إعانة الطالبين (جزء 3) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إعانة الطالبين (جزء 3) - نسخه متنی

محمد شطا دمیاطی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: إعانة الطالبين
المؤلف: البكري الدمياطي
الجزء: 3
الوفاة: 1310
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418 - 1997 م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أبي بكر المشهور بالسيد البكري ابن السيد محمد شطا الدمياطي
حاشية
إعانة الطالبين
للعلامة أبي بكر المشهور بالسيد البكري
ابن السيد محمد شطا الدمياطي

1
حاشية
إعانة الطالبين
للعلامة أبي بكر المشهور بالسيد البكري
ابن السيد محمد شطا الدمياطي
الدين
لزيد الدين بن عبد العزيز الميلباري الفناني
الجزء الثالث
دار الفكر
للطباعة والنشر و التوزيع

3
جميع الحقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى 1418 ه‍ / 1997 م

4
باب البيع (1)
لما أنهى الكلام على ربع العبادات، التي المقصود منها التحصيل الأخروي - وهي أهم ما خلق له الانسان - أعقبه
بربع المعاملات، التي المقصود منها التحصيل الدنيوي - ليكون سببا للأخروي - وأخر عنهما ربع النكاح - لان شهوته
متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات لان ذلك إنما يكون بعد شهوة البطن والفرج.
(قوله: هو) أي البيع. (وقوله: لغة) الأظهر أنه تمييز للنسبة، أو ظرف مكان مجازا لها، فحقه التأخير عن الخبر.
والتاء - في لغة - عوض من الواو، لأنه من لغا يلغو - إذا تكلم - تطلق اسما على ألفاظ مخصوصة، ومصدرا على
الاستعمال، كقولهم لغة تميم إهمال ما - ونحو ذلك. (قوله: مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المعاوضة، ليخرج نحو
ابتداء السلام ورده، فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة مريض بعيادة مريض آخر بيعا في اللغة - كذا قال
بعضهم - وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه، وهو ظاهر كلام الشارح، ومنه بالمعنى اللغوي: قوله
تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * - إلى أن قال سبحانه - * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز
العظيم) * (2)، وقول بعضهم:
ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم * ولا أسلمها إلا يدا بيد
فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا * وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي
فالمبيع: هو المهجة - وهو الروح - والثمن: هو الوصل: (قوله: وشرعا) عطف على لغة، وهو مقابل لها.
(وقوله: مقابلة إلخ) أي عقد يتضمن مقابلة مال بمال، لان البيع ليس هو المقابلة، وإنما هو العقد. والأحسن في تعريفه
- كما قال بعضهم - أن يقال: هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام، لا على وجه القربة. ووجه
الأحسنية فيه: أنه سالم من التسمح - بحذف المضاف المذكور - وأنه يشمل بيع المنافع على التأبيد: كبيع حق البناء
والخشب على جداره، وكبيع حق الممر للماء بأن لا يصل الماء إلى محله إلا بواسطة ملك غيره. والتعريف الذي ذكره



(1) وهو عقد مشروع ثبتت مشرعيته بالكتاب والسنة ففي تنزيل العزيز الحميد قوله تعالى: (وأحل الله البيع) (البقرة، الآية: 275) وقوله
تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (النساء، الآية: 29) وفي السنة عندما سئل النبي (ص) أي الكسب أطيب؟ قال: " عمل
الرجل بيده وكل عمل مبرور " رواه البزار وصححه الحاكم.
(2) سورة التوبة، الآية: 111.
5
المؤلف لا يشمل ذلك إلا إن أريد بالمال فيه ما يشمل المنفعة. وخرج بقوله في التعريف الذي ذكره مقابلة إلخ: الهبة
التي بلا ثواب، فإنه لا مقابلة فيها، فلا تسمى بيعا. وخرج أيضا: الإجارة والنكاح - لأنهما ليس فيها مقابلة مال بمال،
لان الإجارة فيها مقابلة منفعة بمال، والنكاح فيه مقابلة انتفاع. وخرج بالمعاوضة في التعريف الثاني نحو الهبة.
وبالمحضة: نحو النكاح. وبقوله على الدوام: الإجارة - فإنها وإن كان فيها مقابلة منفعة بمال، ليست على الدوام. وبلا
على وجه القربة: القرض، فإنه - وإن كان فيه معاوضة مال بمال - فهو على وجه القربة. (قوله: على وجه مخصوص) أي
وهو شروطه الآتية. (قوله: والأصل فيه) أي في حكمه. (قوله: وأحل الله البيع) أي المعهود عندهم، وهو مقابلة مال
بمال على وجه مخصوص - فالآية متضحة الدلالة - لا مجملة. (قوله: وأخبار) معطوف على آيات، أي والأصل فيه
أخبار. (قوله: كخبر إلخ) أي وكخبر: إنما البيع عن تراض. (قوله: أي الكسب أطيب؟) أي أي أنواع الكسب أفضل
وأحسن؟ (قوله: فقال) أي النبي. (وقوله: عمل الرجل بيده) أي وهو الصناعة - وقيل يشمل الزراعة - وكونه باليد جري
على الغالب. (قوله: وكل بيع مبرور) هو التجارة. (وقوله: أي لا غش فيه ولا خيانة) هذا مدرج من كلام الراوي.
والفرق بين الغش والخيانة: أن الأول تدليس يرجع إلى ذات المبيع، كأن يجعد شعر الجارية، ويحمر وجهها، والثاني
أعم، لأنه تدليس في ذاته أو صفته أو أمر خارج، كأن يصفه بصفات كاذبة، وكأن يذكر له ثمنا كاذبا. (قوله: يصح البيع
إلخ).
(اعلم) أن أركان البيع ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. وفي الحقيقة: ستة، لان كل واحد من الأركان
الثلاثة: تحته قسمان - فالأول: تحته البائع والمشتري. والثاني: تحته الثمن والمثمن. والثالث: تحته الايجاب
والقبول - ولم يصرح المؤلف بالركنين الأولين، وإنما أشار إليهما بقوله وشرط في عاقد، وقوله وفي معقوده. وصرح
بالصيغة بقوله بإيجاب وقبول، وبدأ بها لقوة الخلاف فيها - وإن تقدما عليها طبعا - ثم هي على قسمين: صريح، وكناية،
والأول: مما دل على التمليك - أو التملك - دلالة ظاهرة مما اشتهر وكرر على ألسنة حملة الشرع: كبعتك، وملكتك، أو
وهبتك ذا بكذا. والثاني: ما احتمل البيع وغيره، كجعلته لك، وخذه، وتسلمه، وبارك الله لك فيه. ويشترط في صحة
الصيغة: أن يذكر المبتدئ - بائعا أو مشتريا - كلا من الثمن والمثمن. وأما المجيب فلا يشترط أن يذكرهما - ولا
أحدهما - فلو قال البائع: بعتك كذا بكذا، فقال قبلت، أو قال المشتري: اشتريت منك كذا بكذا، فقال البائع بعتك،
كفى منهما. فإن لم يذكر المبتدي منهما العوضين معا: لم يصح العقد. أفاده البجيرمي. (قوله: ولو هزلا) غاية في
صحة البيع بالايجاب. أي يصح به ولو صدر منه على سبيل الهزل - أي المزح - وهو أن لا يقصد باللفظ حقيقة الايقاع.
وفى سم: هل الاستهزاء كالهزل؟ فيه نظر، ويتجه الفرق - لان في الهزل قصد اللفظ لمعناه، غير أنه ليس راضيا به.
وليس في الاستهزاء قصد اللفظ لمعناه. ويؤيده أن الاستهزاء يمنع الاعتداد بالاقرار. اه‍ (قوله: وهو) أي الايجاب.
(وقوله: ما دل على التمليك دلالة ظاهرة) هذا التعريف شامل للايجاب الصريح والكناية، لان كليهما يدل دلالة ظاهرة.
غاية الأمر أن دلالة الصريح أقوى، بخلاف الكناية فإن دلالتها بواسطة ذكر العوض على اشتراطه فيها، أو نيته على عدم
الاشتراط. وخرج بذلك: ما لا يدل دلالة ظاهرة - كملكتكه، وجعلته لك - من غير ذكر عوض أو نيته. (قوله: كبعتك)
يشير إلى شرطين في الصيغة، وهما: الخطاب، ووقوعه على جملة المخاطب. (وقوله: ذا بكذا) يشير إلى شرط ثالث،
وهو أنه لا بد من ذكر الثمن والمثمن - كما مر عن البجيرمي -. (قوله: وهو لك بكذا) اختلف فيه: هل هو صريح أو
كناية؟ والمعتمد الثاني. وعلى الأول: يفرق بينه وبين جعلته لك الآتي: بأن الجعل ثم محتمل، وهنا لا احتمال. اه‍.

6
حجر. وكتب سم ما نصه: قوله وهنا لا احتمال: إن أراد أن عدم الاحتمال بسبب قوله بكذا، فليكن جعلته لك بكذا
كذلك، وإن أراد أنه بدونه. أبطله قولهم في الوصية أنه لو اقتصر على هو له، فإقرار، إلا أن يقول من مالي، فيكون
وصية. اه‍. (قوله: وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا) هذا من الصريح، ولا ينافي ذلك كونهما صريحين في الهبة، لان
محله عند عدم ذكر الثمن. (قوله: وكذا جعلته لك) أي ومثل المذكورات في صحة الايجاب به: جعلته لك، وهو من
الكناية، فلذلك قيده بقوله إن نوى به البيع. (وقوله: بكذا) هو كناية عن العوض، ولا يشترط ذكره، بل تكفي نيته عند
حجر، وعند م ر يشترط ذكره، ولا تكفي نيته.
والخلف بينهما في الكناية فقط، أما في الصريح: فيشترط ذكره عندهما. قال في التحفة: وليس منها - أي
الكناية - أبحتكه، ولو مع ذكر الثمن - كما اقتضاه إطلاقهم - لأنه صريح في الإباحة مجانا لا غير، فذكر الثمن مناقض له.
وبه يفرق بينه وبين صراحة: وهبتك هنا، لان الهبة قد تكون بثواب، وقد تكون مجانا، فلم ينافها ذكر الثمن - بخلاف
الإباحة - ثم قال: وإنما انعقد بها - أي الكناية - مع النية في الأصح مع احتمالها - أي لغير البيع - قياسا على نحو الإجارة
والخلع، وذكر الثمن أو نيته بتقدير الاطلاع عليها منه يغلب على الظن إرادة البيع، فلا يكون المتأخر من العاقدين قابلا ما
لا يدريه. اه‍. ومما يقوم مقام الايجاب: اشتر مني هذا بكذا، وهو يسمى استقبالا: أي طلب القبول، لان معناه: اقبل
مني كذا بكذا.
(قوله: وقبول) بالجر، عطف على إيجاب. أي ويصح بإيجاب مع قبول. (قوله: من المشتري) متعلق بمحذوف
صفة لقبول. أي قبول كائن من المشتري، ويقوم مقام القبول منه، قوله للبائع: يعني ذا بكذا، ويسمى هذا: استيجابا،
أي طلب الجواب. (قوله: ولو هزلا) أي ولو صدر منه القبول على سبيل الهزل، فإنه يصح، ويلزم به البيع. قال سم:
قال في الأنوار: ولو اختلفا في القبول فقال أوجبت ولم تقبل، وقال المشتري قبلت، صدق بيمينه. اه‍. (قوله: وهو) أي
القبول. (قوله: ما دل على التملك كذلك) أي دلالة ظاهرة، بخلاف غير الظاهر، كأن قال تملكت فقط، فإنه لا يكفي،
لأنه يحتمل الشراء والهبة وغيرهما. (قوله: كاشتريت) أي وما اشتق منه - كأنا مشتر - (وقوله: هذا بكذا) الأول كناية عن
المبيع، والثاني كناية عن الثمن. (قوله: وقبلت إلخ) أي واتبعت واخترت. (قوله: هذا بكذا) راجع لقبلت وما بعده.
(قوله: وذلك لتتم الصيغة) أي اشتراط الاتيان بالايجاب والقبول معا لأجل أن تتم الصيغة، التي هي عبارة عن
مجموعهما، فاسم الإشارة يعود على معلوم من المقام (قوله: الدال) بالرفع، نعت سببي للصيغة. (وقوله: على
اشتراطها) أي الصيغة. (قوله: إنما البيع عن تراض) أي صادر عن تراض. (قوله: والرضا إلخ) بيان لوجه دلالة
الحديث على اشتراط الصيغة. وحاصله أن في الحديث حصر صحة البيع في الرضا وهو خفي، إذ هو معنى قائم
بالقلب، فلا اطلاع لنا عليه، فاشترط لفظ يدل عليه، وهو الصيغة. (قوله: فاعتبر ما يدل عليه) أي الرضا من اللفظ،
وذلك لان دلالة اللفظ على ما في النفس أقوى من دلالة القرائن، فلا يقال إن القرائن تدل على الرضا. ومثل اللفظ ما يقوم
مقامه، كإشارة الأخرس المفهمة. (قوله: فلا ينعقد الخ) تفريع على اشتراط الصيغة. (قوله: لكن اختير الانعقاد إلخ)
استدراك من عدم انعقاده بالمعاطاة الموهم أن ذلك مطلقا وبالاتفاق: أي لكن اختار بعضهم - وهو النووي - انعقاد البيع
بالمعاطاة في كل شئ يعد العرف المعاطاة فيه بيعا. وعبارة التحفة: واختار المصنف - كجمع - انعقاده بها في كل ما
يعده الناس بها بيعا، وآخرون في محقر كرغيف. والاستجرار من بياع: باطل اتفاقا، أي إلا إن قدر الثمن في كل مرة،
على أن الغزالي، سامح فيه، بناء على جواز المعاطاة. اه‍. (قوله: فعلى الأول) أي عدم الانعقاد. (وقوله المقبوض

7
بها) أي بالمعطاة. (وقوله: كالمقبوض بالبيع الفاسد) أي فيجب على كل أن يرد ما أخذه على الآخر إن بقي، أو بدله إن
تلف. قال سم: فهو إذا كان باقيا على ملك صاحبه، فإن كان زكويا فعليه زكاته، لكن لا يلزم إخراجها، إلا إن عاد إليه،
أو تيسر أخذه. وإن كان تالفا فبدله دين لصاحبه على الآخر، فحكمه كسائر الديون في الزكاة. اه‍. (قوله: أي في أحكام
الدنيا) أي أن المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد بالنسبة للأحكام الدنيوية. (وقوله: أما الآخرة فلا مطالبة بها) أي إذا
لم يرد كل ما أخذه فلا يعاقب عليها في الآخرة - أي لطيب النفس بها، واختلاف العلماء فيها - لكن هذا من حيث المال،
وأما من حيث تعاطي العقد الفاسد، فيعاقب عليه، إذا لم يوجد مكفر. (قوله: ويجري خلافها) أي المعاطاة. (وقوله:
في سائر العقود) أي المالية، كالرهن، والشركة، والإجارة. (قوله: وصورتها) أي المعاطاة. (قوله: أن يتفقا) أي البائع
والمشتري. أي من قبل صدور المعاطاة منهما، ثم يعطي كل صاحبه ممن غير إيجاب وقبول. (قوله: وإن لم يوجد لفظ
من واحد) غاية في الاتفاق. أي سواء حصل مع اتفاقهما لفظ من أحدهما أم لا. ولو قال: وإن وجد لفظ من أحدهما،
لكان أولى، إذ لا يغيا إلا بالبعيد. والمراد باللفظ: الايجاب، أو القبول.
(والحاصل) المعاطاة: هي أن يتفق البائع والمشتري على الثمن والمثمن، ثم يدفع البائع المثمن للمشتري، وهو
يدفع الثمن له، سواء كان مع سكوتهما، أو مع وجود لفظ إيجاب أو قبول من أحدهما، أو مع وجود لفظ منهما لكن لا من
الألفاظ المتقدمة - كما في ع ش - وعبارته: ولا تتقيد المعاطاة بالسكوت، بل كما تشمله تشمل غيره من الألفاظ غير
المذكورة في كلامهم، للصريح والكناية. اه‍. وفي فتح الجواد: ويظهر أن ما ثمنه قطعي الاستقرار - كالرغيف بدرهم
بمحل لا يختلف أهله في ذلك - لا يحتاج لاتفاق فيه، بل يكفي الاخذ والاعطاء مع سكوتهما. اه‍.
(قوله: ولو قال متوسط) هو الدلال أو المصلح. قال في النهاية: وظاهر أنه لا يشترط فيه أهلية البيع، لأن العقد لا
يتعلق به. اه‍. (قوله: بعت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي البائع (وقوله: نعم) أي بعت (قوله: أو وإي) بكسر
الهمزة، حرف جواب، ومثلها جير. (وقال) أي المتوسط (وقوله: اشتريت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي
المشتري. (وقوله: نعم) أي أو إي، أو جير. (قوله: صح) أي البيع، بما ذكر من قول البائع للمتوسط:
نعم، وقول
المشتري له: نعم، فينعقد البيع بذلك، لان الأول دال على الايجاب، والثاني دال على القبول. (قوله: ويصح أيضا
إلخ) أي كما يصح البيع بالجواب منهما للمتوسط بنعم أو إي، يصح بجواب أحد المتعاقدين للآخر، وذلك بأن يقول
المشتري للبائع: بعت؟ فيقول له: نعم، ويقول البائع للمشتري: اشتريت؟ فيقول له: نعم. وظاهر النهاية: عدم
الصحة فيما ذكر، وعبارتها: فلو كان الخطاب من أحدهما للآخر: لم يصح - أي الجواب بنعم -. قال ع ش: كأن قال:
بعتني هذا بكذا؟ فقال: نعم. اه‍. (وقوله: منهما) أي من المتعاقدين. (وقوله: لجواب إلخ) الجار والمجرور حال من
نعم - أي حال كونها مأتيا بها لأجل جواب الخ. (وقوله: قول المشتري) أي للبائع. (وقوله: والبائع) أي وجواب قول
البائع للمشتري: اشتريت؟ (قوله: حرف استقبال) المراد به حرف المضارعة - كالهمزة، والنون كما يرشد بذلك
المثال - (وقوله: لم يصح) أي الايجاب المقرون بحرف الاستقبال، أو القبول المقرون بذلك.
وفي البجيرمي: إنه لا يصح صراحة، أما كناية فيصح. ونصه:

8
(فرع) أتى بالمضارع في الايجاب: كأبيعك، أو في القبول: كأقبل - صح. لكنه كناية، فما في العباب من عدم
صحة البيع بصيغة الاستقبال محمول على نفي الصراحة، كما يشعر به تعليلهم باحتمال الوعد والانشاء. اه‍.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد والتحفة، ولكن اللفظ للأول. (قوله: من العامي) المراد به ما قابل العالم.
(قوله: نحو فتح تاء المتكلم) اندرج تحت نحو ضم تاء المخاطب، وإبدال الكاف ألفا، وغير ذلك. قال ع ش: قال
حجر: وظاهر أنه يغتفر من العامي فتح التاء في التكلم، وضمها في التخاطب، لأنه لا يفرق بينهما. ومثل ذلك: إبدال
الكاف ألفا، ونحو ذلك. اه‍. سم. وظاهره - ولو مع القدرة على الكاف من العامي - ومفهومه أنه لا يكتفي بها من غير
العامي، وظاهر أن محله حيث قدر على النطق بالكاف. اه‍. (قوله: وشرط صحة الايجاب والقبول كونهما إلخ) شروع
في بيان شروط أركان البيع الثلاثة، التي هي العاقد، والمعقود عليه، والصيغة.
وبدأ بشروط الصيغة، وذكر منها متنا وشرحا: أربعة وهي: عدم الفصل وعدم التعليق، وعدم التأقيت، وتوافق
الايجاب والقبول معنى. وبقي عليه منها ثمانية - الأول منها: أن لا يغير المبتدئ من العاقدين ما أتى به، فلو قال بعتك ذا
العبد - بل الجارية - فقبل، لم يصح. أو بعتك هذا حالا - بل مؤجلا -: لم يصح - لضعف الايجاب بالتغيير -. الثاني:
التلفظ - بحيث يسمعه من يقربه عادة، وإن لم يسمعه المخاطب - ويتصور وجود القبول منه مع عدم سماعه، بما إذا بلغه
السامع فقبل فورا، أو حمل الريح إليه لفظ الايجاب فقبل كذلك، أو قبل اتفاقا - كما في البجيرمي، نقلا عن سم - فلو لم
يسمعه من بقربه لم يصح. قال ع ش: وإن سمعه صاحبه لحدة سمعه، لان لفظه كلا لفظ، وإن توقف فيه بعضهم. اه‍.
الثالث: بقاء الأهلية إلى وجود الشق الثاني، فلو جن الأول قبل وجود القبول لم يصح. الرابع: أن يكون القبول ممن
صدر معه الخطاب، فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته لم يصح. الخامس: أن يذكر المبتدئ منهما الثمن والمثمن.
السادس: أن يأتي بكاف الخطاب، ويستثنى منه المتوسط المتقدم، ولفظ نعم من المتعاقدين. السابع أن يضيف البيع
لجملته فلو قال بعت يدك: لم يصح - إلا إن أراد التجوز عن الجملة. الثامن: أن يقصد اللفظ لمعناه، فلو سبق به لسانه،
أو كان أعجميا لا يعرف معنى البيع: لم يصح - كما قال م ر.
(قوله: كونهما) أي الايجاب والقبول. (وقوله: بلا فصل) متعلق بمحذوف خبر الكون، باعتبار الشرح. وباعتبار
المتن: يكون متعلقا بيصح، أو بمحذوف صفة لكل من إيجاب وقبول. (قوله: بسكوت) متعلق بفصل. (وقوله: طويل)
هو ما أشعر بالاعراض عن القبول. قال البجيرمي: المعتمد أنه بقدر ما يقطع القراءة في الفاتحة، وهو الزائد على سكتة
التنفس. اه‍. (وقوله: يقع بينهما) أي بين لفظهما، أو إشارتهما، أو كتابتهما، أو لفظ أحدهما، أو كتابة، أو إشارة
الآخر، أو كتابة أحدهما وإشارة الآخر، لكن العبرة في الفصل بالسكوت - بالنسبة للكتابة بعد علم المكتوب إليه -
(وقوله: بخلاف اليسير) أي فإنه لا يضر. قال في التحفة والنهاية - والعبارة للنهاية -: والأوجه أن السكوت اليسير ضار إذا
قصد به القطع - أخذا مما مر في الفاتحة -. ويحتمل خلافه، وبفرق. اه‍. (وقوله: ويحتمل خلافه) جزم به الزيادي،
وعبارته: ولو قصد به القطع - بخلاف القراءة - لأنها عبادة بدنية محضة، وهي أضيق من غيرها. اه‍. وهي تفيد الصحة
مع قصد القطع. (قوله: ولا تخلل لفظ) معطوف على فصل - من عطف الخاص على العام - أي وبلا تخلل لفظ.
قال في التحفة: من المطلوب جوابه. وقال سم: وكذا من الآخر على الأوجه، وفاقا لشيخنا الشهاب الرملي،
ووجهه أن التخلل إنما ضر لاشعاره بالاعراض، والاعراض مضر من كل منهما، فإن غير المطلوب جوابه لو رجع قبل لفظ
الآخر أو معه، ضر. فكذا لو وجد منه ما يشعر بالرجوع والاعراض. فتأمله يظهر لك وجاهة ما اعتمده شيخنا. اه‍.

9
والعبرة في التخلل في الغائب: بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له. اه‍. نهاية. قال ع ش: أما
الحاضر، فلا يضر تكلمه قبل علم الغائب. اه‍.
(قوله: وإن قل) أي اللفظ المتخلل فإنه يضر، وهو شامل للحرف المفهم، وهو متجه، لأنه كلمة، ولغير المفهم -
وهو محل نظر - نعم، يغتفر اليسير لنسيان أو جهل إن عذر - كالصلاة -. ويغتفر لفظ قد: لأنها للتحقيق فليست بأجنبية.
ويغتفر لفظ: والله اشتريت. واختلف في الفصل بأنا. في - أنا قبلت - فقيل يغتفر، وقيل لا. (قوله: أجنبي) صفة للفظ.
(قوله: بأن لم يكن من مقتضاه) أي العقد. وهو تصوير للأجنبي من العقد، فإن كان منه - كالقبض، والانتفاع، والرد
بعيب، - لم يضر الفصل به. (وقوله: ولا من مصالحه) فإن كان منها - كشرط الرهن، والاشهاد - لم يضر. وزاد في
التحفة والنهاية: ولا من مستحباته، فإن كان منها - كالبسملة، والحمدلة، والصلاة على النبي (ص) لم يضر أيضا. (قوله:
ويشترط أيضا أن يتوافقا) أي الايجاب والقبول. (وقوله: معنى) أي في المعنى، أي بأن يتفقا في الجنس، والنوع،
والصفة، والعدد، والحلول، والأجل. (قوله: لا لفظا) أي لا يشترط اتفاقهما في اللفظ، فلو اختلفا فيه - كأن قال البائع:
وهبتكه بكذا، فقال المشتري: اشتريت، أو بالعكس - وكما لو قال بعتكه بقرش، فقال اشتريت بثلاثين نصف فضة:
صح ذلك. (قوله: فلو قال بعتك إلخ) مفرع على مفهوم الشرط. (قوله: فزاد) أي المشتري، كأن قال اشتريت بألفين.
(وقوله: أو نقص) أي كأن قال اشتريت بخمسمائة. (قوله: أو بألف حالة) أي أو قال البائع: بعتك بألف حالة. (قوله:
فأجل) أي المشتري: أي قال اشتريت منك بألف مؤجلة. (وقوله: أو عكسه) أي بأن قال أبائع بعتك بألف مؤجلة، فقال
المشتري: اشتريت بألف حالة. (وقوله: أو مؤجلة بشهر) أي أو قال بعتك بألف مؤجلة بشهر. (وقوله: فزاد) أي
المشتري، بأن قال اشتريت بألف مؤجلة بشهرين. (قوله: لم يصح) أي البيع، وهو جواب لو. (وقوله: للمخالفة) أي
بين الايجاب والقبول، لكون القبول على ما لم يخاطب به. (قوله: وبلا تعليق) معطوف على بلا فصل. أي ويشترط
كونهما من غير تعليق. (قوله: فلا يصح معه) أي لا يصح البيع مع وجود التعليق في الايجاب أو القبول، ومحله إن كان
التعليق بغير المشيئة، فإن كان بها: صح، لكن بشروط أربعة: أن يذكر المبتدئ، وأن يخاطب بها مفردا، وأن يفتح التاء
إذا كان نحويا، وأن يؤخرها عن صيغته إذا كان إيجابا أو قبولا. ومحله أيضا: إذا كان بغير ما يقتضيه العقد، فإن كان به
- كقوله: إن كان ملكي فقد بعتكه - صح. (قوله: كإن مات أبي إلخ) تمثيل للتعليق. (قوله: ولا تأقيت) معطوف على بلا
فصل: أي ويشترط أيضا كونهما بلا تأقيت، ولو بما يبعد بقاء الدنيا إليه - كألف سنة -. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين
النكاح، بأن البيع: لا ينتهي بالموت، بخلاف النكاح. اه‍. (قوله: وشرط في عاقد إلخ) ذكر أربعة شروط له: اثنان منها
خاصان بالمشتري، وهما: الاسلام بالنسبة لتملك الرقيق المسلم والمصحف، وعدم الحرابة بالنسبة لتملك آلة
الحرب. واثنان عامان، فيه وفي البائع، وهما: التكليف، وعدم الاكراه المشار إليه بقوله وكذا من مكره. وخرج بالعاقد
المتوسط، فلا يشترط فيه ذلك - كما تقدم -، نعم، يشترط أن يكون مميزا. (قوله: بائعا كان أو مشتريا) لو قال بائعا
ومشتريا - كما في التحفة - لكان أولى، إذ المراد بالعاقد هنا: مجموع البائع والمشتري، لا هذا، أو هذا. (قوله:
تكليف) نائب فاعل شرط، والأولى أن يقول - كالمنهج - إطلاق تصرف، ليخرج به أيضا المحجور عليه بسفه، أو فلس.
وعبر في المنهاج بالرشد. وكتب عليه المغني ما نصه:
(تنبيه) قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف، لأنه يرد عليه
ثلاثة أشياء. أحدها: أنه ينتقض بالسكران، فإنه يصح بيعه على المذهب، مع أنه غير مكلف. الثاني: أنه يرد
عليه
المحجور عليه بسفه، فإنه لا يصح، مع أنه مكلف. الثالث: المكره بغير حق، فإنه مكلف، لا يصح بيعه. قال: ولا يرد

10
واحد منها على المنهاج. اه‍. (قوله: وكذا من مكره) هذا مفهوم قيد محذوف بعد قوله تكليف، وهو وعدم إكراه، أي
وكذلك لا يصح العقد من مكره. قال سم: قال في شرح العباب: ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع، والأصح - كما بحثه
الزركشي - أخذا من قولهم: لو أكره على إيقاع الطلاق، فقصد إيقاعه: صح لقصده. اه‍. وقوله بغير حق: خرج به ما
إذا كان بحق، كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء الدين، فأكرهه الحاكم عليه فإنه يصح.
(تنبيه) من أكره غيره على بيع مال نفسه: صح منه، لأنه أبلغ في الاذن، ويصح بيع المصادرة، وهي أن يطلب
ظالم من شخص مالا، فيبيع الشخص داره لأجل أن يدفع ما طلب منه، لئلا يناله أذى من ذلك الظالم - وذلك لأنه لا إكراه
فيه على البيع - إذ قصد الظالم تحصيل المال منه بأي وجه كان، سواء كان يبيع داره أو رهنها أو إيجارها أو بغير ذلك - كما
في المغني - وعبارته: ويصح بيع المصادر - بفتح الدال - من جهة ظالم: بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله، لأنه لا إكراه
فيه، إذ مقصود من صادر - أي وهو الظالم - تحصيل المال من أي وجه كان. اه‍. ومثله في الروض وشرحه.
(قوله: لعدم رضاه) أي المكره، وهو علة لعدم صحة بيع المكره. (قوله: وإسلام إلخ) معطوف على تكليف، أي
وشرط إسلام من المشتري لأجل تملكه رقيقا مسلما، وذلك لما في ملك الكافر للمسلم من الاذلال، وقد قال تعالى:
* (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (وقوله: لا يعتق عليه) خرج به ما إذا كان يعتق عليه بالشراء - كأبيه، أو
ابنه - فإنه يصح، لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه.
(فائدة) يتصور دخول الرقيق المسلم في ملك الكافر في مسائل نحو الأربعين صورة، ذكرها في المغني، ويجمعها
ثلاثة أسباب: الأول الملك القهري - كالإرث - كأن يموت كافر عن ابن كافر، ويخلف في تركته عبدا مسلما، فيرث
الابن العبد. الثاني: ما يفيد الفسخ، كالرد بعيب. الثالث: ما استعقب العتق، كشراء الكافر أصله وفرعه. وقد نظمها
بعضهم فقال:
ما استعقب العتق وملك قهري * وما يفيد الفسخ، فاحفظ وادري
(قوله: على المعتمد) وذلك لبقاء علقة الاسلام في المرتد، وفي تمكين الكافر منه إزالة لها. (قوله: لكن الذي
إلخ) لا محل للاستدراك. (قوله: صحة إلخ) ضعيف. (قوله: ولتملك شئ من مصحف) معطوف على لتملك رقيق،
أي وشرط إسلام في المشتري لتملك شئ من مصحف، ومثله الحديث - ولو ضعيفا، فيما يظهر - وكتب العلم التي بها
آثار السلف، لتعريضها للامتهان - بخلاف ما إذا خلت عن الآثار، وإن تعلقت بالشرع، ككتب نحو، ولغة. قال سم:
وخرج بالمصحف: جلده المنفصل عنه، فإنه - وإن حرم مسه للمحدث - يصح بيعه للكافر - كما أفتى به الشهاب
الرملي. اه‍. (قوله: يعني ما كتب فيه قرآن) بيان للمراد من المصحف، والاتيان بهذا مناسب - لو لم يزد الشارح لفظ
شئ، ومن الجارة - أما بعد الزيادة: فالمناسب الاقتصار على الغاية وما بعدها - أعني قوله ولو آية إلخ. وعبارة المنهاج:
ولا يصح شراء الكافر المصحف. قال في التحفة: يعني كما هو ظاهر ما فيه قرآن، ولو آية إلخ. اه‍.
(والحاصل) يشترط إسلام من أراد أن يتملك ما كتب فيه قرآن، وإن كان في ضمن نحو تفسير، أو علم، فيما
يظهر، نعم، يتسامح لتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شئ من القرآن - للحاجة إلى ذلك - ويلحق بها - فيما
يظهر - ما عمت به البلوى أيضا من شراء أهل الذمة الدور، وقد كتب في سقفها شئ من القرآن، فيكون مغتفرا -
للمسامحة به غالبا. اه‍. نهاية. وخالف في التحفة في الأخير، فقال ببطلان البيع فيما عليه قرآن، وصحته في الباقي
- تقريبا للصفقة.

11
(قوله: ولو آية) غاية للمكتوب من القرآن، والذي في التحفة والنهاية: وإن قل - وهو صادق بالآية، وما دونها، ولو
حرفا - وفي سم ما نصه: قوله ما فيه قرآن، ولو تميمة، وهل يشمل ما فيه قرآن ولو حرفا؟ ويحتمل أن الحرف إن أثبت فيه
بقصد القرآنية، امتنع البيع حينئذ، وإلا فلا. اه‍. بحذف. (قوله: وإن أثبتت لغير الدراسة) هو غاية ثانية للمكتوب من
القرآن. (قوله: ويشترط أيضا عدم حرابة إلخ) وذلك لأنه يستعين به على قتالنا، وفي البجيرمي ما نصه: قوله عدم
حرابة: خرج قطاع الطريق. قال السبكي: يصح بيع عدة الحرب لهم، ولكن إذا غلب على الظن أنهم يتخذونها لذلك،
حرم مع الصحة. سم. اه‍. (قوله: آلة حرب) هي هنا: كل نافع في الحرب - ولو درعا، وفرسا -. (قوله: كسيف
ورمح إلخ) أمثلة لالة الحرب. قال سم: وهل مثل ذلك السفن لمن يقاتل في البحر، أو لا، لعدم تعينها للقتال؟ فيه نظر.
ويتجه الأول - كالخيل - مع عدم تعينها للقتال. اه‍. (وقوله: وترس) هو المسمى بالدرقة، وبالجحفة - إذا كان من
جلد - كما في المصباح. (قوله: بخلاف غير آلة الحرب إلخ) أي فيصح بيعه للحربي. (وقوله: ولو مما تتأتى) أي ولو
كان ذلك الغير مما تتأتى آلة الحرب منه كالحديد. (قوله: وقوله: إذ لا يتعين جعله عدة حرب) فإن ظن جعله عدة
حرب: حرم. والعدة: بضم العين وكسرها. (قوله: ويصح بيعها) أي آلة الحرب. (وقوله: للذمي) هذا مفهوم قوله
حرابة، ومثل الذمي: الباغي، وقاطع الطريق، لسهولة أمرهما. (قوله: أي في دارنا) أي يشترط أن يكون الذمي في دارنا
وتحت قبضتنا. وخرج به: ما لو ذهب إلى دار الحرب مع بقاء عقد الذمة ودفع الجزية - فلا يصح - إذ ليس في قبضتنا.
قال ح ل: وفيه أنه في قبضتنا ما دام ملتزما لعهدنا، ومن ثم لم يقيد به الجلال. اه‍. قال بعضهم: الأولى حذف في
دارنا. أفاده البجيرمي. (قوله: وشرط في معقود عليه إلخ) شروع في شروط المعقود عليه، وهي لغير الربوي خمسة،
ذكر منها - متنا وشرحا - أربعة، وبقي عليه خامس: وهو أن يكون منتفعا به شرعا، ولو في المآل. (قوله: مثمنا كان) أي
المعقود عليه، وهو المبيع. (وقوله: أو ثمنا) أي أو كان ثمنا (قوله: ملك له إلخ) أي أن يكون للعاقد سلطنة على المعقود
عليه بملك، أو وكالة، أو ولاية - كالأب، والجد، والوصي - مثلا - أو إذن من الشارع - كالملتقط فيما يخاف فساده،
فالملكية ليست بشرط، خلافا لما يوهمه صنيعه. (قوله: فلا يصح بيع فضولي) هو من ليس مالكا، ولا وكيلا، ولا وليا،
وإنما لم يصح بيعه، لحديث: لا بيع إلا فيما يملك. رواه أبو داود وغيره. وعدم صحة البيع هو القول الجديد. والقول
القديم يقول إنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ، وإلا فلا. ومثل البيع: سائر تصرفاته القابلة للنيابة - كما لو زوج
أمة غيره، أو
ابنته، أو أعتق عبده، أو آجره، ونحو ذلك. ولو قال: ولا يصح تصرف فضولي: لشمل ذلك كله. (قوله: ويصح بيع مال
غيره) هذا كالتقييد لعدم صحة بيع الفضولي: أي أن محله إذا لم يتبين أنه ملكه، وإلا صح. (قوله: ظاهرا) منصوب
بإسقاط الخافض، متعلق بمال غيره، لا بيصح. (قوله: إن بان) أي المال الذي باعه. (قوله: أنه له) أي أنه ملك له،
وليس بقيد، بل المدار على كونه له عليه ولاية - كما تقدم - فيشمل ما إذا تبين أنه وكيل ببيع العين، أو أنه ولي على العين
المبيعة، أو نحو ذلك - كما سيذكر ذلك قريبا في المهمة - (قوله: كأن باع مال مورثه إلخ) أي أو باع مال غيره على ظن أنه
لم يأذن له، فبان إذنه له فيه. (قوله: ظانا حياته) ليس بقيد، بل مثله، إن لم يظن شيئا، أو ظن موته بالأولى، اه‍، ح ف،
بجيرمي. (قوله: فبان) أي مورثه. (وقوله: ميتا حينئذ) أي حين البيع، والمراد قبيله. (قوله: لتبين إلخ) تعليل للصحة،
(وقوله: أنه) أي المال، (وقوله: ملكه) أي البائع - أي فولايته ثابتة له عليه. (قوله: ولا أثر لظن خطأ إلخ) يعني ولا عبرة
بأنه عند البيع يحتمل الخطأ، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر فقط. (قوله: لا بما في ظن المكلف) أي ليست

12
العبرة بما في ظن المكلف، حتى لا يصح البيع. (قوله: بطريق جائز) كبيع وهبة. (قوله: ما ظن حله) مفعول أخذ، أي
أخذ شيئا يظن أنه حلال، وهو في الواقع ونفس الامر حرام، كأن يكون مغصوبا أو مسروقا. (قوله: فإن كان ظاهر
المأخوذ منه) هو البائع، أو الواهب. (وقوله: الخير) أي الصلاح. (قوله: لم يطالب) أي الآخذ في الآخرة، وهو جواب
إن. (وقوله: وإلا طولب) أي وإن لم يكن ظاهر الخير والصلاح، بأن كان ظاهره الفجور والخيانة، طولب - أي في
الآخرة - وأما في الدنيا، فلا يطالب مطلقا، لأنه أخذه بطريق جائز. (قوله: ولو اشترى طعاما إلخ) بين هذه المسألة
الغزالي فقال: وأما المعصية التي تشتد الكراهة فيها: أن يشتري شيئا في الذمة ويقضي ثمنه من غصب أو مال حرام،
فينظر، فإن سلم إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه، وأكله قبل قضاء الثمن، فهو حلال. فإن قضى الثمن بعد
الاكل من الحرام فكأنه لم يقبض، فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته، فإن أبرأه
على ظن أنه حلال فلا تحصل به البراءة. اه‍. (قوله: فإن أقبضه) أي الطعام. (وقوله: له) أي للمشتري. (وقوله:
البائع) فاعل أقبضه. (قوله: برضاه) أي البائع. (قوله: قبل توفية الثمن) أي قبل توفية المشتري الثمن للبائع. (قوله:
حل له) أي للمشتري أكله، أي الطعام. (قوله: أو بعدها) أي أو أقبضه البائع الطعام بعد توفية الثمن. (قوله: مع علمه)
أي البائع. (قوله: أنه) أي الثمن حرام (قوله: حل أيضا) أي حل أكل المشتري الطعام. (وقوله: أيضا) أي كما حل في
الصورة الأولى. (قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يعلم البائع أن الثمن الذي وفاه المشتري حرام: حرم على المشتري أكل
ذلك الطعام. (وقوله: إلى أن يبرئه) متعلق بمحذوف، أي وتستمر الحرمة إلى أن يبرئه البائع، أي من الثمن. (قوله: أو
يوفيه من حل) أي أو يوفي المشتري البائع ثمنه من حل، أي وبعد ذلك يحل للمشتري أكله. (قوله: وطهره) معطوف
على ملك: أي وشرط طهر المعقود عليه - أي ولو بالاجتهاد، ولو غلبت النجاسة في مثله. وفي ع ش على م ر: قوله:
طهر: ولو حكما، ليدخل نحو أواني الخزف المصحوبة بالسرجين، فإنه يصح بيعها، للعفو عنها، فهي طاهرة حكما.
اه‍. (قوله: أو إمكان طهره بغسل) أي فالشرط الاحد الدائر، وذلك كالثوب المتنجس الذي لم تسد النجاسة فرجه،
وكالآجر المعجون بالنجس. واحترز بقوله بغسل: عما يمكن تطهيره، لكن لا بغسل، بل بالتكثير أو إزالة التغير: كالماء،
أو بالتخليل: كالخمر، أو بالدبغ: كالجلد النجس - فإنه لا يؤثر - فلا يصح بيعه، كما سيصرح به الشارح. (قوله: فلا
يصح بيع نجس إلخ) وذلك لأنه (ص): نهى عن ثمن الكلب، وقال: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير رواهما
الشيخان. والمعنى في المذكورات: نجاسة عينها، فألحق بها باقي نجس العين - وكما لا يصح جعل النجس مبيعا: لا
يصح أيضا جعله ثمنا - إذ الطهر شرط للمعقود عليه مطلقا - ثمنا كان أو مثمنا - ومثله يقال في بقية الشروط، وإن كان
الشارح يقتصر في المفهوم على المثمن، وكان حقه أن يعمم. (قوله: بتخلل) راجع لخمر. (قوله: أو دباغ
) راجع لجلد
ميتة، فهو على اللف والنشر المرتب. (قوله: ولا متنجس إلخ) أي ولا يصح بيع متنجس لا يمكن تطهيره أصلا، أو يمكن
لا بغسل - وذلك كالخل، واللبن، والصبغ، والآجر المعجون بالزبل - إذ هو في معنى نجس العين. ومحل عدم صحة
بيع ما ذكر: إذا كان استقلالا، أما تبعا فيصح، كبيع دار مبنية بآجر مخلوط بسرجين أو طين كذلك، أو أرض مسمدة
بذلك، وكبيع قن عليه وشم - وإن وجبت إزالته، لوقوعه تابعا مع دعاء الحاجة لذلك، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.

13
(قوله: ولو دهنا) أي ولو كان المتنجس دهنا، وهو غاية للرد على من قال بصحة بيعه، بناء على القول الضعيف بإمكان
طهره. (وقوله: تنجس) يورث ركاكة لا تخفى، فالأولى حذفه. (قوله: بل يصح هبته) أي المذكور من النجس
والمتنجس. وفي البجيرمي ما نصه:
(فرع) لو تصدق، أو وهب، أو أوصى بالنجس - كالدهن، والكلب - صح، على معنى نقل اليد. اه‍. سم.
ع ش. (قوله: ورؤيته) معطوف على ملك: أي وشرط رؤيته. (وقوله: أي المعقود عليه) أي ثمنا، أو مثمنا. (قوله: إن
كان معينا) قيد في اشتراط الرؤية، أي تشترط الرؤية إن كان المعقود عليه معينا - أي مشاهدا حاضرا - فهو من المعاينة لا
من التعيين، لأنه صادق بما عين بوصفه، وليس مرادا. فلو كان المعقود عليه غير معين - بأن كان موصوفا في الذمة - لا
تشترط فيه الرؤية، بل الشرط فيه معرفة قدره وصفته. (قوله: فلا يصح بيع معين لم يرده العاقدان) أي لا يصح بيع معين
غائب عن رؤية المتعاقدين أو أحدهما - ولو كان حاضرا في المجلس - وعلم من ذلك امتناع بيع الأعمى وشرائه للمعين -
كسائر تصرفاته - فيوكل في ذلك - حتى في القبض والاقباض - بخلاف ما في الذمة. (قوله: كرهنه وإجارته) أي كما لا
يصح رهن المعين وإجارته من غير رؤية المتعاقدين. (قوله: للغرر المنهي عنه) تعليل لعدم صحة بيع ما ذكر. والغرر:
هو ما انطوت عنا عاقته، أو ما تردد بين أمرين: أغلبهما أو خوفهما. (قوله: وإن بالغ في وصفه) أي لا يصح بيع المعين
من غير رؤية - وإن بالغ كل منهما في وصفه - وذلك لان الملحظ في اشتراط الرؤية: الإحاطة بما لم تحط به
العبارة من
دقيق الأوصاف التي يقصر التعبير عن تحقيقها وإيصالها للذهن، ومن ثم ورد: ليس الخبر كالعيان بكسر العين، ولا
مخالفة بين هذا وبين قوله الآتي: ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك، انعقد بيعا، لأنه بيع
موصوف في الذمة، وذاك بيع عين متميزة موصوفة.
(والحاصل) لو قال بعتك ثوبا قدره كذا، وجنسه كذا، وصفته كذا: صح - ولو كان الثوب حاضرا عنده - وذلك
لأنه إنما اعتمد على الصفات الملتزمة في الذمة. ولو قال بعتك الثوب الذي صفته كذا وكذا، فإنه لا يصح، لان المعين لا
يلتزم.
(قوله: وتكفي الرؤية قبل العقد إلخ) فإن وجده المشتري متغيرا عما رآه عليه تخير، فلو اختلفا في تغيره فالقول
قول المشتري بيمينه وتخير، لان البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به، والأصل عدم ذلك.
وإنما صدق - أي البائع - فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه، لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري، والأصل
عدم وجوده في يد البائع. اه‍. تحفة. (وقوله: فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد) أي في المعقود عليه الذي لا يغلب
تغيره إلى وقت العقد، وهو صادق بما يغلب عدم تغيره - كأرض، وحديد، ونحاس، وآنية - وبما يحتمل التغير وعدمه
سواء - كالحيوان - بخلاف ما يغلب تغيره إلى وقت العقد - كالأطعمة التي يسرع فسادها - فلا تكفي رؤيته قبل العقد، لأنه
لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قبل. (قوله: وتكفي رؤية إلخ).
(إعلم) أن رؤية كل عين على ما يليق - بها فيعتبر في الدار رؤية البيوت، والسقوف، والسطوح، والجدران، والمستحم، والبالوعة. وفي البستان رؤية الأشجار، والجدران، ومسايل الماء. وفي العبد والأمة رؤية ما عدا العورة.
وفي الدابة: رؤية كلها - لا رؤية لسانهم، ولا أسنانهم - وفي الثوب نشره - ليرى الجميع - ورؤية وجهي ما يختلف منه -
كديباج منقش، وبساط - بخلاف ما لا يختلف - ككرباس - فيكفي رؤية أحدهما. وفي الورق البياض. وفي الكتب
والمصحف رؤية جميع الأوراق. وفي متساوي الاجزاء - كالحبوب - رؤية بعضه. وفي نحو الرمان بما له قشر يكون
صوانا لبقائه رؤية قشره. (قوله: بعض المبيع) المناسب لما قبله: بعض المعقود عليه، مبيعا كان، أو ثمنا. (قوله: إن

14
دل) أي البعض المرئي. (وقوله: على باقيه) أي على أن الباقي مثله، وذلك يكون فيما يستوي ظاهره وباطنه - كالحب،
والجوز، والأدقة، والمسك، والتمر العجوة أو الكبيس في نحو قوصرة، والقطن في عدل - فلو رأى الظاهر، ثم خالفه
الباطن، تخير. (قوله: كظاهر صبرة) تمثيل للبعض الذي تكفي رؤيته، ولا فرق في الصبرة بين أن يكون كلها مبيعا أو
بعضها.
وفي سم ما نصه:
(فرع) سئل شيخنا الشهاب الرملي عن بيع السكر في قدوره: هل يصح، ويكتفي برؤية أعلاه من رؤوس القدور؟
فأجاب بأنه إن كان بقاؤه في القدور من مصالحه: صج، وكفى رؤية أعلاه من رؤوس القدور، وإلا فلا. اه‍. ولعل وجه
ذلك: أن رؤية أعلاه لا تدل على باقيه، لكنه اكتفى بها إذا كان بقاؤه في القدور من مصالحه للضرورة. اه‍.
(قوله: وأعلى المائع) عطف على ظاهر صبرة، أي وكأعلى المائع، أي فإن رؤيته في ظرفه كافية. (قوله: ومثل
إلخ) هو بالرفع، عطف على محل كظاهر، الواقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كظاهر، وذلك مثل إلخ،
ويصح جعل الكاف اسما بمعنى مثل، وعليه: يصير العطف عليها فقط. (وقوله: أنموذج) مضاف إلى ما بعده إضافة
على معنى من - وهو بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة - المسمى بالعينة، وذلك بأن يأخذ البائع قدرا من البر مثلا،
ويريه للمشتري. ولا بد من إدخاله في البيع بصيغة تشمل الجميع - بأن يقول: بعتك البر الذي عندي مع الأنموذج، وإلا
فلا يصح البيع. (قوله: كالحبوب) تمثيل لمتساوي الاجزاء. (قوله: أو لم يدل) أي ذلك البعض المرئي، وهو معطوف
على قوله إن دل. (وقوله: بل كان) أي ذلك البعض المرئي. والأولى: لكن كان - بأداة الاستدارك، بدل أداة الاضراب،
كما هو ظاهر -. (وقوله: صوانا) بضم الصاد وكسرها، أي حفظا. (وقوله: للباقي) أي الذي لم ير، وهو متعلق بصوانا.
(قوله: لبقائه) اللام للتعليل، متعلقة بصوانا أيضا. فاختلف المتعلقان، لان الأول للتعدية، والثاني للعلة، أي صوانا
للباقي لأجل بقائه، بحيث إذا فارقه ذلك الصوان لا يبقى، بل يتلف. (قوله: كقشر رمان إلخ) تمثيل لبعض المبيع الذي
لم يدل، لكن كان صوانا للباقي. (وقوله: وبيض) أي وقشر بيض. (قوله: وقشرة سفلى) وهي التي تكسر حالة الاكل.
وخرج بالسفلى: العليا، فلا يكفي رؤيتها - كما سيصرح به -. (قوله: فيكفي رؤيته) أي المذكور من قشر الرمان، وما
بعده. (قوله: لان صلاح الخ) عله للاكتفاء برؤية ما ذكر. (وقوله: باطنه) أي ما ذكر من الرمان، والبيض، ونحو الجوز.
(وقوله: في إبقائه) أي القشر. (قوله: وإن لم يدل هو) أي القسر. (وقوله: عليه) أي الباطن. وهذا ليس غاية، بل الواو
للحال. وإن زائدة. (قوله: ولا يكفي رؤية القشرة العليا) أي لأنها ليست من مصالح ما في باطنه. (وقوله: إذا انعقدت
السفلى) احترز به عما إذا لم تنعقد، فإنه يكفي حينئذ رؤية العليا. (قوله: ويشترط أيضا قدرة تسليمه) أي قدرة كل من
العاقدين على تسليم ما بذله للآخر - المثمن بالنسبة للبائع، والثمن بالنسبة للمشتري. وعبر
بالتسليم - مع أن العبرة بالتسلم - تبعا للنووي في منهاجه. وقال في التحفة والنهاية: واقتصر المصنف عليه - أي القدرة - على التسليم، لأنه
محل وفاق، وسيذكر محل الخلاف - وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده. اه‍.
(والحاصل) أنه متى كان البائع قادرا على تسليم المبيع للمشتري، وهو قادر على تسلمه، وكان المشتري قادرا
على تسليم الثمن للبائع، وهو قادر على تسلمه، صح البيع - اتفاقا - فإن وجدت القدرة على التسلم من العاقدين: صح -
على الصحيح.

15
(قوله: فلا يصح بيع آبق وضال) مثل البيع: الشراء به - فلا يصح دفع عبد آبق أو ضال ثمنا لغير قادر على انتزاعه -
كما علمت. (قوله: لغير قادر على انتزاعه) أي أخذه من المحل الذي أبق إليه أو ضل فيه، أو من الغاصب الذي غصبه.
(قوله: وكذا سمك بركة) أي وكذلك لا يصح بيع سمك بركة لغير قادر على أخذه. ومثل البيع: الشراء به، بأن يدفع ثمنا
- كما علمت - (وقوله: شق تحصيله) أي السمك على المشتري، أي أو على البائع في الصورة التي زدناها. (قوله:
مهمة) أي في بيان حكم من تصرف في مال غيره ظاهرا ثم تبين أنه له. ولا يقال إن هذا قد ذكره بقوله: ويصح بيع مال
غيره ظاهر إلخ، لأنا نقول ذاك خاص في التصرف بالبيع، وما هنا في مطلق التصرف. نعم، كان الأولى
والاخصر أن
يقتصر على هذا، لأنه شامل للبيع ولغيره، أو يقتصر على ذاك، ولكن يعمم فيه. فتنبه. (قوله: من تصرف في مال غير)
المراد بالمال: ما يشمل المنفعة، وإلا لما صح - قوله فيما يأتي: وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج. (قوله: أو غيره) أي
البيع، كالهبة، والعتق، والوقف. (قوله: ظانا تعديه) أي حال كونه معتقدا أنه متعد في تصرفه. والظاهر أن هذا ليس
بقيد، بل مثله ما إذا اعتقد أنه ليس متعديا، كأن كان يعتقد أن التصرف في مال مورثه في حياته جائز. (قوله: فبان) أي
ظهر بعد التصرف. (وقوله: أن له) أي المتصرف. (وقوله: عليه) أي المتصرف فيه. (وقوله: ولاية) أي سلطنة بملك،
أو وكالة، أو إذن - كما مر - (قوله: كأن كان) أي المتصرف فيه. (وقوله: فبان موته) أي فتبين بعد التصرف فيه موت من له
الولاية قبيل التصرف. (قوله: أو مال أجنبي) معطوف على مال مورثه، أي وكأن كان المال الذي تصرف فيه مال أجنبي -
أي أو مال مورثه - فكونه أجنبيا ليس يقيد - كما هو ظاهر -. (قوله: فبان إذنه له) أي فتبين بعد التصرف أن ذلك الأجنبي
إذن له في التصرف قبله. (قوله: أو ظانا فقد إلخ) ظاهره أنه معطوف على ظانا تعديه، والمعنى: أو تصرف في مال غيره
ظانا فقد شرط من شروط التصرف. وفيه أن هذا ليس مرادا، بل المراد أنه تصرف في مال نفسه ظانا فقد شرط من شروط
صحة التصرف، فتبين أنه لم يفقد شرط من ذلك. ولو قال: أو باع ماله ظانا فقد شرط إلخ - لكان أولى - فتنبه. (قوله:
فبان مستوفيا للشروط) أي فتبين أن تصرفه مستوف لشروط التصرف. (قوله: صح تصرفه) جواب من. (قوله: لان العبرة
في العقود إلخ) تعليل للصحة. (وقوله: بما في نفس الامر) أي بما هو مطابق للواقع. وإنما كانت العبرة في العقود به،
لعدم احتياجها للنية، فانتفى التلاعب. وبفرضه لا يضر لصحة نحو بيع الهازل - كذا في النهاية، والتحفة -. (قوله: وفي
العبادات إلخ) أي ولان العبرة في العبادات بما في نفس الامر، وبما في ظن المكلف. وهذا يفيد أن العبرة في العبادات
بمجموع الامرين: ما في نفس الامر وما في ظن المكلف. وصورته الآتية: وهي أنه لو توضأ إلخ، مع علتها، وهي قوله
لان المدار الخ تفيد أن العبرة بالثاني فقط، وهذا خلف، ولا يصح أن يقال إن الواو في قوله وبما في ظن المكلف، بمعنى
أو، لان ذلك يقتضي أن ما في نفس الامر كاف وحده في العبادات، وليس كذلك. فتأمل. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل
أن العبرة في العبادات بما ذكر: لو توضأ إلخ. (قوله: أنه مطلق) أي أن ما توضأ به ماء مطلق. (وقوله: وإن بان) أي ما
توضأ به. (وقوله: مطلقا) أي ماء مطلقا. (قوله: لان المدار إلخ) لا حاجة إلى هذه العلة بعد قوله ومن ثم إلخ.
(والحاصل) عبارته لا تخلو عن النظر. (قوله: وشمل قولنا ببيع أو غيره) الأولى إسقاط لفظ ببيع - كما هو ظاهر -.

16
(قوله: وغيرهما) أي كالهبة، والوقف والعتق -. (قوله: فلو أبرأ) أي الفضولي. (قوله: من حق) أي في ذمة الغير.
(قوله: صح) أي الابراء. (قوله: ولو تصرف في إنكاح) المناسب أن يقول: ولو أنكح، لأنه لا معنى للتصرف في
الانكاح. (قوله: وشرط في بيع ربوي إلخ) شروع في بيان ما يعتبر في بيع الربوي، زيادة على ما مر من الشروط.
وحاصل ذلك أن العوضين إن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط، أو علة - وهي الطعم، والنقدية - اشترط شرطان،
وإلا كبيع طعام بنقد أو ثوب، أو حيوان بحيوان، لم يشترط شئ من تلك الثلاثة.
(قوله: شرط في بيع الربوي وهو) أي الربوي محصور في شيئين فيه حصر الشئ في نفسه، إذ هو عينهما، وهو لا يصح. ويمكن
عود الضمير على الربا المفهوم من الربوي، فيكون هو المحصور فيهما. وعليه، فلا إشكال. (قوله:
مطعوم) أي ما قصد للطعم تقوتا أو تفكها أو تداويا، وذلك لأنه في الخبر الآتي نص على البر والشعير، والمقصود منهما
التقوت، وألحق بهما، ما في معناهما - كالفول، والأرز، والذرة - وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم، فألحق به ما
في معناه - كالزبيب، والتين - وعلى الملح، والمقصود منه الاصلاح، فألحق به ما في معناه من الأدوية - كالسقمونيا،
والزعفران -. ومن المطعوم: الماء، فهو ربوي، وتسميته طعاما جاءت في الكتاب والسنة - قال تعالى: * (ومن لم يطعمه
فإنه مني) * (1). (قوله: كالبر إلخ) تمثيل للمطعوم. (قوله: والفول) أي والترمس، لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء. قال ابن
القاسم: وأظن أنه يتداوي به. (قوله: ونقد) قال في التحفة: وعلة الربا فيه جوهرية الثمن، فلا ربا في
الفلوس - وإن
راجت -. اه‍. (قوله: بجنسه) متعلق ببيع، والضمير يعود للمذكور من المطعوم والنقد - (قوله: حلول) نائب فاعل
شرط، أي شرط حلول للعوضين، وذلك لاشتراط المقابضة في الخبر ومن لازمها الحلول غالبا، فمتى اقترن بأحدهما
تأجيل - ولو لحظة - فحل وهما في المجلس: لم يصح. اه‍. تحفة. (قوله: وتقابض) معطوف على حلول، والمراد
القبض الحقيقي، فلا يكفي نحو حوالة، وإن حصل معها قبض في المجلس. (وقوله: قبل تفرق) قال سم: شامل
للتفرق، سهوا أو جهلا. اه‍. (قوله: ولو تقابضا) أي البائع والمشتري. (وقوله: البعض) أي هذا أعطى بعض المبيع،
والآخر أعطى بعض الثمن. (قوله: صح فيه فقط) أي صح البيع في ذلك البعض الذي قبض فقط دون ما لم يقبض،
وهذا مبني على الأصح من قولي تفريق الصفقة - كما سيأتي - (قوله: ومماثلة) معطوف على حلول أيضا، أي وشرط
مماثلة بين العوضين - أي مساواة بينهما في القدر، من غير زيادة - ولو حبة - ولو من غير جنسهما، كاشتمال أحد الدينارين
على فضة. (قوله: يقينا) أي بأن يعلم بالمماثلة كل من المتعاقدين حال العقد. (قوله: بكيل إلخ) متعلق بمحذوف، أي
وتعتبر المماثلة بكيل في المكيل - وإن تفاوت في الوزن - وبوزن في الموزون - وإن تفاوت في الكيل - والعبرة بغالب
عادة الحجاز في زمنه (ص)، إلا فبعادة أهل البلد، فيما هو كالتمر فأقل، وإلا بأن كان أكبر جرما من التمر، فالعبرة فيه
بالوزن، ولا تعتبر المماثلة إلا حال الكمال، فتعتبر في الثمار والحبوب بعد الجفاف والتنقية، فلا يباع رطب منها برطب من جنسه، ولا بجاف منه - إلا في مسألة العرايا - وستأتي. ولا تعتبر مماثلة الدقيق والسويق، والخبز، وكذا ما أثرت فيه



(1) سورة البقرة الآية: 249.
17
النار بالطبخ أو القلي أو الشئ، بخلاف تأثير التمييز، كالعسل، والسمن، وإنما تعتبر في الحبوب حبا، وفي السمسم حبا
أو دهنا، وفي العنب والرطب زبيبا، أو تمرا، أو عصيرا، أو خلا.
(تنبيه) يؤخذ من اعتبار المماثلة بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون - أنه لا عبرة بالقيمة رأسا. فلو بيع مد
تمر برني بمد صيحاني: صح ذلك - ولو تفاوتا في القيمة - ومحله في غير بعض صور القاعدة المسماة بقاعدة مد عجوة
ودرهم، فإنه يعتبر في ذلك البعض المماثلة في القيمة أيضا.
والمؤلف لم يتعرض لهذه القاعدة رأسا، ولنتعرض لها حتى تعرف ذلك البعض المعتبر فيه ما ذكر، وتكميلا
للفائدة، واقتداء بمن سلف، فنقول: ضابط هذه القاعدة أن يجمع عقد واحد جنسا ربويا في الجانبين - أي المبيع
والثمن - متحدا فيهما مقصودا - أي ليس تابعا لغيره - وأن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة، سواء حصل التعدد
المذكور في الثمن أم لا. ومعنى تعدده: أن ينضم إلى ذلك الجنس الربوي جنس آخر، ولو غير ربوي.
فالقيود المشتمل عليها هذا الضابط: ستة. القيد الأول: أن يكون العقد واحدا، ومعنى وحدته: عدم تفصيله، بأن
لا يقابل المد بالمد، والدرهم بالدرهم مثلا، وخرج به ما لو فصل، كأن قال: بعتك هذا بهذا، وهذا بهذا. القيد الثاني:
أن يكون الجنس ربويا، وخرج به ما لو كان غير ربوي، كثوب وسيف بثوبين. القيد الثالث: أن يكون ذلك الجنس
الربوي في الجانبين، وخرج به، ما لو كان في أحدهما فقط، كثوب ودرهم بثوبين. القيد الرابع: أن يكون الجنس
الكائن فيهما واحدا، وخرج به ما لم يكن واحدا، بأن يكون المشتمل عليه المبيع ليس مشتملا عليه الثمن والكل ربوي
كصاع بر وصاع شعير بصاعي تمر. القيد الخامس: أن يكون مقصودا بالعقد، وخرج به ما إذا كان تابعا لمقصود بالعقد،
كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها. القيد السادس: أن يتعدد المبيع، وخرج به، ما إذا لم يتعدد - كبيع دينار بدينار - وهذه
المخرجات ليست من القاعدة المذكورة، فهي صحيحة.
وبقي من القيود: التمييز - أي عدم الخلط - ولكن هذا في خصوص صور الجنس وصور النوع، إذ لا يتأتى التوزيع
المبني عليه القاعدة المذكورة إلا حينئذ. وخرج به: ما إذا لم يتميزا - بأن خلط الجنسان أو النوعان - وبيعا بمثلهما أو
بأحدهما خالصا، فإنه لا يضر. وليس من القاعدة المذكورة بشرط أن يكون المخلوط به بالنسبة للجنس شيئا يسيرا،
بحيث لا يقصد إخراجه ليستعمل وحده. وأما بالنسبة للنوع، فلا فرق بين اليسير والكثير - كما هو مقتضى كلام
الشيخين - وقال سم: قال شيخنا الشهاب الرملي: إنه الصحيح اه‍. وجزم به الخطيب في مغنيه. وخرج باليسير في
الجنس الكثير، فيضر، وتصير المسألة من القاعدة المذكورة.
والفرق بين الجنس - حيث قيد الخليط فيه باليسير - وبين النوع - حيث أطلق الخليط فيه - أن الخليط إذا كثر في
الجنس: لم تتحقق المماثلة، بخلاف النوع. وبقي منها أيضا: أن لا يكون الجنس الربوي ضمنيا في الجانبين، بأن كان
ظاهرا في كل منهما، أو ظاهرا في أحدهما ضمنا في الآخر، كبيع سمسم بدهنه. وخرج به: ما لو كان ضمنيا فيهما
- كبيع سمسم بسمسم - فإنه لا يضر. وليس من القاعدة المذكورة.
(واعلم) أن هذه القاعدة باطلة بجميع صورها، ما عدا ثلاث صور منها - كما ستعرفه - وسبب البطلان: أن العقد
مشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين، وهو يوجب توزيع الطرف الآخر عليهما بالقيمة، والتوزيع يقتضي تحقق المفاضلة أو الجهل بالمماثلة.
ولنبين لك تلك الصور: ليتميز لك الباطل من الصحيح - الذي هو السبب في إيرادي لهذه القاعدة هنا - فنقول: قد
علمت مما مر أنه لا بد أن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة - تعدد الثمن كذلك أم لا - فهذه الثلاثة - أعني الجنس،
والنوع، والصفة - يرتقي كل واحد منها إلى تسع - باعتبار أن الشيئين المشتمل عليهما المبيع لا فرق بين أن يوجدا في
الثمن، أو يوجد أحدهما فقط، لكن كان الموجود فيه ربويا، وباعتبار أن الجنس الربوي المنضم إليه شئ آخر: قيمته

18
أزيد من ذلك الشئ الآخر، أو أنقص، أو مساوية. فحاصل تلك الصور: سبع وعشرون صورة - ففي تعدد جنس المبيع
تسع صور - لأنه إما بيع مد ودرهم بمثلهما، أو بمدين، أو درهمين - وفي كل إما أن أن يكون المد الذي مع الدرهم أعلى
منه قيمة، أو أنقص، أو مساويا - فهذه تسع صور: من ضرب ثلاثة في ثلاثة. ومثلها: في اختلاف النوع - كأن بيع مد
عجوة برني ومد صيحاني بمثلهما، أو بمدين صيحانيين، أو بمدين برنيين، وقيمة البرني مساوية لقيمة الصيحاني، أو
أنقص، أو أزيد - فهذه تسع أيضا من ضرب ثلاثة في ثلاثة. ومثلها في اختلاف الصفة: كأن بيع دينار صحيح ودينار
مكسر بمثلهما، أو بصحيحين أو مكسرين - فهذه تسع أيضا: من ضرب ثلاثة في ثلاثة - فالجملة سبع وعشرون صورة.
وتتحقق المفاضلة في ثمانية عشرة صورة، وتجهل المماثلة في تسع، وكلها باطلة إلا ثلاثا من صور اختلاف
الصفة، وهي: ما لو بيع صحيح ومكسر بمثلهما، أو بصحيحين، أو مكسرين. وقيمة الصحيح في الثلاث، مساوية لقيمة
المكسر. وإنما نظروا لتساوي القيمة في الصفة، ولم ينظروا له في الجنس والنوع، لغلبة الاتحاد فيها دون
الجنس
والنوع، لوجود الوزن معها، وهو لا يخطئ إلا نادرا، بخلاف الكيل الموجود معهما.
ولنمثل لك لبعض صور الجنس، ولبعض صور النوع، ولبعض صور الصفة، لتعرف تحقق المفاضلة، أو الجهل
بالمماثلة، ونقيس الباقي عليها، فنقول: بالنسبة للأول - أعني الجنس - لو باع مد عجوة ودرهما بمدين: نظر - فإن كانت
قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر من درهم - كأن تكون قيمته درهمين - كان ذلك المد بالنسبة لقيمته ثلثي الطرف الذي هو
فيه، وذلك لان الدرهمين إذا ضممتهما إلى الدرهم، يكون مجموعها ثلاثة، والدرهمان ثلثاها، فإذا وزعت الثمن - الذي
هو المدان - على المد والدرهم، يكون ثلثا المدين في مقابلة المد، والثلث الباقي منهما في مقابلة الدرهم. ولا شك أن
ثلثي المدين، أكثر من المد - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة المد أقل من الدرهم المنضم معه - كأن تكون نصف
درهم - فيكون المد ثلث الطرف الذي هو فيه بالنسبة للقيمة، فإذا وزعت الثمن المذكور عليهما يكون ثلث المدين في
مقابلة المد. ولا شك أن ثلثهما أنقص منه، فتحققت المفاضلة. وإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم مساوية له، لزم
الجهل بالمماثلة لأنها تستند إلى التقويم، وهو تخمين قد يخطئ وقد يصيب.
وقس على ما ذكر بقية صور الجنس، وهي: بيع مد ودرهم بمد ودرهم أو بدرهمين، وكانت قيمة المد أكثر، أو
أنقص، أو مساوية - وبالنسبة للثاني - أعني النوع - لو باع مدا صيحانيا، ومدا برنيا بمثلهما: نظر أيضا - فإن كانت قيمة
المد الصيحاني أعلى - كدرهمين - وقيمة المد البرني درهما: كان المد الصيحاني ثلثي الطرف الذي هو فيه فيقابله عند
التوزيع ثلثا المدين - الصيحاني، والبرني - وهو مد وثلث، فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث، فتحققت المفاضلة. وإن
كانت قيمة المد الصيحاني أقل من قيمة المد الرني - كأن تكون قيمته نصف درهم: كان المد الصيحاني ثلث الطرف
الذي هو فيه، فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر - الذي هو الثمن - ولا شك أن ثلثهما أنقص من مد - فتحققت
المفاضلة. وإن كانت قيمة المد الصيحاني مساوية لقيمة المد البرني: لزم الجهل بالمماثلة، إذ هي تستند إلى التقويم،
وهو تخمين - كما مر -.
وقس على ما ذكر بقية صور النوع، وهي: بيع مد صيحاني ومد برني بصيحانيين أو ببرنيين وكانت قيمة الصيحاني
أكثر، أو أقل أو مساوية. وبالنسبة للثالث - أعني الصفة - لو باع درهما صحيحا ومكسرا بدرهم صحيح ومكسر: نظر
أيضا - فإن كانت قيمة الصحيح أعلى من قيمة المكسر - كأن تكون درهمين - كان الصحيح ثلثي الطرف الذي هو فيه،
فيقابله ثلثان من الطرف الآخر - وهو درهم وثلث - فيصير كأنه قابل درهما بدرهم وثلث، فتحققت المفاضلة. وإن كانت
قيمة الصحيح أقل - كأن يكون نصف درهم - كان ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث الدرهمين من الطرف الآخر -
ولا شك أن ثلث الدرهمين أنقص من درهم كامل - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة الصحيح مساوية لقيمة المكسر:
لزم الجهل بالمماثلة - بناء على التقويم المار - إلا أنهم اغتفروا في الصلة: لتساويهما في الوزن وفي القيمة.

19
وقس على ذلك بقية صور الصفة، وهي: ما لو باع درهما صحيحا، ودرهما مكسرا بصحيحين، أو مكسرين،
وكانت قيمة الصحيح أعلى، أو أقل، أو مساوية. وفي صور التساوي ما علمت من الصحة.
قال في التحفة: وليتفطن هنا لدقيقة يغفل عنها، وهي أنه يبطل - كما عرف مما تقرر - بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة
بمثله أو بأحدهما، ولو خالصا - وإن قل الخليط - لأنه يؤثر في الوزن مطلقا. فإن فرض عدم تأثيره فيه، ولم يظهر به
تفاوت في القيمة: صح البيع. اه‍. ومثله بيع فضة مغشوشة بمثلها أو بخالصة، فلا يصح. فإن فرض أن الغش قدر لا
يظهر في الوزن: صح البيع. ومنه يؤخذ امتناع بيع الفضة بالفضة المتعامل بها الآن، لاشتمالها على النحاس المؤثر في
الوزن. ويؤخذ أيضا منه بطلان ما عمت به البلوى من دفع دينار مغربي مثلا وعليه تمام ما يبلغ به دينارا جديدا من فضة أو
فلوس وأخذ دينار جديد بدله. ولهذا قال بعضهم: لو قال لصيرفي: اصرف لي بنصف هذا الدرهم فضة، وبالنصف
الآخر فلوسا: جاز، لأنه جعل نصفا في مقابلة الفضة، ونصفا في مقابلة الفلوس بخلاف ما لو قال: اصرف لي بهذا
الدرهم نصف فضة، ونصف فلوس: لا يجوز، لأنه إذا قسط عليهما ذلك: احتمل التفاضل، وكان من صور مد عجوة
ودرهم. اه‍.
(قوله: وذلك إلخ) أي ما ذكر: من اشتراط الشروط الثلاثة في بيع الربوي بجنسه: ثابت، لقوله (ص) إلخ. (وقوله:
" لا تبيعوا الذهب " إلخ) ذكر في الحديث ستة أشياء، اثنين من النقد، وأربعة من المطعومات. والاولان لا يقاس عليهما
- لعدم تعدي علتهما - كما سيأتي. والأربعة الأخيرة يقاس عليها ما وجد علتها فيه، وهي تنقسم - من حيث العلة - ثلاثة
أقسام، لان البر والشعير مطعومان، والتمر متأدم به، والملح مصلح. (وقوله: ولا الورق) بكسر الراء، الفضة. (وقوله:
إلا سواء بسواء) سواء الأول: حال، والثاني مع جاره متعلق بمحذوف صفة. أي سواء مقابلا بسواء، أي لا تبيعوا ذلك إلا
حال كونهما متساويين. ومثله يقال فيما بعده. (قوله: عينا بعين) أي حالين. (وقوله: يدا بيد) أي متقابضين قبضا حقيقيا
قبل التفرق من المجلس. (قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي الربوية واتحدت علة الربا - كبر بشعير - والدليل على
هذا القيد: الاجماع. وخرج بذلك، ما لو باع برا بنقد، فلا يشترط التقابض والحلول، لعدم اتحاد العلة - إذ هي في
الأول، الطعمية، وفي الثاني النقدية. (وقوله: فبيعوا كيف شئتم) أي إذا أردتم بيع شئ منها بآخر فبيعوا كيف شئتم. أي
متماثلا، ومتفاوتا. (قوله: إذا كان يدا بيد) كان: تامة، وفاعلها ضمير مستتر، يعود على البيع. ويدا بيد: حال من
الضمير المستتر. أي إذا وجد بيع الأصناف المختلفة حال كونه يدا بيد، أي مقابضة. (قوله: ومن لازمه) أي التقابض،
الحلول: أي فوجد شرطا بيع الربوي بغير جنسه، وهما: التقابض والحلول. (وقوله: أي غالبا) أي أن كون لازم
التقابض الحلول، باعتبار الغالب، ومن غير الغالب: قد يحصل التقابض قبل التفرق، مع كون العقد مشروطا فيه تأجيل
أحد العوضين إلى لحظة مثلا. (قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) محترز كون المماثلة يقينا. وقوله جزافا - بتثليث الجيم -
وهو ما لم يقدر بكيل ولا وزن - كبيع صبرة من بر بصبرة من جنسها، فإن ذلك لا يصح. (قوله: أو مع ظن مماثلة) يغني
عنه قوله جزافا، إذ هو صادق بظن المماثلة، وهو ساقط من عبارة التحفة وفتح الجواد وغيرهما، فالأولى إسقاطه. (قوله:
وإن خرجتا سواء) المناسب: وإن خرجا - بإسقاط التاء - إذ ألف التثنية تعود على مذكر، وهو الربوي ومقابله من غير
جنسه. وهو غاية للبطلان، أي يبطل بيع ما ذكر جزافا، وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة العقد. (قوله: وشرط في
بيع أحدهما) أي المطعوم والنقد. (وقوله: بغير جنسه) متعلق ببيع. (قوله: واتحد) أي ذلك الاحد ومقابله. (قوله: في
علة الربا) هي الطعم والنقدية - كما تقدم -. (قوله: كبر بشعير وذهب بفضة) الأول: مثال لبيع المطعوم بغير جنسه مع

20
الاتحاد في العلة. والثاني: لبيع النقد بغير جنسه مع الاتحاد في ذلك. (قوله: حلول إلخ) نائب فاعل شرط. (قوله: قبل
تفرق) أي من مجلس العقد، والظرف تنازعه كل من حلول وتقابض. (قوله: لا مماثلة) أي لا يشترط مماثلة، لقوله في
الحديث المار: فبيعوا كيف شئتم. (قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) مفرع على مفهوم الشرط الثاني. وقوله إلى لم
يقبضها: أي أو لم يكونا حالين. وكان عليه أن يصرح به لأنه مفهوم الشرط الأول. (قوله: بل يحرم) إضراب انتقالي، لا
إبطالي. والمناسب: عدم الاضراب، وإبدال بل بواو الاستئناف. وقوله في الصورتين: هما بيع الربوي بجنسه، وبيعه
بغير جنسه. وكان المناسب أن يقول: في ذلك كله. (قوله: واتفقوا على أنه من الكبائر) أي أن البيع في الصورتين
المختل فيهما شرط من الشروط السابقة: من الكبائر، بل من أكبر الكبائر - كما في التحفة - وذلك لأنه ربا، وقد لعن
رسول الله (ص) آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه.
قيل: ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب: غير آكله. قال تعالى: * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله
ورسوله) * (1) ومن ثم قيل: إنه علامة على سوء الخاتمة - كإيذاء أولياء الله تعالى -.
قال في الايعاب: ولقد وقع لي أني رجعت من مصر إلى بلدنا لصلة الرحم في حدود الثلاثين وتسعمائة، فكنت في
عشر رمضان الأخير أزور قبر والدي كل يوم بعد الصبح، ففي يوم أنا جالس أقرأ على قبره، وإذا بصوت فزع يأتيني من
بعد، فتبعته إلى أن رأيته خارجا من قبر مبني مجصص، وهو يقول: آه آه - مفسرة - فوقفت ساعة، ثم رجعت، فسألت
عن صاحب ذلك القبر، فقيل لي: فلان - لرجل أعرفه، صاحب ثروة، كان لا يفارق المسجد، ولا يتكلم
بسوء قط - فزاد
العجب فيه، ثم بالغت في السؤال عنه، فقيل: إنه كان يأكل الربا. اه‍. قال في النهاية: وظاهر الاخبار هنا أنه أعظم إثما
من الزنا والسرقة وشرب الخمر. لكن أفتى الوالد بخلافه، وتحريمه تعبدي. وما أبدي له - أي من كونه يؤدي للتضييق
ونحوه - إنما يصلح حكمة، لا علة. اه‍. بزيادة.
(قوله: لآكل الربا) هو متناولة بأي وجه كان، واعترض بأنه إن أراد بالربا المعنى اللغوي - وهو الزيادة - فلا يصح،
لقصوره على ربا الفضل. وأيضا يقتضي أن اللعن على آكل الزيادة فقط، دون باقي العوض. وإن أريد بالربا العقد، فغير
ظاهر، لأنه لا معنى لاكل العقد وأجيب باختيار الثاني، وهو على تقدير مضاف، والتقدير: آكل متعلق الربا، وهو
العوض. اه‍. بجيرمي. (قوله: وموكله) هو الدافع للزيادة. (قوله: وكاتبه) أي الذي يكتب الوثيقة بين المرابين،
وأسقط من الحديث: الشاهد، وكان عليه أن يصرح به. (قوله: وعلم بما تقرر) أي من أنه يشترط لبيع الربوي بجنسه،
أو بغيره مع الاتحاد في العلة، ما مر من الشروط. (وقوله: أنه لو بيع طعام إلخ) أي لو بيع ربوي بغير جنسه ولم يتحدا في
العلة - كبيع طعام بنقد، أو بثوب، أو بيع عروض بنقد، أو غير ذلك - لم يشترط شئ من هذه الثلاثة، أي التماثل،
والحلول، والتقابض. (قوله: وشرط في بيع إلخ) لما أنهى الكلام على بيع الأعيان، شرع في بيع الذمم. والأصل فيه:
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * (2) الآية - نزلت في السلم -. وخبر
الصحيحين. من أسلف في شئ، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. (وقوله: موصوف) صفة
لمحذوف، أي شئ موصوف بما يبين قدره وجنسه وصفته. (وقوله: في الذمة) متعلق بمحذوف صفة ثانية لذلك



(1) سورة البقرة، الآية: 279.
(2) سورة البقرة، الآية: 282.
21
المحذوف، أي ملتزم في الذمة، ويصح تعلقه ببيع. وكون البيع في الذمة - باعتبار كون المبيع ملتزما فيه -. والذمة لغة:
العهد، والأمان. وشرعا: معنى قائم بالذات، يصلح للالزام من جهة الشارع، والالتزام من جهة المكلف. (قوله:
ويقال له السلم) أي يطلق على البيع في الذمة السلم اتفاقا، وإن كان بلفظ السلم، فإن كان بلفظ البيع، فقيل إنه
بيع،
ولا تجري عليه أحكام السلم، من اشتراط قبض رأس المال في المجلس، وعم صحة الحوالة به وعليه، وقيل إنه سلم،
وعليه تجري فيه أحكامه المذكورة. وأركان السلم خمسة: مسلم، ومسلم إليه، ومسلم فيه، ورأس مال، وصيغة.
(قوله: مع الشروط) متعلق بشرط، أي شرط قبض إلخ مع اشتراط الشروط السابقة في بيع المعين، ما عدا الرؤية من
كون المعقود عليه ملكا للعاقد، وطاهرا ومقدورا على تسلمه. أما الرؤية فليست شرطا فيه، لأنه إنما تشترط في بيع
المعين فقط، وهذا في الذمة. (قوله: قبض رأس مال) هو شرط لدوام الصحة، ويشترط لأصلها حلوله - كما في
المنهج - ولا يغني القبض عنه، لأنه قد يكون مؤجلا ويقبض في المجلس، وهو لا يصح. وإنما عبر بالقبض دون التسليم -
الذي عبر به في المنهاج - لان المعتمد جواز استقلال المسلم إليه بقبض رأس المال. (وقوله: معين) كأسلمت إليك
هذا الدينار (وقوله: أو في الذمة) كأسلمت إليك دينارا، وإن لم يقل في ذمتي - كما يقع الآن. (والحاصل) رأس المال
تارة يكون معينا، وتارة يكون في الذمة - بخلاف المسلم فيه، فإنه لا يكون إلا دينا - أي في الذمة - كما سيذكره.
(قوله: في مجلس خيار) متعلق بقبض. (قوله: وهو) أي مجلس الخيار كائن قبل تفرق، أي أو قبل تخاير، لان
اختيار اللزوم كالتفرق - كما سيأتي في الخيار - ولو اختلفا، فقال المسلم قبضته بعد التفرق، وقال المسلم إليه قبله، أو
بالعكس، ولا بينة لكل، صدق مدعي الصحة. (قوله: من مجلس العقد) متعلق بتفرق، والأولى إسقاطه، لأنه لو قاما منه
وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق: صح. (قوله: ولو كان إلخ) غاية في اشتراط قبض رأس المال قبل ذلك،
أي يشترط قبضة قبل ذلك، ولو كان منفعة، كأسلمت إليك منفعة داري، أو حيواني في كذا وكذا. (قوله: وإنما يتصور
تسليم المنفعة بتسليم العين) أي لان ذلك هو الممكن في قبض المنفعة، فلم يتصور فيها القبض الحقيقي. قال سم: فلو
تلفت العين قبل فراغ المدة: ينبغي انفساخ السلم فيما يقابل الباقي، لتبين عدم حصول القبض فيه، كما لو تلفت الدار
المؤجرة. اه‍. (قوله: كدار وحيوان) تمثيل للعين التي أسلم منفعتها. (قوله: ولمسلم إليه قبضه) أي رأس المال، أي
له أن يستقل به من غير أن يقبضه المسلم إياه. (قوله: ورده لمسلم إلخ) أي وله رد رأس المال للمسلم، ولو عن الدين
الذي عليه له. وعبارة التحفة: ولو رده إليه قرضا أو عن دين، فقد تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما. والمعتمد: جوازه،
لان تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك. اه‍. (قوله: وكون مسلم إلخ) معطوف على قبض رأس
مال، أي وشرط كون الشئ المسلم فيه دينا. قال في المغني: (فإن قيل) الدينية داخلة في حقيقة السلم، فكيف يصح
جعلها شرطا، لان الشرط خارج عن المشروط؟ (أجيب) بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط: ما لا بد منه، فيتناول حينئذ جزء
الشئ. اه‍. (قوله: في الذمة) أي ذمة المسلم إليه، وهذا بيان للمراد من كونه دينا، ولو زاد أي التفسيرية، لكان أولى.
وعبارة ش ق: والمراد بالدين: ما كان في الذمة - كما يستفاد ذلك من التعريف السابق - فلا يشترط فيه الاجل. اه‍.
(قوله: حالا كان) أي المسلم فيه، أو مؤجلا. والمراد أن يصرح بالحلول أو بالأجل. (قوله: لأنه) أي الدين هو الذي
وضع له لفظ السلم، إذ هو بيع موصوف في الذمة. وما ذكر تعليل لاشتراط كون المسلم فيه دينا. (قوله: فأسلمت إلخ)
مفرع على مفهوم اشتراط ما ذكر، أي فلو لم يكن المسلم فيه دينا - بأن كان معينا - فليس بسلم. وقوله في هذا العين: هو
المسلم فيه. وقوله أو هذا: أي أو أسلمت إليك هذا الدينار مثلا في هذا - أي الثوب مثلا - كرر المثال إشارة إلى أن رأس

22
المال لا يضر تعينه - كما علمت (قوله: ليس سلما) الجملة خبر فأسلمت إلخ الواقع مبتدأ لقصد لفظه. (قوله: لانتفاء
الشرط) هو الدينية، وهو علة لانتفاء كونه سلما. (قوله: ولا بيعا لاختلال لفظه) أي وليس بيعا لاختلال، أي لفقد لفظه
- أي البيع - إذ المعبر به لفظ السلم، لا البيع. قال في التحفة: نعم، لو نوى بلفظ السلم البيع، فهل يكون كناية - كما
اقتضته قاعدة: ما كان صريحا في بابه كان كناية في غيره - أو لا، لان موضوعه ينافي التعيين، فلم يصح استعماله فيه؟ كل
محتمل. والثاني أقرب إلى كلامهم. اه‍. بتصرف. (قوله: ولو قال اشتريت إلخ) هذه مسألة مستقلة،
وليست مفرعة
على ما قبلها. (قوله: كان بيعا) أي كان هذا العقد بيعا - لا سلما - عند الشيخين. قال في النهاية: وهو الأصح هنا - كما
صححه في الروضة - (قوله: نظرا للفظ) أي اعتبارا باللفظ، أي وهو لفظ البيع والشراء. (قوله: وقيل سلم نظرا للمعنى)
أي وهو بيع شئ موصوف في الذمة، واللفظ لا يعارضه، لان كل سلم بيع، كما أن كل صرف بيع، وإطلاق البيع على
السلم إطلاق له على ما يتناوله. قال في التحفة: فعلى الأول - أي أنه بيع - يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان
في الذمة، ليخرج عن بيع الدين بالدين، لا قبضه، ويثبت فيه خيار الشرط، ويجوز الاعتياض عنه. وعلى الثاني - أي أنه
سلم - ينعكس ذلك، ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، وإلا كان سلما اتفاقا اه‍. بزيادة. (قوله: واختاره)
أي القول بأنه سلم، وهو ضعيف. (قوله: وكون المسلم فيه الخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون المسلم
فيه: مقدورا على تسليمه للمسلم عند المحل، وصرح بهذا الشرط - مع أنه من شروط البيع، وهو بصدد بيان الشروط
الزائدة عليها - كما يدل له قوله سابقا مع الشروط المذكورة للبيع - لان المقصود بيان وقت القدرة المشترطة، وهذا زائد
على مفهوم القدرة على التسليم، وذلك الوقت هو حالة وجوب التسليم، وهو يختلف، ففي السلم الحال: عند العقد.
وفي المؤجل: بحلول الاجل. (قوله: أي وقت حلوله) تفسير مراد للمحل - بالكسر - وهو مصدر بمعنى الزمان، وهذا إن
كان السلم مؤجلا، وإلا فالعبرة فيه بوقت العقد - كما علمت - (قوله: فلا يصح السلم في منقطع إلخ) أي أو فيما يشق
حصوله في المحل مشقة عظيمة، كقدر كثير من الباكورة. (وقوله: كالرطب في الشتاء) أي كأن أسلم له في رطب يأتي به
في الشتاء، وهذا باعتبار أكثر البلاد. أما في بلد يوجد فيه الرطب في الشتاء كثيرا، فيصح، كما في الايعاب. (قوله:
وكونه معلوم قدر إلخ) معطوف على قبض رأس مال أيضا، أي وشرط كون المسلم فيه معلوم قدر. قال ع ش: أي
للعاقدين، ولو إجمالا، كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع، ولعدلين. ولا بد من معرفتهما الصفات بالتعيين، لان
الغرض منهما الرجوع إليهما عند التنازع، ولا تحصل تلك الفائدة إلا بمعرفتهما تفصيلا - كذا قاله في القوت - وهو حسن
متعين. اه‍. (قوله: بكيل الخ) متعلق بمعلوم، أي ويحصل العلم بالقدر بالكيل في المكيل، أي فيما يكال عادة
- كالحبوب ونحوها - وبالوزن، في الموزون - أي فيما يوزن عادة - كاللآلئ الصغار، والنقدين، والمسك، ونحو ذلك -
وبالذرع: في المذروع - أي فيما يذرع عادة - كالثياب، والأرض - وبالعد: في المعدود، أي فيما يعد عادة - كالأحجار
واللبن. (قوله: وصح) أي السلم (قوله: في نحو جوز ولوز) أي مما جرمه كجرمهما - كفستق - وألحق به بعضهم البن
المعروف الآن. وانظر لم أفرد هذا بالذكر مع أنه إن كان من المكيل، والقصد التنبيه على أنه يصح بالوزن، فهو داخل في
قوله الآتي ومكيل بوزن، وإن كان من الموزون فهو داخل تحت قوله المار أو وزن في موزون؟ ويمكن أن يقال - كما في
البجيرمي - أنه أفرده بالذكر للرد على الامام ومن تبعه، لأنه يمنع السلم في الجوز واللوز وزنا وكيلا، إن كان من نوع يكثر

23
اختلافه بغلظ قشوره ورقتها. فافهمه. (قوله: وموزون بكيل) أي وصح أيضا السلم في موزون بكيل. (وقوله: يعد فيه
ضابطا) أي يعد ذلك الكيل في الموزون ضابطا، وذلك كدقيق، وما صغر جرمه كجوز ولوز - كما مر - فإن لم يعد فيه
الكيل ضابطا - كفتات مسك، وعنبر، وكبطيخ، وقثاء، وباذنجان، ورمان، ونحوها مما كبر جرمه، وكالبقول،
وكالملوخية، والرجلة - تعين في جميع ذلك الوزن. (قوله: ومكيل بوزن) أي وصح السلم في مكيل كالحبوب بالوزن،
وذلك لان المقصود معرفة القدر، وهي حاصلة بذلك. وبه يفرق بين السلم، وبين الربا - حيث تعين في الموزون الوزن،
وفي المكيل الكيل - وذلك لان المقصود هناك المماثلة بما عهد في زمن النبي (ص)، فهو أضيق بابا من السلم. (قوله:
ولا يجوز) أي السلم. (وقوله: في بيضة ونحوها) أي كبطيخة، وسفرجلة. ويفهم من التعبير ببيضة ونحوها: أن السلم
يصح في البيض الكثير، والبطيخ الكثير ونحوهما، وهو كذلك - كما في شرح الروض - وعبارته: أما لو أسلم في عدد من
البطيخ مثلا - كمائة - بالوزن في الجميع، دون كل واحدة، فيجوز - اتفاقا - قاله السبكي وغيره. اه‍. وعبارة التحفة
مثله، ونصها: ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة، لاحتياجه إلى ذكر جرمها مع وزنها، وذلك لعزة وجوده.
نعم، إن أراد الوزن التقريبي: اتجه صحته في الصورتين، لانتفاء عزة الوجود. اه‍. (قوله: لأنه) أي الحال والشأن
(وقوله: يحتاج) أي في صحة السلم في نحو البيضة. (وقوله: إلى ذكر جرمها مع وزنها) أي في صيغة السلم، كأن يقول
أسلمت إليك في بطيخة جرمها كذا، ووزنها كذا. (قوله: فيورث عزة الوجود) أي فيؤدي ذكر الجرم مع الوزن إلى ندرة
الوجود، فلذلك لم يصح السلم. (قوله: ويشترط) أي لصحة السلم. (وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر من قبض
رأس المال وما بعده. (قوله: بيان محل تسليم) أي مطلقا، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا.
وحاصل ما يتعلق بهذا الشرط أن الصور فيه ثمانية، وذلك لان السلم إما حال أو مؤجل. وعلى كل، إما أن يكون
لنقله مؤنة أو لا، وعلى كل: إما أن يكون المحل صالحا للتسليم أو لا - فأربعة في الحال، وأربعة في المؤجل - يجب
البيان في خمسة، منها ثلاثة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا، أو
صالحا ولنقله مؤنة. وثنتان في الحال: وهما ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا. ولا يجب
البيان في ثلاثة: واحدة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع صالحا ولا مؤنة للنقل. وثنتان في الحال، وهما: إذا كان
صالحا سواء كان لنقفه مؤنة أم لا. فإذا بين تلك الصورة وجب العمل بالبيان، وإذا علمت ذلك تعلم ما في كلام الشارح
من الاجمال، حيث أطلق ولم يفصل بين المسلم فيه المؤجل والحال، فيفيد أنه إذا صلح المكان للتسليم، وكان لحمله
مؤنة: اشترط البيان مطلقا - سواء كان مؤجلا أو حالا - مع أنه إنما يشترط في الأول، دون الثاني.
(قوله: إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم) أي عقد في محل لا يصلح له، كأن عقد في وسط لجة أو في بادية، ولا
فرق في اشتراط البيان فيما إذا أسلم في المحل المذكور بين أن يكون لنقل المسلم فيه مؤنة أم لا. (وقوله: أو لحمله إليه
مؤنة) أي أو صلح للتسليم، لكن كان لحمله من الموضع الذي يوجد فيه عادة إلى موضع التسليم مؤنة، ومحل اشتراط
البيان في هذا: إذا كان المسلم فيه مؤجلا، أما إذا كان حالا فلا يشترط - كما علمت - (قوله: ولو ظفر
المسلم) بكسر اللام (وقوله: بالمسلم إليه) بفتح
اللام (وقوله: بعد المحل) بكسر الحاء. (قوله: في غير محل التسليم) متعلق بظفر،
ومحله هو المكان المعين بالشرط، أو بالعقد. (قوله: ولنقله إلى محل الظفر) أي نقل المسلم فيه من محل التسليم إلى
موضع الظفر مؤنة، أي ولو يتحملها المسلم عن المسلم إليه. (قوله: لم يلزمه) أي المسلم إليه. (وقوله: أداء) أي
للمسلم فيه للمسلم (قوله: ولا يطالبه بقيمته) أي ولا يطالب المسلم المسلم إليه في غير محل التسليم بقيمته قال سم:

24
قال الزركشي: لكن له الدعوى عليه، وإلزامه بالسفر إلى محل التسليم، أو التوكيل، ولا يحبس. اه‍. (قوله: ويصح
السلم حالا) أي بأن صرح بالحلول. (وقوله: ومؤجلا) أي بأن صرح بالتأجيل بالنسبة للمسلم فيه، أما رأس المال، فلا
يصح فيه الاجل، ويجب قبضه حقيقة في المجلس - كما تقدم - أما المؤجل: فبالنص، وأما الحال: فبالأولى - لبعده عن
الغرر - (فإن قيل) الكتابة تصح بالمؤجل ولا تصح بالحال. (أجيب) بأن الاجل إنما وجب فيها لعدم قدرة الرقيق على نحو
الكتابة، والحلول يقتضي وجوبها حالا. (وقوله: بأجل معلوم) متعلق بمؤجل، أي مؤجل بأجل معلوم للعاقدين، أو
للعدلين، كإلى شهر رمضان. (قوله: لا مجهولا) أي لا مؤجل بأجل مجهول، فلا يصح. فلو قال أسلمت إليك بهذا إلى
قدوم زيد: لم يصح، للجهل بوقت الحلول. (قوله: ومطلقه إلخ) أي أن مطلق السلم، أي الذي لم يصرح فيه بحلول أو
أجل. (وقوله: حال) أي ينعقد حالا، كما أنه إذا أطلق البيع، ينعقد حالا. قال سم: وإن ألحقا به أجلا في المجلس:
لحق، أو ذكرا أجلا ثم أسقطاه في المجلس: سقط. اه‍. (قوله: ومطلق المسلم فيه جيد) أي أن المسلم فيه إذا لم يقيد
بجودة ولا رداءة: ينصرف للجيد - للعرف، ولكن ينزل على أقل درجات الجيد لا على أعلاها.
(قوله: وحرم ربا) (1) هو بالقصر لغة الزيادة، قال الله تعالى: * (اهتزت وربت) * (2) أي زادت ونمت. وشرعا: عقد
واقع على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع، أو واقع مع تأخير في البدلين، أو أحدهما.
(واعلم) أن غالب ما ذكره هنا هو عين ما مر في قوله وشرط في بيع ربوي إلخ، فكان الأولى أن يستوفي الكلام هناك
على ما يتعلق ببيع الربوي، أو لا يذكر هناك شيئا أصلا ويستغني بما ذكره هنا عما ذكره هناك - كما صنع في
المنهج -.
وقد ورد في تحريم الربا شئ كثير من الآيات والأحاديث والآثار، منها ما تقدم، ومنها قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربا لا
يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * قال بعضهم في تفسير هذه الآية: إن آكل الربا أسوأ حالا من
جميع مرتكبي الفواحش، فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه، قليلا كان أو كثيرا - كالتاجر والزارع - إذ لم يعينوا
أرزاقهم بعقولهم، ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال (ص): أبى الله أن يرزق
المؤمن إلا من حيث لا يعلم، وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه
بتعيينه، لا توكل له أصلا، فوكله الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه، فاختطفته الجن، وخبلته،
فيقوم يوم القيامة كالمصروع الذي مسه الشيطان، فتخطفه الزبانية، وتلقيه في النيران - فيجب على كل مؤمن أن يتباعد
مما يغضب الجبار، ويتوب ويرجع إلى العزيز الغفار، فعساه يغفر له خطاياه - كما قال تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (3).
والمال الحاصل من الربا: لا بركة له، لأنه إنما حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة، وصاحبه يرتكب
سائر المعاصي - إذ كل طعام يوصل آكله إلى دواع وأفعال من جنسه - فإن كان حراما: يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان
مكروها: يؤديه إلى أفعال مكروهة، وإن كان طيبا: يوصله إلى الطيبات فآكل الربا عليه إثم الربا، والافعال التي حصلت
بسببه، فتزداد عقوبته وإثمه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا



(1) والأصل في تحريم الربا قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطفه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما
البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة، الآية: 275) وقوله تعالى: (ويمحق الله الربا ويربي الصدقات) (البقرة 276).
وقول الله عز وجل: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (البقرة: 278 - 279). وما ورد عن النبي (ص) أنه قال: " لعن اكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " رواه البخاري.
(2) سورة الحج، الآية: 5، وفصلت، الآية: 39.
(3) سورة البقرة، الآية: 275.
25
والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. ولو لم يكن في الربا إلا مخالفة الذي خلقه فسواه وأظهر له سبيل النجاة لكفى به
نقصانا. وأي نقصان أفحش من ذلك؟.
(قوله: مر بيانه قريبا) أي مر بيان معنى الربا قريبا. وفيه أنه لم يبين معنى الربا فيما مر لا لغة ولا شرعا، إلا أن يقال
إنه يفهم منه بيان ذلك شرعا، وإن لم يعبر عنه هناك بعنوان الربا، وذلك لأنه ذكر شروط بيع الربوي. وحكم ما إذا اختل
شرط منها، والمختل شرط منها هو الربا - كما يعلم من تعريفه المار آنفا - (قوله: وهو أنواع) أي الربا من حيث هو أقسام
ثلاثة، بدخول ربا القرض في ربا الفضل، وإلا فهي أربعة. (قوله: ربا فضل) بدل من أنواع بدل بعض من كل. (قوله:
بأن يزيد إلخ) تصوير لربا الفضل، ولا فرق في الزيادة بين أن تكون متيقنة، أو محتملة. (وقوله: أحد العوضين) أي
المتحدين جنسا. (قوله: ومنه ربا القرض) أي ومن ربا الفضل: ربا القرض، وهو كل قرض جر نفعا للمقرض، غير نحو
رهن. لكن لا يحرم عندنا إلا إذا شرط في عقده، كما يؤخذ من تصويره الآتي، ولا يختص بالربويات، بل يجري في
غيرها، كالحيوانات والعروض -. وإنما كان ربا القرض من ربا الفضل، مع أنه ليس من الباب لأنه لما شرط فيه نفعا
للمقرض، كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه، فهو منه حكما. وقيل إنه قسم مستقل. (وقوله: بأن
يشترط) تصوير لربا القرض. (وقوله: فيه) أي في القرض، أي عقده. (قوله: ما فيه نفع للمقرض) ومنه ما لو أقرضه
بمصر وأذن له في دفعه لوكيله بمكة مثلا. (قوله: وربا يد) إنما نسب إليها لعدم القبض بها حالا. اه‍. بجيرمي.
(وقوله: بأن يفارق إلخ) تصوير له. (وقوله: أحدهما) أي المتعاقدين. (وقوله: قبل التقابض) أي قبل قبض العوضين أو
أحدهما. (قوله: وربا نساء) بفتح النون مع المد، وهو الاجل. (وقوله: بأن يشترط) تصوير له. (وقوله: أجل) أي ولو
لحظة. (وقوله: في أحد العوضين) سواء اتفقا جنسا، أو لا. (قوله: وكلها) أي هذه الأنواع (وقوله: مجمع عليها) أي
على بطلانها. وذكر الشارح فيما تقدم أن الربا من الكبائر. والذي في التحفة أنه من أكبر الكبائر. وقال البجيرمي: الذي
يظهر أن ما ذكر في بعض أنواعه، وهو ربا الزيادة، وأما الربا من أجل التأخير أو الاجل من غير زيادة في أحد العوضين،
فالظاهر أنه صغيرة، لان غاية ما فيه أنه عقد فاسد، وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر. اه‍. (قوله: ثم
العوضان إن اتفقا جنسا) أي كذهب بذهب، وفضة بفضة. (قوله: ثلاثة شروط تقدمت) أي وهي: الحلول، والتقابض،
والتماثل (قوله: أو علة) معطوف على جنسا أي أو اختلفا جنسا لكن اتفقا علة، كذهب بفضة، وبر بشعير.
(قوله: وهي)
أي العلة. (وقوله: الطعم) بضم الطاء أي المطعوم. (قوله: وقوله، والنقدية) الواو بمعنى أو. (قوله: شرطان تقدما) أي
وهما: الحلول، والتقابض. (قوله: لا يندفع إثم إعطاء الربا) أي من المعطي الذي هو المقترض. (قوله: عند
الاقتراض) متعلق بيندفع، وليس متعلقا بإعطاء، لان الاعطاء لا يكون إلا عند دفع ما اقترضه من الدراهم مثلا. (وقوله:
للضرورة) متعلق باقتراض، أو بإعطاء. والثاني هو ظاهر التصوير بعده. (قوله: بحيث إلخ) تصوير لاعطاء ذلك، لأجل
الضرورة. (وقوله: أنه) أي المقترض. (وقوله: لا يحصل له القرض) أي لا يقرضه صاحب المال. (قوله: إذ له إلخ)
تعليل لعدم اندفاع إثم الاعطاء عند ذلك، أي لا يندفع ذلك، لان له طريقا في إيصال الزائد للمقرض بنذر، أو هبة، أو
نحوهما. (وقوله: أو التمليك) أي بهبة، أو هدية، أو صدقة. (قوله: لا سيما) أي خصوصا (قوله: لا يحتاج إلى قبول)

26
أي من المنذور له. (قوله: وقال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد. (قوله: يندفع الاثم) أي إثم إعطاء الزيادة.
(وقوله: للضرورة) أي لأجل ضرورة الاقتراض (قوله: وطريق الخلاص من عقد. إلخ) أي الحيلة في التخلص من عقد
الربا في بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ما ذكره. وهي مكروهة بسائر أنواعه - خلافا لمن حصر الكراهة في التخلص من
ربا الفضل - ومحرمة عند الأئمة الثلاثة.
وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن الحداد: إياكم وما يتعاطاه بعض الجهال الأغبياء المغرورين الحمقاء من
استحلالهم الربا في زعمهم بحيل أو مخادعات ومناذرات يتعاطونها بينهم، ويتوهمون أنهم يسلمون بها من إثم الربا،
ويتخلصون بسببها من عاره في الدنيا، وناره في العقبى، وهيهات هيهات، إن الحيلة في الربا من الربا، وإن النذر شئ
يتبرر به العبد، ويتبرع ويتقرب به إلى ربه، لا يصح النذر إلا كذلك، وقرائن أحوال هؤلاء تدل على خلاف ذلك، وقد
قال عليه الصلاة والسلام: لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله. وبتقدير أن هذه المناذرات - على قول بعض علماء
الظاهر - تؤثر شيئا، فهو بالنسبة إلى أحكام الدنيا وظواهرها لا غير. فأما بالنسبة إلى أحكام الباطن، وأمور الآخرة فلا.
وأنشد رضي الله عنه:
ليس دين الله بالحيل فانتبه يا راقد المقل
(قوله: لمن يبيع إلخ) متعلق بالخلاص. (قوله: متفاضلا) حال من مفعول يبيع، أي يبيع ما ذكر من متحدي
الجنس حال كونه متفاضلا، أي زائدا أحد العوضين على الآخر. (قوله: بأن يهب إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف
خبر المبتدأ، وهو طريق: أي طريق ذلك حاصل بأن يهب إلخ، ولو أسقط الباء الجارة لكان أولى. (وقوله: حقه) أي
كله. ومثله ما لو وهب الفاضل فقط لصاحبه. (قوله: أو يقرض كل) أي من البائعين حقه. (قوله: ثم يبرئه) أي يبرئ كل
صاحبه ما اقترضه. (قوله: ويتخلص منه) أي من عقد الربا. أي إذا أريد بيع الربوي بغير جنسه من غير تقابض،
فليتخلص من الربا الحاصل بعدم التقابض بالقرض بأن يقرض أحد المتعاقدين الآخر عشر ريالات مثلا، ثم بعد التفرق
يدفع له الآخذ مثلا عما في ذمته بدلها ذهبا. (وقوله: بلا قبض) أي تقابض في المجلس للعوضين أو أحدهما، وهو
متعلق ببيع. (وقوله: قبل تفرق) متعلق بقبض.
(تنبيه) قال في المغني: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا، ويصح على معينين بالاجماع - كبعتك، أو
صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم - وعلى موصوفين على المشهور، كقوله بعتك، أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي
بعشرين درهما من الضرب الفلاني في ذمتك. ولو أطلق فقال صارفتك على دينار بعشرين درهما، وكان هناك نقد واحد
لا يختلف، أو نقود مختلفة، إلا أن أحدها أغلب: صح، ونزل الاطلاق عليه، ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق. ويصح
أيضا على معين بموصوف: كبعتك هذا الدينار بعشرة دراهم في ذمتك، ولا يصح على دينين: كبعتك الدينار الذي في
ذمتك بالعشرة التي لك في ذمتي، لان ذلك بيع دين بدين. اه‍.
(قوله: وحرم تفريق إلخ) شروع فيما نهى الشارع عنه من البيوع، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة. (قوله: بين
أمة) خرجت الحرة، فلا يحرم التفريق بينها وبين فرعها، والحديث الآتي عام مخصوص بالأمة، خلافا للغزالي في طرده
ذلك حتى في الحرة - كما سيذكره - (قوله: وإن رضيت) أي الأمة بالتفريق، فإنه يحرم التفريق. قال في شرح الروض:
لحق الولد. اه‍. (وقوله: أو كانت كافرة) أي أو مجنونة أو آبقة - على الأوجه - نعم، إن أيس من عودها، أو إفاقتها:

27
احتمل حل التفريق حينئذ اه‍. تحفة. (قوله: وفرع لم يميز) دخل الصبي والمجنون والبالغ. وفي البجيرمي: قال
الناشري: هذا إذا كانت مدة الجنون تمتد زمنا طويلا، أما اليسيرة: فالظاهر أنه كالمفيق. اه‍. (قوله: ولو من زنا) أي
ولو كان الفرع من زنا، فإنه يحرم التفريق بينه وبين أمه. (قوله: المملوكين) بدل من أمة وفرع. وإبدال المعرفة من النكرة
جائز - كالعكس - فالأول: كقوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) * (1) إلخ. والثاني كقوله تعالى:
* (لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة) * (2) (وقوله: لواحد) خرج به ما إذا تعدد المالك، كأنه كان مالك أحدهما غير مالك
الآخر، كأن أوصى لأحدهما بالام وللآخر بالفرع، فلا يحرم التفريق حينئذ، فيجوز لكل أن يتصرف في ملكه. (قوله:
بنحو بيع) متعلق بتفريق. (قوله: كهبة إلخ) تمثيل لنحو البيع. (قوله: وقسمة) أي قسمة رد أو تعديل. وصورة الأولى:
أن تكون قيمة الام أكثر من قيمة الولد، فيحتاج إلى رد مال أجنبي مع أحدهما. والثانية: أن يكون لها ولدان، وكانت
قيمتهما تساوي قيمتها. وزاد ع ش قسمة الافراز، وصورتها: أن تكون قيمة ولدها تساوي قيمتها. وضعفه الرشيدي،
ونص عبارته: ومعلوم أن القسمة لا تكون إلا بيعا، وبه يعلم ما في حاشية الشيخ، ويكون قوله ولو إفرازا: ضعيفا. اه‍.
وإنما كان تصوير الثلاث بما ذكر، لان المقسوم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - إن تساوت الانصباء فيه صورة وقيمة،
فالثالث. وإلا فإن لم يحتج إلى رد شئ آخر، فالثاني، وإلا فالأول. (قوله: لغير من يعتق عليه) راجع لجميع ما قبله من
البيع وما بعده، فلا يحرم التفريق بما ذكره لمن يعتق عليه، لان من عتق ملك نفسه، فله ملازمة الآخر. شرح الروض.
(قوله: لخبر إلخ) دليل لحرمة التفريق بين من ذكر، وورد أيضا: ملعون من فرق بين والد وولده رواه أبو داود. وهو من
الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه. وأما العقد، فهو من الصغائر عند م ر. وعند ابن حجر هو من الكبائر أفاده البجيرمي.
(قوله: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة).
(إن قلت) التفريق بينه وبين أحبته إن كان في الجنة فهو تعذيب، والجنة لا تعذيب فيها. وإن كان في الموقف،
فكل مشغول بنفسه، فلا يضره التفريق.
(أجيب) باختيار الثاني، لان الناس ليسوا مشغولين في جميع أزمنة الموقف، بل فيها أحوال يجتمع بعضهم
ببعض، فالتفريق في تلك الأحوال تعذيب، أو أنه محمول على الزجر. ويمكن اختيار الأول وينسيه الله تعالى أحبته - فلا
تعذيب. ع ش، و ح ف. بجيرمي (قوله: وبطل العقدة فيهما) أما في التفريق: فللعجز عن التسليم شرعا بالمنع من
التفريق، ومثله في الربا، فهو ممنوع من إعطاء الزيادة، أو تأخير أحد العوضين عن المجلس. (قوله: وألحق الغزالي
إلخ) أي في الحرمة، وعبارة التحفة: ويحرم التفريق أيضا بالسفر وبين زوجة حرة وولدها الغير المميز - لا مطلقة -
لامكان صحبتها له، كذا أطلقه الغزالي وأقروه. اه‍. وكتب سم: قوله ويحرم التفريق أيضا بالسفر: أي مع الرق،
والمراد: سفر يحصل معه تضرر، وإلا كنحو فرسخ لحاجة، فينبغي أن لا يمتنع، ثم ما ذكره من حرمة التفريق بالسفر مع
الرق على ما تقرر: مسلم. وأما قوله بين زوجة حرة وولدها - أي بالسفر أيضا - فهو ممنوع. اه‍. (قوله: وطرده) أي
التحريم: أي جعله مطردا وشاملا للتفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت الزوجة حرة. ولم يرتض في النهاية ذلك في
الحرة، وعبارتها: وطرده ذلك في الزوجة الحرة، بخلاف الأمة، ليس بظاهر، انتهت. وقله: بخلاف الأمة: أي فطرده
ذلك فيها ظاهر. ع ش وهو مؤيد لما مر عن سم. (قوله: بخلاف المطلقة) أي الزوجة المطلقة، فإنه لا يحرم التفريق



(1) سورة الشورى، الآية: 52، 53.
(2) سورة العلق، الآية: 15.
28
بينها وبين ولدها بالسفر، لما مر آنفا عن ابن حجر. (قوله: والأب) هو وما بعده مبتدأ، خبره كالأم، أي فيحرم التفريق
بين الأب وفرعه، وبين الجدة وفرعها - كما يحرم بينه وبين الام - (قوله: ولو من الأب) الغاية للرد كما يعلم من عبارة
المغني، ونصها: وفي الجدات والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الام ثلاثة أوجه، حكاها الشيخان في باب السير من
غير ترجيح، ثالثها جواز التفريق في الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية. اه‍. (قوله: إذا عدمت) أي الام، فإن
لم تعدم ووجد أبوه معها أو جدته: حرم التفريق بينه وبين الام، وحل بينه وبين الأب والجدة. وإذا كان له أب
وجد: جاز
بيعه مع جده، لاندفاع ضرره ببقائه مع كل منهما. (قوله: أما بعد التمييز إلخ) محترز قوله لم يميز ومعنى التمييز - كما
في التحفة - أن يصير يأكل وحده، ويستنجي وحده. ولا يقدر بسن. (وقوله: فلا يحرم) أي التفريق. قال في المغني:
وخبر: لا يفرق بين الام وولدها. قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية ضعيف. اه‍. (قوله:
لاستغناء المميز عن الحضانة) علة لعدم التحريم. (قوله: كالتفريق بوصية وعتق) أي كعدم حرمة التفريق بوصية وعتق،
ورهن، وذلك لان الوصية قد لا تقتضي التفريق بوضعها، فلعل الموت يكون بعد زمان التمييز، ولان المعتق محسن فلا
يمنع من إحسانه، ولان الرهن لا تفريق فيه لبقاء الملك. وعبارة المنهاج - في باب الرهن، مع شرح الرملي - ويصح رهن
الام دون ولدها، وعكسه، لبقاء الملك فيهما، فلا تفريق. اه‍. (قوله: ويجوز تفريق ولد البهيمة) أي بذبح له أو لامه،
وبنحو بيع كذلك. (وقوله: إن استغنى عن أمه) قيد في جواز التفريق، لكن النسبة لما إذا كان بنحو البيع له أو لها أو
بالذبح لها، أما إذا كان بالذبح له فلا يحتاج إلى هذا التقييد، لأنه يجوز ذبحه مطلقا، استغنى أولا - كما صرح به في
الروض وشرحه - (وقوله: بلبن) أي لغير أمه. (وقوله: أو غيره) أي غير اللبن، كعلف. (قوله: لكن يكره) أي التفريق
في هذه الحالة، ومحل الكراهة ما لم يكن لغرض الذبح له، وإلا فلا كراهة - كما نص عليه في شرح الروض - وعبارته:
لكن مع الكراهة ما دام رضيعا، إلا لغرض صحيح كالذبح. اه‍. (قوله: كفريق الآدمي المميز) أي ككراهة ذلك.
(وقوله: قبل البلوغ) في النهاية: ويكره التفريق بعد التمييز وبعد البلوغ أيضا، لما فيه من التشويش، والعقد
صحيح. اه‍. (قوله: فإن لم يستغن إلخ) مقابل إن استغنى عن أمه. (وقوله: عن اللبن) المناسب أن يقول عنها بلبن أو
غيره، ويكون الضمير عائدا على الام المتقدم ذكرها. (قوله: حرم) أي التفريق مطلقا، ببيع أو غيره، حتى يصح
الاستثناء بعده. (وقوله: وبطل) أي التصرف فيه بنحو البيع، فالفاعل يعود على معلوم. وعبارة شرح الروض: فإن لم
يستغن: حرم البيع، وبطل، إلا لغرض الذبح. اه‍. فلو صنع مثل صنيعه في إظهار فاعل حرم لكان أولى. (
قوله: إلا إن
كان لغرض الذبح) استثناء من الحرمة والبطلان، أي يحرم ما ذكر من التفريق، ويبطل التصرف إلا إن كان ذلك لغرض
الذبح له أو لامه، فلا حرمة، ولا بطلان. (قوله: لكن بحث السبكي إلخ) استدراك من الاستثناء. (وقوله: حرمة ذبح أمه
مع بقائه) أي الولد. وفرض المسألة في حالة عدم الاستغناء، أما في حالة الاستغناء، فلا حرمة بالاتفاق (قوله: وحرم
أيضا) أي كما حرم الربا، والتفريق بين الأمة وولدها. (قوله: بيع نحو عنب) أي كرطب. وقوله: ممن علم إلخ. من:
بمعنى على، (1) متعلقة ببيع. ومن: واقعة على المشتري، وفاعل علم وظن يعود على البائع، فالصلة جرت على غير من
هي له - أي حرم بيع ما ذكر على من علم البائع أو ظن أنه يتخذه مسكر -. قال سم: ولو كافرا، لحرمة ذلك عليه، وإن كنا
لا نتعرض له بشرطه. وهل يحرم نحو الزبيب لحنفي يتخذه مسكرا - كما هو قضية إطلاق العبارة - أولا، لأنه يعتقد حل
النبيذ بشرطه؟ فيه نظر، ويتجه الأول، نظرا لاعتقاد البائع. اه‍. وإنما حرم ما ذكر لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة.



