويلبس وكذلك
لا يسوغ التيمم بالخشب ولا بقطع البناء المطلية بغطاء زجاجي التي تستعمل في
الحمامات الحديثة عادة.
19 - وإذا اختلط التراب أو غيره من مواد الأرض بعناصر غير
أرضية كما إذا خلط التراب بالملح مثلا، فلا يصح التيمم به الا إذا كانت
العناصر غير الأرضية ضئيلة بدرجة يصدق معها على المادة كلها اسم التراب
أو الأرض.
20 - ومن عجز عن الحصول على ما يسوغ التيمم به صلى بدونه
احتياطا ووجوبا ومتى قدر بعد ذلك على يتطهر به طهارة مائية أو ترابية
تطهر وأعاد كل فريضة صلاها بلا وضوء ولا تيمم كأنه لم يصل من
الأساس. وإذا لم يتح له ان يتطهر بوضوء أو تيمم الا بعد انتهاء وقت
الصلاة فعليه القضاء.

198
صورة التيمم.
21 - وهي ان يضرب المتيمم اختيارا بباطن كفيه مجتمعتين على
الأرض دفعة واحدة، فلا يجزي مجرد وضع الكفين بلا ضرب ولا الضرب
بواحدة أو بهما على التعاقب فيمسح بهما أيضا مجتمعتين تمام جبهته وجبينيه
من قصاص الشعر إلى طرف الانف الذي يلي الحاجب مباشرة، والأحسن
الأولى استحبابا ان يدخل الحاجبين في المسح فيمسحهما أيضا مع جبهته، ثم
يمسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع (1) يمسحها
بباطن الكف اليسرى، ثم يمسح تمام ظاهر الكف اليسرى إلى أطراف
الأصابع بباطن الكف اليمنى تماما كما فعل بظاهر اليمنى.
ونريد بظاهر الكف تلمسه من ظاهر إحدى كفيك بكفيك الأخرى
عند امرارها عليها ومسحها بها، فلا يجب ان يشمل المسح ما بين الأصابع
ولا غيره مما لا يلمس عادة بوضع إحدى الكفين على الأخرى.
ويستحب ان ينفض يديه بعد ضربهما على الأرض وقبل المسح بهما.
وإذا امتد شعر الرأس إلى الجبهة أو الجبينين، وجب رفعه عند
المسح اما ما ينبت عليها بالذات فيكفي مسحه.
22 - وبهذا يتبين ان الممسوح أربعة: الجبهة، والجبينان - والحاجبان
على سبيل الأفضلية والاستحباب - وظاهر الكفين، وان الماسح باطن
الكفين، وكل ممسوح مما يجب مسحه لابد ان يستوعبه المسح بالكامل



(1) الجبهة: ما بين الحاجبين إلى منبت شعر الرأس من مقدمه،
والجبينان: هما عن يمين الجبهة وشمالها، وقصاص الشعر: مجرى المقص،
وحيث ينتهي منبت شعر الرأس من مقدمه، والزند: ما يوصل الذراع بالكف.
199
ولكن لا يجب ان يكون هذا الاستيعاب بكل اجزاء الماسح، بل يكفي المسح
ببعض الكفين، اي بعض الاجزاء من باطن الكفين مجتمعتين على نحو
تساهم كل من الكفين في المسح.
23 - والواجب من الضرب على الأرض بباطن الكفين ضربة واحدة
فقط سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أو عن الغسل، ولو ضرب
مرتين: واحدة للوجه بالتحديد السابق، وثانية لظاهر الكفين - كان خيرا
وأولى، وعلى الأخص إذا كان التيمم بدلا عن الغسل.
هذه هي صورة التيمم شرعا.
24 - وقد يوتى به ناقصا من اجل تعذر الصورة الكاملة فيصح،
فمن قطعت إحدى يديه فضرب على الأرض بالثانية الباقية، ومسح بها
وجهه، ثم مسح ظهرها بالأرض كفاه ذلك، ومن قطع جزء من كفه
كان الجزء الباقي بمثابة الكف، ومن عجز عن الضرب بيديه اكتفى
بوضعها على الصعيد، ومن عجز عن مباشرة التيمم حتى على هذا النحو
يممه آخر قادر، على أن يكون الضرب والمسح بيد العاجز لا بيد القادر.
وإذا تعذر الضرب والمسح على الأرض بباطن الكفين وأمكن ذلك
بظاهرهما ضرب بظاهرهما ومسح به ما يجب مسحه من أعضاء التيمم وإذا
كان على بعض أعضاء التيمم جبيرة فحكمه حكم المتوضئ إذا كان على
بعض أعضاء وضوئه جبيرة، فيمسح عليها ويمسح بها على أساس انها
تعتبر بمثابة ما تستره من بشرة الانسان.
شروط التيمم.
هنا شروط مؤكدة يجب مراعاتها في التيمم وهي كما يلي:

200
25 - أولا: إباحة الصعيد الذي يتيمم به وطهارته كما تقدم في
الفقرة (14) فلا يسوغ التيمم بالنجس، أو بتراب يملكه الغير بدون اذنه.
26 - ثانيا: نية القربة، لان التيمم عبادة كما تقدم وسواء كان
التيمم من اجل التعويض عن الوضوء أو من اجل التعويض عن الغسل
لا يجب في نية التيمم شئ سوى القربة إلى الله تعالى، وليس من الضروري
ان ينوي كونه بدلا عن الوضوء أو بدلا عن الغسل أو كونه طهارة
اضطرارية. اجل إذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء وحصل أيضا
ما يوجب الغسل ولم يتيسر له الوضوء والغسل كان عليه تيممان، ووجب
في كل منهما ان يعينه ويميزه عن الآخر بان ينوي مثلا بأحدهما التعويض
عن الوضوء وبالآخر التعويض عن الغسل.
27 - ثالثا: ان يأتي بأفعال التيمم حسب تسلسلها وترتيبها المقرر
سابقا، فيبدأ بالضرب ويثني بمسح الوجه - على التحديد السابق - ويثلث
بظاهر الكف اليمنى، وأخيرا بظاهر الكف اليسرى، فلو خالف وقدم
وآخر لم يكفه ذلك.
28 - رابعا: ان يباشر المكلف المسؤول بنفسه عملية التيمم مع التمكن
من ذلك.
29 - خامسا: عدم وجود الحائل والحاجب على العضو الماسح أو
العضو الممسوح. وعلى هذا الأساس يجب نزع الخاتم عند التيمم لأنه
حاجب وحائل.
30 - سادسا: التتابع بين الضرب بالكفين ومسح الأعضاء وعدم
الفصل الطويل بين الضرب على الصعيد والمسح على النحو الذي يؤدي
إلى عدم الارتباط بين الضرب والمسح عرفا.
31 - سابعا: ان يكون الفضاء الذي يشغله المتيمم عند التيمم مباحا

201
فإذا غصب دار غيره وتيمم فيها بطل تيممه.
32 - وهناك أمور يحسن بالتيمم تحقيقها وهي:
أولا: ان تكون أعضاء التيمم طاهرة. وليس من الضروري
طهارة جميع البدن من النجاسة بل تكفي طهارة تلك الأعضاء فقط.
ثانيا: ان يبدأ مسح الوجه من منابت الشعر إلى أسفل، ويبدأ مسح
الكف من الزند إلى أطراف الأصابع فلو مسح من الحاجب إلى أعلى أو
من أطراف الأصابع إلى الزند لم يحسن صنعا.
ثالثا: ان يكون التيمم للصلاة بعد دخول وقتها.
ولو لم يوفر المتيمم هذه الأمور ووفر الشروط المؤكدة التي ذكرناها
سابقا كفاه ذلك.
نواقض التيمم.
33 - التيمم إذا كان بديلا عن الوضوء انتقض بكل ما ينقض
الوضوء ويوجبه، وينتقض إضافة إلى ذلك بتيسر الوضوء شريطة ان تبقى هذه
القدرة أمدا يتسع للطهارة، بمعنى انه ينتهي حينئذ مفعول التيمم ويكون المكلف
بحاجة إلى الوضوء وإذا تيسر الوضوء برهة كافية من الزمن فلم يبادر المكلف
إلى الوضوء ثم تعذر عليه الوضوء لم يجز للمكلف أن يعتمد على تيممه
السابق بل لابد أن يجدد التيمم، لأن تيممه السابق قد انتقض بتيسر الوضوء.
34 - وإذا كان التيمم بديلا عن الغسل انتقض بكل ما ينقض الغسل
ويوجبه، وينقض إضافة إلى ذلك بتيسر الغسل بمعنى انتهاء مفعول التيمم
بذلك ويكون المكلف بحاجة إلى الغسل ولا ينتقض هذا التيمم البديل
عن الغسل بما يوجب الوضوء (الحدث الأصغر) فلو تيمم الجنب مثلا

202
ثم نام أو بال بقي تيممه عن الجنابة نافذ المفعول وعليه ان يتوضأ من
اجل البول أو النوم ان كان متيسر أو ان لم يتيسر الوضوء تيمم بدلا عنه.
وكذلك إذا تيممت الحائض بدلا عن غسل الحيض ثم نامت أو
بالت فإنها لا تعيد تيممها هذا وانما عليها أن تتوضأ إن أمكن، والا تيممت
بدلا عن الوضوء.
35 - وقد يعدم الانسان الماء ويحصل منه ما يوجب الغسل كمس
الميت ويحصل منه أيضا ما يوجب الوضوء كالبول والنوم، فيتيمم مرتين
إحداهما بدلا عن غسل المس والأخرى بدلا عن الوضوء نظرا إلى أن
التيمم بدلا عن غسل مس الميت لا يجزي عن الوضوء.
ونفترض انه بعد ذلك يجد الماء فله حالات:
الأولى: ان يجد ماء يكفي للغسل والوضوء معا فينتقض كلا التيممين
وعليه ان يغتسل ويتوضأ.
الثانية: ان يجد ماء يكفي للوضوء خاصة فيبقى تيممه عن غسل مس
الميت نافذ المفعول وينتقض التيمم الآخر وعليه ان يتوضأ.
الثالثة: ان يجد ماء يكفي للغسل ولا يكفي للغسل والوضوء معا،
وفي هذه الحالة ينتقض كلا التيممين ويجب عليه ان يغتسل مس الميت
وكفاه ذلك عن الوضوء، لما تقدم من اجزاء هذا الغسل عن الوضوء في
الفقرة (5) من فصل الغسل.
حول الخلل في التيمم.
36 - إذا تيمم المكلف ثم علم بأنه لم يأت به بالصورة المطلوبة
شرعا وجبت عليه اعادته، وإذا علم بأنه لم يأت بالجزء الأخير من التيمم.

203
مثلا (المسح على ظهر الكف اليسرى) مسح عليها ان لم يكن قد مضى
على التيمم وقت طويل ولا يزال بالامكان تكميله، والا أعاد التيمم
من الأساس.
37 - وقد يشك ويتردد المتيمم، وهو يؤدي عملية التيمم أو بعد
أن يخلو منها ويفرغ، ويتساءل في نفسه: هل ذهلت وغفلت - يا ترى -
عن واجب من واجبات التيمم، أو أديته بالتمام والكمال، فماذا يصنع؟
والجواب عن هذا التساؤل يستدعي التفصيل تبعا لحال المتيمم وشكه
فان كان قد أتى بكامل اجزاء التيمم أو بعضها ثم شك في أن ما اتى به
هل أدى بصورة صحيحة أولا فلا اثر لشكه بل يبني على أن ما وقع منه
صحيح ومثال ذلك. ان يمسح بكفيه جبهته ثم يشك في أنه هل مسح
جبينه أيضا أو لا فلا اثر لهذا الشك بل يكمل تيممه. ومثال آخر: ان
يمسح كفه ثم يشك في أنه هل استوعب ظاهرها بالمسح أو لا.
وان شك المتيمم في ضرب يديه على الأرض من الأساس قبل ان
يبدأ بمسح جبهته، أو في مسح جبهته قبل ان يبدأ بمسح ظهر كفه اليمنى
أو في مسح ظهر كفه اليمنى قبل ان يبدأ بمسح ظهر كفه اليسرى، أو
في مسح ظهر كفه اليسرى قبل ان تطول المدة ويفوت التتابع، وجب
عليه ان يؤدي ما شك فيه.
وان شك المتيمم في ضرب يديه على الأرض من الأساس بعد أن
بدأ بمسح جبهته فليس شكه بشئ، بل يواصل تيممه، وكذلك إذا شك
في مسح جبهته بعد أن بدأ بمسح كفه اليمنى، أو شك في مسح كفه اليمنى
بعد أن بدأ بمسح كفه اليسرى، أو شك في مسح كفه اليسرى بعد مدة
طويلة من الانصراف عن التيمم.

204
38 - واحكام الشك في أنه هل تيمم أولا، أو في أن هذا التيمم
انتقض أو لا، أو في أن هذه الصلاة التي يصليها، أو التي صلاها وفرغ
منها هل تيمم لها أو لا، أو في وجود الحاجب على العضو الماسح أو
العضو الممسوح كأحكام الشك المناضر في الوضوء تماما وقد تقدم بيان تلك الأحكام
في الفقرات (96 - 98 - 99 - 102 - 103).
احكام التيمم.
نلاحظ على ضوء ما تقدم ان الحالات التي يسوغ فيها التيمم وهي
عشر حالات يمكن تصنيفها على أساس الاحكام إلى قسمين:
أحدهما: ما كان عدم تيسر استعمال الماء فيه من اجل ضيق وقت
العمل الذي يراد الوضوء له ولولا ذلك فالماء موفور والمكلف سليم ومعافى.
والآخر - ما كان عدم تيسر استعمال الماء فيه من اجل الأسباب
الأخرى التي فصلناها في سائر الحالات، من قبيل عدم توفر الماء أو كون
الانسان مريضا ونحو ذلك.
وهذان القسمان يختلفان في الاحكام.
39 - فالقسم الأول، يكون التيمم فيه مسوغا ومعوضا عن الوضوء
أو الغسل بالنسبة إلى ذلك العمل الذي ضاق وقته، سواء كان ذلك العمل
فريضة واجبة كصلاة الفجر مثلا أو عبادة مستحبة لها وقت وقد ضاق
وقتها ولم يتسع للوضوء كصلاة الليل أو عملا واجبا على سبيل الفور كما
إذا وجب على الجنب دخول المسجد فورا لانقاذ حياة انسان يتعرض للخطر
فيه ولم يكن الوقت متسعا للغسل فيتيمم ويدخل، أو وجب على غير
المتوضي ان يمس فورا كتابة المصحف الشريف لانقاذه من التردي في

205
النجاسة ولم يسمح الوقت بأكثر من التيمم، ففي كل هذه الحالات يسوغ
بالتيمم ذلك العمل الذي ضاق وقته. ولا فرق في ذلك أيضا بين ان
تكون الطهارة شرطا ضروريا في ذلك العمل الذي ضاق وقته كما في
الأمثلة المتقدمة، أو شرطا كماليا كالتيمم للصلاة على الميت إذا ضاق
وقتها ولم يجز تأخير الجنازة فان للمريض ان يتيمم ويصلي على الميت.
ولا يسوغ بالتيمم في هذا القسم غير ذلك العمل الذي ضاق وقته فلا
يجوز لمن يتيمم لصلاة الليل على النحو الذي ذكرناه ان يكتفي بهذا التيمم
لأداء صلاة الفجر أو لمس كتابة المصحف الشريف.
40 - والقسم الثاني يكون التيمم فيه معوضا عن الوضوء أو الغسل
بالنسبة للأمور التالية:
أولا: لممارسة ما يحرم على غير المتوضئ أو غير المغتسل من مس
كتابة المصحف أو دخول المساجد وقراءة آيات السجدة وغير ذلك
ثانيا: للكون على الطهارة.
ثالثا: الممارسة كل عبادة مؤقتة مشروطة بالطهارة أو كمالها مشروط
بالطهارة إذا كان عدم تيسر استعمال الماء مستمرا في وقتها بكامله كالظهرين
بالنسبة إلى المريض المستمر مرضه من الظهر إلى المغرب.
رابعا لممارسة كل عبادة مشروطة بالطهارة أو كمالها مشروط بالطهارة
وغير مؤقتة كالمريض يريد ان يصلي صلاة جعفر أو الجنب يريد ان يقرأ
سور العزائم التي فيها آيات السجدة فان له ان يتيمم ويصلي ويقرأ.
ويستثنى من ذلك العبادة التي يكون المطلوب من المكلف الاتيان بها
مرة واحدة وبامكانه ان يؤديها بعد شفائه من مرضه بالوضوء كصلاة
القضاء، فان المريض إذا كان عليه صلاة قضاء فلا يكتفي بالتيمم لها في
حال مرضه والآتيان بها متيمما لأنه صلاة موسعة لا وقت لها وبامكانه

206
تأجيلها إلى ما بعد الشفاء.
وقد تقول: ان صلاة جعفر أيضا عبادة موسعة ولا وقت لها فما
الفرق بينهما؟
والجواب: ان صلاة جعفر مثلا ليس المطلوب منها مرة واحدة
فقط بل هي مطلوبة في كل حين فالمريض لو لم يرخص له في أن يصلي
هذه الصلاة بالتيمم فقد فاته شئ من المطلوب، وخلافا لذلك من عليه
القضاء فان المطلوب في القضاء مرة واحدة وهي تحصل بعد الشفاء. اجل
إذا كان المرض أو اي عائق آخر عن استعمال الماء مستمرا دائما كان له
ان يتيمم ويقضي.
41 - وكلما تيمم المكلف لاحد الأمور التي يسوغها التيمم جازت له
سائر تلك الأمور، فمن كان مريضا فأجنب وتيمم لصلاة الليل كان له
ان يصلي بذلك التيمم صلاة الفجر ونافلته وأن يقرأ سور العزائم وان
يصلي صلاة جعفر وهكذا حتى ينتقض تيممه بشئ مما ينقض التيمم على
ما تقدم.
42 - وإذا دخل وقت الصلاة على المكلف وهو لا يتيسر له الطهارة
المائية، فان كان على يقين بأنه ستتاح له الطهارة المائية في الفترة الأخيرة
من الوقت آخر الصلاة إلى ذلك الحين لكي يتوضأ أو يغتسل فإذا أخر
صلاته وصادف ان العذر استمر على خلاف اعتقاده تيمم وصلى.
وأما إذا لم يكن عند دخول الوقت على يقين بان الطهارة المائية
ستتاح له في آخر الوقت أمكنه ان يبادر إلى الصلاة فيتيمم ويصلي حتى
ولو لم ييأس من تيسر الطهارة المائية في المستقبل، ولكن إذا تيسر له
استعمال الماء بعد الصلاة وفي الوقت متسع لإعادتها ثانية مع الوضوء أو
الغسل توضأ أو اغتسل وأعاد، وإذا استمر به العذر إلى أن انتهى وقت

207
الصلاة ثم تيسر له استعمال الماء لم يجب عليه ان يقضي ما مضى من صلاته.
43 - وقد يكون على المكلف صلاة قضاء وهو فعلا ممن لا يتيسر
له الوضوء كالمريض مثلا ولا يدري عن مستقبله شيئا فهل يسوغ له ان
يتيمم ويقضي أو ينتظر حتى يحصل له اليأس من الشفاء؟
والجواب: انه يسوغ له أن يتيمم ويقضي وحينئذ إذا تيسر له بعد
ذلك استعمال الماء لم يكتف بما أتى به. وأما إذا كان على يقين من البداية
بأنه سيشافى من مرضه ويتيسر له الوضوء في المستقبل فعليه الانتظار وفي
الحالات التي قلنا فيها انه يؤجل صلاته إلى حين يتيسر له استعمال الماء
لا نعني بذلك انه لا يسوغ له التيمم لغاية أخرى، فالجنب المريض الذي لا يتمكن
من الغسل في بداية وقت صلاة الفريضة وهو على علم بأنه سيتمكن من
ذلك في آخر الوقت يمكنه ان يتيمم فعلا لا من اجل صلاة الفريضة بل
من اجل ان يتاح له فعلا دخول المساجد ومس كتابة المصحف ونحو ذلك.
44 - وذا تيمم الجنب بدلا عن غسل الجنابة كفاه ذلك عن الوضوء
ما لم يحصل بعد التيمم ما يوجب الوضوء، وان حصل شئ من ذلك
توضأ ان كان الوضوء ميسورا والا تيمم.
45 - وكل من حصل له سوى الجنابة من موجبات الغسل كمس
الميت وغيره وكان في نفس الوقت قد حصل لديه أيضا ما يوجب الوضوء
قبل ذلك أو بعده ولم يتيسر له الغسل فعليه ان يتيمم بدلا عن الغسل،
ولا يكفيه ذلك عن الوضوء بل عليه أيضا ان يتوضأ ان أمكنه ذلك،
والا تيمم بدلا عن الوضوء أيضا. وكل من كان على وضوء وحصل
لديه ما يوجب الغسل كالمتوضي يمس ميتا ولم يتح له ان يغتسل فتيمم لم
يحتج إلى وضوء أو تيمم بدلا عنه لان وضوءه لا يزال باقيا
46 - ومن وجب عليه أكثر من غسل واحد، كالرجل يمس ميتا.

208
ويجنب، والمرأة تبرأ من حيضها وتمس ميتا، ويعجز كل منهما عن الغسل،
فهل يكفي تيمم واحد عن الغسلين أو لابد من التعدد والتكرار بعد الموجب
للغسل؟
الجواب: يكفي تيمم واحد كما كان يكفي غسل واحد للأمرين معا
على ما تقدم في الفقرة (6) من فصل الغسل.
وإذ كان أحد الأغسال الثابتة على هذا المتيمم غسل الجنابة لم يحتج
إلى وضوء أو تيمم بديل عنه، وأما إذا لم يكن منها غسل الجنابة فلابد
إضافة على التيمم عن الأغسال إلى وضوء أو تيمم بديل عنه إذا كان أحد
موجبات الغسل موجبا للوضوء أيضا كالاستحاضة الوسطى، أو كان قد
حصل منه ما يوجب الوضوء خاصة كالبول أو النوم.

209
الطهارة
أنواع النجاسات

211
حول أنواع النجاسات
النجاسة لغة: القذارة، وشرعا 6 ما يجب على المسلم ان يتنزه عنها،
ويغسل ما يصيبه منها عند الصلاة وفي مقابل النجاسة الطهارة وقد تسمى
النجاسة بالخبث وتسمى الطهارة منها بالطهارة الخبيثة اي الطهارة من الخبث
كما تقدم في فصل احكام الماء.
1 - وكل جسم فهو طاهر شرعا لا يجب التنزه عنه باستثناء الأعيان
النجسة، أو الأشياء التي تتنجس بسبب تلك الأعيان.
ونريد بالأعيان النجسة: أشياء معينة حكمت الشريعة بأنها نجسة
وقذرة بطبيعتها بصورة أصيلة، اي لم تكتسب هذه النجاسة من الملاقاة
لشئ آخر قذر.
ونريد بالأشياء التي تتنجس بها: أشياء طاهرة بطبيعتها ولكنها
تكتسب النجاسة بالملاقاة لشئ نجس أو قذر ويسمى أحدها بالمتنجس
تمييزا له عن عين النجس، فالبول عين النجس ويدك التي يصيبها البول
شئ متنجس.
ونبدأ الكلام هنا عن الأعيان النجسة واستعراض أنواعها وبيانها
بالكامل كالآتي:
الأول والثاني: البول والعذرة، كل ما يطلق عليه اسم البول أو الغائط
(أردأ الفضلات التي تخرج من الانسان وغيره من الحيوانات بسبب الطعام
والشراب) فهو نجس عينا ولا يطهر بحال، ولا فرق في النجاسة بين ما إذا
خرجت هاتان الفضلتان من القبل والدبر أو من غيرهما، بصورة اعتيادية
أو بصورة غير اعتيادية فإنهما نجستان على اي حال ويستثنى منه ما يلي:

213
3 - أولا: فضلات الطير بأقسامه، فإنها طاهرة سواء كان لحم
الطير مما يسوغ اكله شرعا كالحمام أو مما لا يؤكل كالبازي.
4 - ثانيا: فضلات كل حيوان يسوغ اكل لحمه شرعا سواء كان طيرا
أو من سائر أصناف الحيوانات كالغنم والبقر والإبل والدواب والخيل والبغال
والدجاج وغير ذلك، شريطة ان لا يعيش الحيوان على العذرة أمدا حتى
يشتد لحمه والا حرم من اجل ذلك وكانت فضلاته نجسة ما دام على
هذا النحو.
5 - ثالثا: فضلات الحيوانات التي ليس لها لحم عرفا، فإنها طاهرة
حتى ولو لم يكن اكلها سائغا شرعا.
6 - إذا أصابت الثوب فضلة ولم نعلم بأنها نجسة أو من الأنواع
المستثناة فهناك حالات:
الأولى: ان يكون المكلف على يقين بأنها فضلة حيوان لا يسوغ اكل
لحمه ولكن لا يدري هل هو من نوع الطيور أو من أصناف الحيوانات
الأخرى وفي هذه الحالة يحكم بنجاستها شرعا.
الثانية: ان لا يعلم بان هذه الفضلة هل هي لحيوان يسوغ اكل لحمه
أو لحيوان لا يؤكل لحمه شرعا، وفي هذه الحالة الحكم هو الطهارة
الثالثة: ان لا يعلم بان هذه الفضلة هل هي لحيوان ليس له لحم أو
لحيوان له لحم، وفي هذه الحالة الحكم هو الطهارة أيضا.
7 - الثالث: المني نجس من الانسان ومن كل حيوان، سواء كان
مما يسوغ اكل لحمه أم لا. ويستثنى من ذلك الحيوانات التي لا يجري دمها
من العروق بدفع وقوة وانما يجري رشحا كالسمك والحشرات، فان هذه
الحيوانات إذا كان لها مني فهو طاهر.
ومني الرجل واضح، واما المرأة فقد سبق انه لا دليل على أن لها

214
منيا، ولكنها مع هذا تغتسل وتطهر بدنها وثيابها من كل ماء تحتاط بالجمع
بسببه بين غسل الجنابة والوضوء على ما تقدم في الفقرة (33) من فصل الغسل.
8 - وقد يخرج من قبل الانسان أشياء اخر غير المني والبول، وهي:
المذي والوذي والودي. وقد تقدم تفسيرها في الفقرة (80) من فصل
الوضوء. وهذه الأشياء طاهرة ولا يجب غسل الموضع منها.
9 - الرابع والخامس: الكلب والخنزير.
الكلب والخنزير نجسان عينا وذاتا بكل ما فيهما حتى العظم والشعر
والسن والظفر حيين وميتين، من غير فرق بين الكلب المسيب والكلاب
المستخدمة في الحراسة أو المدربة على الصيد أو الممرنة على اكتشاف الجرائم
وغير ذلك من الكلاب.
ولا تشمل النجاسة كلب البحر ولا خنزير البحر، وهما حيوانان بحريان
يطلق عليهما اسم الكلب والخنزير تشبيها لهما بالكلب والخنزير البريين.
10 - وما عدا الكلب والخنزيز من الحيوانات طاهر على اختلاف
أصنافها، حتى الثعلب والأرنب والعقرب والفأر.
11 - السادس: الميتة.
قد يكون الحيوان نجسا بالذات كالكلب والخنزير على تقدم فإذا مات
تضاعفت النجاسة وتعاضدت بتعدد السبب
والكلام هنا حول الحيوان الطاهر ما دام حيا فان مات تنجس بالموت
فقط. فكل حيوان طاهر إذا مات أصبح نجسا ويسمى بالميتة ونقصد بالميتة
أو الحيوان الميت ما مات بدون تذكية على الوجه الشرعي، من غير فرق
بين ان يكون قد مات موتا طبيعيا أم قتلا، أم خنقا، أم ذبحا على غير
الوجه الشرعي، أم غير ذلك. وأيضا لا فرق بين ان يكون مأكول اللحم.

215
أم غير مأكول. 12 - ويستثنى من ذلك: الحيوان الذي تقدم ان منيه طاهر، وهو ما يجري
دمه من عرقه بقوة ودفع، فان ميتة طاهرة ومنه السمك والذباب والعقرب
وغيرها من الحشرات.
13 - وإذا شككنا في أن هذا الزاحف على الأرض - مثلا - أو هذا
الطائر بجناحيه: هل له دم يجري بقوة ودفع أو ليس له ذلك حكمنا
بطهارة الميتة منه.
14 - والانسان ينجس بالموت كالحيوان، ويطهر الميت المسلم بتغسيله
غسل الأموات، على الوجه المتقدم في الفقرة (126) من فصل الغسل
15 - الحمل إذا بلغ مرحلة بتحرك فيها ثم صار سقطا فهو نجس
بالموت وإذا صار سقطا قبل ذلك فاللازم احتياطا اعتباره ميتة أيضا وكذلك الفرخ
في البيضة.
16 - النجس بالموت انما ينجس منه الاجزاء التي يجري فيها الدم
وتدب فيها الحياة، واما مالا يجري فيها الدم فلا ينجس. ومن ذلك:
الصوف والشعر والوبر والسن والعضم والريش والمنقار والظفر والقرن
والمخلب وغير ذلك. ولا فرق في طهارة هذه الأشياء من الميتة بين ميتة
حيوان يسوغ اكله وميتة حيوان محرم الاكل.
وما ذكرناه من عدم نجاسة هذه الأشياء بسبب الموت لا يعني انها
لا تتنجس بما في الميتة من رطوبات، فإذا لاقى شئ منها تلك الرطوبات
يصبح متنجسا.
17 - وكل جزء ينجس من الميتة ينجس أيضا لو انفصل من الحيوان
الحي، فلو قطعت ألية الغنم أو رجله كانت نجسة. ولا باس بما ينفصل من

216
جسم الحيوان أو الانسان مما يكون بالفضلات أشبه كالثولول (1) وقشور
الجرب وقشرة الرأس تخرج بالتمشيط والحلق بالموس، وما يعلو الجرح
والشفة عند البرء، وما يتصل بالأظفار عند قصها وما ينفصل عن باطن القدم
حين حكه بالحجر عند الاستحمام، وغير ذلك مما لا يعده العرف شيئا
ذا قيمة.
18 - وكما لا ينجس الريش في الميتة كذلك البيضة في جوف الطائر
الميت فإنها طاهرة ان اكتست القشر الاعلى حتى ولو كان طريا، اما اكل
البيضة فيجري عليه ما يجري على البائض تحليلا وتحريما.
19 - وقد تسأل هل الحليب الموجود في ضرع الحيوان الميت تشمله
نجاسة الميتة أولا؟
والجواب ان كان الحيوان المذكور مأكول اللحم كالغنم فالحليب
الموجود في ضرعه عند موته طاهر أما إذا كان غير مأكول اللحم كالهرة
فحليبه نجس.
20 - وقد تسأل عن فارة المسك - وهي جلدة في الغزال فيها ما يشبه
الدم طيب الرائحة -؟
والجواب: انها طاهرة سواء أخذت من غزال حي أم ميت.
21 - وقد تسأل أيضا عن حكم النفحة الميتة، فقد جرت العادة
عند أصحاب المواشي إذا مات ابن العنزة حال ارتضاعه ان يستخرجوا
معدته ويعصروها في شعرة مبتلة باللبن فتجمد كالجبن وتسمى إنفحة؟
والجواب انها طاهرة تماما كصوف الحيوان الميت وشعره.
22 - كلما شككنا في لحم أو شحم أو جلد: هل هو مأخوذ من



(1) على وزن عصفور، وهو حب صغير يخرج من الجسد ويسمى
عرفا بالفالول أو الثالول.
217
حيوان ذبح على الوجه الشرعي (مذكى) لكي يكون طاهرا، أو مأخوذ
من حيوان ميت لكي يكون نجسا - كلما شككنا في ذلك فهو طاهر شرعا،
سواء كان في حيازة مسلم أو كافر ولا فرق بين حيازة المسلم وحيازة الكافر
من هذه الناحية.
23 - وانما تختلفان من ناحية احكام أخرى، فان الميتة كما تكون
نجسة شرعا كذلك هي محرمة ولا يجوز الاكل من لحمها ولا الصلاة في جلدها
أو في شئ منها.
وعلى هذا الأساس فالمشكوك في أنه مذكى - لحما أو جلدا - إذا لم
يكن في حيازة المسلم فلا يحل الاكل منه ولا الصلاة فيه على الرغم من
طهارته وإذا كان في حيازة المسلم وفي معرض استعماله عل نحو يتعامل معه معاملة
تشعر بأنه مذكى، كالقصاب المسلم يعرض اللحم للبيع فهو حلال ويسوغ
الاكل من اللحم حينئذ، كما يجوز لبس الجلد في الصلاة ويستثنى من ذلك
حالة واحدة وهي: ان نعلم بان المسلم قد اخذه من يد كافر أخذه عفويا
بدون فحص وتحقيق ففي هذه الحالة يحرم، وسيأتي الحديث عن الحرمة
مرة أخرى في مواضعها من فصول الصلاة وفصول الأطعمة.
وأما إذا علمنا بان هذا اللحم أو الشحم أو الجلد لم يذك على الوجه
الشرعي فهو حرام ونجس معا، سواء كان في حيازة كافر أو مسلم
24 - السابع: الدم
الدم نجس عينا، سواء كان من انسان أو حيوان وسواء كان الحيوان
مما يسوغ اكل لحمه شرعا أو ما لا يؤكل لحمه.
ويستثنى من ذلك ما يلي:
25 - أولا: دم الحيوان الذي لا يجري دمه من العروق بقوة ودفع كدم السمك فإنه طاهر.

218
26 - ثانيا: كل دم يبقى ويرسب في لحم الذبيحة أو كبدها وما أشبه
بعد ما يخرج دمها المعتاد من محل الذبح أو النحر - فهو طاهر ويسمى في
عرف الفقهاء بالدم المتخلف في الذبيحة.
27 - ثالثا: الدم الذي يمتصه البرغوث والقمل ونحوهما من البعوض
الذي ليس له دم أصيل، فان ما تمتصه هذه الحيوانات من الانسان أو من
الحيوانات ذات الدماء الأصلية يصبح طاهرا بامتصاصها له وامتزاجه بجسمها.
28 - رابعا: قطرة الدم التي قد يتفق وجودها في البيضة فهي طاهرة
وان كان ابتلاعها حراما.
واما الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب فهو نجس ومنجس للبن
وكذلك الامر في النطفة التي تصير مع الأيام قطعة جامدة من الدم وتسمى
علقة، فإنه إذا رشح من هذه العلقة شئ من الدم فهو نجس.
29 - وإذا شك المكلف هل ان هذا الأحمر على ثوبه أو بدنه دم أم
لا حكم بطهارته شرعا، وكذلك إذا شك في سائل اصفر خرج من جرح
من بدنه أو عند الحك ونحوه هل هو دم أو لا - فإنه يبني على طهارته.
30 - وإذا علم بان هذا الأحمر على ثوبه أو بدنه دم بلا ريب، ولكنه
شك هل هو من دم الغنم مثلا كي يكون نجسا أو من السمك الذي لا يجري
دمه من عروقه بقوة كي يكون طاهرا - فهو طاهر.
31 - وإذا علم بان هذا الدم لا يخلو من أحد شيئين: اما هو من
بدنه واما هو من بعوضة امتصته منه أو من انسان آخر أو من حيوان دماؤه
تجري بدفع وقوة كما يحدث ذلك في الأكثر الأغلب فهو نجس يجب تطهير
البدن أو الثوب منه.
32 - الثامن: المسكر المتخذ من العنب.
المسكرات تؤخذ من مواد كثيرة، منها العنب ومنها الشعير ومنها

219
غير ذلك من الأشياء التي تشتمل على مواد سكرية قابلة للتحول إلى كحول
وتوليد المسكر وكل المسكرات محرمة يحرم شربها وبيعها وشراؤها، سواء
كانت مائعة كالخمر أو جامدة كالحشيشة، واما النجاسة فلا تثبت للمسكر
الجامد بدون شك فالحشيشة طاهرة باتفاق الفقهاء على الرغم من حرمتها.
واما المسكرات المائعة فالنجاسة فيها تختص في رأينا بالمسكر المتخذ من العنب
وهو الخمر، غيره من المسكرات السائلة والمائعة المأخوذة من غير العنب
فهي محرمة وطاهرة، ولا فرق من حيث الحرمة والطهارة بينها وبين
المسكر الجامد بالأصل كالحشيشة.
33 - وكذلك الحكم في العصير العنبي إذا غلا بالنار واشتد ولم يذهب
ثلثاه فإنه - احتياطا - يحرم بالغليان ولكنه طاهر، فإذا ذهب ثلثاه بسبب
الغليان يصير حلالا بالإضافة إلى طهارته. 34 - وأما إذا غلا العصير العنبي أو تهيأ للغليان بالنشيش (1) فهو نجس
وحرام بدون شك لأنه خمر مأخوذ من العنب، فان استخراج المسكر من
العنب يتم بهذه الطريقة.
35 - وعصير التمر والزبيب والحصرم طاهر على اي حال، سواء
غلا بالنار أو بدون نار، وحلال أيضا إذا غلا بالنار أو نحوها وأما إذا
غلا بدون ذلك وبمرور الزمن فهو حرام إذ يصبح بذلك مسكرا وان ظل
على طهارته.
وعلى ضوء ما ذكرناه يعرف حكم الفقاع أو ما يسمى ب‍ (البيرة) فإنه
حرام محرم لأنه مما يسكر، ولكنه ليس نجسا لأنه غير مأخوذ من العنب
بل من الشعير عادة.



(1) الغليان هو تحرك اجزاء السائل وتصاعدها بالحرارة، والنشيش
صوت يسبق الغليان عادة.
220
36 - التاسع: الكافر.
من آمن بوحدانية الله ورسالة محمد (ص) واليوم الآخر فهو مسلم
طاهر من أية فرقة أو طائفة أو اي مذهب كان من المذاهب الاسلامية،
وكل انسان أعلن الشهادتين (الشهادة لله بالتوحيد وللنبي محمد (ص) بالرسالة)
فهو مسلم عمليا وطاهر حتى ولو علم بأنه غير منطو في قلبه على الايمان
بمدلول الشهادتين ما دام هو نفسه قد أعلن الشهادتين ولم يعلن بعد ذلك
تكذيبه لهما، أو اعتقادات دينية أخرى تتعارض معها بصورة صريحة لا تقبل
التأويل، وكل من ولد عن أبوين مسلمين فهو مسلم عمليا وطاهر ما لم يعلن
تكذيبه للشهادتين. أو اعتقاده بعقائد دينية أخرى تتعارض معهما كذلك.
وغير هذا وذاك يعتبر كافرا. وكل كافر نجس، ويستثنى من نجاسة
الكافر قسمان من الكفار.
37 - أحدهما: أهل الكتاب، وهم الكفار الذين ينسبون أنفسهم
إلى ديانات سماوية صحيحة مبدئيا ولكنها نسخت كاليهود والنصارى، بل
وكذلك المجوس أيضا.
38 - والآخر: من ينسب نفسه إلى الاسلام ويعلن في نفس الوقت
عقائد دينية أخرى تتعارض مع شروط الاسلام شرعا، وذلك كالغلاة
الذين يشهدون الشهادتين ولكنهم يغالون في بعض الأنبياء أو الأولياء من أهل البيت عليهم السلام أو غيرهم غلوا يتعارض مع الاسلام، وكذلك
النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، فان هؤلاء الغلاة والنواصب كفار ولكنهم طاهرون
شرعا ما داموا ينسبون أنفسهم إلى الاسلام.
39 - العرق.
العرق الذي ينضح به بدن الانسان الطاهر وأبدان الحيوانات الطاهرة

221
طاهر في جميع الحالات حتى عرق الجنب وعرق الحائض، ولكن في
الفقهاء من حكم بنجاسة العرق في حالتين.
40 - الأولى من أجنب بسبب الحرام كالزنا، ورشح بدنه بالعرق
فقد قال بعض الفقهاء بأنه نجس، ولكن الصحيح انه طاهر، ولا فرق
بينه وبين عرق الجنب بسبب الحلال.
41 -: الثانية: إذا أصبح الحيوان معتادا على العذرة في غذائه،
ويسمى بالحيوان الجلال ورشح بدنه بالعرق، فقد قال بعض الفقهاء بان
عرقه هذا نجس كنجاسة بوله، وبخاصة في الإبل.
وكل حكم يثبت للحيوان الجلال كنجاسة عرقه أو حرمة الاكل من
لحمه ونجاسة فضلاته، يستمر إلى أن يستبرأ، وذلك بان يمنع عن اكل
العذرة فترة من الزمن حتى يقلع عن عادته ويعود إلى الطبيعة.
الأشياء المتنجسة.
قد يتنجس الماء الطاهر بسبب الأعيان النجسة، وقد فصلنا الكلام
حول ذلك في فصل احكام الماء (راجع الفقرة (5) وما بعدها).
واما غير الماء من الأشياء الطاهرة فهي تكتسب نجاسة بسبب تلك الأعيان
النجسة في حالة حدوث الملاقاة والمماسة بين الشئ الطاهر واحدى تلك الأعيان
النجسة، على التفصيل التالي:
42 - (1) إذا كانت عين النجس مائعة، كقطرة بول أو دم،
ولاقت جسما جامدا، كالثوب والبدن والأرض، سرت النجاسة إلى هذا
الجسم الجامد الملاقي وتنجس منه خصوص المحل الذي لاقته قطرة الدم أو
البول دون غيره من أطراف الملاقي واجزائه.

222
43 - (2) إذا كانت عين النجس مائعة كما في الحالة السابقة ولاقت
شيئا مائعا طاهرا - كالحليب تقع فيه قطرة دم - سرت النجاسة إلى الطاهر
المائع وتنجس كله ولم تختص النجاسة بموضع منه دون موضع.
وبالمقارنة بين هذه الحالة والحالة السابقة نعرف الفرق بين الأشياء
الطاهرة الجامدة والأشياء الطاهرة المائعة في كيفية سراية النجاسة وامتدادها
إليها، فان الأولى يتنجس منها محل الملاقاة المباشر خاصة والثانية تتنجس
كلها بالملاقاة (1) وليس الفارق بين المائع والجامد في سعة الرقعة أو المساحة
التي تتنجس من المائع بالملاقاة فحسب بل في عمق النجاسة أيضا، فان
النجاسة التي تسري إلى الجامد تنجس سطحه الذي مسته مباشرة وكما
لا تشمل النقاط المجاورة من سطحه كذلك لا تسري في عمقه ما لم تنفذ العين
النجسة في داخله، واما النجاسة التي تسري إلى المائع فهي تنجس موضع
الملاقاة وغيره على السواء وتسري إلى عمقه في الوقت نفسه.
وقد يتفق ان شيئا واحدا يكون في حالة مائعا وفي حالة أخرى
جامدا، كالدهن والعسل، فإذا لاقى النجس وهو جامد انطبق عليه حكم
الحالة الأولى، وإذا لاقاه وهو مائع انطبق عليه حكم الحالة الثانية.
ونريد بالمائع الذي يتنجس كله بالملاقاة ما توفر فيه أمران:
أولا: ان يكون ميعانه على نحو يجعل فيه رطوبة كرطوبة الماء،
فليس منه قطع الذهب أو الحديد التي تذوب بتسليط الحرارة عليها حتى



(1) ينبغي ان يلاحظ بهذا الصدد: ان المائع إذا كان يجري بدفع
وقوة من أعلى إلى أسفل كالإبريق يصب منه الماء، أو من أسفل إلى أعلى
كالفوارة أو من نقطة من الأرض إلى نقطة موازية فلا ينجس بملاقاته
لعين النجس الا موضع الملاقاة كما تقدم في الفقرة (4، 9) من فصل
احكام الماء.
223
تصبح سائلة وتتحول من حالة الانجماد إلى حالة السيولة، فالذهب المذاب
إذا لاقى نجسا فهو كالجامد إذا لاقى نجسا اي كالثوب والخشب والفراش
فإذا وقعت قطرة دم على ذهب مذاب تنجس منه موضع الملاقاة خاصة.
وثانيا ان تكون درجة الكثافة في المائع ضئيلة بدرجة لو أخذ منه
شئ لما بقي موضعه خاليا حين الأخذ بل يمتلأ فورا وفي نفس اللحظة،
وأما إذا كانت درجة الكثافة أكبر من ذلك على نحو لو اخذا من المائع
شئ يبقى موضعه خاليا حين الاخذ وان امتلأ بعد ذلك فهو جامد،
وحكمه حكم الثوب والفراش إذا لاقى نجسا، فإذا اصابه دم مثلا تنجس منه
موضع الملاقاة خاصة.
44 - (3) إذا كانت عين النجس جامدة، كالدم اليابس أو شعر
الخنزير ولاقت المائع بالمعنى الذي تقدم في الحالة السابقة فيتنجس كله
بالملاقاة كما مر في تلك الحالة.
45 - (4) إذا كانت عين النجس جامدة ولاقت شيئا جامدا كالثوب
والفراش والبدن أو الذهب المذاب أو الدبس المتماسك الذي لا يملأ الفراغ
فورا إذا اخذ منه شئ فالحكم في هذه الحالة يرتبط بمدى الجفاف
والرطوبة، فإذا كان النجس والشئ الطاهر الملاقي له كلاهما جافين فلا
ينجس الطاهر بالملاقاة، وإذا كانا نديين أو كان أحدهما نديا ولكن بنداوة
لا تنتقل بالملاقاة، وإذا كانا ندبين أو كان أحدهما نديا ولكن بنداوة
لا تنتقل بالملاقاة من أحد الجسمين إلى الآخر فلا ينجس الطاهر أيضا
بالملاقاة، وإذا كان كلاهما أو أحدهما نديا ومرطوبا برطوبة قابلة للانتقال
والامتداد إلى الجسم الملاقي - سرت النجاسة بالملاقاة وتنجس من الشئ
الطاهر موضع الملاقاة خاصة. وعلى ضوء ما تقدم يتضح أن سراية النجاسة
من العين النجسة إلى جسم آخر يتوقف على أمرين أساسيين. أحدهما:
الملاقاة. والآخر توفر الرطوبة، بان يكون أحدهما على الأقل مائعا أو

224
مرطوبا برطوبة قابلة للانتقال بالملاقاة من جسم إلى آخر.
ونريد بالملاقاة: ان يمس الجسم الطاهر عين النجس وجرمها ولا يكفي
ان يتسرب أثرها ويبدو على الشئ الطاهر، وعلى هذا الأساس، إذا
سرت الرطوبة والعفونة من بالوعة الفضلات والنجاسات - مثلا - إلى شئ
طاهر ومجاور، كالفراش والأثاث وارض الغرفة وحائطها - فلا يتنجس
هذا الطاهر المجاور بذلك، لان ذلك لا يحقق عرفا الملاقاة بينه وبين
عين النجس.
وعلى اي حال، فإذا تحققت الملاقاة بين جسم طاهر وعين النجس
وتوفرت الرطوبة أصبح الجسم الطاهر نجسا ونجاسة الجسم الطاهر هذه
لا ترتبط بالتصاق شئ من عين النجس بالجسم الطاهر بل تحصل بسبب
الملاقاة بين عين النجس وذلك الجسم حتى ولو لم يلتصق منها شئ فيه.
ويستثنى من ذلك بعض الحالات كما يلي:
47 - أولا: إذا كان الجسم الطاهر الملاقي لعين النجس بدن الحيوان
فإنه لا يصبح نجسا بالملاقاة، فإذا لم يلتصق به شئ من عين النجس فهو
طاهر وليس فيه شئ يوجب الاجتناب عنه، وإذا التصق به شئ من
عين النجس فهذا الملتصق هو النجس دون بدن الحيوان، فإذا أزيل ذلك الجزء
من عين النجس عن بدن الحيوان لم يعد هناك شئ يدعو إلى الاجتناب عن بدنه.
وعلى هذا الأساس فان ولد الحيوان المطخ بالدم بسبب الولادة، ومنقار
الدجاجة الملوث بالعذرة، وفم الهرة تأكل الميتة ويبقى على فمها شئ
منها - ليس هناك ما يدعو إلى الاجتناب عنه إذا زالت عين النجاسة عن
المحل باي طريق كان.
48 - ثانيا: إذا كان الجسم الطاهر الملاقي لعين النجس من بواطن

225
الانسان، ونريد ببواطن الانسان: كل ما لم يبد ويظهر من الانسان كلسانه
مثلا وداخل أنفه وباطن أذنيه وأمعائه، فان كل ذلك لا يكسب نجاسة بالملاقاة
كبدن الحيوان تماما، فإذا وقع دم على لسانك أو وضعت لقمة نجسة أو
متنجسة في فمك لا يجب عليك أن تغسل اللسان أو داخل الفم وانما يكفي
إزالة تلك العين النجسة أو المتنجسة، لان باطن الانسان لا ينجس بالملاقاة.
49 - ثالثا: إذا كانت عين النجاسة لا تزال في داخل الانسان
ولاقاها جسم طاهر أوصل إليها من خارج جسم الانسان فلا ينجس.
ومثال ذلك: أن يحقن الشخص بماء طاهر فيلاقي الماء النجاسة في أمعائه
ثم يخرج صافيا لا يحمل معه أي شئ من النجاسة فيبقى الماء على طهارته
وكذلك إذا زرق الطبيب إبرة في بدن المريض فلاقت دمه في داخل جسمه
وخرجت نقية فإنها طاهرة.
50 - إذا تنجس الشئ الطاهر بعين النجس وفقا لما تقدم من
حالات ثم لاقى هذا المتنجس شيئا طاهرا فهل ينجس أيضا؟
وهل تظل النجاسة تنتقل هكذا من شئ إلى آخر فيتنجس الشئ
بعين النجس، وينجس هذا الشئ بدوره شيئا ثانيا بالملاقاة وينجس الثاني
شيئا ثالثا كذلك وهكذا؟
والجواب ان الشئ الطاهر يتنجس إذا لاقى برطوبة عين النجس أو
كان بينه وبينها واسطة واحدة فقط، وأما إذا كان بينه وبينها واسطتان
فلا يتنجس ومثال ذلك: ان تمس بيدك شعر الكلب وهو مبتل ثم
تضع يدك وهي مرطوبة على ثوبك، فان يدك تتنجس بعين النجس
ويتنجس الثوب كذلك، لان بينه وبين عين النجس واسطة واحدة،
ولكن شيئا آخر إذا لاقى الثوب برطوبة لا يتنجس به، إذ يكون بينه
وبين النجس واسطتان، وهذا معنى قولنا ان المتنجس الأول ينجس وان

226
المتنجس الثاني لا ينجس. ونزيد بالمتنجس الأول: ما كان متنجسا بعين
النجس مباشرة. ونريد بالمتنجس الثاني: ما كان بينه وبين عين النجس
واسطة واحدة، فلا ينجس ما يلاقيه وان كان نجسا لان هذا الملاقي له
يفصل حينئذ بينه وبين عين النجس واسطتان. ولكن يجب ان يعلم بهذا
للصدد: أن واسطة إذا كان مائعا متنجسا بعين النجس لم تحسب
كواسطة واعتبر الشئ المتنجس بها كأنه تنجس بعين النجس مباشرة،
بل الواجب الاحتياط بتعميم هذه على كل واسطة مائعة سواء تنجس بعين
النجس مباشرة أو بالمتنجس بعين النجس. وهكذا نحسب دائما عدد الوسائط
التي تفصل بين الشئ وعين النجس ونسقط منها كل واسطة مائعة فان بقي
أكثر من واسطة لم يتنجس ذلك الشئ والا تنجس.
وفيما يلي توضيح ذلك في أمثلة:
تنجست ارض الغرفة بعين النجس ثم تنجست قدمك بالمشي على
تلك الأرض وهي ندية رطبة وأصابت قدمك وهي رطبة أيضا الفراش،
فالقدم متنجسة بواسطة واحدة تفصلها عن عين النجس وهي الأرض،
واما الفراش فبينه وبين عين النجس واسطتان، وهما الأرض والقدم،
وليس أحدهما مائعا فلا ينجس الفراش.
أريق مائع متنجس بعين النجس على الأرض ثم أصابت قدمك الأرض
وهي رطبة، فالأرض هنا متنجسة بواسطة واحدة تفصلها عن عين النجس
وهي المائع المتنجس، والقدم تفصلها واسطتان، وهما المائع أولا والأرض
ثانيا، ولكن على الرغم من وجود واسطتين تنجس القدم لان إحدى
الواسطتين من المائعات فتسقط من الحساب فلا يبقى الا واسطة واحدة.
تنجست الأرض بمرور الكلب عليها وهو رطب وأريق شاي على
الأرض فطفرت إلى ثوبك قطرة من ذلك الشاي، فالشاي هنا يتنجس

227
لان بينه وبين عين النجس واسطة واحدة وهي الأرض، واما الثوب فبينه
وبين عين النجس واسطتان، وهما الأرض أولا والشاي ثانيا، ولكنه يتنجس
على الرغم من ذلك لأن الواسطة الثانية لا تحسب لأنها من المائعات فكان
بين الثوب وعين النجس واسطة واحدة فنسري النجاسة اي تمتد
إلى الملاقي.
احكام الشك في السراية
51 - قد يشك في سراية النجاسة إلى جسم طاهر إذ لا يعلم بأنه لاقى
نجسا أولا، والحكم عندئذ هو طهارته ما لم يثبت بإحدى وسائل الاثبات
الشرعية انه قد لاقى النجس وتنجس به، وهي كما يلي:
أولا: اخبار البينة عن ذلك.
ثانيا: اخبار الثقة، سواء كان هذا الشئ الطاهر في حيازته أولا.
ثالثا: قول ذي اليد، بملك أو إجارة أو أمانة أو إعارة أو وكالة
أو بغصب، بالغا كان صاحب اليد أو مقاربا للبلوغ، حتى لو لم يكن ثقة.
52 - وقد يعلم المكلف بان هذا الشئ الطاهر لاقى نجسا، ولكنه
يشك في وجو الرطوبة القابلة للانتقال التي هي شرط في سراية النجاسة
ففي مثل ذلك يبنى على الطهارة وعدم تنجس الملاقي حتى ولو كان على
علم بان الملاقي أو النجس كان مرطوبا سابقا واحتمل الجفاف عند الملاقاة
فلا يحكم بنجاسة الملاقي الا إذا تأكد المكلف بالحس والمشاهد أو بدليل
شرعي من أن الرطوبة كانت موجودة عند الملاقاة.
53 - وفي الحالات التي يشك فيها الانسان في حدوث النجاسة لا يجب
عليه ان يفحص ويسال ويدقق، بل يبنى على الطهارة حتى تتوفر لديه إحدى

228
وسائل الاثبات المتقدمة. وإذا لم تتوفر إحدى هذه الوسائل ولكن حصل
لديه ظن بحدوث النجاسة لم يأخذ بهذا الظن بل يبقى على الحكم بالطهارة
ما لم يحصل اليقين بالعكس.
احكام تتعلق بالنجاسة والطهارة منها
توجد احكام شرعية تتعلق بالنجاسة والطهارة منها، وهي كما يلي:
1 - الطهارة شرط في الصلاة.
54 - وأهم تلك الأحكام ان طهارة البدن حتى الشعر والظفر، وطهارة
الثياب حتى غير ما يستر العورة - شرط أساس في صحة الصلاة الواجبة
والمندوبة وركعات الاحتياط والأجزاء المنسية من الصلاة، اما سجدتا
السهو والتعقيب بعد الصلاة والاذان والإقامة قبلها فلا تشترط الطهارة في
صحة شئ منها.
وهناك استثناءات تسوغ بموجبها الصلاة بالنجاسة يأتي استعراضها
في الفقرة (78) وما بعدها.
وعلى هذا الأساس، إذا تنجس شئ من بدن المكلف أو ثيابه
وجب عليه لكي يصلي ان يطهر بدنه ويطهر الموضع المتنجس من ثوبه
أو يستبدله بثوب طاهر، أو يخلعه بدون دليل إذا كان عليه لباس آخر
طاهر يستر عورته حال الصلاة.
55 - وإذا كان بدنه متنجسا ولم تتهيأ له وسائل التطهير صلى مع
النجاسة، فان الصلاة لا تسقط بحال، ولكن إذا أمكنه تطهير بعض المواضع
لوجود ماء قليل يكفي لذلك وان لم بتطهير الجميع وجب عليه ان
يطهر ما أمكنه تطهيره من البدن.

229
وإذا كان ثوبه متنجسا ولا يتمكن من تطهيره ولا ساتر لديه سواه صلى
فيه، وإذا أمكنه غسل بعضه وجب كما مر بالنسبة إلى البدن.
56 - وإذا كان شئ من النجاسة على بدنك وشئ منها على ثوبك
ولا ماء يفي بتطهيرهما معا - فالبدن أولى بحق التطهير.
57 - وان كانت النجاسة في مكانين من ثوبك أو بدنك ولم يف الماء
بتطهيرهما معا طهرت أوسعهما مساحة وأشدهما نجاسة، وان كانتا في مستوى
واحد فالخيار لك.
58 - ومن كان عنده ماء بقدر ما يتوضأ به فقط وكان على بدنه
نجاسة - فله ان يزيل النجاسة بما لديه من الماء ويتيمم للصلاة، وبامكانه
ان يتوضأ بالماء ويصلي وبدنه كما تقدم في الفقرة (11)
من فصل التيمم.
59 - ومن كان عنده ثوبان طاهران وتنجس أحدهما وتعذر التمييز
بين النجس والطاهر، فماذا يصنع؟
الجواب: لا يسوغ له ان يكتفى بالصلاة بأحدهما فقط الا بعد تطهيره،
ويمكنه ان يكرر الصلاة مرتين: مرة بهذا ومرة بذاك.
60 - ومن صلى بالنجاسة عالما - لا جاهلا بوجودها - متعمدا -
لا غافلا - بطلت صلاته سواته سواء كان عالما بان الصلاة يشترط فيها طهارة
البدن والثياب منها أولا فمثلا: إذا كان على ثوب المصلي دم وهو يعلم
بذلك وملتفت إليه حين الصلاة ولكنه لا يعلم أن الدم نجس، أو لا يعلم
بان المصلي يجب عليه التنزه عنه وتطهير ملابسه من نجاسته فهذا المصلي
صلاته باطلة، فضلا عما إذا كان عالما بان الدم نجس وان الصلاة مع
النجاسة لا تصح.
61 - من صلى بالنجاسة وهو معتقد للطهارة وبعد الصلاة علم بمكان

230
النجاسة وانه قد صلى بها يقينا فلا شئ عليه حتى ولو كان وقت الصلاة
قائما ولم يمض بعد، ولا فرق في ذلك بين ان يكون اعتقاده بالطهارة
نتيجة ليقينه بان بدنه وثوبه لم يلاق النجس أو يعلم بأنه لاقى النجس ولكنه
يعتقد بأنه طهره.
ومن كان شاكا في حصول النجاسة في ثوبه أو بدنه فبنى على الطهارة
وفقا لما تقدم في الفقرة (53) وصلى ثم انكشف له بعد الصلاة بصورة
جازمة انه كان نجسا فلا شئ عليه كالسابق تماما.
62 - ومن علم بان على ثوبه أو بدنه نجاسة ثم ذهل عنها وصلى -
فصلاته باطلة وجودها وعدمها بمنزلة سواء، فان تنبه وتذكر قبل مضي
وقت الصلاة أقامها في وقتها المؤقت، والا أتى بها بعد الوقت وفاء لما
مضى وانقضى.
63 - من تذكر، وهو يقيم الصلاة، ان ثوبه هذا الذي يصلي
فيه الآن نجس من قبل أن يبدأ بالصلاة، ولكن قد ذهل عن نجاسته -
فصلاته باطلة، وعليه ان يقطعها ويطهر ويصلي من جديد.
ومن علم، وهو يقيم الصلاة، أن ثوبه نجس من قبل ان يبدأ بالصلاة
ولكنه كان جاهلا بذلك حين دخل في صلاته فحكمه هو الحكم السابق
إذ تبطل الصلاة.
64 - وهذا الذي تذكر أو علم في أثناء الصلاة بان ثوبه نجس منذ
البداية إذا كان الوقت لا يتسع بالنسبة إليه للإعادة مع الطهارة ولا لركعة
واحدة فان أمكنه ان يطهر ثوبه أو يستبد له في أثناء الصلاة مع الحفاظ
على واجبات الصلاة - فعل وأكمل صلاته، والا واصل صلاته في النجس
وفي كلتا الحالتين يحتاط بالقضاء.
65 - ومن كان يصلي فأصابت النجاسة ثوبه أو بدنه وعلم بذلك

231
فورا حين اصابتها طهر بدنه أو ثوبه من النجاسة، أو نزع الثوب النجس
عنه إذا كان هناك ما يتستر به وواصل صلاته، وان لم يتمكن من التطهير
أو النزع في أثناء الصلاة قطعها وأصلح حاله وأعاد الصلاة، وإذا كان لا يتمكن من التطهير أو النزع في أثناء الصلاة ولا من اعادتها لضيق الوقت
حتى عن ركعة (1) واصل صلاته بالنجاسة ولا شئ عليه.
66 - ونفس الشئ نقوله في حالة شعور المصلي واحساسه بالنجاسة
أثناء الصلاة ولم يعلم بأنها قد طرأت عليه الآن أو كانت موجودة سابقا
فإنه يبنى على انها قد اصابته الآن ويعمل كما تقدم.
(2) الطهارة شرط في موضع السجود
67 - الطهارة شرط في موضع السجود بمعنى ان الشئ الذي يسجد عليه
المصلي من تراب أو ورق أو خشب أو غير ذلك يجب ان يكون الحد
الأدنى الذي يكتفي بالسجود عليه وإصابة الجبهة له طاهرا ولا يلزم
ان يكون كل التراب أو كل الخشية طاهرا.
68 - وإذا تعذر السجود على موضع طاهر سجد على غيره.
69 - وإذا سجد على النجس جاهلا أو ناسيا وبعد ان فرغ علم
بذلك أو التفت صحت صلاته ولا إعادة عليه، وكذلك الحال إذا علم أو
التفت بعد انتهاء السجدة مباشرة ورفع رأسه.



(1) ومعنى هذا ان الوقت لو كان يتسع للتطهير أو التديل مع ركعة
واحدة وجب عليه ان يقطع صلاته ويطهر أو يبدل ويعيد الصلاة فتقع ركعة
منها في الوقت والباقي خارج الوقت ويكفي ذلك في صحة الصلاة.
232
3 - استعمال النجس
70 - لا يسوغ اكل الأشياء المتنجسة ولا شربها كما يأتي في موضعه من
احكام الطعام والشراب، ويسوغ التصرف والانتفاع بها في غير الصلاة والطعام
والشراب.
4 - بيع النجس
71 - يأتي في موضعه من فصول البيع ان المائع المتنجس يجوز بيعه
وشراؤه ما دامت له منفعة سائغة شرعا وعرفا، كالزيت يداوي به انسان
أو حيوان بالتدهين، أو يصنع منه صابونا أو غير ذلك، واما الجامد
المتنجس فهو نظرا إلى امكان تطهيره عادة لا شك في جواز بيعه على اي حال.
اما الأعيان النجسة، فلا يجوز بيع الخمر ولا الخنزير بحال، ولا الكلب
الا إذا كان نافعا في الصيد ومتمرسا عليه. ويجوز بيع ما سوى ذلك إذا
كانت له منفعة سائغة.
5 - حرمة تنجيس المساجد.
72 - لا يسوغ تنجيس المسجد، اي مسجد كان، وتجب إزالة
النجاسة منه وجوبا كفائيا وفوريا، ومن رآها في المسجد وعجز عن ازالتها
فعليه أن يعلم سواه بها.
وأيضا لا يسوغ ادخال نجس العين إلى المسجد إذا كان ذلك موجبا
لهتك حرمته وهدر كرامته، كادخال الكلب ونحوه.
73 - وحرمة تنجيس المسجد تشمل ارضه وجدرانه وسائر مواد
بنائه من شبابيك وأبواب وغيرها، وكذلك تشمل الفراش والمنبر وغيرها
من الأشياء المنفصلة التي توقف للاستعمال في المسجد واما وجوب التطهير
كفائيا إذ تنجس شئ من ذلك: فيختص بالمسجد وجدرانه ومواد بنائه
ولا يشمل الأشياء المنفصلة.

233
74 - وإذا تنجس المسجد، أو شئ من توابعه التي ذكرناها، بفعل
انسان معين وجب على الانسان التطهير إضافة إلى الوجوب الكفائي العام
الانف الذكر اي ان ذلك الانسان أكثر مسؤولية من غيره وإذا امتنع ذلك
الشخص الذي نجس المسجد عن القيام بواجبه أمكن لغيره إذا قام بذلك
وأنفق عليه باذن الحاكم الشرعي ان يطالب الشخص المنجس - بوصفه
المسؤول المباشر - بالتعويض عما أنفقه.
75 - ويستثنى من الحكم بحرمة تنجيس المسجد أو وجوب تطهيره
عدة حالات كما يلي.
1 - يستثنى من حرمة التنجس ان يكون التنجيس كجزء من عملية التطهير
كما إذا وقعت عين النجس على ارض المسجد، وتوقف التطهير منها على
استعمال الماء القليل لعدم توفر الماء الكثير وكان الماء القليل بحكم قلته
يتنجس بالعين النجسة وينجس بدوره المواضع التي يمتد إليها من ارض
المسجد، فان هذا التنجيس جائز، لأنه تنجيس مؤقت يحصل بالغسلة
الأولى التي تزال بها عين النجس ويزول بالغسلة الثانية. وهذا يجوز أيضا
حتى مع امكان تفاديه عن طريق استعمال الماء الكثير.
2 - يستثنى من حرمة التنجيس ووجوب التطهير المسجد الذي
اغتصبه طاغية وحوله إلى مسرح أو متجر أو طريق وما أشبه، فلا يحرم
تنجيسه ولا يجب تطهيره إذا تنجس. واما المساجد التي يصيبها الخراب
ويهجرها المصلون فيحرم تنجيسها ويجب تطهيرها إذا تنجست كالمساجد
المعمورة تماما.
3 - يستثنى من وجوب التطهير حالة ما إذا تطلب التطهير تخريب
شئ من المسجد، كما إذا كان الجص الذي جصصت به حيطان المسجد
قد خلط بماء متنجس وبنى به المسجد ولا سبيل إلى التطهير الا بالهدم،

234
ففي هذه الحالة لا يجب التطهير.
4 - يستثنى من وجوب التطهير الفوري حالة ما إذا كان على المكلف
وأحب آخر يفوت وقته لو اشتغل عنه بالتطهير، كما إذا دخل الانسان
المسجد في آخر وقت الفريضة ليؤديها ووجد فيه نجاسة، فلو اشتغل في
تطهيره منها تفوته الصلاة في وقتها، فلا يجب عليه حينئذ التطهير فورا
بل يجب في المثال المذكور ان يصلي وبعد الفراغ من الصلاة يطهر المسجد
وأما إذا كان وقت الفريضة واسعا وواجه المكلف مشكلة النجاسة في المسجد
وجب عليه ان يقدم التطهير على الصلاة، ولكن إذا قدم المكلف الصلاة
فصلى وترك النجاسة صحت صلاته غير أنه عصى في ترك النجاسة الا إذا
كان وقت الصلاة ضيقا لا يسمح بتأجيلها.
76 - حكم العتبات المقدسة كحكم المساجد في حرمة التنجيس
ووجوب التطهير.
77 - وكذلك أيضا يحرم تنجيس المصحف الشريف ويجب تطهيره
وإزالة النجاسة عن خطه وورقه وغلافه.
المصلي في بعض النجاسات
يباح للمصلي من النجاسات ما يلي:
78 - الأول: دم الجروح والقروح (مثل الدمل والخراج ونحوهما)
فإنه معفو عنه في الصلاة - وان كان نجسا - ما لم يبرأ الجرح أو القرح
قل هذا الدم أو كثر في الثوب أو في البدن، سواء كان موضع الجرح في
ظاهر البدن أو في باطنه، كالبواسير الداخلية إذا ظهر دمها وسرى إلى
البدن أو الملابس.

235
ولكن هذا العفو مرتبط بصعوبة التطهير أو تبديل الثوب والمشقة في
ذلك، ويكفي في الصعوبة والمشقة ان يكون ذلك شاقا على الكثرة الكاثرة
من المكلفين فيعفى عن ذلك حينئذ حتى ولو اتفق ان مكلفا ما كان يتيسر
له التبديل باستمرار بدون اي صعوبة.
ولا يجب على المكلف المصاب بتلك الجروح والقروح ان يحاول منع دمها
من التسرب إلى ملابسه وسراية النجاسة منه إليها ما دامت هذه النجاسة معفوا
عنها. وكما يعفى عن دم الجروح والقروح كذلك يعفى عن القيح الخارج
من الجرح والقرح، وعن الدواء الذي عليه، وعن العرق المتصل به.
وإذا شككنا في دم انه من الجرح أو القرح المعفو عنه أو من غيره -
وجب تطهيره.
وقد يشك الجريح في أن جرحه هل برأ أم لا كما إذا كان جرحا
داخليا فماذا يصنع؟
والجواب: انه يعتبر الجرح باقيا وعلى هذا الأساس لا يجب تطهير
ما رشح منه من دم حتى يحصل اليقين بالبرء.
79 - الثاني: الدم الذي لا يبلغ مجموعه عقدة السبابة، والسبابة: هي
الإصبع الواقعة بين الابهام والوسطى، والعقدة: هي أحد المواضع الثلاث
المقسم إليها الإصبع طبيعيا، فالدم الذي تقل المساحة التي يشغلها من
البدن أو الثوب عن مساحة عقدة السبابة يعفى عنه في الصلاة وان كان
نجسا - وهذا العفو مرتبط بالشروط التالية:
أولا: ان لا يكون دما من نجس العين كالكلب والخنزير.
ثانيا - ان لا يكون دما من حيوان لا يسوغ اكل لحمه وان كان طاهرا
كالأرنب والصقر.

236
ثالثا ان لا يكون من دماء الحيض أو الاستحاضة أو النفاس.
رابعا: ان لا يكون من دم الميتة.
وإذا وجد الدم نقطا صغيرة في مواضع متعددة من ثوب المصلي
مثلا لوحظ مجموعها فان كانت بمجموعها تبلغ عقدة السبابة فلا عفو،
والا ساغت الصلاة بها. وإذا كان الدم الضئيل قد تفشى إلى الوجه الآخر
من الثوب أو غيره من ألبسة المصلي فماذا يصنع؟
والجواب: إذا كان الدم قد تفشى بمعنى انه ظهر من الوجه الآخر
دون ان يتعداه إلى قطعة ثانية من ملابس المصلي فلا يضر ذلك وتصح
الصلاة فيه. وإذا كان قد تعداه إلى قطعة أخرى من الملابس وجب ان
ينظر إلى ما أحلته الدم من موضع جديد ويجمع مع الموضع السابق فان بلغ
المجموع قدر السبابة لم تجز الصلاة فيه، بدون فرق بين ان يكون الموضع
الجديد في قطعة مستقلة من ملابس المصلي أو في قطعة خلفية (البطانة)
للثوب الذي عليه الدم. وإذا تنجس ماء قليل بالدم ووقعت قطرة من هذا الماء
المتنجس بالدم على ثوب المصلى فلا يعفى عن ذلك حتى ولو كانت أصغر
من عقدة السبابة، لأن العفو يختص بالدم.
وإذا شككنا في أن هذا الدم: هل هو بقدر عقدة السبابة أو أقل
من ذلك صحت الصلاة فيه من غير فحص واختبار، وإذا تبين وانكشف
بعد الصلاة انه غير معفو عنه فلا يجب الاتيان بالصلاة مرة ثانية وان كان
في الوقت متسع لها.
80 - الثالث: الملبوس الذي لا تتم فيه الصلاة، وضابطة ان لا يكفي
لستر العورتين: القبل والدبر. كالجورب والتكة والخاتم والسوار وما يصنع
لرؤوس الرجال كالقلنسوة ونحوها، فتجوز فيه الصلاة وان كان متنجسا

237
سواء كان اللباس من النبات (كالقطن) أو من المعدن (كالنايلون)
ونحوه. أو من حيوان يسوغ اكل لحمه كصوف الغنم والبقر، وسواء كانت
النجاسة فضلة حيوان يسوغ اكل لحمه، أو فضلة حيوان لا يسوغ اكل
لحمه، أو غير ذلك من نجاسات. ولا يشمل هذا العفو ما يلي:
أولا إذا كان اللباس متخذا من الميتة النجسة كجلد الميتة.
ثانيا إذا كان اللباس متنجسا بفضلة حيوان لا يؤكل لحمه وكان شئ
منها لا يزال موجودا على اللباس، وكذلك إذا وجد عليه اي شئ مأخوذ
من الحيوانات التي لا يسوغ اكل لحمها فان الصلاة به حينئذ باطلة، لا من
اجل النجاسة بل من اجل وجوب تنزيه ملابس المصلي كلها عن اجزاء
وفضلات تلك الحيوانات.
ثالثا: إذا كان اللباس متخذا من حيوان نجس العين كشعر الكلب
أو الخنزير اللذين حكمت الشريعة بنجاستهما وحرمتهما، بل لا يسوغ الصلاة
بما يتخذ من اي حيوان يحرم اكله ولو كان طاهرا كشعر الأرنب مثلا.
وبكلمة مختصرة: ان الملبوس المتنجس الذي لا تتم به الصلاة
تصح الصلاة به الا إذا كان نجس العين، أو كان يحمل شيئا من حيوان
لا يؤكل لحمه، أو كان بنفسه متخذا من مثل هذا الحيوان.
81 - الرابع: المحمول، وهو تارة متنجس وأخرى عين نجسة،
فالمحمول المتنجس يعفى عنه وتباح الصلاة به حتى ولو كان مما تتم فيه
الصلاة لو استعمله، كالمنديل الكبير يطوى ويوضع في الجيب - مثلا -
فضلا عما لا تتم فيه الصلاة.
والمحمول النجس يعفى عنه أيضا إذا كان حمله بطريقة لا نعنى اصابته
لبدن المصلي أو ثوبه، كما إذا وضع الدم أو البول أو شعر الكلب في

238
قارورة أو وعاء زجاجي مغلق مثلا ووضع القارورة أو الوعاء في جيبه
فان الصلاة بهذه الحالة صحيحة، ويستثنى من ذلك:
أولا: ما إذا كان هذا المحمول بتلك الطريقة جزءا من ميتة نجسة.
ثانيا: ما إذا كان مأخوذا من حيوان لا يسوغ اكل لحمه
كدم الأرنب.

239
الطهارة
أنواع المطهرات

241
عرفنا ان الشئ النجس على قسمين: أحدهما: عين النجس، والآخر
المتنجس، وهو ما تنجس بملاقاة عين النجس، ونريد ان نعرف الآن متى
وكيف يمكن تطهير الشئ النجس، وذلك أولا في الأعيان النجسة، وثانيا
في المتنجسات.
1 - تطهير الأعيان النجسة
الأعيان النجسة لا تطهر الا في حالات معينة نذكرها فيما يلي:
1 - أولا: ميتة الانسان المسلم نجسة كما تقدم في الفقرة (14) من
فصل أنواع النجاسات، وهذه نجاسة عينية. ويطهر هذا الميت بالتغسيل
على الوجه الشرعي المتقدم في الفقرة (126) من فصل الغسل.
فتغسيل الميت على هذا الأساس أحد المطهرات شرعا، واما ميتة
الحيوان النجسة فلا تطهر بالغسل ولا بغيره، ولا يطهر جلد الميتة
بالدبغ والتصنيع.
2 - ثانيا: إذا استحالت العين النجسة طهرت، والمراد بالاستحالة
تحول الشئ النجس عن طبيعته الأصلية التي حكم الشارع عليها بالنجاسة
إلى طبيعة ثانية تغايرها بصورة أساسية على نحو يقول العرف هذا الشئ
جديد يحتل موضع الجسم القديم النجس كتحول العذرة النجسة إلى دودة
طاهرة، وتحول البول إلى بخار ثم رجوعه مائعا وتحول جسم الكلب الميت
تراب، وتحول الأسمدة الزارعية المتخذة من الفضلات النجسة
إلى نبات وشجر، وكذلك المني يصير حيوانا، والخمر إذا شربه حيوان
سائغ الاكل فتحول إلى بول أو عرق، والضابط تغير الطبيعة وتحولها
من الجذور والأساس على ما ذكرنا، أما إذا تغير الشكل والصورة دون

243
الطبيعة، كجعل لحم الميتة مرقا، أو جلدها حقيبة أو شعر الخنزير وسادة -
فان النجاسة تبقى ما كانت عليه ما لم يوجد مطهر آخر غير الاستحالة.
3 - ثالثا: إذا أسلم الكافر النجس كان هذا الاسلام مطهرا له من
النجاسة التي سببها له كفره، ولا حاجة به إلى غسل وتطهير.
4 - رابعا: إذا تحول الخمر إلى خل، أو إلى اي صورة أخرى
على نحو لم يعد خمرا ولا يسمى بالخمر عرفا طهر بذلك.
5 - خامسا: إذا امتص البرغوث والبق ونحوهما دما من انسان أو
غيره فهذا الدم يطهر بالامتصاص واكتسابه اسم دم البرغوث أو دم البق
وهكذا. واما الحيوانات التي لها دم بطبيعتها ولكن دماءها طاهرة إذا
امتصت دما من انسان أو من حيوان له دم نجس فليس من المعلوم ان
ذلك الدم الممتص يطهر بهذا الامتصاص، فإذا انتقل دم الانسان إلى
جسم سمكة - مثلا - فلا مؤكد لطهارة هذا الدم لأن السمكة من ذوات
الدماء وكذلك الامر إذا انتزعت عين من حيوان نجس كالكلب وركبت
في حيوان طاهر فإنه ليس من المعلوم انها تطهر بذلك.

244
2 - تطهير الأشياء المتنجسة
الأشياء المتنجسة تطهر بوسائل مختلفة أهمها الماء، لأن الماء يتميز
تطهيره باليسر والسهولة من ناحية، وبالشمول من ناحية أخرى، بمعنى
ان أكثر الأشياء المتنجسة يمكن تطهيرها بالماء.
التطهير بالماء
الماء كان تقدم في الفقرة (7) من فصل احكام الماء ينقسم إلى الماء
الكثير والماء القليل والتطهير تارة: يكون بالكثير، وأخرى: بالقليل.
اما التطهير بالماء الكثير فيتوقف:
6 - أولا على أن يكون الماء طاهرا، فلا يسوغ التطهير بالماء النجس.
7 - ثانيا: على أن لا يتغير الماء من خلال عملية الغسل والتطهير
تغيرا منجسا له وفقا لما تقدم في الفقرة (19) من فصل احكام الماء.
8 - ثالثا: على أن يكون ماءا مطلقا ويظل ماء مطلقا خلال الغسل
والتطهير، فلو تغير الماء خلال التطهير به تغير منجسا، أو تحول إلى ماء
مضاف قبل ان يكتمل الغسل لا يطهر الشئ المتنجس.
وعلى هذا الأساس، إذا غسل ثوب مصبوغ بالماء وانتقل الصبغ إلى
الماء وأصبح مضافا قبل ان يكمل الغسل فلا يطهر الثوب، واما مجرد تغير
لون الماء مع بقائه ماء مطلقا فلا يضر بالتطهير.
9 - رابعا: على أن تزال عين النجس عن الشئ المتنجس، اما
قبل البدء بغسله أو بنفس الغسل، ولا يضر ان تبقى من عين النجس رائحته

245
أو لونه أو شئ من صفاته ما دام غير موجود وجودا ماديا محسوسا فإذا
كانت في يدك دسومة من النجس وغسلتها طهرت شرعا حتى ولو بقيت
الدسومة، لان الدسومة صفة واثر وليست عينا، خلافا لما إذا كانت
مدهنة بدهن نجس فان التطهير يتوقف على إزالة الدهن، وإذا شك في أن
العين هل زالت أولا فلا يحصل التطهير حتى يتوافر اليقين أو الاطمئنان بان
عين النجس قد زالت.
10 - خامسا: على أن يتحقق الغسل، وذلك باستيلاء الماء على
الموضع المتنجس من الشئ استيلاء كاملا سواء تم ذلك عن طريق اجراء
الماء الكثير على الشئ المتنجس وصبه عليه، أو عن طريق ادخال الشئ
المتنجس في الماء الكثير، وتكفي الغسلة الواحدة في التطهير.
11 - وهذا الشرط الخامس وهو الغسل والاستيلاء يعفي منه باطن
الشئ، فإذا تنجس الخبز أو الصابون أو الخشب أو الخزف ونفذت
النجاسة إلى أعماقه كفى في تطهير تلك الأعماق نفوذ الماء وتسربه إليها على
الرغم من أن المتسرب منه إلى الأعماق مجرد رطوبات وليس بدرجة تحقق
الغسل والاستيلاء ويحصل ذلك بوضعه في الماء حتى يتسرب الماء إلى أعماقه
أو بصب الماء عليه مدة طويلة حتى يحصل هذا المقصود. والأفضل
في هذه الحالات تجفيف الشئ المتنجس أولا ثم تطهيره بجعل الماء
ينفذ إلى أعماقه. ويمكن تطهير العجين والطين ونحوهما بنفس الطريقة
أيضا ولو بان يخبز العجين مثلا ثم يطهر بما ذكرناه من ايصال رطوبة الماء
إلى أعماقه، واما مجرد تجفيف العجين المتنجس وخبزه فلا يكفي في تطهيره،
وكذلك الحال في المائعات إذا جمدت، فالحليب المتنجس إذا جمد - بان
يصنع جبنا مثلا - أمكن تطهير أعماقه بنفس الطريقة أيضا اما وهو مائع
فلا يمكن تطهيره، وكذلك سائر المائعات باستثناء الماء فإنها لا يمكن تطهيرها

246
وهي مائعة، واما تطهير الماء فقد تقدم حكمه في الفقرة (25) من فصل
احكام الماء، فكلما تحققت هذه الشروط طهر الشئ المتنجس بالغسل بالماء
الكثير بدون حاجة إلى شئ علاوة على ذلك.
ويستثنى من ذلك عدد من الحالات لا يحصل فيها التطهير شرعا الا
مع بعض الأمور الإضافية، وفيما يلي نذكر هذه الحالات:
12 - (أ) إذا كان الشئ المغسول وعاء من أوعية الطعام والشراب
ومتنجسا بالخمر فإنه يحتاج إلى الغسل ثلاث مرات.
13 - (ب) إذا كان وعاء من أوعية الطعام والشراب ومتنجسا بسبب
شرب الخنزير منه، غسل سبع مرات.
14 - (ج) إذا كان وعاء كما تقدم وتنجس بسبب موت الجرذ فيه -
وهو الكبير من الفأر البري لا فئران البيوت الصغار - غسل سبع مرات.
15 - (د) إذا كان وعاء كما تقدم وشرب منه الكلب بطرف لسانه
- ولغ فيه - أو لطع الوعاء بدون شرب، أو شرب بدون استعمال اللسان
كما لو كان مقطوع اللسان مثلا، أو باشره بلعابه، احتاج قبل الغسل بالماء
الكثير إلى الغسل بتراب طاهر ممزوج بشئ من الماء وبعد ان يغسل بالتراب
على هذا النحو يغسل بالماء الكثير مرة واحدة فيطهر.
16 - (ه‍) إذا كان الشئ المغسول ثوبا متنجسا ببول غير الرضيع
والرضيعة غسل مرتين، الا إذا كان الماء من الماء الجاري - الماء الذي
له مادة - وهو أحد اقسام الماء الكثير المتقدمة في الفقرة (7) من فصل
احكام الماء. فان التطهير بالماء الجاري يكفي فيه الغسل مرة واحدة.
وفي كل حالة قلنا فيها بوجوب الغسل أكثر من مرة لا يجب التتابع
بين المرتين أو المرات ووقوع بعضها عقيب البعض الاخر مباشرة.
واما التطهير بالماء القليل فيتوقف:

247
17 - أولا: على أن يكون طاهرا، كما تقدم في الماء الكثير.
18 - ثانيا: على أن لا يتنجس خلال عملية الغسل والتطهير، والماء
القليل يتنجس بملاقاة عين النجس خاصة، فإذا غسلنا المتنجس الخالي
من عين النجس لم يتنجس الماء الذي نغسل به خلافا لما إذا غسلنا
المتنجس وهو متلوث بعين النجس فان الماء حينئذ يتنجس بملاقاة عين
النجس فلا يتم التطهير بذلك.
وهذا يعني ان الغسلة التي تساهم في إزالة عين النجس عن الشئ
المتنجس لا تكفي لتطهيره بل لا بد من غسله بعد ذلك.
19 - ثالثا: على أن يكون الماء مطلقا ويظل مطلقا خلال الغسل
كما تقدم في الماء الكثير.
20 - رابعا: على أن تزال عين النجس إزالة تامة، وكما مر في
الماء الكثير.
21 - خامسا: على أن يستولي الماء على الموضع المتنجس، ويعفى
من هذا الشرط باطن الشئ المتنجس على ما تقدم في الماء الكثير.
22 - سادسا: على أن يكون ذلك بصب الماء القليل على الشئ
المتنجس لا بادخاله في ذلك الماء، فلو ادخل الانسان يده المتنجسة في
وعاء ماء قليل لم تطهر بذلك وإذا توفرت هذه الشروط طهر الشئ المغسول
بالماء القليل بغسلة واحدة إذا لم يكن على الشئ المغسول عين النجس
عند غسله، والا لم تكف الغسلة التي زالت عين النجس واحتاج التطهير
إلى غسلة واحدة بعد ذلك، فالتطهير يحتاج إذن إلى غسلة واحدة بعد
زوال عين النجس ولا حاجة به حينئذ إلى غسلة ثانية أو أمور أخرى إضافية.
ويستثنى من ذلك الحالات التالية، إذ يتوقف فيها التطهير على
أمور إضافية.

248
23 - (أ، ب، ج) الأوعية التي تستعمل في الطعام والشراب وتتنجس
بالخمر أو شرب الخنزير منها أو بموت الجرذ فيها، فان تطهيرها يحتاج إلى
غسلات متعددة في القليل كما نقدم في الكثير تماما.
24 - (د) الوعاء الذي يستعمل في الطعام والشراب إذا ولغ في الكلب
أو شرب منه أو لطع فيطهر إذا غسل بالتراب الطاهر الممزوج بشئ من
الماء ثم غسل بالماء القليل مرتين.
25 - (ه‍) الثوب أو البدن إذا تنجس شئ منهما بالبول فان الغسلة
الواحدة بالماء القليل لا تكفي بل يحتاج تطهيره بالماء القليل إلى غسله مرتين.
26 - (و) الأشياء التي يمكن للنجاسة المائعة ان تنفذ فيها كالملابس
والفراش والوسائد والستائر ونحو ذلك إذا تنجست بنجاسة مائعة، كالبول
أو الماء المتنجس، وجب عند تطهيرها بالماء القليل فركها.
27 - ويستثنى من هذه الفقرة والفقرة السابقة عليها الأشياء التي تتنجس
ببول الطفل الرضيع فإنها تطهر إذا غسلت بالماء القليل مرة واحدة وبدون
حاجة إلى فرك. ولا فرق في ذلك بين ان يكون الرضيع ذكرا أم أنثى،
ولا بين ان تكون الرضاعة في الحولين أم بعدهما شريطة ان يتغذى باللبن
عموما، وهو الحليب الطبيعي أو ما هو البديل المتعارف اليوم استعماله بدلا
عن لبن الأم.
28 - (ز) أوعية الطعام والشراب إذا تنجست بصورة عامة وغسلت
بالماء القليل فلا يقين بطهارتها الا إذا غسلت ثلاث مرات، بان يملأ
الوعاء ماء أو يصب فيه شئ من الماء ثم يدار فيه إلى أن يستوعب كامل
اجزائه ثم يراق بفعل به ذلك ثلاث مرات.
29 - وإذا كان الوعاء المتنجس كبيرا ومثبتا في الأرض وأريد تطهيره
بالماء القليل أمكن ذلك بان يصب الماء فيه ويدار باليد أو بآلة حتى يستوعب

249
كامل اجزائه ثم يخرج حينئذ هذا الماء ويجدد الغسل هكذا ثلاث مرات.
30 - وعلى ضوء مجموع ما تقدم يتضح: ان الأشياء التي بالامكان
عصرها واخراج بقية الماء الذي غسلت به منها كالثياب لا يجب في تطهيرها
ذلك وانما اللازم الفرك إذا غسلت بالماء القليل على ما تقدم في الفقرة (26)
كما اتضح: ان الأرض المتنجسة الخالية من عين النجس إذا غسلت بالماء
القليل فضلا عن الكثير فليس من الضروري ان يسحب منها هذا الماء
بالكامل بل تطهر الأرض بكاملها ولو بقي شئ من هذا الماء الذي صب
عليها في بعض المواضع منها.
وعلى هذا الأساس كما يمكن تطهير الأرض الصلبة بطبيعتها الصلبة أو
بواسطة التزفيت والبليط التي لا يتخلف فيها الماء عادة بحكم صلابتها ويجري
عنها - كذلك يمكن تطهير الأرض الرخوة أيضا الخالية من عين النجس
وذلك بان يصب الماء عليها على وجه يصدق عليه الغسل حتى ولو تسرب
الماء إلى أعماقها ولم يتجاوزها إلى غيرها.
واتضح أيضا: ان الماء الذي تصبه على يدك المتنجسة إذ امتد واخذ
مساحة من اليد أوسع من الموضع المتنجس فهذا لا يعني ان هذه المساحة
الواسعة أصبحت كلها متنجسة الا في حالة واحدة وهي ان تكون عين
النجس لا تزال موجودة على اليد وقد لاقاها الماء وجرى منها إلى المواضع
المجاورة في اليد فتتنجس عندئذ، لأن الماء القليل يتنجس بملاقاة عين
النجس وينجس بدوره إذا تنجس.
المطهرات الأخرى
31 - المطهر الثاني للشئ المتنجس استحالته، فكما ان استحالة العين

250
النجسة تطهرها كذلك استحالة الشئ المتنجس كالخشب يصبح رمادا والماء
المتنجس يتبخر ثم يعود ماء، وقد مر في الفقرة (2) معنى الاستحالة.
32 - وإذا لم يعلم أن عين النجس هذه أو هذا المتنجس الذي تغير عن حالته
الأولى هل يعتبر تغيره هذا استحالة وتحولا أساسيا أو لا فالحكم هو
طهارته شرعا.
33 - والمطهر الثالث تحول الخمر خلا أو إلى اي شئ آخر على نحو
لا يسمى خمرا، فان هذا التحول بطهر المائع المتحول من نجاسته، وهذا
تطهير لعين النجس كما تقدم في الفقرة (4) وكذلك يطهر الوعاء المتنجس
34 - وإذا شككنا: هل صار الخمر خلا كي يطهر يبقى المائع والوعاء
معا على حكم النجاسة.
35 - والمطهر الرابع اسلام الكافر النجس، وقد مر بنا في الفقرة
(3) انه يطهره، وكذلك يطهر ما تنجس به مما هو تابع لبدنه عرفا كماء ريقه.
فإذا أسلم الكافر طهر وطهر ماء ريقه ونخامته ونحو ذلك.
36 - والمطهر الخامس الأرض بمعناها العام الشامل للتراب والصخر
والرمل والآجر والجص والنورة، ويدخل ضمنها الشوارع المبلطة بالحصى
والزفت فإنها تطهر المتنجس ضمن الشروط التالية:
أولا: ان يكون المتنجس باطن القدم أو ما يلبسه الانسان في قدمه
من حذاء أو نعل أو جورب ونحو ذلك من اي نوع كانت مادته.
ثانيا: ان تكون هذه الأشياء قد تنجست بالمشي على الأرض أو
بالوقوف عليها فإذا كانت قد تنجست بطريقة أخرى فلا تطهر بالأرض.
ثالثا: ان تكون الأرض طاهرة وجافة.
فإذا توفرت هذه الشروط طهر المحل إذا مسح بالأرض أو مشى عليها
إلى أن زالت النجاسة عنه، ولا يطهر بمسح النجاسة بتراب أو حجر منفصل

251
عن الأرض. اجل تسوغ إزالة النجاسة عن المحل أولا بأية وسيلة تكون
ثم يحصل التطهير بالمشي على الأرض أو المسح بها.
37 - إذا شككنا ان هذا الجزء من الأرض: هل هو طاهر كي يصبح
التطهير به أو هو نجس كي لا يصح ولا يصلح لذلك فماذا نصنع؟
الجواب: ان علمنا بأنه كان من قبل نجسا فهو عمليا بحكم النجس
والا فهو طاهر.
38 - وإذا شككنا ان هذه النجاسة هل أصابت القدم من خلال المشي
والوقوف على الأرض أو بطريق آخر فلا يسوغ الاكتفاء في التطهير بالأرض
بل يجب غسلها بالماء حينئذ.
كيف يثبت التطهير
39 - إذا كان المكلف على يقين من أن هذا الشئ الطاهر قد تنجس
ثم شك هل طهر أم لا بني على أنه نجس حتى يعمل بتطهيره، أو يحصل
لديه دليل شرعي على ذلك.
140 - والدليل الشرعي يحصل إذا توفر أحد الأمور التالية:
1 - شهادة بينه بان هذا الشئ قد طهر.
2 - شهادة الثقة - ولو كان واحدا -.
3 - شهادة الشخص الذي كان ذلك الشئ في حيازته وتحت تصرفه.
ومثال ذلك: ان تشهد الخادمة الممارسة للمطبخ بأنها طهرت هذا الاناء،
أو تشهد المربية المتولية لأمر الطفل بأنها قد طهرته.
4 - غيبة المسلم (بفتح الغين) ويتضح المراد بها هنا بهذا المثال:
أنت تعلم أن عباءة صاحبك متنجسة ثم غاب عنك أمدا تظن معه أو تحتمل انه

252
قد طهرها، لأنك رأيته يستعملها فيما تعتبر فيه الطهارة بان كان يصلي فيها
فعندئذ لك ان تحكم بطهارة العباءة وتصلى بها، شريطة ان تعلم أنه
هو أيضا كان يعلم بنجاستها وبان الطهارة شرط فيما استعملها فيه، وفوق
ذلك أن تعلم أنه من المتطهرين لا من الذين يتعاملون مع النجس والمتنجس
كما يتعاملون مع الطاهر فإذا توفرت لديك كل هذه الشروط فقد أحرزت
الطريق الكاشفة عن وجود التطهير والطهارة، والا فعليك ان تبقى على يقينك
السابق بالنجاسة حتى يثبت التطهير.
41 - وإذا علم المكلف بان هذا الشئ قد تنجس كما علم بأنه قد
غسل بالماء أيضا ولكنه لا يدري هل غسل بعد أن تنجس فهو طاهر الآن
أو غسل قبل ذلك ثم تنجس فلا يزال نجسا فيبنى في هذه الحالة على أن
الثوب طاهر فعلا إلى أن يتأكد من واقع الحال.

253
الصلاة

255
تمهيد
الصلاة أهم عبادة في الاسلام، وهي عمود الدين، كما جاء في
الحديث الشريف وقد روي عن النبي (ص): انها أول ما ينظر فيه من
عمل ابن آدم، فان صحت نظر في عمله، وان لم تصح لم ينظر في بقية
عمله ومثلها - كما دل الحديث - كمثل النهر الجاري، فكما ان من اغتسل
فيه في كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شئ من الدرن، كذلك كلما
صلى صلاة كفر ما بينهما من الذنوب.
وقد سأل معاوية بن وهب الإمام الصادق (ع): عن أفضل ما يتقرب
به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله عز وجل ما هو؟ فقال: ما أعلم
شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى ان العبد الصالح عيسى
بن مريم قال: " وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا "؟.
وقد بلغ من اهتمام امامنا أبي عبد الله الصادق (ع) بالحث على الصلاة
ما روي عن زوجته أم حميدة، إذ دخل عليها أبو بصير وهو يعزيها بوفاته،
فبكيت وبكى ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت
عجبا، فتح عينيه ثم قال: " اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة ".
قالت: فما تركنا أحدا الا جمعناه، فنظر إليهم، ثم قال: " ان شفاعتنا
لا تنال مستخفا بالصلاة ".
أنواع الصلاة الواجبة
1 - والصلاة منها واجبة ومنها مستحبة والواجبة ست صلوات:

257
(أ) الصلوات اليومية. وأيضا يطلق عليها الصلوات الخمس، والفرائض
الخمس، وهي: صلاة الصبح، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة
المغرب، وصلاة العشاء.
(ب) صلاة الطواف: (انظر رسالتنا الخاصة موجز احكام الحج).
(ج) صلاة الآيات: الخسوف والكسوف وغيرهما مما يأتي
استعراضه.
(د) الصلاة على الأموات. وقد سبق الكلام عنها بالتفصيل في
(الطهارة) لا حظ الفقرة (144) من فصل الغسل.
(ه‍) قضاء الولد الأكبر عن والده ما فاته من الصلاة، على ما يأتي
في موضعه.
(و) صلاة العيدين: (عيد الأضحى، وعيد الفطر) إذا أقامها
الامام أو سلطان عادل يمثله فان الحضور لها حينئذ واجب، ولا يجب في
غير هذه الحالة.
ولهذا يمكن القول على أساس الواقع المعاش فعلا في غيبة الإمام عليه السلام
ان صلاة العيدين غير واجبة عمليا لعدم توافر الشرط، وان الواجب هو
الخمسة الأولى، وما سوى ذلك من الصلوات المشروعة فمندوب ومستحب،
ولا يجب الا بأحد الأسباب العامة التي يطرأ الوجوب بموجبها، كالنذر
واليمين ونحو ذلك.
موجز عن صورة الصلاة عموما
2 - وكل صلاة فهي تتكون من ركعات، والحد الأقصى من الركعات
في الصلاة أربعة كصلاة العشاء مثلا، والحد الأدنى من الركعات في

258
الصلوات الواجبة ركعتان كصلاة الصبح، وفي الصلوات المندوبة ركعة
واحدة وهي ركعة الوتر على ما يأتي.
وعلى العموم فالركعات هي: الوحدات والاجزاء الأساسية التي تتكون
منها الصلاة، ويستثنى من ذلك الصلاة على الأموات فإنها مكونة من
تكبيرات لا من ركعات، وليست هي صلاة الا بالاسم فقط وقد تقدمت
كيفيتها واحكامها.
والركعة الأولى من كل صلاة - باستثناء صلاة الآيات وصلاة العيدين -
يمكن ان تؤدى كما يلي:
ينوي الانسان انه يصلي قربة إلى الله تعالى، ويبدأ بتكبيرة الاحرام
فيقول (الله أكبر) وبذلك يدخل في الصلاة، ثم يقرأ فاتحة الكتاب - السورة الأولى
في المصحف الشريف - ويقرأ بعدها (سورة) وبسمى ذلك بالقراءة ثم
يركع بان ينحني على نحو تصل أطراف أصابعه إلى ركبتيه ويقول (سبحان ربي
العظيم وبحمده) ويسمى ذلك بالذكر، ثم يرفع رأسه وينتصب واقفا وبعد
ذلك يسجد واضعا كفيه وركبتيه وابهاميه على الشئ الذي يصلي عليه،
وواضعا جبهته على تراب أو خشب أو ورق ونحو ذلك ويقول في سجوده
(سبحان ربي الاعلى وبحمده) ويسمى ذلك بالذكر، ويرفع رأسه جالسا
منتصبا ثم يسجد مرة ثانية ويقول كما قال في الأولى، ويرفع رأسه كذلك
وبهذا تكمل ركعة واحدة، فان كانت الصلاة مكونة من ركعة واحدة
قال وهو جالس بعد سجدته الثانية: " اشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له
واشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد " (وهذا هو التشهد) " السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته " (وهذا هو التسليم بصيغته الموجزة)، وتتم بذلك صلاته.
وان كانت الصلاة مكونة من ركعتين كصلاة الصبح مثلا، قام بدلا عن أن
يقول هذا الكلام وكرر نفس ما فعله في الركعة الأولى باستثناء تكبيرة

259
الاحرام، حتى إذا أكمل الركعة الثانية ورفع رأسه من سجدتها الثانية،
جلس منتصبا وقال ذلك الكلام الذي يشتمل على التشهد والتسليم، وأكمل صلاته،
وإذا كانت الصلاة مكونة من ثلاث ركعات وهي صلاة المغرب اقتصر في
الركعة الثانية على التشهد، ثم قام منتصبا وقال ثلاث مرات " سبحان الله،
والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر " ويسمى ذلك بالتسبيحات، وبعد ذلك
يركع ويكمل ركعته الثالثة التي لا تختلف عن الثانية الا فيما يقرأه المصلي
وهو قائم، فإذا انتهى من السجود الثاني في الركعة الثالثة جلس منتصبا
وتشهد وسلم.
وإذا كانت الصلاة مكونة من أربع ركعات كصلاة الظهر لم يتشهد
ولم يسلم عقيب الثالثة، بل عليه ان يقوم ويأتي بركعة رابعة مشابهة للركعة
الثالثة تماما ثم يتشهد ويسلم ويكمل بذلك صلاته. وهذه هي الصورة الكاملة
للصلوات الثنائية والثلاثية والرباعية.
ومن المستحب في كل ركعة ثانية - بعد الفراغ من قراءة الفاتحة
والسورة وقبل الركوع ان يقنت المصلي، وذلك بان يذكر الله تعالى بدعاء
أو حمد وثناء ونحو ذلك سواء كانت الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية.
وهناك صور أخرى يصح ان تؤدى في حالات استثنائية كحالات
التعذر والمرض يأتي استعراضها فيما بعد.
وعلى هذا الأساس نعرف ان الركوع والسجدتين والذكر المقرر في
الركوع والسجود اجزاء ثابتة في كل ركعة، وان تكبيرة الاحرام جزء
للركعة الأولى دائما، وان التشهد والتسليم جزءان في الركعة الأخيرة دائما
وان القراءة جزء في كل من الركعة الأولى والثانية، وان التسبيحات جزء
في ما بعد الثانية من الركعات، وان الركعة الثانية إذا لم تختم بها الصلاة
فهي تشتمل على التشهد فقط عقيب السجدة الثانية فيها.

260
3 - وبذلك صح ان يقال ان أهم اجزاء الصلاة كما يلي:
(1) تكبيرة الاحرام
(2) القراءة
(3) الركوع
(4) السجود
(5) الذكر
(6) التشهد
(7) التسليم
4 - وهناك إلى جانب هذه الاجزاء شروط يجب توافرها في كل
صلاة، نذكر الآن المهم منها، وهو على قسمين: أحدهما شروط للمصلي
والآخر شروط لنفس الصلاة.
اما الشروط العامة للمصلي فهي كما يلي:
أولا: ان يكون على وضوء وطهارة.
ثانيا: ان يكون بدنه طاهرا وكذلك ثيابه، وقد تقدم تفصيل الحديث
عن هذين الشرطين في فصول الطهارة.
ثالثا: ان تكون عورته مستورة.
رابعا: ان لا تكون ملابسه من الميتة ولا من حيوان لا يسوغ اكل لحمه،
بل إن لا يحمل شيئا منهما، وان لا يلبس الرجل في صلاته حريرا أو ذهبا.
خامسا: ان يستقبل القبلة (وهي الكعبة الشريفة) عند الصلاة،
بان يكون مواجها لها ولو من بعيد.
سادسا: ان يقصد بالصلاة القربة إلى الله تعالى.
سابعا: ان يقصد اسمها الخاص المميز لها شرعا، فعندما يصلي صلاة
الفجر مثلا ينوي انه يصلي صلاة الفجر قربة إلى الله تعالى، ولا يكفي ان

261
ينوي انه يصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى، وهكذا بالنسبة إلى سائر الصلوات.
واما الشروط العامة للصلاة فهي كما يلي.
أولا: الالتزام بالتسلسل الشرعي للأجزاء فتكبيرة الاحرام قبل القراءة
والقراء قبل الركوع وهكذا.
ثانيا: التتابع بين الاجزاء على نحو لا يفصل بينها فاصل زمني طويل
يعتبر بموجبه بعض العمل مفصولا عن البعض الآخر.
ثالثا: وضع الجبهة حال السجود على الأرض أو على خشبة أو
ورق ونحو ذلك على ما يأتي تفصيله في احكام السجود.
هذه صورة موجزة عن الصلاة عموما وكيفية أدائها باجزائها
وشروطها العامة.
وهناك اجزاء وشروط خاصة تختلف فيها بعض الصلوات عن بعض
فصلاة العيدين مثلا فيها تكبيرات إضافية علاوة على تكبيرة الاحرام،
والصلوات اليومية يشترط في كل واحدة منها وقت معين، وهكذا. ونحن
فيما يلي سنقسم الكلام على الوجه التالي:
أولا: نستعرض أنواع الصلاة المختلفة وكيفية أداء كل واحدة منها.
ثانيا: نستعرض الشروط العامة للصلاة والاجزاء العامة لها التي مرت
بنا ونفصل أحكامها بعد ذلك الايجاز.
ثالثا: نستعرض الاحكام العامة للصلاة وهي: (مبطلات الصلاة)،
(القضاء)، (الخلل)، (الشك)، (صلاة الجماعة)، (الفوارق
بين الفريضة والنافلة).

262
الصلاة
أنواع الصلاة

263
ذكرنا سابقا ان الواجب من الصلوات ستة، أحدها بل أهمها
الصلاة اليومية أو الصلوات اليومية بتعبير آخر، وعلى هذا الأساس سوف
نصنف الكلام إلى بابين أحدهما في الصلوات اليومية، والآخر في
سائر الصلوات.
الباب الأول
في الصلوات اليومية
الصلوات اليومية الواجبة خمسة، وقد تقدم ذكر أسمائها، وهي تشترك
في آداب واحكام كما تختلف في بعض الخصائص. وتشتمل هذه الصلوات
الخمس بمجموعها على سبع عشرة ركعة. وهناك أربع وثلاثون ركعة
مستحبة في مجموع النهار والليلة استحبابا مؤكدا، وورد الحث عليها والترغيب
فيها كثيرا في النصوص والأحاديث، وتسمى هذه الركعات بالنوافل
اليومية، وتسمى أيضا بالنوافل المرتبة، لان لها أوقاتا قد رتبت وعينت
لها تمييزا لها عن سائر ما يتطوع به المكلف من صلاة في اي وقت يشاء.
وفيما يلي نذكر الصلوات اليومية الواجبة والنوافل اليومية المستحبة،
كل واحدة وخصائصها
فريضة صلاة الفجر ونافلتها
5 - فريضة صلاة الفجر، وهي أولى الصلوات اليومية، ولها شأن
كبير، وقد عبر عنها القرآن الكبير بقرآن الفجر في قوله تعالى: (وقرآن

265
الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) " الاسراء 78 "، وتسمى
بصلاة الفجر، كما تسمى بصلاة الصبح لان الصباح يبدأ بابتداء الفجر،
وصلاة الفجر ركعتان وقد عرفنا سابقا كيف تؤدى الصلاة إذا كانت
مكونة من ركعتين، ويجهر المكلف الرجل في صلاة الفجر بقراءة الفاتحة
والسورة التي عقيبها.
6 - ولصلاة الفجر وقت محدد وهو الوقت الذي يبدأ من طلوع
الفجر إلى شروق الشمس، ويبلغ هذا الوقت عادة حوالي ساعة ونصف.
والفجر هو: ضوء الصباح الذي يسبق طلوع الشمس، وهذا الضوء
يبدأ في الأفق بياضا، ويتخذ هذا البياض في البداية شكل مستطيل ممتد
إلى أعلى كعمود ابيض يحوطه الظلام من الجانبين، ثم يأخذ هذا البياض
بالانتشار في الفضاء أفقيا ويشكل ما يشبه الخيط الأبيض الممتد مع الأفق،
ويستمر في الانتشار طولا وعرضا. والفجر هو هذا البياض عندما يمتد
أفقيا ويصبح متميزا عن ظلمة الليل، واما الفترة التي تسبق ذلك ويكون
البياض فيه ممتدا عموديا ومحاطا بالظلام من جانبيه فتسمى بالفجر الكاذب
ولا تسوغ صلاة الفجر فيه.
7 - وينتهي وقتها بطلوع الشمس، غير أن الوقت المفضل لها شرعا
ينتهي قبل ذلك، فان الشمس قبل ان تطلع تظهر حمرة في الأفق في ناحية
المشرق تمهيدا لطلوع الشمس، وبظهور هذه الحمرة ينتهي الوقت المفضل
لصلاة الفجر، فلو أخر المكلف الصلاة إلى حين ظهور الحمرة وصلاها
قبل طلوع الشمس فقد فاته ما هو الأفضل، ولكن أدى الواجب ولا اثم عليه.
8 - وكما توجد فريضة صلاة الفجر كذلك توجد نافلة الفجر، وهي
صلاة تتكون من ركعتين كفريضة الفجر تماما، ولكن ينوي المصلي بها
نافلة الفجر قربة إلى الله تعالى.

266
9 - ووقت نافلة الفجر يبدأ من السدس الأخير من الليل، بمعنى
ان الفترة الواقعة بين غروب الشمس وطلوع الفجر إذا قسمت إلى ستة
اقسام فبداية السدس الأخير منها هي بداية وقت هذه النافلة. ويستمر
وقتها إلى طلوع الشمس. والأفضل الأحوط استحبابا ان لا تؤخر إلى حين
ظهور الحمرة المشرقية الذي ينتهي به الوقت المفضل لفريضة الفجر.
10 - وعلى هذا الأساس لا يجوز تقديم نافلة الفجر على السدس الأخير
من الليل، لان ذلك قبل وقتها. ويستثنى من ذلك ما إذا صلى المكلف صلاة
الليل - وهي نافلة يومية أخرى يأتي الحديث عنها - فإنه لا بأس حينئذ بان
يضم نافلة الفجر إليها ولو لم يكن السدس الأخير من الليل قد بدأ.
11 - وينبغي الاتيان بنافلة الفجر قبل فريضة الفجر، ولكن إذا
خشي ان يفوته بسبب ذلك الوقت المفضل لفريضة الفجر فالأفضل ان يبدأ
بالفريضة، ويأتي بالنافلة بعد ذلك قبل طلوع الشمس.
فريضة صلاة الظهر ونافلتها
12 - فريضة صلاة الظهر هي الصلاة اليومية الثانية، وتسمى بالصلاة
الوسطى، وقد اكد القرآن الكريم على المحافظة عليها بوجه خاص، فقال الله
سبحانه وتعالى: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " البقرة (238).
وانما سميت بالصلاة الوسطى لأنها وسط بين صلاتين نهاريتين، فقبلها فريضة
الفجر وبعدها فريضة العصر وهي بينهما.
13 - وصلاة الظهر أربع ركعات. وقد تقدم الكلام عن صورة
الصلاة التي تتكون من أربع ركعات. وقد تصبح صلاة الظهر ركعتين
وذلك بالنسبة إلى المسافر ضمن شروط معينة يأتي شرحها في الاحكام العامة

267
للصلوات اليومية.
ويخفت المكلف في قراءة الفاتحة والسورة التي عقيبها في صلاة الظهر
عدا البسملة في كل من السورتين فان الاخفات فيها غير واجب، ويستثنى
من وجوب الاخفات صلاة الظهر من يوم الجمعة فإنه لا يجب فيها الاخفات.
ويجب الاخفات أيضا في قراءة التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة من
صلاة الظهر في جميع الأيام.
14 - ووقت صلاة الظهر يبدأ من منتصب الفترة الواقعة بين طلوع الشمس
وغروبها، بمعنى ان المدة الواقعة بين طلوع الشمس وغروبها إذا قسمت
إلى قسمين متساويين في الساعات والدقائق كان أول النصف الثاني منها
بداية الوقت لصلاة الظهر. وتسمى بداية الوقت هذه بالزوال، اي زوال
الشمس عن جهة المشرق إلى جهة المغرب، وهو ما عبر عنه في القرآن الكريم
بدلوك الشمس. وهذا الموعد قد يتطابق مع الساعة الثانية عشرة بالتوقيت
الزوالي وقد يتقدم أو يتأخر ويعرف الزوال بطرق عديدة منها ما يلي:
15 - أولا: ان تضبط بالساعة موعد طلوع الشمس وموعد غروبها
وتحدد نصف الفترة الواقعة بين الموعدين، ويكون هذا هو الزوال أو الظهر.
16 - ثانيا: يعرف الزوال عن طريق الظل وذلك أن الشمس
حينما تطلع من المشرق يحدث لكل جسم ظل، وهذا الظل يحدث في الجهة
المقابلة للشمس دائما. فإذا افترضنا جدارا واقعا بين نقطتي الشمال والجنوب
تماما كان لهذا الجدار في بداية النهار ظل في الجانب المقابل لجهة الشمس
(اي في جانب المغرب)، واما جانب المشرق منه فلا ظل فيه لأنه مواجه
للشمس، وكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل الغربي للجدار وانكمش،

268
وعند الزوال ينعدم (1)، ويبدأ للجدار ظل شرقي (اي في جانب الشرق)
فكلما لوحظ ان الظل انعدم في جانب المغرب وحصل في جانب المشرق فقد
دخل وقت صلاة الظهر.
هذا إذا توفر لدينا جدار واقع بين نقطتي الشمال والجنوب ولاحظنا
ظله، وأما إذا أردنا ان نستفيد في معرفة الزوال من عمود أو خشبة
موضوعة على ارض مستوية، فنلاحظ ان ظل هذا الشئ المرتفع يتناقض
كلما اقترب نصف النهار، فإذا بلغ منتهى نقصانه وبدأ يزداد من جديد
فقد دخل وقت صلاة الظهر، وهذا هو الغالب. ولكن في بلاد معينة
وحالات معينة قد ينعدم ظل هذا العمود نهائيا، وذلك حين تكون الشمس
في وسط النهار فوق رأس الانسان تماما، وعندئذ يعرف الزوال بحدوث
ظل للعمود بعد انعدامه نهائيا.
17 - ثالثا: وهناك طريقة أخرى لمعرفة الزوال هي: أن تعرف أن نقطة
الجنوب مسبقا فتستقبلها بوجهك، وتلاحظ الشمس وهي في السماء فان
كانت قد مالت إلى جانب حاجبك الأيمن فاعرف ان وقت الفريضة
قد حل.
18 - ويستمر وقت صلاة الظهر إلى غروب الشمس، ولكن إذا
كان على عهدة الانسان صلاة الظهر وصلاة العصر معا ولم يصلهما حتى
لم يبق إلى الغروب الا فترة لا تكفي الا لإحدى الصلاتين فقط اعتبر وقت
صلاة الظهر قد انتهى من اجل صلاة العصر، وصلى المكلف صلاة العصر
(وصلاة العصر هي الصلاة اليومية الثالثة التي يأتي الكلام عنها). وإذا



(1) ولكنه لا ينعدم بصورة نهائية غالبا بل يتطرف ويميل إلى الشمال أو
الجنوب فانعدام الظل الذي نقصده هو الانعدام بالنسبة إلى جهة المغرب لا انعدام
الظل من الأساس.
269
كانت الفترة الباقية خمس دقائق مثلا على افتراض ان كل ركعة تستغرق
دقيقة بكاملها، وجب على المكلف ان يصلي الظهر ويصلي بعدها
فورا صلاة العصر.
19 - وعلى الرغم من استمرار وقت صلاة الظهر إلى الغروب فان
المرجح الاسراع بالاتيان بها والحرص على أدائها في وقتها المفضل والوقت
المفضل لصلاة الظهر لا يستمر إلى الغروب، بل يبدأ من أول الزوال
وينتهي بأمد معين يقاس بمقدار امتداد الظل الذي يحدث لكل جسم، ويمتد
نحو المشرق بعد أن تزول الشمس، وتميل نحو المغرب. وبيان ذلك: انا
إذا افترضنا جدارا ممتدا بين الشمال والجنوب تماما فان هذا الجدار سوف
يكون له عند طلوع الشمس في المشرق ظل في جانب المغرب، وعند الظهر
يتقلص هذا الظل من جانب المغرب نهائيا، وكثيرا ما يبقى في نقطة الشمال
كما في العراق - أو الجنوب بالنسبة إلى الحائط: ثم يحدث في جانب
الشرق على عكس ما كان تماما في بداية النهار ويتزايد في جانب المشرق
باستمرار إلى غروب الشمس. والوقت المفضل لصلاة الظهر يبدأ من حين
الزوال إلى أن يبلغ امتداد ظل الجدار في جانب المشرق بقدر ارتفاع ذلك
الجدار. فإذا كان ارتفاع الجدار الواقع بين الشمال والجنوب سبعة أمتار
كان انتهاء الوقت المفضل لصلاة الظهر ببلوغ الظل في جانب المشرق سبعة
أمتار، على نحو لو قسنا المسافة من قاعدة هذا الجدار إلى نهاية رأس الظل
بخط مستقيم غير مائل لكان مساويا لارتفاع صاحب الظل اي سبعة أمتار.
20 - وكما توجد فريضة صلاة الظهر كذلك توجد نافلة الظهر،
وهي مكونة من أربع صلوات وكل واحدة من هذه الصلوات تتكون من
ركعتين فيكون المجموع ثمان ركعات يقصد بها المصلي نافلة الظهر قربة
إلى الله تعالى.

270
21 - ووقت نافلة هو وقت فريضة الظهر تماما. ويؤتى بالنافلة
قبل الفريضة، ولكن إذا لم يكن قد صلى أول الوقت وخشي انه إذا بدأ
بالنافلة يفوته الوقت المفضل لفريضة الظهر فالأفضل ان يبدأ بالفريضة،
ثم يأتي بالنافلة قبل انتهاء وقتها. والأفضل تقديم الفريضة وتأخير النافلة
عنها أيضا إذا بلغ الظل في جانب المشرق اثنين من سبعة من ارتفاع الجدار
بل الأفضل ذلك إذا بلغ الظل واحدا من سبعة حفاظا على السرعة في
الاتيان بصلاة الفريضة.
22 - وعلى هذا الأساس لا يجوز تقديم نافلة الظهر على الظهر لأنه
قبل الوقت. ولكن يستثنى من ذلك حالتان:
الحالة الأولى: نافلة الظهر في يوم الجمعة فإنه يجوز تقديمها على
الزوال.
الحالة الثانية: إذا علم المكلف بأنه سوف يشتغل عند الزوال عنها
بشغل من اشغاله فيقدمها توفيقا بينها وبين شغلة الخاص.
بديل صلاة الظهر
23 - عرفنا ان صلاة الظهر فريضة واجبة ولكن هناك بديل عنها
في ظهر يوم الجمعة خاصة ضمن شروط معينة، وهذا البديل صلاة الجمعة
وسيأتي الحديث عنها بصورة مستقلة.
فريضة صلاة العصر ونافلتها
24 - فريضة صلاة العصر وهي الصلاة اليومية الثالثة، وتشابه

271
صورتها وعدد ركعاتها واخفات قراءتها صلاة الظهر تماما، غير أن المصلي
ينوي فيها انه يصلي صلاة العصر قربة إلى الله تعالى. وتختلف عن صلاة
الظهر في أنها لا بديل عنها في حال من الأحوال، بينما تحل صلاة الجمعة
محل صلاة الظهر في بعض الأحيان كما أشرنا سابقا ويأتي تفصيله.
25 - ويبدأ وقت فريضة العصر من الزوال (الظهر)، غير أنه
يجب ان يؤتى بها بعد الاتيان بفريضة الظهر، فإذا حل الظهر لم يسغ للمكلف ان
يتعمد الاتيان بها قبل فريضة الظهر وهو عالم هذا لا يسوغ له، ولو
صنع المكلف ذلك وجب عليه ان يصلي الظهر ويعيد صلاة العصر بعد
صلاة الظهر.
26 - وإذا حل الظهر وخيل للمكلف انه قد اتى بفريضة الظهر
فبادر إلى فريضة الصر، وانتبه في أثناء الصلاة إلى أنه لم يكن قد صلى
الظهر، وجب عليه ان يعتبر صلاته التي بدأها بنية العصر ظهرا، فيكملها
بنية الظهر، ويأتي بعد ذلك بصلاة العصر.
27 - وإذا استمرت غفلته إلى أن فرغ من الصلاة ثم التفت إلى أنه
لم يكن قد صلى الظهر قبلا صحت صلاة العصر منه وكان معذورا في
تقديمها، سواء كان قد صلاها في بداية الظهر أو في وسط الوقت، ووجب
عليه ان يصلي الظهر فقط. ومثل هذا تماما من كان يعلم بأنه لم يصل الظهر
ولكنه كان يعتقد بان تقديم صلاة العصر على صلاة الظهر جائز فقدمها
ثم علم بان هذا لا يسوغ بعد الانتهاء من الصلاة فلا يعيد تلك الصلاة.
28 - ويستمر وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، فإذا لم تبق
إلى الغروب الا فترة تسع صلاة واحدة وكان على المكلف صلاتا الظهر
والعصر معا وجب عليه ان يقدم العصر، خلافا لما كان هو الواجب في
البداية من تأخير العصر عن الظهر.

272
29 - ولكن الوقت المفضل لفريضة العصر يبدأ مع بداية وقت
الظهر، ويستمر إلى أن يبلغ امتداد الظل الحاصل في جانب المشرق من
الجدار الواقع بين الشمال والجنوب ضعف ارتفاع الجدار، فلو كان ارتفاع
الجدار مترا مثلا وقسنا امتداد الظل من قاعدة الجدار إلى نهاية امتداده في
خط مستقيم غير مائل فكان مترين فقد انتهى الوقت المفضل لصلاة العصر:
30 - وهناك نافلة بين فريضتي الظهر والعصر تتكون من أربع
صلوات وثمان ركعات كنافلة الظهر تماما، ويسوغ الاقتصار فيها على
ثلاث صلوات أو على صلاتين - اي ست ركعات - ووقتها يمتد بامتداد وقت
العصر، ويؤتى بهما بعد فريضة الظهر وقبل فريضة العصر. ولكن إذا تأخر
في الاتيان بالنافلة حتى خشي ان يفوته الوقت المفضل لفريضة العصر لو
أدى النافلة قبلها فالأفضل ان يقدم الفريضة ويأتي بالنافلة بعدها وهذا هو
الأفضل أيضا لو بلغت المسافة من قاعدة الجدار إلى نهاية الظل
في جانب المشرق أربعة أسباع ارتفاع الجدار، بل هو الأفضل
أيضا لو بلغت بدقر سبعي ارتفاع الجدار أيضا حفاظا على السرعة في الاتيان
بصلاة الفريضة.
فريضة صلاة المغرب ونافلتها
31 - فريضة صلاة المغرب هي الصلاة الرابعة من الصلوات اليومية
وتتكون من ثلاث ركعات، وقد تقدم سابقا توضيح صورة الصلاة التي تتكون من
ثلاث ركعات. وينوي المصلي بها انه يصلي صلاة المغرب قربة إلى الله
تعالى، ويجهر بقراءة الفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الأولى
والثانية، ويخفت بالتسبيحات التي يقرأها في الركعة الثالثة.

273
32 - ويبدأ وقت فريضة المغرب بمغرب الشمس، ولا يحصل ذلك
بمجرد اختفائها عن العين عند النظر إلى السماء بل بذهاب البقية الباقية من
ضوء الشمس في الأفق بعد غيابها، وهي الحمرة التي نراها في جهة المشرق
عند اختفاء قرص الشمس عن الأنظار، ويعبر عنها الفقهاء بالحمرة المشرقية
فإذا تلاشت هذه الحمرة عن جانب المشرق حل وقت صلاة المغرب،
ويحصل هذا عادة بعد غروب قرص الشمس عن الأفق باثنتي عشر
دقيقة أو بحوالي ذلك.
ويستمر وقت صلاة المغرب إلى نصف الليل والليل هو الفترة الواقعة
بين غروب قرص الشمس وطلوع الفجر، فإذا انتهى النصف الأول من
هذه الفترة فقد انتهى وقت صلاة المغرب، ويكون انتهاء نصف الليل هذا
عادة حوالي الساعة الحادية عشرة وربع بعد الظهر. ويستثنى من ذلك من
كان معذورا في تأجيل الصالة كالمرأة الحائض والناسي لصلاته أو النائم
طيلة الوقت، فان الوقت يمتد بالنسبة ا لي هذا المعذور بعد نصف الليل
ولا ينتهي الا بطلوع الفجر.
ولصلاة المغرب وقت مفضل ينتهي في أوائل الليل، وهذا الوقت
المفضل يبدأ ببداية وقتها ويستمر إلى زوال الحمرة المغربية في الأفق وذهاب
الشفق. ويقدر ذهاب الشفق بعد مضي ساعة من غروب الشمس تقريبا.
34 - وإذا اخر المكلف صلاة المغرب إلى قبيل نصف الليل، ولم
تبق سوى فترة أربع ركعات وجب على المكلف ان يؤجل صلاة المغرب
ويصلي صلاة العشاء. وأما إذا كانت الفترة تسع خمس ركعات فعليه ان
يصلي المغرب ثم يصلي بعدها فورا صلاة العشاء.
35 - وكما توجد فريضة صلاة المغرب كذلك توجد نافلة المغرب،
وهي تتكون من صلاتين كل منهما عبارة عن ركعتين، وتؤدى كل من

274
الصلاتين بالصورة العامة التي تؤدى بها صلاة مكونة من ركعتين، وينوي
بها المصلي انه يصلي نافلة المغرب قربة الله تعالى، ويسوغ للمكلف
الاقتصار على إحدى الصلاتين اي يأتي بركعتين فقط من نافلة المغرب.
ووقت نافلة المغرب يمتد مع امتداد وقت فريضة صلاة المغرب.
ويجب تأخيرها عن الفريضة، والأفضل في أدائها ان تؤدى في الوقت
المفضل لفريضة المغرب.
فريضة صلاة العشاء ونافلتها
37 - فريضة صلاة العشاء وهي آخر الصلوات اليومية الواجبة،
تتكون أربع ركعات، وقد تقدمت صورة الصلاة التي تتكون من أربع ركعات
، وتؤدى ركعتين في حالة السفر ضمن شروط يأتي توضيحها.
38 - وصورتها كصورة الظهر تماما الا ان المصلي هنا ينوي انه
يصلي صلاة العشاء قربة الله تعالى، ويجهر في قراءته للفاتحة والسورة
التي بعدها في الركعتين الأولى والثانية.
39 - ووقت صلاة العشاء يبدأ من غروب الشمس بالمعنى المتقدم في
صلاة المغرب إلى نصف الليل كفريضة المغرب تماما الا انه لا يسوغ الاتيان بها
قبل فريضة المغرب، فكل من اتى بها قبل صلاة المغرب عامدا عالما بان
هذا لا يجوز بطلب صلاته ووجب عليه ان يصلي المغرب ثم العشاء. وإذا
صلى العشاء قبل صلاة المغرب متوهما انه قد اتى بصلاة المغرب أو معتقدا
ان ذلك جائز وبعد ان أكمل صلاته انتبه إلى أنه لم يصل المغرب أو علم
بان صلاة العشاء لا يسوغ ان تقدم على صلاة المغرب، إذا وقع شئ من
هذا فلا يجب عليه ان يعيد صلاة العشاء، سواء كان قد صلاها في بداية

275
المغرب أو في وسط الوقت بل يصلي المغرب فقط.
40 - وإذا بدأ المكلف بصلاة العشاء معتقدا انه قد أدى صلاة
المغرب ثم انتبه في أثناء الصلاة إلى واقع الحال اي إلى أنه لم يكن قد صلى
المغرب فعليه ان ينوي بها من هذه اللحظة صلاة المغرب ويكملها على هذا
الأساس ويأتي بعدها بصلاة العشاء، ويستثنى من ذلك ما إذا كان انتباهه
إلى واقع الحال بعد أن ركع في الركعة الرابعة التي نواها عشاءا فإنها تبطل
عندئذ ويجب عليه ان يصلي من جديد صلاة المغرب ثم صلاة العشاء.
وأما إذا التفت إلى واقع الحال بعد أن نهض للركعة الرابعة وقبل ان يأتي
بركوعها فينوي صلاة المغرب ويلغي هذه الركعة، إذ يعود إلى الجلوس
فيتشهد ويسلم لكي تقع صلاته من ثلاث ركعات وفقا لصورة صلاة المغرب.
41 - وتوجد بعد صلاة العشاء صلاة نافلة تتكون من ركعتين وصورتها
هي الصورة العامة لصلاة تتكون من ركعتين، غير أن هذه الصلاة يؤديها
المكلف وهو جالس فينوي انه يصلي نافلة العشاء قربة إلى الله تعالى، ويكبر
تكبيرة الاحرام وهو جالس، وهكذا يواصل صلاته، ويعتبر انحناءه بعد
القراءة على طريقة انحناء الجالس ركوعا. ونافلة العشاء هذه تعتبر بمثابة
ركعة واحدة لأنها صلاة تؤدى في حالة الجلوس.
نافلة الليل
42 - وهناك نافلة أخرى ذات أهمية كبيرة شرعا تسمى بصلاة الليل،
وهي تتكون من ست صلوات، والصلوات الأربع الأولى منها تتكون كل
واحدة منها من ركعتين، والصلاة الخامسة تتكون من ركعتين أيضا وتسمى
بركعتي (الشفع)، والصلاة السادسة تتكون من ركعة واحدة وتسمى

276
بركعة (الوتر). وعلى هذا الأساس تشتمل نافلة الليل على إحدى عشرة
ركعة، ويسوغ للمكلف ان يقتصر على الشفع والوتر معا وان يقتصر على
الوتر فقط.
43 - ووقت نافلة الليل يبدأ من نصف الليل بالمعنى المتقدم في الفقرة
(33)، ويمتد إلى الفجر الذي يبدأ به وقت فريضة الفجر والوقت المفضل
لنافلة الليل (السحر) وهو ثلث الليل الأخير.
ولا اثم في ترك شئ من النوافل المتقدمة، وان كان في الاتيان بها
شأن كبير عند الله سبحانه وتعالى.
ويستخلص مما ذكرناه ان الصلوات اليومية تشتمل على سبع عشرة
ركعة واجبة. ضمن خمس صلوات، وعلى أربع وثلاثين ركعة مستحبة
ضمن ثمان عشرة صلاة.
صلاة الجمعة
44 - وهي من أهم شعائر الاسلام قال الله سبحانه وتعالى (يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع، ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) (الجمعة 9).
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام (ما من قدم سعت
إلى الجمعة الا حرم الله جسدها على النار).
وتحتل صلاة الجمعة موضع صلاة الظهر ضمن تفصيلات تأتي. وقد
ميز الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليومية على ما يأتي،
بان أوجب أداءها ضمن صلاة جماعة، وامر بتوحيدها في كل منطقة، ولم
يسمح بالتأخر عن حضورها إذا أقيمت الا لاعذار خاصة. وبذلك كانت

277
صلاة الجمعة تعبر عن اجتماع أسبوعي موسع لعامة المصلين والمؤمنين،
يبدأ بالموعظة والتثقيف ضمن خطبتي صلاة الجمعة، وينتهي بالعبادة والتوجه
إلى الله ضمن الصلاة نفسها.
وصورتها ركعتان كصلاة الصبح تماما، الا ان المصلي ينوي بها انه
يصلي صلاة الجمعة قربة إلى الله تعالى وتتميز عن صلاة الصبح بان من
من المستحب فيها قنوتين: أحدهما قبل الركوع من الركعة الأولى والآخر
بعد الركوع من الركعة الثانية ولا تقع صلاة الجمعة صحيحة إلا إذا أديت
بالشروط التالية:
شروط صلاة الجمعة
45 - أولا: ان تؤدي جماعة (وصلاة الجماعة هي صلاة يشترك
فيها عدد من المصلين ويكون أحدهم إماما والباقون مأمومين ويتابعونه في
قيامه وركوعه وسجوده وسيأتي تفصيل أحكامها). وعلى هذا الأساس يجب
ان يتوفر في صلاة الجمعة - لكي تقع صحيحة - كل ما هو شرط لصحة
صلاة الجمعة على ما يأتي.
46 - ثانيا: ان لا يقل عدد المشتركين في جماعة الجمعة عن خمسة
أحدهم الامام، فان لم يتواجد الا أربعة أو أقل لم تصح منهم صلاة الجمعة
وصلوا صلاة الظهر.
47 - ثالثا: ان تسبقها خطبتان من قبل امام صلاة الجمعة، وذلك
بان يقوم الامام خطيبا، فيحمد الله، ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله،
ويقرأ سورة من الكتاب العزيز. وبعد ذلك يجلس قليلا ثم يقوم خطيبا
مرة ثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلي على محمد وعلى أئمة المسلمين،

278
ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وبعد ذلك يبدأ بالصلاة ويجب على الامام
في الخطبتين أن يرفع صوته على نحو يسمع عدد من المأمومين. ولا يجب ان
يكون غير القرآن من عناصر الخطبة باللغة العربية وان كان ذلك أحسن
وأحوط. وإذا كان المأمومون لا يفهمون اللغة العربية فعلى الامام ان يعظهم
باللغة التي يفهمونها.
48 - رابعا: ان لا تكون قد أقيمت صلاة جمعة أخرى في مكان آخر
قريب من تلك الصلاة، ونريد بالمكان القريب هنا ما كانت المسافة فيه
بين المكانين أقل من فرسخ، وهو عبارة عن خمسة كيلومترات وخمس
الكيلو متر. وفي حالة وجود صلاتي جمعة على هذا النحو تبطلان معا إذا
كان الابتداء بإحداهما في نفس وقت الابتداء بالأخرى، وإذا كان الابتداء
بإحداهما بعد الابتداء بالأخرى بطلت الصلاة المتأخرة فقط. ولكن إذا كانت
إحدى الصلاتين باطلة على اي حال حتى ولو كانت وحدها لسبب من
الأسباب فلا تضر بالصلاة الأخرى حينئذ ويعتبر وجودها وعدمها سواء.
وعلى هذا الأساس صح القول بان من شروط صلاة الجمعة ان
لا تسبقها ولا تقارنها في بدايتها صلاة جمعة أخرى في مكان قريب بالمعنى
المتقدم للمكان القريب. ولكن إذا تقارنت صلاتا جمعة في مكانين متقاربين
دون ان يعلم جماعة كل من الصلاتين بالصلاة الأخرى وانتهتا في وقت
واحد فكلتا الصلاتين صحيحة. وكذلك إذا بدأت إحداهما بعد ابتداء الأخرى
بدون علم وانتهتا معا في وقت واحد.
حكم صلاة الجمعة
49 - وتجب إقامة صلاة الجمعة وجوبا حتميا في حالة وجود سلطان
عادل متمثلا في الامام أو فيمن يمثله. ويراد بالسلطان العادل: الشخص

279
أو الاشخاص الذين يمارسون السلطة فعلا بصورة مشروعة، ويقيمون
العدل بين الرعية. وهذا الحكم الأول لصلاة الجمعة يعبر عنه (بالوجوب
التعييني لامامة صلاة الجمعة).
50 - واما في حالة عدم توفر السلطان العادل فصلاة الجمعة واجبة
أيضا، ولكنه تجب على وجه التخيير ابتداء، وتجب على وجه الحتم انتهاء.
وذلك أن المكلفين في هذه الحالة يجب عليهم ان يؤدوا الفريضة في ظهر يوم
الجمعة، اما بإقامة صلاة الجمعة جماعة على نحو تتوفر فيها الشروط السابقة
واما بالاتيان بصلاة الظهر. وأيهما اتى به المكلف أجزأه وكفاه، غير أن
إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثوابا وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة ويعبر
عنه ب‍ (الوجوب التخييري لإقامة صلاة الجمعة).
51 - فان اختار خمسة من المكلفين إقامة صلاة الجمعة امتثالا للحكم
الثاني، وكان فيهم شخص عادل يصلح ان يكون امام جماعة فقدموه ليخطب
بهم ويصلي صلاة الجمعة وأقاموها على هذا النحو وجب على سبيل الحتم
والتعيين على المكلفين عموما الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة، لان
اقامتها نداء لصلاة الجمعة، وإذا نودي لصلاة الجمعة وجب السعي إلى
ذكر الله وهذا هو الحكم الثالث لصلاة الجمعة ويعبر عنه ب‍ (الوجوب التعييني
لحضور صلاة الجمعة).
52 - ويستثنى من الحكم الثالث من يلي:
(1) من كان الحضور وحرجا مشقة شديدة عليه أو سببا للضرر.
(2) الأعمى. (3) المريض (4) المرأة.
(5) الشيخ الكبير كالرجل الذي تجاوز السبعين.
(6) المسافر سفرا يسوغ له التقصير في الصلاة (التقصير هو أداء
صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلا عن أربعة).
(7) من كان يبعد عن مكان صلاة الجمعة بفرسخين اي بعشرة

280
كيلومترات وأربعة أخماس الكيلو متر. فهؤلاء يهذرون في عدم الحضور
ولكنهم إذا تكلفوا وحضروا صحت منهم صلاة الجمعة.
والبعيد إذا جاء إلى مكان الصلاة وجب عليه الاشتراك في صلاة
الجمعة وصحت صلاته.
53 - إذا نودي لصلاة الجمعة على النحو الذي ذكرناه لم يسغ لكل
من يجب عليه الحضور ان يتشاغل عن ذلك ببيع وتجارة ونحو ذلك مما هو
معيق عن أداء هذه الفريضة، ولكن إذا لم يكن البيع معيقا عن ذلك فلا
بأس به كما إذا أمكنه ان يبيع وهو في طريقه إلى الصلاة.
54 - كما لا يسوغ أيضا لمن وجب عليه الحضور ان يسافر عند ظهر
يوم الجمعة، الا إذا كان في سفره يمر على صلاة جمعة أخرى صحيحة
يمكنه الالتحاق بها والاشتراك فيها قبل ان يفوت وقت صلاة الجمعة.
55 - وكما يجب حضور الصلاة وفقا للحكم الثالث المتقدم كذلك يجب
حضور الخطبتين والاصغاء عند الحضور أيضا، ولو تقاعس شخص عن
السعي إلى صلاة الجمعة ففاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحت منه.
56 - ووقت فريضة صلاة الجمعة يبدأ من أول الظهر. والجدير
بالمقيمين لها احتياطا وحرصا على ما هو المطلوب شرعا ان لا يؤخروها عن
الظهر - الزوال - مدة طويلة، فعليهم ان يؤدوها قبل انتهاء الوقت المفضل
لصلاة الظهر في سائر الأيام، بل في بدايات هذا الوقت وقبل ان يمتد الظل
الشرقي للجدار الواقع بين الشمال والجنوب بقدر اثنين من سبعة من ارتفاع
ذلك الجدار.
ويسوغ تقديم الخطبتين على الزوال، ولكن لا يجوز الابتداء بالصلاة
نفسها الا بعد تحقق الزوال.
57 - وإذا فاتت الانسان صلاة الجمعة فلا يسمح له بأمتها ثانية
حتى ولو كان وقتها باقيا، بل يتعين عليه ان يأتي بصلاة الظهر.

281
احكام عامة للصلوات اليومية
1 - الآداب
للصلوات اليومية الواجبة آداب مندوبة مراعاتها والمحافظة
عليها، ولا اثم عليه لو تركها.
وهذه الآداب على قسمين: أحدهما ينبغي ان يؤدى قبل البدء بالصلاة
والآخر ينبغي ان يؤدى بعد الانتهاء منها. والأول هو الأذان والإقامة،
والثاني هو التعقيب وسنتكلم عنهما تباعا.
الأذان والإقامة
58 - الاذان في اللغة: الاعلام. وفي الشريعة أذكار معينة تشير إلى
دخول وقت الصلاة أو يمهد بها لإقامة الصلاة فهناك أذان للاعلام بدخول
الوقت، ويسمى بالاذان الاعلامي وهو مستحب عند دخول وقت الصلاة
سواء كان المؤذن يريد ان يصلي فعلا أولا.
وهناك أذان لإقامة الصلاة، وهو مستحب ممن يريد إقامة الصلاة
فعلا، سواء كان يقيمها في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره.
59 - وللإقامة في اللغة العديد من المعاني، ومنها الرواج، يقال:
أقام السوق إذا جعلها رائجة. ومنها الظهور، يقال: أقام الدين إذا نصره

282
واظهره على أعدائه. والمراد بالإقامة هنا أذكار معينة تقال قبل الصلاة
مباشرة، منها " قد قامت الصلاة "، اي ان المواظبين على الصلاة تهيئوا
للشروع فيها.
صورة الأذان والإقامة
60 - يتألف الاذان من ثمانية عشر جزءا وهذه صورة بكامل اجزائه:
الله أكبر - أربع مرات
اشهد ان لا اله الله - مرتين
اشهد ان محمدا رسول الله - مرتين
حي على الصلاة - مرتين
حي عل الفلاح - مرتين
حي على خير العمل - مرتين
الله أكبر - مرتين
لا إله إلا الله - مرتين
ويسوغ الاقتصار على مرة واحدة لكل جملة من هذه الجمل إذا كان
المصلي مستعجلا.
61 - واجزاء الإقامة تقترب من اجزاء الاذان كثيرا وصورتها كما يلي:
الله أكبر - مرتين
اشهد ان لا إله إلا الله - مرتين

283
اشهد ان محمدا رسول الله - مرتين
حي على الصلاة - مرتين
حي على الفلاح - مرتين
حي على خير العمل - مرتين
قد قامت الصلاة - مرتين
الله أكبر - مرتين
لا إله إلا الله - مرة واحدة.
وصورة الأذان والإقامة محددة شرعا ضمن ما ذكرناه فلا يجوز ان يؤتى بشئ آخر من الكلام فيها على أساس انه جزء منها واما التكلم بكلام أو
جملة بدون ان يقصد المؤذن أو المقيم جعله جزءا من اذانه وإقامته فهو
جائز ومن ذلك قوله بعد الشهادة الثانية لمحمد برسالة (اشهد ان عليا
ولي الله) فان ذلك جائزا إذا لم يقصد به كونه جزءا من الأذان والإقامة
وانما أراد به الاعلان عن حقيقة من حقائق الاسلام وهي ولاية علي
عليه الصلاة والسلام.
شروط الأذان والإقامة
يشترط في الاذان للصلاة والإقامة ما يلي:
62 - أولا نية القربة، لأنهما عبادتان.
63 - ثانيا تقديم الاذان على الإقامة، فلو قدم الإقامة على الاذان صحت
الإقامة ولم يصح الاذان.
64 - ثالثا: الالتزام بتسلسل الاجزاء على النحو المحدد في صورتي
الأذان والإقامة، فيقدم التكبير على الشهادة بالتوحيد وتقدم هذه على

284
الشهادة بالرسالة ويقدم كل ذلك على (حي على الصلاة) الخ، ومن
عكس ولو نسيانا أعاد.
65 - رابعا: التتابع بين الأذان والإقامة، وبينهما وبين الصلاة،
وبين اجزاء كل منهما مع البعض الآخر، فلا يفصل بين اجزاء
الاذان ولا بين اجزاء الإقامة.
66 - خامسا: دخول وقت الصلاة ولا يسوغ قبله الا اذان الفجر
، فإنه يسوغ ان يقدم عليه إذا لم يكن فيه تغرير للآخرين على أن يعاد حين الفجر.
67 - سادسا: ان يكون الأذان والإقامة بالعربية الفصحى.
68 - سابعا: يجب ان يكون الانسان حال الإقامة على طهارة،
ويقيم وهو واقف. واما في الاذان فيستحب هذا وذاك، ويكره الكلام
الاعتيادي الذي لا يتعلق بالصلاة في أثناء الاذان أو في أثناء الإقامة،
وتتضاعف الكراهة حين يقول المقيم (قد قامت الصلاة).
الصلاة التي يؤذن لها ويقام
69 - يستحب بكل توكيد لمن يؤدي الصلوات الخمس اليومية الواجبة
ان يؤذن ويقيم لكل فريضة منها سواء أداها في الوقت أم في خارجه
(قضاءا)، سليما أم مريضا، رجلا أم امرأة، حاضرا أم مسافرا.
ويتأكد الاستحباب أكثر فأكثر بالنسبة إلى الرجال خاصة، وبالإضافة إلى
الإقامة فان التأكيد عليها شرعا أكثر من التأكيد على الاذان.
70 - ولا اذان ولا إقامة للنوافل ولا لغير الصلوات اليومية. كصلاة
الآيات وصلاة العيدين وغيرها.

285
متى لا يتأكد الاذان أو الايراد
ويقل استحباب الاذان وتضعف أهميته في عدة حالات.
71 - الأولى: إذا سمع الانسان اذان آخر أمكنه الاكتفاء به، وان
اذان فلا ضير عليه.
72 - الثانية: إذا كان على الانسان صلوات عديدة فاتته وأراد ان
يقضيها ويؤديها كان له ان يكتفي باذان واحد لها جميعا، ويقيم لكل صلاة
إقامة خاصة، ولا ضير عليه لو كرر الاذان لكل صلاة.
73 - الثالثة: إذا جمع الانسان بين صلاتين ولا يزال وقتها معا موجودا
كالذي يجمع بين الظهر والعصر بعد الزوال أو بين المغرب والعشاء بعد
الغروب كان له ان يكتفي باذان واحد للصلاتين معا، ولو اذن للثانية أيضا
فلا ضير عليه، الا فيمن جمع بين الظهر والعصر في عرفات يوم عرفة،
أو بين المغرب والعشاء في المشعر ليلة عيد الأضحى، فان عليه في هذين
المكانين إذا جمع بين الصلاتين ان لا يؤذن للصلاة الثانية اكتفاءا باذان
الصلاة الأولى. ومن الجدير بالمكلف إذا جمع بين صلاة الجمعة وصلاة
العصر ان يحتاط ويتجنب الاذان لصلاة العصر مكتفيا باذان صلاة الجمعة
كما في عرفات والمشعر.
متى لا يراد الأذان والإقامة معا
74 - وإذا أقيمت صلاة جماعة كفاها اذان واحد وإقامة واحدة من
الامام أو من أحد المأمومين، ولا يطلب من الآخرين حينئذ ان

286
يؤذنوا أو يقيموا.
75 - ولا يتأكد الأذان والإقامة إذا دخل الانسان مكانا تقام فيه
صلاة جماعة مشروعة قد اذن لها وأقيم وأراد ان يصلي بدون التحاق بهم،
سواء كان دخوله في أثناء صلاة تلك الجماعة أو بعد انتهائها وقبل تفرق
المصلين فان له ان يكتفي باذان صلاة الجماعة وإقامتها ما دامت هيئة الجماعة
وآثارها لم تزل قائمة، سواء أصلى إماما أم مأموما أم منفردا.
ولو أراد ان يؤذن ويقيم فلا ضير عليه ما لم يخالف بذلك الآداب
تجاه صلاة الجماعة، وان كان الأجدر به احتياطا ان لا يؤذن في هذه الحالة
على الاطلاق.
إذا صلى بدون اذان وإقامة
76 - إذا صلى المكلف بدون اذان وإقامة صحت صلاته ولا شئ
عليه. وإذا بدأ بصلاته ناسيا الأذان والإقامة وتذكرهما أثناء الصلاة فليس
عليه ان يقطع صلاته من اجل ذلك، ولكن من المؤكد انه يسوغ له ذلك
إذا كان قد تذكر قبل الركوع من الركعة الأولى، وكذلك الحال إذا كان
ناسيا للإقامة فقط، بل يمكن تعميم هذا الحكم لما بعد الركوع أيضا، فإذا
نسي الأذان والإقامة أو الإقامة فقط وتذكر بعد الركوع أمكنه حفاظا على
هذين الأدبين الشرعيين ان يقطع الصلاة ويؤذن ويقيم، أو يقيم فقط
ثم يصلي.

287
التعقيب
يستحب التعقيب بعد الصلاة، وهو ذكر ودعاء وثناء على الله بالتسبيح
والتهليل والتكبير والتحميد، ومنه تسبيح سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها
السلام وهو (الله أكبر) (34) مرة (والحمد لله) (33) (وسبحان
الله) (33) مرة.
وقد جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عن
أبيه (ع) قال " ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله الا كان له عند
أدائها دعوة مستجابة " ويستحب أيضا في التعقيب قراءة فاتحة الكتاب،
وآية الكرسي.
وجاء بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: " أقل
ما يجزيك من الدعاء بعد الفريضة ان تقول: اللهم إني أسألك من كل خير
أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك، اللهم إني أسألك
عافيتك في أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة "
احكام عامة للصلوات اليومية
2 - من ناحية الوقت
78 - لا يسوغ المباشرة في الصلاة قبل دخول وقتها المؤقت لها،
ولا يكفي احتمال دخول الوقت أو الظن بذلك، فلو صلى وهو
غير متأكد من دخل الوقت فلا يمكنه الاكتفاء بهذه الصلاة، بل ينتظر

288
إلى أن يتأكد من دخول الوقت فيصلي.
79 - ويحصل التأكد شرعا من دخول الوقت بالأمور التالية:
أولا: المعرفة المباشرة.
ثانيا: شهادة البينة العادلة.
ثالثا: اذان المؤذن الثقة العارف.
رابعا: شهادة الثقة العارف.
80 - وإذا صلى متأكدا من دخول الوقت وحلوله لاحد الأمور
السابقة ثم تبين له وانكشف ان الوقت لم يكن قد دخل فماذا يصنع؟.
الجواب: ان كانت الصلاة قد وقعت بتمامها خارج الوقت وقبل
دخوله فهي لغو تماما كأنه لم يصل، وان دخل الوقت قبل تمام الصلاة
ولو قبل التسليم أو في أثنائه وقبل الانتهاء منه - فصلاته صحيحة.
81 - من صلى دون ان يتأكد من دخول الوقت وباشر الصلاة وهو
ذاهل غافل عن الوقت ومراعاته، ثم تبين له ان الوقت كان قد دخل
قبل ان يقيم الصلاة فصلاته صحيحة وان انكشف له ان الوقت كان قد
دخل وهو في أثناء الصلاة أو بعد اكمالها فصلاته باطلة.
82 - وإذا صلى وبعد الفراغ من الصلاة شك في أنها هل وقعت
بعد دخول الوقت أو قبل ذلك فلا يجوز الاكتفاء بها، وبخاصة إذا كان
لا يزال دخول الوقت غير معلوم حتى تلك اللحظة.
83 - وإذا لم يبق من وقت الصلاة الا فترة قصيرة تساوي ما يتطلبه
الاتيان بالصلاة من زمن فلا يسوغ للمكلف التماهل، بل لا بد من المبادرة
لكي تقع الصلاة بكاملها في الوقت.

289
ولكن إذا تماهل أو غفل عن الصلاة حتى لم يبق من الوقت الا ما يفي بركعة
واحدة فقط كدقيقة مثلا على افتراض ان كل ركعة تستغرق دقيقة من الزمن -
ففي هذه الحالة يجب على المكلف أيضا المبادرة إلى الصلاة.
وأما إذا لم يبق من الوقت الا نصف دقيقة، وكان لا يكفي للاتيان
بركعة ولو مخففة بدون سورة عقيب الفاتحة فقد فاتت الصلاة وتحولت
من الأداء إلى القضاء، بمعنى انه يجب عليه بعد ذلك أن يقضيها في اي
وقت شاء.
84 - وقد يعجز الانسان في بداية الوقت عن الاتيان بالصلاة على
الوجه الكامل الواجب شرعا، كمن عجز عن القيام في الصلاة أو عن
طهارة بدنه ويسمى أمثال هذا باهل الاعذار، فهل يسوغ لهؤلاء ان يبادروا
إلى الصلاة في أول وقتها بالصورة الناقصة وذلك بالصلاة في حالة الجلوس
أو مع النجاسة، أو يجب عليهم ان يصبروا وينتظروا إلى آخر الوقت فان
ارتفع العذر وتجددت القدرة على الصلاة كاملة اتوا بها والا أدوا الصلاة
بصورتها الناقصة؟.
الجواب: ان أهل الاعذار يسوغ لهم ان يبادروا إلى الصلاة في أول
وقتها أيا كان عذرهم حتى مع الامل وعدم اليأس من ارتفاع العذر، وإذا
زال العذر بعد الصلاة وقبل مضى وقتها فلا تجب الإعادة، إلا إذا كان المصلى
قد أخل بسبب عذره بواجب مهم - ركن - لا يعذر فيه حتى من جهل
به ويأتي تحديد ما هو من هذا القبيل من واجبات الصلاة.
85 - ويسوغ للانسان إذا حل وقت الفريضة أو كانت عليه صلاة
فائتة لم يكن أداها في وقتها - ان يصلي النوافل والمستحبات قبل ان يؤدي

290
الصلاة الواجبة، ما دام على يقين من تكنه من أداء الصلاة الواجبة بعد
ذلك على النحو المطلوب شرعا.
وعلى العموم يستحب التعجيل بصلاة الفريضة والمبادرة إليها في أول
وقتها، فإن أفضل أوقاتها هو أول الوقت أو بعد الوقت بالقدر الذي تؤدى
فيه نافلتها - إذا كان لها نافلة قبلها، ثم الوقت الأقرب فالأقرب إلى
أول وقتها وهكذا.

291
احكام عامة للصلوات اليومية
3 - من ناحية العدد
86 - تقدم ان عدد الركعات اليومية الواجبة سبع عشرة ركعة ضمن
خمس صلوات، وان عدد الركعات اليومية المستحبة أربع وثلاثون ركعة
ضمن ثماني عشرة صلاة.
وهذا العدد انما يجب على المكلف الحاضر - وهو غير المسافر -
والحاضر: من كان متواجدا في بلدته ووطنه، فكل من كان في وطنه
وبلدته وجب عليه ان يؤدي الصلوات بأعدادها المتقدمة فيصلي الظهر والعصر
والعشاء أربعا وتسمى بالصلاة التامة، ويسمى التكليف بايقاع تلك
الصلوات أربع ركعات التكليف بالتمام، فإذا سافر سفرا شرعيا تناقص العدد
المذكور من الركعات وانخفضت الصلوات اليومية الواجبة التي كانت تتألف
من أربع ركعات وأصبحت ركعتين بدلا عن أربعة، وسقط عدد من نوافل
الصلوات اليومية.
وعلى هذا الأساس تكون صلاة الظهر من المسافر ركعتين كصلاة الصبح،
وكذلك العصر والعشاء، وتسمى صلاة القصر لقوله تعالى " وإذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة " (101 النساء). ومعنى
قصر الصلاة هنا ترك شئ منها، كما تقول: قصر من ثوبه أو من شعره.
ويختص هذا القصر بالفرائض الرباعية اليومية كما عرفت. واما صلاة المغرب
وصلاة الصبح فهما ثابتتان لا تتغيران في السفر.
وفيما يلي نتحدث أولا عن الحاضر الذي تجب عليه الظهر والعصر

292
والعشاء أربع ركعات، فتعين من هو الحاضر؟ وكيف يكون الانسان حاضرا؟.
وثانيا: نتحدث عن المسافر والسفر الشرعي الذي يوجب القصر
وشروطه. وثالثا: عن تفاصيل ما ينشأ بسبب السفر الشرعي من احكام
بشأن قصر الصلاة.
الحاضر والحضر
87 - الحضر حالة مقابلة للسفر ونريد به التواجد في الوطن، فكل
من تواجد في وطنه فهو مكلف في صلاته بالتمام على ما تقدم. ونقصد بالوطن:
البلدة أو القرية أو الموضع الذي يخص الانسان بأحد الأوجه التالية.
اقسام الوطن
88 - أولا: البلدة التي هي وطنه تاريخيا اي مسكن أبوية وعائلته
وتكون هي مسقط رأسه عادة، وحينما يراد ان ينسب إلى بلدة عرفا ينسب
إليها. فان هذه البلدة تعتبر وطنا له شرعا ويجب عليه إذا صلى فيها ان
يصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، سواء كان ساكنا فيها فعلا
أو منتقلا إلى بلد آخر ما دام يقدر أو يحتمل انسه سيرجع بعد ذلك إذا -
أتيح له - إلى سكناها. ومثال ذلك: انسان بصري يسكن بحكم وظيفته في
غير البصرة، ولكنه يحتمل انه سيقرر الرجوع إلى البصرة إذا أعفي من
الوظيفة. أو أنهى مدة الخدمة فهذا تعتبر البصرة وطنا له.
وأما إذا كان قد قرر عدم الرجوع إلى البصرة واستيطان بغداد بدلا
عنها في حالات من ذلك القبيل فلا تعود البصرة وطنا له وان كانت بلد

293
آبائه أو كان له املاك فيها، فإذا سافر إليها يوما أو أكثر صلى كما يصلي
المسافر الغريب تماما.
89 - ثانيا البلدة التي يتخذها وطنا له ومقاما مدى الحياة ومثال ذلك:
البغدادي يبلغ سن التقاعد فيقرر الهجرة إلى النجف ومجاورة قبر الامام
أمير المؤمنين عليه السلام مدى الحياة، فتعتبر النجف وطنا له باتخاذه لها
كذلك وهو مكلف فيها بالتمام. وكما تكون وطنا له كذلك تكون وطنا لمن
هو تابع له في حياته وسكناه، سواء اتخذ التابع قرارا مماثلا بحكم تبعيته
كالزوجة بالنسبة إلى زوجها، أو كان دون السن والرشد الذي يؤهله
لاتخاذ مثل هذا القرار كالأطفال والصبيان الذين يعيشون في كنف والدهم.
90 - ثالثا: البلدة التي يتخذها مقرا له مدة مؤقتة من الزمن ولكنها
طويلة نسبيا على نحو لا يعتبر تواجده فيها سفرا، كالتلميذ الجامعي الذي
يتخذ بغداد مثلا مقرا له مدة أربع سنوات من اجل دراسته، فان بغداد
تعتبر بمثابة الوطن له فيتم فيها صلاته خلال تلك المدة التي قرر فيها
سكنى بغداد، وكذلك بالنسبة إلى من هو تابع له على ما تقدم.
91 - رابعا: من لا وطن بالمعنى المتقدم في الحالات الثلاث السابقة
إذا قرر ان يتخذ له بيتا في بلد ويسكن فيه أصبح ذلك البلد بمثابة الوطن
بالنسبة إليه - وبالنسبة إلى من هو تابع له كما تقدم - يتم فيه صلاته،
ومثاله: الموظف الإداري الحلي الأصل وقد اعرض عن سكنى الحلة نهائيا،
وهو الآن يسكن في اي بلد تفرض عليه وظيفته سكناها وهو لا يعرف المدة
التي يقضيها في ذلك البلد، فقد يقتل بعد سنة وقد ينقل بعد مدة أقل
أو أكثر، فهذا الشخص يعتبر ممن لا وطن له، لأن وطنه الأصلي وهو
الحلة اعرض عنه فلم يعد وطنا له، ولم يتخذ وطنا جديدا لسكناه مدى
الحياة أو سنين عديدة، لأنه لا يستطيع ان يتحكم في ظروفه، فهذا يعتبر

294
البلد الذي فيه بيته وسكناه بمثابة الوطن له.
فالتواجد في الوطن بأحد هذه الأوجه والأنحاء يوجب التكليف بالتمام.
فإذا خرج وسافر من وطنه وجب عليه القصر ولكن بشروط وضمن
تفصيلات تجدها فيما يأتي.
92 - ومن الجدير الإشارة إلى أن بالامكان ان يكون لدى الانسان
وطنان نذكر لذلك الصور التالية:
الأولى: ان يتخذ الشامي القاهرة مقرا له مدة خمس سنوات للدراسة
ثم يعود بعد ذلك إلى بلده، فهذا له وطنان أحدهما الشام والآخر القاهرة.
الثانية ان يتخذ تاجر في بيروت مسكنا صيفيا له في جباع أو كيفون
يسكنه خمسة أشهر في السنة ويسكن في بيروت باقي شهور السنة، فيكون
كل منهما وطنا له، ومتى وجد في أحدهما وأراد ان يصلي فتكليفه التمام،
حتى ولو صلى في كيفون شتاءا وفي بيروت صيفا.
الثالثة: ان يكون له بلدان يقيم في هذا البلد أياما وفي ذلك البلد
أياما كانسان له زوجتان في بلدين يمكث عند هذه أسبوعا وعند تلك
أسبوعا ما دام حيا أو إلى أمد بعيد.
93 - وإذا كان للانسان وطن على أحد الأوجه الأربعة المتقدمة ثم
تردد في مواصلة استيطانه واخذ يفكر في تركه فلا يخرج عن كونه وطنا
بمجرد التردد والتفكير.
94 - وقد تسأل على ضوء ما ذكرناه وتقول ان العديد من عباد الله
يهاجرون من أوطانهم إلى بلاد نائية طلبا للرزق والكسب الحلال، كالذين
يقصدون بلاد إفريقيا وغيرها، ومنهم من يهاجر من اجل العلم وطلبه
كاللذين يقصدون النجف الأشرف ونحوها، وكل من أولئك وهؤلاء يمكثون
في مهجرهم أمدا غير قصير، فهل يجري عليه يحكم حكم الوطن فيقيمون الصلاة

295
تامة كاملة ولا يسوغ فيه القصر بحال من الأحوال؟
والجواب: إذا اعرض المهاجر عن وطنه الأصيل عازما على عدم العودة
إليه رتب آثار الوطن على مهجره ما دام مهاجرا ويتم فيه الصلاة، ولا فرق
في هذا الفرض بين ان يكون قد قرر البقاء مدة طويلة في مهجره أو سنة
مثلا إذ يعتبر المهجر وطنا له من القسم الرابع.
وان لم يكن المهاجر معرضا عن وطنه الأصيل ومنصرفا عنه كلية
فالموقف يرتبط بالمدة التي يعزم المهاجر على قضائها في مهجره، فان كانت
مدة من قبيل أربع سنوات أو أكثر اعتبر المهجر وطنا له وأتم فيه الصلاة
ويكون من القسم الثالث من الوطن، وان كانت المدة قصيرة لم يكن
المهجر وطنا بل كان حكمه حكم اي بلد أجنبي فيعتبر مكلفا بالتمام إذا كان
سفره عملا له بالمعنى الذي يأتي في الفقرة (170) وما بعدها من هذا الفصل
وإلا فحكمه القصر.

296
السفر الشرعي
خصائص السفر الشرعي
ونريد بالسفر الشرعي: السفر الذي يترتب عليه قصر الصلاة.
ولا يترتب قصر الصلاة على السفر الا إذا توفرت في السفر الخصائص التالية:
95 - أولا: ان لا تقل المسافة التي تطوى في السفر عن ثمانية فراسخ
شرعية وهي تساوي ثلاثة وأربعين كيلو مترا وخمس الكيلو متر الواحد ولا فرق
بين ان تطوى هذه المسافة كلها في اتجاه واحد أو في اتجاهين حتى ولو
وقع بعضها في حالة رجوع المسافر إلى بلده فمن طوى نصف هذه المسافة
في سفره من بلده مثلا وطوى نصفها الآخر في رجوعه إلى بلده يعتبر سفرا
شرعيا لأنه أكمل المسافة المحددة، كما لا فرق بين ان تطوى في بضع دقائق
أو عدة ساعات أو خلال يوم أو أكثر تبعا لدرجة سرعة وسائط النقل.
ويبدأ تقدير المسافة من آخر البلد عرفا كبيرا كان أم صغيرا.
96 - ثانيا: ان تكون هذه المسافة مقصودة للمسافر بكاملها قصدا
مستمرا إلى أن تطوى المسافة كاملة، فإذا سافر شخص بآخر وهو نائم أو
مغمى عليه ولا يعلم عن السفر شيئا فلا أثر شرعا لهذا السفر بالنسبة للنائم
أو المغمى عليه، وكذلك إذا خرج الشخص من بلد قاصدا نقطة تبعد
نصف المسافة المحددة آنفا وحين وصلها تجددت له الرغبة في السير إلى نقطة
أخرى تبعد عن النقطة الأولى بقدر نصف المسافة المحددة
أيضا فإنه ما دامت
المسافة بالكامل لم تكن مقصودة له على هذا النحو فلا اثر لسفره المذكور
وان طوى به فعلا بكاملها، وكذلك أيضا إذا خرج المسافر من

297
بلده قاصدا المسافة المحددة بكاملها ولكنه بعد أن طوى نصفها تردد وصار
يقطع شيئا فشيئا من المسافة وهو متردد في مواصلة السير فان مثل هذا لا يقصر
حتى ولو أكمل المسافة في سيره المتردد هذا لان قصده للمسافة لم يستمر إلى
النهاية. ونريد بالقصد معنى لا يختص بحالات الرغبة والاختيار، وانما هو
الشعور المؤكد بأنه سيطوي المسافة بكاملها، سواء كان هذا الشعور قائما على
أساس ارادته للسفر بملء ء اختياره، أو اكراه شخص له على ذلك، أو
اضطراره لهذا السفر واستسلامه للامر الواقع كما لو أفلت زمام السفينة من
يد البحار وأدرك انها ستطوي به المسافة المحددة قبل ان يتمكن من التحكم فيها.
97 - ثالثا: ان تطوى هذه المسافة بصورة يعتبرها العرف سفرا
ويقول الناس عمن طواها بأنه مسافر، وأما إذا طواها شخص ولم يطلق
عليه انه مسافر عرفا فلا اثر لها شرعا، وذلك نظير من يبتعد عن بلده
مائة متر مثلا ثم يدور حوله على نحو تكون مسافة المحيط الذي يقطعه حول
البلد (2 / 43) كيلو مترا ولكنه مع ذلك لا يعتبر مسافرا عرفا ما دام
يدور حول بلده على مقربة مائة متر، " فالكورنيش " مثلا الذي يحوط
البلد مهما كان محيطه واسعا لا يعتبر قطعه وطيه سفرا.
رابعا: ان لا يحدث للمسافر قبل اكمال طي المسافة المحددة (اي قبل
طي 1 / 5 43 كيلومتر) أحد الأمور التالية:
98 - الأول: المرور ببلده ووطنه فإذا طوى المسافر ثلاثة وأربعين
كيلو مترا مثلا ولكنه وصل في أثناء هذه المسافة وقبل اكمالها إلى نفس بلده
الذي سافر منه أو إلى بلد آخر يعتبره هذه المسافة وقبل اكمالها إلى نفس بلده
الذي سافر منه أو إلى بلد آخر يعتبره وطنا له كبلده الذي سافر منه (تقدم
معنى الوطن في الفقرة " 87 " وما بعدها)، إذا اتفق هذا فلا اثر لهذا
السفر لأنه وقع في وسطه الحضر (وهو التواجد في الوطن)، ومثاله ان
يسافر الانسان من النجف إلى الكوفة ومنها إلى كربلاء مارا بالنجف، ومثال: آخر

298
ان يكون كل من النجف والكوفة وطنا للانسان ويعيش في كل منهما شطرا
من حياته في السنة فيسافر من النجف إلى الكفل مارا بالكوفة، ففي كل
من هذين المثالين يكون المسافر قد طوى المسافة (1 / 5 43) كيلو مترا ولكن
مر في أثنائها بوطنه فلا يعتبر حينئذ مسافرا شرعا، الا إذا طوى بعد مروره
بوطنه المسافة المحددة بكاملها.
99 - الثاني: التوقف أثناء الطريق في مكان معين شهرا قبل اكمال
المسافة المحددة (2 / 43) فلو سافر نجفي قاصدا المسافة المحددة وكانت
بلدة الشامية تقع في وسطها فمكث في الشامية شهرا ثم استأنف السير حتى
أكمل المسافة فلا اثر لهذا السفر، لأنه قد تخلل في أثنائه المكث شهرا في
مكان على الطريق. ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد عزم منذ وصول
الشامية مثلا على المكث فيها شهرا، أو كان مترددا يحاول السفر في كل
يوم ثم يمدد مكثه لسبب أو لآخر.
ونريد بالشهر هنا ثلاثين يوما فالشهر المقري إذا كان أقل من
ثلاثين يوما لا يكفي.
100 - الثالث: إقامة عشرة أيام في مكان معين على الطريق
قبل اكمال طي المسافة المحددة، ونريد بإقامة عشرة أيام العزم على
المكث عشرة أيام، بمعنى ان يقرر حين وصوله إلى الشامية في المثال
السابق المكث فيها مدة لا تقل عن عشرة أيام، فان العزم على مكث عشرة
أيام بهذا المعنى يعادل مكث ثلاثين يوما بدون عزم وقصد. وكل سفر
يطوي المسافة المحددة وتقع في أثنائه إقامة عشرة أيام بالمعنى الآنف الذكر
قبل ان تكمل المسافة - ان كل سفر من هذا القبيل ليس له أثر شرعا.
وتسمى هذه الأمور الثلاثة (المرور بالوطن، ومكث ثلاثين يوما،
وإقامة عشرة أيام) في عرف الفقهاء بقواطع السفر وعلى هذا يمكن القول

299
بان الرابع من خصائص السفر الشرعي ان لا يقع أحد قواطع السفر في أثناء
المسافة المحددة وقبل اكمالها.
هذه شروط أربعة كلما توفرت وجب القصر في الصلاة ويستثنى من
ذلك بعض اقسام السفر على ما يأتي في الفقرة (160) وما بعدها.
تفصيلات وتطبيقات للشروط العامة
أولا فيما يتعلق بالشرط الأول
101 - فيما يتعلق بالشرط الأول وهو طي المسافة المحددة قد تسأل:
هل هناك فرق بين طيها بصورة أفقية كراكب السيارة يطوي المسافة برا،
وبين طيها بصورة عمودية كراكب الطائرة إذا أتيح له ان يرتفع جوا يقدر
تكتمل به المسافة المحددة؟
والجواب: لا فرق بين الحالتين، شريطة ان لا يدخل في حساب
المسافة الشرعية ذلك القدر من الارتفاع الذي يعتبر فيه المسافر لا يزال في
جو بلدته وغير مغادر لها.
102 - وقد تسأل: إذا طويت المسافة أفقيا ولكن على شكل دائري،
فهل يكفي ذلك، أو يتوقف القصر على أن تكون المسافة في خط مستقيم
بالقدر المحدد 2 / 43 كيلومتر؟
والجواب: يكفي ذلك ومثاله: ان يكون بلد المسافر واقعا على
محيط دائرة ومحيطها (باستثناء ما تشغله بلدته من مسافة) يساوي المسافة
المحددة فإذا قطع المسافر هذه المسافة بالسير على محيط تلك الدائرة كفى ذلك،
لاحظ الصورة التالية.

300
103 - وقد تسأل: إذا قطع المسافر المحددة وذلك بان تحرك
ذاهبا آيبا إلى أن أكمل المسافة، فهل يقصر؟، ومثال ذلك أن يطوي
خمسة كيلومترات ثم يرجع ويطويها ثانية حتى يصنع ذلك مرارا عديدة.
والجواب: ان هذا ليس سفرا شرعيا ولا قصر فيه.
104 - وقد تسأل إذا كان الطريق الممتد بين بلدتين يشتمل بطبيعته
على ذهاب ورجوع تفاديا لمياه أو لصخور في الطريق تضطر الانسان إلى
السير في خطوط منكسرة كما في الصورة:
فهل تقدر المسافة وفقا لكل الخطوط التي سار عليها المسافر فعلا
أو تقدر بافتراض خط مستقيم بين البلدتين وتقدير امتداده؟
والجواب: بل تحسب تلك الخطوط، فالمقياس هو مقدار ما طوى
المسافر فعلا من المسافة ما دام طيه لها جاريا حسب المألوف والمقرر عادة
في السفر.
105 - وقد تسأل: إذا كانت هناك قرية في قمة جبل وقرية أخرى
في سفحه وكان الطريق من الأولى إلى الثانية يتطلب الدوران حول الجبل
مرارا عديدة إلى أن يصل الانسان إلى القرية الثانية، على الرغم من أن

301
المسافة بين القريتين إذا قدرت بالنظر ومد خط مباشر بينهما تكون قصيرة
فما هو المعيار؟
والجواب: المعيار هو المسافة التي يطويها الانسان من خلال دورانه
حول الجبل ما دام هذا هو الطريق المألوف من إحدى القريتين
إلى الأخرى.
106 - وإذا كنت تريد السفر من بلدك إلى بلد آخر والرجوع منه
وكانت المسافة التي تطويها في الذهاب والرجوع (2 / 43 كيلو مترا)
وجب القصر، لان الذهاب والإياب يعتبر سفرا واحدا ما لم يتخلله في
الأثناء أحد قواطع السفر المتقدمة في الفقرة (98 إلى 100)، فلو كنت
تريد مثلا ان تبقى في البلد الآخر عشرة أيام ثم ترجع فلا قصر.
107 - وقد تسأل: إذا كان بين هذين البلدين طريقان أحدهما أقرب
لأنه يساوي ثلث المسافة المحددة، والآخر أبعد لأنه يساوي ثلثي المسافة
المحددة فما هو الحكم؟.
والجواب: ان سلك الا بعد الذي يساوي ثلثي المسافة ذهابا ورجوعا
أو سلك الا بعد في إحدى المرتين - ذهابا مثلا - وسلك الأقرب الذي
يساوي ثلث المسافة في المرة الأخرى - رجوعا مثلا - فيقصر، وان سلك
هذا الأقرب ذهابا ورجوعا معا فلا يقصر.
108 - وقد تسأل: إذا كان أحد الطريقين يمثل نصف المسافة المحددة
والآخر يمثل ربعها فما هو الحكم؟
والجواب: ان سلك المسافر الطريق الأبعد الذي يمثل النصف ذهابا
ورجوعا وجب عليه القصر، وان سلك الطريق الأقرب الذي يمثل الربع
ذهابا ورجوعا، أو في إحدى المرتين على الأقل فلا يقصر.
109 - وقد تسأل: ان المسافر تارة يطوي المسافة من اجل ان يصل

302
إلى بلد آخر مثلا، وقد يطوي المسافة أحيانا لا يريد بذلك لا طي المسافة
فقط، كمن يريد ان يجرب السيارة، أو يجرب نفسه في سياقتها فيسافر بها
2 / 43 كيلو مترا من اجل ذلك، فهل هما سواء في الحكم؟
والجواب: نعم هما سواء ويجب القصر في كلتا الحالتين.
110 - تثبت المسافة بالحس والتجربة، وبالبينة العارفة العادلة (اي
شهادة عدلين)، وبخبر الثقة العارف وإذا لم يتوفر شئ من هذا لاثبات
طي المسافة المحددة بقي المسافر على التمام وأدى الصلاة أربع ركعات. وكذلك
إذا تضاربت الشهادات المتكافئة، كما إذا شهدت بينة بالمسافة وبينة أخرى بنفيها.
111 - ولا يجب على المسافر الفحص والبحث عن المسافة التي طواها
في سفره فعلا، ووضع مقاييس لضبط عدد الكيلو مترات في سفرته، لكي
يعرف انه طوى ثلاثة وأربعين كيلو مترا وخمس الكيلو متر، بل كلما اتفق
له ان تأكد من طي تلك المسافة المحددة بالطرق السابقة، من تجربة أو
بينة أو شهادة الثقة اخذ بذلك وقصر. وإذا لم تتوفر له هذه الطرق وظل
شاكا فعليه التمام.
112 - وإذا علم وهو في وسط الطريق بان مجموع السفرة يساوي
المسافة المحددة قصر في صلاته، حتى لو لم يكن قد بقي من تلك المسافة
التي يريد طيها سوى اليسير منها، لان المعيار في ابتداء المسافة من حين
ابتداء السفر لا من حين علمه بالمسافة.
113 - وإذا سافر وتأكد بأحد الطرق السابقة انه طوى في سفره
المسافة المحددة فقصر، ثم انكشف العكس، فصلاته باطلة، وعليه ان
يعيدها تامة.
114 - وإذا سافر وتأكد من عدم طي المسافة المحددة بالكامل فأتم
صلاته، أو شك في ذلك فأتم صلاته تطبيقا لما تقدم في الفقرة (111)،

303
ثم انكشف العكس وعلم أنه كان قد طوى المسافة المحددة، فعليه إعادة
الصلاة قصرا ما دام الوقت باقيا.
ثانيا فيما يتعلق بالشرط الثاني
115 - وفيما يتعلق بالشرط الثاني وهو ان تكون المسافة مقصودة،
قد تسأل: إذا سافر قاصدا إلى بلد ولكنه لا يدري أقريب هو أم بعيد؟،
وفي الطريق أو في مقصده علم بان المسافة تستوجب القصر فماذا يصنع؟.
والجواب: انه يقصر، لأن من قصد بلدا قصد السبيل إليه، والمهم هو قصد
سفر يحقق المسافة سواء كان المسافر عالما بان سفره يحقق ذلك أولا.
116 - وإذا قصد ما دون المسافة، ولما بلغ مقصده تجدد له رأي فسافر
إلى بلد آخر، فماذا يصنع؟
والجواب ان هذا يعتبر ابتداء المسافة من أول السير الجديد، اي من
حين تجدد له رأي في السفر إلى البلد الآخر ويلغي من الحساب ما طواه قبل
ذلك، فإذا كان المجموع من هذا السير الجديد ومن طريق العودة بمقدار
المسافة قصر ما لم يحصل في أثناء ذلك أحد قواطع السفر. ومثال ذلك:
انسان قصد السير إلى بلد يبعد عن مقره ووطنه ثلث المسافة الشرعية،
وعند وصوله إلى هذا البلد عزم على السفر إلى بلد آخر يبعد عن البلد
الأول أيضا ثلث المسافة، فسافر إلى البلد الثاني قاصدا العودة إلى مقره
من نفس الطريق، وعليه يكون المجموع من الذهاب إلى البلد الثاني
والإياب إلى الوطن تمام المسافة المعتبرة، الثلث للذهاب والثلثان للاياب،
وعندئذ يقصر. ومثال آخر بشكل أكثر تحديدا: كوفي يقصد السفر إلى
النجف، وفي النجف يتجدد له رأي في السفر إلى (أبو صخير) ثم
الرجوع منها إلى الكوفة مارا بالنجف فالمسافة هنا تعتبر من النجف إلى
(أبو صخير) إلى النجف إلى الكوفة، واما ما طواه أولا من مسافة من الكوفة

304
من الكوفة إلى النجف فيلغى لأنه لم يكن قاصدا بذلك المسافة المحددة بالكامل.
117 - وطالب الضالة والكلأ والهائم على وجهه لا يدري أين يتجه
كل هؤلاء وما أشبه يتمون الصلاة وان طووا المسافة المحددة لأنهم لا يقصدون ذلك.
118 - وقد يكون المسافر قاصدا للمسافة المحددة في سفره ولكنه
يشك في تمكنه من موصلة السفر، أو يحتمل ان تطرأ في الطريق بعض
الأسباب التي تصرفه عن الاستمرار في السفر، ففي مثل ذلك لا يعتبر القصد
متوفرا ولا يصح القصر، ما لم يكن الاحتمال ضئيلا ومما لا يعتنى به عادة من
الناحية العملية.
119 - وكل من علق سفره على شرط مجهول الحصول فهو غير
قاصد للسفر، وحكمه حكم الحاضر، ومثاله: أن يخرج من بيته ويسافر
إلى ما دون المسافة المعتبرة باحثا عن رفيقه في سفره، فان وجده مضى
في السير حتى نهايته والا عاد إلى ما بدأ.
120 - ولا فرق ابدا في قصد المسافة بين ان يكون قصدا مستقلا أو
تابعا لقصد شخص آخر، كالزوجة مع زوجها. وأيضا لا فرق بين ان
يكون التابع مختارا كالرفيق الذي أو كل امر السفر إلى رفيقه، وبين ان
يكون غير مختار كالجندي والأسير.
121 - وإذا جهل التابع قصد المتبوع يبقى على التمام وان طال الأمد،
الا ان يعلم في الأثناء بطريق أو بآخر فيعمل بموجب علمه. وفي سائر
الأحوال لا يجب على التابع ان يبحث ويفحص عن قصد المتبوع ويتعرف
عليه بالسؤال منه أو من غيره.
122 - وقد تسأل: إذا كان من قصد التابع مفارقة المتبوع في أول
فرصة ممكنة، فهل يقصر أو يتم؟.
الجواب: ان التبعية من حيث هي لا وزن ولا اثر لها اطلاقا والمعول

305
على قصد السفر وقطع المسافة باي نحو كان، وليس من شك في أن العزم
على مفارقة المتبوع متى سنحت الفرصة يتنافى مع قصد السفر، وعليه
يجب التمام، اللهم ان تكون أمنية التابع صعبة المنال وعندئذ يكون
قصد المسافة مفروضا بحكم الواقع ويجب القصر حتما.
123 - وإذا قصد بلدا معينا بينه وبين مقره ووطنه المسافة، وفي
الطريق عدل عنه إلى بلد آخر يماثله في البعد والمسافة، إذا كان ذلك
فلا يضر هذا العدول من بلد إلى بلد بأصل القصد، وعليه يبقى على القصر،
ومثله تماما إذا قصد بلدا من اثنين لا بعينه ما دام بين الوطن وكل منهما
مسافة القصر، لأن المعول على نوع القصد بصرف النظر عن
التمييز والتعيين.
124 - وإذا قصد المسافة وبعد ان طوى شيئا حار في مره وتردد
في رأيه: هل يمضي على قصده أو يعود إلى مقره، وبعد هذا الشك
والتردد، عاد إلى قصده الأول وعزم على الاستمرار، فهل يقصر أو يتم؟.
الجواب: ان كان لم يقطع شيئا من الطريق عند الحيرة والتردد يبقى
على القصر، حتى ولو يكن الباقي مسافة شرعية، وان كان قطع شيئا
من الطريق عند الحيرة والتردد فينظر: هل الذي يقطعه من الطريق بعد
العودة إلى الجزم يبلغ المسافة ولو بضم الإياب والرجوع؟. فان بلغها
قصر، وأما إذا لم يبلغ المسافة فإنه يتم، والا جدر به ان يجمع بين القصر
والتمام. وكل ما ذكرناه ينطبق أيضا على المسافر إذا طوى شيئا من المسافة
ثم توقف وجزم بالعدول عن سفره برهة وعاد بعد ذلك إلى قصده الأول.