(1) قوله بمعنى على: لعل الأولى بمعنى اللام فتأمل. اه‍. مصححه.
29
(وقوله: للشرب) قيد لبيان الواقع، ولو أسقطه ما ضره. (قوله: والأمرد) معطوف هو وما بعده على نحو عنب، أي ويحرم
بيع الأمرد على من عرف بالفجور به يقينا أو ظنا. فالمراد بالمعرفة ما يشمل الظن. وعبارة شيخ الاسلام: ومحل تحريم
بيعه ذلك ممن ذكر: إذا تحقق أو ظن أنه يفعل ذلك، فإن توهمه كره. اه‍. (قوله: والديك إلخ) أي وحرم بيع الديك
للمهارشة، أي المحارشة، وتسلط بعضها على بعض. قال في القاموس: التهريش: التحريش بين الكلاب، والافساد
بين الناس. والمحارشة: تحريش بعضها على بعض. اه‍. (قوله: والكبش للمناطحة) أي وحرم بيع الكبش لأجل
المناطحة. قال في القاموس: نطحه، كمنعه، وضربه: أصابه بقرنه. وانتطحت الكباش: تناطحت. والنطيحة التي
ماتت منه. اه‍. (قوله: والحرير إلخ) أي وحرم بيع الحرير على رجل، لأجل أن يلبسه. قال في النهاية: بلا نحو
ضرورة. اه‍. ومفهومه أنه إذا كان لنحو ضرورة - ككثرة قمل، أو فجأة حرب - جاز بيعه عليه. (قوله: وكذا بيع نحو
المسك إلخ) أي وكذا يحرم بيع نحو مسك من كل طيب يتطيب به على كافر يشتريه لأجل تطييب الصنم. (قوله:
والحيوان لكافر إلخ) أي وكذا يحرم بيع الحيوان على كافر علم البائع أنه يأكله بلا ذبح شرعي. (قوله: لان الأصح إلخ)
تعليل لما بعد، وكذا قوله كالمسلمين: أي كما أن المسلمين مخاطبون بها. (وقوله: عندنا) متعلق بمخاطبون، أي
مخاطبون بذلك عندنا معاشر الشافعية (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه) أي فإنه يقول لا يخاطبون بذلك،
وهذا محترز التقييد بعندنا. (قوله: فلا يجوز) هذا من جملة التعليل، وهو محطه: أي وإذا كان الكفار مخاطبين بذلك
فيحرم عليهم ما ذكر - من تطييب الصنم، وأكل الحيوان من غير ذبح - ولا يجوز لنا إعانتهم على ذلك ببيع ما ذكر عليهم.
(وقوله: عليهما) أي على تطييب الصنم، وعلى أكل الحيوان بلا ذبح (قوله: ونحو ذلك) بالرفع معطوف على بيع نحو
المسك إلخ، أي وكذا يحرم نحو ذلك. (وقوله: من كل تصرف يفضي إلى معصية) بيان لنحو، وذلك كبيع الدابة لمن
يكلفها فوق طاقتها، والأمة على من يتخذها لغناء محرم، والخشب على من يتخذه آلة لهو، وكإطعام مسلم مكلف كافرا
مكلفا في نهار رمضان، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله نهارا. (قوله: ومع ذلك إلخ) راجع لجميع ما قبله، أي ومع
تحريم ما ذكر من بيع نحو العنب، وما ذكر بعد يصح البيع.
قال في التحفة:
(فإن قلت) هو هنا عاجز عن التسليم شرعا، فلم صح البيع؟.
(قلت) ممنوع، لان العجز عنه ليس لوصف لازم في المبيع، بل في البائع خارج عما يتعلق بالمبيع
وشروطه. اه‍.
(قوله: ويكره بيع ما ذكر) أي من العنب، والأمرد، والديك، وغير ذلك. (وقوله: ممن توهم منه ذلك) أي
الاتخاذ خمرا، أو الفجور، وغير ذلك. وهذا محترز قوله المار: ممن علم أو ظن إلخ (قوله: وبيع السلاح إلخ) معطوف
على فاعل يكره، أي ويكره بيع السلاح، وهو كل نافع في الحرب - ولو درعا - على نحو بغاة. قال في شرح الروض: ما
لم يتحقق عصيان المشتري للسلاح به، وإلا حرم، وصح البيع. اه‍. بالمعنى. (قوله: وقطاع طريق) لو قال كقطاع
طريق، لكان أولى، لأنه مما اندرج تحت نحو. ومحل الكراهة أيضا في البيع عليهم، ما لم يغلب على الظن أنهم
يتخذونها لقطع الطريق، وإلا حرم، وصح البيع (قوله: ومعاملة إلخ) أي وكره معاملة من في يده، أي في ملكه حلال

30
وحرام. وهذه المسألة تقدمت غير مرة. (وقوله: وإن غلب الخ) غاية للكراهة. (قوله: نعم، إن إلخ) استدراك على
كراهة ما ذكر. (وقوله: على تحريم ما عقد به) أي علم أن ما عقد عليه عينه حرام. (قوله: حرم) الأولى فيه وفي الفعل
الذي بعده: التأنيث، إذ الفاعل يعود على المعاملة، وهي مؤنثة. (وقوله: وبطل) أي المعاملة. وقد علمت ما فيه.
(قوله: وحرم احتكار قوت) في الزواجر: أنه من الكبائر - لقوله (ص): لا يحتكر إلا خاطئ قال أهل اللغة: الخاطئ:
العاصي الآثم. وقوله عليه السلام: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وقوله عليه
السلام: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون، وقوله عليه السلام: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله
بالجذام والافلاس. اه‍. (قوله: كتمر إلخ) تمثيل للقوت. (وقوله: وكل مجزئ في الفطرة) أي مما يقتات باعتبار
عادة البلد كأقط وقمح وأرز. قال في فتح الجواد: وكذا قوت البهائم. اه‍. (قوله: وهو) أي الاحتكار. (وقوله: إمساك
ما اشتراه) خرج به ما إذا لم يمسكه، أو أمسك الذي لم يشتره - بأن أمسك غلة ضيعته ليبيعها بأكثر، أو أمسك الذي
اشتراه من طعام غير القوت فلا حرمة في ذلك. (وقوله: في وقت الغلاء) متعلق بإمساك. قال في التحفة: والعبرة فيه
بالعرف. اه‍. (وقوله: لا الرخص) أي لا إن اشتراه في وقت الرخص فلا يحرم.
وفي سم ما نصه:
تنبيه: لو اشتراه في وقت الغلاء ليبيعه ببلد آخر سعرها أغلى: ينبغي ألا يكون من الاحتكار المحرم، لان سعر البلد
الآخر الاغلى غلوه متحقق في الحال، فلم يمسكه ليحصل الغلو، لوجوده في الحال. والتأخير إنما هو من ضرورة النقل
إليه، فهو بمنزلة ما لو باعه عقب شرائه بأغلى. اه‍.
(قوله: ليبيعه بأكثر) أي أمسكه ليبيعه بأكثر، فهو علة للإمساك، لا لاشتراه، لئلا ينافي الغاية بعده. وخرج به، ما
إذا أمسكه لا ليبيعه بأكثر بل ليأكله أو ليبيعه لا بأكثر، فلا حرمة في ذلك. (قوله: عند اشتداد إلخ) متعلق بإمساك أو ببيعه.
وخرج به: ما إذا لم تشتد الحاجة إليه، فلا حرمة. (وقوله أو غيرهم) أي غير أهل محله. (قوله: وإن لم يشتره بقصد
ذلك) أي بقصد البيع بأكثر، وهو غاية لكون ضابط الاحتكار ما ذكر، يعني أن الاحتكار هو الامساك للذكور، وإن لم يكن
وقت الشراء قاصدا ذلك. (قوله: لا ليمسكه لنفسه أو عياله) محترز ليبيعه. (وقوله: أو ليبيعه بثمن مثله) محترز قوله
بأكثر. (وقوله: ولا إمساك غلة أرضه) محترز قوله ما اشتراه.
(تنبيه) قال في المغني: يحرم التسعير - ولو في وقت الغلاء - بأن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا،
للتضييق على الناس في أموالهم. وقضية كلامهم أن ذلك لا يختص بالأطعمة، وهو كذلك. فلو سعر الامام عزر مخالفه،
بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الامام بالمخالفة، وصح البيع. اه‍. (قوله: كل ما يعين عليه) أي على
القوت: أي مما يتأدم به، أو يسد مسد القوت في بعض الأحيان. والأول كاللحم، والثاني كالفواكه. (قوله: وصرح
القاضي بالكراهة) أي كراهة الاحتكار. (وقوله: في الثوب) أي ونحوه من كل ما يلبس. (قوله: وسوم على سوم) أي
وحرم سوم إلخ، لخبر الصحيحين: لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي. والمعنى فيه الايذاء، وذكر
الرجل والأخ، ليس للتقييد، بل الأول لأنه الغالب، الثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله، فغيرهما مثلهما. وفي
البجيرمي: ومحل الحرمة إن كان السوم الأول جائزا، وإلا كسوم نحو عنب من عاصر الخمر - فلا يحرم السوم على

31
سومه - بل قال العلامة البكري: يستحب الشراء بعده. اه‍. (قوله: بعد تقرر ثمن) متعلق بحرم المقدر، أي وإنما يحرم
السوم بعد تقرر الثمن. (وقوله بالتراضي به) أي صريحا، وهو تصوير للتقرر، أي أن تقرر الثمن يكون بالتراضي عليه
صريحا. الشوبري: ولا بد أيضا بعد التراضي به من المواعدة على إيقاع العقد به وقت كذا، فلو اتفقا عليه ثم افترقا من
غير مواعدة، لم يحرم السوم حينئذ. كما نقله الامام عن الأصحاب. اه‍. وخرج بالتقرير المذكور: ما يطاف به على من
يزيد فيه - فلا يحرم فيه ذلك -.
وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بأسواق مصر: من أن مريد البيع يدفع متاعه للدلال
،
فيطوف به، ثم يرجع إليه، ويقول له استقر سعر متاعك على كذا، فيأذن له في البيع بذلك القدر: هل يحرم على غيره
شراؤه بذلك السعر، أو بأزيد، أم لا؟ فيه نظر. والجواب عنه بأن الظاهر الثاني، لأنه لم يتحقق قصد الضرر، حيث لم
يعين المشتري، بل لا يبعد عدم التحريم - وإن عينه - لان مثل ذلك ليس تصريحا بالموافقة على البيع، لعدم المخاطبة
من البائع والواسطة للمشتري. اه‍.
(قوله: وإن فحش إلخ) أي يحرم السوم وإن فحش إلخ. (وقوله: للنهي عنه) أي في الخبر المتقدم. (قوله: وهو)
أي السوم على السوم. (وقوله: أن يزيد) أي السائم. (وقوله: على آخر) أي على سوم آخر. (وقوله: في ثمن ما يريد
شراءه) أي في ثمن المتاع الذي يريد الآخر شراءه واستقر ثمنه. (قوله: أو يخرج له أرخص) أي أو يخرج للمشتري
متاعا أرخص من المتاع الذي سامه. ومعنى كونه سائما في هذه على سوم غيره، أنه عرض بضاعته للسوم الواقع لسلعة
غيره. (قوله: أو يرغب المالك إلخ) فيه أن هذه الصورة عين الصورة الأولى: إذ إعطاء الزيادة في الثمن للمالك يرغب
المالك في استرداده. إلا أن يقال إن هذه الصورة مفروضة بعد العقد، وتلك قبله. وعبارة التحفة: في تصوير السوم على
السوم بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه
استرده لأشتريه منك بأكثر، أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل سلعة بأنقص أو أجود منها بمثل الثمن. اه‍.
وهي ظاهرة. (قوله: وتحريمه) أي السوم على السوم بعد البيع، أي العقد، (وقوله: أشد) أي من تحريمه قبل البيع
وبعد التراضي، لان الايذاء هنا أكثر، وذلك بأن يبيع على بيع الغير، بأن يرغب المشتري في الفسخ ليبيعه خيرا منه بمثل
ثمنه، أو مثله بأقل. أو يشتري على شرائه، بأن يرغب البائع في الفسخ ليشتريه منه بأكثر. ومن ذلك أن يبيع مشتريا مثل
المبيع بأرخص، أو يعرض عليه مثل السلعة ليشتريها أو يطلبها منه بزيادة ربح والبائع حاضر. اه‍. فتح الجواد. وصريح
ما ذكر: أن البيع على البيع، والشراء على الشراء، مندرجان في السوم على السوم، وأنه ليس مخصوصا بما
كان قبل
العقد، وهو خلاف مفاد عبارة المنهاج والمنهج من أنهما قسمان مستقلان، وأن السوم على السوم مخصوص بما كان قبل
العقد وبعد تقرر الثمن. (قوله: ونجش) أي وحرم نجش، وهو لغة: الإثارة - بالمثلثة -: لما فيا من إثارة الرغبة - يقال
نجش الطائر: أثاره من مكانه - من باب ضرب. اه‍. بجيرمي. (قوله: للنهي عنه) أي في خبر الصحيحين (قوله:
وللإيذاء) أي إيذاء المشتري. (قوله: وهو) أي النجش (وقوله: أن يزيد في الثمن) أي لسلعة معروضة للبيع (قوله: لا
لرغبته) أي في الشراء، أي أو لرغبة فيه لكن قصد إضرار غيره. اه‍. ع ش. (قوله: بل ليخدع غيره) مثال لا قيد، لأنه لو
زاد: لنفع البائع ولم يقصد خديعة غيره: كان الحكم كذلك. اه‍. نهاية. (قوله: وإن
كانت الزيادة) أي يحرم ذلك وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، كيتيم (قوله: ولو عند نقص القيمة) أي قيمة السلعة المعروضة للبيع. (قوله: على
الأوجه) مقابله يجوز الزيادة عند نقص القيمة. (قوله: ولا خيار للمشتري إلخ) وقيل له الخيار للتدليس، كالتصرية.

32
ومحل الخلاف عند مواطأة البائع للناجش، وإلا فلا خيار جزما. ويجري الوجهان فيما لو قال البائع: أعطيت في هذه
السلعة كذا، فبان خلافه. وكذا لو أخبره عارف بأن هذا عقيق، أو فيروز بمواطأة، فبان خلافه. اه‍. نهاية. (قوله:
لتفريط المشتري) علة لعدم الخيار. (قوله: بالكذب) قال ع ش: قضيته أنه لو كان صادقا في الوصف لم يكن مثله - أي
النجش - وهو ظاهر. اه‍. (قوله: وشرط التحريم في الكل) أي الاحتكار وما بعده. (وقوله: علم النهي حتى في
النجش) أي لقول الشافعي رضي الله عنه: من نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله (ص). وفي
النهاية: لا أثر للجهل في حق من هو بين أظهر المسلمين بخصوص تحريم النجش ونحوه. وقد أشار السبكي إلى أن من
لم يعلم الحرمة لا إثم عليه عند الله. وأما بالنسبة للحكم الظاهر للقضاة، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج إلى اعتراف متعاطيه
بالعلم - بخلاف الخفي - وظاهره أنه لا إثم عليه عند الله وإن قصر في التعلم، والظاهر أنه غير مراد. اه‍. (قوله: ويصح
البيع مع التحريم في هذه المواضع) وهي الاحتكار، وما ذكر بعده.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
(إعلم) أن البيع تعتريه الأحكام الخمسة، فيجب في نحو اضطرار، ومال مفلس محجور عليه. ويندب في نحو
زمن الغلاء، وفي المحاباة للعالم بها. ويكره في نحو: بيع مصحف، ودور مكة، وفي سوق اختلط فيه الحرام بغيره،
وممن أكثر ماله حرام، خلافا للغزالي، وفي خروج من حرام بحيلة، كنحو ربا ويحرم في بيع نحو العنب، على ما مر،
ويجوز فيما عدا ذلك. والله أعلم.
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب
لما فرغ من بيان صحة العقد وفساده، شرع في بيان لزومه وجوازه. والجواز سببه الخيار. والأصل في البيع:
اللزوم، لان القصد منه نقل الملك، وقضية الملك التصرف، وكلاهما فرع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقا
بالمتعاقدين. وهو نوعان: خيار تشبه، وخيار نقيصة - أي عيب - والأول ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من
غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه المجلس، أو الشرط. والإضافة فيه - وفي خيار العيب - من إضافة المسبب
إلى السبب. وعد المصنف الأنواع ثلاثة: خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب. والاخصر والأولى ما ذكرته، لان
الأولين فردان لخيار التشهي، لا نوعان.
(قوله: يثبت خيار مجلس) أي قهرا عن المتعاقدين، حتى لو شرط نفيه بطل البيع، وهو اسم من الاختيار الذي هو
طلب خير الامرين من الامضاء والفسخ (قوله: في كل بيع) أي وإن استعقب عتقا، كشراء بعضه إن قلنا إن الملك في
زمن الخيار للبائع أو موقوف، فإن قلنا للمشتري فالخيار للبائع فقط. (وقوله حتى في الربوي) أي حتى أنه يثبت الخيار
في بيع الربوي، كبيع الطعام بالطعام. (وقوله: والسلم) أي في عقد السلم، لأنه بيع موصوف في الذمة. (قوله: وكذا
في هبة ذات ثواب) أي وكذا يثبت الخيار في هبة ذات عوض، لأنها بيع حقيقي. (وقوله: على المعتمد) مقابله لا يثبت
الخيار فيها - وهو ما جرى عليه النووي في منهاجه (قوله: وخرج بفي: كل بيع) أي بقوله في كل بيع، وقوله غير البيع:

33
فاعل خرج - أي خرج ما لا يسمى بيعا -. (قوله: كالابراء، إلخ) تمثيل لغير البيع. (وقوله: والهبة بلا
ثواب) أي
عوض. (وقوله: وقراض) هو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما. (وقوله: وحوالة) أي
وإن جعلت بيعا لعدم تبادرها منه. اه‍. بجيرمي. (وقوله: وكتابة) هي عقد عتق بلفظ الكتابة بعوض منجم بنجمين
فأكثر. (قوله: ولو في الذمة) أي ولو كانت الإجارة في الذمة، فلا يثبت فيها الخيار. والغاية للرد على القفال وطائفة حيث
قالوا بثبوت الخيار في الإجارة الواردة على الذمة كالسلم. وصورة الواردة على الذمة: ألزمت ذمتك حملي إلى مكة بدينار
مثلا. (وقوله: أو مقدرة بمدة) أي ولو مقدرة بمدة، وهي أيضا للرد على من صحح ثبوته في المقدرة بمدة، ومثلها
المقدرة بمحل عمل. وصورة الأولى: آجرتك داري سنة بدينار مثلا. وصورة الثانية: آجرتك لتخيط لي هذا الثوب، أو
لتحملني إلى مكة. وعبارة شرح المنهج: ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة، وكتب البجيرمي ما
نصه: قوله في المقدرة بمدة: قال في مهمات المهمات، وحينئذ فيعلم منه الثبوت في غيرها بطريق الأولى. اه‍.
شوبري أي: لأنها تفوت فيها المنفعة بمضي الزمن، ومع ذلك فيها الخيار، فثبوته في التي لا تفوت أولى، وهذا كله على
الضعيف. اه‍. (قوله: فلا خيار في جميع ذلك) أي الابراء وما بعده. (قوله: لأنها) أي المذكورات من الابراء وما
بعده. والمناسب لأنه، بتذكير الضمير العائد على جميع ذلك. (وقوله: لا تسمى بيعا) أي والخبر إنما ورد في البيع ولان
المنفعة في الإجارة تفوت بمضي الزمن، فألزمنا العقد، لئلا يتلف جزء من المعقود عليه، لا في مقابلة العوض. (قوله:
وسقط خيار من اختار لزومه) أي لخبر الشيخين. البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر اختر، أي البائع
والمشتري متلبسان بالخيار مدة عدم تفرقهما، إلا أن يقول - أو إلى أن يقول - أحدهما للآخر. فإذا قال ذلك الاحد ما
ذكر: سقط خياره، وبقي خيار الآخر. ثم اختيار اللزوم تارة يكون صريحا - كما في الأمثلة التي ذكرها - وتارة يكون
ضمنا: بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس إذ ذاك متضمن للرضا بلزوم العقد الأول. أفاده م ر. وقوله أن
يتبايعا العوضين: قضيته أنه لا ينقطع بتبايع أحد العوضين كأن أخذ البائع المبيع من المشتري بغير الثمن الذي قبضه منه،
وقد مر أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر إجازة، وذلك يقتضي انقطاع الخيار بما ذكر، فلعل قوله العوضين
تصوير. اه‍. ع ش. (قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن اختار. (قوله: كأن يقولا إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم منهما
معا. (قوله: أو من أحدهما) عطف على قوله من بائع ومشتر. (وقوله: كأن يقول إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم من
أحدهما. (قوله: فيسقط خياره) أي الاحد الذي اختار اللزوم. (قوله: ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا) محله ما لم يكن
المبيع ممن يعتق عليه، وإلا سقط خياره أيضا للحكم بعتق المبيع. (قوله: وسقط خيار كل منهما بفرقة إلخ) وذلك لخبر
البيهقي: البيعان بالخيار حتى يفترقا من مكانهما. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى
هنيهة، ثم رجع. (وقوله: بدن) خرج به فرقة الروح والعقل، فإنه لا يسقط بها، بل يخلف العاقد وليه أو وارثه - كما
سيأتي في قوله ولا يسقط بموت أحدهما إلخ - (وقوله: منهما أو من أحدهما) أي حال كون تلك الفرقة واقعة من
المتعاقدين أو من أحدهما فقط، وإذا وقعت منه فقط سقط خيارهما معا، ولا يختص السقوط بالمفارق، بخلافه في
صورة اختيار اللزوم بالقول، فإنه يختص بالقائل. فتنبه. (قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) أي يسقط بالفرقة، ولو حصلت
نسيانا - لا عمدا أو جهلا - بأن الفرقة تسقط الخيار. (قوله: عن مجلس العقد) متعلق بفرقة بدن. (قوله: عرفا) أي
المعتبر في الفرقة: العرف. قال سم: لأنه لا نص للشارع ولا لأهل اللغة فيه. (قوله: فما يعده إلخ) مبتدأ، خبره جملة

34
يلزم به العقد. (قوله: فإن كانا إلخ) بيان لما يعده الناس فرقة. (وقوله: في دار) بين ما بعده الناس فرقة بالنسبة لما إذا
كانا في دار ولم يبين ذلك فيما إذا كانا في سفينة. وحاصله أنه إن كانت كبيرة: فالفرقة فيها بالانتقال من مقدمها إلى
مؤخرها، وبالعكس. أو صغيرة: فبالخروج منها، أو بالرقي إلى صاريها. (وقوله: بأن يخرج أحدهما منها) أي من
الدار. قال البجيرمي: ظاهره ولو كان قريبا من الباب، وهو ما في الأنوار عن الامام الغزالي. ويظهر أن مثل ذلك ما لو
كانت إحدى رجليه داخل الدار معتمدا عليها وأخرجها. اه‍. ومثل الخروج: الصعود إلى سطحها، أو شئ
مرتفع فيها
- كنخلة - والنزول إلى بئر فيها. (قوله: أو في كبيرة) أي أو كانا في دار كبيرة. (وقوله: فبأن ينتقل إلخ) أي فالفرقة فيها
بأن ينتقل إلخ. (وقوله: إلى بيت من بيوتها) أي الدار. كأن ينتقل من صحنها إلى المجلس أو الصفة. (قوله: أو في
صحراء أو سوق) أي أو كانا في صحراء أو في سوق. (وقوله: فبأن يولي إلخ) أي فالفرقة في ذلك بأن يولي أحدهما
ظهره. (قوله: ويمشي قليلا) ضبطه في الأنوار بالقدر الذي يكون بين الصفين، وهو ثلاثة أذرع. (قوله: وإن سمع
الخطاب) أي تحصل الفرقة فيما إذا كانا بصحراء أو سوق بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلا - وإن سمع خطاب صاحبه -
فهو غاية لحصول الفرقة بما ذكر. (قوله: فيبقى خيار المجلس إلخ) مفرع على قوله يثبت خيار مجلس إلخ، أي وإذا ثبت
خيار المجلس فيبقى ولو طال مكثهما إلخ. وكان المناسب تقديمه على قوله وسقط خيار إلخ، وإسقاط قوله ما لم يتفرقا
- كما نبه على بعض ذلك البجيرمي - (قوله: ولو طال مكثهما إلخ) غاية لابقاء خيار المجلس. (وقوله: وإن بلغ) أي
المكث في محل سنين، فهو غاية للغاية. (وقوله: أو تماشيا منازل) معطوف على طال مكثهما، فهو غاية ثانية للإبقاء
المذكور - أي يبقى وإن تماشيا منازل - وذلك لعدم التفرق ببدنهما. (قوله: ولا يسقط) أي الخيار. (وقوله: بموت
أحدهما) أي في المجلس (قوله: فينتقل الخيار للوارث) أي ولو عاما. (وقوله: المتأهل) فإن لم يوجد، نصب الحاكم
عنه من يفعل الأصلح له من فسخ أو إجازة. (قوله: وحلف نافي فرقة) أي وصدق بحلفه. (قوله: أو فسخ) أي أو نافي
فسخ. (وقوله: قبلها) متعلق بفسخ (قوله: بأن جاءآ معا) أي إلى مجلس الحكم. (وقوله: وادعى على أحدهما فرقة)
أي قبل مجيئهما. (وقوله: وأنكرها) أي الفرقة. (وقوله: ليفسخ) علة للانكار. (قوله: أو اتفقا عليها) أي الفرقة (قوله:
وادعى أحدهما فسخا قبلها) أي الفرقة. (قوله: وأنكر الآخر) أي الفسخ قبل الفرقة. (قوله: فيصدق النافي) أي في
الصورتين. وفائدة تصديقه في الأولى: بقاء الخيار له، وليس لمدعي الفرقة الفسخ. ولو اتفقا على الفسخ والتفرق
واختلفا في السابق منهما - فكما في الرجعة - فيصدق مدعي التأخير. اه‍. بجيرمي. (قوله: لموافقته للأصل) وهو عدم
الفرقة، وعدم الفسخ. (قوله: ويجوز إلخ) شروع في خيار الشرط، ويسمى خيار التروي - أي التشهي والإرادة - وهو
يثبت في كل ما يثبت فيه خيار المجلس، إلا فيما سيذكره إجماعا، ولما صح أن بعض الأنصار كان يخدع في البيوع،
فأرشده (ص) إلى أنه يقول عند البيع لا خلابة، وأعلمه أنه إذا قال ذلك كان له خيار ثلاث ليال. ومعنى لا خلابة - وهي
بكسر الخاء المعجمة، وبالموحدة -: لا غبن ولا خديعة، واشتهرت في الشرع لاشتراط الخيار ثلاثة أيام، فإن ذكرت
وعلما معناها ثبت ثلاثا، وإلا فلا. (قوله: أي للعاقدين) بأن يصرح كل منهما بشرط الخيار، وكذا يجوز لأحدهما أن
يصرح بالشرط ويوافقه الآخر. (قوله: لهما أو لأحدهما) هذا بيان للمشروط له، فالجار والمجرور متعلق بخيار، ويجوز
أيضا شرط الخيار لأجنبي واحد أو اثنين، ولا يحب عليه إذا شرط له الخيار مراعاة المصلحة لشارطه له من فسخ أو إجازة،

35
بل له أن يفسخ أو يجيز - وإن كرهه، وليس لشارطه عزله، ولا له عزل نفسه، لأنه تمليك - على الأصح - لا توكيل. وإذا
مات انتقل الخيار لمن شرطه له. (قوله: في كل بيع) متعلق بيجوز، أو شرط، أي ويجوز ذلك في كل بيع. قال ع ش:
وخرج بالبيع ما عداه، فلا يثبت فيه خيار الشرط قطعا. اه‍. (قوله: فيه خيار مجلس) الجملة من المبتدأ والخبر صفة
لبيع، وهي للإيضاح لا للتخصيص. (قوله: إلا فيما يعتق فيه المبيع) أي إلا في البيع الذي يعتق فيه المبيع كشراء أصله
أو فرعه. وفي البجيرمي ما نصه: لا يخفى أن هذا الاستثناء متعين، لأنه لو اقتصر على قوله لهما شرط خيار لهما، أو
لأحدهما في كل ما فيه خيار المجلس: لم يصح، لان من جملة ما صدقاته: ما لو اشترى بعضه، فإن لكل منهما فيه خيار
المجلس، فيقتضي أن لهما أن يشترطاه للمشتري، وليس كذلك. اه‍. (قوله: لمشتر) أي وحده. (وقوله: للمنافاة) أي
بين الخيار والعتق، لان شرطه للمشتري وحده يستلزم الملك له، وهو يستلزم العتق، والعتق مانع من الخيار، وما أدى
ثبوته لعدمه غير صحيح من أصله، بخلاف ما لو شرط لهما، فإنه يصح - لوقفه - أي لكونه موقوفا. أو للبائع
فقط، فإنه
يصح أيضا، إذ الملك له. (قوله: وفي ربوي وسلم) أي وإلا في بيع ربوي وسلم. والفرق بين خيار المجلس، وخيار
الشرط - حيث استثني من الثاني هذان ولم يستثنيا من الأول، مع أن العلة في الامتناع متأتية فيه أيضا - أن خيار المجلس
يثبت قهرا، وليس له حد محدود - بخلاف خيار الشرط. (قوله: فلا يجوز شرطه) أي الخيار، أي ويفسد به البيع.
(وقوله: فيهما) أي في الربوي والسلم (لاشتراط القبض فيهما في المجلس) أي وما شرط فيه ذلك لا يحتمل الاجل،
فأولى أن لا يحتمل الخيار، لأنه أعظم غررا منه، لمنعه الملك أو لزومه. اه‍. شرح المنهج. (قوله: ثلاثة أيام فأقل) أي
وإنما يصح شرط الخيار ثلاثة إلخ، وتدخل ليالي الأيام المشروطة فيها، سواء السابقة منها على الأيام والمتأخرة عند ابن
حجر. وعند م ر: الليلة المتأخرة لا تدخل. ومحل جواز شرط ثلاثة الأيام ونحوها: فيما لا يفسد في المدة المشروطة،
فإن كان يفسد فيها، كطبيخ يفسد في ثلاثة أيام أو أقل وشرط الخيار تلك المدة: بطل العقد. (قوله: بخلاف ما لو أطلق)
أي لم يقيد بزمن أصلا - كأن قال بشرط الخيار وسكت - أي قيد بزمن مجهول، كأن قال بشرط الخيار أياما. (قوله: أو
أكثر من ثلاثة أيام) أي وبخلاف أكثر من ثلاثة أيام، أي شرط الخيار أكثر من ذلك، وفي بعض نسخ الخط إسقاط هذا،
ونصه: بخلاف ما لو أطلق أو زاد عليها، فإنه لا يصح العقد، وهو الأولى، الموافق لعبارة شرح المنهج، وذلك لسلامته
من التكرار الثابت على النسخة الأولى، لان قوله أو أكثر من ثلاثة أيام عين قوله بعد فإن زاد عليها. فتنبه. (قوله: من حين
الشرط) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر ثلاثة الأيام فأقل من وقت شرط الخيار، فلو قال بشرط ثلاثة أيام من الغد: لم يصح.
ويشترط أيضا أن تكون ثلاثة الأيام متوالية، فلو قال يوما بعد يوم: لم يصح.
(والحاصل) أن خيار الشرط لا يصح العقد معه إلا بشروط خمسة: أن يكون مقيدا بمدة - فخرج ما لو أطلق، كأن
قال حتى أشاور. وأن تكون معلومة، فخرج ما لو قال بشرط الخيار أياما. وأن تكون متصلة بالشرط، فخرج ما لو قال ثلاثة
أيام من الغد. وأن تكون متوالية، فخرج ما لو قال يوما بعد يوم. وأن تكون ثلاثة فأقل، فخرج ما لو زادت
فيبطل العقد في
الكل - لان الأصل منع الخيار - إلا فيما أذن فيه الشارع، ولم يأذن إلا في ذلك.
(قوله: سواء أشرط) أي الخيار، وهو تعميم في اعتبار الثلاثة من وقت الشرط: أي لا فرق في اعتبارها من ذلك
بين أن يحصل الشرط في العقد أو في المجلس، فإذا شرطا ثلاثة أيام وكان مضى من حين العقد يومان وهما بالمجلس:
صح الشرط المذكور. (قوله: والملك) مبتدأ، خبره: لمن أنفرد بخيار. (قوله: مع توابعه) أي فوائده متصلة أو منفصلة:
كاللبن، والتمر، والمهر، ونفوذ العتق والاستيلاد، وحل الوطئ، ووجوب النفقة، والحمل الحادث في زمن الخيار،

36
بخلاف الموجود حال البيع، فإنه مبيع - كالأم - لمقابلته بقسط من الثمن. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله مع توابعه:
إدخال التوابع هنا يقتضي دخولها في قوله وإلا فموقوف، وفيه نظر، لان حل الوطئ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل هو
حرام. وعتق البالغ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل نافذ. اه‍. (قوله: في مدة الخيار) متعلق بالملك، أي الملك في
مدة خيار الشرط أو المجلس، فلا فرق في التفصيل الذي ذكره بينهما.
(فإن قلت) كيف يتصور أن يكون خيار المجلس لأحدهما؟.
(قلت) يتصور فيما إذا اختار أحدهما لزوم العقد، والآخر لم يختر شيئا. (قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن أنفرد
بخيار. قال في حاشية الجمل على شرح المنهج: فإذا كان للمشتري وحده ملك المبيع وفوائده الحادثة بعد العقد، فإن
تم البيع فذاك، وإن فسخ رجع المبيع للبائع عاريا عن الفوائد، وتضيع عليه المؤن، ويفوز بالفوائد المشتري. وإن كان
للبائع وحده ملك المبيع، والفوائد كذلك، فإن فسخ فذاك، وإن تم البيع انتقل المبيع للمشتري عاريا عن الفوائد،
وتضيع المؤن عليه. وفي ق ل على المحلى: والزوائد في مدة الوقف تابعه للمبيع، وهي أمانة في يد الآخر. ويقال مثل
ذلك في الثمن وزوائده. اه‍. بحذف. (قوله: ثم إن كان إلخ) عبارة المنهج وشرحه بعد قوله لمن أنفرد بخيار، وإلا بأن
كان الخيار لهما، فموقوف إلخ. وهي أولى من عبارة شارحنا. (قوله: فإن تم البيع إلخ) مفرع على فموقوف، وتمام البيع
بينهما بإجازتهما له. (قوله: بان أنه) أي تبين أن الملك في المبيع مع توابعه. (وقوله: لمشتر) أي ملك له من حين
العقد. (قوله: وإلا) أي وإن لم يتم البيع، أي بأن اختار فسخه. (وقوله: فلبائع) أي فهو ملك للبائع، أي باق عليه،
وكأنه لم يخرج من ملكه.
(واعلم) أنه حيث حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، وحيث وقف وقف. (قوله: ويحصل
فسخ للعقد) أي بالقول وبالفعل، والأول ذكره بقوله بنحو فسخت. والثاني ذكره بقوله والتصرف إلخ. ومثله في ذلك
الإجازة، وجميع ما ذكره من صرائح الفسخ والإجازة. قال البجيرمي: قال شيخنا - ولعل من كنايتهما: نحو لا أبيع، أو لا
أشتري - إلا بكذا أو لا أرجع في بيعي، أو في شرائي. اه‍. (قوله: كاسترجعت المبيع) أي أو رفعته، وهو تمثيل لنحو
فسخت. (قوله: وإجازة) أي ويحصل بإجازة. (وقوله: فيها) أي مدة الخيار. (قوله: بنحو أجزت) متعلق بيحصل
المقدر. (قوله: كأمضيته) أي وألزمته، وهو تمثيل لنحو أجزت. (قوله: والتصرف) مبتدأ، خبره قوله فسخ. وخرج
بالتصرف: مجرد عرض المبيع على البيع، والاذن فيه في مدة الخيار، فليسا فسخا، ولا إجازة للبيع، لعدم إشعارهما من
البائع بعدم البقاء عليه، ومن المشتري بالبقاء عليه، لاحتمالهما التردد في الفسخ والإجازة. (قوله: في مدة الخيار)
المناسب: فيها، إذ المقام للاضمار. (قوله: بوطئ) متعلق بالتصرف، وإنما يكون فسخا أو إجازة بقيود خمسة: أن يكون
الواطئ ذكرا يقينا، وأن يكون الموطوء أنثى يقينا، وأن لا تكون حراما عليه كأخته، وأن يعلم أنها المبيعة، وأن لا يقصد
الزنا. فإن فقد واحد منها لا يكون فسخا ولا إجازة. وخرج بالوطئ: مقدماته، فلا تكون فسخا، ولا إجازة. (قوله:
وإعتاق) أي للرقيق المبيع كله أو بعضه، ويسري للباقي. ومثل الاعتاق: وقف المبيع (قوله: وبيع) أي بت أو بشرط
الخيار للمشتري فقط، وإلا بأن كان لبائع أو لهما لم يكن فسخا، ولا إجازة - كما صرح فيه في العباب - بجيرمي. (قوله:
وإجارة) أي للمبيع (قوله: وتزويج) أي للأمة أو للعبد (قوله: من بائع) متعلق بالتصرف. (قوله: فسخ) أي للبيع
لاشعاره بعدم البقاء عليه، وصح ذلك التصرف منه، لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له، فإن كان لهما: لم يحل،
ولو أذن له المشتري. (قوله: ومن مشتر إجازة للشراء) أي والتصرف بهذه المذكورات من مشر إجازة للبيع
، وذلك

37
لاشعاره بالبقاء عليه، والاعتاق نافذ منه: إن كان الخيار له أو لهما وأذن له البائع، وغير نافذ: إن كان للبائع، وموقوف: إن
كان لهما ولم يأذن له البائع فيه. ووطؤه حلال: إن كان الخيار له، إلا فحرام. (قوله: ويثبت لمشتر إلخ) شروع في خيار
العيب، ويسمى خيار النقيصة، وهو حاصل بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، أو التزام
شرطي. فالأول: كالتصرية. والثاني: كظهور العيب الذي ينقص العين والقيمة نقصا يفوت به غرض صحيح. والثالث:
كأن شرط في المبيع شيئا، ككون العبد كاتبا، أو الدابة حاملا، أو ذات لبن، فأخلف. (قوله: جاهل بما يأتي) أي من
ظهور عيب قديم، ومن تغرير فعلي. واحترز بالجاهل بذلك عن العامل به، فلا يثبت له الخيار به. (قوله: خيار) فاعل
يثبت. (قوله: في رد المبيع) متعلق بخيار. (قوله: بظهور عيب قديم) أي باق إلى وقت الفسخ، وكان الغالب في جنس
المبيع عدمه. فإن زال قبله، أو كان لا يغلب فيه ما ذكر - كقلع سن في الكبر، وثيوبة في أوانها في الأمة - فلا خيار.
(وقوله: منقص قيمة في المبيع) أي أو منقص عين المبيع نقصا يفوت به غرض صحيح، وإن لم تنقص به القيمة. فإن
كان به عيب لا ينقص عينه ولا قيمته - كقطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق، لا تورث شيئا، ول تفوت غرضا -
فلا خيار. (قوله: وكذا للبائع) أي وكذا يثبت الخيار للبائع إلخ (قوله: وآثروا الأول) أي اقتصر الفقهاء على ذكر الأول،
أي ثبوت الخيار للمشتري بظهور عيب قديم في المبيع، مع أن الثمن مثله في ذلك. (وقوله: لان الغالب في الثمن)
الانضباط إلخ، أي فلا يحتاج إلى ذكره. (قوله: والقديم إلخ) أي أن العيب القديم الذي يثبت به الخيار، هو ما قارن
العقد أو حدث قبل القبض، لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع. أما ثبوت الخيار في المقارن. فبالإجماع. وأما ثوبته في
الحادث قبل القبض، فلان المبيع فيه من ضمان البائع، فكذا جزؤه وصفته. قال في التحفة: ولم يبينوا حكم المقارن
للقبض، والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض، لان يد البائع عليه حسا، فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها، وهو لا
يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليما. اه‍. بتصرف. (قوله: وقد بقي) أي العيب، والجملة حالية من فاعل قارن،
وفاعل حدث. وخرج به ما إذا لم يبق إلى الفسخ: فلا خيار - كما مر -. (قوله: ولو حدث بعد القبض فلا خيار) محله ما
لم يستند لسبب متقدم عليه، كقطع يد الرقيق المبيع بجناية سابقة على القبض جهلها المشتري، وإلا فله الخيار، لأنه
لتقدم سببه صار كالمتقدم، فإن كان المشتري عالما بها فلا خيار له، ولا أرش. (قوله: وهو) أي العيب الذي يثبت به
الخيار للمشتري. (وقوله: كاستحاضة إلخ) أي وكخصاء رقيق أو بهيمة، وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه فيها، أما
لو كان الخصاء فيما يغلب وجوده فيها - كمأكول، أو نحو بغال، أو براذين - فلا يكون عيبا لغلبته فيها. وإنما كان الخصاء
فيما مر عيبا، لان الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر، لما فيه من فوات جزء
مقصود من البدن. (قوله: نكاح لامة) أي تزويج لامة، فهو عيب يثبت به الخيار، والأمة ليست بقيد، بل مثلها العبد،
فتزويجه عيب أيضا. وعبارة الروض: من عيوب الرقيق كونه مزوجا. اه‍. وهو شامل للذكر والأنثى. ومثله في النهاية.
فلو أسقط قوله لامة لكان أولى. (قوله: وسرقة) أي ولو صورة كالسرقة من دار الحرب، فإنها غنيمة، لكنها صورة سرقة،
فتكون عيبا. هكذا في ش ق. والذي في التحفة خلافه، وعبارتها: وسرقة إلا في دار الحرب، لان المأخوذ غنيمة. اه‍.
بحذف. (قوله: وإباق) حتى لو أبق عند المشتري ثبت له الرد، لأنه من آثار الإباق الأول الذي كان عند البائع، فلا يقال
إنه عيب حادث فيمنع الرد لأنه من آثار الأول. اه‍. ز ي. وقوله لأنه من آثار الإباق الأول: الفرض أنه علم وجود ذلك
العيب عند البائع، فلو لم يعلم وجوده عنده فلا رد، لأنه عيب حادث عند المشتري. اه‍. بجيرمي. (قوله: وزنا) أي
ولواط وردة. (قوله: أي بكل منها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف معلوم من السياق، وكان الأولى التصريح به - أي

38
يثبب الخيار بكل واحد من السرقة، والإباق، والزنا -. (قوله: وإن لم يتكرر) أي كل من السرقة وما بعدها، وهو غاية
لثبوت الخيار بكل منها. (وقوله: وتاب) معطوف على مدخول إن، وهو مجموع الجازم والمجزوم - أي
وإن تاب وحسن
حاله - وذلك لأنه قد يألفها، ولان تهمتها لا تزول. ومثل ما ذكر في ذلك: الجناية عمدا، والقتل، والردة. وقد نظم
بعضهم العيوب التي لا تنفع التوبة فيها بقوله:
ثمانية يعتادها العبد لو يتب بواحدة منها يرد لبائع
زنا، وإباق، سرقة، ولواطه وتمكينه من نفسه للمضاجع
وردته، إتيانه لبهيمة جنايته عمدا. فجانب له وع
وما عدا هذه العيوب: تنفع التوبة فيها. قال في النهاية: والفرق بين السرقة والإباق وبين شرب الخمر ظاهر. قال ع
ش: وهو أن تهمتهما لا تزول، بخلاف شرب الخمر. لكن، هل يشترط لصحة توبته من شرب الخمر ونحوه، مضي
مدة الاستبراء أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الثاني. اه‍. (قوله: ذكرا كان) أي الرقيق الصادر منه ما ذكر، أو أنثى. (قوله:
وبول إلخ) معطوف على استحاضة، أي وكبول من الرقيق. (قوله: بفراش إن اعتاده) أي عرفا، فلا يكفي مرة، لأنه كثيرا
ما يعرض مرة، بل مرتين ومرات، ثم يزول. ومثل الفراش: غيره - كما لو كان يسيل بوله وهو ماش - فإنه يثبت به الخيار
بالطريق الأولى، لأنه يدل على ضعف المثانة. ومثل ذلك: خروج دود القرح المعروف. ومحل ثبوت الخيار به، إن وجد
البول في يد المشتري أيضا، وإلا فلا، لتبين أن العيب زال، وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع.
(قوله: وبلغ سبع سنين) معطوف على اعتاده، أي وإن بلغ سبع سنين - أي تقريبا - فلا يعتد بنقص شهرين - كما في
ع ش - فلو نقص أكثر منهما لم يضر، فلا يثبت به الخيار، لأنه خرج منه في أوانه. (قوله: وبخر) هو بفتحتين: نتن الفم
وغيره - كالأنف -. (وقوله: وصنان) ضبطه في القاموس بالقلم بضم الصاد، وهو ظهور رائحة خبيثة من تحت الإبط
وغيره. ع ش. (وقوله: مستحكمين) بكسر الكاف، لأنه من استحكم، وهو لازم. وخرج ما إذا كان كل من البخر
والصنان عارضا - كأن كان الأول ليس ناشئا من المعدة، بل من تغير الفم لقلح الأسنان، وكأن كان الثاني ناشئا من عرق
أو اجتماع وسخ أو حركة عنيفة - فلا يثبت حينئذ بهما الخيار. (قوله: ومن عيوب الرقيق إلخ) وهي لا تكاد تنحصر، كما
أفاده تعبيره بمن. (قوله: كونه تماما إلخ) أي أو قاذفا، أو تمتاما.
(واعلم) أنهم عبروا في بعض العيوب بصيغة المبالغة، ولم يعبروا في بعضها بذلك. قال في التحفة: فيحتمل
الفرق، ويحتمل أن الكل على حد سواء، وأنه لا بد أن يكون كل من ذلك يصير كالطبع له بأن يعتاده عرفا - نظير ما
مر. اه‍. بالمعنى.
(قوله: أو آكلا لطين) أي أو مخدر. (قوله: لنحو خمر) أي من كل مسكر. قال الزركشي: وينبغي أن يقيد
بالمسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار، فإنه غالب فيهم. اه‍. مغني. (قوله: ما لم يتب عنها) قيد في جميع ما قبله، أي
هذه المذكورات - النميمة وما بعدها من العيوب - ما لم يتب منها، فإن تاب منها فلا يثبت بها الخيار. قال في التحفة:
وظاهر أنه لا يكتفي في توبته بقول البائع. اه‍. (قوله: أو أصم) أي ولو في إحدى أذنيه. والمراد به: ما يشمل ثقل
السمع، لأنه ينقص القيمة. (قوله: أو أبله) في ع ش: الأبله هو الذي غلبت عليه سلامة الصدر. وفي الحديث: أكثر
أهل الجنة البله يعني في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم أكيس الناس في أمر الآخرة. اه‍. مختار.
(أقول) والظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا، وإنما المراد بالابله من يغلب عليه التغفل، وعدم المعرفة، ويوافقه

39
قول المصباح: بله بلها - من باب تعب: ضعف عقله. اه‍. (قوله: أو مصطك الركبتين) أي أو الكعبين. قال في
القاموس: صكه: ضربه. وصك الباب: أغلقه، أو أطبقه. ورجل أصك، ومصك: مضطرب الركبتين
والعرقوبين. اه‍. والمناسب هنا: الأخير وما قبله. فمعنى اصطكاك الركبتين: التقاؤهما عند المشي، وانطباق إحداهما
على الأخرى واضطرابهما. (قوله: أو رتقاء) معطوف على نماما، أي ومن عيوب الرقيق كونه أمة رتقاء، وتذكير الضمير
باعتبار المرجع، لأنه إذا كان المرجع مذكرا والخبر مؤنثا، يجوز مراعاة المرجع ومراعاة الخبر. والأولى: الثاني.
وكالرتقاء: القرناء والأولى: هي التي انسد فرجها بلحم، والثانية: هي التي انسد فرجها بعظم (قوله: في آدمية) قيد في
الحامل، فالحمل عيب في الآدمية، وفيه أنه بصدد بيان عيوب الرقيق، فلا فائدة في ذكر هذا القيد. (وقوله: لا بهيمة) أي
ليس الحمل عيبا في بهيمة. ومحله: إذا لم تنقص بالحمل، وإلا كان عيبا أيضا. (قوله: أو لا تحيض) المناسب في
إعرابه أن يكون الفعل منصوبا بأن مضمرة بعد أو، والمصدر المؤول معطوف على المصدر السابق، وهو كونه - أي ومن
عيوب الرقيق - عدم حيض من بلغت عشرين سنة. (وقوله: أو أحد ثدييها) معطوف على المصدر السابق أيضا على
حذف مضاف، أي ومنها أيضا: كون أحد الخ. فتنبه (قوله: وجماع لحيوان) عطف على استحاضة، والجماع - بكسر
الجيم - امتناع الحيوان من الركوب عليه. وعبر بعضهم بجموح - بصيغة المبالغة - وهو يفيد اشتراط كثرة ذلك منه حتى
يصير طبعا له. قال في التحفة: وهو متجه - كنظائره. (قوله: ورمح) أي رفس. وليس المراد به الجري. وعبارة م ر:
وكونها رموحا وهي تفيد كثرة ذلك منها، وإلا فلا يكون عيبا. اه‍. بجيرمي. (قوله: وكون الدار منزل الجند) أي
مختصة بنزول الجند، أي العساكر فيها. (قوله: بالرجم) أي أو نحوه. (قوله: أو القردة) معطوف على الجن، أي أو
كون القردة ونحوهم يرعون - أي يأكلون - زرع الأرض، فهو يعد عيبا. (قوله: ويثبت) أي الخيار لمشتر في رد المبيع.
(وقوله: بتغرير فعلي) أي متعلق بالفعل، كالتصرية الآتية: فإنها من الافعال - إذ هي جمع اللبن في ثدي البهيمة - كما
سيأتي - قال البجيرمي: وكذا يثبت الخيار بتغرير قولي - كما سيأتي في مفهوم قوله: ولو باع بشرط براءته من العيوب إلخ
- من أنه لو باع بشرط براءة المبيع من العيوب فإنه لا يبرأ من شئ منها، بل للمشتري الخيار في جميعها. وهذا تغرير
قولي. اه‍. (قوله: وهو) أي التغرير (وقوله: حرام) أي من الكبائر - على المعتمد - لقوله عليه الصلاة والسلام: من
غشنا ليس منا، ولخبر الصحيحين في التصرية الآتي قريبا. (قوله: للتدليس) أي من البائع على المشتري. (وقوله:
والضرر) أي للمشتري، وقيل للمبيع، والأول أولى، لأنه هو الذي يطرد في جميع أمثلة التغرير، بخلاف ضرر المبيع،
فإنه إنما يظهر في بعضها - كالتصرية -. ولو لم يحصل تدليس من البائع: بأن لم يقصد التصرية - لنسيان أو نحوه - ففي
ثبوت الخيار وجهان: أحدهما المنع، وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير: لعدم التدليس. وثانيهما: ثبوته لحصول
الضرر، ورجحه الأذرعي، وقال إنه قضية نص الام. (قوله: كتصرية) من صرى الماء في الحوض -
بتشديد الراء -
بمعنى جمعه، وجوز الشافعي - رضي الله عنه - أن يكون من الصر، وهو الربط. والأصل في تحريمها خبر الصحيحين:
ألا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها - أي اشتراها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها - إن رضيها أمسكها، وإن
سخطها ردها وصاعا من تمر. وقيس بالإبل والغنم غيرهما. (وقوله: له) أي للحيوان المبيع، ولو من غير النعم. (قوله:
وهي) أي التصرية، شرعا: ما ذكر. وأما لغة: فهي أن تربط حلمة الضرع ليجتمع اللبن. (قوله: ليوهم المشتري) أي
ليوقع في وهم المشتري كثر اللبن. (قوله: وتجعيد شعر الجارية) معطوف على تصرية، أي وكتجعيد الشعر، فهو من
التغرير الفعلي المحرم، لأنه يدل على الجمال وقوة البدن. والمجعد: هو ما فيه التواء وانقباض - أي تثن، وعدم إرسال -

40
ولا يثبت الخيار بجعله على هيئة مفلفل السودان، لعدم دلالته على نفاسة المبيع، المقتضية لزيادة الثمن. ومثل
التجعيد: تحمير الوجه، وتسويد الشعر، فيثبت بهما الخيار أيضا. (قوله: لا خيار بغبن فاحش) أصل المتن لا بغبن
فاحش، فهو معطوف على ظهور عيب قديم، فقدر الشارح المتعلق: أي لا خيار بسبب وجود غبن فاحش على
المشتري. والفحش ليس بقيد، بل مثله - بالأولى - غيره. (قوله: كظن مشتر نحو زجاجة: جوهرة) أي لقربها من
صفتها، فاشتراها بقيمة الجوهرة. قال ع ش: وخرج به - أي بظنها جوهرة - ما لو قال له البائع هي جوهرة، فيثبت له
الخيار في هذه الحالة. اه‍. وقال في فتح الجواد: ومحل ذلك أي عدم ثبوت الخيار، فيما إذا ظنها جوهرة: إذ لم يشتد
ظنه لفعل البائع، بأن صبغ الزجاجة بصبغ صيرها به تحاكي بعض الجواهر، فيتخير حينئذ - لعذره -. اه‍. (قوله:
لتقصيره بعمله) تعليل لعدم ثبوت الخيار بذلك، أي لا يثبت له الخيار بذلك، لتقصيره بكونه عمل بمجرد وهمه، من غير
بحث واطلاع أهل الخبرة على ذلك، ولأنه (ص) لم يثبت الخيار لمن يغبن، بل أرشده إلى اشتراط الخيار. (قوله: والخيار
بالعيب) مبتدأ، خبره فوري. (قوله: ولو بتصرية) الغاية للرد على القائل بأن الخيار في المصراة يمتد ثلاثة أيام، والأولى
تأخيره بعد قوله فوري، لأنه يوهم أن الخيار بالتصرية فيه خلاف، وليس كذلك، بل الخلاف إنما هو في الفوري. (قوله:
فوري) أي إجماعا. ومحله في المبيع المعين، فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم، فوجده معيبا، لم يلزمه
فور، لان الأصح أنه لا يملكه إلا بالرضا بعيبه، ولأنه غير معقود عليه. اه‍. تحفة (قوله: فيبطل) أي الخيار بالتأخير. قال
في شرح المنهج: وأما خبر مسلم: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر
إلا بثلاثة أيام. (قوله: بلا عذر) متعلق بالتأخير. وخرج به ما إذا كان بعذر فإنه لا يبطل الخيار. وسيذكر الاعذار التي تبيح
له التأخير - كالصلاة، والاكل، وقضاء الحاجة، والجهل بأن له الرد، أو بكونه على الفور -. وفي البجيرمي ما نصه: هل
من العذر نسيان الحكم أو العيب أو نحوهما؟ ثم رأيت نقلا عن ع ش - عند قول الشارح ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب
عهده بالاسلام - ما نصه: وخرج بجهل الرد أو الفور، ما لو علم الحكم ونسيه - فلا يعذر به - لتقصيره. اه‍. (قوله:
ويعتبر الفور عادة) أي أنه ليس المراد الفور حقيقة، بل عادة - أي عادة عامة الناس - كما في ع ش. قال في النهاية، فلا
يكلف الركض في الركوب العدو في المشي ليرد. اه‍. (قوله: فلا يضر إلخ) مفرع على مفهوم قوله بلا عذر، أي أما إذا
كان بعذر كصلاة إلخ، فلا يضر تأخيره، وليس مفرعا على قوله عادة، وإلا صار قوله بلا عذر ضائعا لا مفهوم له. (وقوله:
صلاة) أي ولو نفلا (قوله: وأكل) بالرفع، معطوف على صلاة، أي ولا يضر أكل، ولو تفكها. (قوله: دخل وقتهما) أي
وقت الصلاة ووقت الاكل. وهذا إنما يشمل بالنسبة للصلاة ذات الوقت من فرض أو نفل، ولا يشمل النفل المطلق لأنه
ليس له وقت. ومحله: إذا علم بالعيب قبل الشروع فيه. أما إذا علم بالعيب وهو في صلاة النفل المطلق: كملها، ولا
يؤثر ذلك. وعبارة الشوبري: وشمل كلامه النافلة مؤقتة، أو ذات سبب، لا مطلقة، إلا إن كان شرع فيتم ما نواه، وإلا
اقتصر على ركعتين. اه‍. وفي البجيرمي - بالنسبة لوقت الاكل - ما نصه: وانظر وقت الاكل ماذا؟ هل هو تقديم الطعام،
أو قرب حضوره؟ والظاهر أن كلا منهما يقال له وقت الاكل، وكذا توقان نفسه إليه وقته. (قوله: وقضاء حاجة) معطوف
على صلاة، فهو مرفوع، أي ولا يضر قضاء حاجة، من بول، أو غائط، أو جماع، أو دخول حمام. (
قوله: ولاسلامه
على البائع) أي ولا يضر في ثبوت الخيار بالعيب: سلام المشتري على البائع بعد علمه بالعيب، ولا يضر أيضا لبسه ما
يتجمل به عادة. (قوله: بخلاف محادثته) أي محادثة المشتري البائع، فإنه يضر. (قوله: ولو علمه إلخ) أي ولو علم
المشتري بالعيب ليلا فله تأخير الرد إلى أن يصبح، لعدم التقصير. وقيد ابن الرفعة: بكلفة السير فيه، أما إذا لم يكن عليه
كلفة بالسير فيه - كأن كان جارا له - فليس له التأخير إلى ذلك، بل يستوي حينئذ الليل والنهار. (وقوله: حتى يصبح) أي

41
ويدخل الوقت الذي جرت به العادة بانتشار الناس إلى مصالحهم عادة. اه‍. ع ش. (قوله: ويعذر) أي المشتري.
(وقوله: في تأخيره) أي خيار الرد بالعيب. (قوله: بجهله) أي المشتري. (وقوله: جواز إلخ) مفعول جهله. (قوله: إن
قرب إلخ) قيد في كونه يعذر بذلك، أي يعذر بذلك إن قرب عهده بالاسلام. قال في التحفة: وهو ممن يخفى عليه،
بخلاف من يخالطنا من أهل الذمة. اه‍. (قوله: أو نشأ بعيدا عن العلماء) المراد بالبعد هنا - أخذا من كلام الشيخين -
أن ينشأ بمحل يجهل أهله الاحكام. والغالب أن يكون بعيدا عن بلاد العلماء، وهي محل من يعرف الاحكام الظاهرة
التي لا تكلف العامة بعلم ما عداها. ولو فرض أن أهل محل يجهلون ذلك، وهم قريبون ممن يعرف ذلك، كان حكمهم
كذلك - فيما يظهر -. فالتعبير بالبعد ليس بالاشتراط، بل لأنه الغالب في مثل ذلك. ويجري مثل ذلك في نظائره. حجر.
ع ش. بجيرمي. والمراد بالعلماء: من يعلمون هذا الحكم، وإن لم يعلموا غيره. (قوله: وبجهل فوريته) معطوف على
بجهله جواز الرد، أي ويعذر بجهله أن الرد ثابت فورا. (وقوله: إن خفي عليه) أي إن خفي عليه هذا الحكم، وهو الرد
فورا. وعبارة التحفة: إن كان عاميا يخفى على مثله. اه‍. ومقتضى قول الشارح إن خفي عليه - من غير تقييده بالقيد
الذي جعله قبله، أعني قرب عهده إلخ - أنه يعذر في هذه الصورة، ولو كان مخالطا لأهل العلم، لان هذا مما يخفى على
كثير من الناس. (قوله: ثم إن إلخ) مرتبط بقوله والخيار فوري. والأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه. (قوله:
رده) أي المبيع المعيب. (قوله: أو وكيله) أي المشتري. قال في التحفة: ولولي المشتري ووارثه الرد أيضا - كما هو
ظاهر - اه‍.. وذلك لانتقال الحق لهما. (قوله: على البائع) متعلق برده، أي رده على البائع، أي أو موكله إن كان البائع
وكيلا عن غيره في البيع. (وقوله: أو وكيله) أي البائع الذي وكله في قبول السلع المردودة. (قوله: ولو كان البائع إلخ)
الأولى في المقابلة والأخضر أن يقول: وإن كان غائبا عنها إلخ. قال في شرح الروض: وألحق في الذخائر: الحاضر
بالبلد إذا خيف هربه الغائب عنها. اه‍. (قوله: ولا وكيل له) أي للبائع. (وقوله: بها) أي بالبلد. (قوله: رفع الامر) أي
شأن الفسخ، بأن يدعي رافع الامر شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه، ثم ظهر العيب، وأنه فسخ
البيع، ويقيم البينة بذلك، ويحلفه أن الامر جرى كذلك، ويحكم بالرد على الغائب، ويبقى الثمن دينا عليه، ويأخذ
المبيع، ويضعه عند عدل، ويقضى الدين من مال الغائب، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه. اه‍. شرح المنهج.
(وقوله: إلى الحاكم) بقي ما لو كان غائبا، ولا وكيل له بالبلد، ولا حكم بها، ولا شهود، فهل يلزمه السفر إليه، أو إلى
الحاكم إذا أمكنه ذلك بلا مشقة لا تحتمل؟ وقد يفهم من المقام اللزوم. اه‍. سم. (وقوله: وجوبا) معنى كونه واجبا أنه
إذا تراخى عن الرفع للحاكم سقط حقه من الرد، لا أنه يأثم بتركه. (قوله: ولا يؤخر لحضوره) أي ولا يؤخر المشتري
الرد لحضور الغائب. قال سم: ينبغي ولا للذهاب إليه. اه‍. (قوله: فإذا عجز) أي المشتري. (وقوله: عن الإنهاء) أي
رفع الامر للحاكم. (وقوله: لنحو مرض) أي كخوف من عدو. (قوله: أشهد على الفسخ) أي لزوما. وعبارة المنهاج:
ويلزمه الاشهاد على الفسخ. اه‍. قال في المغني: لان الترك يحتمل الاعراض، وأصل البيع اللزوم، فنعين الاشهاد
بعدلين - كما قاله القاضي حسين، والغزالي - أو عدل ليحلف معه - كما قاله ابن الرفعة - وهو الظاهر. اه‍. (قوله: فإن
عجز عن الاشهاد) أي على الفسخ، بأن لم يلق من يشهده. (وقوله: لم يلزمه تلفظ) أي بالفسخ، وذلك لأنه يبعد لزومه
من غير سامع، فيؤخره إلا أن يأتي به عند المردود عليه - أو الحاكم - لعدم فائدته قبل ذلك. (قوله: وعلى
المشتري) أي
يجب عليه بعد الاطلاع على العيب وقبل الرد. (وقوله: ترك استعمال) أي للمبيع.

42
والاستعمال طلب العمل، فلو خدمه وهو ساكت، لم يضر. كذا في ع ش، نقلا عن سم. وفي المغني نقلا عن
الأسنوي - وهو ما يصرح به قول شارحنا، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب، لم يضره.
والذي يصرح به عبارة التحفة والنهاية أن الطلب ليس بقيد، بل المدار على ما يعد انتفاعا - سواء كان بطلب، أم
بغير طلب - كما ستقف على عبارتهما قريبا عند قوله: فلو استخدم إلخ. ويستثنى من وجوب ترك الاستعمال: ركوب ما
عسر سوقه وقوده، فلا يضر.
(قوله: فلو استخدم رقيقا) أي طلب منه أن يخدمه، كقوله اسقني، أو أغلق الباب، وإن لم يطعه، أو استعمله،
كأن أعطاه الكوز من غير طلب، فأخذه، ثم أعاد إليه، بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده، لان وضعه بيده كوضعه
بالأرض. اه‍. تحفة. ومثلها النهاية. وقوله: أو استعمله: معطوف على طلب، أي استعمله وانتفع به من غير طلب.
وعبارة البجيرمي: ومثل استخدامه: خدمته - كأن أعطاه كوزا من غير طلب، فأخذه، ثم رده له، بخلاف ما إذا لم
يرده له - لان مجرد أخذ السيد له لا يعد استعمالا، لان وضعه في يد السيد كوضعه في الأرض. اه‍.
وعبارة المغني:
(تنبيه) أفهم كلام المصنف - أن الرقيق لو خدم المشتري، وهو ساكت لم يؤثر، لان الاستخدام طلب العمل، وهو
متجه - كما قاله الأسنوي. اه‍.
(قوله: أو ناولني الثوب) ومثله، ما لو أشار إليه - كما هو ظاهر -. وأما الكتابة، فيحتمل أنه إن دلت قرينة على
الطلب منه أو نواه بطل خياره، وإلا فهي كالنية. ع ش. (قوله: فلا رد قهرا) أي الرد القهري من المشتري ينتفي
بالاستعمال المذكور، لاشعاره بالرضا بالعيب. (وقوله: وإن لم يفعل الرقيق ما أمر به) غاية لنفي الرد القهري. (قوله:
فإن فعل) أي الرقيق شيئا من ذلك، أي المذكور من السقي، والمناولة، والإغلاق (وقوله: لم يضر) تبع فيه الخطيب،
وسم على المنهج والذي عليه شيخه حجر و: م. ر: أنه إذا استعمله من غير طلب: ضر أيضا - كما يعلم من عبارتهما
المارة. - (قوله: فرع) الأولى فروع - بصيغة الجمع - وهي أربعة: قوله لو باع، وقوله ولو اختلفا،
وقوله ولو حدث عيب،
وقوله ويتبع في الرد. (قوله: لو باع) أي العاقد - سواء كان متصرفا عن نفسه أو وليا، أو وصيا، أو حاكما، أو غيرهم - كما
يفيده إطلاقه. (قوله: أو غيره) أي غير حيوان، كقماش. (قوله: بشرط براءته) أي بأن قال بعتك بشرط أني برئ من
العيوب التي بالمبيع، ومثله ما لو قال: إن به جميع العيوب، أو لا يرد علي بعيب، أو عظم في قفة، أو أعلمك أن به جميع
العيوب، فيصح العقد مطلقا، لأنه شرط يؤكد العقد، ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب. اه‍. خضر. فالضمير
في قوله براءته: للبائع. وأما شرط براءة المبيع - بأن قال بشرط أنه سليم أو لا عيب فيه - فالظاهر أن لا يبرأ عن العيب
المذكور - كما قال ح ل - وإن كان البيع صحيحا. اه‍. بجيرمي. (قوله: في المبيع) المقام للاضمار، فالأولى أن يقول
فيه بالضمير العائد على ما ذكر من الحيوان أو غيره، ومثل المبيع: الثمن، فلو اشتري بشرط براءته من العيوب في الثمن:
صح العقد، وبرئ إلخ. ولعله ترك التنبيه عليه لما مر من أن الثمن مضبوط غالبا، فلا يحتاج إلى شرط البراءة فيه. (قوله:
أو أن لا يرد) معطوف على براءته، أي أو بشرط أن لا يرد بالعيوب الكائنة فيه. (قوله: صح العقد) جواب لو.
(قوله: وبرئ من عيب باطن) أي وهو ما يعسر الاطلاع عليه، ومنه: الزنا، والسرقة، والكفر. والظاهر: بخلافه، ومنه:

43
نتن لحم الجلالة، لأنه يسهل فيه ذلك. وقيل: الباطن ما يوجد في محل لا تجب رؤيته في المبيع لأجل صحة البيع،
والظاهر بخلافه. (قوله: موجود حال العقد) خرج به: ما إذا وجد بعد العقد وقبل القبض - فلا يبرأ منه البائع مطلقا -
سواء علمه أم لا، ظاهرا كان أو باطنا، وذلك لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا عند العقد فقط. (قوله: لم يعلمه
البائع) خرج به ما إذا علمه - فلا يبرأ منه - لتقصيره بكتمه إذ هو تدليس يأثم به. (قوله: لا عن عيب باطن في غير الحيوان)
أي لا يبرأ عن عيب باطن فيه. وفارق الحيوان: غيره، بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه، فقلما ينفك عن عيب ظاهر أو
خفي، فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه. بخلاف غير الحيوان، فالغالب عليه: عدم التغير،
فلذلك لم يبرأ من عيبه مطلقا. (وقوله: لا ظاهر فيه) أي ولا يبرأ عن عيب ظاهر في الحيوان مطلقا، علمه أم لا. (قوله:
ولو اختلفا) أي العاقدان. (وقوله: في قدم العيب) أي وحدوثه، وذلك بأن ادعى المشتري أنه قديم ليرد على البائع،
وادعى البائع أنه حادث فلا يرد عليه. (قوله: واحتمل صدق كل) أي أمكن حدوثه وقدمه. واحترز بذلك عما إذا لم يمكن
إلا حدوثه - كما لو كان الجرح طريا، والبيع والقبض من سنة، وعما إذا لم يمكن إلا قدمه - كما لو كان الجرح مندملا،
والبيع والقبض من أمس - فإنه يصدق في الأول: البائع، وفي الثاني: المشتري (قوله: صدق البائع بيمينه) أو يحلف
على حسب جوابه، فإن قال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره، أو لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك. أو قال
في جوابه: ما أقبضته وبه هذا العيب، أو ما أقبضته إلا سليما من العيب، حلف على ذلك. والجوابان الأولان عامان،
لشمولهما لعدم وجود العيب عند البائع، ولوجوده مع علم المشتري به. والآخران خاصان. ولو أبدل أحد العامين
بالآخر، أو أحد الخاصين بالآخر: كفى. وكذا لو أبدل العام بالخاص، لأنه غلظ على نفسه، بخلاف ما لو أبدل الخاص
بالعام بأن كان جوابه خاصا، وذكر في يمينه العام، فلا يكفي. أفاده في النهاية. (قوله: في دعواه) متعلق بصدق،
وضميره يعود على البائع. (وقوله: حدوثه) مفعول المصدر، وضميره يعود على العيب. (قوله: لان الأصل لزوم العقد)
أي استمراره، وإنما حلف مع أن الأصل معه، لاحتمال صدق المشتري. قال في شرح المنهج: نعم، لو ادعى قدم
عيبين، فأقر البائع بقدم أحدهما، وادعى حدوث الآخر، فالمصدق: المشتري بيمينه، لان الرد يثبت بإقرار البائع
بأحدهما، فلا يبطل بالشك. اه‍. (قوله: وقيل لان الأصل عدم العيب في يده) أي البائع. (قوله: ولو حدث عيب) أي
في المبيع. (قوله: لا يعرف القديم بدونه) أي الحادث. وفي العبارة حذف، أي وجد عيب قديم، لكن لا يعرف - أي لا
يطلع عليه إلا بذلك الحادث - فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه - كتقرير بطيخ حامض، يمكن معرفة حموضته
بغرز شئ فيه، وكتقوير بطيخ كبير يستغنى عنه بصغير - سقط الرد القهري. (قوله: ككسر إلخ) تمثيل
للعيب الحادث
الذي لا يعرف القديم إلا به. (وقوله: بيض) أي لنحو نعام - كما في التحفة، ولعله سقط هنا من الناسخ - فلو اشترى
بيض نعام، على أن فيه فرخا، فكسره - أي ثقبه - فوجد خاليا من الفرخ، رده بالعيب القديم. وخرج به: بيض غير
النعام - كبيض الدجاج إذا وجده بعد كسره مذرا، فإن البيع يبطل فيه، لوروده على غير متقوم، فيرجع المشتري بجميع
الثمن، فلا يتصور فيه رد، بخلاف الأول، فإن قشره متقوم، فهو يثبت فيه الرد، فإن لم يرده فلا شئ له. (وقوله: وتقوير
بطيخ) - بكسر الباء أشهر من فتحها، ومثله كل ما مأكوله في جوفه، كالرمان. (وقوله: مدود) أي بعضه. واحترز بالبعض
عما إذا دود كله فإنه يوجب فساد البيع لأنه غير متقوم، فيرجع المشتري بكل ثمنه. قال في التحفة: ولو اشترى نحو بيض
أو بطيخ كثير، فكسر واحدة، فوجدها معيبة لم يتجاوزها - لثبوت مقتضى رد الكل بذلك، لما يأتي من امتناع رد البعض
فقط. وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا - على الأوجه - لأنه وقف على العيب المقتضي للرد بالأول، فكان الثاني: عيبا
حادثا. ويظهر أنه لو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى: كان الحكم كذلك. اه‍. (قوله: رد) أي ذلك المبيع،

44
وهو جواب لو. (قوله: ولا أرش عليه) أي على المشتري الراد لتسليط البائع له على كسره، لتوقف علم عيبه عليه.
والأرش - بوزن العرش - في الأصل: دية الجراحات، ثم استعمل في التفاوت بين قيم الأشياء - كما لو كانت قيمة المبيع
سليما مائة، ومعيبا تسعين - فالأرش: التفاوت الحاصل بين القيمتين، وهو - هنا - عشرة. (قوله: ويتبع) أي المبيع
المعيب الذي رد. (قوله: الزيادة) فاعل يتبع. (وقوله: المتصلة) أي بالمبيع، ومثله الثمن. (قوله: كالسمن) بكسر،
ففتح، وهو تمثيل للزيادة المتصلة. ومثله: كبر الشجرة. (قوله: وتعلم الصنعة) أي والقرآن. (قوله: ولو بأجرة) أي ولو
كان التعلم بأجرة. وعبارة التحفة: ولو بمعلم بأجرة - كما اقتضاه إطلاقهم هنا - لكنهم في الفلس قيدوه بصنعة بلا تعلم،
فيحتمل أن يقال به هنا، بجامع أن المشتري غرم مالا في كل منهما، فلا يفوت عليه. اه‍. (قوله: وحمل) معطوف على
السمن، فهو مثال للزيادة المتصلة، وفيه أنه حيث قارن البيع لم تكن زيادة.
وعبارة المنهج: كحمل - بالكاف - وكتب البجيرمي عليه ما نصه: قوله كحمل، وهو تنظير، لا مثال، بدليل إعادة
الكاف، وعدم عطفه على ما مثل به، وأيضا الفرض أنه قارن، فلم تكن زيادة.
قال في شرح البهجة - بعد تقرير ما ذكر -: ويمكن جعله مثالا، بحذف مضاف - أي وكزيادة الحمل - بمعنى نموه
وكبره. شوبري. اه‍. وهو يتبع أمه، وإن انفصل إن كان له الرد: بأن لم تنقص أمه بالولادة. أما إذا نقصت بذلك فإنه
يسقط الرد القهري، لحدوث العيب بها عند المشتري، وله الأرش.
(قوله: لا المنفصلة) أي لا تتبع الزيادة المنفصلة. قال في التحفة: عينا ومنفعة. (قوله: كالولد والثمر) تمثيل
للمنفصلة عينا، ولم يمثل للمنفصلة منفعة. ومثالها: الأجرة. (قوله: وكذا الحمل الحادث) أي ومثل الزيادة المنفصلة:
الحمل الحادث في ملك المشتري. وفي البجيرمي: قال والد شيخنا: الراجح أن الصوف واللبن كالحمل، أي فيكون
الحادث للمشتري، سواء انفصل قبل الرد أو لا. ومثلهما: البيض - كما هو ظاهر -. اه‍. (وقوله: فلا تتبع) أي الزيادة
المنفصلة المبيع. (وقوله: بل هي) أي الزيادة المذكورة تبقى للمشتري، والحمل المذكور مثلها، يأخذه المشتري إذا
انفصل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في حكم المبيع قبل القبض
أي في بيان حكم ذلك، وهو أنه من ضمان البائع، بمعنى الانفساخ بالتلف، وثبوت الخيار بالتعيب، وعدم صحة
التصرف فيه، فالأحكام - في الحقيقة - ثلاثة، ومثل المبيع - فيما ذكر - الثمن المعين.
(قوله: المبيع) خرج به: زوائده المنفصلة، الحادثة بعد البيع وقبل قبض المبيع، فهي أمانة تحت يد البائع، ولا
أجرة لها، وإن استعملها البائع ولو بعد طلب المشتري لها كالمبيع، فإنه لا أجرة له إذا استعمله البائع. (قوله: قبل قبضه)
أي الواقع عن البيع، فلو أقبضه إياه: لا عن البيع، بل على أنه وديعة عنده، فهو كالعدم، فيكون باقيا على ضمان البائع.
(قوله: من ضمان بائع) أي وإن عرضه على المشتري فلم يقبله لبقاء سلطنته عليه، وإن قال له المشتري هو وديعة عندك.
والمراد بالبائع: المالك، وإن صدر العقد من وليه أو وكيله. (قوله: بمعنى انفساخ) يعني أن معنى كونه في ضمان البائع:
انفساخ إلخ. وكون هذا يقال له ضمان مجرد اصطلاح، ولا مشاحة فيه. وهذا الضمان يسمى ضمان عقد، وذلك لان

45
المال الذي تحت يد غيره: إما مضمون ضمان عقد كالمبيع والثمن، وإما مضمون ضمان يد كالمغصوب والمعار، وإما
غير مضمون أصلا كالمال الذي تحت يد الشريك أو الوكيل. (وقوله: بتلفه) أي بنفسه، بأن يكون بآفة سماوية. (وقوله:
أو إتلاف بائع) أي ولو بإذن المشتري. (قوله: وثبوت الخيار إلخ) معطوف على انفساخ البيع، أي وبمعنى ثبوت الخيار.
(وقوله: بتعيبه) أي المبيع بنفسه. (وقوله: أو تعييب إلخ) أي بفعل فاعل. (قوله: بإتلاف أجنبي) معطوف على بتعيبه.
أي ويثبت خيار المشتري بإتلاف أجنبي له، فهو يتخير بين إجازة البيع وفسخه، لفوات غرضه في العين، فإن أجاز البيع
غرم الأجنبي البدل، وإن فسخ غرمه البائع إياه. (قوله: فلو تلف إلخ) هذا لا حاجة إليه بعد قوله بمعنى انفساخ البيع بتلفه
أو إتلاف بائع، إلا أن يكون هذا من المتن - كالمنهج والمنهاج - لكن الذي بأيدينا من النسج أنه من الشرح. (قوله:
انفسخ البيع) أي لتعذر قبضه، مع عدم قيام البدل مقامه، فسقط الثمن عن المشتري، ويقدر انتقال ملك المبيع للبائع
قبيل التلف، فتكون زوائده للمشتري، حيث لا خيار أو تخير وحده. وقولي مع عدم قيام إلخ: خرج به ما إذا أتلفه أجنبي،
فإنه لا ينفسخ البيع به، بل يثبت الخيار للمشتري - كما مر - لوجوب بدله على المتلف له. (قوله: وإتلاف مشتر قبض)
أي فيبرأ منه البائع. ومحل ذلك: ما لم يكن إتلافه له بحق - كصيال وقود - وكان المشتري الامام، فإن كان كذلك فليس
بقبض. (قوله: وإن جهل) أي المشتري. وهو غاية لكون إتلافه قبضا. (قوله: أنه) أي ما أتلفه. (قوله: ويبطل تصرف)
أي في المبيع، بخلاف زوائده الحادثة بعد العقد، فيصح بيعها، لانتفاء ضمانها - كما تقدم -. (قوله: ولو مع بائع)
الغاية للرد أي ويبطل التصرف ولو كان مع البائع بأن يبيعه له. نعم، إن باعه للبائع بعين الثمن المعين إن كان باقيا أو
بمثله، إن كان تالفا أو في الذمة، صح، وكان إقالة بلفظ البيع. (قوله: بنحو بيع) إجماعا في الطعام، ولحديث
حكيم بن حزام بإسناد حسن: يا ابن أخي، لا تبيعن شيئا حتى تقبضه. وعلته ضعف الملك، لانفساخه بتلفه.
تحفة.
(قوله: كهبة إلخ) تمثل لنحو البيع. (قوله: فيما لم يقبض) متعلق بتصرف، ومثله المقبوض إن كان الخيار للبائع أو لهما.
(قوله: لا بنحو إعتاق) أي لا يبطل التصرف بنحو إعتاق. ودخل تحت النحو: الإيلاد والتدبير. (قوله: وتزويج الخ)
معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام. والأولى كتزويج - بكاف التمثيل - (وقوله: ووقف) أي سواء كان
على معين أو لا. (قوله: لتشوف الشارع إلى العتق) أي وإنما لم يبطل التصرف بذلك لتشوف الشارع إلى العتق - أي
تطلعه - وفي معنى العتق: البقية - من حيث إن في كل تصرفا من غير عوض في الجملة، أو تصرفا لا إلى مالك في
الجملة، فلا يرد على الأول التزويج، ولا على الثاني الوصية. أفاده الجمل. (وقوله: ولعدم توقفه) أي العتق على
القدرة، أي قدرة التسليم، بدليل صحة إعتاق الآبق. (قوله: ويكون به) أي بالاعتاق قابضا، ومثله الوقف والإيلاد. وفي
البجيرمي: وانظر، هل يترتب على كونه قابضا أو غير قابض فائدة؟ لان الفرض أنه خرج عن ملكه؟ (قوله: ولا يكون
قابضا بالتزويج) أي ونحو كالتدبير والوصية، فإن تلف: كان من ضمان البائع. (قوله: وقبض غير منقول) أي حاضر
بمحل العقد، فإن كان غائبا فسيذكر حكمه قريبا. وهذا بيان لحقيقة القبض المترتب عليه ضمان البائع قبله، فهو جواب
سؤال، كأنه قيل له: ما القبض؟ فبينه بقوله: وقبض إلخ. (قوله: من أرض) بيان لغير المنقول. (وقوله: وشجر) أي وإن
بيع بشرط القطع. ومثل الشجرة: الثمرة المبيعة قبل أوان الجذاذ. فهو من غير المنقول، إذ المراد به ما لا يمكن نقله
بحالة الذي هو عليه حالة البيع، والثمرة قبل ذلك كذلك. أما المبيعة بعد أوان الجذاذ فهي منقولة، فلا بد من نقلها - كذا
في التحفة -. (قوله: بتخلية) متعلق بمحذوف خبر قبض، أي أن قبض ذلك كائن بتخلية، ولا بد من لفظ يدل عليها،

46
كخليت بينك وبينه. (قوله: بأن يمكنه) تصوير للتخيلة، والضمير راجع للمشتري. (وقوله: منه) أي من المبيع غير
المنقول. (قوله: البائع) فاعل الفعل. (قوله: مع تسليمه المفتاح) أي إن كان مغلقا، وكان المفتاح موجودا. ولو
اشتملت الدار على أماكن بها مفاتيح: فلا بد من تسليم تلك المفاتيح، وإن كانت تلك الأماكن صغيرة - كالخزائن
الخشب - اه‍. ح ل. فالمراد بالمفتاح: الجنس. فلو قال له البائع: تسلمه واضع له مفتاحا، فينبغي أن يستغني بذلك
عن تسليم المفتاح. سم. بجيرمي. (قوله: وإفراغه إلخ) بالجر، عطف على تسليمه، وهو مضاف للضمير العائد على
غير المنقول من إضافة المصدر إلى مفعوله. (قوله: من أمتعة غير المشتري) أي من بائع، ومستأجر، ومستعير، وموصى
له بالمنفعة. أما أمتعة المشتري: فلا يشترط إفراغه منها. قال ع ش: والمراد بالمشتري من وقع له الشراء، فبقاء أمتعة
الوكيل، والولي مانع من صحة القبض، لأنها تمنع من دخول المبيع في يد من وقع له الشراء. اه‍.
وفي سم ما نصه: هل يجري هذا الشري - وهو فراغه من أمتعة غير المشتري - في المنقول، حتى لو كان المبيع
ظرفا كإناء وزنبيل مشغول بأمتعة غير المشتري لم يكف نقله قبل تفريغه؟ فيه نظر، ولا يبعد الجريان، وإن كان نقل
المنقول استيلاء حقيقيا. اه‍.
(قوله: وقبض منقول) أي حاضر بمحل العقد ثقيل. وخرج بالحاضر: الغائب - وسيذكر حكمه قريبا -،
وبالثقيل: الخفيف - فقبضه تناوله باليد إن لم يكن بيد المشتري، فإن كان بيده اعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل
أو التخلية، ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع، إلا إن كان له حق الحبس. (وقوله: من سفينة) أي يمكن جرها - كما في
التحفة والنهاية - فإن لم يمكن جرها فهي كالعقار، سواء كانت في البر أو البحر. (قوله: بنقله) متعلق بمحذوف خبر
المبتدأ، وهو قبض، المقدر بين العاطف والمعطوف - أي وقبض المنقول كائن بنقله، ونقل مصدر مضاف لمفعوله بعد
حذف الفاعل - أي نقل المشترى إياه، وذلك لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نشتري الطعام
جزافا، فنهانا رسول الله (ص) أن نبيعه حتى ننقله من مكانه.
وقيس بالطعام: غيره. والمراد بنقله: تحويل المشتري له - ولو بنائبه -. قال سم: ولو تبعا، لتحويل منقول آخر هو
بعض المبيع، كما لو اشترى عبدا وثوبا هو حامله، فإذا أمره بالانتقال بالثوب: حصل قبضهما. اه‍.
(قوله من محله) أي المنقول، أي المحل الذي فيه ذلك المنقول. (وقوله: إلى محل آخر) أي لا يختص به البائع
- كشارع أو دار للمشتري - أو يختص به لكن كان النقل إليه بإذنه، فيكون حينئذ معيرا له. (قوله: مع تفريغ
السفينة) أي
من الأمتعة التي لغير المشتري، ومثل السفينة: كل منقول، فلا بد من تفريغه - كما مر عن سم -. (قوله: ويحصل القبض
أيضا) أي كما يحصل بما مر. (قوله: بوضع البائع المنقول) أي الخفيف. (وقوله: بين يدي المشتري) أي أو عن يمينه
أو يساره أو خلفه. فالمراد: وضعه في مكان يلاحظه فيه. (وقوله: بحيث لو مد) أي المشتري. (وقوله: إليه) أي
المنقول. (قوله: لناله) أي أمسكه، وأخذه. (قوله: وإن قال) أي المشتري، وهو غاية لحصول القبض بوضعه بين يدي
المشتري. (وقوله: لا أريده) أي المنقول المبيع. وفي التحفة ما نصه: نعم، إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم
يضمنه، لأنه لم يضع يده عليه، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها. اه‍. (قوله: وشرط في غائب) أي في صحة
قبض مبيع غائب مطلقا - منقولا، أو غير منقول -. (وقوله: عن محل العقد) أي مجلسه، وإن كان بالبلد. اه‍. ع ش.
(قوله: مع إذن البائع في القبض) الظرف المذكور متعلق بشرط. (قوله: مضي زمن) نائب فاعل شرط، وإنما اشترط
ذلك: لان الحضور الذي كنا نوجبه - لولا المشقة - لا يتأتى إلا بهذا الزمن، فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن

47
بقي اعتبار الزمن. اه‍. شرح المنهج. (قوله: يمكن فيه المضي إليه) أي الوصول إلى ذلك المبيع الغائب. ويشترط
أيضا أن يمكن فيه النقل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره. فالشرط في الجميع: الامكان. وهذا إن كان المبيع
بيد المشتري، فإن كان بيد غيره فلا بد بعد مضي إمكان الوصول إليه من النقل بالفعل في المنقول، والتخلية والتفريغ في
غيره. (قوله: ويجوز لمشتري استقلال بقبض) أي بمعنى أنه لا يتوقف صحة قبضه على تسليم البائع ولا إذنه في
القبض، ولكن إن كان المبيع في دار البائع أو غيره، لم يكن للمشتري الدخول لاخذه من غير إذن في الدخول، لما
يترتب عليه من الفتنة وهتك ملك الغير بالدخول. فإن امتنع صاحب الدار من تمكينه جاز له الدخول لاخذ حقه، لان
صاحب الدار - بامتناعه من التمكين - يصير كالغاصب للمبيع. ع ش. (وقوله: إن كان الثمن مؤجلا) أي وإن حل بعده،
وإنما جاز له ذلك لان البائع رضي ببقائه في ذمته. (وقوله: أو سلم الحال) أي أو لم يكن مؤجلا، بل كان حالا كله أو
بعضه، وسلم الحال - أي لمستحقه - فإن لم يسلمه لم يستقل بقبضه، فإن استقل به لزمه رده، لان البائع يستحق حبسه،
ولا ينفذ تصرفه فيه. (قوله: وجاز استبدال) أي ولو قبض المبيع، لكن بعد لزوم العقد - لا قبله -.
قال في التحفة: وشرط الاستبدال لفظ يدل عليه صريحا أو كناية مع النية - كأخذته عنه -. وقوله: لفظ: أي إيجاب
وقبول، والأول من المشتري كاستبدلتك هذه الدراهم بهذه الإبل، أو خذ هذه بدل هذه، فيقول البائع قبلت، أو أخذته
منك - فلو لم يوجد لفظ لا يصح الاستبدال - فلا يملك ما يأخذه. قال سم: وبحث الأذرعي الصحة، بناء على صحة
المعاطاة. اه‍.
(قوله: في غير ربوي) متعلق بجاز، وخرج به الربوي، فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض في المجلس،
لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به. وعبارة شرح الروض: هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس، أما غيره -
كربوي بيع بمثله، ورأس مال سلم - فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض المعقود عليه في المجلس. إلخ. اه‍.
(قوله: بيع بمثله) الجملة صفة لربوي: أي ربوي موصوف بأنه بيع ربوي مثله. (وقوله: من جنسه) حال من مثله - أي
حال كون ذلك المثل من جنس الربوي. قال سم: لم يذكر هذا القيد في شرح الارشاد، ولا في شرح الروض. اه‍.
(قوله: عن ثمن) متعلق باستبدال، والمراد ثمن في الذمة. (وقوله: نقد أو غيره) تعميم في الثمن - أي لا فرق في الثمن
الكائن في الذمة بين أن يكون نقدا - أي دراهم أو دنانير - أو غير نقد. قال في التحفة: والثمن النقد إن وجد أحد
الطرفين، وإلا فما اتصلت به الباء، والمثمن مقابله. نعم، الأوجه فيما لو باع قنه مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال
عنها، وإن كانت ثمنا لأنها في الحقيقة مسلم فيها، فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الاستبدال عن الثمن. اه‍. (قوله: لخبر
إلخ) تعليل لجواز الاستبدال عن الثمن. (قوله: كنت إلخ) أي قال: كنت إلخ. فهو مقول لقول محذوف. (قوله: فسألته
عن ذلك) أي أخذ الدراهم بدل الدنانير، وأخذ الدنانير بدل الدراهم. والمراد: سألته عن حكم ذلك، هل هو
جائز أو لا؟
(قوله: فقال) أي النبي (ص). (وقوله: لا بأس) أي لا لوم. (وقوله: وليس بينكما شئ) أي من عقد الاستبدال. قال في
حاشية الجمل: وهو إشارة إلى التقابض. اه‍. أي إلى أن الاستبدال من جنس الربوي يشترط في صحته التقابض في
المجلس، كاستبدال الدراهم بالدنانير، وعكسه في السؤال. (قوله: وعن دين) معطوف على ثمن، أي وجاز استبدال
عن دين، أي غير ثمن وغير مثمن. أما الأول فقد ذكره قبل. وأما الثاني فلا يجوز الاستبدال عنه - كما سيذكره بقوله: ولا
يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة إلخ - وصنيعه: يفيد أن الثمن المعطوف عليه غير دين، مع أنه دين - كما علمت - فلو

48
قال - كما في المنهج - وصح استبدال عن دين غير مثمن بغير دين ودين قرض، لكان أولى وأخصر. (قوله: قرض إلخ)
بدل من دين، وعطف بيان له. (قوله: لا عن مسلم فيه) أي لا يجوز الاستبدال عنه، لكن بما لم يتضمن إقالة، بأن كان
بغير جنس رأس مال المسلم فيه، أو نقص. أما لو استبدل بما يتضمن ذلك فإنه يصح، ويكون إقالة. (وقوله:
لعدم استقراره) أي المسلم فيه، وذلك لأنه معرض بانقطاعه للفسخ، ولان عينه تقصد. (قوله: ولو استبدل موافقا إلخ)
بيان لمفهوم قوله في غير ربوي. (وقوله: في علة الربا) يفيد أن قوله المار من جنسه: ليس بقيد، فهو مؤيد لما علمته عن
سم. (قوله: كدرهم عن دينار) أي كاستبدال درهم عن دينار واقع ثمنا لمتاع. (قوله: اشترط إلخ) جواب لو. (وقوله:
قبض البدل في المجلس) قال في التحفة مع المتن: والأصح أنه لا يشترط التعيين للبدل في العقد - أي عقد الاستبدال -
بأن يقول هذا. (قوله: حذرا من الربا) علة لاشتراط ذلك. (قوله: لا إن استبدل) أي لا يشترط قبض البدل في المجلس
إن استبدل إلخ، وذلك لعدم الربا فيه. قال في النهاية: لكن لا بد من التعيين في المجلس قطعا. (قوله: ولا يبدل نوع
أسلم فيه) هذا عين قوله لا عن مسلم فيه، فالأولى حذفه والاقتصار على المعطوف بعده، كأن يقول ولا يبدل نوع مبيع في
الذمة إلخ.
ولو قال بدل قوله لا عن مسلم فيه: لاعن مثمن في الذمة مسلما فيه، أو مبيعا في الذمة بغير لفظ السلم، لكان أولى
وأخصر.
وعبارة التحفة مع المنهاج: ولا يصح بيع المثمن الذي في الذمة نحو المسلم فيه، ولا الاعتياض عنه قبل قبضه
بغير نوعه، لعموم النهي عن بيع، ما لم يقبض، ولعدم استقراره، فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ، أو الفسخ. والحيلة في
ذلك: أن يتفاسخا عقد السلم، ليصير رأس المال دينا في ذمته، ثم يستبدل عنه. اه‍. وقوله: المثمن الذي في الذمة:
قال سم: دخل فيه بيع الموصوف في الذمة بغير لفظ السلم ونحوه. اه‍.
(قوله: عقد) أي ذلك المبيع في الذمة. (وقوله: بغير لفظ السلم) أي بأن كان عقد عليه بلفظ البيع وهذا عل غير
طريقة شيخ الاسلام، أما على طريقته فالمبيع في الذمة مسلم فيه، وإن عقد بلفظ البيع، نظرا للمعنى. (قوله: بنوع
آخر) متعلق بيبدل. (قوله: ولو من جنسه) أي ولو كان النوع الآخر من جنس النوع المبدل منه. (قوله: كحنطة سمراء
إلخ) أي كإبدال حنطة سمراء عن حنطة بيضاء مبيعة في الذمة. (قوله: لأن المبيع إلخ) علة لعدم جواز إبدال المبيع في
الذمة، واقتصاره على المبيع - مع عدم ذكره المسلم فيه - يؤيد ما قلنا آنفا من أن الأولى الاقتصار على المبيع في الذمة.
(قوله: لا يجوز بيعه) المناسب إبداله، لأنه لم يتعرض لبيعه، وإن كان الحكم واحدا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

49
فصل في بيع الأصول والثمار
أي في بيان بيع الأمور التي تستتبع غيرها، وهي الشجر، والأرض، والدار، والبستان، والقرية. فالمعقود عليه إذا
كان واحدا من هذه الأمور - يندرج في غيره - كما وضحه الشارح رحمه الله تعالى. وقوله: والثمار: أي وبيع الثمار جمع
ثمر جمع ثمرة، وهي ليست من الأصول، فالعطف مغاير.
(قوله: يدخل في بيع أرض وهبتها إلخ) أي ونحوها من كل ناقل للملك: كإصداق، وعوض خلع وصلح. ولو قال
في نحو بيع أرض، لكان أولى. (قوله: والوصية بها) أي بالأرض. قال ع ش: وعليه فلو أوصى له بأرض، وفيها بناء
وشجر حال الوصية: دخلا في الأرض - بخلاف ما لو حدثا أو أحدهما بغير فعل من المالك - كما لو ألقى السيل بذرا في
الأرض فنبت، فمات الموصي وهو موجود في الأرض - لأنهما حادثان بعد الوصية، فلم تشملهما فيختص بهما الوارث.
اه‍. (وقوله: مطلقا) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده. والمراد بالاطلاق: عدم التقييد بإدخال وإخراج، فإن قيد
بالأول - بأن قال بعتك الأرض بما فيها - دخل نصا، لا تبعا. أو قيد بالثاني - بأن قال بعتك الأرض دون حقوقها، أو ما
فيها - لم يدخل. (قوله: لا في رهنها والاقرار بها) أي لا يدخل في رهن الأرض والاقرار بها ما فيها. ومثل الرهن: كل ما
لا ينقل الملك: كإجارة، وعارية. والفرق بين ما ينقل الملك وبين غيره: أن الأول قوي فتبعه غيره، بخلاف الثاني.
ومحل عدم الدخول - فيما ذكر - إذا لم يصرح بالدخول، فإن صرح به - كأن قال رهنتك، أو آجرتك، أو أعرتك الأرض
بما فيها، أو بحقوقها - دخل قطعا. (قوله: ما فيها) أي الأرض. وما: اسم موصول فاعل يدخل. أي يدخل الشئ الذي
استقر فيها. قال ع ش: وخرج بفيها: ما في حدها، فإذا دخل الحد في البيع دخل ما فيه، وإلا فلا. (قوله: من بناء
وشجر) بيان لما. (قوله: رطب) خرج به: اليابس، فلا يدخل. (قوله: وثمره) أي الشجر، فهو يدخل أيضا. (وقوله:
الذي لم يظهر عند البيع) فإن ظهر عنده لا يدخل. (قوله: وأصول بقل) البقل خضروات الأرض. قال في الصحاح: كل
نبات اخضرت به الأرض فهو بقل. (قوله: تجز) أي تلك الأصول، وفيه أن الأصل لا تجز، لأنها الجذور، وهي لا تجز.
فلو قال يجز - بالياء التحتية كما في متن المنهج - لسلم من ذلك. وخرج بالأصول: الثمرة، والجزة الظاهرتان عند البيع -
فهما للبائع. (قوله: كقثاء إلخ) في المنهج وشرحه ما نصه: وأصول بقل يجز مرة بعد أخرى، أو تؤخذ ثمرته مرة بعد
أخرى. فالأول: كقت. والثاني: نحو بنفسج، ونرجس، وقثاء، وبطيخ. اه‍. ومثله في فتح الجواد، وغيره.
إذا علمت ذلك: فكان الأولى أن يزيد: أو تؤخذ ثمرته، ويكون قوله - كقثاء - مثالا له، أو يمثل لما يجز بالقت، أي
البرسيم، أو الكراث، أو غير ذلك مما يجز مرة بعد أخرى.
(وقوله: وبطيخ) بكسر الباء فاكهة معروفة، وفي لغة لأهل الحجاز تقديم الطاء على الباء. والعامة تفتح الأول،
وهو غلط، لفقد فعليل بالفتح. اه‍. بجيرمي. (قوله: لا ما يؤخذ دفعة) أي لا يدخل في بيع الأرض ما يؤخذ دفعة - كبر
وفجل - بضم الفاء، بوزن قفل - فهو للبائع، وللمشتري الخيار حينئذ في الأرض إن جهل الزرع الذي لا يدخل، لتأخر
انتفاعه، وصح قبضها مشغولة به، ولا أجرة له مدة بقاء الزرع، لأنه رضي بتلف المنفعة تلك المدة. (قوله: لأنه ليس
للدوام والثبات) علة لعدم دخوله، وهذا بخلاف ما قبله، فإنه لما كان للدوام والثبات في الأرض، تبعها في البيع. (قوله:

50
فهو) أي ما يؤخذ دفعة واحدة. (قوله: كالمنقولات في الدار) أي كالمنقولات الكائنة في الدار المبيعة، فإنها لا تدخل
تبعا، وهي كأثاث البيت. (قوله: ويدخل في بيع بستان إلخ) قد يخرج الرهن، وهو ممنوع، فإن ألحق وفاقا لم أر أنه
يدخل في رهن البستان والقرية ما فيهما من بناء وشجر، خلافا لما يوهمه كلام شرح البهجة سم على منهج ع ش.
(وقوله: أرض) فاعل يدخل، ومحل دخولها - كما سيصرح به قريبا - إن كانت مملوكة للبائع، وإلا فإن كانت محتكرة أو
موقوفة، فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك. (قوله: وشجر) أي وكل ما له أصل ثابت من الزرع، لا
نحو غصن يابس، وشجرة وعروق يابسين. اه‍. نهاية. (قوله: وبناء) أي ويدخل بناء، وهذا هو المذهب، لثباته. وقيل
لا يدخل. قال ع ش: ويدخل أيضا الآبار، والسواقي المثبتة عليها. اه‍. (قوله: فيهما) متعلق بمحذوف صفة للثلاثة
قبله، وضميره يعود على البستان والقرية. (قوله: لا مزارع حولهما) أي لا يدخل المزارع الكائنة حول البستان والقرية،
أي من خارج السور. وعبارة التحفة مع الأصل: لا المزارع الخارجة عن السور والمتصلة به، فلا تدخل - على
الصحيح - لخروجها عن مسماها، وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها. اه‍. (قوله: لأنها) أي المزارع ليست منهما،
أي ليست داخلة في مسماهما. (قوله: وفي بيع دار إلخ) معطوف على في بيع بستان، أي ويدخل في بيع دار إلخ. وفي
البجيرمي: ومثلها الخان، والحوش، والوكالة، والزريبة، ويتجه إلحاق الربع بذلك. اه‍. (قوله: هذه الثلاثة) فاعل
يدخل المقدر. (قوله: أي الأرض إلخ) بدل من الثلاثة. (وقوله: المملوكة للبائع) خرج ما لو كانت موقوفة، أو محتكرة
فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك - كما علمت - (وقوله: بجملتها) متعلق بعامل البدل
المقدر، أي
تدخل الأرض بجملتها، أي بجميع ما فيها. (قوله: حتى تخومها) حتى: ابتدائية، والخبر محذوف، أي حتى تخومها
تدخل.
قال ع ش: وفي الشامي في سيرته ما نصه: التخوم - جمع تخمة - الحد الذي يكون بين أرض وأرض. وقال ابن
الاعرابي وابن السكيت: الواحد تخوم، كرسول، ورسل. وعبارة المختار: التخم - بالفتح - منتهى كل قرية أو أرض،
وجمعه تخوم - كفلس، وفلوس -. وقال الفراء: تخوم الأرض: حدودها. وقال أبو عمرو: هي تخوم الأرض، والجمع
تخم - مثل صبور، وصبر. والتخمة: أصلها الواو، فتذكر في وخم. اه‍.
(قوله: والشجر) معطوف على الأرض. (وقوله: المغروس فيها) عبارة التحفة: وشجر رطب فيها، ويابس قصد
دوامه - كجعله دعامة مثلا - لدخوله في مسماها. اه‍. وكتب سم: قوله: قصد دوامه: خرج يابس لم يقصد دوامه، ففي
دخوله وجهان. قال في شرح العباب كما لو كان فيها أوتاد، وقضيته دخولها، لكن الوجه خلافه. اه‍. (وقوله: وإن كثر)
أي الشجر، فإنه يدخل. (قوله: والبناء فيها) معطوف على الأرض، وهذا هو الثالث. (وقوله: بأنواعه) أي البناء.
والمراد بها: كونه من حجر أو خشب، أو سعف. (قوله: وأبواب) معطوف على اسم الإشارة. (وقوله: منصوبة) أي
مسمرة. قال ع ش: ومثلها المخلوعة وهي باقية بمحلها، أما لو نقلت من محلها فهي كالمقلوعة، فلا تدخل. اه‍.
(قوله: وإغلاقها) أي الأبواب، وهي الضبب المعروفة ونحوها. ويدخل مفاتيحها أيضا. (وقوله: المثبتة) خرج بها
المنقولة، فلا تدخل هي ولا مفاتيحها. (قوله: لا الأبواب المقلوعة) أي لا تدخل الأبواب المقلوعة، وهي محترز
منصوبة. (قوله: والسرور) أي ولا السرر - جمع سرير - لأنها منقولة. ومثل السرر: كل منقول - كالدلو، والبكرة،
والسلم، والرفرف غير المسمرين - (قوله: والحجارة المدفونة بلا بناء) أي ولا تدخل الحجارة المدفونة في الأرض بلا

51
بناء، فإن كانت ببناء دخلت. (قوله: لا في بيع قن) أي لا يدخل في بيع قن. (وقوله: حلقة) - بفتح اللام - وهي فاعل
يدخل المقدر. (وقوله: بإذنه) أي كائنة بإذن القن (قوله: وكذا ثوب عليه) أي وكذلك لا يدخل في بيعه ثوب عليه
- اقتصارا على مقتضى اللفظ. وقيل يدخل ثوبه الذي عليه حالة البيع. (قوله: وإن كان ساتر عورته) أي لا يدخل
الثوب، وإن كان ساترا لعورته. قال سم: إذا قلنا لا تدخل ثياب العبد حتى ساتر عورته، فهل يلزم البائع إبقاء ساتر عورته
إلى أن يأتي المشتري بساتر؟ فيه نظر. ويدل على عدم اللزوم جواز رجوع معير ساتر العورة - كما تقرر في باب العارية -.
(قوله: وفي بيع شجر رطب إلخ) مثله اليابس في أحكام، وهي دخول عروقه، وأغصانه، وأوراقه، وعدم دخول مغرسه.
وليس مثله في أحكام، وهي ما ذكرها بقوله: ويلزم المشتري قلع اليابس إلخ.
وحاصلها أنه إذا أطلق البيع في اليابس: يلزمه قلعه، وإذا شرط بقاؤه فسد البيع - إذ لا ينتفع بمغرسه - بخلاف
الرطب في الثلاثة، فالتقييد بالرطب بالنسبة لما ذكر فقط.
(قوله: بلا أرض) متعلق ببيع، وقيد به لان الأحكام الآتية من شرط القلع أو القطع، وعدم دخول المغرس إنما
تناسب بيعه وحده، لا مع الأرض. (قوله: عند الاطلاق) متعلق بيدخل المقدر، ومثل الاطلاق: شرط الابقاء أو القلع
- كما يؤخذ مما بعده - ولو اقتصر على قوله الآتي: إن لم يشرط قطع الشجر - لكان أولى - لشموله لذلك كله. تأمل.
(قوله: عرق) بكسر فسكون، وهو فاعل يدخل المقدر، أي يدخل في الشجر عرق، أي ولو امتد وجاوز العادة. (قوله:
ولو يابسا) هذا معتمد ابن حجر، تبعا لشيخ الاسلام. وخالف م ر، فاعمد عدم دخول اليابس. (قوله: إن لم يشرط) أي
يدخل العرق، وإن لم يشرط قطع للشجر، فإن شرط: فلا يدخل، عملا بالشرط، وتقطع الشجرة حينئذ من وجه الأرض
- بقاء على ما جرت به العادة في مثلها - فلو أراد المشتري حفر جزء من الأرض ليتوصل به إلى زيادة ما يقطعه لم يمكن.
(وقوله: بأن شرط إبقاؤه) أي أو شرط قلعه، فعدم اشتراط القطع صادق بثلاث صور: أن لا يشترط شئ أصلا - وهذه
صورة الاطلاق - وأن يشترط الابقاء. وأن يشترط القلع. ويعمل بالشرط مطلقا. (قوله: أو أطلق) أي لم يقيد بشرط
إبقاء، أو قلع، أو قطع. (قوله: لوجوب بقاء الشجر الرطب) أي وبقاؤه ببقاء عروقه، وهو علة لدخول العرق، أي وإنما
يدخل في بيع الشجر: العرق - لوجوب إلى آخره، وهذه العلة ظاهرة بالنسبة لما ذكره من الاطلاق، أو شرط الابقاء. وأما
بالنسبة لاشتراط القلع فلا تظهر - لأنه يجب القلع في هذه الحالة، وعدم إبقائه. تأمل. (قوله: ويلزم المشتري قلع
اليابس) أي الشجر اليابس، وهو مفهوم قوله رطب. قال البجيرمي: وظاهره أن قطعها غير كاف، مع أن فيه تركا لبعض
حقه، إلا أن يقال: محل لزوم القلع إذا كان بقاء الأصل مضرا بالبائع. اه‍. (وقوله: عند الاطلاق) أي عدم التقييد
بشرط إبقاء أو قطع أو قلع، كما تقدم. (قوله: فإن شرط قطعه أو قلعه) الضمير فيهما لليابس. (قوله: عمل به) أي
بالشرط. (قوله: أو إبقاؤه بطل البيع) أي أو شرط إبقاؤه، فإنه يبطل البيع لمخالفته للعرف. ومحل البطلان إن لم يكن
للبائع غرض صحيح في اشتراط الابقاء، وإلا صح. (قوله: ولا ينتفع المشتري بمغرسها) أي اليابسة، بخلاف الرطبة،
فإنه ينتفع بمغرسها - كما مر - ومعنى الانتفاع بذلك أن له منع البائع أن يفعل فيه ما يضر بالشجرة، وليس معنى ذلك أن له
إجارته، أو وضع متاع فيه أو إعارته. (قوله: وغصن رطب) أي ويدخل أيضا غصن رطب مطلقا، سواء شرط الابقاء أو
القطع، أو القلع، أو أطلق. ومثله يقال في الورق، فهما يخالفان العروق في اشتراط القطع. (قوله: لا يابس والشجر

52
رطب) أي لا يدخل الغصن اليابس، والحال أن الشجر رطب. فإن كان الشجر يابسا دخل - كما مر - (قوله: لان العادة
قطعه) أي اليابس، فكان كالثمرة. (قوله: وكذا ورق رطب) أي مثل الغصن في الدخول: ورق رطب، أما اليابس فلا
يدخل - كالغصن اليابس - بجامع اعتياد قطع يابس كل منهما، خلافا لما وقع في شرح المنهج من تعميمه في الورق.
(قوله: لا ورق حناء) أي ونحوه مما ليس له ثمر غيره - كورق النيلة، فإنه لا يدخل. (قوله: على الأوجه) أي عند ابن
حجر. وخالف م ر. فعنده تدخل الأوراق مطلقا. وعبارته: ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد، وسدر،
وحناء، وتوت أبيض، ونيلة - لان ذلك من مسماها - كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى. اه‍. ببعض تصرف.
(قوله: لا يدخل في بيع الشجر إلخ). ولكن المشتري ينتفع به ما دام الشجر باقيا تبعا بلا عوض. (وقوله:
مغرسة) بكسر
الراء، أي موضع غرسه، وهو ما سامته من الأرض وما يمتد إليه عروقه. (قوله: فلا يتبعه في بيعه) هو عين قوله لا يدخل
في بيع الشجر، فالأولى حذفه. (قوله: لان اسم الشجر لا يتناوله) أي المغرس، وهو تعليل لعدم الدخول. (قوله: ولا
ثمر ظهر) أي ولا يدخل ثمر ظهر، بل هو للبائع. والثمر ما يقصد من المبيع، ولو مشموما. (قوله: كطلع نخل) تمثيل
للثمر. (قوله: يتشقق) خبر لمبتدأ محذوف، مرتبط بالطلع، أي وظهوره يكون بتشقق له، وهكذا يقدر فيما بعده،
فالظهور يختلف باختلاف الثمرة، ففي طلع النخل بالتشقق، وفيما يخرج ثمره بلا نور - أي زهر: كتين، وعنب -
بالبروز. وفي نحو الجوز بالانعقاد. وفي نحو الورد بالتفتح. (قوله: فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري) هذا
لا يلائم التقييد بقوله أولا: ظهر. بل الملائم أن يقول فهو للبائع، ويحذف لفظ فما ظهر منه، ثم يقول: فإن لم يظهر:
فهو للمشتري. (قوله: ولو شرط الثمر) أي جميعه أو بعضه المعين، كالنصف. اه‍. شرح م ر. (وقوله: لأحدهما) أي
المتبايعين. (قوله: فهو) أي الثمر. (وقوله: له) أي للمشروط له من المتبايعين، البائع، أو المشتري. (قوله: عملا
بالشرط) تعليل لكونه للمشروط له. (قوله: سواء أظهر إلخ) تعميم في كونه للمشروط له. (وقوله: أم لا) قد يقتضي أنه
يصح أن يشرط للبائع حال عدم وجوده أصلا، وهو ممنوع، بل هو فرع الوجود - كما هو الفرض - لتفسيرهم الظهور
بالتأبير، وعدم الظهور بعدم ذلك. أفاده البجيرمي. (قوله: ويبقيان) بالبناء للفاعل أو المفعول. فعلى الأول: يكون بفتح
الأول، والثالث من بقي. وعلى الثاني: يكون بضم الأول، وفتح الثالث من أبقى. (قوله: أي الثمر الظاهر) أي
المستحق للبائع. (وقوله: والشجر) أي المستحق للمشتري. (قوله: عند الاطلاق) أي أو عند شرط الابقاء، بأن باع
الشجر مطلقا، أو بشرط إبقاء الثمر الظاهر، أو الشجر - فإن شرط القطع: لزمه - كما تقدم. (قوله: الجداد) بفتح الجيم
وكسرها، وإهمال الدالين وإعجامهما، بمعنى القطع. (قوله: لا تدريجا) أي ما لم تجر العادة بأخذه كذلك. (قوله:
وللمشتري) عبادة فتح الجواد: والمشتري - بحذف لام الجر، وعطفه على البائع - وهي أولى. (قوله: ما دام) أي
الشجر، حيا أو رطبا. (قوله: فإن انقلع) أي الشجر الحي بنفسه، وكذا إن قلع. (قوله: فله) أي المشتري. (وقوله:
غرسه) أي الشجر الحي بعد قلعه. (قوله: لا بد له) بالجر، عطف على ضمير غرسه. أي ليس له غرس بدله - تحكيما
للعادة -. (قوله: حملها) بفتح الحاء. (قوله: فإن لم يكن مملوكا لمالكها) بأن كان موصى به لغير مالكها. (وقوله:
كبيعها) أي كعدم صحة بيعها من غير حملها. (قوله: وكذا عكسه) أي بيع حملها بدونها، فإنه لا يصح.