306
ثالثا: فيما يتعلق بالشرط الثالث
125 - وفيما يتعلق بالشرط الثالث وهو ان يعتبر طي المسافة سفرا
عرفا، قد تسأل: إذا كانت البلدة كبيرة جدا على نحو يساوي السير
من نقطة منها إلى أخرى المسافة المحددة ولو بضم الرجوع إلى الذهاب،
فهل يكفي ذلك في القصر؟
والجواب: ان هذا لا يكفي لان الانسان ما دام يتحرك في بلدته - مهما
كانت كبيرة - فلا يعتبر ذلك سفرا منه عرفا لان السفر يتوقف على
الابتعاد عن البلدة والمقر.
126 - وقد توجد بلدان صغيره على الطريق والفاصل بين البلدة
الأولى والأخيرة بقدر المسافة المحددة شرعا، فإذا سافر ابن البلدة الأولى
إذا اتصل بعضها بالبعض الآخر نتيجة التوسع في العمران فماذا يصنع؟.
والجواب: انه يقصر أيضا، الا إذا مر زمن على هذا الاتصال
والتفاعل بين تلك البلدان الصغيرة حتى أصبحت بلدا واحدا في نظر العرف،
وسيأتي لذلك توضيح في الفقرة (175) وما بعدها.
رابعا: فيما يتعلق بالشرط الرابع
127 - وفيما يتعلق بالشرط الرابع وهو ان لا يقع أحد قواطع السفر
أثناء طي المسافة المحددة شرعا.
قد تقول: قد يكون المسافر عازما على المرور في أثناء المسافة المحددة

307
على بلدته ووطنه، ولكنه لم ير فعلا لعائق منعه عن ذلك وطوى المسافة
المحددة بكاملها، فهل يقصر؟
والجواب: ان هذا لا يقصر لأنه كان عازما على المرور بوطنه في
أثناء المسافة، ولما كان المرور بالوطن قاطعا للسفر يفقد الشرط الثاني من
الشروط الأربعة.
128 - وقد تسأل: وماذا عمن يسافر وهو يشك في أنه هل سيمر
بوطنه وبلدته في أثناء طي المسافة أولا؟
والجواب: ان هذا لا يقصر أيضا لنفس السبب.
129 - وقد تسأل: وإذا سافر الانسان وهو يشك في أنه هل سيقيم
في بلد على الطريق قبل اكمال المسافة، أو هل سيمكث فيه شهرا ولو
بدون إقامة، ثم انصرف عن ذلك في أثناء السير وواصل سفره إلى أن
أكمل المسافة، فماذا يصنع بعد أن أكمل المسافة؟.
والجواب: الحكم انه يقصر، وكذلك أيضا لو كان عازما عند
ابتداء السفر على أن يقيم عشرة أيام في نصف الطريق ثم انصرف عن
ذلك وأكمل المسافة المحددة.
130 - وكذلك الامر أيضا لو وصل إلى موضع في أثناء وأعجبه
وحدث نفسه في الإقامة هناك عشرة أيام ثم انصرف وواصل سفره،
فان حكمه القصر.
متى يبدأ القصر ومتى ينتهي
عرفنا ان السفر إذا توفرت فيه الشروط الأربعة المتقدمة أوجب

308
القصر، والسؤال هنا: انه متى يبدأ المسافر بالتقصير ومتى ينتهي وجوب
القصر بالنسبة إليه؟. ولنبدأ أولا بالجواب على السؤال الثاني.
أولا متى ينتهي القصر
ينتهي القصر بأحد الأسباب التالية:
الوصول إلى الوطن
131 - إذا وصلى المسافر إلى وطنه وبلدته انتهى سفره، سواء كان
السفر قد ابتدأ من تلك البلدة أيضا ثم عاد إليها، أو ابتدأ من موضع
آخر وانتهى في سفره إلى بلدته، أو كانت له بلدتان كل منهما وطن له
وبينهما المسافة المحددة فسافر من إحداهما إلى الأخرى وقد تقدم في الفقرة
(87 وما بعدها) معنى الوطن شرعا بأوجهه وأقسامه الأربعة. وينتهي
السفر بدخول الوطن فعلا، لا برؤية عماراته ومنائره ونخيله، فما لم يدخل
إليه يبقى حكم القصر ثابتا.
132 - ولا فرق في الدخول إلى الوطن بين الدخول بقصد الاستقرار
والمكث وغيره، فلو دخل المسافر وطنه وهو في السيارة قاصدا اجتيازه
منه لمواصلة سفره انتهى بذلك حكم القصر بالنسبة إليه، ولا يعود الا بخروجه
من وطنه إذا تحقق منه سفر شرعي جديد.
وإذا كان المسافر راكبا في طائرة ومر ببلده انقطع بذلك سفره أيضا،
ما لم تكن الطائرة مرتفعة في طبقات الجو إلى مستوى لا يعتبر فضاء لذلك
البلد عرفا.

309
133 - كما لا فرق بين ان يكون الدخول في الزمان الذي اعتاد فيه
ان يكون متواجدا في وطنه ذاك أو في غيره، فالتلميذ الجامعي الذي اتخذ
بغداد وطنا له لأجل الدراسة لو رجع إلى بلده الأصلي في العطلة الصيفية
ثم سافر إليها خلال الصيف انتهى بوصوله إليها سفره.
الإقامة عشرة أيام
134 - إذا طوى المسافر المسافة المحددة ثم قرر ان يمكث في بلد أو
قرية أو موضع معين عشرة أيام سمي مقيما، وسمي هذا القرار إقامة
والإقامة تنهي حكم السفر، فالمسافر المقيم يتم ولا يقصر الا إذا بدأ سفرا جديدا.
135 - ونقصد بالقرار ان يكون واثقا من مكثه عشرة أيام في ذلك
البلد، سواء نشأت هذه الثقة من محض ارادته واختياره للبقاء هذه المدة،
أو لشعوره بالاضطرار إلى البقاء، أو وجود ظروف لا تسمح له بمغادرة
المكان كالسجين مثلا، فمهما توفرت الثقة على مستوى اليقين أو مستوى
الاطمئنان (راجع في معنى الاطمئنان الفقرة (21) من فصل التكليف وشروطه)
فقد حصل المطلوب وعلى هذا الأساس فإذا كان راغبا في المكث عشرة
أيام ولكنه كان يشك في قدرته على البقاء أو يتوقع بعض الطوارئ التي
تصرفه عن الاستمرار في المكث فلا يعتبر مقيما، إذ لا ثقة له بأنه سيبقى.
136 - ونقصد بعشرة أيام عشرة نهارات وتدخل ضمنها تسع ليال،
وهي الليالي الواقعة بين النهار الأول والنهار الأخير، وابتداء النهار طلوع
الفجر فمن عزم على الإقامة في بلد من طلوع الفجر من اليوم الأول من
الشهر إلى الغروب من اليوم العاشر كان ذلك إقامة. وكذلك إذا بدأت
المدة بنصف النهار إلى نصف النهار من اليوم الحادي عشر كما إذا قصد

310
الإقامة من ظهر اليوم الأول إلى ظهر اليوم الحادي عشر.
ولا يشترط قصد العشرة بالتعيين والخصوص، بل يكفي ان يقصد
البقاء فترة زمنية تساوي عشرة أيام ولو لم يعلم هذا القاصد نفسه بأنها تساوي
ذلك، كما إذا قصد البقاء إلى آخر الشهر وكان الباقي من الشهر عشرة
أيام أو يزيد.
وأما إذا دخل إلى بلد وعزم الإقامة فيه عشرة ليال من بداية الليلة
الأولى من الشهر مثلا إلى نهاية الليلة العاشرة لم يكف ذلك، لان هذه
الفترة التي عزم البقاء فيها لا تشتمل على عشرة نهارات.
137 - ونقصد بالمكث في الأيام العشرة ان يكون مبيته ومأواه ومحط
رحله ذلك البلد، وان لا يمارس خلال هذه المدة سفرا شرعيا، فكل من
عزم على أن يمكث في بلد بهذا المعنى من المكث عشرة أيام فقد أقام فيه.
وهذا لا يعني عدم خروجه من البلد إلى ضواحيه أو بلد آخر قريب منه
ليس بينهما المسافة المحددة للسفر الشرعي، كالكوفة بالنسبة إلى النجف،
فيمكن لمن يقصد الإقامة في النجف ان ينوي في نفس الوقت ان يذهب في
كل يوم إلى الكوفة الساعة والساعتين أو أكثر - دون المبيت فيها -
بقصد العبادة أو النزهة أو لأية حاجة أخرى، ما دام مبيته ومأواه ومحط
رحله النجف على نحو لو سأله سائل أين نزلت في سفرك هذا لقال نزلت
في الفندق الفلاني في النجف.
138 - ونقصد بالبلدة أو القرية أو الموضع، المكان المعين من
بلدة أو قرية أو بادية، فلا يكفي ان يعزم على الإقامة في بلدين أو قريتين
هنا خمسة أيام وهناك خمسة أيام، بل لابد لكي ينقطع حكم السفر بالإقامة
ان يعزم على الإقامة في مكان واحد طيلة عشرة أيام بالمعنى الذي تقدم.
فكلما قرر المسافر إقامة عشرة أيام فصاعدا وعزم على ذلك على النحو

311
الذي أوضحناه انقطع بذلك حكم القصر عنه ووجب عليه ان يتم في صلاته.
139 - وأما إذا أقام في مكان واحد معين عشرة أيام ولكن بلا قصد
الإقامة والعزم عليها فلا ينقطع السفر. ومن هذا القبيل من علق اقامته على
بلوغ حاجة، فقال في نفسه: إذا لم يشتد البرد فأبقى في هذا البلد، وبقي
عشرة أيام نظرا إلى عدم اشتداد البرد، فلا اثر لذلك، ومثل هذا يبقى
على حكم القصر.
140 - ولا يشترط في الإقامة التي تقطع حكم السفر ان يكون الانسان
مكلفا بالصلاة فلو سافرت المرأة الحائض إلى بلد نوت فيه الإقامة أصبحت
مقيمة ووجب عليها ان تتم في صلاتها إذا طهرت. وكذلك غير البالغ
إذا سافر ونوى الإقامة ثم أكمل خمس عشرة سنة وبلغ في أثناء الأيام العشرة،
فإنه يجب عليه حينئذ التمام.
141 - وإذا أقام المسافر في بلد وصلى تماما طوال أيامه العشرة
وبعدها مكث أمدا في محل اقامته، فهل يحتاج البقاء على التمام إلى قصد
الإقامة مرة أخرى؟
الجواب: يبقى على التمام إلى أن يسافر في اي وقت شاء ولا داعي
اطلاقا إلى نية الإقامة وقصدها من جديد.
142 - وإذا ورد المسافر إلى بلد فلم يعزم على الإقامة فيه وصلى
قصرا كان له بعد ذلك في اي وقت ان يعزم على الإقامة إذا شاء، على أن
يحتسب المدة من حين العزم، فإذا عزم في اليوم الخامس من تواجده
في ذلك البلد على البقاء فيه إلى اليوم الخامس عشر اعتبر مقيما ووجب
عليه ان يتم صلاته من ذلك التاريخ.
ولو اتخذ هذا القرار بالإقامة وهو يصلي الظهر أو العصر أو العشاء
وجب عليه ان يصليها تامة.

312
143 - إذا نوى الإقامة عشرا وقرر ذلك، وقبل ان يصلي العشاء
أو الظهر أو العصر تامة عدل عن نية الإقامة - فعليه ان يقصر ولا يتم
ويعود إليه حكم المسافر. وإذا عدل عن الإقامة بعد أن صلى إحدى
الرباعيات الثلاث تامة كاملة يبقى على التمام ولا يسوغ له ان يقصر.
144 - وقد تسأل: إذا نوى المسافر الإقامة ثم ذهل عن سفره
وإقامته وصلى العشاء أو إحدى الظهرين تماما لامن اجل انه مقيم بل لمجرد
الغفلة والنسيان وكأنه يتخيل نفسه في بلده، فهل يكفي ذلك في البقاء
على التمام؟
الجواب: كلا لا تكفي هذه الصلاة في البقاء على التمام ما دامت لم
تستند إلى قصد الإقامة، بل وقعت ذهولا عنها ومثلها في عدم الاكتفاء صلاة
تامة يصليها المسافر المقيم بعد وقتها وفاء وبدلا عن صلاة تامة فاتته في
وقتها لسبب أو لآخر، حتى ولو كانت قد فاتته في خلال اقامته.
145 - إذا نوى الإقامة وصلى تماما ثم عدل عن نية الإقامة، ولكن انكشف
له ان الصلاة التي صلاها تماما كانت باطلة، وجب عليه مع هذا الفرض ان
يرجع إلى القصر، لان الشئ إذا بطل، بطل اثره وكان وجوده وعدمه
بمنزلة سواء.
146 - وإذا عزم المسافر على إقامة عشرة أيام وبدأ صلاة الظهر على
هذا الأساس وفي أثنائها عدل عن نية الإقامة فماذا يصنع؟
الجواب: ان كان لا يزال في الركعتين الأوليين أو تجاوزهما إلى الثالثة
وعدل قبل ان يركع: انتقل إلى نية القصر وأتى بالصلاة على نيته، وان
قد ركع في الثالثة بطلت صلاته من الأساس كأنها لم تكن وأعاد
الصلاة قصرا.
147 - إذا عدل عن نبة الإقامة عشرة أيام، ولكنه شك: هل

313
كان قد صلى تماما كي يبقى ويستمر في صلاته على التمام، أو لم يأت بمثل
هذه الصلاة، فالأصل عدم الاتيان بها، ومعنى هذا ان وظيفته القصر
دون التمام.
المكث ثلاثين يوما
148 - السبب الثالث لانتهاء حكم السفر المكث ثلاثين يوما حتى ولو
كان ذلك بدون قصد وقرار، وذلك أن المسافر إذا طوى المسافة المحددة
وجرى عليه حكم القصر، ووصل إلى بلد أو مكان حار في امره وتردد في
عزمه لا يدري: هل سيخرج من هذا البلد الذي وصل إليه في سفره بعد
عشرة أيام حتى ينوي الإقامة فيه أو انه سيخرج منه غدا أو بعد غد، ان
حدث هذا لأي مسافر وجب عليه ان يبقى على القصر حتى يمضي عليه
هكذا مترددا ثلاثون يوما، فإذا كمل ثلاثون يوما وهو لا يزال في ذلك
البلد وجب عليه ان يقيم صلاته كاملة، ولو كان عازما على مغادرة
البلد بعد ساعة.
149 - ونريد بثلاثين يوما ثلاثين نهارا بما تضم من الليالي التسع
والعشرين الواقعة بين النهار الأول والنهار الأخير، على النحو الذي مر بنا
في عشرة نهارات.
150 - ولا يكفي التردد من أول شهر هلالي - اي من الشهور القمرية -
إلى آخره، الا ان يكون هذا الشهر ثلاثين يوما.
151 - وإذا تردد ثلاثين يوما في قرى متقاربة يقصر، ولو كانت
الواحدة تبعد عن الأخرى بقدر أقل من المسافة المحددة، لان المكث طيلة
هذه المدة لم يكن في مكان واحد.

314
ثانيا: متى يبدأ القصر؟
بعد أن عرفنا الشرعي وشروطه ومتى ينتهي حكم القصر فيه، نريد
ان نعرف متى يبدأ حكم القصر على المسافر.
152 - فهل يبدأ من حين شروعه في طي تلك المسافة المحددة ضمن
الشروط السابقة، أو بعد اكمال طيها؟
والجواب: ان حكم القصر يبدأ على المسافر من حين خروجه من
البلد الذي يريد ان يسافر منه، فإذا سافر الانسان من وطنه أو من البلد
الذي قصد الإقامة فيه عشرة أيام أو من البلد الذي مكث فيه مترددا ثلاثين
يوما، إذا سافر من أي واحد من هذه المواضع بدأ الحكم القصر بالنسبة إليه
عند الخروج من البلد والابتداء بطي المسافة، ولو طوى خطوة واحدة.
ولكن في الحالة الأولى فقط وهي حالة سفر الانسان من وطنه يتأخر حكم
التقصير قليلا عن هذا الموعد، فلا يثبت الا حين يغيب شخص المسافر
ويتوارى عن عيون أهل البيوت الكائنة في منتهى البلد وأطرافه. فإذا
وقف شخص في نهاية البلد يودع صديقه وابتعد المسافر الصديق مسافة
حجبت عنه رؤية ذلك الشخص ثبت عليه القصر، سواء غابت عن عينه
عمارات البلد وبناياته أيضا أولا. وهذا مقياس ثابت لا يزيد ولا ينقص
ولا يتأثر بضخامة العمران في البلد، خلافا لما إذا ربطنا القصر بان تغيب
عمارات البلد وبناياته فان هذا يختلف من بلد إلى آخر تبعا لنوع العمارة فيه.
153 - وإذا غاب المسافر عن عين صديقه لا لبعد المسافة بينهما بل
لأنه هبط واديا أو دخل في نفق ونحو ذلك لم يكف هذا في ثبوت القصر،
وانما يثبت القصر إذا ابتعد أحدهما عن الآخر مسافة لا تتيح لكل منهما رؤية

315
الآخر في حالة انبساط الأرض وعدم وجود حائل، ويسمى ذلك بحد
الترخص اي الحد الذي يرخص فيه المسافر في القصر.
154 - وإذا ذهب من بلدته ووطنه مسافرا وشك: هل بلغ حد
الترخص كي يسوغ له التقصير، فعليه ان يبقى على التمام حتى يعلم بوصوله
إلى الحد المذكور، فإذا أراد ان يصلي خارج بلده وهو شاك على هذا النحو
فعليه ان يصليها تامة.
155 - وإذا خرج من بلده ووطنه مسافرا وخيل له بعد يضع خطوات
انه قد وصل إلى حد الترخص فتوقف وصلى قصرا، ثم تبين العكس
فماذا يصنع؟.
الجواب: تبطل صلته، فان انكشف له الواقع وهو ما زال دون محل
الترخص وأحب اعادتها في هذا المكان بالذات أعادها تماما، وان شاء
اخرها حتى يجاوز حد الترخص ويأتي بها قصرا ما دام في الوقت سعة.
العدول عن السفر
156 - وإذا سافر الانسان من بلده أو محل اقامته أو موضع مكثه
المتردد شهرا وطوى قسطا من المسافة المحددة وقصر في صلاته، ثم انصرف
عن اكمال سفرته وقفل راجعا فماذا بصنع بالصلاة التي صلاها قصرا؟
والجواب: إذا كان الذهاب إلى النقطة التي عدل فيها عن سفره مع
الإياب يحقق المسافة المحددة فصلاته صحيحة، ويستمر القصر إلى أن يرجع
إلى بلده، وأما إذا لم يكن الذهاب والإياب بقدر المسافة كما إذا كان عدوله
قبل بلوع نصف المسافة المحددة، فعليه ان يأتي بها ثانية تامة في وقتها ان
أمكن، والا ففي خارجه.

316
157 - وإذا طوى نصف المسافة المحددة فصلى قصرا ثم بدا له ان
يقيم في وسط الطريق فأقام عشرة أيام، فماذا يصنع بصلاته؟
والجواب: انه يعيدها كما قلنا في الجواب على السؤال السابق تماما.
158 - وإذا سافر النجفي من بلده قاصدا الحلة فوصل إلى الكوفة
فصلى قصرا ثم غيره من قصده وقرر ان يكتفي بالرواح إلى الكفل والرجوع
منه إلى بلده فان كان السفر من النجف إلى الكفل ومن الكفل إلى النجف
يبلغ المسافة المحددة - كما هو كذلك - فصلاته صحيحة وعليه ان يبقى على
حكم القصر، وان لم يبلغ ذلك فعليه إعادة الصلاة وان يتم في صلاته.
159 - وإذا سافر هذا الشخص قاصدا الحلة فواصل الكوفة وصلى فيها
قصرا، وبعد ذلك بقي في الكوفة مترددا بانتظار حاجة واستمر به المكث
ثلاثين يوما على هذا النحو، ثم سافر إلى الحلة، فماذا يصنع بالصلاة التي
صلاها قصرا خلال هذه المدة؟.
والجواب: انه يعيدها تامة.
وبكلمة موجزة كلما خرج الانسان سافرا قاصدا المسافة المحددة فصلى
قصرا ثم حصل منه أحد قواطع السفر قبل اكمال المسافة، وجب عليه ان
يعيد صلاته تامة، وإذا لم يحصل أحد قواطع السفر، ولكنه قبل اكمال
المسافة المحددة غير من مقصده أو قفل راجعا، لوحظ المقدار الذي طواه
فعلا والمقدار الذي قرر ان يطويه بموجب نيته الجديدة، فان كان بقدر
المسافة المحددة صحت صلاته قصرا والا أعادها.
من يستثنى من المسافرين
إلى هنا تكونت صورة واضحة عن السفر الشرعي وشروطه ووجوب

317
القصر بسببه ابتداء وانتهاء.
ونريد ان نوضح الآن ان هناك نوعين من المسافرين يستثنون شرعا
من ذلك ولا يسوغ لهم القصر، بل حالهم حال المكلف الحاضر في وطنه
وهما: المسافر سفر المعصية، ومن كان السفر عمله. هذا على نحو الايجاز،
وفيما يلي التفصيل:
أولا: المسافر سفر المعصية
سفر المعصية يطلق:
160 - أولا: على السفر الذي يستهدف منه المسافر فعل المعصية
وارتكاب الحرام، كمن سافر للاتجار بالخمر، أو لقتل النفس المحرمة،
أو للسلب، أو إعانة للظالم على ظلمه، أو لمنع شخص من القيام بالواجب الشرعي
ونحو ذلك. وأما إذا كان الهدف من السفر والباعث عليه أمرا محللا في
ذاته كالنزهة، وصادف فعل الحرام في أثناء السفر، كالكذب والغيبة
واكل النجس، فلا يسمى السفر من اجل ذلك سفر المعصية.
161 - ثانيا: على السفر الذي يستهدف منه المسافر القرار من أداء
الواجب الشرعي، كمن يفر من أداء الدين مع القدرة عليه بالسفر والابتعاد
عن الدائن الذي يطالب بالوفاء فعلا.
162 - وثالثا على السفر الذي لا يراد به التوصل إلى معصية كما في
الأول ولا الفرار عن واجب كما في الثاني، ولكنه هو حرام، بمعنى أن
السفر والتغرب عن البلدة نفسه حرام، كما إذ كان قد أقسم يمينا على أن
لا يسافر في يوم ماطر، أو نهاه عن السفر من تحرم عليه معصيته شرعا،
فيكون السفر في اليوم الماطر حراما وبهذا يعتبر نوعا من سفر المعصية.

318
هذه هي الأنواع الثلاثة لسفر المعصية.
163 - والمسافر سفر المعصية لا يسوغ له القصر بل يتم في صلاته،
ولا يكون جديرا بهذا التسهيل والتخفيف.
164 - وفي النوع الأول من سفر المعصية والنوع الثاني منه إذا حصل
للمسافر مقصوده غير المشروع وأراد ان يعود، فان كان الرجوع بقدر
المسافة المحددة قصر في رجوعه سواء ناب وأناب لم بقي مصرا على جرمه
، وان لم يكن بقدرها فلا.
واما في النوع الثالث فان كان الرجوع من السفر محرما أيضا فلا
يسوغ له القصر في الرجوع، كما إذا كان قد أقسم على أن لا يسافر في
يوم ماطر لامن بلده ولا من غيره وأراد ان يرجع والمطر مستمر، وأما إذا
كانت الحرمة مختصة بالذهاب فقط كما في هذا المثال إذا افترضنا ارادته
للرجوع بعد انقطاع المطر، فحكمه حكم النوع الأول والثاني.
165 - ويلحق بسفر المعصية من سافر بقصد الصيد من اجل اللهو
فإنه يتم ولا يقصر في الذهاب، ويقصر في الإياب إذا كان طريق الرجوع وحده
يستمل على المسافة المحددة، وخلافا لذلك من يسافر للصيد من اجل قوت
أهله وعياله أو للتجارة، فان حاله في الذهاب والإياب حال اي مسافر اعتيادي
166 - ومن سافر لغاية جائزة سائغة، ولكنه ركب في سيارة
مغتصبة أو مر في ارض محرمة عليه، فحكمه ان يقصر، لأنه وان كان
آثما ولكن سفره ليس سفرا لمعصية وتغربه وابتعاده عن بلده لم يكن محرما
ولا من اجل الحرام، وانما استخدمت فيه واسطة محرمة أو طريق محرم.
أما إذا اغتصب الشخص سيارة وفر بها هربا من صاحبها فرار السارق
فحكمه التمام، لان الباعث على سفره هو انجاح سرقته وتمكين نفسه من
أموال الآخرين.

319
167 - قد لا يكون السفر في بدايته معصية، ولكنه يتحول إليها في
أثناء الطريق، كمن سافر صدفة للاتجار في الحبوب ثم رأى الاتجار بالمسكرات
انجح في دنياه، فاشترى عاجلها بآجلها. وهذا التحول إلى المعصية
تارة يقع في أثناء المسافة المحددة وقبل اكمال طيها، وأخرى يقع بعد اكمال
طيها فهذه حالتان:
اما في الحالة الأولى، فهذا التحول يهدم السفر الشرعي وحكمه حينئذ
ان يتم في صلاته، وإذا كان قد قصر من صلاته قبل ذلك وجب عليه
ان يعيد الصلاة تامة في وقتها، وان كان الوقت قد فات اتى بها تامة في
خارج الوقت.
واما في الحالة الثانية فما صلاه قصرا صحيح، لان السفر الشرعي قد
حصل منه ولا حاجة إلى اعادته، وما لم يبدأ بسفر المعصية فعلا يبقى عل
القصر، فان بدأ بسفر المعصية فعلا فقد يكون سفرا لمعصية ماحيا لأثر
السفر الشرعي، فلا بد للمسافر في هذه الحالة إذا أراد الخروج عن عهدة
الصلاة الواجبة عليه ان يجمع بين القصر والتمام، فيصلي كلا من الظهر
والعصر والعشاء مرة قصرا وأخرى تماما.
168 - وقد يكون السفر على عكس ما تقدم، فيبدأ سفر معصية وفي
أثناء الطريق يتوب المسافر ويؤوب إلى ربه ويغير من هدفه، كما إذا كان
غرضه من السفر أولا شراء المسكرات، ثم تاب في الطريق وسافر لشراء
الحبوب، فان كن الباقي بمقدار المسافة المحددة ولو بإضافة طريق الرجوع
إلى الوطن قصر عند الابتداء بالسفر المباح فعلا، واما قبل ان يبدأ به
فيتم إذا أراد ان يصلي.
169 - ويبدأ حكم القصر بالنسبة إلى من سافر سفر المعصية ثم تحول
سفره إلى سفر مباح بقدر المسافة المحددة، يبدأ القصر بالنسبة إليه من حين

320
ابتدائه بالسفر المباح، ولو لم يخرج بعد من البلد الذي تحولت فيه نيته
من الحرام إلى الحلال. فلو سافر شخص إلى النجف بقصد ان يظلم أحدا،
وحين دخلها تاب وكر راجعا، فيقصر من حين ابتدائه بالسفر المباح ولو
لم يخرج من النجف بعد وكذلك الامر في من حقق في سفره الغاية المحرمة
وقفل راجعا قاصدا طي المسافة المحددة، فان حكم القصر يبدأ معه منذ
بداية رجوعه ولا يتوقف على الخروج من البلد.
ثانيا: من كان السفر عمله
170 - من كان عمله وشغله السفر لا يسوغ له القصر. ونقصد
بالعمل والشغل: الحرفة أو المهنة أو العمل الذي يحدد مركزا لشخص على
نحو لو سئل ما هو عمل هذا الشخص لذكر ذلك في الجواب على هذا السؤال
فمن يشتغل كسائق بأجرة تعتبر السياقة والسفر حرفة ومهنة له، ومن يتبرع
بالعمل كسائق لدى شخص كذلك تعتبر السياقة عمله الذي يحدد مركزه
ومهنته ولو لم يدر عليه ذلك أجورا بصورة مباشرة، ومن يملك سيارة
فيسوقها باستمرار ويقطع بها المسافات كل يوم بقصد التنزه وقضاء الوقت
أو يسافر بها لزيارة المشاهد المشرفة باستمرار لا يعتبر السفر عمله ومهنته،
إذ لو سئل ما هو عمل هذا الشخص لا يقال ان عمله التنزه أو زيارة المشاهد.
ومن كان عمله السفر ينطبق:
171 - أولا: على من كان نفس السفر عمله المباشر كالسائق عمله
سياقة السيارة، والطيار أو البحار يقود الطائرة أو السفينة، والمضيف
الذي تستأجره الشركة لمرافقة المسافرين في الطائرة أو غيرها من
وسائط النقل.

321
172 - ثانيا: من كان عمله ومهنته شيئا آخر غير السفر ولكنه يسافر
ويتغرب عن بلده من اجل ان يمارس عمله، على نحو لا يتاح له ان يمارس
ذلك العمل وتلك المهنة الا إذا باشر السفر بنفسه وتغرب عن بلده، أو
يجد ان من الأفضل للعمل والمهنة ان يسافر بنفسه بدلا عن أن يستنيب.
المثال: نجفي وظيفته التدريس في مدرسة في الحلة فيسافر إلى هناك في
كل يوم ويعود إلى بلدته بعد انتهاء عمله، فان هذا عمله ليس هو السفر بل
التدريس، ولكنه يسافر من اجل ان يمارس التدريس ويزاول مهنته فهي
تفرض عليه مباشرة السفر، ولو استناب شخصا آخر في السفر إلى الحلة
لكان معناه ان الشخص الآخر هو الذي سيدرس دونه فكل من كان من
هذا القبيل فهو ممن عمله السفر شرعا ويجب عليه ان يتم صلاته. ومثال
آخر: شخص يتجر في موسم البطيخ بالسفر لشرائه من المزارع وجلبه
إلى البلد وبيعه.
173 - ونذكر فيما يلي عددا من الحالات لذلك مستمدة من واقع
الحياة، ليتاح للمكلف معرفة الحكم الشرعي لكل حالة مماثلة.
1 - طالب يدرس في جامعة بغداد وبلدته تبعد عن بغداد بقدر المسافة
المحددة، فيأتي إلى بغداد كل يوم للدراسة ويعود إلى بلدته بعد انتهاء
الدراسة اليومية.
2 - نفس الطالب إذا كان يأتي إلى بغداد فيمكث أسبوعا دراسيا،
ثم يعود في عطلة الأسبوع إلى أهله وبلدته.
3 - ومثل الطالب كل موظف بلدته غير مركز عمله، ويتردد على
مركز العمل في كل يوم أو يمكث فيه طيلة الأسبوع مثلا.
4 - وكذلك أيضا إذا كان يقضي في مقر العمل شهرا أو شهرين
أو شهورا، فان سفره هذا وتغيبه عن بلده انما هو من اجل ان يمارس

322
عمله يعتبر ممن عمله السفر، فيبقى على التمام في صلاته من حين يخرج إلى
حين يعود.
5 - مهندس ينتدب للعمل في مشروع يستمر سنة فيكون مقر عمله
حيث ينشأ ذلك المشروع، وهو يبعد عن بلدته بقدر المسافة المحددة،
فيفرض عليه العمل، السفر إلى مقر العمل مددا طويلة أحيانا وقصيرة أخرى
فيتم في كل تلك الاسفار.
6 - الجندي المكلف أو المتطوع والعسكري باية رتبة من الرتب
العسكرية إذا كان معسكره ومقر عمله يبعد عن بلدته، فيسافر إلى مقر
العمل لممارسة عمله فعليه ان يتم في صلاته، سواء كان يبقي في مقر العمل
أسبوعا أو أسبوعين أو مدة لا يعرف مداها تحدد حسب الأوامر التي
تصدر إليه.
7 - طالب حلي يتخرج من الاعدادية في بلده فيلتق بدورة دراسية
تمتد ستة أشهر في بغداد مثلا فيسافر إلى بغداد لأجل ذلك، ويمكث في
بغداد طيلة هذه المدة اما بصورة مستمرة واما بصورة متقطعة على نحو
يعود إلى أهله وبلدته في كل يوم مساءا، أو في كل أسبوع مرة، أو في
مدد غير محددة، وفي جميع هذه الحالات يصلي صلاته تامة في بغداد طيلة
تلك المدة لأنها مقر عمله.
8 - خبير عراقي - مهندس أو طبيب أو إداري أو غير ذلك -
يكلف من قبل الدائرة التي ينتسب إليها بالسفر سنة مثلا إلى الخارج إلى
منطقة معينة، لكسب المزيد من الخبرة بممارسة بعض الوسائل العلمية أو
الفنية هناك، فعليه الاتمام في صلاته في تلك المنطقة والبلدة التي تضم
الجامعة أو المستشفى أو المعمل الذي يمارس عمله فيه.
9 - تاجر في طهران ينشئ معملا لصنع السجاد في قم، أو تاجر في

323
بغداد ينشئ معملا لصنيع البلاستيك في كربلاء، أو تاجر في بيروت ينشئ
معملا لانتاج البلاط في صور، ويتردد على معمله في البلد الآخر ويقيم
هناك اليوم أو اليومين والأسبوع والأسبوعين حسب متطلبات المعمل،
فعليه الاتمام في سفره ومقر عمله.
10 - محاسب أو مفتش مكلف بالتطوال على الفروع المختلفة لبنك
من البنوك أو لشركة تجارية، فيسافر من بلد إلى بلد ليمارس في كل بلد
التفتيش وتدقيق الحساب، فعليه ان يصلي صلاته تامة في كل أسفاره التفتيشية.
11 - حداد أو نجار أو متعهد ماء وكهرباء ونحو ذلك يعملون في
مجموعة من القرى فيسافرون من قرية إلى قرية لمزاولة أعمالهم، ويطوون من
اجل ذلك المسافة المحددة بين كل قرية وأخرى، وكذلك المقاول الذي
يلتزم بعدة مقاولات في بلدان متعددة ويسافر من أحد تلك المواضع إلى
الموضع الآخر لمزاولة عمله، فان هؤلاء يتمون في صلاتهم.
174 - وخلافا لهذه الأمثلة التي تجب فيها الصلاة تامة نستعرض أمثلة
أخرى يجب فيها القصر.
1 - حداد أو نجار يشتغل في داخل البلد، ولكن قد يحدث اتفاقا
ان يستدعي إلى بلد آخر قريب أو بعيد لاصلاح جهاز أو تجهيز بيت ونحو
ذلك مما يتصل بمهنته، وفي هذه الحالة يجب القصر إذا طوى المسافة المحددة
ما دامت هذه السفرة حالة اتفاقية وليس عمله مبنيا عليها.
2 - موظف يمارس وظيفته في دائرة داخل البلد، ولكنه يكلف
من قبل الدائرة اتفاقا بمعدل مرة في كل شهر مثلا بالسفر يوما أو يومين
لممارسة عمل في منطقة أخرى، وهذا يقصر إذا طوى المسافة المحددة لان
عمله ليس مبنيا على السفر.
3 - خطيب من خطباء المنبر الحسيني يتعاطى الخطابة في بلدته،

324
ولكنه يتفق أحيانا ان يستدعى للخطابة في بلد آخر فيسافر ويطوي المسافة
إليه ويبقى هناك يوما أو يومين أو أياما، وهذا يقصر إذا طوى المسافة
المحددة وفقا لحالة المسافر الاعتيادي لان عمله ليس مبنيا على السفر. ولكن
إذا كان ما يمارسه من العمل والخطابة من خلال السفر أساسيا ومهما في مهنته
على نحو لو اقتصر عليه لكفى ذلك عرفا في صدق هذه المهنة عليه - كالخطابة
التي يسافر إليها في محرم وصفر - إذا كان الامر كذلك فعليه ان يصلي
صلاته تامة في سفره لان هذا السفر عمله.
4 - الموظف أو صاحب الحانوت الذي يستفيد من العطلة الأسبوعية
فيعمل في سيارته بأجرة، أو يستأجر لزيارة الحسين عليه السلام ليلة الجمعة،
وحكمه ان يقصر إذا طوى المسافة المحددة، لان السفر ليس هو عمله
الرئيسي وانما هو شئ ثانوي في عمله، ولهذا لو اقتصر انسان على هذا
المقدار من السفر لم يصدق عليه ان مهنته هذه، وانما يقال انه يتعاطى
أحيانا هذا العمل. وأما إذا كان تله سفرة عمل واحدة في السنة ولكن
كان عمله الذي يمارسه في تلك السفرة على درجة من الأهمية عرفا فيتصدق
انه مهنته وعمله من قبيل المتعهدين بقوافل الحجاج، فإن المتعهد يصدق عليه
ان هذا هو عمله وان كانت السفرة واحدة.
5 - من كان يكثر منه السفر لا لعمل يمارسه بل للتنزه أو لمراجعة طبيب
أو لزيارة المشاهد المشرفة، فيسافر في كل أسبوع أو في كل يوم، يقصر
في صلاته وتجري عليه احكام المسافر الاعتيادي، لان سفره ليس سفر العمل.
6 - من كان يسافر متنزها متجولا من مكان إلى مكان ولكن يقضي
أوقاته في الرسم أو الخط ويتكسب بذلك، يقصر في صلاته، لأنه وان
كان يزاول مهنة الخط مثلا في سفره ولكن لا علاقة لسفره بهذه المهنة،
فهو يزاولها في السفر كما يزاولها في الحضر وليس عمله مرتبطا بالسفر ليكون

325
السفر عملا له.
7 - من كان يسافر من اجل عمله ويتم صلاته، إذا سافر سفرة
شخصية خارج نطاق عمله كان عليه ان يقصر في صلاته، ومثاله: سائق
يشتغل بالأجرة ويسافر مرة بعائلته إلى زيارة كربلاء أو إلى عيادة أحد
الأطباء فإنه يقصر " وإذا سافر هذا السائق في عمله ونقل المسافرين إلى بلد
آخر ثم لم يحصل على المسافرين إلى بلده فرجع بسيارته بدون ركاب فرجوعه هذا
مرتبط بعمله فيبقى على الصلاة التامة.
ويتلخص من مجموع ما سبق ان كل من كان له مقر عمل بعيد عن
بلدته فيسافر إليه ويتغرب فيه عن بلدته للعمل يتم صلاته في سفره هذا
وفي مقر عمله، ولو لم يكن مقر العمل وطنا له. وكذلك من كان نفس
السفر عملا له، أو كان عمله يتوقف على السفر فسافر لمباشرة عمله فإنه
يتم إذا كان هذا العمل يتحقق بالسفر يصدق عليه انه مهنته وشغله.
البلاد الكبيرة والصغيرة
175 - مر بنا ان الحاضر في بلده ووطنه يتم، وان المقيم في بلد
عشرة أيام يتم، وان المسافر إذا مر ببلدة تعتبر وطنا له انقطع سفره وأتم
صلاته، وكل ذلك يطرح السؤال التالي: ما هي حدود البلد وأين ينتهي؟.
والجواب على هذا السؤال في الحالات الاعتيادية التي لا تمتزج فيها بلدان
واحياء بعضها ببعض واضح، ففي وضع ثابت للبلدة يكون من المعروف
عرفا حدودها وهي نهاية عمرانها. واما في حالة توسع العمران وتقارب
البلدان واتصال بعضها ببعض فقد يقع الشك، فلا يدري هل البلدان
المتصلة بلد واحد فتعتبر بمجموعها وطنا واحدا لأبنائها، ويمكن للمسافر أن

326
يقصد الإقامة فيها وينتقل في داخلها من بلد إلى آخر ولتوضيح الحال
نذكر الحالات التالية لبيان الحكم الشرعي:
176 - الحالة الأولى: بلد تبنى حواليه احياء جديدة متصلة به أو
تتصل به تدريجيا، فتعتبر هذه الاحياء امتدادا للبلد، وذلك من قبيل احياء:
المأمون، والمنصور، والكرادة الشرقية والبيان، والثورة التي أنشئت
حول بغداد، فإنها تعتبر جزءا من بغداد. والبغدادي إذا سافر إلى الحلة
ورجع إلى البياع انقطع بذلك سفره، لأنه وصلى إلى وطنه وبلدته، والمسافر
إذا قام عشرة أيام في بغداد موزعة على تلك الاحياء فهو مقيم، لأنها
بلد واحد وعليه الاتمام.
ونظير ذلك، الغبيري، والشياح، وبرج حمود، بالنسبة إلى بيروت.
177 - الحالة الثانية: بلدان لكل منهما استقلاله ووضعه التاريخي
الخاص به، فيتوسع العمران في كل منهما حتى يتصل أحدهما بالآخر،
كالكوفة والنجف، والكاظمية وبغداد وفي مثل ذلك يبقى كل منهما بلدا
خاصا ولا يكون المجموع بلدا واحدا، فالكوفي إذا سافر إلى كربلاء ورجع
فوصل النجف لا ينقطع بذلك سفره، وإذا أراد ان يصلي في النجف صلى
قصرا، والمسافر من بغداد إذا قصد ان يقيم خمسة أيام في الكوفة وخمسة
أيام في النجف لا يعتبر مقيما إذ لم يقصد الإقامة في بلد واحد.
178 - الحالة الثالثة: نفس الحالة الثانية ولكن نفترض ان البلدين
اللذين اتصلا أحدهما كبير والآخر صغير على نحو أدى اتصاله بالبلد الكبير
على مر الزمن إلى اندماجه وانصهاره عرفا واجتماعيا في البلد الكبير، وفي
مثل ذلك يعتبر الكل بلدا واحدا حينئذ كما تقدم في الحالة الأولى.

327
احكام الصلاة للمسافر
ذكرنا فيما سبق ان السفر الشرعي وهو طي المسافة ضمن شروط
محددة كما تقدم - يؤدي إلى قصر الصلاة، ويمكن تلخيص الاحكام المترتبة
على السفر الشرعي فيما يتعلق بالصلاة كما يلي:
179 - أولا: ان الصلوات الرباعية تصبح ثنائية وهي الظهر
والعصر والعشاء.
180 - ثانيا: ان نوافل الظهر والعصر تسقط عن المسافر نهائيا، وذهب
جماعة من الفقهاء إلى أن نافلة العشاء تسقط أيضا، واما نافلة المغرب والفجر
وصلاة الليل فهي ثابتة بدون شك.
181 - ثالثا: ان المسافر إذا وجب عليه القصر في الصلاة ولكنه
صلى صلاته تامة، فلذلك حالات:
الأولى: ان يكون مخالفا للحكم الشرعي بالقصر بعمد والتفات فتبطل
صلاته وعليه اعادتها.
الثانية: ان يكون ذلك منه بسبب عدم علمه بان الشريعة أوجبت
القصر على المسافر فتصح صلاته.
الثالثة: ان يكون عالما بان الشريعة أوجبت القصر على المسافر ولكنه
يتخيل انها أرادت بالسفر معنى لا يشمله، كما لو كان قد عزم على طي
نصف المسافة المحددة ذهابا ونصفها الآخر إيابا واعتقد ان من سافر على
هذا النحو لا يقصر فتصح صلاته.
الرابعة: ان يكون المسافر قد غفل عن سفره وخيل له مثلا انه في بلده
فصل صلاة تامة ثم تذكر انه مسافر، فعليه إعادة الصلاة، ولكن إذا

328
استمرت به الغفلة إلى أن خرج وقت الفريضة ثم انتبه فلا قضاء عليه.
الخامسة: ان يكون المسافر عالما بان الشريعة أوجبت القصر على
المسافر، ولكنه غفل عن هذا الحكم ساعة أراد ان يصلي، فهذا لم يغفل
عن كونه مسافرا وانما غفل عن الحكم وحكمه هو الحكم في الحالة السابقة.
السادسة: ان يقصد المسافر بلدا معينا مثلا ويخيل له ان المسافة إليه
قريبة وانها تقل عن المسافة المحددة، فيتم صلاته ثم يعرف بعد ذلك انها
بقدر المسافة المحددة الشرعية، والحكم هنا هو الحكم في الحالتين السابقتين.
182 - رابعا إذا وجبت الصلاة التامة على شخص فصلى قصرا لم
تقبل منه صلاته ووجبت عليه الصلاة التامة، سواء انتبه إلى حاله أثناء
وقت الفريضة أو بعد انتهائه، وتستثنى من ذلك حالة واحدة وهي المسافر
إذا أقام في بلد عشرة أيام وصلى قصرا جهلا منه بان المسافر المقيم يجب
عليه الاتمام، فإن صلاته حينئذ صحيحة.
183 - خامسا: إذا دخل وقت الفريضة على المكلف وهو حاضر
في بلدته ولكنه لم يصل، بل سافر سفرا شرعيا وأراد ان يصلي تلك
الفريضة في سفره ولا يزال وقتها باقيا، وجب عليه ان يصليها قصرا.
184 - سادسا إذا دخل وقت الفريضة على المكلف وهو مسافر ولكنه
لم يصل بل سافر راجعا إلى بلدته ووصلها ولا يزال وقت تلك الفريضة
باقيا كان عليه ان يصليها تامة.
185 - سابعا - إذا دخل المسافر في الصلاة يريد الصلاة التامة جهلا
أو غفلة وانتبه في أثناء الصلاة إلى أن عليه القصر، بطلت صلاته إذا كان
هذا الانتباه قد حصل بعد دخوله في ركوع الركعة الثالثة، وأما إذا تنبه

329
قبل ذلك أتمها ركعتين وصحت صلاته، وإذا انتبه وهو واقف في الركعة
الثالثة الغى ذلك ورجع جالسا وسلم وصحت صلاته قصرا.
186 - ثامنا: يستحب للمسافر الذي يصلي الظهر والعصر والعشاء
قصرا ان يقول عقيب كل واحدة من هذه الصلوات الثلاث ثلاثين مرة:
" سبحان الله والحمد لله ولا اله الله والله أكبر "، وكأن ذلك لون
من التعويض عن الركعتين الثالثة والرابعة.

330
الباب الثاني
في الصلوات غير اليومية
الصلوات غير اليومية نعني بها الصلوات التي لا تتكرر في كل يوم
ومنها واجب وكثير منها مستحب، ونذكر فيما يلي الواجب منها وقسما
من الصلوات المستحبة.
1 - صلاة الآيات
آيات جمع آية والمراد بها العلامة والدلالة الكونية على عظمة الخالق
وقدرته وحكمته، قال سبحانه: " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر "
" 37 فصلت " وسميت هذه الصلاة بالآيات باعتبار سببها وهي من
الصلوات الواجبة.
أسباب وجوبها
187 - وأسباب وجوبها ما يأتي
1 - كسوف الشمس بمعنى حجبها كلا أو بعضها.
2 - خسوف القمر ومعناه ذهاب ضوئه أيضا كلا أو بعضا.
3 - زلزال الأرض.
4 - أخاويف سماوية وهي حوادث استثنائية تقع في الفضاء وتبعث

331
على القلق والرعب عادة كظلمة شديدة وريح سوداء أو حمراء أو صاعقة.
188 - ومتى حدث واحد من هذه الأربعة وجبت صلاة الآيات على
كل مكلف قادر على أداء الصلاة ولا تجب على الحائض والنفساء.
189 - والأسباب الثلاثة الأولى متى حدث واحد منها وجبت صلاة
الآيات، سواء حصل الخوف لغالب الناس من الكسوف أو الخسوف
أو الزلزال أم لم يحصل، وتختص الصلاة الواجبة بأحد هذه الأسباب
الثلاثة بمن حصلت له الآية اي بمن حجب الكسوف الشمس عنه أو
حجب الخسوف ضوء القمر عنه أو زلزلت الأرض التي هو عليها، وأما إذا
لم تحصل الآية له مباشرة فلا تجب عليه الصلاة، فلا يجب عل شخص
صلاة الآيات إذا كسفت الشمس أو خسف القمر بالنسبة إلى غيره من
أبناء البلاد الأخرى أو زلزلت بهم الأرض.
190 - واما السبب الرابع فهو مرتبط بان تكون الحاثة مثيرة للخوف
لغالب الناس، فإذا لم تكن الحادثة السماوية كذلك لم تجب صلاة الآيات،
ولا نريد بالخوف هنا حصول الشك للانسان في سلامة العالم أو سلامة
البلد بل نزيل به حالة القلق والوحشة النفسية سواء رافقها الشك في
السلامة أم لا.
191 - وإذا حصل السبب الرابع وحدثت الآية السماوية المخوفة في
بلد دون بلد وجبت الصلاة على أهل ذلك الذي حدثت في الآية، ويلحق
بهم البلد المجاور لهم أو المناطق القريبة المحيطة إذا كان الخوف العام والقلق
الغالب قد امتد إليها دون غيرها من المناطق والبلاد.
192 - ويتكرر وجوب صلاة الآيات بتكرر السبب الموجب، فإذا
كسفت الشمس وحدثت صاعقة مخيفة في وقت واحد وجب تكرار صلاة
الآيات مرتين، والأجدر بالمصلي حينئذ ان يقصد بكل صلاة سببها الخاص

332
فينوي بإحداهما الصلاة من اجل الكسوف وبالأخرى الصلاة من اجل
الصاعقة وهكذا.
193 - ويثبت وقوع السبب الموجب لهذه الصلاة اما بالحص المباشر
للمكلف، أو بشهادة البينة أو بشهادة الثقة، أو بنبوءة الأنواء الجوية والرصد
العلمي إذا أفادت النبوءة العلم أو الاطمئنان.
صورة صلاة الآيات
194 - تتألف هذه الصلاة بمجموعها من ركعتين وكل ركعة تشتمل
على خمسة ركوعات وسجدتين، وذلك على النحو التالي: يكبر المصلي
ناويا انه يصلي صلاة الآيات قربة إلى الله تعالى ثم يقرأ الحمد - فاتحة
الكتاب - وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقرأ الحمد وسورة ثم يركع
وهكذا يكرر ذلك حتى يتم خمسة ركوعات، فإذا رفع رأسه من الركوع
الخامس وانتصب قائما هوى إلى السجود فسجد سجدتين، ثم يقوم ويأتي
بالركعة الثانية كالأولى تماما ثم يتشهد ويسلم.
195 - وللمصلي ان يخفف هذه الصلاة بقراءة سورة واحدة في كل
ركعة بدلا من قراءة خمس سور، وذلك مثلا بان يقرأ في الركعة الأولى
الفاتحة ثم يقرأ آية من سورة - والبسملة تعد آية - ثم يركع ويرفع رأسه
ويقرأ الآية الثانية من تلك السورة من غير فاتحة ثم يركع ويرفع رأسه
ويقرأ الآية الثالثة ثم يركع ويرفع رأسه ويقرأ الآية الرابع ثم يركع ويرفع
رأسه فيقرأ الآية الخامسة، وإذا كان قد بقي من تلك السورة أكثر من
آية فعليه ان يقرأ كل ما بقي مها ثم يركع ويقوم ويسجد سجدتين، ويصنع
في الركعة الثانية ما صنع في الركعة الأولى فيكون قد قرأ في كل ركعة

333
الفاتحة مرة والسورة - اي سورة - مرة موزعة على الركوعات الخمس.
196 - وفي الصورة المخففة إذا أكمل المصلي بعد الركوع الثاني مثلا
السورة التي كان قدأ بها في أول صلاته ولم يقتصر على آية فقط - وجب
عليه بعد الركوع الثالث ان يقرأ الفاتحة من جديد ثم يبدأ بسورة بعد
الفاتحة - سواء كانت نفس السورة التي ختمها قبل لحظة أو غيرها - فيقرأ
منها آية أو أكثر ويركع الركوع الرابع ثم يرفع رأسه قائما فيكمل تلك
السورة شريطة ان يكون قد بقي منها آية كاملة أو أكثر.
197 - والمستخلص مما ذكرناه انه يجب ملاحظة أربع نقاط في الصورة
المخففة لصلاة الآيات إحداها: ان لا يقرأ أقل من آية في كل مرة. ثانيها:
ان تكتمل سورة على الأقل في كل ركعة. ثالثها: انه متى ختم السورة
قبل الركوع الرابع وجب عليه في الركوع الذي يأتي ان يستأنف قراءة
الفاتحة. رابعها: ان لا يترك شيئا من السورة ناقصا عندما يريد ان يركع
الركوع الخامس. وتخضع صلاة الآيات لنفس الشروط العامة التي يجب
توفرها في كل صلاة فريضة من استقبال القبلة والتستر وغيرها على ما يأتي.
وقتها
198 - صلاة الكسوفين مؤقتة ويمتد وقتها من الشروع في الحادث
إلى تمام الانجلاء، وعليه تجوز المبادرة إلى هذه الصلاة بابتداء الكسوف
والخسوف وتتضايق كلما أوشك الانجلاء على التمام، والأولى الشروع في
الصلاة من حين الحدوث، ولا يجوز للمكلف ان يؤخرها إلى أن لا يبقى من
وقتها الا ما يتسع لركعة واحدة فقط، ولكن لو فعل ذلك آثما أو معذورا
وجبت عليه المبادرة فورا ويدرك حينئذ وقتها بادراك ركعة منه

334
كالصلاة اليومية.
199 - والصلاة للأخاويف السماوية مؤقتة بمدة تواجد تلك الحادثة
السماوية المخيفة، وإذا كان زمان الحادثة قصيرا جدا على نحو لا يسع للاتيان
بالصلاة صمنه فلا يجب شئ، وإذا كان زمانها طويلا يتسع لصلوات متعددة
لم تجب المبادرة لحظة وقوع الحادثة وان كان ذلك أولى وأحسن.
200 - واما صلاة الزلزال فالأجدر بالمكلف وجوبا واحتياطا ان
يبادر إليها عند حصول الزلزلة فإذا لم يبادر إلى ذلك معذورا أو آثما إلى أن
مر زمن لم تعد الصلاة فيه صلاة عقيب الزلزلة عرفا إذا حصل ذلك
فالأجدر بالمكلف وجوبا واحتياطا ان يصلي صلاة الزلزلة أيضا ناويا الخروج
عن العهدة دون ان يعين الأداء أو القضاء وتجب عليه حينئذ المبادرة.
وقد تسأل بالنسبة إلى صلاة الكسوفين وصلاة الأخاويف السماوية بعد أن
مر بنا انها موقتة وتقول: إذا اتسع وقت الكسوفين أو وقت الظلمة
السماوية للصلاة ولم يصل المكلف فهل يجب عليه القضاء أو لا شئ عليه؟
والجواب: ان الحكم لك يأتي في باب القضاء وموجزه انه لا يجب
القضاء الا في حالات معينة.
2 - صلاة العيدين الفطر والأضحى
201 - للمسلمين عيدان كبيران من أهم أعياد الاسلام هما عيد الفطر
وعيد الأضحى وقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلاة خاصة في هذين العيدين
تسمى بصلاة العيد ويجب الحضور لإقامتها إذا أقامها جماعة الإمام العادل
كما تقدم في الفقرة (1) من الفصل الأول من فصول الصلاة: وفي غير
هذه الحالة تستحب وفي حالة الاستحباب يجوز ان يؤديها الانسان بصورة

335
منفردة (فرادى) كما يجوز ان يؤديها ضمن صلاة الجماعة، وإذا أقيمت
جماعة فلا يشترط عدد خاص في الجماعة كما لا مانع من تعددها ولو في
أماكن متقاربة خلافا لصلاة الجمعة لا
202 - كيفيتها: وصلاة العيد ركعتان كصلاة الصبح وقد مرت بنا
الصورة العامة للصلاة المكونة من ركعتين ولكن يضاف في صلاة العيد
إلى تلك الصورة العامة أشياء، والصورة الفضلى لأداء صلاة العيد وما فيها
من الأشياء الإضافية ان يكبر المصلي في الركعة الأولى بعد القراءة - أي بعد
الفاتحة والسورة التي عقيبها - خمس تكبيرات، ويقنت عقيب كل تكبيرة
فيدعو الله ويمجده بما يحسن، ثم يكبر بعد القنوت الخامس مقدمة للهوي
إلى الركوع، وبعد ذلك يركع ويواصل ركعته ثم ينهض للركعة الثانية
وبعد القراءة من الركعة الثانية يكبر أربع تكبيرات ويقنت بعد كل تكبيرة
ثم يكبر بعد ذلك مقدمة للهوي إلى الركوع فيركع ويواصل ركعته إلى أن
يفرغ من صلاته.
وعلى المصلي في القنوت الأخير من كل ركعة ان يأتي به باحتمال
كونه مطلوبا شرعا.
203 - ويجوز للمصلي ان يقتصر على ثلاث تكبيرات في كل من
الركعتين بعد القراءة ويقنت عقيب كل واحدة من التكبيرات الثلاث قنوتا
على ما تقدم.
203 - والأفضل استحبابا للمصلي ان يقرأ بعد الفاتحة في الركعة
الأولى سورة (الشمس وضحاها) السورة (91) في المصحف الشريف
ويقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثانية (سورة الغاشية) وهي السورة (88)
في المصحف الشريف.
205 - ويستحب للمصلي إذا قنت ان يدعو بالمأثور وهو ما يلي:

336
" اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة
وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد
صلى الله عليه وآله وسلم ذخرا ومزيدا ان تصلي على محمد وآل محمد كأفضل
ما صليت على عبد من عبادك وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات اللهم إني أسألك خير
ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبادك المخلصون "
وإذا لم يكن المصلي يحفظ نص هذا الدعاء فلا مانع من أن يفتح كتابا في
أثناء الصلاة ويقرأه فيه.
206 - ويستحب إذا أقيمت صلاة العيد جماعة ان يخطب الامام بعد
الصلاة بخطبتين يفصل بينهما بجلسة خفيفة.
207 - وإذا صلى الانسان صلاة العيد مأموما سقطت عنه قراءة
الفاتحة والسورة وبقي عليه سائر الأشياء.
208 - وليس في هذه الصلاة اذان ولا إقامة بل يستحب ان يقول
المؤذن لها (الصلاة) يكرر ذلك ثلاث مرات.
209 - ووقت هذه الصلاة من طلوع الشمس إلى الظهر (الزوال)
وإذا فاتت فلا قضاء لها بعد ذلك.
210 - ومن آدابها المستحبة الغسل قبلها والجهر فيها بالقراءة ورفع
اليدين حال التكبيرات.
3 - صلاة الطواف
211 - وهي الصلاة التي يصليها الانسان بعد إنهاء طوافه حول الكعبة
الشريفة، وقد شرحنا أحكامها مفصلا في مناسكنا (موجز احكام الحج)

337
وتأتي الإشارة إلى أحكامها أيضا في فصل الحج والعمرة من هذا الكتاب.
4 - صلاة الوحشة
212 - وتسمى صلاة الهدية للميت أو لقبره وهي مأثورة في الروايات،
ووقتها ليلة الدفن بكاملها، وكيفيتها انها كصلاة الصبح ركعتان يقرأ في
الأولى الفاتحة وآية الكرسي ابتداء من الآية (225) من سورة البقرة
" الله لا اله الا هو... إلى نهاية الآية (257) - أولئك أصحاب النار
هم فيها خالدون " ويقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وسورة القدر عشر مرات
وبعد ان يفرغ المصلي من الصلاة يقول: " اللهم صل على محمد
وآل محمد وابعث ثوبها إلى قبر فلان، ويسمى اسم الميت.
وفي رواية أخرى انه يقرأ بعد الفاتحة من الركعة الأولى سورة التوحيد
مرتين ويقرأ بعد الفاتحة من الركعة الثانية سورة التكاثر عشر مرات ويدعوا
بعد الصلاة بما تقدم.
ويسوغ الاستئجار لأداء هذه الصلاة إذا توفرت في الأجير نية القربة
بالمعنى المتقدم في الفقرة (21) من احكام عامة للعبادات.
5 - صلاة أول يوم من الشهر
213 - ومن المأثور صلاة أول يوم من كل شهر وهي ركعتان يقرأ
في الأولى بعد الفاتحة سورة التوحيد ثلاثين مرة وفي الثانية بعد الفاتحة
سورة القدر ثلاثين مرة ثم يتصدق بما تيسر، ويستحب بعد الفراغ من
الصلاة قراءة الآيات الكريمة التالية (بسم الله الرحمن الرحيم وما من دابة

338
في الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب
مبين. بسم الله الرحمن الرحيم وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو
وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور
الرحيم وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو
على كل شئ قدير.
بسم الله الرحمن الرحيم سيجعل الله بعد عسر يسرا ما شاء الله لا قوة
الا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل وأفوض أمري إلى الله إن الله يصير بالعباد
لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين رب اني لما أنزلت إلي من
خير فقير رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين.
ووقت هذه الصلاة من طلوع الفجر من اليوم الأول من الشهر إلى
غروب الشمس من ذلك اليوم.
6 - صلاة الغفيلة
214 - وهي من الصلوات المستحبة، وقد ورد في الحديث الشريف
انها تورث دار الكرامة، ووقتها في الساعة الأولى من الليل بين صلاة
المغرب وصلاة العشاء قد تعتبر صلاة يومية أيضا.
وتشتمل هذه الصلاة على ركعتين، وقد جاء في المأثور انه يقرأ في
الركعة الأولى بعد سورة الفاتحة (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن
لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من
الظالمين (الآية (87) من سورة الأنبياء).
ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو
ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات

339
الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين) الآية (59) من سورة الأنعام.
ثم يرفع يديه ويقول: اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها الا أنت
ان تصلي على محمد وآل محمد ثم يطلب حاجته ويقول: اللهم أنت ولي
نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام
الا قضيتها لي. ويدعو بما أحب. ويمكن لمن يؤدي هذه الصلاة عقيب صلاه
المغرب ان يكتفي بها عن ركعتين من نافلة المغرب فقد مر بنا في الفقرة (35)
ان نافلة المغرب تتكون من صلاتين كل منهما ركعتان فيمكن ان تعتبر صلاة
الغفيلة إحدى هاتين الصلاتين.
7 - صلاة جعفر
215 - وتسمى بصلاة التسبيح أيضا
وهي من الصلوات المستحبة استحبابا مؤكدا، وتتكون من صلاتين
كل منهما تشتمل على ركعتين، ويضاف إلى الصورة العامة فيها ان يقال:
(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) خمسا وسبعين مرة في
كل ركعة خمس عشرة مرة بعد القراءة (اي بعد الفاتحة والسورة التي
عقيبها) وعشر مرات في الركوع وعشر مرات بعد رفع المصلي رأسه
من الركوع وهو قائم وعشر مرات في السجدة الأولى وعشر مرات في
الجلسة بين السجدتين وعشر مرات في السجدة الثانية وعشر مرات عند
الجلوس بعد السجدة الثانية ونفس الشئ يقال في الركعة الثانية ثم يتشهد
ويسلم ويكرر الشئ نفسه في الصلاة الثانية. وقد ورد الحث على أداء هذه
الصلاة في كل أسبوع أو في كل شهر وان الله تعالى يغفر للانسان بسببها
ذنبه ويجوز ان يؤدي الانسان صلاة نافلة أو صلاة قضاء ويدخل فيها

340
الأشياء الإضافية التي تميز صلاة جعفر وبذلك يحصل على فضيلة النافلة أو
القضاء مع صلاة جعفر.
8 - صلاة الاستخارة
216 - وهي صلاة مستحبة يطلب بها العبد من ربه أن يسدده في
أمره ويسهل له ما فيه الصلاح فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا
أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد
وأهل بيته ويقول: اللهم ان كان هذا الامر خيرا في ديني ودنياي فيسره
لي وقدره وان كان غير ذلك فاصرفه عني.
9 - صلاة الحاجة
217 - تستحب الصلاة ركعتين لطلب قضاء الحاجة وقد جاءت في
كيفيتها صور متعددة منها: ان يتوضأ صاحب الحاجة ويتصدق بصدقه
ثم يدخل المسجد فيصلي ركعتين ثم يعقب بعد الركعتين بحمد الله وتمجيده
والصلاة على النبي وأهل بيته ثم يطلب من الله حاجته ويعاهده على أن
يأتي بطاعة معينة شكرا لله إذا قضيت حاجته مثلا يصوم شهر رجب أو
يزور الحسين عليه السلام أو يتصدق على الفقراء أو يساهم في مشروع خيري
أو غير ذلك من أوجه

341
10 - صلاة الاستسقاء
218 - وهي صلاة مستحبة عند اشتداد حاجة البلد إلى الماء وانقطاع
الأمطار عنه، وتتكون من ركعتين وكيفيتها تماثل كيفية صلاة العيد المتقدمة
تماما بما فيها من تكبيرات وقنوتات اضافية وخطبة بعد الصلاة، غير أن
المناسب في القنوت الدعاء والتوسل إلى المولى بانزال المطر وسد حاجة البلد
إلى الماء ولا تقع صلاة الاستسقاء الا جماعة ويتضرع الامام والمأمومون قبل
الصلاة وفيها وبعدها إلى الله ان يكشف ما بهم.

342
الصلاة
الشروط والأجزاء العامة

343
عرفنا سابقا أنواع الصلاة الواجبة والمستحبة اليومية وغيرها وصورة
كل صلاة به من احكام، كما عرفنا أيضا ان كل الصلوات تشترك
في شروط واجزاء عامة، وقد ذكرنا مجملا عن هذه الشروط والاجزاء،
ونريد الآن ان نتكلم عنها وعن كل ما ترتبط بها من احكام وتفاصيل وما قد
يطرأ عليها من طوارئ، مثلا عرفنا فيما تقدم ان الركوع جزء عام في الصلاة
ولكن كيف يؤدى بالضبط لكي يقع صحيحا وما هو الحد الأدنى من
الانحناء منها في حالة ركوعه وما هو البديل إذا تعذر الركوع على المصلي
لمرض ونحوه.
هذه هي التفصيلات التي تشرح هنا وتتكلم فيما يلي عن الشروط العامة
أولا ثم عن الاجزاء العامة.

345
الباب الأول
في الشروط العامة
يشترط في الصلوات بأقسامها طهارة البدن والملابس والوضوء وكذلك
الغسل إذا كان قد وقع من المكلف ما يوجب الغسل على تفصيلات وتوضيحات
تقدمت كلها في فصول الطهارة. ونذكر هنا بقية الشروط العامة.
القبلة
1 - معنى القبلة بوجه العموم الجهة والمراد بالقبلة هنا الكعبة الشريفة
إذ أمر الله انه سبحانه وتعالى بالتوجه نحوها في الصلاة فسميت قبلة وسمي
التوجه نحوها ومواجهتها استقبالا.
وقد أصبحت الكعبة الشريفة بفضل جعلها قبلة للمسلمين رمزا لوحدة
المسلمين وأحد معالم شخصية الأمة الاسلامية، حيث تتجه كلها وبمختلف
مذاهبها واتجاهاتها إلى نقطة واحدة تعبيرا عن وحدتها في الأساس والهدف.
وليست الكعبة قبلة كبناية فحسب، بل كموضع بامتداده عموديا إلى
أعلى والى أسفل، فمن صلى في الطائرة كفاه ان يستقبل سماء الكعبة على
نحو لو كانت هناك طائرة واقفة فوق الكعبة لكان مستقبلا لها، ومن صلى
في طابق أرضي منحدر كفاه ان يستقبل أرضية الكعبة على نحو لو كانت
للكعبة طوابق أرضية موازية لكان مستقبلا لها.
ونظرا إلى أن الأرض كروية فكثيرا ما لا يمكن أن يكون بين المصلي

346
والكعبة خط مستقيم بل خط منحني، والمقياس في الاستقبال حينئذ ان
يختار أقصر خط من الخطوط المنحنية بينه وبين القبلة، فمن كان يبعد عن
الكعبة ويقع في شمالها على نحو تفصله عنها مسافة بقدر ربع محيط الكرة
الأرضية مثلا إذا وقف إلى جهة الجنوب كان مستقبلا وإذا وقف إلى جهة
الشمال لم يكن مستقبلا لان الخط المنحني الذي يفصله عن الكعبة في الحالة
الأولى يساوي ربع محيط الكرة والخط المنحني الذي يفصله عن الكعبة في
الحالة الثانية يساوي ثلاثة أرباع المحيط فالخط الأول أقصر وبه
يتحقق الاستقبال.
والاستقبال شرط لصحة الصلوات الخمس اليومية ولجميع اجزائها
حتى الأجزاء المنسية التي تؤدى بعد الصلاة (وهي السجدة والتشهد)
والركعات الاحتياط دون سجود السهو (وهو سجود يجب على المصلي بعد
الفراغ من صلاته أحيانا إذا كان قد تورط في سهو خلال الصلاة كما
سيأتي) وكذلك هو شرط لسائر الصلوات الأخرى واجبة أو مستحبة
فيجب في صلاة الآيات والصلاة على الأموات وغير ذلك.
2 - ويستثنى مما ذكرناه إذا صلى الانسان صلاة النافلة وهو غير مستقر
في وقوفه كما إذا صلاها ماشيا فان الاستقبال في هذه الحالة ليس شرطا،
وكذلك إذا صلى النافلة وهو راكب في السيارة أو السفينة أو الطائرة
وهي تتحرك به فإنه لا يجب والحالة هذه ان يحرص على استقبال القبلة،
وأما إذا صلى النافلة وهو مستقر وليس في حالة مشي ولا في واسطة نقل
متحركة فليس من المعلوم ان تصح صلاته الا إذا استقبل القبلة كما يفعل
في صلاة الفريضة تماما.

347
كيف تعين القبلة
3 - من الواضح ان المتواجد على مقربة من الكعبة الشريفة - كالمصلين
في المسجد الحرام الذي تقع الكعبة في وسطه - يمكنه ان يعين القبلة
بسهولة ويستقبلها ويتحقق استقباله لها بمواجهته لها، وأما إذا ابتعد المصلي
عن الكعبة كثيرا فيواجه شيئا من الصعوبة في تعيين القبلة وكلما ابتعد أكثر
ازدادت الصعوبة فالعراقي مثلا الذي يصلي في بلده يواجه هذه الصعوبة،
ومن اجل تدليلها اعتمد الناس هنا فترة من الزمن على البوصلة التي تحتوي
على مؤشر مغناطيسي يحدد نقطتي الجنوب والشمال فيتعرف في ضوء ذلك على
جهة الجنوب التي تقع الكعبة ومكة فيها بالنسبة للعراق مثلا، ولكي يكون
التحديد أكثر ضبطا واتقانا أدخل في الحساب درجة انحراف مكة عن الجنوب
حيث إن مكة لا تقع في نقطة الجنوب من الناحية الجغرافية حقيقة وبالضبط،
ولوحظ وجود فارق بين الجنوب المغناطيسي الذي تشير إليه البوصلة
والجنوب الجغرافي الذي على أساسه تحدد درجة انحراف هذا البلد أو ذاك
عن الجنوب، وعلى هذا الأساس وضعت حديثا بوصلة للقبلة خاصة فيها
إبرة متحركة تعين الجنوب المغناطيسي وفيها سهم اسود ثابت يعين عند
تطبيقه على البلد الذي يريد المصلي ان يصلي في موضع القبلة ومقدار التفاوت
بينها وبين الجنوب.
والعمل في تحديد القبلة على هذا الأساس صحيح ومجز ولكن هل العمل
على أساسها يعني ان يقف المصلي امام السهم الأسود المشير إلى القبلة مباشرة أو
يكتفي ان يتجه إلى الجهة التي يشير إليها السهم فيكون الاستقبال مرنا يرخص
فيه بالانحراف يمينا ويسارا بقدر ما؟

348
والجواب: أن الثاني هو الصحيح ولكن لكي يتضح ذلك يجب
أن نشرح المقصود من الجهة وذلك كما يلي:
نفترض ان عددا من الناس سبعة مثلا - وقفوا على خط مستقيم
فتشكل صف طويل فإذا وقفت امامهم قريبا منهم ووجهك نحوهم فهل
تكون مستقبلا ومقابلا للصف بالكامل أو المفرد الذي وقفت امامه مباشرة؟.
من الواضح ان الثاني هو الصحيح، أما من الزاوية الهندسية فلأنك
لو مددت خطين مستقيمين متقاطعين أحدهما بين يمينك وشمالك والثاني يقطع
ذلك الخط على نحو يشكل زاويتين قائمتين - فيكون الخطان متقاطعين
متعامدين - لوضعت ذلك وامتد الخط الثاني من أمامك لالتقى بواحد معين
في ذلك الصف فقط وهذا هو المقياس في الاستقبال الهندسي.
واما من الزاوية العرفية فواضح أيضا لدى كل انسان اعتيادي بحكم
نظرته الساذجة وفهمه الفطري أنك إذا وقفت أمام الصف في الوسط فأنت
تستقبل الشخص الرابع من السبعة فقط دون الامام والأخير.
ولنفرض ان الصف كان في أرض منبسطة كالصحراء وأنك ابتعدت
عنه متقهقرا إلى الخلف آلاف الأمتار ثم أردت أن تستقبل بوجهك أولئك
المصطفين ففي هذه الحالة إذا استعملنا المقياس الهندسي نرى أنك أيضا
لا تستقبل الا واحدا من السبعة المصطفين فقط، لو رسمنا خطا مستقيما من
موضعك على ما تقدم لالتقى في امتداده بواحد منهم فقط، وهذا يعني ان
الاستقبال الهندسي لا يختلف فيه القرب والبعد.
وأما إذا لاحظنا الموقف من الزاوية العرفية وبالنظرة الفطرية للانسان
الاعتيادي نجد أنك في هذه الحالة تستقبل السبعة جميعا بوجهك، لأن
الاستقبال كما يفهمه الانسان الاعتيادي هو كون الشئ يبدو حيال وجهك
وفي مقابله ومن الواضح أن الصف بالكامل يبدو لك وأنت تستقبله من

349
بعد - حيال وجهك نتيجة تضاؤله بسبب البصر فإن تضاءله يجعله يبدو
أصغر حجما فكأنه لا يزيد عن مقدار وجه من يستقبله، وهذا يعني أن
الاستقبال العرفي يتأثر بالقرب والبعد، فما تستقبله عن بعد أوسع كثيرا مما
تستقبله عن قرب وكلما بعدت عن الجهة التي تيد أن تستقبلها فأنت تستقبل
منها مساحة أوسع.
وعلى هذا الأساس إذا وقفت عن قرب امام الشخص الرابع في الصف
المكون من سبعة فأنت مستقبل له خاصة، فإذا رجعت إلى الخلف مسافة
كبيرة في خط مستقيم وجدت نفسك مستقبلا للسبعة جميعا أي أن منطقة
الاستقبال للتي كانت مقصورة على الشخص الرابع اتسعت من الجانبين فشملت
الصف كله. ويمكننا ان نؤكد بهذا الصدد ان اتساع منطقة الاستقبال
من كل من الجانبين لا تقل عن خمس المسافة بينك وبين المنطقة التي تريد
أن تستقبلها، فإذا كنت تبعد عن مكة الف كيلومتر - وكان الصف المكون
من سبعة وسط مكة مثلا فأنت تستقبل على بعد الف كيلو مترا لصف المكون
من سبعة مضافا إليه مساحة تمتد من كل من الجانبين مائتي كيلومتر فيكون
مجموع منطقة الاستقبال العرفي على هذا المنطقة والمساحة اعتبر ذلك استقبالا عرفيا
لها ولو لم يمكن ايصال خط مستقيم من الناحية الهندسية بينك وبينها على
النحو المتقدم. وهذه المساحة هي التي نطلق عليها اسم الجهة حين نقول
يجب على البعيد في صلاته أن يستقبل جهة الكعبة.
والنتيجة العملية لذلك أن السهم المؤشر في البوصلة إلى القبلة لو
وضعته على موضع سجودك لأمكنك أن تنحرف عنه يمينا أو يسارا بقدر
خمس المسافة بين موضع قدميك وموضع سجودك، والمسافة هي خمسة أشبار
عادة فيمكنك إذن ان تنحرف عن السهم شبرا إلى اليمين أو إلى اليسار.

350
(4) وإذا لم يتعرف البعيد على جهة القبلة التي يجب عليه أن يستقبلها
أمكنه أن يعتمد على إحدى الوسائل التالية:
أولا: شهادة البينة.
ثانيا: عمل المسلمين ووجهتهم في مساجدهم فإذا دخل مسجدا ووجد
الناس يتجهون إلى جهة معينة في صلاتهم أو وجد المحراب الذي يرمز إلى
القبلة مشيرا إلى جهة معينة أمكنه الاعتماد على ذلك.
ثالثا: عمل المسلمين في مقابرهم حيث إن الميت المسلم يجب أن يدفن
على جانبه الأيمن موجها بوجهه إلى القبلة والعمارة التي توضع على القبر
تتطابق عادة مع وضع الميت فتكون ذات دلالة على جهة القبلة.
وهذه الوسائل كلها إنما يسوغ للمصلي الاعتماد عليها إذا لم يعلم بخطئها
(5) رابعا إذا لم يتوفر شئ من الوسائل السابقة وجب على الإنسان
أن يتحرى جهد المستطيع بحثا عن القبلة، فإذا حصل له الظن بجهة القبلة
بسبب العلامات والقرائن التي يلاحظها عمل بظنه، وفي هذه الحالة إذا أخبره
ثقة عارف واحد بجهة القبلة فان لم يكن تحريه شخصيا قد أدى به إلى الظن
بالجهة أو كان تحريه قد أدى به إلى الظن بأنها نفس الجهة التي أخبر عنها
الثقة كان له ان يعتمد على خبر الثقة ويصلي إلى تلك الجهة، وأما إذا كان
تحريه وجهده الشخصي قد أدى إلى الظن بتعيين جهة أخرى غير الجهة
التي أخبر بها ذلك الثقة وبقي هذا المتحري على ظنه حتى بعد إخبار الثقة
بخلاف ذلك فعليه احتياطا وطلبا لليقين بالخروج عن العهدة أن يصلي مرة
إلى الجهة التي يظنها القبلة ومرة إلى الجهة التي قال عنها الثقة أنها القبلة.
وإن تحرى المكلف وبحث عن القبلة دون أن يظن بشئ ولم يحصل على
شهادة من ثقة تنير له الموقف كفته صلاة واحدة إلى أي جهة يشاؤها، هذا
إن كانت كل الجهات على مستوى واحد في الغموض والخفاء وإلا

351
عمل بما هي أقل خفاء وترك ما هي أكثر غموضا في ميزان الاحتمال، ومثال
ذلك: أن يكون احتمال القبلة لديه في إحدى جهتين أكثر من خمسين في
المائة واحتمال القبلة في إحدى الجهتين الأخريين أقل من خمسين في المائة
ففي هذه الحالة يجب أن يختار الصلاة إلى إحدى الجهتين الأوليين.
الانحراف عن القبلة
(6) من صلى إلى غير القبلة متلفتا إلى أن صلاته ليست إلى القبلة
بطلت صلاته سواء كان عالما بأن الشارع الأقدس قد أوجب الصلاة إلى
القبلة متذكرا لذلك أو كان جاهلا بهذا الحكم من الأساس أو كان عالما به
منذ البداية ولكن نسي هذا الحكم حين الصلاة فاتجه إلى غير القبلة.
(7) وقد يصلي إلى غير القبلة وهو يتخيل خطأ انه يصلي إلى القبلة
فماذا يصنع إذا اتضح له الحال بعد أن فرغ من صلاته...؟
والجواب أنه إذا كان قد اتضح له الحال بعد ذهاب الوقت المحدد
لتلك الصلاة صحت صلاته ولا شئ عليه، وإذا اتضح له الحال قبل ذهاب
الوقت وجبت عليه الإعادة إذا كان انحرافه عن القبلة كثيرا على نحو صارت
القبلة إلى يمينه أو شماله أو خلفه وأما إذا كان الانحراف عن القلة أقل من
ذلك فلا تجب الإعادة.
(8) وقد تسأل ما هو الحكم إذا اتضح للمصلي واقع الحال وهو في
أثناء الصلاة.؟
والجواب: إذا كان ما تقدم من صلاته منحرفا عن القبلة كثيرا على
النحو الذي أشرنا إليه قبل لحظة قطع صلاته وأعادها، والا اعتدل إلى
القبلة لما بقي وصح ما مضى من صلاته ولا إعادة عليه.

352
الملابس
الواجب من الملابس
(9) يجب على المصلى إذا كان رجلا أن يرتدي - يلبس - من الملابس
حال الصلاة ما يستر به عورته سواء صلى في مكان مكشوف أو مكان منفرد
ليس معه أحد، فان ذلك من الآداب الواجبة في الصلاة على أي حال
فلا يسوغ له أن يصلي عاريا، ويجب على المرأة إذا صلت أن تستر جسمها
بالكامل عدا الوجه والكفين والقدمين، وهذا الستر واجب في كل الصلوات
عدا الصلاة على الميت وواجب في ركعات الاحتياط والأجزاء المنسية دون
سجود السهود.
(10) وعورة الرجل في الصلاة القبل وهو القضيب والبيضتان والدبر
وهو الحلقة المعلومة وما عدا ذلك مما بين القبل والدبر وحولها فلا يجب
ستره الا إذا توقف العلم واليقين بستر العورة على ستر أطرافها. وعلى
هذا الأساس يكفي للرجل أن يصلي في قميص واحد يمتد على نحو بستر القبل
والدبر، كما يكفي للرجل أن يصلي في قميص واحد يمتد على نحو يستر القبل
والدبر، كما يكفيه أن يصلي في مئزر يشده على وسطه أو في سروال.
(11) وأما المرأة فتستر - على ما تقدم - جسمها بما فيه من شعر عدا
الوجه والكفين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين ظهرا وبطنا. وعلى هذا
الأساس يمكن للمرأة أن تلبس ثوبا يستر جسدها وشيئا يشبه الخمار وتستر به
رأسها ورقبتها بل يكفيها ثوب واحد إذا كان مصمما على نحو يستر منها
كل ما يجب عليها ستره.
(12) والستر الواجب في الصلاة لا يتحقق بملابس رقيقة لا تستر لون

353
البشرة بل يجب أن يكون لها من السمك والتماسك ما يستر بها اللون.
(13) وإذا لم تتوف لدى المصلي ملابس وجب عليه إن يتستر بغير
الملابس مما يتيسر له كورق الشجر أو طين أو نحو ذلك ويصلي حينئذ
صلاته الاعتيادية.
(14) وإذا لم يتيسر له الستر حتى بالورق ونحوه فقد يكون في موضع
يعرضه للنظر وقد يكون في موضع بعيد عن الناظرين، فان كان في موضع
يعرضه للنظر صلى جالسا مؤميا إلى الركوع والسجود حرصا على عدم
التكشف مهما أمكن، وإن كان في موضع بعيد صلى الصلاة الاعتيادية
والأجدر به أن يضيف إلى ذلك الصلاة مرة أخرى جالسا مؤميا إلى
الركوع والسجود.
(15) وإذا انكشف شئ مما يجب ستره على المصلي ستره على المصلي وهو يؤدي الفريضة
لخالقه وعلم بذلك فتهاوت وأهمل بطلت صلاته. أما إذا كان جاهلا أو
ذاهلا لم يعرف شيئا مما حدث الا بعد أن انتهى وأتم صلاته فلا شئ عليه
حتى ولو اتسع الوقت لإعادة الصلاة واستئنافها من جديد، وكذلك إذا لم
يكن يعرف ان الستر واجب في الصلاة فلم يهتم بستر ما انكشف منه حتى
أنهى صلاته ثم علم بأن الستر واجب على المصلي فإن صلاته صحيحة.
(16) وإذا علم المصلي أثناء الصلاة بأن شيئا مما يجب ستره مكشوف
قطع صلاته وأعادها متسترا، وكذلك إذا صلى متكشفا وهو لا يعرف أن
الستر واجب على المصلي وعرف بذلك أثناء الصلاة فإنه يعيد صلاته.
شروط ملابس المصلي
قد يلبس المصلي ثوبا واحدا في الصلاة يتستر به وقد يلبس ملابس

354
متعددة كالسروال والقميص والعباءة مثلا، وعلى أي حال فيجب أن
تتوفر في ملابس المصلي عندنا الشروط التالية:
الأول: الطهارة وقد تقدم تفصيل ذلك في فصل أنواع النجاسات
الفقرة (54) وتقدمت بعض الاستثناءات في الفقرة (78) وما بعدها من
ذلك الفصل.
(17) الثاني: أن لا يكون شئ من ملابسه مأخوذا من حيوان لا يسوغ أكل
لحمه كوبر السباع وجلودها إذا صنعت منها الملابس، فإن الصلاة فيها
عير سائغة حتى ولو ذبح السبع وذكي بطريقة شرعية ما دام لا يسوغ أكل
لحمه، وأكثر من هذا أن وقوع شئ من حيوان لا يسوغ أكل لحمه أو من
فضلاته على ملابس المصلي أو بدنه يبطل الصلاة، فإذا صلى الانسان وعلى
بدنه أو ملابسه شعرة من قط بطلت صلاته على الرغم من أنها طاهرة.
(18) ولا يشمل ذلك اي شئ من حيوان لا لحم له وإن حرم أكله
كالبعوضة والبرغوث والنملة والعسل والشمع وما تنتجه دودة القز كما لا يشمل
الصدف وهو غلاف اللؤلؤ.
(19) وكذلك لا يشمل إي شئ من الانسان كشعره ولبنه وريقه،
فتصح الصلاة مع وقوع شعرة انسان آخر أو قطره من لبن امرأة على
ملابس المصلي أو بدنه.
(20) ويستثنى من الحيوانات التي لا يسوغ أكل لحمها الحيوانات
المائية بما فيها الخز (1) فإن استعمال المصلي حال الصلاة الملابس مأخوذة
منها جائز حتى ولو كانت تلك الحيوانات مما لا يسوغ أكل لحمها.