53
(تتمة) لم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للشق الثاني من الترجمة، وهي بيع الثمار، والترجمة لشئ غير مذكور
معيبة عندهم. لا يقال إنه ذكره في قوله: ولا ثمر ظهر، لأنا نقول تكلمه هناك على الثمر من حيث التبعية للشجر، فهو
ليس بمبيع، بدليل أنه قد يكون للبائع، وقد يكون للمشتري. والقصد التكلم عليه من حيث إنه مبيع استقلالا.
وحاصل الكلام عليه أنه إن بدا صلاحه جاز بيعه مطلقا، وبشرط الابقاء أو القطع. وإلا فإن بيع منفردا عن الأصل
جاز، لكن بشرط القطع. وإن بيع مع الأصل جاز من غير شرط قطع، فإن شرط لم يجز، لما فيه من الحجر عليه في
ملكه. والله أعلم.
فصل في اختلاف المتعاقدين
أي في بيان ما يترتب على اختلافهما من التحالف والفسخ، والأصل في ذلك الحديث الصحيح: إذا اختلف
البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة، أو يتتاركا، أي يترك كل ما يدعيه، وذلك إنما يكون بالفسخ. وأو
- هنا - بمعنى إلا. وصح أيضا أنه (ص): أمر البائع أن يحلف، ثم يتخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
(قوله: ولو اختلف متعاقدان) قال في الروض وشرحه: لا في زمن الخيار - أي خيار الشرط، أو المجلس، فلا
يتحالفان، لامكان الفسخ بالخيار. كذا قاله القاضي. وأجاب عنه الامام: بأن التحالف لم يوضع للفسخ، بل عرضت
اليمين رجاء أن ينكل الكاذب، فيتقرر العقد بيمين الصادق. اه‍. (قوله: ولو وكيلين) أي أو قنين أذن لهما سيداهما، أو
وليين، أو مختلفين، بأن كان أحدهما مالكا، والآخر وكيلا، أو قنا، أو الآخر وارثا. (قوله: في صفة عقد) أي فيما يتعلق
به من الحالة التي يقع عليها من كونه بثمن قدره كذا، وصفته كذا. وخرج بقوله في صفة عقد: اختلافهما في نفس
العقد، وسيأتي في قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة إلخ. (وقوله: معاوضة) أي ولو غير محضة أو غير
لازمة - كصداق، وخلع، وصلح عن دم، وقراض، وجعالة -. وفائدته في غير اللازم: لزوم العقد بالنكول من أحدهما
اه‍. بجيرمي. وخرج بالمعاوضة غيرها - كوقف، وهبة، ووصية - فلا تحالف فيه. (قوله: والحال إلخ) أفاد به أن الواو
الداخل على الفعل الماضي واو الحال. (وقوله: العقد) أي عقد البيع أو غيره من القراض. (قوله: باتفاقهما) أي
المتعاقدين. (قوله: أو يمين البائع) أي أو بيمين البائع، وإنما خصه لما سيأتي أنه إذا اختلفا في صحة العقد وفساده،
وادعى البائع صحته، صدق بيمينه. (قوله: كقدر عوض) تمثيل لصفة العقد المختلف فيها. (وقوله: من نحو مبيع أو
ثمن) بيان للعوض.
وصورة الأول: أن يدعي المشتري أن المبيع أكثر - كطاقتين من قماش - ويدعي البائع أنه طاقة واحدة.
وصورة الثاني: أن يدعي البائع أن الثمن عشرون مثلا، ويدعي المشتري أنه عشرة مثلا.
(قوله: أو جنسه) أي العوض، وهو معطوف على قدر، وذلك كذهب، أو فضة، أو بر، أو شعير. (قوله: أو صفته)
أي العوض، وهو معطوف على قدر أيضا، وذلك كصحاح، أو مكسرة. والمراد بالمكسرة: المقطعة بالمقراض أجزاء
معلومة، لأجل شراء الحاجات، والأشياء الصغيرة، لا كأرباع القروش وأنصاف الريالات. (قوله: أو أجل) معطوف على

54
قدر أيضا وإنما لم يقل أو أجله - بالضمير، كالذي قبله - لئلا يتوهم رجوع الضمير في قوله بعد: أو قدره للعوض، مع أنه
ليس كذلك. والاختلاف في نفسه الاجل معناه أن يثبته أحدهما وينفيه الآخر. (وقوله: أو قدره) أي لأجل، كيوم
ويومين. (قوله: ولا بينة لأحدهما) معطوف على جملة صح الواقعة حالا، فهي حال أيضا، أي والحال أنه لا بينة لاحد
المتعاقدين فيما ادعاه يعتد بها، فإن وجدت بينة كذلك فيحكم له بما ادعاه. (قوله: أو كان الخ) أي أو وجد لكل من
المتعاقدين بينة على ما ادعاه، ولكن قد تعارضتا. وبين التعارض بقوله بعد: بأن إلخ. (قوله: بأن أطلقتا) أي البينتان،
أي لم تؤرخا أصلا. (قوله: أو أطلقت إحداهما) أي إحدى البينتين، أي لم تؤرخ. (وقوله: وأرخت الأخرى) أي البينة
الأخرى، بأن تقول نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة مثلا. (قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم تؤرخا بتاريخ واحد، بل أرختا
بتاريخين مختلفين، كأن نقول إحدى البينتين: نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة، وتقول الأخرى: نشهد أنه باعه بخمسين
من ستة أشهر - فيحكم للأولى - لتقدمها. (قوله: حلف إلخ) جواب لو. (قوله: كل منهما إلخ) أي لخبر مسلم: اليمين
على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه، كما أنه مدع. قال ع ش: والتحالف يكون عند الحاكم، وألحق به
المحكم، فخرج تحالفهما بأنفسهما، فلا يؤثر فسخا ولا لزوما. ومثله فيما ذكر: جميع الايمان التي يترتب عليها فصل
الخصومة، فلا يعتد بها إلا عند الحاكم أو المحكم. اه‍. (وقوله: يمينا) مفعول مطلق لحلف. (وقوله: تجمع إلخ)
وذلك لان الدعوى واحدة ومنفى كل منهما في ضمن مثبتة، فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات، ولأنها
أقرب لفصل الخصومة، ويجوز أن يحلف كل يمينين، بل هو أولى - خروجا من الخلاف - ويندب تقديم النفي على
الاثبات، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط، أو الاثبات فقط: قضى للحالف. وإن نكلا معا: وقف الامر، وكأنهما تركا
الخصومة. (قوله: فيقول الخ) بيان لصيغة الحلف الجامعة لما ذكره. قال في المنهاج مع المغني: ويبدأ في اليمين
بالبائع - ندبا - لحصول الغرض مع تقديم المشتري. وقيل وجوبا، واختاره السبكي. اه‍. (قوله: لان كلا إلخ) تعليل
لقوله حلف كل منهما. (قوله: والأوجه عدم الاكتفاء إلخ) أي عدم الاكتفاء بصيغة لم تجمع الاثبات والنفي صريحا.
ومقابل الأوجه: الاكتفاء بذلك، لأنه أسرع إلى فصل القضاء، قاله الصيمري. (قوله: لأن النفي فيه صريح، والاثبات
مفهوم) أي والايمان لا يكتفي فيها بالمفهوم واللوازم، بل لا بد فيها من الصريح، لان فيها نوع تعبد. (قوله: فإن رضي
أحدهما) أي ثم بعد التحالف إن رضي أحدهما بدون ما ادعاه، بأن ادعى البائع مثلا أن الثمن عشرون وادعى المشتري
أنه عشرة، فرضي البائع بالعشرة. وعبارة المنهاج: وإذا تحالفا: فالصحيح أن العقد لا ينفسخ بنفس التحالف، بل إن
تراضيا على ما قال أحدهما: أقر العقد، وإلا بأن استمر تنازعهما: فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم. اه‍. بزيادة. (قوله:
أو سمح للآخر بما ادعاه) أي الآخر، بأن سمح المشتري في الصورة المذكورة بالعشرين للبائع. ولو اقتصر على هذا -
كما في المنهج - وقال فإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه إلخ، لكان أولى - لصدقه بالصورتين المذكورتين كما لا
يخفى - ونص عبارة المنهج: ثم بعد تحالفهما إن أعرضا أو تراضيا، وإلا فإن سمح أحدهما أجبر الآخر، وإلا فسخاه، أو
أحدهما أو الحاكم. اه‍. (قوله: لزم العقد) جواب إن. (قوله: ولا رجوع) أي بعد أن رضي للآخر أو سمح إلخ. كما لو
رضي بالعيب. (قوله: فإن أصرا) أي داما بعد التحالف على الاختلاف. (وقوله: فلكل منهما أو الحاكم فسخه) ولا بد

55
من اللفظ في الفسخ، ولا ينفسخ بنفسه، ثم إن فسخ الحاكم أو الصادق منهما: ينفذ ظاهرا وباطنا، وغير الصادق ينفذ
ظاهرا فقط. (قوله: وإن لم يسألاه) أي الحاكم، وهو غاية لفسخه. (قوله: قطعا للنزاع) تعليل لكون كل منهما أو
الحاكم له الفسخ. (قوله: ولا تجب الفورية هنا) أي في الفسخ بعد التحالف - بخلافها في العيب، فتجب - كما تقدم.
وعبارة المغني: وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال: كان لهما بعد ذلك - على الأوجه -
في المطلب، لبقاء الضرر المحوج للفسخ. اه‍. (قوله: ثم بعد الفسخ) قال ع ش: لو تقارا - بأن قالا: أبقينا العقد على
ما كان عليه، أو أقررناه، عاد العقد بعد فسخه لملك المشتري، من غير صيغة بعت واشتريت، وإن وقع ذلك بعد مجلس
الفسخ الأول. اه‍. (قوله: يرد المبيع بزيادته المتصلة) أي أو المنفصلة إن حدثت بعد الفسخ. ومثل المبيع: الثمن،
فيجب على البائع رده كذلك. ومؤنة الرد على الراد - للقاعدة: أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه. (قوله: فإن
تلف إلخ) أفاد به أن محل رد المبيع إن كان باقيا لم يتعلق به حق لازم. (قوله: كأن وقفه أو باعه) مثالان للتلف الشرعي،
ولم يمثل للتلف الحسي، ومثاله ما إذا مات. (قوله: رد) أي المشتري. (وقوله: مثله) أي المبيع التالف. (قوله: إن كان
مثليا) أي كالحبوب. (قوله: أو قيمته) أي أو رد قيمته، أي وقت التلف - حسا أو شرعا - وهي للفيصولة
. وإنما اعتبرت
وقته - لا وقت القبض، ولا وقت العقد، لان مورود الفسخ العين ولو بقيت، والقيمة خلف عنها، فتعتبر عند فوات أصلها -
ولان الفسخ: يرفع العقد من حينه، لا من أصله -. (وقوله: إن كان متقوما) أي كالخشب والحيوان. (قوله: ويرد) أي
المشتري. (قوله: قيمة آبق) أي عبد آبق بعد الفسخ أو قبله، وهي للحيلولة بينه وبين ملكه - لتعذر حصوله - فإن رجع
العبد رده واستردها، لأنها ليست للفيصولة. فمورد الفسخ: هو - لا قيمته -. (وقوله: فسخ العقد وهو آبق) أي والحال
أنه آبق من عند المشتري، فالواو للحال. وأفادت الجملة الحالية أنه إذا فسخ العقد وهو ليس بآبق لا يلزمه شئ. (قوله:
والظاهر اعتبارها) أي القيمة. (وقوله: بيوم الهرب) أي تنزيلا له منزلة التلف، فلا يعتبر بيوم القبض، ولا بيوم العقد.
(قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا إلخ) هذا محترز قوله ولو اختلف متعاقدان في صفة عقد - كما علمت - إذ هذا اختلاف في
أصل العقد لا في صفته. (قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لصورة ادعاء أحد المتعاقدين بيعا والآخر خلافه. (قوله: فلا
تحالف) أي فلا يحلف كل منهما واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله. (قوله: إذ لم يتفقا على عقد واحد) أي بل
اختلفا في العقد الواقع بينهما. (قوله: بل حلف كل منهما إلخ) يعلم من هذا الفرق بين التحالف والحلف، وهو أن الأول
لا بد فيه من نفي وإثبات، بخلاف الثاني. (قوله: لدعوى الآخر) أي لما ادعى به الآخر. (وقوله: لان الأصل عدمه) علة
لكون كل يحلف يمينا نافية - أي وإنما حلف كل نفيا - لا إثباتا - لان الأصل عدم ما ادعاه الآخر، فضمير عدمه يعود على
دعوى، وذكره - مع أنها مؤنثة - لاكتسابها التذكير من المضاف إليه، أو باعتبار المذكور. (قوله: ثم يرد إلخ) أي ثم بعد
الحلف يرد مدعي البيع - وهو البائع - عل المشتري الألف. (وقوله: لأنه) أي مدعي البيع، وهو علة لكونه يرد الألف.
(قوله: ويسترد) أي البائع. (وقوله: المتصلة والمنفصلة) استشكل رد المنفصلة في صورة الهبة مع اتفاقهما على
حدوثها في ملك الراد، بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع، فهو كمن وافق على الاقرار له بشئ وخالف في الجهة.
قال في التحفة: وأجاب عنه الزركشي بأن دعوى الهبة وإثباتها: لا يستلزم الملك - لتوقفه على القبض بالاذن، ولم
يوجد - وفيه نظر، لتأتي ذلك فيما لو ادعى الهبة والقبض، فالوجه الجواب بأنه ثبت بيمين كل أن لا عقد، فعمل بأصل
بقاء الزوائد بملك مالك العين. اه‍.

56
(قوله: وإذا اختلف العاقدان) أي في صحة العقد وفساده، فادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد. وهذا محترز قوله وقد صح العقد باتفاقهما.
(قوله: فادعى أحدهما) أي أحد المتعاقدين - بائعا، أو مشتريا -. (قوله: على مفسد) أي
للعقد. (قوله: من إخلال ركن) أي فقد ركن، وهو بيان للمفسد. وذلك كعدم وجود القبول من المشتري، أو الايجاب
من البائع. (قوله: أو شرط) أي أو إخلال شرط من شروط صحة العقد. (قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل للاخلال بشرط.
(قوله: رؤيته) أي المبيع. (قوله: وأنكرها) أي الرؤية.
ويعلم من كلامه: أن الاختلاف في أصل الرؤية، وأن القول قول مثبتها من بائع أو مشتر.
قال سم: قال م ر: بخلاف ما لو اختلفا في كيفية الرؤية، فالقول قول الرائي، لأنه أعلم بها - أي كأن ادعى أنه رآه
من وراء زجاج، وقال الآخر بل رأيته بلا حيلولة زجاج، فالقول قول مدعي الرؤية من وراء زجاج - كما أفتى به - فليراجع،
ففيه نظر. اه‍.
(قوله: حلف مدعي إلخ) جواب إذا التي قدرها الشارح (قوله: غالبا) أي في الغالب. وسيذكر محترزه. (قوله:
تقديما للظاهر إلخ) عبارة التحفة: لأن الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد
في الجملة. اه‍. (قوله: وهو) أي الظاهر من حال المكلف. (وقوله: على أصل عدمها) متعلق بتقديما، وإضافة أصل
لما بعده، للبيان. وضمير عدمها يعود على الصحة. (وقوله: لتشوف الشارع) علة التقديم. (وقوله: إلى إمضاء العقود)
أي إنفاذها، وإجرائها، واستمرارها. (قوله: وقد يصدق) مدعي الفساد إلخ) محترز قوله غالبا. (قوله: كأن قال البائع لم
أكن بالغا إلخ) أي أو كنت مجنونا، أو محجورا علي، وعرف له ذلك. ففي الجميع، يصدق البائع. (وقوله: واحتمل ما
قاله البائع) أي أمكن ما قاله البائع. فإن لم يحتمل ما قاله: كأن كان البيع من منذ خمسة أشهر، وبلوغه من منذ سنة، فلا
يصدق، بل يصدق المشتري. (قوله: وإن اختلفا) أي المتخاصمان. ولو قال: وكأن اختلفا - عطفا على كأن قال البائع
إلخ - لكان أولى. (وقوله: هل وقع الصلح على الانكار) أي من المدعى عليه، فيكون عقد الصلح باطلا، لان شرط
صحة الصلح أن يكون مع الاقرار. (وقوله: أو الاعتراف) أي أو وقع الصلح على الاعتراف، أي الاقرار من المدعى
عليه، فيكون صحيحا. (قوله: فيصدق مدعي الانكار) أي ويكون الصلح باطلا. (قوله: لأنه الغالب) أي لان وقوع
الصلح على الانكار هو الغالب. قال في التحفة: أي مع قوة الخلاف فيه، وزيادة شيوعه ووقوعه. وبه يندفع إيراد صور
الغالب فيها وقوع المفسد المدعي. ومع ذلك، صدقوا مدعي الصحة فيها. اه‍. (قوله: ومن وهب إلخ) عبارة التحفة:
ويؤخذ من ذلك أن من وهب إلخ. اه‍. (وقوله: من ذلك) أي من أنه إذا ادعى نحو صبا أمكن، أو جنونا، أو حجر،
وعرف له ذلك، فيصدق. (قوله: إلا إن علم له غيبة قبل الهبة إلخ) قال في التحفة: وجزم بعضهم بأنه لا بد في البينة
بغيبة العقل إن تبين ما غاب به، أي لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به: كسكر تعدى به. اه‍. (قوله: وادعوا استمرارها) أي
الغيبة. (وقوله: إليها) أي إلى الهبة. (قوله: ويصدق منكر أصل نحو البيع) في العبارة حذف يعلم من عبارة التحفة،
ونصها - بعد كلام -: وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي ولا شهود، فتصدق بيمينها، لان ذلك إنكار لأصل العقد. ومن ثم،

57
يصدق منكر أصل نحو البيع. اه‍. (قوله: فروع) أي ستة. (قوله: مبيعا معينا) خرج به، ما إذا كان المبيع في الذمة
- ولو مسلما فيه - بأن قبض المشتري - ولو مسلما - المؤدى عما في الذمة، ثم أتى بمعيب، فقال البائع - ولو مسلما إليه -
ليس هذا المقبوض. فيصدق المشتري ولو مسلما بيمينه - أي المقبوض - لان الأصل بقاء شغل ذمة البائع - ولو مسلما
إليه - حتى يوجد قبض صحيح. (قوله: لان الأصل مضي العقد على السلامة) عبارة التحفة: لان الأصل السلامة، وبقاء
العقد. اه‍. (قوله: ولو أتى المشتري بما فيه فأرة) في بعض نسخ الخط: بمائع فيه فأرة. (قوله: وقال) أي المشتري،
قبضته - أي المائع - (وقوله: كذلك) أي فيه فأرة. (قوله: فأنكر المقبض) أي وهو البائع، وقال قبضته
وليس فيه ذلك.
(وقوله: صدق) أي المقبض، وذلك لأنه مدعي الصحة. (قوله: ولو أفرغه) أي المائع المبيع. (وقوله: في ظرف
المشتري) خرج به ما لو كان في ظرف البائع، فالقول قول المشتري. اه‍. ع ش. (قوله: فظهرت فيه) أي في الظرف.
(قوله: فادعى كل) أي من المتبايعين. (وقوله: أنها) أي الفأرة. (قوله: صدق البائع) جواب لو (قوله: إن أمكن صدقه)
أي البائع. فإن لم يمكن صدقه: صدق المشتري. (قوله: لأنه) أي البائع، وهو علة لتصديق البائع. (قوله: ولان الأصل
في كل حادث) أي وهو هنا وجود الفأرة في المبيع. (وقوله: تقديره بأقرب من) أي وكونها في ظرف المشتري أقرب زمنا
من كونها كانت في ظرف البائع قبل قبض المشتري. (قوله: والأصل براءة البائع) أي ولان الأصل براءته، وهو علة ثالثة.
(قوله: وإن دفع) أي المدين. (قوله: فرده) أي رد الدائن الدين. (قوله: فقال الدافع) أي وهو المدين. (قوله: ويصدق
غاصب) أي بيمينه. (وقوله: رد) أي للمغصوب منه. (وقوله: عينا) أي مغصوبة. (قوله: وقال) أي الغاصب: هي
العين المغصوبة، أي وأنكر المغصوب منه ذلك وقال هذه ليست التي غصبتها مني. (قوله: وكذا وديع) أي وكذا يصدق
وديع رد العين المودوعة عنده، وقال إنها هي التي عندي، وأنكر ذلك المودع. والله أعلم.
فصل في القرض والرهن
أي في بيانهما. والقرض - بفتح القاف، وسكون الراء - لغة: القطع. وشرعا: يطلق بمعنى اسم المفعول - وهو
المقرض - بمعنى المصدر - وهو الاقراض، الذي هو تمليك الشئ على أن يرد مثله. وتسمية أهل الحجاز: سلفا.
والرهن لغة: الثبوت، وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.
وإنما جمعهما في فصل، لما بينهما من تمام التعلق والارتباط، إذ الرهن وثيقة للقرض.
(قوله: الاقراض) عبر به إشارة إلى أن القرض في الترجمة بمعنى الاقراض، لا بمعنى المقرض، الذي هو اسم
المفعول. (قوله: وهو) أي الاقراض شرعا. (قوله: تمليك شئ على أن يرد مثله) وما جرت به العادة في زماننا من دفع

58
النقوط في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد مأذونه، هل يكون هبة أو قرضا؟ أطلق الثاني جمع، وجرى على الأول
بعضهم. قال: ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض. ويصدق في نية ذلك: هو ووارثه،
وعلى هذا. يحمل إطلاق من قال بالثاني. وجمع بعضهم بينهما: بحمل الأول على ما إذا لم يعتد الرجوع، ويختلف
باختلاف الاشخاص والمقدار والبلاد. والثاني: على ما إذا اعتيد وحيث علم اختلاف تعين ما ذكر. اه‍. بجيرمي (قوله:
سنة) خبر الاقراض، وسيذكر قريبا أنه قد يجب، وقد يحرم. (قوله: لان فيه إلخ) علة للسنية. (قوله: على كشف كربة)
أي إزالة شدة. فالكشف: الإزالة، والكربة: الشدة. اه‍. بجيرمي. (قوله: فهو إلخ) الأولى عدم التفريع، ويكون
مستأنفا، كما في النهاية. (قوله: من نفس) أي فرج. (وقوله: على أخيه) أي في الاسلام. فالمراد: أخوة الاسلام.
(قوله: نفس الله عنه كربة) يجوز أن تلك الكربة عشر كرب من كرب الدنيا، لان أمور الآخرة لا يقاس عليها. فلا يقال كان
الأولى أن يقال عشر كرب من كرب يوم القيامة، لان الحسنة بعشر أمثالها - أو يقال نفس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة، زيادة على ثواب عمله - فذلك التنفيس: كالمضاعفة. اه‍. ع ش. (قوله: والله إلخ) من تتمة الحديث.
(وقوله: في عون العبد) أي قائم بحفظه، ورعايته، ومعونته. (قوله: وصح خبر إلخ) الأولى: وخبر، عطفا على خبر
الأول. (قوله: من أقرض لله مرتين إلخ) يعني إنه إذا أقرض درهما مثلا مرتين، كان له أجر صدقة مرة واحدة. (قوله:
والصدقة أفضل منه) أي القرض، أي لعدم العوض فيها، وللخبر المار. (قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن القرض
أفضل، مستدلا بما في سنن ابن ماجة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: لقد رأيت مكتوبا على باب الجنة
- ليلة أسري بي - الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟
قال: لان السائل قد يسأل وعنده ما يكفيه، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. وبخبر البيهقي: قرض الشئ خير
من صدقته.
(فإن قيل) هذان الخبران يعارضان الخبر الذي في الشراح - أعني من أقرض إلخ - فكيف يجزم الشارح بأن
الصدقة أفضل؟
(أجيب) بأن الخبر الذي في الشرح أصح منهما، فوجب تقديمه عند التعارض. قال في النهاية: ويمكن
رد الخبر الثاني - الدال على أفضليته عليها - للأول - أعني من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به
الدال على أفضليتها عليه بحمله - أي الثاني - على درجات صغيرة، بحيث أن الثمانية عشرة فيه تقابل بخمسة في
الصدقة. كما في خبر صلاة الجماعة أو بحمل الزيادة في القرض، إن صحت على أنه (ص) أعلمها بعد. أو يقال:
القرض فضل الصدقة باعتبار الابتداء، لامتيازه عنها بصونه ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل أحد - بخلافها،
وهي فضلته - باعتبار الغاية، لامتيازها عنه بأنه لا مقابل فيها ولا بد - بخلافه. وعند تقابل الخصوصيتين قد تترجح
الأولى، وقد تترجح الثانية، باعتبار الأثر المترتب. اه‍.
(قوله: محل ندبه) أي الاقراض، فهو مرتبط بالمتن. (قوله: إن لم يكن المقترض مضطرا) أي مدة عدم كونه مضطرا،
أي محتاجا (قوله: وإلا) أي بأن كان مضطرا. (وقوله: وجب) أي الاقراض، ولو من مال محجوره. كما يجب عليه بيع
مال محجوره للمضطر المعسر، نسيئة. اه‍. بجيرمي. (قوله: ويحرم الاقتراض) أي ما لم يعلم المقرض بحاله، وإلا
فلا يحرم (وقوله: على غير مضطر إلخ) أي بخلاف المضطر - فيجوز أن يقترض - وإن لم يرج الوفاء - بل يجب، حفظا
لروحه. (وقوله: لم يرج الوفاء) الجملة صفة لغير المضاف لمضطر. (وقوله: من جهة ظاهرة) أي سبب ظاهر - أي

59
قريب الحصول - كغلة أرضه وعقاره. فإن رجال الوفاء منها لم يحرم. (قوله: فورا إلخ) منصوب بإسقاط الخافض،
متعلقا بالوفاء، أي الوفاء بالفور في الدين الحال، وعند حلوله في المؤجل. (قوله: كالاقراض عند إلخ) أي كحرمة
الاقراض إلخ، أي فيحرم الاقتراض لغير المضطر المذكور. كما يحرم الاقراض على المالك عند علمه أو ظنه أن آخذه
ينفقه في معصية، وذلك لان فيه إعانة عليها، وهي حرام. وقد يكره الاقراض.
(فالحاصل) أن الاقراض تارة يندب، وتارة يجب، وتارة يحرم، وتارة يكره. فتعتريه أحكام أربعة. قال ع ش: ولم
يذكروا الإباحة، ويمكن تصويرها بما إذا دفع إلى غني، بسؤال من الدافع مع مدع احتياج الغني إليه، فيكون مباحا - لا
مستحبا - لأنه لم يشتمل على تنفيس كربة. وقد يكون في ذلك غرض للدافع، كحفظ ماله بإحرازه في ذمة
المقترض. اه‍.
(قوله: ويحصل بإيجاب إلخ).
(اعلم) أن أركان القرض ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. وقد أخذ في بيان صيغته، فقال: ويحصل بإيجاب
- أي من المقرض - وهو على قسمين: صريح - وهو ما ذكره - وكناية: كخذ هذا الدرهم بدرهم، فهو يحتمل البيع
والقرض، فإن نوى به البيع فبيع، وإن نوى به القرض فقرض. ومثله: خذه فقط - على ما ستعرفه - (قوله: فإن حذف
ورد بدله) أي حذف هذا اللفظ. والظاهر أن حذفه من الصورة الأخيرة فقط. ولا يصح كونه من الصورتين، أعني قوله
خذه ورده بدله. وقوله: أو اصرفه في حوائجك ورد بدله. وإلا نافى قوله بعد: وخذه فقط لغو. وقوله: فكناية: أي كناية،
قرض، إن نوى به القرض ثبت، وإلا فلا. (قوله: وخذه فقط) أي من غير أن يقول ورد بدله. (وقوله: لغو إلا إن سبقه
إلخ) عبارة التحفة تقتضي أنه لا يكون لغوا أصلا، بل إن سبقه لفظ أقرضني فهو كناية قرض، وإلا فهو محتمل لان يكون
كناية قرض، أو كناية هبة، أو كناية بيع. ونصها - بعد كلام -: أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن
حذف ورد بدله: فكناية - كخذه فقط، أي إن سبقه أقرضني - وإلا فهو كناية قرض، أو بيع، أو هبة. اه‍. ومثله في
البجيرمي، نقلا عن ق ل، ونص عبارته - بعد كلام -: وأما أخذه فقط: فكناية، لأنه يحتمل القرض والصدقة، ونية البدل
أو المثل كذكره، ويصدق في إرادتهما إلخ. اه‍. (قوله: ولو اقتصر على ملكتكه) أي ولم يقل على أن ترد مثله. (قوله:
فهبة) أي فهو هبة. (قوله: وإلا فكناية) أي وإلا لم ينو البدل بأن نواه: فكناية، أي كناية قرض، وليس من الصريح.
(قوله: ولو اختلفا إلخ) يعني لو اختلف المالك الدافع والآخذ في نية البدل في قوله ملكتك، فقال الآخذ: لم تنو البدل،
فهو هبة. وقال الدافع نويت البدل، فهو قرض. فإنه يصدق الدافع، لأنه أعرف بقصد نفسه. (قوله: أو في البدل إلخ)
معطوف على نية البدل، أي أو اختلفا في ذكر البدل - أي التلفظ به - بأن قال الدافع: قلت ملكتكه على أن ترد بدله. وقال
الآخذ: قلت ملكتكه فقط، ولم تذكر على أن ترد بدله. فإنه يصدق الآخذ في عدم الذكر، لأنه الأصل، أي ويكون هبة.
(قوله: والصيغة إلخ) علة ثانية لتصديق الآخذ. (وقوله: فيما ادعاه) أي الآخذ، وهو أنه لم يذكر لفظ البدل. (قوله: ولو
قال لمضطر إلخ) دفع بهذا ما يرد على تصديق الآخذ في الصورة السابقة، من أنه لم لم يصدق المضطر أيضا في دعواه
أنه أطعمه إباحة لا قرضا، وصدق المطعم المالك؟ وحاصل الدفع أن ذلك لأجل حمل الناس على هذه المكرمة. وعبارة

60
التحفة: وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا إلخ - وهي أولى. (قوله: حملا للناس على هذه المكرمة) أي الخصلة
الحميدة التي بها إحياء النفوس، ولأنه أعرف بكيفية بذله. (قوله: ولو قال) أي الدافع، بعد أن وهب شيئا لآخر. (قوله:
فقال) أي المتهب. (وقوله: مجانا) أي بلا عوض. (قوله: صدق المتهب) أي الموهوب له. (قوله: وقبول) معطوف
على إيجاب، أي ويحصل بقبول - قياسا على البيع - ومن ثم، اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة - كما
هو ظاهر - حتى موافقة القبول للايجاب. فلو قال: أقرضتك ألفا، فقبل بخمسمائة، أو بالعكس، لم يصح. اه‍. تحفة.
(وقوله: متصل به) أي بالايجاب - بأن لا يتخلل بينهما سكوت طويل، ولا لفظ أجنبي - نظير ما مر في البيع - (قوله:
كأقرضته) يقرأ بالبناء للمجهول. وفي بعض النسخ: كاقترضته - وهو ظاهر -. (قوله: نعم، إلخ) استدراك من اشتراط
الايجاب والقبول. (وقوله: القرض الحكمي) مبتدأ، خبره قوله لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. والمراد أنه في حكم القرض
في وجوب رد المثل. (قوله: كالانفاق على اللقيط المحتاج) أي ممن لا يجب عليه، بأن كان معسرا. بخلاف ما إذا كان
موسرا، وكان المنفق عليه معسرا، فلا يكون قرضا. والمراد أيضا: الانفاق بإذن الحاكم،
فإن لم يوجد: أشهد بالانفاق. فإن لم يوجدوا: أنفق بنية الرجوع، وإلا لم يرجع - كذا في البجيرمي - (قوله: وإطعام الجائع) في ع ش ما نصه: محل
عدم اشتراط الصيغة في المضطر: وصوله في حالة لا يقدر معها على صيغة، وإلا فيشترط. ولا يكون إطعام الجائع،
وكسوة العاري، ونحوهما، قرضا، إلا أن يكون المقترض غنيا. وإلا بأن كان فقيرا، والمقرض غنيا فهو صدقة - لما تقرر
في باب السير - إن كفاية الفقراء واجبة على الأغنياء وينبغي تصديق الآخذ: فيما لو ادعى الفقر، وأنكره الدافع، لان
الأصل عدم لزوم ذمته شيئا (قوله: ومنه) أي القرض الحكمي. (وقوله بإعطاء ما له غرض فيه) أي بإعطاء شئ للآمر
غرض في إعطائه. (وقوله: كإعطاء إلخ) أي كالأمر بإعطاء شاعر لغرض دفع الهجو عنه، وإعطاء ظالم لغرض دفع الشر
عنه حيث لم يعطه. (وقوله: إطعام فقير) الأحسن أنه هو وما بعده معطوف على قوله بإعطاء إلخ، أي ومنه أمر غيره بإطعام
فقير أو بفداء أسير. (وقوله: وعمر داري) الأولى أن يقول وتعمير داري.
(واعلم) أنه في الجميع يرجع المأمور على آمره إن شرط الرجوع، وذلك لان ما كان لازما - كالدين - أو منزل منزلة
اللازم - كقول الأسير لغيره: فأدنى - لا يحتاج فيه لشرط الرجوع، وما لم يكن كذلك يحتاج فيه إلى شرط الرجوع.
قال ع ش: ويحتمل أنه لا يحتاج لشرط الرجوع فيما يدفعه للشاعر والظالم، لان الغرض من ذلك دفع هجو الشاعر
له حيث لم يعطه، ودفع شر الظالم عنه بالاعطاء، وكلاهما منزل منزلة اللازم. وكذا في عمر داري، لان العمارة - وإن لم
تكن لازمة - لكنها تنزل منزلة اللازم، لجريان العرف بعدم إهمال الشخص لملكه حتى يخرب. اه‍.
(قوله: وقال: قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا) قال في النهاية: وما اعترض به الغزي - من أنه سهو، لان
شرط المعاطاة: بذل العوض، أو التزامه في الذمة، وهو مفقود هنا - غير صحيح، بل هو السهو، لأنهم أجروا خلاف
المعاطاة في الرهن وغيره مما ليس فيه ذلك. فما ذكره شرط للمعاطاة في البيع دون غيره. اه‍. (قوله: وإنما يجوز
القرض إلخ) شروع في بيان شرط المقرض والمعقود عليه، فبين أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل تبرع فيما
يقرضه، فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة، لأنه ليس أهلا للتبرع فيه.

61
ومراد المؤلف بأهلية التبرع في المقرض: أهلية التبرع المطلق - أي في سائر التصرفات - لأنه المراد عند الاطلاق، وهي تستلزم رشده واختياره فيما يقرضه، فلا يرد عليه السفيه، فإنه لا يصح إقراضه، مع أنه أهل للتبرع ببعض
التصرفات - كصحة الوصية منه، وتدبيره - لأنه ليس أهلا للتبرع المطلق.
وبين أيضا أنه يشترط أن يكون المعقود عليه مما يصح أن يسلم فيه، أي في نوعه، فما صح السلم فيه صح
إقراضه، وما لا فلا. وذلك لان ما لا ينضبط أو يندر وجوده، ويتعذر أو يتعسر رد مثله.
وترك المصنف شرط المقترض، وهو: الرشد والاختيار.
(قوله: حيوان وغيره) بيان لما يسلم فيه. (قوله: ولو نقدا مغشوشا) غاية فيما يسلم فيه، أ ي كل ما يسلم فيه، ولو
نقدا مغشوشا، لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة، وإن جهل قدر غشه. وهي للرد على الروياني القائل بعدم صحة
إقراضه. (قوله: نعم، يجوز قرض الخبز إلخ) هذا مستثنى من مفهوم قوله إنما يجوز القرض فيما
يسلم فيه، وهو أن ما لا يسلم فيه لا يجوز قرضه. فما ذكر - من الخبز وما بعده - يجوز فيه القرض، ولا يجوز فيه السلم.
قال في الروض وشرحه: واستثنى جواز قرض الخبز وزنا، لاجماع أهل الأمصار على فعله في الاعصار، بلا
إنكار. هذا ما قطع به المتولي والمستظهري وغيرهما. واقتضى كلام النووي ترجيحه، قال في المهمات: والراجح
جوازه. وقد اختاره في الشرح الصغير.
قال الخوارزمي: ويجوز إقراضه عددا. ثم قال: ويحرم إقراض الروبة، لاختلاف حموضتها. وهي - بضم الراء -
خميرة من اللبن الحامض، تلقى على الحليب ليروب.
قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض، أحدهما الجواز - لاطراد العادة به. قال
السبكي: والعبرة بالوزن - كالخبز اه‍.
(قوله: لا الروبة) بضم الراء، أي فلا يجوز إقراضها - كما لا يجوز السلم فيها - فهي جاءت على القاعدة. (قوله:
وهي) أي الروبة. (وقوله: ليروب) أي ليصير رائبا. (قوله: لاختلاف إلخ) تعليل لعدم جواز القرض فيها. أي لا يجوز
القرض فيها لاختلاف حموضتها، فهي ليست مضبوطة. (قوله: ولو قال أقرضني إلخ) المناسب تقديمه على قوله وإنما
يجوز القرض إلخ، لأنه من متعلقات الصيغة (قوله: فقال) أي المقرض. (قوله: فإن كانت له تحت يده) أي فإن كانت
العشرة ملكا للمقرض، وهي وديعة مثلا تحت يد فلان المأخوذ منه، جاز، وصح القرض بهذه الصيغة، ولا يحتاج إلى
تجديدها. (وقوله: وإلا فهو وكيل في قبضها) أي وإن لم تكن وديعة تحت يد فلان، بل كانت في ذمته، صح قبضها
بطريق الوكالة عنه، ولكن لا بد من تجديد عقد القرض منه. هكذا ينبغي حل كلام الشارح، ويدل عليه عبارة النهاية،
ونصها: ولو قال اقبض ديني، وهو لك قرضا، أو مبيعا، صح قبضه - للاذن - لا قوله وهو إلخ. أو اقبض وديعتي مثلا،
وتكون لك قرضا صح، وكان قرضا. وكتب ع ش ما نصه: قوله: وتكون لك قرضا: صح، والفرق بين هذه وما قبلها: أن
الدين لا يتعين إلا بقبضه، بخلاف الوديعة. اه‍. (قوله: ويمتنع على ولي إلخ) أي لأنه ليس من أهل تبرع في مال
موليه، فهذا خرج بقوله: من أهل تبرع. (وقوله: بلا ضرورة) خرج ما إذا كان هناك ضرورة، كأن يكون الزمن زمن
نهب، وكانت المصلحة في إقراضه، فإنه يجوز حينئذ. (قوله: نعم، يجوز إلخ) استدراك من امتناع الاقراض على

62
الولي. فكأنه قال: إلا إذا كان الولي القاضي، فإنه يجوز إقراضه مال المحجور عليه. (قوله: لكثرة أشغاله) أي بأحكام
الناس، فربما غفل عن المال، فضاع، فيقرضه ليحفظه عند المقترض. (قوله: إن كان المقترض إلخ) شرط في جواز
إقراض القاضي. ويشترط أيضا عدم الشبهة في مال المقترض إن سلم منها مال المحجور عليه. قال م ر: ويجب
الاشهاد عليه، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك. اه‍.
وهذه الشروط معتبرة في إقراض الولي أيضا، لضرورة. ويرد عليه أن من الضرورة: ما لو كان المقترض مضطرا.
وقد نقل عن ابن حجر أنه يجب على الولي إقراض المضطر من مال المولى عليه، مع انتفاء هذه الشروط. ومن الضرورة
أيضا: ما لو أشرف مال المولى عليه على الهلاك بنحو غرق، وتعين خلاصه في إقراضه. ويبعد اشتراط ما ذكر في هذه
الصورة. اه‍. بجيرمي. بتصرف.
(قوله: وملك مقترض) أي المعقود عليه. فمفعول ملك محذوف - هذا إن قرئ الفعل بالبناء للفاعل، فإن قرئ
بالبناء للمجهول فلا حذف، لكن يقرأ مقترض - بصيغة اسم المفعول - أي شئ مقترض. (وقوله: بقبض) أي فلا يجوز
له التصرف فيه قبله. (وقوله: وإن لم يتصرف الخ) غاية لكونه يملك بالقبض. أي يملك بالقبض، وإن لم يتصرف فيه
المقترض. وهي للرد على الضعيف القائل بأنه إنما يملك بالتصرف فيه المزيل للملك. والمعنى أنه إذا تصرف فيه يتبين
به أنه ملكه من حين القبض. (قوله: كالموهوب) الكاف للتنظير، لكونه يملك بالقبض. (قوله: قال شيخنا: والأوجه في
النقوط إلخ) عبارة التحفة: والذي يتجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة، ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل
خذه مثلا، وينوي القرض، ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه. وعلى هذا، يحمل إطلاق جمع أنه قرض - أي حكما -.
ثم رأيت بعضهم لما نقل قول هؤلاء، وقول البلقيني أنه هبة، قال: ويحمل الأول على ما إذا اعتيد الرجوع به،
والثاني على ما لم يعتد. قال: لاختلافه بأحوال الناس والبلاد. اه‍. وحيث علم اختلافه. تعين ما ذكرته، ويأتي قبيل
اللقطة تقييد هذا الخلاف بما يتعين الوقوف عليه. اه‍.
وحاصله أن محله إذا دفع لصاحب الفرح في يده، فإن دفع للخاتن فلا رجوع.
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: والذي تحرر من كلام الرملي وابن حجر وحواشيهما: أنه لا رجوع في
النقوط المعتاد في الأفراح - أي لا يرجع به مالكه إذا وضعه في يد صاحب الفرح، أو يد مأذونه - إلا بشروط ثلاثة: أن يأتي
بلفظ: كخذه، ونحوه. وأن ينوي الرجوع، ويصدق هو أو وارثه فيها. وأن يعتاد الرجوع فيه. وإذا وضعه في يد المزين
ونحوه، أو في الطاسة المعروفة، لا يرجع إلا بشرطين: إذن صاحب الفرح، وشرط الرجوع - كما حققه شيخنا
ح ف. اه‍.
(ولو أنفق على أخيه الرشيد الخ) عبارة التحفة: ووقع لبعضهم أنه أفتى في أخ أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين
وهو ساكت، ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع، أخذا من القول بالرجوع في مسألة النقوط، وفيه نظر - بل لا وجه له - أما
أولا: فلان مأخذ الرجوع، ثم إطراد العادة به عندهم، ولا عادة في مسألتنا، فضلا عن إطرادها بذلك. وأما ثانيا: فلان
الأئمة جزموا في مسائل بما يفيد عدم الرجوع، منها: من أدى واجبا عن غيره - كدينه بلا إذنه - صح، ولا رجوع له عليه
- بلا خلاف - والنفقة على ممون الأخ واجبة عليه، فكان أداؤها عنه كأداء دينه. اه‍. (قوله: وجاز لمقرض استرداد) أي
لما أقرضه، ويكون بصيغة: كرجعت فيه، أو فسخته، وللمقترض رده عليه قهرا. (وقوله: حيث بقي بملك المقترض)
أي حيث كان ما أقرضه باقيا بحاله في ملك المقترض - أي لم يتعلق به حق لازم، وإنما جاز له الرجوع فيه - حيث كان

63
كذلك - لان له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعينه أولى (قوله: وإن زال عن ملكه) أي المقترض، ثم
عاد إليه،
وذلك لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يزل. (قوله: بخلاف ما لو تعلق به) مفهوم قوله حيث بقي إلخ. والمناسب في
التقابل، بخلاف ما لو لم يبق بحاله. (قوله: كرهن وكتابة) أي من المقترض في المال المقرض - كأن رهن ما اقترضه أو
كاتبه - ومثل ذلك: ما لو تعلق برقبته أرش جناية. (قوله: فلا يرجع) أي المقرض - أي لا يصح رجوعه (وقوله فيه) أي في
المقرض. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعلق به حق لازم. (قوله: نعم، لو آجره) أي الشئ المقرض، وهو استدراك من
الذي تعلق به حق لازم. (قوله: رجع) أي المقرض فيه، أي المؤجر. أي ويأخذه مسلوب المنفعة من غير أجرة له حتى
يستوفي المستأجر مدة الإجارة، أو يأخذ بدله، فهو مخير بين أخذه مسلوب المنفعة وبين أخذ البدل. (قوله: ويجب على
المقترض رد المثل) أي حيث لا استبدال، فإن استبدل عنه - كأن عوضه عن بر في ذمته ثوبا أو دراهم - فلا يمتنع، لجواز
الاعتياض عن غير المثمن. (قوله: وهو) أي المثلي (قوله: ولو نقدا إلخ) أي يجب رد المثل، ولو كان نقدا أبطل
السلطان المعاملة به. (قوله: لأنه أقرب إلى حقه) تعليل لوجوب رد المثل، أي يجب ذلك لان المثل أقرب إلى حق
المقرض. (قوله: ورد المثل صورة) معطوف على رد، أي ويجب رد المثل في الصورة، وإن كان ليس مثله حقيقة،
وذلك لخبر مسلم: أنه (ص) استسلف بكرا - أي وهو الثني من الإبل - ورد رباعيا - أي وهو ما دخل في السنة السابعة -
وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء. (قوله: وهو) أي المتقوم. (قوله: ولا يجب قبول الردئ إلخ) هذا مرتب على
محذوف مذكور في المنهج وشرحه، وهو يجب أداء الشئ المقترض صفة ومكانا - كمسلم فيه - فلا يجب قبول الردئ
عن الجيد. اه‍. بتصرف. وكان الأولى التصريح به. (قوله: ولا قبول المثل إلخ) أي ولا يجب قبول المثل في غير محل
الاقراض. (قوله: إن كان له) أي للمقرض غرض صحيح، أي في عدم قبوله. (قوله: كأن كان الخ) تمثيل لما إذا كان
هناك غرض صحيح. (وقوله: لنقله) أي الشئ المقترض من مكان التسليم إلى مكان الاقراض. (قوله: ولم يتحملها)
أي المؤنة المقترض، فإن تحملها، أجبر المقرض على القبول. (قوله: أو كان الموضع مخوفا) أي أو كان له مؤنة
وتحملها المقترض، لكن كان الموضع الذي وقع التسليم فيه مخوفا، فلا يجب قبوله فيه (قوله: ولا يلزم المقترض الدفع
إلخ) أي لما فيه من الكلفة. (قوله: إلا إذا لم يكن لحمله) أي الشئ المقترض (قوله: لكن له إلخ) استدراك من عدم
لزوم المقترض الدفع، دفع به إيهام أنه إذا لم يلزمه ذلك، فليس للمقرض المطالبة بالقيمة أيضا. (قوله: بقيمة بمحل
الاقراض) أي قيمة معتبرة بمحل الاقراض، لأنه محل التملك. (وقوله: وقت المطالبة) أي ومعتبرة أيضا وقت المطالبة،
لأنه وقت استحقاقها. وإذا أخذ القيمة فهي للفيصولة - لا للحيلولة، حتى لو اجتمعا بمحل الاقراض لم يكن للمقرض
ردها وطلب المثل، ولا للمقترض استردادها ودفع المثل. (وقوله: فيما لنقله مؤنة) متعلق بمطالبة. (وقوله: لجواز
الاعتياض عنه) أي عن الشئ المقرض، وهو علة لجواز المطالبة بذلك. (قوله: وجاز لمقرض نفع إلخ) قال في فتح
الجواد: والأوجه أن الاقراض ممن تعود الزيادة بقصدها: مكروه. اه‍. (قوله: يصل) أي النفع. (وقوله: له) أي

64
للمقرض. (وقوله: من مقترض) متعلق بيصل. (قوله: كرد الزائد إلخ) تمثيل للنفع. (وقوله: قدرا) أي كأحد عشر عن
عشرة. (وقوله: أو صفة) أي كصحاح عن مكسرة. (وقوله: والأجود في الردئ) هو مندرج في الصفة، فهو من ذكر
الخاص بعد العام. (قوله: بلا شرط في العقد) متعلق بجاز، وسيذكر محترزه. (قوله: بل يسن ذلك) أي رد الزائد
لمقترض، ومحله: ما لم يقترض لنحو محجوره، أو جهة وقف، وإلا امتنع رد الزائد. (قوله: لقوله (ص) إلخ) دليل
للسنية. وقوله: إن خياركم أحسنكم قضاء خياركم: يحتمل أن يكون مفردا بمعنى الخير، وأن يكون جمعا. (فإن
قلت) أحسن كيف يكون خبرا له وهو مفرد؟ (قلت) أفعل التفضيل المضاف لمعرفة، يجوز فيه الافراد والمطابقة. قال
ابن مالك:
وتلو ال طبق وما لمعرفة * أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة
(قوله: ولا يكره للمقرض أخذه) أي الزائد. (قوله: كقبول هديته) أي كما أنه لا يكره له قبول هدية
المقترض.
قال في النهاية: نعم، الأولى كما قاله الماوردي: تنزهه عنها قبل رد البدل. اه‍. (قوله: ولو في الربوي) غاية لعدم
الكراهة. أي لا يكره أخذ الزائد، ولو وقع القرض في الربوي - كالنقد - (قوله: والأوجه أن المقرض يملك الزائد إلخ)
أي ولو كان متميزا، كأن اقترض دراهم فردها ومعها نحو سمن. (قوله: من غير لفظ) أي إيجاب وقبول. (قوله: لأنه وقع
تبعا) علة لكون الزائد يملك من غير لفظ، أي وإنما يملك كذلك لأنه تابع للشئ المقترض. (قوله: وأيضا فهو) أي
الزائد. (وقوله: يشبه الهدية) أي وهي تملك من غير لفظ. (قوله: وأن المقترض إلخ) معطوف على أن المقرض، أي
والأوجه أن المفترض إذا دفع زائدا عما عليه، ثم ادعى أنه دفعه ظانا أن هذا الزائد من جملة الدين، فإنه يحلف، ويرجع
بالزائد الذي دفعه. وعبارة ع ش: ويصدق الآخذ في كون ذلك هدية، لأن الظاهر معه، إذ لو أراد الدافع أنه إنما أتى به
ليأخذ بدله لذكره. ومعلوم مما صورناه به أنه رد المقرض والزيادة معا، ثم ادعى أن الزيادة ليست هدية، فيصدق الآخذ.
أما لو دفع إلى المقرض سمنا - أو نحوه - مع كون الدين باقيا في ذمته، وادعى أنه من الدين - لا هدية - فإنه يصدق الدافع
في ذلك. اه‍. وهي تفيد أنه لا يصدق الدافع إلا في الصورة الثانية فقط. (قوله: حلف) جواب إذا. (وقوله: ورجع فيه)
أي الزائد. (قوله: وأما القرض بشرط إلخ) محترز قوله بلا شرط في العقد. (قوله: جر نفع لمقرض) أي وحده، أو مع
مقترض - كما في النهاية - (قوله: ففاسد) قال ع ش: ومعلوم أن محل الفساد حيث وقع الشرط في صلب العقد. أما لو
توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد، فلا فساد. اه‍. والحكمة في الفساد أن موضوع القرض: الارفاق، فإذا شرط
فيه لنفسه حقا: خرج عن موضوعه فمنع صحته. (قوله: جر منفعة) أي شرط فيه جر منفعة. (قوله: فهو ربا) أي ربا
القرض، وهو حرام (قوله: وجبر ضعفه) أي أن هذا الخبر ضعيف، ولكن جبر ضعفه. - أي قوى ضعفه - مجئ معناه
- أي الخبر - وهو أن شرط جر النفع للمقرض مفسد للقرض. وعبارة النهاية: وروي - أي هذا الخبر - مرفوعا بسند
ضعيف، لكن صحح الامام والغزالي رفعه، وروي البيهقي معناه عن جمع من الصحابة. اه‍. (قوله: ومنه القرض إلخ)
أي ومن ربا القرض: القرض لمن يستأجر ملكه. (وقوله: أي مثلا) راجع للاستئجار - يعني أن الاستئجار ليس قيدا، بل
مثالا. ومثله القرض، لمن يشتري ملكه بأكثر من قيمته. (وقوله: لأجل القرض) علة للاستئجار بأكثر من قيمته. (قوله:

65
إن وقع ذلك) أي الاستئجار المذكور، شرطا، أي في صلب العقد. (قوله: إذ هو) أي القرض لمن يستأجر ملكه.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ وقع ذلك شرطا في صلب العقد. (قوله: وإلا كره) أي وإن لم يقع ذلك شرطا في صلب
العقد: كره - أي ولا يكون ربا. (قوله: عندنا) أي معاشر الشافعية. (قوله: ويجوز الاقراض بشرط الرهن أو الكفيل)
أي أو الاشهاد، وذلك لأنها توثيقات، لا منافع زائدة - فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ.
(فائدة) الشرط الواقع في القرض ثلاثة أقسام: إن جر نفعا للمقرض يكون فاسدا مفسدا للقرض. وإن جر نفعا
للمقترض يكون فاسدا غير مفسد له، كأن أقرضه عشرة صحيحة ليردها مكسرة. وإن كان للوثوق - كشرط رهن، وكفيل -
فهو صحيح.
(قوله: ولو قال: اقرض إلخ) هذه المسألة من فروع الضمان، إلا أنه ذكرها هنا لان لها مناسبة من جهة أنها مشتملة
على القرض. (قوله: كان ضامنا على الأوجه) في شرح البهجة ما نصه: (فرع) لو قال: أقرض هذا مائة وأنا ضامن لها،
فأقرضه المائة، أو بعضها، لزمه الضمان. قاله الماوردي. قال الزركشي: ولعله أراد به ما أرادوه بقوله: ألق متاعك في
البحر وعلي ضمانه، لكن ذاك جوز للحاجة. اه‍. وما قاله الماوردي هنا - من صحة الضمان - مفرع على القديم. وقال
في باب الضمان بعدم صحته - وهو الجديد -، وصححه الناظم كالشيخين. اه‍. (قوله: كألق متاعك في البحر وعلي
ضمانه) أي فيكون الآخر ضامنا له إذا ألقي وتلف، لكن يشترط في الضمان أن يقول له ذلك عند الاشراف على الغرق أو
القرب منه. ولم يختص نفع الالقاء بالملقي - كما صرح بذلك في متن المنهاج، في باب الديات - وعبارته مع التحفة
هناك: ولو قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو على أني ضامن له، فألقاه وتلف، ضمنه المستدعى - وإن
لم تحصل النجاة - لأنه التماس لغرض صحيح بعوض، فلزمه. ولو اقتصر على قوله ألق متاعك، ولم يقل وعلي ضمانه،
أو على أني ضامن، فلا يضمنه - على المذهب - لعدم الالتزام. وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق، فلو قال في الامن ألقه
وعلي ضمانه: لم يضمنه، إذ لا غرض. ولم يختص نفع الالقاء بالملقي بأن اختص بالملتمس، أو به بالمالك، أو
بغيرهما، أو بالمالك وأجنبي، أو بالملتمس وأجنبي، أو عم الثلاثة - بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده، بأن أشرفت
سفينة وبها متاعه على الغرق، فقال له من بالشط أو سفينة أخرى: ألق متاعك وعلي ضمانه، فلا يضمنه، لأنه وقع لحظ
نفسه، فكيف يستحق به عوضا؟ اه‍. بحذف. (قوله: لو ادعى المالك إلخ) يعني لو اختلف الدافع والآخذ في المال
الذي أخذه وقد تلف، فقال الدافع إنه قرض فعليك الضمان، وقال الآخذ إنه وديعة فليس علي شئ، فإنه يصدق
الآخذ، لان الأصل عدم الضمان (وقوله: خلافا للأنوار) أي في قوله إن المصدق المالك. (قوله: ويصح رهن) شروع
في القسم الثاني من الترجمة (واعلم) أن الوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان. فالأولى لخوف الجحد،
والآخران لخوف الافلاس.
وأن أركان الرهن أربعة: عاقد، ومرهون، ومرهون به، وصيغة.
وقد اشتمل تعريف الرهن المذكور عليها كلها (فقوله: وهو جعل) يشير للعاقد وللصيغة. (وقوله: عين) يشير
للمرهون. (وقوله: بدين) يشير للمرهون به. (قوله: وهو) أي الرهن شرعا. أما لغة: فهو الثبوت. وقوله جعل عين:

66
مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل، تقديره جعل المالك - أو من قام مقامه - عينا. وخرج بها: الدين، فلا يصح
رهنه، ولو ممن هو عليه، لأنه غير مقدور على تسليمه. وخرج أيضا: المنفعة، فلا يصح رهنها، لان المنفعة تتلف، فلا
يحصل بها استيثاق. (وقوله: يجوز بيعها) أي يصح. وخرج به ما لا يصح بيعها - كوقف ومكاتب، وأم ولد - (وقوله:
وثيقة بدين) أي ولو منفعة. وخرج بالدين: العين، فلا يصح الرهن على العين - مضمونة كانت: كالمغصوبة
والمستعارة، أو غير مضمونة: كمال القراض والمودع - وذلك لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة، فلا يثبت في غيرها،
ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع. (وقوله: يستوفى منها) أي
يستوفي ذلك
الدين من العين - أي من ثمنها - وهذا ليس من التعريف، بل بيان لفائدته. ومن - في قوله منها - للابتداء، لا للتبعيض،
لأنه يقتضي اشتراط أن تكون قيمة العين المرهونة زائدة على الدين، مع أنه لا يشترط. (وقوله: عند تعذر وفائه) متعلق
بيستوفى، وهو ليس بقيد. والضمير - في وفائه - عائد على جنس الدين، الصادق ببعضه. - كذا في البجيرمي -. (قوله:
فلا يصح رهن وقف وأم ولد) أي لأنه لا يجوز بيعهما. (قوله: بإيجاب وقبول) متعلق بيصح، وهو بيان للصيغة - التي هي
أحد أركان الرهن السابقة -. ومثل الايجاب: الاستيجاب - كارهني. (قوله: كرهنت) هذا هو الايجاب. (وقوله:
وارتهنت) هذا هو القبول. (قوله: ويشترط ما مر في البيع) وذلك لأنه عقد مالي، مثل البيع. (قوله: من اتصال اللفظين)
بيان لما مر. والمراد باتصالهما: عدم تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل بينهما. والمراد باللفظين: الايجاب، والقبول -
وهما جزآ الصيغة. ومما مر أيضا في البيع: عدم التعليق، وعدم التأقيت. (قوله: وتوافقهما معنى) أو ومن التوافق بين
اللفظين في المعنى، فلو اختلفا فيه - كأن قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة، أو قال رهنتك هذين فقيل أحدهما - لم
يصح. وفي ع ش ما يخالفه، وعبارته: قوله: كنظيره في البيع - يفيد أنه لو قال رهنتك هذين فقبل أحدهما: لم يصح
العقد - نظير ما مر في القرض -. وقد يفرق بأن هذا تبرع محض، فلا يضر فيه عدم موافقة القبول للايجاب - كالهبة -
وقياسه أيضا أنه لو قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة: الصحة. اه‍. بحذف. (قوله: ويأتي هنا) أي في الرهن.
(وقوله: خلاف المعاطاة) أي الخلاف في جواز البيع بالمعاطاة، فأجازها بعضهم هنا ومنعها آخرون. قال في المغني:
وصورة المعاطاة هنا - كما ذكره المتولي - أن يقول أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا، فيعطي العشرة، ويقبضه
الثوب. اه‍. (قوله: من أهل تبرع) متعلق بمحذوف صفة لما قبله، أي إيجاب وقبول صادرين من أهل تبرع، أو متعلق
بيصح، أي يصح رهن من أهل تبرع - وهذا بيان للركن الثاني، وهو العاقد، موجبا كان أو قابلا -. والمراد بأهلية التبرع:
أهلية التبرع المطلق، وهي تستلزم الرشد والاختيار - كما تقدم في القرض - فيخرج الصبي، والمجنون، والمحجور
عليه بالسفه، والمكره. (قوله: فلا يرهن ولي) مفرع على المفهوم، وإنما لم يصح رهنه لأنه يحبسه من غير عوض، وهو
لا يصح. (قوله: أو جدا) أي عند فقد الأب. (وقوله: أو وصيا) أي عمن تأخر موته منهما. (وقوله: أو حاكما) أي عند
فقد الثلاثة. اه‍. بجيرمي. (قوله: مال صبي ومجنون) أي أو سفيه، ولو قال: مال محجوره لكان أولى. (قوله: كما لا
يرتهن لهما) أي لا يجوز رهن الولي مال موليه - كما أنه لا يجوز له ارتهانه - وذلك لأنه في حالة الاختيار لا يصح أن يبيع
مال موليه إلا بحال مقبوض، ولا يقرض إلا القاضي - كما مر - (قوله: إلا لضرورة إلخ) استثناء من عدم جواز الرهن
والارتهان، فهو مرتبط بما قبل التنظير وما بعده. (قوله: أو غبطة ظاهرة) احترز بذلك عما لو اشترى متاعا بمائة مؤجلة،
وهو يساوي مائة حالة، فإن الغبطة في هذه الصورة موجودة، لكنها لا تظهر لكل أحد.
عزيزي، وعبارة الشوبري: أو غبطة ظاهرة، سيأتي في شركة أن الغبطة: مال له وقع - أي قدر - لا يتسامح أي لا
يتساهل به. فانظر ما مفاد قوله ظاهرة؟ ويجاب بأن معنى قوله ظاهرة: أي محققة للولي. اه‍ بجيرمي.

67
(قوله: فيجوز له) أي للولي، وهو تفريع على الاستثناء. (قوله: كأن يرهن إلخ) مثل للرهن والارتهان للضرورة،
ولم يمثل لهما للغبطة. فمثال الرهن لها: أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة، وهو يساوي مائتين.
ومثال الارتهان لها: أن يرتهن على ما يبيعه نسيئة بمائتين، وهو يساوي مائة. قال في فتح الجواد: وشرط صحة بيعه نسيئة
- مع ما ذكر من غبطة وارتهان - أمانة مشتر، وغناء ووفاء الرهن بالثمن، وقصر الاجل، وكذا إشهاد عند جماعة - وهو متجه
مدركا، لكن الجمهور على أنه لا بطلان بتركه. اه‍. (قوله: ما يقترض) بالبناء للفاعل، العائد محذوف ويصح بالبناء
للمجهول، وعليه لا حذف وقوله لحاجة المؤنة الإضافة للبيان والمراد الحاجة الشديدة ليلائم قوله إلا لضرورة، وبهذا
يندفع ما يقال الحاجة أعم من الضرورة، فإنها تشمل التفكه وثياب الزينة مثلا. اه‍. بجيرمي بالمعنى. (قوله: ليوفي)
أي ما يقترض، فهو بالبناء للمجهول. ويصح بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي ليوفي المقترض ما
اقترضه. (وقوله:
مما ينتظر) أي يترقب. وهو أيضا بالبناء للمجهول، ويصح بالبناء للفاعل، والعائد محذوف. (وقوله: من الغلة أو حلول
الدين) بيان لما. (قوله: وكأن يرتهن) معطوف على كأن يرهن. (وقوله: على ما يقرضه) أي من مال محجوره. (وقوله:
أو يبيعه) معطوف على يقرضه. أي أو يرتهن على ما يبيعه من مال محجوره. ويشترط أيضا: كون المشتري أمينا - إلى
آخر ما مر آنفا - (قوله: لضرورة نهب) متعلق بيقرضه ويبيعه. (وقوله: أو نحو) أي نحو النهب، كالسرقة. (قوله: للزوم
الارتهان حينئذ) أي حين إذا أقرض أو باع مال الصبي لضرورة النهب أو غيره. ولا يظهر هذا التعليل لما قبله، لان ما قبله
تمثيل لجواز الارتهان للضرورة، فينحل المعنى بجواز الارتهان على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة، للزوم الارتهان
حينئذ، ولا يخفى ما فيه.
وعبارة المنهاج: فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما، إلا لضرورة، أو غبطة ظاهرة. قال في
التحفة: فيلزمه الارتهان بالثمن، وهي ظاهرة.
ولو أخر الشارح قوله: فيجوز له الرهن والارتهان - عن المثال الثاني، ثم أضرب وقال: بل يلزمه الارتهان حينئذ -
لكان أولى. ثم إنه سيأتي للشارح - في فصل الحجر - تقييد لزوم الارتهان: بما إذا لم يكن المشتري موسرا. ونص
عبارته هناك: وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه ارتهان بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا. انتهت.
(قوله: ولو كانت العين إلخ) غاية لمقدر، وهي للتعميم. والمعنى يصح الرهن بعين، ولو كانت جزءا مشاعا بين
الراهن وغيره - كأن كان يملك ربع دار مشاعا: أي ليس معينا فرهنه، فإنه يصح، وقبضه يكون بقبض الجميع - كما في
البيع - فيكون بالتخلية في غير المنقول، وبالنقل في المنقول. ويجوز رهنه على الشريك، وعلى غيره، ولا يحتاج لاذن
الشريك إلا في المنقول، فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده: جاز، وناب عنه في القبض، وإلا أقام الحاكم عدلا
يكون في يده لهما. ولو اقتسما فخرج المرهون لشريكه: لزمه قيمته رهنا، لأنه حصل له بدله. (قوله: أو عارية) أي ولو
كانت ضمنية، كارهن عبدك عني على ديني ففعل، فإنه كما لو قبضه ورهنه. اه‍. تحفة ونهاية. قال ع ش: يشير بهذا
إلى أنه لا يشترط كون المرهون ملكا للراهن، بل يصح، ولو معارا. اه‍.
(واعلم) أن عقد العارية بعد الرهن في قول: إنه عارية - أي باق على حكمها - وفي قول: إنه ضمان دين في رقبة
ذلك الشئ، لان الانتفاع إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين، فهو مناف لوضع العارية، وهذا القول هو الأظهر -
كما في المنهاج.
(قوله: وإن لم يصرح بلفظها) أي العارية، أي فلا يشترط أن يقول للمالك أعرني هذه لأرهنها، أو يقول هو

68
للراهن: أعرتك هذه لترهنها. (قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لعدم التصريح بلفظ العارية. (وقوله: له) أي للراهن.
(وقوله: مالكها) أي العارية. (قوله: لحصول التوثيق بها) أي بالعارية. وهو علة لجواز كون العين المرهونة عارية، أي
وإنما جاز رهن العارية لحصول التوثق الذي هو المقصود من الرهن بها. (قوله: ويصح إعارة النقد لذلك) أي للرهن.
قال ع ش: ثم بعد حلول الدين - إن وفى المالك: فظاهر، وإن لم يوف: بيعت الدراهم بجنس حق المرتهن إن لم تكن
من جنسه، فإن كانت من جنسه جعلها له عوضا عن دينه بصيغة تدل على نقل الملك. اه‍. (قوله: وإن منعنا إعارته) أي
النقد. (وقوله: لغير ذلك) أي الرهن، كإعارته للنفقة، أو ليصرفه في مشترى عين. (قوله: فيصح رهن معار إلخ) تفريع
على أو عارية. (وقوله: بإذن مالك) أي في الرهن، فلو لم يأذن المالك فيه لا يصح رهنه. (قوله: بشرط معرفته) أي
المالك. (وقوله: المرتهن) مفعول المصدر، ومعرفته تكون بعينه أو اسمه ونسبه - لا بوصفه فقط - كما هو ظاهر.
(وقوله: وجنس الدين) أي وبشرط معرفته جنس الدين، كذهب، وفضة. (وقوله: وقدره) أي كعشرة، ومائة. ولا بد من
معرفته صفته أيضا - كحلول، وتأجيل، وصحة، وتكسير - وذلك لاختلاف الأغراض بذلك. (قوله: نعم، في الجواهر)
تقييد لاشتراط معرفته جنس الدين وقدره، فكأنه قال: محل اشتراط ما ذكر: ما لم يفوض الامر إلى خيرة المدين، وإلا لم
يشترط ذلك. (وقوله: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته) قال في التحفة: ويؤيده ما يأتي في العارية من صحة انتفع به بما
شئت. لكن قال سم: سيأتي في العارية أن المعتمد في انتفع به بما شئت، إنه يتقيد بالمعتاد في مثله، فقياسه أنه يتقيد
هنا بما يعتاد رهن مثله عليه. اه‍. وفرق ع ش: بأن الانتفاع في المعار بغير المعتاد يعود منه ضرر على المالك، بخلاف
الرهن بأكثر من قيمته لا يعود ضرر عليه، إذ غايته أن يباع في الدين، وما زاد على ثمنه باق في ذمة المستعير. اه‍. (قوله:
ولو عين قدرا إلخ) استثناء من محذوف - كما يعلم من عبارة شرح المنهج - تقديره: وإذا عين المالك للمستعير جنس
الدين وقدره وصفته لم تجز مخالفته أي ويستثنى من ذلك ما لو عين له قدرا فرهن بدونه، فإنه يجوز. (وقوله: فرهن
بدونه) أي من جنسه. فلو استعاره ليرهنه على مائة دينار، فرهنه على مائة درهم، لم يجز. اه‍. س ل. بجيرمي. (قوله:
ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن) أي وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، إذ لا وثوق به. وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه
- وهو كذلك - لعدم لزومه قبله. (قوله: فلو تلف) أي المعار في في يد الراهن. قال سم: هو شامل لما قبل الرهن ولما
بعد انفكاكه. وعبارة العراقي في شرح البهجة: أما لو تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعده: فإنه يجب عليه
ضمانه. اه‍. (وقوله: ضمن) أي الراهن. (وقوله: لأنه مستعير) أي والعارية مضمونة. (وقوله: الآن) أي إذا كان
المعار في يده. (قوله: أو في يد المرتهن) أي أو تلف في يد المرتهن. (قوله: فلا ضمان عليهما) أي على الراهن
والمرتهن. ومحله: ما لم يقصرا. فإن قصرا ضمنا. (وقوله: إذ المرتهن أمين) علة لعدم تضمين المرتهن. (وقوله: ولم
يسقط الحق عن ذمة الراهن) علة لعدم تضمين الراهن. اه‍. ع ش. (قوله: نعم، إن رهن فاسدا) أي بأن فقد شرط من
الشروط السابقة. (وقوله: ضمن بالتسليم) أي ضمن الراهن بتسليم المعار للمرتهن.
قال في التحفة بعده: أي لان المالك لم يأذن فيه، ولأنه مستعير، وهو ضامن ما دام لم يقبضه عن جهة رهن
صحيح، ولم يوجد. ويلزم من ضمانه تضمين المرتهن، لترتب يده على يد ضامنه، ويرجع عليه إن لم يعلم الفساد،
وكونها مستعارة.

69
وأفتى بعضهم بعدم ضمانه، محتجا بأنه إذا بطل الخصوص - وهو التوثقة هنا - لا يبطل العموم، وهو إذن المالك
بوضعها تحت يد المرتهن. اه‍.
(قوله: ويباع المعار بمراجعة مالكه) أي يبيعه الحاكم بمراجعة مالكه لعله يفديه، فإن لم يأذن في بيعه، بيع قهرا
عليه.
(تنبيه) ألغز العلامة الدميري هنا فقال: لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن. وصورته: استعار شيئا ليرهنه
بشروطه ففعل، ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن لعدم تفويت الوثيقة، وهو الأوجه - خلافا للبلقيني - حيث
تردد. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله:
عين لنا مرهونة قد صححوا بيعا لها من غير إذن المرتهن
ذاك معار باعه المعير من من استعار للرهان فارتهن
(قوله: ثم يرجع إلخ) أي ثم بعد بيعه في الدين يرجع المالك عل الراهن المستعير بالثمن الذي بيع به. قال في
المغني: لانتفاع الرهن به - سواء أبيع بقيمته، أم بأكثر، أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله - هذا على قول الضمان. وأما
على قول العارية: فيرجع بقيمته إن بيع بها، أو بأقل - وكذا بأكثر - عند الأكثرين. اه‍. (قوله: لا يصح) أي الرهن بمعنى
العقد. (قوله: بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن) أي بشرط شئ يضر الراهن أو المرتهن - أي أو كليهما - فأو: مانعة
خلو، فتجوز الجمع. وخرج بذلك: ما لا يضرهما أو أحدهما كأن شرط فيه مقتضاه - كتقدم مرتهن بالمرهون عند تزاحم
الغرماء - أو شرط ما فيه مصلحة له - كإشهاد به، أو شرط ما لا غرض فيه - كأن يأكل العبد المرهون كذا، فإنه يصح عقد
الرهن في الجميع، ويلغو الشرط في الأخير. (قوله: كأن لا يباع) أي أصلا، وهو تمثيل لما يضر المرتهن. (وقوله: عند
المحل) هو بكسر الحاء. (قوله: أو أكثر) أي أولا يباع عند المحل إلا بأكثر من ثمن المثل، وهو أيضا تمثيل
لما يضر المرتهن. (قوله: وكشرط منفعته إلخ) هذا مثال لما يضر الراهن، ولذلك أعاد الكاف. وإنما كان مضرا
به لان منافع المرهون - كسكنى الدار، وركوب الدابة - مستحقة للراهن، فإذا شرطت للمرتهن أضر بالراهن. (قوله: كأن
يشرطا) الموافق لقوله بعد في الصور الثلاث أن يزيد واو العطف، بأن يقول: وكأن يشرطا إلخ. وعبارة المنهج وشرحه:
كأن لا يباع عند المحل، وكشرط منفعته - أي المرهون للمرتهن - أو شرط أن تحدث زوائده - كثمر الشجرة، ونتاج
الشاة - مرهونة. اه‍. (قوله: مرهونة) خبر أن، أي شرطا أن الزوائد التي تحدث تكون مرهونة أيضا في
الدين. (قوله:
فيبطل الرهن في الصور الثلاث) هي قوله كأن لا يباع، وقوله كشرط منفعته، وقوله كأن يشرطا إلخ. وإنما بطل فيها:
لإخلال الشرط في الأولى بالغرض من الرهن الذي هو البيع عند المحل، ولتغيير قضية العقد في الثانية. وذلك لان قضية
العقد أن تكون منافع المرهون للراهن، لان التوثق إنما هو بالعين. ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة. ومحل البطلان في
الثانية: ما لم تقدر المنفعة بمدة كسنة - وكان الرهن مشروطا في بيع، فإن كان كذلك، فلا بطلان - بل هو جمع بين بيع
وإجارة. وصورة ذلك أن يقول بعتك هذا العبد بمائة، على أن ترهنني به دارك هذه، ويكون سكناها إلى سنة فيقبل
الآخر. (قوله: ولا يلزم الرهن) أي من جهة الراهن فقط، لأنه من جهة المرتهن جائز مطلقا. (وقوله: إلا بقبض) أي
لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (1) فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة، ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول، فلا
يلزم إلا بالقبض - كالهبة -. ولا ترد الوصية، لأنها إنما تحتاج إلى القبول فيما إذا كان الموصى له معينا. اه‍. شرح



(1) سورة البقرة، الآية: 238.
70
الروض. (وقوله: بما مر إلخ) أي ويكون القبض هنا بمثل ما مر في قبض المبيع - من النقل في المنقول، والتخلية في
غيره. (قوله: بإذن من راهن) متعلق بمحذوف صفة لقبض، أي قبض كائن بإذن من راهن، أي أو إقباض منه. ولكل من
الراهن والمرتهن إنابة غيره في القبض والاقباض، ما لم يلزم اتحاد القابض والمقبض. فلو أذن الراهن لغيره في الاقباض
امتنعت إنابته في القبض. وكذلك يمتنع على المرتهن أن ينيب الراهن في القبض، كأن يقول المرتهن للراهن: أنبتك
عني في القبض. (وقوله: يصح تبرعه) أي تبرعا مطلقا. وصحة التبرع لا تكون إلا من بالغ، عاقل، رشيد، مختار - كما
تقدم - فخرج به حينئذ: الصبي، والمجنون، والمحجور عليه، والمكره، فلا يصح إذنهم في القبض. (قوله: ويحصل
الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك) أما بعض القبض فلا رجوع به، لعدم نفوذ التصرف منه بعده. وسيبين
هذا بقوله بعد: وليس للمالك بعد لزوم الرهن بيع ووقف إلخ. (قوله: كالهبة) تمثيل ما يزيل الملك. وقيد في المنهاج
والمنهج الهبة بكونها مقبوضة. وقال في المغني: تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن وبالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض
لا يكون رجوعا. والذي نقله السبكي وغيره على النص: أنه رجوع، وهو المعتمد. وقال الأذرعي: والصواب على
المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا، لأنها زيادة موهمة. اه‍. (قوله: والرهن لآخر) ظاهره أنه معطوف
على الهبة، فيفيد حينئذ أن الرهن مزيل للملك، وليس كذلك. وعبارة غيره: ويحصل الرجوع بتصرف يزيل الملك -
كهبة لزوال محل الرهن، وبرهن - لتعلق حق الغير به -. اه‍. فأعاد العامل إشارة إلى استقلاله، وعدم عطفه على هبة.
فكان الأولى للشارح أن يصنع كصنيعه. (قوله: لا بوطئ إلخ) أي لا يحصل الرجوع بوطئ وتزويج - أي لعدم منافاتهما
للرهن - لان الوطئ من قبيل الاستخدام، والتزويج لا تعلق له بمورد الرهن، بل رهن المزوج ابتداء: جائز - سواء كان
المزوج عبدا أو أمة -. ومعنى كون هذه المذكورات لا يحصل بها رجوع: أن الرهن لا ينفسخ بها، بل هو باق بحاله.
ومحل عدم الرجوع بالوطئ: إذا لم يحصل منه إحبال، وإلا حصل الرجوع به. (قوله: وموت عاقد) أي ولا يحصل
الرجوع بموت عاقد من راهن، أو مرتهن، أو وكيلهما، أو وكيل أحدهما. (قوله: وهرب مرهون) أي ولا يحصل الرجوع
بهرب المرهون. قال ع ش: وظاهره وإن أيس من عوده. وينبغي - في هذه - أن له مطالبة الراهن بالدين، حيث حل، لأنه
في هذه الحالة يعد كالتالف. اه‍. (قوله: واليد في المرهون لمرتهن) المراد من اليد: اليد الحسية - أي كونه في حرزه،
وفي بيته مثلا - لا الشرعية: أي كونه في سلطنته وفي ولايته، بحيث يمتنع على الراهن التصرف فيه بما يزيل الملك أو
ينقصه بغير إذن المرتهن، وإلا لم يكن للتقييد - بقوله غالبا - فائدة، لان اليد الشرعية على المرهون للمرتهن دائما، حتى
في الصور الخارجة به. كذا في البجيرمي. (قوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض - كما مر - (قوله: غالبا) أي
ومن غير الغالب قد لا تكون اليد للمرتهن - كما لو رهن مسلما أو مصحفا عند كافر، أو سلاحا عند حربي - فإنه يوضع عند
من يصح تملكه لها. وكما لو رهن جارية تشتهي عند أجنبي فتوضع عند امرأة ثقة. وكما لو شرطا وضعه عند
ثالث.
(قوله: وهي) أي يد المرتهن. (وقوله: أمانة) أي لا يلزم ضمانه. فلو شرط كونه مضمونا على المرتهن لم يصح الرهن.
واستثنى البلقيني من هذه القاعدة - تبعا للمحاملي - ثمان مسائل يكون فيها الضمان على المرتهن. الأولى:
مغصوب تحول رهنا عند غاصبه. الثانية: مرهون تحول غصبا عند مرتهنه. الثالثة: مرهون تحول عارية عند مرتهنه.
الرابعة: عارية تحولت رهنا عند مستعيرها. الخامسة: مقبوض سوما تحول رهنا عند سائمه. السادسة: مقبوض ببيع
فاسد تحول رهنا عند قابضه. السابعة: أن يقبله في بيع شئ ثم يرهنه منه قبل قبضه. الثامنة: أن يخالعها على شئ ثم
يرهنه منها قبل القبض.
وإنما ضمن في هذه المسائل لوجود مقتضيه، والرهن ليس بمانع. اه‍. نهاية. بتصرف.

71
(قوله: ولو بعد البراءة من الدين) غاية لكون اليد على الرهن أمانة. (قوله: فلا يضمنه المرتهن) مفرع على كونه
أمانة. (قوله: إلا بالتعدي) أي لا يضمنه إلا إن تعدى وتسبب في تلفه. (قوله: كأن امتنع إلخ) تمثيل للتعدي، أي وكأن
ركب الدابة وحمل عليها أو استعمل الاناء، فيضمنه حينئذ لخروجه عن الأمانة. (قوله: بعد سقوط الدين) أي وبعد
المطالبة. أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته. اه‍. نهاية. (قوله: وصدق إلخ) أي من غير ضمان، وإلا
فالغاصب والمستعير يصدق أيضا بيمينه في دعوى التلف، لكن مع الضمان. (قوله: كالمستأجر) الكاف للتنظير، أي
فإنه يصدق أيضا فيما ذكر. (قوله: في دعوى تلف بيمينه) أي على التفصيل الآتي في الوديعة. وحاصله أنه يحلف في
تلفها مطلقا - أي من غير ذكر سبب - أو بذكر سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه،
ولم يتهم: فلا يحلف. وإن جهل السبب الظاهر طولب ببينة بوجوده، ثم يحلف أنها تلفت به. (قوله: لا في رد) أي لا
يصدق المرتهن كالمستأجر في دعوى رد، أي لما قالوه - من أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه صدق بيمينه إلا
المرتهن والمستأجر - لان كلا منهما يقبض لغرض نفسه. والفرق بين الرد وبين التلف - حيث يصدقان فيه - أن التلف
غالبا لا يتعلق باختيارهما، فلا يتمكنان من إقامة البينة عليه، فيعذران. بخلال الرد، فإنه يتعلق باختيارهما، فلا
تتعذر فيه
البينة. (قوله: لأنهما) أي المرتهن والمستأجر. (وقوله: قبضا لغرض أنفسهما) أي وهو التوثق بالنسبة للمرتهن،
والانتفاع بالمؤجر بالنسبة للمستأجر. (وقوله: فكانا كالمستعير) أي في عدم تصديقه في دعوى الرد، لكون قبضه لغرض
نفسه، وهذا قياس أدنى - لان المستعير ليس بأمين، بل هو ضامن - (قوله: بخلاف الوديع والوكيل) أي وسائر الامناء،
فإنهم يصدقون في دعوى الرد أيضا، لأنهم لم يقبضوا لغرض أنفسهم. (قوله: ولا يسقط بتلفه) أي المرهون شئ من
الدين، بل يجب عليه دفع جميعه لصاحبه الذي هو المرتهن، خلافا للحنفية، والمالكية - حيث قالوا يسقط بتلفه قدره من
الدين - بناء على أنه من ضمان المرتهن. (قوله: ولو غفل عن نحو كتاب) أي كصوف. (وقوله: فأكلته الأرضة) أي
الدودة. (قوله: أو جعله) أي نحو الكتاب، وهو معطوف على غفل. (قوله: هو) أي ذلك المحل. (وقوله: مظنتها) أي
الأرضة. قال في القاموس: مظنة الشئ - بكسر الظاء - موضع يظن فيه وجوده. اه‍. (قوله: ضمنه) جواب لو، وضميره
يعود على نحو الكتاب - الذي أكلته الأرضة - (وقوله: لتفريطه) أي المرتهن، وهو علة الضمان. (قوله: قاعدة) أي في
بيان أن فاسد العقود كصحيحها. (قوله: وحكم فاسد العقود إذا صدر من رشيد) قال البجيرمي: بأن كان كل من
العاقدين رشيدا - أي غير محجور عليه - فيشمل السفيه المهمل. والمراد صدر من رشيد مع رشيد، فلو صدر مع سفيه فلا
يضمن السفيه مطلقا. اه‍. وقال سم: اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه، لان عقد غيره باطل - لاختلال
ركنه - لا فاسد. والكلام في الفاسد، وأقول: هذا الاعتراض ليس بشئ، لان الفاسد والباطل عندنا سواء، إلا فيما
استثنى بالنسبة لاحكام مخصوصة، فالتقييد في غاية الصحة والاحتياج إليه. فتأمل. اه‍. (قوله: حكم صحيحها) أي
كحكم الصحيح من العقود. (وقوله: في الضمان) أي في مطلق الضمان، وإن كان المبيع في البيع الصحيح يضمن
بالثمن، وفي البيع الفاسد يضمن بأقصى القيم في المتقوم، وبالمثل في المثلى. قال في التحفة: والمراد التشبيه في
أصل الضمان، لا الضامن، فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه، وفي الصحيحة على موليه،
ولا في القدر: فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا: أي مقابلا بالثمن وفاسده بالبدل، والقرض بمثل المتقوم الصوري
وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل. اه‍. وقوله وعدمه: أي وفي عدم

72
الضمان (قوله: لان صحيح الخ) تعليل لكون حكم الفاسد كحكم الصحيح (قوله: بعد القبض) أي قبض المعقود عليه
(قوله: كالبيع والقرض) أي كعقد البيع والقرض (قوله: ففاسده أولى) أي في اقتضاء الضمان، لأن الصحيح قد أذن فيه
الشارع والمالك، والفاسد لم يأذن فيه الشارع، بل في التجرؤ عليه. اه‍. بجيرمي (قوله: أو عدمه) على الضمان: أي
أو اقتضى عدمه. (وقوله: كالمرهون والمستأجر والموهوب) الأولى أن يقول: كالرهن، والإجاة، والهبة، لان الكلام
في العقود، لا في المعقود عليه. (وقوله: ففاسده كذلك) أي لا يقتضي الضمان، بل هو مساو له في عدم الضمان، قال
سم على المنهج: ولم يقل أولى، لان الفاسد ليس أولى بعدم الضمان، بل بالضمان. اه‍. ووجه ذلك: أن عدم
الضمان تخفيف، وليس الفاسد أولى به، بل حقه أن يكون أولى بالضمان، لاشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا
حق، فكان أشبه بالغصب. اه‍. قال ع ش: واستثنى من الأول، أعني قوله في الضمان: ما لو قال قارضتك على أن
الربح كله لي، فهو قراض فاسد، فصحيحه يقتضي ضمان عمل العامل بالربح المشروط، وفاسده المذكور لا يقتضي
شيئا. وما لو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد، ولا يستحق العامل شيئا، مع أنه في الصحيح: يستحق
جزءا من الربح، فهذا صحيحه اقتضى الضمان، وفاسده لا يقتضيه، واستثنى من الثاني - أعني قوله وعدمه - الشركة،
فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر، مع صحتها، ويضمنه مع فسادها. وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت
العين في يد المرتهن أو المستأجر، فلمالك تضمينه، وإن كان القرار على الراهن أو المؤجر، مع أن صحيح الرهن
والإجارة لا ضمان فيه. قال في النهاية: وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم الأصل أن فاسد كل عقد
الخ. وفي الحقيقة: لا يصح استثناء شئ من هذه القاعدة، لا طردا ولا عكسا، لان المراد بالضمان: المقابل للأمانة
بالنسبة للعين، لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها. فالرهن صحيحه أمانة، وفاسده كذلك، والإجارة مثله. والبيع والعارية
صحيحهما مضمون، وفاسدهما مضمون، فلا يرد: شئ. اه‍. (قوله: فرع: لو رهن شيئا إلخ) هذا من فروع القاعدة
المذكورة، فالبيع والعارية من طردها، والرهن من عكسها. وعبارة الروض وشرحه: فرع: لو رهنه أرضا وأذن له في
غرسها بعد شهر، فهي قبل الشهر أمانة، بحكم الرهن، وبعده عارية مضمونة، بحكم العارية. وكذا لو شرط كونها مبيعة
بعد شهر، فهي أمانة قبل الشهر - لما مر - ومبيعة مضمونة بعده، بحكم البيع، فإن غرس فيها المرتهن في الصورتين قبل
الشهر: قلع مجانا، أو بعده: لم يقلع في الأولى ولا في هذه مجانا، لوقوعه بإذن المالك، وجهله المعلوم من قوله إلا إن
علم فساد البيع وغرس فيقلع مجانا لتقصيره. اه‍ (قوله: وجعله مبيعا من المرتهن) أي للمرتهن أو عليه، فمن: بمعنى
اللام، أو على. (وقوله: أو عارية بعده) أي أو جعله عارية بعد شهر (قوله: بأن شرطا) أي البيع والعارية. والباء
للتصوير، وصورة ذلك أن يقول: رهنتك هذا بشرط أنه بعد شهر يكون مبيعا لك، أو عارية لك، فحينئذ يفسد الرهن
لتأقيته، ويفسد البيع أو العارية لتعليقه، فهو قبل مضي الشهر: أمانة، لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد. وبعده:
مضمون، بحكم الشراء الفاسد، أو العارية الفاسدة. (وقوله: لم يضمنه) أي المرتهن إذا تلف. (وقوله قبل مضي
الشهر) أي لأنه أمين حينئذ - كما علمت - (قوله: وإن علم فساده) غاية في عدم ضمان المرتهن: أي لم يضمنه قبل مضي
الشهر، وإن علم بفساد الرهن: أي العقد بذلك. (وقوله: على المعتمد) لم يذكره في المنهاج وشرحيه - النهاية،
والتحفة - ولا في المنهج وشرحه. فانظره، فإنه يفيد أن خلاف المعتمد يضمنه: إذا علم الفساد (قوله: وضمنه بعده) أي
ضمن المرتهن المرهون بعد مضي الشهر، وهذا محترز قوله قبل مضي الشهر (قوله: لأنه) أي الرهن، وهو علة للضمان

73
إذا تلف بعده (قوله: لتعليقهما) أي البيع والعارية، وهو علة لفسادهما (قوله: فإن قال رهنتك الخ) غرضه
بهذا بيان
محترز قوله: بأن شرطا. وعبارة النهاية: وخرج بقوله ما لو شرط، ما لو قال رهنتك الخ. اه‍. (وقوله: فسد البيع) أي
لتعليقه. (وقوله: لا الرهن على الأوجه) أي لا يفسد الرهن، أي لعدم تأقيته، وفي النهاية: والأوجه فساده أيضا. قال
ع ش: ووجه الفساد أن مثل هذا إذا وقع يكون مرادا به الشرط. اه‍. (قوله: لأنه) أي الرهن. (وقوله: لم يشترط فيه)
أي عقد الرهن شيئا. قال سم: لك أن تقول كيف يقال لم يشرط فيه شئ، ومعنى العبارة كما ترى رهنتك بشرط أن يكون
مبيعا منك عند انتفاء الوفاء؟ لا يقال صورة المسألة تراخي هذا القول عن صيغة الرهن، لأنا نقول: ذاك بديهي الصحة،
لا يحتاج إلى التنبيه عليه، ويكون قول السبكي - فيما يظهر - لا معنى له. اه‍ (قوله: وله الخ) هذا ثمرة الرهن وفائدته
(قوله: طلب بيعه) أي من الراهن (قوله: أو طلب قضاء دينه) أي من غير المرهون (قوله: ولا يلزم) هو من ألزم، فالفاعل
يعود على المرتهن. وقوله: الراهن: مفعول أول، والبيع: مفعول ثان (قوله: بل إنما يطلب المرتهن) إظهار في مقام
الاضمار. (وقوله: أحد الامرين) هما بيعه، والتوفية من غيره. قال في النهاية: وفهم من طلب أحد الامرين أن للراهن أن
يختار البيع والتوفية من ثمن المرهون، وإن قدر على التوفية من غيره، ولا نظر لهذا التأخير، وإن كان حق المرتهن واجبا
فورا، لان تعليقه ألحق بعين الرهن رضا منه باستيفائه منه وطريقه البيع. اه‍ (قوله: إن حل دين) أي ابتداء أو طرأ حلوله،
إذ قبل الحلول: لا تتوجه المطالبة. اه‍. فتح الجواد (قوله: وإنما يبيع الراهن) أي: أو وكيله (قوله: بإذن المرتهن) فإن
عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم: صح بيعه، لكن لا يتصرف في ثمنه، لتعلق حق الغير به. وفائدة البيع: استراحته من
النفقة عليه مثلا. اه‍. بجيرمي (قوله: عند الحاجة) هو ساقط من عبارة فتح الجواد، وهو الأولى، وإن كان ثابتا في متن
المنهج. إذ للراهن بيعه بإذن المرتهن مطلقا، كانت له حاجة أو لا، كحلول الدين، وإشراف الرهن على الفساد (قوله:
لان الخ) علة لكونه إنما يكون بإذن المرتهن. وقوله له أي للمرتهن، وقوله فيه: أي في المرهون (قوله: ويقدم المرتهن
بثمنه الخ) وذلك لان حقه متعلق به وبالذمة، وحقهم متعلق بالذمة فقط. اه‍. شرح المنهج (قوله: فإن أبى المرتهن
الاذن، قال له الحاكم الخ) أي دفعا لضرر الراهن. قال في التحفة: فإن أصر: باعه الحاكم، أو أذن للراهن في بيعه،
ومنعه من التصرف في ثمنه، إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه، فيطلق للراهن التصرف فيه. اه‍. (قوله: ويجبر راهن)
يقرأ الفعل بالبناء للمجهول. (وقوله: أي يجبره الحاكم) أي يلزمه (قوله: على أحد الامرين) هما بيع المرهون ليوفي
منه، ووفاء الدين من غيره (قوله: إذا امتنع) أي الراهن مما طلبه منه المرتهن (قوله: بالحبس) متعلق بيجبره. (وقوله:
وغيره) أي غير الحبس مما يراه الحاكم، كالتعزير (قوله: فإن أصر) أي الراهن: أي دام على الامتناع ولم ينفع إجبار
الحاكم. وفي التحفة ما نصه: وقضية المتن وغيره أن القاضي لا يتولى البيع إلا بعد الاصرار على الاباء: وليس مراد أخذا
من قولهم في التفليس، إنه بالامتناع من الوفاء: يخير القاضي بين توليه للبيع، وإكراهه عليه. اه‍. (قوله: أو كان غائبا)
هذه معطوف على أصر، وهو مرتب على إجبار الحاكم، فهذا مرتب عليه أيضا، وإجبار الحاكم إياه يقتضي أنه حاضر
ليس بغائب، والفرض أنه غائب، فالمناسب أن يجعله تنظيرا: بأن يقول، كما لو كان غائبا، (وقوله: وليس له) أي
للراهن، ممتنعا كان، أو غائبا. وقوله ما يوفي منه: أي شئ يوفي ذلك الدين منه غير المرهون، فإن كان له ما يوفي منه

74
غيره: لا يتعين بيعه. في النهاية ما نصه: أفتى السبكي بأن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره عند غيبة المديون
أو امتناعه، لان له ولاية على الغائب، فيفعل ما يراه مصلحة، فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين، وطلب
المرتهن: وفاه منه، وأخذ المرهون، فإن لم يكن له نقد حاضر، وكان بيع المرهون أروج، وطلب المرتهن: باعه دون
غيره، ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة، أو لم يكن ثم حاكم في البلد، فله بيعه بنفسه، كالظافر بغير جنس
حقه. اه‍. بحذف (قوله: باعه عليه) أي قهرا عليه (قوله: بعد ثبوت الدين) أي ببينة. (وقوله ملك الراهن) أي وبعد
ثبوت أن العين المرهونة ملك للراهن. وقد يقال: اليد عليه للمرتهن، فيكفي إقراره بأنه ملك للراهن. (وقوله
والرهن)
أي وبعد ثبوت أنها رهن عند المرتهن، لاحتمال كونها وديعة مثلا. (وقوله وكونه بمحل ولايته) أي وبعد ثبوت كون
الرهن بمحل ولاية القاضي، فالضمير يعود على الرهن، بمعنى المرهون (قوله: وقضى الدين الخ) معطوف على باعه
(قوله: دفعا لضرر المرتهن) تعليل لبيع القاضي المرهون (قوله: ويجوز للمرتهن الخ) أي كما يجوز له طلب البيع من
الراهن وطلب قضاء الدين (قوله: في دين حال) مثله المؤجل، إلا أنه لا يشترط فيه أن يكون البيع بحضرة الراهن - كما
ستعرفه - (قوله: بإذن الراهن) أي في بيعه، ومحله إذا قال له بعه لي، أو أطلق، فإن قال بعه لك: لم يصح،
للتهمة. اه‍. بجيرمي نقلا عن ابن حجر (قوله: بخلافه في غيبته) أي بخلاف البيع في غيبة الراهن، فإنه لا يصح،
وذلك لأنه يبيعه لغرض نفسه، فيهتم بترك الاحتياط (قوله: نعم الخ) استدراك من قوله بخلافه في غيبته. (وقوله إن قدر
له الثمن) أي قدر الراهن للمرتهن الثمن الذي يباع به المرهون، كعشرة ومثله ما لو كان الدين مؤجلا، وأذن له في البيع
حالا، أو كان ثمن المرهون لا يفي بالدين، والاستيفاء من غيره متعذر، أو متعسر بفلس أو غيره. (وقوله: صح
مطلقا)، أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا (قوله: ولو شرطا) أي الراهن والمرتهن في عقد الرهن (قوله: أن يبيعه)
أي المرهون (قوله: عند المحل) بكسر الحاء: أي حلول الدين (قوله: جاز بيعه) أي الثالث للمرهون، والمناسب جاز
الشرط، وصح البيع، وعلله في التحفة: بأنه لا محذور فيه. وقوله بثمن مثل حال: أي ومن نقد البلد، فإن أخل بشئ من
هذه الثلاثة: لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون به. اه‍. شرح
المنهج (قوله: ولا يشترط مراجعة الراهن) أي مراجعة الثالث المأذون له في البيع الراهن، فالمصدر مضاف إلى مفعوله
بعد حذف الفاعل (قوله: لان الأصل بقاء إذنه) أي إذن الراهن الذي تضمنه الشرط (قوله: بل المرتهن) أي بل يشترط
مراجعة المرتهن. وفي شرح المنهج: أما المرتهن، فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا، فربما أمهل أو أبرأ. وقال
الامام: لا خلاف أنه لا يراجع، لان غرضه توقية الحق، والمعتمد الأول، لان أنه في البيع قبل القبض: لا يصح. اه‍
(قوله: لأنه) أي المرتهن. (وقوله: قد يمهل) أي الراهن الذي هو المدين. (وقوله ويبرئ) أي يسامح في الدين الذي
له (قوله: وعلى مالكه) أي المرهون. (وقوله من راهن أو معير) بيان للمالك. (وقوله: أي للراهن)، وهو متعلق بمعير
(قوله: مؤنة للمرهون) المراد بها ما يسمى في العرف مؤنة، وهي التي يكون بها بقاؤه، فخرج حينئذ أجرة الفصد،
والحجامة، وتوديج دابة، وهو كالفصد في الآدمي، والمعالجة بالأدوية، فلا تجب عليه، لأنها لا تسمى مؤنا عرفا (قوله:
كنفقة رقيق الخ) تمثيل للمؤنة. (وقوله: وعلف دابة) أي وأجرة سقي أشجار، وجذاذ ثمار، وتجفيفها. (وقوله: ومكان
حفظ) أي وأجرة المكان الذي يحفظ فيه المرهون، ومثل ذلك: أجرة نفس الحفظ. وعبارة التحفة: ومنها أجرة حفظه،
وسقيه، وجذاذه، وتجفيفه، ورده إن أبق. اه‍ (قوله: وإعادة ما يهدم) أي وكإعادة الدار المرهونة التي قد هدمت (قوله:

75
إجماعا) مرتبط بالمتن: أي هي على المالك إجماعا. (وقوله: خلافا لما شذبه الخ) أي من أن المؤنة على
المرتهن. اه‍. مغني. (وقوله: الحسن) أي البصري، كما في النهاية، وفي التحفة: الحسن البصري، أو الحسن بن
صالح، فهو متردد في ذلك (قوله: فإن غاب أو أعسر) أي المالك. (وقوله: راجع المرتهن الحاكم) وفي القليوبي، ولو
تعذرت المؤنة من الراهن لغيبته أو إعساره: ماله الحاكم من ماله - إن رأى له مالا، وإلا فيقترض عليه، أو يبيع جزءا منه.
ولو ماله المرتهن: رجع إن كان بإذن الحاكم (قوله: وله الانفاق بإذنه) أي للمرتهن أن ينفق على المرهون بإذن الحاكم.
(وقوله: ليكون) أي المرهون رهنا بالنفقة. (وقوله: أيضا) أي كما أنه رهن بالدين (قوله: فإن تعذر استئذانه) أي
الحاكم لفقده مثلا، (وقوله: وأشهد) أي المرتهن. (وقوله: بالانفاق) أي على إنفاقه للمرهون. (وقوله: رجع) أي كفى
ذلك، ورجع على المالك بما أنفقه (قوله: وإلا) أي وإن لم يتعذر استئذانه: بأن سهل ولم يستأذن، سواء شهد أم لا، أو
تعذر ولم يشهد، فالنفي راجع للمعطوف، والمعطوف عليه. ويستخرج من ذلك ثلاث صور. وقوله: فلا: أي فلا يرجع
بما أنفقه في الصور الثلاث المذكورة (قوله: وليس له الخ) أي يحرم عليه ذلك، ولا ينفذ منه شئ من التصرفات، إلا
إعتاق الموسر، وإيلاده، فينفذان منه، ويغرم قيمته وقت إحباله وإعتاقه، وتكون رهنا مكانه بغير عقد، لقيامها مقامه.
(وقوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض، كما مر (قوله: ورهن لاخر) أي ليس له رهنه لآخر غير المرتهن
الأول، وليس له أن يرهنه للأول أيضا بدين آخر، لأنه مشغول، والمشغول لا يشغل، ويصح الرهن فوق الرهن بالدين
الواحد، ولذا قال ابن الوردي:
والرهن فوق الرهن بالدين لا الدين فوق الدين بالرهين
(قوله: لئلا يزاحم المرتهن) تعليل لعدم صحة رهن المرهون لآخر: أي لا يصح ذلك، لئلا يزاحم ذلك الآخر
المرتهن الأول في حقه، فيفوت مقصود الرهن. ويصح قراءة الفعل بصيغة المبني للمجهول، وبصيغة المبني للفاعل،
فهو بفتح الحاء وكسرها (قوله: ووطئ للمرهونة) أي وليس للمالك وطئ للأمة المرهونة. قال في النهاية: نعم، لو خاف
الزنا لو لم يطأها: فله وطؤها، فيما يظهر، لأنه كالمضطر. اه‍ (قوله: بلا إذنه) ظاهر صنيعه أنه متعلق بوطئ فقط، مع أنه
متعلق بجميع ما قبله: من البيع، والوقف، والرهن. ولو قدم الغاية - أعني قوله وإن لم تحبل عليه - لأمكن رجوعه
للجميع. وعبارة شرح المنهج: ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه. اه‍. وهي ظاهرة (قوله: وإن لم
تحبل) غاية لحرمة وطئها: أي لا يجوز وطئ الأمة المرهونة، وإن لم تكن ممن تحبل كأن كانت صغيرة، أو آيسة (قوله:
حسما للباب) عبارة التحفة: وذلك لخوف الحبل فيمن يمكن حبلها، وحسما للباب في غيرها. اه‍. قال في المصباح:
حسم من باب ضرب، فانحسم: بمعنى قطعه، فانقطع، وحسمت العرق، على حذف مضاف. والأصل: حسمت دم
العرق، إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار. ومنه قيل للسيف حسام، لأنه قاطع لما يأتي عليه. وقولهم حسما للباب:
أي قطعا للوقوع قطعا كليا. اه‍، أي أنه إنما منع من وطئها، ولو لم تحبل، قطعا لباب الوطئ: أي للوقوع في الوطئ
قطعا كليا (قوله: بخلاف سائر التمتعات) كالمعانقة، والمفاخذة، والقبلة (قوله: فتحل إن أمن الوطئ) فإن لم يأمنه: فلا
تحل (قوله: وتزويج) أي وليس له تزويج أمته المرهونة على غيره، فإن زوج: فالنكاح باطل. وخرج بقوله تزويج: ما لو
راجع أمته المطلقة على زوجها، فإنها صحيحة، لتقدم حق الزوج (قوله: لنقصه) أي التزويج القيمة، وهو علة لعدم

76
صحة التزويج المذكور (قوله: لامنه) أي له. فمن: بمعنى اللام، أي لا إن كان التزويج منه، أي للمرتهن نفسه (قوله:
إن جاوزت مدتها المحل) بكسر الحاء: أي زمن الحلول، بأن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضائها، أي مدة
الإجارة: فتبطل من أصلها، وإن جوزنا بيع المؤجر. وإنما لم تصح الإجارة حينئذ: لأنها تنقص القيمة، أي وتقلل
الرغبات، فإن كان يحل بعد انقضائها، أو معه: صحت، إن لم تؤثر نقصا في القيمة، ولم يطل تفريغ المأجور بعد
الحلول، وكان المستأجر عدلا، أو رضي به المرتهن، لانتفاء المحذور حالة البيع. اه‍. فتح الجواد (قوله: ويجوز له)
أي للمالك: راهنا كان، أو معيرا. (وقوله: الانتفاع) أي الذي لا ينقصه، أي مع عدم استرداده من المرتهن إن أمكن
الانتفاع الذي يريده منه عنده: كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة، أو مع استرداده منه إن لم يمكن ذلك عنده، كأن
يكون دارا يسكنها، أو دابة يركبها، أو عبدا يخدمه، لكن يرده إلى المرتهن ليلا، ويشهد عليه المرتهن بالاسترداد للانتقاع
شاهدين في كل استردادة. (وقوله: بالركوب) لو قال بنحو الركوب، لكان أولى. والمراد به: أن يكون في البلد، وإن
اتسعت جدا، لامتناع السفر به، وإن قصر بلا إذن، إلا لضرورة: كنهب، أو جدب (قوله: لا بالبناء والغرس) أي لا يجوز
له الانتفاع بهما، وذلك لأنهما ينقصان قيمة الأرض، لكونها مشغولة بالبناء والغرس الخارجين عن الرهن، لان حق
المرتهن: تعلق بالأرض خالية منهما، فتباع للدين وحدها مع كونها مشغولة بهما (قوله: نعم: لو كان الدين الخ)
استدراك من عدم جواز الانتفاع بالبناء والغرس (قوله: وقال) أي المالك (قوله: فله ذلك) أي الانتفاع بالبناء والغرس،
ومحله: ما لم تنقص قيمة الأرض بالقلع، ولم تطل مدته. اه‍. ح ل (قوله: وأما وطئ المرتهن الخ) مقابل لمحذوف:
أي ما تقدم من التفصيل في الوطئ بين أن يكون بإذن المرتهن، فيصح، وبين أن لا يكون بإذنه، فلا يصح
بالنسبة للراهن.
أما بالنسبة للمرتهن، فلا يصح منه رأسا، فلو فعله: كان زنا (قوله: فزنا) أي فهو زنا. (وقوله: حيث علم التحريم) أي
وحيث لا شبهة، فإن جهل التحريم، أي تحريم الزنا، بوطئ المرهونة لظنه أن الارتهان مبيح للوطئ وعذر، بأن قرب
إسلامه، ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء بذلك، أو كان الوطئ شبهة بأن
ظنها زوجته أو أمته: فلا يحد، لأنه ليس زانيا، ويلزمه المهر فقط، والولد حر نسيب، وعليه قيمة الولد لمالكها لتفويته
الرق عليه (قوله: فعليه الحد) أي فعلى الواطئ الذي هو المرتهن الحد، لأنه زان. (وقوله: ويلزمه المهر) أي مهر ثيب
إن كانت ثيبا، ومهر بكر إن كانت بكرا، وأرش بكارة إن لم يأذن له في الوطئ، وإلا لم يجب الأرش. اه‍. شوبري.
(وقوله: ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم) صادق بصورتين، عدم مطاوعتها له أصلا: بأن أكرهها، ومطاوعتها له مع جهلها
بالتحريم، كأعجمية لا تعقل. واحترز به: عما إذا طاوعته عالمة بالتحريم، فإنه لا مهر لها (قوله: وما نسب إلى عطاء من
تجويزه الوطئ) أي وطئ المرتهن الأمة المرهونة. (وقوله: ضعيف جدا) خبر ما (قوله: بل قيل إنه) أي ما نسب لعطاء
(قوله: عن الحكم الخ) أي من الضمان وعدمه. وقوله من ارتهان الحلى: بيان لما، أي توثقة لما يقرضنه من أموالهن.
(وقوله: مع الاذن) أي من الراهن. (وقوله: في لبسها) أي الحلي. والمناسب تذكير الضمير (قوله: لان ذلك) أي
الارتهان مع اللبس. (وقوله: في حكم إجارة فاسدة) أي وهو عدم الضمان (قوله: معللا ذلك) أي كون ما ذكر في حكم

77
الإجارة الفاسدة (قوله: لا تقرض مالها إلا لأجل الخ) أي فهو في مقابلة الرهن واللبس (قوله: فجعل ذلك) أي قرض
النسوة مالهن. (وقوله: عوضا فاسدا) أي لعدم الصيغة، ولان ما ذكر لا يصح أن يكون عوضا. (وقوله: في مقابلة
اللبس) أي لبس الحلي المرهون، والأنسب في مقابلة الارتهان واللبس (قوله: ولو اختلفا الخ) شروع في الاختلاف في
الرهن وما يتبعه، وقد عقد المنهاج له فصلا مستقلا (قوله: في أصل رهن) أي رهن تبرع، وهو الذي لم يشترط في بيع أو
رهن مشروط في بيع (قوله: كأن قال) أي الدائن الذي هو المرتهن. (وقوله: رهنتني كذا) أي ثوبا، أو حليا، أو عبدا، أو
غير ذلك. (وقوله: فأنكر الآخر) أي أصل الرهن، وقال لم أرهنك شيئا. وهذا الذي وضعته عندك مثلا وديعة. وتسميته
حينئذ راهنا: بحسب زعم المرتهن، أو بحسب الصورة (قوله: أو في قدره) أي أو في عينه، كأن قال رهنتي هذا العبد،
فقال بل الثوب أو صفته كقدر الاجل. (وقوله: أي المرهون) في كلامه استخدام، لأنه ذكر الرهن أولا بمعنى العقد،
وأعاد عليه الضمير بمعنى المرهون (قوله: أو قدر المرهون به) أي أو اختلفا في قدر المرهون به: أي الدين الذي رهن
هذا الشئ فيه، أي أو في عينه كدراهم ودنانير، أو صفته: كأن يدعي المرتهن أنه رهن على المائة الحالة، فيستحق الآن
بيعه، وادعى الراهن أنه على المؤجل. (وقوله: كبألفين) أي كأن قال المرتهن رهنتني الأرض، أو العبد بألفين، فقال له
الراهن بل بألف، وفائدة ذلك: انفكاك الرهن بأداء الألف على أن القول قول الراهن، وعدم انفكاكه بأدائها على أن
القول قول المرتهن (قوله: صدق راهن بيمينه) جواب لو. وفي سم ما نصه: في شرح العباب قال الزركشي: والكلام في
الاختلاف بعد القبض، لأنه قبله لا أثر له في تحليف ولا دعوى، ويجوز أن تسمع فيه الدعوى، لاحتمال أن ينكل
الراهن، فيحلف المرتهن، ويلزم الراهن بإقباضه له، كما ذكره في الحوالة والقرض ونحوهما. اه‍. اعتمده م ر: هذا
الاحتمال. اه‍ (قوله: وإن كان المرهون بيد المرتهن) غاية لتصديق الراهن، وهي للرد على القول الضعيف القائل: إذا كانت العين بيد المرتهن: فهو المصدق، ترجيحا لدعواه بيده - كما في الدميري - اه‍. بحيرمي. (قوله: لان الأصل
عدم الخ) وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده، وهو تعليل لتصديق الراهن (قوله: ولو ادعى مرتهن هو) أي ذلك
المرهون. (وقوله: بيده) أي المرتهن. ومثل ذلك: ما إذا كان بيد الراهن، وقال المرتهن رهنتني إياه، وأخذته مني
للانتفاع به مثلا (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول مفعول ادعى، وضميره يعود على المرهون ويصح عوده على المرتهن
(وقوله: قبضه بالاذن) أي إذن الراهن (قوله: وأنكره الراهن) أي أنكر القبض بالاذن (قوله: صدق) أي الراهن، لان
الأصل: عدم لزوم الرهن، وعدم إذنه في القبض عن الرهن. قال ع ش: وعليه فلو تلفت في هذه الحالة في يد المرتهن
- فهل يلزمه قيمتها وأجرتها أم لا؟ فيه نظر. والأقرب: الثاني. لان يمين الراهن: إنما قصد به دفع دعوى المرتهن لزوم
الرهن، ولا يلزم من ذلك ثبوت الغصب ولا غيره. اه‍ (قوله: وقال أديته عن ألف الرهن) أي أو عن ألف الكفيل (قوله:
صدق) أي من قال ذلك (قوله: لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته) أي الأداء. قال ع ش: ومن ذلك ما لو اقترض شيئا
ونذر أن للمقرض كذا ما دام المال في ذمته أو شئ منه، ثم دفع له قدرا يفي بجميع المال، وقال قصدت به الأصل:
فيصدق، ولو كان المدفوع من غير جنس الدين. اه‍ (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل التعليل المذكور، وهو أن المؤدي

78
أعلم بقصده وكيفية أدائه، يؤخذ أنه لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه: وقع عنه. وذلك لأنه مؤد، وهو أعلم بقصده.
والظاهر أنه يقال هنا أيضا إذا لم ينو شيئا حال الأداء، ثم بعده نوى أنه عن الدين: وقع عنه (قوله: ثم إن لم ينو الخ) مرتبط
بالمسألة الأولى، أعني قوله من عليه ألفان، أي ثم إن لم ينو الدافع الذي عليه ألفان وبأحدهما رهن أو كفيل بالألف التي
دفعها شيئا: أي لم يلاحظ حال الدافع أنها عن ألف الرهن أو غيرها (قوله: جعله) أي ما أداه عما شاء منهما: أي من ألف
الرهن، أو الكفيل، أو الألف الثانية التي فيها رهن ولا كفيل، فإن جعله عنهما: قسط عليهما بالسوية، فإن مات قبل
التعيين قام وارثه مقامه. وقوله لان التعيين إليه: أي أمره موجه إليه، أي المؤدي.
(خاتمة) نسأل الله حسنها. من مات وعليه دين مستغرق أو غيره لله تعالى، أو لآدمي: تعلق بتركته كتعلق الدين
بالمرهون، لان ذلك أحوط للميت، وأقرب لبراءة ذمته، فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان
موسرا كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا، لان ما تعلق بالحقوق: لا يختلف بالعلم والجهل، ولا يمنع التعلق
إرثا، ولا يتعلق الدين بزوائد التركة الحادثة بعد الموت. ولو تصرف الوارث ولا دين، فظهر دين بنحو رد مبيع بعيب:
تلف ثمنه، ولم يسقط الدين بأداء أو إبراء أو نحوه: فسخ التصرف، لأنه كان سائغا له في الظاهر (قوله تتمة: المفلس
الخ) قد أفردها الفقهاء بكتاب مستقل، والأصل فيه: ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي (ص) حجر على
معاذ، وباع ماله في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال النبي (ص): ليس لكم إلا
ذلك، ثم بعثه إلى اليمن، وقال لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي (ص) (وقوله:
المفلس من عليه الخ) أي شرعا، وأما لغة: فهو المعسر. ويقال من صار ماله فلوسا، والمفلس في الآخرة. من تعطى
حسناته لسيئاته، كما في الحديث، (وقوله: فين) أي لازم، فلا حجر بدين غير لازم، كمال كتابة، لتمكن المدين من
إسقاطه. (وقوله: الآدمي) أي أو لله تعالى، بشرط فوريته، فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري، كنذر مطلق، وكفارة لم
يعص بسببها، هذا ما جرى عليه شيخ الاسلام وابن حجر. وفي المغني والنهاية: عدم الحجر بديون الله تعالى لا فرق
فيها بين الفورية وغيرها، (وقوله: حال) فلا حجر بمؤجل، لأنه لا يطالب به. وقوله زائد على ماله: فلا حجر بالمساوي
لماله، أو الناقص عنه. والمراد بماله: ماله العيني، أو الدين الذي يتيسر الأداء منه حالا، بأن يكون على ملئ مقر أو عليه
به بينة، بخلاف نحو منفعة، ومغصوب، وغائب، ودين ليس كذلك، فلا تعتبر الزيادة عليها، لأنها بمنزلة العدم قال في
التحفة وأفهم قوله على ماله أنه إذا لم يكن له مال: لا حجر عليه وبحث الرافعي: الحجر عليه منعا له من التصرف فيما
عساه أن يحدث: مردود بأن الأصح أن الحجر إنما هو على ماله دون نفسه وما يحدث إنما يدخل تبعا - لا استقلالا. اه‍
(قوله: يحجر عليه) جملة مستأنفة لبيان حكم المفلس، يعني أن المفلس: هو من عليه الخ. وحكمه أنه يحجر عليه
الخ. ويصح كونها خبرا عن المفلس، واسم الموصول بعده بدل منه، والحاجر عليه الحاكم بلفظ يدل عليه: نحو منعته
من التصرف في أمواله، أو حجرت عليه فيها، أو أبطلت تصرفاته فيها (قوله: بطلبه) أي ولو بوكيله: بأن أثبت غرماؤه
الدين عليه فطلب وحده، لان له فيه غرضا ظاهرا أما طلبه بدون ذلك: فلا يؤثر. اه‍ حجر (قوله: أو طلب غرمائه) أي ولو
بنوا بهم، كأوليائهم، لان الحجر لحقهم، ولا يحجر عليه بغير طلب منهم، لأنه لمصلحتهم، وهم أصحاب نظر
. نعم:
لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم، وجوبا، نظرا لمصلحة المحجور عليه، ومثله ما لو كان المسجد، أو جهة
عامة: كالفقراء، أو المسلمين فيمن مات وورثوه وله مال على مفلس والدين مما يحجر به (قوله: وبالحجر) الباء سببية.
(وقوله يتعلق حق الغرماء بماله): أي عينا كان أو دينا، ولو مؤجرا، فلا يصح إبراؤه منه أو منفعة، فتؤجر أم ولده وما وقف

79
عليه مرة بعد أخرى حتى يوفي ما عليه من الدين. ويستثنى من ذلك: ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع، فإنه لا يتعلق
حق الغرماء بالمعقود عليه، بل يجوز له الفسخ والإجازة على خلاف المصلحة. وخرج بحق الغرماء: حق الله تعالى غير
الفوري، على ما مر، كزكاة، وكفارة، ونذر، فلا يتعلق بمال المفلس (قوله: فلا يصح تصرفه) أي المفلس فيه: أي في
ماله بما يضرهم: أي الغرماء. وفي البجيرمي ما نصه: ضابط ما لا يصح منه من التصرفات: هو كل تصرف ما لي متعلق
بالعين مفوت على الغرماء حقهم إنشائي في الحياة ابتداء، فخرج بالمال: نحو الطلاق، وبالعين: الذمة كالسلم،
وبالمفوت: ملكه من يعتق عليه بهبة أو إرث أو صداق لها، بأن كانت محجورا عليها وجعل من يعتق عليها صداقا لها أو
وصية. وبالانشاء: الاقرار، وبالحياة: التدبير والوصية ونحوهما وبالابتداء: رده بعيب ونحوه. قال الأذرعي وله التصرف
في نفقته وكسوته بأي وجه كان. ق ل. وقوله كوقف وهبة: أي وإيلاد على المعتمد، (قوله: ولا بيعه الخ) معطوف على
تصرفه: أي ولا يصح بيع المفلس، ولو على غرمائه، وذلك لان الحجر يثبت لأجل الغرماء الحاضرين وغيرهم. ومن
الجائز أن يكون له غريم آخر. والغاية للرد على القائل بصحة البيع حينئذ إن اتحذ جنس الدين، وباعهم بلفظ واحد.
وقوله بغير إذن القاضي - فإن كان بإذنه: صح (قوله: ويصح إقراره الخ) أي فيقبل في حق الغرماء ما أقر به، فيأخذ المقر
له العين المقر بها، ويزاحمهم في الدين. (وقوله: بعين) أي مطلقا أسند وجوبها لما قبل الحجر، أولا، (وقوله: أو دين
أسند وجوبه) أي ثبوته في ذمته لما قبل الحجر، فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر، وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا
بغيرها، أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده: لم يقبل إقراره في حقهم، فلا يزاحمهم المقر له. وأما
في حقه:
فيقبل، فما أقر به: يثبت في ذمته (قوله: ويبادر قاض ببيع ماله) أي ندبا، وقيل وجوبا. وذلك لئلا يطول زمن الحجر، ولا
يشرع في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس. ومراده بالقاضي: قاضي بلد المفلس، إذ الولاية على ماله، ولو بغير بلده،
له تبعا للمفلس. ومثل ماله، كما في ق ل، النزول عن الوظائف بدراهم. (وقوله: ولو مسكنه وخادمه) أي ومركوبه،
وإن احتاجها لمنصبه، أو غيره كزمانة، لان تحصيلها بالكراء يمكن، بل هو أسهل. (وقوله: بحضرته مع غرمائه) أي
والبيع المذكور يكون بحضرة المفلس، أي أو نائبه، وبحضرة الغرماء، أي أو نوابهم، وذلك لان ما ذكر: أطيب للقلوب،
وأنفى للتهمة، ولان المفلس قد يبين ما في ماله من العيب فلا يرد، أو يذكر صفة مطلوبة فتكثر فيه الرغبة، وهم قد يزيدون
في الثمن (قوله: وقسم ثمنه الخ) معطوف على بيع ماله: أو ويبادر القاضي بعد البيع بقسم ثمنه بينهم، فهم مقدمون على
غيرهم، كما تقدم - نعم: يقدم المفلس على الغرماء بمؤنته ومؤنة عياله ومؤن تجهيز وتجهيزهم ويترك له ولهم دست ثوب
يليق بهم، وهي بفتح الدال: جملة من الثياب، وهي المسماة في عرف العامة بالبدلة: وهي قميص، وسراويل، ومنديل
ومكعب: أي مداس، بكسر الميم وزاد في الشتاء نحو جبة، وفروة ولا يترك له فرش وبسط، ولكن يتسامح باللبد
والحصير القليل القيمة. ويترك للعالم: كتبه - إن لم يكتف عنها بكتب الوقف، ويترك للجندي سلاحه وخيله المحتاج
إليهما، إن لم يكن متطوعا بالجهاد، وإلا فوفاء الدين له أفضل (قوله: كبيع مال الخ) الكاف للتنظير - يعني أن القاضي
يبادر ببيع مال المفلس وقسمه، كما أنه له ذلك في مال ممتنع من أداء حق وجب عليه أداؤه. وعبارة النهاية: وما ثبت
للمفلس من بيع ماله، كما ذكر، رعاية لحق الغريم، يأتي نظيره في ممتنع عن أداء حق وجب عليه: بأن أيسر وطالبه به
صاحبه وامتنع من أدائه، فيأمر الحاكم به، فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين. وفى منه، أو من غيره باع عليه
ماله إن كان بمحل ولايته. ولكن يفارق الممتنع: المفلس، في أنه لا يتعين على القاضي بيع ماله كالمفلس، بل له بيعه،
كما تقرر، وإكراه الممتنع مع تعزيره بحبس أو غيره على بيع ما يفي بالدين من ماله، لا على بيعه جميعه مطلقا. الخ. اه‍
(قوله: ولقاض إكراه الخ) بيان لما يفارق فيه الممتنع المفلس. (وقوله: بالحبس) متعلق بإكراه. (وقوله: وغيره) أي

80
الحبس. (وقوله: من أنواع التعزير) بيان لغير الحبس (قوله: ويحبس مدين مكلف الخ) وإذا ادعى أنه معسر، أو قسم
ماله بين غرمائه، أو أن ماله المعروف تلف، وزعم أنه لا يملك غيره، وأنكر الغرماء ذلك، فإن لزمه الدين في معاملة مال،
كشراء، أو قرض، فعليه البينة بإعساره في الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لان الأصل: بقاء ما وقعت عليه
المعاملة، وبالتلف في الثالثة: وإن لم يلزمه في معاملة مال، كصداق وضمان وإتلاف، ولم يعهد له مال: صدق بيمينه
في الأصح، لأنه خلق، ولا مال له، والأصل بقاء ذلك. والبينة: رجلان، لا رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، ويشترط
في بينة الاعسار: خبره باطنة بطول جوار، وكثرة مخالطة، لان الأموال تخفى، وأما بينة التلف: فلا يشترط فيها ما ذكر،
ولتقل عند الشهادة: هو معسر، لا يملك إلا ما يبقى لممونه، فتقيد النفي، ولا تمحضه: كقولها لا يملك شيئا لأنه كذب
(قوله: لا أصل الخ) أي لا يحبس أصل بدين فرعه، لأنه عقوبة، ولا يعاقب الوالد بالولد، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها
(قوله: خلافا للحاوي كالغزالي) أي خلافا لما جرى عليه في الحاوي الصغير، تبعا للغزالي من حبسه، لئلا يمتنع من
الأداء فيعجز الابن عن الاستيفاء منه، ورد بمنع العجز عن الاستيفاء لأنه مبني ثبت للوالد مال: أخذه القاضي قهرا وصرفه
إلى دينه (قوله: وإذا ثبت إعسار مدين) أي بالبينة إن عهد له مال، أو باليمين إن لم يعهد له مال، كما تقدم، وقوله لم يجز
حبسه: أي لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (1) (وقوله: ولا ملازمته) أي دوام مطالبته (قوله: بل
يمهل) أي ولا يحبس، ولا يطالب، بل تحرم مطالبته (قوله: وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره) أي مطالبته بدلا عن
الحبس (قوله: ما لم يختر المدين) إظهار في مقام الاضمار (قوله: فيجاب) أي المدين. (وقوله: إليه) أي إلى ما
اختاره، والفعل منصوب بأن مضمرة، لوقوعها بعد فاء السببية، الواقعة بعد النفي (قوله: وأجرة الحبس،
وكذا الملازم)
أي السجان على المدين، أي المحبوس، ومثل ذلك: نفقته، فهي عليه، هذا إذا كان له مال ظاهر، فإن لم يكن له مال:
فعلى بيت المال، وإلا فعلى مياسير المسلمين (قوله: وللحاكم منع المحبوس الاستئناس بالمحادثة) أي وشم الرياحين
لترفه. (وقوله: وحضور الجمعة)، بالنصب: عطف على الاستئناس - أي ومنعه حضور الجمعة. (وقوله: وعمل
الصنعة) أي ومنعه عمل الصنعة. والذي في فتح الجواد: لا يمنعه من عمل الصنعة. اه‍ (قوله: إن رأي) أي الحاكم
المصلحة فيه. أي في المنع المذكور (قوله: ويجوز لغريم المفلس الخ) ذلك لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد
البائع سلعته بعينها: فهو أحق بها من الغرماء ولخبر أبي هريرة أيما رجل أفلس، أو مات مفلسا: فصاحب المتاع أحق
بمتاعه وخرج بغريم المفلس: غريم موسر ممتنع، أو غائب، أو ميت، وإن امتنع وارثه، فلا يرجع في متاعه، وذلك
لامكان الاستيفاء بالسلطان، وعجزه نادر. (وقوله: المحجور عليه) بدل من المفلس، أو صفة له. (وقوله: أو الميت)
أي أو المفلس الذي مات، ولو قبل الحجر. (قوله: الرجوع) أي بشروط تسعة - أولها: كونه في معاوضة محضة كبيع،
وهي التي تفسد بفساد المقابل، فخرج: النكاح، والخلع، فلو تزوج امرأة بصداق في ذمته، ودخل بها، ثم أفلس:
فليس لها الرجوع في بعضها، أو خالعها على عوض في ذمتها، ثم حجر عليها بالفلس، فليس له الرجوع في المرأة.
ثانيها: رجوعه عقب علمه بالحجر. ثالثها: كون رجوعه بنحو فسخت البيع. رابعها: كون عوضه غير مقبوض، فلو كان
قبض منه شيئا: ثبت الرجوع بما يقابل الباقي. خامسها: تعذر استيفاء العوض بسبب الافلاس. سادسها: كون العوض



(1) سورة البقرة، الآية: 280.
81
دينا، فلو كان عينا: قدم بها على الغرماء سابعها: حلول الدين. ثامنها: بقاؤه في ملك المفلس. تاسعها: عدم تعلق حق
لازم به. وقد ذكر المؤلف بعض هذه الشروط (قوله: فورا) خرج به تراخي العالم، بأن له ذلك فورا لتقصيره، بخلاف
الجاهل، ولو كان مسلما مخالطا لنا: فيما يظهر، لخفاء ذلك على أكثر العامة، بل المتفقهة. وقوله إلى متاعه: أي كله،
إن لم يقبض شيئا من الثمن، أو بعضه: إن قبض شيئا منه. (وقوله: إن وجد) أي المتاع في ملكه، أي المفلس وخرج
به: ما لو خرج عن ملكه حسا أو شرعا: كتلف، وبيع، ووقف، فلا رجوع. (وقوله: ولم يتعلق به حق لازم) أي يمنع
بيعه. وخرج به: ما لو تعلق به ذلك، كرهن مقبوض، وجناية توجب مالا متعلقا برقبته، وكتابة صحيحة، فلا رجوع
أيضا. (وقوله: والعوض حال) أي دين حال وتعذر حصوله بسبب الافلاس. فخرج بدين: العين، كما لو اشترى عبدا
بأمة ولم يسلمها للبائع حتى حجر عليه، فيطالب البائع بها، ولا يرجع في العبد - وبحال: أي وقت الرجوع ما لو كان
مؤجلا وقته وبتعذر حصوله بسبب الافلاس: ما لو لم يتعذر بسببه - كأن كان به رهن يفي، أو ضمان ملئ مقر، فلا رجوع
في جميع هذه المخرجات (قوله: وإن تفرخ البيض الخ) أي: له الرجوع في عين ماله، وإن تغيرت صفته: كأن صار
البيض فرخا، أو صار البذر نباتا، أو صار الزرع مشتد الحب. وفي البجيرمي ما نصه: ولو تغيرت صفة المبيع حتى صار
الحب زرعا أخضر، أو البيض فرخا، أو العصير خلا، أو الزرع مشتد الحب، أو زوجت الأمة وولدت، أو خلط الزيت أو
نحوه من المثليات بمثله، أو بدونه: رجع البائع فيه نباتا، وفراخا، وخلا، ومشتد الحب، لأنها من عين ماله، اكتسبت
صفة أخرى، فأشبه صيرورة الودي نخلا. اه‍. ابن حجر: قال سم: وقياسه على الودي في مجرد ثبوت الرجوع، فلا
ينافي أن الزيادة في الودي إذا صار نخلا للبائع، كما هو ظاهر، بخلاف الزيادة في المذكورات، فإنها للمفلس. اه‍
(قوله: ولو بلا قاض) أي فلا يحتاج في الرجوع إلى الرفع له. (وقوله: بنحو فسخت) متعلق بيحصل - أي يحصل بنحو
فسخت العقد: كنقضته، أو أبطلته (قوله: لا بنحو بيع وعتق) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع وعتق من وقف ووطئ. قال
في النهاية: وتلغو هذه التصرفات، لمصادفتها ملك الغير. اه‍. (وقوله: فيه) أي في المبيع. وفي: بمعنى اللام، أي
له. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل
أي في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه.
(واعلم) أن الحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير قصدا وبالذات، كالحجر على المفلس للغرماء، والراهن
للمرتهن في المرهون، والمريض للورثة في ثلثي ماله، والعبد لسيده، والمكاتب لسيده، ولله تعالى، والمرتد
للمسلمين، ولها تراجم، تقدم بعضها، وبعضها يأتي. ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه، وهو ما ذكر في هذا الفصل،
وقد نظم بعضهم أقسام الحجر بنوعيه بقوله:
ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم تضمنهم بيت وفيه محاسن:
صبي، ومجنون، سفيه، ومفلس رقيق، ومرتد، مريض، وراهن
فالثلاثة الأول: حجر عليهم لحقهم، ومن بعدهم لحق غيرهم. والرقيق في البيت: شامل للقن وللمكاتب. وفي
قوله لم يشمل الحجر غيرهم نظر ظاهر، وذلك لعدم انحصار النوع الأول، إذ منه: الحجر على السيد في العبد الذي

82
كاتبه، والحجر على الورثة في التركة، والحجر على المشتري في المبيع قبل القبض. وقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين
صورة، بل قال الأذرعي: هذا باب واسع جدا، لا تنحصر أفراد مسائله (قوله: يحجر بجنون الخ) وذلك لقوله تعالى:
* (فإن كان الذي عليه الحق سفيها، أو ضعيفا، أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل) * (1) فجعل تعالى لهم
أولياء، فدل على الحجر عليهم. وفسر الإمام الشافعي - رضي الله عنه - السفيه: بالمبذر، والضعيف: بالصبي، والذي
لا يستطيع أن يمل هو: بالمغلوب على عقله - وهو المجنون - ثم إن معنى الحجر لغة: المنع. ومنه تسمية العقل حجرا:
لمنعه صاحبه من ارتكاب ما لا يليق، وهذا إذا كان بفتح الحاء. وأما إذا كان بكسرها: فيطلق على الفرس، وعلى حجر
إسماعيل، وعلى العقل وعلى حجر ثمود، وعلى المنع، وعلى الكذب، وعلى حجر الثوب ونظمها بعضهم في قوله:
ركبت حجرا وطفت البيت خلف الحجر * وحزت حجرا عظيما ما دخلت الحجر
لله حجر منعني من دخول الحجر * ما قلت حجرا ولو أعطيت ملء الحجر
فقوله ركبت حجرا: أي فرسا. وطفت البيت خلف الحجر: أي حجر إسماعيل. وحزت حجرا: أي عقلا، ما
دخلت الحجر: أي حجر ثمود، لله حجر: أي منع، منعني من دخول الحجر: أي حجر ثمود، فهو مكرر، ما قلت
حجرا: أي كذبا. ولو أعطيت ملء الحجر: أي حجر الثوب. ومعنى الحجر شرعا: منع من تصرف خاص بسبب
خاص. والحاجر لغير السفيه، هو الولي الآتي بيانه. وللسفيه فيه تفصيل: حاصله أنه إن بلغ رشيدا، ثم بذر
: يكون
القاضي هو الحاجر، فهو وليه لا غير - فإن لم يحجر عليه: يسمى سفيها، مهملا، وتصرفاته غير نافذة. وقوله: بجنون:
وهو يسلب العبارة، أي ما يعبر به عن المقصود: كعبارة المعاملة، والدين بكسر الدال كالبيع والاسلام. ويسلب الولاية:
كولاية النكاح، والأيتام، وكالإيصاء. (وقوله: إلى إفاقة) أي ويستمر ذلك الحجر إلى إفاقة منه، فإذا أفاق: ينفك من
الحجر بلا فك قاض، لأنه حجر ثبت بلا قاض، فلا يتوقف زواله على فكه (قوله: وصبا) معطوف على جنون: أي
ويحجر بصبا قائم بذكر أو أنثى ولو مميزا، وهو أيضا يسلب العبارة والولاية، إلا ما استثنى من عبادة مميز، وإذن في
دخول، وإيصال هدية (قوله: إلى بلوغ) أي ويستمر حجره إلى بلوغ، فإذا بلغ: انفك من حجر الصبا. وعبر في
المنهاج: ببلوغه رشيدا، ولا خلاف في ذلك، فمن عبر ببلوغه رشيدا: أراد الانفكاك الكلي. ومن عبر ببلوغه: فقد أراد
الانفكاك من حجر الصبا فقط، وهذا أولى، لان الصبا: سبب مستقل في الحجر، وكذا التبذير، وأحكامهما متغايرة
(قوله: بكمال خمس عشرة سنة) متعلق بمحذوف: أي ويحصل البلوغ بكمال ذلك، لخبر ابن عمر عرضت على
النبي (ص) يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس
عشرة سنة، فأجازني، ورآني بلغت رواه ابن حبان. وقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة: أي استكملتها، لان غزوة أحد
كانت في شوال سنة ثلاث، والخندق في جمادى سنة خمس، فبينهما سنتان. وقوله تحديدا: قال في النهاية: فلو نقصت
يوما لم يحكم ببلوغه، وابتداؤها من انفصال جميع الولد. اه‍ (قوله: بشهادة عدلين خبيرين) متعلق بمحذوف أيضا:
أي ويحكم له بالبلوغ بذلك بشهادة عدلين خبيرين، بأن عمره خمس عشرة سنة (قوله: أو خروج مني) معطوف على
كمال خمس عشرة سنة: أي ويحصل البلوغ أيضا بخروج مني لآية * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * (2) والحلم:
الاحتلام وهو لغة: ما يراه النائم، أي من إنزال المني وقيل مطلقا. والمراد به هنا: خروج المني في نوم، أو يقظة:
بجماع، أو غيره. قال في التحفة: وخرج بخروجه: ما لو أحس بانتقاله من صلبه، فأمسك ذكره، فرجع، فلا يحكم
ببلوغه - كما لا غسل عليه - اه‍. (وقوله: أو حيض) معطوف على مني: أي أو خروج حيض (قوله: وإمكانهما) أي



(1) سورة البقرة، الآية: 282.
(2) سورة النور، الآية: 59.
83
خروج المني، وخروج الحيض. (وقوله: كمال تسع سنين) أي قمرية تقريبا عند حجر. وعند م ر: تحديدا في خروج
المني، وتقريبا في الحيض. وفرق بينهما: بأن الحيض ضبط له أقل وأكثر، فالزمن الذي لا يسع أقل الحيض والطهر:
وجوده كالعدم، بخلاف المني (قوله: ويصدق مدعى الخ) أي إلا أن طلب سهم المقاتلة: كأن كان من الغزاة، أو طلب
إثبات اسمه في الديوان، فإنه يحلف. اه‍. بجيرمي. (وقوله: ولو في خصومة) أي ولو في دعوى خصومة، وهو غاية
لتصديقه في ذلك. (وقوله: بلا يمين) متعلق بيصدق. (وقوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالامناء أو الحيض. (وقوله: إلا
منه) أي إلا من مدعيه (قوله: ونبت العانة الخ) مبتدأ، خيره أمارة. وذلك لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني
قريظة، فكانوا ينظرون من أنبت الشعر: قتل، ومن لم ينبت: لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في
السبي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي، وقال حسن صحيح. ومثل نبت العانة في ذلك: الحبل، فهو أمارة على البلوغ
بالامناء، فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر ولحظة. (وقوله: الخشنة) ليس قيدا، بل المدار على ما يحتاج في
إزالتها إلى حلق، ولو كانت ناعمة، (وقوله: في حق كافر) خرج به المسلم، فلا يكون علامة في حقه. (وقوله: أمارة
على بلوغه) أي فإذا ادعى عدم البلوغ: لم يصدق (قوله: ومثله) أي الكافر في أن نبت العانة أمارة على ما ذكره. (وقوله:
ولد من جهل إسلامه) أي لم يدر، هل هو مسلم أو كافر؟ (قوله: لا من عدم الخ) معطوف على ولد: أي ليس مثله من
عدم من يعرف سنه، أي أن من عدم الشهود الذين يعرفون سنه: لا يكون مثل الكافر، في كون نبات العانة أمارة على
بلوغه (قوله: وقيل يكون) أي نبت العانة. وقوله علامة في حق المسلم أيضا: أي كما أنه علامة في حق الكافر (قوله:
وألحقوا الخ) عبارة التحفة: وخرج بها نبات نحو اللحية، فليس بلوغا، كما صرح به في الشرح الصغير في
الإبط،
وألحق به اللحية والشارب بالأولى، فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة، دونهما. وفي كل ذلك نظر، بل الشعر الخشن من
ذلك - كالعانة - في ذلك، وأولى، إلا أن يقال: أن الاقتصار عليهما أمر تعبدي. اه‍ (قوله: وإذا بلغ الصبي رشيدا:
أعطي ماله) أي لزوال المانع، ولآية * (فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم) * (1) فلو بذر بعد بلوغه رشيدا، بأن
زال صلاح تصرفه في ماله، حجر عليه الحاكم، دون غيره: من أب، أو جد، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم) * (2) أي لا تؤتوا أيها الأولياء: السفهاء المبذرين، من الرجال، والنساء، والصبيان، أموالهم التي تحت أيديكم.
فإضافة أموال إلى المخاطبين: لأدنى ملابسة. ولو زال صلاحه في دينه مع بقاء صلاحه في ماله بعد رشده: لم يحجر
عليه، لان السلف: لم يحجروا على الفسقة (قوله: والرشد صلاح الدين والمال) أي معا، كما فسره به ابن عباس
رضي الله عنهما في آية * (فإن آنستم منهم رشدا) * (3) وقيل هو صلاح المال فقط، وعليه الامام مالك وأبو حنيفة
رضي الله عنهما، ومال إليه ابن عبد السلام. ويختبر، وجوبا، رشد الصبي في الدين والمال قبيل البلوغ، ليعرف رشده
وعدمه، لآية * (وابتلوا اليتامى) * (4) واليتيم: إنما يقع على غير البالغ، أما في الدين: فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه
بالواجبات، واجتنابه المحظورات والشبهات. وأما في المال: فيختلف بمراتب الناس، فيختبر ولد تاجر: بمشاحة في
معاملة، ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد، ثم إن أريد العقد: عقد وليه. ويختبر ولد زراع: بزراعة، ونفقة عليها، بأن



(1) سورة النساء، الآية:: 6.
(2) سورة النساء، الآية:: 5.
(3) سورة النساء، الآية:: 6.
(4) سورة النساء، الآية:: 6.
84
ينفق على القائمين بمصالح الزرع، ويختبر ولد المحترف: بما يتعلق بحرفته. وتختبر المرأة: بأمر غزل، وصون نحو
أطعمة عن نحو هرة. ويختبر الخنثى: بما يختبر به الذكر والأنثى. ويشترط: تكرر الاختبار مرتين أو أكثر، حتى يغلب
على الظن رشده، فلا تكفي المرة، لأنه قد يصيب فيها، اتفاقا (قوله: بأن لا يفعل محرما) تصوير لصلاح الدين. واحترز
بالمحرم، عما يمنع قبول الشهادة لاخلاله بالمروءة، كالأكل بالسوق، فلا يمنع الرشد، لان الاخلال بالمروءة: ليس
بحرام على المشهور. (وقوله: من ارتكاب كبيرة) أي مطلقا. غلبت طاعاته معاصيه أو لا (قوله: مع دم غلبة طاعاته
معاصيه) راج للإصرار على الصغيرة، فإن أصر عليها لكن مع غلبة طاعاته معاصيه. بأن يكون مواظبا على فعل
الواجبات، وترك المنهيات، يكون رشيدا (قوله: وبأن لا يبذر الخ) تصوير لصلاح المال (قوله: باحتمال الخ) قال
البجيرمي: لم يظهر للفظ احتمال فائدة، فلعلها زائدة. فتأمل. (وقوله: غبن فاحش في المعاملة: أي وقد جهله حال
المعاملة، فإن كان عالما به: كان الزائد صدقة خفية محمودة (واعلم) أنه لا يصح تصرف المبذر ببيع ولا غيره، كما
سيأتي، قال سم: وقد يشكل عليه قصة حبان بن منقذ: أنه كان يخدع في البيوع، وأنه (ص) قال له من بايعت فقال لا خلابة
الخ، فإنها صريحة في أنه كان يغبن، وفي صحة بيعه مع ذلك، لأنه (ص) لم يمنعه من ذلك، بل أقره، وأرشده إلى اشتراط
الخيار إلا أن يجاب بأنه: من أين كان يغبن غبنا فاحشا؟ فلعله إنما كان يغبن غبنا يسيرا. ولو سلم: فمن أين أن غبنه كان
عند بلوغه؟ فلعله عرض له بعد بلوغه رشيدا، ولم يحجر عليه، فيكون سفيها مهملا، وهو يصح تصرفه، لكن قد يشكل
على الجواب بما ذكر: أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال، وقد أقره (ص) على المبايعة،
وأرشده إلى اشتراط الخيار، ولم يستفصل عن حاله: هل طرأ له بعد بلوغه رشيدا أو لا؟ وهل كان الغبن فاحشا أو يسيرا؟
فليتأمل. اه‍ (قوله: أيضا - غبن فاحش) هو ما لا يحتمل غالبا. وخرج به: اليسير - كبيع ما يساوي عشرة من الدراهم:
بتسعة منها، فلا يكون مبذرا به (قوله: وإنفاقه) معطوف على احتمال: أي أو بتضييع المال بإنفاقه الخ. ومثله: رميه في
بحر. (وقوله: ولو فلسا) أي جديدا. وهو قطعة من النحاس كانت معروفة. (وقوله: في محرم) متعلق بإنفاق: أي إنفاقه
في محرم، أي ولو صغيرة، لما فيه من قلة الدين (قوله: وأما صرفه) أي المال، وهو مقابل إنفاقه في محرم (قوله: ووجوه
الخير) معطوف على الصدقة: عطف عام على خاص (قوله: التي لا تليق به) صفة للثلاثة قبله (قوله: فليس بتبذير) أي
على الأصح، لان له في ذلك غرضا صحيحا، وهو الثواب، أو التلذذ. ومن ثم قالوا: لا سرف في الخير،
كما لا خير في
السرف. وفرق الماوردي بين التبذير والسرف، بأن الأول: الجهل بمواقع الحقوق. والثاني: الجهل بمقاديرها. وكلام
الغزالي يقتضي ترادفهما، ويوافقه قول غيره: حقيقة السرف ما يقتضي حمدا عاجلا، ولا أجرا آجلا. ومقابل الأصح:
يكون مبذرا فيها إن بلغ مفرطا في الانفاق، فإن بلغ مقتصدا ثم عرض له ذلك بعد البلوغ، فلا (قوله: وبعد إفاقة) متعلق
بقوله بعد يصح الخ (والحاصل) إذا زال المانع من الجنون والصبا بالإفاقة في الأول، وبالبلوغ في الثاني: يرتفع حجر
الجنون وحجر الصبا. وتقدم أن الصبي: مسلوب العبارة والولاية، فلا يصح عقوده، ولا إسلامه، ولو مميزا، ولا يكون
قاضيا، ولا واليا، ولا يلي النكاح، إلا ما استثنى من عبادة المميز، والاذن في الدخول، وأن المجنون مسلوب ما ذكر من
غير استثناء شئ، فإذا أفاق المجنون: صح منه جميع ما ذكر، أو بلغ الصبي كذلك: يصح منه جميع ما ذكر، إلا إن بلغ
غير رشيد بعدم صلاحه في دينه وماله، فحينئذ يعتريه مانع آخر، وهو السفه. وحكم السفيه أنه مسلوب العبارة في
التصرف المالي كبيع، وشراء، ولو بإذن الولي: إلا عقد النكاح منه بإذن وليه، فيصح، وتصح عبادته، بدنية، أو مالية،
واجبة، ولكن لا يدفع المال، كالزكاة، بلا إذن من وليه، أما المالية المندوبة، كصدقة التطوع، فلا تصح منه (قوله: وكذا
التصرف المالي) أي وكذلك يصح منه التصرف المالي. (وقوله بعد الرشد) قيد في صحة التصرف المالي منه - كما مر -

85
(قوله: وولي الصبي الخ) شروع في بيان من يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه. والمراد بالصبي: الجنس، فيشمل
الصبية. قال في التحفة: وخرج بالصبي: الجنين، فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا: أي بالنسبة للتصرف فيه، لا
لحفظه. ولا ينافيه ما يأتي من صحة الايصاء عليه، ولو مستقلا، لان المراد، كما هو ظاهر، أنه إذا ولد: بان صحة
الايصاء. (وقوله: أب عدل، فأبوه وإن علا) أي كولاية النكاح، وإنما لم يثبت بعدهما لباقي العصبة، كالنكاح، لقصور
نظرهم في المال، وكماله في النكاح. وتكفي عدالتهما الظاهرة: لوفور شفقتهما. فان فسقا: نزع الحاكم منهما المال
- كما ذكره في باب الوصية. اه‍. نهاية. ولا يشترط إسلامهما، إلا أن يكون الولد مسلما، إذ الكافر يلي ولده الكافر،
لكن إن ترافعوا إلينا: لم تقرهم، ونلي نحن أمرهم. اه‍. شرح المنهج (قوله: فوصي) أي ممن تأخر موته من الأب
وأبيه، لقيامه مقامه، وشرطه العدالة أيضا (قوله: فقاضي بلد المولي) أي لخبر السلطان: ولي من لا ولي له رواه
الترمذي والحاكم وصححه (قوله: إن كان) أي القاضي عدلا أمينا، فلو لم يوجد إلا قاض فاسق، أو غير أمين: كانت
الولاية لصلحاء المسلمين، كما سيذكره بعد بقوله: فصلحاء الخ. (قوله: فإن كان ماله) أي الصبي. (وقوله: ببلد آخر)
أي غير بلد الصبي. (وقوله: قولي ماله قاضي بلد المال في حفظه الخ) أي في هذه المذكورات فقط، أما بالنسبة
لاستنمائه: فالولاية عليه لقاضي بلد المولي. وعبارة التحفة: والعبرة بقاضي بلد المولي - أي وطنه - وإن سافر عنه بقصد
الرجوع إليه، كما هو ظاهر في التصرف والاستنماء، وبقاضي بلد ماله: في حفظه، وتعهده، ونحو بيعه، وإجارته عند
خوف هلاكه. اه‍ (قوله: فصلحاء بلده) أي فإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فالولاية تكون لصلحاء المسلمين
من أهل بلده - في النظر في مال محجورهم وتولى حفظه لهم - وفي النهاية: وأفتى ابن الصلاح فيمن عنده يتيم أجنبي،
ولو سلمه لحاكم خان فيه - بأنه بجوز التصرف في ماله - للضرورة. اه‍ (قوله: ويتصرف الولي) أي أبا أو غيره:
بالمصلحة، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * وقوله: تعالى: * (وإن تخالطوهم
فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح) * ومن المصلحة: بيع ما وهبه له أصله بثمن مثله: خشية رجوعه فيه، وبيع
ما خيف خرابه، أو هلاكه، أو غصبه، ولو بدون ثمن مثله، (قوله: ويلزمه حفظ ماله) أي يلزم الولي حفظ مال المولي:
من أسباب التلف (قوله: واستنماؤه) أي ويلزمه استنماؤه: أي طلب نموه وتكثيره. قال ع ش: فلو ترك استنماءه مع
القدرة عليه، وصرف ماله عليه في النفقة: فهل يضمنه أو لا؟ فيه نظر. وقياس ما يأتي - فيما لو ترك عمارة العقار حتى
خرب: الضمان، وقد يفرق بأن ترك العمارة يؤدي إلى فساد المال، وترك الاستنماء إنما يؤدي إلى عدم
التحصيل، وإن
ترتب عليه ضياع المال في النفقة. اه‍. (وقوله: إن أمكنه) أي الاستنماء المذكور (قوله: وله السفر به) أي للولي السفر
بمال المولي، (وقوله: في طريق آمن لمقصد آمن) خرج بذلك ما لو كان الطريق أو المقصد الذي يقصده مخوفا، فإنه
يمتنع عليه السفر به. وكتب ع ش ما نصه: قوله: في زمن أمن، مفهومه أنه لو احتمل تلفه في السفر: امتنع. وفي سم
على المنهج: فيه تردد، فليراجع، والأقرب المفهوم: المذكور، حيث قوي جانب الخوف. اه‍ (قوله: برا لا بحرا) أي
له السفر به في البر، لا في البحر، وإن غلبت السلامة فيه، لأنه مظنة عدمها. قال ع ش: ظاهره ولو تعين طريقا، وهو
كذلك، حيث لم تدع ضرورة إلى السفر به. وقال في التحفة: نعم، إن كان الخوف في السفر ولو بحرا أقل منه في البلد
ولم يجد من يقترضه: سافر به. (قوله: وشراء عقار يكفيه غلته) أي يكفي المولى غلته نفقة وكسوة وغيرهما (قوله: أولى



(1) سورة الأنعام، الآية:: 152.
(1) سورة البقرة، الآية:: 220.
86
من التجارة) هو خبر عن المبتدأ الذي هو شراء. قال في النهاية: ومحله عند الامن عليه من جور السلطان وغيره، أو
خراب للعقار ولم يجد به ثقل خراج. اه‍ (قوله: ولا يبيع عقاره) أي لا يبيع الولي عقار المولي، لأنه أسلم وأنفع من
غيره. وفي المغني: وكالعقار، فيما ذكر، آنية القنية من نحاس وغيره، كما ذكره ابن الرفعة عن البندنيجي، قال: وما
عداهما لا يباع أيضا، إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة، وربح قليل لائق، بخلافهما. وينبغي. كما قال ابن
الملقن، أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشئ، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال، ليشتري بالثمن ما هو مظنة
للربح: جاز، كما قاله بعض المتأخرين، اه‍ (قوله: إلا لحاجة) أي كخوف ظالم، أو خرابه، أو عمارة بقية أملاكه، أو
لنفقته وليس له غيره ولم يجد مقرضا، أو رأى المصلحة في عدم القرض، أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن
يتوجه لإيجاره وقبض غلته، ويظهر ضبط هذه الكثرة، بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها، بحيث لا يبقى منها إلا مالا
وقع له عرفا. اه‍. تحفة. (وقوله: أو غبطة ظاهرة) أي بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله، وهو يجد مثله ببعض ذلك
الثمن أو خيرا منه بكله وفي البجيرمي ما نصه.
تنبيه: المصلحة أعم من الغبطة، إذ الغبطة: بيع بزيادة على القيمة لها وقع، والمصلحة لا تستلزم ذلك، لصدقها
بنحو شراء ما يتوقع فيه الربح، وبيع ما يتوقع فيه الخسران لو بقي. اه‍ (قوله: وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض
دين المولي. الخ) قال في التحفة، بعد ذكر الافتاء المذكور، وفيه نظر: إذ لا بد في صحة الصلح من الاقرار. اللهم إلا
أن يفرض خشية ضياع البعض، ولو مع الاقرار، ويتعين الصلح، لتخليص الباقي. اه‍. وكتب السيد عمر البصري على
قول التحفة، وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح الخ، ما نصه: يؤخذ منه بعد التأمل أن المراد جواز إقدام الولي على ذلك
للضرورة، لا صحة الصلح المذكور في نفس الامر، فإنها مسكوت عنها. وحينئذ: فلا فرق بين الاقرار وعدمه، وأن بقية
ماله باق بذمة المدين باطنا، بل وظاهرا إذا زال المانع وتيسر استيفاء الحق منه، كما في المسألة المنظر بها، وهي دفع
بعض ماله لسلامة باقيه، فإنه يجوز للولي الاقدام عليه، لأنه عقد صحيح يملكه به الآخذ، بل هو ضامن له مطلقا على ما
تقرر. اه‍ (قوله: إذا تعين ذلك) أي الصلح على بعض دين المولي. (وقوله: لتخليص ذلك البعض) أي المصالح
عليه، أي على أخذه، وذلك لان القاعدة: أن الصلح يتعدى بالباء. وعلى: للمأخوذ، وبمن وحتى: للمتروك (قوله: كما
أن له، بل يلزمه) الكاف للتنظير، والضمير أن للولي. (وقوله: دفع بعض ماله) اسم أن مؤخر، وفاعل يلزم: يعود عليه،
وهو وإن كان مؤخرا لفظا: مقدم رتبة، وضمير ماله يعود على المولي (قوله: وله) أي للولي. (وقوله بيع ماله) أي
المولي. (وقوله نسيئة) أي بأجل. واشترط يسار المشتري، وعدالته، وزيادة على النقد تليق بالنسيئة، وقصر الاجل
عرفا. اه‍. تحفة. (وقوله: لمصلحة) أي كربح، وخوف من نهب (قوله: وعليه أن يرتهن الخ) أي ويجب على الولي
أن يرتهن بالثمن رهنا واقيا، ويستثني من ذلك: ما لو باع مال ولده من نفسه نسيئة، لأنه أمين في حق ولده. ويجب عليه
أيضا: أن يشهد على البيع (قوله: إن لم يكن المشتري موسرا) مفهومه أنه إن كان موسرا: لا يجب عليه الارتهان، وهذا
هو ما قاله الامام، واقتضاه كلام الشيخين، ولم يرتضه في التحفة، ونصها، بعد كلام، ولا تغني عنه، أي الارتهان
- ملاءة المشتري، لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور، فإن ترك واحد مما ذكر، أي الاشهاد، والارتهان، بطل البيع، إلا إذا
ترك الرهن والمشتري موسر على ما قاله الامام، واقتضاه كلامهما، وقال السبكي: لا استثناء، وضمن. نعم: إن باعه
لمضطر لا رهن معه: جاز. اه‍ (قوله: ولولي الخ) أي ويجوز لولي، أن يقرض مال موليه إذا كان لضرورة، فإن لم
توجد: امتنع عليه أن يقرضه، كما مر في القرض - وعبارته هناك: ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة. نعم:
يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله، إن كان المقترض أمينا موسرا. اه‍ (قوله:

87
ولقاض) أي ويجوز لقاض. (وقوله: ذلك) أي الاقراض. (وقوله: مطلقا) أي وجدت ضرورة، أو لم توجد (قوله:
بشرط الخ) ظاهر صنيعه أنه مرتبط بقوله لقاض فقط، لكن المعنى يقتضي أن الولي غير القاضي مثله (قوله: ولا ولاية لام
على الأصح) أي قياسا على النكاح، ومقابله أنها تلي بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما، لكمال شفقتها (قوله: ومن
أدلى بها) أي ولا ولاية لمن أدلى إلى المحجور بالام: كالأخ للام (قوله: ولا لعصبة) أي ولا ولاية لعصبة: كالأخ، وابنه،
والعم. (قوله: نعم. لهم الخ) أي يجوز للعصبة، أي العدل منهم، الانفاق على الطفل فيما يحتاجه من ماله. (وقوله:
عند فقد الولي الخاص) هو الأب، فأبوه - وإن علا. قال في التحفة: وقضيته أن له - أي للعدل منهم - ذلك، ولو مع وجود
قاض، وهو متجه إن خيف منه عليه، بل في هذه الحالة: للعصبة، وصلحاء بلده، بل عليهم، كما هو ظاهر، تولي سائر
التصرفات في ماله بالغبطة: بأن يتفقوا على مرضي منهم يتولى ذلك، ولو بأجرة. اه‍ (قوله: ويصدق أب أو جد) أي فيما
إذا ادعى الولد عليهما بعد بلوغه، أو إفاقته، أو رشده - بأن تصرفكما من غير مصلحة، وادعيا أنه بمصلحة: فيصدقان
باليمين، لأنهما لا يتهمان: لوفور شفقتهما (قوله: وقاض بلا يمين) أي ويصدق قاض من غير يمين (قوله: إن كان) أي
القاضي (قوله: لا وصي وقيم وحاكم وفاسق) أي لا يصدقون في أن تصرفهم لمصلحة (قوله: حيث لا بينة
) أي تشهد
بمدعاهم - فإن وجدت: فهم المصدقون (قوله: لأنهم قد الخ) أي لا يصدقون، لأنهم قد يتهمون (قوله: ومن ثم) أي
ومن أجل التعليل المذكور: يؤخذ أنه لو كانت الام وصية: كانت كالأولين - أي الأب والجد: أي فتصدق باليمين. وذلك
لعدم التهمة (قوله: وكذا آباؤها) أي: وكذا يصدق آباؤها لو كانوا أوصياء (قوله: فرع الخ) الأولى: فروع - كما هو
ظاهر - (قوله: ليس لولي الخ) أي يحرم عليه ذلك (قوله: إن كان) أي الولي. وقوله: مطلقا أي سواء انقطع بسببه عن
كسبه أم لا (قوله: فإن كان فقيرا الخ) مقابل قوله غنيا (قوله: أخذ قدر نفقته) قال في التحفة: ورجح المصنف أنه يأخذ
الأقل منها ومن أجرة مثله. اه‍ (قوله: وإذا أيسر) أي الولي. (وقوله: لم يلزمه بدل ما أخذه) أي لم يلزمه أن يدفع لموليه
بدل ما أخذه من ماله (قوله: هذا) أي ما ذكر، من التفصيل بين الفقير المنقطع عن كسبه، والغني، (وقوله: في وصي
وأمين) أي وقيم (قوله: سواء الصحيح وغيره) في بعض نسخ الخط: سواء الموسر الصحيح وغيره، لكن الموافق
للتحفة: الأول، وقال فيها: واعترض بأنه إن كان مكتسبا: لا تجب نفقته، ويرد بأن المعتمد أنه لا يكلف الكسب، فإن
فرض أنه اكتسب ما لا يكفيه: لزم فرعه تمام كفايته، وحينئذ فغاية الأصل هنا أنه اكتسب دون كفايته، فيلزم الولد تمامها،
فاتجه أن له أخذ كفاية البعض في مقابلة عمله، والبعض لقرابته. اه‍ (قوله: فيما ذكر) أي في التفصيل المذكور (قوله:
أي مثلا) أي أن فك الأسير: ليس بقيد، بل مثله: إصلاح ثغر، أو حفر بئر، أو تربية يتيم (قوله: فله) أي لمن جمع مالا
لما ذكر، وهذا بيان لمن ذكر. (وقوله: إن كان فقيرا) أي وانقطع بسببه عن كسبه. وقوله الاكل منه، قال في التحفة بعده:
كذا قيل، والوجه أن يقال فله أقل الأمرين، أي السابقين، اه‍ (قوله: وللأب والجد: استخدام محجوره الخ) أي من
غير أجرة. قال في التحفة: وله إعارته لذلك، ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا، وإن قوبل بأجرة، كما يعلم مما

88
يأتي أول العارية - اه‍. (وقوله: فيما لا يقابل بأجرة) قضيته أنه لو استخدمه فيما يقابل بها: لزمته، وإن لم يكرهه، لكنه
بولايته عليه إذا قصد بإنفاقه عليه جعل النفقة في مقابلة الأجرة اللازمة برئت ذمته. اه‍. بجيرمي (قوله: ولا يضر به على
ذلك) أي على الاستخدام (قوله: وأفتى النووي بأنه لو استخدم) أي الجد من الام المعلوم من المقام. (وقوله: لزمه
أجرته إلى بلوغه رشده) قال في التحفة، أي لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض. اه‍ (قوله: وإن لم
يكرهه) أي على الاستخدام، وهو غاية للزوم الأجرة (قوله: ولا يجب أجرة الرشيد) أي في مقابلة الاستخدام. (وقوله:
إلا إن أكره) أي عليه، فإن لم يكره: فلا أجرة (قوله: ويجري هذا) أي التفصيل بين لزوم الأجرة على من استخدمه إلى
البلوغ والرشد، وعدم لزومها عليه بعده، إلا إن أكره وقوله في غير الجد للام: يشمل الأب والجد للأب اه‍. سم. وهذا
لا ينافي ما قبل الافتاء، لأنه مفروض فيما لا يقابل بأجرة، وهذا فيما يقابل بها. فتأمل (قوله: لو كان للصبي مال غائب)
أي عن بلده (قوله: من مال نفسه) متعلق بأنفق: أي أنفق الولي عليه من ماله. (وقوله: بنية الرجوع) متعلق بأنفق (قوله:
إذا حضر ماله) أي الصبي. والظرف متعلق بالرجوع (قوله: رجع) جواب لو، وضميره المستتر يعود على الولي (قوله: إن
كان الخ) قيد في الرجوع (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الجد يتولى الطرفين: أي الايجاب والقبول، وهو تعليل
لرجوعه إذا نواه عند الانفاق (قوله: بخلاف غيرهما) أي غير الأب والجد من بقية الأولياء، فإنه إذا أنفق من مال نفسه على
الصبي: لا يرجع، ولو نوى الرجوع عند الانفاق، لعدم صحة تولية الطرفين (قوله: بل يأذن الخ) أي بل إذا أراد غيرهما
- الصادق بالحاكم - الرجوع: يأذن لمن ينفق عليه، ثم إذا حضر ماله: يوفيه منه (قوله: فادعى إنفاقه عليه) أي فادعى
الأب أنه أنفق ما ثبت في ذمته على ابنه (قوله: بأنه الخ) متعلق بأفتى: أي أفتى بأن الأب يصدق باليمين، وإذا مات: قام
وارثه مقامه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الحوالة
أي في بيان حكمها، وبيان بعض أركانها، وشرائطها، وهي بفتح الحاء، وحكي كسرها، لغة: التحول،
والانتقال. وشرعا عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة. وقد تطلق على هذا الانتقال نفسه. والأصل فيها قبل
الاجماع: خبر الشيخين: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ - بالهمز - فليتبع بتشديد التاء، أو سكونها،
وتفسره رواية البيهقي وإذا أحيل أحدكم على ملئ، فليحتل وقوله: مطل الغني ظلم أي إطالة المدافعة فسق. قال
في التحفة: ويؤخذ منه أن المطل كبيرة، لأنه جعله ظلما، فهو كالغصب، فيفسق بمرة منه. قال السبكي: مخالفا
للمصنف في اشتراط تكرره نقلا عن مقتضى مذهبنا، وأيده غيره بتفسير الأزهري للمطل، بأنه إطالة المدافعة، أي فالمرة
لا تسمى مطلا، ويخدشه، أي يضعفه، حكاية المصنف اختلاف المالكية: هل يفسق بمرة منه أو لا؟ فاقتضى اتفاقهم
على أنه لا يشترط في تسميته مطلا تكرره، وإلا لم يأت اختلافهم. وقد يؤيد هذا تفسير القاموس له بأنه، أي المطل،
التسويق بالدين، وبه يتأيد ما قاله السبكي. اه‍. والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة، وذلك لان المحيل: باع ما في

89
ذمة المحال عليه بما في ذمته للمحتال، والمحتال: باع ما في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه. فالبائع: المحيل،
والمشتري: المحتال، والمبيع: دين المحيل، والثمن: دين المحتال. وقيل إنها استيفاء حق (قوله: تصح حوالة
بصيغة).
(واعلم) أن أركان الحوالة ستة: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودينان: دين للمحتال على المحيل، ودين
للمحيل على المحال عليه، وصيغة. وشرائط الحوالة خمسة: رضا المحيل والمحتال. وثبوت الدينين الذي على
المحيل والذي على المحال عليه، فلا تصح ممن لا دين عليه، ولا على من لا دين عليه. وصحة الاعتياض عنهما: فلا
تصح بدين السلم ورأس ماله، ولا عليهما، لعدم صحة الاعتياض عنهما، وكذا لا تصح بدين الجعالة قبل الفراغ من
العمل ولا عليه لما ذكر. والعلم بالدينين قدرا وصفة وجنسا: فلو جهل ذلك العاقدان، أو أحدهما، فهي باطلة.
وتساويهما كذلك: فلو عدم التساوي، أو جهل، فهي باطلة. (قوله: وهي) أي الصيغة (قوله: كأحلتك على فلان بالدين
الذي لك علي) قال في التحفة: فإن لم يقل بالدين، فكناية اه‍. وقال م ر: هو صريح، وإن لم يقل بالدين الذي لك علي
ولم ينوه - فعلى ما جرى عليه حجر: أن الكناية تدخل الحوالة، وعلى ما جرى عليه م ر: أنها لا تكون إلا صريحة، فلا
تدخلها الكناية. (قوله: أو نقلت إلخ) أشار به إلى أنه لا يتعين في الصيغة لفظ الحوالة، بل يكفي ما يؤدي معناها:
كنقلت حقك إلى فلان، أو جعلت ما أستحقه على فلان لك، أو ملكتك الدين الذي عليه. والمعتمد، عند الرملي، عدم
الانعقاد بلفظ البيع، ولو نواها. وعند ابن حجر: الانعقاد إن نواها (قوله: وقبول) بالرفع، عطف على إيجاب (قوله: بلا
تعليق) راجع للايجاب والقبول، كما في البيع (قوله: ويصح) أي القبول بلفظ أحلني: أي فهو استيجاب قائم مقام
القبول، ومثله: ما لو قال احتل على فلان بما لك علي من الدين، فقال: احتلت، أو قبلت، فيكون استقبالا قائما مقام
الايجاب. أفاده ع ش (قوله: وبرضا محيل ومحتال) هذا مستغنى عنه بالصيغة، إذ الايجاب والقبول يتضمن رضاهما،
إلا أن يقال ليس هو مقصودا بالذات، بل المقصود: مفهومه، وهو قوله بعد: ولا يشترط رضا المحال عليه. والمحيل: هو
من عليه الدين للمحتال. والمحتال: هو من له الدين على المحيل (قوله: ولا يشترط رضا المحال عليه) أي لأنه محل
الحق، فلمن له الحق أن يستوفيه بنفسه وبغيره (قوله: ويلزم بها الخ) شروع في فائدة الحوالة المترتبة عليها، وحاصلها
براءة ذمة المحيل من دين المحتال، وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل، وتحول حق المحتال من ذمة المحيل إلى
ذمة المحال عليه. وقوله دين محتال: أي نظيره يصير في ذمة المحال عليه. (قوله: فإن تعذر أخذه) أي المحتال على
إضافة المصدر لفاعله أو الدين على إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (وقوله: منه) أي من المحال عليه
(قوله: بفلس) متعلق بتعذر، والباء سببية: أي تعذر الاخذ بسبب فلس. (وقوله: حصل للمحال عليه) المقام للاضمار،
فكان عليه أن يقول: حصل له (قوله: وإن قارن الفلس الحوالة) أي لا فرق في الفلس بين أن يكون طارئا على الحوالة أو
مقارنا لها، فلا رجوع للمحتال على المحيل في الحالتين (قوله: أو جحد) معطوف على فلس: أي أو تعذر أخذه منه
بجحد. (وقوله: أي إنكار منه) أي المحال عليه لأصل الحوالة (قوله: أو دين المحيل) معطوف على الحوالة: أي أو
إنكار لدين المحيل (قوله: وحلف) يقرأ بصيغة المصدر: عطفا على إنكار، أو بصيغة الماضي وجعل الواو
للحال.

90
(وقوله: عليه) أي على الانكار المذكور، يعني أن تعذر الاخذ المذكور. يحصل بإنكار المحال عليه الدين أو الحوالة مع
حلفه على ذلك. (قوله: أو بغير ذلك) يعني أو تعذر أخذه بغير الفلس والجحد. (قوله: كتعزز المحال عليه) أي تقويه
وتغلبه (قوله: لم يرجع المحتال على محيل) جواب فإن، وإنما لم يرجع عليه، لان الحوالة بمنزلة القبض، وقبولها
متضمن، لاعترافه باستجماع شرائط الصحة. قال في التحفة: نعم. له، أي المحتال، تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة
المحال عليه على الأوجه. وعليه فلو نكل: حلف المحتال، كما هو ظاهر، وبان بطلان الحوالة، لأنه حينئذ كرد المقر له
الاقرار. اه‍. ولو شرط فيها الرجوع عند التعذر بشئ مما ذكر: لم تصح الحوالة، لأنه شرط خالف مقتضاها (قوله: وإن
جهل) أي المحتال. (وقوله: ذلك) أي تعذر الاخذ بشئ مما يذكر (قوله: ولا يتخير لو بان الخ) لا فائدة له بعد الغاية
السابقة، أعني قوله وإن قارن الفلس الحوالة، وجزمه بعدم الرجوع، ولو مع الجهل، إلا أن يقال: ذكره لأجل الغاية التي
بعده. وعبارة المنهج: فيها إسقاط ذلك، وذكر الغاية بعد قوله: لم يرجع على محيل، وهي أولى (قوله: وإن شرط
يساره) أي المحال عليه: أي فلا عبرة بالشرط المذكور، لأنه مقصر بترك الفحص. وقيل له الخيار إن شرط يساره، ثم
تبين إعساره (قوله: ولو طلب المحتال المحال عليه الخ) هذه المسألة نقلها في التحفة عن ابن الصلاح (قوله: فقال) أي
المحال عليه. (وقوله: أبرأني المحيل) قال سم - هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال
الرجوع؟ اه‍. (قوله: قبل الحوالة) قال في التحفة: هو صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الابراء، ولا تقبل منه بينته، إلا
أن صرح بأنه قبل الحوالة، بخلاف ما لو أطلق. ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة، فأقام المحال عليه بينة
بإبراء المحيل له: لم تسمع بينة الابراء، أي وليس هذا من تعارض البينتين، لما تقرر أن دعوى الابراء المطلق والبينة
الشاهدة به فاسدان، فوجب العمل ببينة الحوالة، لأنها لم تعارض. اه‍. (قوله: بذلك) أي بالبراءة المفهومة من أبرأني.
(قوله: سمعت) أي البينة في وجه المحتال. قال الغزي: وهذا صحيح في دفع المحتال. أما إثبات البراءة من دين
المحيل، فلا بد من إعادتها في وجهه. اه‍. تحفة (قوله: ثم المتجه) أي ثم بعد سماع بينة المحال عليه بالبراءة المتجهة
الخ. (وقوله: إلا إذا استمر) أي المحتال، أي فلا يرجع على المحيل (قوله: ولو باع عبدا) أي أو أمة، ولو قال رقيقا:
لشملهما (قوله: وأحال بثمنه) أي أحال البائع بثمن العبد على المشتري (قوله: ثم اتفق المتبايعان) أي والمحتال أيضا،
بدليل قوله بعد: وإن كذبهما المحتال الخ. وقوله على حريته: أي على أن العبد حر وقت البيع. (قوله: أو ثبتت حريته
حينئذ) أي حين البيع (قوله: ببينة شهدت حسبة) قال البجيرمي: شهادة الحسبة هي التي تكون بغير طلب، سواء أسبقها
دعوى، أم لا (قوله: أو أقامها العبد) أي أو أقام العبد البينة على حريته: أي ولم يصرح بالرق قبل ذلك، لأنها تكذب
قوله. ومثل العبد: ما إذا أقامها أحد الثلاثة، أعني المتبايعين، والمحتال، ولم يصرح بأن المبيع مملوك، بل اقتصر على
البيع (قوله: لم تصح الحوالة) جواب لو. والمراد أنه بان عدم انعقادها لتبين أن لا بيع، فلا ثمن، فيرد المحتال ما أخذه
من المشتري، ويبقى حقه كما كان (قوله: وإن كذبهما) أي المتبايعين المتفقين على الحرية، فهو مقابل للصورة الأولى
(قوله: ولا بينة) أي على الحرية (قوله: فلكل منهما) أي المتبايعين. (وقوله: تحليفه) أي المحتال، ولو حلفه أحدهما:
لم يكن للثاني تحليفه، لاتحاد خصومتهما (قوله: على نفي العلم بها) أي لأن هذه قاعة الحلف على النفي الذي لا يتعلق
بالحالف، فيقول: والله لا أعلم حريته (قوله: وبقيت الحوالة) وحينئذ يأخذ المحتال المال من المشتري، ويرجع

91
المشتري على البائع المحيل، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة (قوله: ولو اختلفا) أي بعد إذن مدين لدائنه في
القبض. (وقوله: أي الدائن والمدين) بيان لضمير التثنية. (وقوله: في أنه) أي المدين، والجار والمجرور متعلق
باختلفا، أي اختلفا في أن المدين وكل أو أحال؟ والمراد: اختلفا في اللفظ الصادر من المدين، هل هو لفظ الوكالة، أو
الحوالة؟ (قوله: بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي) أي أو قال: أردت بقولي أحلتك الوكالة (قوله: فقال
الدائن: بل
أحلتني) أي أو أردت الحوالة (قوله: صدق منكر حوالة) جواب لو (قوله: فيصدق في المدين) أي بيمينه
في أنه وكل، أو في أنه أراد الحوالة. وبحلفه: تندفع الحوالة، وبإنكار الآخر الوكالة: ينعزل، فيمتنع قبضه، فإن كان قد قبض: برئ
الدافع له، لأنه وكيل أو محتال، ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف، وحقه عليه باق. (قوله: والدائن) أي ويصدق الدائن:
أي بيمينه. (وقوله: في الأخيرة) أي فيما إذا ادعى الوكالة، والمدين الحوالة. وبحلفه: تندفع الحوالة، ويأخذ حقه من
المستحق عليه، ويرجع هذا على المحال عليه (قوله: لان الأصل الخ) علة لتصديق منكر الحوالة. (وقوله: المستحق
عليه) هو، بفتح الحاء، المدين. والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الضمان، وأحكام الصلح.
وقد ترجم الفقهاء لكل منهما بباب مستقل، وذكرهما بعد الحوالة، لان كلا منهما يترتب عليه قطع النزاع، كالحوالة،
والضمان لغة: الالتزام، وشرعا: يقال لالتزام دين أو بدن أو عين، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك. ويسمى الملتزم
لذلك: ضامنا، وضمينا، وحميلا، وزعيما، وكفيلا، وصبيرا. قال الماوردي: لكن العرف خص الضمين: بالمال، أي
ومثله الضامن، والحميل: بالدية، والزعيم: بالمال العظيم، والكفيل: بالنفس، والصبير: يعم الكل: والأصل فيه:
حديث العارية مؤداة، أي مردودة، والزعيم غارم، والدين مقضي وحديث أنه (ص) تحمل عن رجل عشرة دنانير.
وأركانه خمسة: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له، ومضمون، وصيغة. وهو مندوب لقادر واثق بنفسه، وإلا فمباح.
قال العلماء: الضمان أوله شهامة، أي شدة حماقة، وأوسطه ندامة، وآخره غرامة. ولذلك قيل نظما:
ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق * فإن ضمنت: فحاء الحبس في الوسط
ومن مستلطف كلامهم، ثلاثة أحرف شنيعة: ضاد الضمان، وطاء الطلاق، وواو الوديعة. وقال بعضهم:
عاشر ذوي الفضل واحذر عشرة السفل وعن عيوب صديقك كف وتغفل
وصن لسانك إذا ما كنت في محفل * ولا تشارك ولا تضمن ولا تكفل
(قوله: يصح من مكلف رشيد) أي ولو حكما: ليدخل من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه، ومن فسق، ومن سكر
متعديا، فإن هؤلاء في حكم الرشيد، ولا بد أن يكون مختارا أيضا، فخرج الصبي، والمجنون، والسفيه، والمكره، ولو
قنا أكرهه سيده، فلا يصح ضمانهم. ولا بد، على الأصح، أن يعرف عين المضمون له، وهو رب الدين، لتفاوت الناس
في المطالبة تشديدا وتسهيلا، فلا يكفي معرفته مجرد نسبه أو اسمه، وإنما كفت معرفة عينه، لأن الظاهر عنوان الباطن،
وتقوم معرفة وكيله مقام معرفته عند م ر تبعا لوالده، وجرى ابن حجر، تبعا لشيخ الاسلام، على عدم الاكتفاء بذلك.
(قوله: ضمان بدين) أي ولو منفعة: كالعمل الملتزم الذمة بالإجارة، أو المساقاة. وشمل الدين: الزكاة، فيصح ضمانها
لمستحقين انحصروا. اه‍. بجيرمي. (وقوله: واجب) أي ثابت، ولو باعتراف الضامن، وإن لم يثبت على المضمون
عنه شئ. كما صرح به الرافعي، بل الضمان متضمن، لاعترافه بوجود شرائطه، فيلزم الضامن المال الذي اعترف به.
ويشترط في الدين: أن يكون معلوم القدر، والجنس، والصفة. وخرج بذلك: الديون المجهولة، فلا يصح ضمانها
(قوله: سواء استقر) المراد من الاستقرار: اللزوم، وقيل المراد بالمستقر: الذي أمن من سقوطه. (وقوله: في ذمة

92
المضمون له) صوابه المضمون عنه، وهو المدين الذي ضمن عنه ما عليه. (وقوله: كنفقة اليوم وما قبله) تمثيل للذي
استقر في ذمته. (قوله: أو لم يستقر) أي لكنه آيل إلى الاستقرار (قوله: كثمن مبيع لم يقبض) أي ذلك المبيع، وهو
تمثيل للذي لم يستقر (قوله: وصداق قبل وطئ) التمثيل به لما لم يستقر مبني على أن المراد بالاستقرار، عدم تطرق
السقوط إليه، والصداق قبل الوطئ يتطرق السقوط إليه، كأن تفسخ النكاح بعيبه، أما على أن المراد به اللزوم، فلا يصح
جعله تمثيلا له، لأنه لازم بالعقد (قوله: لا بما سيجب) أي لا يصح الضمان بما سيجب.. ويستثنى من ذلك: ضمان
درك المبيع، أو الثمن، وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا، أو معيبا ورد. ويضمن للبائع المبيع إن
خرج الثمن كذلك. وإضافة ضمان الدرك: لأدنى ملابسة، لان المضمون في الصورة الأولى: الثمن عند إدراك
المستحق للمبيع، وفي الصورة الثانية: عند إدراك المستحق للثمن، فظهر من ذلك أن الدرك: اسم مصدر، بمعنى
الادراك، وفسره بعضهم: بالعهد والتبعة، فكأنه قال: يضمن له عهدة الثمن أو المبيع والتبعة به، أي المطالبة
به، ولذلك
يسمى ضمان العهدة أيضا. ولا يصح الضمان المذكور إلا بعد قبض المضمون، لأنه إنما يضمن: ما دخل في ضمان
البائع أو المشتري. (قوله: كدين قرض) أي سيقع، وكان الأولى التقييد به، كما في فتح الجواد، وعبارته: لا بما
سيجب، كدين قرض أو بيع سيقع - اه‍. وذلك كأن قال أقرض هذا مائة وأنا ضامنها، فلا يصح ضمانه، لأنه غير ثابت.
وقد تقدم للشارح، في فصل القرض، ذكر هذه المسألة، وأنه يكون ضامنا فيها، وعبارته هناك: ولو قال أقرض هذا مائة
وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة، أو بعضها، كان ضامنا، على الأوجه. اه‍. وحينئذ فيكون ما هنا، من عدم صحة
الضمان، منافيا لما مر عنه، من أن الاجوه: الضمان إلا أن يقال إنه هناك جرى على قول، وهنا على قول، وتقدم عن
شرح البهجة في الكتابة التي على قوله كان ضامنا على الأوجه: أنه وقع للماوردي نظير ما وقع لشارحنا من أنه صحح
الضمان هناك، ولم يصححه في باب الضمان، وأنه حمل ما قاله هناك على أنه مفرع على القول القديم، وما قاله هنا على
القول الجديد، الذي صححه الشيخان فارجع إليه إن شئت. (قوله: ونفقة غد للزوجة) عبارة الروض وشرحه: وكذا
نفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، وإن جرى سبب وجوبها، لأنه توثقة، فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة. اه‍. (قوله:
ولا بنفقة القريب الخ) معطوف على لا بما سيجب: أي ولا يصح الضمان بنفقة القريب مطلقا، أي سواء كانت ماضية،
أو مستقبلة، وذلك لان سبيلها البر والصلة، لا الديون. وفي البجيرمي: لأنها مجهولة، ولسقوطها بمضي الزمان، وهذا ما
رجحه الأذرعي، وجزم به ابن المقري. ز ي. اه‍. (قوله: ولا يشترط رضا الدائن) أي لا يشترط في صحة الضمان رضا
الدائن: أي ولا قبوله، وهذا هو الأصح. وقيل يشترط الرضا، ثم القبول لفظا، وذلك لأن الضمان محض التزام، لم
يوضع على قواعد المعاقدات. (وقوله: والمدين) أي ولا يشترط رضا المدين، وهذا بالاتفاق، لجواز أداء الدين من غير
إذنه، فالتزامه أولى (قوله: وصح ضمان الرقيق) أي المكاتب وغيره. (وقوله: بإذن سيده) وذلك لأن الضمان إثبات مال
في الذمة بعقد، وهو لا يصح من غير إذن. قال في التحفة: وإنما صح خلع أمة بمال في ذمتها بلا إذن، لأنها قد تضطر
إليه لنحو سوء عشرته. اه‍. وإذا ضمن بالاذن، فإن عين السيد للأداء جهة يقضي منها الدين: عمل بتعيينه، وإن لم يعين
له جهة، بأن اقتصر له على الاذن بالضمان، تعلق الغرم بما يكسبه، وبما في يده من أموال التجارة، إن كان مأذونا له
فيها، فإن لم يكن مأذونا له فيها: تعلق بما يكسبه فقط بعد الاذن. (قوله: وتصح منه) أي من المكلف الرشيد، (وقوله:
كفالة بعين) أي التزام ردها إلى مالكها.
(واعلم) أن الكفالة ترادف الضمان لغة وشرعا، كما عرفت، وتغايره عرفا: إذ هو خص الضمان بالمال مطلقا،
عينا كان أو دينا، والكفالة بالبدن. (وقوله: مضمونة) أي ضمان يد، كالمغصوب، والمستام، أو ضمان عقد. وخرج به:

93
غير المضمونة، كالوديعة، والرهن، فلا تصح الكفالة بهما. (قوله: وببدن الخ) معطوف على بعين: أي وتصح منه كفالة
بإحضار بدن من يستحق حضوره في مجلس الحكم: أي لأجل حق الآدمي مطلقا، ما لا كان، أو عقوبة: كقصاص،
وحد قذف، أو حق لله تعالى مالي: كزكاة، وكفارة. بخلاف غيره. كحدود الله تعالى، وتعازيره: كحد خمر، وزنا،
وسرقة. لأنا مأمورون بسترها، والسعي في إسقاطها ما أمكن. (وقوله: بإذنه) متعلق بتصح، أو بكفالة المقدرين، أي
إنما تصح كفالة بدن من ذكر: بإذنه، وإلا لفات مقصود الكفالة من إحضاره، لأنه لا يلزمه الحضور مع الكفيل من غير
إذن، ويعتبر إذن المكفول بنفسه إن كان ممن يعتبر إذنه ولو سفيها وبوليه إن كان صبيا، أو مجنونا، أو وارثه إن كان ميتا،
ليشهدوا على صورته، وكان الشاهد تحمل الشهادة عليه كذلك، ولم يعرف نسبه واسمه، فإن عرفهما: لم يحتج إليها.
ومحل ذلك قبل إدلائه في هواء القبر، وإلا فلا تصح الكفالة، لان في إخراجه بعد ذلك إزراء به. وعلم تقرر أن من مات،
ولم يأذن في كفالته، ولا وارث له، لا تصح كفالته. (قوله: ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول) من إضافة المصدر إلى مفعوله
بعد حذف الفاعل: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره بنفسه أو وكيله المكفول، وإن لم يقل عن الكفالة. وكما يبرأ بذلك: يبرأ
بإبراء المكفول له. (وقوله: شخصا كان) أي المكفول، أو عينا: فهو تعميم في المكفول. (وقوله: إلى المكفول له)
متعلق بإحضار، أي أو وارثه. (وقوله: وإن لم يطالبه) الضمير المستتر يعود على المكفول له، والبارز يعود على الكفيل.
(قوله: وبحضوره) أي المكفول. وهو معطوف على بإحضار: أي ويبرأ الكفيل بحضور المكفول. والمراد به هنا
خصوص البدن، إذ لا يتصور حضور العين بنفسها إلا إن كانت حيوانا. ويشترط فيه أن يكون بالغا عاقلا، فلا يكفي
حضور الصبي والمجنون. (وقوله: عن جهة الكفيل) أي مع إتيانه بلفظ يدل عليه، وذلك بأن يقول: حضرت أو سلمت
نفسي عن جهة الكفيل: فلا يكفي مجرد حضوره من غير أن يقول ما تقدم، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم
اشتراط اللفظ هنا، أي فيما إذا حضر بنفسه، لا فيما قبله، أي فيما إذا حضره الكفيل. ويفرق بأن مجئ هذا وحده: لا
قرينة فيه، فاشترط لفظ يدل، بخلاف مجئ الكفيل به، فلا يحتاج إلى لفظ. ونظيره أن التخلية في القبض: لا بد فيها
من لفظ يدل عليها، بخلاف الوضع بين يدي المشتري، كما مر، نعم: إن أحضره بغير محل التسليم، فلا بد من لفظ
يدل على قبوله له حينئذ، فيما يظهر، اه‍. (قوله: بلا حائل) متعلق بكل من إحضار وحضور: أي يشترط لبراءة الكفيل
بإحضار المكفول أو حضوره بنفسه: أن لا يكون هناك حائل بينه وبين المكفول له، فإن كان هناك حائل، كمتغلب يمنعه
من تسلمه، فلا يبرأ، لعدم حصول المقصود. قال في التحفة: نعم، إن قبل مختارا: برئ. اه‍. فقوله كمتغلب: أي
ظالم، تمثيل للحائل (قوله: بالمكان) متعلق أيضا بكل من إحضار وحضور: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره المكفول، أو
حضوره بنفسه إلى المكان المذكور. فإن أحضره، أو حضر بنفسه في غيره: لم يلزم المستحق القبول، إن كان له غرض
في الامتناع، وإلا فالظاهر، كما قاله الشيخان، لزوم القبول، فإن امتنع: رفعه إلى الحاكم يقبض عنه، فإن فقد: أشهد
شاهدين أنه سلمه (قوله: وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه) أي وإن لم يشترط مكان: فيعتبر المكان الذي وقعت الكفالة
فيه، لكن إن صلح فإن خرج عن الصلاحية: تعين أقرب مكان صالح على ما هو قياس السلم أفاده سم. (قوله
: فإن
غاب) أي المكفول من بدن أو عين. (وقوله: لزمه) أي الكفيل إحضاره أو ولو من دار الحرب، ومن فوق مسافة القصر،
ولو في بحر غلبت السلامة فيه، فيما يظهر، وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة: في مال نفسه ولو كان
المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شئ معه: اتجه أن يأتي فيه ما لو كان المكفول محبوسا بحق. وقد ذكر صاحب
البيان، وغيره، فيه: أنه، أي الكفيل، يلزمه قضاؤه، أي الدين، أي فيقال هنا يلزمه مؤن السفر، ثم إنه يمهل مدة ذهاب
وإياب عادة، فإن مضت المدة المذكورة ولم يحضره: حبس ما لم يؤد الدين لأنه مقصر. (وقوله: إن عرف محله وأمن

94
الطريق) أي ولم يكن ثم من يمنعه منه عادة (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعرف المحل بأن جهله، ولم يأمن الطريق. فلا
يلزمه إحضاره. قال في النهاية: ويقبل قوله في جهله ذلك بيمينه. اه‍. ولا يكلف السفر إلى الناحية التي علم ذهابه
إليها، وجهل خصوص القرية التي هو بها ليبحث عن الموضع الذي هو به. اه‍. ع ش (قوله: ولا يطالب كفيل بمال)
أي ولا يطالب الكفيل بإحضار البدن أو العين إذا تلف كل منهما بمال، وذلك لأنه إنما التزم حضور ما ذكر، ولم يلتزم
المال، فإذا فات ما التزمه: لا شئ عليه. (قوله: وإن فات التسليم) أي من المكفول. وقوله بموت: الباء سببية، متعلقة
بفات. أي فات بسبب موته. (قوله: أو غيره) أي الموت، كهرب، أو توار ولم يدر محله (قوله: فلو شرط أنه يغرم المال)
أي كقوله: كفلت بدنه بشرط الغرم، أو على أني أغرم، أو نحوه. قال البجيرمي: وليس من الشرط ما لو قال كفلت بدنه،
فإن مات فعلي ضمان المال، فتصح الكفالة، وهذا وعد لا يلزم الوفاء به. اه‍. (قوله: لم تصح) أي الكفالة، لان ذلك
خلاف مقتضاه، وهو عدم غرم الكفيل المال. (قوله: وصيغة الالتزام) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركان
الضمان. (وقوله: فيهما) أي في الضمان والكفالة (قوله: كضمنت دينك الخ) أشار به إلى أن شرط الصيغة لهما لفظ
يشعر بالتزام، ويقوم مقامه الكتابة مع النية، وإشارة أخرس (قوله: ولو قال أؤدي الخ) أي لو أتى بصيغة لا تشعر بالتزام:
لا ينعقد الضمان (قوله: فهو وعد بالتزام) أي قوله المذكور وعد بالتزام، ولا يدل على التزام: أي والوعد لا يجب الوفاء
به. (وقوله: كما هو صريح الصيغة) يعني أن الصيغة المذكورة، وهي أؤدي الخ، صريحة في الوعد وعدم الالتزام
(قوله: نعم، إن حفت به) أي أحاطت به، أي بقوله أؤدي الخ، قرينة: كأن رأى صاحب الحق يريد حبس المديون، فقال
الضامن أنا أؤدي المال، فذلك قرينة على أنه يريد أنا ضامنه، ولا تتعرض له. ع ش. (وقوله: تصرفه) أي القول
المذكور. (وقوله: إلى الانشاء) أي إلى إنشاء عقد الالتزام (قوله: انعقد) أي الضمان به (قوله: كما بحثه ابن الرفعة،
واعتمده السبكي) قال في التحفة بعده: وبحث الأذرعي أن العامي إذا قال قصدت به التزام ضمان أو كفالة: لزمه، وهو
أوجه مما قبله، ويؤيده ما يأتي: أنه لو قال داري لزيد، كان لغوا، إلا إن قصد بالإضافة كونها معروفة به مثلا، فيكون
إقراره. وقد يقال البحثان متقاربان، فإن الظاهر أن ابن الرفعة لا يريد أن القرينة تلحقه بالصريح، بل تجعله كناية، فحينئذ
إن نوى: لزمه، وإلا فلا، لكنه يشترط شيئين: القرينة، والنية من العامي وغيره. والأذرعي لا يشترط إلا النية من العامي،
ويحتمل في غيره أن يوافق ابن الرفعة، وأن يأخذ بإطلاقهم أنه لغو. اه‍. (قوله: ولا يصحان) أي الضمان والكفالة.
(وقوله: بشرط براءة أصيل) هو المدين الذي عليه الحق، وذلك لمنافاته مقتضاهما. قال ع ش: هو ظاهر في الضمان،
ويصور في الكفالة بإبراء كفيل الكفيل بأن يقول: تكفلت بإحضار من عليه الدين على أن من تكفل به قبل برئ. اه‍.
وفي كون هذا يسمى أصيلا نظر، إلا أن يقال إنه أصيل بالنسبة للثاني، فتأمل. وقال بعضهم: المراد بالأصيل في
الكفالة: المكفول. اه‍. بجيرمي. (قوله: ولا بتعليق) أي ولا يصحان بتعليق نحو: إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على
فلان، أو كفلت بدنه. وتوقيت: أي ولا بتوقيت: نحو أنا ضامن ما على فلان، أو كفيل ببدنه إلى شهر، فإذا مضى:
برئت، وإنما لم يصحا بما ذكر، لأنهما عقدان، كالبيع، وهو لا يدخله تعليق ولا تأقيت، فكذلك هما (قوله: وللمستحق
الخ) هذا ثمرة الضمان وفائدته، والمستحق شامل للمضمون له ووارثه. (وقوله: مطالبة الضامن والأصيل)
بأن يطالبهما
جميعا، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه، والآخر بباقيه. أما الضامن: فللخبر السابق (الزعيم
غارم)، وأما الأصيل: فلان الدين باق عليه. قال في التحفة: ولا محذور في مطالبتهما، وإنما المحذور: في تغريهما

95
معا كل الدين، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلنا بدين واحد كالرهنين بدين واحد، فهو كفرض الكفاية: يتعلق بالكل،
ويسقط بفعل البعض. فالتعدد فيه: ليس في ذاته، بل بحسب ذاتيهما. ومن ثم: حل على أحدهما، فقط، وتأجل في
حق أحدهما فقط. ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أو لا: أجيب، إن ضمن بإذنه، وإلا فلا، لأنه موطن نفسه
على عدم الرجوع. اه‍. (قوله: ولو برئ) أي الأصيل بأداء أو إبراء أو حوالة. (وقوله: برئ الضامن) أي لسقوط
الحق. (قوله: ولا عكس في الابراء) أي لو برئ الضمان بإبراء المستحق له لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط للوثيقة، فلا
يسقط به الدين. قال في التحفة: وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين، فيكون كإبرائه من الضمان، وهو متجه،
خلافا للزركشي، وقوله إن الدين واحد تعدد محله فيبرأ الأصيل بذلك: يرده ما مر في التحقيق من التعدد الاعتباري، فهو
على الضامن: غيره على الأصيل، باعتبار أن ذاك: عارض له اللزوم، وهذا: أصلي فيه، فلم يلزم من إبراء الضامن من
العارض: إبراء الأصيل من الذاتي. اه‍. وقال سم: يمكن رد ما قاله الزركشي مع تسليم اتحاد الدين، لان معنى أبرأتك
من الدين: أسقطت تعلقه بك. ولا يلزم من سقوط تعلقه به: سقوطه من أصله، وإنما سقط عن الضامن: بإبراء الأصيل،
لان تعلقه به تابع لتعلقه بالأصل، فإذا سقط الأصل: سقط تابعه. اه‍. (قوله: دون الأداء) أي بخلاف ما لو برئ
الضامن بأداء الدين للمستحق، فإنه يبرأ الأصيل (قوله: ولو مات أحدهما) أي الضامن أو الأصيل (قوله: والدين مؤجل)
أي والحال أن الدين مؤجل: أي عليهما بأجل واحد (قوله: حل عليه) أي على الميت منهما لوجود سبب الحلول في
حقه، وأما الآخر الحي: فلا يحل عليه، لعدم وجوده في حقه، ولأنه ينتفع بالأجل. وإذا مات الأصيل، وله تركة،
فللضامن مطالبة المستحق، بأن يأخذ منها، أو يبرئه، لاحتمال تلفها، فلا يجد مرجعا إذا غرم. وإذا مات الضامن وأخذ
المستحق ماله من تركته: لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول (قوله: ولضامن رجوع على أصيل إن غرم) محله
إذا كان الضمان والأداء بإذنه، وكان الأداء من ماله، فإن انتفى إذنه له فيهما، أو كان الأداء، لا من ماله، بل من سهم
الغارمين، فلا رجوع، فإذا وجد الاذن في الضمان دون الأداء: رجع في الأصح، لأنه إذن في سبب الأداء، فإن وجد
الاذن في الأداء، دون الضمان، فلا رجوع: إلا إن أدى بشرط الرجوع فيرجع (قوله: ولو صالح) أي الضامن (وقوله عن
الدين بما دونه) أي كأن صالح عن مائة بما دونها (قوله: لم يرجع) أي على الأصيل. (وقوله: إلا بما غرم) أي وهو القدر
الذي صولح به، وذلك لأنه هو الذي بذله. وفي التحفة: قال شارح التعجيز: والقدر الذي سومح به يبقى على الأصيل،
إلا أن يقصد الدائن مسامحته به أيضا. اه‍. وفيه نظر ظاهر، لأنه لم يسامح هنا بقدر، وإنما أخذه بدلا عن الكل،
فالوجه: إبراء الأصيل منه أيضا. اه‍. (قوله: ولو أدى دين غيره بإذن) أي بإذن ذلك الغير في الأداء. وخرج به: ما إذا لم
يأذن له في ذلك، فلا رجوع مطلقا، لأنه متبرع (قوله: رجع) أي المؤدي على المؤدى عنه (قوله: وإن لم يشرط له
الرجوع) غاية للرجوع: أي يرجع، وإن لم يشرط الآذن الرجوع عليه إذا أدى. وهو للرد على القول الضعيف، بأنه لا
يرجع، معللا له بأن الاذن لا يقتضي الرجوع، وهذا لا ينافي ما مر آنفا، من أنه إذا وجد الاذن في الأداء دون الضمان،
فلا رجوع، إلا أن يشرط الرجوع، لان هنا وجد ضمان بلا إذن، فلما وجد هناك سبب آخر للأداء غير الاذن فيه وهو كون
الأداء عن جهة الضمان الذي بلا إذن اعتبر شرط الرجوع (قوله: إلا إن أداه بقصد التبرع) أي لا يرجع إن أداه بقصد
التبرع، ويعرف بإقراره: سواء شرط له الآذن الرجوع عليه أم لا. (قوله: طالب كلا بجميع الدين) أي كرهنا عبدنا بألف:
يكون نصف كل رهنا بجميع الألف. (وقوله: وقال جمع متقدمون طالب كلا بنصف الدين) أي كاشترينا هذا بألف.
واعتمد في التحفة: الأول، قال: والقياس على الرهن واضح، وعلى البيع غير واضح، لتعذر شراء كل بألف
، فتعين

96
تنصيفه بينهما، ثم قال رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته، قال: وبه أفتيت، وعلله بأن الضمان وثيقه لا تقصد فيه التجزئة،
واعتمد في النهاية الثاني. قال: وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى، لأنه اليقين، وشغل ذمة كل واحد بالزوائد مشكوك فيه.
وبذلك أفتى البدر بن شهبة عند دعوى أحد الضامنين ذلك وحلفهما عليه، لان اللفظ ظاهر فيه، وبالتبعيض قطع الشيخ
أبو حامد. وفي سم: قال شيخنا الشهاب الرملي، المعتمد في مسألة الضمان: أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة
الرهن: أن نصف كل رهن: بالنصف، فالقياس على الرهن: قياس ضعيف على ضعيف. اه‍. (قوله: قال شيخنا الخ)
أتى به في التحفة جوابا عما يرد على معتمده من عدم التقسيط فيما لو قالا: ضمنا مالك على فلان. وحاصل الجواب أن
هذا لا يرد على المسألة المذكورة، لأنه ليس ضمانا حقيقة، والكلام فيما هو ضمان حقيقة (قوله: لأنه ليس ضمانا
حقيقة) أي لأنه على ما لم يجب، والضمان حقيقة أن يكون على ما وجب (قوله: بل استدعاء إتلاف مال) أي طلب
ذلك. وقوله لمصلحة: هي السلامة (قوله: فاقتضت) أي المصلحة. (وقوله: التوزيع) أي تقسيط الضمان على الكل.
(وقوله: عنها) أي عن المصلحة. والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: واعلم أن الصلح الخ) شروع في بيان أحكام
الصلح: من صحته مع الاقرار، ومن جريان حكم البيع عليه، وهو لغة: قطع النزاع. وشرعا: عقد يحصل به ذلك. وهو
أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وعقدوا له باب الهدنة، والجزية، والأمان، وصلح بين الامام والبغاة، وعقدوا له
باب البغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعقدوا له باب القسم والنشوز، وصلح في المعاملات، وعقدوا له هذا
الباب. والأصل فيه قوله تعالى: * (والصلح خير) * لأنه إن كان المراد به مطلق الصلح، كما يدل عليه الاتيان بالاسم
الظاهر، دون الضمير، فالامر ظاهر. وإن كان المراد الصلح بين الزوجين، كما يدل عليه السياق، فغيره بالقياس عليه،
وقوله (ص): الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين
الكفار أيضا، لإنقيادهم للأحكام غالبا. وشرط صحة الصلح: سبق خصومة بين المتداعيين، فلو قال: صالحني من
دارك مثلا بكذا، من غير سبق خصومة، فأجابه: فهو باطل، على الأصح، لان لفظ الصلح: يستدعي سبق الخصومة،
سواء كانت عند حاكم أم لا. ولفظه يتعدى للمأخوذ: بالباء أو على، وللمتروك: بمن أو عن. وقد نظم بعضهم هذه
القاعدة بقوله:
في الصلح للمأخوذ باء وعلى والترك من وعن كثير إذا جعلا
ونظمها بعضهم أيضا بقوله:
بالباء أو على يعدى الصلح لما أخذته فهذا نصح
ومن وعن أيضا لما قد تركا * في أغلب الأحوال ذا قد سلكا
فإذا قال صالحتك من الدار، أو عنها، بألف، أو عليه: فالدار متروكة، لدخول من، أو عن، عليها، والألف
مأخوذة لدخول الباء، أو على، عليه. وقد يعكس الامر على خلاف الغالب. (وقوله: جائز مع الاقرار) أي صحيح معه.
ولو أنكر بعده فإذا أقر ثم أنكر: جاز الصلح، بخلاف ما لو أنكر فصولح، ثم أقر فإن الصلح باطل، فإن صولح ثانيا بعد
الاقرار: كان صحيحا. ومثل الاقرار إقامة البينة واليمين المردودة، لان لزوم الحق بالبينة، كلزومه بالاقرار. واليمين
المردودة: بمنزلة الاقرار، أو البينة. وليس من الاقرار: صالحني عما تدعيه بكذا، لأنه قدير يريد به قطع الخصومة (قوله:
وهو على شئ غير المدعي الخ) يعني أن الصلح غير المدعي، بأن يكون المدعى دراهم، فصولح على ثوب، يكون



(1) سورة النساء، الآية: 128.
97
بيعا (واعلم) أن الصلح إما أن يكون عن عين، وإما أن يكون عن دين. وكل منهما: إما أن يجري من المدعى به على
غيره، ويسمى صلح المعاوضة، أو على بعضه، ويسمى صلح الحطيطة، فالأقسام أربعة. واقتصر المؤلف على القسم
الأول من قسمي العين، وترك الثاني، وهو الصلح منها على بعضها، وذكر الثاني من قسمي الدين، وترك الأول، وهو
الصلح منه على غيره، ثم إنه إما أن يجري بين متداعبين، وهو ما ذكره المؤلف، وإما أن يجري بين مدع وأجنبي، وهذا
لم يذكره. وحاصله أن الأجنبي إن صالح عن عين للمدعى عليه، فإن لم يكن وكيلا عنه لم يصح صلحه، لأنه فضولي.
وإن كان وكيلا عنه، فإن صرح بالوكالة، بأن قال: وكلني في الصلح معك وهو مقر لك بها، أو وهي لك،
صح، ووقع
للموكل، فإن لم يصرح بالوكالة، أو قال وهو مبطل في إنكاره، أو لم يزد على قوله وكلني الغريم في الصلح معك: لم
يصح. وإن صالح عنها لنفسه بعين ماله، أو بدين في ذمته، فإن قال وهو مقر لك، أو وهي لك: صح له، وإن قال وهو
مبطل لك فشراء شئ مغصوب، فإن قدر، ولو في ظنه، على انتزاعه ممن هو تحت يده: صح، وإلا فلا. وإن قال وهو
محق أو لا أعلم حاله أو لم يزد على قوله صالحني بكذا: لغا الصلح، هذا كله إن صالح عن عين، فإن عن دين بغير دين بغير دين
ثابت من قبل، فإن قال هو مقر لك، أو وهو لك، وهو مبطل في إنكاره: صح للمدعى عليه فيما إذا صالح له، أو
لنفسه فيما إذا صالح لها. فإن صالح عنه بدين ثابت من قبل الصلح: لم يصح (قوله: فله حكم البيع) وهو مفرد مضاف،
فيعم، فكأنه قال: فله أحكام البيع، أي من الشفعة، والرد بالعيب، وخيار المجلس والشرط، ومنع التصرف قبل
القبض، وإنما جرت عليه أحكام البيع، لان الصلح المذكور بيع للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه بلفظ الصلح.
(قوله: وعلى بعض المدعي الخ) معطوف على شئ غير المدعي: أي وهو على بعض المدعي إبراء: أي كصالحتك
عن الألف التي لي عليك على خمسمائة. (وقوله: إن كان) أي المدعى به دينا، فإن كان عينا وجرى الصلح على
بعضها، فهبة منها للباقي لذي اليد، فتثبت فيه أحكامها، من إذن في قبض، ومضى إمكانه، فيصح بلفظ الصلح:
كصالحتك من الدار على بعضها، كما يصح بلفظ الهبة، بأن يقول وهبتك نصفها، وصالحتك على نصفها. ولا يصح
بلفظ البيع: بأن يقول بعتك نصفها، وصالحتك على نصفها - لعدم الثمن - لأن العين كلها ملك المقر له، فإذا باعها
ببعضها: فقد باع ملكه بملكه، والشئ ببعضه - وهو محال - (قوله: فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر) أي
لا يشترط في الصلح المذكور أن يكون بلفظ الابراء، بل يصح بلفظ الصلح، كالصيغة المتقدمة، ولفظ الابراء والاسقاط
ونحوهما: كالحط والوضع. ثم إنه لا يفتقر إلى القبول إلا إن جرى بلفظ الصلح، كصالحتك على نصفه. فيفتقر إليه،
لان اللفظ يقتضيه، ورعاية اللفظ في العقود: أكثر من رعاية معناها. (قوله: ويلغو الصلح الخ) أي كأن أدعى عليه دارا
فأنكر أو سكت، ثم تصالحا على بعضها أو غيرها، فالصلح باطل، لأنه على إنكار أو سكوت. وهذا محترز قوله المار مع
الاقرار. وقد يصح الصلح مع عدم الاقرار في مسائل، منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم، كما إذا مات الميت عن ابن
وولد خنثى مسألة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة ستة فيعطى الابن ثلاثة والخنثى اثنين، ويوقف واحد
إلى الاتضاح، أو الصلح: كأن يصطلحا على أن يكون لكل منهما نصف القيراط. ومنها ما لو أسلم الزوج على أكثر من
أربع، ومات قبل الاختيار، فيوقف الميراث بينهن حتى يصطلحن، وكذا إذا طلق إحدى زوجتيه، ومات قبل البيان فيما
إذا كانت معينة في نيته، أو قبل التعيين فيما إذا كانت مبهمة عنده. ومنها ما لو تداعيا وديعة عند آخر، فقال لا أعلم لأيكما
هي؟ فيصطلحان على أنها بينهما على تفاضل أو تساو. (قوله: حيث لا حجة للمدعي) الظرف متعلق بيلغو: أي يلغو
حيث لا حجة موجودة للمدعي. أما إذا كانت له حجة، وهي البينة من شاهدين، أو رجل وامرأتين، أو يمين وشاهد،
فيصح، لكن بعد تعديلها، وإن لم يحكم بالملك على الأوجه. وقال سم: وصورة المسألة أنه أقام البينة ثم صالح.
ويبقى ما لو صالح ثم أقامها. وفي شرح العباب: ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الانكار بأنه ملك وقته، فهل يلحق
بالاقرار؟ قال الجوهري: يلحق به، بل أولى، لأنه يمكن الطعن فيها، لا فيه. اه‍. (قوله: فلا يصح الصلح الخ) هو

98
عين قوله ويلغو الصلح، فكان الأولى أن يقتصر على الغاية وما بعدها. (وقوله: على الانكار) أي أو السكوت (قوله: وإن
فرض صدق المدعى) غاية في بطلان الصلح (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي في قولهم: إن الصلح لا يبطل مع ذلك
(قوله: نعم. يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل الخ) عبارة شرح الروض: وإذا كان على الانكار، وكان المدعي
محقا، فيحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذل له. قاله الماوردي. وهو صحيح في صلح الحطيطة. وفيه فرض كلامه
- فإذا صالح على غير المدعي، ففيه ما يأتي في مسألة الظفر. قاله الأسنوي. اه‍ (قوله: وسيأتي حكم الظفر
) أي في
باب الدعوى والبينات، وعبارته هناك: وله - أي للشخص - بلا خوف فتنة عليه أو على غيره: أخذ ماله، استقلالا
للضرورة من مال مدين له مقر مماطل به، أو جاحد له، أو متوار، أو متعزز، وإن كان على الجاحد بينة، أو رجا إقراره لو
رفعه للقاضي، لاذنه (ص) لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولده بالمعروف، ولان في الرفع للقاضي
مشقة ومؤنة، وإنما يجوز له الاخذ من جنس حقه. ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره، ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد
على غيره. ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله: يتملكه، ويتصرف فيه بدلا عن حقه، فإن كان من غير جنسه: فيبيعه الظافر
نفسه، أو مأذونه للغير، لا لنفسه، اتفاقا، ولا لمحجوره: لامتناع تولي الطرفين وللتهمة. انتهت. (قوله: فرع: يحرم
على كل أحد الخ) شروع في بيان الحقوق المشتركة، ومنع التزاحم عليها. وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل. وحاصل
الكلام على ذلك: أنه يحرم غرس الشجر في الشارع وإن انتفى الضرر وكان النفع لعموم المسلمين ويحل في المسجد
مع الكراهة للمسلمين كأكلهم من ثماره، أو ليصرف ريعه في مصالح المسجد. ويحرم بناء دكة مطلقا في الشارع، أو في
المسجد، ولو انتفى الضرر بها، أو كانت بفناء داره. وإنما حرم ذلك: لأنه قد تزدحم المارة، فيعطلون بذلك، لشغل
المكان به، ولأنه إذا طالت المدة: أشبه موضعه الاملاك، وانقطع عنه أثر استحقاق الطروق. (وقوله: غرس شجر) مثله
كل ما يضر المار في مروره، كإخراج روشن، أو ساباط، أي سقيفة، على حائطين، والطريق بينهما. فإن لم يتضرر المار
به، بأن رفعه بحيث يمر تحته الشخص التام الطويل مع حمولة على رأسه، وبحيث يمر تحته المحمل على البعير إذا
كانت الطريق ممر فرسان وقوافل: جاز ذلك. هذا إذا كان ما ذكر في شارع، أي طريق نافذ، فإن كان في غيره، فلا يجوز
إلا بإذن الشركاء فيه. (وقوله: في شارع) هو مرادف للطريق النافذ. وأما الطريق لا بقيد النافذ، فهو أعم من الشارع
عموما مطلقا. ومادة الاجتماع الطريق النافذ. وينفرد في طريق غير نافذ (قوله: كبناء دكة) الكاف للتنظير: أي نظير حرمة
بناء دكه، وهي المسطبة العالية. والمراد هنا: مطلق المسطبة. قال في التحفة: ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى
بالكبش، إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه. ولم يضر المارة، لان المشقة تجلب التيسير. اه‍. (قوله: وإن لم يضر) مفعوله
محذوف: أي لم يضر ذلك البناء والمارة. (وقوله: فيه) أي في الشارع، وهو متعلق بلفظ بناء (قوله: ولو لذلك) ولو كان
البناء لذلك: أي لعموم النفع للمسلمين (قوله: وإن انتفى الضرر حالا) لم يظهر لهذه الغاية فائدة بعد الغاية الأولى.
أعني قوله: وإن لم يضر، فكان الأولى إسقاطها (قوله: ويحل الغرس بالمسجد الخ) وإنما امتنع في الشارع مطلقا،
لكون توقع الضرر فيه أكثر. ويجوز حفر البئر في الشارع، وفي المسجد، حيث لا ضرر، وكان بإذن الامام وفي شرح
الرملي: تقييد الجواز بكونه لعموم المسلمين، وإذن الامام. (وقوله: للمسلمين) أي لنفعهم كأكلهم من ثمارها.
(وقوله: أو ليصرف ريعه) أي ما غرس. وقوله: له أي للمسجد أي لمصالح المسجد، كترميم، وإسراج (قوله: بل
يكره) المناسب والاخصر أن يقول: مع الكراهة، كما عبرت به فيما مر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

99
باب في الوكالة والقراض
أي في بيان أحكامهما، وشرائطهما. وجمع بين الوكالة والقراض في ترجمة واحدة، مع أن الفقهاء أفردوا كلا
بترجمة مستقلة، لما بينهما من تمام الارتباط، إذ القرض توكيل وتوكل، فالمالك، كالموكل، فيشترط فيه شروطه،
والعامل كالوكيل، فيشترط فيه شروطه، والوكالة، بفتح الواو، وكسرها، لغة: التفويض، والمراعاة، والحفظ. وشرعا،
ما سيذكره الشارح من قوله: وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة. وهي ثابتة بالكتاب، والسنة،
والاجماع، والقياس، وذلك لقوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (1) وهما وكيلان لا حاكمان على
المعتمد، ولخبر الصحيحين أنه (ص) بعث السعاة لاخذ الزكاة، ولكون الحاجة داعية إليها. ولهذا ندب قبولها، لأنها قيام
بمصلحة الغير. وقد تحرم: إن كان فيها إعانة على محرم. وقد تكره: إن كان فيها إعانة على مكروه. وقد تجب: إن
توقف عليها دفع ضرر الموكل، كتوكيل المضطر في شراء طعام قد عجز عنه، وقد تتصور فيها الإباحة كما إذا لم يكن
للموكل حاجة في الوكالة، وسأله الوكيل إياها من غير غرض وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة. وشرط
في الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية، وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه، فبنائبه
أولى. فلا يصح توكيل غير مكلف في تصرف إلا السكران المتعدي، فيصح توكيله، ولا توكيل مكاتب في تبرع بلا إذن
سيده، وسفيه فيما لا يستقل به، ولو بإذن وليه، وفاسق في إنكاح ابنته. ويستثنى من ذلك: الأعمى، فيصح توكيله في
نحو بيع، وشراء، وإجارة وهبة، وإن لم تصح مباشرته له للضرورة والمحرم فيصح أن يوكل حلالا في النكاح بعد
التحلل، أو يطلق. وشرط في الوكيل: صحة مباشرته ما وكل فيه، كالموكل، لأنه إذا لم يقدر على التصرف فيه لنفسه،
فلغيره أولى فلا يصح توكيل صبي ومجنون، ومغمى عليه، ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم فيه ليعقده في إحرامه،
وشرط في الموكل فيه: أن يكون قابلا للنيابة، وأن يملكه الموكل حين التوكيل، وأن يكون معلوما، ولو بوجه، فلا يصح
فيما لا يقبل النيابة، كالعبادات، ولا فيما لا يملكه الموكل، كالتوكيل في بيع ما سيملكه، نعم، يصح فيما ذكر تبعا:
كوكلتك في بيع ما أملكه، وكل ما سأملكه. ولا فيما ليس بمعلوم، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، وبيع
بعض أموالي، لما في ذلك من الغرر العظيم، الذي لا ضرورة إلى احتماله. وشرط في الصيغة، لفظ من موكل يشعر
برضاه. ولا يشترط من الوكيل: القبول لفظا، بل الشرط: عدم الرد منه، فلو ردها، كأن قال لا أقبل، أو لا أفعل، بطلت.
وكل ما ذكر يستفاد من كلام الشارح (قوله: تصح وكالة شخص) من إضافة المصدر لمفعوله. (وقوله:
متمكن لنفسه) أي متمكن من التصرف لنفسه فالجار والمجرور متعلق بمحذوف. وهذا شرط للوكيل، (وقوله: كعبد وفاسق) تمثيل
للمتمكن من التصرف لنفسه. (وقوله: في قبول النكاح) أي أن تمكن العبد والفاسق ليس مطلقا، بل بالنسبة لقبول
النكاح، فيصح توكلهما فيه، لتمكنهما منه لأنفسهما. (وقوله: ولو بلا إذن سيد) أي أو ولي فيما إذا كان الفاسق سفيها.
وعبارة شرح المنهج: والسفيه والعبد فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي والسيد. اه‍. والغاية للرد على من يقول:



(1) سورة النساء، الآية: 35.
100
لا يصح توكل العبد في قبول النكاح بغير إذن سيده، وعلى من يقول بصحة ذلك: في القبول وفي الايجاب (قوله: لا في
إيجابه) أي لا يصح توكلهما في إيجاب النكاح، وذلك لعدم تمكنهما منه لكونه ولاية، وهما ليسا من أهلها (قوله: وهي)
أي الوكالة شرعا. (وقوله: تفويض شخص) في البجيرمي، هلا أطلقها على العقد أيضا كما مر في الأبواب قبله،
وسيأتي في أبواب أخر؟ فليحرر، فإن الظاهر إطلاقها عليه شرعا. شوبري. اه‍. وقد يقال: المراد تفويض شخص الخ
بصيغة (قوله: فيما يقبل النيابة) أي مما يقبلها، ففي: بمعنى من - البيانية لامره - وهي حال منه: أي حال كون ذلك الامر
مما يقبل النيابة.
فإن قلت: النيابة هي الوكالة، وقد أخذت في تعريف الوكالة، وهذا دور.
أجيب بأن النيابة شرعا أعم من الوكالة، فلا دور، إلا أنه يرد عليه أنه يصير التعريف به غير مانع. (وقوله: ليفعله
في حياته) خرج به الايصاء، فإنه إيما يفعله بعد موته (قوله: فتصح) أي الوكالة، وهو مفرع على ما يقبل النيابة (قوله:
كبيع ونكاح وهبة) أي وضمان ووصية وحوالة، فيقول: جعلت موكلي ضامنا لك كذا، أو موصيا بكذا أو أحلتك بمالك
على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان (قوله: وطلاق منجز) أي لمعينة، فلو وكله بتطليق إحدى نسائه، لم يصح،
في الأصح (قوله: وفي كل فسخ) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في كل فسخ، والمراد بالفسخ: الذي
ليس على الفور، أو على الفور، وحصل عذر لا يعد به التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا، فإن عد التوكيل فيه تقصيرا، فلا
يصح التوكيل فيه (قوله: كإقالة) تمثيل للفسخ، وهي طلب المشتري من البائع الفسخ (قوله: وفي قبض وإقباض)
معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في قبض وإقباض للدين أو العين (قوله: وفي استيفاء عقوبة آدمي) معطوف
على في كل عقد أيضا: أي وتصح في كل استيفاء عقوبة لآدمي، كقصاص، وحد قذف، ويصح التوكيل أيضا في
استيفاء عقوبة لله تعالى، لكن من الامام أو السيد (قوله: والدعوى) أي وتصح الوكالة في الدعوى: أي بنحو مال أو
عقوبة لغير الله تعالى، والجواب عن ذلك (قوله: وإن كره الخصم) غاية لصحة
التوكيل في الدعوى والجواب: أي يصح التوكيل في الدعوى، وفي الجواب عنها، سواء رضي الخصم بذلك أو لا. ومذهب الامام أبي حنيفة، رضي الله عنه،
اشتراط رضا الخصم (قوله: وإنما تصح الوكالة فيما ذكر) أي من العقود والفسوخ (قوله: إن كان عليه ولاية لموكل الخ)
هذا شرط في الموكل فيه، وهو ما مر من العقود والفسوخ وما بعدهما: أي أنه يشترط فيه أن يكون للموكل ولاية عليه، أي
سلطنة، بسبب ملكه التصرف فيه: سواء كان مالكا للعين أو لا، كالولي، والحاكم، فعبارته أعم من قول المنهج، وشرط
في الموكل فيه أن يملكه حين التوكيل، إذ هو خاص بمالك العين، ولا يشمل الولي والحاكم (قوله: فلا يصح) أي
التوكيل. (وقوله: في بيع ما سيملكه) أي استقلالا، لا تبعا، فيصح في بيع ما لا يملكه تبعا للملوك، أو في بيع عين
يملكها، وأن يشتري له بثمنها كذا. وقياس ذلك، صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته، كذا في شرح المنهج
(قوله: لأنه لا ولاية الخ) علة لعدم الصحة: (وقوله: له) أي للموكل. (وقوله: عليها) أي على ما سيملكه، أو من
سينكحها. (وقوله حينئذ) أي حين إذ وكل (قوله: وكذا لو وكل) أي وكذلك لا يصح التوكيل لو وكل الولي من يزوج
موليته إذا طلقت أو إذا انقضت عدتها، وذلك لعدم ولايته عليها حين التوكيل. (وقوله: إذا طلقت أي وانقضت عدتها)،

101
كما هو ظاهر، (وقوله: هنا) أي في باب الوكالة (قوله: لكن رجح في الروضة في النكاح) أي في باب النكاح: الصحة،
أي صحة الوكالة، ونصها.
فرع في فتاوى البغوي أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في
تزويجي إذا فارقني زوجي، أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الاذن، كما لو قال الولي للوكيل، زوج بنتي إذا فارقها
زوجها وانقضت عدتها، وفي هذا التوكيل، وجه ضعيف، أنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة. اه‍. (قوله: وكذا لو قالت
له الخ) أي وكذا رجح في الروضة، في باب النكاح، صحة الاذن فيما لو قالت لوليها، وهي في نكاح أو عدة، أذنت لك
في تزويجي إذا حللت، بأن يطلقها زوجها وتنقضي عدتها في الصورة الأولى، أو تنقضي العدة في الثانية فقط. وفي
النهاية: أفتى الوالد، رحمه الله تعالى، بصحة إذن المرأة المذكورة لوليها، كما نقلاه في كتاب النكاح، عن
فتاوى
البغوي، وأقراه، وعدم صحة توكيل الولي المذكور، كما صححاه في الروضة وأصلها هنا، والفرق بينهما: أن تزويج
الولي، بالولاية الشرعية، وتزويج الوكيل، بالولاية الجعلية. وظاهر أن الأولى أقوى، فيكتفي فيها بما لا يكتفي به في
الثانية. وأن باب الاذن أوسع من باب الوكالة. وما جمع به بعضهم، بين ما ذكر في البابين، بحمل عدم الصحة على
الوكالة، والصحة على التصرف، إذ قد تبطل الوكالة، ويصح التصرف، رد بأنه خطأ صريح، مخالف للمنقول، إذا
الإبضاع يحتاط لها فوق غيرها. اه‍. (قوله: ولو علق ذلك الخ) أي ولو علق الولي ذلك: أي توكيل التزويج، بأن قال إذا
طلقت بنتي، أو انقضت عدتها، فقد وكلتك في تزويجها، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للاذن. قال سم: كذا في شرح
الروض، لكن أطال ابن العماد في توقيف الحكام في بيان عدم النفوذ إذا فسد التوكيل في النكاح، وفي تغليط من سوى
بين النكاح وغيره في النفوذ بذلك. اه‍. وانظر: ما الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى المارة، وهي كذا لو وكل الخ،
فإنها متضمنة للتعليق، وإن لم يكن صريحا فيها؟ ويمكن الفرق بأن الوكالة هنا معلقة، وهناك منجزة، والمعلق إنما هو
التزويج، وهو لا يضر، لما سيأتي: أن المضر تعليق الوكالة، وأما تعليق التصرف: فغير مضر (قوله: لا في إقرار) عطف
على في كل عقد (قوله: أي لا يصح التوكيل فيه) بيان لمنطوق ما قبله، والمناسب لما قبله في الحل أن يقول: أي لا
تصح الوكالة في إقرار (قوله: بأن يقول) أي الموكل، وهو تصوير للوكالة في الاقرار: إيجابا، وقبولا (قوله: فيقول
الوكيل: أقررت عنه) أي عن موكلي: أي أو يقول جعلته مقرا بكذا (قوله: لأنه) أي الاقرار، وهو تعليل لعدم صحة
الوكالة في الاقرار: أي وإنما لم تصح فيه لان الاقرار إخبار عن حق، وهو لا يقبل التوكيل، كالشهادة (قوله: لكن يكون
الموكل مقرا بالتوكيل) أي لاشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار: لان التوكيل بالابراء ليس بإبراء، ومحل
الخلاف: إذا قال وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فلو قال أقر عني بألف له علي كان إقرار قطعا، ولو قال له أقر علي بألف،
لم يكن إقرارا قطعا: صرح به صاحب التعجيز اه‍. شرح الروض. وقوله فلو قال أقر عني بألف له علي: أي لو جمع بين
عني وعلي، كان إقرار قطعا، وقوله: ولو قال أقر علي بألف: أي ولو اقتصر على علي، لم يكن إقرارا قطعا، وخالف
بعضهم في هذه، فقال إنه يكون مقرا، لأنها أولى من عني. وفي البجيرمي:
والحاصل أنه إذا أتى بعلي وعني، يكون إقرارا قطعا. وإن حذفهما، لا يكون إقرارا قطعا، وإن أتى بأحدهما،
يكون إقرارا، على الأصح، كما يؤخذ من كلام ح ل، وعلى كلام ق ل وع ش وز ي: لا يكون مقرا قطعا إذا أتى
بعلي. اه‍. (قوله: ولا في يمين) عطف على في كل عقد أيضا: أي لا تصح الوكالة في يمين (قوله: لان القصد بها) أي

102
باليمين، وهو علة لعدم صحة الوكالة في اليمين (قوله: فأشبهت العبادة) أي فأشبهت اليمين العبادة: أي في كون القصد
تعظيم الله تعالى (قوله: ومثلها النذر الخ) أي ومثل اليمين في عدم صحة الوكالة، النذر، وتعليق العتق، والطلاق بصفة،
فلا يصح أن يقول وكلتك في أن تنذر عني، أو تعلق عتق عبدي، أو طلاق زوجتي بصفة، إلحاقا لها باليمين. ونقل
المتولي في التعليق أوجها: ثالثها إنه إن كان التعليق بقطعي، كطلوع الشمس، صح، وإلا فلا، فإنه يمين، لأنه حينئذ
يتعلق به حث أو منع أو تحقق خبر، واختاره السبكي، أفاده في شرح الروض (قوله: ولا في شهادة) أي ولا يصح التوكيل
فيها، (وقوله: إلحاقا لها بالعبادة) أي إلحاقا للشهادة بالعبادة. وانظر وجه الالحاق. وعبارة المغني: لأنا احتطنا، ولم نقم
غير لفظها مقامها، فألحقت بالعبادة، ولان الحكم فيها منوط بالشاهد، وهو غير حاصل للوكيل. اه‍. (قوله: والشهادة
على الشهادة الخ) هذا جواب عما يقال: كيف لا يصح التوكيل بالشهادة، مع أن الشهادة على الشهادة جائزة بالاتفاق.
وحاصل الجواب أنها ليست توكيلا، بل هي تحمل عن الشاهد. وعبارة المغني:
فإن قيل: الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن ذلك ليس
توكيلا، كما صرح به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، بل شهادة على شهادة، لان الحاجة الخ. اه‍. وقوله باسترعاء
أي طلب من الشاهد، بأن يقول له أنا شاهد بكذا، وأشهدك، أو اشهد على شهادتي به. وقوله ونحوه: أي نحو
الاسترعاء، كالسماع، بأن يسمعه يشهد عند حاكم إلى آخر ما سيأتي في باب الشهادة (قوله: المتحمل عنه.)
أي
المؤدي عنه، وهو بصيغة اسم المفعول، (وقوله: كحاكم أدى عنه) أي جعلته بمنزلة حاكم أدى عنه حكمه عند حاكم
آخر، بأن حكم حاكم على غائب، وأنهى حكمه إلى حاكم بلد الغائب، فهذا الذي أدى حكم الحاكم عند الحاكم
الآخر، ليس بوكيل عنه، وإنما هو مؤد، ورسول، وكذلك المتحمل للشهادة: ليس بوكيل، وإنما هو مؤد لشهادة الشاهد
(قوله: ولا في عبادة) أي لا يصح التوكيل فيها، وإن لم تتوقف على نية. وذلك لان مباشرها: مقصود بعينه، اختيارا من
الله تعالى، ولا فرق بين أن تكون العبادة فرضا أو نفلا، كصلاة، وصوم، واعتكاف، فليس له أن يترك الصلاة ويوكل غيره
ليصلي عنه، أو يصلي منفردا ويوكل غيره ليصليها جماعة له، ويكون ثوابها له. وكذا البقية. أما القيام بالوظائف، كمن
عليه إمامة مسجد، أو تدريس، فينيب غيره، حيث كان النائب مثله، أو أكمل منه، أفاده الشرقاوي (قوله: إلا في حج
وعمرة) أي فيصح التوكل فيهما، ولا بد أن يكون الموكل معضوبا أو وصيا عن ميت، ويندرج فيهما، توابعهما، كركعة
الطواف، فيصح التوكيل فيهما، تبعا لهما، بخلاف ما لو أفردهما بالتوكيل: فلا يصح.
والحاصل أن العبادة على ثلاثة أقسام: إما أن تكون بدنية محضة، فيمتنع التوكيل فيها، إلا ركعتي الطواف تبعا.
وإما أن تكون مالية محضة، فيجوز التوكيل فيها مطلقا، وإما أن تكون مالية غير محضة، كنسك، فيجوز التوكيل فيها
بالشرط المار (قوله: وذبح نحو أضحية) أي فله أن يوكل في ذلك. وهناك أشياء أخر مستثناة يجوز التوكيل فيها، فلتراجع
(قوله: لا تصح الوكالة الخ) شروع في بيان الصيغة (قوله: وهو ما يشعر الخ) أي الايجاب لفظ يشعر الخ. ومثل اللفظ:
كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة، (وقوله: الذي يصح مباشرته الموكل فيه) هذا شرط للموكل، كما تقدم، (وقوله: في
التصرف) متعلق برضا، أي يشعر برضا الموكل في تصرف الوكيل في الموكل فيه (قوله: قال السبكي الخ) عبارة التحفة
قبل ذلك: وخرج بكاف الخطاب، ومثلها وكلت فلانا، ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا، فلا يصح، ولا ينفذ

103
تصرف أحد فيها بهذا الاذن، لفساده، نعم: بحث السبكي صحة ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض، كوكلت كل
من أراد في إعتاق عبدي هذا، أو تزويج أمتي هذه. قال: ويؤخذ من هذا قول من لا ولي لها، إلى آخر ما ذكره الشارح
(قوله: قال الأذرعي: وهذا إن صح الخ) كتب العلامة الرشيدي ما نصه: (قوله: وهذا إن صح) أي ما ذكر من تزويج
الأمة، وعبارته، أي الأذرعي، في قوته نصها: وما ذكره، يعني السبكي، في تزويج الأمة، إن صح، ينبغي أن يكون فيما
إذا عين الزوج ولم يفوض إلا صيغة العقد، ثم قال.
وسئل ابن الصلاح عمن أذنت أن يزوجها العاقد في البلد من زوج معين بكذا، فهل لكل أحد عاقد بالبلد
تزويجها؟
فأجاب إن اقترن بإذنها قرينة تقتضي التعيين، بأن سبق إذنها قريبا ذكر عاقد معين، أو كانت تعتقد أن ليس بالبلد
غير واحد، فإن إذنها حينئذ تختص، ولا يعم. وإن لم يوجد شئ من هذا القبيل، فذكرها العاقد محمول على مسمى
العاقد على الاطلاق، وحينئذ: لكل عاقد بالبلد تزويجها. هذا مقتضى الفقه في هذا. اه‍. (قوله: وبنحو ذلك) أي
وبمثل ما ذكره السبكي أفتى ابن الصلاح، وقد علمت إفتاءه في عبارة الرشيدي، فلا تغفل (قوله: ولا يشترط في الوكالة
القبول لفظا) أي لأنها إباحة ورفع حجر، كإباحة الطعام، فلا يتعين فيها القبول لفظا. نعم: لو كان لانسان عين معارة، أو
مؤجرة، أو مغصوبة فوهبها لآخر فقبلها، وأذن له في قبضها، ثم إن الموهوب له ولك في قبضها المستعير، أو المستأجر،
أو الغاصب، اشترط قبوله لفظا، ولا يكتفي بالفعل، وهو الامساك، لأنه استدامه لما سبق، فلا دلالة فيه على الرضا
بقبضه عن الغير. اه‍. شرح الروض (قوله: لكن يشترط) أي في الوكالة. (وقوله: عدم الرد) أي بأن يرضى ويمتثل،
فإن رد، لم تصح الوكالة. وإلا صحت (قوله: ولو تصرف) أي فضولي. وعبارة التحفة: ولا يشترط هنا فور ولا مجلس.
ومن ثم لو تصرف غير عالم الخ. اه‍. (قوله: صح) أي تصرفه، أي لان العبرة في العقود بما في نفس الامر (قوله: كمن
باع الخ) الكاف للتنظير في صحة البيع المذكور (قوله: ولا يصح تعليق الوكالة بشرط) أي صفة أو وقت، والظاهر أن
المراد بالتعليق: ما كان بالأدوات وبغيرها، بدليل أمثلته الآتية (قوله: فلو تصرف) أي الوكيل (قوله: كأن وكله بطلاق
الخ) أي كأن قال له وكلتك في طلاق زوجتي التي سأنكحها، أو في بيع عبدي الذي سأملكه، ففيما ذكر، تعليق
الوكالة
بصفة، أعني النكاح والملك، وذلك لأنه في قوة قوله إن نكحت فلانة، فأنت وكيل في طلاقها، أو إن ملكت فلانا،
فأنت وكيل في بيعه (قوله: أو بتزويج بنته إذا طلقت) قد تقدم عن ابن العماد ما فيه، فلا تغفل (قوله: نفذ) أي التصرف
المذكور، وهو جواب لو (قوله: عملا بعموم الاذن) أي الذي تضمنته الوكالة، فهي، وإن كانت فاسدة بخصوصها، لا
يفسد الاذن بعمومه، لأنه بفساد الخاص، لا يفسد العام، وإنما كان الاذن أعم من الوكالة: لان باب الاذن أوسع من باب
الوكالة، وعبارة الروض: ولو علقها بشرط: فسدت، ونفذ تصرف صادف الاذن. قال في شرحه: وكذا حيث فسدت
الوكالة، إلا أن يكون الاذن فاسدا. كقوله وكلت من أراد بيع داري - فلا ينفذ التصرف قاله الزركشي اه‍. (قوله: وإن
قلنا بفساد الوكالة الخ) هذا بيان لما يترتب على الوكالة الفاسدة، وهو سقوط الجعل المسمى إن كان، وتجب أجرة

104
المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى، ويوجب مهر المثل، بخلاف الوكالة الصحيحة، فإنه
يستقر فيها الجعل المسمى إن كان.
والحاصل الوكالة الصحيحة والفاسدة يستويان: بالنسبة لنفوذ التصرف، ويتغايران، بالنسبة للجعل المسمى،
فيسقط في الفاسدة، ويستقر في الصحيحة.
تنبيه قال في المغني: هل يجوز الاقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، لكن استبعده
ابن الصلاح، وهذا هو الظاهر، لان هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة، لأنه يقدم على عقد صحيح. اه‍. (قوله: إن
كان) أي وجد الجعل. (وقوله: ووجوب) معطوف على سقوط (قوله: وصح تعليق التصرف فقط) أي دون الوكالة، إنها
منجزة، والمعلق التصرف، كوكلتك في كذا، وإذا جاء رمضان فبعه، (قوله: وتأقيتها) أي وصح تأقيتها، أي الوكالة
(قوله: إلى شهر رمضان) متعلق بوكلتك، وحينئذ إذا دخل الشهر المذكور، ينعزل (قوله: أن يكون الموكل فيه) يقرأ
بصيغة المجهول، ونائب الفاعل: الجار والمجرور (قوله: معلوما للوكيل ولو بوجه) أي بحيث يقل معه غرر في الموكل
فيه: بأن يذكر من أوصافه ما لا بد منه في تمييزه، فيجب في توكيله في شراء عبد، بيان نوعه، كتركي،
وهندي، وبيان
صفته، كرومي، ونوبي، إن احتيج إلى ذلك، بأن اختلفت أصناف ذلك النوع اختلافا ظاهرا، وفي شراء دار: بيان
محله، أي حارة وسكة، ثم محل بيان ما ذكر، إذا لم يقصد به التجارة، وإلا فلا يجب بيان شئ من ذلك، بل يكتفي:
اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل لما هو معلوم من وجه، مجهول من وجه
آخر، فالوجه الذي هو معلوم منه في الوكالة في بيع جميع الأموال خصوص كونه مالا، والوجه المجهول منه أنواع المال،
والوجه المعلوم في عتق الأرقاء خصوص كونه عتقا، وجهة الجهل عدم العلم بالعدد وكونها ذكورا أو إناثا. اه‍. بجيرمي
(قوله: وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة) أي من بعض الوجوه: ككون الوكيل والموكل لم يعرفا نوعها وصنفها وعددها،
وكون الأرقاء ذكورا أو إناثا، وبه يندفع ما يتراءى من التنافي في كلامه، حيث اشترط أولا العلم، ثم ذكر ما يفيد علم
الاشتراط، وحاصل الدفع، أن الشرط: العلم، ولو من بعض الوجوه، وهذا لا ينافي أنه لا يضر الجهل من بعض آخر
(قوله: لقلة الغرر) تعليل لمحذوف: أي فإنه يصح التوكل فيما كر، لقلة الغرر فيه (قوله: بخلاف بع هذا أو ذاك) أي فإنه
لا يصح، وذلك لكثرة الغرر فيه (قوله: وفارق أحد عبيدي) أي فارق قوله المذكور: ما إذا قال بع أحد عبيدي، أي فإنه
يصح (قوله: بأن الاحد الخ) متعلق بفارق. (وقوله: صادق على كل) أي على كل عبد أي فالعقد وجد موردا يتأثر به،
بخلافه في الأول، فإنه لم يجد ذلك، لان أو، للابهام، فلذلك لم يصح فيه، وصح في الثاني. وعبارة شرح الروض.
وفرق بينهما بأن العقد لم يجد في الأول موردا يتأثر به، لان أو: للابهام، بخلاف الثاني، فإنه صادق على كل عبد. اه‍.
(قوله: بخلاف بع بعض مالي) أي فإنه لا يصح: أي لكثرة الغرر فيه، لكون الموكل فيه شديد الابهام (قوله: نعم، يصح
بع، أو هب منه ما شئت) فرق في شرح الروض بين هذه الصورة - حيث صح التوكيل فيها، وبين الصورة المارة قيله،
حيث لم يصح فيها، بأن الموكل فيه فيها مبهم، ولأنه نكرة، لا عموم فيه ولا خصوص، بخلافه في هذه الصورة، فإنه
معرفة عامة مخصوصة، وحيث صح فيها، فإنما يصح التصرف في البعض، دون الجميع، لان من، للتبعيض (قوله:
وتبطل) أي الوكالة (وقوله: في المجهول) أي من كل وجه، بدليل ما قبله. وكان الأولى زيادته (قوله: لكثرة الغرر فيه)