(1) دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب وترعى من
البر وتنزل البحر، لها وبر يصنع منه الثياب قديما وقد تصنع الثياب من
جلودها أيضا.
355
(21) ومن شك في أن هذا اللباس هل هو من حيوان ومن غير
الحيوان، أو علم بأنه من الحيوان ولكنه لا يدري هل هو من الحيوان غير
المأكول كي لا تسوغ الصلاة فيه أو من المأكول المذكى شرعا كي تسوغ وتصح
فله ان يلبسه ويصلي فيه.
(22) الثالث - أن لا يكون شئ من ألبسة المصلي - إذا كان رجلا -
من الحرير الحيواني، ونقصد بالحرير الحيواني الإبريسم الذي تنتجه دودة
القز ويسمى بالحرير الطبيعي تمييزا عن الحرير الصناعي فلا يشمل إذن
كل ما كان ناعما من الأقمشة وإن سمي حريرا في العرف الان.
وبكلمة أخرى - يلخص بها هذا الشرط والشرط الذي سبقه - ان الأقمشة
المتخذة من النباتات كالأقمشة المأخوذة من القطن أو الكتان - سائغة للمصلي
عموما، والأقمشة التي كانت موادها مصنعة كالنايلون مثلا سائغة للمصلي
أيضا عموما، وأما الأقمشة المتخذة من الحيوان فيجب أن يراعي فيها أن
لا تكون مادتها جزءا لحيوان لا يسوغ أكل لحمه وأن لا تكون من الحرير
الذي تنتجه دودة القز.
(23) وإنما تبطل الصلاة في الملابس الحريرية إذا كانت حريرا
خالصا وأما إذا كانت خليطا من حرير وغيره كالقطن والصوف فيجوز
لبسها للمصلي الا إذا كانت كمية المادة الأخرى التي خلطت مع الحرير
ضئيلة إلى درجة تؤدي إلى عدم الاعتراف بوجودها في العرف العام وعد
الثوب حريرا خالصا.
(24) وقد تسأل هل يسوغ أن تكون بطانة الثوب من الحرير الخالص
أو تزيينه بخيوط منه أو تكون حواشيه وأطرافه من الحرير أو أزراره
وما يشبهها من خيوط تربط بعض أطرافه ببعض؟
والجواب: أما البطانة فلا وما عداها كالأزرار وغيرها مما جاء في

356
السؤال فلا بأس به ما دام اسم الملبوس لا يصدق عليه.
(25) ومن شك في أن هذا الثوب هل هو من الحرير أو من القطن
- مثلا - أو شك أنه: هل هو من الحرير الطبيعي أو من الحرير المصنوع
أو علم أنه من الحرير الطبيعي ولكنه شك في أنه هل هو حرير محض أو
أو مخطوط بغيره - يسوغ له أن يصلي فيه.
(26) وكل ما حرم على المصلي أن يصلي فيه من الحرير حرم عليه
أن يلبسه في غير الصلاة أيضا على ما يأتي في القسم الثالث من هذه الفتاوي
إن شاء الله تعالى.
(27) هذا بالنسبة إلى الرجال وأما بالنسبة إلى النساء فيباح لهن لبس
الحرير في الصلاة وغير الصلاة.
(28) الرابع: أن لا يكون شئ مما يلبسه ذهبا - إذا كان المصلي رجلا -
حتى ولو كان خاتما من ذهب فان الصلاة حال التختم به - غير سائغة.
وكذا ما يشبه السوار الذي تثبت ساعة اليد عليه فإنه إذا كان ذهبيا فلا
يسوغ للمصلي لبسه، ويقرب منها السلسلة الذهبية التي تعلق بها الساعة
التي توضع في الجيب ويثبت طرف السلسة في موضع من القميص أو غيره
فان الجدير بالمكلف احتياطا عدم استعمال هذه السلسلة حال الصلاة أيضا.
(29) ويسوغ للمصلي حمل الساعة الذهبي في الجيب، كما يسوغ أن
تكون له سن ذهبية سواء كانت ظاهرة أو خفية، كما لا بأس بالزر من
ذهب أيضا وبالشارات العسكرية الذهبية التي تعلق على ملابس العسكريين
فان كل ذلك ليس لبسا للذهب. والمقياس للبس الذهب أن يكون للذهب
إحاطة ببدن المصلي وليس كذلك الساعة المحمولة أو الزر الذي يزرر
به الثوب.

357
(30) وكما لا يسوغ لبس الخاتم الذهبي إذا كان كله ذهبا خالصا
كذلك إذا كان مشتملا على غير الذهب أيضا إذا كانت نسبة غير الذهب
ليست كبيرة على نحو يعتبر الخاتم خاتما من ذهب في العرف العام، وأما إذا
زادت نسبة غير الذهب فيه إلى درجة لم يعتبر كذلك فلبسه في الصلاة
سائغ، وإذا كان الخاتم ذهبيا وطلي بطلاء فضي أو بطلاء من معدن آخر فلا
تسوغ الصلاة فيه لمجرد ذلك.
(31) وتسوغ الصلاة في خاتم من بلاتين أو خاتم من ذهب مزج
ذهبه بمعدن أبيض كفضة أو بلاتين حتى أصبح لونه أبيض.
(32) وكل مالا تسوغ الصلاة فيه من الذهب لا يجوز لبسه حتى في غير
حالة الصلاة على ما يأتي في القسم الثالث من الفتاوي الواضحة (السلوك
الخاص) إن شاء الله تعالى.
(33) هذا كله بالنسبة إلى الرجال وأما النساء فيباح لهن الذهب في
الصلاة وغيرها.
(34) ولا يجوز للمكلف أن يغتصب ثوبا أو أي شئ آخر ويلبسه
بدون اذن صاحبه، وإذا لبسه كان آثما سواء صلى فيه أم لا ولكن إذا صلى
فيه لم تبطل صلاته وان أثم وعصى لتهاونه بأموال غيره.
(35) وقد يصلي الانسان فيما هو مأخوذ من حيوان لا يسوغ أكل
لحمه أو في ثوب حريري أو في خاتم من ذهب مثلا ناسيا أو جاهلا بأن
ذلك لا يسوغ له شرعا وفي هذه الحالة تصح صلاته ولا إعادة عليه إذا
التفت أو علم بالحكم بعد الفراغ من صلاته وأما إذا التفت أو علم بالحكم
في أثناء الصلاة فعليه الإعادة.
(36) من لم يجد الا ثوبا متنجسا ولا يتمكن من تطهيره صلى فيه
وصحت صلاته.

358
(37) ومن لم يجد الا ثوبا مادته مأخوذة من حيوان لا يسوغ أكل
لحمه وجب عليه ان ينزعه حال الصلاة ويحاول أن يتستر بورق ونحوه ان
أمكن ويصلي بدون ثوب.
(38) ومن لم يجد إلا ثوبا من الحرير الخالص تركه وصلى عاريا
محاولا أن يتستر بورق ونحوه، وإذا كان مضطرا إلى لبس ذلك الثوب
لمرض أو لأي سبب آخر طيلة الوقت المضروب للصلاة على نحو لا يتيسر
له نزعه طيلة هذه المدة - صلى فيه.
(39) وإذا كان عنده ثوبان أحدهما يحرم لبسه في كل الأحوال ولا
تسوغ الصلاة فيه كثوب الحرير المحض والاخر ثوب يسوغ لبسه في الصلاة
وغير الصلاة وتعذر التمييز بينهما والتعيين ولا ثالث - تركهما معا وصلى
عاريا محاولا ستر عورته بورق ونحوه.
(40) وإذا كان كل من الثوبين يجوز لبسه في غير الصلاة ولكن
أحدهما لا تسوغ الصلاة فيه كثوب أخذت مادته من وبر السباع والاخر
تصح الصلاة فيه كثوب القطن الطاهر - وجب على المكلف إذا لم يميز
بينهما ان يصلي تارة في هذا وتارة في الاخر.
(41) وسوغ لمن عجز عن الثوب الساتر المطلوب شرعا أن يبادر
إلى الصلاة في أول وقتها عاريا أو مع الثوب الساتر الاضطراري وفقا لما
تقدم من حالات واحكام حتى ولو احتمل زوال العذر وارتفاعه في آخر
الوقت، وإذا صلى في أول الوقت وبعد الفراغ وجد الثوب الساتر المطلوب
شرعا وارتفع العذر والاضطراري فلا تجب الإعادة الا في الحالات التي
تجب فيها على العاجز أن يصلي موميا إلى الركوع والسجود

359
أين يصلي الانسان
(42) يجب على المصلي أن يختار موضعا للصلاة يتاح له فيه أن يؤدي
صلاته بكل واجباتها وهو مستقر أي أن لا يكون مضطربا كالذي يميل يمنة
تارة وميسرة تارة أخرى - فإذا لم الموضع كذلك في يصلي فيه،
كالموضع المائج والمضطرب الذي يميل بالانسان إلى هذا الجانب وذاك،
ومثاله الطائرة حال الطيران والسيارة أو السفينة أو القطار أو على ظهر
الدابة حال السير إذا استدعى ذلك اضطراب المصلي وتمايله أو عدم الاتجاه
إلى القبلة، وأما إذا كان بامكان الانسان أن يؤدي الصلاة في هذه الحال
بكامل أجزائها وشروطها مستقرا ومستقبلا للقبلة على الوجه المطلوب فلا
مانع من أن يصلي في تلك المواضع.
(43) وإذا ركب الشخص قطارا وطائرة قبل دخول وقت الفريضة
ثم دخل وقتها ولم يكن يتمكن من الصلاة بصورة مستقرة وكاملة في ذلك
الموضع وجب عليه تأجيل الصلاة إلى حين وقوف القطار أو الطائرة إذا
كان في الوقت متسع. وأما إذا كانت الطائرة أو القطار لا يتوقفان الا بعد
انتهاء الوقت وجب على المسافر أداء الصلاة حال الركوب مع مراعاة
الاستقبال بقدر الامكان بأن يستقبل القبلة حين يكبر تكبيرة الاحرام ويتحرك نحو
القبلة كلما غيرت الطائرة أو القطار اتجاه السفرة، وإذا لم يتيسر له الحفاظ
على القبلة فليحاول استقبلها عند تكبيرة الاحرام على الأقل.
(44) وقد تسأل إذا كان المسافر ليلا يعلم بأنه سيصل المحطة قبل
طلوع الشمس ولكن بفترة قصيرة لا تسع الا ركعة واحدة من صلاة الصبح
وتقع الركعة الثانية بعد طلوع الشمس فهل يفضل الصلاة في الطائرة أو الانتظار

360
إلى الوصول إلى المحطة؟
والجواب: أن الصلاة في الطائرة أو القطار إذا كانت ينقصها
الاستقرار والاستقبال معا أو الاستقبال فقط وجب عليه الانتظار وإذا كانت
ينقصها الاستقرار فقط فضل الصلاة في الطائرة أو غيرها من الوسائط.
(45) وإذا كان مسافرا في سيارة ويمكنه أن يطلب من صاحب
السيارة التوقف ريثما يصلي فلا يسوغ له أن يكتفي بالصلاة التي لا استقبال
فيها أولا استقرار، وقد يحل وقت الفريضة على الانسان قبل موعد تحرك
الطائرة أو القطار مثلا والسفرة تمتد إلى حين انتهاء الوقت ففي هذه الحالة
يجب عليه أن يبادر إلى الصلاة قبل ركوبه إذا لم يكن قادرا على الصلاة
الكاملة أثناء تحرك القطار أو الطائرة.
(46) وهذا كله بالنسبة إلى صلاة الفريضة وأما صلاة النافلة فيسوغ
للانسان أن يصليها وهو مسافر في قطار أو سيارة أو غيرها ولا يطالب
بالاستقرار أو الاستقبال.
(47) ومن أراد الصلاة في العتبات المقدسة في نفس الروضة الشريفة
التي فيها الضريح فعليه الا يتقدم في موضع صلاته على قبر المعصوم، وإن
تعذرت الصلاة عليه الا متقدما لشدة الزحام صلاها في المكان التابع
(الرواق مثلا) ولا يضر التقدم هنا مع وجود حائط ونحوه يفصل بين
الضريح وموضع الصلاة.
(48) وإذا صلى الانسان في موضع يملكه شخص آخر وكانت صلاته
بإذن المالك صحت بلا ريب والا فقد تبطل في بعض الأحيان ويأتي توضيح
ذلك وتفصيله في أحكام السجود.
(49) ولا بأس بصلاة الرجل وإلى يمينه أو شماله أو أمامه امرأة تصلي
سواء كانت زوجته أو قريبته أم أجنبية قربت منه مكانا أو بعدت.

361
(50) وتجوز الصلاة واجبة كانت أو مستحبة في جوف الكعبة المكرمة
النية
العناصر الثلاثة للنية:
(51) النية شرط لكن صلاة ونريد بها أن تتوفر العناصر التالية.
أولا: نية القربة لان الصلاة عبادة وكل عبادة لا تصح بدون نية
القربة كما تقدم في فصل أحكام عامة للعبادات فقرة (1).
ثانيا: الاخلاص في النية ونعني بذلك عدم الرياء فالرياء في الصلاة
محرم ومبطل لها وقد تقدم تفصيل ذلك في فصل احكام عامة للعبادات فقرة (8).
ثالثا: أن يقصد المصلي الاسم الخاص للصلاة التي يريد أن يصليها
المميز لها شرعا إذا كان لها اسم كذلك كصلاة الصبح والظهر والعصر
والمغرب والعشاء ونوافلها وصلاة الليل وصلاة الآيات وصلاة الجمعة وصلاة
العيد وصلاة الاستسقاء وهكذا، وإذا كانت مجرد صلاة ركعتين مستحبة
استحبابا عاما أكتفي بنية أن يصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى. وعلى هذا
الأساس تعرف أن من أراد أن يصلي إحدى الفرائض أو أحدي الصلوات
التي لها اسم خاص مميز لها شرعا فعليه أن يقصد ذلك الاسم سواء كانت
فريدة ولم يكن لها شريكة في العدد والكم كصلاة المغرب أو كانت هناك
صلاة أخرى مماثلة لها كصلاة الفجر التي تماثلها تماما نافلة الفجر، وبكلمة
أن هذا القصد واجب بنفسه سواء كان يحصل الاشتباه بدون هذا القصد أولا.
هذا هي عناصر النية الثلاثة.
(52) والعنصر ان الأول والثاني لابد من مقارنتهما لكل أجزاء الصلاة

362
من تكبيرة الاحرام إلى آخر الاجزاء. ولا نعني بالمقارنة أن لا تتقدم النية على
الصلاة بل أن لا تتأخر عن أول جزء من اجزائها وهو تكبيرة الاحرام،
فمن نوى ن يصلي قربة إلى الله تعالى ولكن اخره عن تكبيرة الاحرام
الفحص عن التربة مثلا ثم وجدها فكبر على أساس تلك النية صحت صلاته.
كما أن مقارنة النية لكل الاجزاء لا يعني أن المصلي يجب أن يكون
منتبها إلى نيته انتباها كاملا كما كان في اللحظة الأولى، فلو نوى وكبر ثم
ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه الحال من الذهول صحت صلاته
ما دامت النية كامنة في أعماقه على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فورا
إلى أنه يصلي قربة إلى الله تعالى.
(53) وأما العنصر الثالث في النية وهو قصد الاسم الخاص للصلاة
المميز لها شرعا - فيجب أن يستمر من الصلاة أيضا، فإذا نوى المصلي
في الأثناء صلاة أخرى وأتمها على هذا الأساس بطلت صلاته الا في حالتين:
(54) الأولى أن يكون ذلك ذهولا أو نسيانا كما إذا أقام صلاة الصبح
كفريضة واجبة وفي أثنائها تخيل أنها نافلة وأتمها قاصدا بها النافلة فان
الصلاة في هذه الحال تصح صبحا كما نواها من قبل، وإذا أقامها نافلة
منذ البداية وفي الأثناء تخيل أنه يصلي الصبح الواجبة وأتمها كذلك
صحت نافلة كما نواها أولا، وبكلمة تقاس الصلاة بالباعث الأول ولا اثر
لمجرد التصور والتخيل الطاري الناشي من الغفلة والنسيان.
(55) الثانية: أن يبدل نيته إلى الصلاة الأخرى في حالات يسوغ
فيها نقل النية من صلاة إلى صلاة أخرى، ويسمى ذلك فقهيا بالعدول -
فمنها أن يصلي العصر ويتذكر أنه لم يصل الظهر فيعدل إليها ويكملها
ظهرا ثم يصلي العصر. ومنها أن يصلي العشاء ويتذكر قبل الركوع الأخير
أنه لم يصل المغرب فيعدل إليها ويكملها مغربا ثم يصلي العشاء - ومنها أن

363
يصلي صلاة ويتذكر أن عليه صلاة قضاء سابقة عليها زمانا ويمكن أن
تتطابق مع ما أداه فيسوغ له العدول إليها.
(56) وقد تسأل إذا عدل المصلي بنيته إلى صلاة أخرى حيث لا يسوغ
له العدول كمن نوى الظهر في صلاته ثم أنتقل بنيته إلى العصر وبعد هذا
العدول بداله أن يرجع إلى نيته وبالفعل عاد ورجع إلى نية الظهر
فهل تصح صلاته في هذا الفرض؟
الجواب: ان لم يأت بشئ على الاطلاق في هذه الحالة فصلاته
صحيحة، وإن اتى بشئ فان كان الفعل المأتي به لا يقبل التدارك كالركوع
بطلت الصلاة ولا أثر لاتمامها وإكمالها، وإن كان من النوع الذي يقبل
التدارك كما لو تشهد - مثلا بنية العصر ثم عاد إلى نية الظهر، فصلاته
صحيحة وعليه أن يعيد تشهد بنية الظهر وصحت منه ظهرا (وستعرف
في باب الخلل ماذا يقبل التدارك وماذا لا يقبل).
(57) وإذا قصد المصلي الاسم الخاص المميز للصلاة شرعا فليس من
الضروري أن يعين كونها لأي يوم فمن علم أن عليه فريضة يومية واحدة كالظهر
- مثلا - ولكن لا يدري هل هي لهذا اليوم أو ليوم مضى كان قد تركها
فيه لسبب أو لاخر عليه أن يصليها قاصدا اسمها الخاص وهو صلاة الظهر
وليس عليه أن يجدد أنها لهذا اليوم أو ليوم مضى.
(58) وإذا تخيل وتوهم أن الفريضة التي عليه ليوم مضى فنواها
معتقدا أنها ليوم مضى وبعد أن أداها وأتى بها بهذا الاعتقاد انكشف انها
لليوم الحالي لا للماضي صحت صلاته ولا إعادة عليه، ومثله لو تخيل أنها
لليوم الحالي فتبين أنها للسابق. هذه صورة موجزة للعناصر الثلاثة للنية.

364
أسئلة حول العناصر الثلاثة
وقد تطرح عدة تساؤلات بهذا الصدد
(59) فأولا إن بعض الصولات واجبة وبعضها مستحبة فهل من
الضروري للمصلي حين يصلي أن يستحضر في نيته أن هذه الصلاة التي
يصليها واجبة أو مستحبة؟
والجواب: أنه لا يلزم ذلك ما دام ناويا امتثال أمر الله.
(60) وثانيا: إن الرياء قد يكون في أصل الصلاة وأجزائها الواجبة
كأن يصلي رياء فتبطل صلاته، وقد يكون في مستحباتها وآدابها كإنسان
يصلي لله على أي حال ولكنه يحرص على أن يؤدي صلاته بآداب ومستحبات
إضافية من أجل الرياء فهل تبطل صلاته من الأساس لأجل هذا الرياء؟.
والجواب: أن المستحب تارة يتمثل في فعل معين يتميز عن واجبات
الصلاة كالقنوت، وأخرى يتمثل في حالة عامة تتصف بها الصلاة من قبيل كونها
في المسجد أو ايقاعها في أول الوقت ونحو ذلك، ففي الحالة الأولى لا تبطل
الصلاة بالرياء في فعل المستحب ولكن المكلف يأثم من أجله ريائه، وفي
الحالة الثانية صورتان:
الأولى: ان يكون المكلف قاصدا التمويه والتدليس على كل حال
صلى أم لم يصل، ومثاله: أن يقصد التواجد في المسجد رياء ليوهم الآخرين
بأنه من رواد المساجد وخلال ذلك يعن له ان يصلي لله فإذا أدى الصلاة
في هذه الحال تكون صلاته صحيحة.
الثانية: ان يقصد التدليس والرياء من أجل الصلاة، ومثاله: ان
يقصد المصلي من التواجد في المسجد أن يظهر للآخرين رياء حرصه على

365
اختيار الأفضل لصلاته وعندئذ تكون صلاته باطلة.
(61) وثالثا: قد يدخل الانسان في الصلاة ويأتي بشئ منها ثم ينوي
قطعها والخروج منها أو ينوي فعل مالا يسوغ فعله في أثنائها فما هو الحكم في ذلك
الجواب: إذا عاد إلى نيته الأولى قبل ان يأتي بشئ من الصلاة
أو بما ينافيها ويبطلها صحت صلاته إذا أتمها على الوجه المطلوب، وإذا
أم الصلاة وهو على نية القطع أو على نية فعل المنافي والمبطل بطلت
صلاته حتى ولو لم يفعل شيئا محسوسا ينافيها، بل حتى ولو كان مترددا بين
القطع والاتمام.
وإذا أتى بشئ من الصلاة بعد نية القطع ثم عاد إلى نيته الأولى فينظر:
هل أتى في تلك الحالة بالركوع أو السجود أو أتى بشئ آخر من أفعال
الصلاة كالتشهد والفاتحة والذكر، ففي الحالة الأولى تبطل صلاته على أي
حال، وفي الحالة الثانية تبطل الصلاة ان نوى بذلك التشهد - مثلا - انه
جزء من هذه الصلاة التي نوى قطعها، وإن لم ينو ذلك وانما اتى به
كشئ مستقل عن الصلاة فبامكانه إذا عدل عن نية القطع أن يعيد ثانية
ما اتى به حالها ويواصل صلاته ولا شئ عليه.
حالات من الشك
(62) قد يبدأ الانسان صلاته وهو يشك في قدرته على اكمالها،
ومثاله ان يصلي المكلف في مكان مقدس يكثر فيه الزحام - كما يحدث ذلك
أيام الحج وموسم الزيارات - محتملا وراجيا ان يؤدي صلاته بالكامل وهو
في حال الاستقرار غير مضطرب يمنة ويسرة فإذا اتفق وصادف الاستقرار
وعدم الاضطراب صحت صلاته وقبلت.

366
(63) ومن صلى أو بدأ بصلاته في مجمع من الناس ثم شك في أنه
هل كان يصلي من اجل الله أو من اجل أن يراه الناس فلا قيمة لصلاته
مع هذا الشك.
(64) ومن صلى أو بدأ صلاته في مجمع من الناس وهو متأكد من أنه
يصلي لله بمعنى انه لو كان وحده لصلى أيضا ولكنه شك واحتمل في نفسه
الرياء اي أنه أشرك الناس مع الله في دوافعه وبواعثه فصلاته صحيحة ويلغي
هذا الشك عمليا.
(65) ومن دخل في الصلاة واتى بشئ منها وقبل أن يتمها شك
وتردد هل كان قد دخل فيها بنية الظهر أو بنية العصر فماذا يصنع؟.
الجواب: ان لم يكن قد اتى بالظهر قبلا أتمها ظهر وعقب بالعصر
وان كان قد صلى الظهر بطلت صلاته واستأنفها من جديد بنية العصر،
والشئ نفسه يصدق إذا دخل في صلاة ثم شك في أنه نواها مغربا أو عشاء
فإنه ان لم يكن قد اتى بالمغرب نواها مغربا ما لم يكن قد ركع الركوع الرابع
ثم عقب بالعشاء، وان كان قد صلى المغرب بطلت صلاته واستأنفها من
جديد بنية العشاء.
(66) وإذا قصد وتهيأ لصلاة الظهر الواجبة عليه الان - مثلا - وبعد
أن شرع ودخل في الصلاة شك وتردد: هل هذه الصلاة هي تهيأ لها أو
انه كان قد نواها لصلاة فائتة - مثلا - لم يكن قد قصدها وتهيأ لها بطلت
صلاته واستأنف صلاة جديدة بنية معينة ومحددة من ظهر أو عصر
أو نحو ذلك.
(67) وقد يجد الانسان نفسه في صلاة وهو ينويها ظهرا أو فجرا لهذا

367
اليوم ولكنه يشك ويتردد: هل أنه دخل في هذه الصلاة بنفس النية
التي يجدها في نفسه الان أو انه كان قد نواها في البدء ظهرا ليوم سابق
أو نافلة، وعليه في هذه الحالة أن لا يكتفي بهذه الصلاة ويستأنفها من جديد
بنية معينة ومحددة.

368
الباب الثاني
في الاجزاء
تكبيرة الاحرام
(68) وهي قول (الله أكبر) وبها تفتح الصلاة فإنها تبدأ بتكبيرة
الاحرام وفي الحديث: وتحريمها: وتحريمها (اي الصلاة) التكبير وتحليلها التسليم
والمعني أن المصلي متى كبر للصلاة فقد دخل فيها وصار من المصلين وحرم
عليه كل ما يحرم على المصلي من أشياء حتى يخرج منها بالتسليم، ومن أجل
ذلك كانت تكبيرة الاحرام أول أجزاء الصلاة دون النية إذا بمجرد النية
لا تبدأ الصلاة ولا يحرم ما يجرم على المصلي.
(69) الصيغة: وللتكبيرة صيغة عربية محددة كما ذكرنا قبل لحظة
ولا يجزي عنها قول: الله الأكبر أو الخالق أكبر أو الله العظيم أكبر، كما
لا يجزي عنها أيضا ما يعادلها في أي لغة أخرى ومن جهل هذا التكبير فعليه
أن يتعلمه، وإن ضاق الوقت عن التعلم تلقنه المصلي من غيره فان تعذر
التلقين اتى بها على النحو الممكن له وإذا لم يتيسر للأجنبي عن اللغة العربية
أن يأتي بها على اي نحو أمكنه أن يحرم بما يعادلها في لغته
(70) ويجب ان يكون تكبير الاحرام مستقلا بمعناه لا صلة له بما قبله
من كلام وذكر ودعاء ولا يلحق به بعده ما يتممه ويكمله، فلا يجوز أن يأتي
المصلي بتكبير الاحرام في ضمن قوله مثلا (قال الملائكة وأولو العلم الله
أكبر) ولا في ضمن قوله مثلا (الله أكبر من كل شئ).

369
(71) وكما يجب ان يؤدي تكبير الاحرام مستقلا في معناه كذلك
يجب أن يؤدي مستقلا في لفظه، بمعنى ان من تكلم قبل التكبير بأي شئ
فعليه أن يقف على الحرف الأخير الذي قبل همزة الله أكبر، لأنه لو تحرك
لأدمجت همزة كلمة الجلالة بما قبلها أو وقعت على غير الأصول
والقواعد العربية.
(72) والأخرس وغيره ممن عجز عن النطق لسبب طارئ يعقد
قلبه بتكبيره الاحرام مع الإشارة بالإصبع وتحريك اللسان إن استطاع
إليه سبيلا.
(73) الشروط: يجب ان يكون تكبير الاحرام في حال القيام بل لابد
من القيام أولا قبل التكبير كمقدمة للعلم بأنه قد حصل بكامله في هذه الحال،
وكلما وجب القيام وجبت فيه خصائص معينة كالسكون والاستقرار والانتصاب
والاعتدال كما يأتي إن شاء الله تعالى في الفقرة (151).
(74) العدد: والواجب في تكبير الاحرام مرة واحدة، ويستحب
ان يزاد قبله " الله أكبر " ست مرات أو أربع مرات أو مرتين، وفي
سائر الأحوال فان على المصلي أن ينوي في التكبير الأخير تكبيرة الاحرام
الواجبة التي بها يتم الدخول في الصلاة.
(75) ويستحب للمصلي أن يرفع يديه حال تكبير الاحرام إلى اذنيه
أو حيال وجه موجها باطنها إلى القبلة وان يضم أصابعه مجموعة.
(76) الخلل: من ترك تكبيرة الاحرام فلا صلاة له سواء كان عامدا
في تركه وعالما بوجوبها أو ناسيا ذاهلا عنها أو جاهلا بوجوبها، وكذلك
من ترك القيام حال التكبيرة فكبر للاحرام جالسا ومن كبر قائما ولكن
بدون استقرار أو انتصاب في القيام فصلاته صحيحة ان كان ذلك منه
لنسيان أو لتخيل إن هذه الأمور غير واجبة في القيام، وأما إذا أخل بها

370
وتهاون عامدا عالما بطلت صلاته، ومن كبر للاحرام ثم كبر كذلك ثانية
فقد زاد في صلاته فان كان عامدا في الزيادة فصلاته باطلة وإن كانت
سهوا أو جهلا ونخيلا ان ذلك لا يضر فصلاته صحيحة.
(77) الشك: إذا شك في أنه: هل كبر تكبير الاحرام قبل الدخول
في القراءة الواجبة - سورة الفاتحة - أتى به وإذا شك في ذلك بعد الدخول
في القراءة الواجبة يمضي ولا يلتفت.
وإذا علم بأنه كبر وشك في صحة التكبير يمضي ولا يلتفت إلى شكه،
سواء حصل له هذا الشك بعد الدخول في الفاتحة أو قبل ذلك.
القراءة في الركعة الأولى والثانية
نعني بالقراءة ما يجب قراءته في الصلاة من القرآن الكريم وقد جاء
في الحديث: " لا صلاة الا بفاتحة الكتاب)
(78) الواجب من القراءة: والواجب من القراءة على المصلي بعد أن
يكبر تكبيرة الاحرام ان يقرأ فاتحة وسورة كاملة بعدها وذلك في الركعة
الأولى، كما يجب ان يقرأ نفس الشئ في الركعة الثانية عند اكماله للركعة
الأولى ونهوضه منتصبا للركعة الثانية.
ولا تكون السورة كاملة الا إذا بدأها الانسان بالبسملة كلما كانت
مبدوءة بها في المصحف الشريف، فالبسملة تعتبر الجزء الأول والآية الأولى
من كل سورة باستثناء سورة براءة.
79 - وفاتحة الكتاب لاغنى لصلاة عنها، واما السورة التي بعدها
فتجب إلا في الحالات التالية:
أولا: ان تكون الصلاة من النوافل اليومية أو ما يشبهها من الصلوات

371
المستحبة الأخرى فلا تجب فيها السورة وان كان الأفضل قراءتها،
ولا فرق في عدم الوجوب بين النافلة التي أصبحت نبذر ونحوه واجبة
والنافلة التي ظللت مستحبة.
ثانيا: ان يكون الانسان ممن يشق عليه ان يقرأ السورة ويضيق بذلك
من اجل مرض مثلا أو لاستعجاله في شأن من شؤونه التي تهمه، فيسوغ
له والحالة هذه ان يقتصر على الفاتحة.
ثالثا: إذا ضاق وقته عن الفاتحة والسورة معا فيترك السورة من اجل
أن يضمن وقوع الصلاة بكاملها في الوقت أو وقوع أكبر قدر ممكن منها
في وقتها.
وهناك حالة أخرى تأتي الإشارة إليها في أحكام صلاة الجماعة
إن شاء الله تعالى.
شروط السورة الواجبة: ترك الشارع الأقدس للمصلي اختيار السورة
التي يقرأها بعد الفاتحة، ولكن مع اخذ الشروط والملاحظات الآتية
بعين الاعتبار.
80 - أولا يسوغ للمصلي أن يختار ما يشاء من السور أطوال والقصار
ولكن بشرط ان لا يفوت الوقت مع السورة
الطويلة لا يتسع الوقت لها ثم انتبه وأفاق من غفلته في الأثناء - وجب عليه
ان يعدل إلى سورة يسعها الوقت، ان استمرت غفلته إلى ما بعد الفراغ
بطلت صلاته.
81 - ثانيا: لا يسوغ للمصلي ان يختار إحدى سور العزائم الأربع
التي تقدم ذكرها في الفقرة (45) من فصل الغسل وانما لا يسوغ له
ذلك لان هذه السورة فيها آيات توجب السجود وتجعل المصلي يواجه محذورا

372
وهو ان يسجد من اجل تلك الآيات في نفس الصلاة.
فإذا اختار على الرغم من ذلك قراءتها وقرأ الآية التي توجب
السجود وجب عليه ان يسجد ويعيد صلاته، ولكن إذا لم يسجد كان
آثما وصحت صلاته.
ومن ذهل عن المحذور الذي قلناه وقرأ إحدى العزائم في صلاته ثم
انتبه إلى سهوه وغفلته فماذا يصنع؟
الجواب ان تذكر وانتبه قبل ان يقرأ آية السجدة عدل عن سورة
العزيمة إلى غيرها وصحت صلاته، وكذلك تصح لو تذكر بعد أن قرأ آية
السجدة وبعد ان اسجد من اجلها في أثناء الصلاة سهوا عن المحذور لان
مثل هذه الزيادة غير المقصودة لا تبطل الصلاة.
وقد تسأل: وماذا يصنع المصلي إذا استمع إلى آية السجدة وهو يصلي؟
والجواب: انه إذا سمعها صدفة من غير قصد واصغاء يمضي في صلاته ولا شئ عليه،
وإذا استمع لها وأصغى أوما إلى السجود برأسه وأتم الصلاة وصحت صلاته.
وما ذكرناه حول سور العزائم يختص بصلاة الفريضة اما قراءتها في النافلة
فجائزة ولا محذور فيها ويسجد عند قراءة آية السجدة ثم يقوم ويواصل صلاته.
82 - ثالثا: يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة فإذا بسمل
بدون أن يعين السورة اتي يريد قراءتها لم تجزه هذه البسملة، وإذا بسمل
لواحدة بعينها ثم عدل عنها إلى غيرها فعليه ان يبسمل للمعدول إليها، وإذا
بسمل للسورة التي سيقع عليها اختياره بعد البسملة فلا باس وإذا
بسمل للصورة التي سيقع عليها اختياره بعد البسملة فلا باس، وإذا
بسمل للسورة التي سيقع عليها اختياره بعد البسملة فلا باس، وإذا
بسل لمعينة ثم غابت عن ذاكرته فكأنه لم يبسمل اطلاقا وعليه ان يستأنف التعيين
والبسملة من جديد.
وإذا كان من عادته ان يقرأ سورة معينة كسورة الاخلاص مثلا
فبسمل جريا على هذه العادة كان ذلك تعيينا ولو لم يحضر في ذهنه

373
اسم سورة الاخلاص في تلك اللحظة.
83 - رابعا: كما يملك المصلي في البدء اختيار السورة التي يقرأها بعد الفاتحة
كذلك الحال بعد أن يختار سورة، فان له ان يعدل عنها إلى سورة أخرى
الا في الحالات التالية:
أولا: إذا بلغ ثلثي السورة فلا يسوغ له حينئذ العدول عنها إلى أخرى.
ثانيا إذا اختار في البدء سورة الاخلاص أو الجحد وبدأ بقراءتها فلا
يسوق له العدول عنها حتى من إحداهما إلى الأخرى ولو لم يبلغ الثلثين.
ثالثا: إذا اختار في الركعة الأولى من صلاة الجمعة أو ظهر الجمعة
سورة الجمعة أو اختار في الركعة الثانية منها سورة المنافقين وبدأ بقراءتها
فلا يسوغ له العدول عنها إلى غيرها.
84 - وهذه الحالات التي لا يسوغ فهيا العدول لا تشمل المضطر إلى
العدول، كما إذا بدأ بالسورة ونسي بعضها أو ضاق الوقت عن اتمامها ففي
مثل ذلك يسوغ له العدول مهما كان نوع السورة التي بدأ بها ومقدار ما قرأ منها
وكذلك لا تشمل من يصلي صلاة النافلة فان له العدول كيفما أحب، ولا تشمل
أيضا من نوى في صلاة الجمعة أو ظهرها ان يقرأ سورة الجمعة في الركعة
الأولى والمنافقين في الركعة الثانية ولكنه غفل وبدأ بسورة أخرى، فإنه
يجوز له على اي حال العدول حينئذ إلى سورة الجمعة والمنافقين كما
نوى أولا.
وإذا نوى سورة كسورة القدر مثلا عندما بسمل ولكن سبق لسانه
إلى قراءة الاخلاص دون ان يكون قاصدا لسورة الاخلاص حقا فلا يضره
ان يبقى على نيته الأولى ويقرأ سورة القدر ولا يعتبر ذلك عدولا من سورة
الاخلاص بل لا يكتفي بما قرأه لأنه بدأ بها بدون قصد.
شروط القراءة: يشترط في القراءة ما يلي:

374
85 - أولا: ان تكون السورة بعد اكمال قراءة فاتحة الكتاب فلا
يسوغ تقديمها عليها.
86 - ثانيا: ان تكون القراءة صحيحة وذلك يحصل بمراعاة
الفقرات الآتية:
87 - (أ) ان يعتمد في معرفة النص القرآني على ما هو مكتوب في المصحف
الشريف أو على قراءة مشهورة متلقاة من صدر الاسلام وعصر الأئمة عليهم
السلام ويدخل في ذلك القراءات السبع المشهورة، وعلى هذا الأساس
يسوغ للمصلي ان يقرء (مالك يوم الدين) أو (ملك يوم الدين) وان يقرأ
(صراط الذين) أو (صراط الذين) بالصاد أو بالسين، ويسوغ له في
كفوا من سورة الاخلاص ان يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة أو الواو
أي (كفوا) و (وكفوا) و (كفؤا) وهذا لان هذه
الترتيبات كلها جاءت في القراءات المشهورة المقبولة، وأما إذا لم تكن القراءة
مشهورة في صدر الاسلام فلا يسوغ الاعتماد عليها في تحديد النص القرآني، فهناك
مثلا من قرأ (ملك يوم الدين) وجعل (ملك) فعلا ماضيا مبنيا على
الفتح وهذا شاذ لا يسوغ الاعتماد عليه في الصلاة.
ولا بأس ان يقرأ المصلي من المصحف أو يتلقن القراءة ممن يحسنها
ويتقنها فقد لا يكون الانسان مستظهرا للفاتحة ولسورة أخرى في بداية شرح
صدره للاسلام وعزمه على إقامة الصلاة فيقرأ ذلك في المصحف أو يقرأ
عليه شخص آخر النص الشريف آية آية وهو يكررها.
وإذا لم يتيسر له شئ من ذلك وكان يحسن قراءة الفاتحة وبعض
السورة ووقت الفريضة لا يتسع لتعلم سورة بالكامل قرأ ما يحسن، وإذا
أحسن بعض الفاتحة والحالة كذلك قرأ هذا البعض وكان جديرا بان يعوض
عما فات من الفاتحة بما يحسن من آي الذكر الحكيم بقدر ما فات من الفاتحة

375
وان لم يحسن شيئا من الفاتحة وغيرها من السور كان جديرا بان يكبر ويهلل
ويسبح بقدر الفاتحة ريثما يتعلمها.
88 - (ب) أن يحافظ في القراءة على حركات الاعراب وما هو مقرر
لكل حرف في اللغة العربية من ضم أو فتح أو كسر أو سكون ويستثنى
من ذلك الحرف الأخير من الآية إذا كان ف كلمة معربة وعليه فتحة أو
ضمة أو كسرة، فإنه يجوز للمصلي إذا وقف عليه أن ينطق به مضمونا
أو مكسورا مثلا كما يجوز له ان يسكنه فيقول مثلا: الحمد لله رب العالمين
بدلا عن الحمد لله رب العالمين، وإذا لم يقف عليه وقرأه مع الآية التي
بعده بنفس واحد جاز له أيضا كلا الامرين.
89 - (ج) اخراج المصلي الحروف من مخارجها على نحو يعتبر العرب
راءه راءا وضاده ضادا وذائه ذالا وهكذا
90 (د) قد تكون الكلمة مبدوة بالهمزة ككلمة (الله) وكلمة
(إياك) فإذا أريد النطق بها بصورة ابتدائية وجب النطق بالهمزة، وأما إذا
كانت قبلها كلمة تنتهي بحرف متحرك اي مضموم أو مكسور مثلا وأريد
قراءة الكلمتين درجا اي مع ابراز ما في الحرف الأخير من حركة فتحذف
الهمزة في الكلمة الثانية إذا كانت همزة وصل ويحافظ عليها إذا كانت
همزة قطع. ومثال الأول: ان تقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) فان همزة
الله تحذف هنا وكذلك همزة الرحمن وهمزة الرحيم، أو ان تقرأ (وإياك
نستعين اهدنا الصراط المستقيم) فان همزة اهدنا وهمزة الصراط وهمزة
المستقيم تحذف جميعا. ومثال الثاني ان تقرأ (مالك يوم الدين إياك نعبد
وإياك نستعين) فان همزة إياك همزة قطع فلا تحذف، ومثال آخر (صراط
الذين أنعمت عليهم) فان همزة أنعمت لا تحذف.
91 - (ه‍) يدخل على الكلمة الألف واللام فتقول الحمد والرحمن

376
والرحيم وهكذا وفي حالات معينة يتوجب على القارئ ان لا يتلفظ باللام
ويسمى ذلك ادغاما للام فكأن الألف ترتبط مباشرة بالحرف الأول من
الكلمة، وتلك الحالات هي فيما إذا كانت الكلمة التي دخلت عليها الألف
واللام مبدوءة بالتاء أو الثاء أو الدال أو الذال أو الراء أو الزاي أو السين أو الشين
أو الصاد أو الضاد أو الطاء أو الظاء أو النون، وفي غير ذلك يجب النطق
باللام وعلى هذا الأساس لا تنطق بالام حين تقرء (الله) (الرحمن)
(الرحيم (الصراط) (الظالين) وتنطق بها حين تقرأ (الحمد) (العالمين)
(المستقيم).
92 - وكل من كان جاهلا بالقراءة الصحيحة أو عاجزا عن الاعراب
أو عن النطق بالكلمة وحروفها كما يجب كالذي في لسانه ثقل أو ينطق
الراء غينا أو الأجنبي عن اللغة يجب عليه ان يتعلم ويحاول ما أمكن، فان
لم يتيسر له رغم المحاولة فهو معذور تصح الصلاة منه بميسوره ومقدوره،
وقد يرجح له ان يقتدي فيها بغيره لكي يكتفي بقراءة الامام ولكن
لا يجب عليه ذلك.
93 ومثله تماما - حتى في عدم وجوب الاقتداء - الجاهل القابل
للتعلم والتفهم ولكن ضاق عليه الوقت بحيث لا يمكنه الان وفي هذه الساعة
ان يجمع بين التعلم والصلاة على الوجه المطلوب فيصليها كما يستطيع ويتعلم لغيرها.
94 - اما الجاهل القادر على التعلم قبل وقت الصلاة والعالم بوجوب
هذا التعلم ومع ذلك تهاون وأهمل - اما هذا المنتبه المقصر فيجب عليه ان
ان يقتدي بغيره في الصلاة ان أمكن، وإذا ترك الاقتداء مع الامكان وصلى
منفردا بطلت صلاته، وإذا تماهل وضاق وقت الصلاة ولم يتيسر له الاقتداء
وجب عليه ان يصلي ويقرأ كما يتيسر له وتصح الصلاة منه ولكنه يعتبر
آثما لتهاونه.

377
95 - وإذا شك المصلي وهو يصلي في حركة الاعراب لكلمة من
الكلمات وانها رفع أو نصب مثلا أو شك في مخرج حروفها وانه من هنا
أو من هناك فهل له ان يقرأ بالوجهين على سبيل الاحتياط؟
الجواب: إذا كان كل من القراءتين اللتين حصل التردد بينهما لا يخرج
الكلمة عن وصفها ذكرا ساغ له ان يقرأ بالوجهين ولا شئ عليه، وإلا
قرأ بوجه واحد وسأل أهل العلم والخبرة فان كان ما قرأه صحيحا فذاك هو
المطلوب والا أعاد الصلاة.
96 - ثالثا على المصلي ان ينطق بكل كلمة من كلمات الصلاة بالمألوف
والمعروف فلا يقطع أوصالها إلى اجزاء وحروف ويقول - مثلا - " بس... م
الل‍ ه‍ " فان فعل شيئا من ذلك ساهيا مضطربا بطلت الكلمة وحدها
وأعادها صحيحة، وكذلك إذا بدأ بالكلمة ثم انقطع صوته لسعال ونحوه،
وان تعمد قاصدا منذ البداية أن يفعل ذلك وفعل بطلت صلاته من الأساس، أما إذا
تعمد قطع الكلمة في الأثناء فعليه ان يعيد النطق بالكلمة على الأصول
وتصح الصلاة، والجار والمجرور ومتعلقه والمضاف إليه والصفة
والموصوف والفعل والفعل والفاعل والمبتدأ والخبر كل ذلك وما إليه بمنزلة
الكلمة الواحدة والحكم هو الحكم.
وكذلك على المصلي ان يقرأ آيات الفاتحة والسورة الأخرى حسب
تسلسلها في المصحف فلا يقدم الآية الثانية على الأولى مثلا، وبصورة
متتابعة أي لا يسكت بين آية وآية أو بين جملتين في داخل آية واحدة بالقدر
الذي تعتبر إحداهما مفصولة عن الأخرى في العرف، ولا يبطل السكوت
الناشئ من سعال ونحوه وان كان طويلا إذا وقع بين جملتين أو آيتين.
97 - رابعا - يجب على المصلى ان يقرأ جهرا أحيانا واخفاتا أحيانا
أخرى وقيل تعيين هذه الأحيان وتلك يجب ان نوضح معنى الجهر والاخفات

378
وذلك كما يلي.
القراءة قد تكون بصوت منخفض لا يسمعه من هو إلى جنبك وقد
تكون بصوت عال يسمعه من هو إلى جانبك بل قد يسمعه البعيد عنك
أيضا هذا من ناحية درجة ارتفاع الصوت (اي درجة سماع الآخرين له)
ومن ناحية آخري نلاحظ ان القراءة قد يبرز فيها جرس الصوت وقد
يختفي حتى ولو كان الصوت عاليا مسموعا للآخرين ومثاله المبحوح صوته فإنه
قد يصرخ ويسمع الآخرون صراخه ولكن هذا الصراخ يختلف عن كلام
الانسان غير المبحوح إذا أراد ان يتحدث إلى غيره بصورة اعتيادية ومرد
اختلافهما إلى أن جرس الصوت أو ما يسمى لدى الفقهاء بجوهر الصوت
مختف في الكلام المبحوح وبارز في كلام غيره.
وعلى هذا الأساس فلاختلاف بالقراءة مرتبط بتوفر أمرين أحدهما:
ان لا يكون جوهر الصوت بارزا، والاخر: ان لا يكون الصوت عاليا
كصوت المبحوح حين يريد ان يرفع صوته فإنه ليس اخفاتا وان كان جوهر
الصوت غير بارز فيه، فكلما توفر هذان الأمران فالقراءة اخفات.
وان كان جرس الصوت وجوهره بارزا فالقراءة جهر، وإذا كان
الانسان مبحوحا فالجهر بالنسبة إليه ان يرفع صوته كما يصنع الانسان المعافي
إذا أراد ان يجهر بقراءته.
وبعد ان أوضحنا معنى الجهر والاخفات نذكر مواضع وجوبهما.
فالرجل يجب عليه ان يجهر بقراءة الفاتحة والسورة في صلاة الصبح
وفي الركعة الأولى والثانية من صلاة المغرب والعشاء ويجب عليه ان يخفت
بقراءة الفاتحة والسورة في الركعة الأولى والثانية من صلاة الظهر والعصر،
ويستثنى من وجوب الاخفات هذا البسملة فإنه يستحب الجهر بها في كل
صلاة، وكذلك تستثنى القراءة في صلاة الظهر يوم الجمعة فإنه يجوز فيها

379
الجهر والاخفات معا، واما صلاة الجمعة فيجب فيها على الامام ان
يجهر بالقراءة.
واما المرأة فيجب عليها الاخفات في الحالة التي يجب فيها ذلك على
الرجل، واما في الحالات التي يجب فيها الجهر على الرجل فهي مخيرة
بين الجهر والاخفات.
98 - وعلى اي حال فلا يجوز للمصلي - وكذلك المصلية - في جميع
الحالات أن يفرط بالجهر فيصيح ويصرخ في قراءته كما لا يجوز له بحال ان
يبالغ في الاخفات فلا يسمع نفسه لشدة خفاء الصوت وانخفاضه فان ذلك
همهمة وليس من القراءة بشئ.
99 خامسا، كما يجب على المصلي ان يكبر تكبيرة الاحرام وهو
قائم كذلك يجب ان يواصل قيامه حال قراءة الفاتحة والسورة إلى أن يفرغ
منها، ويجب ان يكون في قيامة مستقرا غير مضطرب عند القراءة،
فإذا أراد حال قيامه ان يتحرك يمينا أو شمالا مع الحفاظ على الاستقبال أو
ان يتقدم خطوة أو يتأخر كذلك إذا أراد شيئا من ذلك فليدع القراءة
ويتحرك ثم يعود إلى الاستقرار ويقرأ في هذه الحال.
100 - الخلل: إذا لم يأت بالقراءة أو بشئ منها أو خالف وعاكس
شروطها وواجباتها فصلى بدون فاتحة الكتاب أو بدون سورة أو قرأ جالسا
أو ملحونا أو مضطربا ومتحركا يمنة وبسرة أو جهر حيث يجب الاخفات
أو أخفت حيث يجب الجهر إلى غير ذلك إذا صلى هكذا عامدا ملتفتا إلى
إلى أن ذلك لا يجوز فصلاته باطلة، وإذا كان ناسيا أو غير منتبه إلى أن ذلك
لا يجوز فصلاته صحيحة، فان انتبه إلى الحال بعد الفراغ من الصلاة فلا
شئ عليه وكذلك إذا انتبه أثناء الصلاة بعد أن ركع في الركعة التي لم يأت
بقراءتها على الوجه المطلوب، وان انتبه إلى الحال قبل الركوع من تلك

380
الركعة وجب عليه ان يتدارك ويقرأ على الوجه المطلوب الا إذا كان قد
فاته الاستقرار أو الجهر حيث يجب الجهر أو الاخفات حيث يجب الاخفات
فإنه لا تجب إعادة القراءة التي قرأها غير مستقر في قيامه أو قرأها
اخفاتا وهي تراد منه جهرا أو بالعكس مادا قد صدر منه ذلك نسيانا أو
جهلا بالحكم.
وإذا انتبه المكلف قبل الصلاة للجهر والاخفات ولكنه لم يدر هل
المطلوب منه في هذه الفريضة خصوص الجهر أو الاخفات ثم أداها جهرا
أو أداها اخفاتا راجيا ان تكون عند الله كما اتى بها وبعد الصلاة تبين له
العكس فصلاته صحيحة ولا شئ عليه.
101 - الشك إذا قرأ الفاتحة والسورة أو شيئا من ذلك وشك في أنه
هل قرأ على الوجه الصحيح أولا مضى ولم يلتفت إلى شكه، وإذا قرأ
الآية الثانية من الفاتحة مثلا وشك انه هل قرأ الآية الأولى قبل ذلك أولا
مضى ولم يلتفت إلى شكه، وكذلك أيضا إذا وجد نفسه يقرأ آخر الآية
وشك انه هل قرأ أولها أولا، وإذا وجد نفسه يقرأ سورة الاخلاص مثلا
وشك انه هل قرأ فاتحة الكتاب أولا فالأحسن احتياطا ووجوبا ان يقرأ
فاتحة الكتاب، وإذا وجد الانسان نفسه ساكتا وهو يعلم أنه كبر تكبيرة
الاحرام فيشك هل قرأ الفاتحة والسورة أولا وجب عليه ان يقرأ، وإذا
كان يعلم في هذه الحالة انه قرأ فاتحة الكتاب ولكنه يشك في أنه هل قرأ
السورة الأخرى أيضا وجب عليه ان يقرأ، وإذا شك في شئ مما تقدم
بعد أن يكون قد ركع فيمضي ولا يلتفت إلى شكه.
102 - الآداب: تستحب الاستعاذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
قبل البدء بالقراءة في الركعة الأولى، وتستحب أيضا سكتة قصيرة بين
الفاتحة والسورة التي بعدها، وأن يقول بعد الفراغ من الفاتحة الحمد لله

381
رب العالمين، وأن يقول بعد قراءة سورة الاخلاص كذلك الله ربي.
ويرجع للمصلي ان لا يترك قراءة سورة الاخلاص يوما كاملا فيقرأ
بها مرة واحدة في كل يوم على الأقل.
كما يرجح لمن يصلي صلاة الفريضة ان لا يقرأ بعد فاتحة الكتاب
سورتين كاملتين ولكن لا بأس عليه إذا فعل ذلك.
الركوع
يجب على المصلي بعد الفراغ من القراءة ان يركع، والركوع
واجب في كل ركعة من الفرائض والنوافل فلا ركعة بلا ركوع. ونعني
بالركوع الانحناء المقصود خضوعا لله تعالى، فلو انحنى لا لالتقاط شئ من
الأرض مثلا ونحو ذلك لم يكن ذلك ركوعا، ويجب على هذا المنحنى
ان بقوم منتصبا مرة ثانية ويركع. وللركوع واجبات وهي كما يلي:
103 - أولا ان يكون الركوع في حالة القيام وذلك أن الانحناء قد
يقع من القائم الواقف وقد يقع من الجالس ويسمى الأول بالركوع القيامي
لأنه ركوع القائم ويسمى الثاني بالركوع الجلوسي لأنه ركوع الجالس،
والواجب في الصلاة هو الركوع القيامي فلو ان المصلي فرغ من قراءته
فجلس وانحنى جالسا لم تصح صلاته.
104 - ثانيا: آن يكون ركوع هذا الراكع عقيب قيام منتصب فيركع
عن قيام، ومعنى ذلك أن الانسان تارة يكون قائما منتصبا فينحني ويركع
وأخرى يكون جالسا فينهض مقوسا ظهره حتى يصل إلى حالة الراكع
فيثبت نفسه وفي كل من هاتين الحالتين يعتبر الركوع ركوعا قياميا لأنه
ركوع صادر منه وهو قائم على قدميه لا جالس، ولكنه في الحالة الأولى

382
يعتبر ركوعا عن قيام لأنه كان قائما منتصبا ثم ركع وفي الحالة الثانية يعتبر
ركوعا عن جلوس لأنه كان جالسا فنهض مقوسا إلى أن صار بمثابة الراكع،
والواجب هو ان يكون الركوع عن قيام وقد عرفت ان القيام حال القراءة
واجب فإذا فرغ من القراءة وهو قائم ركع ليكون ركوع عن قيام، وأما
إذا جلس بعد الفراغ من القراءة غفلة أو لالتقاط شئ فان عليه ان يعود
قائما ثم يركع عن قيام ولا يكفيه ان ينهض متقوسا إلى مستوى الراكع
105 - ثالثا: ان يكون الانحناء بقدر يمكن معه لأطراف أصابع المصلي
ان تصل إلى ركبتيه وإذا كانت اليد طويلة طولا غير مألوف أو قصيرة
كذلك فيجب عليه ان ينحني بقدر ما ينحني غيره ممن تكون يده
مألوفة ومتعارفة.
106 - رابعا: ان يكون الركوع مرة واحدة في كل ركعة فلو ركع
ركوعين في ركعة واحدة بطلت صلاته ويستثنى من ذلك صلاة الآيات
التي تشتمل كل ركعة منها على خمسة ركوعات كما تقدم في فصل أنواع
الصلاة الفقرة (120)
107 - خامسا: الذكر وهو أن يقول في ركوعه وهو مستقر غير
متمايل ولا مضطرب (سبحان ربي العظيم وبحمده) مرة واحدة أو أكثر أو
يقول (سبحان الله) أو (الحمد لله) أو (لا إله إلا الله) أو (الله أكبر)
وما أشبه ثلاث مرات أو أكثر، ويكتفي من المريض بواحدة.
ويكفي في توفير الاستقرار الواجب حال الذكر أن يتماسك ولو
بالاستعانة بعصى ونحوها.
ويشترط في الذكر الواجب في الركوع ان يكون بلغة عربية وان
تؤدي الحروف من مخارجها وان لا ينطق بها بصورة متقطعة تفكك الكلمة
أو الجملة، والأجدر بالمصلي احتياطا ووجوبا ان لا يخالف النهج المقرر

383
عربيا في الاعراب والبناء.
108 - سادسا: ان يرفع رأسه من الركوع قائما منتصبا ومطمئنا في
قيامه وانتصابه.
109 - في حالات العجز: إذا كان قادرا على الركوع ولكن بدون
اطمئنان واستقرار وجب عليه ذلك، وإذا عجز عن الركوع ولكن يتمكن
من الانحناء بدرجة أقل وجب عليه ذلك.
وان لم يتمكن من الانحناء بجسمه حتى قليلا اكتفي بالايماء برأسه بدلا
عن الركوع، هذا إذا لم يكن متمكنا من ركوع الجالس أيضا والا كان
الأجدر به وجوبا واحتياطا ان يصلي صلاة أخرى يكبر فيها ويقرأ قائما ثم
يجلس ويركع ركوع الجالس.
110 الخلل: إذا ترك المصلي الركوع في ركعة من ركعات صلاته
بطلت صلاته سواء كان عامدا في الترك عالما بالحكم أو ناسيا أو جاهلا،
وكذلك إذا ترك الواجب الأول من واجباته الستة المتقدمة بان ركع وهو
جالس، أو الواجب الثاني بان ركع عن جلوس لان قيام، أو الواجب
الثالث بان لم يصل في الانحناء إلى ما قررناه، وكذلك إذا أخل بالواجب
الرابع بان ركع ركوعين في ركعة واحدة.
111 - وأما إذا ترك الذكر في الركوع فهناك تفصيل لأنه ان كان
عامدا في لترك وملتفتا إلى أن الذكر واجب بطلت صلاته، وان كان ناسيا
أو غير ملتفت إلى الحكم صحت صلاته ولا شئ عليه إذا التفت بعد رفع
الرأس من الركوع.
112 - وإذا غير مطمئن ولا مستقر عامدا ملتفتا إلى الحكم وقاصدا
بهذا الذكر ان يؤدي صلاته بطلت صلاته، وإذا لم يقصد بهذا الذكران
يكون من صلاته لم تبطل صلاته وعليه اعادته، وإذا كان ذلك سهوا منه

384
أو لعدم الالتفات إلى الحكم الشرعي صحت صلاته ولا تجب عليه إعادة الذكر
حتى ولو انتبه إلى الحال قبل رفع الرأس من الركوع وكذلك الامر إذا
ذكر الراكع واضطره سبب قاهر للتحرك والاضطراب كالازدحام فان الذكر
يقع صحيحا ولا تجب عليه اعادته.
113 - وقد تقول: آن من ترك الركوع في ركعة من ركعات
صلاته بطلت صلاته كما تقدم، ولكن ما هو حكم من تركه نسيانا وانتبه إلى
ذلك في أثناء الصلاة؟
والجواب: إذا ذهل المصلي عن الركوع وهوى توا إلى السجود فان
فطن بعد أن سجد السجدة الثانية بطلت صلاته وعليه ان يعيد ويستأنف
من جديد، وان فطن قبل ان يأتي بالسجدة الثانية قام متنصبا وركع وأتم
الصلاة ولا إعادة عليه سواءا كان قد دخل في السجدة الأولى أم لم يدخل.
114 - الشك: إذا وجد المصلي نفسه قائما وشك في أنه هل ركع
وقام من ركوعه أو لا يزال لم يركع وجب عليه ان يركع، وإذا وجسد
نفسه راكعا وشك في أنه هل ذكر الذكر الواجب في ركوعه وجب عليه
ان يذكر.
115 - وإذا وجد نفسه في لسجود وشك في أنه هل ركع قبل ذلك
أولا مضى ولم يلتفت إلى شكه، وأما إذا حصل له هذا الشك وهو يهوي
قبل ان يسجد فعليه ان يقوم منتصبا ثم يركع.
116 - وإذا ركع ورفع رأسه من الركوع وشك هل اتى بالركوع على
الوجه الصحيح أولا مضى ولم يعتن ب‍ شكه، وكذلك إذا أدى الذكر الواجب
في ركوعه وبعد اكمال الذكر شك في أنه هل نطق به صحيحا أم لا فإنه يمضى.
117 - الآداب: يستحب للمصلي حين يريد ان يركع ان يكبر قبل
هوية إلى الركوع ويرفع يديه حال التكبير إلى أذنيه أو إلى جانبي وجهه كما

385
يستحب له حال الركوع وضع كفيه على ركبتيه - ولكن المستحب للمرأة
ان تضع كفيها على فخذيها - ورد ركبتيه إلى الخلف وتسوية ظهره ومد
عنقه موازيا لظهره وأن يكون نظره بين قدميه ويكرر التسبيح ثلاثا أو
خمسا أو سبعا أو أكثر وأن يقول عند القيام من الركوع سمع الله لمن حمده.
السجود
118 - يجب على المصلي بعد رفع الرأس من الركوع والوقوف
قائما ان يسجد سجدتين، والسجود مرتين واجب في كل ركعة من الفرائض
والنوافل فلا ركعة بدون سجدتين، ونعني بالسجود وضع الجبهة على
الأرض أو أخشابها ونباتها خضوعا لله تعالى على ما يأتي من التوضيح والتفصيل،
وليس كل وضع سجودا بل الوضع المشتمل على الاعتماد والتركيز والقاء
الثقل لا مجرد المماسة.
وللسجود واجبات كما يلي:
119 - أولا: ان يضع المصلي مقدارا من الجبهة على الأرض يحقق
السجود عرفا كمقدار عقد أحد أصابعه أو أقل من ذلك قليلا، فلا يكفي
ان يضع جبهته على ما يشبه رأس الأبرة من أخشاب الأرض ونباتاتها،
كما لا يجب ان يضع كامل جبهته ولا جزءا كبيرا منها على الأرض بل يكفي
ما ذكرناه.
ولو كان مقدار عقد الإصبع متفرقا ووضع جبهته عليه وهو متفرق
كفاه ذلك أيضا كحبات المسبحة إذا سجد المصلي عليها.
ومن كان على جبهته علة لا يستطيع السجود عليها ولكنها لم تستغرق
الجبهة بالكامل احتال بكل وسيلة ليقع الجزء السليم من جبهته على ما ينبغي

386
ان يسجد عليه وان استغرقت العلة الجبهة بالكامل سجد على اي جزء
شاء من وجهه.
120 - ثانيا: ان يبسط الساجد باطن كفيه على الأرض وان تعذر
الباطن بسطهما على الظاهر وان قطعت الكف فالأقرب إليها من الذراع ولا
يكفي وضع رؤس أصابع الكفين على الأرض ولا ان يضم باطن الأصابع
إلى باطن الكف بحيث تكون مقبوضة لا مبسوطة، ويكفي مسمى وضع
الكفين على الأرض ولا يجب استيعابهما بالكامل.
121 - ثالثا: ان يلصق ركبتيه بالأرض ويكفي ان يلصق جزءا من
الركبة بالأرض ولا يجب الاستيعاب.
122 - رابعا: ان يضع طرفي إبهامي القدمين على الأرض، وتسمى
الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان بأعضاء السجود السبعة.
123 - خامسا: آن يذكر في سجوده وهو مطمئن مستقر فيقول:
(سبحان ربي الاعلى وبحمده) مرة واحدة أو أكثر أو يقول:
(سبحان الله) ثلاث مرات أو أكثر أو يقول نفس العدد من غير ذلك
من ألوان الذكر المتقدمة في الركوع في الفقرة (116).
ويجب في حال الذكر ان تكون الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان
جميعا على النحو المقرر انفا بصورة مطمئنة مستقرة
124 - وإذا حوى إلى السجود وتحقق مسماه ولكن ارتفع رأسه فجأة
قبل الذكر أو بعده من غير قصد فماذا يصنع؟
الجواب: إذا حدث ذلك في السجدة الأولى اعتبرت السجدة الأولى
قد انتهت بهذا الارتفاع المفاجئ فان استطاع ان يحتفظ بتوازنه ويملك
رأسه من السقوط ثانية - جلس معتدلا ومطمئنا وسجد ثانية واكتفى بذلك،
وان لم يملك رأسه بل عادت الجبهة إلى الهوي والسجود ثانيا بدون قصد فعليه

387
ان يرفع رأسه ويسجد مرة ثانية ويتم الصلاة - وهكذا إذا حدث ذلك في
السجدة الثانية فان عليه ان يحتفظ بتوازنه ويحول دون سقوط رأسه مرة
أخرى ان أمكنه ذلك وان لم يمكن وسقط رأسه ثانية رفع رأسه وواصل
صلاته ولا شئ عليه.
125 - سادسا: ان يرفع رأسه من المسجد الأولى معتدلا منتصبا
في جلوسه ومطمئنا ثم يهوي إلى السجدة الثانية عن هذا الاعتدال والانتصاب
كما ركع عن قيام، وعلى المصلي أيضا ان يجلس قليلا ومطمئنا بعد السجدة
الثانية حتى ولو لم يكن لديه واجب معين من تشهد وتسليم كما في الركعة
الأولى والثالثة.
126 - سابعا: ان يكون موضع الجبهة مساويا لموقفه وموضع قدميه
من غير علو أو هبوط الا ان يكون تفاوتا يسيرا لا يزيد على أربع أصابع
فقط، اما التساوي بين موضع بقية أعضاء السود فليس بشرط لابين بعضها
مع بعض ولابين شئ منها وموضع الجبهة، فيجوز انخفاض موضع الكفين
أو الركبتين وارتفاعها أيضا عن مضوع الجبهة بأكثر من أربع أصابع وكذا
بين الكفين والركبتين.
127 - ثامنا: آن يكون المكان الذي يسجد عليه المصلي ويضع عليه
الأعضاء السبعة للسجود مملوكا له أو غير مملوك لاحد أو مملوكا لشخص
آخر يأذن له في لسجود عليه، وأما إذا كان المكان لشخص آخر لا يأذن
بذلك فلا يسوغ للانسان ان يغتصبه منه ويجسد عليه وإذا صنع كانت
صلاته باطلة.
ومن الناحية النظرية إذا افترضنا شخصا اغتصب من آخر مساحة
من أرضه فضمها إلى بيته ووقف في ذلك المضوع المغتصب يصلي فكبر
وقرأ وركع وحين أراد أن يسجد تقدم بضع خطوات فدخل في حدود بيته

388
الأصلي الذي بملكه وسجد على أرضه وكانت أعضاء سجوده السبعة كلها
خارج نطاق الغصب - صحت صلاته لان بطلان الصلاة وفسادها بسبب
الغصب يدور مدار مكان لمصلي في حالة سجوده فان كان مكانه في هذه
الحال بالذات مغصوبا تبطل صلاته وإلا فهي صحيحة، ونقصد بالمكان
ما يضع المصلي جسمه وثقله عليه دون القضاء أو السقف الذي فوقه أو
حائط البيت أو الخيمة فهذه الأشياء إذا كانت مغصوبة لا تبطل الصلاة
بسبب ذلك ما دامت أعضاء السجود السبعة تقع على مواضع غير مغصوبة،
بل إذا كانت الأرض مغصوبة ولكن بلطت بحجر مباح أو زفتت بمواد
مباحة صحت الصلاة ولا يكفي مجرد وضع حصير مباح أو سجادة مباحة
أو فراش من أي نوع آخر على الأرض المغصوبة لكي تصح الصلاة.
ومن سجن ظلما وعدوانا في مكان مغصوب وصلى فيه فصلاته صحيحة.
وقد يكون المكان مغصوبا ولكن تجب على الانسان مغادرته وتحرم عليه
الإقامة فيه لمضرة تصيبه في بدنه أو في دينه كالوقوع في الحرام من حيث
يريد أو لا يريد فإذا عصى الانسان ولم يغادره وصلى فيه فان صلاته صحيحة.
وإذا اعتقد الانسان إن هذا المكان غصب ومع ذلك صلى وسجد
فيه مختارا بطلت صلاته حتى ولو انكشف أن المكان مباح وغير محظور.
وإذا كان المكان مشتركا بين شخصين فلا يصوغ لأحدهما أن يتصرف فيه
بدون إذن شريكه ولو صلى وسجد عليه بدون إذن كانت صلاته باطلة.
وإذا كانت الأرض مجهولة المالك ولا يمكن التعرف على مالكها
توقف التصرف فيها وصحة الصلاة والسجود عليها على الاستئذان من
الحاكم الشرعي.
والمراد بإذن المالك لك بالصلاة في أرضه أنه لا يكره ولا يتضايق
من ذلك، وإذا شككت في ذلك فلا تسوغ الصلاة حينئذ وأما إذا حصل

389
لديك الاطمئنان بأنه يكره فلا بأس سواء حصل من قول المالك
وتصريحه أو من طريقة أهل العرف وعاداتهم أو من احساس المصلي وشعوره
بأن المالك لا يكره صلاته هذه وسجوده اعتمادا على ظاهر الحال أو
بعض القرائن.
ولكن إذا اعتقد الانسان بأن المالك بأذن بالتصرف في أرضه فصلى
وسجد ثم اتضح له أن المالك لا يرضي بذلك فصلاته غير صحيحة.
128 - تاسعا: أن لا يزيد على سجدتين في ركعة واحدة ولا يأتي
بسجدة في غير موضعها المقرر لها فلو سجد ثلاث سجدات أو سجد قبل
الركوع عامدا ملتفتا إلى أن ذلك لا يجوز فصلاته باطلة.
129 - عاشرا: يشترط في الموضع الذي يسجد عليه ما يلي:
أ - أن يكون طاهرا، وليس هذا شرطا في سائر المواضع من المكان
الذي يصلي عليه الانسان فإذا صلى على أرض متنجسة وكان موضع الجبهة
طاهرا كفاه وصحت صلاته إذا لم تكن الأرض أو ثياب المصلي مرطوبة
على نحو تنتقل النجاسة إلى ملابس المصلي أو بدنه.
ب - أن يكون الموضع بدرجة من الصلابة تتيح للمصلي أن يمكن
جبهته عند السجود عليه لا مثل الطين الذي لا يتاح فيه ذلك، وإذا لم يجد
المصلي موضعا لجبهته إلا الموضع الرخو الذي تغوص فيه الجبهة ولا تتمكن
منه وضع جبهته عليه بدون اعتماد وضغط، والأجدر بالمصلي احتياطا ووجوبا
مراعاة هذه النقطة في المواضع السبعة لأعضاء السجود فموضع اليدين أيضا
يجب أن يكون على النحو المذكور.
وإذا كان الموضع رخوا بدرجة ما ولكنه إذا سجد عليه أمكن أن
يصل بالضغط إلى قرار ثابت تستقر عليه الجبهة وتتمكن صح ذلك، ومثاله:
أن تضع ورقة على فراش قطني منقوش وتسجد عليها فان الورقة تهبط

390
عندما تضع جبهتك عليها لرخاوة القطن ولكنها تستقر أخيرا فإذا سجد
عليها المصلي انتظر إلى أن تستقر ثم ذكر وصح سجوده.
ج - ان يكون من الأرض أو من نباتها مما لا يؤكل ولا يلبس في الأغلب ولا عبرة
بما يؤكل أو يلبس نادرا وعند الضرورة القاهرة، ونقصد بما يؤكل وما يلبس
ما يصلح لذلك وان لم يكن فعلا مما يؤكل لحاجته إلى الطبخ أو مما يلبس
لحاجته إلى النسج.
ويدخل في نطاق الأرض التي يجوز السجود عليها كل ما تقدم في فصل
التيمم انه يسوغ التيمم به فلا حظ الفقرة (14) من ذلك الفصل.
ولا يسوغ بحال السجود على ما خرج عن اسم الأرض كالذهب والفضة
والزجاج وما أشبه وما خرج عن اسم النبات كالفحم والرماد.
وإذا أحضر المصلي ما يصح السجود عليه من التراب أو غيره وبدأ
صلاته ثم فقده وهو في أثناء الصلاة فماذا بصنع؟
الجواب: إذا كان في لقت سعة لأداء الصلاة فيه ولو بمقدار
ركعة واحدة وجب عليه ان يقطعها ويستأنف الصلاة من جديد، وان
ضاق الوقت حتى عن الركعة الواحدة سجد على طرف ثوبه مهما كان
نوعه وان تعذر ذلك سجد على ما تيسر.
وقد تسأل عن القرطاس (الورق) هل يسوغ السجود عليه؟
والجواب: انه يسوغ ذلك وان كان الأجدر بالمصلي ان لا يستعمل
في سجوده القرطاس المتخذ من القطن والكتان والحرير اي ما يتخذ من
ماد لا يسوغ السجود عليها.
وقد يسجد المصلي على شئ من النايلون مثلا أو من شئ آخر لا يصح
السجود عليه متخيلا انه من القرطاس أو غيره مما يصح السجود عليه وبعد
ان يرفع رأسه من السجدة الأولى أو الثانية ينكشف له الواقع وفي هذه

391
الحالة ان شاء قطع الصلاة واستأنفها من جديد وان أحب ان يتم الصلاة
ويعيد فهو أحسن.
130 - حالات العجز: من تعذر عليه الانحناء الكامل للسجود
انحنى حسب قدرته ورفع ما يصح عليه السجود إلى جبهته مع وضع سائر
أعضاء السجود الستة على مواضعها، وإذا لم يتمكن من الانحناء بجسمه
اطلاقا وجب ان يرفع هو أو يرفع له ما يصح السجود عليه إلى جبهته
ويؤمي برأسه وإذا لم يتمكن من الايماء بالرأس أو ما بالعينين.
131 - الخلل: إذا صلى المكلف وترك في ركعة من ركعاتها كلتا
السجدتين أو زاد سجدتين فصلاته باطلة سواء كان عامدا في الترك وملتفتا
إلى الحكم الشرعي أو ناسيا أو جاهلا.
وإذا صلى وترك سجدة واحدة فان كان عامدا ملتفتا بطلت صلاته،
وان كان ناسيا أو غير ملتفت إلى الحكم الشرعي بأن ذلك لا يسوغ فصلاته
صحيحة وعليه ان يتدارك بأداء السجدة بعد الصلاة مع سجدتي السهو على
ما يأتي في الخلل من فصل الاحكام العامة للصلاة.
وإذا صلى وزاد سجدة واحدة بطلت صلاته مع العمد والالتفات
وصحت مع النسيان أو عدم الالتفات إلى الحكم الشرعي.
وإذا ترك سجدة أو سجدتين غفلة وقام لركعة أخرى ثم انتبه فماذا يصنع؟
والجواب: إذا كان قد نسي سجدتين ولم يتفطن الا بعد أن ركع
بطلت صلاته، وإذا كان قد نسي سجدة واحدة وتفطن بعد أن ركع
مضى وصحت صلاته وعليه ان يؤديها مع سجدتي السهو بعد الصلاة.
وإذا كان قد نسي سجدة واحدة أو سجدتين وقام وتفطن قبل ان
يركع رجع واتى بها وواصل صلاته ولا شئ عليه.
وإذا تشهد المصلي وسلم في الركعة الأخيرة ثم تذكر انه قد نسي من

392
الركعة الأخيرة سجدة أو سجدتين فإذا يصنع؟
الجواب: يأتي في (مبطلات الصلاة) من فصل الاحكام العامة
للصلاة ان هناك ما يبطل الصلاة إذا وقع فيها عن عمد والتفات خاصة كالكلام
وهناك ما يبطل الصلاة إذا وقع فيها حتى ولو كان سهوا كأحد موجبات
الوضوء، وعلى هذا فان تفطن هذا المصلي بعد التسليم إلى نسيانه قبل ان
يأتي بأي مبطل وقيل إن تمر فترة طويلة من الزمن تقطع الاتصال كان
عليه ان يأتي بها نسيه من السجود ثم يتشهد ويسلم ولا شئ عليه، وكذلك
الامر إذا كان قد صدر منه مبطل من القسم الأول الذي لا يبطل الا في
حالة العمد والالتفات كالكلام، وأما إذا كان قد صدر منه مبطل من
القسم الثاني فهناك حالتان: الأولى ان يكون قد نسي سجدتين فتبطل
صلاته، الثانية ان يكون ما نساه سجدة واحدة فتصح صلاته وعليه ان يؤدي
السجدة وهو على طهارة ويسجد سجدتي السهو.
وإذا سجد ونسي الذكر حتى رفع رأسه فلا شئ عليه، وإذا ذكر
ونسي الاستقرار والاطمئنان فلم يستقر حال الذكر صح الذكر ولم يعده
،
وذلك إذا تحرك حال الذكر بدون اختيار كما تقدم في ذلك الركوع تماما.
133 - الشك: إذا وجد المصلي نفسه قائما وشك فهل هذا هو قيامه
لركعة جديدة مثلا بعد فراغه من السجدتين للركعة السابقة أو انه لا يزال
في تلك الركعة وقد قام من ركعوها ليهوي إلى السجود فعليه في هذا
الحالة ان يفترض نفسه قبل السجود فيسجد سجدتين ثم يقوم للركعة الجديدة.
وإذا وجد نفسه جالسا وشك هل سجد سجدتين أو سجدة واحدة
فعليه ان يسجد سجدة ثانية.
وإذا كان ينهض للقيام إلى الركعة اللاحقة وشك في ذلك فعليه ان
يعود ويسجد.

393
وإذا شك هل سجد أولا بعد أن يكون قد قام لركعة جديدة أو
بدأ بالتشهد في الركعتين الثانية والرابعة فلا يعتني بشكه.
وإذا سجد ورفع رأسه ثم شك هل كان سجوده على الوجه المطلوب
أولا مضى ولم يعتن بشكه، وكذلك إذا جاء بالذكر المطلوب في سجوده
وبعد اكمال الذكر شك في صحته.
133 - الآداب: يستحب للمصلي عند ما ينهض قائما من ركوعه ان
يكبر وهو منتصب رافعا يديه حال التكبير إلى الاذنين أو إلى جانبي وجهه
ثم يهوي إلى السجود، ويستحب للساجد ان يجعل أنفه أيضا على شئ كما
يجعل الأعضاء السبعة وان يكرر الذكر ثلاثا أو خمسا أو سبعا وهو الأفضل.
وذا رفع رأسه من السجدة الأولى وجلس استحب له ان يكبر، وذا هم
بالهوى إلي الثانية استحب له ان يكبر أيضا، وإذا رفع رأسه من السجدة
الثانية وجلس استحب له ان يكبر أيضا.
ويعتبر السجود بمفرده من أعظم العبادات والمستحبات إذا كان لله بقصد
التذلل وقد جاء في الحديث (انه أقرب ما يكون العبد إلى ربه تعالى وهو
ساجد) ويختص الله عز وجل بهذا الاحترام والتذلل له فيحرم السجود
لغيره سبحانه وتعالى.
ويجب السجود عند قراءة إحدى آيات السجدة وهي أربع آيات
تقدمت الإشارة إلى تعينها في الفقرة (45؟ من فصل الغسل من فصول
الطهارة ويسمى هذا السجود بسجود التلاوة، ونقصد بالقراءة التلفظ بألفاظها
فلا اثر للمطالعة الصامتة، وإذا كرر قراءتها كرر السجود، وكالقراءة
في ذلك الاستماع وهو الاصغاء إلى قراءتها فإنه يوجب على المستمع السجود
، ولا اثر للسماع العابر إذ ليس فيه استماع وإصغاء، ولا فرق في الاستماع
الذي يجب بسببه السجود بين ان يستمع لانسان وهو يقرأ أو لمذيع أو

394
لمسجل ففي كل هذه الحالات يجب السجود.
وإذا استمع للآية وهو في السيارة أو في شارع لا يتاح له ان يسجد
فيه فالأجدر به ان يؤمي برأسه إيماء ويؤجل السجود إلى أقرب
فرصة ممكنة.
ولا يجب في هذا السجود ذكر ولا تكبير ولا طهارة ولا استقبال ولا غير
ذلك من واجبات الصلاة وشروطها، ويستثني من ذلك خمسة أمور يجب
توفيرها في سجود التلاوة وهي كما يلي:
أولا: النية فينوي السجود لله قربة إلى الله تعالى.
ثانيا: ان يضع أعضاء السجود السبعة كما يضعها حالة السجود في
الصلاة، لاحظ الفقرة (122).
ثالثا: ان يكون المكان مباحا كما تقدم في الفقرة (127).
رابعا: ان لا يتفاوت موضع الجبهة عن الموقف على ما مر في الفقرة (126).
خامسا: ان يضع المساجد جبهته على الأرض أو القرطاس أو الخشب وغير
ذلك مما يصح للساجد في الصلاة ان يضع جبهته عليه حال السجود على
ما تقدم في المادة " ج " من الفقرة (129؟.
ومن المستحبات الأكيدة سجدة الشكر إذ يستحب للانسان ان يسجد
شكرا لله تعالى عند تجدد كل نعمة ودفع كل نقمة والتوفيق لأداء كل فريضة
أو عمل جليل ويقول في سجوده: " شكرا لله) مرة واحدة أو أكثر
والأفضل ان يكرر هذه الكلمة في سجوده مائة مرة.

395
التشهد والتسليم
التشهد:
134 - إذا فرغ المصلي من السجدة الثانية في الركعة الأولى وجلس لم
يكن عليه شئ لا النهوض للركعة الثانية، وإذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة
الثانية وجب عليه ان يجلس ويتشهد، والمراد بالتشهد هنا الشهادة لله بالتوحيد
ولمحمد صلى الله عليه وآه وسلم بالرسالة والصلاة على النبي والآل الأطهار وصورته:
" أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده
ورسوله اللهم صلى على محمد وآله محمد ".
وإذا فرغ من التشهد فان كانت الصلاة مكونة من ركعتين سلم (وسيأتي
معنى التسليم) وتمت بذلك صلاته، وان كانت الصلاة مكونة من ثلاث
ركعات قلم بعد الفراغ من التشهد للركعة الثالثة حتى إذا أكمل سجدتها
الثانية ورفع رأسه منها جلس واتى بذلك التشهد وعقبه بالتسليم، وان
كانت الصلاة مكونة من أربع ركعات لم يكن عليه - بعد اكمال الركعة الثالثة
والجلوس عقيق رفع الرأس من سجدته الثانية شئ - الا النهوض للرابعة
فإذا أكمل الرابعة ورفع رأسه من سجدتها الثانية جلس واتى بذلك التشهد
وعقبه بالتسليم ويتم بذلك صلاته.
وعلى هذا الأساس تعرف ان التشهد يجب في الصلاة الثنائية - ذات
الركعتين - مرة واحدة وفي الثلاثية والرباعية مرتين.
135 - واجباته: يجب في التشهد الجلوس المستقر المطمئن ولا يضر
تحريك اليد مع الاحتفاظ بالثبات والاستقرار، وعلى هذا لا يسوغ الابتداء

396
بالتشهد عند رفع الرأس من السجود ولا الانتهاء منه عند النهوض إلى
القيام، ولا بد من ايقاعه على النهج العربي وبلا فصل قاطع للارتباط عرفا
بين ألفاظه وكلماته وهو ما يسمى بالموالاة.
وإذا لم يتعلم الانسان التشهد وداهمه الوقت وضاق عن السؤال والتعلم
استعان بمن يلقنه أو قرأه في ورقة، ومع العجز حتى عن هذا اتى بما
يحسن مما يعتبر شهادة لله وللرسول، والأجنبي عن اللغة إذا وقع في مثل
هذه الحيرة والعجز اتى بما يعادل التشهد في لغته ريثما يتسع الوقت لتعلم
التشهد بنصه العربي.
136 - الخلل: إذا ترك التشهد في صلاته عامدا وملتفتا إلى أن ذلك
لا يسوغ بطلت صلاته وإذا كان ذلك عن نسيان أو لعدم الالتفات إلى
الحكم الشرعي صحت صلاته وعليه ان يؤديه بعد الفراغ من الصلاة مع
سجدتي سهو على ما يأتي توضيحه في باب الخلل.
وإذا نسي التشهد في الركعة الثانية ونهض للركعة الثالثة ثم تذكر
فماذا يصنع؟
الجواب: إذا تفطن قبل ان يركع ركوع الركعة الثالثة رجع إلى
التشهد وجلس وتشهد، وإذا لم يتفطن الا بعد أن ركع مضى في صلاته
وأدى بعد اكمالها ما نسيه من التشهد مع سجدتي سهو.
137 - الشك: إذا وجد المصلي نفسه جالسا بعد السجدة الثانية وشك
انه هل تشهد أو بعد لم يتشهد فعليه ان يتشهد، وإذا نهض للركعة
الثانية وفي حالة النهوض شك في أنه تشهد أولا فعليه ان يرجع ويتشهد،
وإذا حصل له هذا الشك بعد أن وقف قائما مضى، وكذلك إذا بدأ بالتسليم
الواجب في الركعة الأخيرة وشك في أنه هل تشهد أو لا، وإذا تشهد
وشك بعد الفراغ من التشهد أو من جزء منه في أنه هل اتى به صحيحا

397
أو لا فليس عليه ان يعيده.
138 - الآداب: يستحب للمتشهد أن يقول قبل البدء بالتشهد (الحمد
لله) أو يقول (بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله) أو يقول
(الأسماء الحسنى كلها لله) ويستحب له بعد الصلاة على النبي أن يقول
(وتقبل شفاعته وارفع درجته) والأفضل ان يضع يديه على فخذيه منضمة
الأصابع خلال التشهد.
التسليم:
139 - وهو آخر واجبات الصلاة وموضعه بعد التشهد من الركعة
الأخيرة في كل صلاة وبه يخرج المصلي من الصلاة ويحل له ما كان محرما
عليه من كلام وضحك وغير ذلك مما سيأتي استعراضه في مبطلات الصلاة
من فصل الاحكام العامة للصلاة.
فإذا كانت الصلاة ذات ركعتين تشهد وسلم في الثانية وان كانت
ثلاثية تشهد وسلم في الثالثة وان كانت رباعية تشهد وسلم في الرابعة.
وللتسليم صيغتان إحداهما: " السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين " والأخرى: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ويخير المصلي
بين الصيغتين فأيتهما قرأ فقد أدى ما وجب عليه وخرج من الصلاة،
والأفضل استحبابا الجمع بين الصيغتين معا على أن يقدم الأولى على الثانية
ويقول هكذا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته " وفي حالة الجمع تقع الصيغة الأولى واجبة والصيغة الثانية
مستحبة، وإذا قرأ أول ما قرأ الصيغة الثانية تكون هي الواجبة ولا يطلب منه
يعدها ان يأتي بالصيغة الآوي.