105
قال في التحفة: إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه، كطلاق زوجاته، والتصدق بأمواله (قوله: وباع الخ) شروع فيما
يجب على الوكيل وما يمتنع عليه في الوكالة المطلقة والمقيدة بعد صحتها (قوله: كالشريك) الكاف للتنظير (قوله: صح
مباشرته الخ) الجملة صفة لوكيل، ولا حاجة إليه، لأنه قد علم من قوله، في صدر الباب، تصح وكالة شخص متمكن
لنفسه الخ (قوله: بثمن مثل فأكثر) متعلق بباع: أي باع بثمن مثل فأكثر، وهو قيد أول، وسيذكر محترزه. (وقوله: حالا)
قيد ثان. وسيذكر محترزه أيضا (قوله: فلا يبيع نسيئة) أي بأجل، ولو بأكثر من ثمن المثل، لان المعتاد، غالبا، الحلول
مع الخطر في النسيئة. اه‍. نهاية. قال ع ش: ويظهر أنه لو وكله وقت نهب: جاز له البيع نسيئة، إذا حفظ عن النهب.
وكذا لو وكله وقت الامن، ثم عرض النهب لان القرينة قاضية قطعا برضاه. الخ. اه‍. (قوله: ولا بغير نقد البلد) هذا
محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو بنقد البلد والمراد بنقد البلد: ما يتعامل به أهلها غالبا، نقدا كان أو عرضا، الدلالة
القرينة العرفية عليه، فإن تعدد لزمه بالأغلب، فإن تساويا، فبالأنفع، وإلا تخير، أو باع بهما. والمراد بالبلد: ما وقع فيه
البيع بالاذن، لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن، لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون
فيها (قوله: ولا بغبن فاحش) محترز قوله بثمن مثل: أي لا يبيع بدونه إذا كان بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل، أي يغتفر
في الغالب، أما إذا كان لا بغبن فاحش، جاز البيع به (قوله: بأن لا يحتمل) تصوير للغبن الفاحش (قوله: فبيع ما يساوي
عشرة بتسعة) أي من الدراهم. أو الانصاف، لا من الدنانير، (وقوله: محتمل) أي مغتفر، وينبغي أن يكون المراد حيث
لا راغب بتمام القيمة أو أكثر، وإلا فلا يصح، أخذا مما سيأتي. فيما لو عين له الثمن أنه لا يجوز له الاقتصار على ما عينه
إذا وجد راغبا كما سيأتي، وقد يفرق سم على منهج.
أقول: وقد يتوقف في الفرق بأن الوكيل يجب عليه رعاية المصلحة، وهي منتفية فيما لو باع بالغبن اليسير مع وجود
من يأخذ بكامل القيمة. اه‍. ع ش (قوله: وبثمانية غير محتمل) أي وبيع ما يساوي عشرة بثمانية غير محتمل.
والصواب، الرجوع في ذلك إلى العرف المطرد، كما في التحفة، والنهاية، وعبارتها: قال ابن أبي الدم: العشرة إن
سومح بها في المائة يتسامح بالمائة في الألف، فالصواب: الرجوع للعرف، ويوافقه قولهما عن الروياني: إنه يختلف
بأجناس الأموال، لكن قوله في البحر، إن اليسير يختلف باختلاف الأموال، فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه
يسير في الجواهر والرقيق ونحوهما، محل نظر، وهو محمول على عرف زمنه، إذ الأوجه: اعتبار العرف المطرد في كل
ناحية بما يتسامح به فيها. اه‍. (قوله: ومتى خالف) أي الوكيل، وقوله شيئا مما ذكر، أي من كونه حالا، وبنقد البلد،
وبثمن المثل، ومخالفته لذلك، بأن باع مؤجلا، أو بغير نقد البلد، أو بغير ثمن المثل، (وقوله: فسد تصرفه) أي بيعه
المذكور، لفقد الشروط المعتبرة فيه (قوله: وضمن) أي الوكيل، لتعديه بتسليمه له ببيع فاسد والقيمة المغرومة
للحيلولة، لا للفيصولة. (وقوله: قيمته) أي أقصى قيمه. (وقوله: يوم التسليم) أي تسليم الموكل للمشتري (قوله: ولو
مثليا) غاية لضمانه القيمة، وهي للرد على من يفصل بين المتقوم والمثلي (قوله: إن أقبض) أي الوكيل، وهو قيد لتضمينه
القيمة، فإن لم يقبضه: فلا ضمان، كما هو ظاهر (قوله: فإن بقي) أي المبيع عند المشتري، وقوله استرده، أي الوكيل
من المشتري. قال ع ش: ولا يزول الضمان بالاسترداد، بل إما بالبيع الثاني، أو استئمان من المالك. اه‍. (قوله: وله)
أي للوكيل، (وقوله: حينئذ) أين حين إذ استرده، (وقوله: بيعه) أي ثانيا، (وقوله: بالاذن السابق) أي فلا يحتاج إلى
تجديد الاذن (قوله: ولا يضمنه) أي الثمن لو تلف، فيده عليه يد أمانة. وعبارة شرح المنهج: ولا يضمن ثمنه. وكتب
البجيرمي: أي فيما إذا باعه بالاذن السابق. اه‍. (قوله: وإن تلف) أي المبيع عند المشتري وهو مقابل قوله فإن بقي

106
(قوله: بدله) أي بدل المبيع التالف. والمراد به: البدل الشرعي من مثل أو قيمة، وهذا بالنسبة للوكيل. وأما
المشتري:
فيضمن المثل إن كان مثليا، وأقصى القيم إن كان متقوما، لأنه مقبوض بعقد فاسد. اه‍. بجيرمي (قوله: والقرار عليه)
أي على المشتري، لأنه قبضه بعقد فاسد (قوله: وهذا كله) أي ما ذكر: من اشتراط كون البيع بثمن مثل حال، وبنقد
البلد إذا أطلق الموكل الوكالة في البيع (قوله: بأن لم يقيد الخ) تصوير للاطلاق المذكور (قوله: وإن قيد بشئ)
المناسب: فإن قيد، بفاء التفريع، وقوله: اتبع، أي ما قيد به الموكل، فلو قيد بثمن، تعين، ولو وكله ليبيع مؤجله،
صح. ثم إن أطلق الاجل، حمل على عرف في المبيع بين الناس، فإن لم يكن عرف، راعى الأنقع للموكل في قدر
الاجل. ويشترط الاشهاد في هذه الحالة، وإن قدر الاجل، اتبع الوكيل ما قدره الموكل، فإن باع بحال أو نقص عن
الاجل الذي قدره، كأن باع إلى شهر ما، قال له الموكل بعه إلى شهرين، صح البيع، إن لم ينهه الموكل، ولم يكن عليه
فيه ضرر، كنقص ثمن، أو مؤنة حفظ، ولم يعين المشتري، وإلا فلا يصح، لظهور قصد المحاباة (قوله: فرع) هو
مشتمل على مسائل أربع، فمن ثم عبر غيره بفروع، وهو الأولى، والغرض منه، تقييد قوله وباع كالشريك وكيل بثمن مثل
الخ، أي محل كونه كالشريك، وأنه لا يبيع إلا بالقيد المتقدمة إن لم يأت بصيغة من هذه الصيغ الآتية في الفرع، فإن أتى
بها، عمل بمقتضاها (قوله: لو قال) أي الموكل (قوله: فله بيعه بغبن فاحش) أي لان كم للعدد، فيشمل القليل والكثير
(قوله: أو بما شئت) أي أو قال له بعه بما شئت (قوله: فله بيعه بغير نقد البلد) أي لان ما يصدق بالعرض والنقد (قوله: أو
بكيف شئت) أي أو قال له: بعه بكيف شئت. (وقوله: فله بيعه بنسيئة) أي لان كيف، للأحوال، فيشمل الحال والمؤجل
(قوله: أو بما عز وهان) أي أو قال بعه بما عز وهان. قال في المصباح: عز الرجل، عزا بالكسر، وعزازة، بالفتح، قوي،
وفيه أيضا: هان يهون هونا، بالضم، وهوانا، ذل وحقر. اه‍. إذا علمت ذلك، فالمراد بهما هنا، الكثرة والقلة علي
سبيل المجاز المرسل من ذكر المسبب وإرادة السبب في الأول، وذلك لان القوة، سببها الكثرة غالبا، وبالعكس في
الثاني. وذلك لان الحقارة: سببها القلة غالبا (قوله: فله بيعه بعرض وغبن) أي لان ما تصدق بالنقد والعرض، كما
علمت، ولما اقترنت بعز وهان، صدقت أيضا بالقليل والكثير (قوله: ولا يبيع الوكيل لنفسه) أي على نفسه. (وقوله:
وموليه) أي ولا على موليه من صغير ومجنون وسفيه، وإنما منع من بيعه له، لئلا يلزم تولي الطرفين. وقولهم يجوز للأب
تولي ذلك، هو في معاملته لنفسه مع موليه، وهنا ليس كذلك، لان المعاملة لغيره. وفي البجيرمي، وإنما جاز تولي الجد
تزويج بنت ابنه، ابن ابنه الآخر، لان الولاية له أصالة من الشرع (قوله: وإن أذن) أي الموكل (وقوله: له) أي للوكيل.
(وقوله: في ذلك) أي في البيع لنفسه أو موليه (قوله: خلافا لابن الرفعة) أي في تجويزه البيع لنفسه وموليه. قال في
التحفة: وقوله اتحاد الطرفين عند انتفاء التهمة جائز: بعيد من كلامهم، لأن علة منع الاتحاد: ليست التهمة، بل عدم
انتظام الايجاب والقبول من شخص واحد. اه‍. وكتب السيد عمر البصري ما نصه، (قوله: خلافا لابن الرفعة الخ)
كلام ابن الرفعة وجيه جدا، من حيث المعنى، لكن ترجيحهم منع توكيله للهبة من نفسه، يرده من حيث النقل. اه‍.
(قوله: لامتناع اتحاد الخ) علة لعدم صحة البيع المذكور. (وقوله: وإن انتفت التهمة) الغاية للرد (قوله: بخلاف أبيه

107
وولده الرشيد) أي بخلاف بيع الوكيل لأبيه، ومثله سائر أصوله، وولده الرشيد، ومثله سائر فروعه المستقلين، فإنه
يصح، وذلك لانتفاء اتحاد الموجب والقابل، وقيل لا يصح، لأنه متهم بالميل إليهم (قوله: ولا يصح البيع الخ) الأولى
تقديم هذا على قوله: ومتى خالف شيئا الخ، فتنبه (قوله: لا يتغابن بمثلها) في ع ش ما نصه: قوله وثم راغب، أي ولو
بما لا يتغابن به، أخذا من إطلاقه. وفي شرح الروض، التقييد بما لا يتغابن بمثله. قال سم على منهج، بعد نقله ذلك
عن شرح الروض، وهو يفهم الصحة، إذا وجد الراغب بالذي يتغابن بمثله. وفيه نظر. اه‍.
(أقول) وقد يقال العرف في مثله جار بالمسامحة، وعدم الفسخ للزيادة اليسيرة. اه‍ (قوله: إن وثق) أي الوكيل
(وقوله: به) أي بذلك الراغب (قوله: ولم يكن) أي ذلك الراغب مماطلا: أي في دفع الثمن (قوله: أي هو كله أو أكثره)
في بعض نسخ الخط إسقاط أي، وفي بعضها إسقاط هو، وهو أولى من إثباتهما معا، كما في النسخ التي بأيدينا (قوله:
ولو للمشتري) أي ولو كان الخيار للمشتري وحده وفي ع ش، نقلا عن الزيادي، تقييد الخيار بكونه للبائع، أو لهما،
قال: فإن كان للمشتري: امتنع، أي الفسخ، اه‍. وفي سم: ما يؤيده، ونص عبارته، قوله: أو حدث في زمن الخيار،
عبارته في شرح الارشاد هنا، خيار المجلس، أو خيار الشرط، ولو للمشتري وحده. اه‍. وفيما ذكره من المبالغة نظر لا
يخفى اه‍. ووجهه أنه إذا كان الخيار للمشتري وحده، يمتنع الفسخ، للزوم البيع من جهة البائع (قوله: ولم يرض) أي
المشتري، (وقوله: بالزيادة)، أي بتسليمها (قوله: فسخ الوكيل العقد) جواب فإن وجد (قوله: بالبيع للراغب) الباء
بمعنى اللام التعليلية: أي لأجل أن يبيعه على الراغب للشراء بالزيادة (قوله: وإلا انفسخ) أي وإن لم يفسخ الوكيل،
انفسخ العقد بنفسه، لكن بشرط أن يكون باذل الزيادة باقيا على رغبته (قوله: ولا يسلم الوكيل) أي لا ينبغي له ذلك إلا
إن قبض الثمن، بدليل صحة العقد المستلزمة للحل غالبا، وإن كان مقتضى ما في شرح الارشاد أنه يحرم عليه ذلك ولا
يحل قبل القبض، وعبارته بعد كلام، فإن عكس، أي سلم قبل القبض، أثم، وغرم، أي للحيلولة، قيمة المبيع، ولو
مثليا. اه‍. وفي البجيرمي على شرح المنهج ما يؤيد ما قلناه، وعبارته: وله تسليم المبيع أو لا، ويصح البيع، وإن كان
يضمن. اه‍. (وقوله: بحال) أي بثمن حال، فإن كان مؤجلا، فله فيه تسليم المبيع، لكن ليس له قبضه إذا حل، إلا
بإذن جديد، أو قامت قرينة عليه، (وقوله: المبيع)، مفعول يسلم (قوله: وإلا ضمن) أي وإلا يسلم بعد القبض، بأن
سلم قبله، ضمن للموكل قيمته، أي وقت التسليم، وهي للحيلولة، فإذ أغرمها ثم قبض الثمن: دفعه إلى الموكل،
واسترد ما غرم (قوله: وليس له: أي للوكيل الخ) أي لا ينبغي له ذلك، فلا ينافي حينئذ صحة شرائه في غالب الأقسام
الآتية (قوله: لاقتضاء الاطلاق عرقا السليم) يشعر بأن الكلام في الوكالة المطلقة، وهو كذلك، ويؤيده الاستثناء الآتي
قريبا (قوله: ووقع الشراء له) أي وإذا اشترى الوكيل المعيب، وقع الشراء له (قوله: إن علم العيب)
سيأتي محترزه
(قوله: واشتراه) أي اشترى الوكيل المعيب (قوله: بثمن في الذمة) أي في ذمته واحترز به عما إذا اشتراه بعين مال
الموكل، وكان عالما بالعيب، فإنه لا يقع لواحد منهما، ويحرم لتعاطيه عقدا فاسدا، وسيذكره في كلامه (قوله: وإن
ساوى المبيع الثمن) أي وقع له، وإن ساوى المبيع الذي اشتراه الثمن، فهو غاية لوقوعه له (قوله: إلا إذا عينه) أي
المعيب الموكل، وهو مرتبط بكلام المصنف، أي أنه إذا اشترى المعيب، يقع له، إلا إذا عينه الموكل له عالما بحاله،

108
فإنه يقع للموكل (قوله: كما إذا اشتراه الخ) أي كما يقع للموكل أيضا إذا اشتراه الوكيل بثمن في ذمته، أو بعين مال
الموكل مع جهله بعيبه في الصورتين (قوله: وعلم مما مر الخ) لا يخفى ما في عبارته، فكان الأولى والاخصر أن يقول:
وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للوكيل ولا للموكل يبطل الشراء، وذلك لأنه ذكر لوقوعه للوكيل صورة، وهي ما إذا اشتراه
بثمن في الذمة وعلم بالعيب، وذكر لوقوعه للموكل ثلاثا: وهي ما إذا عين المبيع وعلم بعيبه، وما إذا اشتراه الوكيل بثمن
في الذمة وكان جاهلا بالعيب، وما إذا اشتراه بعين مال الموكل وكان كذلك، فيعلم من هذا أنه حيث لم يقع لا لهذا ولا
لهذا، بأن فقدت القيود، يبطل الشراء فتأمل. (وقوله: أنه حيث لم يقع للموكل)، أي بأن كان الوكيل عالما بالعيب،
(وقوله: فإن كان الثمن عين ماله)، أي الموكل، (وقوله: وإلا)، أي وإن لم يكن عين ماله، بل في الذمة ووقع للوكيل
(قوله: ويجوز لعامل القراض شراؤه) أي المعيب (قوله: لان القصد ثم) أي في القراض الربح (قوله: وقضيته) أي
التعليل المذكور، (وقوله: أنه لو كان القصد هنا)، أي في الوكالة الربح، وذلك بأن وكله في التصرف في أمواله بالبيع
والشراء، وقوله جاز، أي شراء المعيب (قوله: وهو) أي ما ذكر من كون مقتضى التعليل الجواز هنا أيضا. (وقوله:
كذلك) أي مسلم. وفي شرح الروض، وبه جزم الأذرعي وغيره اه‍ (قوله: ولكل الخ) أما الموكل، فلانه المالك،
والضرر لاحق به، وأما الوكيل فلانه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل، فتعذر الرد، لأنه فوري، ويقع الشراء له،
فيتضرر به. وفي التحفة: نعم، شرط رده، أي الموكل، على البائع أن يسميه الوكيل في العقد، أو ينويه، ويصدقه
البائع، وإلا رده على الوكيل. اه‍ (قوله: في صورة الجهل) أي في صورة ما إذا اشتراه جاهلا بعيبه (قوله: لا لوكيل) أي
لا رد لوكيل إن رضي به، أي بالمعيب الموكل (قوله: ولو دفع موكله إليه) أي إلى الوكيل (قوله: وأمره بتسليمه) أي
المال المدفوع (قوله: فمتبرع) أي بالثمن، ولا رجوع للوكيل عليه، ويلزمه رد ما أخذه من الموكل إليه. وهذا يقع كثيرا،
أي يدفع شخص لآخر دراهم يشتري بها له شيئا، فيدفع من ماله غيرها. اه‍ بجيرمي (قوله: حتى ولو تعذر الخ) أي حتى
أنه يكون متبرعا، ولا يرجع، ولو تعذر دفع مال الموكل ثمنا، بسبب غيبه مفتاح الصندوق الذي فيه مال الموكل (قوله: إذ
يمكنه الخ) تعليل لكونه يكون متبرعا بماله الذي دفعه: أي وإنما يكون متبرعا بذلك لأنه يمكنه أن يشهد على أنه أدى عنه
من ماله ليرجع عليه (قوله: أو إخبار الحاكم) بالرفع عطف على إشهاد، (وقوله: بذلك) أي بأنه أدى عنه ليرجع عليه
(قوله: فإن لم يدفع) أي الموكل. (وقوله: له) للوكيل، (وقوله: أو لم يأمره بالتسليم فيه) أي أو دفع له شيئا لكن لم يأمره
بتسليمه في الثمن (قوله: رجع) أي الوكيل على موكله بالمال الذي دفعه ثمنا (قوله: للقرينة الخ) أي وهي توكيله بشراء
شئ ولم يدفع له شيئا، أو دفع لكن لم يصرح له أن يدفعه في الثمن، وفي كون هذه الأخيرة قرينة دالة على إذنه في
التسليم عنه من ماله نظر، إذ ما دفعه إليه إلا ليسلم في الثمن. فتأمل (قوله: ولا له توكيل الخ) أي ولا يصح للوكيل أن
يوكل في الشئ الذي يمكنه أن يتصرف فيه بنفسه من غير إذن من الموكل (قوله: لأنه) أي الموكل لم يرض بغيره أي
بتصرف غيره، وهو تعليل لعدم صحة توكيل الوكيل (قوله: نعم الخ) استدراك على عدم صحة توكيل الوكيل مما يتأتى منه

109
(قوله: لم يضمن كما قاله الجوري) هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى في النهاية على خلافه، وعبارتها: وشمل
كلامه، ما لو أراد إرسال ما وكل في قبضه من دين مع بعض عياله، فيضمن إن فعله، خلافا للجوري. اه‍. لكن قيد
الأذرعي عدم الضمان، بما إذا كان المرسل معه أهلا للتسليم، بأن يكون رشيدا (قوله: قال شيخنا الخ)
عبارته، وكأن
وجه اغتفار ذلك في عياله، والذي يظهر، أن المراد بهم أولاده، ومماليكه وزوجاته اعتياد استنابتهم في مثل ذلك،
بخلاف غيرهم. اه‍. (وقوله: أولاده ومماليكه وزوجاته) قال ع ش، وينبغي أن يلحق بمن ذكر، خدمته بإجارة
ونحوها. اه‍ (قوله: ومثله إرسال) أي ومثل إرسال ما قبضه من الدين، إرسال ما اشتراه لموكله، فلا يضمنه لو تلف
(قوله: ما لم يتأت منه) فاعل خرج، أي خرج الموكل فيه الذي لا يتأتى للوكيل التصرف فيه بنفسه (قوله: لكونه الخ) علة
لعدم التأتي منه (قوله: فله التوكيل) أي فللوكيل أن يوكل فيما لا يتأتى منه (قوله: لا عن نفسه) فإن وكل عنها، بطل على
الأصح، أو أطلق، وقع عن موكله. شوبري. اه‍. بجيرمي (قوله: وقضية التعليل المذكور) التعليل الذي يعنيه ساقط
من عبارته، كما يعلم من عبارة التحفة، ونصها، وإن لم يتأت ما وكل فيه منه، لكونه لا يحسنه أو لا يليق به، فله التوكيل
عن موكله، لان التفويض لمثله، إنما يقصد به الاستنابة، ومن ثم لو جهل الموكل حاله، أو اعتقد خلاف حاله، امتنع
التوكيل. اه‍. فقول الشارح وقضية التعليل، يعني به قوله لان التفويض الخ، وإنما كان مقتضى التعليل ما ذكره، لأنه
يشعر بعلم الموكل بحاله. فتدبر. (وقوله: امتناع التوكيل) أي توكيل الوكيل، (وقوله: عند جهل الموكل بحاله) وهو أنه
لا يتأتى منه مباشرة الموكل فيه بنفسه بأن كان معتقدا أنه يتأتى منه ذلك (قوله: ولو طرأ له) أي للوكيل، (وقوله: لم يجز
له أن يوكل) أي من غير إذن موكله، قال ع ش: وذلك لما تقدم من أن الموكل لم يرض بتصرف غيره، لكن قضية قوله:
ثم ولا ضرورة كالمودع الخ أنه لو دعت الضرورة إلى التوكيل عند طرو ما ذكر، كأن خيف تلفه لو لم يبع، ولم يتيسر الرفع
فيه إلى قاض، ولا إعلام الموكل، جاز له التوكيل، بل قد يقال بوجوبه، وهو ظاهر. وبقي عكسه، وهو ما لو وكل عاجزا
ثم قدر، هل له المباشرة بنفسه أم لا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني، أخذا من قول الشارح المار، كابن حجر، لان التفويض
لمثله إنما يقصد به الاستنابة، لكن عبارة شرح المنهج، لان التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه. اه‍. ومقتضاها أنه
إنما قصد حصول الموكل فيه من جهة الوكيل، فيتخير بين المباشرة بنفسه والتفويض إلى غيره. اه‍ (قوله: وإذا وكل
الخ) المناسب أن يقول عطفا على قوله فيما يتأتى منه، وبلا إذن من الموكل: ما إذا أذن له الموكل في التوكيل، فإنه يجوز
منه، ثم يقول: وإذا وكل الخ. (قوله: فالثاني) أي الوكيل الثاني. (وقوله: وكيل الموكل) أي لا وكيل الوكيل الأول
(قوله: فلا يعزله الوكيل) أي لان الموكل أذن له في التوكيل - لا في العزل -. (قوله: فإن قال الموكل) أي لوكيله،
(وقوله: وكل عنك) أي لا عني، (وقوله: ففعل) أي وكل عنه، بأن قال له أنت وكيلي (قوله: لأنه) أي كونه وكيل الوكيل
مقتضى الاذن أي الدال عليه الصيغة (قوله: فينعزل) أي الوكيل الثاني، (وقوله: بعزله) أي بعزل الوكيل الأول إياه،
فالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله، وينعزل أيضا بعزل الموكل له، لان م ملك عزل الأصل، ملك
عزل الفرع بالأولى، كما قاله م ر (قوله: ويلزم الوكيل الخ) أي حيث جاز له التوكيل (قوله: إلا أمينا) أي فيه كفاية لذلك

110
التصرف (قوله: ما لم يعين له غيره) قيد في لزوم توكيله أمينا، أي يلزمه ذلك ما لم يعين الموكل للوكيل غير أمين. فإن
عينه: اتبع تعيينه لاذنه فيه، (وقوله: مع علم الموكل بحاله) قيد في القيد، أي محل كونه يوكل غير الأمين إذا عينه
الموكل له إذا علم بحاله، فإن لم يعلم بحاله، امتنع توكيله، فإن عين له فاسقا فزاد فسقه، امتنع توكيله أيضا (قوله: أو لم
يقل له الخ) معطوف على لم يعين: أي وما لم يقل له وكل من شئت، فإن قال له ذلك، فله توكيل غير الأمين، على
الأوجه، عند حجر، وعند م ر: خلافه. وعبارته، ومقتضى كلام المصنف عدم توكيل غير الأمين، وإن قال له وكل من
شئت، وهو كذلك، خلافا للسبكي، وفارق ما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت، حيث جاز له تزويجها من غير كف ء،
بأن المقصود هنا حفظ المال، وحسن التصرف فيه، وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك، وثم مجرد صفة كمال هي الكفاءة،
وقد يتسامح بتركها، بل قد يكون غير الكفء أصلح. اه‍ (قوله: كما لو قالت الخ) الكاف للتنظير، وقوله أيضا، أي كما
له تزويجها من الكفء (قوله: وقوله) أي الموكل، وهو مبتدأ، خبره جملة ليس إذنا في التوكيل أو قوله أو
كل ما تفعله
جائز، أي أو قوله لوكيله كل الخ (قوله: ليس إذنا في التوكيل) أي أن القول المذكور ليس إذنا من الموكل للوكيل في
توكيله غيره. قال في شرح الروض: أي لأنه يحتمل ما شئت من التوكيل، وما شئت من التصرف فيما أذن له فيه، ولا
يوكل بأمر محتمل كما لا يهب. اه‍ (قوله: فرع) أي في بيان ما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة (قوله: لو قال) أي
الموكل لوكيله. (وقوله: لشخص معين) هو كما في التحفة حكاية للفظ الموكل بالمعنى، فإن الموكل لا يقول ذلك، بل
يقول بع لزيد مثلا، ومثله، يقال فيما عطف عليه (قوله: لم يبع من غيره) أي لا يجوز أن يبيع الوكيل على غير المعين،
وإن رغب بزيادة عن ثمن المثل الذي دفعه المعين، لأنه لا عبرة بهذه الزيادة، لامتناع البيع لدافعها، ووجه تعيينه، أنه قد
يكون للموكل غرض في تخصيصه كطيب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا: عملا بإذنه. قال في النهاية: ولو مات
زيد، أي المعين، بطلت الوكالة، كما صرح به الماوردي، بخلاف ما لو امتنع من الشراء، إذ تجوز رغبته فيه بعد ذلك،
وكتب ع ش، قوله بطلت الوكالة، ينبغي أن محله ما لم يغلب على الظن أنه لم يرده بخصوصه، بل لسهولة البيع منه
بالنسبة لغيره. اه‍ (قوله: ولو وكيل زيد) أي ولو كان ذلك الغير وكيلا لزيد المعين، فلا يصح بيعه له، قال في التحفة:
وقيده ابن الرفعة بما إذا تقدم الايجاب أو القبول، ولم يصح بالسفارة. اه‍. وقال سم: وبحث الأذرعي الصحة، فيما إذا
كان الموكل مما لا يتعاطى الشراء بنفسه، كالسلطان. اه‍ (قوله: أو بشئ معين) معطوف على لشخص معين، أي أو
قال بع بشئ معين من المال، (وقوله: كالدينار) تمثيل للشئ المعين من المال (قوله: لم يبع بالدراهم) جواب لو
المقدرة، أي ولا يصح له ذلك وإن زادت الدراهم، إذ لم يأت بالمأمور به، ولا بما اشتمل عليه، بخلاف بعه
بمائة، فباعه بمائة وثوب. ويؤيد ذلك أن من نذر التصديق بدرهم، لا يجزئه بدينار. اه‍. فتح الجواد (قوله: أو في مكان معين)
معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له بعه في مكان معين، كمكة مثلا، (وقوله: تعين) أي ذلك المكان، فلا
يصح البيع في غيره، وإن لم يكن نقد المعين أجود، ولا الراغبون فيه أكثر. وذلك، لأنه قد يقصد الموكل
إخفاءه (قوله:
أو في زمان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له في زمان معين، (وقوله: تعين ذلك) أي الزمان،
ووجهه أن الحاجة قد تدعو للبيع فيه خاصة (قوله: فلا يجوز) أي البيع. (وقوله: قبله ولا بعده) أي قبل ذلك الزمان
المعين أو بعده (قوله: ولو في الطلاق) غاية لتعين الزمان الذي ذكره في التوكيل بقطع النظر عن كونه في البيع أو غيره،

111
وإلا فلا يصلح أن يكون غاية، أي فلو قال له طلق يوم الجمعة، لم يجز قبله ولا بعده، وقال الدارمي: إنه يقع بعده، لان
المطلقة فيه مطلقة بعده، ورد بأنه غريب، مخالف للنظائر ومثل الطلاق في ذلك العتق. قال في التحفة: والفرق بينه، أي
الطلاق، وبين العتق: بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب، بخلاف الطلاق ممنوع، بل قد يكون له غرض ظاهر في
طلاقها في وقت مخصوص، بل الطلاق أولى، لحرمته زمان البدعة، بخلاف العتق. اه‍ (قوله: وإن لم يتعلق به) أي
بالزمان المعين، فهو غاية لتعين الزمان في التوكيل. ويحتمل أن يكون غاية لجميع ما تقدم من الصور، وعليه يراد
بالمعين: الذي عاد إليه ضمير به ما عينه الموكل من الشخص، والمال، والمكان، والزمان. (قوله: عملا بالاذن) أي
وإنما تعين ذلك الزمان، ولا يجوز قبله ولا بعده، عملا بالاذن، فهو علة لتعين الزمان فقط، ويحتمل أن يكون علة لتعين
ما تقدم جميعه، كما مر في الغاية، إلا أنه يبعد الاحتمال الثاني هنا وفيما مر في الغاية قوله بعد، وفارق الخ، لأنه خاص
بالزمان، كما ستعرفه (قوله: وفارق) أي ما ذكر من تعين الزمان فيما إذا قال له بع يوم الجمعة، أو طلق يوم الجمعة، قول
الموكل لوكيله إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، حيث لم يتعين فيه الزمان، ولم يذكر الشارح ما يفرق به، ولعله
ساقط من الناسخ، كما يعلم من عبارة فتح الجواد، ونصها: وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد
برأسه، فله إيقاعه بعده، باقتضاء هذه الصيغة حينئذ أن رأسه أول أوقات الفعل الذي فوضه إليه من غير حصر فيه، بخلاف
طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره. اه‍. فقوله باقتضاء الخ: متعلق بفارق. وهذا هو الفارق
بين الصورتين. تأمل (قوله: بخلاف الخ) مرتب على الساقط المار، كما يعلم من عبارة فتح الجواد المارة (قوله: وليلة
اليوم مثله) أي أنه إذا عين اليوم فله التصرف في ليلته بالقيد الذي ذكره، وعبارة شرح الروض، ولو باع الوكيل ليلا، فإن
كان الراغبون فيه مثل النهار، صح، وإلا فلا. قاله القاضي في تعليقه. اه‍. (قوله: ولو قال) أي الموكل لوكيله،
(وقوله: يوم الجمعة أو العيد) أي بع يوم الجمعة أو يوم العيد (قوله: تعين أول جمعة أو عيد يلقاه) هذا يدل على أنه قال
ذلك قبل دخول يوم الجمعة ويوم العيد. وبقي ما لو قاله في يوم الجمعة أو العيد، فهل يحمل على بقيته، أو على أول
جمعة أو عيد يلقاه بعد ذلك اليوم؟ فيه نظر، والأقرب الثاني: لان عدوله عن اليوم إلى الجمعة أو العيد قرينة على عدم
إرادته بقية اليوم. اه‍. ع ش (قوله: وإنما يتعين المكان) أي الذي عينه الموكل له، (وقوله: إذا لم يقدر) أي الموكل
للوكيل الثمن، (وقوله: أو نهاه عن غيره) أي أو قد الثمن ونهاه عن البيع في غير المكان المعين (قوله: وإلا) أي بأن قدر
له الثمن ولم ينهه عن غيره، (وقوله: جاز البيع في غيره) أي غير المكان المعين، ولو قبل مضي المدة التي يتأتى فيها
الوصول إلى المكان المأذون فيه، لان الزمان إنما اعتبر تبعا للمكان لتوقفه عليه، فلما سقط اعتبار المتبوع سقط اعتبار
التابع. اه‍. سم (قوله: وهو أي الوكيل، ولو بجعل أمين) وذلك لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكانت يده
كيده، ولان الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضمان مناف لذلك. اه‍. سم (قوله: بخلاف الرد على غير الموكل) أي
بخلاف دعوى الرد على غير الموكل، فلا يصدق إلا ببينة، فإن لم يأت بها، صدق غير الموكل بيمينه في عدم الرد، وقوله
كرسوله. أي الموكل، ودخل تحت الكاف: وارثه، ووكيله، وفي البجيرمي: وكذا دعوى الرد من رسول الوكيل أو وارثه
أو وكيله على الموكل، فلا بد من بينة في ذلك كله. اه‍ (قوله: ولو وكله بقضاء دين) أي ولو وكل المدين شخصا في

112
قضاء الدين الذي عليه من مال ذلك المدين (قوله: فقال) أي الوكيل، (وقوله: قضيته) أي الدين عنك (قوله: وأنكر
المستحق دفعه إليه) أي وأنكر الدائن دفع الدين إليه، فإن صدقه، صدق الوكيل بيمينه.
فإن قيل: ما فائدة اليمين مع تصديق المستحق؟.
قلنا: فائدتها تظهر إذا كان وكيلا بجعل، فالوكيل يدعي الدفع للمستحق ليأخذ الجعل، والموكل ينكره ليمنعه منه،
ففائدتها. استحقاق الوكيل الجعل. مرحومي. اه‍. بجيرمي (قوله: لان الأصل عدم القضاء) أي للدين، وهو علة
لتصديق المستحق (قوله: فيحلف) أي المستحق (قوله: ويطالب الموكل فقط) أي وليس له مطالبة الوكيل (قوله: فإن
تعدى) أي الوكيل في تلف الموكل فيه (قوله: كأن ركب الدابة) تمثيل للتعدي، ومحل كون الركوب يعد تعديا، حيث
كان يليق به سوقها، ولم تكن جموحا، وإلا لم يكن تعديا (قوله: ولبس الثوب) أي وكأن لبس الثوب، (وقوله: تعديا) لا
حاجة إليه، لان مراده، التمثيل لما كان تعديا، نعم: كان له أن يقيد اللبس، بما إذا كان لغير إصلاحه، أما إذا كان له
كلبسه لأجل دفع العث عنه، فلا يعد تعديا، ومن لبس الثوب تعديا والركوب كذلك، كما قال ع ش، لبس الدلالين
للأمتعة التي تدفع إليهم، وركوب الدواب أيضا التي تدفع إليهم لبيعها، ما لم يأذن في ذلك، أو تجر به العادة، ويعلم
الدافع بجريان العادة بذلك، وإلا فلا يكون تعديا، لكن يكون عارية، فإن تلف بالاستعمال المأذن فيه حقيقة أو حكما،
بأن جرت به العادة على ما مر، فلا ضمان، وإلا ضمن بقيمته وقت التلف (قوله: ضمن) أي صار متسببا في الضمان
بمعنى أنه لو تلف بعد ذلك ولو بغير تفريط ضمنه. اه‍. بجيرمي (قوله: أن يضيع منه) أي من الوكيل (قوله: ولا يدري
كيف ضاع) أي ولا يدري على أي حالة وقع الضياع؟ (قوله: أو وضعه بمحل) معطوف على يضيع، ولو عبر بصيغة
المضارع، لكان أنسب، أي ومن التعدي، أن يضعه بمحل، ثم ينسى ذلك المحل الموضوع فيه (قوله: ولا ينعزل
بتعديه) أي لان الوكالة إذن في التصرف، والأمانة حكم يترتب عليها، ولا يلزم من ارتفاع الحكم، بطلان الاذن نعم ينزع
المال منه لعدل، ويتصرف فيه الوكيل، وهو عنده أمانة. (وقوله: بغير إتلاف الموكل فيه) أما به، فينعزل (قوله: ولو
أرسل إلى بزاز) هو بائع البز، أي القماش (قوله: ضمنه المرسل لا الرسول) قال ع ش: ويؤخذ منه جواب حادثة وقع
السؤال عنها، وهي أن رجلا أرسل إلى آخر جرة ليأخذ فيها عسلا، فملأها ودفعها للرسول ورجع بها، فانكسرت منه في
الطريق، وهو أن الضمان على المرسل، ومحله في المسألتين، كما هو واضح، حيث تلف الثوب والجرة بلا تقصير من
الرسول، وإلا فقرار الضمان عليه، وينبغي أن يكون المرسل طريقا في الضمان. اه‍ (قوله: لو اختلفا) أي الموكل
والوكيل (قوله: في أصل الوكالة) أي في وجودها (قوله: بعد التصرف) أي أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزل، فلا فائدة
للمخاصمة، وتسميته فيها موكلا، بالنظر لزعم الوكيل اه‍. نهاية (قوله: أو في صفتها) أي أو اختلفا في صلة الوكالة، أي
باعتبار ما اشتملت عليه، وهو الموكل فيه، وذلك لان ما ذكره اختلاف في صفة الموكل فيه، لا في الوكالة (قوله: فقال)
أي الموكل بل نقدا، أي بل وكلتك بالبيع نقدا، أي حالا، وهو راجع للأول. (وقوله: أو بعشرة) أي أو وكلتك بالشراء
بعشرة، وهو راجع للثاني (قوله: صدق الموكل بيمينه في الكل) أي وبعد تصديقه بالنسبة للصورة الأخيرة، أعني قوله أو
بالشراء بعشرين، فقال بل بعشرة، فإن كان الوكيل قد اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد، بأن قال اشتريته لفلان
بهذا والمال له، أو قال بعد الشراء بعين مال الموكل اشتريته لفلان والمال له، وصدقه البائع فيما ذكره فالبيع باطل، لأنه

113
ثبت بالتسمية أو التصديق أن المال والشراء لغير العاقد، وثبت بيمين ذي المال أنه لم يأذن له في الشراء بذلك القدر،
فبطل الشراء، وإن كذبه البائع، بأن قال له: إنما اشتريته لنفسك والمال لك، أو سكت عن المال، حلف على نفي العلم
بالوكالة، ووقع الشراء للوكيل. وكذا يقع الشراء له إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل في العقد، وكذا إن سماه وكذبه
البائع في الوكالة، بأن قال سميته ولست وكيلا عنه (قوله: لان الأصل معه) أي الموكل، وهو تعليل لتصديق الموكل بيمينه
(قوله: وينعزل الوكيل الخ) أشار بهذا إلى أن الوكالة جائزة من الجانبين، وذلك لان لزومها يضرهما، إذ قد يظهر للموكل
مصلحة في العزل. وقد يعرض للوكيل ما يمنعه عن العمل. (وقوله: بعزل أحدهما) من إضافة المصدر إلى فاعله،
ومفعوله محذوف، ولفظ المضاف إليه، وهو أحدهما، صادق بالموكل وبالوكيل، فعلى الأول، يقدر المفعول
الوكيل،
وعلى الثاني، يقدر نفسه، أي بعزل الموكل الوكيل، أو بعزل الوكيل نفسه (قوله: بأن يعزل الوكيل نفسه) قال البجيرمي:
قياس ما يأتي في الأصل أن لو خيف من العزل ضياع المال، حرم، ولم ينعزل، وإن كان المالك حاضرا فيما يظهر. ابن
حجر. اه‍ (قوله: أو يعزله الموكل) أي وإن ترتب على عزله للوكيل استيلاء ظالم على مال الموكل، فلا يحرم، وينعزل
بذلك، ولا يقال فيه تضييع لماله، لأنه من التروك بل لا يزيد على ما لو استولى على ماله ظالم بحضرته وقدر على دفعه،
فلا يجب عليه الدفع عنه، اه‍. ع ش. اه‍. بجيرمي (قوله: كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها) قال في التحفة:
ظاهره انعزال الحاضر بمجرد هذا اللفظ، وإن لم ينوه به، ولا ذكر ما يدل عليه. وأن الغائب في ذلك كالحاضر، وعليه،
فلو تعدد له وكلاء ولم ينو أحدهم، فهل ينعزل الكل، لان حذف المعمول يفيد العموم، أو يلغو، لايهامه للنظر في ذلك
مجال، والذي يتجه في حاضر أو غائب ليس له وكيل غيره، انعزاله بمجرد هذا اللفظ، وتكون أل للعهد الذهني الموجب
لعدم إلغاء اللفظ وأنه في التعدد ولا نية ينعزل الكل كالقرينة حذف المعمول، ولان الصريح، حيث أمكن استعماله في
معناه المطابق له خارجا، لا يجوز إلغاؤه. اه‍ (قوله: وينعزل أيضا) أي كما ينعزل بعزل نفسه أو بعزل الموكل إياه،
ينعزل أيضا بخروجه أو خروج موكله عن أهلية التصرف (قوله: بموت) متعلق بخروج، أي الخروج يكون بموت أو
جنون، ومثلهما إغماء وطرو رق، كأن كان حربيا فاسترق وحجر سفه، وكذا حجر فلس فيما لا ينفذ منه، وكذا فسق في
نحو نكاح مما يشترط فيه العدالة، قالا في التحفة والنهاية، واللفظ للنهاية: وخالف ابن الرفعة فقال: الصواب أن الموت
ليس بعزل، وإنما تنتهي به الوكالة، قال الزركشي: وفائدة عزل الوكيل بموته انعزال من وكله عن نفسه، إن جعلناه وكيلا
عنه. اه‍. وقيل لا فائدة لذلك في غير التعاليق. اه‍. وفي سم ما نصه:
(فرع) لو سكر الوكيل، ينبغي أن يقال، إن تعدى بسكره، لم ينعزل، وإلا انعزل أخذا من قولهم. واللفظ
للروض: ويصح توكيل السكران بمحرم. اه‍. قال في شرحه: كسائر تصرفاته، بخلاف السكران بمباح، كدواء، فإنه
كالمجنون، اه‍. وكلامهما في الوكيل، لا في الموكل، كما هو صريح سياقهما، على أنه لو كان في الموكل، كان الاخذ
بحاله - كما لا يخفي. اه‍. (قوله: حصلا) أي الموت والجنون (قوله: لأحدهما) أي الوكيل أو الموكل (قوله: وإن لم
يعلم الآخر) أي الذي لم يحصل له ذلك، وهذه غاية، كالتي بعدها، للإنعزال بما ذكر (قوله: ولو قصرت مدة الجنون)
أي لأنه لو قارن العقد، لمنع الانعقاد، فإذا طرأ، أبطله (قوله: وزوال ملك موكل) معطوف على موت، أي وينعزل أيضا
بزوال الخ، قال في النهاية، فلو عاد لملكه، لم تعد الوكالة. اه‍. (قوله: أو منفعته) معطوف على ملك: أي أو زوال
منفعة ما وكل فيه، (وقوله: كأن باع أو وقف) تمثيل لزوال الملك. (وقوله: أو آجر) تمثيل لزوال المنفعة، (وقوله: أو

114
رهن) هو وما بعده لا يصلحان مثالا لزوال الملك ولا لزوال المنفعة، إذ المرهون أو المزوجة لم يزل ملك الموكل عنهما
ولا يمنع من الانتفاع بهما، ولو قال، كما في شرح المنهج، ومثله ما لو رهن أو زوج، لكان أولى. وعبارة النهاية: ولو
وكله في بيع، ثم زوج، أو آجر، أو رهن وأقبض، كما قاله ابن كج، أو وصى، أو دبر، أو علق عتقه بصفة أخرى، كما
بحثه البلقيني وغيره، أو كاتب: انعزل، لان مريد البيع، لا يفعل شيئا من ذلك. اه‍. (قوله: في قوله الخ) متعلق
بيصدق، وكان الأولى للؤلف، أن يجعل هذا من المتن، (وقوله: كنت عزلته) أي قبل التصرف (قوله: قال الأسنوي
وصورته) أي عدم تصديق الموكل في قوله كنت عزلته قبل التصرف إلا ببينة (قوله: إذا أنكر الوكيل العزل) أي من أصله
(قوله: فإن وافقه) أي وافق الوكيل الموكل (قوله: لكن ادعى) أي الوكيل أنه بعد التصرف: أي العزل وقع بعد التصرف،
أي وادعى الموكل أنه قبله، وكان المناسب ذكره ليرجع إليه الضمير بعده، أعني قوله فهو، إذ المناسب رجوعه لدعوى
الموكل العزل قبل التصرف، كما هو ظاهر (قوله: وفيه تفصيل) أي في دعوى الزوج تقدم الرجعة تفصيل معروف أي وهو
ما ذكره الشارح في باب الرجعة، وعبارته هناك، ولو ادعى رجعة في العدة وهي منقضية، ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت
الانقضاء، كيوم الجمعة، وقال راجعت قبله، فقالت بل بعده، حلفت أنها لا تعلم أنه راجع، فتصدق، لان
الأصل عدم
الرجعة قبله. فلو اتفقا على وقت الرجعة، كيوم الجمعة، وقالت انقضت يوم الخميس، وقال بل انقضت يوم السبت،
صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس، لاتفاقهما على وقت الرجعة، والأصل عدم انقضاء العدة قبله. اه‍. أي فيقال
هنا أيضا، إذا اتفقا على وقت العزل وقال الوكيل تصرفت قبله، وقال الموكل بعده، حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف
قبله، ويصدق، لان الأصل عدمه لما بعده، أو اتفقا على وقت التصرف، وقال عزلتك قبله، فقال الوكيل بل بعده حلف
الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، ويصدق (قوله: أو عامل) أي في القراض (قوله: جاهلا) أي بالعزل (قوله: في عين مال
موكله) متعلق بتصرف: أي تصرف في عين مال موكله، وكان المناسب أن يزيد، أو مقارضه، لأنه ذكر العامل، وهو يلائم
المقارض. (قوله: بطل) أي تصرفه (قوله: وضمنها) أي العين. (وقوله: إن سلمها) أي العين للمتصرف منه، وهو قيد
في الضمان (قوله: أو في ذمته) معطوف على في عين الخ: أي أو تصرف الوكيل أو العامل في ذمته، بأن اشترى بمال في
ذمته، لا بعين مال الموكل، أو المقارض. (قوله: انعقد) أي ذلك التصرف، وقوله له: أي لمن ذكر، من الوكيل،
والعامل (قوله: فروع) أي ستة (قوله: لو قال) أي الدائن لمدينه (قوله: ففعل) أي المدين ما أمره به دائنه (قوله: صح)
أي الشراء (قوله: وبرئ المدين) أي من الدين الذي عليه (قوله: وإن تلف) أي ما اشتراه المدين، وهو العبد. (قوله:
على الأوجه) متعلق بقوله صح، أي صح للموكل على الأوجه، أي عند شيخه ابن حجر، تبعا لما في في الأنوار، والذي
استوجهه غيره، أنه لا يقع للموكل، بل للمدين، وعبارة ع ش.
(فرع) وكل الدائن المدين أن يشتري له شيئا بما في ذمته، لم يصح، خلافا لما في الأنوار، لان ما في الذمة، لا
يتعين إلا بقبض صحيح، ولم يوجد، لأنه لا يكون قابضا مقبضا من نفسه. اه‍. سم. على منهج، واعتمد ابن حجر ما
في الأنوار، ومنع كونه من اتحاد القابض والمقبض، فليراجع. وقول سم لم يصح: أي وإذا فعل وقع الشراء للمدين، ثم

115
إن دفعه للدائن، رده، إن كان باقيا، وإلا رد بدله. اه‍. (قوله: على ما قاله بعضهم) قال في التحفة بعده
أخذا مما يأتي
في إذن المؤجر للمستأجر في الصرف في العمارة، وإذن القاضي للمالك في هرب عامل المساقاة والجمال، ومما لو
اختلع زوجته بألف وأذن لها في إنفاقه على ولدها، ومما نقله الأذرعي عن الماوردي وغيره عن ابن سريج، أنه لو وكل
مدينه في شراء كذا من جملة دينه، صح، وبرئ الوكيل مما دفعه، ثم قال فيها. ولك أن تقول هذا كله لا دلالة فيه، لما
قاله ذلك البعض، لان القابض في مسألتنا، ليس أهلا للقبض، إذ اليتيم صغير، لا أب له. الخ. اه‍. (قوله: ويوافقه)
أي ما قاله بعضهم (قوله: فتلف في يده) أي تلف الطعام في يد المشتري، الذي هو المدين (قوله: برئ) أي المدين من
الدين (قوله: بع هذه) أي العين (قوله: جاز له) أي للوكيل (قوله: عند أمين) متلعق بإيداعها، (وقوله: من حاكم فغيره)
بيان له (قوله: إذ العمل غير لازم له) أي للوكيل، وهو علة لجواز إيداعها (قوله: ولا تغرير منه) أي الوكيل (قوله: ومن
ثم) أي من أجل العمل غير لازم له (قوله: ولو اشتراه) أي الوكيل القن، (وقوله: لم يلزمه رده) أي إلى الوكيل (قوله: بل
له) أي للوكيل. (وقوله: إيداعه) أي القن، (وقوله: عند من ذكر) أي عند أمين حاكم فغيره. (قوله: وليس له رد الثمن
الخ) أي ليس للوكيل إذا باع العين أن يرد ثمنها للموكل، إلا إذا وجدت قرينة قوية منه تدل على الرد، بأن قال له بع العين
واشتر لي بثمنها قنا، وإذا لم تشتره، فلا تبق الثمن عند أحد، فحينئذ يرد، ولا يضمن لو تلف (قوله: حيث لا قرينة قوية)
أي موجودة، فخبر لا محذوف، وقوية، بالنصب، صفة لقرينة (قوله: لان المالك لم يأذن فيه) أي في رد الثمن، وهو علة
لقوله وليس له رد (قوله: فإن فعل) أي رد الثمن، (وقوله: فهو) أي الثمن في ضمانه، أي الوكيل (قوله: لقبض ما على
زيد من عين أو دين) استعمال على، في العين، تغليب، وعبارة غيره، لقبض ما عليه من دين، أو عنده من عين. اه‍.
(قوله: لم يلزمه) أي زيدا، وهو جواب من. (وقوله: الدفع إليه) أي إلى مدعي الوكالة، (وقوله: إلا ببينة بوكالته) أي
لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه، تحفة (قوله: ولكن يجوز الخ) قال في شرح الروض: هذا مسلم في الدين، لأنه يسلم
ملكه، وأما في العين، فلا، لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه. اه‍. وقوله وأما في العين فلا، محله إن لم
يغلب على ظنه إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية، وإلا فيجوز ذلك، كما في النهاية (قوله: أو ادعى أنه محتال به) أي
بما على زيد من الدين خاصة، لان الحوالة مختصة به، ومثل ذلك، ما إذا ادعى أنه وارث له مستغرق، أو وصي، أو
موصى له منه. (قوله: وصدقه) أي صدق المحال عليه المحتال في دعواه الحوالة، (وقوله: وجب الدفع) أي دفع
المحال عليه ما عليه، (وقوله: له) أي للمحتال. (وقوله: لاعترافه) أي المحال عليه، (وقوله: بانتقال المال إليه) أي
إلى المحتال. وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، وبقول الشارح لاعترافه الخ، حصل الفرق بينه وبين الأول، حيث
يجوز له الدفع إذا صدقه، ولا يجب. اه‍. (قوله: وإذا دفع) أي زيد الذي عليه الحق (قوله: فأنكر) أي الوكالة،
(وقوله: المستحق) أي الذي له الحق على زيد (قوله: فإن كان المدفوع عينا: استردها) أي المستحق، وعبارة الروض

116
وشرحه، فإن كان عينا، وبقيت، أخذها، أو أخذها، الدافع وسلمها إليه. اه‍. (قوله: وإلا غرم) أي وإن لم تبق، بأن
تلفت، غرم المستحق من شاء منهما، أي من مدعي الوكالة، والدافع له (قوله: ولا رجوع للغارم على الآخر) محله، إذا
تلفت من غير تفريط من القابض، فإن كان بتفريط منه، فإن كان هو الغارم، فلا يرجع على الدافع، وإن كان الدافع هو
الغارم، رجع عليه. وذلك لان القابض، وكيل في زعم الدافع، والوكيل، يضمن بالتقصير، والمستحق، ظلم الدافع
بأخذ القيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه الدافع منه حينئذ، في مقابلة حقه الذي أخذه منه المستحق، ومحله
أيضا، ما لم يشترط الضمان على القابض لو أنكر المالك، أو تلف بتفريط القابض، وإلا فيرجع الدافع عليه حينئذ
(قوله: لأنه مظلوم بزعمه) أي لان الغارم مظلوم بزعم نفسه لغير الآخر، بسبب إنكار المستحق الوكالة، والمظلوم لا
يرجع إلا على ظالمه، وهو المستحق، فضمير لأنه بزعمه، راجع للغارم، ومتعلق مظلوم، محذوف، وعبارة الروض
وشرحه، وإن تلفت طالب بها من شاء، ثم لا يرجع أحدهما على الآخر، لاعترافهما أن الظالم غيرهما، فلا
يرجع إلا
على ظالمه. اه‍. وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، (وقوله: لأنه مظلوم) فلا يرجع على غير ظالمه، ويؤخذ منه
حكم الشكية المعلومة، وهو، ما لو اشتكى شخص شخصا لذي شوكة، وغرمه مالا، فإنه يرجع به عليه، ولا يرجع على
الشاكي، خلافا للأئمة الثلاثة. اه‍. (وقوله: عليه) أي على ذي الشوكة الذي غرمه، وقوله ولا يرجع على الشاكي، أي
لأنه غير ظالمه (قوله: أو دينا) أي أو إن كان المدفوع دينا، (وقوله: طالب) أي المستحق، (وقوله: الدافع فقط) أي ولا
يطالب القابض، لأنه فضولي بزعم المستحق، والمقبوض ليس حقه، وإنما هو مال المديون. وإذا غرم الدافع، فإن بقي
المدفوع عند القابض، فله استرداده منه، وإن صار للمستحق في زعمه، لأنه مال من ظلمه، وقد ظفر به، فإن تلف، فإن
كان بلا تفريط منه، لم يغرمه، وإلا غرمه. اه‍. ملخصا من الروض وشرحه (قوله: أو إلى مدعي الحوالة) معطوف على
قوله إلى مدعي الوكالة: أي وإذا دفع المحال عليه المحال به إلى مدعي الحوالة (قوله: أخذ) أي الدائن، وهو جواب إذ
المقدرة. وقوله: ممن كان عليه، وهو المدين المحال عليه (قوله: لا يرجع المؤدي) أي وهو المحال عليه. (وقوله: على
من دفع إليه) وهو مدعي الحوالة (قوله: لأنه) أي المؤدي، (وقوله: اعترف بالملك له) أي لذي الحوالة. قال البجيرمي،
فهو، أي المحال عليه، مظلوم بإنكار المحيل الحوالة، فلا يرجع على غير ظالمه، وهو المحيل. اه‍. (وقوله: وهو) أي
ظالمه (قوله: قال الكمال الدميري: لو قال أنا وكيل الخ) عبارة الروض وشرحه: ويجوز عقد البيع والنكاح ونحوهما
بالمصادقة على الوكالة به، ثم بعد العقد إن كذب الوكيل نفسه، بأن قال لم أكن مأذونا فيه: لم يؤثر، وإن وافقه المشتري
في مسألة البيع على التكذيب، لان فيه حقا للموكل، إلا إن أقام المشتري بينة بإقراره أنه لم يكن مأذونا له في ذلك
العقد، فيؤثر فيه، وكالمشتري، في ذلك، كل من وقع العقد له. اه‍. (قوله: ويصح قراض) شروع في القسم الثاني من
الترجمة، والقراض، بكسر القاف، مصدر قارض، كالمقارضة، كما قال ابن مالك: لفاعل الفعال والمفاعلة. ويقال له
المضاربة، من الضرب، بمعنى السفر، قال تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم، لاشتماله عليه غالبا،
والقراض والمقارضة، لغة أهل الحجاز، والمضاربة: لغة أهل العراق، والأصل فيه: الاجماع، والحاجة، لان صاحب
المال، قد لا يحسن التصرف، ومن لا مال له يحسنه، فيحتاج الأول إلى الاستعمال، والثاني إلى العمل. واحتج له أيضا
بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (2) أي ليس عليكم حرج في أن تطلبوا زيادة من ربكم، وهي
الربح. والآية، وإن لم تكن نصا في المدعي، يصح الاحتجاج بها من حيث عمومها، إذ الفصل فيها بمعنى الربح أعم



(1) سورة النساء، الآية: 101.
(2) سورة البقرة، الآية: 198.
117
من أن يكون حاصلا بأموالهم أو بأموال غيرهم، ونظيرها قوله تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل
الله) * (1) واحتج له أيضا بأنه (ص) ضارب لخديجة بمالها إلى الشام، وأنفذت معه عبدها ميسرة، بفتح السين، وضمها،
واعترض الاستدلال بما ذكر، بأن سفره لخديجة كان على سبيل الاستئجار، لا على سبيل المضاربة، لما قيل من أنها
استأجرته بقلوصين، أي ناقتين، وأجيب باحتمال تعدد الواقعة، فمرة سافر على سبيل الاستئجار، ومرة على سبيل
المضاربة، أو أن من عبر بالاستئجار، تسمح به، فعبر به عن الهبة، ووجه الدلالة مما ذكره، أنه (ص) حكاه بعد البعثة
مقررا له، فدل على جوازه، وأركانه ستة: مالك، وعامل، وعمل، ومال، وربح، وصيغة. وحقيقته أن أوله، أي قبل
ظهور الربح، وكالة، وآخره، أي بعد ظهور الربح، جعالة (قوله: وهو) أي القراض شرعا، وأما لغة: فهو مشتق من
القرض، وهو القطع. وسمي المعنى الشرعي به، لان المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، وقطة من الربح،
ويستفاد من التعريف المذكور، أركان القراض الستة، فالمالك والصيغة، مأخوذان من قوله أن يعقد، وقوله: لغيره هو
العامل، وقوله ليتجر. فيه إشارة للعمل، والمال والربح ظاهران (قوله: على مال يدفعه) خرج به، ما لو قارضه على منفعة
كسكنى داره يؤجرها مرة بعد أخرى، وما زاد على أجرة لمثل يكون بينهما، أو على دين عليه، أو على غيره يحصل ذلك
ويتجر فيه، وما تحصل من الربح يكون بينهما. وما لو قال بع هذا، وقارضتك على ثمنه، فلا يصح كل ذلك.
نعم: البيع
صحيح، وله أجرة مثل العمل إن عمل (قوله: ليتجر فيه) خرج به ما لو عامله على شراء بر يطحنه ويخبزه، أو على غزل
ينسجه ويبيعه، فلا يصح، لان الطحن وما بعده لا يسمى تجارة، بل هي أعمال مضبوطة يستأجر عليها، فلا تحتاج إلى
القراض عليها، المشتمل على الجهالة المغتفرة للحاجة (قوله: على أن يكون الربح مشتركا بينهما) خرج به اختصاص
أحدهما به فلا يصح (قوله: في نقد الخ) متعلق بيصح، وأسقط من الشروط، كونه معلوما جنسا، وقدرا، وصفة، وكونه
معينا، وكونه بيد العامل، فلا يصح على مجهول جنسا، وقدرا، وصفة، وعلى غير معين، كأن قارضه على ما في الذمة
من دين أو عين، نعم: لو قارضه على نقد في ذمته، ثم عينه في المجلس، صح. وكذا لو كان في ذمة العامل، وعينه
كذلك، ولا على شرط كون المال بيد غير العامل كالمالك ليوفي من ثمنه ما اشتراه العامل، لأنه قد لا يجده عند الحاجة
(قوله: لأنه الخ) علة لمحذوف، أي ولا يصح في غيره لأنه الخ. (وقوله: عقد غرر) أي عقد مشتمل على غرر، (وقوله:
لعدم انضباط العمل) بيان للغرر، فهو علة العلة (قوله: والوثوق بالربح) أي ولعدم الوثوق بالربح، فهو معطوف على
انضباط. وإنما لم يكن موثوقا به: لأنه قد يحصل، وقد لا يحصل (قوله: وإنما جوز للحاجة) أي وإنما جوز القراض،
مع كونه مشتملا على غرر، للحاجة (قوله: فاختص بما يروج غالبا) أي في غالب الأحوال، وعبارة فتح الجواد، وإنما
جوز للحاجة، واختص بما يروج بكل حال، أي باعتبار الأصل، إذ الأوجه، جوازه بنقد خالص لا يتعامل به، أو أبطله
السلطان، أو مغشوش راج رواج الخالص في كل مكان. اه‍. وعبارة شيخ الاسلام: فاختص بما يروج بكل حال،
وتسهل التجارة به. اه‍. وقوله بكل حال، أي بحيث لا يرده أحد، بخلاف التبر، والمغشوش، والفلوس. وقوله: وتسهل
التجارة به. أي بخلاف العرض، فالعطف مغاير، ويصح أن يكون للتفسير، أو عطف لازم. اه‍. ش ق (قوله: وهو) أي
الذي يروج غالبا، (وقوله: النقد المضروب) أي لأنه ثمن الأشياء (قوله: ويجوز) أي القراض. (وقوله: عليه) أي على
النقد. (وقوله: وإن أبطله) أي ذلك النقد، أي أو كان في ناحية لا يتعامل به فيها (قوله: وخرج بالنقد، والعرض) أي
كالنحاس، والقماش. (وقوله: ولو فلوسا) أي جددا، فهي من العروض، لأنها قطع من النحاس، ومن جعلها من



(1) سورة المزمل، الآية: 20.
118
النقد، أراد كونه يتعامل بها كالنقد. قال ع ش: وأخذه غاية للخلاف فيه. اه‍. أي فهي للرد (قوله: وبالخالص) أي
وخرج بالخالص (قوله: وإن علم قدر غشه) وعلى هذا لا يصح بالريالات الفرانسة ونحوها مما دخله النحاس، والغاية
للرد، كالتي بعدها (قوله: وبالمضروب: التبر) أي وخرج بالمضروب: التبر (قوله: وهو) أي التبر. (وقوله: ذهب أو
فضة لم يضرب) سواء في ذلك القراضة وغيرها، هذا باعتبار عرف الفقهاء، وإلا فهو كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من
معدنهما قبل تنقيتهما (قوله: وقيل يجوز على المغشوش الخ) اعتمده م ر. وقوله إن استهلك غشه، المراد به، كما
استوجهه ع ش، عدم تميز النحاس عن الفضة مثلا في رأي العين، وليس المراد به أن لا يتحصل منه شئ بالعرض على
النار، وإلا لما صح قراض أصلا (قوله: وقيل إن راج) أي وإن لم يستهلك. اه‍. ع ش (قوله: وفي وجه ثالث) لعله
رابع، أو بالنسبة لما في زوائدها. وقوله على كل مثلي: أي كالحبوب والثمار، ومقتضاه أنه لا يجوز في المتقوم، كالرقيق
(قوله: وإنما يصح القراض) دخول على المتن، فقوله بصيغة، متعلق به، وقدره لطول الكلام على ما مر (قوله: من
إيجاب) بيان للصيغة، (وقوله: من جهة الخ) متعلق بمحذوف صفة لايجاب، أي إيجاب حاصل من جهة رب المال
(قوله: كقارضتك الخ) أمثلة للايجاب (قوله: أو بع أو اشتر) أو: بمعنى الواو، المعبر بها في التحفة والنهاية والمغني،
وقال في المغني، فلو قال اشتر، ولم يذكر البيع، لم يصح في الأصح اه‍. (قوله: على أن الربح بيننا) راجع لجميع
الصيغ المتقدمة، كما نص عليه الرشيدي، فلو لم يذكره فيها، فسد القراض، وللعامل أجرة المثل، كما سيصرح به
المتن، إلا في الصيغة الأخيرة، فلا شئ له أصلا، كما صرح به في التحفة، فيها، ونصها. فإن اقتصر على بع أو اشتر،
فسد ولا شئ له لأنه لم يذكر له مطمعا. اه‍. وكتب الرشيدي على قول النهاية، فلو اختصر على بع واشتر
فسد، ما
نصه: أي ولا شئ له، كما في التحفة، وهذا حكمة النص على هذه، دون ما قبلها، وإلا فالفساد قدر مشترك بين
الجميع، حيث لم يقل والربح بيننا، فكان على الشارح أن يذكره، وقضية ما في التحفة، استحقاق العامل في مسألة أتجر
فيها إذا لم يقل الربح بيننا، وانظر: ما وجهه؟ اه‍. (قوله: وقبول فورا من جهة العامل لفظا) أي كالبيع، لأنه عقد
معاوضة يختص بمعين، بخلاف الوكالة، لأنها مجرد إذن والحوالة لأنها لا تختص بمعين. اه‍. شرح الروض (قوله:
وقيل يكفي في صيغة الامر) أي فيما إذا صدر من رب المال صيغة الامر. وقوله القبول بالفعل، فاعل يكفي، والباء فيه
للتصوير، أي القبول المصور بالفعل، أي فعل ما أمر به من غير لفظ، وقوله كما في الوكالة، أي والجعالة، ورد بأنه عقد
معاوضة يختص بمعين. كما تقدم، فلا يشبه ذينك - لكن قد يشكل عليه قوله بعد قريبا. وشرط المالك والعامل،
كالموكل والوكيل، وقول البهجة: عقد القراض يشبه التوكيلا الخ، إلا أن يقال. المراد لا يشبه ذينك في هذا الحكم، أو
من كل الوجوه، بل من بعضها، أفاده سم (قوله: كالموكل والوكيل) أي لان القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية
التوكيل في المالك، وأهلية التوكل في العامل، فلا يصح إذا كان أحدهما محجورا عليه، أو عبدا أذن له في التجارة، أو
كان العامل أعمى، (وقوله: صحة مباشرتهما التصرف) خبر بعد خبر، لان الجار والمجرور قبله خبر، ولا يخفى ما في
ذكره من الركاكة، فلو اقتصر عليه أو على الجار والمجرور قبله، كما في المنهاج، أو قال في صحة، بزيادة الجار،
ويكون بيانا لوجه الشبه لكان أولى، فتأمل (قوله: مع شرط ربح لهما) متعلق بيصح الذي قدره الشارح، أي وإنما يصح

119
القراض مع شرط ربح لهما، ومحط الشرطية قوله لهما (قوله: فلا يصح) أي القراض. وقوله على أن لأحدهما الربح،
أي أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما. قال في الروض وشرحه، ولو قال قارضتك على أن نصف الربح لي ساكتا عن
نصيب العامل، لم يصح، لان الربح فائدة رأس المال، فهو للمالك، إلا ما ينسب منه للعامل، ولم ينسب له شئ منه،
أو على أن نصف الربح لك، صح، وتناصفاه، لان ما لم ينسبه للعامل، يكون للمالك بحكم الأصل، سواء سكت عن
نصيبه نفسه، أو قدر لنفسه أقل، كأن قال على أن لك النصف ولي السدس، وسكت عن الباقي، ولو قال قارضتك على
النصف، أو على السدس، صح المشروط للعامل، لان المالك يستحق بالملك، لا بالشرط. اه‍. (قوله: ويشترط
كونه، أي الربح معلوما بالجزئية) لو قال وبالجزئية، بزيادة الواو، لكان أولى، لان أصل العلم شرط، وكونه بالجزئية
شرط آخر. وخرج بالأول، ما لو لم يعلم أصلا، كأن قال قارضتك على أن لك فيه شركة أو نصيبا، وخرج بالثاني، ما إذا
علم، لكن بالجزئية كأن قال قارضتك على أن لك عشرة، أو ثمانية مثلا، وسيصرح بمحترز الثاني (قوله: كنصف وثلث)
تمثيل للجزئية (قوله: صح مناصفة) أي على الأصح، إذ المتبادر من ذلك عرفا، المناصفة، كما لو قال: هذه الدار بيني
وبين فلان، ومقابل الأصح يقول: لا يصح، لاحتمال اللفظ لغير المناصفة، فلا يكون الجزء معلوما (قوله: أو على أن
لك ربع سدس العشر) أي أو قال قارضتك على أن لك ربع سدس العشر، وتعبيره بما ذكر: أولى من تعبير بعضهم
بسدس ربع العشر، لان تقديم أعظم الكسرين، أولى من تأخيره. (وقوله: وإن لم يعلماه) أي قدر ربع ما ذكر، (وقوله:
وهو) أي ربع ما ذكر جزء من مائتين وأربعين جزءا، بيانه أن عشر المائتين وأربعين، أربعة وعشرون، وسدس العشر
أربعة، وربع سدسه واحدا، وذلك كله مجرد مثال (قوله: ولو شرط لأحدهما عشرة) بفتحتين، أي والباقي للآخر، أو
بينهما (قوله: أو ربح صنف) أي أو شرط له ربح صنف واحد. (وقوله: كالرقيق) مثال للصنف (قوله: فسد القراض) أي
لعدم العلم بالجزئية، ولأنه قد لا يربح غير العشرة، أو غير ذلك الصنف، فيفوز أحدهما بجميع الربح. اه‍. شرح
المنهج (قوله: ولعامل) خبر مقدم، وأجرة مثل، مبتدأ مؤخر (قوله: في عقد قراض) الإضافة للبيان، وقوله فاسد، أي
بسبب فقده شرطا من الشروط المارة، ككون رأس المال غير نقد، أو شرط أن الربح لأحدهما (قوله: وإن لم يكن ربح)
أي يوجد، فهو من كان التامة، وهو غاية في كونه له أجرة المثل (قوله: لأنه) أي العامل، (وقوله: عمل
طامعا في
المسمى) أي وقد فات، فوجب رد عمله على عامله، وهو متعذر، فرجع إلى أجرة المثل (قوله: ومن القراض الفاسد
على ما أفتى به الخ) وإنما كان فاسدا في الصورة المذكورة: لعدم العلم بالجزئية، لأنه قد لا يربح إلا الذي شرط عليه
به، فيفوز أحدهما حينئذ بالربح، ولاشتراط أخذ الزيادة منه، ولو مع وجود الخسارة، ولعدم وجود صيغة القراض (قوله:
ويده) أي العامل (قوله: فإن قصر) أي في حفظ المال حتى تلف (قوله: بأن جاوز المكان الخ) تصوير لتقصيره، أي بأن
تعدي العامل المكان المأذون له في التصرف فيه (قوله: ضمن المال) جواب أن (قوله: ولا أجرة الخ) هذا تقييد للمتن:
أي محل كون العامل له أجرة المثل، إن لم يشرط الربح كله للمالك، وإن لم يعلم الفساد، وأنه لا أجرة له، ولو قدم هذا

120
على قوله، ومن القراض الفاسد، لكان أنسب، وقوله إن شرط، يقرأ بالبناء للمجهول (قوله: لأنه لم يطمع في شئ) أي
فهو راض بالعمل مجانا. قال في التحفة: نعم، إن جهل ذلك، بأن ظن أن هذا لا يقطع حقه من الربح أو الأجرة، وشهد
حاله بجهله لذلك استحق أجرة المثل، فيما يظهر. اه‍ (قوله: ويتجه أنه لا يستحق شيئا الخ) أي لأنه لم يطمع في شئ
أيضا، وفي النهاية يستحق ذلك، وإن علم الفساد، وظن أنه لا أجرة له، (وقوله: وأنه لا أجرة له) قال سم - قضيته، أن
مجرد علم الفساد لا يمنع الاستحقاق، ووجهه أنه حينئذ طامع فيما أوجبه الشارع من أجرة المثل. اه‍. (قوله: ويصح
تصرف العامل مع فساد القراض) أي نظرا لبقاء الاذن، كالوكالة، هذا إذا كان الفساد لفوات شرط ككونه غير نقد والحال
أن المقارض مالك، أما إذا كان لعدم أهلية العاقد أو المقارض ولي أو وكيل، فلا ينفذ تصرفه، كذا في البجيرمي (قوله:
لكن لا يحل له) أي للعامل: أي فيأثم بذلك. (وقوله: الاقدام عليه) أي على التصرف. وقوله بعد علمه، أي العامل
بالفساد (قوله: يتصرف العامل الخ) شروع في بيان بعض أحكام القراض، وقوله ولو بعرض، أي وإن لم يأذن له
المالك، إذ الغرض، الربح، وقد يكون فيه، وقوله بمصلحة أي لأنه في الحقيقة وكيل، وهو متعلق بيتصرف (قوله: لا
بغبن فاحش) أي لا يتصرف بغبن فاحش في بيع أو شراء، وتقدم بيانه في الوكالة، فلا تغفل، قال ع ش: وظاهره أنه يبيع
بغير الغبن الفاحش، ولو كان ثم من يرغب فيه بتمام قيمته، ولعله غير مراد، أخذا مما تقدم في الوكالة، أن محل الصحة،
إذا لم يكن ثم راغب يأخذه بهذه الزيادة، اه‍ (قوله: ولا بنسيئة) أي ولا يتصرف بنسيئة، أي بأجل في بيع أو شراء أيضا
للغرر، ولأنه قد يتلف رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة بالمالك، اه‍. تحفة. وقوله: بلا إذن فيهما، أي في الغبن
والنسيئة، أما بالاذن، فيجوز، لان المنع لحقه، وقد زال بإذنه، ويأتي في البيع نسيئة ما مر في الوكالة، من أنه إن قدر
للعامل مدة تعينت، فلا يزيد عليها، ولا ينقص. وإن أطلق الاجل، حمل على العرف، ومنه وجوب الاشهاد أيضا، فإن
تركه، ضمن (قوله: ولا يسافر بالمال بلا إذن) أي لان فيه خطرا وتعريضا للتلف، قال في المغني، نعم، لو قارضه بمحل
لا يصلح للإقامة، كالمفازة، فالظاهر، كما قال الأذرعي: أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما، ثم ليس له بعد
ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته. اه‍. (قوله: فيضمن به) أي فيضمن العامل بالسفر، أي يكون في ضمانه،
ولو تلف بعد ذلك بلا تقصير، كما تقدم (قوله: ومع ذلك) أي ومع ما ذكر من الضمان والاثم بسبب السفر. القراض باق
بحاله، أي لا ينفسخ، سواء سافر بعين المال، أو العروض التي اشتراها به، ثم إذا باع فيما سافر إليه وهو أكثر قيمة مما
سافر منه أو استويا، صح البيع للقراض، أو قل قيمة بما لا يتغابن به، لم يصح (قوله: أما بالاذن: فيجوز) أي السفر به
(قوله: لكن لا يجوز ركوب في البحر) أي المالح، ومثله الأنهار إذا زاد خطرها على خطر البر. اه‍. ح ل. (وقوله: إلا
بنص) أي من المالك عليخه، أي على ركوب البحر، أي أو على بلد لا يصل لها إلا منه، فإنه يجوز حينئذ ذلك (قوله:
ولا يمون) أي العامل (قوله: أي لا ينفق) تفسير بالأخص. (وقوله: منه) أي من مال القراض، (وقوله: على نفسه) أي
العامل، قال في الروض وشرحه، وعليه أن ينفق على مال القراض منه، لأنه من مصالح التجارة. اه‍. (قوله: لان له) أي
للعامل نصيبا من الربح، أي شأنه ذلك، فلا ينافي أنه قد لا يربح، قال سم، وأيضا قد تكون النفقة قدر الربح،
فيفوز به
العامل، وقد تكون أكثر، فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال. اه‍. (قوله: فسد) أي العقد، لان ذلك مخالف
لمقتضاه (قوله: وصدق عامل بيمينه في دعوى تلف) أي على التفصيل الآتي في الوديعة. وحاصله أنه إن لم يذكر سببا،

121
أو ذكر سببا خفيا، كسرقة، أو ظاهرا، كحريق، عرف هو دون عمومه، أو عرف، هو وعمومه، واتهم صدق بيمينه، فإن
لم يتهم في الأخيرة صدق بلا يمين، أو جهل السبب الظاهر، طولب ببينة بوجوده، ثم حلف يمينا أنه تلف، فالصور
ست، وقد تقدم هذا التفصيل في الوكالة (قوله: في كل المال) متعلق بمحذوف صفة لتالف. أي تلف حاصل في كل
المال أو في بعضه (قوله: لأنه) أي العامل مأمون، وهو تعليل لتصديقه بيمينه (قوله: نعم نص) أي الشافعي (قوله:
واعتمده) أي النص المذكور في البويطي (قوله: أنه الخ) أي على أنه، فإن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بعلى
مقدرة متعلقة بنص (قوله: لو أخذ) أي العامل، (وقوله: ما لا يمكنه القيام به) أي العمل فيه كله (قوله: فتلف بعضه) قال
سم، أنظر مفهومه، اه‍. وكتب الرشيدي ما نصه، قوله فتلف بعضه، أي بعد عمله فيه، كما هو نص البويطي، ولفظه،
وإذا أخذ مالا لا يقوى مثله على عمله فيه ببدنه، فعمل فيه، فضاع، فهو ضامن، لأنه مضيع. اه‍ (قوله: لأنه فرط بأخذه)
الأصوب ما علل به الشافعي رضي الله عنه في نصه السابق من قوله لأنه مضيع. اه‍. رشيدي (قوله: ويطرد ذلك) أي ما
نص عليه في البويطي، (وقوله: في الوكيل والوديع) أي المودع عنده والوصي، أي فيقال إذا أخذوا ما لا يمكنهم القيام
به فتلف، ضمنوه (قوله: ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض) أي ليلزم الآخذ بدله، وخرج ببعد التلف. ما لو ادعى
المالك عليه ذلك قبله، فيصدق هو، لان العامل يدعي عليه الاذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما (قوله:
والعامل أنه قراض) أي وادعى العامل أنه قراض، لئلا يلزمه بدله (قوله: حلف العامل) أي صدق العامل بيمينه، وكان
الأولى، التعبير به وهو جواب لو (قوله: لان الأصل) علة لتصديق العامل بيمينه (قوله: خلافا لما رجحه الزركشي وغيره
من تصديق المالك) جرى على هذا في النهاية، ولفظها، ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض، والعامل أنه
قراض، صدق المالك بيمينه، كما جزم به ابن المقري، وجرى عليه القمولي في جواهره، وأفتى به الوالد رحمه الله،
خلافا للبغوي، وابن الصلاح، إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ، فالقول قوله في صفته، مع أن الأصل
عدم الائتمان الدافع للضمان، وقال في الخادم، إنه الظاهر، لان القابض يدعي سقوط الضمان عنه، مع اعترافه بأنه
قبض، والأصل عدم السقوط، الخ. اه‍. قال في التحفة، وجمع بعضهم بحمل الأول، أي تصديق العامل، على ما إذا
كان التلف قبل التصرف، لأنهما حينئذ اتفقا على الاذن، واختلف في شغل الذمة، والأصل براءتها، وحمل الثاني، أي
تصديق المالك، على ما إذا كان بعد التصرف، لان الأصل في التصرف في مالك الغير، أنه يضمن، ما لم يتحقق
خلافه، والأصل عدمه (قوله: فإن أقاما بينة) أي أقاما كل واحد بينة، (وقوله: قدمت بينة المالك) وفي النهاية قدمت بينة
العامل، وفي التحفة، وقال بعضهم الحق التعارض، أي فيأتي فيه ما مر عند عدم البينة. اه‍. أي من تصديق العامل، إن
كان التلف قبل التصرف، وتصديق المالك، إن كان بعده (قوله: لان معها زيادة علم) أي بانتقال الملك إلى الآخر، فهي
أثبت شغل الذمة، بخلاف بينة العامل، فهي مستصحبة لأصل البراءة، والبينة الناقلة مقدمة على المستصحبة، أفاده
البجيرمي (قوله: وفي عدم ربح) معطوف على في تلف، أي وصدق في دعوى عدم ربح. (وقوله: وفي قدره) معطوف
أيضا على في تلف، أي وصدق في دعوى قدر ربح كعشرة (قوله: عملا بالأصل) وهو ما يعديه العامل، (وقوله: فيهما)
أي في عدم الربح وفي قدره (قوله: وفي خسر) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى خسر (قوله: ممكن)
أي محتمل، بأن عرض كساد فيما يتصرف فيه، فإن لم يمكن، لا يصدق (قوله: لأنه أمين) أي وصدق في ذلك، لأنه،

122
أي العامل، أمين، فهو تعليل لتصديقه في دعوى الخسر (قوله: ولو قال) أي العامل، وقوله ربحت كذا، أي قدرا معينا،
كألف، (وقوله: ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت) أي أن القدر الذي أخبرتكم بأني ربحته وقع مني غلطا،
أو كذبت
فيه، فأنا ما ربحت القدر المذكور، وقوله لم يقبل، أي قوله إن غلطت أو كذبت، قال في التحفة بعده، نعم، له تحليف
المالك، وإن لم يذكر شبهة. اه‍. (قوله: لأنه) أي العامل أقر بحق لغيره، وهو المالك قوله فلم يقبل رجوعه عنه، أي
عن إقراره (قوله: ويقبل قوله بعد) أي بعد قوله ربحت كذا، وقوله خسرت، مقول القول، وقوله إن احتمل، أي قوله
المذكور، وقوله كأن عرض كساد، أي نقص في قيمة السلعة (قوله: وفي رد المال) معطوف على في تلف أيضا، أي
وصدق في دعوى رد المال على المالك، وقوله لأنه، أي المالك ائتمنه، أي العامل، وقوله كالمودع، هو بفتح الدال،
أي فإنه يصدق في دعواه الرد على المودع، بكسرها (قوله: في قدر رأس المال) أي أو في جنسه (قوله: لان الأصل عدم
الزائد) أي عدم دفع زيادة إليه، وهو تعليل لتصديق العامل في قدر رأس المال (قوله: وفي قوله اشتريت هذا لي) أي
ويصدق العامل في قوله اشتريت هذا لي، أي وإن كان رابحا، وقوله أو للقراض، أي أو اشتريته للقراض، وإن كان
خاسرا، وقوله والعقد في الذمة، أي والحال أنه في الذمة، أي ذمة العامل، والظاهر أنه راجع للصورة الأولى، أعني قوله
اشتريت هذا لي، بدليل المحترز (قوله: لأنه أعلم بقصده) أي بقصد نفسه، أي وهو مأمون (قوله: وعليه) أي على ما
قاله الامام، من أنه إذا اشتراه بعين مال القراض، يقع للقراض، وقوله فتسمع بينة المالك، أي فيما إذا اختلفا فيما حصل
الشراء به، هل هو مال القراض أو مال العامل؟ قال في التحفة، لما تقرر أنه مع الشراء بالعين لا ينظر إلى قصده وهو أحد
وجهين في الرفعي من غير ترجيح، ورجح جمع متقدمون مقابله، لأنه قد يشتري به لنفسه متعديا، فلا يصح البيع، وقد
يجمع بحمل ما قاله الامام على ما إذا نوى نفسه، ولم يفسخ القراض، ومقابله على ما إذا فسخ، وحينئذ فالذي يتجه:
سماع بينة المالك، ثم يسأل العامل، فإن قال فسخت، حكم بفساد الشراء، وإلا فلا. اه‍. وقوله ورجح جمع متقدمون
الخ. استوجهه في النهاية. (قوله: وفي قوله لم تنهني الخ) أي كأن اشترى سلعة، فقال نهيتك عن شرائها، فقال العامل
لم تنهني، فيصدق العامل، وتكون للقراض، لان الأصل، عدم النهي، أما لو قال المالك، لم آذنك في شراء كذا، فقال
العامل بل أذنت لي، فالمصدق المالك. اه‍. نهاية. (قوله: ولو اختلفا) أي المالك والعامل (قوله: في القدر المشروط
له) أي للعامل من الربح. وقوله تحالفا، أي لاختلافهما في عوض العقد مع اتفاقهما على صحته، فأشبه اختلاف
المتبايعين. اه‍. تحفة، ولا ينفسخ العقد بالتحالف، وإنما ينفسخ بفسخهما، أو أحدهما، أو الحاكم (قوله: وللعامل الخ)
أي لتعذر رجوع عمله إليه، فوجب له قيمته، وهو الأجرة. (قوله: أو في أنه وكيل أو مقارض) أي أو اختلفا في
ذلك، فقال المالك أنت وكيل، وقال العامل أنا مقارض، وقوله صدق المالك بيمينه، نعم. إن أقاما بينتين، قدمت بينة
العامل، لان معها زيادة علم بوجوب الأجرة. والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الشركة، بكسر
الشين، وإسكان الراء، وبفتح الشين مع كسر الراء وإسكانها، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرها بعد الوكالة،

123
لأنها من أفرادها، إذ كل من الشريكين، وكيل عن الآخر، وموكل له، والأصل فيها قبل الاجماع، خبر السائب أنه كان
شريك النبي (ص) قبل المبعث، وافتخر بشركته بعد المبعث، والخبر الصحيح القدسي: يقول الله تعالى: أنا ثالث
الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه، خرجت من بينهما أي أنا كالثالث للشريكين في إعانتهما وحفظهما
وأنزل البركة في أموالهما مدة عدم الخيانة، فإذا حصلت الخيانة، رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من
بينهما، وهي لغة: الاختلاط شيوعا، أو مجاورة، بعقد أو غيره. وشرعا، عقد يقتضي ثبوت الحق في شئ لأكثر من
واحد على جهة الشيوع (قوله: الشركة نوعان) أي اللغوية، لان النوع الأول: ليس فيه عقد، والنوع الثاني: قسمه إلى
أربعة أقسام، بعضها صحيح، وبعضها باطل، والمعنى الشرعي، مختص بالصحيح، على ما قاله بعضهم (قوله:
أحدهما فيما ملك) أي أحدهما ثابت بسبب ملك اثنين مشتركا. ففي سببية، وما مصدرية، وقوله مشتركا، أي مالا
مشتركا، أي مختلطا بحيث لا يتميز. وهو مفعول ملك، ويحتمل أن تكون في باقية على معناها، وما،
موصول اسمي،
وجملة ملك، صلة، والعائد عليها، محذوف، ومشتركا، حال، أي أحدهما ثابت في المال الذي ملكاه حال كونه
مشتركا، أي مختلطا، بحث لا يتميز تأمل. وقوله بإرث أو شراء، متعلق بملك، وهو يشير إلى أنه لا فرق في ثبوت الملك
لهما، بين أن يكون على جهة القهر، كالإرث، أو الاختيار، كالشراء (قوله: والثاني أربعة أقسام) لا يحسن مقابلته لما
قبله فكان الأولى أن يقول، وثانيهما فيما عقد عليه اثنان الشركة، وعبارة التحرير، هو نوعان، أحدهما في الملك قهرا
كان أو اختيار، كإرث وشراء، والثاني بالعقد لها، وهي أنواع أربعة الخ، وهي ظاهرة (والحاصل) أن الشركة لها سببان،
السبب الأول، الملك من غير عقد شركة، بأن يملك اثنان مالا موروثا، أو مالا مشترى. والثاني، العقد، أي أن يعقد
اثنان الاشتراك بينهما على مال أو غيره (قوله: منها قسم صحيح) أي بالاجماع، ويسمى شركة العنان، بكسر العين، من
عن الشئ، أي ظهر، فهي أظهر الأنواع، لظهورها بصحتها، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر، أو من عنان
الدابة، لاستواء الشريكين فيها في نحو الولاية والربح والسلامة من الغرر، كاستواء طرفي العنان، أو لمنع كل منهما
الآخر لما يشتهي، كمنع العنان الدابة وأركانها خمسة، عاقدان، ومعقود عليه، وذكر عمل، وصيغة، أو شرط في
العاقدين ما شرط في الموكل والوكيل، من صحة التصرف، وشرط في المعقود عليه، أن يكون مثليا، كالدراهم
والدنانير، والبر، لأنه إذا اختلط بجنسه، لم يتميز، بخلاف المتقوم وقد تصح فيه بأن يكون مشتركا بينهما قبل العقد، كأن
ورثاه، أو اشترياه، أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر، كنصف بنصف، أو ثلث بثلثين، وأذن كل لصاحبه
في لتصرف بعد القبض، وذلك لعدم تميز المالين حينئذ، وأن يتحدا المالان جنسا وصفة، بحيث لو خلطا، لم يتميزا كل
منهما عن الآخر، وأن يخلطا قبل العقد، لتحقق معنى الشركة. وأن يشترطا الربح والخسران على قدر المالين، عملا
بقضية العقد، وقد ذكر شرط العمل بقوله، ويتسلط كل واحد منهما الخ، وشرط الصيغة بقوله، وشرط فيها لفظ الخ.
(قوله: وهو) أي القسم الصحيح، وقوله: أن يشترط اثنان، أي يصح التصرف منهما، كما علمت، وقوله من مال لهما،
أي مثلي نقد أو غيره، على ما عرفت (قوله: وسائر الأقسام) أي باقيها، وهو ثلاثة، شركة الأبدان،
وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، وقوله باطلة، أي لكثرة الغرر فيها، لا سيما شركة المفاوضة، ولخلوها عن المال المشترك، كما ستعرفه
(قوله: كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما) أي مكسوبهما ببدنهما خاصة، وإلا كانت عين شركة المفاوضة الآتية،
سواء اتفقا حرفة، كخياطين، أو اختلفا فيها، كخياط ورفاء، وهذه تسمى شركة الأبدان، وهي باطلة، لعدم المال، فمن
انفرد بشئ، فهو له، وما اشتركا فيه يوزع عليهما بنسبة أجرة المثل، بحسب الكسب، وجوزها أبو حنيفة رضي الله عنه
مطلقا، ومالك وأحمد رضي الله عنهما مع اتحاد الحرفة (قوله: بتساو أو تفاوت) متعلق بمحذوف حال من الضمير في
الخبر: أي حال كون الكسب الكائن بينهما حاصلا بتساو أو تفاوت، أي بحسب ما شرطاه (قوله: أو ليكون بينهما الخ)

124
أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما، أي يشتريه وجيهان في ذمتهما، ومثل ذلك، ما إذا اشتراه
وجيه في ذمته وفوض بيعه لخامل والربح بينهما، وأعطى خامل ماله لوجيه ليس له مال ليعمل فيه والربح بينهما، وهذه
تسمى شركة الوجوه، من الوجاهة، أي العظمة، والصدارة، وهي باطلة، إذ ليس بينهما مال مشترك، فكل من اشترى
شيئا، فهو له، عليه خسره، وله ربحه (قوله: أو ليكون بينهما الخ) أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما وربحهما
ببدنهما أو مالهما: أي من غير خلط، أو معه. وتفارق حينئذ شركة العنان بالشرط المذكور بعد، أو، مانعة خلو، فتجوز
الجمع، وقوله وعليهما، أي المشتركين ما يعرض من غرم، قيد في كل من كون الكسب والربح بالبدن، ومن كونهما
بالمال، وخرج به، بالنسبة للأول، شركة الأبدان، وبالنسبة للثاني، شركة العنان. والمراد، غرم لا بسبب الشركة،
كغصب وغيره، وإلا فالغرم بسببها موجود في شركة العنان، وفي الكلام اكتفاء، أي ولهما ما يحصل من غنم، وهذه
تسمى شركة مفاوضة، من تفاوضا في الحديث، شرعا فيه جميعا، قال م ر: أو من قوم فوضى، بفتح الفاء، أي مستوين
في الأمور، ومنه قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وهي باطلة أيضا، لاشتمالها على أنواع من الغرر، ولعدم وجود المال في بعض صورها، فيختص حينئذ كل بما
كسبه ببدنه، إن لم يكن مال، فإن كان هناك مال من غير خلط، فظاهر أن مال كل له، ومع الخلط يكون الزائد بينهما على
قدر المالين، ويرجع كل على الآخر بأجرة عمله (قوله: وشرط فيها) أي الشركة. وغيره ذكر الأركان المارة، ثم قال:
وشرط في الصيغة، فلو صنع كصنعه لكان أولى. وقوله لفظ: في معناه ما مر، من الكتابة، وإشارة الأخرس. وقوله يدل
على الاذن في التصرف، أي بأن يقولا لا اشتركنا وأذنا في التصرف. والمراد، الاذن لمن يتصرف من كل منهما أو من
أحدهما، وقوله بالبيع والشراء، متعلق بالتصرف (قوله: فلو اقتصر على اشتركنا) أي على قولهما ذلك قال سم: لو وقع
هذا القول من أحدهما مع الاذن في التصرف، فينبغي أن لا يكفي، لأنه عقد متعلق بمالهما، فلا يكفي فيه اللفظ من أحد
الجانبين، بل لا بد معه من وقوعه من الآخر، أو قبوله، وفاقا للرملي. اه‍. بتصرف (قوله: لم يكف عن الاذن فيه) أي
في التصرف لاحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة (قوله: ويتسلط كل واحد منهما) أي الشريكين، وهو شروع
في شروط العمل (قوله: بلا ضرر) أي في المال المشترك، وهو متعلق بيتسلط (قوله: بأن يكون) تصوير لعدم وجود
ضرر أصلا. ولو قال ويتسلط كل واحد منهما بمصلحة، لكان أخصر. وعبارة المنهج، وشرط في العمل مصلحة، ثم قال
في شرحه، وتعبيري بمصلحة، أولى من قوله بلا ضرر، لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل، مع وجود راغب بزيادة. اه‍.
(قوله: ولا يسافر به) قال في فتح الجواد: نعم، إن اشتركا بمفازة، سافر به لمقصده، ولو بلا إذن، للقرينة. اه‍. (قوله:
حيث لم يضطر إليه) أي السفر به، فإن اضطر إليه، سافر به، بل يلزمه في هذه الحالة، كالوديع، وعبارة التحفة، ولا
يسافر به، حيث لم يعطه في السفر، ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف، ولا كان من أهل النجعة. اه‍. وقوله لنحو
قحط، أي في بلده، وقوله أو خوف، أي من حريق، أو نهب (قوله: ولا يبضعه) بضم التحتية فسكون
الموحدة، أي
يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده. اه‍. تحفة (قوله: بغير إذنه) متعلق بكل من
يسافر ومن يبضع، وإن كان ظاهر عبارته تعلقه بالثاني فقط، أي لا يسافر بغير إذنه ولا يبضعه بغير إذنه، فإن كان بإذنه،
صح، ولا ضمان، لكن مجرد الاذن في السفر، لا يتناول ركوب البحر، بل لا بد من النص عليه، أو تقوم عليه قرينة

125
(قوله: فإن سافر به) أي من غير إذنه، وقوله صح تصرفه، أي لبقاء الاذن فيه (قوله: أو أبضعه) معطوف على سافر، أي أو
إن أبضعه، بدفعه الخ. تصوير للإبضاع، كما عرفت، وقوله بلا إذن، متعلق بأبضعه. وقوله ضمن أيضا، جواب أن
المقدرة بعد أو (قوله: والربح والخسران بقدر المالين) أي باعتبار القيمة، لا الاجزاء، فلو خلط قفيزا بمائة، وقفيزا
بخمسين، فهي أثلاث، لصاحب الأول، ثلثان، ولصاحب الثاني ثلث. (قوله: فإن شرطا خلافه) أي خلاف ما ذكر،
كأن شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين، أو شرطا تساوي المالين مع التفاوت في الربح والخسران، وقوله
فسد العقد، أي لمخالفة ذلك موضوعها (قوله: فلكل على الآخر أجرة عمله له) أي وإذا فسد العقد يكون لكل على
الآخر أجرة عمله بحسب ماله، فإذا كان لأحدهما ألفان، وللآخر ألف، وأجرة عمل كل منهما مائة، فثلثا عمل الأول في
ماله، وثلثه على الثاني، وعمل الثاني بالعكس، فللأول عليه ثلث المائة، وله على الأول ثلثاها، فيقع التقاص بثلثها،
ويرجع على الأول بثلثها، وقد يقع التقاص إن استويا في المال والعمل، قال في التحفة، نعم، إن تساويا مالا، وتفاوتا
عملا، وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد، إن علم الفساد، وأنه لا شئ في الفاسد، لأنه عمل غير طامع في
شئ، كما لو عمل أحدهما فقط في فاسدة. اه‍. (قوله: ونفذ التصرف منهما) أي من الشريكين. وقوله مع ذلك، أي
مع فساد العقد، أي ويكون الربح والخسران على قدر المالين بعد إخراج أجرة عمل كل منهما وقوله للاذن، أي لوجود
الاذن في التصرف، وهو علة لنفوذ التصرف (قوله: وتنفسخ) أي الشركة، وذلك لأنها عقد جائز من الجانبين، فهي
كالوكالة. وقوله بموت أحدهما وجنونه، أي وإغمائه، والحجر عليه بسفه أو فلس (قوله: ويصدق) أي الشريك في دعوى
الرد إلى شريكه، وذلك لان يده أمانة، كالمودع، والوكيل، فيصدق في ذلك، وقوله في الخسران، أي وفي قدر الربح،
وقوله والتلف: أي ويصدق في التلف، لكن على التفصيل المتقدم بيانه (قوله: وفي قوله اشتريته لي أو للشركة) أي
ويصدق فيما إذا اشترى الشريك شيئا، وقال اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر، لأنه أعرف بقصده، قال في
التحفة: نعم، لو اشترى شيئا فظهر عيبه، وأراد رد حصته، لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة، لأن الظاهر، أنه
اشتراه لنفسه، فليس له تفريق الصفقة عليه. اه‍. (قوله: لا في قوله اقتسمنا الخ) أي لا يصدق في ذلك، لان الأصل
عدم القسمة، قال في التحفة: وإنما قبل قوله في الرد، مع أن الأصل عدمه، لان من شأن الأمين قبول قوله فيه توسعة
عليه. اه‍. (قوله: شاركه الآخر) أي لاتحاد الجهة، وهي الإرث (قوله: ولو باع شريكان عبدهما) أي أو وكل أحدهما
الآخر فباعه (قوله: لم يشاركه الآخر) فرق في التحفة بين هذه والتي قبلها، بأن المشترك بنحو الشراء يتأتى فيه تعدد
الصفقة المقتضي لتعدد العقد وترتب الملك، فكان كل من الشريكين فيه كالمستقل، ولان حقه لا يتوقف
وجوده على وجود غيره، فإذا قبض قدر حصته، أو بعضها، فاز به، بخلاف نحو الإرث، فإنه حق يثبت في الورثة دفعة واحدة، من
غير أن يتصور فيه ترتب ولا توقف، فكان جميعه كالحق الذي لا يمكن تبعيضه، فلم يختص قابض شئ منه به. اه‍.
(قوله: أفتى النووي - كابن الصلاح - فيمن غصب نحو نقد الخ) ساق الافتاء المذكور في التحفة، ثم قال: ويأتي لذلك
تتمة قبيل الأضحية، ولا بأس بذكرها، تتميما للفائدة، وهي ما نصه، لو اختلط مثلي حرام، كدرهم أو دهن، أو حب

126
بمثله له، جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة، ويتصرف في الباقي ويسلم الذي عزله لصاحبه إن وجد، وإلا فلناظر
بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك للضرورة، إذ الفرض، الجهل بالمالك، فاندفع ما قيل
يتعين الرفع للقاضي ليقسمه عن المالك، وفي المجموع، طريقه أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه،
ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا، اختلاط أو خلط نحو دراهم لجماعة، ولم يتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم
على قدر حقوقهم، وزعم العوام أن اختلاط الحلال بالحرام يحرمه، باطل. الخ. اه‍. (قوله: بأن له الخ) متعلق بأفتى.
وقوله إفراز: أي فصل وإخراج. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في أحكام الشفعة
أي في بيان بعض أحكام الشفعة، وهي بإسكان الفاء، وحكي ضمها، لغة من الشفع، ضد الوتر، فكأن الشفيع
يجعل نفسه أو نصيبه شفعا، بضم نصيب شريكه إليه، أو من الشفاعة، لان الاخذ بها كان جاهلية. وشرعا، حق تملك
قهري يثبت للشريك القديم على الحادث بسبب الشركة فيما ملك بعوض. وشرعت لدفع الضرر: أي ضرر مؤنة
القسمة، واستحداث المرافق في الحصة السائرة إليه لو قسم، كالمصعد، والمنور، والبالوعة، وغير ذلك، وهذا الضرر
كان يمكن حصوله قبل البيع، وكان من حق الراغب في البيع أن يخلص صاحبه منه بالبيع له، فلما باع لغيره، سلطه
الشارع على أخذه منه قهرا، والأصل فيها خبر البخاري: قضى رسول الله (ص) بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت
الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة أي حكم رسول الله (ص) بالشفعة بالمشترك الذي لم تقع فيه القسمة بالفعل، مع كونه
يقبلها لان الأصل في النفي بلم، أن يكون في الممكن بخلافه بلا، واستعمال أحدهما محل الآخر، تجوز، كما في قوله
تعالى: * (لم يلد، ولم يولد) * (1) أي لا يلد، ولا يولد، وكما في قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (2) أي لم يمسه.
وقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، أي فإذا وقعت حدود القسمة بين الشريكين، وبينت الطرق، فلا
شفعة، وهذا كناية عن حصول القسمة، فكأنه قال: فإذا قسم، فلا شفعة، وأركانها ثلاثة: شفيع، وهو الآخذ، ومشفوع،
وهو المأخوذ، ومشفوع منه، وهو المأخوذ منه، وشرط في الشفيع، أن يكون شريكا بخلطة الشيوع، لا بالجوار، فلا
شفعة لجار الدار، ملاصقا كان أو غيره، خلافا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه أثبتها للجار فلو قضى بها حنفي
للجار، ولو شافعيا، لم ينقض حكمه، وشرط في المشفوع، أن يكون مما ينقسم، أي مما يقبل القسمة إذا طلبها
الشريك، دون ما لا ينقسم، كحمام صغير، وطاحون صغيرة، ودار، وحانوت، وساقية كذلك، والضابط في
ذلك، أن ما
يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بحيث لا يمكن جعل الحمام حمامين، ولا الطاحون طاحونين، وهكذا، لا تثبت فيه
الشفعة، وما لا يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بل يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة إذا طلبها الشريك من الوجه الذي
كان ينتفع به قبلها، كطاحون، وحمام كبيرين، بحيث يمكن جعلهما طاحونين وحمامين، تثبت فيه الشفعة، وشرط فيه
أيضا، أن يكون مما لا ينقل من الأرض، فلا شفعة فيما ينقل، وشرط في المشفوع منه، تأخر سبب ملكه عن سبب ملك
الآخذ، فيكفي في أخذ الشفيع بالشفعة، تقدم سبب ملكه عن سبب ملك المأخوذ منه، وإن تقدم ملكه على ملك
الآخذ، فلو باع أحد الشريكين نصيبه لزيد بشرط الخيار للبائع، أو لهما فباع الآخر نصيبه لعمرو في زمن الخيار بيع بت،
فالشفعة للمشتري الأول، وهو زيد، إن لم يشفع بائعه على المشتري الثاني، وهو عمرو، لتقدم
سبب ملك الأول عن سبب ملك الثاني. فلو اشترى اثنان دارا، أو بعضها معا، فلا شفعة لأحدهما على الآخر، لعدم السبق، وليست الصيغة
ركنا فيها، لأنها، كما تقدم، حق تملك، أي استحقاقه، وهو لا يتوقف ثبوته على صيغة، نعم تجب في التملك، فلا
يملك الشفيع الشقص، إلا بلفظ يشعر به، كتملكت، أو أخذت بالشفعة، وسيذكره الشارح بقوله، ولا يملك الشفيع إلا



(1) سورة الاخلاص، الآية: 3.
(2) سورة الواقعة، الآية: 79.
127
بلفظ الخ (قوله: إنما ثبت الشفعة لشريك) أي ولو كان مكاتبا، أو غير عاقل، كمسجد له شقص لم يوقف باعه شريكه،
فإنه يأخذ له الناظر بالشفعة أو ذميا، وقوله لا جار، أي لخبر البخاري المار، وما ورد فيه، محمول على الجار الشريك،
جمعا بين الأحاديث. وقوله في بيع أرض، متعلق بثبت (قوله: مع تابعها) أي إن كان، فلا يقال مفهومه أن الأرض الخالية
عن التابع لا شفعة فيها، والمراد بالتابع، ما يتبعها في مطلق البيع من بناء، وما يتبعه من باب، ورف سمر، ومفتاح غلق
مثبت، وكل منفصل توقف عليه نفع متصل (قوله: كبناء) تمثيل للتابع. وقوله وشجرا، أي رطب على الأوجه. اه‍. فتح
الجواد (قوله: وثمر غير مؤبر) أي عند البيع، فيؤخذ بالشفعة، ولو لم يتفق الآخذ حتى أبر، وعبارة م ر، غير مؤبر، أي
عند البيع، وإن كان مؤبرا عند الاخذ، وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته، فإنه يأخذه بالشفعة. اه‍. وما
المؤبر عنده، فلا تثبت فيه الشفعة، لانتفاء التبعية (قوله: فلا شفعة في شجر أفرد الخ) عبارة فتح الجواد مع الأصل، فلا
تثبت في منقول غير تابع لما ذكر، وإن بيع مع الأرض، كزرع يؤخذ دفعة واحدة، ولا في تابع كبناء، أو غراس بيع دون
أرض، وكبناء على سقف، ولو مشتركا، لان المنقول، لا يدوم، فلا يدوم ضرر الشركة فيه، والتابع إذا أفرد عن متبوعه،
يشبه المنقول ومن ثم، لو باعها مع الاس أو المغرس فقط، لم تثبت أيضا لأن المبيع من الأرض هنا، تابع، والمتبوع،
وهو البناء والشجر، منقول، ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية. اه‍. (قوله: ولا في بئر) عبارة
الروض: ولو باع نصيبه من أرض تنقسم، وفيها بئر لا تنقسم، ويسقي منها، ثبتت، أي الشفعة في الأرض دونها، أي
البئر. اه‍. (قوله: مع بذل الثمن للمشتري) أي أو رضاه بكون الثمن يكون في ذمة الشفيع، أو قضاء القاضي له بها إذا
حضر مجلسه وأثبت حقه فيها وطلبه.
تتمة: الشفعة على الفور، لأنها حق ثبت لدفع الضرر، فكانت كالرد بالعيب، بجامع أن كلا شرع لدفع الضرر،
وحينئذ فليبادر الشفيع إذا علم بيع الشقص بأخذه، وتكون المبادرة على العادة، فلا يكلف الاسراع على خلاف العادة،
بعدو، أو غيره، ولو كان في الصلاة أو في الحمام، أو في قضاء الحاجة، لم يكلف القطع، بل له التأخير إلى فراغ ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

128
باب في الإجارة
أي في بيان أحكامها، وشروطها، وهي بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها، من آجره، بالمد، يؤجره، إيجارا،
ويقال أجره، بالقصر، يأجره، بضم الجيم، وكسرها أجرا، والأصل فيها قبل الاجماع آيات: كقوله تعالى: * (فإن
أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن) * ووجه الدلالة منه أن آتوهن أجورهن: أمر، والامر للوجوب، والارضاع بلا عقد،
تبرع لا يوجب أجرة، وإنما يوجبها، العقد، فتعين الحمل عليه، أي آتوهن أجورهن إذا أرضعن لكم بعقد، وكقوله
تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * وأخبار: كخبر مسلم أنه (ص): نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة
وكخبر البخاري أنه (ص) والصديق استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط، أي ليدلهما على
طريق
المدينة لما هاجرا من مكة، لكونهما سلكا طريقا غير الجادة، اختفاء من المشركين، وإسناد الاستئجار للنبي (ص) مجاز
عقلي، لان المستأجر، أبو بكر، وأقره عليه النبي (ص)، والمعنى فيها، أن الحاجة داعية إليها، إذ ليس لكل أحد،
مركوب، ومسكن، وخادم، وغير ذلك. فجوزت لذلك، كما جوز بيع الأعيان وأركانها ثلاثة إجمالا، ستة تفصيلا عاقد
مكر ومكتر، ومعقود عليه أجرة ومنفعة وصيغة إيجاب وقبول، ويشترط في العاقدين ما مر في البائع والمشتري، من
الرشد، وعدم الاكراه بغير حق، نعم، يصح استئجار كافر لمسلم، ولو إجارة عين، مع الكراهة، لكن لا يمكن من
استخدامه مطلقا، لأنه لا يجوز خدمه المسلم للكافر أبدا ويصح إيجار سفيه لما لا يقصد من عمله كالحج لجواز تبرعه،
ويشترط في الأجرة والمنفعة ما سيذكره، من كون الأجرة معلومة، ومن كون المنفعة متقومة معلومة، ويشترط في الصيغة
جميع ما مر في صيغة البيع، إلا عدم التأقيت، وقد استوفاها الشارح في التعريف، فقوله تمليك منفعة، أي بعقد يستفاد
منه الصيغة، ومعلوم أنها تستلزم العاقد، وقوله منفعة مع قوله بعوض، هو المعقود عليه (قوله: هي لغة اسم للأجرة) أي
سواء أخذت بعقد أم لا، وقيل لغة، اسم للإثابة، يقال آجرته، بالمد، والقصر، إذا أثبته. ولا مانع من أن يكون لها معنيان
في اللغة. اه‍. ش ق (قوله: وشرعا: تمليك منفعة) أي بعقد، وخرج به، عقد النكاح، لأنه لا تملك به المنفعة، وإنما
يملك به الانتفاع، فيستحق الزوج أن ينتفع بالبضع، ولا يستحق منفعة البضع، بدليل أنها لو وطئت بشبهة، كان المهر
لها، لا له، فالعقد على منفعة البضع لا يسمى إجارة، بل يسمى نكاحا. وقوله بعوض: متعلق بتمليك، وخرج به، هبة
المنافع والوصية بها وإعارتها، فلا تسمى إجارة، لأنها عقد على منفعة بلا عوض، وقوله بشروط آتية، خرج به المساقاة
والجعالة، لان من الشروط الآتية، كون العوض معلوما، وهما لا يشترط فيهما علم العوض، وإن كان قد يكون معلوما،
كمساقاة على ثمرة موجودة، وجعالة على معلوم، فاندفع ما ورد على التعريف المذكور بأنه غير مانع، لصدقه على
الجعالة وعلى المساقاة، نعم، يرد عليه بيع حق الممر، فإنه تمليك منفعة بعوض معلوم، وهو بيع، لا إجارة، وأجيب عنه
بأنه ليس بيعا محضا، بل فيه شوب إجارة، وإنما سمي بيعا، نظرا لصيغته فقط، فهو إجارة معنى، وعلم من قوله تمليك
منفعة، أن مورد الإجارة، المنفعة، سواء وردت على العين، كآجرتك هذه الدابة بدينار، أو على الذمة، كألزمت ذمتك



(1) سورة الطلاق، الآية: 6.
(2) سورة الطلاق، الآية: 6.
129
حملي إلى مكة بدينار، ولا يجب قبض الأجرة في المجلس في الواردة على العين، وتصح الحوالة بها، وعليها،
والاستبدال عنها، وأما الواردة على الذمة، فيشترط فيها قبض الأجرة في المجلس، ولا تصح الحوالة بها، ولا عليها، ولا
الاستبدال عنها، لأنها سلم في المنافع، فتجري فيها أحكام السلم (قوله: تصح إجارة بإيجاب) شروع في بيان
الصيغة، وهي إما صريحة، كآجرتك، أو أكريتك هذا، أو منافعه، أو ملكتكها سنة بكذا، فيقبل المكتري، أو كناية،
كجعلت لك منفعته سنة بكذا، أو أسكن داري شهرا بكذا، ومنها، الكتابة، والأصح منع انعقادها بقوله بعتك أو اشتريت
منفعتها، لان لفظ البيع والشراء موضوع لتمليك العين، فلا يستعمل في المنفعة. وجرى م ر على أنه ليس صريحا ولا
كناية، وجرى حجر على أنه كناية، وما ذكره من الصيغ، لاجارة العين وإجارة الذمة، خلافا لمن خصها بإجارة العين،
وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك، أو سلمت إليك هذه الدراهم في خياطة هذا، أو في دابة صفتها كذا، أو في
حملي إلى مكة (قوله: سنة) ظرف لمقدر، أي وانتفع به سنة، فهو على حد قوله تعالى: * (فأماته الله مائة عام) * (1) أي
وألبثه مائة عام، وليس ظرفا لآجر وما بعده، لأنه إنشاء، وهو ينقضي بانقضاء لفظه، فلا يبقى سنة مثلا، قال في التحفة:
فإن قلت: يصح جعله ظرفا لمنافعه المذكورة، فلا يحتاج لتقدير، وليس كالآية كما هو واضح. قلت: المنافع أمر مرهوم
الآن، والظرفية تقتضي خلاف ذلك، فكان تقدير ما ذكر، أولى، أو متعينا اه‍. ومثله في النهاية. ونازع في ذلك سم،
فليراجع وقوله بكذا: أي بعشرة مثلا، وأفهم كلامه أنه لا بد من التأقيت، وذكر الأجرة، لانتفاء الجهالة حينئذ، ولا يشترط
أن يقول من الآن (قوله: إن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة الخ) أي فالمعتمد أنها لا تصح فيها، ومقابله تصح، فلو
أعطى مالك الدار الأجرة، وسلم له المالك المفاتيح، وسكن فيها من غير صيغة، كانت إجارة صحيحة على هذا،
وفاسدة على الأول (قوله: وإنما تصح الإجارة بأجر) قدر متعلق الجار والمجرور، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد
بعامل واحد، وقوله بأجر، أي بعوض، وقوله صح كونه ثمنا، أي بأن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسلمه، فلا
يصح جعل نجس العين والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره، وغير المنتفع به، وغير المقدور على تسلمه، كالمغصوب،
أجرا، أي عوضا، لان لا يصح جعله ثمنا (قوله: معلوم للعاقدين) صفة ثانية لاجر من الوصف بالمفرد بعد الوصف
بالجملة. وقوله قدرا، أي كعشرة، وقوله وجنسا، أي كذهب أو فضة. وقوله وصفة أي كصحيح أو مكسر، ولا يقال
يشكل على اشتراط العلم، صحة الاستئجار للحج بالنفقة، وهي مجهولة، كما جزم به في الروضة، لأنا نقول ليس ذاك
بإجارة، بل نوع جعالة، وهي يغتفر فيها الجهل بالجعل، وقيل إنه مستثنى توسعة في تحصيل العبادة، وقوله إن كان أي
ذلك الاجر في الذمة، أي التزم في الذمة، وهو قيد في اشتراط العلم في الاجر (قوله: وإلا كفت معاينته) أي وإن لم يكن
في الذمة بأن كان معينا أغنت معاينته، أي رؤيته، عن علم جنسه، وقدره، وصفته (قوله: في إجارة العين أو الذمة)
الظاهر أنه متعلق بكل من معلوم ومن كفت معاينته، والمعنى، يشترط في الاجر أي العوض، أن يكون معلوما، إذا كان
في الذمة، سواء كانت الإجارة في العين، أو في الذمة، فإن لم يكن الاجر في الذمة، كفت معاينته، سواء كانت الإجارة
في العين، أو في الذمة أيضا (قوله: فلا يصح إجارة دار ودابة الخ) أي للجهل في ذلك، قال في شرح المنهج: فإن ذكر
معلوما، وأذن له خارج العقد في صرفه في العمارة أو العلف، صحت. اه‍. وقوله خارج العقد، فإن كان في صلبه، فلا
يصح، كآجرتكها بدينار على أن تصرفه في عمارتها أو علفها للجهل بالصرف، فتصير الأجرة مجهولة، فإن صرف وقصد