398
ولو اكتفى المصلي في التسليم بقول (السلام عليكم) من الصيغة الثانية
ولم يقل التتمة ولا الصيغة الأولى صحت صلاته أيضا.
وكل شرط لازم في التشهد فهو كذلك في التسليم جلوسا واطمئنانا
وعربية وترتيبا وموالاة، وأيضا يجري على الجاهل والعاجز هنا ما يجري
عليه هناك.
140 - الخلل إذا نسي التسليم ثم تفطن إليه ففي ذلك حالات:
الأولى: ان لا يكون قد صدر منه قبل تفطنه إلى نسيانه اي شئ مما يبطل
الصلاة وفي هذه الحالة يأتي بالتسليم وتصح صلاته بذلك إذا لم تكن قد
مضت فترة طويلة من الزمن قبل انتباهه والا فلا حاجة به إلى تسليم
وتصح صلاته.
الثانية: ان يكون قد صدر منه ما يبطل الصلاة من القسم الأول وهو
ما لا يبطلها الا في حالة العمد والالتفات (لا حظ الفقرة 140) وعليه في
هذه الحالة ان يأتي بالتسليم وتصح صلاته إذا لم تمض فترة طويلة تمنع عن
الاتصال والا صحت صلاته ولا شئ عليه فالحكم في الحالة الأولى والحالة
الثانية واحد.
الثالثة: ان يكون قد صدر منه مبطل من القسم الثاني وهو ما يبطلها
على اي حال (لا حظ 140).
والأجدر به في هذه الحالة وجوبا واحتياطا ان يستأنف الصلاة من جديد
141 - الشك: إذا شك المصلي في أنه هل سلم أو لا فلا يجب عليه
ان يسلم إذا حصل له هذا الشك بعد فترة طويلة من الانصراف عن الصلاة
تقطع الاتصال وكذلك إذا كان قد صدر منه شئ مما يبطل الصلاة على اي
حال (اي القسم الثاني من المبطلات الذي تقدم معناه في الفقرة 140) وفي
غير هاتين الحالتين يحب عليه ان يأتي بالتسليم فإذا اتى به صحت صلاته

399
ويدخل في نطاق ذلك ما إذا شك في أنه سلم أو لا وكان قد بدأ بالتعقيب
منذ لحظة فأنه يعود ويسلم.
وإذا سلم وبعد الفراغ من صيغة التسليم شك في أنه هل أداها بصورة
صحيحة أو لا مضى ولم يلتفت إلى شكه.
142 - الآداب: ذكرنا انه يستحب للمصلي ان يجمع بين الصيغتين
والأفضل من ذلك أن يقول قبل الصيغتين (السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته) كما يستحب للمصلي حال التسليم وضع اليدين على الفخذين
كما تقدم في الشهد.
ما يقرأ في الركعتين الأخيرتين
(143) إذا كانت الصلاة مكونة من ثلاث ركعات أو أربع ركعات
وجب على المصلي - بعد أن يتشهد في آخر الركعة الثانية - القيام للركعة
الثالثة في الصلاة الثانية وللركعة الثالثة ثم الرابعة في الصلاة الرباعية.
ونتحدث الان عما يجب على المصلي أن يقوله إذا قام وانتصب واطمأن
للركعة الثالثة والرابعة.
المصلي مخير فله أن يقرأ فيها الفاتحة ويقتصر عليها وله بدلا عنها
أن يقرأ مكررا ثلاث مرات هذا التسبيح (سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر) ولا يكفي التسبيح مرة واحدة.
ويستثنى من هذا التخيير المأموم فإن الأجدر به وجوبا واحتياطا أن
يسبح ولا يكتفي بالفاتحة.
(144) ويجب الاخفات في الركعة الثالثة والرابعة سواء اختار المصلي
التسبيح أم قراءة الفاتحة، أجل له أن يجهر ببسملة الفاتحة، كما يجب

400
الحفاظ على النص العربي واعرابه وبنائه، وكذلك يجب ان يكون المصلي
خلال القراءة أو التسبيح قائما مطمئنا كما تقدم في القراءة في
الركعتين الأولين.
(145) - وإذا نوى المصلي ان يقرأ الفاتحة فسبق لسانه إلى التسبيح
أو بالعكس لم يعتن بما نطق لسانه به بدون قصد واستأنف من جديد أحد
الامرين من الفاتحة أو التسبيح، وإذا بدء بأحدهما عن قصد والتفات ثم
رغب في العدول عنه إلى الاخر جاز له ذلك. وإذا خيل للمصلي أنه في
الركعة الأولى أو الثانية فقرأ الفاتحة وبعد الفراغ منها تفطن إلى أنه في
الثالثة أو الرابعة اكتفي بما قرأ.
(146) - الخلل: إذا ترك الفاتحة والتسبيح معا وركع عامدا ملتفتا
إلى أنه لا يجوز بطلت صلاته، وإذا ترك ذلك ناسيا أو غير ملتفت إلى
الحكم الشرعي وتفطن بعد أن ركع صحت صلاته ولا شئ عليه، وإذا
تذكر قبل الوصول إلى مستوى الراكع وجب عليه ان يؤدي ما نسيه حتى
ولو كان في حالة الهوي إلى الركوع فإن عليه أن ينتصب قائما ويؤدى
ما عليه ثم يركع، وإذا قرأ أو سبح جهرا نسيانا أو لعدم علمه بالحكم
الشرعي صحت قراءته قر أو سبح جهرا نسيانا أو لعدم علم بالحكم
الشرعي صحت قراءته وتسبيحه ولا يعيد حتى إذا تفطن قبل الركوع.
(147) الشك: إذا شك المصلي وهو واقف في الركعة الثالثة أو
الرابعة ولم يدر هل قرأ أو سبح أ (لأوجب عليه ان يقرأ أو يسبح،
وإذا شك في ذلك حالة الهوي إلى الركوع وجب عليه أن يعود معتدلا
فيقرأ أو يسبح، وإذا شك في ذلك بعد أن وصل إلى مستوى الراكع
مضى ولم يعتن بشكه، وإذا قرأ أو سبح وبعد الفراغ من ذلك شك ولم
يدر هل أدى ذلك على الوجه المطلوب أو لا مضى ولم يلتفت إلى شكه.
وإذا سبح وشك في العدد هل أتى بتسبيحين أو بثلاثة مثلا افترض

401
الأقل وأتى بما يكمله ثلاث.
(148) - الآداب: يستحب للمصلي أن يعقب التسبيحات الثلاث
بالاستغفار قائلا (استغفر الله ربي وأتوب إليه) أو (اللهم اغفر لي)
والأفضل للمصلي منفردا أن يختار التسبيح وأما المأموم فقد فقد عرفت ان هذا
هو الأجدر به احتياطا ووجوبا.
القنوت:
149 - من الاجزاء المستحبة في الصلاة - كل صلاة - القنوت فيثاب
المصلي إذا قنت ولا يضره إذا تركه. والقنوت في اللغة الطاعة والخضوع وعند
الفقهاء الدعاء والثناء على الله تعالى في موضع خاص من الصلاة، وهو
مستحب في الفرائض والنوافل.
وموضعه في الصلاة الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، وانما
اخرنا الحديث عنه عن الركوع والسجود وغيرهما من الواجبات لأنه مستحب
وليس بواجب.
ويستثنى من ذلك صلاة الوتر فإنها ركعة واحدة وقنوتها قبل ركوعها
كما يستثنى صلاة الجمعة فان فيها قنوتين كما تقدم في فصل أنواع الصلاة
الفقرة (44) وكذلك يستثنى صلاة العيدين على ما تقدم في الفقرة (128)
من فصل أنواع الصلاة.
ولا يشترط في القنوت قول مخصوص بل يكفي فيه ما يتيسر من دعاء
أو ذكر أو حمد وثناء، ويغتفر فيه اللحن مادة واعرابا مع صدق اسم
الدعاء أو الذكر عليه عرفا.

402
ومن نسيه قبل الركوع اتى به بعده وإذا هوى إلى الركوع ناسيا
للقنوت وتفطن قبل ان يصل إلى مستوى الراكع عاد قائما فقنت، ويستحب
التكبير قبل القنوت وان يقنت وهو رافع يديه إلى حيال وجهه.
الصلاة قائما أو جالسا
150 - على ضوء ما تقد في اجزاء الصلاة يتضح ان خمسة أنحاء من
القيام واجبة في الصلاة:
الأول: القيام حال تكبيرة الاحرام.
الثاني: القيام حال القراءة أو التسبيح.
الثالث: القيام الذي يركع عنه المصلي.
الرابع: القيام حالة الركوع بمعنى ان يكون ركوعه ركوع القائم
لا ركوع الجالس.
الخامس: القيام بعد رفع الرأس من الركوع.
وترك اي واحد من هذه الأنحاء يبطل الصلاة إذا كان عن عمد
والتفات إلى الحكم الشرعي.
وأما إذا كان سهوا ونسيانا أو بدون التفات إلى الحكم الشرعي فالصلاة
تبطل إذا كان المتروك هو الأول بأن كبر تكبيرة الاحرام وهو جالس، أو
الثالث بأن ركع ناهضا من جلوسه لا هاويا من قيامه، أو الرابع بان ركع
ركوع الجالس ولا تبطل الصلاة إذا كان المتروك الثاني بأن قرأ أو سبح
جالسا، أو الخامس بأن هوى بعد الركوع بدون قيام وسجد.
والصلاة تنقسم إلى صلاة من قيام وصلاة من جلوس فالصلاة من
قيام بصورتها الكاملة ما كان المصلي فيها محافظ على الأنحاء الخمسة من القيام

403
جميعا، والصلاة من جلوس بصورتها الشاملة ما كان المصلي فيها جالسا منذ
تكبيرة الاحرام إلى النهاية.
ولا يسوغ الانتقال من الصلاة من قيام إلى الصلاة من جلوس في صلوات
الفريضة الا في حالات الضرورة كما سيأتي.
151 - ويشترط في القيام الصلاتي بأنحائه مع القدرة والامكان شروط:
الأول: الاعتدال في القيام والانتصاب فلا يسوغ الانحناء ولا التمايل
يمنة أو يسرة ولا التباعد بين الرجلين وتفريج الفخذين الذي يخرج القيام
عن الانتصاب والاعتدال.
ويستثنى من ذلك القيام الرابع وهو القيام حالة الركوع فإن قيام
الراكع لا معنى فيه للاعتدال والانتصاب وإنما نريد بقيام الراكع أن يكون
ركوعه وهو واقف لا جالس.
الثاني: الوقوف فلا يسوغ له أن يكبر أو يقرأ مثلا وهو يمشي.
الثالث: الطمأنينة بمعنى ان لا يكون في قيامه مضطربا يتحرك ويتمايل
يمنة ويسرة، ويستثنى القيام الثالث وهو القيام الذي يركع عنه المصلي فإنه
لا تجب فيه الطمأنينة.
ولا يشترط في القيام الوقوف على القدمين معا فلو كان واقفا على
إحداهما مع مراعاة الشروط المتقدمة كفى.
ولا يشترط أيضا ان يكون مستقلا ومعتمدا على نفسه في القيام فلو
اعتمد على حائط ونحوه كفاه أيضا.
152 - حالات العجز: إذا كان المكلف عاجزا عن الصلاة من
قيام بصورتها الكاملة وجب عليه أن يحافظ على القيام بالقدر الممكن وذلك
كما يلي:
أ - إذا كان قادرا على القيام ولكنه غير قادر على ركوع القائم ولا

404
على الأنحاء له بجسمه فالأجدر انه احتياطا ووجوبا ان يصلي مرتين فمرة
يصلي من قيام ويستبدل الركوع بالايماء برأسه ومرة أخرى يصلي من قيام
وبركع ركوع الجالس.
ب - إذا كان قادرا على القيام ولكنه غير قادر على ركوع القائم
أو الانحناء له بجسمه وإذا بدأ صلاته قائما فلا يتمكن أن يركع ركوع
الجالس فهو بين أمرين أما أن يصلي من قيام ويؤمي للركوع برأسه واما
أن يصلي من جلوس بصورته الشاملة ففي هذه الحالة يجب عليه أن يختار
الامر الأول.
ج - إذا كان قادرا على القيام ولكن بدون ما تقدم له من شروط
وجب عليه أن يقوم بالصورة الممكنة له ولا يسوغ له الجلوس.
د. إذا كان قادرا على القيام ولكنه لا يتاح له أن يواصل القيام
طيلة مدة الصلاة وجب عليه ان يقوم في الركعات الأولى إلى أن يعجز
ويضطر إلى الجلوس فيصلي جالسا.
ه‍ -
إذا لم يكن قادرا على القيام اطلاقا انتقل إلى الصلاة من جلوس
ولكن إذا صلى من جلوس وبعد ذلك نشط وتمكن من الصلاة قائما قبل
مضي الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك الامر في الحالتين (أ)
و (ب) وأما في الحالة (ج) فإن كان المصلي واثقا حين صلى بأنه سيتمكن
من الصلاة بالقيام المطلوب شرعا وجبت عليه الإعادة وإلا فلا.
وفي الحالة (د) إذا كان واثقا حين صلى بأنه سيتمكن أن يصلي من
قيام في آخر الوقت أعاد وإلا لوحظ ما فاته من القيام فان كان قد فاته
النحو الأول أو الثالث أو الرابع من القيام وجبت الإعادة وإلا فلا.
153 - ومتى صلى المكلف جالسا وجب في جلوسه نفس ما يجب
في القيام من انتصاب وطمأنينة.

405
وإذا تعذر الجلوس على المصلي بكل اشكاله صلى مضطجعا على جانبه
الأيمن مستقبلا القبلة بمقاديم بدنه كالمقبور في لحده وإن عجز عن هذا
فعلى جانبه الأيسر كذلك وإن تعذرت عليه الصلاة على أحد جانبيه صلى
مستلقيا على ظهره وباطنه قدميه إلى القبلة كالمحتضر وكل من المضطجع
والمستلقي يومئ برأسه للركوع والسجود جاعلا الايماء للسجود أخفض
وأشد من الايماء للركوع وان لم يتيسر له الايماء برأسه أو ما بعينه.
كيف تؤدي الاجزاء
الترتيب بين الاجزاء
154 - يجب ان تؤدي الاجزاء السابقة بترتيبها الشرعي المتقدم لان
لكل منها موضعه ومكانه الخاص فلا يجوز تقديم المؤخر أو تأخير المقدم
ومن عاكس وخالف عن قصد وإرادة بطلت صلاته من قبيل من سجد
قبل ان يركع أو تشهد قبل ان يسجد عامدا ملتفتا إلى أن ذلك لا يسوغ.
وان حدث ذلك منه سهوا ونسيانا أو لعدم التفاته إلى الحكم الشرعي
بعدم جوازه - ينظر: هل كان قد اتى بسجدتين كاملتين لركعة قبل ان
يركع ركوعها أو اتى بركوع ركعة جديدة قبل ان يسجد للركعة السابقة
اطلاقا أو اتى بركوع الركعة الأولى قبل تكبيرة احرامها أو خالف الترتيب
على وجه آخر. فان كان قد خالف الترتيب على الأوجه الثلاثة الأولى
بطلت صلاته والا فصلاته غير باطلة ويأتي الخلل من الاحكام العامة
علاج السهو حينئذ.

406
الموالاة بين الاجزاء
155 - ويلاحظ ان اجزاء الصلاة تارة تؤدى بصورة متتابعة الواحد
تلو الاخر بدون مهلة، وأخرى تؤدى بصورة متقطعة اي يتخلل بين جزء
وجزء فواصل زمنية قصيرة كما إذا ركع ورفع رأسه مع الركوع وبقي
واقفا دقيقة ريثما يحصل على تربة مثلا لكي يسجد عليها وثالثة تؤدي
بفواصل زمنية أطول بدرجة لا تعود معها الصلاة عملا واحدا في نظر العرف
ويعتبر بعضه مستقلا عن بعض ومنفصلا عنه، وهذا النحو الثالث لا يسوغ
وإذا أدى المصلي صلاته على هذا النحو بطلت سواء كان عامدا
أو ساهيا،
ويسوغ له ان يؤديها على النحو الأول أو الثاني وان كان النحو الأول
هو الأفضل.
لا تجوز الزيادة في الصلاة.
156 - لا يسوغ للمصلي ان يزيد في صلاته على ما هو مقرر ومطلوب
والزيادة تتحقق في الحالات التالية:
أولا: إذا اتى بركوعين أو أكثر في الركعة الواحدة أو بثلاث
سجدات أو أكثر في الركعة الواحدة، سواء قصد بذلك ان يجعل هذا
الركوع الإضافي أو السجدة الإضافية جزءا من صلاته أو قصد بذلك
شيئا آخر كمن قصد بالسجدة الثالثة اتيان سجدة الشكر مثلا.
ثانيا: إذا كرر غير الركوع والسجود من أفعال الصلاة من قبيل

407
من قرأ الفاتحة في الركعة الأولى مرتين أو تشهد في الركعة الثانية مرتين
وكان قاصدا بالتكرار ان يجعل هذا الشئ الإضافي جزءا من الصلاة، فإنه
يعتبر حينئذ زيادة، وأما إذا قرأ الفاتحة مرة ثانية كمجرد قرآن أو تشهد
مرة ثانية كذكر لله ورسوله ودعاء فليس ذلك زيادة.
ثالثا: إذا اتى بشئ لا يشبه أفعال الصلاة وأقوالها وقصد به ان
يكون جزءا من صلاته، فإنه يعتبر حينئذ زيادة ومثاله: ان يتكتف أو
يفرقع أصابعه أو يغمض عينيه قاصدا ان يكون ذلك جزءا من الصلاة،
وأما إذا عمل شيئا من ذلك لا بهذا القصد بل لغرض شخصي أو لأي
سبب آخر فليس زيادة ولا تبطل به الصلاة الا إذا محى صورتها.
وكل من زاد في صلاته على النحو المتقدم عامدا في ذلك وملتفتا إلى أنه
لا يجوز فصلاته باطلة، وكل من زاد فيها سهوا أو لعدم الالتفات إلى
الحكم الشرعي بأنه لا يجوز فلا تبطل صلاته، الا إذا كان قد زاد ركوعا
أو سجدتين في ركعة واحدة.
الطريقة الفضلى في أداء الصلاة
157 - قال الله تعالى: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم
خاشعون " (المؤمنون 1 - 2)
وقال النبي (ص) والأئمة عليهم السلام على ما في الروايات العديدة
انه لا يحسب للعبد من صلاته الا ما يقبل عليه منها وانه لا يقدمن أحدكم على
الصلاة متكاسلا ولا ناعسا ولا يفكرن في نفسه ويقبل بقلبه على ربه ولا يشغله
بأمر الدنيا وان الصلاة وفادة على الله تعالى وان العبد قائم فيها بين يدي
الله تعالى فمن الجديد به ان يكون قائما مقام العبد الذليل الراغب الراهب الراجي

408
الخائف المسكين المتضرع. وكان علي بن الحسين (ع) إذا قام في الصلاة كأنه
ساق شجرة لا يتحرك منه الا ما حركت الريح منه وكان الباقر والصادق
ساق شجرة لا يتحرك منه الا ما حركت الريح منه وكان الباقر والصادق
عليهما السلام إذا قاما إلى الصلاة تغيرت ألوانهما مرة حمرة ومرة صفرة
وكأنهما يناجيان شيئا يريانه.
ويحسن بالمصلي حين يبدأ صلاته فيقول (الله أكبر ان يملا ذهنه
بمعطيات هذه الكلمة فيتضاءل في نفسه كل ما تمثله الدنيا من آمال وأمجاد وقوى
وينبغي له حين يقول (إياك نعبد وإياك نستعين) ان يكون صادقا مع
ربه فلا يعبد هواه ولا يستعين بغير مولاه.

409
الصلاة
الاحكام العامة

411
توجد احكام للصلاة تخص الصلوات اليومية ولا تشمل صلاة أخرى
كوجوب القصر في الصلاة للمسافر فإنه يختص بالفرائض والنوافل اليومية
وهناك احكام أخرى لا تختص بالصلوات اليومية بل تشمل صلوات أخرى
أيضا كالحكم بان الصلاة تبطل بالحدث، وكذلك الحكم بوجوب القضاء
فإنه قد يثبت لبعض الصلوات غير اليومية كصلاة الآيات أحيانا، وكأحكام
صلاة الجماعة فان الجماعة كما هي مشروعة في فرائض الصلوات اليومية كذلك
في غير الصلوات اليومية من صلاة العيدين وصلاة الآيات وصلاة الاستسقاء
والقسم الأول من الاحكام تقدم ذكره في فصل الصلوات اليومية ونذكر
هنا القسم الثاني منها على النحو التالي:
1 - مبطلات الصلاة.
2 - القضاء.
3 - الخلل.
4 - الشك.
5 - صلاة الجماعة.
6 - الفوارق بين الفريضة والنافلة
مبطلات الصلاة
تبطل الصلاة - بمختلف أنواعها - بأمور منها ما يبطل الصلاة بصورة
مؤكدة ومنها ما يفرض على المصلي وجوبا واحتياطا ان يعيد صلاته وهذه الأمور كما يلي
1 - (أولا): إذا وقع منه ما يوجب الوضوء عليه أو الغسل في
أثناء الصلاة. ولا فرق في بطلان الصلاة يذلك بين أن يخرج عن عمد أو
بلا قصد وبين أن يقع في أول الصلاة أو في آخرها حتى ولو وقع في
أثناء التسليم فان على المصلي حينئذ أن يعيد صلاته.
2 - (ثانيا): إذا التفت في الصلاة ببدنه أو بوجهه على نحو لم

413
يعد مستقبلا القبلة وكان متعمدا في ذلك فان صلاته تبطل حتى ولو أسرع
إلى تدارك الموقف وأعاد وجهه وبدنه إلى القبلة وأما إذا لم يكن متعمدا
بل كان ناسيا وذاهلا فلا تعتبر صلاته باطلة الا إذا توفر أمران أحدهما:
ان يتفطن لذلك قبل انتهاء الوقت المضروب للصلاة فلو تفطن بعد ذلك لم
يكن عليه شئ والاخر ان يكون قد التفت بكل بدنه التفاتا شديدا جعل
القتلة وراء ظهره أو عن يمينه أو يساره فلو مال عن القبلة على نحو
كانت القبلة أقرب من ذلك إلى وجهه صحت صلاته.
3 - (ثالثا) إذا صدرت من المصلي أفعال وتصرفات لا يبقي معها
للصلاة اسم ولا صورة فان ذلك يبطل الصلاة، سواء صدر منه ذلك عن
عمد واختبار أم عن سهو وذهول أم عن اضطرار والتجاء، ومن أمثلة
ذلك الرقص والتصفيق وممارسة الخياط لخياطة الثوب وممارسة الطبيب
لفحص المريض والكشف عليه ونحو ذلك.
ولا تضر الحركة الخفيفة أثناء الصلاة مع بقاء اسمها وشكلها،
كالإشارة باليد إلى شئ أو رفع ما على الرأس أو وضعه أو استعمال المروحة
أو الانحناء لتناول شئ من الأرض أو المشي قليلا إلى إحدى الجهات مع
الحفاظ على الاستقبال. كما لا يجوز أيضا للمرأة المصلية حمل الصبي وارضاعه
كما يسوغ للمصلي قتل الحبة والعقرب.
4 - (رابعا) القهقهة وهي شدة الضحك والترجيع به، وتبطل الصلاة
بذلك سواء كان المصلي مختارا أو مضطرا، وأما إذا صدر منه ذلك بسبب
نسيانه وذهوله عن الصلاة فلا شئ عليه وكانت صلاته صحيحة.
ولا تبطل الصلاة بالتبسم ولو كان عن عمد ولا بامتلاء الجوف بالضحك
واحمرار الوجه مع سيطرة المصلي على نفسه وحبسه لصوته.
5 - (خامسا) البكاء فإنه يبطل الصلاة إذا توفرت فيه الأمور التالية:

414
أولا: أن يكون مشتملا على صوت فلا تبطل الصلاة إذا دمعت عينا المصلي بدون صوت.
ثانيا: أن يكون الدافع إلى البكاء دافعا شخصيا كالبكاء على قريب
له أو لأمر من أمور الدنيا، وأما إذا كان الدافع دينيا فلا تبطل به
الصلاة كالبكاء خوفا من الله تعالى أو شوقا إلى رضوانه أو تضرعا إليه
لقضاء حاجة ماسة أو البكاء على سيد الشهداء أو لمصيبة أخرى من مصائب الاسلام.
ثالثا: أن يبكي المصلي وهو ملتفت إلى أن ه يصلي فإذا بكى ذاهلا عن
الصلاة صحت صلاته.
فمتى توفرت هذه الأمور الثلاثة كان البكاء مبطلا حتى ولو صدر
من المصلي اضطرارا وبدون قدرة على امساكه.
6 - (سادسا) الأكل والشرب سواء محيا صورة الصلاة وذهبا باسمها أو
لا، هذا إذا أكل أو شرب وهو ملتفت إلى أنه في الصلاة، وأما إذا
كان ناسيا وذاهلا عن الصلاة فلا تبطل بذلك إلا إذا أكل وشرب على
نحو محي صورة الصلاة وذهب باسمها
ويسوغ - بصورة استثنائية - للمصلى في صلاة الوتر (إذا كان عطشانا
وقد نوى الصوم وكان الفجر قريبا يخشى مفاجأته) أن يشرب الماء إذا
كان أمامه أو قريبا منه قدر خطوتين أو ثلاث فيتخطى إليه ويشرب حتى
يرتوي ثم يرجع إلى مكانه ويتم صلاته.
ولا حرج على المصلي عموما في الابتلاع بقايا الطعام اللاحقة بالأسنان
أو بقايا حلاوة السك الذائب في الفم ونحو ذلك مما لا يعد أكلا وشربا بالمعنى الكامل.
7 - (سابعا) التكلم فكل من تكلم في صلاته وهو ملتفت إلى أنه في
الصلاة بطلت صلاته، ونعني بالتكلم النطق ولو بحرف واحد سواء أكان
لهذا الحرف معنى أم كان بلا معنى، وسواء أخاطب بما نطق أحدا أم لم
يخاطب، وإذا تكلم ساهيا عن الصلاة صحت صلاته.
ولا بأس بالتنحنح والأنين والتأوه والنفخ لان ذلك كله لا يعتبر تكلما.

415
ويستثنى من بطلان الصلاة بسبب التكلم.
8 - أولا: إذا كان الكلام مناجاة لله سبحانه.
9 - ثانيا إذا كان ذكرا أو دعاء شريطة أن لا يخاطب به غير الله
تعالى، فإذا قال المصلي (غفر الله لك) بطلت صلاته وإن كان هذا
الكلام دعاء لأنه خوطب به غير الله تعالى، وأما إذا قال (اغفر لي يا ربي
أو غفر الله لأبي) لم تبطل صلاته.
10 - ثالثا: إذا كان المصلي يقرأ القرآن في كلامه، فان الصلاة
لا تبطل بقراءة القرآن.
11 - رابعا: إذا سلم عليه مسلم فإنه يسوغ له ويجب عليه أن يرد
السلام، فإذا كان المسلم قد قال (السلام عليك) أو (سلام عليك) أو
(السلام عليكم أجاب بشئ من هذه العبارات أيضا مقدما كلمة السلام
على كلمة (عليكم) أو (عليكم) وإذا كان المسلم قد قال على خلاف
العادة (عليك السلام) أو (عليكم) وإذا كان المسلم قد قال على خلاف
العادة (عليك السلام) أو (عليكم السلام) فبامكان المصلي أن يجيب كيفما
أرا مقدما كلمة السلام أو مؤخرا لها عن كلمة (عليك) أو (عليكم)
وكذلك الامر إذا لم يتنبه المصلي إلى عبارة من سلم عليه فلم يعرف مثلا
هل قال (سلام عليكم) أو (عليكم السلام) فان بامكان المصلي في هذه
الحالة أن يجيب بأحد هذين النحوين.
وإذا لم يرد المصلي السلام اطلاقا صحت صلاته وكان مقصرا في عدم
رد التحية.
12 - وكل ما تقدم من المبطلات لا يبطل الصلاة إذا كان المصلي
قد أتى به وهو جاهل بالحكم الشرعي وغير ملتفت إلى أنه مبطل إلا الأول
والثاني وكل ما كان ماحيا لاسم الصلاة وصورتها فان الجهل فيها ليس عذرا.
13 - وضع إحدى اليدين على الأخرى حال القراءة في الصلاة غير

416
مطلوب شرعا، ومن صنع ذلك قاصدا أنه مطلوب ومحبوب للشارع فقد
فعل حراما لأنه شرع، ومن أتى به ولم يقصد أنه جزء من الصلاة فصلاته
تقع صحيحة.
وكذلك أيضا قول آمين بعد قراءة الفاتحة.
وإذا شك المصلي في أنه هل أتى بما يبطل الصلاة مضى ولا شئ عليه.
إلا بشرط وجود مبرر ضروري أو حاجة يهتم بها ويخشى فواتها إذا واصل
صلاته، فمن كان يصلي في البيت وحده وطرق الباب أو دق جرس
التلفون وهو مهتم بالتعرف على الطارق ويخشى أن يتعذر عليه ذلك إذا
واصل صلاته جاز له قطع الصلاة والتعرف على ما يهمه.

417
لكل من كلمتي الأداء والقضاء معان في اللغة. وقد تستعملان في
معنى واحد مثل (أدى ما عليه من دين) و (قضى ما عليه من دين)
بمعنى أعطى الدين لأهله كاملا، ولكن في الفقه تستعمل كلمة الأداء
غالبا في تأدية الشئ والآتيان به في حينه المعين ووقته المحدد له دون تأخير،
وتستعمل كلمة القضاء غالبا في تدارك الشئ المطلوب الذي فات أداؤه
وتلافيه بالاتيان به بعد انتهاء وقته، مثلا يقال فقهيا عمن أدى صلاة العصر
قبل غروب الشمس قد أدى الصلاة، فإذا تركها في وقتها وأتى بعد بها
غروب الشمس يقال قضى الصلاة.
ونحن نسير على هذا الأساس في استعمال هاتين الكلمتين.
ماذا يقضى من الصلاة:
15 - تقضى الفرائض الخمس من الصلوات اليومية وجوبا فمن فاتته
واحدة منها يجب عليه أن يقضيها، وتقضى صلاة الآيات وجوبا أيضا
باستثناء حالة واحدة وهي أن تكون الآية خسوفا أو كسوفا غير مستوعبين لكل قرص
القمر أو الشمس ويكون المكلف غير عالم حين وقوع الخسوف أو الكسوف
بذلك، ففي هذه الحالة لا يجب القضاء وفي غيرها من الحالات يجب.
16 - وتقضى أيضا نوافل الصلوات اليومية استحبابا بمعنى أن من لم
يؤد تلك النوافل في أوقاتها استحب له أن يقضيها.
17 وتقضى استحبابا كل نافلة مؤقتة ولا تؤدي في وقتها كصلاة

418
أول الشهر مثلا فإنه يستحب قضاؤها ويستثنى من ذلك صلاة العيدين فإنها
لا تقضى كما يأتي.
18 - وإذا وجبت إحدى النوافل المؤقتة يومية أو غيرها بنذر ونحوه
فالأجدر بالمكلف احتياطا أن يقضيها إذا فانته في وقتها وإذا لم يقضها لم
يكن آثما.
19 - ولا قضاء لصلاة الجمعة فان الانسان إذا لم يؤدها في وقتها
تعين عليه أن يصلي الظهر. ولا قضاء لصلاة العيدين في حالات وجوبها
واستحبابها. ولا قضاء للنوافل غير المؤقتة لأنها لا تختص بوقت دون وقت
غير أن الأجدر بالمكلف إذا نذر أن يأتي بواحدة منها وعين في نذره زمنا
خاصا ولم يأت بها في ذلك الزمن ان الأجدر به في هذه الحالة احتياطا
أن يقضيها وإذا لم يقضيها لم يكن آثما.
ما هو سبب القضاء:
20 وسبب القضاء عدم أداء الصلاة المقررة بصورة صحيحة في
وقتها المضروب لها أما يتركها رأسا أو بالاتيان بها بصورة باطلة شرعا
والعبارة الشاملة هي فوت الصلاة في وقتها فمن فاتته الصلاة في وقتها توجه
إليه القضاء.
21 - وليس كل من لم يؤد الصلاة فقد فاتته الصلاة ويجب عليه
قضاؤها وإنما يتوقف ذلك على توفر أحد الامرين التاليين:
الأول: أن يكون الانسان قد كلف بتلك الصلاة في وقتها المضروب
لها ولم يصلها عصيانا أو نسيانا أو جهلا منه بالتكليف ونحو ذلك فيجب على
المكلف حينئذ أن يقضيها، ويستثنى من ذلك الكافر بالأصل الذي نشأ

419
على الكفر فإنه لا يقضي ما يتركه من صلوات على الرغم من أنه مكلف
بكل صلاة في وقتها، وأما المسلم الذي يكفر عن ردة فيترك الصلاة فيجب
عليه القضاء.
الثاني: ان يكون الانسان قد سقط عنه التكليف بتلك الصلاة في
وقتها بسبب عدم وجود الشرط الثالث من الشروط العامة للتكليف وهو
القدرة، فمن كان غير مكلف بالصلاة في وقتها لعجزه وقتئذ عن دائها
يجب عليه قضاؤها، سواء كان العجز ناشئا من فقدا الانسان لوعيه كعجز
النائم إذا استمر نومه طيلة وقت الصلاة وكذلك المخدر أو كان العجز
لسبب آخر مع وجدان الانسان لوعيه من قبيل الانسان الذي عجز عن
الحصول على ما يتوضأ به أو يتيمم به للصلاة.
ففي كل هذه الحالات يجب القضاء، ويستثنى من ذلك ما إذا حصل
فقدان الوعي بسبب اغماء قاهر لادخل للانسان فيه كالمرض يغمى عليه
ففي هذه الحالة لا يجب القضاء.
22 - وعلى أساس ما تقدم يتضح انه لا قضاء للصلوات التي تفوت
الناس حال الصغر وعدم البلوغ أو حال الجنون أو حال الحيض أو حال
النفاس، لان هؤلاء وان كانوا قد تركوا الصلاة في تلك الحالات ولكنهم
لم يكونوا مكلفين بها بسبب الصغر أو الجنون أو الحيض أو النفاس، فلا
يجب قضاء ما ترك بسب تلك الأشياء إذا كانت تلك الأشياء مستوعبة
لوقت الصلاة.
23 - وإذا دخل وقت الفريضة على الانسان وهو غير بالغ أو
مجنون أو مغمى عليه باغماء قاهر أو كافر بالأصل - اي نشأ كافرا - وقبل
انتهاء الوقت بلغ أو عقل أو أفاق من الاغماء أو أسلم فان كان قد بقي من
الوقت ما يتسع ولو لركعة من صلاة الفريضة (حتى ولو مع التيمم إذا

420
لم يتيسر الوضوء لضيق الوقت) وجب عليه - كما تقم في أوقات الصلاة -
أن يصلي صلاة الفريضة قبل انتهاء الوقت، فإذا لم يصل كذلك حتى
انتهى وجب عليه القضاء، وان كان ما بقي من الوقت حين بلغ أو عقل أو
أفاق أو أسلم لا يتسع حتى لركعة من ذلك القبيل فلا تجب عليه تلك الصلاة
ولا يجب عليه قضاؤها.
24 - وإذا دخل وقت الفريضة على المرأة وهي حائض ثم نقت قبل
انتهاء الوقت فهناك حالتان:
الأولى: ان تنقى وفي الوقت متسع للغسل والصلاة فيجب عليها ان
تغتسل وتصلي وإذا لم تفعل وجب عليها القضاء.
الثانية: أنت تنقى وليس في الوقت متسع للغسل وانما يتسع للتيمم
فيجب عليها ان تيمم وتصلي وإذا لم تفعل فلا يجب عليها القضاء.
25 - وإذا دخل وقت الفريضة على الانسان وهو سليم من الجنون
أو الاغماء ثم مني بأحدهما في أثناء الوقت قبل ان يؤدي الصلاة وجب عليه
القضاء بعد الإفاقة إذا كانت الفترة التي سبقت الجنون أو الاغماء من وقت
الفريضة تتسع لصلاة فريضة تامة بما يجب لها من التطهير، وكذلك إذا كانت
تتسع لصلاة فريضة تامة فقط وكان بامكان الانسان ان يتطهر لها قبل دخول
الوقت، وأما إذا كانت تلك الفترة لا تتسع لأداء صلاة فريضة تامة فلا
يجب القضاء.
وكذلك الامر إذا حاضت المرأة أو أبد بها النفاس بعد دخول وقت
الفريضة ولم تكن قد صلت

421
كيف تقضى الصلاة
26 - تقضى الصلاة ويؤتى بها خارج الوقت بنفس الطريقة والكيفية
التي كان من المفروض مراعاتها لو أتى بها أداء في أثناء الوقت، فما فات
الانسان من صلاة وهو مسافر يقضيه قصرا ولو كان حين القضاء في بلدته،
وما فات من صلاة وهو حاضر في بلدته يقضيه تماما ولو كان حين القضاء
مسافرا، وإذا دخل عليه وقت الفريضة وهو في حال السفر ورجع إلى
بلده قبل انتهاء الوقت ولكن لم يصل وجب عليه ان يأتي بها عند القضاء
تماما مراعاة لحالته في آخر الوقت، وفي حالة العكس يأتي بها قصرا.
27 - وليس للقضاء وقت خاص فمن فاتته فريضة ووجب عليه
قضاؤها له ان يأتي بها متى شاء، وليس من الواجب الاسراع بإقامتها بل
له تأجيلها ما لم يؤد ذلك إلى الاهمال ويعرضها إلى الفوات نهائيا.
28 - وإذا فاتته أكثر من صلاة واحدة كصلاتين مثلا فان كانتا
ظهرا وعصرا ليوم واحد أو مغربا وعشاء لليلة واحدة وجب ان يقضي
الظهر قبل العصر وان يقضي المغرب قبل العشاء، وان كانتا على نحو آخر
فهو مخير في تقديم ما شاء وتأخير ما شاء كما إذا فاتته صبح وظهر ومغرب،
وعلى هذا الأساس فمن فاتته الصلاة سنة كاملة أو شهرا كاملا أمكنه ان
يقضي الصلوات بالترتيب الصبح ثم الظهر والعصر ثم المغرب والعشاء ثم
الصبح وهكذا، وأمكنه ان يختار أسلوبا آخر فيقضي مثلا صلوات أصبح
كلها ثم صلوات الظهر كلها أو صلوات الظهر والعصر كلها ثم صلوات

422
الصبح كلها وهكذا.
29 - الشك: إذا شك في أنه هل فاتته فريضة فيما مضى من صلوات
أو لا فلا يجب عليه ان يأتي بها، وإذا علم أنه لم يكن يصلي فترة من
الزمن وشك في أنه هل كان بالغا وقتئذ أو لا فلا يجب عليه أيضا الاتيان بها.
وإذا علم أن صلاة فاتته ولا يدري هل هي الصبح أو الظهر أو المغرب
وجب عليه ان يأت ي بثلاث صلوات ركعتين وأربع ركعات وثلاث ركعات
وإذا علم أنه قد فاتته فريضة ذات أربع ركعات ولم يعلم هل هي الظهر أو
العصر أو العشاء صلى أربعا عما في عهدته وكان مخيرا في القراءة بين
الجهر والاخفات.
وإذا فاتته فرائض ولا يعلم عددها فلا يدري، مثلا هل هي خمس صلوات
أو أكثر؟ أمكنه ان يقضي خمس صلوات ويكتفي بذلك، وهكذا يجوز ان
يقتصر دائما على الأقل عددا.
احكام لصلاة القضاء
30 - إذ اجتمعت على المكلف صلاة فائتة وصلاة حاضرة لا يزال
وقتها باقيا فهو مخير بأيهما بدأ ما لم يكن وقت الصلاة الحاضرة ضيقا ويخشى
ان تفوت إذا تشاغل عنها بالقضاء، فمن نام عن صلاة الصبح ولم يقضها
حتى صار الظهر جاز له ان يصلي الظهر ثم يقضي الصبح، وجاز له
العكس ما لم يكن وقت الظهر ضيقا.
31 - وإذا كان على الانسان قضاء صلاة أو صلوات فهل يسوغ له

423
ان يؤديها في حالة مرضه وعجزه عن انجازها بالصورة الكاملة، مثلا يتيمم
ويصلي أو يصلي من جلوس؟.
والجواب: إذا كان واثقا من استرجاعه لصحته بعد ذلك فعليه ان
يؤخر القضاء إلى حين يتمكن من الاتيان بها كاملة، والا جاز له أن يقضي على
النحو الذي يناسب حاله كمريض أو عاجز.
وقد تسأل: انه إذا قضى ما عليه في هذه الحالة فصلى جالسا ونشط
بعد ذلك وزال مرضه فهل يكرر القضاء ويصلي قائما؟
والجواب نعم يجب ذلك ما دام النقص الذي وقع منه في صلاته مما
لا يعذر فيه الجاهل كما في هذا المثال، وسيأتي في احكام الخلل التمييز بين
ما يعذر فيه الجاهل وما لا يعذر.
القضاء عن الوالد
32 - وكما يجب على المكلف ان يقضى ما فاته من الصلوات الواجبة
التي ذكرناها كذلك يجب عليه ان يقضي ما فات والده من تلك الصلوات
إذا كان الوالد ذكرا ولم يكن للوالد ولد ذكر أكبر منه ولا يجب ذلك على
البنت ولا على الابن الأصغر.
وإذا كان للوالد ابنان متساويا في العمر كما لو كانا مولودين لأب
واحد من زوجتين في وقت واحد كان القضاء عنه في عهدتهما متضامنين
فان أدى أحدهما سقط عن الاخر وإلا كانا آثمين معا، وإذا كان هذان
الابنان توأمين كان القضاء على أسبقهما ولادة.
وإذا أوصى الوالد بان يقضي عنه من تركته ونفذت الوصية سقط

424
القضاء عن ابنه، وكذلك، إذا تبرع متبرع آخر بالقضاء عن والده.
ويجوز لابن الذي وجب عليه القضاء عن أبيه ان يستأجر لذلك
خروجا عن العهدة ويبذل من ماله الأجرة إذا لم يكن الوالد قد أوصى
باخراجها من الثلث والا كان بالامكان اخراجها من الثلث.
وإذا شك الوالد في أن أباه هل فاتته صلوات في حياته أم لا فلا يجب
عليه شئ. وإذا كان الولد على يقين من أن أباه كانت عليه صلوات
ولكنه شك في أنه هل أداها قبل وفاته أم لا فعلى أن يؤديها.

425
الخلل
قد يخل المصلي بشئ مما يجب عليه في صلاته اما عن عمد والتفات
واما عن غفلة ونسيان واما عن جهل بالحكم الشرعي، وقد استعرضنا في
فصل الاجزاء والشروط العامة بصورة متفرقة عددا كبيرا من هذه الحالات
مع أحكاما من خلال عرض تلك الأجزاء والشرائط، ونزيد ذلك
توضيحا واستيعابا فيما يلي: فنستعرض بصورة متتابعة مجموعة من الحالات
للخلل ونذكر أحكامها ثم نوضح القواعد العامة التي تقوم تلك الأحكام
على أساسها.
33 - إذا أخل المصلي بواجبه فترك شيئا من اجزاء الصلاة أو شرائطها
عامدا وعالما بأنه جزء أو شرط بطلت صلاته لأنها ناقصة.
34 - وإذا زاد في صلاته عامدا وملتفتا إلى أنه ذلك لا يجوز بطلت
صلاته كما تقدم في الفقرة (156) من فصل الشروط والاجزاء العامة.
واما في غير حالة العامد الملتفت إذا انقص أو أزاد فهناك حالات تبطل
فيها الصلاة بالنقص أو الزيادة على اي حال، وهناك حالات لا تبطل فيها.
الحالات التي تبطل فيها الصلاة على اي حال
35 - اما الحالات التبي تبطل فيها الصلاة على اي حال فهي كما يلي:
1 - إذا ترك تكبيرة الاحرام نسيانا أو جهلا ثم تفطن في أثناء
الصلاة أو بعدها.
2 - إذا ترك الركوع من ركعة حتى سجد الثانية منها ثم

426
تفطن في أثناء الصلاة أو بعدها.
3 إذا ترك كلتا السجدتين من ركعة إلى أن ركع ركوع الركعة
التي بعدها ثم تفطن.
4 - إذا ترك القيام حال تكبيرة الاحرام فكبر جالسا وهو ممن يجب
عليه القيام.
5 - إذا ترك القيام في لركوع فركع جالسا وهو ممن يجب عليه
القيام فيه.
6 - إذا ركع ناهضا من حالة الجلوس لا هاويا من حالة القيام.
7 - إذا صلى بدون ما يجب عليه من وضوء وغسل وتيمم، أو صدر
منه في أثناء الصلاة ما يوجب الوضوء أو الغسل.
8 - إذا صدرت منه تصرفات أدت إلى محو اسم الصلاة والذهاب بصورتها
9 - إذا صلى في النجاسة التي لا تسوغ في الصلاة نسيانا أو جهلا بالحكم
10 - إذا ركع في ركعة واحدة ركوعين.
11 - إذا إذا سجد في ركعة واحدة أربع سجدات.
12 - إذا صلى إلى غير القبلة جهلا منه بان استقبال القبلة واجب
فصلاته باطلة.
13 - إذا كان عالما بان استقبال القبلة في الصلاة واجب ولكن نسي
هذا لا وجوب فصلى إلى غير القبلة نسيانا فصلاته باطلة.
14 - إذا صلى والقبلة عن يمينه أو يساره أو خلفه وهو يعتقد بها
امامه واكتشف الحال قبل انتهاء الوقت فصلاته باطلة.
15 - إذا صلى قبل الوقت المحدد جهلا منه بالوقت أو غفلة أو اعتقادا
بدخول الوقت المحدد لها فان الصلاة تقع باطلة، وكذلك إذا وقعت بداية
الصلاة قبل الوقت الا في حالة واحدة تقدمت في فصل أنواع الصلاة

427
الفقرة (80).
الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة
اما الحالات التي لا تبطل فيها الصلاة من الناسي أو الجاهل بالحكم
الشرعي التي يجب فيها على المصلي ان يتدارك ما صدر منه ويعود إلى ما نسيه
فيأتي به وما بعده ويواصل صلاته. والاخر الحالات التي لا يجب فيها على
المصلي التدارك والآتيان بما نسيه بل يكتفي بصلاته الناقصة (نريد بالتدارك
الاتيان بما تركه وبما بعده من اعمال)
حالات التدارك
36 - اما حالات التدارك فهي كما يلي:
إذا ترك شيئا من فاتحة الكتاب أو السورة التي عقيبها وتفطن قبل
الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وما بعده ويواصل صلاته.
إذا ترك شيئا مما يجب من قراءة أو تسبيحات في الركعة الثالثة أو
الرابعة تفطن قبل الركوع من تلك الركعة فإنه يأتي بما تركه وما بعده
ويواصل صلاته.
إذا ترك الركوع وتفطن قبل ان يسجد السجدة الثانية من تلك الركعة
فإنه يقوم واقفا ثم يأتي بالركوع وما بعده ويواصل صلاته.
إذا ترك السجدتين من ركعة أو السجدة الثانية منها فقط وتفطن قبل
ان يركع في الركعة اللاحقة رجع إلى السجود واتى به وبما بعده وواصل صلاته.

428
إذا ترك التشهد في الركعة الثانية ونهض قائما وتفطن قبل ان يركع رجع
واتى بالتشهد وبما بعده وواصل صلاته.
إذا ترك سجدتين من الركعة الأخيرة أو التشهد من تلك الركعة
أو التسليم وتفطن قبل ان يحدث (اي قبل ان يصدر منه ما يوجب الوضوء
أو الغسل) أو تنمحي صورة الصلاة وتنقطع نهائيا تدارك واتى بما
تركه وما بعده.
حالات عدم التدارك
37 - واما حالات عدم وجوب التدارك على من ترك نسيانا أو لعدم
الالتفات إلى الحكم الشرعي فهي كما يلي:
إذا ترك القراءة (الفاتحة أو السورة أو اي جزء من ذلك) أو
ما ينبغي ان يقال في الركعة الثالثة والرابعة (الفاتحة أو التسبيحات أو اي
جزء من ذلك) وتفطن بعد أن ركع فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
إذا ترك الذكر في ركوع أو سجود وتفطن بعد أن رفع رأسه وخرج
عن حالة الراكع أو الساجد فلا يجب عليه التدارك ويواصل صلاته.
إذا ترك السجدة الثانية من اي ركعة أو التشهد من الركعة الثانية أو شيئا
من هذا التشهد حتى ركع في الركعة اللاحقة فلا يجب عليه التدارك ويواصل
صلاة ولكن عليه ان يقضي ما نسيه بعد الانتهاء من الصلاة على ما يأتي
إذا ترك السجدة الثانية من الركعة الأخيرة أو التشهد منها أو التسليم
وتفطن بعد أن مصت فترة طويلة وذهبت صورة الصلاة نهائيا فقد صحت
صلاته ومضت ولكن عليه ان يقضي ما نسيه من السجدة أو التشهد على
ما يأتي.

429
وإذا ترك القيام حال القراءة فقرأ جالسا وتفطن بعد أن أكمل القراءة
فلا يجب عليه ان يتدارك بل يواصل صلاته.
توضيح مصطلحات
38 - وكل واجب من واجبات الصلاة تبطل الصلاة بتركه ولو من
الناسي أو الجاهل يسمي ركنا.
وكل ركن فهو مما تبطل الصلاة بزيادته أيضا من الناسي أو الجاهل
الا تكبيرة الاحرام فان زيادتها من الناسي أو الجاهل غير مبطلة.
وكل واجب لا تبطل الصلاة بتركه إلا في حالة العمد والالتفات إلى
الحكم الشرعي يسمي واجبا غير ركني.
ول واجب من واجبات الصلاة مرتبط بجزء معين واجبات
الصلاة مباشرة، فالذكر في السجود من واجبات السجود واما التشهد فهو
من واجبات الصلاة مباشرة.
ومن أمثلة واجبات الجزء الذكر في الركوع والقيام حال القراءة فإنه
من واجبات القراءة والطمأنينة في حالة الذكر فإنها من واجبات الذكر،
وكذلك الطمأنينة في حالة القراءة أو التشهد أو التسليم.
ومن أمثلة ذلك الجهر والاخفات في القراءة،
39 - وعلى هذا الأساس نستطيع ان نحدد القاعدة لحالات وجوب
التدارك لان التدارك يجب كلما أمكن وهو ممكن دائما الا في حالات:
40 - الأولى: ان يكون المصلي قد أتى قبل ان يتفطن إلى نسيانه
أو جهله بركن فلا يتاح له حينئذ ان يتدارك لان التدارك كما قلنا سابقا

430
معناه ان يأتي بما تركه وما بعده ولو صنع ذلك والحالقة هذه لادى به إلى
تكرار الاتيان بذلك الركن مرة ثانية والزيادة في ذلك الركن مبطلة، ومن
هنا يقول الفقهاء في مثل ذلك أن محل التدارك قد فات.
41 - الثانية: ان يكون المتروك من واجبات الجزء وقد أتى المصلي
بذلك الجزء وفرغ منه كما إذا نسي الذكر في سجدته الثانية مثلا حتى رفع
رأسه منها فلا يتاح له حينئذ ان يتدارك، لأنه ان ذكر بدون سجود فلا
قيمة له لان الواجب انما هو الذكر في السجود وان سجد مرة ثالثة وذكر
فلا قيمة له أيضا لان الذكر من واجبات الجزء والجزء انما هو السجدة
الأولى والثانية دون الثالثة.
42 - الثالثة: ان يفرغ المصلي من صلاته وتنمحي صورتها نهائيا
أو يفرغ من صلاته ويصدر منه ما يوجب الوضوء أو الغسل ففي هذه الحالة
لا يمكن التدارك أيضا.
43 - وفي كل حالة لا يمكن فهيا التدارك ان كان المتروك ركنا فالصلاة
باطلة، وان كان المتروك واجبا غير ركني فالصلاة صحيحة وعليه ان يواصلها.
وفي كل حالة يمكن فهيا التدارك يجب التدارك وتصح الصلاة بذلك
فإذا أهمل التدارك وواصل صلاته بطلت.
إذا شك في إمكان التدارك:
44 - هناك واجبات ليس من الواضح بصورة مؤكدة هل أنها
واجبات الجزء أو واجبات الصلاة بصورة مباشرة، ومن أمثلة ذلك وضع
المصلي الكفين والركبتين والابهامين على ما يصلي عليه عند السجود، فان

431
كان هذا من واجبات السجود ترتب على ذلك أنه إذا سجد ولم يضع كفه
على مصلاه سهوا وتفطن بعد أن رفع رأسه لم يجب عليه التدارك، وإن
كان هذا من واجبات الصلاة مباشرة وجب عليه التدارك بأن يسجد من
جديد بصورة متقنة، وما دام الامر غير واضح فالأجدر بالمكلف احتياطا
أن يواصل صلاته بدون تدارك ثم يعيدها.
قضاء الجزء المنسي:
45 - من ترك سهوا سجدة واحدة أو ترك التشهد كله أو بعضه
وتفطن حيث لا يمكنه التدارك واصل صلاته وعليه أن يقضي ما نسيه من
سجدة أو تشهد ويشترط فيهما عند القضاء الطهارة والاستقبال والساتر وسائر
ما يشترط فيهما عند الأداء (أي عند اتيانهما في أثناء الصلاة) وكذلك نية
البدل عما فات ولا يسوغ بحال أن يفصل بين قضاء السجدة والتشهد من
جهة وبين الصلاة من جهة ثانية بأي شئ يبطل الصلاة ولا يقصي أي جزء
منسي غير السجدة والتشهد.
سجود السهو:
46 - كلما طرأ للمصلي سهو ونسيان أدى إلى بطلان صلاته فليس
عليه إلا اعادتها، وإذا كان من السهو والنسيان الذي لا يبطل الصلاة
فان تفطن المصلي إلى ذلك وتدارك فلا شئ عليه، وإن تفطن حين لا يمكن
التدارك وواصل صلاته صحت صلاته ولا شئ عليه إضافة إلى ذلك إلا
في حالات معينة تجب فيها سجدتا السهو، وفيما يلي نذكر تلك الحالات

432
تحت عنوان موجبات سجود السهو ثم نشرح كيفية هذا السجود وأحكامه.
47 - موجبات سجود السهو: تجب سجدتا السهو للأسباب التالية
فقط:
الأولى: أن يتكلم المصلي ساهيا عن صلاته أو لتوهم الفراغ منها.
الثاني: ان يأتي المصلي بالتسليم في غير محله بسبب الغفلة والذهول
كما لو اتى به بعد التشهد الأول في الصلاة الرباعية (التشهد الأول هو التشهد
الواقع عقيب الركعة الثانية منها)
الثالث ان يشك ويتردد في عدد الركعات بين الأربع والخمس على
ما يأتي في احكام الشك.
الرابع: ان ينسى السجدة أو التشهد كلا أ (بعضا فإنه يقضي ما نسيه
ويسجد بعد القضاء سجدتي السهو.
الخامس: ان يغفل عن جلوس واجب كما إذا تفطن عند اكمال
الصلاة انه لم يجلس جلسة الاستراحة عقيب السجدة الثانية في الركعة
الأولى مثلا.
السادس: ان يغفل عن قيام واجب كما إذا تفطن عند اكمال الصلاة
انه هوى من الركوع إلى السجود رأسا دون ان ينتصب واقفا.
48 - كيفية سجود السهو: وصورة هذا السجود سجدتان لا فاصل
بينهما كأية سجدتين من ركعة واحدة ولكن لا يجب فيهما الاستقبال ولا الطهارة
ولا الساتر ولا التكبير، وتجب فهيا نية القربة ووضع الكفين والركبتين
والابهامين وأن يكون موضع الجبهة مما يصح السجود عليه في الصلاة.
ويستحب في كل سجدة ذكر الله ونبيه بهذا اللفظ (بسم الله وبالله والسلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)

433
وبعد السجدتين الأجدر والأحوط وجوبا ان يتشهد الساجد ويسلم
49 - وجوبه: يجب سجود السهو بأحد الموجبات المتقدمة كما عرفت
غير أنه واجب مستقل بمعنى انه لا يعتبر جزءا من الصلاة ولا مكملا لها فلا
تبطل الصلاة بتركه عمدا فضلا عن السهو.
ووجوبه فوري بمعنى ان يعجل المصلي بايقاعه مباشرة بعد الفراغ من
الصلاة وما يتبعها من ركعات احتياط وقضاء اجزاء منسية وقبل ان يأتي
بأي شئ مبطل ومباين لها، ومتى نسيه عند الفراغ من الصلاة أداه عند
التذكر وإذا تذكره وهو في أثناء صلاة أخرى أمكنه تأجيله إلى حين
الفراغ من الصلاة.
50 - احكامه: يتكرر سجود السهو بتكرر موجبه ولو كان الموجب
المتكرر من جنس واحد، فمن اتى غفلة منه بالتسليم مرتين في غير محله
يسجد للسهو مرتين، ومن تكلم سهوا مرتين على نحو يعتبر كل منهما كلاما
مستقلا عن الاخر يسجد للسهو مرتين، سواء كان السهو الباعث على
الكلام الثاني نفس السهو الأول أو ان المصلي تفطن إلى سهوه الأول ثم
سهى من جديد فصدر منه الكلام الاخر، وإذا وجب عليه ان يسجد
أكثر من مرة سجود السهو فهل يجب عليه أيضا الترتيب عند التأدية والامتثال
بان يبدأ بالأول فالأول تبعا لزمن السبب الموجب؟
الجواب: هذا الترتيب ليس بواجب وللمكلف الخيار في أن يقدم
المتأخر بل لا يجب عليه تعيين السبب الموجب للسجود بالضبط، بل يكفيه
ان يسجد سجدتي السهو مرتين ولو لم يتذكر ما هو السهو الذي أوجب عليه
ذلك بالضبط.
51 - ومن شك في أنه هل صدر منه سهو يلزمه بسجدتي السهو فليس عليه

434
شئ لان الأصل عدم المسؤولية، ومن علم بالمسؤولية عند وشك في الخروج
عند عهدتها ولم يدر هل سجد أم لا فالأصل بقاء المسؤولية وعليه ان يسجد،
ومن علم أنه مطلوب بهذا السجود مرة واحدة وشك في الزائد فالأصل
عدم الزيادة، ومن علم أنه سجد مرة وشك في السجدة الثانية فعليه ان
يسجدها حتى ولو كان قد دخل في التشهد أو التسليم.
ومن سجد سجود السهو ثم شك في صحته ووقوعه على الوجه المطلوب
شرعا بنى على صحته ولا شئ عليه.

435
الشك
الشك في الصلاة يمكن تصنيفه إلى ثلاثة اقسام:
الأول شك المكلف في أصل وقوع الصلاة منه.
الثاني: شك المصلي في استيعاب واجباتها من اجزاء أو شرائط.
الثالث شك المصلي في عدد ركعات الصلاة وسنتكم عن هذه
الأقسام تباعا:
الشك في وقوع الصلاة منه
52 - من شك ولم يدر: هل أدى الفريضة أو لا؟
ينظر: فان كان وقت الصلاة ما زال باقيا وقائما فعليه ان يصلي،
كما لو أيقن بأنه لم يأت بالصلاة، وان حدث الشك والتردد في خارج
الوقت يمضي ولا شئ عليه.
وإذا شك في تأدية الفريضة وأيضا شك في بقاء وقتها - عجل واتى
بها. وحكم الظن والشك هنا وفي الفرض السابق بمنزلة سواء.
وإذا ذهب النهار الا قليلا لا يتسع لركعة واحدة من الصلاة فكأنه
قد ذهب بالكامل ووجود هذا القليل كعدمه، وإذا اتسع الباقي من آخر
الوقت لركعة أو أكثر إلى أربع ركعات وشك المكلف في أنه: هل صلى
الصلاتين - الظهر والعصر - فعليه ان يصلي العصر حيث لا وقت للظهر،
وان اتسع الباقي لخمس ركعات صلى الصلاتين معا.
وإذا شك وهو في أثناء العصر: هل صلى الظهر - بني على عدم

436
الاتيان بالظهر وعدل ان كان الوقت يتسع لا كمالها والآتيان بصلاة العصر
أو بركعة منها على الأقل - قبل خروج الوقت وان كان الوقت لا يتسع
لذلك أكملها عصرا وخرج عن عهدة الظهر بخروج وقتها.
53 - كل ذلك إذا كان انسانا اعتياديا في شكه، وأما إذا كان ممن
تتراكم عليه الشكوك في هذه الناحية على نحو يبدو انه شاذ ومفرط في الشك
فلا يكترث بشكه.
الشك في واجبات الصلاة
54 - كلما شك المصلي في أداء واجب من واجبات الصلاة بني على أنه
لم يؤده سواء كان شكا متعادلا أو حصل له ظن بأنه قد أتى به.
وتستثنى من ذلك الحالات التالية:
55 - الأولى: إذا شك في جزء من اجزاء الصلاة بعد أن تجاوز
مكانه المقرر له فهيا تبعا لترتيبها وتنسيقها ودخل في الجزء الواجب الذي
يليه بلا فاصل - فيمضي الشاك ولا يعتني كأنه لم يشك، فإذا شك في تكبيرة
الاحرام وهو يقرأ الفاتحة يمضي ولا يكترث، وإذا شك في القراءة وهو
في القنوت يعتني بشكه ويرجع إلى القراءة لان القنوت الذي دخل فيه ليس
جزءا واجبا، وإذا شك في القراءة وهو راكع يمضي ولا يكترث، ولكن
إذا شك في ذلك وهو يهوي إلى الركوع ولم يصل بعد إلى مستوى الراكع
فعليه ان يعتني بشكه، لان الهوى إلى الركوع ليس من اجراء الصلاة بل
هو مجرد تمهيد ومقدمة للركوع.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في شئ بعد التجاوز والدخول
في الجزء الواجب الذي يليه يسمى لدى الفقهاء بقاعدة التجاوز، وقد

437
مرت بنا من خلال استعراض اجزاء الصلاة تطبيقات كثيرة لهذه القاعدة،
كما أن وجوب الاعتناء بالشك إذا حصل في جزء قبل التجاوز عن مكانه
المقرر له يسمى عند الفقهاء بقاعدة الشك في المحل. وبموجب هذه القاعدة
يجب على كل من يشك في جزء وهو لم يتجاوز إلى الجزء الواجب الذي
يليه ان يعتني بشكه ويفترض بأنه لم يأت بذلك الجزء المشكوك فيؤديه.
56 - الحالة الثانية: إذا شك في صحة الجزء الواقع وفساده لا في
أصل وقوعه ووجوده - فالحكم فيه الصحة على اي حال سواء كان حين
الشك قد تجاوز المحل المقرر لذلك الجزء ودخل في الجزء الذي يليه أم لم
يتجاوز ولم يدخل، فمن كبر للاحرام ثم شك في صحة التكبير فالتكبير
صحيح وان لم يكن قد قرأ بعد وكذا من شك في صحة القراءة ولم يكن
قد ركع.
وهذا الحكم العام بعدم الاعتناء بالشك في صحة ما وقع إذا حصل هذا
الشك بعد وقوعه يسمى لدى الفقهاء بقاعدة الفراغ. وقد مرت تطبيقات
عديدة له من خلال استعراض اجزاء الصلاة.
57 - الحالة الثالثة: إذا بدأ الصلاة وشروطها متوفرة ثم شك في أن
هذه الشروط هل استمرت مع صلاته أو اختل شئ منها في أثناء
الصلاة مضى ولم يعتن بشكه، ومثاله: من بدأ صلاته مستقبلا للقبلة ثم
شك في أنه هل انحرف عنها في بعض الاجزاء السابقة أو لا، ومثال آخر:
امرأة بدأت صلاتها وهي ساترة لشعرها ثم تشك في أنه هل انكشف شعرها
في الأثناء أم لا والحكم هو المضي وعمد الاعتناء لان الأصل بقاء الحالة
السابقة، ومن أمثلة ذلك أيضا أن يشك في وقوع مبطل من المبطلات أو
صدور زيادة مبطلة منه فإنه لا يعتني بكل ذلك.
58 - الحالة الرابعة: قد يكون الانسان كثير الشك ونريد به هنا من

438
كان يشك في كل ثلاث صلوات متواليات مرة أو ما يساوي ذلك فإذا
شك هذا الانسان في أنه هل أتى بهذا الجزء أو بذلك مضى ولم يعتن وافترض
أنه قد أتى به.
وقد يكون المصلي كثير الشك في شئ خاص ومعين كتكبير الاحرام
مثلا دون غيره وعليه حينئذ أن يلغي شكه في هذا التكبير، وأما إذا شك
في شئ آخر جرى عليه حكم الانسان الاعتيادي تبعا لحالة شكه.
وقد يعترض الشك وبتراكم على المرء من باب الصدفة والاتفاق لظروف
خاصه وطارئة توجب الأذى والقلق مثل ان يكون مطاردا من قوى طاغية
أو مصابا بكارثة عائلية أو غير ذلك مما يوجب الشك لأغلب الناس لو
أصيبوا بمثله، وهذا لا يلحق بكثير الشك ولا يجري عليه حكمه بل يعالج
بما تستوجبه سائر القواعد الشرعية من قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ وقاعدة
الشك في المحل وغير ذلك.
وإذا شك الانسان بعد أن عرض له الشك عدة مرات في أنه هل
أصبح كثير الشك وفقا لما ذكرناه من تعريف له فعليه ان يبني على أنه ليس
كثير الشك حتى يحصل له اليقين بذلك.
وإذا كان على يقين بأنه كثير الشك ثم احتمل انه عوني من ذلك
وأصبح شك اعتياديا بنى على أنه لا يزال كثير الشك حتى يحصل له اليقين
بالعافية.
59 - الحالة الخامسة: إذا حصل الشك لدى الامام أو المأموم في جزء
من اجزاء الصلاة التي لا يحتمل وقوع الاختلاف بينهما من اجلها إذا حصل
ذلك كان على الشاك منهما ان لا يعتني بشكه ويعمل بوظيفة الحافظ الضابط.
واما إذ شك المأمور مثلا في أنه هل سجد مع الامام سجدتين أو تخلف
عنه فلم يتابعه في السجدة الثانية فلا يفيده هنا حفظ الامام ويقينه بالسجدتين

439
ما دام يحتمل تخلفه عنه بل عليه ان يسجد السجدة الثانية ما دام لم يتجاوز
المحل المقرر للسجود شرعا.
60 - وفي كل حالة كان الحكم فيها المضي وعدم الاعتناء بالشك
إذا طبق المصلي هذا الحكم ثم انكشف انه لم يكن قد اتى بالجزء المشكوك
حقا فماذا يصنع؟
والجواب: إذا كان بامكانه التدارك - بالمعنى المتقدم في الفقرة
(40 - 42) - رجع وتدارك، والا مضى وصحت صلاته ما لم يكن
الجزء المتروك ركنا فان كان ركنا فالصلاة باطلة.
61 - وفي كل حالة كان الحكم فيها هو الاعتناء بالشك والآتيان بما
يشك فيه تبعا لقاعدة الشك في المحل إذا طبق المصلي هذا الحكم فاتى بالجزء
المشكوك ثم اتضح له انه كان قد اتى به سابقا مضى في صلاته ما لم يكن
ذلك الجزء ركوعا وقد كرره مرتين أو سجدتين وقد سجد أربع سجدات
فتبطل عندئذ صلاته.
الشك في عدد الركعات
62 - الشك في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا
اثر له ولا يعتني به وأما إذا كان في أثناء الصلاة فهو على اقسام: لان
منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعا، ومنه
غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج فهذه اقسام ثلاثة. ونبدأ فيما يلي بالشك
الذي ليس مبطلا للصلاة ولا بحاجة إلى علاج وهو يتمثل في إحدى
الصور التالية:
63 - الأولى: ان يجد المصلي نفسه وهو يتشهد أو قد أكمل تشهد

440
وشك في أنه هل فرغ من الركعة الثانية وهذا هو التشهد المطلوب منه في
مثل هذا الموضع أو انه لم يفرغ حتى الان الا من الركعة الأولى وقد وقع
هذا التشهد منه سهوا، ففي هذه الحالة يبني المصلي على أنه قد صلى
ركعتين وان هذا هو التشهد المطلوب منه ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا
كانت صلاته ثلاثية أو رباعية ولا شئ عليه، وأما إذا كانت صلاته
ثنائية - ذات ركعتين - فعليه ان يكمل تشهده وتسليمه وتصح صلاته.
64 - الثانية: انى يصلي الانسان صلاة رباعية - ذات أربع ركعات -
فيجد نفسه يتشهد أو قد أكمل تشهده وهو على يقين بأنه تجاوز الركعة
الثانية إلى ما بعدها من ركعات وشك في أنه هل فرغ من الركعة الرابعة
وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل هذا الموضع أو انه لا يزال في
الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهد سهوا ففي هذه الحالة يبني على أنه
في الرابعة ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شئ عليه.
65 - الثالثة: ان يصلي الانسان صلاة ثلاثية - ذات ثلاث ركعات -
فيجد نفسه مشغولا بالتسليم ويشك في أنه هل فرغ من الركعة الثالثة وهذا
التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع أو انه لا يزال في الركعة
الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهوا ففي هذه الحالة يبني على أنه اتى
بالثالثة ويكمل تسليمه ولا شئ عليه.
واما الشك الذي ليس مبطلا للصلاة وبحاجة إلى علاج فهو ما كان
في صلاة رباعية ضمن إحدى الصور التسع التالية:
66 - الصورة الأولى: ان يرفع المصلي رأسه من السجدة
الثانية أو يكمل الذكر فيها - على الأقل - ثم يشك في أن
هذه الركعة التي فرغ منها الان: هل هي ثانية أو ثالثة؟
فالثانية متيقنة لا ريب فيها، الثالثة محل الريب فيبني على انها

441
ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهد ويسلم، وقبل ان يفعل اي مبطل ومناف
للصلاة يقوم ناويا ان يصلي صلاة الاحتياط قربة إلى الله تعالى فيكبر تكبيرة
الاحرام ويصلي ركعة واحدة من قيام. ان كان مكلفا بالصلاة من قيام
وإن كان عاجزا عن القيام ومكلفا بالصلاة احتاط بالاتيان بركعة
واحدة جالسا فان كانت صلاته التي شك فيها أربع ركعات في الواقع
اعتبرت صلاة الاحتياط نافلة ومستحبة وان كانت ثلاث ركعات اعتبرت
صلاة الاحتياط مكملة لها.
67 - الثانية: ان يشك: هل صلى ثلاث ركعات أو أربع فإنه
يبني على الأربع - سواء أوقع الشك منه حال القيام أو الركوع أم السجود
أم بعد رفع الرأس من السجود - ثم يتشهد ويسلم، وإذا كان المصلي
مكلفا بالصلاة قائما فله هناد الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط
بركعتين من جلوس، وان كان عاجزا عن القيام ومكلفا بالصلاة من
جلوس فعليه الاحتياط بالاتيان بركعة واحدة جالسا.
هذا كله إذا لم يطرأ هذا الشك على المصلي وهو يتشهد والا كان
من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصح منه الصلاة بلا علاج.
68 - الثالثة: ان يشك بين الركعتين والأربع بعد اكمال السجدتين -
وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية أو برفع الرأس منها - فيبني
على الأربع ويتم الصلاة ويأتي بركعتين من قيام. وإن كان المصلي ممن
يصلي جالسا احتاط بركعتين من جلوس.
69 - الرابعة: ان يشك بين الركعتين والثلاث والأربع أيضا بعد
اكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتم الصلاة، ويأتي أولا بركعتين
من قيام، ثم بركعتين من جلوس. وان كان المصلي جالسا احتاط
بركعتين من جلوس ثم بركعة جالسا.

442
70 - الخامسة: ان يشك بين الأربع والخمس بعد اكمال السجدتين
- بالمعنى المتقدم - فيبني على الأربع ويتم الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
71 - السادسة: ان يشك بين الأربع والخمس حال القيام، فيجلس
وبهذا يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع لأنه بجلوسه هدم الركعة
التي كان فيها وقطعها وهذا يعني انها لو كانت هي الرابعة فقد بقي له
ثلاث ركعات ولو كانت هي الخامسة فقد بقي له أربع ركعات فهو الان
بين الثلاث والأربع فيبني على الأربع ويتم الصلاة ويأتي بركعة قائما أو
بركعتين جالسا تطبيقا لما تقدم في الصورة الثانية.
72 - السابعة: ان يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس
ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع فيبني على الأربع ويتم الصلاة
ويأتي بركعتين من قيام تطبيقا لما تقدم في الصورة الثالثة.
73 - الثامنة: ان يشك بيني الثلاث والأربع والخمس حال القيام
فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع فيبني على
الأربع ويتم الصلاة ويأتي أولا بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس
تطبيقا لما تقدم في الصورة الرابعة.
74 - التاسعة: ان يشك بين الخمس والست وهو قائم فيجلس
ويرجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس ويتم صلاته ويسجد سجدتي
السهو تطبيقا لما تقدم في الصورة الخامسة.
ففي هذه الصور التسع تصح الصلاة بالعلاج الذي حددناه، ويستثني
من ذلك الحالات التالية:
75 - أولا: إذا حصل للشاك ترجيح معين لاحد الاحتمالات وهو
ما يسمى بالظن فيعتمد على ظنه فإذا غلب على ظن المصلي وترجع في نظره
ان هذه الركعة التي هو فيها الان هي ثالثة أو رابعة أو ثانية - مثلا -

443
عمل بظنه تماما كما يعمل في عدد الركعات ولا شئ عليه. ولا
يحتاج إلى علاج.
وإذا شك وتردد المصلي ان الذي عرض له الان: هل هو ظن أو
شك - يكون ذلك ظنا ويعمل على أساسه.
76 - ثانيا: إذا ان الانسان مفرطا في الشك وخارجا عن الحالة
الاعتيادية على نحو يشك عادة في كل ثلاث صلوات متتالية انه قد أتى بما
يشك فيه من ركعات اي انه يبني على الأكثر، فإذا شك في أنه هل اتى
بركعتين أو ثلاث بني على الثلاث وإذا شك بين الثلاث والأربع بني على
الأربع وأتم صلاته ولا شئ عليه ولا يحتاج إلى علاج، اجل إذا كان
الأكثر مبطلا للصلاة بني على الأقل وأتم صلاته بدون علاج فإذا شك
بين الأربع والخمس بني على الأربع لان البناء على الخمس يبطل الصلاة.
77 - إذا كان الشاك في عدد الركعات إماما أو مأموما وكان مأمومه
أو امامه حافظا وضابطا للعدد رجع إليه واعتمد على حفظه سواء كان حفظه
على مستوى اليقين أو الظن.
78 - رابعا: إذا كان المصلي يؤدي صلاة النافلة وشك في عدد
ركعاتها، فان له ان يبني على أقل عدد محتمل ويكمل صلاته ولا شئ عليه،
وله ان يبني على أكبر عدد محتمل ما لم يكن مبطلا ويكمل صلاته ولا شئ عليه.
79 - واما القسم الثالث اي الشك الذي تبطل به الصلاة فهو غير
ما تقدم من ألوان الشك في عدد الركعات فكل شك في عدد الركعات
غير ما تقدم - تبطل به الصلاة - ومن ذلك أن يجهل المصلي كم صلى ولا يقع
ظنه ووهمه على اي عدد من الركعات.
ومن ذلك أيضا أنى شك في عدد الركعات في صلاة ثنائية - ذات

444
ركعتين - كالصبح أو صلاة ثلاثية - ذات ثلاث ركعات - كالمغرب ولا يجد
قرينة شرعية على عدد الركعات (ونعني بها أن يجد نفسه في التشهد أو
التسليم تبعا لما تقدم في الفقرات (63، 64، 65،)
ومن ذلك أن يتردد المصلي في عدد الركعات في صلاة رباعية دون ان
يتأكد ويتثبت من وجود الركعة الثانية كاملة سالمة (وتكمل الركعة الثانية
برفع الرأس من السجدة الثانية وحتى باكمال الذكر فهيا ولو لم يرفع رأسه)
كما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أن هذه الركعة التي
فرغ منها الان هل هي الأولى أو الثانية، وكما إذا شك بعد رفع الرأس
من السجدة الأولى أو قبل ذلك في أنه هذه الركعة التي يؤديها هل هي
الثانية أو الثالثة فان صلاته تبطل حينئذ لان وجود الركعة الثانية كاملة غير
مؤكد، ويمكن للمصلي التثبت من وجود الركعة الثانية كاملة إذا مني بالشك
بأحد طريقين:
الأول: ان يتدبر فيحصل له الوثوق والعلم بأنه قد فرغ من
الركعة الثانية.
الثاني: ان يشك المصلي - وهو يتشهد - في أن تشهده هذا: هل
حدث ووقع بعد الركعة الأولى (خطأ) أو بعد الثانية فيجعل التشهد نفسه
قرينة على أنه قد أكمل ركعتين تطبيقا لقاعدة التجاوز لأن الشك في صدور
الركعة الثانية منه بعد دخوله في التشهد هو عين الشك في الشئ بعد تجاوز
محله والدخول في غيره فتجري قاعدة التجاوز ونبها نبني على وجود الركعة
الثانية كاملة سالمة كما تقدم في الفقرة (63).
80 - والشكوك التي حكمنا بأنها تبطل الصلاة يستثنى منها الحالات
الأربع المتقدمة في الفقرة (75، 76، 77، 78) فان الحكم فهيا هو
ما قررناه في تلك الفقرات فالظان يعمل على أساس ظنه وكثير الشك يفترض

445
ان ما شك فيه قد اتى به ما لم تبطل الصلاة بمثل هذا الافتراض والامام
والمأموم يعتمد كل منهما إذا شك على الاخر، والمتنفل (المصلي صلاة
النافلة) له ان يبني على الأقل أو على الأكثر ما لم تبطل الصلاة بمثل
هذا الافتراض.
81 - وكلما حصل للمصلي شك في عدد الركعات ولكنه لم يستعجل
بل تروى وتدبر فحصل له اليقين أو الظن بالعدد عمل هذا الأساس
وصحت صلاته ولم يحتج إلى علاج اطلاقا.
كما أنه إذا حصل له ظن بالعدد ولكن سرعان ما فارقه هذا الظن
وتحير تحيرا كاملا بدون ترجيح عمل على أساس حالته الثانية، فان كان
الشك مما تبطل به الصلاة بطلت صلاته وان كان بحاجة إلى علاج عالجه
بالنحو المناسب تبعا لما قررناه في الصور التسع المتقدمة.
صلاة الاحتياط
82 - مر بنا ان الشك في سبع صور من الصور التسع التي تقدم
بيانها لا تبطل به الصلاة شريطة ان تعالج بصلاة الاحتياط، فإذا عولجت
بها صحت والا بطلت.
وجوبها: وصلاة الاحتياط في تلك الصور السبع واجبة فلا يسوغ
للمكلف الشاك ان يهمل تلك الصلاة ويستأنفها من جديد بل لابد له من
علاجها بصلاة الاحتياط.
83 - ويسقط وجوبها إذا تبين للمصلي ولو بعد الفرغ من صلاته
انه كان على حق في البناء على الأكثر وان صلاته كاملة سالمة، وإذا تبين
له ذلك وهو في أثناء صلاة الاحتياط أمكنه قطعها وأمكنه اتمامها نافلة ركعتين

446
وقد يتبين له ان صلاته كانت ناقصة، مثلا يشك في أنها ثلاث ركعات
أو أربع فيبني على الأربع ويكمل صلاته ثم يتأكد من أنها كانت ثلاث
ركعات فهل يسقط حينئذ وجوب صلاة الاحتياط؟ ويتضح الحكم من خلال
استعراض الحالات التالية:
الأولى: ان يتبين له النقص قبل البدء بصلاة الاحتياط وعليه في
هذه الحالة ان يغض النظر عما وقع منه من تشهد وتسليم ويقوم لاكمال
صلاته بركعة رابعة لا يكبر لها تكبيرة الاحرام ويقرأ فيها ما يقرأه المصلي
في الركعة الرابعة.
الثانية: ان يتبين له النقص في أثناء ركعة الاحتياط وهو يؤديها
من قيام فيفترضها مكملة لصلاته ولا شئ عليه.
للثالثة: ان يتبين له النقص في أثناء صلاة الاحتياط قبل ان يركع
فيها وهو يؤديها من جلوس فيهمل ما اتى به منها ويقوم ويأتي بالركعة
الرابعة الناقصة لتكميل صلاته بدون تكبيرة الاحرام ويقرأ فيها ما يقرأه المصلي
في الركعة الأخيرة.
الرابعة: ان يتبين له النقص في أثناء صلاة الاحتياط بعد أن ركع
فهيا وهو يؤديها من جلوس والأجدر به حينئذ وجوبا ان يستأنف الصلاة
من جديد.
وان تبين للمصلي النقص بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فلا شئ
عليه على اي حال.
84 - وإذا صلى المكلف وسلم في صلاته وقبل ان يصدر منه ما هو
مبطل عرض له الشك في أنه هل بني على الركعة الرابعة لأنه كان قد
ظنها أو تيقنها كذلك كي يكون تسليمه هذا خاتمة صلاته ولا شئ عليه
بعده أو انه كان قد بني على الركعة الرابعة لأنه شك بين الثلاث والأربع

447
وبني على الأكثر كي يكون عليه ان يأتي بصلاة الاحتياط، إذا افترضنا
هذا فهل تجب في هذه الحالة صلاة الاحتياط؟.
والجواب: نعم يجب على هذا الشاك فعلا ان يحتاط بركعة من قيام سواء
كان حين سلم قد سلم جازما بأن سلامه هذا هو الأخير والخاتمة أم سلم مع الشك والتردد.
85 - ومن وجبت عليه صلاة الاحتياط وشك في أنه: هل أداها
وخرج عن عهدتها أو تزال في ذمته فهل يجب عليه الاتيان بها أو لا يجب؟
والجواب: إذا حصل له هذا الشك بعد أن خرج وقت الصلاة أو
بعد أن فرغ منها المصلي وقد صدر منه بعد التسليم ما أبطلها لو لم تكن
تامة - كشئ من موجبات الوضوء أو ما يمحو صورة الصلاة رأسا - فلا
يجب عليه الاتيان بصلاة الاحتياط ومضت صلاته والا فعليه ان يأتي بها
ويخرج عن عهدتها.
86 - كيفيتها: تقدم ان صلاة الاحتياط تارة تكون ركعة من قيام
أو ركعتين من جلوس وأخرى تكون ركعتين من قيام وركعتين من جلوس
وصورتها على اي حال هي الصورة العامة للصلاة المكونة من ركعة أو
من ركعتين.
ويجب في صلاة الاحتياط كل ما يجب في صلاة الفريضة أجزاء
وشروطا الا السورة والا الجهر في الفاتحة فان المصلي صلاة الاحتياط
يخفت بالفاتحة دائما.
وإذا صدر من المصلي قبل الابتداء بصلاة الاحتياط شئ يبطل الصلاة
حينما يقع فهيا بطلت صلاته من أساسها كما لو صدر منه ذلك المبطل في
أثنائها ووجب عليه ان يعيد الصلاة ويستأنفها من جديد.
87 - الخلل والشك: إذا ترك أو زاد شيئا في صلاة الاحتياط
سهوا أو جهلا أو عمدا فحكمه حكم ما لو ترك أو زاد في اية فريضة من

448
الفرائض، وقد تقدم بيان هذا الحكم في الخلل.
وكلما اقتضى هذا الحكم بطلان صلاة الاحتياط كفى المكلف ان
يستأنف أصل الصلاة من جديد.
والشك في قول أو فعل واجب من صلاة الاحتياط تحكمه نفس
احكام الش كفي واجبات الصلاة التي مرت بنا آنفا، فمثلا ان كان قد
حدث هذا الشك بعد تجاوز محل المشكوك والدخول في الجزء التالي له
مضى ولا ش ء عليه، وان حدث قبل تجاوز المحل والدخول في الجزء
اللاحق أعاد تماما كما لو حدث ذلك في اية فريضة.
وإذا شك في عدد ركعات صلاة الاحتياط الثنائية بنى على الأكثر
الا ان يكون الأكثر مبطلا لها كالشك بين الركعتين والثلاث.

449
صلاة الجماعة
تمهيد
88 - صلاة الجماع من أهم شعائر الاسلام، واستحبابها وطيد
ومؤكد نصا واجماعا، بل ثبت هذا الاستحباب بضرورة دين الاسلام
وعند جميع المسلمين، واجرها وثوابها من الله تعالى عظيم وقد يفوق اجر
الكثير من الواجبات وجل المستحبات، وكلما ازدادت الجماعة وأعطت
مظهرا حقيقيا لتجمع المسلمين والمصلين اليومية الحاضرة منها (اي التي
لم يفت وقتها المؤقت لها بعد) والفائتة وبالخصوص الحاضرة وبصورة
أخص صلاة الصبح والمغرب والعشاء.
89 - وقد تجب صلاة الجماعة على الانسان لأسباب طارئة:
منها: آن يضيق الوقت على المكلف وكان بطئ النطق فلو صلى
منفردا لما أدرك من الوقت المحدد للصلاة حتى ركعة ولو صلاها مأموما
بامام سريع النطق لأدرك ركعة، فيجب عليه والحالة هذه ان يأت م (فان
المأموم لا يقرأ ويعول في القراءة على الامام كما سيأتي).
ومنها ان يكون المكلف بحاجة إلى تعلم للقراءة وقد أهمل ذلك حتى
حل وقت الصلاة ولا يسعه فعلا ان يصلي بصورة منفردة مع الحفاظ على
القراءة ولكن يسعه ان يأتم ويعول في القراءة على الامام فيجب عليه

450
والحالة هذه أن يأتم.
ومنها ان ينذر الصلاة جماعة أو يحلف بالله على ذلك أو نحو هذا مما
يؤدي إلى وجوب طارئ.
صلاة المنفرد وصلاة المقتدي
90 - الصلاة لها أسلوبان: أحدهما ان يصلي الانسان بدون ان
يكون لصلاته ارتباط شرعي بصلاة لمنفرد
وهي التي عرفنا فيما تقدم صورتها واجزاءها وشرائطها والاخر ان يصلي
الانسان ناويا ان يتخذ من مصل آخر إماما له وقدوة في صلاته فيتابعه في
حركاته وركوعه وسجوده وقيامه، وتسمى هذا الصلاة بصلاة الجماعة
والعلاقة التي تقوم بين هذين المصلين بالاقتداء ويسمى الأول مقتديا ومأموما
والثاني مقتدي به واماما. فالاقتداء اذن تعبير شرعا عن تلك العلاقة التي
ينشئها المأموم وبين الامام عندما ينوي ان يأتم به ويقتدي بصلاته.
وكل من صلاة المقتدي - اي يأتم به ويقتدي بصلاته.
وكل من صلاة المقتدي - اي المأموم - وصلاة المقتدي به - اي
الامام - أفضل من صلاة المنفرد لأنها يؤديان بذلك صلاة الجماعة وهي من
أعظم المستحبات كما عرفت في التمهيد.
وفيما يلي سنشرح ما يتعلق بصلاة الجماعة من احكام ضمن النقاط التالية:
1 - الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء.
2 - كيفية الاقتداء.

451
3 - شروطه.
4 - الفوارق في الكيفية بين صلاة الجماعة وصلاة المنفرد.
5 - الاحكام المترتبة على صلاة الجماعة.
الصلوات التي يسوغ فيها الاقتداء
91 - يسوغ الاقتداء وإقامة صلاة الجماعة في كل الصلوات الواجبة
من الصلوات اليومية وصلاة الجمعة وصلاة الآيات وغيرها، ويستثنى من
الصلوات الواجبة صلاة الطواف فانا لا نملك دليلا على أن الاقتداء فيها سائغ.
ولا يسوغ الاقتداء في الصلوات المستحبة بطبيعتها حتى ولو وجبت
بنذر ونحوه، ولا فرغ في ذلك بين النوافل اليومية وغيرها، ويستثنى من
ذلك صلاة الاستسقاء وكذلك صلاة العيدين فان اقامتها جماعة سائغ حتى
ولو كانت مستحبة.
92 - وإقامة الصلاة جماعة ليس شرطا واجبا في الصلوات الواجبة
الا في صلاة الجمعة وصلاة العيدين حيث تجب فلا تصح صلاة الجمعة ولا
صلاة العيدين الواجبة الا بإقامتها جماعة.
93 - وإذا صلى الانسان صلاة الفريضة منفردا سقط وجوبها ولكن
مع هذا يستحب للمصلي المذكور ان يعيدها جماعة إماما أو مأموما على أن
يكون في الجماعة مأموم واحد على الأقل يمارس صلاة الفريضة لأول مرة.
وإذا صلى المكلف منفردا ثم أعادها جماعة وبعد ذلك انكشف له

452
ان صلاته الأولى كانت باطلة فالثانية عوض وبدل.
94 - وإذا كانت صلاة الامام وصلاة المأموم معا من الصلوات
الواجبة التي تسوغ فيها صلاة الجماعة فهل يعتبر ان تكون الصلاتان من
نوع واحد كما إذا كانتا معا صلاة صبح أو صلاة آيات مثلا أو يسوغ
الاقتداء وتصح الصلاة جماعة ولو اختلفت الصلاتان؟
والجواب: بل يسوغ الاقتداء مع اختلاف الصلاتين أيضا من قبيل
ان يقتدي من يصلي المغرب بمن يصلي العشاء وبالعكس، ومن يصلي الظهر
بمن يصلي العصر وبالعكس، ومن يؤدي الحاضرة من يومه بمن يقضي
الفائتة من أمسه وبالعكس، ومن يتم الصلاة حاضرا بمن يقصرها مسافرا
ومن يقضي صلاة المغرب التي فاتته بمن يقضى صلاة العصر التي فاتته
وبالعكس، ومن يصلي الكسوف بمن يصلي صلاة الزلزلة وهكذا ما دام
كل من الإمام والمأموم يمارس صلاة واجبة.
95 - ويستثنى من ذلك (اي من جواز الاقتداء من اختلاف
الصلاتين) إذا كان الامام يصلي صلاة العيدين أو صلاة الآيات أو الصلاة
على الأموات، فإنه لا يسوغ للمأموم ان يقتدي به حينئذ الا في صلاة من
نوع الصلاة التي يصليها الامام.
كما أن من يريد ان يصلي مأموما صلاة العيدين أو صلاة الآيات أو
صلاة الأموات فلا يسوغ له ان يقتدي الا بمن يؤدي نفس الصلاة وكذلك
الامر في صلاة الاستسقاء فان الاقتداء فيها بمن يصلي غيرها ليس جائزا،
وكذلك اقتداء من يصلي الصلوات اليومية مثلا بمن يصلي صلاة الاستسقاء

453
96 - وقد تسأل: إذا كان الانسان يشك في أن عليه فوائت من
صلواته اليومية السابقة وأراد ان يصليها احتياطا فهل يجوز له ان يقتدي
بمن يصلي الفريضة؟ وهل يجوز ان يقتدي به من يصلي الفريضة، وهل
يجوز ان يقتدي به من يصلي فوائت مشكوكة مثله تماما؟
والجواب: ان هذا الشخص يجوز له ان يقتدي بمن يصلي الفريضة،
ولا يجوز لمن يصلي الفريضة ان يقتدي به ما دام غير متأكد من أن صلاته
واجبة، كما يجوز لمن يلي فوائت مشكوكة ان يقتدي بمن يصلي فوائت
مشكوكة أيضا الا إذا كان يعلم بأنه في حالة كونه مدينا بتلك الصلاة فامامه
مدين بصلاته أيضا، كما إذا كان كلا الشخصين قد توضأ للظهر والعصر
من ماء واحد وصليا وبعد ذهاب النهار شكا في أن الماء الذي توضأ به
معا هل كان طاهرا أم نجسا واردا ان يحتاطا استحبابا بالقضاء، ففي مثل
هذه الحالة يسوغ لكل منهما الاقتداء بالآخر.
97 - وإذا كان الانسان يصلي ركعة الاحتياط علاجا للشك في صلاته
فهل يجوز اقتداءه بمن يصلي الفريضة أو بمن يصلي ركعة احتياط أيضا؟
وهل يجوز لمن يصلي الفريضة ان يقتدي به؟
الجواب: لا يسوغ له ان يقتدي بمن يصلي الفريضة ولا بمن يصلي
ركعة احتياط، ولا يجوز لمن يصلي الفريضة ان يقتدي به، ويمكنك ان
تقول قد يقتدي شخص بآخر في صلاة يومية ثم يعرض الشك في عدد
الركعات لهما معا على نحو واحد كما إذا شكا بين الثلاث والأربع فبينا على
الأكثر وفرغا من صلاتهما وقاما لأداء ركعة الاحتياط، فهل يواصل
المأموم اقتداءه بامامه في ركعة الاحتياط هذه وهر يعلم أنه في حالة كونه
مدينا بها وكون صلاته ناقصة فامامه مدين بها أيضا لنفس السبب؟

454
والجواب: ان جواز الاقتداء في هذه الحالة محتمل ولكن الأجدر
بالمكلف وجوبا ان لا يقتدي، لان ركعة الاحتياط في حالة عدم نقص
صلاة تعتبر صلاة مستحبة ولا اقتداء في الصلاة المستحبة.
98 - وإذا كنت تريد ان تؤدي صلاة الفريضة مثلا ورأيت مصليا
توافرت فيه شروط الإمامة بالكامل فلا تأتم تأتم ولا تقتد به حتى تعلم أن
صلاته هذه من الصلوات الواجبة التي يسوغ الاقتداء بها، فربما كان يتطوع
ويتنفل أو يؤدي صلاة واجبة لا يسوغ فيها الاقتداء والائتمام كما إذا كان
يقضى صلاته الطواف مثلا.
كيفية الاقتداء
99 - عرفت ان صلاة الجماعة تتكون من اقتداء شخص بشخص آخر في
الصلاة كما عرفت الحالات التي يسوغ فيها الاقتداء.
واما الاقتداء نفسه فهو عبارة عن أن ينوي المأموم حين يكبر تكبيرة
الاحرام انه يصلي مقتديا بهذا الامام أو مؤتما به أو يصلي خلفه ونحو
ذلك من المعاني التي تهدف إلى شئ واحد، فإذا نوى المأموم كذلك
صار مقتديا وصار المقتدي به إماما واعتبرت صلاتهما صلاة جماعة، سواء
كان الامام قاصدا لان يكون إماما أولا وحتى لو كان جاهلا بالمرة بان
رفيقه نوى الاقتداء به فان الجماعة تنشأ بنية المأموم لا بنية الامام، اجل في
الصلوات التي لا تشرع ولا تسوغ إلا جماعة لابد ان يكون الامام فيها
ملتفتا إلى أنه يصليها إماما والا لكان قاصدا لأمر غير مشروع ومثاله من
يقيم صلاة الجمعة وكذلك في أي فريضة صلاها المكلف وأراد ان يعيدها
إماما استحبابا.

455
ولابد ان يعين المأموم عند نية الاقتداء شخصا معينا بنوي الائتمام به
فلا يسوغ ان ينوي الائتمام بشخصين معا، ولا بانسان ما بدون ان يعينه في
هذا وذاك.
وليس من الضروري ان يعينه بالاسم بل يكفي ان يشير إليه بقلبه
إشارة محددة بعد تأكده من توفر الشروط اللازمة فيه (إذ سيأتي ان
امام الجماعة يجب ان تتوفر فيه شروط نوضحها فيما بعد أن شاء الله تعالى).
وإذا نوى الاقتداء بالامام الواقف معتقدا انه زيد فتبين بعد ذلك أنه
عمرو صحت صلاته وائتمامه إذا كان عمرو جديرا بالإمامة أيضا وتتوفر
فيه الشروط اللازمة في امام الجماعة.
ولا يسوغ لشخصين ان ينوي كل منهما الاقتداء بالآخر ولا أن ينوي
شخص الاقتداء بمن ينوي يدوره الاقتداء بثالث.
ولا يسوغ للمصلي الذي بدأ صلاته منفردا ان ينوي في الأثناء
الائتمام والاقتداء، وانما يسوغ للانسان ان ينوي ذلك في بداية صلاته.
100 - وليس من الضروري ان يبدأ المصلي بالاقتداء مع بداية
صلاة الامام، وانما المهم ان لا يسبق المأموم امامه بتكبيرة الاحرام، وله
ان يلتحق به في الركعة الأولى متى شاء حتى يركع الامام، وله ان يلتحق
به في أثناء الركوع بان يكبر واقفا ناويا الاقتداء ثم يركع شريطة ان يكون
الامام باقيا في الركوع إلى حين ركوعه، وله ان يلتحق به في الركعة
الثانية أو اي ركعة أخرى على تفصيل يأتي.
وقد تسأل هل يجوز للمأموم ان ينوي الاقتداء بالامام في جزء من
صلاته - ركعة واحدة مثلا من صلاته أو ركعتين - ثم يفترق عنه أو لا
يسوغ له ان يفترق عنه بحال؟
والجواب: إذا انتهت ركعات المأموم قبل ان ينهي الامام ركعات

456
صلاته جاز له ان يفترق عنه، ومثال ذلك: من يأتم في صلاة المغرب
بامام يقضي صلاة الظهر فيفرغ من ركعاته الثلاث وعلى الامام ركعة
فينفرد عنه.
وإذا انتهت ركعات الامام قبل ان ينهي المأموم ركعات صلاته جاز
له ان يفترق عنه وينفرد بصلاته ويواصلها منفردا ليكملها، ومثال ذلك:
شخص يصلي الظهر مأموما وقد دخل في صلاة الجماعة والامام في ركعته
الثانية فيفرغ الامام من ركعاته وعلى المأموم ركعة، ومثال آخر: شخص
يصلي الظهر مأموما وامامه يصلي الصبح قضاء فيفرغ الامام من ركعاته
وعلى المأموم ركعتان.
وأما إذا كان لا يزال على الإمام والمأموم معا بقية من الصلاة فالأجدر
بالمأموم احتياطا إذا أراد ان يحافظ بصورة مؤكدة على صلاة الجماعة
وثوابها ان لا يفرد عن امامه ويفترق في أثناء الصلاة.
ويستثنى من ذلك انفراد المأموم عندما يجلس مع امامه للتشهد والتسليم
فان له ان يعجل بالتشهد والفراغ من الصلاة قبل فراغ الامام.
101 - وإذا انفرد المأموم على خلاف ما ذكرناه فهناك حالتان:
الأولى: ان يكون الانفراد قد خطر على باله فعلا ولم يكن قد نوى
ذلك من بداية الصلاة فصلاته صحيحة، وإذا كان هذا الانفراد قبل
الركوع من الركعة الأولى أو الثانية وجب عليه ان يقرأ كما يقرأ المنفرد،
وإذا كان بعد أن ركع فيمضي في صلاته منفردا ولا شئ عليه ولكن
شريطة ان لا يكون قد تورط في فترة ائتمامه بزيادة في الركن (حيث
يغتفر للمأموم أحيانا الزيادة في الركن كما سيأتي إن شاء الله تعالى) وأما إذا
كان قد تورط كذلك فعليه إعادة الصلاة.
وفي سائر الأحوال إذا صار المصلي منفردا بعد الاتمام فلا يسوغ له

457
ان يعود إلى ما اعرض عنه.
الثانية: ان يكون ناويا من البداية للانتقال من الائتمام إلى الانفراد
بمعنى انه اقتدى بالامام وعول عليه في القراءة وهو ينوي ان ينفرد في
القنوت مثلا وعندما قنت الامام انفرد عنه وركع وهذا عليه ان يعيد
الصلاة من جديد إلا إذا كان معتقدا حين الصلاة انه يسوغ له ذلك فلا
إعادة عليه حينئذ.
ولا يسوغ للمأموم ان يترك امامه وهو يصلي إلى امام آخر في صلاة
واحدة بان يعدل في وسط صلاته من أحدهما إلى الآخر.
102 - ونية القربة شرط أساس في صحة الصلاة من حيث هي
وليست شرطا في صحة الجماعة والاقتداء، فمن صلى جماعة بقصد ان
يحسن ويتقن القراءة أو بقصد الفرار من الشك ووسوسة الشيطان أو تأييدا
لامام الجماعة الصالح واعزازا للدين بذلك صحت صلاته، وله اجر المتعلم
أو ثواب الفار من وسوسة الخناس أو المؤبد لأهل الخير والصلاح تبعا
لنيته، ولا شئ له من ثواب الجماعة، ومن صلى جماعة بقصد التظاهر
بالتدين وكسب اعجاب الناس بعبادته كان آثما وكانت صلاته باطلة من
الأساس لأنه رياء والرياء يبطل العبادة كما تقدم، والشئ نفسه يقال في
الامام غير أن ذلك بالنسبة إلى الامام من المزالق التي ينبغي له ان يحصن
نفسه ضدها ويصون نيته من وساوس الشيطان.
103 - ومن رأى نفسه وسط أناس يصلون جماعة فشك: هل كان
قد نوى الائتمام والجماعة أو نوى الصلاة منفردا أتم صلاته منفردا ولا وزن
هنا لظاهر الحال.
وإذا ائتم بامام وفي أثناء الصلاة شك في أنه عدل عن نية الائتمام أو
لم يعدل بقي على نيته السابقة.

458
شروط الاقتداء
ولا يصح الاقتداء شرعا وبالتالي لا تصح صلاة الجماعة الا إذا
توفرت الشروط التالية:
الشرط الأول للاقتداء
104 - الأول: ان يقتدي المأموم بالامام والامام يكبر تكبيرة الاحرام
أو واقف يقرأ في الركعة الأولى أو بعد القراءة وقبل الهوي إلى الركوع
أو راكع قبل ان يرفع رأسه فما لم يرفع الامام رأسه من الركوع يسوغ
الاقتداء به في الركعة الأولى، وكذلك يسوغ الاقتداء به في الركعات
الأخرى وهو قائم أو وهو راكع، وتفوت الفرصة برفع رأسه من الركوع
فلا يسوغ الاقتداء والدخول في صلاة الجماعة عند رفع الامام رأسه من
الركوع أو هويه إلى السجود، فمن أدركه وقتئذ فعليه ان ينتظر إلى أن
يقوم الامام لركعة جديدة.
105 - يستثنى من ذلك إذا وصل الانسان إلى صلاة الجماعة والامام
في الركعة الأخيرة قد جلس يتشهد فان بامكان الانسان حينئذ إذا أراد ان
يدرك فضل الجماعة وثوابها ان يكبر تكبيرة الاحرام ناويا الاقتداء وهو قائم
ثم يجلس مع الامام ويتشهد باعتباره كلاما دينيا محبوبا لله فإذا سلم الامام
قام لصلاته من غير حاجة إلى تكرار تكبيرة الاحرام وأدى صلاته منفردا.
وإذا أدرك الامام وهو في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة
أمكنه ان يقوم بمثل ذلك فيكبر ويهوي إلى السجود فيسجد ويتشهد مع

459
الامام بنفس النية السابقة، وإذا فرغ الامام قام لصلاته ولكن يجب عليه
ان يكبر لاحتمال الحاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام في هذه الحالة.
وهكذا يتضح ان هذا الاستثناء انما يعطي للملتحق بالجماعة في حالة
التشهد والسجود من الركعة الأخيرة ثواب الجماعة ولا يحتسب ذلك من
الصلاة، فلكي يحتسب من الصلاة لابد من ادراك الامام قبل ان يرفع
رأسه من الركوع.
106 - وإذا اقترن الحد الأدنى من ركوع المأموم مع ابتداء الامام
برفع رأسه فلا يقين بكفاية ذلك في صحة الاقتداء، وإذا كان الامام راكعا
فنوى المأموم الائتمام به وكبر وركع معتقدا انه يدرك الامام ثم تبين
له العكس صحت صلاته منفردا لا جماعة.
وان كبر وركع معتقدا انه يدرك الامام راكعا ولكنه حين ركع
شك في أن الامام: هل كان راكعا أو رافعا رأسه من الركوع تصح
صلاته جماعة.
107 - وإذا وصل إلى صلاة الجماعة والامام راكع وشك وتردد:
هل يدرك الامام راكعا إذا كبر وركع أو لا فله ان ينوي ويحرم ويركع
فان أدركه راكعا صحت صلاته جماعة والا صحت كصلاة منفرد.
108 - وإذا وجد الانسان الامام راكعا وخاف الفوات إذا انتظر
إلى أن يصل إلى صفوف المصلين أمكنه ان يكبر ويركع ويمشي في ركوعه
إلى الصف، شريطة عدم الانحراف عن القبلة وعدم الاخلال باي واجب
من واجبات الجماعة سوى انه بدأ صلاته بعيدا عنها.
109 - وفي كل حالة يلتحق فيها المصلي بصلاة الجماعة بأمل ان يدرك
الامام قبل رفع رأسه إذا أعجله الامام ورفع رأسه فقد فاتته الجماعة،
وعندئذ يتخير بين ان يواصل صلاته منفردا وتصح منه وبين ان يعدل

460
إلى النافلة فينويها نافلة ويصليها بالكامل، ان شاء وان شاء قطع النافلة
والتحق بالامام في ركعة لاحقة.
الشرط الثاني
الثاني: المتابعة في الافعال ذلك أن الصلاة فيها أفعال كالركوع
والسجود والقيام والجلوس وأقوال كقراءة الفاتحة والذكر والتشهد والاقتداء
لا يصح الا إذا تابع المأموم الامام في أفعاله فيركع بركوعه ويسجد بسجوده
ويقف بوقوفه ويجلس بجلوسه، ومعنى المتابعة ان لا يسبقه في اي فعل من
واجبات الصلاة ركنا كان أو غير ركن بل يأتي من بعد الامام ما فعله
الامام بلا فاصل طويل أو مقارنا له.
ولا تجب المتابعة في الأقوال ما عدا تكبير الاحرام فان المأموم لا
يسوغ له ان يسبق امامه في تكبيرة الاحرام، ويسوغ له ان يسبقه في قراءة
البسملة أو التشهد أو الذكر ونحو ذلك من الأقوال، كما أن للمأموم ان
يزيد على امامه فيسبح في ركوعه مثلا سبع مرات في حالة اقتصار الامام
على الثلاث.
111 - وإذا ترك المأموم المتابعة عن عمد والتفات فالاقتداء باطل ولا
جماعة له، وإذا تركه سهوا وغفلة فلا يبطل اقتداءه ولا جماعته، بل ينظر
فان كان بالامكان ان يتدارك ويلتحق بالامام تدارك والتحق في حالات معينة
يأتي تحديدها، والا فلا شئ عليه ويتضح ذلك من خلال الافتراضات
التالية:
112 - إذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الامام سهوا وتفطن إلى
ذلك والامام لا يزال راكعا عاد إلى الركوع مع الامام ولا شئ عليه،

461
وإذا تفطن ولم يعد في هذه الحالة بنى على أنه منفرد وان جماعته بطلت.
113 - وإذا رفع المأموم رأسه من السجود قبل الامام سهوا والامام
ساجد فالحكم هو نفس ما تقدم، وهذا يعني ان زيادة الركوع والسجود
من مثل هذا الساهي مغتفرة من اجل المتابعة للامام.
114 - وإذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود سهوا وتفطن
بعد أن كان الامام قد رفع رأسه واصل صلاته مع امامه ولا شئ عليه.
115 - وإذا هوى إلى الركوع أو السجود قبل الامام سهوا وتفطن
إلى ذلك والامام لا يزال قائما أو جالسا ذكر ورفع رأسه والتحق بالامام
وركع معه أو سجد ثانية ولا ذكر عليه في هذا الركوع أو السجود المكرر
من اجل المتابعة، وإذا تفطن إلى ذلك في حالة هوى الامام إلى الركوع
أو السجود بقي على حاله وتابع صلاته مع امامه.
116 - وإذا ركع الامام أو سجد وتخلف المأموم عنه سهوا حتى رفع
الامام رأسه ثم تفطن المأموم فعليه ان يؤدي ما فاته من ركوع أو سجود
ثم يواصل بعد ذلك متابعته للامام ولا شئ عليه.
117 - وإذا نهض الإمام والمأموم معا من ركوع أو سجود ولكن
انتصب المأموم قائما أو جالسا قبل ان ينتصب الامام غفلة أو باعتقاد ان
الامام قد انتصب بقي على حاله إلى أن ينتصب الامام ويواصل صلاته معا.
118 - وإذا زاد الامام سجدة مثلا سهوا منه فلا يجب ولا يسوغ
للمأموم متابعته فيه ولا يضر عدم المتابعة هنا بصحة اقتدائه وجماعته.
119 - وإذا رفع المأموم رأسه من السجود فرأى الامام ما زال ساجدا
فتخيل المأموم أنها أولى السجدتين فعاد إليها بقصد المتابعة والاقتداء تطبيقا
لما تقدم في الفقرة (113) فتبين انها السجدة الثانية حسبت ثانية.
120 - وإذا تخيل المأموم انها الثانية فسجد سجدة أخرى بقصد انها

462
ثانية متابعا للامام فتبين انها أولى حسبت أولى متابعة للامام.
الشرط الثالث
121 - الثالث: اجتماع الامام والمأمومين في موقف واحد من بداية
الاقتداء إلى نهايته على نحو يصدق عليهم في نظر العرف انهم مجتمعون في
صلاتهم لا متفرقون. ولا تضر كثرة الصفوف وتراميها بالغة ما بلغت ما دام
اسم الاجتماع صادقا، فلا يسوغ لانسان في غرفة من بيته ان يقتدي بامام
يصلي في المسجد لعدم صدق اسم الاجتماع فلا تكون الصلاة صلاة جماعة.
وعلى هذا الأساس لا تصح صلاة الجماعة مع وجود جدار أو اي حائل
اخر بين الامام والمأمومين أو بين بعض الصفوف وبعض على نحو
يمنع عن صدق الاجتماع عرفا، وكذلك لا تصح مع وجود فواصل وفراغات
بين الامام والمأمومين أو بين صف وصف بمقدار لا يسمح بصدق اسم
الاجتماع. والأجدر بالمأموم ان يراعي في الفاصل بين محل سجوده وموقف
امامه أو موقف المأموم الذي امامه ان لا يزيد على ما يمكن ان يتخطاه
الانسان ويراعي في الحائل تفادى كل ما كان حاجبا عن الرؤية والمشاهدة
من حائط وغيره.
122 - ويستثنى من ذلك المرأة إذا أرادت ان تقتدي بالرجل في
صلاتها فإنه يرخص لها بالصلاة خلف حائل بينها وبين الامام أو بينها وبين
الرجال المأمومين ولو لم يصدق اسم الاجتماع، كما يرخص بوجود فاصل
بينها وبينه أو بينها وبينهم.
123 - وتسوغ صلاة الجماعة مع وجود فاصل لا يمنع عن الرؤية بين
الامام والمأمومين أو بين بعض صفوفهم والبعض الاخر كالزجاج والشبابيك

463
المخرمة ونحوها فإنها لا تمنع عن صدق اسم الاجتماع، وكذلك تسوغ صلاة
الجماعة أيضا مع وجود حائل غير ثابت كمرور انسان ونحو ذلك.
124 - ويكفي ان يكون مأموم واحد في الصف قد توفر فيه هذا
الشرط بالنسبة إلى من هو امامه، فإذا لم يكن بينه وبين من هو امامه
فاصل مكاني أو حائل على نحو يمنع عن صدق اسم الاجتماع صحت صلاته
وصلاة كل من عن يمينه وعن يساره من المأمومين حتى ولو كان امامهم
جدار وستار فان اسم الاجتماع يصدق في هذه الحالة، وعلى هذا الأساس
إذا ضاق المسجد بالمأمومين فوقف من وقف منهم مصليا ببابه المفتوح بحيث
يشاهد الامام أو يشاهد من يشاهده مباشرة أو بالواسطة صحت صلاته
وصلاة من على يمينه ويساره ومن خلفه.
125 - والمأمومون الإماميون - اي المتقدمون مكانا - كما لا يشكلون
(وهم يصلون) حاجبا أو فاصلا بين الامام ومن خلفهم من المأمومين كذلك
لا يشكلون حاجبا أو حائلا في حالة تهيئهم لتكبيرة الاحرام وتأهبهم لذلك
فيسوغ للمأموم المتأخر ان ينوي الائتمام ويكبر إذا لاحظ ان المأمومين الذين
بينه وبين الامام متأهبون للتكبير كما إذا كانوا قد رفعوا أيديهم لكي يكبروا.
وإذا كان المأموم الامامي يصلي قصرا مثلا والامام والمأموم المتأخر
يصليان صلاة تامة فسوف يفرغ المأموم الامامي قبلهما، ولا يضر ذلك بصحة
اقتداء المأموم المتأخر فإنه يبقى على جماعته، وإذا كان الفاصل بينه وبين
الامام كبيرا أمكنه ان يتقدم فورا ويأخذ الموقع المناسب ويواصل صلاته،
وكذلك الحال بالنسبة إلى من كان يصلي إلى جانب ذلك المسافر ويتصل
بامامه عن طريقه فإنه لا ضير عليه وإذا كان الفاصل كبيرا اقترب لاخذ
الموضع المناسب مع الحفاظ على استقبال القبلة.
126 - وقد تسأل إذا كان انسان يصلي جماعة ويفصله عن امامه

464
مأمومون متقدمون في المكان وهو يعلم أن صلاتهم باطلة فهل يشكل وجودهم
حاجبا أو فاصلا حينئذ كما لو كانوا قد اجتمعوا يتحدثون؟
والجواب: انه لا يشكل حاجبا أو فاصلا لان اسم الاجتماع صادق
ما داموا يمارسون صورة الصلاة فالمأموم المتأخر تصح جماعته في هذه الحالة.
127 - وإذا بدأت صلاة الجماعة بدون حاجب وفاصل يضر بصدق
اسم الاجتماع ثم شك أحد المصلين في حصول الفاصل والحائل في الأثناء
فما هو الحكم؟
والجواب: ان الحكم هو البناء على استمرار الجماعة وصحتها وإذا
بدأت صلاة الجماعة وفيهم من يشك في وجود الفاصل والحائل الذي يمنع
عن صدق اسم الاجتماع عرفا منذ بداية الصلاة فهذا الشاك لا يسوغ له الاعتماد
على هذه الجماعة والدخول فيها.
والجهل بوجود الحائل أو الفاصل الذي يمنع عن صدق اسم الاجتماع
ليس عذرا مسوغا لصحة الجماعة فمن صلى جاهلا بذلك ثم علم أثناء الصلاة
بوجوده بنى على أن اقتداءه باطل منذ البداية ويجري على صلاته الحكم الذي
سيأتي في الفقرة (140).
الشرط الرابع
الرابع: ان تتوفر في امام الجماعة أمور معينة وهذه الأمور يمكن تصنيفها
إلى قسمين: أحدهما يرتبط بصفاته الشخصية العامة والآخر يرتبط بوضعه
الخاص في تلك الصلاة التي صار إماما فيها.
128 - فبالنسبة إلى القسم الأول يجب ان يتصف امام الجماعة بالعقل
والبلوغ وطهارة المولد والايمان والعدالة، وكذلك الرجولة ان كان المأموم

465
ذكرا فلا تصح امامة المرأة للرجل وتصح لمثلها.
وبالنسبة إلى القسم الثاني يجب ما يلي:
129 - أولا: ان يقرأ الإمام ما يعول المأموم فيه عليه من القراءة
بصورة صحيحة (المأموم لا يقرأ الفاتحة والسورة ويعول في ذلك على الامام
كما سيأتي).
130 - ان يصلي الامام من قيام إذا كان المأموم يصلي من قيام وأما إذا
كان المأموم يصلي جالسا ساغ له ان يأتم بجالس مثله أيضا.
131 - ثالثا: ان تكون صلاة الامام صحيحة في نظر المأموم لكي
يصح له الاقتداء به، فإذا كان المأموم يعلم بنجاسة ماء معين ورأى إمامه
يتوضأ من ذلك الماء للصلاة جهلا منه بنجاسته ثم بدأ يصلي فلا يسوغ له
الاقتداء به، وأما إذا كان المأموم يشك في أن امامه هل توضأ من ذلك
الماء أو من ماء آخر ونحو ذلك بنى على صحة صلاة الامام وجاز له
الاقتداء به.
وقد يختلف الإمام والمأموم اجتهادا أو تقليدا في حكم بعض اجزاء
الصلاة وشروطها فما هو موقف المأموم في هذه الحال؟
الجواب: إذا كان الاختلاف في نقطة يعذر فيها الجاهل وتصح
صلاته فلا باس بالاقتداء، كما إذا كان من رأي الامام كفاية التسبيحات مرة
واحدة في الركعة الثالثة والرابعة وكان من رأي المأموم وجوب قراءتها
ثلاث مرات فان الامام معذور هنا لو قرأ مرة واحدة فيسوغ الاقتداء به.
وإذا كان الاختلاف في نقطة لا يعذر فيها الجاهل حينما يعرف الحقيقة فلا
يسوغ للمأموم ان يقتدي بذلك الامام إذا تأكد ان امامه قد جرى في تلك النقطة على
الرأي المخالف، بل وحتى ولو احتمل ذلك ما دام متأكدا من اختلافه معه
في وجهة النظر، ومثال ذلك: ان يعرف المأموم بان الامام يرى جواز

466
الوضوء ارتماسا والمأموم يرى عدم جواز ذلك والوضوء نقطة لا يعذر فيها
الجاهل فلا يسوغ للمأموم ان يأتم به ما لم يثق بأنه لم يتوضأ على ذلك النحو
الذي يراه باطلا.
132 - رابعا: إذا كان في المكان علو انخفاض واضح ومحسوس
فلابد ان لا يعلو الامام في موقفه على موقف المأموم شبرا أو أزيد من ذلك
ولا بأس بالعلو أقل من شبر، ومثال ذلك: ان تكن ارض الغرفة مشرفة
على ساحة الدار ومرتفعة عنها بمقدار شبر أو أزيد فلا يسوغ ان يقف
الامام على ارض الغرفة ويقف المأموم في ساحة الدار ويجوز العكس، ومثال
آخر ان يكون الإمام والمأموم على سفح جبل منحدر بصورة واضحة محسوسة
فلا يسوغ للامام ان يقف في الأعلى ويقف المأموم في نقطة تنخفض عن
ذلك بشبر أو أزيد ويسوغ العكس.
وإذا كان في الأرض ارتفاع وانخفاض ولكنه غير محسوس كما في الأرض
المسرحة التي تنخفض تدريجا جاز للامام ان يقف في اي نقطة منها.
133 - خامسا: ان لا يتقدم المأموم على الامام في الموقف الذي يقف
فيه. واما مساواتهما في الموقف فحكمها يختلف ذلك أن الامام إذا كان
رجلا وكان المأموم أكثر من واحد لم يجز للمأمومين ان يساووه فضلا عن أن
يتقدموا عليه، وإذا كان الامام امرأة أو كان رجلا له مأموم واحد جازت
المساواة في الموقف.
وكما لا يسوغ للمأموم ان يتقدم على الامام في الموقف الذي يقف فيه
كذلك الأجدر به وجوبا ان لا يتقدم عليه في كل الحالات راكعا وجالسا
وساجدا فلا يسمح له بان يكون محل سجوده متقدما على محل سجود الامام.

467
كيفية صلاة الجماعة
134 - مرت بنا فيما تقدم كيفية صلاة المنفرد، وصلاة الامام في
الجماعة كصلاة المنفرد في الكيفية تماما غير أن له ان ينوي الجماعة باعتباره
إماما لها، ويختلفا في الاحكام المترتبة عليها لا في أصل كيفية الصلاة بمعنى
انه كما يقرأ المنفرد يقرأ الإمام وكما يركع ويسجد المنفرد يركع ويسجد
الامام، ولكن يترتب على المنفرد إذا شك بين الثلاث والأربع مثلا ان يبني
على الأكثر كما تقدم ويترتب على الامام إذا شك كذلك ان يعتمد على
الحافظ الضابط للعدد من مأموميه فهذا فرق في الاحكام المترتبة لا في
أصل الكيفية.
واما صلاة المأموم فتختلف كيفيتها شيئا ما عن كيفية صلاة المنفرد
كما تختلف بعض الأحكام المترتبة عليهما.
وقد عرفنا سابقا ان بامكان الانسان ان يقتدي ويدخل مأموما في الجماعة في اي
ركعة من ركعات الامام على أن يدركه وهو قائم قبل الركوع أو يدركه
وهو راكع لم يرفع رأسه بعد.
وسوف نتحدث أولا عن كيفية صلاة المأموم إذا دخل في الجماعة في
الركعة الأولى، ثم نشرح بعد ذلك كيفيتها إذا دخل في الركعة الثانية أو
ما بعدها من ركعات.
135 - إذا نوى المأموم وكبر مع تكبيرة الاحرام أو بعدها والإمام يقرأ
فليس عليه ان يقرأ بل يتحمل الامام هذا الواجب عنه، وله ان
يسبح ويذكر الله تعالى وقد تسأل وهل يسوغ له ان يقرأ إذا أحب؟
والجواب: إذا كان في صلاة يجب فيها الجهر بالقراءة على الامام

468
كصلاتي المغرب والعشاء وصلاة الصبح وكان المأموم يسمع صوت الامام
بصورة متميزة أو غيره متميزة - فعليه ان لا يقرأ، وإذا كان في صلاة
يخفت فيها الامام بالقراءة كالظهر والعصر أو لم يسمع المأموم شيئا من
صوت الامام على الرغم من جهره بالقراءة ساغت القراءة للمأموم سواء
قصد بالقراءة مجرد ان يتلو القرآن أو قصد ان تكون جزءا من صلاته
ولكن على أن يخفت بها حتى ولو كان في صلاة المغرب ونظائرها من
الصلوات التي يجهر فيها المنفرد.
وإذا ركع الامام ركع المأموم وواصل متابعته له فإذا قام للركعة
الثانية وقف المأموم معولا على قراءة الإمام وكان الحكم هو نفس ما تقدم
في الركعة الأولى.
وهكذا يباشر المأموم سائر اجزاء الصلاة بنفسه ولا يعول على الامام
ولا يكتفي به الا في قراءة الفاتحة والسورة في الركعتين الأولى والثانية، وإذا
وصل المأموم إلى الركعة الثالثة مع امامه وجب عليه ان يختار التسبيحات
وبخاصة إذا كانت الصلاة مغربا أو عشاء أو صبحا بينما كان المنفرد مخيرا
بين التسبيحات والفاتحة.
وإذا كبر المأموم والإمام يقرأ ووقف ساكتا فركع الامام وسهى
المأموم عن ذلك حتى رفع الامام رأسه فلا ضير على المأموم بل يركع
ويلحق بالامام.
وإذا كبر المأموم قائما فهوى الامام فورا إلى الركوع هوى معه،
وإذا كبر والامام هوى إلى الركوع وليس عليه التريث واقفا ما دام
الامام هو الذي يتحمل القراءة عنه.
136 - وإذا جاء المأموم والامام واقف أو راكع في الركعة الثانية
كبر ودخل في الصلاة وسقطت عنه القراءة وجرى عليه نفس ما تقدم آنفا

469
غير أن هذه هي ركعته الأولى بينما هي الركعة الثانية للامام فإذا قنت الامام
بعد القراءة باعتبارها ركعة ثانية له استحب للمأموم ان يتابعه في ذلك،
فإذا رفع الامام رأسه من السجدة الثانية فيها جلس يتشهد واما المأموم
فليس عليه أن يتشهد لأنها ركعته الأولى ولكنه مع هذا يستحب له ان يجلس
جلسة غير مستقرة كمن يهم بالنهوض ويتشهد متابعة للامام، حتى إذا قام
الامام إلى ثالثته قام المأموم إلى ثانيته، وهنا تجب على المأموم قراءة الفاتحة
والسورة ولا يتحملها عنه الامام لان الامام انما تعوض قراءته عن قراءة المأموم
إذا كان هذا الامام في الركعة الأولى أو الثانية.
ولابد للمأموم ان يخفت بالقراءة ولو كانت الصلاة مما يجهر فيها
المنفرد، وإذا قرأ المأموم في هذه الحالة الفاتحة، وركع الامام وخشي المأموم
ان تفوته متابعة الامام في الركوع - إذا قرأ السورة الأخرى - تركها وركع
وإذا كان يقرأ الفاتحة وركع الامام وخشي المأموم ان تفوته المتابعة في
الركوع - إذا أكمل الفاتحة - فلا يسوغ له ان يقطعها، بل يكملها برجاء
ان يدرك الامام فان رفع الامام رأسه قبل ان يدركه في ركوعه انفرد
بصلاته عنه وقرأ سورة أخرى وركع.
وإذا قرأ المأموم وأدرك الامام راكعا واصل صلاته مع الامام حتى
إذا فرغ مع الامام من السجدة الثانية كان عليه ان يتشهد لأنه في الركعة
الثانية فيتخلف عن الامام قليلا ويتشهد ويسرع بالنهوض ليتاح له ان يأتي
بالتسبيحات الثلاثة ويتابع الامام في ركوعه ويكون هو في الركعة الثالثة
وامامه في الرابعة، فإذا أكملا هذه الركعة جلس امامه يتشهد ويسلم وهو
بامكانه ان يغادر الامام جالسا وينهض للرابعة وبامكانه ان يجلس متابعة له
ويتشهد حتى إذا سلم الامام قام إلى الركعة الرابعة وأكمل صلاته منفردا.
137 - وإذا بدأ المأموم صلاته مع الامام في الركعة الثالثة للامام

470
فهناك حالتان: الأولى: الأولى: ان يكبر والامام لا يزال واقفا وعليه في
هذه الحالة ان يقرأ - باخفات - الفاتحة والسورة أو الفاتحة على الأقل إذا
ركع الامام وخالف المأموم ان تفوته متابعة الامام في الركوع. والثانية:
ان يكبر والامام راكع فتسقط عنه القراءة نهائيا فيهوي إلى الركوع مباشرة
عقيب القراءة إذا أمهله الامام وعندما يجلس الامام ليتشهد ويسلم في الركعة
الأخيرة يجلس المأموم ليتشهد لركعته الثانية ثم يواصل صلاته منفردا.
138 - وإذا وصل الانسان إلى الجماعة والامام قائم فكبر والتحق بها
ولكنه لم يعلم هل ان الامام في الركعة الأولى أو الثانية لكي تسقط عنه
القراءة أو في الركعة الثالثة أو الرابعة لكي يجب عليه ان يقرأ اخفاتا جاز
له ان يقرأ الحمد والسورة اخفاتا من اجل هذا الاحتمال، فان تبين ان
الامام في الثالثة أو الرابعة فقد أحسن صنعا وصحت صلاته وان تبين انه
في الأولى أو الثانية لم يضره ما قرأ وصحت صلاته أيضا.
الاحكام المترتبة على صلاة الجماعة
139 - بعد أن استعرضنا كيفية صلاة الامام وصلاة المأموم نستعرض
فيما يلي ما تتميز به صلاة الجماعة عن صلاة المنفرد من احكام.
فمن تلك الأحكام ان كلا من الإمام والمأموم إذا شك في عدد
الركعات وكان الآخر حافظا للعدد وجب عليه الرجوع والاعتماد عليه ولا
يبني على الأكثر في هذه الحالة كما يبني المنفرد.
ومن تلك الأحكام ان زيادة سجود وزيادة ركوع مغتفرة بالنسبة إلى
المأموم إذا كانت من اجل المتابعة كما تقدم في الفقرة (113) بينما

471
لا يسمح بمثل هذه الزيادة في صلاة المنفرد، وإذا زاد المنفرد سجدة واحدة
بطلت صلاته في حالة العمد والالتفات، وإذا زاد المنفرد ركوعا أو
سجدتين في ركعة واحدة بطلت صلاته ولو كان سهوا أو جهلا والامام
كالمنفرد في هذه الناحية.
140 - وإذا صلى الانسان مأموما وانكشف له بعد ذلك أن الائتمام
لم يكن صحيحا لأي سبب من الأسباب كانت صلاته صحيحة ولا إعادة
عليه الا إذا كان قد تورط من اجل المتابعة في زيادة ركوع أو زيادة
سجدتين في ركعة واحدة فعليه الإعادة حينئذ. وكذلك إذا كان قد مني
بالشك في عدد الركعات ورجع إلى امامه وسار عمليا وفقا لصلاة الامام
فان الواجب عليه حينئذ ان يعيد الصلاة.
ومن ذلك من يصلي خلف امام وثق بدينه وعدالته ثم تبين له انه
فاسق أو كافر أو لا يحسن القراءة أو ان صلاته باطلة، ومن ذلك أيضا
إذا تبين للمأموم بعد ذلك أن صلاة الجماعة كانت غير مستكملة لغير ذلك
من الشروط التي لا يصح الاقتداء بدونها.
وإذا اقتدى المكلف ناويا الانفراد في الأثناء وهو يتخيل ان ذلك
سائغ ثم اطلع بعد ذلك على أنه لا يجوز فالحكم هو ما ذكرناه أيضا وكذلك
في كل حالات الجهل المماثلة.

472
الفوارق بين الفريضة والنافلة
141 - مرت بنا في مواضع عديدة اختلافات بين صلاة الفريضة
وصلاة النافلة في بعض الأحكام، وفيما يلي نلخص جملة من الفوارق بينهما
في الاحكام ضمن القائمة التالية:
(1) يجب الاستقرار عند أداء الفريضة ولا يجب ذلك في صلاة
النافلة، فيجوز ان يؤديها المكلف وهو ماش أو راكب في سيارة وغيرها.
(2) يجب على من يؤدي الفريضة ان يركع ويسجد ولا يكتفي بدلا
عن ذلك بالايماء، واما من يؤدي النافلة فيجوز له ان يكتفي بالايماء
للركوع والسجود جاعلا ايماءه إلى السجود أشد من ايمائه للركوع وذلك
إذا كان يؤديها وهو ماش أو راكب، وأما إذا أداها في حالة الاستقرار
فلا تصح منه الا بأداء الركوع والسجود بالصورة الاعتيادية ما دام
ذلك متيسرا.
(3) يجب على من يؤدى الفريضة ان يصليها من قيام مهما تيسر له
ذلك، واما صلاة النافلة فيجوز للمكلف ان يؤديها جالسا حتى ولو كان
القيام يسيرا عليه، ولكن أداءها من قيام أفضل.
(4) يجب على المصلي صلاة الفريضة ان يقرأ سورة كاملة بعد فاتحة
الكتاب في الركعة الأولى والثانية على ما تقدم، ولا يجب ذلك في صلاة
النافلة فيجوز للمتنفل الاقتصار على الفاتحة، وان قرأ سورة بعدها فهو أفضل.
5 - يسمح للمتنفل - إذا أحب - ان يقرأ بعد الفاتحة اي سورة
شاء حتى ولو كانت من السور التي فيها آية السجدة، فلو قرأها سجد
في أثناء الصلاة وواصل صلاته ولا يسوغ له ذلك في صلاة الفريضة،

473
كما لا حرج على المتنفل ان يبدأ بسورة ثم يعدل منها إلى أخرى ولا تبطل
بذلك صلاته.
(6) لا يجوز قطع الفريضة لغير مسوغ ويجوز قطع النافلة متى أراد.
(7) إذا شك المصلي للنافلة في عدد الركعات فلا تبطل صلاته ولا
يحتاج إلى احتياط، بل له ان يبني عمليا على الأقل وله ان يبني عمليا على
الأكثر إذا كانت الصلاة لا تبطل بافتراض الأكثر، خلافا لصلاة الفريضة
فان الشك في عدد ركعاتها يبطل أحيانا ويتطلب احتياطا وعلاجا أحيانا.
(8) يجب سجود السهو أحيانا على من يسهو في الفريضة ولا يجب
ذلك في النافلة بحال من الأحوال.
(9) تبطل صلاة الفريضة إذا سها المصلي وأزاد ركنا ولا تبطل
صلاة النافلة بذلك.
(10) وعلى أساس ذلك إذا نسي المصلي للفريضة واجبا غير ركني
وتفطن بعد أن أتى بركن فلا يجب عليه ان يتدارك ويعود إلى ما نسيه،
وإذا نسي المصلي للنافلة جزءا منها وتفطن بعد برهة كان عليه ان يتدارك
ويعود إلى ما نسيه وما بعده، سواء تفطن إلى ذلك بعد أن دخل في ركن
أو قبل ذلك، فمثلا إذا نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى ولم يتفطن
الا بعد أن رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية ألغى ما اتى به وعاد فسجد
السجدة الثانية من الركعة الأولى واستأنف الركعة الثانية.
(11) هناك اجزاء من صلاة الفريضة إذا نسيت ولم يتفطن إليها
المكلف الا بعد الدخول في ركن وجب عليه ان يقضيها بعد الفراغ من
الصلاة وهي السجود والتشهد، واما في صلاة النافلة فان تفطن وهو في
أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها قبل ان تنمحي صورتها وتنقطع صلته بها
نهائيا ولم يكن قد صدر منه ما يوجب الوضوء أو الغسل اتى بما نسيه وبما

474
بعده، وان تفطن بعد ذلك تمت صلاته ولا يجب عليه القضاء.
وهناك فوارق غالبية بين الفريضة والنافلة ولكنها ليس ثابتة دائما
من قبيل ان جل النوافل لا يجوز الاقتداء فيها وإقامتها جماعة وجل الفرائض
يجوز فيها ذلك، ولكن بعض النوافل تسوغ فيها صلاة الجماعة كصلاة
الاستسقاء وصلاة العيدين وبعض الفرائض لم يثبت جواز الجماعة فيها
كصلاة الطواف، ومن قبيل انه لا اذان للنوافل عموما ويثبت الاذان
لفرائض ولكنه يختص بالصلوات اليومية فلا يثبت لصلاة الآيات مثلا على
الرغم من أنها فريضة.

475
الصيام
الصيام في شهر رمضان

477
تمهيد
(1) معنى الصيام في اللغة مطلق الكف والامساك، ومنه الامتناع عن
الكلام، قال سبحانه: - (فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم
اليوم انسيا) (26 مريم) وفي الشرع: الكف والامساك عن أشياء
معينة من الطعام والشراب وغيرهما في زمن معين على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
ويجب الصيام في حالات معينة أهمها شهر رمضان المبارك، فان
الصيام في هذا الشهر من أهم واجبات الشريعة واحد الأركان الخمسة التي
بني عليها الاسلام.
ويعتبر هذا الوجوب من ضروريات الدين فمن أنكره تحديا وتمردا
كان كافرا، ومن أقر بالوجوب ولكن عصاه وأفطر بدون عذر شرعي
كان آثما، وهو جدير بالتأديب في الدنيا (التعزير) والعقاب في الآخرة
ما لم يتب.
ويتلخص صيام هذه الشهر المبارك في أن يحاول المكلف ان يطلع
عليه الفجر وهو طاهر من الجنابة وينوي الامساك عن الطعام والشراب
والجماع وانزال المني بالمداعبة ونحوها وعن أمور أخرى يأتي تفصيلها (وتسمى
بالمفطرات) من طلوع الفجر إلى المغرب، اي من حين ابتداء وقت
صلاة الفجر إلى حين ابتداء وقت صلاة المغرب، ويقصد الصائم بنية
الامساك هذه التقرب إلى الله تعالى، ويستمر وجوب صيام النهار في شهر
رمضان على ما بيناه من النهار الأول إلى النهار الأخير منه، وبنهاية اليوم
الأخير منه يهل هلال شهر شوال ويعتبر اليوم الأول من شوال عيدا
ويسمى بعيد الفطر.

479
وشهر رمضان باعتباره شهرا قمريا يكون تارة ثلاثين يوما ويسمى
شهرا كاملا، وأخرى تسعة وعشرين يوما ويسمى شهرا ناقصا. والمعروف
بين العلماء والفقهاء كافة انه لا يقل عن تسعة وعشرين يوما.
ولصوم شهر رمضان أداء وقضاء كما أن للصلاة أداء وقضاء، فمن
فاته أداء هذا الصيام في شهره المقرر له قضاه بعد مضي وقته. وقد يجب
الصيام لا أداء في شهر رمضان ولا قضاء له بل كفارة لبعض الذنوب
والمعاصي (ويسمى بصوم الكفارة أو صيام التكفير) أو وفاء لنذر أو
يمين ونحو ذلك، وهو بدون كل ذلك عبادة مستحبة مطلوبة مشرعا في
سائر الأيام وان كان استحبابه على درجات فهو في بعض الأيام مطلوب
استحبابا بدرجة أكيدة كما في شهري رجب وشعبان وفي بعض الأيام
مطلوب استحبابا بدرجة أقل كما في الأشهر الأخرى، وأحيانا يكون حراما
كصيام عيد يوم الفطر مثلا. وسيأتي تفصيل احكام الصوم بأنواعه الواجبة
والمستحبة والمحرمة.

480
صيام شهر رمضان
متى يجب صيام رمضان
يجب صيام شهر رمضان على كل انسان تتوفر فيه الشروط التالية: -
2 - (الأول) البلوغ وهو أحد الشروط العامة للتكليف كما تقدم،
فلا يجب الصيام على غير البالغ ولكن إذا صام فهو مأجور، وإذا طلع
عليه الفجر وهو غير بالغ فلا يكلف بالصيام فلو لم يصم ثم بلغ في أثناء
النهار لم يجب عليه ترك الطعام والشراب ولا قضاء عليه. وإذا طلع عليه
الفجر وهو غير بالغ فصام متطوعا وبلغ في أثناء النهار كان له ان يواصل
صيامه فيقبل منه ولا قضاء عليه حينئذ، كما أن له ان يفطر في ذلك النهار
إذا أحب ولو بعد أن بلغ.
3 - (الثاني) العقل وهو أيضا من الشروط العامة للتكليف كما تقدم
فلا يجب الصيام على المجنون، ولكي يجب الصيام لابد ان يستمر بالانسان
عقله ورشده إلى نهاية النهار فلو فقد عقله في جزء منه فليس صيام ذلك
النهار واجبا عليه، ولو طلع عليه الفجر وهو مريض عليا ثم استرد حالته
العقلية الاعتيادية في أثناء النهار فلا يجب عليه ان يمتنع عن الطعام والشراب
ولا قضاء لمثلى هذا اليوم كما يأتي.
4 - (الثالث) ان لا يصاب المكلف بالاغماء قبل ان ينوي الصيام، فإذا
فاجأه الاغماء قبل ان ينوي صيام النهار المقبل واستمر به الاغماء إلى أن
طلع عليه الفجر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم حتى ولو أفاق صباحا أو
ظهرا وانتبه إلى نفسه. وأما إذا نوى المكلف الصيام في النهار، المقبل ثم

481
أغمي عليه بعد النية وأفاق في أثناء النهار فعليه أن يواصل صيامه ويحتسب
من الصيام الواجب، وكذلك إذا أصبح صائما وأغمي عليه في أثناء النهار
ساعة أو أكثر ثم أفاق فإنه يبقى على صيامه ويحتسب من الصيام الواجب.
5 - (الرابع) ان تكون المرأة نقية من دم الحيض والنفاس طيلة النهار
فان اتفق وصادق انقطاع الدم عن الحائض أو النفساء بعد الفجر بثانية
فلا يجب عليها صيام ذلك اليوم، وإذا فاجأها الدم قبل غروب الشمس
بثانية فليس صيام ذلك اليوم بواجب، فالوجوب إذن يتوقف على النقاء
من دم الحيض والنفاس طيلة النهار، وإذا صامت المرأة وهي غير نقية
ولو في جزء من النهار لم يكن صيامها مطلوبا ولا يعفيها من القضاء.
6 - (الخامس) الامن الضرر فإذا لم يكن المكلف آمنا من الضرر
بسبب الصوم فلا يجب عليه الصيام، فمن يخشى ان يصاب بمرض من
اجل الصوم، ومن كان مريضا ويخشى ان يطول به المرض أو يشتد أو
يصاب بمرض آخر بسبب الصوم، ومن كان مريضا وأجهده المرض وأضعفه
فأصبح يعاني صعوبة ومشقة شديدة في الصيام، كل هؤلاء يسوغ لهم الافطار
ولا يجب عليهم الصيام، ولكن ليس كل ضرر صحي وكل مرض ينشأ من
الصوم يسوغ الافطار ويعفي المكلف من وجوب الصيام، فالصيام إذا
كان بسبب صداعا بسيطا أو حمى ضئيلة أو التهابا جزئيا في اللوزتين أو
العين أو الاذن فلا يسوغ الافطار بسبب شئ من هذا القبيل مما لا يراه الناس
عادة مانعا عن ممارسة مهامهم، وانما يسقط الوجوب إذا كان الصيام
يسبب صداعا شديدا أو حمى عالية أو التهابا معتدا به بدرجة يهتم العقلاء
بالتحفظ منها عادة، والشدة نفسها أمر نسبي في الاشخاص فالانسان المتداعي
صحيا قد تكون الحمى البسيطة شديدة بالنسبة إليه ومثيرة لمتاعب صحية
كبيرة عنده.

482
7 - وإذا كان الانسان مريضا ولكن الصيام لا يضره ولا يعيق شفاءه
ولا يشق عليه مشقة شديدة فعليه ان يصوم.
8 - والمكلف تارة يتأكد من الضرر الصحي، وأخرى يظن
بوقوعه، وثالثة يحتمل ذلك كما يحتمل عدم وقوعه على السواء، ورابعة
يحتمل الضرر الصحي بدرجة أقل من خمسين بالمائة ولكنها درجة تبعث في
النفس الخوف والتوجس كما إذا خشي على عينه من الرمد أو العمى واحتمل
ذلك بدرجة ثلاثين بالمائة مثلا، وخامسة يحتمل الضرر الصحي بدرجة
ضئيلة لا تبعث في النفس خوفا وتوجسا، ففي الحالات الأربع الأولى يسوغ
الافطار وفي الحالة الخامسة لا يسوغ ويجب الصيام.
9 - وفي الحالات التي يسوغ فيها الافطار إذا لم يأخذ المكلف بهذه
الرخصة وصام موطنا نفسه على المرض وتحمل الضرر الصحي فما هو حكم
صيامه؟ وهل يقبل منه ويعفيه من القضاء بعد ذلك أو يعتبر عاطلا وعليه ان
يقضي الصيام عند عافيته وبرئه؟.
الجواب: ان صيامه غير مقبول ولا يعفيه من القضاء.
10 - وإذا صام باعتقاد عدم الضرر واطمئنانا بالسلامة ثم اتضح له
بعد اكمال الصيام انه كان على خطأ وان الصوم أضر به فهل يقبل منه
ذلك الصوم ويعفيه من القضاء؟
والجواب: ان عليه ان يقضي ولا يكتفي بذلك الصوم.
11 - وإذا صام وهو معتقد للضرر وتبين له بعد ذلك أنه كان مخطئا
في اعتقاده وان الصيام لم يضره فهل يقبل منه هذا الصوم ويعفيه من القضاء؟
والجواب: - ان صومه يقبل منه ويعفيه من القضاء بشرطين:
أحدهما - ان لا يكون الضرر الذي اعتقده أولا من الاضرار الخطيرة
التي يحرم على كل مكلف ان يوقع نفسه فيها ويعاقب عليها كالسرطان

483
والسل والشلل والعمى والاقعاد ونحو ذلك.
والآخر - ان يكون الصيام الذي وقع منه لأجل الله سبحانه وتعالى
اي ان تتوفر لديه نية القربة، كما إذا كان جاهلا بان المريض لا يطلب
منه الصيام فصام من اجل الله حقا وهو معتقد للمرض والضرر، وأما إذا
كان يعلم بان المريض لا يطلب منه الصيام فلا يمكنه ان ينوي القربة
وهو يرى نفسه مريضا.
12 - وإذا طلع الفجر على الانسان وهو مريض مرضا لا يجب معه
الصيام ولكنه لم يتناول مفطرا بسبب نوم ونحوه وعوفي في أثناء النهار،
فهل يجب عليه ان يواصل امساكه ويعتبره صياما كاملا؟.
والجواب: - ان هذا يجب عليه ان يواصل امساكه ويقضيه بعد
ذلك، وتستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجب فيها الامساك وهي: ان
يكون مرضه قد تطلب منه - في الساعات الأولى من النهار التي كان فيها
مريضا - ان يفطر في ذلك الوقت بتناول دواء مثلا أو نحو ذلك غير أنه
تماهل ولم يتناول حتى شفي من مرضه، ففي هذه الحالة لا يجب عليه
أن يواصل امساكه وله ان يأكل ويشرب في ذلك اليوم حتى بعد العافية.
13 - وإذا وجد الانسان نفسه صحيحا ولكن طبيبا ثقة في قوله
وماهرا في فنه فحصه وأخبره بان الصوم يضره ضررا لا يجب معه الصيام
فعليه ان يعمل بقوله ولو لم يبعث في نفس الخوف والقلق لما يجد في حالته
الصحية من عافية، اجل إذا تأكد واطمأن بخطأ هذا الطبيب أو كذبه
فلا يأبه لكلامه وعليه ان يصوم حينئذ.
14 - وقد يجد الانسان نفسه متداعيا صحيا ويخاف ان يضره الصوم
ولكن الطبيب يخبره بأنه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم
أو يعمل وفقا لشعوره وتخوفه الخاص؟.

484
والجواب: - انه يعمل وفقا لشعوره وتخوفه الخاص ما لم يكن هذا
الشعور والتخوف ناشئا من شذوذ ووسوسة كما هو الغالب في من يخشى
الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر.
15 - (السادس) ان لا يكون الصيام محرجا له وموقعا له في مشقة
شديدة وامام مشكلة حياتيه، من قبيل الانسان الذي يمنعه الصيام عن ممارسة
عمله الذي يرتزق منه، اما لأنه بسبب له ضعفا لا يطيق معه العمل، واما
لأنه يعرضه لعطش لا يطيق معه الامساك عن الماء أو لغير ذلك، ففي هذه
الحالة إذا كان بإمكان الفرد بصورة غير محرجة ان يبدل عمله أو يؤجله مع
الاعتماد في رزقه فعلا على مال موفر أو دين أو نحو هذا وجب عليه
ذلك لكي يصوم، والا سقط عنه وجوب الصوم، والأجدر به احتياطا
ووجوبا ان لا يسمح لنفسه بان يأكل ويشرب ويمارس ما يمارسه المفطر
كيفما يشاء، بل يقتصر على الحد الأدنى الذي يفرضه عليه عمله وبدفع به
الحرج والمشقة عن نفسه ثم يقضيه بعد ذلك إذا تيسر له.
16 - (السابع) ان لا يكون مسافرا، وبعبارة أكثر تحديدا ان لا
يكون ممن وجب عليه التقصير في صلاته من اجل السفر، فكل مسافر
وجب عليه أن يقصر الصلاة لا يجب عليه الصيام بل لا يطلب منه بحال،
ولو صام والحالة هذه كان عبثا ولا يعفيه من القضاء، الا في حالة واحدة
وهي: - ان يصوم جهلا منه بان المسافر لا صيام عليه فيقبل منه صيامه
حينئذ إذا لم يطلع في أثناء النهار على الحكم الشرعي بان المسافر لا يكلف
بالصيام، وأما إذا اطلع في الأثناء على هذا وواصل صيامه على الرغم من
ذلك فصيامه باطل.
فالصيام إذن يجب على الحاضر المتواجد في بلدته، وكذلك على المسافر
الذي لا يجب عليه التقصير في الصلاة كالمقيم عشرة أيام، ومن كان عمله

485
السفر، ومن سافر سفر المعصية، ومن مضى عليه ثلاثون يوما وهو
متردد في مكان ما.
17 - ويسمع للمكلف قبل حلول شهر رمضان أو بعد حلوله ان
يسافر ولو بدون ضرورة أو حبا في التخلص من الصيام، فان ذلك جائز
وان كان يضيع على المكلف أجرا عظيما.
18 - وإذا طلع الفجر على الانسان وهو حاضر ثم سافر في أثناء
النهار فهل يكون صيام ذلك النهار واجبا عليه؟.
والجواب: - انه إذا سافر وخرج من البلد قبل الظهر فلا يجب
عليه صيام ذلك اليوم بل عليه الافطار والقضاء بعد ذلك، سواءا كان قد
اتخذ قرارا بالسفر من الليل أو اتخذه بعد طلوع الفجر، وسواء كان
حين حل عليه الظهر قد ابتعد عن بلده كثيرا أو لا يزال على مقربة منه
ولم تختلف معالمه عن ناظريه،. وإذا سافر وخرج من البلد بعد الظهر
فصيام ذلك اليوم واجب وعليه ان يواصله.
19 - وإذا انعكس الامر وطلع عليه الفجر وهو مسافر ثم وصل
إلى بلدته أو بلدة قرر البقاء فيها عشرة أيام فماذا يصنع؟.
والجواب - إذا كان هذا المسافر قد أفطر قبل الوصول إلى بلدته
فلا صيام له ويستمر على افطاره ويقضيه بعد ذلك، وإذا لم يكن قد
أفطر قبل الدخول فينظر، فان كان دخوله قبل الظهر وجب عليه ان
ينوي الصيام ويصوم ويحتسب له من الصيام الواجب، وان كان دخوله
إلى نفس البلد بعد الظهر فلا صيام له وله ان يفطر وعليه ان يقضيه
بعد ذلك.
وإذا طلع الفجر على المكلف وهو في بلدته ثم سافر صباحا ورجع
قبل الظهر من نفس اليوم فهل يصوم؟.

486
والجواب: - ان الأجدر به ان ينوي وبصوم ثم يحتاط بعد ذلك
بالقضاء أيضا.
20 - وفي كل الحالات التي يطرأ فيها على المكلف أثناء النهار
ما يعفيه من الصوم - من حيض أو نفاس أو مرض أو سفر ونحو ذلك
- إذا افترضنا ان المكلف على مسبقا بان هذا الطارئ سوف يحدث في
أثناء النهار فهل يمكنه ان يفطر قبل ذلك ويتناول الطعام والشراب ما دام
يعلم أن صيام ذلك اليوم لن يتم له؟.
والجواب: - ان ذلك لا يجوز بل يجب عليه ان ينوي وبصوم عند
طلوع الفجر ويبقى صائما إلى أن يطرأ ما يعفيه من الصيام، فلو علمت
المرأة بأنه ستحيض بعد ساعة من النهار لم يجز لها ان تأكل في النهار
قبل ان تحيض، وإذا علم المكلف بأنه سيسافر قبل الظهر فلا يسوغ له
ان يفطر الا بعد خروجه من بلده وابتعاده عنه بمسافة لا تتيح له ان يرى
من يقف في نهاية البلد ولا ان يراه ذلك.
21 - (الثامن) ان لا يكون المكلف قد أصيب بشيخوخة أضعفته
عن الصيام، ويشمل ذلك من بلغ السبعين من الرجال والنساء وكانت
شيخوختهم سببا في ضعفهم وصعوبة الصوم عليهم، وهؤلاء إن شاؤوا أن
يصوموا فذلك لهم وان شاؤوا ان يفطروا فهم مرخصون في ترك الصيام
والتعويض عنه بفدية وهي ثلاثة أرباع الكيلو من الحنطة أو الخبز أو غير
ذلك من الطعام عن كل يوم يفطرون فيه من شهر رمضان يدفعونه إلى
بعض الفقراء، وليس عليهم ان يقضوا تلك الأيام، وإذا بلغ ضعف
هؤلاء إلى درجة عجزوا معها عن الصيام وتعذر عليهم نهائيا أو كان مضرا
ضررا صحيا جاز لهم الافطار بدون تعويض وفدية.
22 - (التاسع) ان لا يكون مصابا بداء العطش وهو من يسمى بذي

487
العطاش الذي يمنى بحالة مرضية تجعله يشعر بعطش شديد فيشرب الماء ولا
يرتوي، وكل من أصيب بهذه الحالة وكان يعاني مشقة وصعوبة في الصيام
من اجل ذلك فله ان يصوم وله ان يفطر ويترك الصيام ويعوض عنه
بالفدية الآنفة الذكر، وإذا بلغت به المشقة إلى درجة يتعذر معها الصيام
نهائيا فله ان يفطر ولا فدية عليه.
23 - (العاشر) ان لا تكون المرأة حاملا مقربا ويضر الصوم بحملها
فان كانت كذلك جاز لها الافطار وعوضت بالفدية المذكورة آنفا عن كل
يوم وعليها القضاء بعد ذلك، هذا إذا كان الصيام مضرا بالحمل وأما إذا
كان مضرا بصحة المرأة الحامل نفسها فهذا معناه عدم توفر الشرط الخامس
من شروط الوجوب التي تقدمت فلها ان تفطر ولا فدية عليها.
24 - ومثل المرأة الحامل المرأة المرضعة فإذا كان صيامها مضرا بالولد
ويسبب قلة غذائه فلها ان تفطر وتعوض بالفدية ثم تقضي وإذا كان صيامها
مضرا بها أفطرت ولا فدية عليها.
ولا يشمل حكم المرأة المرضعة هذا من كان بامكانها ان ترضع ولدها
من غير حليبها أو من الحليب المعلب إذا لم يتضرر الولد الرضيع بذلك.

488
واجبات الصيام
يجب على الصائم في شهر رمضان ما يلي:
النية
أولا: - النية وذلك أن الصيام عبادة فيجب ان تتوفر فيه النية
الواجبة في كل عبادة، وذلك بان ينوي الالتزام بواجبات الصيام والاجتناب
عن مفطراته قربة إلى الله تعالى وبعبارة موجزة ان ينوي الصيام قربة إلى
الله، ويحرم ويبطل بالرياء كما هي الحالة في كل عبادة أيضا على ما تقدم
في الاحكام العامة للعبادات.
26 - وقد تسأل بهذا الصدد وتقول ان النية هي الباعث على العمل
ونية القربة معناها ان يكون امر الله هو الباعث على العمل وهذا من الصعب
افتراضه في كل حالات الصيام، فالصائم الذي ينام جل النهار أو كله أو
يغفل عن الطعام أو يكون عزولا عن الأكل والشرب، إن الصيام في كل
هذه الحالات ليس الباعث على تركه للطعام والشراب امر الله تعالى بل هو
نومه أو غفلته أو عزوفه مثلا، فهل يبطل الصيام في هذه الحالات؟.
والجواب: انه لا يبطل إذا يكفي في نية القربة ان يكون في نفس
المكلف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب ونحوهما فيما إذا لم
يكن نائما ولا غافلا ولا عزوفا، فالنائم والغافل والعزوف إذا عرف من
نفسه انه حتى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عزوفا لا يأكل ولا يشرب من اجل
الله تعالى كفاه ذلك في نية الصوم.

489
27 - ويكفي الصائم ان ينوي انه يصوم هذا النهار من طلوع الفجر
إلى المغرب على أن لا يقصد به صوما آخر غير صيام شهر رمضان من قبيل
صوم الكفارة وإلا خسر المكلف بذلك كلا الصيامين، فلا يقبل منه
كصيام شهر رمضان ولا كصيام كفارة.
28 - ويجب ان لا تتأخر النية لدى الصائم في شهر رمضان عن
طلوع الفجر، فان طلع الفجر في شهر رمضان وهو غير ناو للصيام غفلة
أو جهلا ثم تفطن قبل ان يستعمل مفطرا فعليه ان ينوي الصيام بأمل ان
يقبله الله تعالى منه ثم يقضيه بعد ذلك، وأما إذا كان قد استعمل المفطر
في حال غفلته وجهله فعليه ان يمسك تشبها بالصائمين ثم يقضيه بعد ذلك
وان طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام عن تعمد وعصيان ثم ثاب إلى
رشده في أثناء النهار فعليه ان يمسك تشبها بالصائمين ثم يقضيه بعد ذلك.
29 - وقد تسأل إذا لم يجز ان تتأخر النية عن طلوع الفجر فهل
يجوز تقديمها على ذلك بان ينوي الصيام في الليل؟.
والجواب: - ان بامكانه ذلك وتكفيه تلك النية ما لم يعدل عنها،
فإذا قرر أول الليل ان يصوم غدا ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر
وهو نائم واستيقظ نهارا وهو على نيته صح صومه، بل إذا دخل عليه
شهر رمضان فنوى ان يصوم الشهر كفته تلك النية للشهر كله ما لم يعدل
عنها، وهذا يعني انه لو استمر به - بعد ذلك - النوم لسبب طارئ
مدة يومين أو أكثر اعتبر صائما في كل تلك الأيام التي قضاها نائما.
30 - وتجب النية في الصيام ابتداء واستمرارا، وعليه فمن قصد
الافطار في يوم من شهر رمضان أو تردد في البقاء أو الاستمرار على
الصيام بطل صومه، سواء أحدث ذلك قبل الزوال أم بعده، ويجب
عليه الامساك تشبها بالصائمين ثم القضاء بعد شهر رمضان.

490
31 - وإذا صدر من الصائم شئ كالسباحة مثلا، ثم شك هل ان
السباحة تبطل الصيام أو لا فتردد في صيامه على أساس هذا الشك، ثم
سأل فعرف ان السباحة لا تفطر الصائم، فهل يبطل صومه بذلك التردد
الذي أصابه بسبب الشك في بطلان الصوم؟.
والجواب: ان هذا التردد لا يبطل به الصوم ما دام لا يزال ناويا
للصيام في حالة كون السباحة غير مفطرة.
32 - وليس من الضروري في نية الصيام ان يكون الصائم على
معرفة كاملة بكل المفطرات التي ينوي الاجتناب عنها، بل يكفي ان يجد
في نفسه - عند النية - القدرة على اجتناب تلك المفطرات ولو بالتعرف
عليها بعد ذلك، أو بترك كل ما يحتمل كونه مفطرا.
الطهارة من الجنابة عند الفجر
33 - ثانيا - إذا كان المكلف جنبا فعليه ان يغتسل قبل طلوع الفجر
فإذ ترك الغسل وهو عالم بأنه جنب متعمدا حتى طلع عليه الفجر لم يقبل
منه صيام ذلك اليوم، وعليه ان يمسك تشبها بالصائمين، كما أن عليه ما
على من اكل متعمدا في نهار شهر رمضان من القضاء والكفارة.
34 - وإذا علم الانسان بأنه جنب ولكنه نسي الغسل فحاله كذلك
أيضا غير أن الكفارة لا تجب عليه.
35 - وإذا أجنب في حالة اليقظة ليلا بجماع أو غيره فلا يسمح له
بالنوم قبل ان يغتسل، الا إذا كان معتادا على الانتباه قبل طلوع الفجر
أو وضع منبها له من اجل ايقاظه قبل الفجر لكي يغتسل.
36 - وإذا أجنب المكلف في حالة اليقظة ثم نام وليس في نيته ان

491
يغتسل واستمر به النوم إلى أن طلع الفجر فهو بمثابة من ترك الغسل وهو
متيقظ متعمدا. وإذا أجنب المكلف كذلك ثم نام ناويا ان يغتسل إذا
استيقظ قبل طلوع الفجر ولكنه لم يكن معتادا للانتباه من نومه قبل الفجر
فامتد به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه ان ينوي الصيام بأمل ان يقبل منه
ويمسك ذلك النهار ويحتاط بعد ذلك بالقضاء والكفارة. وإذا أجنب
المكلف في حالة اليقظة ثم نام ناويا للاستيقاظ للغسل قبل طلوع الفجر
وكان من عادته ان يستيقظ كذلك أو وضع له منبها لايقاظه ولكن استمر
به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شئ عليه ويصح صومه.
وفي هذه الحالة إذا استيقظ في الأثناء فلا يسمح له بان ينام الا إذا
اطمأن بان ذلك لن يفوت عليه الغسل قبل طلوع الفجر، وإذا نام مرة
ثانية بعد أن استيقظ من نومه الأول معتمدا على أنه سينتبه عادة ويغتسل
ولكن استمر به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه ان يمسك تشبها بالصائمين
ويقضي بعد ذلك ولا كفارة عليه. والحكم نفسه يثبت في ما لو استقظ
مرتين أو أكثر ونام معتمدا على أنه معتاد على الانتباه فغلبه النوم إلى
طلوع الفجر.
37 - وإذا حصلت الجنابة بالاحتلام في حالة النوم ليلا فان امتد
به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شئ عليه وصيامه صحيح، وان افاق من
نومه الذي احتمل فيه فالأجدر به احتياطا ان لا ينام مرة ثانية قبل الغسل
ما لم يثق بأنه لن يفوته الاغتسال قبل طلوع الفجر، وإذا نام مرة ثانية
اعتمادا على أنه معتاد على الانتباه وان الوقت واسع فامتد به النوم إلى
طلوع الفجر فعليه القضاء دون الكفارة، وأما إذا صنع ذلك ولم يكن
معتادا على الانتباه فعليه القضاء والكفارة.
38 - ولا يسمح للمكلف بأن يقارب زوجته ويجنب نفسه في اللحظات

492
الأخيرة من الليل التي لا تتسع للغسل قبل طلوع الفجر، ولو صنع المكلف
شيئا من ذلك عصيانا أو سهوا فعليه ان يبادر إلى التيمم بدلا عن الغسل
ويصح ذلك صيامه، ولا يجب عليه إذا تيمم ان يظل يقظا إلى طلوع
الفجر، وأما إذا أهمل ولم يتيمم حتى طلع الفجر فلا يقبل منه الصيام
وعليه ان يتشبه بالصائمين بالامساك وبعد ذلك يقضي ويكفر.
39 - وليست الحائض والنفساء كالجنب، فإذا نقت المرأة من دم
الحيض والنفاس في الليل من شهر رمضان وجب عليها صيام نهار غد ولا
يجب عليها ان تبادر إلى الغسل قبل طلوع الفجر وان كانت المبادرة
أحسن وأحوط.
وكذلك الامر في من مس ميتا قبل طلوع الفجر ووجب عليه
الغسل من اجل ذلك فان بامكانه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر.
40 - وفي كل حالة وجب فيها على الصائم ان يغتسل قبل طلوع الفجر
إذا تعذر فيها الغسل عليه كذلك لعدم الماء أو لأنه مريض يخاف من استعماله
أو لضيق الوقت إلى غير ذلك من مسوغات التيمم فعليه ان يتيمم ويكفيه
ذلك لأداء الصيام.
41 - وإذا كانت الصائمة مستحاضة بالاستحاضة الكبرى (وقد تقدم
معنى الاستحاضة وأقسامها في فصل الغسل) فعليها من اجل ان تثق بصحة
صيامها ان تؤدي ما عليها من أغسال (أو ما ينوب عنها من تيمم في حالة
وجود أحد المسوغات للتيمم) لصلاة لصبح ولصلاة الظهرين ولصلاة
المغرب والعشاء من الليلة التي تصوم في فجرها، فصيام يوم السبت مثلا
يصح منها عندما تغتسل لصلاة الفجر منه ولصلاة الظهرين منه ولصلاة
المغرب والعشاء من ليلة السبت، وان أخلت بشئ من ذلك وجب عليها
ان تواصل امساكها وتقضي بعد ذلك صيام ذلك اليوم.

493
الاجتناب عن المفطرات
ثالثا: الاجتناب عن المفطرات والمفطرات أمور لابد للصائم من
اجتنابها أثناء النهار وهي كما يأتي:
42 - الأول والثاني: الأكل والشرب سواء كان المأكول والمشروب
قليلا أم كثيرا، معتادا كان كالخبز والماء أم غير معتاد كابتلاع الحصى أو
شرب النفط، ويشمل ذلك حتى الاجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلف
بين الأسنان فان الصائم لا يجوز له ابتلاعها، بل لا يجوز حتى ابتلاع الغبار
الذي يشتمل على اجزاء ترابية ظاهرة للعيان وان صغرت وهو ما يسمى بالغبار
الغليظ، والأجدر بالصائم احتياطا ووجوبا ان لا يدخل الدخان إلى جوفه
أيضا، وأما البخار والغبار الذي تصاغرت فيه الاجزاء الترابية إلى درجة
لا يبدو لها وجود فلا يضر بالصيام، وكل ما يخرج من الجوف والصدر
ويصل إلى الحلق كالبلغم ونحوه يجب على الصائم قذفه وطرحه ولا يسوغ له
ان يبتلعه، أجل لا حرج عليه في البصاق الذي يتكون في فمه فإنه لا يضر
الصائم ان يبتلعه عن قصد أو غير قصد مهما كثر. ولا يضر الصيام ولا يفطر
الصائم ان يكتحل أو يضع قطرة في عينه أو في اذنه وان تسربت إلى جوفه،
أو يصب دواء في جرح مفتوح في جسمه، أو يرزق إلى بدنه شيئا عن
طريق الأبرة مهما كان نوعها، ومن ذلك ما يسمى بالمغذي الذي يزرق إلى
جسم المريض عن هذا الطريق، وانما الممنوع عنه ان يدخل الصائم طعاما
أو شرابا إلى معدته عن طريق الحلق، وإذا أدخل الصائم شيئا من ذلك
إلى حلقه عن طريق الانف كما في الاستنشاق بالأنف مثلا فقد أضر بصومه
أيضا وعليه مثل ما على من أدخله عن طريق فم، ولم أجريت فتحة طبية

494
مصطنعة في الجسم لسبب طارئ بغية ايصال الغذاء إلى المعدة عن طريقها
فهذا بمثابة ادخال الغذاء عن الحلق، فالمحرم إذن ادخال الطعام والشراب
إلى المعدة عن طريق الفم أو الانف أو فتحة مصطنعة معدة للقيام بهذه
المهمة في جسم الصائم.
43 - الثالث: - الجماع فاعلا ومفعولا.
44 - الرابع: - الاستمناء وهو انزال المني باليد أو بآلة أو بالمداعبة
والملاعبة، وإذا نزل منه المني بدون ممارسة فعل ما فلا حرج عليه ولا
يبطل صيامه، وإذا مارس شيئا من تلك الأفعال ولم يكن قاصدا بذلك
انزال المني بل كان واثقا من عدم نزوله ولكن سبقه المني فالا جدر به
احتياطا ووجوبا ان يواصل صيامه ونيته بأمل ان يقبله الله تعدى (اي
رجاء) ثم يقضي.
45 - الخامس: - الكذب على الله تعالى أو على خاتم المرسلين
صلى الله عليه وآله، بل وحتى على غيره من الأنبياء والأئمة (ع)،
سواء أكان الكذب في التحليل والتحريم أم في قصص ومواعظ أم في اي
شئ اخر. ومن قصد الكذب - وهو يعلم بان هذا مفطر - فكان صدقا
فقد بطل صومه وعليه ان يواصل امساكه تشبها بالصائمين ثم يقضيه،
ومن قصد الصدق فجاء كذبا فهو على صيامه.
46 - السادس: - غمس الرأس بكامله في الماء أو فيما أشبه من
عصير وشراب أغمس الرأس وحده أم مع سائر أعضاء البدن فان الأجدر
بالصائم احتياطا ووجوبا ان لا يصنع ذلك، ولا بأس بغمس نصف الرأس
دون النصف الثاني ثم غمس هذا الثاني دون المغموس من قبل بحيث يتم الغمس
بالكامل على دفعتين أو أكثر، ومن غطس رأسه في البحر أو في غيره وعلى رأسه
ما يقيه من الماء فلا يبطل صومه، وإذا عمس الصائم لرمضان جسمه

495
بالكامل في الماء بقصد الغسل من الجنابة فان كان ذلك عمدا لا سهوا بطل
صومه وغسله، وان كان سهوا صح صومه وغسله معا.
47 - السابع: الحقنة بالمائع في المخرج المعتاد فإنها تفسد الصيام دون
الحقنة بالجامد.
48 - الثامن: التقيؤ فإنه يفسد الصيام ويبطله حتى ولو كان علاجا
وشفاء من داء مهم، غير أنه في هذه الحالة يسمح للصائم به إذا توقف
العلاج والشفاء من ذلك الداء عليه وان بطل صومه، وأما إذا بدر القئ
تلقائيا فالصائم على صيامه ولا شئ عليه. وإذا خرج من جوفه شئ وعاد
قبل ان يصلى إلى فضاء الفم فلا شئ عليه، وإذا وصل إلى فضاء الفم
فلا يسوغ له ان يبتلعه بل عليه ان يقذفه، وان ابتلعه عن قصد وعمد
بطل صيامه وعليه القضاء والكفارة.
49 - هذه هي المفطرات ولا شئ سواها ومن شك في شئ: هل
يوجب الافطار ويفسد الصيام فليرجع إلى هذه القائمة ويلاحظ ما ذكرناه
من واجبات الصائم امعان فان كان ما شك فيه مندرج في ذلك عمل بموجبه
والا فلن يضر الصيام شيئا ومع هذا نؤكد لمزيد التوضيح على أنه لا يضر
بالصيام ولا يفطر الصائم الحجامة والحقنة في الإحليل والاستمتاع بالمرأة (بدون
جماع ولا انزال للمني) ولا يفطر أيضا شم الطيب والجلوس في الماء ولو
غمر الماء الجسد كله ما دام رأس الصائم خارج الماء.
حكم تناول المفطرات
ويبطل الصيام بوقوع اي واحد من المفطرات المتقدمة ويستثنى من
ذلك ما يلي:

496
50 - أولا: - إذا صدر من الصائم بعض تلك المفطرات ناسيا انه
صائم وعاقلا عن صيامه فلا يبطل الصيام بذلك.
51 - ثانيا: - إذا صدر من الصائم شئ وهو معتقد انه ليس من
الثمانية ولكنه كان في الواقع منه فلا يبطل الصيام بذلك، ومثاله: - ان
يكذب على الله ورسوله ولكنه يعتقد ان ما يقوله ليس كذبا أو يحتقن
بالمائع ولكنه كان يعتقد ان ما في الحقنة جامد وليس بمائع.
52 - ثالثا: - إذا وقع شئ من تلك المفطرات بدون قصد من
الصائم كما إذا فتح انسان فم الصائم عنوة وزرق ماء إلى جوفه، وكذلك
إذا كان الصائم يسبح في النهار فغمره موج الماء فانغمس رأسه كاملا في
الماء بدون قصد منه أو عثر بأرض البركة فوقع في الماء وانغمس رأسه فيه
ففي كل ذلك لا يبطل الصيام لان الشراب والارتماس لم يقعا عن قصد وإرادة.
53 - ويستثنى من حالات عدم القصد حالتان: -
الأولى: من أدار الماء في فمه وحركه لسبب أو لاخر فسبق الماء
ودخل في جوفه قسرا بدون قصد منه فعليه ان يقضي صيام ذلك اليوم،
الا إذا كان قد حدث ذلك في حالة الوضوء لصلاة واجبة إذ تستحب
المضمضة في الوضوء كما تقدم في سنن الوضوء وآدابه، فإذا تمضمض
المتوضئ للفريضة والحالة هذه وسبق الماء إلى جوفه فلا شئ عليه.
الثانية: - إذا تصرف الصائم تصرفا بان داعب زوجته مثلا وهو
واثق من عدم نزول المني ولكن سبقه المني ونزل بدون قصد منه
فعليه القضاء.
54 - رابعا: إذا شك الانسان في طلوع الفجر ففحص ولاحظ
بصورة مباشرة فاعتقد بعدم طلوعه فاكل أو شرب مثلا ثم تبين له ان
الفجر كان طالعا وقتئذ فلا شئ عليه وصيامه صحيح على الرغم من أنه

497
قد تناول المفطر بعد طلوع الفجر. وخلافا لذلك الانسان الذي لا يفحص
ولا يلاحظ الفجر مباشرة ويأكل أو يشرب على أساس انه لم يعلم بعد
بطلوع الفجر فإنه ليس بآثم حين يفعل ذلك، ولكنه إذا تبين له بعد
ذلك أن الفجر كان طالعا حين اكل أو شرب فعليه ان يقضي صيامه،
ومثله من يأكل أو يشرب في اخر النهار ثقة منه بان المغرب قد حل فإنه
إذا تبين له بعد ذلك أن النهار كان لا يزال باقيا حين اكل أو شرب
فعليه القضاء.

498
احكام عامة
55 - لا يسمح للشخص الذي كان صيام شهر رمضان واجبا
عليه أن يأكل أو يتناول أي مفطر آخر إذا بطل صيامه أثناء
نهار رمضان بل يجب عليه الامساك تشبها بالصائمين. وكلما بطل الصيام
وجب القضاء، سواء كان بطلانه بسبب الاخلال بالواجب الأول فقط
وهو النية بان لم ينو الصيام فان عليه حينئذ القضاء حتى ولو لم يمارس
شيئا من المفطرات، أو كان بسبب الاخلال بالواجب الثاني وهو الاغتسال
قبل طلوع الفجر على ما تقدم من التفصيل، أو كان بسبب الاخلال
بالواجب الثالث وهو اجتناب المفطرات وذلك باستعمال بعضها.
56 - ولا تجب الكفارة لمجرد ترك نية الصيام والاخلال بها - وإن
وجب القضاء - ما لم يمرس شيئا من المفطرات أو يتعمد الاصباح جنبا
فإذا مارس شيئا من المفطرات وجبت الكفارة بشروط: -
57 - الأول: - ان يكون قد تناول أحد المفطرات بقصد واختيار
لا من قبيل من تمضمض بالماء فسبق الماء إلى جوفه.
58 - الثاني: - ان لا يكون مكرها على تناوله كما إذا وقع تحت
تأثير ظالم يأمره بالافطار ويهدده فأفطر، فان صومه يبطل بذلك ولكن
لا كفارة عليه.
59 - الثالث: ان لا يكون معتقدا جواز تناول ذلك المفطر شرعا،
وأما إذا كان معتقدا جوازه فلا كفارة عليه سواء كان يتخيل ان الصيام
غير واجب عليه أساسا أو ان الشارع لم يجعل هذا الشئ مفطرا فارتكبه
بناء على ذلك.

499
60 - وكذلك تحب الكفارة على من أبطل صيامه في شهر رمضان
بتعمد البقاء على الجنابة وترك الغسل إلى طلوع الفجر ويشمل ذلك حالة
ما إذا علم بأنه جنب ونام فاستمر به النوم إلى طلوع الفجر إذا لم يكن
معتادا للانتباه من نومه قبل طلوع الفجر وناويا للغسل عند الانتباه.
وسيأتي في فصل الكفارات تحديد كفارة افطار شهر رمضان
وتوضيح عدد من أحكامها إن شاء الله تعالى.
61 - إذا شك الصائم ولم يدر هل طلع الفجر من نهار شهر رمضان
لكي يمسك أم لا فله ان يأكل ويشرب ويواصل افطاره حتى يتيقن بطلوع
الفجر أو يشهد شاهد ثقة بذلك، ولا يجب عليه قبل ان يحصل شئ من
هذا ان يفحص ويطلع إلى الأفق، ولكن إذا واصل افطاره ثم انكشف
له بعد ذلك أن الفجر كان طالعا فعليه القضاء، الا في حالة واحدة وهي
ان يكون قد فحص وتطلع وقت ذاك واعتقد ان الفجر لم يطلع كما تقدم
في الفقرة (54).
62 - وإذا شك الصائم في حلول وقت الافطار وانتهاء النهار فلا
يسوغ له ان يفطر ما لم يتأكد من حلول المغرب بصورة مباشرة أو باخبار
ثقة عارف أو باذن ثقة عارف، ولو بادر إلى الافطار بدون ذلك فعليه
القضاء والكفارة الا إذا اتضح له فيما يعد انه كان على صواب وان النهار
كان قد انقضى.
63 - وإذا احتلم الصائم النائم في النهار أو خرج منه التي في حالة
اليقظة بدون أي عمل منه فلا شئ عليه، ولا يجب عليه الاسراع بالغسل
بل له ان ينام مرة أخرى ويؤجل غسله إلى أن يستوفي نومه ما دام وقت
الصلاة واسعا.