(1) سورة البقرة، الآية: 259.
130
الرجوع رجع، وإلا فلا. اه‍. بجيرمي، وقوله بعمارة لها: أي للدار، وهو راجع للأول، وقوله علف، بسكون اللام،
وفتحها، وهو بالفتح، ما يعلف به، وهو راجع للثاني، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: ولا استئجار
لسلخ) أي ولا
يصح استئجار لسلخ شاة بأخذ الجلد، ولا استئجار لطحن نحو بر بأخذ بعض الدقيق، وذلك للجهل بثخانة الجلد،
وبقدر الدقيق، ولعدم القدرة على الأجرة حالا، وخرج بقوله ببعض الدقيق، ما لو استأجره ببعض البر ليطحن باقيه، فلا
يمتنع، كما قاله ع ش (قوله: منفعته) متعلق بتصح: أي إنما تصح الإجارة في منفعة، وذكر لها أربعة شروط: كونها
متقومة، وكونها معلومة، وكونها واقعة للمكتري، وكونها غير متضمنة استيفاء عين قصدا، وبقي عليه خامس: وهو كونها
مقدورة التسلم حسا وشرعا، فلا يصح اكتراء شخص لما لا يتعب ولا مجهول، كأحد العبدين، ولا آبق ومغصوب
وأعمى لحفظ، ولا اكتراء لعبادة تجب فيها نية لها، أو لمتعلقها، كالصلوات، وإمامتها، ولا اكتراء بستان لثمره، لان
الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا، بخلافها تبعا، كما في الاكتراء للارضاع (قوله: أي لها قيمة) أي ليحسن بذل
المال في مقابلتها، وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة، كان بذل المال في مقابلتها سفها، وأفاد بهذا التفسير، أنه ليس
المراد بالمتقوم ما قابل المثلي، بل كل ما كان له قيمة، ولو كان مثليا (قوله: معلومة عينا) أي في إجارة العين. وقوله
وقدرا، أي فيهما. وقوله وصفه، أي في إجارة الذمة. قال البجيرمي: والمراد بعلم عين المنفعة وقدرها وصفتها، علم
محلها كذلك، بدليل تمثيله بعد، بأحد العبدين اه‍. ثم التقدير للمنفعة، إما بالزمان، كسكنى الدار، وتعليم القرآن مثلا
سنة، أو بمحل عمل، كركوب الدابة إلى مكة، وكخياطة هذا الثوب، فلو جمعها، كأن استأجره ليخيط الثوب بياض
النهار، لم يصح، لان المدة قد لا تفي بالعمل (قوله: واقعة للمكتري) أي واقعة تلك المنفعة للمكتري أو المستأجر
(قوله: غير متضمن) الأولى أن يقول غير متضمنة، بتاء التأنيث، وتكون غير صفة لمنفعة، أو حالا من ضميرها. وعبارة
المنهج: لا تتضمن، بالتاء الفوقية، وهي ظاهرة، وقوله بأن لا يتضمنه العقد، مثله في شرح المنهج، وهو تصوير لعدم
تضمن المنفعة، أي استيفائها لاستيفاء العين قصدا (قوله: وخرج بمتقومة الخ) شروع في بيان المحترزات (قوله: فلا
تصح اكتراء بياع) أي دلال، وقوله بمحض كلمة انظر ما فائدة زيادة لفظ محض؟ وفي المنهاج إسقاطه، وهو
أولى، قال
في فتح الجواد، والفعل الذي لا تعب فيه، كالكلمة التي لا تعب فيها، نعم، في الاحياء يجوز أخذ الأجرة على ضربة من
ماهر يصلح بها اعوجاج سيف، أي وإن لم يكن فيها مشقة، لان من شأن هذه الصنائع، أن يتعب في تحصيلها بالأموال
وغيرها، بخلاف الأقوال. اه‍. (قوله: على الأوجه) راجع للكلمات اليسيرة. وقوله ولو إيجابا، أي ولو كانت تلك
الكلمة أو الكلمات إيجابا وقبولا، فلا يصح الاستئجار عليها (قوله: وإن روجت) أي تلك الكلمات أو الكلمات الصادرة
من البياع. وفي القاموس، راج، رواجا، نفق وروجته ترويجا نفقته. اه‍. (قوله: إذ لا قيمة لها) أي الكلمة أو الكلمات
اليسيرة، وهو علة لعدم صحة اكتراء من ذكر (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن عدم صحة اكتراء بياع للتلفظ بمحض
كلمة أو كلمات يسيرة لانتفاء كونه له قيمة اختص هذا، أي عدم الصحة فيما ذكر، بمبيع مستقر القيمة في البلد، وفي
النهاية خلافه، ونصها، وشمل كلام المصنف ما كان مستقر القيمة، وما لم يستقر، خلافا لمحمد بن يحيى، إلا أن
يحمل كلامه على ما فيه تعب اه‍. وقوله خلافا لمحمد بن يحيى: أي حيث قال محل عدم صحة الإجارة على كلمة لا
تتعب، إذا كان المنادي عليه مستقر القيمة. اه‍. ع ش (قوله: بخلاف نحو عبد وثوب) أي بخلاف الاكتراء على التلفظ
بكلمة أو كلمات يسيرة، لأجل بيع نحو عبد أو ثوب، فإنه يصح، لأنه ليس مستقر القيمة، وهذا يقتضي الصحة مع عدم
التعب في ذلك. وقال سم: بخلافه، وهو أنه إن كان فيه تعب، صح، وإلا فلا فرق. اه‍. بالمعنى وقوله مما يختلف

131
الخ، بيان لنحو. وقوله باختلاف متعاطيه، أي مشتريه (قوله: فيصح استئجاره عليه) أي على بيعه. والمراد على التلفظ
بكلمة أو كلمات يسيرة لأجل بيعه، كما علمت، قال ع ش: وكأنهم اغتفروا جهالة العمل هنا للحاجة، فإنه لا يعلم مقدار
الكلمات التي يأتي بها، ولا مقدار الزمان الذي يصرف فيه التردد للنداء، ولا الأمكنة التي يتردد إليها. اه‍. (قوله:
وحيث لم يصح) أي اكتراء بياع الخ: بأن كان على كلمة، أو كلمات لا تتعب، مع كون الثمن مستقر القيمة. وقوله فإن
تعب، أي البياع، ولا يخفى أن الصورة مفروضة في الاكتراء على ما لا يتعب حتى لا يصح، فيكون التعب هذا عارضا
غير الذي انتفي من أصل العقد وبه يندفع ما يقال إن في كلامه تنافيا، فتأمل (قوله: فله أجرة المثل) أي وإن كان ذلك غير
معقود عليه، لان المعقود لما لم يتم إلا به عادة، نزل منزلته، فلم يكن متبرعا به، لأنه عمل طامعا في عوض، وقوله وإلا
فلا، أي وإن لم يتعب بما ذكر، فليس له أجرة المثل (قوله: إذ لا كلفة في ذلك) أي في مجرد تلقين الجواب، أي وما لا
كلفة فيه لا يصح الاستئجار عليه (قوله: وسبقه) أي ابن زياد. وقوله العلامة عمر الفتى، بفتح التاء المخففة، وهو من
العلماء المحققين، وله قبر مشهور، يزار في بيد. وقوله بالإفتاء بالجواز أي جواز أخذ القاضي الأجرة (قوله: إن لم يكن)
أي القاضي ولي المرأة (قوله: فقال) أي العلامة عمر، وقوله إذا لقن، أي القاضي، وقوله صيغة النكاح، أي لقن الولي
الايجاب ولقن الزوج القبول (قوله: فله) أي للقاضي، وقوله أن يأخذ ما أنفقا، أي القاضي والمذكور من الولي والزوج،
وقوله وإن كثر، أي ما اتفقا عليه (قوله: وإن لم يكن لها) أي للمرأة ولي غيره أي القاضي (قوله: لوجوبه) أي الايجاب
عليه، أي القاضي. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ لم يكن لها ولي غيره (قوله: وفيه نظر) أي في الافتاء بالجواز بالقيد
المذكور نظر، وقوله لما تقرر آنفا، أي من أنه لا كلفة في ذلك حتى يصح أخذ الأجرة عليه (قوله: ولا استئجار دراهم
الخ) معطوف على إكتراء بياع: أي ولا يصح استئجار دراهم ودنانير. (وقوله: غير المعراة) أي المجعول فيها عرا،
وسيذكر محترزه. (وقوله: للتزيين) أي لأجل التزيين بها، أي أو الوزن بها أو الضرب على سكتها، ولو قال لنحو
التزيين، كما في العلة بعد، لكان أولى (قوله: لان منفعة نحو التزيين بها) إضافة منفعة إلى ما بعده للبيان، أي منفعة هي
نحو التزيين، والمراد من التزيين، التزين بها، (وقوله: لا تقابل بمال) أي فهي غير متقومة وعبارة المغني، لان منفعة
التزيين بالنقد غير مقومة، فلا تقابل بمال. اه‍. (قوله: وأما المعراة) مثلها المثقوبة، بناء على أنه يحل التزيين بها، أما
على أنه لا يحل، فيحرم استئجارها. قال سم: والمعتمد حل التزيين بالمعراة دون المثقوبة اه‍. (قوله: لأنها
) أي
الدراهم أو الدنانير، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كانت معراة (قوله: بمعلومة) أي وخرج بمعلومة فهو معطوف على
بمتقومه، وكذا يقال فيما بعده، (وقوله: استئجار المجهول) كان الأولى إسقاط المضاف، على وفاق ما قبله وما بعده
(قوله: إحدي الدارين) أي أو الثوبين، (وقوله: باطل) خبر آجرتك (قوله: وبواقعة للمكتري) أي وخرج بواقعة
للمكتري، أي المستأجر (قوله: فلا يصح الاستئجار لعبادة الخ) وذلك لان القصد امتحان المكلف بها بكسر نفسه
بالامتثال وغيره لا يقوم مقامه فيه، ولا يستحق الأجير شيئا، وإن عمل طامعا، كما يدل عليه قولهم كل ما لا يصح

132
الاستئجار له، لا أجرة لفاعله، وإن عمل طامعا. اه‍. نهاية. قال ع ش: ومن ذلك ما يقع لكثير من أرباب البيوت،
كالامراء، أنهم يجعلون لمن يصلي بهم قدرا معلوما في كل شهر من غير عقد إجارة، فلا يستحقون معلوما، لأن هذه
إجارة فاسدة، وما كن فاسدا، لكونه ليس محلا للصحة أصلا، لا شئ فيه للأجير، وإن عمل طامعا، فطريق من يصلي
أن يطلب من صاحب البيت أو غيره أن ينذر له شيئا معينا، ما دام يصلي، فيستحقه عليه. اه‍. (قوله: تجب فيها نية) أي
تجب في تلك العبادة نية، ولا فرق بين أن تكون النية للعبادة نفسها أو لمتعلقها كالإمامة، فإن النية، وإن لم تجب فيها،
فهي واجبة في متعلقها، وهو الصلاة (قوله: غير نسك) بجر غير، صفة لعبادة، وبنصبه حال من ضمير فيها، وأما النسك،
فيجوز الاستئجار له سواء كان حجا أو عمرة، ويتبعهما صلاة ركعتي نحو الطواف، لوقوعهما عن المستأجر، ومثله، تفرقه
زكاة، وكفارة، وذبح، وتفرقه أضحية، وهدى، وصوم عن ميت، فيجوز الاستئجار لها وإن توقفت على النية، لما فيها من
شائبة المال (قوله: لان المنفعة الخ) تعليل لعدم صحة الاستئجار للعبادة المذكورة، (وقوله: في ذلك) أي في العبادة
(قوله: والإمامة) معطوف على كالصلاة، أي وكالامامة، وفي البجيرمي ما نصه: قال ح ل، ولا يبعد أن تكون الخطبة
كالإمامة. اه‍. وما يقع من أن الانسان يستنيب من يصلي عنه إماما بعوض، فذاك من قبيل الجعالة. اه‍. (قوله:
كالاذان والإقامة) أي معا، أو الاذان وحده، وتدخل الإقامة تبعا، وعبارة فتح الجواد، وأذان وإقامة أوله فتدخل تبعا، لا
لها وحدها قالوا: لعدم الكلفة. اه‍. وفي البجيرمي، ويدخل في الاذان الإقامة، ولا تجوز الإجارة لها، أي الإقامة
وحدها، كذا قاله الرافعي، ولا يخلو عن وقفة. اه‍. قال ع ش: وينبغي أن يدخل في مسمى الاذان إذا استؤجر له ما
جرت به العادة من الصلاة والسلام بعد ذلك في غير المغرب لأنهما وإن لم يكونا من مسماه شرعا صارا منه بحسب
العرف. اه‍. (قوله: فيصح الاستئجار عليه) الضمير يعود على ما: أي فيصح الاستئجار على ما لا يحتاج لنية. (وقوله:
والأجرة) مقابلة لجميعه الضمير يعود على ما أيضا، لكن باعتبار بعض أفراده، وهو الاذان، إذ أفراد ما لا يحتاج لنية
كثيرة، ولا يناسب منهما إلا الاذان، بدليل قوله مع رعاية الوقت (وقوله: مع نحو رعاية الوقت) دخل تحت لفظ نحو كل ما
له تعلق بالاذان، كرفع الصوت، وكالصلاة والسلام بعده في غير المغرب، كما تقدم، وعبارة الروض وشرحه، والأجرة
تؤخذ عليه بجميع صفاته، لا على رفع الصوت، ولا على رعاية الوقت، ولا على الحيعلتين، كما قيل بكل منها. اه‍.
وهي مخالفة لكلام الشارح، إلا أن يكون مراده، لا على رفع الصوت وحده الخ. (قوله: وتجهيز الميت) معطوف على
الاذان، أي وكتجهيز الميت (قوله: تعليم القرآن الخ) معطوف أيضا على الاذان، أي وكتعليم القرآن. وقوله كله أو
بعضه، أي مع تعيين ذلك البعض، وإلا فلا يصح قال في الروض وشرحه: لو استأجره ليعلمه عشر آيات من سورة كذا،
لم يصح، حتى يعينها، لتفاوتها في الحفظ والتعليم، صعوبة وسهولة، ولو عين سورة كاملة: أغنى عن ذكر الآيات،
وحتى يكون المتعلم مسلما، أو كافرا يرجى إسلامه، إذ غيره: لا يجوز تعليمه القرآن، فلا تجوز الإجارة له، ثم قال: لو
كان المتعلم ينسى ما يتعلمه، فهل عليه أي الأجير، إعادة تعليمه، أو لا. يرجع فيه إلى العرف الغالب، فإن لم يكن عرف
غالب، فالأوجه اعتبار ما دون الآية، فإذا علمه بعضها فنسيها قبل أن يفرغ من باقيها، لزم الأجير إعادة تعليمها. اه‍.
(قوله: وإن تعين) أي التعليم على المعلم، بأن لم يوجد غيره، وهو غاية المقدر، أي ويصح الاستئجار على
تعليم
القرآن، وإن تعين عليه، (وقوله: للخبر الصحيح) تعليل لذلك المقدر (قوله: أجرا) أي أجرة (قوله: يصح الاستئجار
الخ) حاصل ما ذكره أربع صور، وإن كان قوله الآتي ومع ذكره في القلب صورة مستقلة، وهي القراءة عند القبر، والقراءة
لا عنده، لكن مع الدعاء عقبها، والقراءة بحضرة المستأجر والقراءة مع ذكره في القلب، وخرج بذلك، القراءة لا مع أحد

133
هذه الأربعة، فلا يصح الاستئجار لها، ولو استؤجر لها، فقرأ جنبا، ولو ناسيا، لم يستحق شيئا، لان القصد بالاستئجار
لها، حصول ثوابها، لأنه أقرب إلى نزول الرحمة، وقبول الدعاء عقبها، والجنب، لا ثواب له على قراءته، بل على
قصده في صورة النسيان، وقوله لقراءة القرآن عند القبر، أي مدة معلومة، أو قدرا معلوما، وإن لم يعقبها بالدعاء للميت،
أو لم يجعل أجرها له، لعود منفعتها إليه بنزول الرحمة في محلها. اه‍. فتح الجواد (قوله: أو مع الدعاء) معطوف عند
القبر، وكذا قوله أو بحضرة مستأجر، أي أو عند غير القبر مع الدعاء، وقوله بمثل ما حصل له، أي للقارئ وقوله من
الاجر، بيان لما. وقوله له أو لغيره، تعميم في المدعو له، وهو متعلق بالدعاء، أي أو مع الدعاء بمثل ما حصل للقاري من
الاجر، سواء كان ذلك الدعاء للميت أو لغير، كالمستأجر، وعبارة التحفة فيها إسقاط له الأولى، وإبدال اللام بالباء من
لغيره، ونصها، أو مع الدعاء بمثل ما حصل من الاجر له أو بغيره. اه‍. وكتب سم ما نصه: قوله أو بغيره عطف على
بمثل، والغير كالمغفرة. ش. اه‍. فلعل في عبارة شارحنا تحريفا من النساخ، تأمل (قوله: عقبها) أي القراءة وهو متعلق
بالدعاء (قوله: عين) أي المستأجر زمانا أو مكانا أو لا. أي أنه يصح الاستئجار للقراءة مع الدعاء عقبها، سواء عين
المستأجر للأجير زمانا، أو مكانا للقراءة أو لا (قوله: وفيه الثواب له) أي نية القارئ جعل ثواب القراءة له. أي للمدعو
له وقوله من غير دعاء، أي عقبها. وقوله لغو: أي لان ثواب القراءة للقارئ، ولا يمكن نقله للمدعو له (قوله: خلافا
لجمع) أي قالوا إنه ليس بلغو، فعليه تصح الإجارة ويستحق الأجرة (قوله: وإن اختار السبكي ما قالوه) عبارة شرح
الروض. بعد كلام. قال السبكي تبعا لابن الرفعة، بعد حمله كلامهم على ما إذا نوى القارئ أن يكون ثواب قراءته
للميت بغير دعاء، على أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، إذ قد ثبت أن
القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعه، وأقر النبي (ص) ذلك بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي
بالقصد، كان نفع الميت بها أولى، لأنه يقع عنه من العبادات بغير إذنه، ما لا يقع عن الحي. اه‍. (قوله: وكذا أهديت
الخ) أي وكذلك ما ذكر لغو، لعدم الدعاء (قوله: ومع ذكره في القلب حالتها) أي القراءة، وهو معطوف على بحضرة
المستأجر، وهو يفيد أنه لا بد من اجتماع المستأجر، وذكره في القلب، ولا يكفي مجرد كون القراءة بحضرة من ذكر، وقد
يقال قياس ما تقدم في القراءة عند القبر: خلافه، فإن كان قوله ومع ذكره الخ وجها مستقلا ليس من تتمة ما قبله، فلا
إشكال. اه‍. سم. بتصرف (قوله: وذلك لان موضعها) أي وإنما صح الاستئجار لقراءة القرآن مع أمر من هذه الأمور،
لان موضعها أي القراءة، موضع بركة، وهو علة لصحة الاستئجار عند القبر. وقوله والدعاء بعدها أقرب إجابة، علة
لصحته مع الدعاء عقبها، وقوله وإحضار الخ. علة لصحته بحضرة المستأجر، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله:
وألحق بها) أي بالقراءة. وقوله والدعاء عقبه، معطوف على محض الدعاء، والواو بمعنى مع، أي الاستئجار بمحض
الذكر مع الدعاء عقبه، أي الذكر (قوله: ولا يلزمه) أي الأجير (قوله: ما بعده) أي المتروك (قوله: وبأن) معطوف على
بأنه، أي وأفتى بعضهم بأن من استؤجر الخ (قوله: أن ذلك) أي ما يقرؤه (قوله: بل الشرط عدم الصارف) أي أن لا

134
يصرف القراءة لغير ما استؤجر عنه (قوله: صرحوا في النذر) أي نذر القراءة. وقوله أن ينوي، أي عند الشروع، وقوله
أنها، أي القراءة. وقوله عنه، أي عما نذره (قوله: قلت هنا) أي في الاستئجار للقراءة على القبر (قوله: قرينة صارفة) أي
وهي كونه عند القبر (قوله: لوقوعها) متعلق بصارفه، والضمير يعود على القراءة، (وقوله: عما استؤجر له) متعلق
بوقوعها، وعن: بمعنى اللام، أي أن هنا قرينة تصرف القراءة لما استؤجر له. اه‍. رشيدي. بتصرف (
قوله: ولا كذلك
ثم) أي وليس في النذر قرينة تصرف القراءة لما ذكر، وانظر: لو نذر القراءة عند القبر فمقتضاه أنه لا يحتاج لنية لوجود
القرينة. ثم رأيت سم كتب على قول التحفة، قرينة صارفة، ما نصه: إن كانت كونه عند القبر، فقد يرد ما نذر القراءة
عنده (قوله: ومن ثم لو استأجر هنا الخ) أي ومن أجل أن عدم وجوب النية لوجود القرينة لو استؤجر لمطلق القراءة على
القول بصحته احتاج للنية، فيما يظهر، لفقد القرينة (قوله: وصححناه) أي قلنا بصحة استئجار مطلق القراءة، أي على
خلاف ما مر من الحصر في الأربع، والمعتمد عدم الصحة، لان شرط الإجارة، عود منفعتها للمستأجر، وليس هنا منفعة
تعود عليه فيما إذا استؤجر لقراءة مطلقة (قوله: أو لا لمطلقها) أي أو استؤجر لا لمطلق القراءة، (وقوله: كالقراءة
بحضرته) أي المقروء له، وقوله لم يحتج لها، أي النية (قوله: فذكر القبر) أي في قول بعضهم، من استؤجر لقراءة على
قبر، (وقوله: مثال) أي لا قيد، إذ المدار، على وجود القرينة الصارفة، سواء كانت هي كونه عند القبر، أو كونه بحضرة
المقروء له، أو غير ذلك.
تنبيه: قال في التحفة، ما اعتيد في الدعاء بعد القراءة من: اجعل ثواب ذلك، أو مثله مقدما إلى حضرته (ص)، أو
زيادة في شرفه، جائز، كما قاله جماعة من المتأخرين، بل حسن مندوب إليه، خلافا لمن وهم فيه، لأنه (ص) أذن لنا بأمره
بنحو سؤال الوسيلة له في كل دعاء له بما فيه زيادة تعظيمه الخ. اه‍. وفي ع ش:
فائدة جليلة: وقع السؤال عما يقع من الداعين عقب الختمات من قولهم، اجعل اللهم ثواب ما قرئ زيادة في
شرفه (ص)، ثم يقول، واجعل مثل ثواب ذلك، وأضعاف أمثاله، إلى روح فلان، أو في صحيفته، أو نحو ذلك، هل يجوز
ذلك، أم يمتنع، لما فيه من إشعار تعظيم المدعو إليه بذلك، حيث اعتني به فدعا له بأضعاف مثل ما دعا به للرسول
(ص)؟.
أقول: الظاهر أن مثل ذلك لا يمتنع، لان الداعي لم يقصد بذلك تعظيما لغيره عليه الصلاة والسلام، بل كلامه
محمول على إظهار احتياج غيره للرحمة منه سبحانه وتعالى، فاعتناؤه به، للاحتياج المذكور، وللإشارة إلى أنه (ص)،
لقرب مكانته من الله عز وجل، الإجابة بالنسبة له محققة، فغيره، لبعد رتبته عما أعطيه عليه الصلاة والسلام،
لا تتحقق
الإجابة له، بل قد لا تكون مظنونة - فناسب تأكيد الدعاء له، وتكريره رجاء الإجابة. اه‍ (قوله: وبغير متضمن الخ)
معطوف على بمتقومة، أي وخرج بغير متضمن لاستيفاء عين، ما تضمن استيفاءها: أي استئجار منفعة تضمن استيفاء
عين، كاستئجار الشاة للبنها، وبركة لسمكها، وشمعة لوقودها، وبستان لثمرته، فكل ذلك لا يصح. وهذا مما تعم به
البلوى، ويقع كثيرا (قوله: لان الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا) أي بخلافها تبعا، كما في اكتراء امرأة للارضاع،
فإنه يصح. لان استيفاء اللبن تابع للمعقود عليه، وبيان ذلك: ان الارضاع هو الحضانة الصغرى، وهي وضعه في الحجر
وإلقامه الثدي، وعصره له لتوقفه عليها، فهي المعقود عليه، واللبن تابع إذا بالإجارة موضوعة للمنافع، وإنما الأعيان تتبع

135
للضرورة. ويشترط لصحة ذلك تعيين مدة الرضاع، ومحله، من بيته، أو بيت المرضعة، وتعيين الرضيع بالرؤية، أو
بالوصف، لاختلاف الأغراض باختلاف حاله، وكما يصح الاستئجار للارضاع الذي هو الحضانة الصغرى، يصح
للحضانة الكبرى، ولهما معا والحضانة الكبرى: تربية صبي بما يصلحه، كتعهده بغسل جسده، وثيابه، ودهنه، وكحله،
وربطه في المهد، وتحريكه لينام، ونحوها مما يحتاجه (قوله: ونقل التاج السبكي الخ) ضعيف (قوله: صحة إجارة الخ)
مفعول اختيار المضاف لفاعله (قوله: وصرحوا) أي الفقهاء. (وقوله: بصحة استئجار قناة) عبارة الروض وشرحه،
ويجوز للشخص استئجار القناة، وهي الجدول المحفور للزراعة، بمائها الجاري إليها من النهر، لا إستئجار القرار منها
دون الماء، بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يحصل فيها بالمطر والثلج في المستقبل، لأنه استئجار لمنفعة
مستقبلة. اه‍ (قوله: ويجب على مكر) يعني يتعين لدفع الخيار الآتي، وليس المراد أنه يأثم بذلك لو تركه، كما سيبينه،
(وقوله: تسليم مفتاح دار) أي تسليم مفتاح ضبة دار، أي مع الدار، وقوله لمكتر، أي مستأجر، وهو متعلق بتسليم، ويده
على المفتاح يد أمانة، فإذا تلف بتقصيره، ضمنه، أو عدمه، فلا (قوله: ولو ضاع) أي المفتاح. (وقوله: وجب على
المكري تجديده) أي ولو ضاع من المكتري بتقصيره، لكن عليه القيمة في هذه الحالة، فإن أبى، لم يجبر،
ولم يأثم،
لكن يتخير المكتري (قوله: والمراد بالمفتاح) أي الذي يجب على المكري (قوله: الغلق المثبت) أي كالضبة المسمرة
(قوله: أما غيره) أي أما مفتاح غير الغلق المثبت، فلا يجب تسليمه (قوله: بل ولا قفله) بالجر، عطف على ضمير
تسليمه، أي ولا يجب تسليم قفله، ويجوز فيه الرفع، على أنه بعد حذف المضاف أقيم مقامه، فارتفع ارتفاعه، وعبارة
الفتح مع الأصل، وعلى مكر أيضا مفتاح لغلق مثبت تبعا له، بخلاف قفل منقول ومفتاحه، وإن اعتيد، وهو أمانة بيده،
فلا يضمنه بتلفه بلا تفريط، وجدده إذا ضاع أو تلف، ولو بتقصير، لكن له، مع التقصير، قيمته. اه‍ (قوله: كسائر
المنقولات) أي التي في الدار كالأبواب المقلوعة السرر، من كل ما لا يدخل في الدار إذا بيعت، والكاف للتنظير في عدم
وجوب تسليمه على المكري (قوله: وعمارتها) بالرفع: معطوف على تسليم، أي ويجب على المكري أيضا عمارة الدار
(قوله: كبناء) أي للخراب الذي في الدار، وهو تمثيل للعمارة (قوله: وتطيين سطح) أي وضع الطين فيه (قوله: ووضع
باب) أي انقلع، ومثله، وضع ميزاب، وإعادة رخام، سواء قلعه المكري، أو غيره، قال في التحفة: ولا نظر لكون
الفائت به مجرد الزينة، لأنها غرض مقصود (قوله: وإصلاح منكسر) أي من الأخشاب المغلقة، أو غير الأخشاب (قوله:
وليس المراد بكون ما ذكر) أي من تسليم مفتاح الدار، ومن عمارتها (قوله: أنه) أي المكري. (وقوله: يأثم بتركه) أي
كما هو تفسير الوجوب شرعا (قوله: أو أنه يجبر عليه) أي على ما ذكر، فالضمير يعود على ما وليس عائدا على الترك،
كما هو ظاهر، أي وليس المراد بكون ما ذكر واجبا، أنه يجبر عليه. قال البجيرمي: ومحل عدم وجوب العمارة في حق
من يؤجر مال نفسه، أما الوقف، فيجب على الناظر العمارة، حيث كان فيه ريع - وفي معناه: المتصرف بالاحتياط - كولي
المحجور عليه، بحيث لو لم يعمر، فسخ المستأجر الإجارة، وتضرر المحجور عليه. اه‍ (قوله: بل إنه الخ) أي بل
المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري، أنه إن تركه ثبت الخيار للمكتري.
(والحاصل) المراد بالوجوب: التعين بالنسبة لدفع الخيار، كما علمت (قوله: كما بينته) أي هذا المراد (
قوله:

136
فإن بادر) أي المكري. (وقوله: وفعل ما عليه) أي وفعل الامر الذي وجب عليه، من تسليم المفتاح وعمارة الدار، أي
قبل مضي مدة لمثلها أجرة (قوله: فذاك) أي واضح، وهو جواب إن (قوله: وإلا) أي وإن لم يبادر بفعل ما عليه،
فللمكتري خيار، أي فإن شاء فسخ عقد الإجارة، وإن شاء أمضاه (قوله: إن نقصته المنفعة) أي بعدم العمارة وإصلاح
الخلل، وذلك لتضرره بنقصها. قال في شرح المنهج: نعم، إن كان الخلل مقارنا للعقد، وعلم به، فلا خيار له. اه‍
(قوله: وعلى مكتر تنظيف عرصتها) معطوف على قوله على مكر الخ، من عطف المفردات، أي ويجب على مكتر ذلك،
وليس المراد بالوجوب أنه يلزم المكتري نقله، بل المراد أنه لا يلزم المؤجر ذلك، (وقوله: من كناسة وثلج) متعلق
بتنظيف، أي يجب تنظيفها من الكناسة ومن الثلج، أما الكناسة، وهي ما تسقط من القشور، والطعام، ونحوهما،
فلحصولها بفعله، وأما الثلج، فللتسامح بنقله عرفا. وفي البجيرمي ما نصه:
(والحاصل) أن إزالة الكناسة كالرماد، وتفريغ نحو الحش كالبالوعة، على المؤجر مطلقا، إلا ما حصل منها بفعل
المستأجر، فعليه في الدوام، وكذا بعد الفراغ في نحو الكناسة، لجريان العادة بنقلها شيئا فشيئا، وليس المراد بكون
شئ من ذلك على المستأجر بمعنى نقله إلى نحو الكيمان، بل المراد جمعه في محل من الدار معتاد له فيها، ويتبع في
ربط الدوات، العادة. ق ل. قال م ر: وبعده انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة. اه‍ (قوله: والعرصة الخ)
عبارة المصباح، عرصة الدار، ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، والجمع عراص، مثل كلبة، وكلاب،
وعرصات، مثل سجدة، وسجدات، وفي التهذيب، وسميت ساحة الدار عرصة لان الصبيان يعرصون فيها، أي يلعبون
ويمرحون. اه‍ بحذف (قوله: وهو) أي المكتري أمين على العين المكتراة، أي سواء انتفع بها أم لا، إذ لا يمكن
استيفاء المنفعة بدون وضع يده عليها، ومع ذلك لو ادعى على المؤجر، لم يصدق، إلا ببينة، لان القاعدة، أن كل أمين
ادعى الرد على من ائتمنه، صدق بيمينه، إلا المرتهن، والمستأجر (قوله: وكذا بعدها) أي وكذلك يكون أمينا
فيها بعد
مدة الإجارة (وقوله: ما لم يستعملها) قيد في كونه أمينا فيها بعد مدة الإجارة وسيأتي محترزه (قوله: استصحابا لما كان)
علة لقوله وكذا بعدها، أي وإنما يكون أمينا بعدها أيضا استصحابا لما كان، أي من أمانته قبل انقضائها (قوله: ولأنه لا
يلزمه الرد) أي بعد انقضائها، أي وإذا لم يلزمه الرد بعد ذلك، بقي على ما كان عليه من الأمانة، وقوله ولا مؤنته، أي الرد
(قوله: بل لو شرط أحدهما) أي الرد أو المؤنة في العقد. (وقوله: عليه) أي على المكتري، (وقوله: فسد العقد) أي
عقد الإجارة، وهو جواب لو (قوله: وإنما الذي عليه الخ) أي وإنما الواجب عليه، أي المكتري، (وقوله: التخلية) أي
يخلي بينها وبين مالكها، بأن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها (قوله: كالوديع) أي نظير الوديع، فإنه لا يلزمه الرد،
وإنما يلزمه التخلية، وإذا كان المكتري كالوديع لزمه ما يلزمه، من دفع ضرر عن العين المؤجرة، من حريق، ونهب،
وغيرهما، إذ قدر على ذلك، من غير خطر (قوله: ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية) الضمير يعود على ما ذكر من
العين المكتراة، ويصح رجوعه للمستأجر، ويقدر مضاف بعد الكاف: أي أنه كذي الأمانة، وعبارة النهاية، وما رجحه
السبكي، من أنها كالأمانة الشرعية فعليه إعلام مالكها بها أو ردها فورا، وإلا ضمنها، غير معول عليه، لظهور الفرق بأن
هذا وضع يده عليه بإذن مالكه ابتداء، بخلاف ذي الأمانة الشرعية. اه‍. ويعلم من الفرق المذكور، ضابط الأمانة
الشرعية، والجعلية، وأن الأولى، هي التي لم يأذن المالك في وضع اليد عليها ابتداء، وإنما أذن الشارع في ذلك حفظا

137
لها، والثانية: هي التي أذن المالك في ذلك ابتداء (قوله: فيلزمه) أي المكتري، وهذا مفرع على أنه كالأمانة الشرعية،
(وقوله: إعلام مالكها بها) أي بالعين، وانظر ما المراد بإعلامه بذلك؟ ثم ظهر من كلامه بعد، أن المراد إعلامه بتفريغها
من أمتعته (قوله: والمعتمد خلافه) أي خلاف ما رجحه السبكي، لما علمت من الفرق (قوله: أنه) أي المكتري،
والمصدر المؤول بدل من الأصح (قوله: ليس عليه) أي بعد انقضاء المدة، وقوله إلا التخلية، أي بين العين ومالكها
(قوله: فقضيته) أي قضية كونه ليس عليه إلا التخلية (قوله: لو طلبها) أي المالك (قوله: وحينئذ يلزم من ذلك الخ) أي
وحين إذ كان ليس عليه إلا التخلية، يلزم منه أنه لا فرق في التخلية بين أن يغلق باب نحو الحانوت أو لا، ولا تتوقف
التخلية على عدم غلقه لبابه، وهذا ما جرى عليه في التحفة (قوله: لكن قال البغوي إلخ) جرى عليه في النهاية، ونصها،
وعلى الأول، الأصح لا يلزم المكتري إعلام المكري بتفريغ العين، كما هو مقتضى كلامهم، بل الشرط أن لا
يستعملها، ولا يحبسها، وإن لم يطلبها، فلو أغلق الدار، أو الحانوت بعد تفريغة، لزمته الأجرة، فيما يظهر، فقد صرح
البغوي بأنه لو استأجر الخ. اه‍ (قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج) عبارته بعد عبارة البغوي التي ذكرها الشارح، قال
وقد رأيت الشيخ القفال قال: لو أستأجر دابة يوما، فإذا بقيت عنده، ولم ينتفع بها، ولا حبسها عن مالكها، لا تلزمه أجرة
المثل لليوم الثاني، لان الرد ليس واجبا عليه، وإنما عليه التخلية إذا طلب مالكها، بخلاف الحانوت، لأنه في حبه
وعلقته، وتسليم الحانوت والدار لا يكون إلا بتسليم المفتاح. اه‍. وما قاله في الدابة، واضح، وفي الحانوت والدار،
من توقف التخلية فيهما على عدم غلقه لبابهما، فيه نظر. ولا نسلم له ما علل به، لان التسليم لهما هنا يحصل وإن لم
يدفع المؤجر له مفتاحهما. نعم، ما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه لان التقصير حينئذ من الغائب، لان غلقه مع
غيبته مانع للمالك من فتحه، لاحتمال أن له، أي للغائب، فيه شيئا. اه‍. بحذف (قوله: ولو استعمل العين الخ) هذا
محترز قوله ما لم يستعملها. قال سم: خرج باستعمالها، مجرد بقاء الأمتعة فيها، فلا أجرة، كما قدمته، وكذا مجرد بقاء
البناء والغراس فيها، وقد شرط الابقاء بعد المدة أو أطلق، فلا أجرة، كما قدمته عن الروض. اه‍. (وقوله: بعد المدة)
أي بعد انقضاء مدة الإجارة، (وقوله: لزمه أجرة المثل) أي بالنسبة لما بعد المدة، وتكون من نقد البلد الغالب في تلك
المدة، وعليه الضمان (قوله: كأجير: فإنه أمين) أي على ما استؤجر لحفظه، أو للعمل فيه - كالراعي، والخياط،
والصباغ، شوبرى (قوله: ولو بعد المدة) أي مدة الإجارة إن قدرت بزمن، أي أو بعد تمام العمل إن قدرت بعمل،
كخياطة وغيرها، (وقوله: أيضا) أي كالمكتري (قوله: فلا ضمان الخ) تفريع على كون المكتري والأجير أمينين،
(وقوله: على واحد منهما) أي من المكتري والأجير (قوله: فلو اكترى الخ) تفريع على عدم تضمين واحد منهما، وهذا
هو المكتري (قوله: ولم ينتفع بها) هذا ليس بقيد كما في البجيرمي، بل مثله. ما إذا انتفع بها، لكن الانتفاع المأذون له
فيه (قوله: فتلفت) أي الدابة بآفة سماوية (قوله: أو اكتراه) أي شخص، فالفاعل يعود على معلوم من المقام (قوله:
لخياطة ثوب) أي أو لحراسة (قوله: أو صبغه) بفتح أوله مصدرا، قال في المصباح: وصبغت الثوب صبغا، من بابي،
نفع، وقتل، وفي لغة، من باب ضرب. اه‍ (قوله: فتلف) أي الثواب بآفة سماوية (قوله: فلا يضمن) جواب لو والفاعل
يعود على كل من المكتري ومن الأجير المعبر عنه بقوله أو اكتراه، كما علمت، قال البجيرمي: ومع عدم ضمان الأجير هو

138
لا يستحق الأجرة، لأنه لم يسلم العين كما تسلمها، فلو تعجلها، وجب عليه ردها لصاحبها، ومنه ما يقع من دفع كراء
المحمول معجلا، ثم تغرق السفينة قبل وصولها مكان التسليم، فإنه يجب على المتعجل ردها، لتبين عدم
استحقاقها. اه‍. بتصرف (قوله: سواء انفرد الأجير باليد) أي كأن عمل وحده (قوله: كأن قعد الخ) هو وما بعده مثالان
لما إذا لم ينفرد بالعمل. وقوله أو أحضره منزله: أي وإن لم يقعد معه، أو حمل المتاع ومشي خلفه، لثبوت يد المالك
عليه حكما. اه‍. تحفة (قوله: إلا بتقصير) مرتبط بالمتن، أي فلا ضمان على المكتري والأجير إلا إن حصل منهما
تقصير حتى تلف ما تحت يدهما (قوله: كأن ترك الخ) تمثيل لما إذا حصل منهما تقصير في ذلك (قوله: كانهدام سقف
الخ) تمثيل للسبب في التلف، (وقوله: في وقت لو انتفع الخ) المراد، كما في البجيرمي، ويؤخذ من عبارة سم أنه
حصل الانهدام في وقت جرت العادة بالانتفاع بها فيه وتركه، وخرج به، ما لو حصل الانهدام في وقت لم تجر العادة
بالانتفاع بها فيه وتركه، فإنه لا يضمن، لأنه لا يعد مقصرا بترك الانتفاع فيه وهذا هو المراد وإن كانت الجملة الشرطية لا
تفيده، فتنبه. قال سم، هذا التفصيل المذكور. في الدابة ينبغي جريانه في غيرها، كثوب استأجره للبسه، فإذا ترك لبسه
وتلف، أو غصب في وقت لو لبسه سلم من ذلك، ضمنه، فليتأمل. اه‍. وقال في فتح الجواد، والضمان بذلك، أي
بالانهدام، ضمان جناية، لا يد على الأوجه فلو لم يتلف، لم يضمن. قال الزركشي، ويضمن لو سافر به في وقت لم
يعتد السير فيه فتلف أو غصب اه‍. وقوله سلمت، أي من التلف بذلك السبب. قال البجيرمي: ووجه كونه تعديا أنه لما
نشأ الانهدام عليها، من ترك الانتفاع بها فيه، كان كأنه بفعله، اه‍. ولو ترك الانتفاع وتلفت بسبب غيره، كما لو لدغتها
حية أو نحوها، لم يضمن، عند الرملي (قوله: وكأن ضربها) عطف على كأن ترك، والمراد: ضربها فوق العادة ومثله ما
لو نخعها باللجام كذلك، بخلاف ما لو كان مثل العادة فيهما فلا يضمن، وقوله أو أركبها أثقل منه، أي أو حملها مائة رطل
شعير بدل مائة رطل بر، أو عكسه، وذلك لاجتماع مائة البر بسبب ثقلها في محل واحد، والشعير لخفته يأخذ من ظهر
الدابة أكثر، فتتضرر بذلك، وضررهما مختلف (قوله: ولا يضمن أجير الخ) أي لعدم تقصيره، لأنه لم يسلم إليه المتاع،
وإنما هو بمنزلة حارس سكة سرق بعض بيوتها، قال ش ق: ويعلم منه أن خفراء الأسواق بمصر أو الدواب بالأرياف، لا
ضمان عليهم، لعدم تقصيرهم، ولا يلزمهم إلا إيقاظ الملاك بالنداء، لا دفع اللصوص، فإن قصروا بنوم أو نحوه،
ضمنوا، وإن لم يسلم لهم البهائم، لان ذلك ليس بشرط، ولو في أول ليلة، خلافا لبعضهم، بل الشرط، أن يعرفوا ما
يحرسونه. اه‍. (وقوله: إذا أخذ غيره) أي غير الأجير. (وقوله: ما فيها) أي الدكان، وعبارة المغني: الأجير لحفظ
الدكان مثلا لا ضمان عليه إذا أخذ ما فيه، لأنه لا يدله على المال. اه‍. وقوله ما فيه أي الدكان. ويعلم من عبارتنا، مع
عبارة المغني، أن الدكان يذكر ويؤنث، فانظره. ثم رأيت البجيرمي كتب على قول المنهج، في آخر مبحث زكاة
الماشية، ما نصه، قوله ودكان، بضم الدال المهملة، وهو الحانوت، وفي المصباح، أنه يذكر ويؤنث، وأنه اختلف في
نونه: فقيل أصلية، وقيل زائدة، فعلى الأول، وزنه فعلال، وعلى الثاني، فعلان. اه‍. فتفطن (قوله: لا ضمان أيضا)
أي كما لا ضمان على الأجير لحفظ دكان. وقوله على الخفير، أي الحارس مطلقا في الأسواق، أو الأرياف،
كما علم
مما مر (قوله: وكأن استأجره ليرعى دابته) عطف على قوله كأن ترك المكتري. قال سم: ظاهره ولو ذمة، ففي الضمان
نظر. اه‍. وقوله فيضمنها كل منهما أي من الأجير الأول، والأجير الثاني، وقوله والقرار على من تلفت بيده، أي حيث
كان عالما، وإلا فالقرار على الأول. شرح م ر (قوله: وكأن أسرف خباز في الوقود) أي حتى احترق الخبز، وهو معطوف

139
أيضا على كأن ترك الخ. والوقود، بفتح الواو، ما يوقد به قال تعالى: * (وقودها الناس والحجارة) * (1) وبالضم: الفعل
(قوله: أو مات الخ) معطوف على أسرف، أو على ترك، أي وكأن مات المتعلم من ضرب المعلم. قال ع ش: وإن كان
مثله معتادا للتعليم، لكن يشكل وصفه حينئذ بالتعدي وقد يجاب عنه بما يأتي، من أن التأديب كان ممكنا بالقول، وظن
عدم إفادته إنما يفيد الاقدام، وإذا مات تبين أنه متعد به. اه‍. وعبارة الروض وشرحه، ولو ضرب الأجير الصبي للتأديب
والتعليم فمات، فمتعد لان ذلك ممكن بغير الضرب. اه‍ (قوله: ويصدق الأجير) يعني لو اختلفا في التقصير وعدمه،
صدق، الأجير بيمينه في عدمه، لأنه الأصل (قوله: ما لم يشهد خبيران بخلافه) أي بخلاف ما ادعاه الأجير. قال ع ش،
ومفهومه أنه لا يكفي رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، وهو ظاهر، لان الفعل الذي وقع التنازع فيه، ليس مالا، وإن ترتب
عليه الضمان. اه‍ (قوله: ولو اكتري) أي شخص. وقوله اليوم، أي يوم الاستئجار، وقوله غدا، أي بعد يوم الاستئجار
(قوله: فأقام) أي المكتري للدابة. وقوله بها: أي بالدابة (قوله: ورجع) أي إلى محله. وقوله في الثالث، أي اليوم
الثالث (قوله: ضمنها فيه) أي في الثالث، قال ع ش، أي ضمان يد، أخذا من قوله الاستعمال الخ، وعليه أجرة مثل
اليوم الثالث، وأما الثاني، فيستقر فيه المسمى، لتمكنه من الانتفاع فيه مع كون الدابة في يده، والكلام فيما إذا تأخر، لا
لنحو خوف، وإلا فلا ضمان عليه، ولا أجرة لليوم الثالث، لان الثاني لا يحسب عليه. اه‍. وقوله فقط، أي غير الأول
والثاني (قوله: لأنه استعملها الخ) قال سم: انظر لو لم يستعملها؟ اه‍ (قوله: ولم يبين موضعه) أي العمل، كمحل
العقد، أو غير، وقوله فذهب، أي المكتري، وقوله به، أي بالعبد، وقوله إلى آخر، أي إلى بلد آخر، أي غير بلد العقد
(قوله: فأبق) أي العبد، أي هرب (قوله: ضمنه) قال ع ش: هذا قد يشكل على ما مر من جواز السفر بالعين، حيث لا
خطر، فإن مقتضاه عدم الضمان بتلفها في السفر، إلا أن يصور ما هنا بما لو استأجر القن لعمل لا يكون السفر طريقا
لاستيفائه، كالخياطة، دون الخدمة، وما مر، بما إذ استؤجرت العين لعمل يكون السفر من طرق استيفائه كالركوب
والحمل، فليراجع. اه‍. (وقوله: مع الأجرة) أي أجرة العبد، وظاهره، ولو لم يستوف به العمل (قوله: يجوز لنحو
القصار) هو المبيض للثياب. قال في القاموس: وقصرت الثوب قصرا بيضته. والقصارة، بالكسر، الصناعة. والفاعل
قصار. اه‍. ويندرج تحت لفظ نحو: الخياط، والراعي. وعبارة التحفة: ومر أوائل المبيع قبل قبضه أن للمستأجر حبس
ما استؤجر عليه للعمل فيه ثم لاستيفاء أجرته، ومحله، ما إذا لم يتعدد، وإلا كاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا،
فليس له حبس كراس على أجرة آخر، لان الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة. اه‍. وقوله حبس الثوب، أي عنده
وقوله كرهنه أي الثوب، وظاهره أن الكاف للتنظير، وأنه يجوز لنحو القصار أن يرهن الثوب عند غيره بأجرته من غير إذن
مالكه، وليس كذلك، فالصواب، التعبير باللام، بدل الكاف، والمعنى: يجوز لنحو القصار حبس الثوب عنده قبل
استيفائه الأجرة، لأنه مرهون بأجرته. ثم رأيت في التحفة، التعبير باللام، في كتاب المساقاة، ونصها: (
فرع) أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها وهيأها للزراعة، فزادت قيمتها بذلك، فأراد رهنها، أو بيعها مثلا من غير
إذن العامل: لم يصح لتعذر الانتفاع بها بدون ذلك العمل المحترم فيها، ولأنها صارت مرهونة في ذلك العمل الزائد به
قيمتها، وقد صرحوا بأن لنحو القصار حبس الثوب لرهنه بأجرته حتى يستوفيها. اه‍ (قوله: حتى يستوفيها) أي نحو
القصار الأجرة من المكتري (قوله: ولا أجرة لعمل الخ) في البجيرمي: ومن هذه القاعدة ما لو جلس إنسان عند طباخ،



(1) سورة البقرة، الآية: 24.
140
وقال أطعمني رطلا من اللحم، ولم يسم ثمنا، فأطعمه، لم يستحق عليه قيمته، لأنه بالتقديم له، مسلط له عليه، وليس
هذا من البيوع الفاسدة حتى يضمن بالاتلاف، لأنه لم يذكر فيه الثمن. والبيع إن صح أو فسد: يعتبر فيه ذكر الثمن. اه‍.
من القول التام في آداب دخول الحمام، لابن العماد (قوله: كحلق رأس الخ) تمثيل للعمل (قوله: وقصارته) أي
الثوب، وهو بكسر القاف: تبييضه (قوله: وصبغه) بفتح الصاد. (وقوله: بصبغ) بكسر الصاد، ما يصبغ به. قال في
القاموس. الصبغ، بكسر الصاد - والصبغة، والصباغ أيضا: كله بمعنى، وهو ما يصبغ به، ومنهم من يقول، الصباغ
جمع صبغ، مثل بئر وبئار. اه‍. (وقوله: بصبغ مالكه) أي مالك الثوب، ومفاده أنه إذا كان صبغه بصبغ نفسه، استحق الأجرة
، فانظره، فإنه أطلق في التحفة والنهاية مع الأصل والروض وشرحه، ولم يقيدوا بصبغ مالكه، ولا بصبغ نفسه
(قوله: بلا شرط الأجرة) وهو يحصل بذكرها، أو بذكر ما يقتضيها. ولو قال بلا ذكر ما يقتضي الأجرة، لكان أولى، ليوافق
التفريع بعد (قوله: فلو دفع الخ) تفريع على المنطوق (قوله: ففعل) أي من ذكر من الخياط والقصار والصباغ المأذون له
فيه، وأفرد الضمير، مع أن المرجع جمع، لان العطف بأو، وهي للأحد الدائر، أو باعتبار تأويله بالمذكور (قوله: لا ما
يفهمها) أي لم يذكر أحدهما ما يفهمها، أي الأجرة، كأن قال اعمل وأنا أرضيك، أو لا أخيبك، أو ما ترى مني إلا ما
يسرك، أو اعمل وأنا أثيبك، ونحو ذلك، وفي هذه، يستحق أجرة المثل، كما سيذكره بقوله، أما إذا عرض بها الخ
(قوله: فلا أجرة له) جواب لو، وضمير له، يعود أيضا على من ذكر. وفي شرح الروض: قال الأذرعي، والأشبه أن عدم
استحقاقه الأجرة، محله إذا كان حرا، مكلفا، مطلق التصرف، فلو كان عبدا، أو محجورا عليه بسفه، أو نحوه،
استحقها إذ ليسوا من أهل التبرع بمنافعهم المقابلة بالاعواض. اه‍ (قوله: لأنه متبرع) أي فهو لم يعمل طامعا (قوله:
ولأنه لو قال الخ) عطف على قوله، لأنه متبرع (قوله: لا يستحق عليه) أي على سكناه الدار. قال ع ش، ومثله ما جرت
به العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة ولا ما يقوم مقام
التسمية، لكن قول الشارح أسكني دارك شهرا الخ، يفهم وجوب الأجرة في هذه المسألة، وهو ظاهر. اه‍ (
قوله: وإن
عرف بذلك العمل بها) غاية لقوله ولا أجرة بلا شرط، واسم الإشارة عائد على عدم الشرط المفهوم من قوله بلا شرط،
والباء الداخلة عليه بمعنى مع، والعمل نائب فاعل عرف، والضمير في بها، عائد على الأجرة، أي لا أجرة بلا شرط،
وإن عرف أن هذا العمل يكون بالأجرة مع عدم الشرط. قال البجيرمي: وفي سم، قوله وإن عرف بذلك العمل، لكن
أفتى الروياني باللزوم في المعروف بذلك، وقال ابن عبد السلام: هو الأصح، وأفتى به خلق من المتأخرين، وعليه عمل
الناس الآن، ويعلم منها أن الغاية للرد. اه‍ (قوله: لعدم التزامها) علة لما تضمنته الغاية، أي لا أجرة له إذا كان معروفا
عمله بها، لعدم التزام الأجرة في مقابلة عمله، وهي عين الأولى، أعني قوله لأنه متبرع، فلو اقتصر على إحداهما لكان
أخصر (قوله: ولا يستثنى وجوبها) أي الأجرة من القاعدة المذكورة، أعني ولا أجرة لعامل بلا شرط - إذ هو ليس من
أفرادها، إذ العامل فيها صرف منفعته بنفسه، وداخل الحمام أو راكب السفينة استوفاها من غير أن يصرفها صاحبها إليه
(قوله: أو راكب سفينة) في فتح الجواد، وكداخل الحمام، راكب السفينة، لكن بحثه ابن الرفعة أنه متى علم به مالكها
حين سيرها، لم يستحق شيئا، كما لو وضع متاعه على دابة غيره فسيرها مالكها، فإنه لا أجرة له (قوله: بخلافه بإذنه) أي
بخلاف ما إذا كان دخول الحمام أو ركوب السفينة بإذن صاحبها، فإنه صاحبها، فإنه لا أجرة عليه كالأجير.

141
(تنبيه) قال في المغني: ما يأخذه الحمامي، أجرة الحمام والآلة، من سطل، وإزار، ونحوهما، وحفظ المتاع، لا
ثمن الماء، كما مرت الإشارة إليه، لأنه غير مضبوط، فلا يقابل بعوض. فالحمامي مؤجر، أي للآلة، وأجير مشترك في
الأمتعة، فلا يضمنها كسائر الاجراء، والآلة غير مضمونة على الداخل، لأنه مستأجر لها، ولو كان مع الداخل الآلة، ومن
يحفظ المتاع، كان ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام فقط. اه‍ (قوله: أما إذا ذكر أجرة) محترز قوله ولم يذكر أحدهما
أجرة (قوله: فيستحقها) أي يستحق العامل الأجرة. وقوله قطعا، أي بلا خوف، وقوله إن صح العقد، أي بأن استكمل
الشروط المارة (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم يصح العقد فيستحق أجرة المثل، لا المسمى (قوله:
وأما إذا عرض
بها) محترز قوله ولا ما يفهمها. وقوله فيجب أجرة المثل: أي لأنه لم يعمل متبرعا (قوله: وتقررت: أي الأجرة الخ) أي
استقرت كلها بمضي مدة الإجارة، وقولهم تملك الأجرة بالعقد معينة كانت أو في الذمة، معناه أنها تملك ملكا مراعى
بمعنى أنه كلما مضى زمان على السلامة، بان أن المؤجر استقر ملكه منها على ما يقابل ذلك إن قبض المكتري العين أو
عرضت عليه فامتنع فلا تستقر كلها إلا بمضي المدة (قوله: في الإجارة المقدرة الخ) لو قال للإجارة في المقدرة بوقت،
لكان أولى لان المدة للإجارة، ولأنه أنسب بقوله بعد في المقدرة بعمل، فإنه حذف منه لفظ الإجارة (قوله: وإن لم
يستوف الخ) غاية لتقرر الأجرة: أي تتقرر الأجرة بذلك على المستأجر، سواء استوفى المنفعة أم لا، كأن لم يسكن
الدار، ولم يركب الدابة (قوله: لان المنافع تلفت تحت يده) أي المستأجر، فهو المقصر بترك الانتفاع (قوله: وإن ترك
لنحو مرض) غاية ثانية لما ذكر: أي تستقر الأجرة على المكتري وإن ترك الانتفاع بها لما ذكر (قوله: إذ ليس الخ) علة لما
تضمنته الغاية قبله، أي وإنما استقرت الأجرة إذا ترك الانتفاع لنحو مرض أو خوف طريق، لأنه ليس على المؤجر إلا
تمكين المستأجر من الانتفاع من العين المؤجرة (قوله: وليس له بسبب ذلك الخ) أي ليس للمكتري بسبب المرض أو
خوف الطريق أو نحوهما: فسخ لعقد الإجارة ولا رد للعين المؤجرة إلى أن يتيسر له العمل فيها فيسترجعها منه.
مبحث انفساخ الإجارة
(قوله: وتنفسخ الإجارة الخ) شروع فيما يقتضي الانفساخ للإجارة وما يقتضي الخيار (قوله: بتلف مستوفى منه)
أي حسا كان ذلك التلف، كمثال للشارح، أو شرعا، كحيض امرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة معينة، وقوله معين في
العقد، سيذكر محترزه (قوله: كموت نحو الخ) تمثيل للتلف الحاصل للمستوفي منه، وقوله وأجير، معطوف على نحو،
وهو من أفراده، فالعطف من عطف الخاص على العام (قوله: وانهدام دار) أي وكانهدام دار، ومحل كونه موجبا
للانفساخ، إذا كان كلها، أما انهدام بعضها، فيثبت الخيار للمستأجر، ما لم يبادر المؤجر، ويصلحها قبل
مضي زمن لا
أجرة له، ولم يقيد الدار بكونها معينة، لان إجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين (قوله: ولو بفعل المستأجر) أي ولو كان
التلف حاصلا بفعل المستأجر، فإنه يكون موجبا للانفساخ، ويكون هذا مستثنى من قولهم، من استعجل بشئ قبل
أوانه، عوقب بحرمانه، ويلزمه بإتلاف نحو الدابة، قيمتها، وبإتلاف نحو الدار، أرش نقصها، لا إعادة بنائها. قال في
المغني:

142
(فإن قيل) لو أتلف المشتري المبيع استقر عليه الثمن، ولا ينفسخ البيع، فهلا كان المستأجر كذلك؟
(أجيب) بأن البيع ورد على العين، فإذا أتلفها، صار قابضا لها، والإجارة واردة على المنافع، ومنافع الزمن
المستقبل معدومة، لا يتصور ورود الاتلاف عليها. اه‍ (قوله: في زمان مستقبل) متعلق بتنفسخ، أي تنفسخ بالنظر
للزمان المستقبل وقوله لفوات محل المنفعة، وهو العين، وهو علة لكون الإجارة تنفسخ بالنسبة للمستقبل، وقوله فيه، أي
في المستقبل (قوله: لا في ماض) معطوف على في زمان مستقبل، أي لا تنفسخ بالنظر للزمن الماضي، وقوله
بعد القبض، قيد في عدم الانفساخ بالنظر لما مضى، أي لا تنفسخ بالنظر لذلك بشرط أن يكون التلف حصل بعد
القبض، وخرج به. ما إذا كان التلف قبل القبض، فإنها تنفسخ في جميع ما مضى وما يأتي، كما في المغني، (وقوله:
إذا كان لمثله أجره) أي إذا كان لمثل الماضي، أي لمثل منفعة المستوفى منه في الزمان الماضي أجرة، وهو قيد في القيد
ولو قال، كما في المغني، وكان لمثله أجرة، لكان أولى. وخرج به، ما إذا لم يكن لمثله أجرة، فإنها تنفسخ في الجميع،
كما في المغنى وعبارته: أما إذا كان قبل القبض، أو بعده ولم يكن لمثله أجرة، فإنه ينفسخ في الجميع. اه‍ (قوله:
لاستقراره) أي الماضي: أي أجرته. (وقوله: بالقبض) أي قبض المنفعة، أي استيفائها وهو علة لعدم الانفساخ في
الماضي (قوله: فيستقر قسطه) أي الماضي، (وقوله: من المسمى) أي في العقد، (وقوله: باعتبار أجرة المثل) أي لكل
زمن بما يناسبه فتقوم منفعة المدة الماضية والباقية، ويوزع المسمى على نسبة قيمتها وقت العقد، دون ما بعده، لا على
نسبة المدتين، إذ قد تزيد أجرة شهر على شهور، فلو كانت مدة الإجارة مثلا سنة، ومضى نصفها، وكان المسمى ثلاثين،
وأجرة مثل الماضي عشرون، وجب من المسمى ثلثاه، وهكذا (قوله: وخرج بالمستوفى منه غيره مما يأتي)
وهو
المستوفي، والمستوفى به، والمستوفى فيه. وفي البجيرمي، أنظر صورة المستوفى فيه؟ ولعلها إذا حصل في الطريق
خوف يمنع السير فيها. اه‍ (قوله: وبالمعين الخ) أي وخرج بالمستوفى منه المعين في القعد، المستوفى منه المعين عما
في الذمة، بأن كانت الإجارة ذمية، وسلم المؤجر للمستأجر مستوفى منه معينا عما في ذمته (قوله: فإن تلفهما) أي تلف
غير المستوفى منه، وتلف المعين عما في الذمة (قوله: بل يبدلان) أي غير المستوفى منه والمعين عما في الذمة، فيجوز
إبدال المستوفي إذا تلف بغيره، كراكب بآخر، وساكن بآخر، والمستوفى به بغيره، كمحمول من طعام، وغيره،
والمستوفى فيه، كالطريق بغيره، لأنه يجوز مع السلامة كما سيذكره قريبا، فمع التلف أولى، ويجوز إبدال المعين عما
في الذمة إذا تلف بغيره، بل يجب، كما ستعرفه (قوله: يثبت الخيار) أي في إجارة العين، كما يدل عليه قوله بعد، ولا
خيار في إجارة الذمة الخ، وقوله على التراخي، أي لان الضرر يتكرر بتكرر الزمان، وجعله في الروض على التراخي،
في عيب يتوقع زواله، وإلا فعلى الفور، وعبارته مع شرحه: وإن رضي المستأجر بعيب يتوقع زواله لم ينقطع خياره، لان
الضرر يتجدد ويتعذر قبض المنفعة، فهو كما لو تركت المطالبة بعد مدة الايلاء والفسخ بعد ثبوت الاعسار، لها العود
إليه، وإلا بأن لا يتوقع زواله، انقطع خياره، لأنه عيب واحد، وقد رضي به. اه‍ (قوله: على المعتمد) مقابله يقول إن
الخيار على الفور (قوله: بعيب نحو الدابة) متعلق بيثبت، ونحو الدابة، العبد الأجير، والدار (قوله: المقارن) أي
للعقد، وهو صفة لعيب، (وقوله: إذا جهله) أي المكتري، أما إذا علمه، فلا خيار (قوله: والحارث) أي بعد العقد في
يد المكتري (قوله: لتضرره) أي المكتري بذلك العيب، وهو علة لثبوت الخيار به (قوله: وهو ما أثر الخ) أي العيب
الذي يثبت الخيار وهو ما يؤثر في المنفعة أثرا يظهر له تفاوت في الأجرة، ككونها تعثر، أو تتخلف عن القافلة، لا كخشونة
مشيها، كما جزم به الشيخان، وخالف ابن الرفعة، فجعله عيبا، وصوبه الزركشي، قال: وبه جزم الرافعي في عيب

143
المبيع، قال في المغني، وجمع بين ما هنا وبين ما هناك، بأن المراد هنا خشونة لا يخاف منها السقوط، بخلافه
هناك. اه‍. وقوله تفاوت أجرتها، أما القيمة فليس ظهور التفاوت معتبرا فيها، لان مورد العقد هنا، المنفعة، لا العين،
حتى تعتبر القيمة (قوله: ولا خيار في إجارة الذمة الخ) هذا يدل على أن قوله أولا ويثبت الخيار الخ مفروض في إجارة
العين، كما علمت، وقول بعيب الدابة، أي ونحوها. ومثل العيب - بالأولى، التلف (قوله: بل يلزمه) أي المكري
الابدال، أي لان المعقود عليه في الذمة يثبت فيها بصفة السلامة، وهذا غير سليم، فإذا لم يرض به المكتري، رجع إلى
ما في الذمة، فإن عجز المكري عن إبدالها، تخير المكتري، كما قاله الأذرعي (قوله: ويجوز في إجارة عين أو في ذمة
استبدال الخ) أي لأنه لا ضرر فيه. وقوله المستوفي، بكسر الفاء، اسم فاعل. وقوله كالراكب والساكن، أي واللابس
(قوله: والمستوفى به) أي ويجوز إبدال ما تستوفى المنفعة به. (وقوله: كالمحمول) أي من طعام أو غيره، أي وكالثوب
المعين للخياطة، والصبي المعين للتعليم أو الارتضاع، (وقوله: والمستوفى فيه) أي ويجوز إبدال ما تستوفي فيه
المنفعة، كالطريق (قوله: بمثلها) أي المذكورات، وهو متعلق باستبدال، أي يجوز استبدال المستوفى بمثله، أي طولا،
وقصرا، وضخامة، ونحافة، وغيرها، واستبدال المستوفى به بمثله كذلك، والمستوفى فيه بمثله، كطريق بمثله، لا
بأصعب منه، ولا أطول، ولا أخوف، وقوله أو بدون مثلها، هذا مفهوم بالأولى (قوله: ما لو يشترط) أي المكري علي
المكتري عدم الابدال، فإن اشترط عليه، اتبع. (وقوله: في الآخرين) أي المستوفى به والمستوفى فيه، ولا يجوز
اشتراطه في الأول، أي المستوفي، بكسر الفاء. فإن شرطه، بطل العقد، لما فيه من الحجر عليه من جهة أنه لا يؤجره
لغيره، فأشبه منع بيع المبيع (قوله: فرع) الأولى فرعان بصيغة التثنية (قوله: للبس المطلق) أي غير المقيد بليل أو نهار
(قوله: وإن اطردت عادتهم بذلك) أي بلبسه وقت النوم، وخالف بعضهم فقال: لا يلبسه وقت النوم إن اعتيد ذلك بذلك
المحل، وإلا لم يجب نزعه مطلقا، وعبارة الروض وشرحه، ليس له النوم ليلا في ثوب مستأجر للبس. قال الرافعي،
عملا بالعادة، نعم. لا يلزمه نزع الإزار، كذا قاله المصنف في شرح الارشاد، وقال الأذرعي: الظاهر أن المراد غير
التحتاني، كما يفهمه تعليل الرافعي، اه‍. وظاهر كلام الأصحاب: الأول، وطريقه، إذا أراد النوم فيه أن يشرطه وينام
فيه نهارا، ولو غير القيلولة، ساعة أو ساعتين، لا أكثر النهار، عملا بالعرف، بل لا في القميص الفوقاني، أي لا ينام فيه،
ولا يلبسه كل وقت، بل إنما يلبسه عند التجمل في الأوقات التي جرت العادة فيها بالتجمل، كحال الخروج إلى السوق
ونحوه، ودخول الناس عليه اه‍ (قوله: ويجوز لمستأجر الدابة الخ) أي لأنه استحق جميع منفعتها، فله أن يمنع المؤجر
من التصرف فيه بما يزاحم حقه، وقوله مثلا: أي أو عبدا (وقوله: من حمل شئ عليها) قال سم: أي كتعليق مخلاة
عليها. اه‍ (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، ولفظها، اقتضى كلامهم، وصرح به بعضهم، أن الطبيب الماهر، أي بأن
كان خطؤه نادرا، وإن لم يكن ماهرا في العلم، فيما يظهر، لأنا نجد بعض الأطباء استفاد من طول التجربة والعلاج ما قل
به خطؤه جدا. وبعضهم لعدم ذلك ما كثر به خطؤه، فتعين الضبط بما ذكرته لو شرطت له، إلى آخر ما ذكره الشارح
(قوله: وأعطى ثمن الأدوية) أي زيادة على الأجرة (قوله: فعالجه بها) أي فعالج الطبيب المريض بالأدوية التي أخذ

144
ثمنها (وقوله: فلم يبرأ) أي المريض بمعالجة الطبيب (قوله: استحق المسمى) أي الأجرة التي سميت في العقد (قوله:
إن صحت الإجارة) كأن قدرت بزمان معلوم. ع ش (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم تصح استحق أجرة المثل
(قوله: الرجوع عليه) أي على الطبيب (قوله: لان المستأجر عليه) بفتح الجيم، أي لان الشئ الذي استؤجر عليه هو
المعالجة، لا الشفاء (قوله: بل أن شرط) أي الشفاء في عقد الإجارة (قوله: لأنه) أي الشفاء بيد الله تعالى. قال في
التحفة: نعم إن جاعله عليه، صح، ولم يستحق المسمى إلا بعد وجوده. اه‍ (قوله: أما غير الماهر) هذا مفهوم قوله
الماهر، (وقوله: فلا يستحق أجرة) في سم ما نصه، هل استئجاره صحيح أو لا؟ إن كان الأول: فقد يشكل الحكم الذي
ذكره، وإن كان الثاني، فقد يقيد الرجوع بثمن الأدوية بالجهل بحاله. م ر. فليحرر. اه‍. قال ع ش:
والظاهر الثاني،
ولا شئ له في مقابلة عمله، لأنه لا يقابل بأجرة، لعدم الانتفاع به، بل الغالب على عمل مثله الضرر. اه‍ (قوله:
لتقصيره الخ) أي لتقصير غير الماهر بسبب مباشرته للامر الذي هو لبس بأهل له، فجميع الضمائر تعود على غير الماهر،
ما عدا ضمير له، فإنه يعود على ما (قوله: ولو اختلفا الخ) عقد له في الروض فصلا مستقلا، وما ذكره عين عبارته (قوله:
في أجرة) أي في قدرها: هل هي خمسة دراهم، أو عشرة مثلا؟ (قوله: أو مدة) أي قدرها أيضا، هل هي شهر أو سنة؟
(قوله: أو قدر منفعة) أي قدر الانتفاع بالدابة مثلا؟ وقوله هل هي عشرة فراسخ أو خمسة، بيان للاختلاف في قدر
المنفعة، أي هل الانتفاع بالدابة يكون في عشرة فراسخ أو خمسة؟ (قوله: أو في قدر المستأجر) بفتح الجيم: أي أو
اختلفا في الشئ الذي له استؤجر، هل هو كل الدار أو بعضها؟ (قوله: تحالفا) أي المكري والمكتري، وهو جواب لو:
أي يحلف كل منهما يمينا يجمع نفيا لدعوى صاحبه وإثباتا لدعواه (قوله: أجرة المثل لما استوفاه) أي من منفعة
المستأجر، بفتح الجيم (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو وجد الخ) يعني لو وجد المستأجر ما حمله على دابة المؤجر
من نحو البر أو الشعير ناقصا عما شرطه عليه، كأن شرط عليه في عقد الإجارة حمل عشرة آصع مثلا، فما حمل إلا
تسعة، فإن كان الذي كاله ناقصا عما ذكر هو المؤجر، وكانت الإجارة ذمية: حط قسط من الأجرة قدر النقص، وهو
عشرها في الصورة المذكورة، لأنه لم يف بالمشروط. وإن كان الذي كاله ناقصا هو المستأجر نفسه، وأعطاه للمؤجر
ليحمله، أو كانت الإجارة عينية، بأن كان استأجر دابته ليحمل عليها عشرة آصع، فما حمل عليها إلا تسعة، لم يحط
شئ من الأجرة، لأنه هو الذي رضي على نفسه بالنقص وكان قادرا على الاستيفاء، ومحله في الإجارة العينية، ما إذا
علم المستأجر بالنقص، أما إذا لم يعلم به، بأن أذن للمؤجر في الكيل، فكان ناقصا عن المشروط، فإنه يحط أيضا من
أجرته بقدر النقص، وهذا كله مصرح به الروض وشرحه، وعبارته:
(فرع) وإن كان المحمول على الدابة ناقصا عن المشروط نقصا يؤثر، بأن كان فوق ما يقع به التفاوت بين
الكيلين، أو الوزنين، وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة، إن كانت الإجارة في الذمة، لأنه لم يف
بالمشروط أولا
كذلك، بل كانت إجارة عين، لكن لم يعلم المستأجر النقص، فإن علمه لم يحط شئ من الأجرة، لان التمكين من
الاستيفاء قد حصل، وذلك كاف في تقرير الأجرة، فهو كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص. أما النقص الذي لا يؤثر، فلا
عبرة به، اه‍. بقي ما لو كاله المؤجر أو المستأجر تاما، كما شرط في العقد، ثم سرق بعضه، فهل يضمن المؤجر النقص

145
مع حط الأجرة أو لا يضمن؟ قياس ما مر من عدم الضمان إلا بتقصير فيما لو اكتراه لخياطة ثوب فتلف انه هنا كذلك، فتنبه
(قوله: ولو استأجر) أي شخص، وقوله سفينة، أي أو نحوها كسنبوك، أو مركب، أو بابور (قوله: فدخلها) أي السفينة
(قوله: فهل هو) أي السمك وقوله له، أي للمستأجر (قوله: وجهان) قال في المغني: حكاهما ابن جماعة في فروقه،
أوجههما، أنه للمستأجر، لأنه ملك منافع السفينة ويده عليها، فكان أحق به. اه‍.
(تتمة) في بيان أحكام الجعالة التي تركها المؤلف وكان حقه أن يذكرها تبعا لغيره من الفقهاء، واختلفوا في موضع
ذكرها، فمنهم من ذكرها عقب الإجارة، كالغزالي، وصاحب التنبيه، وتبعهم في الروضة لاشتراكهما في غالب الاحكام،
إذ الجعالة لا تخالف الإجارة إلا في خمسة أحكام، أحدها صحتها على عمل مجهول عسر علمه، كرد الضالة والآبق،
فإن لم يعسر علمه، اعتبر ضبطه، كما سيأتي، إذ لا حاجة إلى احتمال الجهل حينئذ. ثانيها: صحتها مع غير معين، كأن
يقول من رد ضالتي فله علي كذا. ثالثها: كونها جائزة من الطرفين، طرف الجاعل، وطرف العامل. رابعها: العامل لا
يستحق الجعالة إلا بعد تمام العمل. خامسها: عدم اشتراط القبول، ومنهم من ذكرها عقب اللقطة، وهم الجمهور،
وتبعهم النووي في منهاجه، نظرا إلى ما فيها من التقاط الضالة، وهي بتثليث الجيم لغة، ما يجعل للانسان على فعل
شئ، سواء كان بعقد، أو بغيره، وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه، وأركانها إجمالا
أربعة، وكلها قد تضمنها التعريف المذكور، الركن الأول: العاقد، وهو الملتزم للعوض، ولو غير المالك، والعامل،
وشرط في الأول، اختيار، وإطلاق تصرف، فلا تصح التزام مكره، وصبي، ومجنون، ومحجور سفه،
وفي الثاني: ولو
كان غير معين، علمه بالالتزام، فلو قال إن رد آبقي زيد
فله كذا، فرده غير عالم بذلك، لم يستحق شيئا، والمثال الأول للمعين، والثاني لغيره، وشرط فيه أيضا، إذا كان
معينا، أهلية العمل، فيصح ممن هو أهل له، ولو عبدا، وصبيا، ومجنونا، ومحجور سفه، بخلاف صغير لا يقدر على
العمل، لان منفعته معدومة، فالجعالة معه كاستئجار أعمى للحفظ، وهو لا يصح، فكذلك هذا الركن الثاني: الصيغة،
وهي من طرف الجاعل، لا العامل، فلا يشترط قبول منه لفظا، بل يكفي العمل منه، وشرط فيها عدم التأقيت، لان
التأقيت قد يفوت الغرض، الركن الثالث، الجعل وشرط فيه ما شرط في الثمن، فما لا يصح ثمنا لكونه مجهولا أو نجسا،
لا يصح جعله جعلا، ويستحق العامل أجرة المثل في المجهول والنجس المقصود، كخمر، وجلد ميتة، فإن لم يكن
مقصودا، كدم، فلا شئ له. الركن الرابع: العمل وشرط فيه كلفة، وعدم تعينه، فلا جعل فيما لا كلفة فيه، كأن قال من
دلني على مالي فله كذا، فدله عليه، وهو بيد غيره، ولا كلفة، ولا فيما تعين، كأن قال من رد مالي فله كذا، فرده من تعين
عليه الرد لنحو غصب، لان ما لا كلفة فيه وما تعين عليه شرعا، لا يقابلان بعوض، ولو حبس ظلما فبذل مالا لمن يخلصه
بجاهه أو غيره كعلمه وولايته، جاز، لأن عدم التعين صادق بكون العمل فرض كفاية. ولا فرق في العمل بين كونه
معلوما، وكونه مجهولا عسر علمه للحاجة، كما في القراض، فإن لم يعسر علمه، اشترط ضبطه، ففي بناء حائط، يذكر
موضعه، وطوله، وعرضه، وارتفاعه، وما يبنى به، وفي الخياطة، يعتبر وصفها ووصف الثوب، والأصل فيها قبل
الاجماع، خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو الراقي، وذلك أنه كان مع جماعة من الصحابة في السفر، فمروا
بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فباتوا بالوادي، فلدغ رئيس ذلك الحي، فأتوا له بكل دواء، فلم
ينجع، أي لم ينفع بشئ، فقال بعضهم لبعض، سلوا هذا الحي الذي نزل عندكم، فسألوهم، فقالوا هل فيكم من راق،
فإن سيد الحي لدغ؟ فقالوا نعم، ولكن لا يكون ذلك إلا بجعل، لكونهم لم يضيفوهم، فجعلوا لهم قطيعا من الغنم
،

146
وكان ثلاثين رأسا، وكانت الصحابة كذلك، فقرأ عليه أبو سعيد، الفاتحة ثلاث مرات فكأنما نشط من عقال وإنما رقاه
بالفاتحة، دون غيرها، لأنه (ص) قال: فاتحة الكتاب شفاء لكل داء، ثم توقفوا في ذلك فقالوا، كيف نأخذ أجرا على
كتاب الله تعالى؟ فلما قدموا المدينة أتوا النبي (ص) وسألوه عن ذلك، فقال: إن أحق - وفي رواية إن أحسن - ما أخذتم
عليه أجرا، كتاب الله تعالى زاد بعضهم: اضربوا لي معكم بسهم وإنما قال (ص) ذلك تطييبا لقلوبهم، لا طلبا لنصيب
معهم حقيقة، وأيضا، الحاجة قد تدعوا إليها، فجازت كالإجارة، لان القياس يقتضي جواز كل ما دعت إليه الحاجة،
ويستأنس للجعالة بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وكان الحمل معلوما عندهم، كالوسق، وإنما كان هذا
استئناسا، لا دليلا، لأنه في شرع من قبلنا، وهو ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره على الراجح، وقد نظم
معظم ما مر ابن رسلان في زبده فقال:
صحتها من مطلق التصرف بصيغة وهي بأن يشرط في
ردود آبق وما قد شاكله معلوم قدر حازه من عمله
وفسخها قبل تمام العمل من جاعل عليه أجر المثل
والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان المساقاة، والمزارعة، والمخابرة، وقد أفردها الفقهاء بباب
مستقل، وذكرت عقب الإجارة، لان كلا استيفاء منفعة بعوض، ولاشتراط التأقيت فيها، وغير ذلك، والأصل في
المساقاة، خبر الصحيحين أنه (ص): عامل أهل خيبر على نخلها وأرضها على ما يخرج منها من ثمر أو زرع لأنه لما
فتحها ملك نخلها وزرعها، فصار الزرع من عند المالك، فقام مقام البذر، فكانت مساقاة ومزارعة، وهي تصح، تبعا
للمساقاة، كما سيأتي، والحاجة داعية إليها، لان مالك الأشجار، قد لا يحسن العمل فيها، أو لا يتفرغ له، ومن يحسن
ويتفرغ، قد لا يكون له أشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال، وهذا إلى العمل، وأركانها: مالك، وعامل، وعمل،
ومورد، وثمر، وصيغة. وكلها تعلم مما يأتي (قوله: تجوز المساقاة) أي من جائز التصرف، وهو الرشيد المختار، دون
غيره، كالقراض، وتصح لصبي، ومجنون، وسفيه ومن وليهم، عند المصلحة (قوله: وهي الخ) أي شرعا، وأما لغة،
فهي مشتقة من السقي، بفتح السين، وسكون القاف، وتخفيف الياء، وإنما اشتققت منه، لاحتياجها إليه غالبا، لأنه أنفع
أعمالها وأكثرها مؤنة، لا سيما في أرض الحجاز، فإنهم يسقون من الآبار، وقيل مشتقة من السقي، بكسر القاف،
وتشديد الياء، وهو صغار النخل، وعليه إنما اشتقت منه، لأنه موردها. والأول أظهر، لان السقي عليه مصدر، والاشتقاق
منه ظاهر (قوله: أن يعامل المالك غيره) أي بصيغة، كما يفيده قوله بعد معين في العقد، إذ هو يفيد أن المعاملة تكون
بعقد، أي صيغة، نحو ساقيتك على هذا النخل، أو العنب، أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا، وقد اشتمل التعريف المذكور
على أركان المساقاة، وهي ستة: مالك، وعامل، وعمل، وثمر، وصيغة، ومورد، فقوله معين في العقد، إشارة إلى
الصيغة، وقوله المالك غيره، هما الركنان الأولان، (وقوله: على نخل أو شجر) هو السادس، وقوله لتتعهده، هو
الثالث، إذ التعهد عمل. وقوله على أن الثمرة الخ، هو الرابع (قوله: على نخل أو شجر عنب)، متعلق بيعامل، وما ذكر،
هو المورد، كما مر (قوله: مغروس الخ) صفة لكل من نخل وشجر، وذكر ثلاثة شروط للمورد، وهي، الغرس، والتعيين
في العقد، والرؤية. وبقي عليه شرطان، كونه بيد عامل، وكونه لم يبد صلاح ثمره، سواء ظهر أو لا، فلا تصح على غير
مغروس، كودي، ليغرسه، ويتعهده، وتكون الثمرة بينهما، كما لو سلمه بذرا ليزرعه، ولان الغرس ليس من عمل
المساقاة فضمه إليه يفسده، ولا على مبهم، كأحد البساتين، ولا على غير مرئي لهما عند العقد، وذلك للجهل بالمعقود



(1) سورة يوسف، الآية: 72.
147
عليه، ولأنه عقد غرر من حيث أن العوض معدوم في الحال، وهما جاهلان بقدر ما يحصل وبصفاته، فلا يحتمل ضم
غرر آخر، ولا كونه بغير يد العامل كيد المالك، ولا على ما بدا صلاح ثمره لفوات معظم الأعمال، وقوله ليتعهده بالسقي
والتربية، بيان للعمل المختص بالعامل، وذلك لان للعمل في المساقاة على ضربين، عمل يعود نفعه إلى الثمرة، كسقي
النخل، وتلقيحه بوضع شئ من طلع الذكور في طلع الإناث، وهذا مختصر بالعامل، وعمل يعود نفعه إلى
الأرض،
كنصب الدولاب، وحفر الأنهار، وبناء حيطان البستان، وهذا مختص بالمالك، ولا يجوز أن يشترط على المالك أو
العامل ما ليس عليه، فلو شرط على العامل أن يبني جدار الحديقة، أو على المالك تنقية النهر، لم يصح. وقوله على أن
الثمرة الحادثة، أي بعد العقد، وقوله أو الموجودة، أي عنده، لكن بشرط أن لا يكون قد بدا صلاحها، كما مر، وقوله
لهما، أي للمالك والعامل، أي مختصة بهما، فلا يجوز بشرط بعضها لغيرهما، ولا شرط كلها للمالك، ولا يستحق في
هذه العامل أجرة، لأنه عمل غير طامع، كما في القراض، ولا بد أيضا من أن يكون القدر الذي للعامل معلوما بالجزئية:
كربع، وثلث، بخلاف ما لو كان معلوما بغير الجزئية: كقنطار، أو قنطارين (قوله: ولا تجوز) أي المساقاة، والأولى
التفريع. (وقوله: في غير نخل وعنب) أي للنص على النخل، وألحق به العنب، بجامع وجوب الزكاة، وإمكان الخرص
وغيرهما ليس منصوصا عليه، ولا في معناه، فلم تجز المساقاة عليه إلا تبعا لهما، فتجوز فيه. وعبارة م ر: فتصح على
أشجار مثمرة، تبعا للنخل والعنب، إذا كانت بينهما، وإن كثرت، وإن قيدها الماوردي بالقليلة، وشرط الزركشي،
بحثا، تعذر إفرادها بالسقي، نظير المزارعة. اه‍. وعليه حملت معاملة النبي (ص) على الزرع في الخبر، وهو أنه (ص)
عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فالمراد بمعاملتهم، مساقاتهم، ومزارعتهم، تبعا، فالواقع منه (ص)،
مزارعة تابعة للمساقاة. (قوله: وجوزها) أي المساقاة وقوله في سائر الأشجار، أي كالخوخ، والتين، والتفاح، وذلك
لقوله في الخبر السابق: من ثمر أو زرع ولعموم الحاجة، والجديد: المنع، لأنها رخصة، فتختص بموردها، ولأنه لا
زكاة في ثمرها، فأشبهت غير المثمرة، ولأنها تنمو من غير تعهد وفي البجيرمي.
(فائدة) النخل والعنب يخالفان بقية الأشجار في أربعة أمور، الزكاة، والخرص، وبيع العرايا، والمساقاة. اه‍.
برماوي. وأسقط خامسا، وهو: جواز استقراض ثمرتها لامكان معرفتها بالخرص فيهما، وتعذر خرصها في
غيرهما. اه‍. شوبري. اه‍ (قوله: وبه) أي بجواز المساقاة في غير النخل وشجر العنب (قوله: ولو ساقاه على ودي
الخ) محترز قوله مغروس، وهو بفتح الواو، وكسر الدال، وتشديد الياء، صغار النخل (قوله: ويكون الخ) بالنصب:
معطوف على يغرسه، أي وليكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر، للمالك وللعامل (قوله: لم تجز) أي المساقاة، وهو جواب لو
(قوله: جوازها) أي المساقاة على الودي المذكور (قوله: والشجر لمالكه الخ) راجع للمنع، كما في سم، أي وعلى منع
المساقاة في الودي لو عمل العامل فيه يكون الشجر لمالك الودي، وعليه لصاحب الأرض أجرة مثلها، ومحل هذا، إذا
كان مالك الودي العامل، فإن كان صاحب الأرض، فالشجر يكون له، وللعامل أجرة عمله عليه، وعبارة الروض
وشرحه، وإن دفع ذلك، أي الودي، وعمل العامل وكانت الثمرة متوقعة في المدة، فله الأجرة، أي أجرة عمله، على
المالك، وإلا فلا، لا إن كان الغراس للعامل، فلا أجرة له، بل يلزمه للمالك أجرة الأرض، فإن كانت الأرض للعامل،
استحق أجرة عمله وأرضه. اه‍. (قوله: والمزارعة) هي لغة: مشتقة من الزرع، وشرعا، ما ذكره بقوله، هي أن يعامل

148
الخ. والمراد بالعقد كأن يقول له، عاملتك على الأرض لتزرعها، والغلة الحاصلة بيننا نصفان (قوله: ليزرعها) أي
الأرض ذلك الغير الذي هو العامل، وقوله بجزء معلوم، أي على جزء معلوم، كربع، ونصف، وقوله مما يخرج منها،
متعلق بمحذوف صفة لجزء، أي جزء كائن مما يخرج من الأرض، أي من الزرع الحاصل فيها (قوله: والبذر من
المالك) أي والحال أن البذر كائن من المالك، فالجملة حالية (قوله: فهي مخابرة) الضمير يعود على المعاملة المفهومة
من أن يعامل، أي فإن كان البذر من المالك فالمعاملة على الأرض، وتسمى مخابرة. ولا يصح رجوعه للمزارعة، كما هو
ظاهر (قوله: وهما) أي المزارعة والمخابرة، وقوله باطلان: أي استقلالا فقط في المزارعة، ومطلقا في المخابرة. وقد
نظم بعضهم ذلك بقوله:
مزارعة بطلانها مستقلة مخابرة بطلانها مطلقا نقل
وصاحب بذر مالك الأرض في التي بدأنا وبذر في الأخيرة من عمل
قال في شرح المنهج، وإنما لم تصح المخابرة تبعا، كالمزارعة، لعدم ورودها كذلك. اه‍. (قوله: للنهي عنهما)
أي عن المزارعة والمخابرة في الصحيحين. قال البجيرمي: صيغة النهي الواردة في المخابرة، كما في الدميري نقلا عن
سنن أبي داود، من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله. اه‍. والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة
الأرض ممكنة بالإجارة، فلم يجز العمل فيها ببعض ما يخرج منها، كالمواشي، بخلاف الشجر، فإنه لا يمكن عقد
الإجارة عليه، فجوزت المساقاة للحاجة (قوله: واختار السبكي الخ) عبارة شرح المنهج، واختار النووي من جهة الدليل
صحة كل منهما مطلقا، تبعا لابن المنذر وغيره. قال: والأحاديث مؤولة على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر
أخرى، والمذهب ما تقرر. ويجاب عن الدليل المجوز لهما، بحمله في المزارعة على جوازها تبعا أو بالطريق الآتي.
وفي المخابرة: على جوازها بالطريق الآتي. اه‍. (قوله: وعلى المرجح) هو عدم الجواز (قوله: فلو أفردت الأرض
بالمزارعة) التقييد بالافراد لاخراج ما لو لم تفرد، بأن عقد عليها تبعا للمساقاة، فإنه لا يقع المغل فيها للمالك، بل يكون
بينهما، وقوله فالمغل للمالك، أي لان البذر له، والزرع تابع له. قال م ر: فلو كان البذر لهما فالغلة لهما، ولكل على
الآخر أجرة ما صرفه من منافعه على حصة صاحبه (قوله: وعليه للعامل أجرة عمله) أي وعلى المالك للعامل أجرة عمله
ودوابه وآلاته لبطلان العقد، ولا يمكن إحباط عمله مجانا، ولا فرق بين أن يسلم الزرع أو يتلف (قوله: وإن أفردت
الأرض بالمخابرة) التقييد بالافراد هنا غير ظاهر، لما مر من أنها باطلة مطلقا، فكان الأولى أن يقول فلو حصلت أو وجدت
المخابرة في الأرض وقوله فالمغل للعامل، أي لأنه مالك البذر، وقوله وعليه، أي العامل، وقوله أجرة مثلها، أي
الأرض، وإن زادت الأجرة على الخراج (قوله: وطريق جعل الغلة لهما الخ) أشار بذلك لحيلة تسقط الأجرة، وتجعل
الغلة مشتركة بين المالك والعامل في إفراد المزارعة وفي المخابرة وعبارة الروض مع شرحه، فإن أراد صحة ذلك
فليستأجر العامل من المالك نصف الأرض بنصف منافعه، ومنافع آلاته، ونصف البذر إن كان منه. قال في الأصل: أو
يستأجره بنصف البذر، ويتبرع بالعمل والمنافع، أو يقرض المالك نصف البذر، ويستأجر منه نصف الأرض
بنصف عمله
وعمل آلاته. وإن كان البذر من المالك استأجره، أي المالك، العامل بنصف البذر ليزرع له نصف الأرض، ويعيره
نصف الأرض الآخر وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع له باقيه في باقيها. اه‍. (قوله:

149
بنصف البذر) أي ويسلمه للمالك، لئلا يتحد القابض والمقبض، وقوله ونصف عمله، هو وما بعده معطوفان على نصف
البذر، واغتفر الجهل في الأمور المذكورة، للضرورة (قوله: أو بنصف البذر) أي أو يكتري العامل نصف الأرض بنصف
البذر، ويتبرع بالعمل (قوله: إن كان البذر منه) أي من العامل (قوله: فإن كان) أي البذر من المالك: أي مالك الأرض،
وهذه طريق جعل الغلة بينهما في المزارعة، والأولى للمخابرة وقوله استأجره، أي استأجر المالك العامل. وقوله ويعيره
نصفها، أي يعير العامل نصف الأرض، فيكون حينئذ لكل منهما نصف المغل شائعا.
(واعلم) أن الطريق المذكورة وغيرها تقلب المزارعة والمخابرة إجارة، فلا بد من رعاية الرؤية وتقدير المدة
وغيرهما من شروط الإجارة، كما في التحفة، والمغني، والله سبحانه وتعالى أعلم.

150
باب في العارية
أي في بيان أحكامها وشرائطها، وذكرها عقب الإجارة لان كلا منهما استيفاء منفعة، ولاتحاد شرط ما يؤجر وما
يعار، ولذا قيل، كل ما جازت إجارته جازت إعارته. واستثنى من ذلك بعض فروع، والأصل فيها قبل الاجماع، قوله
تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفسر جمهور المفسرين، الماعون في قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (2) بما
يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالفأس، والدلو، والابرة، وفسره بعضهم بالزكاة، وخبر الصحيحين أنه (ص):
" استعار فرسه من أبي طلحة فركبه، ودرعا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال أغصب يا محمد أو عارية؟ فقال بل عارية
مضمونة " قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الاسلام، للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها، فصارت مستحبة، أي
أصالة، وإلا فقد تجب، كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لانقاذ غريق، والسكين لذبح حيوان محترم يخشى
موته، وقد تحرم: كإعارة الصيد من المحرم، والأمة من الأجنبي، وقد تكره، كإعارة العبد المسلم من كافر، وقد تباح،
كالإعارة لغني، كأن استعار من له ثوب مستغن به من صاحب ثياب ثوبا، وقولهم ما كان أصله الاستحباب لا تعتريه
الإباحة، أمر أغلبي، وأركانها أربعة: معير، ومستعير، ومعار، وصغية. وشرط المعير: صحة تبرعه، واختياره، وشرط
المستعير: تعينه، فلا يصح لغير معين، كأعرت أحدكما، وإطلاق تصرف، فلا تصح لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد
وليهم، إذا لم تكن العارية مضمونة، كأن استعار من مستأجر، وشرط المعار، حل الانتفاع به مع ملك منفعته، وبقاء
عينه. وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالاذن في الانتفاع (قوله: بتشديد الياء وتخفيفها) وفيها لغة ثالثة، وهي: عارة، كناقة
(قوله: وهي اسم لما يعار، وللعقد) أي العارية شرعا، تطلق على المعار، وعلى العقد، فهي مشتركة بينهما، كذا في
ع ش (قوله: من عار) أي وهي مأخوذة من عار، أي على مذهب الكوفيين، أو من مصدره على مذهب البصريين (قوله:
ذهب وجاء بسرعة) أي أن معنى عار في اللغة: ذهب وجاء بسرعة، ومنه قيل للغلام الخفيف، عيار، بتشديد الياء، لكثرة
ذهابه ومجيئه، وإنما أخذت العارية الشرعية منه، لذهابها ومجيئها بسرعة لمالكها غالبا. وقيل مأخوذة من التعاور، وهو
التناوب، لان المستعير والمالك، يتناوبان في الانتفاع بها (قوله: لا من العار) أي ليست مأخوذة من العار، وهو العيب.
وقيل مأخوذة منه، لان طلبها عار وعيب، ورد بأن عين العارية، واو، وعين العار ياء. وبأنه (ص) استعار فرسا ودرعا، كما
مر، فلو كانت عيبا لما وجدت منه (ص) (قوله: وهي) أي العارية. وقوله مستحبة أصالة، أي أن الأصل فيها الاستحباب،
وقد يعرض لها غيره، من الوجوب، والحرمة، والكراهة، (قوله: لشدة الحاجة إليها) أي العارية (قوله: وقد تجب) أي
العارية، أي وقد تحرم، وقد تكره، وقد تباح، كما علمت (قوله: كإعارة ثوب) أي كإعارة المالك الثوب، وهو تمثيل
للوجوب، (وقوله: توقفت صحة الصلاة عليه) أي على الثوب، والجملة صفة الثوب، أي ثوب توقفت صحة الصلاة عليه



(1) سورة المائدة، الآية: 2.
(2) سورة الماعون، الآية: 7.
151
بأن لم يوجد غيره، ومحل كون إعارته واجبة، حيث لا أجرة له لقلة الزمن، وإلا لم يجب بذله له بلا أجرة فيما يظهر. ثم
رأيت الأذرعي ذكره. اه‍. تحفة، بتصرف (قوله: وما ينقذ غريقا) معطوف على ثوب: أي وكإعارة ما ينقذ
غريقا،
كحبل، فإنها واجبة، وقوله أو يذبح به، معطوف على ينقذ، أي وكإعارة ما يذبح به كسكين، فإنها واجبة أيضا، قال سم:
ولا ينافي وجوب الإعارة هنا أن المالك لا يجب عليه ذبحه، وإن كان فيه إضاعة مال، لأنها بالترك هنا، وهو غير ممتنع،
لأن عدم الوجوب عليه، لا ينافي وجوب إسعافه إذا أراد حفظ ماله، كما يجب الاستيداع إن تعين وإن جاز للمالك
الاعراض عنه إلى التلف، وهذا ظاهر، وإن توهم بعض الطلبة المنافاة. اه‍. (قوله: يخشى موته) الجملة صفة لحيوان
محترم، أي يخشى موته لو ترك ذبحه، فإعارة السكين لأجل تذكيته، واجبة، لئلا يصير ميتة، فلا ينتفع به (قوله: صح من
ذي تبرع) أي مختار، وهو بيان للمعير، فلا تصح من صبي ومجنون ومكاتب بغير إذن سيده، ومحجور سفه وفلس مكره
بغير حق. أما به، كما لو أكره على إعارة واجبة عليه، فتصح (قوله: إعارة عين) أي لمستعير معين مطلق
التصرف. (وقوله: غير مستعارة) قيد سيأتي محترزه (قوله: لانتفاع) متعلق بإعارة: أي إعارتها لأجل الانتفاع بها (قوله:
مع بقاء عينه) أي المعار، فالضمير يعود على معلوم من المقام، والظرف متعلق بمحذوف صفة لانتفاع: أي انتفاع للعين
كائن مع بقائها، وهو قيد أيضا سيأتي محترزه (قوله: مملوك) أي للمعير، وهو بالجر صفة لانتفاع. وقوله ذلك الانتفاع،
بيان لنائب الفاعل المستتر، لا أنه ظهر، كما هو ظاهر، وعبارته صريحة في أن الانتفاع، هو الذي يوصف بالملكية،
وليس كذلك، بل الذي يوصف بذلك، المنفعة، لا الانتفاع، إذ هو وصف المستعير، لا المعير، وعبارة المنهاج، وملكه
للمنفعة، وهي ظاهرة (قوله: ولو بوصية الخ) غاية في حصول ملكية الانتفاع، أي ولو كان ملك المعير للانتفاع حاصلا
بسبب وصية بأن أوصى للمعير بمنفعة الدار. (وقوله: أو إجارة) أي بأن استأجر الدار، (وقوله: أو وقف) أي بأن وقفت
عليه الدار. ففي الجميع، يملك المنفعة، فيجوز له إعارتها (قوله: وإن لم يملك العين) غاية ثانية: أي المدار على ملك
المنفعة، سواء ملك العين معها أم لا، ولو حذف لفظ، ولو من الغاية الأولى، وأخر قوله بوصية الخ عن هذه الغاية،
وجعله تمثيلا لملك المنفعة من غير ملك العين، بأن يقول كأن آلت إليه بوصية الخ، لكان أولى وأخصر (قوله
: لان
العارية ترد على المنفعة) تعليل لما تضمنته الغاية الثانية مع عدم اشتراط ملك العين، أي وإنما لم يشترط ملك العين،
لان العارية إنما ترد على المنفعة، لا على العين حتى يشرط ملكها. وقوله فقط، أي لا مع العين (قوله: وقيد ابن الرفعة
صحتها) أي العارية (قوله: بما إذا كان ناظرا) محل صحتها منه، كما يؤخذ من النهاية، والتحفة، إذا لم يشرط الواقف
استيفاءها بنفسه، وإلا فلا تصح، ومحل عدم صحتها من غير الناظر، إذا لم يأذن الناظر له في الإعارة، فإن أذن له،
صحت منه، كما يؤخذ من التحفة (قوله: قال الأسنوي: يجوز للامام إعارة مال بيت المال) أي لأنه إذا جاز له التمليك،
فالإعارة أولى. قال في التحفة، ومثله في النهاية، ورد بأنه إن أعاره لمن له حق في بيت المال، فهو إيصال حق
لمستحقه، فلا يسمى عارية، أو لمن لا حق له فيه، لم يجز، لان الامام فيه كالولي في مال موليه، وهو لا يجوز له إعارة
شئ منه مطلقا الخ. اه‍. (قوله: مباح) صفة ثانية لانتفاع، وهو يصح وصفه بالإباحة، فلا اعتراض فيه بالنسبة لهذا
الوصف، وأما بالنسبة للوصف الأول، فهو معترض، كما علمته (قوله: فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به) في البجيرمي
ما نصه: هذا مسلم عند م ر في آلة اللهو، وأما في السلاح والفرس، فجرى فيهما في شرحه على صحة الإعارة مع
الحرمة. وجمع ع ش: بحمل كلامه على ما إذا لم يعلم أو يظن أن الحربي يستعين بهما على قتالنا، وبحمل كلام شرح
المنهج، على ما إذا علم أو ظن ذلك. ثم نظر في كلام م ر بعد حمله على ما ذكر، بأنه لا وجه للحرمة حينئذ (قوله: كآلة
لهو) أي كالمزمار، والطنبور، والدربكة. قال ع ش: قضية التمثيل بما ذكر للمحرم، أن ما يباح استعماله من الطبول

152
ونحوها، لا يسمى آلة لهو، وهو ظاهر، وعليه، فالشطرنج تباح إعارته، بل إجارته. اه‍. (قوله: وفرس وسلاح لحربي)
أي أو لقاطع طريق (قوله: وكأمة) معطوف على كآلة لهو، وانظر: لم أعاد الكاف، ومثل الأمة، الأمرد الجميل، فيحرم
إعارته؟ وقوله مشتهاة، قال في شرح المنهج: أما غير مشتهاة، لصغر، أو قبح، فصحح في الروضة، صحة إعارتها، وفي
الشرح الصغير، منعها. وقال الأسنوي: المتجه الصحة في الصغيرة، دون القبيحة. اه‍. وكالقبيحة، الكبيرة غير
المشتهاة. اه‍. (وقوله: لخدمة أجنبي) خرج به المحرم، وفي معناه، المرأة، والممسوح، وزوج الجارية، ومالكها،
كأن يستعيرها من مستأجرها، أو الموصى له بمنفعتها، إذ لا محذور في ذلك. اه‍. شرح الروض (قوله: وإنما تصح
الإعارة من أهل تبرع) دخول على المتن، ولا حاجة إليه، لعدم طول العهد بمتعلقه المذكور، وهو قوله صح الخ (قوله:
بلفظ) أي أو ما في معناه، ككتابة، وإشارة أخرى مفهمة، وذلك لان الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه المتوقف على
ذلك اللفظ أو نحوه. قال في التحفة: وقد تحصل بلا لفظ ضمنا، كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه، كما جرى عليه المتولي
واقتضى كلامهما اعتماده، وكأن أذن له في حلب دابته واللبن للحالب، فهي مدة الحلب عارية تحت يده، وكأن سلمه
البائع المبيع في ظرف، فهو عارية. وكأن أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه، وقبل أكلها هو أمانة، وكذا إن كانت
الهدية عوضا. اه‍. وفي البجيرمي: ويستثنى من اشتراط اللفظ، ما إذا اشترى شيئا، وسلمه له البائع في ظرف،
فالظرف معار، في الأصح، وما لو أكل المهدي إليه الهدية في ظرفها، فإنه يجوز، إن جرت العادة بأكلها منه، كأكل
الطعام من القصعة المبعوث فيها وهو معار، فيضمنه بحكم العارية، إلا إذا كان للهدية عوض، وجرت العادة بالاكل منه،
فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة، فإن لم تجر العادة بما ذكر ضمنه في الصورتين، بحكم الغصب. اه‍. سلطان.
(والحاصل) أن الظرف أمانة قبل الاستعمال مطلقا، ومغصوب بالاستعمال الغير المعتاد مطلقا، وعارية
بالاستعمال المعتاد إن لم يكن عوض، وإلا فمؤجر إجارة فاسدة. اه‍. (قوله: كأعرتك الخ) تمثيل للفظ الذي يشعر
بالاذن فيه، وقوله وأبحتك، الواو بمعنى، أو. وقوله منفعة، تنازعه كل من أعرتك ومن أبحتك، وضميره يعود على
المعار. ومثله، أعرتك هذا (قوله: وكاركب) أي هذا، ومثله: اركبني (قوله: وخذه) أي أو خذه، أي الثوب مثلا لتنتفع
به (قوله: ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) فلو قال أعرني فأعطاه، أو قال له أعرتك فأخذ، صحت العارية، كما في
إباحة الطعام، ولا يشترط اللفظ من جانب المعير، بخلافه في الوديعة، لأنها أمانة، فاحتيج إلى لفظ من جانب المالك،
ولا يكفي الفعل من الطرفين إلا فيما استثني، ولا سكوت أحدهما من غير فعل، ولا يشترط الفور في القبول، والمعتمد
أن العقد يرتد بالرد، وكون العارية من قبيل الإباحة، إنما هو من حيث جواز الانتفاع (قوله: ولا يجوز لمستعير إعارة
عين) أي لأنه لا يملكها، وإنما يملك أن ينتفع بها (قوله: بلا إذن معير) متعلق بإعارة، أي الإعارة بلا إذن معير لا تجوز،
أي أما بإذنه، فتجوز. قال الماوردي: ثم إن لم يسم المالك من يعير له، فالأول على عاريته، وهو المعير للثاني،
والضمان باق عليه، وله الرجوع فيها. وإن ردها الثاني عليه، برئ، أي الثاني، وأما الأول، فباق على الضمان، وإن
سماه انعكست هذه الأحكام. اه‍. بجيرمي (قوله: وله) أي للمستعير. (وقوله: إنابة من يستوفي المنفعة له) أي
للمستعير، أي لأجل قضاء حاجته، وإنما جازت الإنابة لذلك، لان الانتفاع راجع إليه. وخرج بقوله له: ما لو أناب من
يستوفي المنفعة لا له بل للمستوفي فإنه لا يجوز (قوله: كأن يركب) من أركب، فهو بضم الأول وكسر الثالث، (وقوله:
من هو مثله) مفعول يركب. (وقوله: أو دونه) أشار به وبما قبله إلى أن له الاستنابة إذا لم يكن فيها ضرر زائد على

153
استعمال المستعير، وفي النهاية قال في المطلب، وكذا زوجته، أو خادمه، لرجوع الانتفاع إليه أيضا، قال الأذرعي:
نعم، يظهر أنه، إذا ذكر له أنه يركبها زوجته زينب، وهي بنت المعير، أو أخته، أو نحوهما، لم يجز له إركاب ضرتها،
لأن الظاهر، أن المعير لا يسمح بها لضرتها. اه‍. وكتب ع ش: قوله لرجوع الانتفاع إليه أيضا، يؤخذ منه أن محل جواز
ذلك، فيما لو أركب زوجته أو خادمه لقضاء مصالحة، أما لو أركبهما لما لا تعود منفعة إليه، كأن أركب زوجته لسفرها
لحاجتها، لم يجز. اه‍ (قوله: لحاجته) متعلق بيركب، أي يركبه لأجل قضاء حاجة المستعير، أما لو كان لأجل حاجة
الراكب، فلا يجوز، كما مر، ولا يجوز أيضا إذا كان من هو مثله أو دونه عدوا للمعير، كما في سم (قوله: ولا يصح إعارة
ما لا ينتفع به مع بقاء عينه) أي ولا يصح إعارة الشئ الذي لا ينتفع به مع بقاء عينه، بل ينتفع به مع استهلاك
عينه. فالنفي
مسلط على القيد، أعني مع بقاء عينه، وهذا محترز قوله، الانتفاع مع بقاء عينه (قوله: كالشمع) بفتح الميم، جمع شمعة
بفتحها أيضا، وإن اشتهر على ألسنة المولدين سكانها، وقوله للوقود، متعلق بمحذوف، أي كإعارة الشمع للوقود وهو
بضم الواو، لأنه بالفتح، اسم لما يوقد به، وليس مرادا هنا. وكذلك إعارة المطعوم لاكله، والصابون للغسل به، فلا
تصح، لان الانتفاع بذلك، يحصل باستهلاكه وفي البجيرمي، وهل ينزل الاستقذار منزلة إذهاب العين، فلا تصح إعارة
الماء للغسل أو الوضوء، وإن لم يتنجس أو تصح، نظرا لبقاء عينه مع طهارته؟ محل نظر. وجرى ق ل على صحة إعارة
ذلك، لكن تبعا للظرف. ومشى الرملي في شرحه على جواز إعارة الماء للغسل والوضوء والتبرد، لأنه يبقى في ظرفه،
والاجزاء الذاهبة منه بمنزلة ما يذهب من الثوب المعار بالانمحاق. اه‍. (قوله: لاستهلاكه) علة لعدم صحة إعارة الشمع
للوقود - أي وإنما لم تصح: لاستهلاك الشمع بالوقود (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن العلة في عدم صحة إعارة
الشمع للوقود استهلاكه: صحت إعارة الشمع للتزين به لعدم استهلاكه (قوله: كالنقد) الكاف للتنظير: أي نظير صحة
إعارة النقد للتزين به. وعبارة الروض وشرحه: ولا يعار النقدان - إذ منفعة التزين بهما، والضرب على طبعهما: منفعة
ضعيفة قلما تقصد، ومعظم منفعتهما في الانفاق والاخراج - إلا للتزيين، أو للضرب على طبعهما - فيما يظهر: بأن صرح
بإعارتهما لذلك، أو نواها فيما يظهر - فتصح: لاتخاذ هذه المنفعة مقصدا - وإن ضعفت. اه‍. (قوله: وحيث لم تصح
العارية) أي لفقد شرط من الشروط السابقة، كأن لا يكون مملوكا لمعير، أو لم يكن الانتفاع به مباحا، أو كان ينتفع
بالمعقود عليه مع استهلاك عينه (قوله: فجرت) أي العارية: أي صورتها (قوله: ضمنت) أي العارية بمعنى المعار، ففي
الكلام استخدام (قوله: لان للفاسد حكم صحيحه) علة للضمان. قال في التحفة: ويؤخذ من ذلك أنها مع اختلال شرط
أو شروط مما ذكروه: تكون فاسدة مضمونة - بخلاف الباطلة قبل استعمالها والمستعير أهل للتبرع، وهي التي اختل فيها
بعض الأركان. اه‍. وكتب سم ما نصه: قوله ويؤخذ من ذلك الخ - كذا في شرح الرملي، وفيه نظر، والوجه الضمان -
لان اليد: يد ضمان. ثم رأيت م ر توقف فيه بعد أن كان وافقه، ثم ضرب على قوله وحيث لم تصح العارية فجرت إلى هنا
من شرحه. اه‍ (قوله: وقيل لا ضمان: لان ما جرى بينهما ليس بعارية) أسقط شيئا من جملة التعليل ذكره في التحفة:
وهو من قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعة: كان أمانة، وإنما لم يكن عارية أصلا: لان حقيقتها إباحة الانتفاع بما يحل
الانتفاع به الخ. وهذا ليس كذلك، لأنه فقد قيد من القيود، فلم توجد تلك الحقيقة. (قوله: ولو قال) أي مالك أرض
(قوله: فحفر) أي المأمور (قوله: لم يملكها) أي البئر الحافر لعدم شروط البيع. وانظر: هل تكون عارية أو لا؟ والظاهر
الأول. وإعارة الأرض لحفر بئر فيها: صحيحة - كما في النهاية - ونصها: وفي الروضة - عن البيان - لو أعاره أرضا لحفر
بئر فيها: صح، فإذا نبع الماء: جاز للمستعير أخذه، لأنه مباح بالإباحة الخ. اه‍. (قوله: ولا أجرة له) أي للحافر في

154
مقابلة حفره (قوله: فإن قال) أي الحافر للآمر. (وقوله: أمرتني) أي بالحفر (قوله: فقال) أي الآمر. (وقوله: مجانا) أي
بلا أجرة (قوله: صدق الآمر) أي في أنه أمره بالحفر من غير أجرة (قوله: ولو أرسل) أي شخص (قوله: لم يصح) أي
الإعارة له بمعنى العقد، ولذلك ذكر الضمير، لكن الأولى لم تصح، بتاء الغائبة، وإنما لم تصح: لأنه يشترط في
المستعير ما اشترط في المعير - من كونه أهل تبرع (قوله: فلو تلف) أي الشئ المعار بآفة. (وقوله: في يده) أي الصبي
(قوله: أو أتلفه) أي أو كان الاتلاف بفعله (قوله: لم يضمنه هو) أي الصبي لتسليط المالك له، فهو مقصر بذلك، وحينئذ
يكون هذا مستثنى من قوله: وحيث لم تصح العارية، فجرت: ضمنت. (وقوله: ولا مرسله) أي ولم يضمن مرسل
الصبي. قال ع ش: أي لأنه لم يدخل في يده (قوله: كذا في الجواهر) قال في التحفة بعده: ونظير غيره في قوله أو
أتلفه، والنظر واضح إذ الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الاتلاف، فليحمل ذلك على ما لم يعلم أنه
رسول. اه‍. وكتب سم ما نصه: قوله فليحمل ذلك الخ.
(أقول) فيه نظر أيضا، لان الإعارة لا تقتضي تسليط المستعير على الاتلاف - غاية الأمر أنها تقتضي المسامحة
بالتلف بواسطة الاستعمال المأذون فيه. فليتأمل. اه‍. وقال ع ش: ويمكن الجواب بأنها - وإن لم تقتض التسليط
بالاتلاف - لكنها اقتضته بالتسليط على العين المعارة بوجوه الانتفاع المعتاد، فأشبهت المبيع. وقد صرحوا فيه بأن
المقبوض بالشراء الفاسد من السفيه: لا يضمنه إذا أتلفه. اه‍. (قوله: ويجب على مستعير الخ) شروع فيما يترتب على
العارية من الاحكام (قوله: ضمان قيمة) هذا في المتقوم أو ضمان مثله في المثلى على الأوجه - كما سيصرح به قريبا
(قوله: يوم تلف) متعلق بمحذوف صفة لقيمة. أي قيمة كائنة له يوم تلفه، لا يوم قبضه - فإذا تلف المعار: قوم يوم تلفه -
أي وقته، لا يوم قبض المستعير له من المعير. وقوله للمعار: متعلق بمحذوف صفة لكل من قيمة ومن تلف (قوله: إن
تلف) لا حاجة إليه بعد قوله تلف، فالأولى حذفه، ويكون قوله بعد كله توكيدا للمعار. (وقوله: أو بعضه) معطوف عليه
(قوله: في يده) هكذا في فتح الجواد، والذي في التحفة والنهاية: عدم اشتراط كونه في يده، وعبارتهما: ولا يشترط في
ضمان المستعير كون العين في يده، بل وإن كانت بيد المالك، كما صرح به الأصحاب انتهت: أي كأن أرسل المستعير
مالكها معها (قوله: ولو بآفة) أي ولو كان التلف بآفة (قوله: من غير تقصير) من جملة الغاية، ولو زادوا العطف: لكان
أولى أي ولو من غير تقصير، ولا يغني عنه قوله بآفة، لأنه قد يكون بها، لكن مع تقصير منه، بأن سافر بالمعار (قوله:
بدلا) حال من قيمة: أي يجب ضمان قيمة حال كونها بدلا من المعار، وهذا إذا تلف كله. (وقوله: أو أرشا) أي إذا تلف
بعضه، وهو مقدار ما نقص من قيمته (قوله: وإن شرطا) أي أنه يضمن بالتلف، وإن شرط العاقدان عدم ضمانه بذلك،
ويلغو الشرط المذكور فقط، ولا يفسد العقد به. قال في فتح الجواد: ولو شرط كونها أمانة: لغا الشرط فقط. ويوجه بأن
فيه زيادة رفق بالمستعير، فهو كشرط فيه رفق بالمقترض، بجامع مع أن كلا المقصود منه إرفاق الآخد. اه‍. واعتمد م ر:
فساد العقد بالشرط المذكور (قوله: لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة) هذا ليس لفظ الخبر، ولفظه:
روى أبي داود
وغيره بإسناد جيد أنه (ص) استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب: يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة
(قوله: أي بالقيمة الخ) تفسير مراد للضمان في الخبر من الشارح، ولو قدمه على الخبر وجعله تقييدا لضمان القيمة الذي
في المتن - ومحل التقييد قوله في المتقوم - لكان أولى (قوله: يوم التلف) أي وقته (قوله: لا يوم القبض) أي لا وقته، فلا
تعتبر بوقت القبض: أي ولا بأقصى القيم - أي أبعدها وأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف، وإلا لزم تضمين ما نقص
بالاستعمال المأذون فيه (قوله: في المتقوم) أي يضمن بالقيمة في المتقوم. (وقوله: وبالمثل) معطوف على بالقيمة

155
(قوله: على الأوجه) أي عند شيخه ابن حجر، ووافقه الخطيب في الاقناع، حيث قال: وهذا هو الجاري على القواعد،
فهو المعتمد (قوله: وجزم في الأنوار الخ) اعتمده م ر (قوله: كخشب وحجر) تمثيل للمثلي، كما في البجيرمي (قوله:
وشرط التلف الخ) دخول على المتن. (وقوله: المتضمن) بصيغة اسم الفاعل، فهو بكسر الميم المشددة (قوله: أن
يحصل) أي التلف وقوله باستعمال: أي مأذون فيه، كما يدل عليه المفهوم (قوله: وإن حصل) أي التلف معه: أي
الاستعمال المأذون فيه، كأن استعار دابة لاستعمالها في ساقية، فسقطت في بئرها، فماتت: فيضمنها المستعير، لأنها
تلفت في الاستعمال، لا به (قوله: فإن تلف هو الخ) مفهوم قوله باستعمال، قال البجيرمي: حاصله أن يقال إن تلفت
بالاستعمال المأذون فيه: لا ضمان، ولو بالتعثر من ثقل حمل مأذون فيه، وموت به، وإنمحاق ثوب بلبسه، لا نومة فيه،
حيث لم تجر العادة بذلك، بخلاف تعثره بانزعاج، أو عثوره في وهدة، أو ربوة، أو تعثره لا في الاستعمال المأذون فيه:
فإنه يضمن في هذه الأمور. ومثله: سقوطها في بئر حال السير - كما قاله م ر. اه‍ (قوله: فلا ضمان) جواب إن. وقوله
للاذن فيه أي في الاستعمال (قوله: وكذا لا ضمان على مستعير الخ) أي لا ضمان على مستعير الخ - مثل أنه لا ضمان
على من تلف المعار تحت يده بالاستعمال المأذون فيه. (وقوله: من نحو مستأجر إجارة صحيحة) قال في فتح الجواد -
بخلاف المستعير من مستأجر آجارة فاسدة، لان معيره ضامن - كما جزم به البغوي وعلله بأنه فعل ما ليس له - قال:
والقرار على المستعير، ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه، بل في سقوط الضمان بما يتناوله الاذن
فقط. اه‍. وقوله بما يتناوله الاذن فقط: أي والاذن في الفاسدة لم يتناول الإعارة، لان المستأجر فيها لا يملك المنفعة
(قوله: فلا ضمان عليه) أي على المستعير من المستأجر، ولا حاجة إليه بعد قوله وكذا لا ضمان الخ (قوله: لأنه) أي
المستعير. وقوله نائب عنه: أي المستأجر (قوله: وهو) أي المستأجر لا يضمن. وقوله فكذا هو: أي المستعير (قوله:
وفي معنى المستأجر: الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه) أي فلا ضمان على المستعير منهما (قوله: وكذا مستعار
الخ) أي ومثل المستعار من المستأجر والموصى له بالمنفعة والموقوف عليه، المستعار من المالك ليرهنه، فإنه لا ضمان
إذا تلف في يد المرتهن، لا على المستعير الذي هو الراهن، ولا على المرتهن، لان الثاني، أمين، والأول، لم يسقط
الحق عن ذمته، كما مر للشارح في مبحث الرهن، أما إذا تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعد فكاك الرهن، فالضمان
عليه، لأنه مستعير الآن (قوله: لا ضمان عليه) أي المرتهن. وقوله كالراهن، أي كما أنه لا ضمان على الراهن، وقد
علمت العلة في ذلك (قوله: وكتاب موقوف) بالرفع معطوف على مستعار، أي وكذا كتاب موقوف، فإنه لا ضمان على
من استعاره إذا تلف. وقوله على المسلمين، أي وهو أحدهم. وقوله مثلا، اندرج فيه الموقوف على العلماء أو السادة وهو
منهم (قوله: استعاره فقيه) أي من الناظر (قوله: فتلف في يده من غير تفريط) أي أما به: فيضمن (قوله: لأنه الخ)
تعليل لمحذوف: أي فهو لا يضمنه، لأنه من جملة المسلمين الموقوف عليهم (قوله: لو اختلفا) أي المعير والمستعير،
صدق المعير، أي بيمينه، وجرى م ر على تصديق المستعير، لان الأصل براءة ذمته، وعبارته، ولو اختلف في حصول
التلف بالاستعمال المأذون فيه أو لا: صدق المستعير بيمينه، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لعسر إقامة البينة عليه،

156
ولان الأصل براءة ذمته، خلافا لما عزى للجلال البلقيني من تصديق المعير. اه‍. (قوله: لان الأصل الخ)
علة لتصديق
المعير. (وقوله: حتى ينبت مسقطه) أي الضمان، وهو ما مر من كون العارية تكون من مستأجر إجارة صحيحة، أو من
المالك للرهن، ونحو ذلك (قوله: ويجب عليه، أي على المستعير مؤنة رد) أي للخبر الصحيح على اليد ما أخذت حتى
تؤديه ولأنه قبضها لمنفعة نفسه. قال في المغني، ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك، إلا إذا حجر على
المالك المعير، فإنه لا يجوز الرد إليه، بل إلى وليه. اه‍. (قوله: على المالك) متعلق برد، أي رد، على المالك، أي أو
نحوه، من مكتر، وما في معناه، كالموصى له بالمنفعة (قوله: وخرج بمؤنة الرد) هي أجرة حمله أو من يوصله إلى
المالك (وقوله: مؤنة المعار) أي من نفقة وكسوة ونحوهما (قوله: وخالف القاضي) ضعيف (قوله: وجاز لكل من المعير
الخ) شروع في بيان أن العارية جائز من الطرفين، وإنما كانت كذلك لأنها مبرة من المعير، وارتفاق من المستعير، فلا
يليق بها الالزام منهما، أو من أحدهما.
(واعلم) أن العقود التي يعتبر فيها عاقدان تنقسم ثلاثة أقسام: أحدها جائز من الطرفين، فلكل من العاقدين
فسخه، وهو العارية، والوكالة، والشركة، والقراض، والوديعة، والجعالة قبل الشروع في العمل، أو بعده وقبل تمامه،
والوصية للغير بشئ من الأموال، وغير ذلك، كالرهن قبل القبض، والهبة كذلك، والثاني لازم منهما، فليس لأحدهما
فسخه بلا موجب يقتضيه، كعيب وهو البيع، والسلم بعد انقضاء الخيار، والصلح، والحوالة، والإجارة، والمساقاة،
والهبة بعد القبض، إلا في حق الفرع والوصية بعد موت، وغير ذلك، كالنكاح والخلع، والثالث، جائز من أحدهما، وهو
الرهن بعد القبض بالاذن، فإنه جائز من جهة المرتهن، لازم من جهة الراهن والضمان، فإنه جائز من جهة المضمون له،
لازم من جهة الضامن. والكتابة: فإنها جائزة من جهة المكاتب، لازمة من جهة السيد، وهبة الأصل لرفعه بعد القبض
بالاذن، فإنها جائزة من جهة الأصل، لازمة من جهة الفرع، وغير ذلك، كالجزية، فإنها جائزة من جهة الكافر، لازمة من
جهة الامام، وقد نظمها بعضهم في قوله:
من العقود جائز ثمانية وكالة، وديعة، وعارية
وهبة من قبل قبض، وكذا شركة، جعالة قراضية
ثم السباق ختمها، ولازم من العقود مثلها وها هيه:
إجارة، خلع، مساقاة، كذا وصية، بيع نكاح الغانية
والصلح أيضا، والحوالة التي تنقل حق ذمة لثانيه
وخمسة لازمة من جهة: رهن، ضمان، جزية، أمانيه
كتابة، وهي ختام يا فتى فاسمع بأذن للصواب واعية
وقوله ثمانية، ليس القصد الحصر، وإلا فهي تزيد على ذلك، ومثله يقال في قوله، ولازم من العقود مثلها، وقوله
ثم السباق، أي المسابقة، أي عقدها، وفيه أنها إن كانت من غير عوض من أحدهما، فهي لازمة من الطرفين، وإن كانت
بعوض من أحدهما، فهي جائزة في حق الآخر، وقوله أمانيه، بتخفيف الياء، ومراده بها الأمان، فهو جائز من جهة
الكافر، لازم من جهتنا، وزاد بعضهم في اللازمة منهما، فقال:
وهبة من بعد قبض يا فتى فإنها من بعد قبض لازمه
واستثن أصلا أن يهب لفرعه من بعد قبض الفرع فهي جائزة

157
(قوله: حتى في الإعارة لدفن ميت) أي لا يجوز الرجوع، حتى في الإعارة لدفن ميت. وقوله قبل مواراته، متعلق
برجوع، أو بجاز (قوله: ولو بعد وضعه في القبر) غاية لجواز الرجوع قبل المواراة. قال سم: المتجه عدم الرجوع بمرجد
إدلائه، أي وإن لم يصل إلى أرض القبر، لان في عوده من هواء القبر بعد إدلائه، إذراء به. اه‍. قال ع ش: وقوله بمجرد
إدلائه، أي أو بعضه، فيما يظهر. اه‍. (قوله: لا بعد المواراة) أي ليس له الرجوع بعد المواراة، وقوله حتى يبلى، أي
يندرس قال سم، قضيته امتناع الرجوع مطلقا فيمن لا يندرس، كالنبي، والشهيد. اه‍. وقوله كالنبي الشهيد، أو
ونحوهما من كل من لا تأكل الأرض جسده. وقد نظمهم بعضهم بقوله:
لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم، وشهيد قتل معترك
ولا لقارئ قرآن، ومحتسب أدانه، لا له مجرى الفلك
ونظمهم الشمس البرلسي بقوله:
أبت الأرض أن تمزق لحما * لشهيد، وعالم، ونبي
وكذا قارئ القرآن، ومن أذن * لله حسبة دون شي
(قوله: ولا رجوع لمستعير الخ) شروع في ذكر مسائل مستثناة من جواز الرجوع لهما، ومما استثنى أيضا منه غير
الذي ذكره، ما إذا أعار كفنا وكفن فيه ميت، وإن لم يدفن، فلا رجوع له، لان في أخذه إزراء بالميت بعد الوضع. قال
ع ش: ويتجه عدم الفرق في الامتناع بين الثوب الواحد والثلاث، بل والخمس، بخلاف ما زاد. ومنه، ما لو قال أعيروا
داري بعد موتي شهرا، لم يكن للوارث الرجوع قبله، إن خرجت أجرته من الثلث ومنه، ما لو أعار دابة أو سلاحا للغزو،
فالتقى الصفان، فليس له الرجوع في ذلك، حتى ينكشف القتال ومنه، لو أعاره السترة للصلاة فلا يجوز الرجوع فيها، إذا
كانت الصلاة فرضا، وشرع فيها، بل هي لازمة من جهتهما، فإن كانت الصلاة نفلا أو فرضا ولم يحرم بها، جاز للمعير
الرجوع فيها. ومنه، ما لو أعار ما يدفع به عما يجب الدفع عنه، كسلاح أو ما بقي نحو برد مهلك، أو ما ينقذ به غريقا.
ومنه ما لو أعار أرضا للزرع، فيمتنع الرجوع حتى يبلغ أوان قلعه، إن لم يقصر بتأخيره، فإن قصر، فله الرجوع، حتى لو
عين مدة، ولم يدرك فيها الزرع، لتقصير من المستعير قلعه المعير مجانا (قوله: حيث تلزمه الاستعارة كإسكان معتدة)
أي فلو استعار دارا لسكن معتدة، فليس له الرد، لأنها لازمة من جانبه (قوله: ولا لمعير في سفينة الخ) أي ولا رجوع
لمعير في سفينة أعارها لوضع متاع فيها قبل وصولها للشط (قوله: وبحث ابن الرفعة أن له) أي للمعير الأجرة فيها: أي من
حين الرجوع. وفي البجيرمي: ومقتضى لزوم الأجرة أنه يصح رجوعه. ومقتضى كلام الشارح أنه لا يصح رجوعه إلا بعد
وصولها للشط، إلا أن يراد بالرجوع في كلامه، تفريغ المال منها، لا الرجوع بالقول. وضعف س ل كلام الشرح، وقال،
الصحيح أنه له الرجوع قبل الشط، ويستحق الأجرة اه‍. وفي سم ما نصه، وظاهر هذه العبارة المذكورة في هذا المقام
أنه حيث قيل بوجوب الأجرة: لا يتوقف وجوبها على عقد، بل حيث رجع: وجب له أجرة مثل كل مدة مضت، ولا يبعد
أنه حيث وجبت الأجرة صارت العين أمانة، لأنها وإن كانت عارية صار لها حكم المستأجرة الخ. اه‍ (قوله: ولا في جذع
الخ) أي رجوع لمعير في جذع أعاره لدعم جدار، أي لاسناد جدار مائل بعد استناده به (قوله: وله الأجرة) أي ويستحق
الأجرة من حين الرجوع في الجذع. وفي ع ش ما نصه.
(فائدة) كل مسألة امتنع على المعير الرجوع فيها، تجب له الأجرة إذا رجع، إلا في ثلاث مسائل: إذا أعار أرضا
للدفن فيها، فلا رجوع له قبل اندراس الميت، ولا أجرة له إذا رجع، ومثلها: إعارة الثوب للتكفين فيه، لعدم جريان

158
العادة بالمقابل. وإذا أعار الثوب لصلاة الفرض، فليس له الرجوع بعد الاحرام، ولا أجرة له أيضا، وإذا أعار سيفا
للقتال، فإذا التقى الصفان: امتنع الرجوع، ولا أجرة له، لقلة زمنه عادة: كما يفيد ذلك كلام سم على المنهج، ونقل
اعتماد م ر فيه. اه‍. (قوله: ولو استعار) أي أرضا، وكان الأولى إفراد هذه المسألة بتتمة، لعدم ارتباطها بما قبلها،
وذكرها في التحفة بعد كلام يناسب ارتباطها به، ونص عبارته مع الأصل، وإذا استعار لبناء أو غراس، فله الزرع، لأنه
أخف، ولا عكس، لان ضررهما أكثر، والصحيح أنه لا يغرس مستعير لبناء، وكذا العكس، لاختلاف الضرر، فإن ضرر
البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها، والغراس بالعكس، لانتشار عروقه، وما يغرس للنقل في عامه، ويسمى الشتل،
كالزرع، وإذا استعار لواحد مما ذكر ففعله ثم مات، أو قلعه ولم يكن قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى: لم يجز له فعل
نظيره، ولا إعادته مرة ثانية إلا بإذن جديد. اه‍. وقوله: لم يجز له: أي للمستعير، وقوله ذلك، أي البناء، أو الغراس
(قوله: فلو قلع الخ) تفريع على المفهوم. وقوله أو غرسه، معطوف على بناه، أي أو قلع ما غرسه، (وقوله: إلا بإذن
جديد) أي من المعير (قوله: إلا إذا صرح) أي المعير له: أي للمستعير، (وقوله: بالتجديد) أي بتجديد البناء أو الزرع
مرة أخرى (قوله: فروع) أي خمسة، أحدها قوله لو اختلف الخ، ثانيها، قوله ولو أعطى رجلا الخ، ثالثها، ولو أخذ الخ،
رابعها، ولو استعار حليا الخ، خامسها، ومن سكن الخ (قوله: لو اختلف الخ) أي ولم تكن بينة، كما هو ظاهر وقوله
مالك عين، أي كدابة أو ثوب، (وقوله والمتصرف فيها)، أي في تلك العين بركوب أو لبس أو نحوهما (قوله: كأن قال
الخ) تمثيل للاختلاف بينهما (وقوله أعرتني)، أي الدابة أو الثوب أو نحوهما (قوله: صدق المتصرف بيمينه) قال في
شرح الروض: أي لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله ويحلف ما آجرتني لتسقط عنه الأجرة،
ويرد العين
إلى مالكها، فإن نكل، حلف المالك يمين الرد، واستحق الأجرة. اه‍. (وقوله: إن بقيت العين ولم يمض مدة لها
أجرة) قيدان في تصديق المتصرف بيمينه، فلو انتفيا معا، بأن تلفت العين، ومضت مدة لمثلها أجرة، فمدعي العارية مقر
بالقيمة لمنكر لها يدعي الأجرة، وهو المالك، فيعطي، الأجرة للمالك بلا يمين، لتوافقهما عليها في ضمن القيمة، هذا
إن لم تزد الأجرة على القيمة، فإن زادت عليها، حلف المالك، لاخذ الزائد فقط، فيقول، والله ما أعرتك، بل آجرتك،
أو انتفى القيد الأول فقط، بأن تلفت العين ولم تمض مدة لمثلها أجرة، فهو مقر بالقيمة أيضا لمنكرها، وحينئذ تبقى في
يده إلى أن يعترف المالك بالعارية، فيدفعها إليه بعد إقراره له بها، قياسا على ما لو أقر شخص لآخر فأنكره، أو انتفى
القيد الثاني فقط، بأن مضت مدة لمثلها أجرة وبقيت العين، صدق المالك بيمينه واستحق الأجرة. وهذه الصورة، هي
التي ذكرها بقوله وإلا إلخ (قوله: وإلا حلف المالك) راجع للقيد الثاني فقط، كما عرفت، أي وإلا لم تمض مدة لها
أجرة، بأن مضت مدة لها أجرة مع بقاء العين، حلف المالك، واستحق الأجرة. (وقوله: كما لو أكل طعام غيره الخ)
الكاف للتنظير، أي وما ذكر من تصديق المالك، نظير ما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي الاكل من طعامك وأنكر
المالك ذلك، فالمصدق المالك بيمينه، ويستحق بدل الطعام. قال في شرح الروض، عاطفا على قوله كما لو أكل الخ،
ولأنه إنما يؤذن في الانتفاع غالبا بمقابل، وفرقوا بين هذه وبين ما لو قال الغسال أو الخياط فعلت بالأجرة ومالك الثوب
مجانا، حيث لا يصدق مالك المنفعة بل مالك الثوب، بأن العامل فوت منفعة نفسه ثم ادعى عوضا على الغير والمتصرف
فوت منفعة مال غيره وطلب إسقاط الضمان عن نفسه فلم يصدق. اه‍. (قوله: أو عكسه) بالجر معطوف على المصدر

159
المؤول من أن وقال: أي وكعكس ذلك، أو بالنصب عطف على مقول القول، أي أو قال كل منهما عكس ما مر. وقوله
بأن قال الخ: تصوير للعكس (قوله: والعين باقية) فلو اختلفا بعد تلفها وبعد مضي، مدة لها أجرة، فالمالك يدعي
القيمة، وينكر الأجرة، والآخر بالعكس، فيأخذ المتفق عليه بلا يمين، وهو الأجرة، فإن زادت الأجرة على القيمة، حلف
عليه، وأخذه، كما تقدم، فإن لم تمض تلك المدة، حلف المالك، وأخذ القيمة، لان الأصل، عدم مسقطها. (وقوله:
صدق المالك بيمينه) الأولى فيصدق المالك بيمينه، بفاء التفريع، أي يصدق في نفي الإجارة بيمينه، لان الآخر يدعي
استحقاق المنفعة عليه، والأصل عدمه، ثم يسترد العين، فإن نكل حلف المتصرف، واستوفى المدة، ويكون مقرا له
بأجرة ينكرها، فتبقى في يده إلى إقرار المالك كما تقدم قريبا (قوله: ولو أعطى رجلا حانوتا الخ) عبارة الروض مع
شرحه.
(فرع) لو أعطاه حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال أتجر بالدراهم فيه، أي الحانوت، أو ازرعه، أي البذر
فيها: أي الأرض، لنفسك، فالأرض في الثانية، والحانوت في الأولى عارية. وهل الدراهم أو البذر قرض أو هبة؟
وجهان، قياس ما مر في الوكالة، من أن لو قال: اشتر لي عبد فلان بكذا، ففعل، ملكه الآمر، ورجع عليه المأمور ببدل ما
دفعه ترجيع الأول. ثم رأيت الشيخ ولي الدين العراقي نبه على ذلك، وزاد في الأنوار بعد قوله فيه وجهان، والقول قوله
في القصد. اه‍. (قوله: وقال أتجر) أي بالدراهم في الحانوت، فحذف معمولاه لدلالة ما بعده عليه. (وقوله: أو
ازرعه) أي البذر فيها، أي في الأرض، (وقوله: لنفسك) متعلق بكل من أتجر، أو ازرعه (قوله: فالعقار) أي من الأرض
والحانوت (قوله: وغيره) أي غير العقار من الدراهم والبذر، وقوله قرض: أي حكمي (قوله: خلافا لبعضهم) أي في
جعله غير العقار هبة (قوله: ويصدق في قصده) يعني إذا اختلفا، فقال المالك قصدت القرض، وقال الآخر قصدت
الهبة، فإنه يصدق المالك فيما قصده (قوله: ولو أخذ كوزا من سقاء الخ) قد أوضح هذه المسألة ابن العماد في أحكام
الأواني والظروف وما فيها من المظروف كما نقلها البجيرمي عنه وعبارته.
(فرع) قال المتولي: إذا قال للسقاء اسقني، فناوله الكوز، فوقع من يده، فانكسر قبل أن يشرب الماء، فإن كان قد
طلب أن يسقيه بغير عوض، فالماء غير مضمون عليه، لأنه حصل في يده بحكم الإباحة، والكوز مضمون
عليه، لأنه
عارية في يده وأما إذا شرط عليه عوضا، فالماء مضمون عليه بالشراء الفاسد، والكوز غير مضمون، لأنه مقبوض بالإجارة
الفاسدة. وإن أطلق فالاطلاق يقتضي البدل، لجريان العرف به، فإن انكسر الكوز بعد الشرب، فإن لم يكن قد شرط
العوض، فالكوز مضمون، والماء غير مضمون وإن كان قد شرط العوض، لم يضمن الكوز ولا بقية الماء الفاضل في
الكوز، لان المأخوذ على سبيل العوض، القدر الذي يشربه، دون الباقي، فيكون الباقي، أمانة في يده. اه‍. ومثل
الكوز، في التفصيل المذكور، فنجان القهوة المأخوذ بها لشربها، وقنينة الفقاع، أي قزازة الزبيب، المأخوذة به لشربه.
(قوله: فإن طلبه) أي طلب الآخذ السقاء، أي أن يسقيه بأن قال له اسقني، فمفعول طلب الثاني محذوف. وقوله مجانا،
أي بغير عوض، (وقوله: ضمنه) أي الكوز، لأنه في حكم العارية. (وقوله: دون الماء) أي فلا يضمنه، لأنه مأخوذ
بطريق الإباحة (قوله: أو بعوض) معطوف على مجانا: أي أو طلبه بعوض بأن قال له اسقني بكذا. و (وقوله: والماء قدر
كفايته) أي والحال أن الماء الذي في الكوز قدر كفايته، وخرج به، ما لو زاد عليها، فإنه يضمن قدر الكفاية دون الزائد لان

160
المأخوذ بالعوض، هو الأول، دون الثاني، فهو أمانة في يده، كما تقدم آنفا، وقوله فعكسه، أي فالمضمون عكسه، وهو
الماء، لأنه مأخوذ بطريق البيع الفاسد دون الكوز، لأنه مأخوذ بطريق الإجارة الفاسدة، وفاسد كل عقد كصحيحه (قوله:
ولو استعار) أي شخص من مالك الحلي (قوله: ثم أمر) أي المستعير بعد نزعه من بيته، (وقوله: غيره) أي شخصا آخر
غيره، (وقوله: بحفظه) أي الحلى، (وقوله: في بيته) أي ذلك الغير. (وقوله: ففعل) أي أخذه ذلك الغير وحفظه في
بيته. (وقوله: فسرق) أي ذلك الحلى (قوله: غرم) بتشديد الراء: جواب لو (قوله: ويرجع) أي المستعير، (وقوله:
على الثاني) أي المأمور بحفظه، (وقوله: إن علم) أي الثاني، وهو قيد في الرجوع، وإنما رجع عليه حينئذ، لأنه إذا علم
بذلك، كان عليه أن يعتني بحفظه، فهو ينسب إلى تقصير إذا سرق من عنده (قوله: وإن لم يكن) أي الثاني تصريح
بالمفهوم (قوله: بل ظنه للآمر) أي ملكا له (قوله: لم يضمن) جواب إن (قوله: بإذن مالك أهل) أي للاذن، بأن كان
رشيدا (قوله: ولم يذكر) أي المالك له أي للساكن، أي لم يشرط عليه أجرة (قوله: لم تلزمه) أي لم تلزم الساكن
الأجرة، أي لان المالك متبرع بالسكنى. قال ع ش: في باب الإجارة، ومثل ذلك، أي في عدم لزوم الأجرة، ما جرت به
العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة، ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة، ولا ما تقوم مقام
التسمية. اه‍. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته.
(فرع) قال العبادي وغيره، واعتمدوه في كتاب مستعار، أي فيه خطأ لا يصلح إلا المصحف، فيجب، ويوافقه
إفتاء القاضي، بأنه لا يجوز رد الغلط في كتاب الغير، وقيده الريمي بغلط لا يغير الحكم، وإلا رده، وكتب الوقف أولى،
وغيره، بما إذا تحقق ذلك دون ما ظنه، فليكتب، لعله كذا ورد بأن كتابه لعله، إنما هي عند الشك في اللفظ، لا الحكم،
والذي يتجه، أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيئا مطلقا إلا إن ظن رضا مالكه به. وأنه يجب إصلاح
المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، وإن تيقن الخطأ فيه، وكان خطه مستصلحا،
سواء المصحف وغيره، وأنه متى تردد في عين لفظ، أو في الحكم، لا يصلح شيئا، وما اعتيد من كتابة، لعله كذا، وإنما
يجوز في ملك الكاتب. اه‍. قال ع ش: أقول قول حجر إن لم ينقصه خطه الخ: ينبغي أن يدفعه لمن يصلحه، حيث
كان خطه مناسبا للمصحف، وغلب على ظنه إجابة المدفوع إليه، ولم تلحقه مشقة في سؤاله، (وقوله: وكان خطه
مستصلحا) أي وخرج بذلك كتابة الحواشي بهامشه، فلا يجوز، وإن احتيج إليها، لما فيه من تغيير الكتاب عن أصله،
ولا نظر لزيادة القيمة بفعلها، للعلة المذكورة. اه‍. (قوله: إن المملوك) أي الكتاب المملوك (قوله: إلا إن ظن رضا
مالكه) أي فإنه يجوز. (وقوله: به) أي بالاصلاح (قوله: وأن الوقف) أي الكتاب الموقوف، وهو معطوف على أن
المملوك ومقابل له (قوله: إن تيقن الخطأ فيه) أي وكان خطه مستصلحا. والله سبحانه وتعالى أعلم.

161
فصل في بيان أحكام الغصب
أي في بيان أحكام الغصب، كوجوب رده، ولزوم أرش نقصه، وأجرة مثله، إلى غير ذلك والمعتمد أنه كبيرة
مطلقا، وقيل كبيرة إن كان المغصوب مالا بلغ نصاب سرقة، وإلا فصغيرة، كالاختصاص ونحوه. والأصل في تجريمه
قبل الاجماع آيات: كقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، وقوله
تعالى: * (ويل للمطففين) * (2) وأخبار كخبر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وخبر من ظلم شبرا من
الأرض طوقه من سبع أرضين رواهما الشيخان، وفي رواية لهما: من غصب قيد شبر من أرض: طوقه من سبع أرضين
يوم القيامة وقيد بكسر القاف وسكون الياء: بمعنى قدر. وطوقه، بضم أوله، وكسر الواو المشددة، يحتمل أنه على
حقيقته، بأن يجعل كالطوق في عنقه، ويطول عنقه جدا حتى يسع ذلك، ويحتمل أنه كناية عن شدة عذابه ونكاله (قوله:
الغصب الخ) أي شرعا، أما لغة، فهو أخذ الشئ ظلما مجاهرة وقيل أخذ الشئ ظلما مطلقا، ودخل في الشئ،
المال، وإن لم يتمول، كحبة بر، والاختصاص، كالسرجين، والخمر المحترمة، وخرجت السرقة على القول الأول،
ودخلت على القول الثاني، فتسمى غصبا لغة (قوله: استيلاء على حق غير) استيلاء، مصدر استولى يقال استولى على
كذا إذا صار في يده قال البجيرمي: والمراد به ما يشمل منع الغير من حقه، وإن لم يستول عليه، بدليل قوله: كإقامة من
قعد بمسجد فهو استيلاء حكما. اه‍. وتعبيره بقوله على حق، غير أعم من قول غيره على مال الغير، لأنه يدخل في
الحق، الاختصاص، والمنافع، بخلاف المال، فلا يدخل فيه ما ذكر وفي شرح الروض، ولا يصح قول من قال هو
الاستيلاء على مال الغير، لأنه يخرج، الكلب، والخنزير والسرجين، وجلد الميتة، وخمر الذمي، وسائر
الاختصاصات، وحق التحجر. (قوله: ولو منفعة) أي: ولو كان ذلك الحق منفعة، وقوله كإقامة من قعد بمسجد أو
سوق، زاد في التحفة بعده، والجلوس محله، ولم يزده في النهاية. وكتب البجيرمي: قوله من قعد بمسجد، أي وإن لم
يستول على محله. اه‍. وهو يوافق تعريفه السابق للاستيلاء، أي فإذا أقام من قعد في مسجد أو سوق، أي أو موات، أو
منعه من سكنى بيت رباط مع استحقاقه له، فهو غاصب (قوله: بلا حق) متعلق باستيلاء، وكان الأولى تقديمه على
المثال، لتنضم القيود إلى بعضها، والمثل إلى بعضها، ولان ظاهر عبارته يقتضي أنه متعلق بإقامة، مع أنه من تتمة
التعريف، فهو متعلق باستيلاء. وخرج به: العارية، والسوم، ونحوهما، كالبيع، فإن في ذلك استيلاء على حق الغير،
لكن بحق. ودخل فيه، ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله، فإنه غصب، والتعبير به أولى من قول غيره عدونا، لأنه يخرج به ما
ذكر، فيقتضي أن ذلك ليس غصبا، مع أنه غصب حقيقة، على المعتمد خلافا لقول الرافعي، إن الثابت في هذه حكم
الغصب، لا حقيقته، وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الاثم مطلقا، وليس كذلك، بل هو غالب فقط.
(والحاصل) أن الغصب، إما أن يكون فيه الاثم والضمان، كما إذا استولى على مال غيره المتمول عدوانا، أو
الاثم دون الضمان، كما إذا استولى على اختصاص غيره، أو ماله الذي لا يتمول عدوانا، أو الضمان دون الاثم، كما إذا
استولى على مال غيره المتمول يظنه ماله، فهذه ثلاثة أقسام، وزاد بعضهم قسما رابعا: هو ما انتفى فيه الاثم والضمان،
كأن أخذ اختصاص غيره يظنه اختصاصه.
(تنبيه) لو أخذ مال غيره بالحياء، كان له حكم الغصب، فقد قال الغزالي: من طلب من غيره مالا في الملا، أي



(1) سورة البقرة، الآية: 188.
(2) سورة المطففين، الآية: 1.
162
الجماعة من الناس، فدفعه إليه لباعث الحياء، لم يملكه، ولا يحل له التصرف فيه. وهو من باب أكل أموال الناس
بالباطل. (قوله: كجلوسه على فراش غيره) معطوف على كإقامة، بحذف العاطف، ولعله سقط من النساخ، كما هو
ظاهر، أي وكجلوسه على فراش غيره، أي بغير إذنه، فهو غاصب له وإن لم ينقله. ثم إن كان الفراش صغيرا، ضمنه
كله، وإن كان كبيرا، ضمن ما يعد مستوليا عليه منه، لا جميعه، ولو جلس عليه آخر بعد قيام الأول، فهو غاصب له،
ويضمنه أيضا. وقرار الضمان على من تلف تحت يده. فإن تلف بعد انتقال كل منهما عنه، فعلى كل القرار، بمعنى أن
من غرم منهما، لا يرجع على صاحبه، لا أن المالك يغرم كلا منهما بدل كل المغصوب، كما هو ظاهر (قوله: وإزعاجه
عن داره) معطوف على جلوسه على فراش غيره: أي وكإزعاجه، أي إخراجه منها، ومثله، منعه من دخولها، وإن لم
يدخلها (قوله: وكركوب دابة غيره) أي من غير إذنه، وإن كان مالكها حاضرا وسيرها، بخلاف ما لو وضع
عليها متاعا من
غير إذنه بحضوره فسيرها المالك، فإنه يضمن المتاع، ولا يضمن مالكه الدابة، إذ لا استيلاء منه عليها. اه‍. تحفة،
ونهاية (قوله: واستخدام عبده) أي الغير: أي بغير إذنه وعبارة فتح الجواد، وألحق بها، أي الدابة، ابن كج: استخدام
العبد. اه‍. وهذه المثل كلها من قوله كإقامة من قعد الخ للاستيلاء على المنافع (قوله: وعلى الغاصب رد) أي
للمغصوب فيما إذا بقي، وهذا شروع فيما يلزم الغاصب بغصبه، فذكر أنه يلزمه الرد والضمان، ويلزمه أيضا التعزير لحق
الله تعالى، يستوفيه منه الامام أو نائبه، وإن أبرأه المالك، والرد على الفور في المتمول وغيره عند التمكن، وإن عظمت
المؤنة في رده وله استئجار المالك في رده، (وقوله: وضمان متمول) أي محترم، وهو بفتح الواو، أخذا من قول
المصباح، تمول: اتخذ مالا، وموله غيره. ع ش وخرج بالمتمول: غيره، كحبة بر، وكلب، وزبل، وسائر
الاختصاصات، فلا ضمان فيه، حتى لو كان صاحب اليد قد تكلف على نقل الجلود والسرجين أموالا كثيرة. وبالمحترم،
غيره كمرتد، وزان محصن، وقاطع طريق، وتارك صلاة، فلا ضمان فيه أيضا. (وقوله: تلف) أي بآفة أو بإتلاف (قوله:
بأقصى قيمة) متعلق بضمان، أي وعلى الغاصب ضمان متمول تلف بأقصى قيمة، أي أبعدها وأكثرها من حين غصب
إلى حين تلف. وهذا يفيد أن المتمول هو المتقوم، لأنه هو الذي يضمن بأقصى القيم، وليس كذلك، بل هو شامل له
وللمثلي. وعبارة المنهج، وعلى الغاصب رد وضمان متمول تلف، ثم قال: ويضمن مغصوب متقوم تلف بأقصى قيمة
من غصب إلى تلف الخ، فلا بد من تأويل في كلامه بحمل المتمول على خصوص المتقوم، أو بتقدير متعلق: أي
ويضمن متقوم بأقصى الخ ومثلي بمثله، ثم إنه يضمنه بذلك، وإن زاد على دية الحر، لتوجه الرد عليه حال الزيادة،
فيضمن الزائد (قوله: ويضمن مثلي) أي مغصوب مثلي (قوله: وهو) أي المثلي. (وقوله: ما حصره كيل أو وزن) أي ما
ضبطه شرعا كيل أو وزن، بمعنى أنه يقدر شرعا بالكيل أو الوزن، وليس المراد ما أمكن فيه ذلك، فإن كل شئ يمكن
وزنه، حتى الحيوان، فخرج بذلك، ما يعد كالحيوان، أو يذرع كالثياب. وقوله وجاز السلم فيه، خرج به
الغالية
والمعجون ونحوهما، لان المانع من ثبوت ذلك في الذمة بعقد السلم، مانع من ثبوته بالتلف والاتلاف، وشمل التعريف
الردئ نوعا. أما الردئ عيبا، فليس بمثلي، لأنه لا يجوز السلم فيه. قال في شرح الروض، وأورد الأسنوي عليه القمح
المختلط بالشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه، مع أن الواجب فيه المثل، فيخرج القدر المحقق منهما، ويجاب بأن إيجاب
رد مثله لا يستلزم كونه مثليا، كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض. اه‍. وقوله فيخرج القدر المحقق منهما، أي
من البر والشعير، ويتصور ذلك بإخراج أكثر من الواجب، فإذا كان الواجب بر مثلا، وبعضه بر وبعضه شعير، وشك،
هل البر نصف أو ثلث؟ فيخرج من البر نصفا، ومن الشعير ثلثين، وقال بعضهم: معناه أنا إن تحققنا قدر كل منهما:
أخرجنا، وإلا عدلنا إلى القيمة. اه‍. بجيرمي، (وقوله: ويجاب الخ) حاصل هذا الجواب، منع كونه مثليا، بل هو

163
متقوم وإن وجب رد مثله، فهو جواب بالمنع (قوله: كقطن) أي وإن لم ينزع حبه، وهو تمثيل لما حصره وزن. (وقوله:
ودقيق وماء) مثالان لما حصره كيل وما حصره وزن، لان كلا منهما يقدر بكيل وبوزن قال البجيرمي: ولا فرق في الماء
بين أن يكون عذبا أو ملحا مغلي، أو لا، على المعتمد هنا وفي الربا، ومن المثلي: الخلول مطلقا سواء كان فيها ماء أم
لا، على المعتمد، خلافا لمن قيدها بالتي لا ماء فيها، لأن الماء من ضرورياتها، ومثلها سائر المائعات، سواء أغليت أم
لا، على المعتمد أيضا. ع ش. بنوع تصرف. (وقوله: على المعتمد) أي عند م ر والخطيب، والذي جرى عليه شيخ
الاسلام وابن حجر، أن الماء المغلي متقوم وليس بمثلي (قوله: ومسك) مثال لما حصره وزن فقط وذلك لان ليسيره
المختلف بالكيل والوزن، مالية كثيرة، ومثل المسك، ما بعده من النحاس، والدراهم، والدنانير: فإنها لما حصره
الوزن. وأما التمر وما بعده، إلى آخر الأمثلة، فهي تقدر بالكيل وبالوزن، فتكون أمثلة لما حصره كيل، ولما حصره وزن
(قوله: ولو مغشوشا) أي ولو كان كل من الدراهم والدنانير مغشوشا: أي أو مكسرا (قوله: وحب جاف) هكذا قيد به في
شرح الروض، ولم تقيد به في التحفة، وفي فتح الجواد، وحب صاف، بالصاد المهملة، واحترز به عن المختلط
بالشعير، فإنه متقوم، وإن وجب رد مثله، كما مر (قوله: بمثله) متعلق بيضمن، أي يضمن مثلي تلف بمثله، وذلك لآية
* (فمن اعتدى عليكم) * (1) ولأنه أقرب إلى التالف، ولان المثل، كالنص، لأنه محسوس، والقيمة: كالاجتهاد، ولا نظر
إلى الاجتهاد إلا عند فقد النص، ويشترط لضمانه بالمثل، شروط خمسة. الأول: أن يكون له قيمة في محل المطالبة،
فلو فقدت قيمته فيه كأن أتلف ماء بمفازة، ثم اجتمع بمحل لا قيمة للماء فيه أصلا. لزمه قيمته بمحل الاتلاف، الثاني:
أن لا يكون لنقله من محل المطالبة إلى محل الغصب مؤنة، فإن كان لنقله من ذلك، غرمه قيمته بمحل التلف، الثالث:
أن لا يتراضيا على القيمة، الرابع: أن لا يصير المثلي متقوما أو مثليا آخر. والأول، كجعل الدقيق خبزا، والثاني،
كجعل السمسم شيرجا، فإن صار كذلك، فإن كان الذي صار إليه المثلي أكثر قيمة، فيضمن بقيمته في الأولى، ويتخير
المالك بمطالبته بأي المثلين في الثانية، وإن لم يكن كذلك، ضمن المثل فيهما مطلقا سواء ساوت قيمته الآخر، أو
زادت عليه. الخامس: وجود المثل، فإن فقد، عدل عنه إلى القيمة. وقوله في أي مكان حل به المثلي، متعلق بيضمن
أيضا، والمراد بالضمان، المطالبة، أي يطالب بمثله في أي مكان نقل الغاصب المغصوب المثلي إليه (قوله: فإن فقد
المثل) أي حسا أو شرعا: كأن لم يوجد بمكان الغصب ولا حواليه، أو وجد بأكثر من ثمن مثله (قوله: فيضمن بأقصى
قيم) أي قيم المكان الذي حل به المثلي. (وقوله: من غصب إلى فقد) أي من حين غصب إلى حين فقد للمثل. وفي
التحفة ما نصه: هل المعتبر قيمة المثل أو المغصوب؟ وجهان، رجح السبكي وغيره، الأول، قالوا: لأنه الواجب، وإن
كان المغصوب هو الأصل الخ. اه‍. وفي البجيرمي، بعد كلام، وإنما قلنا المضمون هو المثل لا المثلي، لئلا يلزم
تقويم التالف، فلو غصب زيتا في رمضان فتلف في شوال، وفقد مثله في المحرم، طولب بأقصى قيمة المثل من رمضان
إلى المحرم، فإن كانت قيمته في الحجة أكثر، اعتبرت. اه‍. (قوله: ولو تلف المثلي الخ) صنيعه يقتضي
أن المثلي في
قوله ويضمن مثلي بمثله الخ لم يكن قد تلف، وأن القيدين الآتيين، أعني قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، (وقوله: وأمن
الطريق) ليسا راجعين إليه، وليس كذلك، فكان الأولى والاخصر أن يحذف قوله ولو تلف المثلي، ويقول وله مطالبته به
في غير المكان الذي حل به المثلي. والمعنى أنه يضمن المثلي بمثله، أي يطالب بمثله في أي مكان حل به المثلي، وله
أن يطالب بمثله في غير المكان المذكور، ويكون القيدان راجعين لقوله ويضمن الخ، ولقوله وله أن يطالب الخ، أي



(1) سورة البقرة، الآية: 194.
164
يضمن في أي مكان حل به المثلي إن لم يكن لنقله من محل المطالبة إلى مكان الغصب مؤنة، وكان الطريق آمنا. وله أن
يطالب في غير المكان المذكور، إن لم يكن كذلك، وكان الطريق كذلك، فتنبه. وقوله في غير المكان الذي حل به
المثلي، سواء كان المكان الذي حل به هو الذي تلف فيه، أو كان مكانا آخر. بجيرمي (قوله: إن لم يكن لنقله الخ) أي
إن لم يكن لنقله، أي من بلد الغصب أو التلف إلى البلد الآخر الذي ظفر به فيه مؤنة، وكان الطريق بين البلدين آمنا، إذ
لا ضرر حينئذ على واحد منهما. قال في التحفة: وقضيته بل صريحه، وصريح ما مر في السلم والقرض، أن ماله مؤنة
وتحملها المالك، كما لا مؤنة له، بل هو داخل فيه، لأنه بعد التحمل، يصدق عليه أنه لا مؤنة له، ولا ينافيه قوله لو تراضيا
على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل، ولا قول السبكي والقمولي كالبغوي لو قال له الغاصب خذه وخذ مؤنة حمله، لم
يجبر، أما الأول: فلان على الغاصب ضررا في أخذ المثل، ومؤنة النقل منه. وأما الثاني: فلان على المالك ضررا في
تكليفه حمله إلى بلده، وإن أعطاه الغاصب مؤنة، وأما صورتنا فلا ضرر فيها على واحد منهما، لان المالك إذا رضي
بأخذ المثل، ودفع مؤنة حمله، لم يكن على الغاصب ضرر بوجه. اه‍. وفي البجيرمي، قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، أي
على المالك، أو الغاصب. وقوله وأمن، أي كل من المالك والغاصب، وهذان في الحقيقة شرطان لإجبار المالك
الغاصب على دفع المثل، ولإجبار الغاصب المالك على أخذه، فقوله فلا يطالب بالمثل، أي لا يجبر الغاصب على دفع
المثل إن كان على الغاصب مؤنة في نقل المغصوب إلى هذا المكان، أو خاف الطريق، كأن غصب برا بمصر وتلف بها،
ثم طالبه بمكة لا يجب هناك دفع المثل، وقوله ولا للغاصب الخ، أي إن كان على المالك مؤنة في رد المثل إلى مكان
الغصب، أو خاف الطريق، كما لو غصب برا بمكة وتلف فيها، ثم لقي المالك بمصر، ليس له تكليفه قبول المثل. اه‍.
(قوله: وإلا) أي بأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المالك، أخذا مما تقرر، أو خاف الطريق، (وقوله: فبأقصى قيم
المكان) أي فيضمنه بأقصى قيم المكان الذي حل به المثلي، وعبارة المنهاج، وإلا فلا مطالبة بالمثل، بل يغرمه قيمة بلد
التلف قال في التحفة، سواء كانت بلد الغصب أم لا، هذا إن كانت أكثر قيمة من المحال التي وصل إليها المغصوب،
وإلا فقيمة الأقصى من سافر البقاع التي حل بها المغصوب، وذلك لان تعذر الرجوع للمثل كفقده، والقيمة هنا
للفيصولة، فإذا غرمها، ثم اجتمعا في بلد المغصوب، لم يكن للمالك ردها وطلب المثل، ولا للغاصب استردادها وبذل
المثل. اه‍ (قوله: ويضمن متقوم أتلف) هذا يغني عنه قوله سابقا، وضمان متمول تلف بأقصى قيمة الخ. إلا أن يحمل
ما هنا على غير المغصوب، ويؤيده التصريح به في عبارة المنهج ونصها: ويضمن متقوم أتلف بلا غصب بقيمة وقت
تلف. وكتب البجيرمي: هذا محترز قوله متقوم مغصوب. اه‍. فلو صنع المؤلف كصنيع المنهج، لكان أولى (قوله:
كالمنافع والحيوان) تمثيل للمتقوم، وصورة تلف المنافع المغصوبة أن يسكن دار غيره، أو يركب الدابة، فتلزمه القيمة،
وهي هنا أجرة المثل، وصورة تلف غير المغصوبة، أن يعير المستعير الدار التي استعارها من غير إذن مالكها، فالمالك
يضمن المستعير، وهو يرجع إلى الساكن بالقيمة وهي ما مر (قوله: بالقيمة) متعلق بيضمن، أي يضمن بالقيمة، أي وقت
التلف فقط، إن حمل قوله ويضمن متقوم على غير المغصوب، كما علمت، فإن حمل على المغصوب، كما هو ظاهر
صنيعه، فيضمن بأقصى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (قوله: ويجوز أخذ القيمة الخ) الأولى تقديمه هو وما
بعده على قوله ويضمن متقوم الخ (قوله: وإذا أخذ منه) أي من الغاصب، وهو مرتبط بقوله ويجوز أخذ القيمة على
المثلي وجعله شرح المنهج مرتبطا بقوله وإلا فبأقصى قيم المكان، والمعنى إذا أخذ منه القيمة في غير المكان الذي حل
به المثلي، ثم اجتمعا في بلد الغصب أو التلف: لم يرجعا إلى المثل، فهي للفيصولة (قوله: وحيث وجب مثل الخ)
عبارة الروض وشرحه: وحيث وجب المثل، فحدث فيه غلاء أو رخص لم يؤثر في استحقاق المالك له، فلو أتلف مثليا
في وقت الرخص فله طلب المثل في وقت الغلاء، ولو أتلفه في وقت الغلاء وأتى به في وقت الرخص لزمه القيمة. نعم:

165
إن أخرج المثل عن أن يكون له قيمة أصلا، لزمه قيمة المثل. اه‍. بحذف (قوله: فروع) أي خمسة، وكلها استطرادية،
ما عدا الرابع، والخامس، وهما قوله ويبرأ الغاصب الخ، وقوله ولو خلط الخ. ومحلها، في الجنايات، ومناسبتها
للغصب، من حيث الضمان (قوله: لو حل رباط سفينة) أي فك رباطها (قوله: فغرقت) أي السفينة، وقوله بسببه: أي
الحل (قوله: أو بحادث ريح) أي أو غرقت لا بسبب الحل، بل بسبب ريح حادث أو غيره. وقوله: فلا، أي فلا يضمنها.
(قوله: وكذا إن لم يظهر سبب) أي وكذلك لا ضمان إن لم يظهر سبب للغرق، أي من ريح أو غيره، عبارة الروض.
(فرع) حل رباط سفينة فغرقت بحله: ضمن، أو بحادث ريح، فلا - فإن لم يظهر حادث: فوجهان قال في شرحه:
أحدهما المنع، أي من الضمان، كالزقاق، قال الزركشي: وهو الأقرب، للشك في الموجب. والثاني: يضمن، لأن الماء
أحد المتلفات. اه‍ (قوله: ولو حل وثاق بهيمة) أي رباطها (قوله: أو عبد لا يميز) أي أو حل وثاق عبد غير مميز،
بأن كان مجنونا، أو صغيرا، أما إذا كان مميزا، فلا ضمان بحل وثاقه، كما يأتي قريبا (قوله: أو فتح الخ) معطوف على
حل (قوله: فخرجوا) أي ذهبوا، بأن هربت البهيمة، وأبق العبد، وطار الطير (قوله: ضمن) جواب لو (قوله: إن كان
بتهييجه الخ) هذا وما بعده إنما يلائم الأخير، أعني فتح القفص عن الطير، وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) لو فتح قفصا عن طائر، فطار في الحال، وإن لم يهيجه، ضمن، لان طيرانه في الحال يشعر بتنفيره، وإلا
بأن وقف ثم طار، فلا يضمنه، لان طيرانه بعد الوقوف، يشعر باختياره وإن أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته، وإن لم تدخل
القفص، أو لم يعهد ذلك منها، فيما يظهر، أو طار فصدمه جدار فمات، أو كسر في خروجه قارورة، أو القفص، ضمن
ذلك، لأنه ناشئ من فعله، ولان فعله في الأولى، في معنى إغراء الهرة وحل رباط البهيمة، والعبد المجنون، وفتح باب
مكانهما كفتح القفص فيما ذكر وفي معنى المجنون: الصبي الذي لا يميز، لا العبد العاقل، ولو كان آبقا، لأنه صحيح
الاختيار. اه‍. بحذف (قوله: وكذا إن اقتصر الخ) أي وكذلك يضمن إن اقتصر على الفتح، ولم يهيجه، لكن بشرط
خروجه من القفص حالا، وإن فلا ضمان (قوله: لا عبدا عاقلا الخ) أي لا يضمن عبدا عاقلا حل وثاقه فأبق، لأنه صحيح
الاختيار، فخروجه عقب ما ذكر، يحال عليه. وهذا محترز قوله لا يميز، وكان المناسب والاخصر، لا عبد مميز - بالجر -
وبإبدال عاقل بمميز، وحذف قوله حل قيده الخ، ولعله إنما غير الأسلوب، لأجل الغاية بعده (قوله: ويبرأ الغاصب برد
العين) مرتبط بقوله وعلى الغاصب رد، فكان الأولى، تقديمه هو وما بعدده على الفروع (قوله: ويكفي) أي في الرد وقوله
وضعها: أي العين. وقوله عنده أي المالك (قوله: ولو نسيه) أي نسي الغاصب المالك برئ. أي الغاصب بالرد إلى
القاضي (قوله: ولو خلط) أي الغاصب، أي أو اختلط فنفسه عنده، قال في التحفة: وخرج بخلط، أو اختلط عنده،
الاختلاط، حيث لا تعدى، كأن انثال بر على مثله، فيشترط مالكاهما بحبسهما، فإن استويا قيمة فبقدر كيلهما، فإن
اختلفا قيمة، بيعا، وقسم الثمن بينهما بحسب قيمتهما. اه‍. (وقوله: مثليا) أي مغصوبا مثليا، وقوله أو متقوما، أي أو
اختلط مغصوبا متقوما، وفي البحيرمي ما نصه: قوله كزيت بزيت، وكالزيت كل مثلي، كالحبوب، والدراهم، على
المعتمد، بخلاف المتقوم، فلا يأتي فيه ذلك، بدليل وجوب الاجتهاد في اشتباه شاته بشاة غيره، وفي اختلاط حمام
البرجين، قاله شيخنا م ر ق ل. اه‍. وقوله بما لا يتميز، متعلق بخلط، والصلة جارية على غير من هي له وعائد
الموصول محذوف، أي خلط المغصوب مثليا أو متقوما بالذي لا يتميز ذلك منه، والمراد بما يتعذر تمييزه منه، بعد خلطه

166
فيه، وعبارة المنهج: ولو خلط مغصوبا بغيره، وأمكن تمييزه منه، لزمه، وإلا فكتالف. اه‍ (قوله: كدهن
الخ) أي كخلط
دهن، وقوله بجنسه، متعلق بالمضاف المقدر، وذلك كخلط سمن بسمن، أو زيت بزيت وقوله أو غيره، كسمن بزيت،
ومثل لخلط، المثليات، ولم يمثل لخلط المتقومات، وهو يؤيد ما في البجيرمي (قوله: وتعذر التمييز) خرج به: ما إذا
أمكن التمييز كبر أبيض بأحمر، أو بشعير، فإنه يلزمه، وإن شق عليه، (قوله: صار هالكا) جواب لو، أي صار المغصوب
المختلط بغيره كالهالك، أي التالف (قوله: لا مشتركا) أي لا يصير المال المغصوب المختلط مع مال الغاصب مشتركا
بينه وبين المغصوب منه (قوله: فيملكه الغاصب) قال في التحفة: إن قبل التملك، وإلا كتراب أرض موقوفة خلطه بزبل
وجعله آجرا، غرم مثله، أي التراب، ورد الآجر للناظر، ولا نظر لما فيه من الزبل، لأنه اضمحل بالتراب. اه‍. وفي
البجيرمي ما نصه:
(واعلم) أي السبكي اعترض القول بجعله تالفا واستشكله، وقال: كيف يكون التعدي سببا للملك؟ وساق
أحاديث جمة، واختار أن ذلك شركة بينهما، كالثوب المصبوغ، قال: وفتح هذا الباب فيه تسلط الظلمة على ملك
الأموال بخلطها قهرا على أرباب الأموال زي ومع ذلك، فهو ضعيف، كما في شرح م ر - وعبارته، ولهذا صوب
الزركشي قول الهلاك، قال: ويندفع المحذور بمنع الغاصب من التصرف فيه، وعدم نفوذه منه، حتى يدفع البدل. اه‍.
(قوله: لكن الأوجه الخ) استدراك على كونه يملكه الغاصب دفع به ما يتوهم من جواز التصرف قبل إعطاء البدل، وقوله
أنه، أي الغاصب وقوله محجور عليه الخ، أي ممنوع من التصرف في المال المختلط فيه المغصوب، وقوله حتى يعطى
بدله، أي المغصوب، وله أن يعطيه من المخلوط إن خلطه بمثله، أو بأجود، دون الأردأ، إلا أن يرضى به، ولا أرش وله
أن يعطيه من غيره، إن لم يرض، لان الحق انتقل إلى ذمة الغاصب، وانقطع تعلق المالك بعين المخلوط. قال في
التحفة: ويكفي كما في فتاوى المصنف، أن ينعزل من المخلوط: أي بغير الأردإ قدر حق المغصوب منه ويتصرف في
الباقي، والله سبحانه وتعالى أعلم.

167
باب في الهبة
أي في بيان أحكامها: كجوازها، وعدم لزومها إلا بالقبض، وهي لغة مأخوذة من هبوب الريح، أي مروره،
لمرورها من يد إلى أخرى، أو من مصدر هب من نومه بمعنى استيقظ، لان فاعلها استيقظ للإحسان بعد أن كان غافلا
عنه. وشرعا، تطلق على ما يعم الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان، أي على معنى عام يشمل الثلاثة، وهو تمليك
تطوع في حياة، وتطلق على ما يقابلهما، وهو تمليك تطوع في حياة، لا لإكرام، ولا لأجل ثواب أو احتياج بإيجاب
وقبول، وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان، وهو المراد عند الاطلاق، فكل صدقة وهدية، هبة، ولا عكس - لانفرادها في
ذات الأركان والأصل فيها، بالمعنى الأعم، قبل الاجماع آيات، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) أي ليعن
بعضكم بعضا على ما فيه بر وتقوى، وقوله تعالى: * (وآتى المال على حبه) * (2) أي مع حب المال أو لأجل حب الله،
فالضمير عائد على المال، وعلى، بمعنى مع، أو لله. وعلى بمعنى لام التعليل، وأخبار: كخبر الصحيحين لا تحقرن
جارة لجارتها، ولو فرسن شاة أي لا تحقرن جارة مهدية لجارتها المهدى إليها، أو بالعكس، ولو ظلف شاة مشويا. وهو
مبالغة في القلة، أي ولو شيئا قليلا، ويروى أن عائشة رضي الله عنها أعطت سائلا حبة عنب، فأخذ يقلبها بيده استحقارا
لها، فقالت زجرا، كم في هذه من مثقال ذرة؟ والله تعالى يقول: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (3). وأركانها،
بالمعنى الخاص، أركان البيع، فهي ثلاثة إجمالا، عاقد، وموهوب، وصيغة، وشرط في العاقد، بمعنى الواهب، أهلية
أن يتبرع، وبمعنى الموهوب له أهلية أن يتبرع عليه، فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده، ولا من ولي في مال موليه، ولا
لحمل، ولا لبهيمة، ولا لنفس الرقيق، وشرط في الموهوب، صحة جعله عوضا، إلا نحو حبة بر، فتصح هبتها، وإن لم
يصح بيعها، فنقل اليد عن الاختصاص، لا يسمى هبة، وإلا هبة موصوف في الذمة، كأن يقول وهبتك كذا في ذمتي، فلا
يصح، لان الهبة إنما ترد على الأعيان، لا على ما في الذمة، بخلاف البيع، فإنه يرد عليهما وشرط في الصيغة ما شرط في
صيغة البيع، ومنه توافق الايجاب والقبول، فلو وهب له شيئين، فقبل أحدهما، أو شيئا واحدا، فقبل بعضه، لم يصح،
وقيل بالصحة. وفرق بين الهبة والبيع، بأنه معاوضة، فضيق فيه، بخلافها (قوله: أي مطلقها الشامل للصدقة والهدية)
أي المراد بالهبة في الترجمة، ما يشمل الصدقة والهدية، لا ما يقابلهما، وفيه أن التعريف المذكور خاص بالثاني، فيلزم
عليه أنه ترجم لشئ ولم يذكره، وهو معيب (قوله: الهبة تمليك عين) خرج بها المنافع، وسيأتي ما فيها، قال في
التحفة: وخرج بالتمليك، العارية والضيافة، فإنها إباحة، والملك إنما يحصل بالازدراد والوقف، فإنه تمليك منفعة لا
عين، كذا قيل. والوجه أنه لا تمليك فيه، وإنما هو بمنزلة الإباحة. (وقوله: يصح بيعها غالبا) أشار بذلك لقاعدة، وهي
أن كل ما صح بيعه، صحت هبته، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته. واستثنى من المنطوق، مسائل منها: الجارية
المرهونة إذا استولدها الراهن المعسر أو أعتقها، فإنه يجوز بيعها، للضرورة، ولا يجوز هبتها، ومنها المكاتب، يجوز بيع



(1) سورة المائدة، الآية: 2.
(2) سورة البقرة، الآية: 177.
(3) سورة الزلزلة، الآية: 7.
168
ما في يده، ولا تصح هبته. ومنها المنافع، يجوز بيعها بالإجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما لا تصح، لأنها ليست
بتمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه عارية، وثانيهما تصح، لأنها تمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة، وهو ما
رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما، واستثني من المفهوم أيضا مسائل، منها ما سيذكره الشارح بقوله: وقد تصح الهبة
دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما الخ، ومنها. حق التحجر كأن نصب علامات على موات ولم يحيه، فإنه يثبت له فيه حق
التحجر، فيجوز هبته، ولا يجوز بيعه ومنها: صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها وجلدها. ومنها الثمار قبل بدو
الصلاح، فتجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع ومنها اختلاط حمام أحد البرجين بالآخر، أو بره أو مائعه ببر
آخر أو مائعه فإنه إذا وهب أحدهما نصيبه للآخر صحت هبته، وإن جهل قدره وصفته دون بيعه، وقد أشار إلى هذه
المستثنيات بقوله: غالبا (قوله: أو دين) معطوف على عين، أي أو تمليك دين، أي لغير من هو عليه، وأما لمن هو عليه،
فإبراء لا يحتاج إلى قبول، كما سيصرح به المؤلف (قوله: من أهل تبرع) متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه: أي حال
كونه كائنا من أهل تبرع، فهو قيد في صحة الهبة. وتقيد أيضا بأن تكون على من هو أهل لان يتبرع عليه،
كما تقدم
(قوله: بلا عوض) أي بلا أخذ عوض من الموهوب له، وهو أيضا متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه (قوله: واحترز)
فعل ماض مبني للمجهول. ويحتمل أن يكون فعلا مضارعا مبدوء بهمزة المتكلم، وهو الأولى، وقوله عن البيع، أي فهو
ليس بهبة، لأنه تمليك عين بعوض، وقوله والهبة بثواب، أي وعن الهبة بثواب، أي عوض، كقوله وهبتك هذا على أن
تثيبني عليه، فيقبله. ومقتضى عبارته أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية، وبه صرح الزبيري، كما
في المغني (قوله: فإنها) أي الهبة بثواب بيع حقيقة، أي بالنظر للمعنى، وهو وجود العوض، فيجري فيها حينئذ أحكام
البيع من الخيارين والشفعة وحصول الملك بالعقد، لا بالقبض، ومنع قبول بعض الموهوب ببعض الثواب أو كله،
لاشتراط المطابقة في البيع، بخلاف التي بلا ثواب، فإنه لا يضر فيها قبول بعض الموهوب على ما تقدم (قوله: بإيجاب)
متعلق بتمليك، أو حال منه، على نحو ما مر، والمراد لفظا في حق الناطق، وإشارة في حق الأخرس (وقوله: كوهبتك
هذا الخ) دخل تحت الكاف، أكرمتك، وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام، كما نص عليه (قوله:
وقبول) أي لفظا أو إشارة أيضا، (وقوله: متصل به) أي بالايجاب، فيضر الفصل بينهما بأجنبي. قال في النهاية،
والأوجه، كما رجحه الأذرعي، اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه، فلا يكون فاصلا مضرا لتعلقه بالعقد، اه‍
(قوله: وتنعقد) أي الهبة. وقوله بالكناية، أي مع النية، ومنها الكتابة (قوله: كلك هذا) قال ع ش: ومنه ما اشتهر من
قولهم في الاعطاء بلا عوض جبي، فيكون هبة حيث نواها به. اه‍ (قوله: أو كسوتك هذا) ظاهره ولو في غير الثياب،
ويكون بمعنى نحلتك. اه‍. ع ش (قوله: وبالمعاطاة على المختار) أي وتنعقد بالمعاطاة على قول اختير، كما عبر به
في التحفة، وفي النهاية: وبالمعاطاة على القول بها، اه‍. وكان الأولى: التعبير بذلك لما لا يخفى ما في عبارته من
الايهام (قوله: وقد لا تشترط الصيغة) أي التصريح بها، وإلا فهي معتبرة تقديرا، كما قاله المحلي في أول البيع. اه‍.
ع ش (قوله: كما لو كانت) أي الهبة، وقوله ضمنية: أي مندرجة في ضمن غيرها (قوله: كأعتق عبدك عني) أي فكأنه قال
له هبني عبدك وأعتقه عني، وقوله فأعتقه، أي المالك عنه، فحينئذ يدخل العبد في ملك الآمر هبة، ويتعقق عليه، ولا
يحتاج للقول (قوله: وإن لم يقل مجانا) أي تصح الهبة الضمنية من غير صيغة بقوله أعتق الخ: سواء قال له أعتق عبدك
عني مجانا، أي بلا عوض، أو لم يقل ذلك، فالغاية المقدر (قوله: وكما لو زين ولده الصغير) أي فإنه يكون ملكا له،
ولا يحتاج إلى صيغة، وهو عطف على قوله كما لو كانت ضمنية (قوله: بخلاف زوجته) أي فإن تزيينه لها بحلى لا يكون

169
تمليكا لها (قوله: لأنه قادر على تمليكه) علة لمقدر، أي وإنما كان تزيينه لولده تملكا له، بخلاف تزيين الزوجة، لأنه
قادر على تمليك ولده بتولي الطرفين، بخلاف الزوجة. قال ع ش: ويؤخذ منه، أي من التعليل المذكور، أي غير الأب
والجد إذا دفع إلى غيره شيئا، كخادمه، وبنت زوجته، لا يصير ملكا له، بل لا بد من إيجاب وقبول من الخادم إن تأهل
للقبول، أو وليه إن لم يتأهل له. فليتنبه له، فإنه يقع كثيرا بمصرنا. نعم، إن دفع ذلك لمن ذكر لاحتياجه له أو قصد ثواب
الآخرة، كان صدقة، فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول. ولا يعلم ذلك إلا منه، وقد تدل القرائن الظاهرة على شئ فيعمل
به. اه‍. (قوله: قاله القفال) أي قال ما ذكر: من أن تزيين الأب ولده الصغير بحلى تمليك له (قوله: اعترض) أي
اعترض جمع من الفقهاء ما قاله القفال، وأقره عليه جمع، من أن تزيين الأب لولده الصغير تمليك له (قوله: حيث الخ)
بيان لوجه المخالفة (قوله: بإيجاب وقبول) الباء للتصوير، أي الطرفين المصورين بالايجاب والقبول، كما هو ظاهر،
قال ع ش: أي فلا فرق بين الزوجة والولد وغيرهما في أن التزيين لا يكون تمليكا. اه‍ (قوله: وهبة ولي غيره أن يقبلها
الحاكم) أي وحيث اشترطا في هبة ولي غير الأصل قبول الهبة من الحكم أو نائبه فهبة، مجرور معطوف على هبة الأصل،
وهو مضاف إلى ما بعده، وولي يقرأ بالتنوين وغيره بدل منه، والضمير فيه يعود على الأصل، والمصدر المؤول من أن
ويقبلها منصوب مفعول لاشترطا مقدر (قوله: ونقلوا عن العبادي الخ) هذا تأييد للاعتراض: أي نقل
المعترضون عن
العبادي، وأقروه أنه، أي الأصل، لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس اغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا له. قال ع ش:
أي ولا يكون تمليكا للابن. وفي التحفة، والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس، لا يجدي، لان صيرورته
في يده بغير لفظ تملك، لا يفيد شيئا، على أن كون هذه الصيرورة تفيد الملك هو محل النزاع، فلا فرق. اه‍ (قوله:
بخلاف الخ) خبر مبتدأ محذوف، أي وهو متلبس بخلاف الخ. وقوله ما لو قال، أي الأصل (قوله: فإنه إقرار) أي فإن
قوله المذكور إقرار بالعين لابنه ولو رشيدا أو للأجنبي. قال ع ش: وذلك لاحتمال أن يكون الأجنبي وكله مثلا في شرائها
له ومثله ولده الرشيد، وأن يكون تملكها لغير الرشيد من مال نفسه أو مال المحجور عليه اه‍ (قوله: ولو قال جعلت هذا
لابني الخ) عبارة الروض وشرحه، فإن غرس شجرا وقال عنده، أي عند غرسه، اغرسه لطفلي، لم يملكه، ولو قال جعلته
له، صار ملكه، لان هبته له، لا تقتضي قبولا، بخلاف ما لو جعله لبالغ، هذا إن اكتفينا بأحد الشفين من الوالد، فإن لم
نكتف به، وهو الأصح، لم يصرح ملكه. اه‍. (وقوله: لم يملكه) أي الابن. وينبغي أن يكون كناية. اه‍. ع ش.
(وقوله: إلا إن قبض له) أي بعد القبول له، كأن يقول قبلت له، ثم يقبض. وعبارة التحفة: إلا إن قبل وقبض له. اه‍
(قوله: وضعف السبكي الخ) هذا تأييد للاعتراض أيضا، وساقه في التحفة عقب قوله فلا فرق في الفرق الذي نقلته عنها
بلفظ ثم رأيت الأذرعي قال إنه لا يتمشى على قواعد المذهب والسبكي والأذرعي وغيرهما ضعفوا قول الخوارزمي وغيره
أن إلباس الخ ثم رأيت آخرين نقلوا عن القفال نفسه أنه لو جهز الخ (قوله: أن إلباس الأب الخ) هو عين التزيين المار، بل
أخص منه، فلذلك ساقه تأييدا للاعتراض، كما علمت (قوله: ونقل الخ) تأييد أيضا للاعتراض، كما يشير إليه قوله،
وهذا صريح الخ (قوله: أنه) أي الأصل لو جهز بنته، أي بعثها إلى بيت زوجها مع أمتعة، وقوله بلا تمليك، أي من غير أن
يصدر منه صيغة تمليك (قوله: يصدق) أي الأصل، وهو جواب لو (قوله: في أنه الخ) متعلق بيصدق. (وقوله: إن ادعته)

170
أي التمليك (قوله: وهذا صريح الخ) أي ما نقله جماعة من القفال نفسه: صريح في رد ما سبق منه، من أنه لو زين ولده
الصغير، يكون تمليكا، وكتب الرشيدي ما نصه، قوله وهو صريح في رد الخ، فيه نظر إذ ذاك في الطفل كما مر، بخلاف
ما هنا، فإنه في البالغة، كما يرشد إليه قوله، إن ادعته، نعم إن كانت البنت صغيرة، أتى فيها ما مر في الطفل، كما لا
يخفى. اه‍ (قوله: وجهازها) بكسر الجيم وفتحها، أي أمتعتها (قوله: فهو) أي الجهاز ملك لها، أي مؤاخذة بإقراره
(قوله: وإلا فهو عارية) أي وإن لم يقل هذا جهاز بنتي، فهو عارية عندها. وفي ع ش: قال سم كذاك يكون عارية فيما
يظهر إذا قال جهزت ابنتي بهذا، إذ ليس هذا صيغة إقرار بملك. م ر. اه‍. والفرق بين هذه ومسألة القاضي، أي التي
نقلها المؤلف، أن الإضافة إلى من يملك، تقتضي الملك، فكان ما ذكره في مسألة القاضي: إقرارا بالملك، بخلاف ما
هنا. اه‍ (قوله: ويصدق بيمينه) أي فيما إذا تنازعا في القول المذكور بأن ادعت أنه قال هذا جهاز بنتي، وأنكر هو ذلك،
فيصدق بيمينه في أنه ما قال ذلك (قوله: وكخلع الملوك) عطف على قوله السابق: كما لو كانت ضمنية - وهي بكسر
الخاء، وفتح اللام، جمع خلعة، الكسوة التي تخلع على الامراء وغيرهم، من نحو مشايخ البلد، فإنها هبة، ولا تحتاج
إلى صيغة، وقال بعضهم، إنها هدية، لا هبة، لان القصد فيها الاكرام (قوله: لاعتياد الخ) تعليل لصحة هبة خلع الملوك
من غير صيغة، أي وإنما صحة الهبة فيها من غير صيغة، لان العادة جرت بعدم اللفظ فيها (قوله: انتهى) أي ما قاله شيخه
في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف، كما يعلم بالوقوف على عبارته (قوله: ونقل شيخنا الخ) هذا لا يلائم ما قبله،
فإنه في الهبة التي تحتاج إلى صيغة، وهذا في الهدايا التي لا تحتاج إلى صيغة، كما هو صريح قوله إذا أهدى الخ (قوله:
بعد العقد) يفيد أنه إذا كان قبل العبد لا تملكه إلا بإيجاب وقبول، لكن قد علمت أن قوله أهدي، يقتضي أنه هدية،
وعليه فلا فرق على أنه سيأتي آخر الباب أن من دفع لمخطوبته طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من
أقبضه. فيقتضي حينئذ أنه إذا لم يرد، لا يرجع فيه، فهي تملك ما دفع لها قبل العقد لأجله من غير صيغة،
وقوله بسببه،
أي العقد يفيد أيضا أنه إذا كان لا بسببه لا تملكه إلا بإيجاب وقبول. وقد علمت ما فيه (قوله: ومن ذلك) أي مما لا يحتاج
إلى إيجاب وقبول، ما يدفعه الرجل الخ (قوله: فإن ذلك) أي المدفوع إليها. (وقوله: تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها)
أي من غير احتياج إلى صيغة (قوله: ولا يشترط الايجاب والقبول الخ) شروع في بيان الصدقة. والهدية (قوله: قطعا)
أي بخلاف (قوله: وهي ما أعطاه محتاجا الخ) فإن كان ذلك بلا صيغة، فهي صدقة فقط، وإن كان معها، فهي صدقة
وهبة، ومثله، يقال في الهدية.
(والحاصل) أنه إن ملك لأجل الاحتياج أو لقصد الثواب مع صيغة، كان هبة وصدقة، وإن ملك بقصد الاكرام مع
صيغة، كان هبة وهدية، وإن ملك لا لأجل الثواب ولا الاكرام بصيغة، كان هبة فقط. وإن ملك لأجل الاحتياج أو الثواب
من غير صيغة، كان صدقة فقط، وإن ملك لأجل الاكرام من غير صيغة، كان هدية فقط، فبين الثلاثة عموم وخصوص من
وجه (قوله: أو غنيا لأجل ثواب الآخرة) أي أو أعطاه غنيا لأجل ثواب الآخرة، وهو يفيد أنه إن أعطاه غنيا لا لأجل ثواب
الآخرة، لم يكن صدقة وهو ظاهر (قوله: ولا في الهدية) أي ولا يشترط الايجاب والقبول في الهدية، وظاهره أن ذلك
قطعا، لأنه معطوف على قوله في الصدقة المسلط عليه، ولا يشترط الايجاب والقبول قطعا، وليس كذلك، بل هو على

171
الصحيح، كما صرح به في متن المنهاج، وعبارته: ولا يشترطان، أي الايجاب والقبول، في الهدية على الصحيح، بل
يكفي البعث من هذا والقبض من ذلك، قال في المغني، كما جرى عليه الناس في الاعصار، وقد أهدى الملوك إلى
رسول الله (ص) الكسوة والدواب والجواري. وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها
وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول. اه‍.
(لطيفة): قال بعضهم ست كلمات جوهرية لا يحويها إلا العقول الذكية، أصل المحبة، الهدية، وأصل البغضة،
الأسية، وأصل القرب، الأمانة، وأصل البعد، الخيانة. وأصل زوال النعمة، البطر، وأصل العفة، غض البصر (قوله:
ولو غير مأكول) غاية لعدم اشتراط الايجاب والقبول في الهدية. ولفظ غير، منصوب بإسقاط الخافض، أي ولو كانت
الهدية بغير مأكول، أي من كل ما ينقل، كالثياب، والعبيد، وأما غير المنقول، كالعقار، فلا يقع عليه اسم الهدية، كما
يفيده قوله بعد، وهي ما نقله الخ. قال في شرح الروض، واستشكل ذلك بأنهم صرحوا في باب النذر بما يخالفه، حيث
قالوا، لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت، أو الأرض، أو نحوهما، مما لا ينقل، صح، وباعه، ونقل ثمنه. ويجاب بأن
الهدي، وإن كان من الهدية، لكنهم تواسعوا فيه بتخصيصه بالاهداء إلى فقراء الحرم، وبتعميمه في المنقول وغيره،
ولهذا لو نذر الهدي، انصرف إلى الحرم، ولم يحمل على الهدية إلى فقير. اه‍. (قوله: وهي) أي الهدية، وقوله ما
نقله: أي تمليك ما نقله المهدي، ومثله: ما لو بعثه. وقد عبر به بعضهم (قوله: إلى مكان الموهوب له) المناسب
المهدي إليه، كما هو ظاهر (قوله: إكراما) أي لأجل الاكرام، قال السبكي، والظاهر أن الاكرام ليس شرطا، والشرط،
هو النقل. قال الزركشي، وقد يقال احترزوا به عن الرشوة (قوله: بل يكفي الخ) إضراب انتقالي من قوله ولا في الهدية،
أي ولا يشترطان في الهدية بل يكفي فيها الخ. وقوله البعث. الأنسب بما قبله النقل بدله، (وقوله: من هذا) أي
المهدي، فالبعث منه بمنزلة الايجاب منه، (وقوله: القبض من ذاك) أي المهدى إليه، أي وهو بمنزلة القبول منه. قال
سم: هل يشترط الوضع بين يديه كما في البيع؟ ثم رأيت في تجريد المزجد ما نصه: في فتاوى البغوي يحصل ملك
الهدية بوضع المهدي بين يديه إذا أعلمه به، ولو أهدى إلى صبي ووضعه بين يديه أو أخذه الصبي لا يملكه. اه‍. وهو
يفيد ملك البالغ بالوضع بين يديه، وقد جعلوا ذلك قبضا في البيع. اه‍. (قوله: وكلها مسنونة) أي الهبة، والصدقة،
والهدية، (وقوله: وأفضلها الصدقة) أي لأنها في الغالب تعطى للمحتاجين. قال في الروض وشرحه، والكل مستحب،
وإن كانت الصدقة أفضل، وصرفه إلى الجيران والأقارب أفضل منه إلى غيرهم. ولا يحتقر المهدي ولا المهدى إليه
القليل، فيمتنع الأول من إهدائه، والثاني من قبوله، لخبر: لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة ويستحب
أن يدعو
كل منهما للآخر بالبركة ونحوها، بأن يدعو المهدى إليه للمهدي، ثم يدعو له الآخر. اه‍. (قوله: وأما كتاب الرسالة
الخ) الأولى حذف أما، لعدم تقدم ما يقابلها، وذكر هذه المسألة في التحفة بعد كلام يلائمها، ونصها مع الأصل، ولو
بعث هدية في ظرف، فإن لم تجر العادة برده، كقوصرة تمر، أي وعائه، فهو هدية أيضا، كالذي في الظرف، تحكيما
للعرف المطرد، وكتاب الرسالة الخ. اه‍. بتصرف. فلو صنع الشارح كصنيع شيخه، لكان أولى (قوله: الذي لم تدل
قرينة على عوده) قال ع ش: كأن كتب له فيه رد الجواب على ظهره (قوله: فقد قال المتولي الخ) قال في النهاية، هو
أوجه من قول غيره (قوله: وقال غيره) أي غير المتولي (قوله: هو) أي الكتاب المرسل (قوله: وللمكتوب إليه الانتفاع
به) أي بأن يتعلم على الخطر الذي فيه أو يحفظ ما فيه ليكتب نظيره إلى صاحبه، وانظر، هل يجوز أن يكتب في ظهره

172
مسائل يتحفظها أم لا؟ مقتضى إطلاقه، جواز الانتفاع الأول (قوله: وتصح الهبة الخ) دخول على المتن، (وقوله: باللفظ
المذكور) أي وهو كوهبتك هذا في الايجاب، وكقبلت ورضيت في القبول (قوله: بلا تعليق) متعلق بتصح (قوله: فلا
تصح مع تعليق) مفرع على المفهوم (قوله: ولا مع تأقيت) زائد على المفهوم، فكان الأولى أن يفرده عما قبله بأن يقول:
ولا تصح مع تأقيت أيضا. (قوله: بغير عمري ورقبى) أي أما التأقيت بهما، فلا يضر، ولا يخفى أن لفظ العمرى والرقبى
من ألفاظ الهبة، لكنه صيغة مخصوصة، فالعمري: من العمر، لذكر لفظ العمر فيها. والرقبى، من الرقوب، لان كلا
منهما يرقب موت صاحبه (قوله: فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب) أي أو أرقبه إياها، كقوله أرقبتك هذه الدار وجعلتها
لك رقبى، أي إن مت قبلي، عادت إلي، وإن مت قبلك، استقرت لك، فقبل وقبض، صحت، وتكون مؤبدة (قوله: أو
ما عشت) أي أو وهبت لك هذا ما عشت، بتاء المخاطب (قوله: صحت) أي الهبة (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في
الصحة، أي صحت الهبة، وإن لم يقل الواهب بعد قوله وهبت لك هذا عمرك فإذا مت، بفتح التاء، فهي لورثتك (قوله:
وكذا إن شرط الخ) أي وكذا تصح الهبة إن شرط عودها إلى الواهب، بأن قال له أعمرتك هذه الدار، فإت مت، عادت
إلي أو إلى ورثتي (قوله: فلا تعود إليه الخ) أي وإذا شرط ذلك، فلا تعود إلى الواهب ولا إلى وارثه، فيلغو الشرط
المذكور، كما سيصرح به (قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون التأقيت بهما لا يضر، وهو لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن
أعمر شيئا أو أرقبه، فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم، فإن مصيره الميراث لورثة المعمر
والمرقب، بلفظ اسم المفعول فيهما (قوله: وتصح) أي الهبة، يغني عنه قوله صحت (قوله: ويلغو الشرط المذكور) أي
في العمرى والرقبى، والمراد المذكور ولو بحسب القوة، ليشمل ما إذا لم يصرح بالشرط فإنه يفهم من اللفظ.
(فائدة) ليس لنا موضع يصح فيه العقد ويلغو فيه الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه، إلا هذا (قوله: فإذا أقت بعمر
الواهب الخ) محترز قوله بعمر المتهب، وكان المناسب أن يظهر فاعل أقت، ويضمر المضاف إليه عمر، بأن يقول، فإذا
أقت الواهب بعمره، أي عمر نفسه (قوله: لم تصح) أي الهبة، وذلك لان فيهما تأقيت الملك، لان الواهب أو زيدا قد
يموت أولا، وإنما اغتفر الأول، مع أن فيه تأقيت، لأنه تصريح بالواقع، لان الانسان لا يملك إلا مدة حياته (قوله: ولو
قال لغيره الخ) انظر، ما مناسبة ذكر هذه المسألة هنا؟ فإن الكلام في الهبة، لا في الإباحة التي تضمنتها هذه المسألة، إلا
أن يقال إنها صورة هبة. وذكر في التحفة والنهاية والمغني في ضمن مستثنيات من مفهوم الشرط الآتي، وهو قوله وشرط
الموهوب كونه عينا يصح بيعها، لكن صنيع الشارح أولى من صنيعه، إذ لا وجه للاستثناء، كما نص عليه سم، وع ش
(قوله: فله الاكل فقط) قال سم: ما قدره. اه‍. قال ع ش: أقول ينبغي أن يأكل قدر كفايته، وإن جاوز العادة، حيث علم
المالك بحاله، وإلا امتنع أكل ما زاد على ما يعتاده مثله غالبا لمثله، اه‍. (قوله: لأنه إباحة) تعليل لأصل حل الاكل، لا
لامتناع غيره. اه‍. رشيدي. وقوله وهي، أي الإباحة دون الهبة، وقوله تصح بمجهول، أي كما في هذه المسألة (قوله:
بخلاف الاخذ والاعطاء) محترز قوله فقط، أي له الاكل، لا الاخذ، والاعطاء، لان الأول، إباحة دونهما (قوله: صحت)
أي الهبة. وقوله إن كان المال: أي كله في الصورة الأولى، وقوله أو نصفه، أي في الصورة الثانية، وقوله معلوما لهما،

173
أي الواهب والمتهب (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن معلوما لهما فلا تصح، لان هذا لا يصح بيعه، وما
لا يصح بيعه، لا تصح هبته (قوله: من العنب) بيان لما الأولى والثانية (قوله: فله أكله) أي ما في الدار أو الكرم (قوله: دون بيعه وحمله
وإطعامه لغيره) أي لأنه إباحة، وهي خاصة بما يأكله هو (قوله: على الموجود) أي على أكل العنب الموجود، (وقوله:
أي عندها) أي الإباحة (قوله: في الدار أو الكرم) متعلق بالموجود (قوله: ولو قال أبحت لك جميع ما في داري) أي من
عنب وغيره (قوله: أكلا واستعمالا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، أي أبحت لك أكل جميع ما في داري
واستعماله (قوله: ولم يعلم المبيح الجميع) أي جميع ما في الدار (قوله: لم تحصل الإباحة) أي فيمتنع عليه أخذ شئ
مما لم يعلمه المبيح. قال في التحفة: وهذا لا ينافي ما مر من صحة الإباحة بالمجهول، لان هذا مجهول من كل وجه،
بخلاف ذاك. اه‍. وكتب سم ما نصه: في كونه كذلك وكون ما مر ليس كذلك نظر. اه‍. (قوله: وجزم بعضهم أن
الإباحة لا ترتد بالرد) يعني أن المباح له لو رد المباح للمبيح: لا يرتد، فله العود بعد الرد.
(واعلم) أن التبرع خمسة أنواع: وصية، وعتق، وهبة، ووقف، وإباحة، وهي كإباحة الشاة لشرب لبنها، والطعام
للفقراء، وهي لا يتصرف فيها المباح له تصرف الملاك، بل يقتصر فيها على ما يأكله أو يشربه، ولا يجوز له أن يتصدق أو
يبيع منه. (قوله: وشرط الموهوب، كونه عينا) هذا يفيد أن الموهوب لا بد أن يكون عينا، وقد تقدم في كلامه جواز هبة
الدين في التعريف السابق أول الباب، وسيأتي التصريح في كلامه، بأن هبة الدين للمدين إبراء له عنه، ولغيره هبة
صحيحة، وقوله يصح بيعها، هذا يغني عنه قوله في التعريف السابق أول الباب يصح بيعها، فكان الأولى والاخصر، أن
يقول، كعادته، واحترز بقوله يصح بيعها عما لا يصح بيعه كالمجهول. وقد علمت ما استثني من منطوق ما ذكر ومفهومه،
فلا تغفل (قوله: فلا تصح هبة المجهول) أي كوهبتك أحد العبدين أو الثوبين، وقوله كبيعه، أي كعدم صحة بيعه، أي
المجهول (قوله: قد مر آنفا بيانه) أي بيان عدم صحة هبة المجهول في قوله: ولو قال وهبت لك جميع مالي
الخ، ومحل
البيان قوله وإلا فلا (قوله: بخلاف هديته وصدقته) أي المجهول (قوله: وتصح هبة المشاع) أي كدار أو أرض مشتركة
بين اثنين، وقوله كبيعه، أي كصحة بيع المشاع (قوله: ولو قبل القسمة) أي ولو حصلت الهبة قبل قسمة الدار، وهو يفيد
أنه بعدها يكون مشاعا. وفيه نظر. وعبارة الروض وشرحه، وتجوز هبة مشاع، وإن كان لا ينقسم، كعبد، اه‍. وهي
ظاهرة (قوله: سواء الخ) تعميم في صحة الهبة، أي تصح مطلقا، سواء وهبه الشريك لشريكه، أم لغيره (قوله: وجلد
نجس) أي وكجلد نجس، فتصح هبته دون بيعه، وقوله على تناقض فيه في الروضة، أي مع وجود تناقض في كلام
الروضة في صحة هبة الجلد النجس، أي اختلف كلام الروضة فيها، ففي باب الأواني، قال بالصحة، وفي باب الهبة،
قال بعدمها، وجمع بينهما بحمل الصحة على نقل اليد وعدمها على الملك الحقيقي (قوله: وكذا دهن متنجس) أي مثل
الجلد النجس في صحة هبته دون بيعه، الدهن المتنجس (قوله: وتلزم الخ) ظاهره أن الهبة تملك بالعقد، ولا تلزم إلا
بالقبض، وليس كذلك، بل لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، وفي البجيرمي عبارة سم، ولا تلزم الهبة الشاملة للهدية
والصدقة، ولا يحصل الملك فيها إلا بالقبض من الواهب أو نائبه أو بإذنه فيه، فتلزم، ويحصل الملك الخ. اه‍. ولذلك
فسر في الاقناع اللزوم بالملك حيث قال: ولا تلزم، أي لا تملك، اه‍. والكلام في الهبة الصحيحة غير الضمنية، وغير

174
ذات الثواب، فخرج بالصحيحة، الفاسدة، فلا تملك أصلا، ولو بالقبض. وبغير الضمنية الهبة الضمنية، كما لو قال
أعتق عبدك عني مجانا، فأعتقه عنه، فإنه يسقط القبض فيها، وبغير ذات الثواب، الهبة ذات الثواب، فإنها تملك وتلزم
بالعقد بعد انقضاء الخيار، لأنها بيع. (وقوله: بأنواعها الثلاثة) أي الصادقة بأنواعها، وهي الصدقة، والهدية، والهبة
ذات الأركان (قوله: بقبض) أي كقبض المبيع فيما مر بتفصيله. نعم، لا يكفي هنا التخلية، ولا الوضع بين يديه، ولا
الاتلاف، لأنه غير مستحق للقبض، قال في الروض وشرحه.
(فرع) ليس الاتلاف من المتهب للموهوب قبضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع، إلا أن يأذن له في الاكل
أو
العتق عنه، فيكون قبضا، وتقدر أنه ملكه قبل الازدراد والعتق. اه‍. بحذف (قوله: فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض) تصريح
بما صرح به أولا (قوله: على الجديد) لم يقيد به في المنهاج (قوله: لخبر الخ) دليل على أنها إنما تلزم بالقبض، ومحل
الاستدلال، قوله فقسمه الخ، أي فرده (ص)، ثم قسمه بين نسائه، لكون النجاشي مات قبل القبض، فيعلم منه أنها لا تلزم
قبل القبض، إذ لو لزمت لما ردها (ص) (قوله: أهدى للنجاشي) بفتح النون، ونقل كسرها، وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر
رواية، ونقل ابن الأثير تشديدها، ومنهم من جعله غلطا وهو لقب لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة، ومعناه
بالعربية. عطية، وهو الذي هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوة، فآمن وأسلم بكتاب النبي (ص)، وتوفي
سنة تسع من الهجرة، ونعاه، أي أخبر بموته، وذكر محاسنه، النبي (ص)، وصورة الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله (ص) إلى النجاشي ملك الحبشة. أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله
إلا هو، الملك القدوس السلام. وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة
فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، والموالاة على
طاعته، وأن تتبعني وترضى بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجندك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت،
فاقبلوا نصيحتي، قد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى. وبعث
الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري. اه‍. بجيرمي (قوله: فمات) أي النجاشي. (وقوله: قبل أن يصل) أي المهدي إلى
النجاشي. وفي بعض النسخ، تصل - بالتاء - والملائم بقوله بعد فقسمه الأول. وفي المغني بدل قوله فمات الخ، ثم قال
لام سلمة إني لأرى النجاشي قد مات، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد، فإذا ردت إلي، فهي لك، فكان
كذلك، أي موت النجاشي، ورد الهدية، لكن لما ردت، قسمها (ص) بين نسائه، ولم يخص بها أم سلمة، (وقوله: بين
نسائه) أي النبي (ص) (قوله: ويقاس بالهدية) أي في الخبر، (وقوله: الباقي) هو الهبة والصدقة (قوله
: وإنما يعتد
بالقبض) أي في لزوم الهبة (قوله: إن كان) أي القبض. (وقوله: بإقباض الواهب) أي الموهوب للمتهب، فالإضافة من
إضافة المصدر لفاعله وحذف معمولاه (قوله: أو بإذنه) أي الواهب، أي أو كان القبض حصل بإذن الواهب (قوله: أو إذن
وكيله) أي وكيل الواهب. وقوله فيه، أي القبض (قوله: يحتاج إلى إذنه) أي الواهب فيه، أي القبض. وكان الأولى
الاخصر، الاقتصار على الغاية بعده، وحذف هذا، وذلك لان قوله وإنما يعتد بالقبض المسلط على قوله أو بإذنه الخ،
يغني عنه. ولا بد من أن يكون الاذن بعد تمام الصيغة، فلو قال: وهبتك هذا، وأذنت لك في قبضه، فقال: قبلت. لم
يكف (قوله: ولا يكفي هنا) أي في الهبة (قوله: الوضع) أي وضع الموهوب (قوله: بلا إذن فيه) أي في القبض (قوله:
لان قبضه) أي المتهب، أو الموهوب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله، (وقوله: غير مستحق له) بصيغة

175
اسم المفعول، وضمير له يعود على المتهب. وإنما لم يكن مستحقا له، لان الملك لا يحصل إلا بالقبض، (وقوله:
فاعتبر تحققه) أي القبض، ولا يكون إلا بالاذن (قوله: بخلافه في المبيع) محترز قوله هنا، أي بخلاف الوضع المذكور
في المبيع، فإنه كاف، لان قبضه مستحق له. وعبارة شرح الروض: لأنه غير مستحق القبض، فاعتبر تحققه، بخلاف
المبيع، فجعل التمكين منه قبضا (قوله: فلو مات أحدهما) أي الواهب، أو المتهب، (وقوله: قبل القبض) أي بإقباض
أو إذن فيه (قوله: قام مقامه) أي الميت، ولا ينفسخ العقد، لأنه آيل إلى اللزوم، وكالموت: الجنون، والاغماء اه‍.
ش ق (قوله: في القبض) أي إن كان الميت هو المتهب، (وقوله: والاقباض) أي إن كان هو الواهب (قوله: ولو قبضه)
أي بالاذن بدليل ما بعده (قوله: فقال الخ) أي فاختلف الواهب والمتهب في الرجوع عن الاذن قبل القبض فقال الخ.
(وقوله: قبله) أي قبل القبض، فيكون غير صحيح، فلا تلزم الهبة (قوله: وقال المتهب بعد) أي رجعت بعد القبض، فهو
صحيح والهبة لازمة (قوله: صدق الواهب) جواب لو (قوله: لكن ميل شيخنا) أي في شرح المنهاج، وعبارته، ولو قبضه
فقال الواهب رجعت عن الاذن قبله، وقال المتهب بعده، صدق الواهب، على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك،
ولا احتمال بتصديق المتهب، لان الأصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب، ثم رأيت أن هذا هو المنقول، كما ذكرته في
شرح الارشاد، اه‍ (قوله: لان الأصل عدم الرجوع) قال ع ش: ظاهره إن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت
القبض، ولو قيل بمجئ تفسير الرجعة فيه، لم يبعد، فيقال إن اتفقا على وقت القبض، واختلفا في وقت الرجوع، صدق
المتهب. وفي عكسه، يصدق الواهب وفيما إذا لم يتفقا على شئ، يصدق السابق بالدعوى، وإن ادعيا معا، صدق
المتهب. اه‍ (قوله: وهو قريب) صنيعه يفيد أنه من كلامه، وليس كذلك، بل هو من كلام شيخه، كما يعلم من عبارته
المارة (قوله: ويكفي) أي في لزوم الهبة الاقرار بالقبض، بخلاف الاقرار بالهبة فقط (قوله: كأن قيل له) أي للواهب،
(وقوله: وهبت كذا) بتاء المخاطب، (وقوله من فلان) أي عليه، فمن: بمعنى على (قوله: فقال) أي الواهب، (وقوله:
نعم) أي وهبته، وأقبضته (قوله: وأما الاقرار أو الشهادة الخ) قال في الروض وشرحه: وليس الاقرار بالهبة ولو مع الملك
إقرارا بالقبض للموهوب، لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والاقرار يحمل على اليقين. اه‍ (قوله: فلا يستلزم القبض) أي
ويترتب عليه عدم لزوم الهبة به (قوله: نعم يكفي عنه الخ) لا محل للاستدراك هنا، فكان الأولى أن يقول، ويكفي عنه
الخ. والمراد أنه يقوم مقام إقراره بالقبض فيما إذا قيل له وهبت هذا وأقبضته قد ملكها ملكا لازما، فقوله المذكور، بدل
قوله نعم وهبته وأقبضته. قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثله فيما لو قال لشاهد أشهد أنه ملكه ملكا لازما فيغني ذلك عن قوله
وهبه وأقبضه. اه‍. (قوله: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه) قال ع ش: أي عن القبض. اه‍. والمراد أنه إذا شهد عند
الحاكم بمجرد الهبة، فليس للحاكم أن يسأل الشاهد ويقول له تشهد أنه أقبضه، وذلك لئلا يتنبه الشاهد لذلك، فيشهد
به، بل يحكم بعد لزوم الهبة، لما علم أن الاقرار أو الشهادة بمجرد الهبة، لا يستلزم القبض (قوله: ولاصل الخ) أي
لخبر لا محل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده واختص بذلك،
لانتفاء التهمة
فيه، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه، يقضي بأنه إنما رجع لحاجة، أو مصلحة (قوله: ذكر أو أنثى الخ) تعميم
في الأصل، وهو بدل منه، (وقوله: من جهة الأب أو الام) الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف
صفة لكل من ذكر ومن أنثى. ولا يصح أن يكون صفة لأصل، لان البدل لا يتقدم عليها إذا اجتمعا. (وقوله: وإن علا) أي

176
كل منهما، فالضمير المستتر يعود إلى المذكور، ويصح أن يعود إلى الأصل (قوله: رجوع الخ) أي بشروط ثلاثة: أن
يكون الفرع حرا، وأن يبقى الموهوب في سلطنته، وأن يكون عينا لا دينا وقد أشار إلى الأخير بقوله لا فيما أبرأ، وصرح
بالثاني بقوله إن بقي الخ، وقال في النهاية: ولا يتعين الفور، أي في الرجوع، بل له ذلك متى شاء. اه‍ (قوله: لا فيما
أبرأ) أي ليس له رجوع فيما أبرأ به ولده، كأن كان له على ولده دين فأبرأه منه، فيمتنع الرجوع جزما، سواء قلنا إنه
تمليك، أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين، فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف (قوله: لفرع) متعلق بوهب وما بعده، ويكون متعلق
رجوع محذوفا، أي عليه (قوله: وإن سفل) أي الفرع كابن ابن ابنه (قوله: إن بقي الموهوب) أي أو المتصدق به أو
المهدى به (قوله: في سلطنته) أي الفرع. قال البجيرمي: هي عبارة عن جواز التصرف، وليس المراد بها الملك، بدليل
شمول زوالها لما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه، أو رهن الموهوب وأقبضه، فإن هذه لا تزيل الملك،
لكنها تزيل جواز التصرف، وعبارة م ر على التحرير، (قوله: في سلطنته) أي استيلائه، وهي أولى من التعبير ببقاء
الملك، لشمولها ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر، ثم تخلل، فإن له الرجوع، لبقاء السلطنة، وإن لم يبق الملك. اه‍
(قوله: بلا استهلاك) أي بأن تبقى عينه. وسيأتي محترزه (قوله: وإن غرس الأرض الخ) غاية في جواز رجوع الأصل،
أي له الرجوع، وإن غرس، أي الفرع، الأرض الموهوبة، أو بنى فيها الخ. (وقوله: أو تخلل عصير موهوب) أي بعد
تخمره، وعبارة الارشاد وشرحه، وإن تخمر، ثم تخلل عصير موهوب، لان المالك الثابت في الخل: سببه ملك العصير،
فكأنه الملك الأول بعينه (قوله: أو آجره) عبارة المنهاج: وكذا الإجارة على المذهب، قال م ر: لبقاء العين بحالها،
ومورد الإجارة المنفعة، فيستوفيها المستأجر، ومقابل المذهب: قول الإمام إن لم يصح بيع المؤجر، ففي الرجوع
تردد،. اه‍ (قوله: أو علق عتقه) أي العبد الموهوب (قوله: أو رهنه) أي رهن الفرع الموهوب عند غيره بدين أخذه منه،
(وقوله: أو وهبه) أي لآخر (قوله: بلا قبض فيهما) أي في الرهن والهبة، بخلافهما بعده، فليس له الرجوع، كما
سيصرح به (قوله: لبقائه) أي المذكور من الأرض التي غرسها أو بنى فيها، ومن العصير الذي تخلل الخ هو تعليل لجواز
الرجوع في الجميع (قوله: فلا رجوع الخ) مفرع على مفهوم قوله إن بقي الموهوب في سلطنته (قوله: إن زال ملكه)
الأنسب بسابقة إن زالت سلطنته (قوله: وإن كانت الهبة من الابن) أي الموهوب له لابنه، وهو غاية لعدم الرجوع، أي لا
يرجع الأصل على فرعه بعد أن وهب الفرع وأقبض، وإن كان الموهوب له فرعا أيضا للأصل بأن وهب الابن لابن أخيه
من أبيه لإزالة الملك عن فرعه الذي وهب له ذلك الأصل (قوله: أو لأخيه لأبيه) أي أو الشقيق، وقيد بالأب، لاخراج
الأخ للام، فإنه لا يتوهم فيه الرجوع، لأنه أجنبي بالنسبة لذلك الأصل (قوله: أو ببيع) معطوف علي بهبة، أي ولا رجوع
إن زال ملكه ببيع (قوله: ولو من الواهب) أي ولو كان البيع من الواهب نفسه الذي هو الأصل، فإنه لا رجوع له، وعبارة
شرح الروض: وقضية كلامهم امتناع الرجوع بالبيع، وإن كان البيع من أبيه الواهب، وهو ظاهر. اه‍. وفي التحفة،
يمتنع الرجوع، وإن كان الخيار باقيا للولد، كما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث الأذرعي جوازه إن كان البيع من أبيه الواهب
وخياره باق، وهو ظاهر. اه‍. (وقوله: على الأوجه) هكذا في فتح الجواد، وانظر مقابله، فإن كان ما بحثه الأذرعي، فقد
استظهره في التحفة، وفي النهاية أيضا. وإن كان الجواز مطلقا، ولو لم يكن الخيار باقيا، فهو ظاهر، لكن لم أقف عليه
في الكتب التي بأيدينا (قوله: أو بوقف) معطوف على بهبة أيضا، أي ولا رجوع أيضا إذا زال الملك عن الفرع بوقفه
الموهوب. قال في التحفة: أي مع القبول من الموقوف عليه إن شرطناه، فيما يظهر، لأنه قبله لم يوجد عقد
يفضي إلى
خروجه عن ملكه. اه‍ (قوله: ويمتنع الرجوع الخ) لو حذفه وجعلت الغاية لقوله فلا رجوع لكان أولى (قوله: وإن عاد

177
إليه) غاية في امتناع الرجوع بزوال الملك، وهي للرد، أي يمتنع الرجوع، وإن عاد الموهوب إلى الفرع بعد زوال الملك
عنه، فيكون الزوال الزائل العائد هنا كالذي لم يعد، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله:
وعائد كزائل لم يعد في فلس مع هبة للولد في
في البيع والقرض وفي الصداق بعكس ذاك الحكم باتفاق
(قوله: ولو بإقالة) أي ولو كان العود بسبب إقالته للمشتري البيع، أو بسبب رد المبيع عليه بعيب (قوله: لان الملك
الخ) تعليل لامتناع الرجوع بعد العود، أي وإنما امتنع الرجوع بعد العود، لان الملك، أي الآن غير مستفاد من الأصل
حتى يزيله بالرجوع فيه، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ زال الملك وعاد (قوله: ثم رجع) أي الفرع الواهب (وقوله: فيه)
أي الموهوب (قوله: ففي رجوع الخ) جواب لو، (وقوله: الأب) لو عبر بالأصل لكان أولى (قوله: والأوجه منهما) أي
من الوجهين (وقوله: عدم الرجوع) قال في التحفة: سواء قلنا إن الرجوع، أي من الفرع، إبطال للهبة أم لا، لان القائل
بالابطال لم يرد به حقيقته، وإلا لرجع في الزيادة المنفصلة. اه‍ (قوله: لزوال ملكه ثم عوده) أي وهو بمنزلة العدم
(قوله: ويمتنع) أي الرجوع، وقوله أيضا: أي كما يمتنع فيما إذا زال ملكه عنه (قوله: إن تعلق به) أي: بالموهوب
(قوله: كأن رهنه لغير أصل) فإن كان له: فله الرجوع، قال الزركشي: لان المانع منه، أي الرجوع، في صورة الأجنبي،
وهو إبطال حقه، منتف هنا. ولهذا صححوا بيعه من المرتهن دون غيره. اه‍. شرح الروض (قوله: وأقبضه) قيد أول،
خرج به ما إذا لم يقبضه، فللأصل الرجوع فيه، ما مر، لبقاء سلطنة الوالد عليه (قوله: ولم ينفك) أي المرهون، وهو قيد
ثان، خرج به، ما إذا انفك، فله الرجوع (قوله: وكذا إن استهلك) أي وكذا يمتنع الرجوع إن استهلك الموهوب، بأن لم
تبق عينه، وهو محترز قوله بلا استهلاك (قوله: كأن تفرخ البيض) أي صار البيض الموهوب فراخا (قوله: أو نبت الحب)
أي بأن زرعه ونبت (قوله: لان الموهوب صار مستهلكا) علة لمقدر: أي فيمتنع الرجوع في البيض الذي
تفرخ، وفي
الحب الذي نبت، لان الموهوب صار مستهلكا. قال في النهاية: ويفرق بينه وبين نظيره في الغصب حيث يرجع المالك
فيه، وإن تفرخ ونبت، بأن استهلاك الموهوب يسقط به حق الواهب بالكلية، واستهلاك المغصوب ونحوه لا يسقط به حق
مالكه. اه‍ (قوله: ويحصل الرجوع بنحو رجعت) أفاد به أنه لا بد من لفظ يدل على الرجوع (قوله: كنقضتها الخ)
تمثيل لنحو رجعت، ومثله ارتجعت الموهوب واسترددته (قوله: وكذا بكناية) أي وكذا يحصل الرجوع بكناية. (وقوله:
مع النية) أي نية الرجوع (قوله: لا بنحو بيع) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع، أي من الأصل مع كونه في يد الفرع، لان
ما هو في ملك الغير لا ينتقل عنه بتصرف غيره فيه، وهذه التصرفات باطلة. اه‍. بجيرمي. وعبارة الروض وشرحه، فلو
باع الوالد أو أتلف أو وهب أو وقف أو أعتق أو وطئ أو استولد الموهوب، لم يكن رجوعا، لأنه ملك للولد بدليل نفوذ
تصرفاته فيه، ولا ينفذ فيه تصرف الوالد. ويخالف المبيع في زمن الخيار، بأن الملك فيه ضعيف، بخلاف ملك الولد
للموهوب، فيلزمه بالاتلاف والاستيلاد: القيمة، وبالوطئ، المهر، وتلغو البقية. اه‍. (قوله: وإعتاقه) الأولى كإعتاق،
ويكون تمثيلا لنحو البيع. (وقوله: وهبة لغيره) أي الفرع الموهوب له أولا (قوله: ووقف) أي من الأصل للموهوب، ولا
يصح وقفه كإعتاقه (قوله: لكمال ملك الفرع) تعليل لعدم حصول الرجوع بما ذكر، أي لا يحصل الرجوع بما ذكر لكمال
ملك الفرع. قال في التحفة، فلم يقو الفعل على إزالته. اه‍ (قوله: ولا يصح تعليق الرجوع بشرط) أي بوصف، كإذا

178
جاء رأس الشهر فقد رجعت، وذلك لان الفسوخ لا تقبل التعليق، كالعقود (قوله: ولو زاد الموهوب) أي عند الفرع
(قوله: رجع) أي الأصل، ومتعلق الفعل محذوف: أي فيه (قوله: بزيادته المتصلة) أي مع زيادة الموهوب المتصلة.
فالباء بمعنى مع، وذلك لأنها تتبع الأصل (قوله: كتعلم الصنعة) تمثيل للزيادة المتصلة، والمراد: التعلم الذي لا معالجة
للسيد فيه. قاله زي. والمراد بالسيد: الولد الموهوب له، ومفهومه أن التعلم إن كان فيه معالجة تقابل بأجرة، دفعها
الواهب لابنه إن طلبها. تأمل. اه‍. بجيرمي (قوله: لا المنفصلة) أي لا الزيادة المنفصلة عن الموهوب، فلا يرجع
الأصل فيها (قوله: كالأجرة) تمثيل للزيادة المنفصلة. وقوله والولد، أي الحادث الحمل به بعد القبض، بخلاف
القديم، فيرجع فيه، لأنه من جملة الموهوب، بناء على أن الحمل يعلم (قوله: الحمل الحادث) معطوف على الأجرة،
ومقتضاه أنه من الزوائد المنفصلة، وليس كذلك، بل هو من الزوائد المتصلة، وألحق بالزوائد المنفصلة في عدم الرجوع
فيه، ولو قال - كما في شرح المنهج - وكذا حمل حادث، لكان أولى، وقوله على ملك فرعه، متعلق بالحادث، أي الذي
حدث على ما هو ملك للفرع، وهو الام، ويلزم منه أن يكون بعد القبض، وعبارة شرح المنهج: لحدوثه على ملك
الفرع. اه‍. وهي أولى، لأنها أفادت علة كون الحمل الحادث لا يرجع الأصل فيه، بل إنما يرجع في أمه فقط (قوله:
ويكره للأصل: الرجوع في عطية الفرع الخ) شروع في بيان حكم الرجوع (قوله: إلا لعذر) أي فلا يكره (قوله: كأن
الخ) تمثيل للعذر، وعبارة التحفة، كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به، فإن أصر. لم يكره - كما قالاه -
وبحث الأسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه، وندبه، إن أزاله، وإباحته، إن لم يفد شيئا. والأذرعي
عدم كراهته، إن احتاج الأب له لنفقة أو دين، بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه، ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه
إلى كفه عن المعصية، والبلقيني: امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع، لأنه
إنما يرجع، ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع، وبما ذكره، أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وردوا على من أفتى
بجواز الرجوع في النذر، بكلام الروضة وغيرها. اه‍ (قوله: وبحث البلقيني امتناعه) أي الرجوع (قوله: كزكاة الخ)
تمثيل للصدقة الواجبة. قال ع ش: لا يقال كيف يأخذ الزكاة أو النذر، مع أنه إذا كان فقيرا فنفقته واجبة على أبيه فهو غني
بماله، وإن كان غنيا فليس له أخذ الزكاة من أصلها، لأنا نقول: نختار الأول، ولا يلزم من وجوب نفقته على أبيه، غناه،
لجواز أن يكون له عائلة كزوجة، ومستولدة يحتاج للنفقة عليهما، فيأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك، لأنه إنه
يجب على
أصله نفقته، لا نفقة عياله، فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه. اه‍ (قوله: وبما ذكره) أي البلقيني من امتناع
الرجوع (قوله: ممن سبقه) أي تقدم عليه في الزمن، (وقوله: وتأخر عنه) أي فيه (قوله: وله الرجوع الخ) أي للأصل
الرجوع في المال الذي أقر ذلك الأصل بأنه لفرعه (قوله: عن أبيه) أي نقلا عن أبيه (قوله: وفرض ذلك) أي فرض كونه
له الرجوع فيما أقر به إن لفرعه (قوله: فيما الخ) الجار والمجرور خبر فرض، أي كائن فيما إذا فسر ما أقر به له بهبة. قال
سم، قضيته أنه لا يكفي ترك التفسير مطلقا، وفيه نظر. اه‍ (قوله: وهو فرض) أي فرض الرجوع في المقر به بما إذا
فسره بهبة فرض لا بد منه، أي لا غنى عنه (قوله: لو وهب) أي المالك لغيره شيئا. (وقوله: وأقبض) أي الموهوب
للمتهب. (وقوله: ومات) أي الواهب بعد الاقباض (قوله: فادعى الوارث كونه) أي ما ذكر من الهبة والاقباض واقعا في
المرض: أي لأجل أن يعد من الثلث، لان التصرفات الكائنة في مرض الموت تحسب منه (قوله: والمتهب) أي وادعى

179
المتهب أن ما ذكر واقع في الصحة، لأجل أن يأخذه بتمامه من رأس المال (قوله: صدق) أي المتهب بيمينه، لأن العين
في يده، والأصل دوام الصحة (قوله: ولو أقاما) أي الوارث والمتهب، (وقوله: بينتين) أي تشهد بينة كل بما ادعاه
(قوله: قدمت الخ) جواب لو (قوله: لان معها) أي بينة الوارث وقوله زيادة علم، أي بالمرض الذي هو خلاف الأصل.
(تنبيه) قال في المغني: لو وهب لولده عينا، وأقبضه إياها في الصحة، فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما
وهبه له، ولم تذكر ما رجع فيه: لم تسمع شهادتها، ولم تنزع العين منه، لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه. اه‍.
(قوله: وهبة دين) أي أو التصدق به، (وقوله: الدين) متعلق بهبة (قوله: إبراء) أي صريحا، خلافا لما في الذخائر من
أنه كناية، نعم، إن كان بلفظ الترك كأن يقول له تركته، أو لا آخذه منك، فهو كناية إبراء، وقوله له، أي للمدين. وقوله
عنه، أي عن الدين. (قوله: فلا يحتاج إلى قبول) مفرع على كونه إبراء (قوله: نظرا للمعنى) هو كون هذه الهبة إبراء
(قوله: ولغيره) معطوف على للمدين أي وهبة دين لغير المدين، كأن كان الدين على زيد، فوهبه لعمرو (قوله: هبة
صحيحة) خبر المبتدأ المقدر قبل الجار والمجرور، أعني قوله لغيره (قوله: إن علما) أي الواهب والمتهب قدره، أي
الدين، فإن لم يعلما قدره، فهي باطلة، لما مر من أن شرط صحة الهبة علم المتعاقدين بالموهوب (قوله: كما صححه
الخ) مرتبط بقوله هبة صحيحة (قوله: خلافا لما صححه المنهاج) أي من البطلان، وعبارته، وهبة الدين للمدين إبراء،
ولغيره باطلة في الأصح. اه‍. قال في النهاية: لأنه غير مقدور على تسليمه، لان ما يقبض من المدين، عين، لا دين،
وظاهر كلام جماعة، واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، بطلان ذلك، وإن قلنا بما مر من صحة بيعه لغير من هو عليه
بشروطه السابقة، وهو كذلك، ويؤيده ما مر من صحة بيع الموصوف دون هبته، والدين مثله، بل أولى، الخ. اه‍.
(قوله: تنبيه الخ) ذكره في المنهاج والمنهج في باب الضمان، ولم يذكره المؤلف هناك، وذكره هنا، لأنه لما بين أن هبة
الدين للمدين إبراء، ناسب أن يذكر ما يتعلق بالابراء (قوله: لا يصح الابراء من المجهول) أي الذي لا تسهل معرفته،
بخلاف ما تسهل معرفته، كإبرائه من حصته من تركة مورثه، لأنه، وإن جهل قدر حصته، لكن يعلم قدر تركته، فتسهل
معرفة الحصة، وعدم صحة ما ذكر، بالنسبة للدنيا. وأما في الآخرة: فتصح، لان المبرئ راض بذلك ولا يصح أيضا
الابراء المؤقت، كأن يقول أبرأتك مما لي عليك سنة، والمعلق بغير الموت. أما المعلق به، كإذا مت فأنت برئ، فهو
وصية، فيجري فيه تفصيلها (قوله: للدائن) متعلق بالمجهول (قوله: أو المدين) أي أو المجهول للمدين، (وقوله: لكن
فيما فيه معاوضة) راجع للمدين، لا للدائن، كما في البجيرمي، ونص عبارته، فلا بد من علم المبرئ مطلقا وأما
المدين، فإن كان الابراء في معاوضة، كالخلع، بأن أبرأته مما عليه في مقابلة الطلاق، فلا بد من علمه أيضا، لتصح
البراءة، وإلا فلا يشترط الخ. اه‍ (قوله: لا فيما عدا ذلك) أي لا تنتفي الصحة فيما عدا ما فيه معاوضة، فيصح إبراء
المجهول للمدين في غير الذي فيه معاوضة، كدين ثبت عليه، وهو جاهل به فأبرأه منه الدائن العالم بقدره، (
وقوله: على
المعتمد) مرتبط بهذا فقط (قوله: وفي القديم الخ) أفاد به أن الأول، هو القول الجديد، وهو كذلك، كما صرح به في
المنهاج، وعبارته: والابراء من المجهول باطل في الجديد، قال في المغني، لان البراءة متوقفة على الرضا، ولا يعقل مع
الجهالة، والقديم أنه صحيح، لأنه إسقاط محض، كالإعتناق، ومأخذ القولين إنه تمليك أو إسقاط، فعلى الأول،
يشترط العلم بالمبرأ، وعلى الثاني، لا يصح. اه‍. (وقوله: يصح) أي الابراء. (وقوله: مطلقا) أي فيما فيه معاوضة

180
وفي غيره (قوله: ولو أبرأ) أي الدائن (قوله: ثم ادعى الجهل) أي فيما أبرأه (قوله: لم يقبل) أي ما ادعاه. وقوله ظاهرا
أي بالنسبة للدنيا، وقوله بل باطنا، أي بل يقبل باطنا ويترتب عليه أنه لا يحل للمدين، وأنه في الآخرة يطالب به (قوله:
ذكره الرافعي) في التحفة بعده، لكن في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل، وإلا كدين ورثه قبل. وفي الجواهر
نحوه، فليخص به كلام الرافعي. اه‍ (قوله: تصدق الصغيرة الخ) ظاهره أنها تصدق بيمينها في حال صغرها، وليس
كذلك، بل بعد بلوغها، ولو قال تصدق المزوجة صغيرة الخ، لأفاد ذلك، إذ يكون المراد عليه تصدق بعد بلوغها، وعبارة
التحفة، في باب الخلع، ولو أبرأت، ثم ادعت الجهل بقدره، فإن زوجت صغيرة، صدقت بيمينها، أو بالغة ودل الحال
على جهلها به، ككونها مجبرة، لم تستأذن، فكذلك، وإلا صدق بيمينه، وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة، محمول
على ذلك اه‍. ومثلها عبارة مؤلفنا هناك، وقوله المزوجة إجبارا، أي بالاجبار لها من أبيها أو جدها وقوله بيمينها، متعلق
بتصدق، وكذلك قوله في جهلها بمهرها (قوله: وكذا الكبيرة الخ) أي وكذا تصدق الكبيرة المزوجة إجبارا، (وقوله: إن
دل الحال على جهلها) أي إن دلت القرينة على جهلها به، ككونها لم تستأذن (قوله: وطريق الابراء من المجهول) أي
الحيلة في صحة الابراء من المجهول (قوله: أن يبرئه) أي يبرئ الدائن مدينة، (وقوله مما يعلم الخ) أي من قدر يعلم
المبرئ أنه لا ينقص عن الدين الذي له، كأن يبرئه من ألف وهو يعلم أن دينه لا يزيد عليها، بل شك، هل يبلغها، أو
ينقص عنها؟ (قوله: ولو أبرأ الخ) يعني لو أبرأ شخص شخصا من دين معين كمائة ريال حال كون المبرئ، بكسر الراء،
معتقدا أنه لا يستحقها، فتبين بعد ذلك أنه يستحقها وقت الابراء، بأن مات مورثه وله مائة ريال عند المبرأ، بفتح الراء،
فيبرأ منها، لان العبرة بالواقع.
(فائدة) يكفي في الغيبة التوبة والاستغفار للمغتاب بأن يقول اللهم اغفر له إن لم تبلغه وإلا فلا بد من
تعيينها بل وتعيين حاضرها إن اختلف به الغرض ثم إن أبرأه منها مطلقا أو في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط
سقطت وإلا فلا ومحله ما لم تكن كبيرة فإن كانت كبيرة بأن كانت في أهل العلم والقرآن فلا بد من التوبة
المعتبرة في الكبائر (قوله: ويكره لمعط الخ) وذلك لخبر البخاري اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم وخبر أحمد أنه
(ص) قال: لمن أراد أن يشهد على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم
(وقوله في عطية فروع) أفهم أنه لا يكره التفضيل في غيرها كالتودد بالكلام وغيره لكن وقع في بعض نسخ
الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في التقبيل وله وجه وافهم قوله: فروع أن هذا الحكم لا
يحري في الاخوة وغيرهم وهو كذلك، (قوله: وإن سفلوا) أي الفروع أي نزلوا (قوله: ولو الأحفاد) أي ولو كانوا
أحفادا فإنه يكره التفضيل بينهم وهم أولادا لأولاد وفي القاموس أحفاد الرجل بناته أو أولاد أولاده. اه‍
وقوله مع وجود الأولاد ليس بقيد كما هو ظاهر (قوله: على الأوجه) راجع للغاية ومقابله يخصص كراهة ذلك
بالأولاد وعبارة التحفة ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد. اه‍
(قوله: سواء الخ) تعميم في العطية وقوله أم وقفا أي أم تبرعا آخر كالإباحة (قوله: أو أصول) بالجر عطف على
فروع أي ويكره أيضا التفضيل في عطية أصول (قوله: وإن بعدوا) أي الأصول (قوله: سواء الذكر وغيره) أي سواء

181
في كراهة التفضيل الذكر منهم والأنثى (قوله: إلا لتفاوت الخ) راجع لقوله يكره بالنسبة للصنفين الفروع والأصول
أي يكره ما ذكر إلا لتفاوت في الحاجة أو الفضل فلا يكره
والحاصل محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة وعدمها وفي الدين وقلته وفي البر وعدمه وإلا فلا
كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة بعض أولادهم كالصديق رضي الله عنه فإنه فضل السيدة عائشة على
غيرها من أولاده كسيدنا عمر فإنه فضل ابنه عاصما بشئ وكسيدنا عبد الله بن عمر فإنه فضل بعض أولاده على
بعضهم رضي الله عنهم أجمعين (قوله: على الأوجه) متعلق ببكره أيضا أي يكره ذلك على الأوجه ومقابلة ما
ذكر بعد قوله قال: جمع يحرم أي التفضيل وعبارة التحفة فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال:
جمع يحرم. اه‍ (قوله: ونقل) بصيغة المبني للمعلوم وفاعله يعود على النووي ومفعوله الجملة بعده فهي
المنقولة وساقه في التحفة مستدركا به على كراهة تفضيل الأصول ونصها فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في
الروضة فإن فضل فالأولى أن يفضل الام الخ. ثم قال: وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات
المكروه أنه أولى من بعض اه‍. وسياق عبارة الشارح يفيد أنه إذ أراد أن يفضل مع ارتكابه للكراهة أو للحرمة على
القولين فليفضل الام مع أنه ليس كذلك فكان الأولى له أن يسلك ما سلكه شيخه ليسلم من ذلك فتنبه (قوله:
فإن فضل) أي أراد ذلك وقوله في الأصل أي في أصوله وهذا ليس في عبارة التحفة فهو من زيادته فكان الأولى
أن يزيد أي التفسيرية (قوله: بل في شرح مسلم) الاضراب انتقالي (قوله: الاجماع على تفضيلها في البر) قال في
التحفة وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة والعاصب أقوى من غيره وما هنا ملحظه
الرحم وهي فيه أقوى لأنها أحوج اه‍.
(واعلم أن أفضل البر، بر الوالدين، بالاحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرهما مما ليس بمنهي
عنه. قال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا) * (1) الآية، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:
كان تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت، فأتى عمر النبي (ص)، فذكر ذلك، فقال لي
النبي (ص): طلقها رواه الترمذي وحسنه، ومن برهما: الاحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل
الرجل أهل ود أبيه ومن الكبائر: عقوق الوالدين، وهو أن يؤذيهما أذى ليس بالهين - ما لم يكن أذاهما به واجبا وصلة
الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة،
والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): ثلاثة في
ظل العرش يوم القيامة: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا، ورجل
اتخذ طعاما ودعا إليه اليتامى والمساكين وقال (ص): رأيت في الجنة قصورا من در وياقوت وزمرد، يرى باطنها من
ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فقلت يا جبريل: لمن هذه المنازل قال: لمن وصل الأرحام، وأفشى السلام، وأطعم
الطعام، ورفق بالأيتام، وصلى بالليل والناس نيام ويتأكد أيضا استحباب وفاء الوعد، قال تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم) * (2)، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (3)، وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (4) ويتأكد
كراهة إخلاف الوعد. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا
تفعلون) * (5) وروى الشيخان خبر: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان زاد مسلم



(1) سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) سورة النحل، الآية: 91.
(3) سورة المائدة، الآية: 1.
(4) سورة الإسراء، الآية: 34.
(5) سورة الصف، الآية: 2، 3.
182
في رواية: وإن صام وصلى اللهم بجاه سيدنا محمد (ص) اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، آمين (قوله: فروع) أي خمسة، الأولى: قوله الهدايا الخ الثاني:
قوله ولو أهدى الخ، الثالث: قوله ولو قال خذها الخ، الرابع: قوله ومن دفع الخ، الخامس قوله ولو بعث هدية الخ (قوله:
الهدايا المحمولة) أي إلى أب المختون (قوله: ملك للأب) خبر المبتدأ، وهو الهدايا. وصح ذلك، مع أن المبتدأ
جمع، والخبر مفرد، لان لفظ ملك مصدر، وهو يخبر به عن المثنى والجمع والمفرد (قوله: وقال جمع للابن) أي أنها
مالك للابن، لا للأب (قوله: فعليه) أي على القول الثاني، وهو أنها للابن، وقوله يلزم الأب قبولها، أي عند انتفاء
المحذور، كما لا يخفى، ومنه قصد التقرب للأب وهو نحو قاض، فيمتنع عليه القبول، كما بحثه بعض الشراح، وهو
ظاهر. اه‍. نهاية وتحفة (قوله: ومحل الخلاف) أي بين كونها للأب أو للابن (قوله: إذا أطلق المهدي) بكسر الدال:
اسم فاعل. (وقوله: فلم يقصد الخ) مفرع على الاطلاق، ولو قال: أي لم يقصد، بأداة التفسير، لكان أولى، إذ هو عين
الاطلاق، لا مرتب عليه (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق المهدي، بأن وجد منه قصد (قوله: فهي) أي الهدايا، وقوله لمن
قصده، أي من الأب، أو من الابن، أو منهما (قوله: ويجري ذلك) أي التفصيل بين حالة الاطلاق وحالة القصد. والمراد
يجري بعض ذلك، لأنه في حالة الاطلاق هنا لا خلاف في أنه للخادم، بخلافه هناك، فإن فيه خلافا بين كونه للأب أو
للابن، بدليل التفريع بعده (قوله: فهو) أي ما يعطي للخادم، (وقوله: له) أي ملك له. (وقوله: فقط) أي لا له معهم،
(وقوله: عند الاطلاق) أي إطلاق المعطي، بكسر الطاء، (وقوله: أو قصده) أي أو عند قصده، أي
الخادم، والإضافة
من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل، أي عند قصد المعطى إياه (قوله: ولهم) أي وهو ملك لهم، أي الصوفية،
(وقوله: عند قصدهم) أي قصد المعطي إياهم فقط (قوله: وله ولهم) أي وهو ملك للخادم والصوفية، (وقوله: عند
قصدهما) أي قصد المعطي إياهما معا (قوله: أي يكون له النصف) يعني إذا قصدهما المعطي بالعطية، يكون له هو
النصف، ولهم النصف الآخر. قال في التحفة بعده، أخذا مما يأتي في الوصية لزيد الكاتب والفقراء. اه‍. قال سم:
كذا في شرح م ر، وقد يفرق. اه‍. (قوله: وقضية ذلك) أي ما ذكر من جريان التفضيل فيما يعطاه خادم الصوفية (قوله:
بين يدي صاحب الفرح) أي ختانا كان أو غيره (قوله: ليضع الناس فيها) أي في الطاسة (قوله: ثم يقسم) أي ما ذكر من
الدراهم، والأولى تقسم: بالتاء، كما في التحفة، (وقوله: أو نحوهما) أي كالمعينين لهما (قوله: يجري الخ) الجملة
خبر أن. (وقوله: ذلك التفصيل) أي الكائن فيما يعطاه الخادم، والمراد يجري نظيره (قوله: فإن قصد الخ) بيان
للتفصيل، وقوله ذلك، أي المذكور من الحالق أو الخاتم أو نحوهما (قوله: أو مع نظرائه المعاونين له) قال سم: هل
يقسم بينه وبين المعاونين له بالسوية، أو بالتفاوت؟ وما ضابطه؟ ولا بد من اعتبار العرف في ذلك. اه‍. (قوله: وبهذا
يعلم) أي ويجريان التفصيل في هذه المسائل الثلاث، وقوله هنا، أي في هذه المسائل، وقوله للعرف: أي العادي
(قوله: أما مع قصد خلافه) أي العرف. وقوله فواضح، خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو، أي عدم النظر للعرف، واضح
(قوله: وأما مع الاطلاق) أي عدم القصد رأسا (قوله: فلان حمله) أي الاعطاء: أي تخصيصه بمن ذكر، وقوله من

183
الأب، أي بالنسبة للصورة الأولى، (وقوله: والخادم) أي بالنسبة للثانية، (وقوله: وصاحب الفرح) أي بالنسبة للثالثة،
(قوله: أن كلا إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة بيانا للغالب (قوله: هو المقصود) خبر أن الثانية
(قوله: هو عرف الشرع) خبر أن الأولى، أي أن الحمل المذكور نظرا للغالب هو عرف الشرع (قوله: فيقدم) أي عرف
الشرع، (وقوله: على العرف) أي العادي. (وقوله: المخالف له) أي لعرف الشرع (قوله: بخلاف الخ) خبر لمبتدأ
محذوف، أو حال مما قبله، كما تقدم غير مرة. (قوله: فإنه تحكم فيه العادة) أي العرف العادي، والاسناد فيه من قبيل
المجاز العقلي، وفي بعض نسخ الخط فإنه يحكم فيه بالعادة (قوله: ومن ثم الخ) أي من أجل أن ما ليس للشرع فيه
عرف تحكم العادة فيه. (قوله: ولو نذر) أي من ينعقد نذره، وهو والمسلم المكلف (قوله: ميت) صفة لولي (قوله:
بمال) متعلق بنذر (قوله: فإن قصد) أي الناذر، وقوله أنه، أي الولي الميت، (وقوله: يملكه) أي المال بنذره له،
(وقوله: لغا) أي النذر، لأنه ليس أهلا للملك (قوله: وإن أطلق) أي لم يقصد شيئا (قوله: فإن كان الخ) أي في ذلك
تفضيل، فإن كان الخ (قوله: ما يحتاج للصرف في مصالحه) أي شئ يحتاج لان يصرف المنذور في مصالحه، كقناديل
معلقة عليه فيحتاج لشراء زيت للاسراج به فيها، وتقدم، في مبحث النذر، أن الانتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من
ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما، لم يصح النذر. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن على قبره ما يحتاج للصرف فيه
(قوله: فإن كان عنده) أي عند قبر الولي الميت، (وقوله: اعتيد قصدهم بالنذر) أي اطردت العادة بأنهم يقصدون بالنذر
لذلك الولي (قوله: صرف لهم) أي صرف ذلك لهؤلاء القوم الذين اعتيد صرف النذر لهم، عملا بالعادة المطردة، ولم
يذكر حكم ما إذا لم يكن هناك شئ يحتاج للصرف فيه ولم يكن قوم هناك يعتاد صرف النذر إليهم. وقد تقدم في مبحث
النذر في صورة ما إذا خرج أحد من ماله للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة ما نصه: أنه إن اقتضى العرف صرفه
في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به، فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف
لرأي ناظرها. اه‍. بتصرف. ويمكن أن يقال هنا كذلك، وهو أنه إذا كان لقبر ذلك الولي ناظر، فيكون الرأي فيه له، ولا
يلغو النذر، ويمكن خلافه. فليراجع (قوله: ولو أهدى لمن خلصه من ظالم الخ) عبارة المغني: ولو خلص شخص آخر
من يد ظالم، ثم أنفذ إليه شيئا، هل يكون رشوة أو هدية؟ قال القفال في فتاويه: ينظر، إن كان أهدى إليه
مخافة أنه ربما
لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله، كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته، بأن لا ينقض ذلك بحال، كان هبة. اه‍.
(قوله: لئلا ينقض) أي المهدى إليه، (وقوله: ما فعله) أي من تخليصه من ظالم (قوله: لم يحل له قبوله) أي لأنه إنما
أعطاه خوفا من أن ينقض ما فعله، فهو رشوة، وفي التحفة، ولو شكا إليه أنه لم يعرف أجرته كاذبا، فأعطاه درهما أو أعطاه
بظن صفة فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا، لم يحل له قبوله ولم يملكه، ويكتفي في كونه أعطى لأجل تلك الصفة
بالقرينة. اه‍. (قوله: وإلا حل) أي وإن لم يهد إليه، لئلا ينقض ما فعله، بل أهدى إليه لا لما ذكر، حل قبوله، وقوله إن
تعين عليه تخليصه، بأن لم يكن هناك من يخلصه إلا هو، وهذا مبني على الأصح، أنه يجوز أخذ العوض على الواجب
العيني إذا كان في كلفة (قوله: ولو قال) أي شخص لآخر (قوله: خذ هذا) أي الدرهم أو الدينار (قوله: تعين) أي الشراء
المأمور به. (وقوله: ما لم يرد) أي بقوله واشتر كذا، (وقوله: التبسط) أي التوسع وعدم تعيين ما أمره بشرائه، وقوله أو
تدل قرينة حاله، الإضافة للبيان. وقوله عليه، أي على التبسط. قال في التحفة: لان القرينة هنا محكمة، ومن ثم قالوا لو

184
أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه، أي وقد دلت القرينة عليه، تعين له (قوله: ومن دفع لمخطوبته الخ) هذه
المسألة سيذكرها الشارح في أواخر باب الصداق، ونصها: لو خطب امرأة، ثم أرسل أو دفع إليها، بلا لفظ مالا قبل
العقد، أي ولم يقصد التبرع، ثم وقع الاعراض منها أو منه، رجع بما وصلها منه. اه‍. قال في التحفة هناك، أي لان
قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة. اه‍ (قوله: فرد قبل العقد) أي لم يقبل،
وقوله رجع على من أقبضه، أي لأنه إنما دفع إليها ما ذكر لأجل التزويج، ولم يوجد، وفي حاشية الجمل، في باب
النكاح، ما نصه.
(سئل م ر) عمن خطب امرأة، ثم أنفق عليها نفقة ليتزوجها، فهل له الرجوع بما أنفقه أم لا؟.
(فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفع له، سواء كان مأكولا، أو مشروبا، أم ملبسا، أم حلوا، أم حليا،
وسواء رجع هو، أم مجيبه، أم مات أحدهما، لأنه إنما أنفقه لأجل تزوجها، فيرجع به إن بقي، ويبدله إن تلف، وظاهر أنه
لا حاجة إلى التعرض لعدم قصده الهدية لا لأجل تزوجه بها، لأنه صورة المسألة، إذ لو قصد ذلك، أي الهدية، لا لأجل
تزوجه بها، لم يختلف في عدم الرجوع. اه‍. (قوله: ولو بعث) أي شخص (قوله: فمات المهدى إليه) أي الشخص
الذي أهدي إليه (قوله: قبل وصولها) أي الهدية (قوله: بقيت على ملك المهدي) أي لما تقدم أن الهبة بأنواعها الثلاثة لا
تملك إلا بالقبض بدليل أنه لما مات النجاشي قبل وصول ما أهداه رسول الله (ص)، رد له وقسمه بين زوجاته (قوله: فإن
مات المهدي) أي قبل وصول ما أهداه للمهدى إليه، (وقوله: لم يكن للرسول الخ) أي لا يجوز له ذلك إلا بإذن الوارث.
وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) وإن مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض: فليس للرسول إيصالها، أي الهدية، إلى المهدى إليه، أو
وارثه، إلا بإذن جديد. اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.