500
ثبوت الهلال
64 - شهر رمضان وشعبان من الشهور القمرية وهي تتكون تارة
من تسعة وعشرين يوما وأخرى من ثلاثين يوما حسب طول الدورة
الاقترانية للقمر وقصرها، وهي دورة القمر حول الأرض، حيث إن
القمر يتحرك حول الأرض من المغرب إلى المشرق، وله وجهان أحدهما
وجه نير دائما يكتسب ضوءه من الشمس والآخر وجه مظلم دائما، والقمر
أثناء دورته هذه حول الأرض تارة يصبح في موضع بين الأرض والشمس
على صورة يكون مواجها بموجبها للأرض بوجهه المظلم ومختفيا عنها بوجهه
المنير اختفاء كاملا، وأخرى يصبح في موضع على نحو تكون الأرض
بينه وبين الشمس، وثالثة يكون بين هذين الموضعين، وحينما يكون البدر
في الموضع الواقع بين الأرض والشمس على النحو الذي وصفناه لا يمكن
أن يرى منه شئ وهذا هو المحاق، ثم يتحرك عن هذا الموضع فتبدو لنا
حاقة النصف أو الوجه المضئ المواجه للشمس وهذا هو الهلال، ويعتبر
ذلك بداية الحركة الدورية للقمر حول الأرض وتسمى بالحركة الاقترانية،
لأن بدايتها تقدر من حين اقتران القمر بالأرض والشمس وتوسطه بينهما
على النحو الذي وصفناه وابتدائه بتجاوز هذه النقطة.
وكلما بعد الهلال عن موضع المحاق زاد الجزء الذي يظهر لنا من
وجهه أو نصفه المضاء، ولا يزال الجزء المنير يزداد حتى يواجهنا النصف
المضاء بتمامه في منتصف الشهر ويكون القمر إذا ذاك بدرا وتكون الأرض
بينه وبين الشمس، ثم يعود الجزء المضئ إلى التناقض حتى يدخل في دور
المحاق ثم يبدأ دورة اقترانية جديدة وهكذا. وعلى هذا الأساس تعتبر بداية

501
الشهر القمري الطبيعي عند خروج القمر من المحاق وابتدائه بالخروج عن
حالة التوسط بين الأرض والشمس، وابتداؤه بالخروج هذا يعني ان جزءا
من نصفه المضئ سيواجه الأرض وهو الهلال وبذلك كان الهلال هو المظهر
الكوني لبداية الشهر القمري الطبيعي. وظهور الهلال في أول الشهر
يكون عند غروب الشمس ويرى فوق الأفق الغربي بقليل ولا يلبث غير
قليل فوق الأفق ثم يختفي تحت الأفق الغربي، ولهذا لا يكون واضح الظهور
وكثيرا ما تصعب رؤيته، بل قد لا يمكن ان يرى بحال من الأحوال لسبب
أو لآخر، كما إذا تمت مواجهة ذلك الجزء المضئ من القمر للأرض ثم
غاب واختفى تحت الأفق قبل غروب الشمس فإنه لا تتيسر حينئذ رؤيته
ما دامت الشمس موجودة، أو تواجد بعد الغروب ولكن كانت مدة مكثه
بعد غروب الشمس قصيرة جدا بحيث يتعذر تمييزه من بين ضوء الشمس
الغاربة القريبة منه، أو كان هذا الجزء النير المواجه للأرض من القمر
(الهلال) ضئيلا جدا لقرب عهده بالمحاق إلى درجة لا يمكن رؤيته بالعين
الاعتيادية للانسان، ففي كل هذه الحالات تكون الدورة الطبيعية للشهر
القمري قد بدأت على الرغم من أن الهلال لا يمكن رؤيته.
ولكن الشهر القمري الشرعي في هذه الحالات التي لا يمكن فيها
رؤية الهلال لا يبدأ تبعا للشهر القمري الطبيعي بل بتوقف ابتداء الشهر
القمري الشرعي على أمرين: أحدهما - خروج القمر من المحاق وابتداؤه
بالتحرك بعد أن يصبح بين الأرض والشمس، وهذا يعني مواجهة جزء
من نصفه المضئ للأرض، والآخر - ان يكون هذا الجزء مما يمكن رؤيته
بالعين الاعتيادية المجردة.
وعلى هذا الأساس قد يتأخر الشهر القمري الشرعي عن الشهر القمري
الطبيعي، فيبدأ هذا ليلة السبت مثلا ولا يبدأ ذاك الا ليلة الأحد، وذلك

502
في كل حالة خرج فيها القمر من المحاق ولكن الهلال كان على نحو لا يمكن
ان يرى.
والشهر القمري الطبيعي - كما مر - قد يكون كاملا يتكون من ثلاثين
يوما وقد يكون ناقصا يتكون من تسعة وعشرين يوما، ولا يكون ثمانية
وعشرين يوما ولا واحدا و ثلاثين يوما بحال من الأحوال. واما الشهر
القمري الشرعي فهو أيضا قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين
يوما ولا يكون أقل من هذا ولا أكثر من ذاك.
وقد تقول ان الشهر القمري الشرعي قد يتأخر ليلة عن الشهر القمري الطبيعي
كما تقدم، وان الشهر القمري الطبيعي قد يكون تسعة وعشرين يوما كما مر، وهذان
الافتراضان إذا جمعناهما في حالة واحدة أمكننا ان نفترض شهرا قمريا طبيعيا ناقصا بدأ ليلة
السبت وتأخر عنه الشهر القمري الشرعي يوما فبدأ ليلة الأحد نظرا إلى أن الهلال
في ليلة السبت لم يكن بالامكان رؤيته، وفي هذه الحالة نلاحظ ان الشهر
القمري الشرعي قد يكون ثمانية وعشرين يوما وذلك: لأن الشهر القمري
الطبيعي بحكم افتراضه ناقصا سينتهي في تسعة وعشرين يوما ويهل هلال
الشهر التالي في ليلة الأحد بعد مضي تسعة وعشرين يوما وقد يكون هذا
الهلال في ليلة الأحد ممكن الرؤية فيبدأ الشهر القمري التالي طبيعيا وشرعيا
في هذه الليلة، ونتيجة ذلك أن يكون الشهر القمري الشرعي الأول مكونا
من ثمانية وعشرين يوما لأنه تأخر عن الشهر القمري الطبيعي الناقص يوما
وانتهى بنهايته.
والجواب: ان في حالة من هذا القبيل تعتبر بداية الشهر القمري الشرعي
الأول من ليلة السبت على الرغم من عدم الرؤية الهلال لكي لا ينقص الشهر
الشرعي عن تسعة وعشرين يوما وبهذا أمكن القول ان الشهر القمري الشرعي يبدأ
في الليلة التي يمكن ان يرى في غروبها الهلال لأول مرة بعد خروجه من

503
المحاق أو في الليلة التي لم ير فيها الهلال كذلك ولكن رؤي هلال الشهر
اللاحق في ليلة الثلاثين من تلك الليلة.
65 - وامكان الرؤية هو المقياس لا الرؤية نفسها فقد لا تتحقق الرؤية
لعدم ممارسة الاستهلال أو لوجود غيم ونحو ذلك غير أن الهلال موجود
بنحو يمكن رؤيته لولا هذه الظروف الطارئة فيبدأ الشهر الشرعي بذلك،
وبكلمة ان وجود حاجب يحول دون الرؤية كالغيم والضباب لا يضر
بالمقياس لأن المقياس امكان الرؤية في حالة عدم وجود حاجب من هذا القبيل
ولا وزن للرؤية المجهرية وبالأدوات والوسائل العلمية المكبرة وانما
المقياس امكان الرؤية بالعين الاعتيادية المجردة، وتلك الوسائل العلمية
يحسن استخدامها كعامل مساعد على الرؤية المجردة وممهد لتركيزها.
66 - وقد تختلف البلاد في رؤية الهلال فيرى في بلد ولا يرى في
بلد آخر فما هو الحكم الشرعي؟
والجواب: ان هذا الاختلاف يشتمل على حالتين: -
الأولى: - ان يختلف البلدان لسبب طارئ كوجود غيم أو ضباب
ونحو ذلك، وفي هذه الحالة لا شك في أن الرؤية في أحد البلدين تكفي
بالنسبة إلى البلد الآخر لأن المقياس كما تقدم هو امكان الرؤية لا الرؤية
نفسها وامكان الرؤية هكذا ثابت في البلدين معا ولا يضر به وجو حاجب
في أحد البلدين يمنع عن الرؤية فعلا كغيم ونحوه كما تقدم.
الثانية: - ان يختلف البلدان اختلافا أساسيا لتغايرهما في خطوط
الطول أو تغايرهما في خطوط العرض على نحو يجعل الرؤية في أحدهما
ممكنة وفي الآخر غير ممكنة بذاتها وحتى بدون غيم وضباب وذلك يمكن
افتراضه في صورتين.
إحداهما ان يكون هذا التفاوت بسبب اختلاف البلدين في خطوط

504
الطول على نحو يكون الغروب في أحد البلدين قبل الغروب في البلد الآخر
بمدة طويلة، وبيان ذلك: اننا عرفنا سابقا ان القمر بعد خروجه من
المحاق ومواجهة جزء من نصفه النير للأرض يظل هذا الجزء النير يزداد
وكلما ابتعد عن المحاق اتسع وازداد ونضيف إلى ذلك أن الليلة - اي ليلة -
تسير تدريجا بحكم كروية الأرض من المشرق إلى المغرب فتغرب الشمس في
بلد بعد غروبها في بلد اخر بدقائق أو ساعات حسب موقع البلدين في
خطوط الطول، والغروب في كل خط يسبق الغروب في الخط الواقع في
غربه ويتأخر عن الغروب في الخط الواقع في شرقه فقد تغرب الشمس
في بلد كالعراق مثلا ويكون القمر قد خرج من المحاق ولكن الهلال لا يمكن
رؤيته لضآلته مثلا غير أنه يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية لأن الجزء النير
من القمر يزداد كلما بعد عن المحاق فحين تغرب الشمس في بلد يقع في
غرب العراق بعد ساعات عديدة يكون بالامكان رؤية الهلال.
والصورة الأخرى التي يكون الهلال بموجبها ممكن الرؤية في أحد
البلدين دون الآخر ان نفترض بلدين واقعين على خط طول واحد بمعنى
ان الغروب فيهما يحدث في وقت واحد ولكنهما مختلفان في خطوط العرض
فأحدهما أبعد من الآخر عن خط الاستواء ونحن نعلم أن طول النهار
وقصره يتأثر بخطوط العرض فالنهار الواحد والليل الواحد يكون في بعض
المناطق أطول منه في بعضها تبعا لما تقع عليه من خطوط العرض ويختلف
بسبب ذلك أيضا في الغالب طول مكث الهلال في تلك المناطق إذ يمكث في بعضها
أطول مما يمكث في بعضها الآخر فإذا افترضنا ان مكثه في أحد هذين البلدين كان
قصيرا جدا على نحو لا يمكن رؤيته ومكثه في البلد الآخر كان طويلا نسبيا
نتج عن ذلك اختلاف البلدين في امكان الرؤية.
وقد يتميز بلد عن بلد آخر في امكان الرؤية على أساس كلا

505
الاعتبارين السابقين بان نفترض انه واقع في خط طول غربي بالنسبة إلى
البلد الآخر وواقع أيضا على خط عرض آخر يتيح للهلال مكثا أطول.
وهكذا نلاحظ ان البلاد قد تختلف في امكان الرؤية وعدم امكانها
فهل يكون الشهر القمري في كل منطقة من الأرض الرؤية وعدم امكانها
فيها بالذات فيكون لكل أفق شهره القمري الخاص فيبدأ في هذا الأفق
الغربي في ليلة متقدمة وفي أفق شرقي في ليلة متأخرة أو ان الشهر القمري
له بداية واحدة بالنسبة إلى الجميع فإذا رأى الهلال في جزء من العالم كفى
ذلك للآخرين؟
وبكلمة أخرى هل حلول الشهر القمري الشرعي امر نسبي يختلف
فيه أفق عن أفق فيكون من قبيل طلوع الشمس فكما ان الشمس قد تطلع
في سماء بغداد ولا تطلع في سماء دمشق فيكون الطلوع بالنسبة إلى بغداد
ثابتا والطلوع بالنسبة إلى دمشق غير متحقق كذلك بداية الشهر القمري
الشرعي، أو ان حلول الشهر القمري الشرعي امر مطلق وظاهرة كونية
مستقلة لا يمكن ان يختلف باختلاف البلاد؟.
وتوجد لدى الجواب على هذا السؤال في مجال البحث الفقهي نظرية
تؤكد على الافتراض الثاني وتقول: بان حلول الشهر لا يمكن ان يكون
نسبيا وأن يكون لكل منطقة شهرها القمري الخاص وان من الخطأ قياس
ذلك على نسبية الطلوع التي تجعل لكل منطقة طلوعها الخاص، وذلك
لأن طلوع الشمس عبارة عن مواجهة هذا الجزء من الأرض أو ذاك
للشمس ولما كانت الشمس تواجه اجزاء الأرض بالتدريج بحكم كرويتها
وحركتها (اي الأرض) حول نفسها فمن الطبيعي ان يكون الطلوع
نسبيا فتطلع الشمس على هذا الجزء من الأرض قبل ذاك، واما بداية
الشهر القمري فهي بخروج القمر من المحاق اي ابتدائه بالتحرك بعد أن

506
يتوسط بين الشمس والأرض وهذه ظاهرة كونية محددة تعبر عن موقع
جرم القمر من جرمي الشمس والأرض ولا تتأثر بهذا الجزء من الأرض
أو ذاك فلا معنى لافتراض النسبية هنا وللقول بأن الشهر يبدأ بالنسبة إلى
هذا الجزء من الأرض في ليلة السبت وبالنسبة إلى ذلك الجزء في ليلة الأحد.
وهذه النظرية ليست صحيحة من الناحية المنهجية لأنها تقوم على
أساس عدم التمييز بين الشهر القمري الطبيعي والشهر القمري الشرعي،
فان الشهر القمري الطبيعي يبدأ بخروج القمر من المحاق ولا يتأثر باي
عامل اخر ولما كان خروج القمر من المحاق ظاهرة كونية محددة لا تتأثر
بهذا الموقع أو ذاك فلا معنى لافتراض النسبية فيه، واما الشهر القمري
الشرعي فبدايته تتوقف على مجموع عاملين: أحدهما كوني وهو الخروج
من المحاق والاخر ان يكون الجزء النير المواجه للأرض ممكن الرؤية،
وامكان الرؤية يمكن ان نأخذه كامر نسبي يتأثر باختلاف المواقع في الأرض
ويمكن ان نأخذه كامر مطلق محدد لا يتأثر بذلك، وذلك لأننا إذا قصدنا
بامكان الرؤية امكان رؤية الانسان في هذا الجزء من الأرض، وفي ذاك
كان أمرا نسبيا وترتب على ذلك أن الشهر القمري الشرعي يبدأ بالنسبة
إلى كل جزء من الأرض إذا كانت رؤية هلاله ممكنة في ذلك الجزء من
الأرض فقد يبدأ بالنسبة إلى جزء دون جزء، وإذا قصدنا بامكان الرؤية
امكان الرؤية ولو في نقطة واحدة من العالم فمهما رؤي في نقطة بدا الشهر
الشرعي بالنسبة إلى كل التقاط كان أمرا مطلقا لا يختلف باختلاف المواقع
على الأرض.
وهكذا يتضح ان الشهر القمري الشرعي لما كان مرتبطا إضافة إلى
الخروج من المحاق بامكان الرؤية وكانت الرؤية ممكنة أحيانا في بعض المواضع
دون بعض كان من المعقول ان نكون بداية الشهر القمري الشرعي نسبيه.

507
فالمنهج الصحيح للتعرف على أن بداية الشهر القمري هل هي نسبية أو لا
الرجوع إلى الشريعة نفسها التي ربطت شهرها القمري الشرعي بامكان
الرؤية لنرى انها هل ربطت الشهر في كل منطقة بامكان الرؤية في تلك
المنطقة أو ربطت الشهر في كل المناطق بامكان الرؤية في اي موضع كان؟
والأقرب على أساس ما نفهمه من الأدلة الشرعية هو الثاني وعليه فإذا
رأى الهلال في بلد ثبت الشهر في سائر البلاد.
كيف يثبت أول الشهر
اتضح ان بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين خروج
القمر من المحاق وكون الهلال ممكن الرؤية بالعين الاعتيادية المجردة في حالة
عدم وجود حاجب، والآن نريد ان نوضح كيف يمكن اثبات هذين
الامرين واحرازهما بطريقة صحيحة شرعا.
ان اثبات ذلك يتم بأحد الطرق التالية:
63 - (الأول): الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجردة فعلا
لان رؤية الهلال فعلا تثبت للرائي ان القمر قد خرج من المحاق وان بالامكان
رؤيته والا لما رآه فعلا.
68 - (الثاني): شهادة الآخرين برؤيتهم فإذا لم يكن الشخص
قد رأى الهلال مباشرة ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك إذا
توفرت في هذه الشهادة أحد الامرين التاليين:

508
أولا كثرة العدد
وتنوع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان
فإذا كثر العدد ولم يحصل العلم أو الاطمئنان من اجل منشأ معقول لم يثبت
الهلال، فالكثرة العددية عامل مساعد على حصول اليقين ولكنها ليست
كل شئ في الحساب بل ينبغي للفطن ان يدخل في الحساب كل ما يلقي
ضوءا على مدى صدق الشهود أو كذبهم أو خطأهم، ونذكر الأمثلة التالية
على سبيل التوضيح:
1 - إذا أحصي أربعون شاهدا بالهلال من بلدة واحدة فقد يكون
تواجدهم جميعا في بلدة واحدة يعزز شهادتهم، بينما إذا أحصي أربعون
شاهدا من أربعين بلدة استهل أبناؤها فشهد واحد من كل بلدة لم يكن لهم
نفس تلك الدرجة من الاثبات، والسبب في ذلك أن تواجد أربعين شخصا
على خطأ في مجموعة المستهلين من بلدة واحدة امر بعيد نسبيا بينما تواجد
شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كل بلد أقرب احتمالا.
2 - وفي نفس الحالة السابقة قد يصبح الامر على العكس وذلك فيما إذا
كانت تلك البلدة التي شهد من أهاليها أربعون شخصا واقعة تحت تأثير
ظروف عاطفية غير موجودة في المدن الأخرى.
3 - وكما ينبغي ان يلحظ الشهود بالاثبات كذلك يلحظ نوع وعدد
المستهلين الذين استهلوا وعجزوا عن رؤية الهلال فكلما كان عدد هؤلاء
الذين عجزوا عن الرؤية كبيرا جدا ومتواجدا في آفاق نقية صالحة للرؤية
وقريبة من مواضع شهادات الشهود شكل ذلك عاملا سلبيا يدخل في الحساب.
4 - ونوعية الشهود لها اثر كبير ايجابا وسلبا على تقرير النتيجة،

509
ففرق بين أربعين شاهدا يعرف مسبقا انهم لا يتورعون عن الكذب وأربعين
شاهدا مجهولي الحال وأربعين شاهدا يعلم بوثاقتهم بدرجة وأخرى.
5 - قد تتحد مجموعة من الشهادات في المكان بان يقف عدد المستهلين
في مكان مشرف على الأفق فيرى أحدهم الهلال ثم يهدي الاخر إلى موضعه
فيراه ثم يهتدي الثالث إليه وهكذا، وفي مثل ذلك تتعزز هذه الشهادات
لان وقوعها كلها فريسة خطأ واحد في نقطة معينة من الأفق بعيد جدا
وقدرة المشاهد الأول على إرائة ما رآه تعزز الثقة بشهادته.
6 - التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود بان يشهد عدد
من الاشخاص المتفرقين من بلدة واحدة ويعطى كل منهم نقاطا تطابق النقاط
التي يعطيها الآخر من قبيل ان يتفقوا على زمان رؤية الهلال وزمان غروبه
عن أعينهم، فان ذلك عامل مساعد على حصول اليقين.
7 - ينبغي ان يلحظ أيضا مدى ما يمكن استفادته من استخدام الوسائل
العلمية الحديثة من المجهر والرصد المركز، فان رؤية الهلال بهذه الوسائل وان لم تكن
كافية لاثبات الشهر ولكن إذا افترضنا ان التطلع إلى الأفق مجهريا ورصديا لم
يتح رؤية الهلال فهذا عامل سلبي يزيل من نفس الانسان الوثوق بالشهادات
ولو كثرت إذ كيف يرى الناس بعيونهم المجردة ما عجز المجهر عن رؤيته
8 - بل يدخل في الحساب أيضا التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج
القمر من المحاق فإنه إذا حدد وقتا وادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت
كان التحديد العلمي المسبق عاملا سلبيا يضعف من تلك الشهادات، فان
احتمال الخطأ في حسابات النبوءة العلمية وان كان موجودا ولكنه قد لا يكون
أبعد أحيانا عن احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات أو على الأقل لا يسمح
بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.

510
69 - ثانيا تواجد البينة في الشهود
والبينة على الهلال تكتمل إذا توفر ما يلي:
1 - ان يشهد شاهدان رجلان عدلا برؤية الهلال فلا تكفي شهادة
الرجل الواحد ولا النساء وان كن عادلات
2 - ان لا يقع اختلاف بين الشاهدين في شهادتهما على نحو يعني ان
ما يفترض أحد الشاهدين انه رآه غير ما رآه الاخر.
3 - ان لا تتجمع قرائن قوية تدل على كذب البينة أو وقوعها في
خطأ، ومن هذه القرائن ان ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من
المستهلين لم يستطيعوا ان يروه مع اتجاههم جميعا إلى نفس النقطة التي اتجه
إليها الشاهدان في الأفق وتقاربهم في القدرة البصرية ونقاء الأفق وصلاحيته
العامة للرؤية، وهذا معنى قولهم عليهم السلام إذا رآه واحد رآه مائة.
70 - الثالث: مضى ثلاثين يوما من هلال الشهر السابق لان الشهر
القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوما، فإذا مضى ثلاثون يوما ولم
ير الهلال الجديد اعتبر الهلال موجودا ويبدأ بذلك شهر قمري جديد.
71 - الرابع: - حكم الحاكم الشرعي فإنه نافذ وواجب الاتباع حتى
على من لم يطلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلة التي استند إليها في حكمه
وذلك ضمن التفصيل التالي:
أ - ان لا تكون لدى المكلف إلي فكرة عن صواب الحكم الذي
أصدره الحاكم الشرعي وخطأه، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع.
ب - ان تكون لدى المكلف فكرة تبعث في نفسه الظن بأن الحاكم
على خطأ في موقفه على الرغم من اجتهاده وعدالته، وفي هذه الحالة يجب

511
عليه الاتباع أيضا.
ج - ان تكون لدى المكلف فكرة تأكد على أساسها من عدم
كفاية الأدلة التي استند إليها الحاكم الشرعي كما إذا كان قد استند إلى شهود
وثق بعدالتهم ولكن المكلف يعرف انهم ليسوا عدولا فهو يرى أن
شهادتهم غير كافية ما داموا غير عدول ولكنه لا يعلم بأنهم قد كذبوا في
شهادتهم هذه بالذات، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع أيضا ما دام لا
يعلم بان الشهر لم يبدأ فعلا على الرغم من علمه بفسق الشهود.
د - ان يعلم المكلف بان الشهر لم يبدأ فعلا وان الحاكم الشرعي وقع
فريسة خطأ فأثبت الشهر قبل وقته المحدود، وفي هذه الحالة لا يجب الاتباع
بل يعمل المكلف على أساس علمه.
ونريد بحكم الحاكم الشرعي اتخاذه قرارا بثبوت الشهر أو امره للمسلمين
بالعمل على هذا الأساس، وأما إذا حصلت لديه قناعة بثبوت الشهر ولكن
لم يتخذ قرارا بذلك ولم يصدر أمرا للمسلمين بتحديد موقفهم العملي على
هذا الأساس فلا تكون هذه القناعة ملزمة الا لمن اقتنع على أساسها وحصل
لديه الاطمئنان الشخصي بسببها.
وفي حالة إصدار الحاكم الشرعي للحكم يجب اتباعه حتى على غير مقلديه
ممن يؤمن يتوفر شروط الحاكم الشرعي فيه.
72 - الخامس: - كل جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان
بان القمر قد خرج من المحاق وان الجزء النير منه الذي يواجه الأرض
(الهلال) موجود في الأفق بصورة يمكن رؤيته، فلا يكفي لاثبات الشهر
القمري الشرعي ان يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم
يؤكد إلى جانب ذلك امكان رؤية الهلال.
73 - وهناك حالات تلاحظ في الهلال عندما يرى لأول مرة كثيرا

512
ما يتخذها الناس قرينة لاثبات انه في ليلته الثانية وان الشهر القمري كان
قد بدأ في الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته، من قبيل ان يكون
الهلال على شكل دائرة وهو ما يسمى بتطوق الهلال أو سمك الجزء المنير
منه وسعته، أو استمرار ظهوره قرابة ساعة من الزمان وعدم غيابه الا
بعد الشفق مثلا، إذ يقال حينئذ عادة: ان الهلال لو كان جديد الولادة
ولم يكن ابن ليلة سابقة لما كان بهذه الكيفية أو بهذه المدة.
ولكن الصحيح ان هذه الحالات لا يمكن اتخاذها دليلا لاثبات بداية
الشهر القمري الشرعي في الليلة السابقة، لأن أقصى ما يمكن ان تثبته هو
ان القمر كان قد خرج من المحاق قبل فترة طويلة ولذلك أصبح بهذه
الكيفية أو بهذه المدة، ولكنه لا يدلل على أنه كان بالامكان رؤيته في
غروب الليلة السابقة، فلو كان المقر مثلا قد خرج من المحاق قبل اثنتي
عشرة ساعة من الغروب الذي رؤي فيه لأول مرة فسوف يبدو أوضح
وأشمل نورا وأطول مدة مما لو كان قد خرج من المحاق قبل دقائق من
الغروب على الرغم من أنه ليس ابن الليلة السابقة في كلتا الحالتين.
وعلى العموم لا يجوز الاعتماد على الظن في اثبات هلال شهر رمضان
واثبات هلال شوال ولا على حسابات المنجمين الذين لا يعول على أقوالهم
في هذا المجال عادة.
احكام مترتبة
74 - فإذا ثبت هلال شهر رمضان بصورة شرعية وجب الصيام
وإذا ثبت هلال شوال كذلك وجب الافطار، وإذا لم يثبت هلال شهر
رمضان بأحد الطرق التالية كما إذا حلت ليلة الثلاثين من شعبان ولم يمكن

513
اثبات هلال شهر رمضان لم يجب صيام النهار التالي بل لا يسوغ صيامه
بنية انه من رمضان ما دام رمضان غير ثابت شرعا، فله ان يفطر في ذلك
النهار وله ان يصومه بنية انه من شعبان استحبابا أو قضاء لصيام واجب
في عهدته، وله ان يصومه قائلا في نفسه ان كان من شعبان فأصومه على
هذا الأساس وان كان من رمضان فأصومه على أنه من رمضان، فيعقد
النية على هذا النحو من التأرجح فيصح منه الصيام ومتى صام على هذه
الأوجه التي ذكرناها ثم انكشف له بعد ذلك أن اليوم الذي صامه كان
من رمضان أجزأه وكفاه.
75 - وإذا حلت ليلة من شهر رمضان ولم يثبت هلال
شوال بطريقة شرعية وجب صيام النهار التالي، وإذا صامه وانكشف له
بعد ذلك أنه كان من شوال وانه يوم العيد الذي يحرم صيامه فلا حرج
عليه في صيامه ما دام قد صامه وهو لا يعلم بدخول شهر شوال.
وإذا حصل لدى المكلف ما يشبه القناعة بان غدا أول شوال ولكنه
لا يسمح لنفسه بان يفطره لعدم وجود طريق شرعي واضح، كما يعز عليه
ان يصومه خوفا من أن يكون يوم العيد فبامكانه ان يحتاط بالسفر الشرعي
فان سافر ليلا فقد تخلص، وان اجل سفره إلى النهار وجب عليه ان
ينوي الصيام ويمسك إلى حين خروجه من بلده وتجاوزه لحد الترخص
بالمعنى المتقدم في الفقرة (20) وقد تقول إذن قد وقع فيما كان يخشاه
وهو صيام ذلك اليوم الذي يظن بأنه يوم العيد وصيام يوم العيد حرام؟
والجواب: - ان الحرام هو صيام نهار يوم العيد بكامله واما صيام
جزء منه فلا يحرم.

514
الصيام
الصيام في غير شهر رمضان

515
صيام قضاء شهر رمضان
تقدم ان أهم صيام جاءت به الشريعة هو صيام شهر رمضان، وهناك
أنواع أخرى من الصيام الواجب منها صيام قضاء شهر رمضان وفيما يلي
نذكر احكامه: -
على من يجب القضاء
1 - كل من لم يؤد فريضة الصيام في شهر رمضان وجب عليه
القضاء وذلك بان يصوم من الأيام بعد شهر رمضان بعدد ما فاته، سواء
كان عدم أدائه لفريضة الصيام لعصيان أو لغفلة ونسيان أو لجهل بأن هذا
شهر رمضان أو لنوم أو لسفر أو لمرض أو لما يصيب المرأة من حيض أو
نفاس أو لغير ذلك من الأسباب. ويستثنى من ذلك الحالات التالية: -
2 - أولا: - من ترك الصيام لصغر سنه وعدم بلوغه فلا يجب
عليه القضاء.
3 - ثانيا: من ترك الصيام في حالة الجنون فلا يجب عليه القضاء.
4 - ثالثا: من كان كافرا أصيلا في كفره وترك الصيام فلا يجب
عليه القضاء بعد أن أسلم، وأما إذا كان مسلما وارتد عن الاسلام وترك
الصيام ثم عاد إلى الاسلام وجب عليه القضاء.
5 - (رابعا): من داهمه الاغماء قبل ان ينوي الصيام ففاته الصيام
الصيام بسبب ذلك فلا يجب عليه القضاء.
6 - (خامسا): من ترك الصيام على أساس الشيخوخة أو كونه

517
مصابا بداء العطاش على ما تقدم في الفقرة (21، 22) من الفصل السابق
فلا يجب عليه القضاء.
7 - (سادسا): من ترك صيام شهر رمضان لمرض واستمر به
المرض طيلة السنة لي ان أدركه رمضان الثاني فلا يجب عليه القضاء، ولكن
تجب الفدية بالقدر المتقدم في الفقرة (21) من الفصل السابق وأما إذا
صح وعوفي في أثناء السنة فيجب عليه القضاء.
احكام القضاء
8 - وكل من وجب عليه القضاء فلا يجب عليه الاسراع به وله ان
يؤخره شهرا أو شهورا بل سنة أو أكثر ما لم يؤد إلى الاهمال والتفريط،
ولكن في حالة التأخر إلى حلول رمضان الثاني يجب عليه القضاء والفدية
بالقدر المتقدم في الفقرة (21) من الفصل السابق.
واما المريض الذي أفطر في شهر رمضان واستمر به المرض إلى رمضان
اخر فلا قضاء عليه كما تقدم وعليه الفدية فقط.
ولا تزداد هذه الفدية بالتمادي في تأخير القضاء سنتين أو أكثر بل تظل
كما وجبت أولا.
وما ذكرناه من وجوب الفدية على من أخر قضاء رمضان إلى
رمضان اخر كما يشمل الانسان الذي كان مصمما على التأخير كذلك يشمل
الانسان الذي لم يصم في الأشهر الأولى من السنة اعتمادا على أن يصوم
في رجب وشعبان ولكنه داهمه في الفترة الأخيرة مرض منعه من الصيام
حتى حل رمضان، فان عليه الفدية إضافة إلى القضاء.
9 - وكما لا يجب الاسراع في قضاء شهر رمضان كذلك لا يجب التتابع،

518
فمن كان عليه ان يقضي يومين فبامكانه ان يقضي أحدهما في شهر والثاني
في شهر آخر.
10 - ومن كان عليه قضاء رمضانين سابقين فله ان يبدأ بقضاء اي
واحد منهما، فلو قضى رمضان الأسبق ولم يقض رمضان الثاني حتى انتهت
السنة ترتبت عليه الفدية لرمضان الثاني إضافة إلى القضاء، ولو صام شهرا
قضاء بدون تعيين انه عن اي من الرمضانين صح وفي هذه الحالة يعتبر
نفسه عمليا انه قد قضى رمضان الأسبق (وهذا يعني انه إذا اقتصر على
شهر واحد من القضاء ترتبت عليه الفدية من اجل رمضان الثاني).
11 - ومن كان عليه قضاء وصيام اخر واجب كصيام الكفارة فله
أن يبدأ بأيهما شاء.
صورة صيام القضاء
12 - وصورة صيام قضاء شهر رمضان هي صورة صيام الشهر
أداء تماما مع عدد من الفوارق وهي كما يلي: -
13 - أولا: - ان النية في صيام القضاء يمكن تأجيلها بعد طلوع
الفجر فإذا أصبح الانسان وهو لا ينوي الصيام ثم وقع في نفسه قبل الظهر
ان يصوم قضاء ولم يكن قد مارس شيئا من المفطرات منذ الفجر ساغ له
ذلك، وأما إذا حل الظهر ولم يكن قد نوى بعد فلا مجال للنية عندئذ.
وعلى هذا الأساس إذا نوى المكلف صيام قضاء شهر رمضان منذ الفجر
ولكنه بعد ذلك تردد في نيته أو عزم على أن يفطر ولكنه تراجع مرة
أخرى إلى نية الصوم صح صومه ما دام تردده وتراجعه إلى نية الصوم قبل
الظهر خلافا لما تقدم في صيام شهر رمضان من أنه يبطل بالتردد في أثناء

519
النهار فضلا عن العزم على الافطار.
14 - ثانيا: - يجب احتياطا ان لا تتقدم نية القضاء في كل يوم عن
ليلته، فإذا أراد ان يصوم نهار السبت قضاء فلا يسوغ له ان ينوي ذلك
في نهار الجمعة ويكتفي بهذه النية بل لا بد من تجديدها وتركيزها بعد حلول
ليلة السبت وهو في فسحة إلى ظهر يوم السبت.
15 - ثالثا: - يجب على من يقضي ان ينوي القضاء فلا يكفيه ان
ينوي صيام هذا النهار قربة إلى الله تعالى بل لا بد له أن يقصد الصيام
قضاء عن شهر رمضان قرية إلى الله تعالى فقصد القضاء معتبر في النية فلو
صام بدون ذلك لم يخرج عن عهدة القضاء الواجب.
16 - رابعا: إذا احتلم الانسان في نومه وأفاق بعد طلوع الفجر
فلا يسوغ له ان يصوم ذلك النهار قضاء، خلافا للمحتلم في شهر رمضان
إذا أفاق من نومه بعد طلوع الفجر ووجد نفسه جنبا فإنه يصح من
الصوم ويجب.
17 - خامسا: يسوغ لمن يصوم قضاء ان يهدم صيامه ويمارس
اي نوع من المفطرات ما لم يحل ظهر ذلك النهار فإذا حل الظهر لزمه
صيام ذلك النهار بالذات. وإذا تعمد الافطار بعد الظهر ملتفتا إلى صيامه
فعليه كفارة (ويأتي الحديث عنها في فصل الكفارات) الا إذا صدر منه
ذلك وهو يعتقد بأنه حلال له فلا كفارة عليه حينئذ.
ومن كان يقضي عن غيره فله ان يهدم صيامه ويفطر حتى بعد الظهر
ولا كفارة عليه، أجل إذا كان أجيرا للقضاء في يوم محدد فلا يسوغ له
ان يهدم صيامه في ذلك اليوم ولو قبل الظهر حرصا على ما وجب عليه
بالإجارة، ولكن لو أفطر فلا كفارة عليه.
18 - ويسوغ القضاء بعد انتهاء شهر رمضان في اي يوم يختاره

520
المكلف من أيام السنة سوى الأيام التي يحرم فيها الصيام ويأتي الكلام
عنها في الفقرة (36، 37، 38) ولكن لا يصح القضاء من المكلف
وهو مسافر سفرا يجب فيه تقصير الصلاة أو معذور صحيحا من الصيام
كما إذا كان مريضا ويضر به الصيام على النحو الذي تقدم في الفصل السابق
وكذلك لا يصح القضاء من المرأة في حالة الحيض أو النفاس.
19 - احكام الشك
من مضى عليه شهر رمضان وشك في أنه هل عليه قضاء هذا الشهر
أو قضاء بعض أيامه أو انه صامه ولا قضاء عليه فلا يجب عليه القضاء.
وإذا صام ثم شك في أن صومه صحيح أو لا فلا يجب عليه
القضاء أيضا.
وإذا علم أنه أفطر يوما من شهر رمضان ولكن لا يدري هل أفطر
بعذر كمرض وسفر لكي يجب عليه القضاء فقط أو بدون عذر لكي يجب
عليه القضاء والكفارة معا فما هو حكمه؟
والجواب: - انه يقضي ولا كفارة عليه.
وإذا علم أن أياما من شهر رمضان فاتته لسفر أو مرض أو غير
ذلك ولم يعلم عدد فكيف يصنع؟.
والجواب: - انه يقتصر على قضاء الأيام التي يعلم بأنه فاتته ولا
يلزم بقضاء ما زاد على ذلك، فمثلا إذا كان يشك في أنه هل فاته أسبوع
أو أسبوعان قضى أسبوعا واحدا.
وإذا علم الانسان بأنه قد أفطر يوما مثلا ووجب عليه ان يقضيه
ولكنه شك في أنه هل صام قضاء عن ذلك اليوم أو لا، فيجب عليه

521
ان يصوم قضاء ليكون على يقين بأنه أدى ما عليه.
الابن يقضي عن أبيه
20 - وإذا أفطر الانسان شهر رمضان ووجب عليه ان يقضيه ولم
يقضه حتى مات وجب على ولده الذكر ان يقضي عنه، وإذا تعدد أولاده
الذكور وجب ذلك على أكبرهم سنا، وإذا تساوى اثنان في السن كان
القضاء في عهدتهما معا بالتضامن نظير ما تقدم في قضاء الصلاة الفقرة (32)
من فصل (الاحكام العامة) من فصول الصلاة.
وإذا أفطر الانسان شهر رمضان ولم يجب عليه قضاءه - كالمريض
يفطر ويستمر به المرض حتى يموت أو المسافر يفطر ويموت في نفس شهر
رمضان - فلا يجب القضاء عنه على ولده.

522
صيام التكفير والتعويض
يجب الصيام شرعا في حالات على أساس كونه تكفيرا عن معصية
أو تعويضا عن واجب ونذكر من ذلك ما يلي: -
21 - أولا: - صيام كفارة الافطار في شهر رمضان فان من تعمد
الافطار عاصيا في هذا الشهر تجب عليه الكفارة كما تقدم في الفقرة (56)
من فصل الصيام في شهر رمضان وهذه الكفارة هي ان يعتق مملوكا أو
يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين على أن يكون شهر منهما مع يوم من
الشهر الثاني على الأقل متصلا بعضه ببعض ويسمى هذا بصيام الكفارة.
22 - ثانيا: صيام كفارة التعجيل بالخروج من عرفات، ذلك أن
الحاج يجب عليه ان يقف في عرفات فترة تقع بين ظهر اليوم التاسع
من ذي الحجة وغروبه فإذا استعجل وخرج منها قبل الغروب وجب عليه
ان يكفر بذبيحة كبيرة على ما بيناه في موجز احكام الحج، ومع عدم
تيسر ذلك يصوم بدلا عنها ثمانية عشر يوما ولو متفرقة.
23 - ثالثا: - الصيام تعويضا عن الهدي، ذلك أن من حج حجة
التمتع وجب عليه ان يذبح ذبيحة يوم العيد (وتسمى بالهدي) فان عجز
عن ذلك كان عليه ان يصوم عشرة أيام.
24 - وصورة الصيام الواجب تكفيرا أو تعويضا هي نفس صورة
قضاء شهر رمضان غير أنه لا يصر به ان يفيق الانسان من نومه صباحا
وهو محتلم، فيسوغ له ان يصوم صيام الكفارة بينما رأينا سابقا ان مثل
هذا الشخص لا يسوغ له ان يصوم قضاء شهر رمضان. كما أن هناك فارقا
اخر وهو ان صيام قضاء شهر رمضان لم يكن يجوز من المسافر واما

523
صيام الكفارة أو التعويض فبعض أقسامه سائغة للمسافر وهي ما يلي: -
1 - صيام كفارة التعجيل من عرفات قبل الغروب.
2 - ان صيام عشرة أيام تعويضا عن الهدي يؤدي على مرحلتين
ثلاثة ثم سبعة والثلاثة يؤديها الحاج في سفره قبل الرجوع إلى أهله.
واما صيام التكفير عن افطار شهر رمضان فلا يسوغ في السفر.
الصيام المستحب
25 - وكما يوجد صيام واجب كذلك يوجد صيام مستحب فان
الصيام في كل الأيام مستحب عدا ما يجب فيه الصيام كأيام شهر رمضان أو
يحرم كما يأتي في الفقرة (36 وما بعدها).
وقد جاء في الأحاديث ان الصوم جنة من النار وزكاة الأبدان وبه
يدخل العبد الجنة وان نوم الصائم عبادة ونفسه وصمته تسبيح ودعاؤه مستجاب
وان له فرحتين فرحة عند الافطار وفرحة حين يلقى الله تعالى.
وتتفاوت درجته في الفضيلة فصيام بعض الأيام أفضل من صيام بعضها
الآخر - مثلا صيام رجب وشعبان أفضل من صيام ما قبلهما من الشهور.
من الذي يستحب منه الصيام
26 - ويستحب الصيام للانسان إذا توفرت فيه شروط:
الأول: ان لا يكون مريضا أو يسبب له الصيام مرضا.
الثاني: ان لا يكون مسافرا ويستثنى من ذلك الصيام ثلاثة أيام في
المدينة المنورة لقضاء الحاجة في أيام الأربعاء والخميس والجمعة على

524
نحو التتابع.
الثالث: ان لا تكون المرأة حائضا أو نفساء.
الرابع: ان لا يكون على المكلف قضاء شهر رمضان ولا صيام
الكفارة والتعويض فإذا كان عليه شئ من ذلك فلا يسوغ له الصيام
المستحب، وأما إذا كان عليه صيام واجب بالنذر ونحوه فلا يمنع هذا
عن الصيام المستحب، وكذلك أيضا إذا استأجر نفسه للصيام عن غيره
فوجب عليه ان يصوم عنه فإنه يصح منه ان يصوم صياما مستحبا.
وإذا كان على المكلف قضاء صيام رمضان أو صيام الكفارة أو
التعويض فكما لا يسوغ له ان يصوم صياما مستحبا عن نفسه كذلك لا يسوغ
له ان يتبرع بالصيام عن غيره، ولكن يجوز له ان يؤجر نفسه للصيام
عن الغير، وفي هذه الحالة إذا صام عن الغير صح ذلك منه حتى ولو كان
عليه قضاء.
وقد تقول: إذا كان على الانسان قضاء فلا يسوغ له ان يصوم
صياما مستحبا على ما تقدم ولكن هل يسوغ له ان ينذر الصيام المستحب
لكي يصبح واجبا فيؤديه قبل ان يصوم ما عليه من قضاء؟
والجواب: ان هذا إذا نذر ان يأتي بالصيام المستحب قبل صيام
القضاء فالنذر باطل من الأساس ولا يصح منه ذلك الصيام المنذور إذا اتى
به قبل صيام القضاء وإذا نذر الاتيان بالصيام المستحب بدون تحديد بان
يكون قبل صيام القضاء انعقد نذره ووجب عليه أولا ان يقضي ما عليه من
صيام ثم يصوم كما نذر.
وليس من الشروط في الصيام المستحب ان تستأذن الزوجة من زوجها
إذا أرادت ان تصوم استحبابا، فيصح صيامها بدون اذنه الا إذا طلب
منها ترك الصوم بدافع الرغبة في الاستمتاع بها ومقاربتها

525
27 - نيته: ويكفي في نية الصيام المستحب ان ينوي في الليل صيام
نهار غد قربة الله تعالى، ويستمر مجال النية للصيام المستحب حتى إلى
اخر النهار، فإذا لم يكن المكلف قد مارس في نهاره شيئا من المفطرات
وبدا له ان يصوم استحبابا قبل الغروب بساعة أو بضع دقائق جاز له
ذلك ولا يضر به انه لم يكن ناويا للصيام طيلة النهار أو انه كان عازما على
الافطار ما دام لم يفطر فعلا.
28 - صورته: وصورة الصيام المستحب هي صورة صيام شهر
رمضان وقضائه غير أنه يختلف عنه في نقطة وهي انه يسوغ للمكلف في
الصيام المستحب ان يصبح جنبا متعمدا بمعنى انه إذا حصلت منه جنابة في
الليل وهو يريد ان يصوم في النهار استحبابا فلا يلزمه ان يغتسل قبل طلوع
الفجر ويصح صيامه خلافا لمن يصوم رمضان أداءا أو قضاء. كما يختلف
الصيام المستحب عن قضاء شهر رمضان في أن الانسان إذا أفاق من نومه
صباحا فوجد نفسه محتلما جاز له ان يصوم ذلك النهار استحبابا ولا يجوز
له ان يصومه من قضاء شهر رمضان.
29 - احكامه: وبامكان الصائم صياما مستحبا ان يهدم صيامه متى
شاء قبل الظهر أو بعد الظهر ولا شئ عليه ويهدم الصيام المستحب بتعمد
الافطار على النحو الذي يهدم صيام رمضان أما إذا أفطر نسيانا
فصيامه صحيح.
30 - قد يجب الصيام المستحب: وقد يجب الصيام المستحب بسبب
طارئ، وذلك فيما إذا نذر المكلف لله تعالى ان يصوم أو حلف على
ذلك يمينا بالله سبحانه أو عاهده عز وجل على الصيام فيصبح واجبا، وهذا
الوجوب قد يسبب أحكاما جديدة لهذا الصيام المستحب بعد أن تحول إلى
واجب تختلف عن احكامه الصيام المستحب وهي كما يلي:

526
31 - أولا: إذا نذر ان يصوم يوما معينا وجب عليه ان ينوي
صيامه منذ البدء، ولا يسوغ له ان يؤخر النية عن طلوع الفجر فضلا عن تأخيرها
عن الظهر كما كان يسوغ في الصيام المستحب.
32 - ثانيا: إذا نذر ان يصوم يوما معينا فلا يجوز له ان يهدم صيامه
في ذلك اليوم لا بعد الظهر ولا قبله، وأما إذا نذر ان يصوم يوما بدون
تعيين ثم اختار يوما للوفاء صامه جاز له ان يهدم صيامه سواء كان قبل
الظهر أو بعده ويستبدله بيوم اخر.
33 - ثالثا: - يجب على الناذر حينما يصوم ان يقصد بذلك الوفاء
بالنذر، وأما إذا لم يقصد ذلك فلا يعتبر وفاء ويبقى النذر في عهدته.
34 - رابعا: - في حالة كون اليوم المنذور صيامه محددا يسوغ
للناذر ان يسافر في ذلك اليوم، ويعفى من الصيام حينئذ، ولكن عليه حينئذ
قضاء صيام ذلك اليوم المنذور الذي سافر فيه.
35 - خامسا: - قد تقدم ان الصيام المستحب في حالة السفر غير
سائغ ولكن إذا نذر المكلف الصيام المستحب وأصبح واجبا بسبب ذلك
ساغ له ان يصوم في السفر وفاء لنذره، شريطة ان يكون قد نص في
نذره على أن يكون صيامه في السفر أو نص على أن يصوم اليوم الفلاني
سواء كان حاضرا أو مسافرا، ومثال ذلك: ان يقول لله علي أن أصوم
في سفرتي هذه أسبوعا أو بقول لله علي أن أصوم شهر رجب المقبل سواء
كنت حاضرا فيه أو مسافرا، ففي مثل ذلك يصح منه الصيام في السفر
وفاء لنذره.

527
الصيام المحرم
الصيام المحرم أنواع وهي كما يلي:
36 - أولا: صيام اليوم الأول من شوال وهو يوم عيد الفطر.
37 - ثانيا: صيام اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم عيد الأضحى.
38 - ثالثا: صيام اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة
لمن كان متواجدا في منى لممارسة مناسك الحج، والأجدر بغيره أيضا ان
يحتاط ولا يصوم هذين اليوم أيضا.
ويستثنى مما تقدم صيام شهرين من أشهر الحرم الواجب تكفيرا عن
القتل في بعض الحالات فإنه يسوغ ان يشمل العيد وغيره.
39 - رابعا: كل صيام غير مشروع كصيام المريض وصيام الحائض
والنفساء وصيام من نذر لله ان يصوم شكرا على معصية، كما إذا بغى
انسان على مؤمن ونذر ان يصوم لله شكرا وفرحا إذا أمكنه الله من قتله،
وكذلك أيضا صيام المسافر عدا الحالات التي مر استثناؤها في الفقرات
(26) و (35) و (24).
ومن الصيام غير المشروع صيام الوصال وهو ان ينوي الصوم
وتمديده إلى ما بعد المغرب ويسمى بصوم الوصال لان الصائم يوصل فيه
الليل بالنهار، وهذا غير مشروع ولا يصح. وأما إذا صام المكلف ناويا
الامساك إلى المغرب ولكن تأخر في افطاره ساعة أو ساعتين أو لم يفطر
طيلة تلك الليلة فصيامه صحيح ولا شئ عليه.
ومن الصيام غير المشروع أيضا صيام اليوم الذي يشك في أنه من
شعبان أو رمضان ولم يثبت بدليل شرعي انه من شهر رمضان إذا نودي

528
الصائم لصيام هذا اليوم ان يكون من شهر رمضان على الرغم من شكه
فان ذلك غير مشروع كما تقدم في الفقرة (74) من الفصل السابق.
ومن الصيام غير المشروع صيام الصمت وهو ان يصوم الانسان
ناويا ان يكون الصمت عن الكلام جزء من صيامه.
40 - ويختلف النوع الرابع المحرم - الصوم غير المشروع - عن
الأنواع الثلاثة الأولى في نقطة وهي: انه في الأقسام الثلاثة الأولى يحرم
الصيام ولو لم يكن بنية القربة، واما في النوع الرابع فيحرم إذا كان بنية
القربة ولا يحرم إذا لم يكن كذلك ولكنه لا يعتبر حينئذ صياما شرعا،
وانما هو تصرف شخصي بحت.
جدول للمقارنة
41 - وفي ما يلي نذكر جدولا للمقارنة بين اقسام الصيام في أهم
الاحكام على ضوء ما تقدم تسهيلا للمراجع.
المفطرات: - تشترك كل اقسام الصيام في المفطرات الثمانية المتقدمة.
السهو: - تشترك كل اقسام الصيام في أنها لا تبطل في الافطار
سهوا ونسيانا.
النية: - لا يجوز ان تتأخر النية في شهر رمضان عن طلوع الفجر
وكذلك في الصوم المنذور في يوم محدد ولا يجوز ان تتأخر النية في سائر اقسام
الصيام الواجب عن الظهر بل يجب ان تحدث قبل الظهر ويجوز في
الصيام المستحب ان تتأخر النية عن الظهر أيضا.
تعمد عدم الجناية ليلا إلى أن يطلع الفجر: - لا يجوز ذلك في شهر
رمضان ولا يجزي معه قضاء شهر رمضان ولا الصيام الواجب تكفيرا أو

529
تعويضا ولا يضر بالصيام المستحب حتى ولو وجب بنذر أو عهد أو يمين.
الاصباح محتلما: - لا يضر ذلك في كل صيام عدا صيام قضاء
شهر رمضان.
نسيان الجنب لجنابته حتى يصبح: - يبطل بذلك صيام شهر رمضان
وقضاءه دون غيرهما من الصيام الواجب أو المستحب.
الافطار وهدم الصيام: - لا يجوز ذلك في كل صيام وجب ايقاعه
في ذلك النهار بالذات كصيام نهار شهر رمضان أو صيام نهار نذر
المكلف ان يصومه بالذات ويجوز ذلك في غير هذه الحالة سواء كان قبل
الظهر أو بعده ولكن في قضاء صيام شهر رمضان لا يجوز بعد الظهر
وانما يجوز قبل الظهر.
الكفارة، لا كفارة على ترك نية الصيام الواجب بدون افطار ولا
كفارة على الافطار المحرم الا في حالتين وهما الافطار في صيام شهر رمضان
والافطار بعد الظهر في قضاء صيام شهر رمضان. وأما إذا نذر صيام يوم
معين ثم ترك صيامه عامدا بدون عذر شرعي فعليه كفارة النذر بمجرد
ترك نية الصيام سواء أفطر وتناول فعلا شيئا من الطعام والشراب أولا
وسيأتي في فصل الكفارات تحديد كفارة النذر واليمين والعهد.
الصيام في السفر: لا يصح بحال صيام شهر رمضان أو قضاؤه في
السفر الذي يتحتم فيه التقصير في الصلاة ولا يصح الصيام المستحب في
السفر الا إذا أصبح واجبا بالنذر ونص الناذر فيه على السفر كما تقدم في
الفقرة (35) وهناك حالة واحدة يصح فيها الصيام المستحب في السفر
بدون نذر تقدمت في الفقرة (26).
واما صيام التكفير والتعويض فبعض أقسامه تصح في حالة السفر
وبعضها لا تصح في هذه الحالة ومن صيام التكفير الذي لا يصح في السفر

530
صيام كفارة الافطار في شهر رمضان.
الصيام في حالة العذر الصحي: لا يصح الصيام بكل اقسام من
المريض الذي يضربه الصوم وكل معذورا من ناحية صحية على
ما تقدم في الفصل السابق الفقرة (6) وكذلك لا يصح الصيام بكل أقسامه
من الحائض والنفساء.

531
الاعتكاف

533
تمهيد
1 - الاعتكاف والعكوف في اللغة: الإقامة على الشئ في المكان.
وفي الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبد لله وحده، وهو مشروع
اجماعا وقرآنا وسنة. ويبدو ان الشريعة الاسلامية بعد أن ألغت فكرة
الترهب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرة سلبية خاطئة (ورهبانية
ابتدعوها)، شرعت الاعتكاف ليكون وسيلة موقوتة وعبادة محدودة تؤدي
بين حين وآخر، لتحقيق نقله إلى رحاب الله يعمق فيها الانسان صلته بربه
ويتزود بما تتيح له العبادة من زاد، ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله
اليومي وقلبه أشد ثباتا وايمانه أقوى فاعلية.
وأساس الاعتكاف يتمثل في المكث ثلاثة أيام في المسجد، وله
شروط من أهمها الصيام، والتزامات منها اجتناب الاستمتاع الجنسي، وفيما
يلي نستعرض الشرائط أولا.
شرائط الاعتكاف:
للاعتكاف شروط لا يصح بدونها وهي كما يأتي:
2 - الأول: العقل.
3 - الثاني: الايمان.
4 - الثالث: نية القربة ابتداء واستمرار كسائر العبادات.
وقد مر بنا ان النية للصيام يمكن ان تتخذ في الليل، فينوي الانسان
من الليل ان يصوم نهار غد وينام ويصبح من نومه صائما ويصح صومه

535
على الرغم من أن الفجر طلع عليه وهو نائم، فهل يصح مثل ذلك في الاعتكاف
، بان يذهب إلى المسجد ليلا وينوي ان يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد
وينام ويصبح معتكفا؟
والجواب: ان صحة الاعتكاف من هذا القبيل غير واضحة، فالأجدر
بالمكلف في حالة من هذا القبيل ان يتخذ إحدى طريقتين: إما ان يستيقظ
عند طلوع الفجر وينوي لكي تقترن النية بطلوع الفجر، واما ان ينوي
الابتداء بالاعتكاف فعلا من نصف الليل أو أوله، والمهم على اي حال ان
تتواجد النية عند بداية الاعتكاف.
والمهم في النية: ان ينوي الاعتكاف في المسجد قربة إلى الله تعالى،
وليس من الضروري ان يقصد باعتكافه التوفر على مزيد من الدعاء والصلاة
وان كان هذا أفضل وأكمل، غير أن الاعتكاف بذاته عبادة يصح ان يقصد
ويتقرب به إلى الله تعالى، فان انضم إلى ذلك التفرغ للعبادة وممارسة المزيد
من الدعاء والصلاة كان نورا على نور.
5 - الرابع: الصيام في الأيام الثلاثة، فمن لا يصح منه الصوم
لا يصح منه الاعتكاف، فالمريض والمسافر لا يتأتى لهما ان يعتكفا، إذ لا يصح
منهما الصيام. اجل يمكن للمسافر ان يتوصل إلى ذلك بان ينذر ان يصوم
في سفره على ما تقدم في الصيام المستحب من فصل صيام غير شهر رمضان
وحينئذ يسوغ له ان يعتكف ويصوم.
وللمعتكف ان ينوي بالصيام أي صيام مشروع بالنسبة إليه، فيصح
له ان يصوم صيام قضاء شهر رمضان أو صيام الكفارة، كما يصح له ان
يصوم صياما مستحبا إذا توفرت له الشروط التي يصح معها الصيام
المستحب، ومن تلك الشروط ان لا يكون عليه صيام واجب على ما تقدم
في فصل (صيام غير شهر رمضان)، فمن كان عليه قضاء شهر رمضان

536
وأراد ان يعتكف في غير شهر رمضان فعليه ان ينوي بصيامه الصيام الواجب.
وكما يجب ان يكون المعتكف ممن يصح منه الصوم كذلك يجب ان
تكون أيام الاعتكاف مما يصح فيها الصوم، فلا يصح الاعتكاف في عيد
الفطر أو عيد الأضحى مثلا إذ لا يسوغ الصيام فيهما.
وكل ما يفسد الصوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله، لان الصوم شرط
في صحته والمشروط يبطل ببطلان شرطه.
6 - الخامس: العدد، وأقله ثلاثة أيام - ثلاثة نهارات - تتوسطها
ليلتان، ويسوغ ان يكون أكثر من ذلك، بان ينوي الاعتكاف من بداية
ليلة الجمعة إلى نهاية نهار الأحد أو إلى صباح الاثنين، فيكون اعتكافه
مكونا من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أو إلى غروب الاثنين أو أكثر
من ذلك.
7 - السادس: ان يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه الناس ويعتبر
مسجدا جامعا ورئيسيا في البلد. فليس من المعلوم ان يصح الاعتكاف في
مسجد صغير جانبي.
ويجب ان يكون المسجد المقصود ممارسة الاعتكاف فيه محددا وواحدا
فلا يسوغ الاعتكاف في مسجدين على نحو يمكث في هذا يوما وفي ذاك
يوما أو يومين، وعليه فإذا اعتكف في مسجد وتعذر البقاء فيه للاتمام
والاكمال بطل الاعتكاف من الأساس، ولا يسوغ توزيعه بين مسجدين
وان تقاربا أو تجاورا.
والمسجد يشمل كل طوابقه من السطح والسراديب ولو خص
المعتكف بنيته زاوية خاصة من المسجد فنوى الاعتكاف في تلك الزاوية
بالذات فلا اثر لهذا القصد، ويسوغ لهذا القاصد ان يمكث وينتقل في كل
اجزاء ذلك المسجد.

537
8 - السابع: ان لا يخرج المعتكف من مسجده الا لضرورة شرعية
أو عرفية، فمن الضرورة الشرعية ان يخرج الجنابة إذ لا يجوز له
أن يمكث في المسجد ويغتسل حتى ولو كان ذلك ممكنا، أو لحضور صلاة
الجمعة إذا أقيمت. ومن الضرورة العرفية ان يخرج لقضاء الحاجة أو
لعلاج مرض داهمه ونحو ذلك.
ومن الضرورة أيضا ان يخرج لغير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة
كغسل مس الميت سواء أمكنه الاغتسال في داخل المسجد أولا.
فإذا كم تكن هناك حاجة ضرورية للخروج شرعا أو عرفا وخرج
على الرغم من ذلك فلا يعول على اعتكافه هذا ويعتبره باطلا، ويستثنى
من ذلك الأمور التالية،
(أ) إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته فإنه لا يبطل بذلك اعتكافه.
(ب) إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.
(ج) إذا أكره على الخروج.
وأما إذا خرج بدون حاجة ضرورية جاهلا بان ذلك يبطل الاعتكاف
أو ناسيا لاعتكافه فعليه ان يعتبر اعتكافه باطلا.
وفي كل حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه ان يقتصر في ابتعاده
عن المسجد على قدر الحاجة التي سوغت له الخروج ولا يجلس مهما أمكن
وإذا اضطر إلى الجلوس لم يجلس في ظل وتحرى مهما أمكن أقرب الطرق.
9 - الثامن: ان يترك كل ما يجب على المعتكف اجتنابه مما يأتي بيانه
في التزامات المعتكف الفقرة (10 - 16)، فإذا مارس عامدا شيئا من
تلك الأشياء بطل اعتكافه.
والأجدر بالمعتكف احتياطا ووجوبا ان يفترض اعتكافه باطلا حتى في
صورة صدور أحد تلك الأشياء منه نسيانا أو جهلا.

538
وإذا وقع هذا النسيان أو الجهل في اليوم الثالث فالأجدر به ان يكمل
اعتكافه لاحتمال ان يقبل منه ولكن لا يعول عليه.
التزامات الاعتكاف
التزامات الاعتكاف
يجب على المعتكف منذ ابتداء اعتكافه إلى انتهائه ان يجتنب نهارا أو
ليلا عما يلي: -
10 - أولا: - مباشرة النساء بالجماع أو بما دون ذلك من استمتاع
بالتقبيل واللمس أيضا.
11 - ثانيا: - الاستمناء (اي انزال المني باليد أو بآلة).
12 - ثالثا: شم الطيب وهو كل مادة لها رائحة طيبة وتتخذ للشم
والتطيب، كعطر الورد والقرنفل وغيره.
13 - رابعا: التلذذ بما للرياحين من رائحة طيبة والرياحين كل
نبات ذو رائحة طيبة، كالورد والياسمين.
14 - خامسا: التجارة بشتى أنواعها، ولا يدخل في نطاق ذلك
ما يمارسه الانسان من اعمال نافعة في حياته، كالخياطة والطبع والحياكة
ونحو ذلك.
وإذا تاجر وهو معتكف فباع واشترى بطل اعتكفه، ولكن البيع
والشراء صحيح والتجارة نافذة المفعول.
15 - سادسا: المماراة ونريد بها هنا المجادلة والمنازعة في قضية
لإثبات وجهة نظر معينة فيها حبا بالظهور، والفوز على الأقران، سواء
كانت وجهة النظر هذه صحيحة بذاتها أو لا، وسواء كانت القضية
المطروحة للجدال دينية أو غير دينية. وأما إذا كان الجدال والنقاش بروح

539
موضوعية وبدافع اثبات الحق أو حرصا على تصحيح خطأ الآخرين فلا
ضير فيه.
احكام الاعتكاف
16 - الاعتكاف مستحب ومندوب بطبيعته، وقد يجب لسبب طارئ
كما لو أوجبه الانسان على نفسه بنذر أو عهد أو يمين.
17 - وإذا بدأ الانسان اعتكافه فيسوغ له في اي لحظة ان يهدم
اعتكافه ويغادر المسجد فيعود إلى حالته الاعتيادية ويستثنى من ذلك ما يلي: -
أولا: - إذا كان قد وجب عليه الاعتكاف بنذر ونحوه في تلك
الأيام بالذات، فإنه يجب عليه حينئذ ان يواصل اعتكافه وأما إذا كان
قد نذر ان يعتكف بدون ان يحدد أياما معينة فله إذا شرع في الاعتكاف
ان يهدمه مؤجلا الوفاء إلى أيام أخرى.
ثانيا: - إذا كان قد مضى على المعتكف يومان أي نهاران فان عليه
في هذه الحالة ان يكمل اعتكافه حتى ولو كان قد بدأه مستحبا، إلا في
حالة واحدة، وهي ان يكون حين نوى الاعتكاف شرط بينه وبين ربه ان
يرجع في اعتكافه ويهدمه متى شاء أو في حالات معينة، ففي هذه الحالة
يسوغ له ان يهدم اعتكافه وفقا لشرطه حتى في اليوم الثالث.
18 - وكلما فسد الاعتكاف لأي سبب من الأسباب السابقة فماذا
يترتب على من فسد اعتكافه؟.
والجواب: - ان هذا له حالات كما يلي: -
(أ) ان يكون اعتكافه مستحبا عند البدء وقد فسد قبل مضي نهارين
منه ففي هذه الحالة لا يجب عليه اعادته.

540
(ب) ان يكون اعتكافه مستحبا عند البدء وقد فسد بعد مضي
يومين فيجب عليه حينئذ اعادته، ولكن لا تجب اعادته، على الفور بل
له ان يعيده بعد مدة. وأما إذا بدأ الاعتكاف في وقت لا يشرع فيه
الاعتكاف أو في مكان لا يصح فيه كما لو اعتكف يوم العيد أو قبله بيوم
أو يومين أو اعتكف في غير المسجد - ثم تفطن في الأثناء انصرف عن
اعتكافه ولا إعادة عليه.
(ج) ان يكون قد نذر الاعتكاف واعتكف وفاءا بنذره فعليه ان
يعيد اعتكافه سواء كان نذره محددا بتلك الأيام التي فسد فيها الاعتكاف
بالذات أو غير محدد، غير أن الإعادة في حالة النذر المحدد تسمى قضاء
لأنها تقع بعد انتهاء الأمد المحدد في النذر ولا يجب فيها الفور، واما
في الحالة الثانية فالإعادة عمل بالنذر ووفاء له في وقته المحدد فيه ويجب ان
تقع وفق المدة المحددة في النذر.
19 - وإذا تعمد المعتكف مقاربة زوجته فعليه الكفارة سواء كان
ذلك في الليل أو في النهار، ولا كفارة عليه إذا تعمد غير ذلك مما يحرم
عليه وانما عليه ان يتوب.
وإذا قارب هذا المعتكف في النهار وهو صائم في شهر رمضان أو
صائم صيام قضاء شهر رمضان فعليه كفارتان أحدهما: على أساس انه
تحدى بذلك اعتكافه والأخرى: كفارة افطار صيام شهر رمضان أو كفارة
افطار قضاء شهر رمضان.
وسيأتي في فصل الكفارات تحديد الكفارة التي تجب على
المعتكف بالمقاربة.
وإذا افترضنا في الحالة الآنفة الذكر ان الاعتكاف في تلك الأيام
بالذات كان منذورا وجبت على المعتكف الذي قارب زوجته كفارة ثالثة
من اجل تحديه للنذر.

541
الحج والعمرة

543
تمهيد
1 - الحج من العبادات الاجتماعية في الاسلام ذات المغزى العظيم روحيا
ومدنيا، وهو يشبه الاعتكاف في كونه نقلة إلى الله تعالى، غير أن الاعتكاف
نقلة فردية يعتكف بموجبها هذا الفرد أو ذاك في بيت من بيوت الله، والحج
نقلة جماعية يتجه فيها جمهور المسلمين المكلفين بأداء هذه الفريضة أو المتطوعين
للتواجد في مكان واحد وزمان واحد ولممارسة شعائر موحدة.
والعمرة عادة تشبه الحج في جملة من واجباته، ولكن مجالها يقتصر
بعد الاحرام على الحضور في المسجد الحرام، والصفا والمروة وأداء واجباتها
هناك، بينما يمتد مجال الحج وواجباته إلى خارج مكة، ويتطلب السفر إلى
عرفات والمشعر ومنى.
والحج مستحب عموما باستثناء الحجة الأولى للمستطيع فإنها واجبة،
والعمرة المفردة مستحبة عموما باستثناء العمرة الأولى للمستطيع فإنها واجبة.
3 - وكل من يستطيع الحج وهو يبعد في مسكنه وموطنه عن مكة
أكثر من ستة وثمانين كيلو مترا وخمسي الكيلو متر الواحد فعليه ان يعتمر
ويحج بادئا بالعمرة وخاتما بالحج، وتسمى الحجة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي
بالحج بحجة التمتع، وتعتبر العمرة الجزء الأول من حجة التمتع.
وإذا لم يتمكن هذا البعيد من الحج ولكن تمكن من العمرة فلا تجب
عليه بمفردها، ولكن يستحب له أن يأتي بها.
3 - وكل من يستطيع وهو أقرب من ذلك موطنا ومسكنا إلى المسجد
الحرام فعليه أن يحج ويعتمر مبتدئا بالحج ومنتهيا بالعمرة، وتسمى مثل هذه
الحجة بحجة الافراد، وتعتبر العمرة فيها عملا مستقلا عن الحج ولهذا يعبر

545
عنها بالعمرة المفردة.
وإذا لم يتمكن هذا القريب من الحج ولكنه استطاع للعمرة المفردة وجب
عليه ان يعتمر عمرة مفردة خلافا للبعيد، لان عمرة البعيد جزء من حجته
فإذا لم يتح له الحج فلا تجب عليه العمرة، وعمرة القريب منفصلة عن
حجته فإذا لم يتح له الحج وأتيحت العمرة وجبت عليه.
وتسمى الحجة الواجبة التي يأتي بها المستطيع بحجة الاسلام.
4 - وكل مكلف - سواء كان قريبا أو بعيدا - إذا أراد ان يحج
استحبابا وتطوعا فله ان يختار حجة التمتع أو حجة الافراد، وإذا أراد ان
يعتمر في غير موسم الحج فله ان يأتي بعمرة مفردة، ولا يسوغ له ان يأتي
بعمرة التمتع لأنها جزء من حجة التمتع ولا تنفصل عن الحج بحال فلا تقع
الا في موسمه.
5 - وليس للعمرة المفردة وقت فهي مستحبة دائما، وإذا اعتمر في
شهر جاز له ان يكرر العمرة في نفس الشهر، بل في نفس الأسبوع أيضا.
واما عمرة التمتع فهي بوصفها جزءا من الحج لا تقع الا في أشهر
الحج، ويبدأ وقتها من بداية شهر شوال ويستمر إلى اليوم التاسع من
ذي الحجة على أن يكون بالامكان أداء العمرة والاحرام للحج وادراك
موقف عرفات ظهر يوم التاسع.
ونحن فيما يلي سنشرح بايجاز حجة التمتع ابتداء من أول اعمال العمرة
وانتهاء بآخر اعمال الحج، لان حجة التمتع هي الشكل الواجب من الحج
على غالب المؤمنين، نظرا إلى تواجدهم في مناطق سكنية بعيدة عن
مكة المكرمة.

546
واجبات حجة التمتع
واجبات حجة التمتع هي واجبات عمرة التمتع أولا، وواجبات حج
التمتع ثانيا.
واجبات عمرة التمتع
6 - وواجبات عمرة التمتع خمسة وهي: الاحرام، ثم الطواف،
فصلاة الطواف، ثم السعي بين الصفا والمروة، ثم التقصير وهو اخذ
شئ من الشعر أو الأظفار.
فأول ما يبدأ القاصد لحجة التمتع بالاحرام ويجب ان يكون الاحرام
لذلك من أحد المواقيت الخمسة، أو من نقطة محاذية لها، أو من نقطة
أبعد من مكة عما يتيسر له من تلك المواقيت إذا نذر ذلك. والمواقيت
الخمسة هي:
1 - مسجد الشجرة على مقربة من المدينة المنورة.
2 - قرن المنازل ويمر به من الطائف إلى مكة.
3 - الجحفة: وهي قرية كانت معمورة قديما وخربت وتبعد عن
مكة المكرمة بحوالي مائتين وعشرين كيلو مترا على ما يقال ولا تقع على الطريق
الاعتيادي بين جدة ومكة أو بين المدينة ومكة بل لابد من قصدها لمن أرادها.
4 - وادي العقيق.
5 - يلملم.
7 - وصورة الاحرام وواجباته: ان يلبس المحرم ثوبي الاحرام

547
- الإزار والرداء -، وينوي الاحرام لعمرة التمتع من حجة الاسلام،
ويلبي قائلا " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك " فإذا
لبى كذلك أصبح محرما وحرمت عليه أشياء معينة يأتي بيانها في (المحرمات
على المحرم)، كالمقاربة الجنسية للنساء، والطيب، ولبس الثياب المخيطة
والتدهين، والصيد وغير ذلك.
ويستحب له ان يغتسل قبيل الاحرام ولا يعتبر في صحة الاحرام ذلك،
بل يصح الاحرام حتى من الجنب والحائض.
ولبس ثوبي الاحرام واجب على الرجال، ولا يجب على النساء بل
يمكن للمرأة ان تحرم في ثيابها الاعتيادية.
فإذا أحرم الحاج اتجه نحو مكة فأدى الواجب الثاني وهو الطواف
حول الكعبة الشريفة سبع مرات، وتسمى كل مرة شوطا.
8 - وصورة الطواف ان يقف إلى جانب الحجر الأسود قريبا منه
أو بعيدا عنه مراعيا ان تكون الكعبة الشريفة إلى جانبه الأيسر، ثم ينوي
طواف عمرة التمتع، فيطوف حول الكعبة سبع مرات مبتدأ في كل مرة
بالحجر منتهيا في كل مرة إليه.
ويجب ان يتوفر في حالة الطواف أمور:
منها: الطهارة من الحدث.
ومنها: الطهارة من النجاسة.
ومنها: ستر العورة وهي ما يجب عليه ستره في الصلاة وقد تقدم
تحديد ذلك في الفقرة (9) من فصل الشروط والاجزاء العامة من فصول الصلاة
ومنها ان يكون الطائف مختونا - إذا كان رجلا أو صبيا -.
وإذا شك في عدد أشواط طوافه وهو يطوف بطل طوافه.
وإذا طاف شوطا ثامنا قاصدا بذلك ان يكون هذا الشوط جزءا من

548
طوافه بطل طوافه أيضا.
9 - فإذا فرغ الطائف من طوافه وجبت عليه صلاة الطواف وهي
الواجب الثالث في عمرة التمتع، وصورتها: ركعتان كصلاة الصبح،
وله ان يقرأ فيها جهرا أو اخفاتا. ويتوخى الطائف ان تكون صلاته خلف
مقام إبراهيم وعلى مقربة منه، وإذا تعذر عليه ان يصلي خلفه صلى على
مقربة منه من اي جانب تيسر، فان لم يتيسر ذلك صلى في المسجد
أينما شاء.
10 - وبعد الانتهاء من ركعتي الطواف يجب على الحاج الاتجاه إلى
الصفا والمروة وهما على مقربة من المسجد الحرام للسعي بينهما، وهو الواجب
الرابع في عمرة التمتع.
وصورته: ان ينوي السعي بين الصفا والمروة لعمرة التمتع من حجة
الاسلام قربة إلى الله تعالى، ويسير بادئا بالصفا منتهيا إلى المروة، وبعود
من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يقطع المسافة بينهما سبع مرات، ويسمى
كل واحد منهما شوطا (أربع مرات ذاهبا من الصفا إلى المروة وثلاث
مرات راجعا من المروة إلى الصفا)، وبهذا يكون ختام السعي عند المروة.
ولا يجب في السعي ان يكون الساعي طاهرا من الحدث والخبث،
ولا ان يمشي قدميه بل يكفيه الركوب حتى ولو كان متمكنا من المشي.
وإذا شك في عدد أشواط وهو يسعى بطل سعيه.
وإذا سعى شوطا ثامنا بقصد ان يجعله جزءا من سعيه بطل سعيه أيضا.
11 - وبعد ذلك يجب على الحاج التقصير، وهو الواجب الخامس
والأخير من واجبات عمرة التمتع، وذلك بان يأخذ شيئا من شعره أو
أظفاره ولا يلزم ان يكون ذلك في مكان مخصوص.
13 - وبالتقصير يخرج المحرم من احرام العمرة ويحل له كل ما كان قد

549
حرم عليه بسبب احرامه عدا الحلق فلا يحلق رأسه، وله ان يمارس غير
ذلك من الأمور التي منعه منها احرامه.
13 - وله أيضا ان يخرج من مكة إذا أحب إلى المناطق القريبة من
قبيل عرفات أو جدة أو الطائف إذا كان واثقا من تمكنه من الرجوع إلى
مكة للاحرام للحج.
واجبات حج التمتع
وتتلخص واجبات حج التمتع في ثلاثة عشر أمرا وهي: الاحرام،
الوقوف في عرفات، الوقوف في المزدلفة، رمي جمرة العقبة، النحر أو
الذبح، الحلق أو التقصير، الطواف، صلاة الطواف، السعي، طواف
النساء، صلاة طواف النساء، المبيت في منى، رمي الجمار الثلاث في
اليومين الحادي عشر والثاني عشر.
14 - فأول واجبات حج التمتع، الاحرام وصورته نفس صورة
الاحرام لعمرة التمتع، غير أنه ينوي هنا الاحرام لحج التمتع قربة إلى الله
تعالى. ومكانة مكة. وزمانه يجب ان يكون قبل الظهر اليوم التاسع من ذي
الحجة على نحو يتمكن من ادراك الوقوف الواجب بعرفات.
15 - وبعد ان يحرم الحاج عليه ان يتواجد في عرفات من ظهر اليوم
التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، وله ان يتأخر عن أول الظهر بحوالي
ساعة أيضا، ولكن لا يجوز له ان يغادر عرفات قبل الغروب.
16 - فإذا حل الغروب كان له ان يغادرها، وكان عليه ان يتجه
نحو المزدلفة (المشعر). والمطلوب منه هناك أمران أحدهما: المبيت في
المشعر اي قضاء بقية الليل فيه سواء نام أو لم ينم والآخر: التواجد من

550
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهذا من أهم واجبات الحج.
17 - فإذا طلعت عليه الشمس اليوم العاشر وهو في المشعر خرج منه
متجها نحو منى، وعليه ان ينجز في ذلك اليوم في منى ثلاثة أمور على
التوالي، وهي: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي أو نحره، ثم الحلق
أو التقصير.
18 - ورمي جمرة العقبة وقته بين طلوع الشمس وغروبها، ويجب
ان يكون بسبع حصيات على سبيل التتابع لا دفعة واحدة.
19 - والهدي: عبارة عن الذبيحة التي يجب على الحاج بحج التمتع
ان يذبحها أو ينحرها بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة.
20 - وعلى الحاج الرجل بعد ذلك أن يحلق رأسه إذا كان يحج
لأول مرة، وأما إذا كان يحج للمرة الثانية فهو مخير بين الحلق والتقصير.
والمرأة عليها التقصير دائما. ونريد بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، ونريد
بالتقصير اخذ شئ من الشعر أو الأظافر.
21 - فإذا أنجز الحاج ذلك حل له كل ما كان قد حرم عليه بسبب
احرامه، سوى الطيب والنساء والصيد، وكان عليه بعد ذلك أن يذهب
إلى مكة ليأتي بما يلي:
22 - أولا: طواف الحج وهو كطواف عمرة التمتع الا انه ينوي
به طواف الحج.
23 - ثانيا: صلاة الطواف وهي أيضا كصلاة طواف العمرة.
24 - ثالثا: السعي بين الصفا والمروة نظير ما تقدم في العمرة على أن
ينوي به سعي الحج.
25 - رابعا: طواف النساء وصلاته، وهو كطواف العمرة والحج
وصلاتهما تماما غير أن الحاج - رجلا كان أو امرأة - ينوي به طواف النساء.

551
26 - وبطواف الحج وصلاته والسعي يحل الطيب للحاج، وبطواف
النساء بعد ذلك تحل النساء لأزواجهن والرجال لزوجاتهم، ومن اجل ذلك
سمى بطواف النساء.
27 - وهذه الواجبات ابتداء من طواف الحج وانتهاء بطواف النساء
وركعتيه يرجح للحاج ان يؤديها في اليوم العاشر أو الحادي عشر، وله ان
يؤخرها عن هذا الموعد على أن يؤديها خلال شهر ذي الحجة.
28 - وعلى الحاج ان يبيت في منى في ليلة الحادي عشر وليلة الثاني
عشر، والمبيت يعني التواجد في منى اما من أول الليل إلى نصفه أو من
منتصفه إلى طلوع الفجر. ويجب في نهار اليوم الحادي عشر رمي ثلاث
جمرات تباعا، وهي الأولى والوسطى وجمرة العقبة التي رماها في يوم العيد
وكيفية الرمي كما تقدم في رمي يوم العيد. ونفس الشئ يكرره في اليوم
الثاني عشر. ويسمح له بالخروج والانصراف بعد حلول ظهر اليوم الثاني
عشر، وبذلك يفرغ الحاج من كل ما عليه من واجبات.
هذه صورة موجزة عن حج التمتع ركزنا فيها على النقاط الأساسية
تاركين التفاصيل وكثيرا من الاحكام اعتمادا على مناسكنا الخاصة (موجز
احكام الحج).
وما دمنا قد استعرضنا الصورة الموجزة لحجة التمتع بعمرتها فينبغي
ان نشير أولا إلى الفوارق بين عمرة التمتع والعمرة المفردة لتتضح صورة
العمرة المفردة أيضا، وثانيا إلى الفوارق بين حج التمتع وحج الافراد،
لتتضح صورة حجة الافراد.

552
الفوارق بين العمرتين
اما الفوارق بين عمرة التمتع والعمرة المفردة فيمكن تلخيصها فيما يلي:
29 - أولا: ان العمرة المفردة تشتمل على طواف اخر حول البيت
يسمى بطواف النساء، ويعتبر اخر اعمال العمرة المفردة، بينما لا يجب في
عمرة التمتع الا طواف واحد.
30 - ثانيا: ان عمرة التمتع لا يخرج الانسان عن الاحرام منها وقيوده
الشرعية الا بالتقصير، بينما يخرج في العمرة المفردة عن احرامها
بالتقصير أو الحلق.
31 - ثالثا: ان الاحرام لعمرة التمتع لا يجوز الا من أماكن معينة
تسمى المواقيت كما تقدم، واما العمرة المفردة فيجوز الاحرام لها من أدنى
الحل في حالة عدم المرور على تلك المواقيت. وأدنى الحل يعني قبيل الدخول
إلى منطقة الحرم المحيطة بمكة، وهي المنطقة التي لا يجوز لحاج دخولها الا محرما.
32 - رابعا: ان عمرة التمتع بوصفها جزءا من حج التمتع لا يمكن
انجازها بصورة مستقلة عن الحج، خلافا للعمرة المفردة التي تعتبر عملا
مستقلا عن الحج، ولهذا من أراد ان يعتمر عمرة مستحبة بدون حج يتحتم
عليه ان يأتي بعمرة مفردة لا بعمرة التمتع.
33 - خامسا: ان عمرة التمتع لا تقع الا في أشهر الحج، وهي
شوال وذو القعدة وذو الحجة، وتصح العمرة المفردة في جميع الشهور،
وأفضلها للعمرة المفردة شهر رجب.

553
الفوارق بين الحجين
واما الفوارق بين حج التمتع وحج الافراد فتتمثل فيما يأتي.
34 - أولا: ان حج التمتع ترتبط صحته بوقوع عمرة التمتع قبله
بصورة صحيحة، ولا تتوقف صحة حج الافراد على ذلك.
35 - ثانيا: يكون الاحرام لحج التمتع بمكة، واما الاحرام لح
الافراد فيكون من أحد المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتع، وقد تقدم
ذكرها في الفقرة (6).
36 - ثالثا: يجب النحر أو الذبح في حج التمتع كما مر بنا، ولا
يعتبر شئ من ذلك في حج الافراد. أجل إذا صحب المؤدي لحج الافراد
هديا معه وقت الاحرام بان أحضر شاة مثلا واعدها ليسوقها معه في حجه
وجب عليه ان يضحي بذلك الهدي يوم العيد، ويسمى الحج حينئذ بحج
القران، حيث إن الحاج يقرن معه الهدي.
37 - رابعا: لا يجوز اختيارا تقديم الطواف والسعي على الوقوف
بعرفات والمزدلفة (المشعر) في حج التمتع، ويجوز ذلك في حج الافراد.

554
ماذا يحرم على المحرم
38 - ذكرنا سابقا ان الحاج إذا أحرم للعمرة أو للحج حرمت
عليه أشياء معينة وهي على سبيل الايجاز كما يلي:
1 - صيد الحيوان البري.
2 - الاستمتاع الجنسي.
3 - الطيب والرياحين.
4 - الزينة.
5 - النظر في المرآة.
6 - الاكتحال.
7 - اخراج الدم من البدن.
8 - الفسوق.
9 - الجدال.
10 - قتل هوام الجسد.
11 - التدهن.
12 - إزالة الشعر عن البدن.
13 - تقليم الأظافر.
14 - الارتماس.
15 - حمل السلاح.
16 - قلع شجر الحرم ونبته.
17 - لبس الثياب الاعتيادية وهذا يحرم على الرجال خاصة.
18 - لبس الحذاء الذي يستر تمام ظهر القدم أو الجورب وهذا يحرم
على الرجال خاصة.
19 - ستر الرأس وهو محرم على الرجال خاصة.
20 - التظليل بظل يتحرك بحركة المحرم ومثاله ركوب المحرم باخرة أو طائرة أو
سيارة غير مكشوفة فتسير به بحرا أو جوا أو بر أو مثله أيضا ان يسير المحرم وهو يحمل
بيده مظلة يستظل بها حال سيره وهذا محرم على الرجال خاصة ولا يحرم
عليهم الجلوس في خيمة أو في سيارة وهي واقفة.
21 - ستر الوجه وهذا محرم على النساء خاصة.
22 - لبس القفازين وهذا محرم على النساء خاصة.
وتفصيل الحديث عن هذه المحرمات وحدودها وبعض استثناءاتها

555
موكول إلى مناسكنا (موجز احكام الحج).
متى يجب الحج
39 - يجب الحج على البالغ العاقل الحر المستطيع.
والاستطاعة تتكون من العناصر التالية:
أولا: الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا وإيابا لمن يريد الرجوع
إلى بلده، وذهابا لمن لا يريد الرجوع.
ثانيا: الامن والسلامة على نفسه وماله وعرضه في الطريق وعند
ممارسة اعمال الحج.
ثالثا: تمكنه بعد الانفاق على سفر الحج من استئناف وضعه المعاشي
الطبيعي بدون الوقوع في حرج بسبب الحج وما أنفقه عليه.
رابعا: ان لا يكون ملزما شرعا منذ بداية حصول المال لديه بصرفه
في واجب أهم كدين حال مطالب به وقتئذ.
40 - ويعوض عن الإمكانية المالية للشخص ان يبذل له آخر القيام بنفقات
حجه، فيجب عليه الحج حينئذ سواء كان مدينا أم لا ما دامت استجابته
لبذل الباذل لا اثر لها بشأن وفاء الدين.
الاستنابة في الحج
تجب الاستنابة في الحج بمعنى ارسال شخص آخر للحج عنه في حالتين:
41 - الأولى: إذا كان الانسان موسرا ولم يتح له ان يحج لمرض أو اي
عائق اخر، أو أتيح له ذلك ولكنه تسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج

556
وعجز عنه لسبب من الأسباب فعليه إذا انقطع أمله في التمكن من القيام
المباشر بالحج ان يستنيب شخصا يحج عنه والأجدر به استحبابا ان يختار
شخصا لم يحج من قبل لينوب عنه.
42 - الثانية إذا وجب الحج على المكلف بسبب الاستطاعة ولم يحج
إلى أن توفى وجب الانفاق من تركته لتهيئة من يحج عنه، وتسدد نفقات
هذا الحج من تركة الميت على الوجه التالي:
43 - (1) إذا لم يكن الميت قد أوصى بان يحج عنه أخرجت النفقات
من التركة، ولكن في هذه الحالة لاحق للميت الا في نفقات حجة ميقاتية
(والحجة ميقاتية هي: الحجة التي لا تكلف النائب السفر الا من الميقات
الذي يجب الاحرام منه ونفقاتها أقل من الحجة البلدية التي تكلف النائب
السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه).
فإذا أمكن وجدان شخص يسكن في الميقات أو على مقربة منه واستئجاره
للحج نيابة عن الميت أجزأ ذلك.
وفي كل حالة نقول فيها: ان نفقات الحج تخرج من التركة نعني بذلك:
ان هذا الميت لو كان قد أوصى بثلثه ليصرف في وجوه البر مثلا فالواجب
أولا اخراج نفقات الحج من التركة ككل، ثم تقسيم الباقي إلى ثلاثة
اقسام وتخصيص قسم منها للميت وفقا للوصية.
44 - (2) إذا كان الميت قد أوصى بان يحج عنه من تركته وجب
الانفاق من التركة على حجة بلدية عنه، ولكن إذا خالف الوصي أو الوارث
ودفع عن الميت حجة ميقاتية من اجل انها ارخص برأت بذلك ذمة الميت
ولا تجب إعادة الحج.
45 - (3) إذا كان الميت قد أوصى بان يحج عنه وأوصى أيضا
باخراج ثلث التركة لأغراض أخرى، فوصيته نافذة الانفاق من التركة

557
على حجة بلدية عنه، ثم اخرج ثلث الباقي من التركة تنفيذا للوصية.
46 - (4) إذا كان الميت قد أوصى بان يحج عنه وان تؤدى عنه
أمور أخرى من صلاة وصيام أو وجوه البر والخير على أن يسدد ذلك
كله من الثلث، فان اتسع الثلث لذلك كله فهو المطلوب، وان لم يتسع
الا لنصف النفقة التي تتطلبها كل تلك الأمور الموصى بها اخرج نصف نفقة
الحج من الثلث واخرج النصف الاخر من باقي التركة.
47 - وإذا علم الوارث بان مورثه كان مستطيعا وقد وجب عليه
الحج ولم يعلم بأنه هل حج أم لا، وجب عليه ان يتنازل عن مقدار من
التركة بالقدر الذي يفي بحجة ميقاتية عنه على الأقل فيحج عنه من تركته.
48 - ومن مات وعليه حجة الاسلام تجب المبادرة إلى الاستئجار عنه
في سنة موته، ولا يجوز تأجيل ذلك إلى سنة أخرى. ولا يبرر التأجيل
ان لا يجد الوارث أو الوصي في تلك السنة من يقبل بأجور الحجة الميقاتية،
إذ يتعين عليه في هذه الحالة دفع أجور الحجة البلدية من تركة الميت.
وكذلك إذا اقترح الأجير اجرة أكبر مما هو مقرر عادة للنيابة في
الحج ولم يوجد من يقبل بأقل من ذلك فان الواجب تلبية اقتراحه ولا
يسوغ التأجيل إلى سنة أخرى.
49 - قد يموت الشخص ويترك ما لا قد تعلق به الخمس ولم يؤده
كما أنه لم يحج حجة الاسلام في نفس الوقت، وجب اخراج الخمس
والانفاق على الحج من الباقي، فان لم يتسع الباقي للحج سقط واكتفى
باخراج الخمس المتعلق بذلك المال.
وإذا كان هذا الشخص قد أوصى بان يحج عنه حجة الاسلام من
ماله على الرغم من أن ماله متعلق للخمس، فعلى الوصي ان يدفع الخمس
أولا، ثم ينفق على الحج من الباقي، ولا يجوز له ان ينفق على الحج

558
من المال الذي لا يزال الخمس ثابتا فيه.
50 - وإذا كانت التركة بمجموعها لا تتسع للحد الأدنى من نفقات
الحج سقط الحج، وكانت التركة للورثة ما لم يوجد دين أو وصية،
ولا يجب على الورثة تكميل النفقة من مالهم الخاص، كما لا يجب عليهم
بذل النفقة للحج إذا لم يكن للميت تركة اطلاقا، سواء أوصى بان يحج
عنه أو لم يوص بذلك.
51 - إذا وجبت حجة الاسلام على شخص فمات قبل ان يحج ولم
يوص بالحج عنه وتبرع متبرع بالحج نيابة عنه دون ان يأخذ من التركة
شيئا فالتركة للورثة، ولا يجب عليهم ان يستثنوا مقدار نفقات الحج منها
لمصلحة الميت.
وفي نفس الفرض إذا كان الميت قد أوصى باخراج حجة الاسلام
من ثلثه وتبرع بالحج عنه لم يجز للورثة اهمال الوصية رأسا، بل
وجب صرف مقدار نفقات الحج من الثلث في وجوه الخير والاحسان.
52 - وقد تسأل هل يجوز للورثة التصرف في التركة قبل الاستئجار
للحج إذا كان المورث قد وجبت عليه حجة الاسلام ولم يؤدها إلى أن مات؟.
والجواب: إذا كانت التركة واسعة على نحو لا يخشى عليها عادة
والتزم الوارث بتهيئة الحجة النيابية المطلوبة جاز له التصرف في التركة
53 - وقد تسأل عن الحكم إذا اختلف الورثة فأقر بعضهم بان على
الميت حجة الاسلام وأنكر الآخرون أو تمردوا فماذا يصنع ذلك الوارث
المقر المتحرج في دينه؟
والجواب: - ان هذا ليس على أن يسدد كل نفقات الحج من
نصيبه الخاص به، فإذا كانت نفقة الحج بقدر ربع التركة فليس عليه الا ان
يبذل ربع ما عنده من اجل الحج، فان اتفق وجود متبرع بسائر النفقة

559
أدى إليه ربع ما عنده، والا تصرف في كامل حصته ولا شئ عليه.
54 - وإذا وجب الاستئجار لحجة الاسلام عن الميت وفقا لما تقدم
في الفقرة (42) وأهمل من كانت التركة في حيازته حتى تلف المال كان
ضامنا وعليه الانفاق من ماله على الاستئجار للحج عن الميت.
وإذا تلف المال المذكور في حيازة الوصي بدون تفريط واهمال فلا
يضمن ووجب الانفاق على الاستئجار للحج عن الميت من باقي التركة.
55 - وإذا أوصى الميت بالحج عنه حجة الاسلام وبعد مدة مات
الوصي ولم يعلم الورثة انه هل نفذ الوصية أم لا، فيجب اخراج المال
الكافي للحج من التركة ولا يسوغ الاعتماد على احتمال التنفيذ.
56 - وإذا كان الشخص قد حج حجة الاسلام وأوصى بان يحج
عنه حجة أخرى اعتبرت نفقات ذلك من الثلث.
وإذا أوصى بحجة ولم يعلم هل انها حجة الاسلام أم غيرها، اعتبرت
نفقاتها من الثلث.
57 - وإذا أوصى بان يحج عنه حجة الاسلام وعين مقدارا معينا من
المال لينفق على ذلك، فان كان هذا المال أكثر من الأجرة الاعتيادية التي
يتطلبها الحج عن الميت اخرج مقدار الأجرة الاعتيادية من التركة رأسا،
واعتبر الزائد منه عن الأجرة الاعتيادية من ثلث الباقي، وإذا لم يزد على
الأجرة الاعتيادية فيخرج من التركة رأسا.
58 - وإذا كانت الأجرة الاعتيادية على درجات تبعا لنوعية الأجير
ووجب اخراجها من تركة الميت، جاز الاخذ بأعلى تلك الدرجات كما
يجوز الاخذ بأدناها.
59 - وإذا كان لدى شخص أو في ذمته مال لشخص اخر ومات
صاحب المال بعد أن استقرت في عهدته حجة الاسلام، واحتمل الشخص

560
الذي في حيازته أو في ذمته المال انه إذا أدى إلى الورثة اكلوه ولم يتفقوا
منه على الحج عن الميت، كان عليه ان ينفق من ذلك المال للحج عن
الميت، فان زاد المال عن اجرة الحج رد الزائد إلى الورثة. ولا فرق
في طريقة الانفاق بين ان يستأجر شخصا للحج عن الميت أو يحج بنفسه
نائبا عنه.
المنوب عنه والنائب
اتضح مما سبق ان الشخص لا يناب عنه في حجة الاسلام الا إذا
استقرت عليه الحجة فلم يؤدها إلى أن مات، أو كان موسرا وعجز عن
مباشرة الحج بنفسه.
60 - واما في الحج المستحب فتسوغ الاستنابة فيه عن الأموات
والاحياء على السواء، شريطة ان يكون المنوب عنه مسلما.
ولا فرق في النيابة على العموم بين ان يكون المنوب عنه طفلا مميزا
أو بالغا، مجنونا أو عاقلا، شيعيا أو سنيا، فتصح النيابة عن هؤلاء جميعا.
هذا بالنسبة إلى المنوب عنه.
61 - واما فيما يتصل بالنائب سواء كان متبرعا بالنيابة أو مستأجرا
لذلك فهناك شروط لا تصح حجة النائب بدونها وهي كما يلي: -
الأول: - البلوغ، فلا يجزي حج الصبي - ولو كان مميزا - عن
غيره في حجة الاسلام وغيرها من الحج الواجب، اجل تصح نيابة الصبي
المميز عن غيره في حج مندوب باذن الولي.
الثاني: - العقل، فلا تجزي استنابة المجنون، ولا فرق في ذلك
بين المجنون المطبق والمجنون الأدواري إذا كان العمل في حالة جنونه.

561
واما السفيه فلا بأس باستنابته.
الثالث: - الايمان.
الرابع: - ان يكون النائب متمكنا من القيام بكل واجبات الحج،
وأما إذا كان معذورا في بعضها لمرض أو غير ذلك فليس من المعلوم ان
نيابته عن غيره في الحج الواجب كافية. وعليه فلا يجوز ان يستأجر
لأداء الحج الواجب عن غيره، وإذا بادر وتبرع بأدائه عن الغير فلا
يكتفى ذلك.
62 - وإذا كان الانسان مكلفا بالحج في سنة لم يجز له اهمال ما وجب
عليه من اجل ان يحج نيابة عن غيره، ولكن إذا صنع ذلك اهمالا أو
جهلا منه بوجوب الحج عليه صحت نيابته وحجته النيابية.
63 - وقد تسأل هل يمكن للانسان ان يستأجر شخصا من هذا القبيل
للحج النيابي في سنة، على الرغم من أنه مكلف بالحج في تلك السنة؟
والجواب: ان هذه الإجازة لا تسوغ إذا كان الشخص المكلف
بالحج عالما بأنه مكلف ومتلفتا إلى ذلك.
وقد تسأل إذا وقعت هذه الإجارة فعلا وادي الأجير الحج نيابة فهل
يستحق شيئا على المستأجر؟
والجواب: انه يستحق الأجرة التي يتقاضاها الاجراء عادة للقيام
بمثل ذلك العمل، وإذا كانت الأجرة المحددة في الإجارة أكثر من ذلك
لم يكن له المطالبة بالزائد.
64 - ولا يجب في نيابة الحج عن الرجل ان يكون النائب رجلا،
ولا في نيابة الحج عن المرأة ان تنوب امرأة، كما لا فرق في النائب بين ان
يكون قد حج سابقا أو لم يحج.
65 - ولا بأس بنيابة شخص واحد عن جماعة في الحج المستحب،

562
ولا يجوز ذلك في الحج الواجب، فإذا كان الحج واجبا على كل من
الشخصين أو الاشخاص احتاج كل منهم إلى نائب مستقل.
66 - ويسوغ لجماعة ان ينوبوا في عام واحد عن شخص واحد،
فيحج كل واحد منهم نيابة عنه سواء اختلف قصد بعضهم عن بعض
(كما إذا قصد أحدهم النيابة في حج مستحب، وقصد الاخر النيابة في
حج واجب)، أو قصدوا جميعا حجا واحدا (كما إذا قصدوا جميعا النيابة
عنه في حجة الاسلام احتياطا، على أساس ان كل واحد منهم يحتمل ان
عمل الآخرين ناقص).
67 - إذا كان على الميت حج واجب واستؤجر شخص لأدائه، فلا
تبرأ ذمة الميت بمجرد ذلك، وانما ترتبط براءة ذمته بأداء الأجير للحج على
الوجه الصحيح. وكذلك الحال في الحي الذي وجب عليه ان يستنيب
شخصا ليحج عنه. وعلى هذا الأساس لابد ان يكون الأجير مأمونا على
أداء الحج، والتعرف على واجباته، وجديرا بالثقة والاعتماد، وان كان
عادلا إضافة إلى وثاقته ومعرفته فهو أحسن وأفضل.
الطواف المستحب
68 - الطواف حول الكعبة الشريعة جزء من العمرة وجزء من الحج
كما مر بنا، وهو إضافة إلى ذلك عبادة مستقلة يمكن للانسان ان يؤديها
فيطوف دون ان يضم إلى ذلك شيئا اخر من اعمال الحج.
وإذا طاف طوافا مستحبا فليس عليه ان يكون متوضئا حال الطواف
ولكن لابد عن يكون متوضئا عند أداء صلاة ذلك الطواف المستحب إذ
لا صلاة إلا بطهور.
ويعتبر الطواف بالنسبة إلى المسافر أفضل من الصلاة المستحبة، خلافا
لأهل مكة أنفسهم فان الصلاة بالنسبة إليهم أفضل.

563
الكفارات

565
الكفارة
1 - لمادة كفر (ك ف ر) في اللغة العديد من المعاني، منها الانكار،
والجحود، والمحو، والتغطية. والمراد هنا بالكفارة - بتشديد الفاء -
ما يؤدى بدلا عن نقص أو ذنب تماما كالعقوبة أو الأرش (اي ما يجير
النقص) وهذه العقوبة أو هذا الأرش مقدر شرعا تبعا لنوع النقص والذنب
في نظر الشارع وقد تكون العقوبة مالية كالطعام عدد معين من المساكين أو
كسوتهم وقد تكون نفسية كالصيام والكف بعض الوقت عن الطيبات
وضرورات الحياة.
وكل كفارة تعتبر عبادة ويجب ان يؤتى بها بنية القربة، ولا تصح إلا من المسلم:
2 - كما يجب في الكفارة ان يقصد المكلف بها التكفير عن ذنبه
الذي كان سببا في وجوب تلك الكفارة عليه، فإذا اجتمعت عليه كفارات
متعددة وجب ان يعين كل واحدة منها عند أدائها، سواء كانت تلك الكفارات
متماثلة كما لو كرر ذنبا واحدا مرات عديدة، أو متغايرة كما لو ترتبت
عليه كفارات من أنواع شتى بأسباب مختلفة.
3 - (1) من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا وجبت عليه الكفارة كما
تقدم في الصيام. والكفارة هي: ان يختار القيام بأحد أمور ثلاثة: عتق
رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين، أو اطعام ستين مسكينا، فأي واحد من
هذه الأمور اتى به كفاه وكان تكفيرا عن ذنبه. وتسمى هذه الكفارة من
اجل ذلك بالكفارة المخيرة، لان المكلف فيها بالخيار بين ثلاثة أشياء،
وكل كفارة من هذا القبيل يطلق عليها اسم الكفارة المخيرة.
4 - وتتعدد هذه الكفارة بعدد الأيام التي أفطرها من شهر رمضان.

567
وأما إذا أفطر في يوم مرتين بان اكل طعاما ثم شرب ماء فليس
عليه الا كفارة واحدة.
5 - ويستثنى من ذلك ما إذا جامع أو استمنى مرتين فان عليه حينئذ
كفارتين، وكذلك الامر إذا جامع أو استمنى مرة واحدة بعد أن مارس
غير ذلك من المفطرات فان عليه كفارتين أيضا.
6 - (2) - من عاهد الله تعالى على شئ بصورة صحيحة على ما يأتي
في القسم الثالث من هذا الكتاب ان شاء تعالى ثم خالف عهده فعليه
ان يكفر، وكفارته نفس الكفارة السابقة.
7 - (3) من نذر لله تعالى شيئا بصورة صحيحة على ما يأتي في القسم
الثالث ثم خالف نذره فعليه ان يكفر، ويكفيه تكفيرا ان يعتق رقبة
أو يطعم ستين مسكينا.
8 - (4) من أقسم بالله يمينا بصورة صحيحة ثم خالفه، وجب عليه
ان يكفر، وكفاراته ان يختار القيام بأحد أمور ثلاثة عتق رقبة أو اطعام عشرة
مساكين، أو كسوتهم، فان عجز عن كل ذلك صام ثلاثة أيام متواليات.
9 - (5) من أقسم بالله يمينا ان لا يواقع زوجته لمدة لا تقل عن أربعة
أشهر وجب عليه ان ينقض يمينه، ويعود إلى حياته الخاصة مع زوجته على
ما يأتي في القسم الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ويسمى ذلك
بالايلاء، فإذا نقض الزوج يمينه هذا وعاد إلى معاشرة زوجته وجبت عليه
الكفارة، وهي نفس كفارة اليمين الآنفة الذكر.
10 - (6) إذا قال الزوج لزوجته أنت علي كظهر أمي، سمي ذلك ظهارا
وإذا توفرت الشروط الشرعية التي يأتي استعراضها في موضعه من القسم
الثاني حرمت عليه مقاربة زوجته حتى يكفر عن هذا الكلام، وكفارته ان
يعتق رقبة، فان لم يتيسر له ذلك صام شهرين، فان لم يتيسر أطعم ستين

568
مسكينا. وتسمى هذه الكفارة بالكفارة المرتبة، لان الاختيار لم يترك
للمكلف بل عين له نوع الكفارة على سبيل الترتيب.
11 - (7) إذا قتل الانسان انسانا اخر خطأ فعليه الكفارة، وهي
نفس كفارة الظهار المتقدمة. وإذا اشترك جماعة في هذا الخطأ وجبت هذه
الكفارة على كل واحد منهم.
12 - (8) إذا جامع المعتكف امرأة في اعتكافه بطل اعتكافه كما تقدم
في الفقرة (9) من الاعتكاف ووجبت عليه الكفارة، والأجدر به ان يكفر
على النحو الذي يكفر به الزوج كفارة الظهار.
13 - (9) إذا قتل الانسان مؤمنا ظلما وعدوانا كان عليه إضافة إلى
القصاص الكفارة، يؤديها إذا أمهله القصاص، وهي ان يجمع بين الأمور
الثلاثة: عتق رقبة، وصيام شهرين، واطعام ستين مسكينا، ومن اجل ذلك
تسمى بكفارة الجمع. وإذا اشترك جماعة في هذا العدوان فقتلوا شخصا ظلما
وجبت هذه الكفارة على كل واحد منهم.
14 - وقد قال عدد من الفقهاء بان من أفطر في نهار شهر رمضان
متعمدا على حرام فعليه كفارة الجمع هذه، ومثاله: ان يشرب الخمر
أو يزني.
15 - (10) إذا صام قضاء عن شهر رمضان وأفطر بعد الظهر
قبل انتهاء النهار وجبت عليه الكفارة، وكفارته ان يطعم عشرة مساكين،
فان لم يتيسر له ذلك صام ثلاثة أيام.
16 - (11) يحرم على الانسان ان يقسم يمين البراءة، بان يقول
مثلا انه يبرأ من الله تعالى - أو من النبي أو الامام - إذا فعل كذا، فإذا
أقسم على هذا النحو كان آثما وعليه ان يكفر، وكفارته اطعام عشرة
مساكين.

569
(12) - يجب التكفير بهبة كمية من الخبز أو الأرز أو الطحين أو غير
ذلك من الطعام تقارب ثلاثة أرباع الكيلو، وذلك في الحالات التالية:
17 - أولا: إذا كان على الانسان قضاء يوم من شهر رمضان وتسامح
فلم يؤده إلى أن حل رمضان بالآخر، وإذا كان عليه يومان كانت عليه
كفارتان من هذا القبيل، وهكذا تتكرر بعدد الأيام التي لم يقضها من رمضان
السابق حتى حل رمضان الثاني على ما سبق في فصل صيام غير شهر رمضان.
18 - ثانيا: إذا مرض الانسان في شهر رمضان فلم يصمه واستمر
به المرض إلى رمضان الآخر سقط عنه القضاء، وكان عليه ان يعوض عن
كل يوم من القضاء بهبة ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام.
19 - ثالثا: إذا أفطر الرجل أو المرأة الطاعنان في السن ومن
إليهما ممن تقدم في فصل صيام شهر رمضان انهم مرخصون في الافطار مع الفدية
(لاحظ الفقرة 21 - 24) وتسمى الكفارة المفروضة في هذه الحالات
بالفدية وهي ليست كفارة بالمعنى الذي يفترض ذنبا يكفر عنه لان هؤلاء
ليسوا آثمين، وانما وجبت عليهم هذه الفريضة كتعويض، فهي بالتعويض
أشبه منها بالكفارة.
وهناك كفارات تترتب على المحرم للعمرة أو للحج إذا ارتكب أشياء
معينة مما تحرم عليه، نترك الحديث عنها إلى كتابنا (موجز احكام الحج)
20 - وقد تتعرض المرأة لمصيبة فتجز شعرها أو تخدش وجهها ونحو
ذلك، ولا كفارة عليها في هذا وانما عليها ان تتوب وتعود إلى رشدها
ونتحلى بالصبر والاستسلام لأمر الله تعالى.
21 - ولا كفارة على من يقارب زوجته وهي حائض، وان كان، آثما
وانما عليه ان يثوب.

570
22 - ولا كفارة على من نام صلاة العشاء حتى أصبح، وان كان
الأجدر به استحبابا إذا أصبح وانتبه إلى أنه كان قد نام عن صلاة العشاء
ان يصوم ذلك النهار.
العتق
اتضح مما سبق ان العتق في بعض الكفارات (الكفارات المخيرة)
واجب كواحد من ثلاثة أشياء يخير المكلف بينها وفي بعضها (الكفارات
المرتبة) واجب بذاته ولا يجزي غيره الا حيث لا يتيسر، وفي بعضها
(كفارة الجمع) واجب إضافة إلى غيره.
23 - وفي كل هذه الحالات يشترط ان يكون المعتق انسانا مسلما،
وان يقصد المكفر بالعتق القربة إلى الله تعالى والتكفير عن ذنبه. والعتق
مطلوب على اي حال، ويعتبر من أفضل الطاعات، قال الله، سبحانه
وتعالى فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي
مسغبة) (سورة البلد 11 - 14) وهو عبادة لان نية القربة شرط فيه
ولا يصح بدونه.
24 - وفي حالة تعذر العتق إذا كان على الانسان كفارة مخيرة فعليه
ان يختار أحد بديله، وإذا كان على الانسان كفارة مرتبة فعليه ان يختار
الصيام، وإذا كان على الانسان كفارة الجمع سقط العتق عنه وعوض عنه
بالاستغفار وبقي عليه الباقي.
25 - ويعتبر العتق متعذرا إذا تحرر كل العبيد والإماء وتخلصوا من
هذا الأسر، أو لم يجد المكفر قدرة على شراء من يعتقه، لعدم توفر المال
لديه يزيد عن ضرورات حياته من سكن وثياب وأثاث ونحو ذلك.

571
الصيام
الصيام في الكفارات المخيرة أحد البدائل الثلاثة التي ترك للمكلف
اختيار اي واحد منها، وفي الكفارات المرتبة يحتل الدرجة الثانية فيكون
واجبا إذا تعذر العتق، وفي كفارة الجمع يجب إضافة إلى غيره.
26 - وفي كل هذه الحالات يجب ان يكون الصيام شهرين هلاليين
متتابعين، من قبيل ان يصوم من أول شهر محرم إلى اخر صفر، أو من
الخامس من شوال إلى الخامس من ذي الحجة وهكذا، غير أنه إذا صام
الشهر الأول ويوما من الشهر الثاني جاز له ان يفرق الأيام الباقية من
الشهر الثاني ففي المثال الأول إذا صام من بداية محرم إلى اخره وصام
اليوم الأول من صفر جاز له ان يصوم بعدد ما بقي من أيام صفر ولو في
فترات متفرقة. وفي المثال الثاني إذا صام من الخامس من شوال إلى اخره
وصام من ذي القعدة ستة أيام جاز له ان يصوم بعدد ما بقي من أيام ذي
القعدة ولو في فترات متفرقة.
27 - وعلى هذا الأساس إذا أفطر هذا المكفر في أثناء صيام الكفارة
قبل ان يمضي شهر ويوم من الشهر الثاني وجب عليه ان يبدأ بالصيام من
جديد، ولا يحتسب ما سبق ويستثنى من ذلك ما إذا كان افطاره لعذر كما
إذا مرض أو اضطر إلى سفر مفاجئ، أو انتبه فجأة إلى أن العيد الذي
يحرم صيامه يقع في خلال تلك المدة، أو نسي ان ينوي الصيام في بعض
الأيام حتى فات الوقت، ففي كل هذه الحالات يعود إلى الصيام بعد انتهاء العذر
مكملا ما مضى من صيامه.
28 - وفي حالة تعذر الصيام إذا كان على كفارة مخيرة فعليه ان

572
يختار ما يتيسر له من بدائلها، وإذا كان على الانسان كفارة مرتبة وقد
تعذر عليه العتق والصيام معا وجب الاطعام، وإذا كان على الانسان كفارة
جمع سقط المتعذر وعوض عنه بالاستغفار وعليه أداء الباقي.
29 - ويعتبر الصيام متعذرا إذا كان عاجزا عن صيام شهرين على
النحو الذي قررناه، أو كان فيه من المشقة والصعوبة والحرج ما لا يتحمله
عادة، أو كان ممن يضر به الصيام المذكور.
الاطعام والكسوة والهبة.
كفارة الاطعام تارة تقدر باطعام ستين مسكينا، وأخرى باطعام
عشرة مساكين.
واطعام ستين مسكينا تارة يجب كأحد بدائل ثلاثة وذلك في الكفارة
المخيرة، وأخرى يجب بوصفه درجة ثالثة في الكفارة المرتبة حين يتعذر
العتق والصيام، وثالثة يجب إضافة إلى غيره كما في كفارة الجمع.
واطعام عشرة مساكين تارة يجب بوصفه أحد بدائل ثلاثة، وذلك
في كفارة اليمين مثلا، وأخرى يجب بوصفه الدرجة الأولى من الكفارة
المرتبة، كما في كفارة افطار قضاء شهر رمضان.
30 - ويجب ان يكون الاطعام لعدد معين وهو ستون انسانا في غير
كفارة اليمين وكفارة افطار قضاء شهر رمضان، واما فيهما فيكفي
اطعام عشرة مساكين.
والاطعام له صورتان:
إحداهما ان يؤلم للعدد المطلوب مجتمعين أو متفرقين في بيته أو في
مطعم من المطاعم أو في اي مكان اخر، فيقدم لهم طعاما بقدر يشبعهم،

573
والأجدر به احتياطا ان يعتني بالطعام فيجعله من متوسط الأطعمة التي
يأكل منها هو وأهل بيته، وبخاصة في كفارة اليمين.
والاخر ان يقدم لكل واحد منهم ثلاثة أرباع الكيلو من الخبز أو
الحنطة أو الطحين، بل يسوغ في غير كفارة اليمين بدون شك ان يقدم
هذه الكمية من الأرز أو التمر أو الماش أو نحو ذلك من أنواع القوت،
والأجدر بالمكلف احتياطا إذا ابتلى بكفارة الظهار وأداها بتوزيع الخبز ونحوه
ان يدفع إلى كل واحد كيلو ونصف الكيلو، ولا يقتصر على ثلاثة
أرباع الكيلو.
31 - ولا يكفي بدلا عن هاتين الصورتين ان يدفع إليهم القيمة النقدية
لهذا المقدار مباشرة، كما لا يكفي ان يجمع حصص ستين فقيرا أو عشرة
فقراء ويدفعها إلى فقير واحد أو إلى فقراء أقل من العدد المطلوب. ويسوغ
الاخذ بالصورتين معا، وذلك مثلا بان يؤلم لنصف العدد ويوزع حصصها
من الخبز وفقا لما تقدم على النصف الآخر.
32 - ويشترط في الاشخاص الذين يشملهم اطعام الكفارة.
أولا: الفقر.
ثانيا: ان لا يكون هؤلاء ممن تجب نفقته على المكفر كأبنائه وآبائه.
33 - وكما يجوز اطعام الكبار والبالغين يجوز أيضا اطعام الصغار،
فمن اخذ بالصورة الأولى من الاطعام أمكنه ان يطعم الأطفال مباشرة بدون
حاجة في ذلك إلى اذن ولي الطفل، ويحتسب كل طفل واحدا في العدد،
فلو أطعم ستين طفلا وأشبعهم أجزأه على أن يكونوا من الأطفال الذين
يأكلون المآكل الاعتيادية ومن اخذ بالصورة الثانية من الاطعام وأراد ان
يطعم طفلا بان يمنحه حصة فلا بأس بذلك. على أن يسلم حصة الطفل
إلى وليه ليصرفه عليه.

574
34 - واما كسوة عشر فقراء فهي أحد البدائل الثلاثة في كفارة اليمين،
ويراد بها منح كل واحد منهم ثوبا والأفضل منحه ثوبين.
35 - واما هبة ثلاثة أرباع الكيلو من الخبز وأمثاله فقد تقدم في
الفقرة (17 - 19) انها كفارة أو تعويض في بعض الحالات، وانها
تسمى بالفدية.
ويجب على المكفر أو المعوض ان يقصد بهذه الهبة القربة إلى الله
تعالى، وكونها فدية وتعويضا كما فرضها الشارع.
36 - ويجب ان يكون الشخص الذي يوهب له ذلك الطعام فقيرا،
وإذا اجتمع على المكلف عدد كبير من هذه الفدية أمكنه ان يعطيها جميعا
لواحد، ولا يكفي دفع القيمة النقدية لها كما لا يكفي الاطعام مباشر
بوليمة ونحوها.
37 - وفدية المرخصين في افطار شهر رمضان - من شيخ كبير السن
أو امرأة عجوز وغيرهما تجب بمجرد الافطار.
واما من كان عليه قضاء شهر رمضان فلم يقض لاستمرار المرض به
إلى رمضان الآخر فالفدية تجب عليه عند مجئ رمضان الثاني ولا تجب عليه
قبل ذلك حتى ولو علم أنه سيبقى مريضا.
وكذلك المتسامح في القضاء فإنه لا تجب عليه الفديد الا إذا حل
رمضان الثاني.
احكام عامة للكفارة
38 - كل من وجبت عليه كفارة مخيرة أو مرتبة أو كفارة جمع
وعجز عن أدائها وجب عليه الاستغفار.

575
39 - وكل من وجبت عليه الكفارة فالأجدر به احتياطا ان يبادر
ويسرع إلى القيام بها، ولكن ذلك ليس بواجب، فلو اجلها أو دفعها
تدريجا صح ولم يكن آثما.
40 - الشك: وإذا شك المكلف في أنه هل صدر منه ما يوجب عليه
الكفارة أو لا فلا يجب عليه شئ.
وإذا علم بان عليه كفارة وشك في أنه أداها أم لا وجب عليه
القيام بها.
وإذا علم بان عليه كفارات لسبب من الأسباب ولم يعلم عددها، فلم
يدر هل هي ثلاث كفارات أو أربع مثلا أدى ثلاثة، ولا تجب عليه
كفارة رابعة.
وإذا علم بأنه أفطر وهو صائم بالصورة التي تفرض عليه كفارة،
ولكن لم يدر هل كان صائما في شهر رمضان أو في قضاءه بعد الظهر،
خرج عن العهدة باطعام ستين مسكينا.
وإذا علم بان عليه كفارة واحدة مخيرة مثلا، ولم يعلم بأنها هل
كانت بسبب افطار شهر رمضان أو بسبب مخالفته للعهد كفاه ان يأتي بها
قاصدا التكفير عما صدر منه في الواقع، وان لم يكن محددا لديه بالضبط.
ونكتفي بهذا القدر من الاحكام فميا يتصل بالعبادات في الشريعة
الاسلامية، وقد كان الانتهاء من تدوينها في ليلة الثاني والعشرين من ربيع
الثاني عام 1369 هجرية، ومن الله تعالى نستمد الاعتصام وهو ولي التوفيق.

576
نظرة عامة في العبادات

577
العبادة حاجة انسانية ثابتة
العبادات لها دور كبير في الاسلام، واحكامها تمثل جزء مهما من
الشريعة، والسلوك العبادي يشكل ظاهرة ملحوظة في الحياة اليومية
للانسان المتدين.
ونظام العبادات في الشريعة الاسلامية يمثل أحد أوجهها الثابتة التي
لا تتأثر بطريقة الحياة العامة وظروف التطور المدني في حياة الانسان الا بقدر
يسير، خلافا لجوانب تشريعية أخرى مرنة ومتحركة، يتأثر أسلوب تحقيقها
وتطبيقها بظروف التطور المدني في حياة الانسان كنظام المعاملات والعقود.
ففي المجال العبادي يصلي انسان عصر الكهرباء والقضاء ويصوم ويحج
كما كان يصلي ويصوم ويحج سلفه في عصر الطاحونة اليدوية.
صحيح انه في الجانب المدني من التحضير للعبادة قد يختلف هذا عن
ذاك، فهذا يسافر إلى الحج بالطائرة، وذاك كان يسافر ضمن قافلة من
الإبل، وهذا يستر جسده في الصلاة بملابس مصنعة أنتجتها الآلة
وذاك يستر جسمه بملابس نسجها بيده، ولكن صيغة العبادة العامة وطريقة
تشريعه واحدة، وضرورة ممارستها ثابتة لم تتأثر ولم تتزعزع قيمتها التشريعية
بالنمو المستمر لسيطرة الانسان على الطبيعة ووسائل عيشه فيها.
وهذا يعني ان الشريعة لم تعط الصلاة والصيام والحج والزكاة وغير
ذلك من عبادات الاسلام كوصفه، موقوتة، وصيغة تشريعية محدودة بالظروف
التي عاشتها في مستهل تاريخها، بل فرضت تلك العبادات على الانسان وهو
يزاول عملية تحريك الآلة بقوى الذرة كما فرضتها على الانسان الذي كان
يحرث الأرض بمحراثه اليدوي.

579
ونستنتج من ذلك أن نظام العبادات يعالج حاجة ثابتة في حياة الانسان
خلقت معه وظلت ثابتة في كيانه على الرغم من التطور المستمر في حياته،
لان العلاج بصيغة ثابتة يفترض ان الحاجة ثابتة ومن هنا يبرز السؤال التالي:
هل هناك حقا حاجة ثابتة في حياة الانسان منذ بدأت الشريعة دورها
التربوي للانسان، وظلت حاجة انسانية حية باستمرار إلى يومنا هذا،
لكي نفسر على أساس ثباتها ثبات الصيغ التي عالجت الشريعة بموجبها
تلك الحاجة وأشبعتها، وبالتالي نفسر استمرار العبادة في دورها الايجابي
في حياة الانسان؟
وقد يبدو بالنظرة الأولى ان افتراض حاجة ثابتة من هذا القبيل ليس
مقبولا، ولا ينطبق على واقع حياة الانسان حين تقارن بين انسان اليوم وانسان
الأمس البعيد، لأننا نجد ان الانسان يبتعد - باستمرار - بطريقة حياته
ومشاكلها وعوامل تطورها عن ظروف مجتمع القبيلة الذي ظهرت فيه
الشريعة الخاتمة ومشاكله الوثنية وهمومه وتطلعاته المحدودة. وهذا الابتعاد
المستمر يفرض تحولا أساسيا في كل حاجاته وهمومه ومتطلباته، وبالتالي في
طريقة علاج الحاجات وتنظيمها، فكيف بامكان العبادات بنظامها التشريعي
الخاص ان تؤدي دورا حقيقيا على هذه الساحة الممتدة زمنيا من حياة
الانسانية، على الرغم من التطور الكبير في الوسائل وأساليب الحياة، ولئن
كانت عبادات كالصلاة والوضوء والغسل والصيام مفيدة في مرحلة ما من
حياة الانسان البدوي، لأنها تساهم في تهذيب خلقه والتزامه العملي بتنظيف
بدنه وصيانته من الافراط في الطعام والشراب، فان هذه الأهداف تحققها
للانسان الحديث اليوم طبيعة حياته المدنية وأسلوب معيشته اجتماعيا. فلم
تعد تلك العبادات حاجة ضرورية كما كانت في يوم من الأيام، ولم يبق لها
دور في بناء حضارة الانسان أو حل مشاكله الحضارية.

580
ولكن هذه النظرة على خطأ، فأن التطور الاجتماعي في الوسائل
والأدوات، وتحول المحراث، في يد الانسان إلى آلة يحركها البخار أو يديرها
الكهرباء، انما يفرض التغير في علاقة الانسان بالطبيعة وما تتخذه من
اشكال مادية، فكل ما يمثل علاقة بين الانسان والطبيعة، كالزراعة
التي تمثل علاقة بين الأرض والمزارع، تتطور شكلا ومضمونا من الناحية
المادية تبعا لذلك.
واما العبادات فهي ليست علاقة بين الانسان والطبيعة، لتتأثر بعوامل
هذه التطور، وانما هي علاقة بين الانسان وربه، ولهذه العلاقة دور روحي
في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان، وفي كلا هذين الجانبين نجد ان
الانسانية على مسار التاريخ تعيش عددا من الحاجات الثابتة التي يواجهها انسان
عصر الزيت وانسان عصر الكهرباء على السواء، ونظام العبادات في الاسلام
علاج ثابت لحاجات ثابتة من هذا النوع ولمشاكل ليست ذات طبيعة مرحلية،
بل تواجه الانسان في بنائه الفردي والاجتماعي والحضاري باستمرار ولا يزال
هذا العلاج الذي تعبر عنه العبادات حيا في أهدافه حتى اليوم، وشرطا أساسيا
في تغلب الانسان على مشاكله ونجاحه في ممارساته الحضارية.
ولكي نعرف ذلك بوضوح يجب ان نشير إلى بعض الخطوط الثابتة
من الحاجات والمشاكل في حياة الانسان، والدور الذي تمارسه العبادات في
اشباع تلك الحاجات والتغلب على هذه المشاكل.
وهذه الخطوط هي كما يلي:
1 - الحاجة إلى الارتباط بالمطلق.
2 - الحاجة إلى الموضوعية في القصد وتجاوز الذات.
3 - الحاجة إلى الشعور الداخلي بالمسؤولية كضمان للتنفيذ.
وإليكم تفصيل هذه الخطوط:

581
1 - الحاجة إلى الارتباط بالمطلق
نظام العبادات طريقة في تنظيم المظهر العملي لعلاقة الانسان بربه.
ولهذا لا ينفصل عند تقييمه عن تقييم هذه العلاقة بالذات ودورها في حياة
الانسان، ومن هنا يترابط السؤالان التاليان:
أولا: ما هي القيمة التي تحققها علاقة الانسان بربه لهذا الانسان في
مسيرته الحضارية؟، وهل هي قيمة ثابتة تعالج حاجة ثابتة في هذه المسيرة،
أو قيمة مرحلية ترتبط بحاجات موقوتة أو مشاكل محدودة، وتفقد أهميتها
بانتهاء المرحلة التي تحدد تلك الحاجات والمشاكل.
ثانيا: ما هو الدور الذي تمارسه العبادات بالنسبة إلى تلك العلاقة ومدى
أهميتها بوصفها تكريسا عمليا لعلاقة الانسان بالله؟
وفيما يأتي موجز من التوضيح اللازم فيما يتعلق بهذين السؤالين.
الارتباط بالمطلق مشكلة ذات حدين:
قد يجد الملاحظ - وهو يفتش الأدوار المختلفة لقصة الحضارة على
مسرح التاريخ - ان المشاكل متنوعة والهموم متباينة في صيغها المطروحة
في الحياة اليومية، ولكننا إذا تجاوزنا هذه الصيغ ونفذنا إلى عمق المشكلة
وجوهرها استطعنا ان نحصل من خلال كثير من تلك الصيغ اليومية المتنوعة
على مشكلة رئيسية ثابتة ذات حدين أو قطبين متقابلين، يعاني الانسان منهما
في تحركه الحضاري على مر التاريخ، وهي من زاوية تعبر عن مشكلة:
الضياع واللا انتماء وهذا يمثل الجانب السلبي من المشكلة، ومن زاوية أخرى

582
تعبر عن مشكلة: الغلو في الانتماء والانتساب بتحويل الحقائق النسبية التي ينتمي
إليها إلى مطلق، وهذا يمثل الجانب الايجابي من المشكلة. وقد أطلقت
الشريعة الخاتمة على المشكلة الأولى اسم: الالحاد، باعتباره المثل الواضح
لها، وعلى المشكلة الثانية اسم: الوثنية والشرك، باعتباره المثل الواضح
لها أيضا. ونضال الاسلام المستمر ضد الالحاد والشرك هو في حقيقته
الحضارية نضال ضد المشكلتين بكامل بعديهما التاريخيين.
وتلتقي المشكلتان في نقطة واحدة أساسية، وهي: إعاقة حركة
الانسان في تطوره عن الاستمرار الخلاق المبدع الصالح، لان مشكلة الضياع
تعني بالنسبة إلى الانسان انه صيرورة مستمرة تائهة لا تنتمي إلى مطلق،
يسند إليه الانسان نفسه في مسيرته الشاقة الطويلة المدى، ويستمد
من اطلاقه وشموله العون والمد والرؤية الواضحة للهدف، ويربط من
خلال ذلك المطلق حركته بالكون، بالوجود كله، بالأزل والأبد، ويحدد
موقعه منه وعلاقته بالإطار الكوني الشامل. فالتحرك الضائع بدون مطلق
تحرك عشوائي كريشة في مهب الريح، تنفعل بالعوامل من حولها ولا نؤثر
فيها. وما من ابداع وعطاء في مسيرة الانسان الكبرى على مر التاريخ الا
وهو مرتبط بالاستناد إلى مطلق والالتحام معه في سير هادف.
غير أن هذا الارتباط نفسه يواجه من ناحية أخرى الجانب الآخر من
المشكلة، اي مشكلة الغلو في الانتماء بتحويل النسبي إلى مطلق، وهي
مشكلة تواجه الانسان باستمرار، إذ ينسج ولاءه لقضية لكي يمده هذا الولاء
بالقدرة على الحركة ومواصلة السير، الا ان هذا الولاء يتجمد بالتدريج ويتجرد
عن ظروفه النسبية التي كان صحيحا ضمنها، وينتزع الذهن البشري منه
مطلقا لاحد له، ولاحد للاستجابة إلى مطالبه، وبالتعبير الديني يتحول إلى
إله يعبد بدلا عن حاجة يستجاب لاشباعها. وحينما يتحول النسبي إلى مطلق

583
إلى إله من هذا القبيل يصبح سببا في تطويق حركة الانسان، وتجميد
قدراتها على التطور والابداع، وإقعاد الانسان عن ممارسة دوره الطبيعي
المفتوح في المسيرة: " لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا "
الاسراء (22).
وهذه حقيقة صادقة على كل الآلهة التي صنعها الانسان عبر التاريخ،
سواء كان قد صنعه في المرحلة الوثنية من العبادة، أو في المراحل
التالية فمن القبيلة إلى العلم نجد سلسلة من الآلهة التي أعاقت الانسان بتأليهها،
والتعامل معها كمطلق عن التقدم الصالح.
نعم من القبيلة التي كان الانسان البدوي يمنحها ولاءه باعتبارها حاجة
واقعية بحكم ظروف حياته الخاصة، ثم غلا في ذلك، فتحولت لديه إلى
مطلق لا يبصر شيئا الا من خلالها، وأصبحت بذلك معيقة له عن التقدم.
إلى العلم الذي منحه الانسان الحديث - بحق - ولاءه، لأنه شق له
طريق السيطرة على الطبيعة، ولكنه غلا أحيانا في هذا الولاء فتحول إلى
ولاء مطلق، تجاوز به حدوده في خضم الافتتان به، وانتزع الانسان المفتون
بالعلم منه مطلقا يعبده، ويقدم له فروض الطاعة والولاء، ويرفض من
اجله كل القيم والحقائق التي لا يمكن قياسها بالأمتار أو رؤيتها بالمجهر.
فكل محدود ونسبي إذا نسج الانسان منه في مرحلة ما مطلقا يرتبط
به على هذا الأساس، يصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيدا على الذهن
الذي صنعه بحكم كونه محدودا ونسبيا.
فلا بد للمسيرة الانسانية من مطلق.
ولابد ان يكون مطلقا حقيقيا، يستطيع ان يستوعب المسيرة
الانسانية ويهديها سواء السبيل مهما تقدمت وامتدت على خطها الطويل،
ويمحو من طريقها كل الآلهة الذين يطوقون المسيرة ويعيقونها.

584
وبهذا تعالج المشكلة بقطبيها معا.
الايمان بالله هو العلاج
وهذا العلاج يتمثل فيما قدمته شريعة السماء إلى الانسان على الأرض
من عقيدة: (الايمان بالله)، بوصفه المطلق الذي يمكن ان يربط الانسان
المحدود مسيرته به، دون ان يسبب له اي تناقض على الطريق الطويل.
فالايمان بالله، يعالج الجانب السلبي من المشكلة، ويرفض الضياع،
والالحاد، واللا انتماء، إذ يضع الانسان في موضع المسؤولية وينيط بحركته
وتدبيره الكون، ويجعله خليفة الله في الأرض. والخلافة تستبطن المسؤولية
والمسؤولية تضع الانسان بين قطبين: بين مستخلف يكون الانسان مسؤولا
امامه، وجزاء يتلقاه تبعا لتصرفه، بين الله والمعاد، بين الأزل والأبد،
وهو يتحرك في هذا المسار تحركا مسؤولا هادفا.
والايمان بالله يعالج الجانب الايجابي من المشكلة - مشكلة الغلو في الانتماء،
التي تفرض التحدد على الانسان وتشكل عائقا عن اطراد مسيرته - وذلك على
الوجه التالي:
أولا: ان هذا الجانب من المشكلة كان ينشأ من تحويل المحدود والنسبي
إلى مطلق خلال عملية تصعيد ذهني، وتجريد للنسبي من ظروفه وحدوده
واما المطلق الذي يقدمه الايمان بالله للانسان. فهو لم يكن من نسيج مرحلة
من مراحل الذهن الانساني، ليصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيدا على
الذهن الذي صنعه، ولم يكن وليد حاجة محدودة لفرد أو لفئة، ليتحول
بانتصابه مطلقا إلى سلاح بيد الفرد أو الفئة لضمان استمرار مصالحها غير
المشروعة. فالله سبحانه وتعالى مطلق لا حدود له، ويستوعب بصفاته الثبوتية

585
كل المثل العليا للانسان الخليفة على الأرض، من ادراك، وعلم، وقدرة
وقوة، وعدل، وغنى، وهذا يعني ان الطريق إليه لاحد له فالسير
نحوه يفرض التحرك باستمرار وتدرج النسبي نحو المطلق بدون توقف،
يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " الانشقاق (6)، ويعطي
لهذا التحرك مثله العليا المنتزعة من الادراك والعلم والقدرة والعدل، وغيرها
من صفات ذلك المطلق، الذي تكدح المسيرة نحوه. فالسير نحو مطلق،
كله علم، وكله قدرة، وكله عدل، وكله غنى يعني ان تكون المسيرة
الانسانية كفاحا متواصلا باستمرار، ضد كل جهل، وعجز وظلم، وفقر.
وما دامت هذه هي أهداف المسيرة المرتبطة بهذا المطلق، فهي اذن
ليست تكريسا للإله، وانما هي جهاد مستمر من اجل الانسان وكرامة
الانسان وتحقيق تلك المثل العليا له، (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ان
الله لغني عن العالمين) " سورة العنكبوت (6) "، (فمن اهتدى فلنفسه ومن
ضل فإنما يضل عليها) " الزمر 41 " وعلى العكس من ذلك المطلقات
الوهمية والآلهة المزيفة، فإنها لا يمكن ان تستوعب المسيرة بكل تطلعاتها،
لان هذه المطلقات المصطنعة وليدة ذهن الانسان العاجز، أو حاجة الانسان
الفقير، أو ظلم الانسان الظالم. فهي مرتبطة عضويا بالجهل والعجز والظلم
ولا يمكن ان تبارك كفاح الانسان المستمر ضدها.
ثانيا: ان الارتباط بالله تعالى بوصفه المطلق الذي يستوعب تطلعات
المسيرة الانسانية كلها يعني في الوقت نفسه رفض كل تلك المطلقات الوهمية،
التي كانت تشكل ظاهرة الغلو في الانتماء، وخوض حرب مستمرة ونضال
دائم ضد كل ألوان الوثنية والتأليه المصطنع. وبهذا يتحرر الانسان من
سراب تلك المطلقات الكاذبة، التي تقف حاجزا دون سيره نحو الله وتزور
هدفه وتطوق مسيرته.

586
(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا
جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده) النور (39).
(ما تعبدون من دون الله الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله
بها من سلطان (يوسف) (40).
(أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يوسف (39) ذلكم
الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) فاطر (13)
ونحن إذا لاحظنا الشعار الرئيسي الذي طرحته السماء بهذا الصدد:
(لا إله الا الله)، نجد أنها قرنت فيه بين شد المسيرة الانسانية إلى المطلق
الحق، ورفض كل مطلق مصطنع. وجاء تاريخ المسيرة في واقع الحياة
على مر الزمن ليؤكد الارتباط العضوي يبن هذا الرفض وذلك الشد الوثيق
الواعي إلى الله تعالى، فبقدر ما يبتعد الانسان عن الاله الحق ينغمس في
متاهات الآلهة والأرباب المتفرقين. فالرفض والاثبات المندمجان في (لا إله إلا الله
) هما وجهان لحقيقة واحدة، وهي حقيقة لا تستغني عنها السيرة
الانسانية على مدى خطها الطويل، لأنها الحقيقة الجديرة بأن تنقذ المسيرة
من الضياع، وتساعد على تفجير كل طاقاتها المبدعة، وتحررها من كل
مطلق كاذب معيق.
العبادات هي التعبير العملي:
وكما ولد الانسان وهو يحمل كل امكانات التجربة على مسرح الحياة
وكل بذور نجاحها من رشد وفاعلية وتكيف، كذلك ولد مشدودا بطبيعته
إلى المطلق، لأن علاقته بالمطلق أحد مقومات نجاحه وتغلبه على مشاكله
في مسيرته الحضارية كما رأينا. ولا توجد تجربة أكثر امتدادا وأرحب شمولا

587
وأوسع مغزى من تجربة الايمان في حياة الانسان، الذي كان ظاهرة ملازمة
للانسان منذ أبعد العصور وفي كل مراحل التاريخ. فأن هذا التلازم الاجتماعي
المستمر يبرهن - تجريبيا - على أن النزوع إلى المطلق، والتطلع إليه وراء
الحدود التي يعيشها الانسان، اتجاه أصيل في الانسان مهما اختلفت أشكال
هذا النزوع، وتنوعت طرائقه ودرجات وعيه.
ولكن الايمان كغريزة لا يكفي ضمانا لتحقيق الارتباط بالمطلق بصيغته
الصالحة، لأن ذلك يرتبط في الحقيقة بطريقة اشباع هذه الغريزة وأسلوب
الاستفادة منها، كما هي الحال في كل غريزة أخرى، فان التصرف السليم
في إشباعها على نحو مواز لسائر الغرائز والميول الأخرى ومنسجم معها هو
الذي يكفل المصلحة النهائية للانسان، كما أن السلوك وفقا لغريزة أو ضدها
هو الذي ينمي تلك الغريزة ويعمقها أو يضمرها ويخنقها. فبذور الرحمة
والشفقة تموت في نفس الانسان من خلال سلوك سلبي، وتنمو في نفسه
من خلال التعاطف العملي المستمر مع البائسين والمظلومين والفقراء.
ومن هنا كان لابد للايمان بالله والشعور العميق بالتطلع نحو الغيب
والانشداد إلى المطلق، لابد لذلك من توجيه يحدد طريقة اشباع هذا الشعور
ومن سلوك يعمقه ويرسخه على نحو يتناسب مع سائر المشاعر الأصلية في
الانسان.
وبدون توجيه قد ينتكس هذا الشعور ويمني بألوان الانحراف، كما
وقع بالنسبة إلى الشعور الديني غير الموجه في أكثر مراحل التاريخ.
وبدون سلوك معمق قد يضمر هذا الشعور، ولا يعود الارتباط
بالمطلق حقيقة فاعلة في حياة الانسان، وقادرة على تفجير طاقاته الصالحة.
والدين الذي طرح شعار (لا إله الا الله)، ودمج فيه بين الرفض
والاثبات معا هو الموجه.

588
والعبادات هي التي تقوم بدور التعميق لذلك الشعور، لأنها تعبير
عملي وتطبيقي لغريزة الايمان، وبها تنمو هذه الغريزة وتترسخ في حياة
الانسان.
ونلاحظ أن العبادات الرشيدة بوصفها تعبيرا عمليا عن الارتباط بالمطلق
يندمج فيها عمليا الاثبات والرفض معا، فهي تأكيد مستمر من الانسان
على الارتباط بالله تعالى، وعلى رفض أي مطلق آخر من المطلقات المصطنعة
فالمصلي حين يبدأ صلاته ب‍ (الله أكبر) يؤكد هذا الرفض، وحين يمسك
عن الطيبات ويصوم حتى عن ضرورات الحياة من أجل الله متحديا الشهوات
وسلطانها يؤكد هذا الرفض.
وقد نجحت هذه العبادات في المجال التطبيقي في تربية أجيال من
المؤمنين، على يد النبي (ص) والقادة الأبرار من بعده، الذين
جسدت صلاتهم في نفوسهم رفض كل قوى الشر وهوانها، وتضاءلت
أمام مسيرتهم مطلقات كسرى وقيصر وكل مطلقات الوهم الانساني
المحدود.
على هذا الضوء نعرف ان العبادة ضرورة ثابتة في حياة الانسان ومسيرته
الحضارية، إذ لا مسيرة بدون مطلق تنشد إليه وتستمد منه مثلها، ولا مطلق
يستطيع ان يستوعب المسيرة على امتدادها الطويل سوى المطلق الحق سبحانه،
وما سواه من مطلقات مصطنعة يشكل حتما بصورة وأخرى عائقا عن نمو
المسيرة، فالارتباط بالمطلق الحق إذن حاجة ثابتة، ورفض غيره من المطلقات
المصطنعة حاجة ثابتة أيضا، ولا إرتباط بالمطلق الحق بدون تعبير عملي
عن هذا الارتباط يؤكده ويرسخه باستمرار، وهذا التعبير العملي هو
العبادة، فالعبادة إذن حاجة ثابتة.

589
2 - الموضوعية في القصد وتجاوز الذات:
في كل مرحلة من مراحل الحضارة الانسانية وفي كل فترة من حياة
الانسان يواجه الناس مصالح كثيرة، يحتاج تحقيقها إلى عمل وسعي بدرجة
وأخرى، ومهما اختلفت نوعية هذه المصالح وطريقة تحقيقها من عصر إلى
عصر ومن فترة إلى أخرى فهي دائما بالامكان تقسيمها إلى نوعين من
المصالح، أحدهما: مصالح تعود مكاسبها وايجابياتها المادية إلى نفس الفرد،
الذي يتوقف تحقيق تلك المصلحة على عمله وسعيه.
والآخر: مصالح تعود مكاسبها إلى غير العامل المباشر، أو إلى
الجماعة الذين ينتسب إليهم هذا العامل، ويدخل في نطاق النوع الثاني كل
ألوان العمل التي تنشد هدفا أكبر من وجود العامل نفسه، فان كل هدف
كبير لا يمكن عادة، أن يتحقق الا عن طريق تظافر جهود وأعمال على
مدى طويل.
والنوع الأول من المصالح يضمن الدافع الذاتي لدى الفرد في الغالب
توفيره والعمل في سبيله، فما دام العامل هو الذي يقطف ثمار المصلحة
وينعم بها مباشرة، فمن الطبيعي أن يتواجد لديه القصد إليها والدافع للعمل
من أجلها.
وأما النوع الثاني من المصالح فلا يكفي الدافع لضمان تلك المصالح،
لأن المصالح هنا لا تخص الفرد العامل، وكثيرا ما تكون نسبة ما يصيبه من
جهد وعناء أكبر كثيرا من نسبة ما يصيبه من تلك المصلحة الكبيرة. ومن
هنا كان الانسان بحاجة إلى تربية على الموضوعية في القصد وتجاوز للذات
في الدوافع، أي على أن يعمل من أجل غيره من أجل الجماعة. وبتعبير

590
آخر: من أجل هدف أكبر من وجوده ومصالحه المادية الخاصة. وهذه
تربية ضرورية لانسان عصر الذرة والكهرباء، كما هي ضرورية للانسان
الذي كان يحارب بالسيف ويسافر على البعير على السواء، لأنهما معا يواجهان
هموم البناء والأهداف الكبيرة، والمواقف التي تتطلب تناسي الذات والعمل
من أجل الآخرين، وبذر البذور التي قد لا يشهد الباذر ثمارها، فلابد
إذن من تربية كل فرد على أن يؤدي قسطا من جهده وعمله لا من أجل
ذاته ومصالحها المادية الخاصة، ليكون قادرا على العطاء وعلى الايثار وعلى
القصد الموضوعي النزيه.
والعبادات تقوم يدور كبير في هذه التربية الضرورية، لأنها كما مر
بنا أعمال يقوم بها الانسان من أجل الله سبحانه وتعالى، ولا تصح إذا
أداها العابد من أجل مصلحة من مصالحه الخاصة، ولا تسوغ إذا استهدف
من ورائها مجدا شخصيا وثناء اجتماعيا وتكريسا لذاته في محيطه وبيئته،
بل تصبح عملا محرما، يعاقب عليه هذا العابد، كل ذلك من أجل أن
يجرب الانسان من خلال العبادة القصد الموضوعي، بكل ما في القصد
الموضوعي من نزاهة واخلاص واحساس بالمسؤولية، فيأتي العابد بعبادته من
أجل الله سبحانه وفي سبيله باخلاص وصدق.
وسبيل الله هو التعبير التجريدي عن السبيل لخدمة الانسان، لأن كل
عمل من أجل الله فإنما هو من أجل عباد الله، لأن الله هو الغني عن عباده
ولما كان الاله الحق المطلق فوق أي حد وتخصيص لا قرابة له لفئة ولا تحيز له
إلى جهة، كان سبيله دائما يعادل من الوجهة العملية سبيل الانسانية جمعاء.
فالعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس
جميعا، وتدريب نفسي وروحي مستمر على ذلك.
وكلما جاء سبيل الله في الشريعة أمكن أن يعني ذلك تماما سبيل الناس

591
أجمعين. وقد جعل الاسلام سبيل الله أحد مصارف الزكاة، وأراد به
الأنفاق خير الانسانية ومصلحتها. وحث على القتال في سبيل المستضعفين
من بني الانسان وسماه قتالا في سبيل الله (وما لكم لا تقاتلون في سبيل
الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) سورة النساء آية 65.
وإذا عرفنا إلى جانب ذلك أن العبادة تتطلب جهودا مختلفة من
الانسان، فأحيانا تفرض عليه جهدا جسديا فحسب كما في الصلاة، وأحيانا
جهدا نفسيا كما في الصيام، وثالثة جهدا ماليا كما في الزكاة، ورابعة جهدا
غاليا على مستوى التضحية بالنفس أو المخاطرة بها كما في الجهاد...
إذا عرفنا ذلك استطعنا أن نستنتج عمق وسعة التدريب الروحي والنفسي،
الذي يمارسه الانسان من خلال العبادات المتنوعة... على القصد الموضوعي
وعلى البذل والعطاء، وعلى العمل من أجل هدف أكبر في كل الحقول
المختلفة للجهد البشري.
وعلى هذا الأساس تجد الفرق الشاسع بين إنسان نشأ على بذل الجهد
من أجل الله، وتربى على أن يعمل بدون انتظار التعويض على ساحة العمل،
وبين انسان نشأ على أن يقيس العمل دائما بمدى ما يحققه من مصلحة،
ويقيمه على أساس ما يعود به عليه من منفعة، ولا يفهم من هذا القياس
والتقييم الا لغة الأرقام وأسعار السوق، فان شخصا من هذا القبيل لن
يكون في الأغلب الا تاجرا في ممارساته الاجتماعية مهما كان ميدانها ونوعها.
واهتماما من الاسلام بالتربية على القصد الموعي، ربط دائما بين قيمة
العمل ودوافعه، وفصلها عن نتائجه. فليست قيمة العمل في الاسلام بما
يحققه من نتائج ومكاسب وخير للعامل أو للناس أجمعين، بل بما ينشأ العمل
عنه من دوافع ومدى نظافتها وموضوعيتها وتجاوزها للذات. فمن يتوصل
إلى اكتشاف دواء مرض خطير وينقذ بذلك الملايين من المرضى، لا تقدر

592
قيمة هذا العمل عند الله سبحانه وتعالى بحجم نتائجه وعدد من أنقذهم
من الموت، بل بالأحاسيس والمشاعر والرغبات التي شكلت لدى ذلك
المكتشف الدافع إلى بذل الجهد من أجل ذلك الاكتشاف، فان كان لم يعمل
ولم يبذل جهده إلا من أجل أن يحصل على امتياز يتيح له أن يبيعه ويربح
الملايين، فعمله هذا يساوي في التقييم الرباني أي عمل تجاري بحت لأن المنطق
الذاتي للدوافع الشخصية كما قد يدفعه إلى اكتشاف دواء مرض خطير، يدفعه
أيضا بنفس الدرجة إلى اكتشاف وسائل الدمار إذا وجد سوقا تشتري منه
هذه الوسائل. وإنما يعتبر العمل فاضلا ونبيلا إذا تجاوزت دوافعه الذات
الذات وكان في سبيل الله وفي سبيل عباد الله، وبقدر ما يتجاوز الذات
ويدخل سبيل الله وعباده في تكوينه يسمو العمل وترتفع قيمته.
3 - الشعور الداخلي بالمسؤولية
إذا لاحظنا الانسانية في اي فترة من تاريخها نجد انها تتبع نظاما معينا
في حياتها، وطريقة محددة في توزيع الحقوق والواجبات بين الناس، وانها
بقدر ما يتوفر لديها من ضمانات لالتزام الافراد بهذا النظام وتطبيقه تكون
أقرب إلى الاستقرار، وتحقيق الأهداف العامة المتوخاة من ذلك النظام.
وهذه حقيقة تصدق على المستقبل والماضي على السواء، لأنها من
الحقائق الثابتة في المسيرة الحضارية للانسان على مداها الطويل.
والضمانات منها ما هو موضوعي، كالعقوبات التي تضعها الجماعة
تأديبا للفرد الذي يتجاوز حدوده، ومنها ما هو ذاتي، وهو الشعور
الداخلي للانسان بالمسؤولية تجاه التزاماته الاجتماعية، وما تفرضه الجماعة
عليه من واجبات، وتحدد له من حقوق.

593
وعلى الرغم من أن الضمانات الموضوعية لها دور كبير في السيطرة
على سلوك الافراد وضبطه، فإنها لا تكفي في أحايين كثيرة بمفردها، ما لم
يكن إلى جانبها ضمان ذاتي ينبثق عن الشعور الداخلي للانسان بالمسؤولية،
لان الرقابة الموضوعية للفرد مهما كانت دقيقة وشاملة لا يمكن عادة ان تضمن
الإحاطة بكل شئ واستيعاب كل واقعة.
والشعور الداخلي بالمسؤولية يحتاج لكي يكون واقعا عمليا حيا في حياة
الانسان إلى ايمانه برقابة لا يعزب عن علمها مثقال ذرة في الأرض ولا في
السماء، والى مران عملي ينمو من خلاله هذا الشعور ويترسخ بموجبه
الاحساس بتلك الرقابة الشاملة.
والرقابة التي لا يعزب عن علمها مثقال ذرة تتواجد في حياة الانسان
نتيجة لارتباطه بالمطلق الحق العليم القدير الذي أحاطه علمه بكل شئ،
فان هذا الارتباط بنفسه يوفر للانسان هذه الرقابة، ويهئ بذلك امكانية
نشوء الشعور الداخلي بالمسؤولية.
والمران العملي الذي ينمو من خلاله هذا الشعور الداخلي بالمسؤولية
يتحقق عن طريق الممارسات العبادية، لان العبادة واجب غيبي، ونقصد
بكونها واجبا غيبيا ان ضبطها بالمراقبة من خارج امر مستحيل، فلا يمكن
ان تنجح أي اجراءات خارجية لغرض الاتيان بها، لأنها متقومة بالقصد
النفسي والربط الروحي للعمل بالله، وهذا امر لا يدخل في حساب الرقابة
الموضوعية من خارج، ولا يمكن لأي اجراء قانوني ان يكفل تحقيقه. وانما
الرقابة الوحيدة الممكنة في هذا المجال هي الرقابة الناتجة عن الارتباط بالمطلق
بالغيب، الذي لا يعزب عن علمه شئ. والضمان الوحيد الممكن على هذا
الصعيد هو الشعور الداخلي بالمسؤولية. وهذا يعني ان الانسان الذي يمارس
العبادة يباشر واجبا يختلف عن اي واجب أو مشروع اجتماعي آخر،

594
فحين يقترض ويوفي الدين، أو حين يعقد صفقة وينفذ شروطها، وحين
يستعير مالا من غيره ثم يعيده إليه يباشر بذلك واجبا يدخل في نطاق
الرقابة الاجتماعية رصده، وبهذا قد يدخل بشكل آخر التحسب لرد الفعل
الاجتماعي على التخلف عن أدائه في اتخاذ الانسان قرارا بالقيام به. واما
الواجب العبادي - الغيبي - الذي لا يعلم مدى مدلوله النفسي إلا الله سبحانه
وتعالى فهو نتيجة للشعور الداخلي بالمسؤولية، ومن خلال الممارسات العبادية
ينمو هذا الشعور الداخل ويعتاد الانسان على التصرف بموجبه. وبهذا
الشعور يوجد المواطن الصالح، إذ لا يكفي في المواطنة الصالحة ان لا يتخلف
الانسان عن أداء حقوق الآخرين المشروعة خوفا من رد الفعل الاجتماعي
على هذا التخلف، وانما تتحقق المواطنة الصالحة بان لا يتخلف الانسان
عن ذلك بدافع من الشعور الداخلي بالمسؤولية، وذلك لان الخوف من
رد الفعل الاجتماعي على التخلف لو كان وحده هو الأساس لالتزامات
المواطنة الصالحة في المجتمع الصالح لأمكن التهرب من تلك الواجبات في
حالات كثيرة، حينما يكون بامكان الفرد ان يخفى تخلفه، أو يفسره تفسيرا
كاذبا، أو يحمي نفسه من رد الفعل الاجتماعي بشكل وآخر، فلا يوجد
في هذه الحالات ضمان سوى الشعور الداخلي بالمسؤولية.
ونلاحظ ان المرجح غالبا في العبادات المستحبة أداؤها سرا وبطريقة
غير علنية، وهناك عبادات سرية بطبيعتها كالصيام فإنه كف نفسي لا يمكن
ضبطه من خارج، وتوجد عبادات اختير لها جو من السرية والابتعاد عن
المسرح العام كنافلة الليل (صلاة الليل) التي يطلب أداؤها بعد نصف
الليل، وكل ذلك من أجل تعميق الجانب الغيبي من العبادة وربطها أكثر
فأكثر بالشعور الداخلي بالمسؤولية. وهكذا يترسخ هذا الشعور من خلال
الممارسات العبادية، ويألف الانسان العمل على أساسه، ويشكل ضمانا قويا
لالتزام الفرد الصالح بما عليه من حقوق وواجبات.

595
ملامح عامة للعبادات
إذا لاحظنا العبادات التي مرت بنا في هذا الكتاب بنظرة شاملة،
وقارنا بينها يمكن ان نستخلص بعض الملامح العامة في تلك العبادات،
ونذكر فيما يلي جملة من تلك الملامح العامة:
1 - الغيبة في تفاصيل العبادة:
عرفنا فيما سبق الدور المهم الذي تؤديه العبادة ككل في حياة الانسان
وانها تعبر عن حاجة ثابتة في مسيرته الحضارية.
ومن ناحية أخرى: إذا أخذنا التفاصيل التي تتميز بها كل عبادة
وآدابها بالدرس والتحليل، فكثيرا ما نستطيع على ضوء تقدم العلم الحديث
ان نتعرف على الحكم والاسرار التي يعبر عنها التشريع الاسلامي بهذا الشأن
واستطاع العلم الحديث ان يكشف عنها.
وقد جاء هذا التطابق الرائع بين معطيات العلم الحديث وكثير من
تفصيلات الشريعة وما قررته من أحكام وآداب، دعما باهرا لموقف الشريعة
وتأكيدا راسخا على انها ربانية.
ولكن على الرغم من ذلك نواجه في كثير من الحالات نقاطا غيبية
في العبادة، أي جملة من التفاصيل لا يمكن للانسان الممارس للعبادة ان يعي
سرها ويفسرها تفسيرا ماديا محسوسا، فلماذا صارت صلاة المغرب ثلاث
ركعات وصلاة الظهر أكثر من ذلك؟!، ولماذا اشتملت كل ركعة على
ركوع واحد لا ركوعين وعلى سجدتين لا سجدة واحدة؟!، إلى غير

596
ذلك من الأسئلة التي يمكن أن تطرح من هذا القبيل.
ونسمي هذا الجانب الذي لا يمكن تفسيره من العبادات بالجانب الغيبي
منها. ونحن نجد هذا الجانب بشكل وآخر في أكثر العبادات التي جاءت
بها الشريعة، ومن هنا يمكن اعتبار الغيبة بالمعنى الذي ذكرناه ظاهرة عامة
في العبادات ومن ملامحها المشتركة.
وهذه الغيبة مرتبطة بالعبادات ودورها المفروض ارتباطا عضويا،
ذلك لان دور العبادات كما عرفنا سابقا هو تأكيد الايمان والارتباط بالمطلق
وترسيخه عمليا، وكلما كان عنصر الانقياد والاستسلام في العبادة أكبر كان
اثرها في تعميق الربط بين العابد وربه أقوى. فإذا كان العمل الذي يمارسه
العابد مفهوما بكل ابعاده واضح الحكمة والمصلحة في كل تفاصيله تضاءل
فيه عنصر الاستسلام والانقياد، وطغت عليه دوافع المصلحة والمنفعة،
ولم يعد عبادة لله بقدر ما هو عمل نافع يمارسه العابد لكي ينتفع به ويستفيد
من آثاره.
فكما تنمي وترسخ روح الطاعة والارتباط في نفس الجندي خلال
التدريب العسكري، بتوجيه أوامر إليه وتكليفه بأن يمتثلها تعبدا وبدون
مناقشة، كذلك ينمي ويرسخ شعور الانسان العابد بالارتباط بربه بتكليفه
بأن يمارس هذه العبادات بجوانبها الغيبية انقيادا واستسلاما. فالانقياد
والاستسلام يتطلب افتراض جانب غيبي، ومحاولة التساؤل عن هذا الجانب
الغيبي من العبادة والمطالبة بتفسيره وتحديد المصلحة فيه يعني تفريغ العبادة
من حقيقتها، كتعبير عملي عن الاستسلام والانقياد، وقياسها بمقاييس
المصلحة والمنفعة كأي عمل آخر.
ونلاحظ ان هذه الغيبية لا اثر لها تقريبا في العبادات التي تمثل
مصلحة اجتماعية كبيرة، تتعارض مع مصلحة الانسان العابد الشخصية، كما

597
في الجهاد الذي يمثل اجتماعية كبيرة تتعارض مع حرص الانسان
المجاهد على حياته ودمه، وكما في الزكاة التي تمثل مصلحة اجتماعية كبيرة
تتعارض مع حرص الانسان المزكي على ماليه وثروته. فان عملية الجهاد
مفهومة للمجاهد تماما، وعملية الزكاة مفهومة عموما للمزكي، ولا يفقد
الجهاد والزكاة بذلك شيئا من عنصر الاستسلام والانقياد، لان صعوبة
التضحية بالنفس وبالمال هي التي تجعل من اقدام الانسان على عبادة يضحي
فيها بنفسه أو ماله، استسلاما وانقيادا بدرجة كبيرة جدا. إضافة إلى أن
الجهاد والزكاة وما يشبههما من العبادات لا يراد بها الجانب التربوي للفرد
فحسب، بل تحقيق المصالح الاجتماعية التي نتكفل بها تلك العبادات، وعلى
هذا الأساس نلاحظ ان الغيبة انما تبرز أكثر فأكثر في العبادات التي يغلب
عليها الجانب التربوي للفرد كالصلاة والصيام.
وهكذا نستخلص ان الغيبة في العبادة مرتبطة ارتباطا وثيقا بدورها
التربوي في شد الفرد إلى ربه وترسيخ صلته بمطلقه.
2 - الشمول في العبادة:
حين نلاحظ العبادات المختلفة في الاسلام نجد فيها عنصر الشمول
لجوانب الحياة المتنوعة، فلم تختص العبادات بأشكال معينة من الشعائر،
ولم تقتصر على الأعمال التي تجسد مظاهر التعظيم لله سبحانه وتعالى فقط،
كالركوع والسجود والذكر والدعاء، بل امتدت إلى كل قطاعات النشاط
الانساني. فالجهاد عبادة وهو نشاط الاجتماعي، والزكاة عبادة وهي نشاط
اجتماعي مالي، والخمس عبادة وهو نشاط اجتماعي مالي أيضا، والصيام
عبادة، وهو نظام غذائي، والوضوء والغسل عبادتان وهما لونان من تنظيف

598
الجسد. وهذا الشمول في العبادة يعبر عن اتجاه عام في التربية الاسلامية
يستهدف ان يربط الانسان في كل أعماله ونشاطاته بالله تعالى، ويحول كل
ما يقوم به من جهد صالح إلى عبادة مهما كان حقله ونوعه، ومن أجل
ايجاد الأساس الثابت لهذا الاتجاه وزعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة
للنشاط الانساني، تمهيدا إلى تمرين الانسان على أن يسبغ روح العبادة على
كل نشاطاته الصالحة، وروح المسجد على مكان عمله في المزرع أو المصنع
أو المتجر أو المكتب، ما دام يعمل عملا صالحا من اجل الله سبحانه وتعالى.
وفي ذلك تختلف الشريعة الاسلامية عن اتجاهين دينيين آخرين، وهما
أولا الاتجاه إلى الفصل بين العبادة والحياة، وثانيا: الاتجاه إلى حصر
الحياة في إطار ضيق من العبادة كما يفعل المترهبون والمتصوفون.
اما الاتجاه الأول الذي يفصل بين العبادة والحياة فيدع العبادة للأماكن
الخاصة المقرر لها، ويطالب الانسان بان يتواجد في تلك الأماكن ليؤدي
لله حقه ويتعبد بين يديه، حتى إذا خرج منها إلى سائر حقول الحياة ودع
العبادة وانصرف إلى شؤون دنياه إلى حين الرجوع ثانية إلى تلك الأماكن
الشريفة. وهذه الثنائية بين العبادة ونشاطات الحياة المختلفة تشل العبادة
وتعطل دورها التربوي البناء في تطوير دوافع الانسان وجعلها موضوعية،
وتمكينه من أن يتجاوز ذاته ومصالحه الضيقة في مختلف مجالات العمل.
والله سبحانه وتعالى لم يركز على أن يعبد من اجل تكريس ذاته وهو الغني
عن عباده، لكي يكتفي منهم بعبادة من هذا القبيل، ولم ينصب نفسه
هدفا وغاية للمسيرة الانسانية لكي يطأطئ الانسان رأسه بين يديه في مجال
عبادته وكفى، وإنما أراد بهذه العبادة ان يبني الانسان الصالح القادر على أن
يتجاوز ذاته ويساهم في المسيرة بدور أكبر. ولا يتم التحقيق الأمثل
لذلك إلا إذا امتدت روح العبادة تدريجا إلى نشاطات الحياة الأخرى، لان

599
امتدادها يعني - كما عرفنا - امتداد الموضوعية في القصد والشعور الداخلي
بالمسؤولية في التصرف، والقدرة على تجاوز الذات وانسجام الانسان مع
إطاره الكوني الشامل مع الأزل والأبد اللذين يحيطان به.
ومن هنا جاءت الشريعة ووزعت العبادات على مختلف حقول الحياة
وحثت على الممارسة العبادية في كل تصرف صالح، وأفهمت الانسان بأن
الفارق بين المسجد الذي هو بيت الله وبين بيت الانسان ليس بنوعية
البناء أو الشعار، وانما استحق المسجد ان يكون بيت الله لأنه الساحة
التي يمارس عليها الانسان عملا يتجاوز فيه ذاته ويقصد به هدفا أكبر من
منطق المنافع المادية المحدودة، وان هذه الساحة ينبغي ان تمتد وتشمل
كل مسرح الحياة، وكل ساحة يعمل عليها الانسان عملا يتجاوز فيه ذاته
ويقصد به ربه والناس أجمعين فهي تحمل روح المسجد.
واما الاتجاه الثاني الذي يحصر الحياة في إطار ضيق من العبادة فقد
حاول ان يحصر الانسان في المسجد، بدلا عن أن يمدد معنى المسجد
ليشمل كل الساحة التي تشهد عملا صالحا لانسان.
ويؤمن هذا الاتجاه بأن الانسان يعيش تناقضا داخليا بين روحه وجسده
ولا يتكامل في أحد هذين الجانبين إلا على حساب الجانب الآخر، فلكي
ينمو ويزكو روحيا يجب ان يحرم جسده من الطيبات، ويقلص وجوده
على مسرح الحياة، ويمارس صراعا مستمرا ضد رغباته وتطلعاته إلى
مختلف ميادين الحياة، حتى يتم له الانتصار عليها جميعا عن طريق الكف
المستمر والحرمان الطويل، والممارسات العبادية المحددة.
والشريعة الاسلامية ترفض هذا الاتجاه أيضا لأنها تريد العبادات من
اجل الحياة، فلا يمكن ان تصادر الحياة من اجل العبادات. وهي في
الوقت نفسه تحرص على أن يكب الانسان الصالح روح العبادة في كل

600
تصرفاته ونشاطاته، ولكن لا بمعنى انه يكف عن النشاطات المتعددة في
الحياة ويحصر نفسه بين جدران المعبد، بل بمعنى ان يحول تلك النشاطات
إلى عبادات، فالمسجد منطلق للانسان الصالح في سلوكه اليومي، وليس
محددا لهذا السلوك، وقد قال النبي (ص) لأبي ذر: " ان استطعت ان
لا تأكل ولا تشرب الا لله فافعل ".
وهكذا تكون العبادة من اجل الحياة، ويقدر نجاحها التربوي والديني
بمدي امتدادها مضمونا وروحا إلى شتى مجالات الحياة.
3 - الجانب الحسي في العبادة:
ادراك الانسان ليس مجرد احساس فحسب وليس مجرد تفكير عقلي
وتجريدي فحسب، بل هو مزاج من عقل وحس من تجريد وتشخيص.
وحينما يراد من العبادة ان تؤدي دورها على نحو يتفاعل معها الانسان
تفاعلا كاملا وتنسجم مع شخصيته المؤلفة من عقل وحس، ينبغي ان
تشتمل العبادة نفسها على جانب حسي وجانب عقلي تجريدي، لكي تتطابق
العبادة مع شخصية العابد، ويعيش العابد في ممارسته العبادية ارتباطه
بالمطلق بكل وجوده.
ومن هنا كانت النية والمحتوى النفسي للعبادة يمثل دائما جانبها العقلي
التجريدي، إذ تشد الانسان العابد إلى المطلق الحق سبحانه وتعالى، وكانت
هناك معالم أخرى في العبادة تمثل جانبها الحسي. فالقبلة التي يجب على كل
مصلي ان يستقبلها في صلاته، والبيت الحرام الذي يؤمه الحاج والمعتمر
ويطوف به، والصفا والمروة اللذان يسعى بينهما، وجمرة العقبة التي يرميها
بالحصيات، والمسجد الذي خصص مكانا للاعتكاف يمارس فيه المعتكف

601
عبادته كل هذه الأشياء معالم حسية ربطت بها العبادة، فلا صلاة إلا إلى
القبلة، ولا طواف إلا بالبيت الحرام، وهكذا، وذلك من اجل اشباع
الجانب الحسي في الانسان العابد واعطائه حقه ونصيبه من العبادة.
وهذا هو الاتجاه الوسط في تنظيم العبادة وصياغتها وفقا لفطرة
الانسان وتركيبه العقلي الحسي الخاص.
ويقابله اتجاهان آخران، أحدهما: يفرط في عقلنة الانسان - ان صح
التعبير - فيتعامل معه كفكر مجرد، ويشجب كل التجسيدات الحسية في
مجال العبادة، فما دام المطلق الحق سبحانه لا يحده مكان ولا زمان ولا يمثله
نصب ولا تمثال فيجب ان تكون عبادته قائمة على هذا الأساس، وبالطريقة
التي يمكن للفكر النسبي للانسان ان يناجي بها الحقيقة المطلقة.
وهذا الاتجاه لا تقره الشريعة الاسلامية، فإنها على الرغم من اهتمامها
بالجوانب الفكرية حتى جاء في الحديث (أن تفكير ساعة أفضل من عبادة
سنة)، تؤمن بأن التفكير الخاشع المتعبد مهما كان عميقا لا يملأ نفس
الانسان، ولا يعبئ كل فراغه، ولا يشده الحقيقة المطلقة بكل وجوده،
لأن الانسان ليس فكرا بحتا.
ومن هذا المنطلق الواقعي الموضوعي صممت العبادات في الاسلام علي
أساس عقلي وحسي معا، فالمصلي في صلاته يمارس بنيته تعبدا فكريا وينزه
ربه عن اي حسد ومقايسة ومشابهة، وذلك حين يفتتح صلاته قائلا
(الله أكبر)، ولكنه في نفس الوقت يتخذ من الكعبة الشريعة شعارا
ربانيا يتوجه إليه بأحاسيسه وحركاته، لكي يعيش العبادة فكرا وحسا، منطقا
وعاطفة، تجريدا ووجدانا.
والاتجاه الآخر: يفرط في الجانب الحسي، ويحول الشعار إلى مدلول،
والإشارة إلى واقع، فيجعل العبادة لهذا الرمز بدلا عن مدلوله، والاتجاه

602
إلى الإشارة بدلا عن الواقع الذي تشير إليه، وبهذا ينغمس الانسان العابد
بشكل وآخر في الشرك والوثنية.
وهذا الاتجاه يقضي على روح العبادة نهائيا ويعطلها بوصفها أداة
لربط الانسان ومسيرته الحضارية بالمطلق الحق، ويسخرها أداة لربطه
بالمطلقات المزيفة، بالرموز التي تحولت بتجريد ذهني كاذب إلى مطلق.
وبهذا تصبح العبادة المزيفة هذه حجابا بين الانسان وربه، بدلا عن أن
تكون همزة الوصل بينهما.
وقد شجب الاسلام هذا الاتجاه، لأنه أدان الوثنية بكل اشكالها،
وحطم الأصنام وقضى على الآلهة المصطنعة، ورفض أن يتخذ من أي شئ
محدود رمزا للمطلق الحق سبحانه وتجسيدا له. ولكنه ميز بعمق بين مفهوم
الصنم الذي حطمه ومفهوم القبلة الذي جاء به، وهو مفهوم لا يعني الا
ان نقطة مكانية معينة أسبغ عليها تشريف رباني فربطت الصلاة بها، اشباعا
للجانب الحسي من الانسان العابد، وليست الوثنية في الحقيقة الا محاولة
منحرفة لاشباع هذا الجانب استطاعت الشريعة ان تصحح انحرافها، وتقدم
الأسلوب السوي في التوفيق بين عبادة الله بوصفها تعاملا مع المطلق الذي
لا حد له ولا تمثيل، وبين حاجة الانسان المؤلف من حس وعقل إلى أن
يعبد الله بحسه وعقله ومعا.
4 - الجانب الاجتماعي في العبادة:
العبادة في الأساس تمثل علاقة الانسان بربه وتمد هذه العلاقة بعناصر
البقاء والرسوخ، غير أنها صيغت في الشريعة الاسلامية بطريقة جعلت
منها في أكثر الأحيان أيضا أداة لعلاقة الانسان بأخيه الانسان، وهذا

603
ما نقصده بالجانب الاجتماعي في العبادة.
ففي العبادات ما يفرض بنفسه التجمع وانشاء العلاقات الاجتماعية
بين ممارسي تلك العبادة، كالجهاد، فإنه يتطلب من المقاتلين الذين يعبدون
الله بقتالهم ان يقيموا فيما بينهم العلاقات التي تنشأ بين وحدات الجيش المقاتل.
وفي العبادات ما لا يفرض التجمع بنفسه ولكن مع هذا ربط بشكل
وآخر بلون من ألون التجمع، تحقيقا للمزج بين علاقة الانسان بربه
وعلاقته بأخيه الانسان في ممارسة واحدة.
فالفرائض من الصلاة شرعت فيها صلاة الجماعة التي تتحول فيها
العبادة الفردية إلى عبادة جماعية، تتوثق فيها عرى الجماعة، وتترسخ صلاتها
الروحية من خلال توحدها في الممارسة العبادية.
وفريضة الحج حددت لها مواقيت معينة من الناحية الزمانية والمكانية
فكل ممارس لهذه الفريضة يتحتم عليه ان يمارسها ضمن تلك المواقيت،
وبهذا تؤدي الممارسة إلى عملية اجتماعية كبيرة.
وحتى فريضة الصيام التي هي بطبيعتها عمل فردي بحت ربطت بعيد
الفطر، باعتباره الوجه الاجتماعي لهذه الفويضة، الذي يوحد بين الممارسين
لها في فرحة الانتصار على شهواتهم ونزعاتهم.
وفريضة الزكاة تنشئ بصورة مواكبة لعلاقة الانسان بربه علاقة له
بولي الامر الذي يدفع إليه الزكاة، أو بالفقير، أو المشروع الخيري الذي
يموله من الزكاة مباشرة.
وهكذا نلاحظ ان العلاقة الاجتماعية تتواجد غالبا بصورة وأخرى،
إلى جانب العلاقة العبادية بين الانسان العابد وربه في ممارسة عبادية واحدة
وليس ذلك إلا من اجل التأكيد على أن العلاقة العبادية ذات دور اجتماعي
في حياة الانسان، ولا تعتبر ناجحة إلا حين تكون قوة فاعلة في توجيه

604
ما يواكبها من علاقات اجتماعية توجيها صالحا.
ويبلغ الجانب الاجتماعي من العبادة القمة فيما تطرحه العبادة من شعارات
تشكل على المسرح الاجتماعي رمزا روحيا لوحدة الأمة وشعورها بأصالتها
وتميزها. فالقبلة أو بيت الله الحرام شعار طرحته الشريعة من خلال ما
شرعت من عبادة وصلاة، ولم يأخذ هذا الشعار بعدا دينيا فحسب، بل
كان له أيضا بعده الاجتماعي بوصفه رمزا لوحدة هذه الأمة وأصالتها،
ولهذا واجه المسلمون عندما شرعت لهم قبلتهم الجديدة هذه شغبا شديدا
من السفهاء على حد تعبير القرآن (1)، لان هؤلاء السفهاء أدركوا المدلول
الاجتماعي لهذا التشريع، وانه مظهر من مظاهر اعطاء هذه الأمة شخصيتها
وجعلها أمة وسطا (2).
هذه ملامح عامة للعبادات في الشريعة الاسلامية.
وهناك إضافة إلى ما ذكرنا من الخطوط العامة التي تمثل دور العبادات
في حياة الانسان والى ملامحها العامة التي استعرضناها، أدوار وملامح
تفصيلية لكل عبادة، فان لكل من العبادات التي جاءت بها الشريعة آثار
وخصائص ولون من العطاء للانسان العابد، وللمسيرة الحضارية للانسان
على العموم. ولا يتسع المجال للإفاضة في الحديث عن ذلك فنترك الأدوار
والملامح التفصيلية، واستعراض الحكم والفوائد التي تكمن في تعليمات الشارع



(1) (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا
عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
البقرة 143 - 144.
(2) (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول
ممن ينقلب على عقبيه) البقرة 143.
605
العبادية في كل عبادة من العبادات التي جاءت بها الشريعة، إلى مستوى
آخر من الحديث، وقد كلفنا بعض تلامذتنا بتغطية هذا الفراغ. ومن
الله تعالى نستمد الاعتصام، وإليه نبتهل ان لا يحرمنا من شرف عبادته،
ويدرجنا في عبادة المرضيين، ويتجاوز عنا بلطفه واحسانه، وهو الذي
وسعت رحمته كل شئ (ومالي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون).
وقد وقع الفراغ من هذا في اليوم الثاني من جمادي الأولى 1396 ه‍.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد والهداة الميامين
من آله الطاهرين.

606
/ 1