185
باب في الوقف
(أي في بيان أحكام الوقف) وهو ليس من خصائص هذه الأمة، كما في شرح م ر. وقال الحافظ، في الفتح، وأشار
الشافعي: إلى أن الوقف من خصائص أهل الاسلام: أي وقف الأرض والعقار. اه‍. قال الرشيدي، وعبارة الشافعي
رضي الله عنه: ولم يحبس أهل الجاهلية، فيما علمته، دارا ولا أرضا، وإنما حبس أهل الاسلام. انتهت. وأركانه
أربعة: واقف، وموقوف عليه، وموقوف، وصيغة. وشرط الواقف أهلية التبرع، فلا يصح وقف المجنون والصبي والمكره
والمحجور عليه والمكاتب. وشرط الموقوف عليه إن كان معينا، إمكان تملكه للموقوف حال الوقف عليه، فلا يصح
الوقف على جنين، لعدم صحة تملكه، ولا وقف عبد مسلم أو مصحف على كافر، وشرط الموقوف أن يكون عينا معينة
مملوكة، إلى آخر ما سيأتي، وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالمراد صريحا: كوقفت، وسبلت، وحبست كذا على كذا،
وكناية: كحرمت، وأبدت هذا للفقراء، وكتصدقت به على الفقراء، ويشترط فيها عدم التعليق، فلو قال إذا جاء رأس
الشهر فقد وقفت كذا على الفقراء، لم يصح، وعدم التأقيت: فلو قال وقفت كذا على الفقراء سنة، لم يصح، وسيذكر
الشارح معظم ذلك (قوله: هو لغة الحبس) يقال وقفت كذا: أي حبسته. قال الرشيدي: أنظر ما المراد بالحبس في
اللغة؟ اه‍. (قوله: وشرعا: حبس الخ) قد اشتمل هذا التعريف على الأركان الأربعة، وعلى معظم الشروط، فقوله
حبس، يتضمن حابسا، وهو الواقف، ويتضمن صيغة. (وقوله: مال) هو الموقوف، (وقوله: يمكن الانتفاع به الخ) بيان
لمعظم الشروط، والمراد بالمال، العين المعينة بشرطها الآتي، غير الدراهم والدنانير، لأنها تنعدم بصرفها، فلا يبقى لها
عين موجودة، (وقوله: بقطع التصرف) متعلق بحبس. والمراد بالقطع، المنع والباء للملابسة، أو التصوير، يعني أن
الحبس مصور بقطع الخ، أو متلبس به، (وقوله: في رقبته) أي ذاته متعلق بالتصرف، (وقوله: على مصرف) متعلق
بحبس أيضا وهو الموقوف عليه. (وقوله: مباح) خرج به المحرم، فلا يصح الوقف عليه. (وقوله: وجهة) قال في فتح
الجواد: كذا عبر به بعضهم، والأولى حذف آخرين لجهة، لايهامه وعدم الاحتياج إليه لشمول ما قبله له. اه‍. (قوله:
والأصل فيه خبر مسلم الخ) أي وقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ولما سمعها أبو طلحة رضي الله
عنه رغب في وقف بيرحاء، وكانت أحب أمواله إليه، وهي حديثة مشهورة، مأخوذة من البراح، وهو الأرض الظاهرة،
واستشكل هذا بأن الذي في حديث أبي طلحة: وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وأنها صدقة لله تعالى عز وجل وهذه
الصيغة لا تفيد الوقف لشيئين: أحدهما أنها كناية، فتتوقف على العلم بأنه نوى الوقف بها، لكن قد يقال سياق الحديث
دال على أنه نواه بها، ثانيهما، وهو العمدة، أنهم شرطوا في الوقف بيان المصرف، فلا يكفي قوله لله عز وجل عنه،
وحينئذ فكيف يقولون إنه وقفها؟ أفاده حجر (قوله: إذا مات المسلم) وفي رواية ابن آدم وقوله انقطع عمله، أي ثواب
عمله، وقوله إلا من ثلاث: هذا العدد لا مفهوم له، فقد زيد على ذلك أشياء، نظمها العلامة السيوطي - فقال:



(1) سورة آل عمران: الآية 92.
186
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر
علوم بثها، ودعاء نجل، وغرس النخل، والصدقات تجري
وراثة مصحف، ورباط ثغر، وحفر البئر، أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي إليه، أو بناء محل ذكر
وزاد بعضهم:
وتعليم لقرآن كريم فخذها من أحاديث بحصر
وقوله علوم بثها، أي بتعليم، أو تأليف، أو تقييد بهوامش (قوله: أو علم ينتفع به) بالبناء للفاعل، أو للمفعول
(قوله: أو ولد) فائدة التقييد به، مع أن دعاء الغير ينفعه، تحريض الولد على الدعاء لاصله. وقوله أي مسلم، أي أن
المراد بالصالح: المسلم، فأطلق الخاص وأراد العام. وعبارة المغني، والولد الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق
العباد، ولعل هذا محمول على كمال القبول، وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما. اه‍. (وقوله: يدعو له) أي لأبيه
بنفسه، أو بتسبب في دعاء الغير لأبيه. فدعاؤه له مستعمل في حقيقته وفي مجازه، وهو التسبب (قوله: وحمل العلماء)
أي العارفون بالكتاب والسنة، وورد في الحديث أنه (ص): خطب للناس يوما، فقال: يا أيها الناس اتبعوا العلماء،
فإنهم سرج الدنيا، ومصابيح الآخرة، وورد ثلاثة تضئ في الأرض لأهل السماء، كما تضئ النجوم في السماء لأهل
الأرض، وهي المساجد، وبيت العالم، وبيت حافظ القرآن (قوله: على الوقف) قال في المغني: والصدقة الجارية
محمولة عند العلماء على الوقف، كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه
أعيانها ومنافعها ناجزا. وأما الوصية بالمنافع، وإن شملها الحديث، فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف
أولى. اه‍. وقال البجيرمي: ما المانع من حمل الصدقة الجارية على بقية العشرة التي ذكروا أنها لا تنقطع بموت ابن
آدم؟ ولعل الشارح تبرأ من حملها على الوقف بخصوصه بقوله محمولة عند العلماء إشارة إلى أنه يمكن حملها على
جميعها. اه‍. (قوله: دون نحو الوصية بالمنافع) أي فإنهم لم يحملوا الصدقة الجارية في الحديث عليها وإن كانت
مؤبدة، وقد علمت أنه يكون ذلك نادرا، ويندرج تحت نحو النذر: الهبة، بناء على جوازها في المنافع، فيملكها
المتهب، وهذا مبني أيضا على أن ما يوهب منافعه أمانة (قوله: وقف عمر الخ) بصيغة الفعل، وهو دليل
آخر. ويصح
قراءته بصيغة المصدر عطف على خبر مسلم، أي والأصل فيه أيضا وقف الخ (قوله: أرضا أصابها) أي جزءا مشاعا من
أرض أصابها غنيمة. قال الجلال المحلي: وقف مائة سهم من خيبر. اه‍. (قوله: وشرط) أي عمر رضي الله عنه في
صيغة الوقف. وقوله فيها، أي في الأرض التي وقفها (قوله: منها) أي الشروط. (وقوله: أصلها) أي رقبتها، أي أصل هو
هي، فالإضافة للبيان (قوله: وأن من وليها) أي تولي أمرها، أي الأرض الموقوفة (قوله: يأكل منها بالمعروف) قال
النووي في شرح مسلم: معناه يأكل المعتاد ولا يتجاوزه، ويطعم، أي غيره، فهو من الاطعام. (وقوله: غير متمول) حال
من فاعل يطعم. قال ع ش: لعل المراد غير متصرف فيه تصرف ذي الأموال، ولا يحسن حمله على الفقير، لأنه لو كان
مرادا، لم يتقيد بالصديق اه‍. (قوله: رواه الشيخان) أي بلفظ: أنبأني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن
الخطاب أصاب أرضا بخير، فأتى النبي (ص) يستأمره فيها، فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط
أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا
يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن

187
يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول وقوله في الحديث أنه الخ المصدر المؤول مجرور بعلى مقدرة،
والضمير يعود على أصلها، أي فتصدق بها عمر على أن أصلها لا يباع الخ (قوله: وهو) أي عمر رضي الله عنه (قوله:
وعن أبي يوسف) أي ونقل عن أبي يوسف (قوله: أنه) أي أبا يوسف (قوله: أنه لا يباع أصلها) بدل من خبر عمر بدل
بعض من كل (قوله: ببيع الوقف) أي بصحة بيعه، أي الاستبدال به (قوله: وقال لو سمعه لقال به) أي وقال أبو يوسف لو
بلغ هذا الخبر أبا حنيفة لقال به، أي بما تضمنه، من عدم صحة بيع الوقف، قال في التحفة بعده، إنما يتجه الرد به على
أبي حنيفة إن كان يقول ببيعه، أي الاستبدال به، وإن شرط الواقف عدمه. اه‍. قال سم: أي لان عمر رضي الله عنه
شرط عدم البيع، فهو إنما يدل على عدم البيع عند شرطه، لا عند عدمه. ثم قال: وقد يقال إنما شرط عمر ذلك ليبين
عدم جواز بيع الوقف، فليتأمل. اه‍. (قوله: صح الوقف الخ) شروع في بيان شروط الموقوف. فقوله عين، احترز به
عن المنفعة، وقوله معينة، احترز به عما في الذمة عن المبهم، كواحد من عبديه. وقوله مملوكة، احترز به عن الذي لا
يملك، كمكتري، وموصى بمنفعته له، وحر، وكلب. (وقوله: يقبل النقل) أي من ملك شخص إلى ملك شخص آخر،
واحترز به عن أم ولد ومكاتب لأنهما لا يقبلان النقل، لأنهما قد حلهما حرمة العتق، فالتحقا بالحر، (وقوله: تفيد فائدة)
أي يحصل منها فائدة، واحترز به: عما لا يفيد، كزمن لا يرجى زوال زمانته، (وقوله: حالا) أي كثمرة بستانه الحاصلة،
(وقوله: أو مآلا) أي كعبد وجحش صغيرين، فيصح وقفهما، وإن لم تكن الفائدة موجودة في الحال. (وقوله: أو منفعة)
بالنصب، عطف على فائدة، من عطف الخاص على العام إن أريد بالفائدة ما يشمل الحسية والمعنوية. وإن خصت
بالحسية، كان من عطف المغاير. (وقوله: يستأجر لها) الجار والمجرور نائب فاعل، والتقدير أو منفعة يستأجر الشخص
العين لأجلها. واحترز به عن ذي منفعة لا يستأجر لها، كآلة لهو، وطعام، (وقوله: غالبا) قال في شرح الروض احترز به
عن الرياحين ونحوها فإنه لا يصح وقفها، كما سيأتي مع أنها تستأجر، لان استئجارها نادر، لا غالب. اه‍. وقوله
الرياحين: أي المحصودة، لا المزروعة، كما سيأتي - واحترز به أيضا عن فحل الضراب، فإنه يصح وقفه له، وإن لم
تجز إجارته له، إذ يغتفر في القربة ما لا يغتفر في المعاوضة. (وقوله: وهي باقية) أي تفيد ما ذكر، والحال أنها باقية،
واحترز به عما يفيد، لكن باستهلاكه، كالمطعومات، فجميع هذه المحترزات لا يصح وقفها (قوله: لأنه) أي الوقف،
وهو علة لاشتراط كون العين تفيد فائدة وهي باقية، أي وإنما اشترط ذلك لكون الوقف إنما شرع ليكون صدقة جارية، ولا
يكون كذلك إلا إن حصل الانتفاع بالعين مع بقائها. (قوله: وذلك) اسم الإشارة يحتمل عوده على وقف في قوله صح
وقف، أي وذلك الوقف الصحيح بسبب استكمال القيود كائن كوقف شحر الخ، ويحتمل عوده على العين
المستكملة لما
ذكر وتذكير اسم الإشارة على تأويلها بالمذكور، أي وذلك المذكور من العين التي يصح وقفها كائن كوقف الخ. لكن لا
بد عليه من تأويل وقف بموقوف، وتكون الإضافة من إضافة الصفة للموصوف، أي كشجر وقف لريعه الخ. فتنبه (قوله:
لريعه) أي نمائه متعلق بوقف، أي وقفه لأجل تحصيل ريعه (قوله: وحلي للبس) أي وكوقف حلي للبسه (قوله: ونحو
مسك) معطوف على شجر: أي وكوقف نحو مسك كعنبر لأجل شمه، وقوله لشم، خرج به ما إذا كان للاكل، فلا يصح
وقفه. قال في شرح الروض، قال الخوارزمي وابن الصلاح يصح وقف المشموم الدائم نفعه، كالعنبر والمسك. اه‍.
(قوله: وريحان مزروع) معطوف على نحو مسك، من عطف الخاص على العام، أي وكوقف ريحان مزروع لأجل
شمه، فيصح، لأنه يبقى مدة. وفيه أيضا نفع آخر، وهو التنزه، ولا بد أن يكون للشم، لا للاكل، وإلا فلا يصح أيضا.
واحترز بالمزروع، عن المحصود، فلا يصح وقفه، لسرعة فساده (قوله: بخلاف عود البخور) أي فلا يصح وقفه.

188
(وقوله: لأنه الخ) علة لمقدر، أي وإنما لم يصح وقفه، لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه، أي بزوال عينه (قوله: والمطعوم)
أي وبخلاف المطعوم، فهو معطوف على عود البخور. (وقوله: لان نفعه الخ) علة لمقدر أيضا، أي فلا يصح وقف
المطعوم، لان النفع به إنما يكون في إهلاكه. وهذه العلة عين العلة المارة، فلو حذف تلك، وجعل هذه علة للمعطوف
والمعطوف عليه، لكان أخصر (قوله: وزعم ابن الصلاح الخ) مبتدأ. وقوله اختيار له، أي لابن الصلاح، خبره: أي وإذا
كان مجرد اختيار له فقط، فلا يعترض به على عدم صحة وقف المطعوم (قوله: ويصح وقف المغصوب) أي ويصح
للمالك أن يوقف العين التي غصبت عليه، لأنها ليس فيها إلا العجز عن صرف منفعتها إلى جهة الوقف في الحال، وذلك
لا يمنع الصحة. (قوله: وإن عجز) أي الواقف، (وقوله: عن تخليصه) أي المغصوب من الغاصب (قوله: ووقف العلو) أي ويصح وقف
العلو فقط من دار أو نحوها، دون سفلها، (وقوله: مسجدا) عبارة الفتح: ولو مسجدا. اه‍. وهي
أولى، لإفادتها التعميم (قوله: والأوجه صحة وقف المشاع) أي كجزء من دار أو من أرض. ويصح وقفه،
وإن جهل قدر
حصته أو صفتها، لان وقف عمر السابق، كان مشاعا، ولا يسري للباقي، ولو كان الواقف موسرا، بخلاف العتق.
(وقوله: وإن قل) أي المشاع الموقوف مسجدا، والغاية للرد، كما تفيده عبارة النهاية، ونصها، ولا فرق فيما مر بين أن
يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أو الأكثر، خلافا للزركشي ومن تبعه اه‍. ولو أخرها عن قوله ويحرم المكث الخ، لكان
أولى، لان مراد النهاية بقوله فيما مر، حرمة المكث، (وقوله: مسجدا) مفعول وقف، والأولى أن يأخذه غاية، بأن يقول:
ولو مسجدا، كما يفيده إطلاق المنهاج، وعبارته: ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع. اه‍. قال في النهاية: وشمل كلامه
ما لو وقف المشاع مسجدا. اه‍. (قوله: ويحرم المكث فيه) أي في المشاع الموقوف مسجدا، وفي شرح الروض،
وأفتى البارزي بجواز المكث فيه، ما لم يقسم. اه‍. وفي النهاية: وتجب قسمته لتعينها طريقا، وما نوزع به مردود،
وتجويز الزركشي المهايأة هنا بعيد، إذ لا نظير لكونه مسجدا في يوم وغير مسجد في آخر. اه‍. وفي البجيرمي: وتصح
فيه التحية دون الاعتكاف، لان الاعتكاف، لا يصح إلا في المسجد الخالص، ولا يجوز فيه التباعد عن الامام أكثر من
ثلاثمائة ذراع بين المصلين. اه‍. (وقوله: تغليبا للمنع) أي منع المكث الذي هو مقتضى الوقف به على جواز المكث
الذي هو مقتضى الملك. ولو قال تغليبا للوقف على الملك، أي للجزء الموقوف على الجزء المملوك، لكان أولى. قال
في المغني:
(فإن قيل) ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا أقل، كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان
القرآن أقل على المحدث.
(أجيب) بأن المسجدية هنا شائعة في جميع أجزاء الأرض، غير متميزة في شئ منها، فلم يمكن تبعية الأقل
للأكثر، إذ لا تبعية إلا مع التمييز، بخلاف القرآن، فإنه متميز عن التفسير، فاعتبر الأكثر، ليكون الباقي تابعا. اه‍.
(قوله: ويمتنع اعتكاف الخ) عبارة التحفة، ومر في مبحث خيار الإجارة أنه يتصور لنا مسجد تملك منفعته، ويمتنع نحو
اعتكاف وصلاة فيه من غير إذن مالك المنفعة اه‍. (وقوله: ومر الخ) عبارته هناك، ومما يتخير به أيضا ما لو استأجر محلا
لدوابه فوقفه المؤجر مسجدا، فيمتنع عليه تنجيسه وكل مقذر له من حينئذ، ويتخير، فإن اختار البقاء، انتفع به إلى مضي
المدة، وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر، وحينئذ، يقال لنا مسجد منفعته مملوكة
الخ اه‍. إذا علمت ذلك، تعلم أن عبارة الشارح سقطا من النساخ (قوله: بوقفت الخ) متعلق بقوله صح وقف عين، وهو
شرع في بيان الصيغة، وقد تقدم بيان شروطها، فلا تغفل. (وقوله: وسبلت وحبست) بتشديد الباء فيهما، وهما من
الصرائح، على الصحيح، لاشتهارهما فيه شرعا وعرفا. أما الأول، وكل ما كان مشتقا من لفظ الوقف فصريح قطعا

189
(قوله: كذا على كذا) متعلقان بكل من وقفت وما بعده. قال في المغني، فإن لم يقل على كذا، لم يصح. اه‍. (قوله:
أو أرضي موقوفه أو وقف عليه) أي أو قال ذلك، وهو من الصريح بلا خلاف، كما علمت (قوله: فصريح في الأصح) تصريحه بالصراحة هنا وعدم
تصريحه بها فيما سبق، يفيد أن جميع ما سبق متفق على صراحته، مع أنه ليس كذلك، لان
بعضه متفق عليه وهو ما كان مشتقا من لفظ الوقف، وبعضه مختلف فيه وهو ما عداه، كما تقدم، فكان عليه أن ينص على
ذلك، وإنما كان ما ذكر صريحا في الأصح، لان لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف (قوله: ومن الصرائح
الخ) أي على الأصح (قوله: فيصير) أي المكان. (وقوله: به) أي بقوله جعلت الخ (قوله: وإن الخ) غاية في صيرورته
مسجدا بقوله المذكور (قوله: ولا أتي بشئ مما مر) أي: من قوله لا يباع ولا يوهب ولا يورث (قوله: لان المسجد الخ)
علة لصيرورته مسجدا بذلك، أي أنه يصير مسجدا بمجرد قوله جعلته مسجدا، لان المسجد لا يكون إلا وقفا، فأغنى
لفظه عن لفظ الوقف ونحوه (قوله: ووقفته للصلاة الخ) أي وإذا قال الواقف وقفت هذا المكان للصلاة فهو صريح في
مطلق الوقفية (قوله: وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها) فإن نوى المسجدية، صار مسجدا، وإلا صار وقفا
على الصلاة فقط، وإن لم يكن مسجدا، كالمدرسة (قوله: في غير الموات) لا يظهر تعقله بما قبله، فكان الأولى
إسقاطه، أو تأخيره وذكره بعد قوله فلو بنى بناء على هيئة مسجد الخ، كما في التحفة، وفتح الجواد، وعبارة الثاني،
ووقفته للصلاة صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها، بخلاف البناء على هيئة المسجد،
فإنه غير كناية، وإن أذن في الصلاة فيه، إلا بموات، فيصير مسجدا بمجرد البناء مع النية، خلافا للفارقي، لان اللفظ إنما
احتيج إليه لاخراج ما كان في ملكه عنه، وهذا لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا، فلم يحتج للفظ، وصار للبناء حكم
المسجد تبعا، ومن ثم اتجه جريان ذلك في بناء مدرسة أو رباط أو حفر بئر وإحياء مقبرة في الموات بقصد التسبيل. اه‍.
ويحتمل على بعد أنه مرتبط بكلام المتن فيكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي ما ذكر من كون صحة الوقف بوقفت الخ في
غير الموات، أما في الموات، وهو الأرض التي لم تعمر قط، أو عمرت جاهلية، فيصح الوقف من غير ذلك (قوله: من
أنه الخ) الصواب إسقاط لفظ من، ولا يصح جعلها زائدة، لأنها لا تزاد في الاثبات إلا على رأي ضعيف، وقوله لو عمر،
بتخفيف الميم، من العمارة، أما بالتشديد، فمن التعمير في السن، أي طول الاجل، ومن الأول، قوله تعالى: * (إنما
يعمر مساجد الله) * (1) ومن الثاني، قوله تعالى: * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * (2)، * (أو لم نعمركم) * (3) الآية. اه‍.
ش ق. (وقوله: ولم يقف آلاته) أي التي حصلت العمارة بها، من خشب، وحجر، ونحوهما، وضميره يعود على
الشخص المعمر، كضمير الفعل قبله (قوله: كانت) أي الآلات، وهو جواب لو. (وقوله: عارة له) أي للمسجد.
(وقوله: يرجع الخ) بيان لحكم العارية. وفي النهاية: وقول الروياني لو عمر الخ يمكن حمله على ما إذا لم يبن بقصد
المسجد، والقول بخلافه على ما إذا بني بقصد ذلك. وفي كلام البغوي ما يرد كلام الروياني. اه‍. وقوله وفي كلام
البغوي، هو ما سيذكره الشارح قريبا بقوله قال البغوي في فتاويه الخ، كما في التحفة (قوله: لما أضيف) أي للمسجد،



(1) سورة المائدة، الآية: 18.
(2) سورة البقرة، الآية: 96.
(3) سورة الفاطر، الآية: 37.
190
والجار والمجرور متعلق بيثبت. (وقوله: من الأرض) بيان لما. (وقوله: حوله) متعلق بأضيف، أي أضيف حول
المسجد (قوله: إذا احتيج إلى توسعه) أي المسجد، أي ولم يوقف ما أضيف له مسجدا أيضا، وإلا ثبت له حكم
المسجد، كما هو ظاهر (قوله: وعلم مما مر) أي من قول المصنف صح وقف بوقفت الخ (قوله: ولا يأتي
فيه) أي الوقف
خلاف المعاطاة، وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية، فأمكن تنزيل النص عليها، ولا كذلك الوقف. اه‍. تحفة.
والنص هو قوله: إنما البيع عن تراض، فحمل على البيع المعروف لهم، ولو بالمعاطاة عقد من يقول بها. اه‍. ع ش
(قوله: فلو بنى الخ) مفرع على قوله ولا يأتي فيه الخ (قوله: لم يخرج بذلك) أي بما ذكر من البناء على هيئة المسجد
والاذن بإقامة الصلاة فيه عن كونه ملكا له، وهذا في غير الموات، أما فيه فلا يحتاج إلى لفظ، كما مر آنفا (قوله: كما إذا
الخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما لو بنى مكانا على هيئة مقبرة وأذن في الدفن، فإنه لا يخرج بذلك عن ملكه (قوله:
بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف) أي بخلاف ما لو بنى على هيئة مسجد وأذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير مسجدا بذلك،
قال في التحفة: ويوجه ما فيه بأن الاعتكاف يستلزم المسجدية، بخلاف نحو الصلاة. اه‍. وكتب سم ما نصه: المتجه
أن مجرد الاذن في الاعتكاف فيه ليس إنشاء لوقفه مسجدا، بل متضمن للاعتراف بذلك، فلا يصير مسجدا في نفس الامر
بمجرد ذلك. م ر. اه‍. (قوله: لو قال) أي مالك أرض (قوله: لقيم المسجد) أي للقائم على عمارته (قوله: صار له)
أي اللبن (قوله: وليس له) أي للقائل لقيم المسجد ما ذكر. (وقوله: نقضه) بفتح النون، أي هدمه وأخذ لبنه، ويحتمل
أنه بكسر النون بمعنى المنقوض، أي ليس له إذا خرب المسجد منقوضه، والمراد اللبن الذي قطع من أرضه، بل حكمه
حكم بقية آلات المسجد. قال في القاموس: النقض للبناء، والحبل والعهد ضد الابرام، كالإنتقاض، والتناقض،
وبالكسر: المنقوض. اه‍. (قوله: وله) أي للقائل ما مر. (وقوله: استرداده) أي اللبن، أي الرجوع فيه، (وقوله: قبل
أن يبني به) أي قبل أن يبني المسجد بذلك اللبن (قوله: وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك) لم يتقدم لاسم الإشارة
مرجع، فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: نعم بناء المسجد في الموات تكفي فيه النية، ثم
قال: وألحق الأسنوي بالمسجد في ذلك نحو المدارس والربط، والبلقيني أخذ منه أيضا البئر المحفورة للسبيل والبقعة
المحياة مقبرة الخ. اه‍. ومثله في النهاية ومغني الخطيب. وكتب ع ش: قوله في ذلك، أي أنه يصير وقفا بنفس
البناء. اه‍. (قوله: فيصير كذلك) أي وقفا بمجرد بنائه (قوله: وضعفه بعضهم) أي ضعف ما قاله الشيخ. وفي التحفة،
واعترض بعضهم ما قاله الشيخ بأنه قرعه على طريقة ضعيفة. اه‍. (قوله: ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من
نزله، أو ليباع نسلها لمصالحه) قال في الروض وشرحه: وإن أطلق فلا يصح، وإن كنا نعلم أنه يريد ذلك، لأن الاعتبار
باللفظ ذكره في الروضة عن القفال، ونقله عن الرافعي أواخر الباب مع نظيره فيما لو وقف شيئا على مسجد كذا ولم يبين
جهة مصرفه لكنه قال عقبهما، ومقتضى إطلاق الجمهور الصحة. اه‍. (قوله: وشرط له الخ) شروع في ذكر شروط
الوقف، وذكر ثلاثة منها، وهي التأبيد، والتنجيز، وإمكان التمليك. والثاني في الحقيقة من شروط الصيغة، والثالث

191
للموقوف عليه، كما تقدم بيانه أول الباب (قوله: تأبيد) قال البجيرمي، معنى تأبيده أن يقف على ما لا ينقرض عادة،
كالفقراء والمساجد، أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض، كأولاد زيد، ثم الفقراء (قوله: فلا يصح تأقيته) أي
لفساد الصيغة به، إذ وضعه على التأبيد، وسواء في ذلك طويل المدة وقصيرها. نعم، ينبغي أن يقال لو وقفه على الفقراء
ألف سنة أو نحوها مما يبعد بقاء الدنيا إليه، صح، كما بحثه الزركشي، كالأذرعي، لان القصد منه التأبيد دون حقيقة
التأقيت، ومحل فساد الصيغة به فيما لا يضاهي التحرير، أي يشابهه، في انفكاكه عن اختصاص الآدميين، أما فيما
يضاهيه، كالمسجد والرباط والمقبرة: كقوله جعلته مسجدا سنة، فإنه يصح مؤبد ويلغو التأقيت، كما لو ذكر فيه شرطا
فاسدا (قوله: كوقفته على زيد سنة) تمثيل للمؤقت. قال في شرح الروض: نعم إن عقبه بمصرف آخر، كأن وقف على
أولاده سنة، ثم على الفقراء، صح. وروعي فيه شرط الواقف. نقله الخوارزمي. اه‍. (قوله: وتنجيز) معطوف على
تأبيد: أي وشرط له تنجيز (قوله: فلا يصح تعليقه) أي الوقف، لأنه عقد يقتضي إزالة الملك في الحال، ومحله أيضا فيما
لا يضاهي التحرير، فلو قال إذا جاء رمضان فقد جعلت هذا المكان مسجدا، صح، كما ذكره ابن الرفعة، ولا
يصير
مسجدا إلا إذا جاء رمضان. وأفهم كلامه أنه لو نجز الوقف وعلق الاعطاء، صح، كوقفته على زيد، ولا يصرف إليه إلا
أول شهر كذا مثلا، وهو كذلك، كما نقله البجيرمي، عن الزركشي، عن القاضي حسين، (قوله: نعم يصح) تعليقه
بالموات استثناء من عدم صحة التعليق، والمراد به مطلق الربط، ولو لم يكن بواسطة أداة الشرط، كمثاله المذكور بعد،
ومثال ما كان بواسطة الأداة، إذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها فإنه لا يصح، كما في
التحفة ونصها، نعم يصح تعليقه بالموت كإذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، إذ المعنى فاعلموا أني قد
وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها. والفرق أن الأول إنشاء تعليق، والثاني تعليق إنشاء، وهو باطل، لأنه وعد محض. ذكره
السبكي. اه‍. (قوله: قال الشيخان وكأنه وصية) أي وكأن المعلق بالموت وصية، أي في حكمها. وفي الرشيدي ما
نصه: قال الشارح في شرحه للبهجة.
(والحاصل) أنه يصح ويكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث، وفي جواز الرجوع عنه، وفي عدم صرفه
للوارث، وحكم الأوقاف في تأبيده، وعدم بيعه وهبته وارثه. اه‍. (قوله: لقول القفال الخ) تعليل لكونه في حكم
الوصية، أي وإنما كان في حكمها لقول القفال أنه لو عرضها، أي الدار، المعلق وقفها على الموت للبيع، كان عرضه
المذكور رجوعا عن الوقف المذكور، كالوصية، فإنه لو عرض الموصي ما أوصى به للبيع، كان رجوعا. ويفرق بينه وبين
المدبر، حيث كان العرض فيه ليس رجوعا، بل لا بد من البيع بالفعل، بأن الحق المتعلق به، وهو العتق، أقوى، فلم
يجز الرجوع عنه إلا بنحو البيع دون العرض عليه، كذا في التحفة والنهاية (قوله: وإمكان تمليك) معطوف على تأبيد،
أي وشرط له إمكان تمليك الواقف للموقوف عليه العين الموقوفة، ففاعل المصدر محذوف، والعين مفعوله. والأولى:
وإمكان تملكه - كما عبر به في المنهج - وشرط في الموقوف عليه عدم المعصية، فلو قال وقفت على زيد ليقتل من يحرم
قتله أو على مرتد أو حربي، لم يصح (قوله: إن وقف على معين) قيد في هذا الشرط، وخرج به، ما إذا وقف على
جهة فيصح الوقف بدون هذا الشرط، أعني إمكان تمليكه، نعم، يشترط فيها عدم المعصية. وعبارة المنهج مع شرحه،
وشرط في الموقوف عليه إن لم يتعين، بأن كان جهة عدم كونه معصية فيصح الوقف على فقراء وعلى أغنياء، وإن لم تظهر
فيهم قربة، نظرا إلى أن الوقف تمليك، كالوصية، لا على معصية، كعمارة كنيسة للتعبد. وشرط فيه، إن تعين مع ما مر،
إمكان تملكه للموقوف عليه من الواقف، لان الوقف تمليك للمنفعة. اه‍. (قوله: واحد أو جمع) بدل من معين أو صفة
له (قوله: بأن يوجد الخ) تصوير لامكان التمليك. أي أنه مصور بوجود الموقوف عليه حال الوقف خارجا متأهلا للملك

192
(قوله: فلا يصح الوقف على معدم) أي لعدم وجوده خارجا حال الوقف، فهو لا يمكن تمليكه (قوله: كعلى مسجد
سيبني) أي كأن يقول: وقفت هذا على مسجد، وهو معدوم (قوله: أو على ولده ولا ولد له) أي أو قال وقفت هذا على
أولادي، والحال أنه لا أولاد له، فلا يصح، ومحله إن لم يكن له ولد ولد، وإلا حمل عليه قطعا، صيانة للفظ عن
الالغاء، فلو حدث له ولد بعد ذلك، فالظاهر الصرف إليه، لوجود الحقيقة، وأنه يصرف لولد الولد معه فلا يحجبه، بل
يشتركان. أفاده م ر. اه‍. ش ق (قوله: أو على من سيولد لي) أي أو قال وقفت على من سيولد لي (قوله: ثم الفقراء)
راجع للجميع، ويحتمل رجوعه للأخير فقط. (وقوله: لانقطاع أوله) علة لعدم الصحة في الجميع، أي لا يصح الوقف
على مسجد سيبني، أو على ولده ولا ولد له، أو على من سيولد له، لانقطاع أوله، والوقف المنقطع الأول باطل، لتعذر
الصرف إليه حالا، ومن بعده فرعه، ولو لم يذكر بعد الأول مصرفا، فهو باطل بالأولى، لأنه منقطع الأول والآخر كما
سيأتي (قوله: أو على فقراء أولاده) أي أو قال وقفت هذا على فقراء أولادي (قوله: ولا فقير فيهم) أي والحال أنه لا فقير
في أولاده موجود حال الوقف، فإن كان فيهم فقير صح، وصرف للحادث فقره، لصحته على المعدوم تبعا، كما سيأتي،
ومثله ما لو وقف على أولاده وليس عنده إلا ولد واحد، فإنه يصح، ويصرف للحادث وجوده (قوله: أو على أن يطعم)
بالبناء للمجهول، وهو يطلب مفعولين: فالمساكين نائب فاعل، وهو مفعوله الأول، وريعه مفعوله الثاني،
ويصح
العكس، عملا بقول ابن مالك:
وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا فيما التباسه أمن
(وقوله على رأس قبره) أي قبر نفسه والحال أنه حي. وإنما لم يصح الوقف على ما ذكر، لأنه حينئذ منقطع الأول،
لأنهم لا يطعمون من ريعه على قبره وهو حي، وكتب سم ما نصه: قوله أو على أن يطعم المساكين ريعه، كيف يصدق هنا
المعين حتى يحتاج إلى إخراجه بإمكان تمليكه بدليل جعله في حيز التفريع؟ اه‍. (قوله: بخلاف قبر أبيه الميت) أي
بخلاف ما لو وقف على أن يطعم المساكين ريعه على قبر أبيه الميت فإنه يصح، وذلك لعدم انقطاع الأول، لبيان
المصرف أو لا (قوله: وأفتى ابن الصلاح بأنه) أي الواقف (قوله: على قبره) أي قبر نفسه (قوله: بعد موته) متعلق إما
بيقرأ فتكون هذه الصورة الوقف فيها منجز وإلا عطاء معلق على القراء ببعد الموت، أو بوقف فيكون الوقف فيها معلقا
ببعد الموت. وحينئذ فيكون ما أفتى به ابن الصلاح عين الصورتين اللتين سيذكرهما الشارح بقوله بخلاف وقفته الآن أو
بعد موتي على من يقرأ على قبري الخ. فتنبه (قوله: فمات ولم يعرف له قبر) أي والحال أنه لم يعرف قبره، فإن عرف له
قبر: لم يبطل، كما سيذكره الشارح، (وقوله: بطل) أي الوقف. قال في التحفة، وكأن الفرق، أي بين مسألة الاطعام
ومسألة القراءة، أن القراءة على القبر مقصودة شرعا، فصحت، بشرط معرفته، ولا كذلك الاطعام عليه، على أنه يأتي
تفصيل في مسألة القراءة على القبر، فاعلمه اه‍. وذلك التفصيل، هو ما سيذكره الشارح (قوله: ويصح) أي الوقف،
وهذا كالتقييد لقوله فلا يصح على معدوم، أي محله ما لم يكن تبعا للموجود الموقوف عليه، وإلا صح (قوله: ولا على
أحد هذين) معطوف على قوله معدوم، أي ولا يصح الوقف على أحد هذين، أي لابهامه، والمبهم غير صالح للملك.
وزاد في التحفة شرط التعيين لاخراج هذا (قوله: ولا على عمارة مسجد) أي ولا يصح على عمارة مسجد مبهم لابهامه.
(وقوله: إن لم يبينه) أي المسجد في صيغة الوقف، فإن بينه، بأن قال، وقفت هذا على عمارة المسجد الفلاني، صح

193
(قوله: ولا على نفسه) أي ولا يصح الوقف على نفسه، أي في الأصح، ولا يصح أيضا على جنين، ولا على العبد
لنفسه، لأنه ليس أهلا للملك. فإن أطلق الوقف عليه، فهو لسيده، إن كان غير الواقف، وإلا فلا يصح أيضا، ولا على
بهيمة مملوكة لأنها ليست أهلا للملك، إلا أن قصد مالكها فهو وقف عليه. وخرج بالمملوكة: الموقوفة، كالخيل المسبلة
في الثغور ونحوها، فيصح الوقف عليها. وكذلك الوقف على الأرقاء الموقوفين على خدمة الحرم والكعبة المشرفة
والروضة المنيفة، فإنه يصح (قوله: لتعذر تمليك الانسان الخ) علة لعدم صحة الوقف على نفسه، أي وإنما لم يصح
ذلك لتعذر أن يملك الانسان ملكه أو المنافع لنفسه، وذلك لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل، وعلى مقابل الأصح
يصح، لاختلاف الجهة، لان استحقاقه ملكا غيره وقفا. ورده في التحفة بأن اختلاف الجهة لا يقوى على دفع ذلك
التعذر، ثم إن التردد المستفاد من أو، في قوله أو منافع ملكه، مبني على القولين في كون الوقف تمليك العين للموقوف
عليه والمنفعة فقط، والمعتمد الثاني، وأما العين فهي تنتقل لله تعالى، بمعنى أنها تنفك عن اختصاص الآدميين، كما
سيأتي، (قوله: ومنه) أي ومن الوقف على نفسه الباطل (قوله: أن يشرط) أي الواقف، ويبطل الوقف بهذا الشرط.
(وقوله: نحو قضاء دينه) دخل تحت نحو أخذه من ريعه مع الفقراء، فهو باطل، كما في المغني (قوله: أو انتفاعه به) أي
أو يشرط انتفاعه به، أي بما وقفه بنحو سكناه فيه. قال ابن حجر: أي ولو بالصلاة فيما وقفه مسجدا. اه‍. أي فيبطل
الوقف بهذا الشرط، قال ع ش: ومثل ذلك في البطلان ما وقع السؤال عنه من أن شخصا وقف نخيلا على مسجد بشرط
أن تكون ثمرتها له، والجريد والليف والخشب ونحوهما للمسجد (قوله: لا شرط الخ) معطوف على المصدر المؤول من
أن ويشرط، أي لا من الوقف على نفسه أن يشرط أن يشرب من البئر التي وقفها، أو أن يطالع في الكتاب الذي وقفه، أي
فلا يبطل الوقف به (قوله: كذا قاله بعض شراح المنهاج) قال في التحفة بعده، وليس بصحيح، وكأنه توهمه من قول
عثمان رضي الله عنه في وقف بئر رومة بالمدينة دلوي فيها كدلاء المسلمين، وليس بصحيح، فقد أجابوا عنه
بأنه لم يقل
ذلك على سبيل الشرط، بل على سبيل الاخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام، كالصلاة بمسجد وقفه، والشرب من بئر
وقفها، ثم رأيت بعضهم جزم بأن شرط نحو ذلك يبطل الوقف. اه‍. (قوله: ولو وقف على الفقراء مثلا) أي أو العلماء،
أو الغزاة، أو نحو ذلك (قوله: ثم صار) أي الواقف (قوله: جاز له الاخذ منه) أي من وقفه ويكون كأحد الفقراء، وهذا
كالاستثناء من عدم صحة الوقف على نفسه. وذكر في المغني مسائل كثيرة مستثناة منه، وعبارته، ويستثنى من عدم صحة
الوقف على نفسه مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء ثم افتقر، أو
على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة أو نحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك، فله الانتفاع معهم،
لأنه لم يقصد نفسه، ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا، وذكر صفات نفسه، فإنه يصح، كما قاله القاضي
الفارقي، وابن يونس، وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة، وإن خالف فيه الماوردي، ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة
المثل، لان استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط النظر بأكثر
منها، لم يصح الوقف، ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها ثم يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف،
ويتصرف هو في الأجرة، كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته، كما عليه العمل الآن،
فإنه لا ينقض حكمه. اه‍. وقد ذكر الشارح بعض هذه المستثنيات (قوله: وكذا لو كان الخ) أي وكذلك يجوز له الاخذ
منه لو كان فقيرا حال الوقف (قوله: ويصح شرط النظر لنفسه) أي بأن يقول وقفت داري هذه على الفقراء مثلا بشرط
النظر لي (قوله: ولو بمقابل) أي ولشرط النظر بمقابل، أي بأجرة، فإنه يصح، (وقوله: إن كان الخ) قيد في صحته
بمقابل، أي ويصح به إن كان ذلك المقابل بقدر أجرة مثل فأقل، وإلا بطل الوقف، لأنه وقف على نفسه، كما تقدم،

194
وكما في شرح الروض، (قوله: ومن حيل الخ) وهذا من المستثنيات المارة (قوله: ويذكر) أي الواقف في صيغة الوقف
صفات نفسه، بأن يقول: علي أعلم أولاد زيد، أو أعقلهم، أو أزهدهم، وكان هو المنفرد بذلك الوصف من بين إخوته
(قوله: فيصح) أي الوقف (قوله: كما قاله جمع متأخرون الخ) خالف فيه الأسنوي وغيره تبعا للغزالي وللخوارزمي
فأبطلوه إن انحصرت الصفة فيه، والأصح لغيره. قال السبكي: وهو أقرب، لبعده عن قصد الجهة. اه‍. تحفة.
(وقوله: لبعده إلخ) تعليل لما قبل قوله والأصح (قوله: وكان) أي ابن الرفعة، وقوله يتناوله، أي يأخذ غلة ما وقفه على
الأفقه من بني الرفعة (قوله: ويبطل الوقف الخ) الأنسب أن يذكر مقابل قوله سابقا إن وقف على معين: يأن يقول فإن
وقف على جهة اشترط فيه عدم كونها معصية فقط، كعلى الفقراء، فإن كانت معصية، بطل (قوله: كعمارة الكنائس) أي
كالوقف على عمارة الكنائس إنشاء وترميما، ومحله إذا كان للتعبد فيها، بخلاف كنيسة تنزلها المارة أو موقوفة على قوم
يسكنونها، فيصح الوقف على عمارتها (قوله: وكوقف سلاح على قطاع طريق) أي فهو باطل، لأنه إعانة على معصية،
والوقف إنما شرع للتقرب، فهما متضادان (قوله: ووقف على عمارة الخ) أي وكوقف على عمارة قبور غير الأنبياء
والعلماء والصالحين فإنه باطل، لأنه معصية للنهي عنها. أما قبور من ذكر، فالوقف على عمارتها صحيح، لاستثنائها.
وعبارة الروض وشرحه، ويصح الوقف على المؤن التي تقع في البلد من جهة السلطان أو غيره، لا على عمارة القبور،
لان الموتى صائرون إلى البلى، ولا تليق بهم العمارة. نعم، ينبغي استثناء قبور الأنبياء والعلماء والصالحين، كنظيره في
الوصية، ذكره الأسنوي. وينبغي حمله على ما حمله عليه صاحب الذخائر، ثم من عمارتها ببناء القباب والقناطر عليها
على وجه مخصوص يأتي، ثم لا ببنائها نفسها للنهي عنه. اه‍. (قوله: يقفون أموالهم في صحتهم) أي في حال
صحتهم، أي أو في حال مرضهم، بل عدم صحة الوقف فيه أولى، بناء على الافتاء المذكور، وإذا جرينا على صحة
الوقف المذكور، كما هو الأوجه، ووقف في حال مرضه، فلا يصح إلا بإجازة الإناث، لان التبرع في مرض الموت على
بعض الورثة يتوقف على رضا الباقين (قوله: على ذكور أولادهم) متعلق بيقفون (قوله: قاصدين بذلك)
منصوب على
الحال، أي حال كونهم قاصدين بالوقف على ذكور أولادهم حرمان إناثهم من الموقوف (قوله: ببطلان الوقف حينئذ) أي
حين إذ قصدوا حرمان أناثهم (قوله: قال شيخنا، كالطنبداوي، فيه نظر ظاهر) أي في بطلان الوقف نظر ظاهر، وعبارة
شيخه، وفيه نظر ظاهر، بل الأوجه الصحة، أما أولا، فلا نسلم أن قصد الحرمان معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر
العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه، ولو لغير عذر. وهذا
صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم، لأنه لازم للتخصيص من غير عذر، وقد صرحوا بحله، كما علمت، وأما ثانيا:
فبتسليم حرمته هي معصية خارجة عن ذات الوقف، كشراء عنب بقصد عصره خمرا، فكيف يقتضي إبطاله؟ اه‍.
(وقوله: بل الوجه الصحة) أي صحة الوقف حينئذ. قال ع ش، أي مع عدم الاثم أيضا. اه‍. (قوله: لا قبول) معطوف
على تأبيد (قوله: ولو من معين) غاية في عدم الاشتراط، أي ولو من موقوف عليه معين (قوله: نظرا الخ) علة لعدم
الاشتراط، أي وإنما لم يشترط ذلك نظرا لكون الوقف قربة، وهي لا يشترط فيها ذلك (قوله: بل الشرط
عدم الرد) أي

195
عدم رد الموقوف عليه المعين العين الموقوفة (قوله: وما ذكرته في المعين) أي من عدم اشتراط قبوله (قوله: ونقله في
شرح الوسيط عن نص الشافعي) قال في التحفة بعده وانتصر له جمع، بأنه الذي عليه الأكثرون واعتمدوه، بل قال
المتولي محل الخلاف إن قلنا إنه ملك للموقوف عليه، أما إذا قلنا إنه لله تعالى، فهو كالاعتاق. واعترض بأن الاعتاق لا
يرتد بالرد، ولا يبطله الشرط الفاسد. ويرد بأن التشبيه به في حكم لا يقتضي لحوقه به في غيره (قوله: وقيل يشترط من
المعين القبول) أي فورا، كالبيع، وعليه لا يشترط قبول من بعد البطن الأول، بل الشرط عدم ردهم، وإن كان الأصح
أنهم يتلقونهم عن الواقف، فإن ردوا، فمنقطع الوسط. واستحسن في التحفة اشتراط قبولهم، وفي النهاية يشترط قبوله
إن كان أهلا، وإلا فقبول وليه عقب الايجاب أو بلوغ الخبر، كالهبة، والوصية، إذ دخول عين أو منفعة في ملكه قهرا بغير
الإرث بعيد. اه‍. (قوله: وهو ما رجحه في المنهاج) عبارته: والأصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله. اه‍.
واعتمد هذا أيضا في النهاية وفي المغني، وعبارة الأخير: وبالجملة فالأول هو المعتمد، وإلحاق الوقف بالعتق ممنوع،
لان العتق لا يرتد بالرد، ولا يبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف الوقف. اه‍. ولم يرجح واحدا منهما في التحفة،
فانظرها. (وقوله: كأصله) أي المنهاج وهو المحرر للرافعي (قوله: فإن رد المعين) أي الموقوف عليه المعين البطن
الأول، أو من بعده جميعهم أو بعضهم. اه‍. تحفة. (وقوله: بطل حقه) أي من الوقف. وخرج بحقه: أصل الوقف،
فإن كان الراد البطن الأول، بطل الوقف، أو من بعده فمنقطع الوسط، وفي سم ما نصه: قوله: بطل حقه، قال العراقي
في النكت، أي من الوقف، كما صححوه. وقال الماوردي: من العلة، فعلى الأول إن كان البطن الأول صار منقطع
الأول، فيبطل كله على الصحيح، أو الثاني، فمنقطع الوسط. اه‍. (قوله: سواء شرطنا قبوله أم لا) تعميم في بطلان
حقه بالرد، أي يبطل حقه على كلا القولين في اشتراط القبول وعدمه (قوله: نعم لو وقف الخ) استثناء من بطلان حق
المعين برده. قال سم: وكأن وجه الاستثناء أن للانسان غرضا تاما في دوام نفع ورثته، فوسع له في إلزام الوقف عليهم
قهرا ليتم له ذلك الغرض. اه‍. (وقوله: على وارثه الحائز) أي واحدا كان أو أكثر، كولده، أو ولديه، أو ولده وبنته وكان
الوقف بحسب نصيبهما، كأن وقف على البنت الثلث، وعلى الولد الثلثين. وخرج بالحائز، أي للتركة كلها، غيره، كأن
وقف على بنته فقط داره، فإنه لا يلزم إذا ردته وإذا لم ترده يلزم، لكن محله إذا كان في مرض الموت أن يجيز باقي الورثة،
وإلا فلا يلزم، كما تقدم (قوله: لزم) أي الوقف، (وقوله: وإن رده،) قال في التحفة: أي لان القصد من الوقف دوام
الاجر للواقف، فلم يملك الوارث رده، إد لا ضرر عليه فيه، ولأنه يملك إخراج الثلث عن الوارث بالكلية، فوقفه عليه
أولى. اه‍. (قوله: وخرج بالمعين) أي في قوله وقيل يشترط من المعين. (وقوله: الجهة العامة) أي كالفقراء
والمساكين، (وقوله: وجهة التحرير) أي الجهة التي تشبه التحرير، أي العتق في انفكاكه عن اختصاص الآدميين.
(وقوله: كالمسجد) أي والرباط والمدرسة والمقبرة، (وقوله: فلا قبول فيه) أي فيما ذكر من الجهة العامة وجهة التحرير،
أي فلو وقف على نحو مسجد، لم يشترط فيه القبول. قال في التحفة: ولم ينب الامام عن المسلمين فيه، بخلافه في نحو
القود، لان هذا لا بد له من مباشر، ولا يشترط قبول ناظر المسجد ما وقف عليه، بخلاف ما وهب له اه‍. (قوله: ولو
وقف) أي مالك الدار مثلا، (وقوله: على اثنين معينين) أي كزيد وعمرو، (وقوله: ثم الفقراء) أي بأن قال وقفت هذه
الدار على زيد وعمرو ثم على الفقراء (قوله: فنصيبه) أي الميت. وقوله يصرف للآخر. قال في النهاية: ومحله ما لم
يفصل، وإلا بأن قال وقفت على كل منهما نصف هذا، فهما وقفان، كما ذكره السبكي، فلا يكون نصيب الميت منهما
للآخر، بل الأقرب انتقاله للفقراء إن قال ثم على الفقراء، فإن قال ثم من بعدهما على الفقراء، فالأقرب انتقاله للأقرب

196
إلى الواقف، ولو وقف عليهم وسكت عمن يصرف له بعدهما، فهل نصيبه للآخر أو لأقرباء الواقف؟ وجهان، أوجههما،
كما أفاده الشيخ، الأول، وصححه الأذرعي، ولو رد أحدهما أو بان ميتا، فالقياس، على الأصح، صرفه للآخر. اه‍.
(قوله: لأنه شرط) أي ضمنا بتعبيره بثم المفيدة للترتيب لا صراحة، كما هو ظاهر. (وقوله: انقراضهما) أي الاثنين
المعينين، (وقوله: ولم يوجد) أي الشرط، وهو انقراضهما معا (قوله: ولو انقرض الخ) شروع في بيان الوقف المنقطع
الآخر.
(واعلم) أن الوقف باعتبار الانقطاع ثلاثة أقسام: منقطع الأول، كوقفته على من سيولد لي. ومنقطع الوسط:
كوقفته على أولادي ثم رجل ثم الفقراء، ومنقطع الآخر، كوقفته على أولادي ويصح فيما عدا منقطع الأول، ويصرف في
منقطع الآخر، لأقرب الناس إليه رحما. وفي منقطع الوسط يصرف للمصرف الآخر كالفقراء إن لم يكن المتوسط معينا،
فإن كان معينا، كالدابة، فمصرفه مدة حياته كمنقطع الاخر (قوله: أي الموقوف عليه المعين) بيان للفاعل المستتر، فهو
حل معنى لا حل إعراب، لأنه لا يصح حذف الفاعل، كما مر غير مرة (قوله: في منقطع آخر) أي في وقت منقطع
المصرف الآخر، فالتركيب المذكور إضافي. (قوله: كأن قال الخ) تمثيل لمنقطع الآخر (قوله: ولم يذكر
أحدا) أي ممن
يصرف إليه. (وقوله: بعد) أي بعد قوله أولادي، ولو أخر هذا عن قوله أو على زيد ثم نسله، لكان أولى، لأنه لم يزد فيه
شيئا بعده أيضا (قوله: أو على زيد ثم نسله) أي أو كأن قال وقفت على زيد ثم نسله. ويدخل في الوقف على الذرية
والنسل والعقب، أولاد البنات، لصدق اللفظ بهم، كما سيأتي. (قوله: ونحوهما) أي نحو الأولاد في المثال الأول،
ونحو زيد ونسله في المثال الثاني، (وقوله: مما لا يدوم) بيان لنحوهما: كأن يقول وقفت على زيد، ثم عمرو، ثم رجل
(قوله: فمصرفه) أي الوقف بمعنى الموقوف، والمراد به ريعه وغلته (قوله: الأقرب رحما لا إرثا) أي الأقرب من جهة
الرحم، لا من جهة الإرث، فالمراد بالقرب، قرب الدرجة والرحم، لا قرب الإرث والعصوبة. فيقدم ابن البنت على ابن
العم، ويستوفي العم والخال، لاستوائهما درجة، قال في المغني.
(فإن قيل) الزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعا لا يتعين صرفها ولا الصرف منها إلى الأقارب، فهلا كان
الوقف كذلك؟
(أجيب) بأن الأقارب مما حث الشارع عليهم في تحبيس الوقف، لقوله (ص) لأبي طلحة: أرى أن تجعلها في
الأقربين فجعلها في أقاربه وبني عمه. وأيضا الزكاة ونحوها من المصارف الواجبة لها، مصرف متعين فلم تتعين
الأقارب، وهنا ليس معنا مصرف متعين. والصرف إلى الأقارب أفضل. فعيناه. اه‍. قال س ل، ولو كان الفقير متعددا في
درجة فهل تجب التسوية؟ الظاهر، نعم. وهو أحد احتمالين لوالد الروياني. وثانيهما: الامر إلى رأي الحاكم. اه‍.
(قوله: إلى الواقف) متعلق بالأقرب. (قوله: يوم انقراضهم)، أي الموقوف عليهم، والأولى انقراضه، بإفراد الضمير،
لان مرجعه مفرد، وهو الموقوف عليه المعين (قوله: كابن البنت) تمثيل للأقرب رحما لا إرثا (قوله: وإن كان هناك الخ)
غاية لمحذوف، أي يعطي ابن البنت، وإن كان هناك ابن أخ فابن البنت مقدم عليه، وإن كان الأول غير
وارث، والثاني وارث. (وقوله: مثلا) أدخل ابن العم (قوله: لان الصدقة الخ) تعليل لكونه يعطى للأقرب بعد انقراض الموقوف عليه،
أي وإنما أعطى للأقرب لان الصدقة على الأقارب أفضل لما فيه من صلة الرحم (قوله: وأفضل منه) أي من
هذا
الأفضل. (وقوله: الصدقة على أقربهم) أي أقرب الأقارب، كأن اجتمع ابن بنت وابن بنت بنت فالصدقة على الأول

197
أفضل منها على الثاني. (وقوله: أفقرهم) أي أشدهم فقرا واحتياجا. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أنه إنما يصرف
على الأقرباء لكون الصدقة عليهم أفضل يجب اختصاص الوقف بالفقير منهم لان الصدقة غالبا إنما تكون له (قوله: فإن
لم يعرف أرباب الوقف) أي جهل أهله المستحقون لريعه وصريح عبارته، أنه في هذه الحالة يصرف لمصالح
المسلمين. وصريح التحفة والنهاية وشرح الروض والمنهج، أنه يصرف للأقرب إلى الواقف كما إذا انقرضوا. وعبارة
المنهاج مع التحفة، فإذا انقرض المذكور، ومثله ما لو لم تعرف أرباب الوقف، فالأظهر أنه يبقى وقفا، وأن مصرفه أقرب
الناس رحما. اه‍. (وقوله: أو عرف) الصواب: عرفوا، بواو الجمع لان المرجع جمع وهو أرباب ومقاد هذا أن أرباب
الوقف إذا عرفوا ولم يكن له أقارب فقراء يصرف للمصالح. وفيه نظر، لأنهم حينئذ هم المستحقون له مطلقا. وعبارة
التحفة ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء على المنقول صرفه الامام في مصالح المسلمين الخ اه‍. وهي ظاهرة. ولو
قال، فإن لم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء صرفه الامام في مصالح المسلمين لكان أولى وأخصر (قوله: وهم) أي
الأغنياء، (وقوله: من حرمت عليه الزكاة) والغني في باب الزكاة هو من عنده مال يكفيه العمر الغالب أو كسب يليق به
(قوله: صرفه الامام الخ) جواب فإن. (وقوله: في مصالح المسلمين) أي كسد الثغور وعمارة الحصون وأرزاق القضاة
والعلماء والأئمة والمؤذنين (قوله: وقال جمع الخ) مقابل قوله فمصرفه الأقرب رحما إلى الواقف، فهو مرتبط بالمتن.
وعبارة المنهاج، والأظهر أنه يبقى وقفا وأن مصرفه الأقرب. اه‍. وقال في المغني، والثاني: أي مقابل الأظهر، يصرف
إلى الفقراء والمساكين لان الوقف يؤول إليهم في الانتهاء (قوله: أي ببلد الموقوف) أي أن المراد بالفقراء والمساكين من
كانوا ببلد الموقوف، ومثله في شرح الروض وعبارته، وقياس اعتبار بلد المال في الزكاة اعتبار بلد الوقف حتى يختص
بفقرائه ومساكينه. قاله الزركشي. اه‍. وفي الأنوار خلافه، وهو أنه لا يختص بفقراء بلد الموقوف، بخلاف
الزكاة، كذا
النهاية. (قوله: ولا يبطل الوقف على كل حال) أي سواء قلنا إن مصرفه الأقرب رحما أو الفقراء والمساكين (قوله: بل
يكون مستمرا عليه) يقرأ مستمرا بصيغة اسم المفعول وعليه نائب فاعله والضمير المستتر في يكون وفيه عليه يعود على
الوقف، أي بل يكون الوقف مجري عليه دائما (قوله: إلا فيما لم يذكر المصرف) أي إلا في حالة عدم ذكر المصرف
رأسا فيبطل. فما مصدرية وما بعدها مؤول بالمصدر والاستثناء منقطع، إذ الكلام الذي قبل الاستثناء مخصوص بمنقطع
الآخر، وهذا ليس كذلك، ويحتمل جعل الاستثناء متصلا لكن يجعل المراد بقوله السابق في كل حال منقطع الأول
ومنقطع الوسط ومنقطع الآخر، وما لم يذكر المصرف رأسا فيكون المستثنى منه شاملا للمستثنى ثم أخرج المستثنى عنه
بأداة الاستثناء لكن عليه لا يلائم قوله ولا يبطل الوقف إلى آخر ما قبله، فيصير مستأنفا (قوله: وإنما صح أوصيت بثلثي)
أي مع عدم ذكر الموصى له، وهذا جواب عن سؤال وارد على بطلان الوقف حين عدم الموقوف عليه، وحاصله أنه كيف
يبطل الوقف حينئذ مع أن الوصية تصح بدون ذكر الموصى له؟ فهلا كان الوقف كذلك؟ وحاصل الجواب أنه فرق بينهما: لان
غالب الوصايا للمساكين، فحمل الاطلاق عليه، بخلاف الوقف (قوله: لان غالب الخ) أي ولبناء الوصية على المساهلة
لصحتها حتى بالمجهول والنجس، بخلاف الوصف فيهما (قوله: فحمل الاطلاق) أي فحملت الوصية حال إطلاقها:
أي عن ذكر الموصى له. (وقوله: عليهم) أي على المساكين (قوله: وإلا في منقطع الأول) أي وإلا في حالة عدم ذكر

198
المصرف الأول فيبطل لتعذر الصرف إليه حالا (قوله: كوقفته على من يقرأ على قبري الخ) أي ثم على الفقراء، لأنه
تمثيل لمنقطع الأول فقط، وإلا كان منقطع الأول والآخر، ومثله، وقفته على ولدي ثم الفقراء، ولا ولد له، وقوله بعد
موتي، الصواب إسقاطه، وإلا لساوت هذه الصورة صورة وقفته الآن على من يقرأ على قبري بعد موتي، إن جعل الظرف
متعلقا بيقرأ، وصورة وقفته بعد موتي على من يقرأ على قبري، إن جعل متعلقا بوقفت، مع أن الصورتين صحيحتان،
كما سيصرح به قريبا، ثم رأيته ساقطا من عبارة التحفة، فلعله زائد من الناسخ، (وقوله: أو على قبر أبي وهو حي) أي أو
قال وقفته على من يقرأ على قبر أبي، والحال أن أباه حي (قوله: فيبطل) أي الوقف لعدم ذكر المصرف أولا، إذ لا قبر
لهما حال حياتهما، فضلا عن كونه يقرأ عليه. (قوله: بخلاف وقفته الآن الخ) ذكر صورتين، صورة فيها تنجيز الوقف
وتعليق الاعطاء ببعد الموت، وصورة فيها تعليق الوقف ببعد الموت. ويصح الوقف في كلا الصورتين، إلا أنه يكون
منجزا في الصورة الأولى ومنافعه تكون للواقف مدة حياته، وإذا مات تنتقل الموقوف عليه، ومعلقا في الصورة الثانية
بالموت (قوله: فإنه وصية) راجع للصورة الثانية، لأنها هي التي الوقف فيها معلق بالموت، أو المراد، كما تقدم، أنه في
حكم الوصية في اعتباره من الثلث، وجواز الرجوع عنه وعدم صرفه للوارث وحكم الأوقاف في تأييده وعدم بيعه وهبته
وإرثه بعد موته (قوله: فإن خرج) أي الموقوف من الثلث، أي وفى به الثلث ولم يزد عليه، وهو تفريع على كونه وصية،
أي في حكمها، (وقوله: أو أجيز) أي أو لم يخرج من الثلث، أي لم يف به الثلث بل زاد عليه، ولكن أجيز ذلك الزائد،
أي أجازه الورثة (قوله: وعرف قبره) أي الواقف، ومثله قبر أبيه. وقيد به عملا بمفهوم إفتاء ابن الصلاح المار بأنه إذا
جهل قبره بطل الوقف (قوله: صحت) أي الوصية. وعبارة التحفة، صح، أي الوقف، اه‍. وهي أولى، لان الكلام في
الوقف وإن كان في حكم الوصية، (وقوله: وإلا) أي بأن لم يخرج من الثلث بل زاد عليه ولم يجز الورثة، وبأن لم يعرف
قبره، (وقوله: فلا) أي لا تصح الوصية على عبارته أو الوقف على عبارة التحفة. ثم إن ظاهره عدم الصحة مطلقا في
الصورة الأولى المندرجة تحت وإلا، وهي ما إذا زاد على الثلث ولم تجز الورثة الزائد مع أنه إنما يظهر في الزائد فقط،
فتنبه (قوله: وحيث صححنا الوقف أو الوصية) فيه أنه لم يتقدم منه خلاف في كونه وصية أو وقف حتى يصح هذا التردد
منه، بل جزم بأنه وقف في حكم الوصية على ما بينته (قوله: كفى) جواب حيث على القول بأنها تتضمن معنى الشرط،
ولو لم تدخل ما الزائدة عليها (قوله: بلا تعيين) أي للقراءة، أي لا يشترط ذلك، بل يكفي قراءة أي سورة (
قوله: وإن كان
غالب قصد الواقف) أي بقوله وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي مثلا، وهو غاية للاكتفاء بقراءة أي شئ من القرآن
(وقوله: ذلك) أي قراءة سورة يس (قوله: هذا) أي ما ذكر من الاكتفاء بقراءة شئ من القرآن بلا تعيين الخ (قوله: في
البلد) الذي يظهر أن المراد بلد الواقف. فانظره (قوله: بقراءة قدر معلوم) أي من القرآن، سواء كان سورة أو بعض سورة
يس أو غيرها، فهو أعم مما بعده (قوله: أو سورة معينة) أي أو بقراءة سورة معينة، كيس أو غيرها، وعطفه على ما قبله من
عطف الخاص على العام (قوله: وعلمه) أي علم ذلك العرف المطرد في البلد (قوله: وإلا) أي بأن أطرد عرف في البلد
علمه الواقف. (وقوله: فلا بد منه) أي مما اطرد به العرف من قراءة قدر معلوم أو سورة معينة (قوله: إذ عرف البلد الخ)
تعليل لكونه لا بد من العمل بما اطرد به العرف. (وقوله: في زمنه) أي الواقف، (وقوله: بمنزلة شرطه) الجار والمجرور
خبر عرف (قوله: ولو شرط الخ) شروع في ذكر بعض الشروط التي لا تبطل الوقف، وقوله شئ يقصد، لعل المراد به

199
الذي لا ينافي الوقف، ثم رأيت في فتح الجواد ما يؤيده، وعبارته، وتبع شرطه حيث لم يناف الوقف. اه‍. والشرط الذي
ينافيه، كشرط الخيار لنفسه في إبقاء وقفه الرجوع فيه متى شاء أو شرط أن يبيعه وأن يزيد فيه أو ينقص من شاء وغير ذلك
مبطل للوقف، إذ وضع الوقف على اللزوم (قوله: كشرط أن لا يؤجر) أي الموقوف، وحينئذ ينتفع به الموقوف عليه بنفسه
ولا يؤجره (قوله: مطلقا) أي عن التقييد بسنة أو غيرها (قوله: أو إلا كذا) أي أو كشرط أن لا يؤجر إلا كذا، كسنة وسنتين
(قوله: أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض) أي أو كشرط أن يفضل الخ، كأن يصرف لزيد مائة ولعمرو
خمسون، (وقوله: أي يسوي بينهم) كأن يصرف لكل واحد منهم مائة درهم (قوله: أو
اختصاص الخ) أي أو كشرط اختصاص نحو مسجد بطائفة، كشافعية، فلا يصلي ولا يعتكف به غيرهم، رعاية لغرضه، وإن كره هذا الشرط. اه‍.
تحفة. وفي سم ما نصه، في فتاوى السيوطي المسجد الموقوف على معينين: هل يجوز لغيرهم دخوله والصلاة فيه
والاعتكاف بإذن الموقوف عليهم؟ نقل الأسنوي في الألغاز أن كلام القفال في فتاويه يوهم المنع، ثم قال
الأسنوي من
عنده: والقياس جوازه، وأقول الذي يترجح: التفصيل، فإن كان موقوفا على أشخاص معينة، كزيد وعمرو وبكر مثلا، أو
ذريته أو ذرية فلان، جاز الدخول بإذنهم، وإن كان على أجناس معينة، كالشافعية والحنفية والصوفية لم يجز لغير هذا
الجنس الدخول، ولو أذن لهم الموقوف عليهم، فإن صرح الواقف بمنع دخول غيرهم، لم يطرقه خلاف البتة، وإذا قلنا
بجواز الدخول بالاذن في القسم الأول في المسجد والمدرسة والرباط، كان لهم الانتفاع على نحو ما شرطه الواقف
للمعينين، لأنهم تبع لهم، وهم مقتدون بما شرطه الواقف. اه‍ (قوله: اتبع شرطه) أي الواقف، وهو جواب لو، وإنما
اتبع شرطه، مع خروج الموقوف عن ملكه، نظرا للوفاء بغرضه الذي مكنه الشارع فيه، فلذلك يقولون شرط الواقف
كنص الشارع (قوله: في غير حالة الضرورة) متعلق باتبع، وسيذكر محترزه (قوله: كسائر شروطه) أي الواقف، فإنه
يجب اتباعها (قوله: وذلك الخ) أي اتباع شرط الواقف ثابت، لما فيه من وجوه المصلحة العائدة على الواقف، وعبارة
النهاية: من وجود - بالدال بدل الهاء (قوله: أما ما خالف) أي أما الشرط الذي يخالف الشرع. (قوله: فلا يصح) أي
الشرط المذكور. قال في التحفة: كما أفتى به البلقيني، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والاجماع: أي من الحض
على التزوج وذم العزوبة. ويؤخذ من قوله لا يصح المستلزم لعدم صحة الوقف، عدم صحته أيضا فيما لو وقف كافر على
أولاده إلا من يسلم منهم. اه‍. وكتب سم ما نصه، قوله فلا يصح كما أفتى الخ، الوجه الصحة. م ر. اه‍ (قوله:
وخرج بغير حالة الضرورة الخ) قال ع ش: يؤخذ منه أنه لو وجد من يأخذ بأجرة المثل ويستأجر على ما يوافق شرط
الواقف ومن يطلبه بزيادة على أجرة المثل في إجارة تخالف شرط الواقف عدم الجواز، فليتنبه له. وأنه لو وجد من يأخذ
بدون أجرة المثل ويوافق شرط الواقف في المدة، ومن يأخذ بأجرة المثل ويخالف شرط الواقف، عدم الجواز أيضا،
رعاية لشرط الواقف فيهما. اه‍. وقوله أولا عدم الجواز، نائب فاعل يؤخذ، والمصدر المؤول من أن والفعل مجرور
بحرف جر مقدر، أي يؤخذ منه في هذه الصورة، ومثله يقال في قوله ثانيا عدم الجواز فتنبه (قوله: ما لم الخ) ما مصدرية،
والمصدر المؤول منها ومما بعدها فاعل خرج، أي وخرج عدم وجود غير المستأجر الأول الخ، ولو قال وخرج بغير حالة
الضرورة حالة الضرورة كأن لم يوجد الخ، لكان أولى وأنسب. ويوجد في بعض نسخ الخط زيادة لو بعد ما وقبل لم.
وعليه: فهي إما زائدة، وإما مصدرية، أو بالعكس (قوله: وقد الخ) أي والحال أن الواقف قد شرط أن لا يؤجر الموقوف
لانسان أكثر من سنة (قوله: أو أن الطالب الخ) يتعين أن يكون المصدر المؤول نائب فاعل محذوف معطوف على مدخول

200
ما، أي: وخرج ما لو شرط أن الطالب، أي للعلم مثلا، ولا يجوز عطفه على مدخول شرط، وإن كان هو ظاهر صنيعه،
لان ذلك في مبحث الإجارة، وهذا في الطالب الساكن في مدرسة أو نحوها. وقوله لا يقيم، أي في مدرسة ونحوها.
وقوله ولم يوجد غيره، أي والحال أنه لم يوجد غير هذا الطالب الذي سكن في السنة الأولى. وقوله في السنة الثانية،
متعلق بكل من يوجد الأول ويوجد الثاني، أي لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الثانية، أو لم يوجد غير الطالب
الأول في السنة الثانية (قوله: فيهمل شرطه) أي الواقف حينئذ، أي حين إذ لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الأولى
وغير الطالب الأول فيها. ومثل ذلك، ما لو انهدمت الدار المشروط عدم إجارتها إلا مقدار كذا ولم يمكن عمارتها إلا
بإجارتها أكثر من ذلك، فيهمل شرطه، وتؤجر بقدر ما يفي بالعمارة فقط، وإنما أهمل الشرط المذكور، لأن الظاهر أن
الواقف لا يريد تعطيل وقفه، فيراعي مصلحة الواقف (قوله: فائدة) أي في بيان أحكام الوقف المتعلقة بلفظ الواقف
(قوله: الواو العاطفة) أي المذكورة في صيغة الواقف (قوله: للتسوية الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر
المبتدأ، وهو الواو العاطفة: أي الواو العاطفة كائنة للتسوية بين المتعاطفات في الاستحقاق، لان الواو لمطلق الجمع، لا
للترتيب، ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى والخنثى (قوله: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي) أي فيكون الوقف
عليهم بالسوية. قال في شرح الروض: ولا يدخل فيهم من عداهم من الطبقة الثالثة فمن دونها، إلا أن يقول أبدا
أو ما
تناسلوا أو نحوه (قوله: وثم والفاء للترتيب) أي بين المتعاطفات، وذلك، كوقفت هذا على أودلاي ثم أولاد أولادي أو
فأولاد أولادي، فلا يصرف الوقف على الطبقة الثانية إلا بعد انقراض الأولى، للترتيب المستفاد من الأداة. قال في شرح
المنهج: ثم إن ذكر معه، أي مع الاتيان بثم، ما تناسلوا أو نحوه، لم يختص الترتيب بهما، أي بالبطنين، وإلا اختص،
وينتقل الوقف بانقراض الثاني لمصرف آخر، إن ذكره، وإلا فمنقطع الآخر. اه‍. واستشكل ذلك بأن ثم أو الفاء أتى بها
بين البطن الأول وما بعده فقط، ولم يوجد حرف مرتب بعد ذلك. وأجيب بأن الترتيب في المذكور أولا قرينة على الترتيب
فيما يتناوله ما بعده، وهو ما تناسلوا أو نحوه، أفاده سم (قوله: ويدخل أولاد بنات في ذرية الخ) يعني إذا قال وقفت هذا
على ذريتي أو على نسلي أو على عقبي، دخل أولاد البنات فيهم لصدق هذه الألفاظ بهم، أما في الذرية، فلقوله تعالى:
* (ومن ذريته داود وسليمان) * (1) إلى أن ذكر عيسى، وليس هو إلا ولد البنت، والنسل والعقب في معنى الذرية. (وقوله:
وأولاد أولاد) بالجر عطف على المجرور قبله، أي ويدخل أولاد بنات في أولاد الأولاد فيما إذا قال وقفت هذا على أولاد
أولادي، لصدق اللفظ بهم أيضا، لان الولد يشمل الذكر والأنثى (قوله: إلا أن قال الخ) مستثنى من دخول من ذكر في
الوقف على الذرية أو النسب أو العقب أو أولاد الأولاد، أو يدخلون فيها، إلا أن قال الواقف في صيغة الوقف عقب كل
منهما من ينسب إلي منهم، بأن قال وقفت هذا على ذريتي من ينسب إلي منهم، وهكذا، فلا يدخلون، لان أولاد البنات
لا ينسبون إلا لآبائهم، قال تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (2) وأما خبر إن ابني هذا سيد في حق الحسن بن علي رضي الله
عنهما. فجوابه أن من خصائصه (ص) أن تنسب أولاد بناته إليه ومحل عدم الدخول، إن كان الواقف رجلا، فإن كان امرأة،
دخل أولاد بناتها في وقفها، ويجعل الانتساب في صيغتها لغويا، لا شرعيا، لأنه لا نسب فيها شرعي، للآية السابقة،
ويكون تقييدها بقولها على من ينسب إلي منهم، لبيان الواقع، لا للاخراج، لان كل فروعها ينسبون إليها بالمعنى
اللغوي.



(1) سورة الأنعام، الآية: 84.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 5.
201
(واعلم) أن أولاد الأولاد لا يدخلون في الأولاد، لأنه لا يقع عليهم اسم الأولاد حقيقة، ولهذا صح أن يقال ما هو ولدي، بل
ولد ولدي. نعم، يحمل عليهم الوقف عند عدم الأولاد، صيانة للفظ عن الالغاء، ثم إذا وجدوا، شاركوهم.
(تنبيه) قال في المغني، يدخل الخنثى في الوقف على البنين والبنات، لأنه لا يخرج عنهم، والاشتباه إنما هو في
الظاهر، نعم، إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات. ويوقف الباقي إلى البيان، ولا يدخل في الوقف على
أحدهما الاحتمال أنه من الصنف الآخر وظاهر هذا، كما قال الأسنوي، أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو
البنات، وليس مرادا، لأنا لم نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى، بل يوقف نصيبه إلى البيان، كما في الميراث، وقد
صرح به ابن المسلم ولا يدخل في الواقف على الأولاد المنفي باللعان على الصحيح، لانتفاء نسبه عنه فلو استلحقه بعد
نفيه، دخل جزما، والمستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف لم يدخل على الأصح، لأنه قبل
الانفصال لا يسمى ولدا، فلا يستحق غلة مدة الحمل. فلو كان الموقوف نخلة، فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل، لا
يكون له من تلك الثمرة شئ. اه‍. وقوله ابن المسلم، ضبطه الشرقاوي، في باب النكاح، بكسر اللام المشددة.
فتنبه. وقوله مدة الحمل، أفهم أنه بعد انفصاله يستحق من غلة ما بعده، وهو كذلك، كما صرح به في التحفة. (قوله:
والمولى) أي المذكور في صيغة الواقف، كأن قال وقفت هذا على أولادي مثلا ثم على مولاي. (وقوله: يشمل معتقا
وعتيقا) أي فيدخلان فيه فلو اجتمعا، اشتركا سوية، والذكر كالأنثى، فإن وجد أحدهما، اختص به، ولا يشاركه الآخر،
ولو وجد بعد، وفارق ما تقدم في أولاد الأولاد، بأن إطلاق المولى على كل منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، وقد دلت
القرينة على إرادة أحد معنييه، وهي الانحصار في الموجود، فصار المعنى الآخر غير مراد (قوله: حيث أجمل الواقف
شرطه) أي جعله مجملا، أي غير واضح الدلالة، كما إذا قال وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي الميت، وأطلق القراءة
ولم يعينها بقدر معلوم ولا بسورة معينة، فيعمل بالعرف المطرد في زمنه، كما تقدم (قوله: اتبع فيه) أي في شرطه
المجمل أو في الوقف، فالضمير يصح رجوعه للأول وللثاني، وقوله في زمنه، أي الواقف. وفي التحفة،
وظاهر كلام
بعضهم اعتبار العرف المطرد الآن في شئ فيعمل به، لأن الظاهر وجوده في زمن الواقف، وإنما يقرب العمل به، حيث
انتفى كل من الأولين. اه‍. والمراد بالأولين، العرف المطرد في زمنه، وما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: لأنه)
أي العرف المطرد في زمنه، (وقوله: بمنزلة شرطه) أي الواقف (قوله: ثم ما كان أقرب الخ) أي ثم إذا فقد العرف
المطرد، اتبع ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: ومن ثم امتنع الخ) أي من أجل أنه يتبع ما كان أقرب إلى مقاصد
الواقفين إذا فقد العرف المطرد: امتنع في السقايات، أي التي لم يعلم فيها قصد الواقف غير الشرب، وامتنع نقل الماء
منها، ولو للشرب، وذلك لان الأقرب إلى قصد الواقفين، الشرب فيها فقط (قوله: وبحث بعضهم حرمة الخ) أي لان
العرف اطرد في أن مثل هذا من كل ما يقذر يلقى خارج الماء، لا فيه، لئلا يقع الانتفاع به. ولعل هذا هو وجه مناسبة ذكر
هذا البحث هنا. (وقوله: في ماء مطهرة المسجد) متعلق بكل من بصاق وغسل وسخ، ومفهومه بالنسبة للثاني أنه لو غسل
الوسخ بالماء، لا فيه، وألقى الوسخ خارجا، لا يحرم، وهو محمول على ما إذا اطرد عرف بذلك أيضا، كما سيذكره بعد
(قوله: وإن كثر) أي الماء. قال في التحفة بعده: وبحث بعضهم أيضا أن ما وقف للفطر به في رمضان، وجهل مراد
الواقف، ولا عرف له، يصرف لصوامه في المسجد، ولو قبل الغروب، ولو أغنياء وأرقاء، ولا يجوز الخروج به منه،
وللناظر التفضيل والتخصيص. اه‍. والوجه أنه لا يتقيد بمن في المسجد، لان القصد حيازة فضل الافطار، وهو لا يتقيد

202
بمحل. اه‍. (قوله: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار) أي عن استعمال ما فيهما من الماء استعمالا عاما
للشرب والوضوء وغسل النجاسة ونحو ذلك، هل يجوز أم لا؟ فالمسؤول عنه مقدر يدل عليه سياق الكلام. والجوابي،
حفر يوضع فيها الماء، والجرار، أوان من الخزف (قوله: التي عند المساجد) الأولى اللتين، بصيغة التثنية، إذ
الموصوف: الجوابي والجرار، وهما اثنان. وقوله فيها الماء، الجملة من المبتدأ والخبر حال منهما، والأولى أيضا فيهما
بضمير المثنى. (وقوله: إذا لم يعلم أنها) أي الجوابي والجرار، والأولى أنهما، كما في الذي قبله، (وقوله: موقوفة) أي
موقوف ما فيهما من الماء معهما (قوله: فأجاب) أي الطنبداوي (قوله: إنه) أي الحال والشأن. (وقوله: إذا دلت قرينة)
مفهومه أنها إذا لم تدل قرينة على ذلك يمتنع التعميم (قوله: موضوع) أي في الجوابي والجرار، أي وضعه الواقف
فيهما. (وقوله: لتعميم الانتفاع) أي للانتفاع به العام، أي مطلقا من غير تخصيص بوضوء أو غسل أو نحوهما (قوله:
جاز جميع ما ذكر) جواب إذا (وقوله: من الشرب الخ) بيان لما. (وقوله: وغيرها) أي كغسل الوسخ الظاهر (قوله:
جريان الناس) أي ذهابها واستمرارهم. (وقوله: على تعميم الانتفاع) أي بالماء المذكور. (وقوله: من غير نكير) أي
انكار. (وقوله: من فقيه) متعلق بنكير. وقوله إنهم الخ، ظاهر صنيعه أن الضمير يعود على الناس، وهو لا يصح، لأنه
يلزم عليه تعليل الشئ بنفسه، إذ المعنى عليه، ومثال القرينة جريان الناس الخ، لان الناس أقدموا الخ. ولا فائدة في
ذلك، فيتعين إرجاعه إلى معلوم من السياق، وهو الواقفون. وقوله أقدموا، أي رضوا، كما في المصباح، وعبارته، وأقدم
على العيب إقداما، كناية عن الرضا به. اه‍. والمراد أن جريان الناس على عموم الانتفاع به قرينة دالة على أن الواقف
راض به. فتنبه (قوله: فمثل هذا) أي الذي جرى الناس على عميم الانتفاع به. وقوله إيقاع: أي وقوع وحصول بالفعل،
وفي بعض نسخ الخط، فمثل هذا يقال بالجواز فيه، بإسقاط لفظ إيقاع، وقوله يقال بالجواز، أي يحكم عليه بالجواز
(قوله: وقال) أي العلامة الطنبداوي، وقوله يوافق ما ذكره، أي العلامة المذكور، وكان المناسب توافق، بالتاء، لان
فاعله عائد على الفتوى (قوله: وتبعوه) أي تبع القفال الفقهاء فيما قاله (قوله: ويجوز شرط رهن الخ) أي يجوز لواقف
كتاب أن يشترط رهنا على من يستعيره ليرده، ومثله شرط ضامن. قال في التحفة: وليس المراد منهما حقيقتهما. اه‍.
وقوله من مستعير، متعلق برهن، وهو مضاف إلى كتاب المضاف إلى وقف. وقوله يأخذه، أي الرهن. وقوله منه، أي
المستعير. وقوله ليحمله: الفاعل يعود على الرهن، والمفعول يعود على المستعير، وهو تعليل لجواز شرط
الرهن (قوله:
وألحق به) أي شرط الرهن في الجواز (قوله: وأفتى بعضهم في الوقف على النبي (ص) أو النذر له، بأنه يصرف لمصالح
حجرته الشريفة فقط) قد تقدمت هذه المسألة للشارح في مبحث النذر بأبسط مما هنا، ولنسق عبارته هنا، تكميلا
للفائدة، فنصها: ويصح النذر للجنين كالوصية له، لا للميت، إلا لقبر الشيخ الفلاني وأراد به قربة، ثم كإسراج ينتفع به

203
أو اطرد عرف فيحمل النذر له على ذلك، ويقع لبعض العوام، جعلت هذا للنبي (ص) فيصح، كما بحث لأنه اشتهر في
عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة الشريفة. قال السبكي: والأقرب عندي، في الكعبة والحجرة الشريفة
والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت
به. اه‍. قال شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها، وظاهر أن الحكم
كذلك في النذر إلى مسجد غيرها، خلافا لما يوهمه كلامه. اه‍. (قوله: أو على أهل بلد) معطوف على قوله على النبي،
أي وأفتى بعضهم في الوقف على أهل بلد. وقوله أعطي الخ: المناسب في التعبير أن يزيد لفظ بأنه، ويعبر بصيغة
المضارع، بأن يقول بأنه يعطي، أي أفتى في الوقف عليهم بأنه يعطي، فتنبه. وقوله مقيم بها، أي بالبلد، أي حاضر فيها
بدليل المقابلة. (وقوله: أو غائب عنها) أي عن البلد، (وقوله: غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا) أي لا تقطع تلك الغيبة
نسبة ذلك الغائب إلى تلك البلد في العرف، بأن سافر وترك ماله وأمتعته فيها ولم يستوطن غيرها، وخرج بذلك ما لو كانت
الغيبة تقطع نسبته إليها فيه بأن استوطن بلدا غيرها فإنه تنقطع نسبته بالاستيطان، ولو كان يتردد إلى بلدته التي كان فيها.
وما ذكرته، من ضبط انقطاع النسبة وعدمه بما تقرر، يستفاد من فتاوي ابن حجر في باب الجمعة (قوله: فروع) أي
سبعة، وهي قوله قال التاج الخ، وقوله ولو قال ليتصدق الخ، وقوله وأفتى غير واحد الخ، وقوله ولو قال الواقف، وقوله ولو
وقف أو أوصى للضيف الخ، وقوله وسئل الخ، وقوله وقال ابن عبد السلام الخ. وكلها، ما عدا السادس، في التحفة
لشيخة (قوله: من شرط قراءة جزء من القرآن الخ) أي بأن قال مثلا وقفت هذا على فلان بشرط أن يقرأ كل يوم جزءا من
القرآن، ولم يقيده بكونه غير مفرق أو بكونه عن ظهر غيب (قوله: كفاه الخ) جواب من. وقوله قدر جزء، أي قراءة قدر
جزء. وقوله ولو مفرقا، أي ولو كان ذلك القدر مفرقا، بأن كان من سور متعددة، فإنه يكفيه. وقوله ونظرا، أي ولو كان
نظرا، أي يقرؤه نظرا، أي لا عن ظهر غيب. فإنه يكفيه (قوله: وفي المفرق نظر) أي وفي الاكتفاء بقراءة المفرق، نظر.
ولعل وجهه أن الأقرب إلى قصد الواقفين غير المفرق، لجريان العادة بإطلاق الجزء على ما كان على نسق واحد (قوله:
ولو قال ليتصدق الخ) أي ولو قال الواقف وقفت كذا ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء. وقوله ففات، أي مضى
المذكور من رمضان أو عاشوراء ولم يتصدق فيه، وقوله تصدق بعده أي بعد ذلك الفائت، وهو ما بعد شهر رمضان أو بعد
يوم عاشوراء (قوله: ولا ينتظر مثله) أي ولا ينتظر مجئ رمضان آخر مثله أو عاشوراء مثله من السنة الآتية ويتصدق فيه
(قوله: نعم إن قال إلخ) أي نعم إن قيد الواقف التصدق فيما ذكر، بقوله فطرا لصوامه، انتظر مجئ المثل، عملا بشرط
الواقف (قوله: بأنه) أي الواقف، وهو متعلق بأفتى (قوله: لو قال على من يقرأ على قبر أبي) أي لو قال وقفت هذا على من
يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس (قوله: بأنه الخ) متعلق بأفتى، وفيه أنه يلزم عليه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى
بعامل واحد، وهو لا يجوز، ويمكن أن يقال أن الباء الأولى بمعنى في، فلا اتحاد (قوله: إن حد القراءة بمدة معينة) أي
خصها بمدة معينة، كسنة (قوله: أو عين لكل سنة غلة) أي بأن قال مثلا: وقفت هذا المصحف على من يقرأ على قبر أبي
كل جمعة سورة يس وله في كل سنة من غلة أرضى أو نحوها عشرة دراهم مثلا (قوله: اتبع) أي شرطه (قوله: وإلا) أي
بأن لم يحد القراءة أو لم يعين لكل سنة غلة. وقوله بطل، أي الوقف (قوله: نظير ما قالوه) أي وما ذكر من بطلان الوقف
هو نظير ما قالوه الخ (قوله: من بطلان الوصية) بيان لما، ووجه بطلانها فيما ذكر، أنها لا تنفذ إلا في الثلث ومعرفة مساواة
هذه الوصية له وعدمها، أي المساواة متعذرة. اه‍. تحفة (قوله: وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية) أي في البطلان

204
(قوله: إن علق) أي الوقف بالموت (قوله: لأنه) أي الوقف. وقوله حينئذ، أي حين إذ علق بالموت (قوله
: وأما الوقف
الذي ليس كالوصية) وهو غير المعلق بالموت (قوله: فالذي يتجه صحته) أي الوقف. قال في التحفة: وعجبت توهم أن
هذه الصورة كالوصية. اه‍. (قوله: إذ لا إلخ) علة لاتجاه صحته. (وقوله: عليه) أي على الوقف، أي على صحته
(قوله: لان الناظر الخ) علة لعدم ترتب محذور على صحته، (وقوله: من يقرأ كذلك) أي كل جمعة يس (قوله: استحق)
أي القارئ. وقوله ما شرط: أي له (قوله: ما دام يقرأ) متعلق باستحق، أي استحق ذلك مدة دوام قراءته (قوله: فإذا
مات مثلا) أي أو غاب (قوله: قرر الناظر غيره) أي غير القارئ الأول الذي مات أو غاب (قوله: وهكذا) أي إذا مات
الثاني أيضا قرر غيره، فالمدار على حصول القراءة على القبر من أي شخص كان (قوله: ولو قال الواقف: وقفت هذا
على فلان ليعمل كذا) أي ليتعلم، أو يقرأ، أو نحوهما (قوله: احتمل أن يكون) أي قوله ليعمل كذا، (وقوله: شرطا
للاستحقاق) أي لاستحقاق الموقوف، أي لكون الموقوف عليه يستحقه، فلو لم يوجد لا يستحقه (قوله: وأن يكون
توصية) أي ويحتمل أن يكون قوله المذكور توصية له للعمل، أي عليه. (وقوله: لأجل وقفه) أي لأجل صلاح وقفه
(قوله: فإن علم مراده) أي الواقف من كونه أتى به على وجه أنه شرط أو توصية (قوله: اتبع) أي مراده (قوله: وإن شك)
أي في مراده. (وقوله: لم يمنع) أي الموقوف عليه من الاستحقاق، أي فلا يحمل على الشرطية، وإنما يحمل على
التوصية (قوله: وإنما يتجه) أي ما قاله ابن الصلاح من التفصيل المذكور. (وقوله: فيما لا يقصد الخ) أي في العمل
الذي لا يقصد صرف الغلة في مقابلته، كنحو كلمة أو كلمتين من كل ما لا يتعب (قوله: وإلا) أي بأن كان يقصد فيه ما
ذكر. (وقوله: كلتقرأ أو تتعلم) أي بأن قال وقفت عليك كذا لتقرأ أو لتتعلم، (وقوله: فهو شرط للاستحقاق) أي فقوله
المذكور شرط للاستحقاق، ولا يحمل على الوصية (قوله: ولو وقف أو أوصى) أي وقف ثمرة شجرة مثلا أو أوصى بها.
(وقوله: للضيف) أي لاكرامه (قوله: صرف) أي الموقوف أو الموصى به وقوله للوارد، أي في محل الموقوف أو
الموصى به، قال ع ش: سواء جاء قاصدا لمن نزل عليه أو اتفق نزوله عنده لمجرد مروره على المحل واحتياجه لمن يأمن
فيه على نفسه. (قوله: ولا يزاد على ثلاثة أيام) أي لا يزاد في ضيافته من الموقوف أو الموصى به فوق ثلاثة أيام. (وقوله:
مطلقا) أي سواء عرض له ما يمنعه من السفر، كمرض أو خوف، أو لا. اه‍. ع ش (قوله: ولا يدفع له) أي
للضيف. (وقوله: إلا إن شرطه الواقف) أي شرط إعطاءه حبا، أي فيتبع شرطه ويعطى حبا (قوله: وهل يشترط فيه) أي
الضيف (قوله: الظاهر لا) أي لا يشترط فيه الفقر. قال ع ش: ويجب على الناظر رعاية المصلحة لغرض الواقف، فلو
كان البعض فقراء والبعض أغنياء ولم تف الغلة الحاصلة بهما قدم الفقير. اه‍ (قوله: وسئل شيخنا الزمزي عما وقف)
أي من أشجار أو عقار أو نحوهما (قوله: ليصرف الخ) اللام بمعنى على، أي وقف على أن تصرف غلة الموقوف.
(وقوله: للاطعام عن رسول الله (ص)) أي في إطعام من ينزل في محل الموقوف بقصد جعل ثوابه عن رسول الله (ص)،

205
والمراد في شهر المولد، كما سيأتي، (قوله: فهل يجوز للناظر الخ) هذا محل السؤال (قوله: من نزل به) أي بالناظر:
أي بمحله (قوله: في غير شهر المولد) متعلق بنزل، وهذا يدل على أن المراد في صدر السؤال بقوله للاطعام الخ، أي
في شهر المولد (قوله: بذلك القصد) أي قصد الاطعام عن رسول الله (ص)، وهو متعلق بيطعم (قوله: أو لا) أي أو لا
يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به في غير شهر المولد، وهو يفيد أنه يجوز ذلك في شهر المولد (قوله: وهل يجوز
للقاضي الخ) معطوف على جملة فهل يجوز الخ. (وقوله: أن يأكل من ذلك) أي من ذلك الطعام المشتري من غلة
الوقف المذكور، أو الذي هو عين الغلة. وقوله إذا لم يكن له، أي للقاضي (قوله: في إطعام من ذكر) أي من نزل به من
الضيفان في غير شهر المولد (قوله: ويجوز للقاضي الخ) أي بالتفصيل الآتي قريبا، وقوله الاكل منها، أي من الغلة.
وقوله لأنها، أي الغلة (قوله: والقاضي الخ) قصده بهذا بيان ما اتفقوا عليه في جواز أخذ القاضي للصدقة وما اختلفوا
فيه. وحاصله أن المتصدق إذا لم يعرف أن المتصدق عليه هو القاضي وهو أيضا لم يعرف المتصدق، يجوز له
الاخذ
اتفاقا، وإلا كان فيه خلاف (قوله: وبقوله) أي السبكي (قوله: لانتفاء المعنى المانع) أي من جواز الاخذ وهو ميل قلبه
إلى من يتصدق عليه (قوله: وإلا) أي بأن عرفه المتصدق وكان القاضي عارفا به (قوله: كالهدية) أي وهي يحرم على
القاضي أخذها، للأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال، ولحرمة قبوله الهدية شروط: أن يكون المهدي ممن لا عادة له
بها قبل ولايته، وأن يكون في محل ولايته، أو يكون له خصومة عنده (قوله: ويحتمل الفرق) أي بين الصدقة والهدية،
والأوجه عدم الفرق، كما تدل عليه عبارة الشارح في باب القضاء ونصها، وكالهدية والهبة والضيافة، وكذا الصدقة، على
الأوجه، وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة. اه‍. (قوله: بأن المتصدق الخ) متعلق
بالفرق، والباء للتصوير، أي الفرق المصور بأن المتصدق إنما ينوي بصدقته ثواب الآخرة، وهذا القصد لا يختلف
بإعطائها للقاضي أو غيره، بخلاف الهدية. (قوله: وقال ابن عبد السلام الخ) في سم ما نصه:
(فرع) في فتاوي السيوطي مسألة رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له، وجعل له على ذلك
معلوما من عقار وقفه لذلك، فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا، ثم أراد التوبة: فما طريقه؟ الجواب طريقه
أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها، ويقرأ عن كل يوم حزبا، ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفي ذلك. اه‍.
وظاهره أنه إذا فعل هذا الطريق، استحق ما تناوله في الأيام التي عطلها، وظاهر ما نقله الشارح عن ابن عبد السلام وعن
المصنف خلاف ذلك. فليحرر. اه‍. (قوله: ولا يستحق ذو وظيفة) أي من غلة الموقوف على من يقرأ كل يوم مثلا جزء
من القرآن (قوله: كقراءة) تمثيل للوظيفة (قوله: أخل بها) أي بالوظيفة، والجملة في محل جر لوظيفة (قوله: وقال
النووي) حاصله التفصيل، وهو أنه إن أخل لغير عذر، لم يستحق شيئا مدة الاخلال فقط ويستحق فيما عداها وإن أخل
لعذر واستناب، فيستحق مدة الاخلال وغيرها، بخلاف ما قاله ابن عبد السلام، فإنه عنده لا يستحق مطلقا شيئا، سواء
كان الاخلال لعذر أو لغيره (قوله: لعذر) متعلق بأخل (قوله: كمرض أو حبس) تمثيل للعذر (قوله: بقي
استحقاقه) أي
مطلقا في مدة الاخلال وغيرها، وهو جواب إن (قوله: وإلا لم يستحق) صادق بما إذا أخل لغيره عذر واستناب، وبما إذا

206
أخل لعذر ولم يستنب، (وقوله: لمدة الاستنابة) الأولى أن يقول لمدة الاخلال سواء استناب أم لا، ويمكن أن يقال
المراد لمدة إمكانها. سواء استناب بالفعل أو لا. (قوله: فأفهم) أي قوله لم يستحق لمدة الاستنابة. (وقوله: أثر
استحقاقه) الإضافة للبيان، أي أثر هو استحقاقه. وقوله لغير مدة الاخلال، هذا يؤيد ما قلنا سابقا من أولوية التعبير هناك
بمدة الاخلال فتنبه (قوله: وهو) أي ما قاله النووي، (وقوله: ما اعتمده السبكي) في ع ش وما قاله ابن عبد السلام قال
السبكي إنه في غاية الضيق ويؤدي إلى محذور، فإن أحدا لا يمكنه أن لا يخل بيوم ولا بصلاة إلا نادرا، ولا يقصد
الواقفون ذلك. اه‍ (قوله: في كل وظيفة) متعلق باعتمد. (وقوله: تقبل الإنابة) خرج به ما لا تقبل الإنابة، كالتعلم،
(قوله: كالتدريس والإمامة) تمثيل للتي تقبل الإنابة، قال في التحفة: قيل ظاهر كلام الأكثر جواز استنابة الأدون لكن
صرح بعضهم بأنه لا بد من المثل (قوله: ولموقوف عليه الخ) شروع في بيان أحكام الوقف المعنوية. وقوله عين نائب
فاعل موقوف. وقوله مطلقا، أو وقفا مطلقا، أي عن التقييد بكونه لاستغلال أو غيره، وقوله أو لاستغلال ريعها، الجار
والمجرور متعلق بمحذوف معطوف على اسم المفعول، أي أو موقوف عليه عين لاستغلال ريعها، كأن قال وقفت هذه
الدار لتستغل ويعطي غلتها لفلان.
(واعلم) أنه إذا كان الوقف للاستغلال لم يتصرف فيه سوى ناظره الخاص أو العام، وإذا كان لينتفع به الموقوف
عليه وأطلق أو قال كيف شاء، فللموقوف عليه استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره (قوله: لغير نفع خاص منها) أي من العين،
وهو متعلق بقوله موقوف عليه، وسيأتي محترزه (قوله: ريع) مبتدأ، خبره الجار والمجرور قبله، أي ريع الموقوف ملك
للموقوف عليه، وأما ملك رقبته، فهو ما سيذكره بقوله واعلم الخ (قوله: وهو) أي الريع (قوله: كأجرة) أي للموقوف،
وهو تمثيل للفوائد. قال في المعني:
(تنبيه) قد يفهم هذا أن الناظر لو أجر الوقف سنين بأجرة معجلة أن له صرفها إليه في الحال (قوله: ودر) هو بفتح
الدال اللبن (قوله: وولد حادث بعد الوقف) أي حدث حمل أمه به بعد الوقف، وليس المراد به انفصاله بعد الوقف سواء
حملت أمه به قبل الوقف أو حالته أو بعده، كما هو ظاهر، وخرج به، ما إذا حدث الحمل به قبل الوقف فهو ملك للواقف،
وما إذا قارن الوقف فهو وقف، كما سيصرح بهذا قريبا، (قوله: وثمر) أي حدث بعد الوقف، أما الثمر الموجود حال
الوقف فهو للواقف إن تأبر، وإلا شمله الوقف، كذا في التحفة والنهاية، وقال الخطيب في مغنيه، ينبغي أن يكون
للموقوف عليه. اه‍. (قوله: وغصن يعتاد قطعه) خرج به ما لا يعتاد قطعه، فلا يكون للموقوف عليه. وعبارة الروض
وشرحه، وهي كالدر والصوف والثمرة، لا الأغصان، فليست له إلا الأغصان من شجر خلاف ونحوه مما يعتاد قطعه،
لأنها كالثمرة. اه‍. وقوله أو شرط، أي قطعه. (وقوله: لم يؤد الخ) قيد في الصورتين، كما في سم، وعبارته: وقوله ولم
يؤد الخ: ظاهره رجوعه إلى أو شرط أيضا. اه‍. قال ع ش: وهو ظاهر، لان العمل بالشرط إنما يجب حيث لم يمنع منه
مانع. اه‍. (قوله: فيتصرف) أي الموقوف عليه، وهو تفريع على قوله ولموقوف عليه ريع (قوله: بنفسه) أي كأن يركب
الدابة (قوله: وبغيره) أي بإجارة أو إعارة إن كان له النظر، وإلا لم يتعاط ذلك إلى الناظر أو نائبه (قوله: ما لم يخالف
شرط الواقف) أي أن محل كونه يتصرف فيه كما ذكر: إذا لم يخالف تصرفه شرط الواقف، وإلا فليس له ذلك. فإذا وقف
داره على أن يسكنها معلم الصبيان، أو الموقوف عليهم، أو على أن يعطي أجرتها، فيمتنع في الأولى غير سكناه. وما نقل
عن الامام النووي، أنه لما ولي دار الحديث وبها قاعة للشيخ أسكنها غيره، اختيار له، ولعله لم يثبت عنده أن الواقف

207
نص على سكنى الشيخ، ويمتنع في الثانية غير استغلالها (قوله: لان ذلك) أي كون الريع للموقوف عليه هو المقصود من
الوقف، وهو تعليل للمتن، أي وإنما كان الريع للموقوف عليه لان الريع هو المقصود من الوقف، (قوله: وأما الحمل
المقارن) أي للوقف، وهو مقابل قوله وولده حادث، ولكن المقابلة لا تحسن إلا إن قال فيما سبق وحمل حادث
، وكان
الأولى أن يسقط لفظ أما، إذ لا بد لها من مقابل، ويقول والحمل المقارن الخ، أو يقول وخرج بالحادث المقارن، وعبارة
الروض وشرحه، والحمل المقارن للوقف كالأم في كونه وقفا مثلها بناء على أن الحمل يعلم، والحمل الحادث كالدر
فيكون للموقوف عليه. اه‍. بحذف (قوله: فوقف تبعا لامه) أي فيكون ريعه أيضا للموقوف عليه (قوله: أما إذا وقفت
الخ) محترز قوله لغير نفع خاص منها، وكان الأولى أن يقول، كعادته، وخرج بقولي لغير نفع خاص، ما إذا الخ. وقوله
لنفع خاص، أي كركوب وسكنى وتعليم (قوله: كدابة للركوب) أي كوقف دابة ليركبها فلان (قوله: ففوائدها) أي العين
الموقوفة لنفع خاص (قوله: للواقف) أي ملك له ومؤنها عليه أيضا، لأنه لم يجعل منها للمستحق إلا الركوب، فكأنها
باقية على ملكه اه‍. ع ش (قوله: ولا يجوز وطئ أمة الخ) عبارة الروض وشرحه: ووطؤها من الواقف والموقوف عليه
والأجنبي حرام لعدم ملكهم، أو لان ملك الأولين ناقص. اه‍ (قوله: بل يحدان) أي الواقف والموقوف عليه. قال في
فتح الجواد: وكأنهم لم ينظروا للقول بملكهما لضعفه، ولا يخلو عن نظر ولا مهر على الموقوف عليه، إذ لو وجب،
وجب له ولا قيمة ولدها الحادث، لأنه ملكه. اه‍. ومحل حدهما، حيث لا شبهة، وإلا فلا (قوله: ويزوجها قاض) أي
بالولاية العامة، لان الملك فيها لله تعالى. وخرج بالقاضي، الناظر، فلا يزوجها، وإن شرط نظيره حال الوقف. وإذا
زوجها القاضي، يستحق المهر الموقوف عليه، لأنه من جملة الفوائد. ومثله في استحقاقه المهر، ما إذا وطئت بشبهة
منها، كأن أكرهت أو طاوعته وهي نحو صغيرة أو معتقدة الحل وعذرت (قوله: بإذن الموقوف عليه) متعلق بيزوجها، أي
يزوجها القاضي بشرط أن يأذن الموقوف عليه فيه لتعلق حقه بها. وعبارة الروض وشرحه: وإذن الموقوف عليه له شرط في
صحة تزويجها لتعلق حقه بها، ولا يلزمه الاذن في تزويجها وإن طلبته منه، لان الحق له، فلا يجبر عليه. وليس لاحد
إجبارها عليه أيضا، كالعتيقة، اه‍. ومحل اشتراط ما ذكر، إذا تأتى إذنه، فإن كان الموقوف عليه جهة، فينبغي أن يستقل
الحاكم بالتزويج ح ل. وقال البرماوي: يزوجها الناظر حينئذ (قوله: لا له الخ) أي لا يزوجها للموقوف عليه ولا للواقف،
مراعاة للقولين الضعيفين، وهما: أنها ملك للموقوف عليه أو للواقف، وعبارة فتح الجواد: وإنما لم يجز لهما احتياطا،
ومن ثم لو وقفت عليه زوجته، انفسخ نكاحه إن قبل وشرطنا القبول. اه‍. (قوله: واعلم أن الملك في رقبة الموقوف)
أي ذاته، وهذا كالمقابل لما في المتن، فكأنه قال: وأما ملك الرقبة الخ (قوله: ينتقل إلى الله تعالى) أي فلا يكون
للواقف، وفي قول يكون له، كما هو مذهب الامام مالك، ولا للموقوف عليه، وفي قول يكون له، كالصدقة، كما هو
مذهب الإمام أحمد، ومحل الخلاف فيما يقصد به تملك ريعه، بخلاف ما هو مثل التحرير نصا، كالمسجد والمقبرة
والرباط والمدرسة، فإنه ينتقل لله تعالى باتفاق (قوله: أي ينفك الخ) تفسير مراد لمعنى انتقاله إلى الله، وهو دفع لما
استشكل من أن الموجودات بأسرها ملك لله تعالى في جميع الحالات بطريق الحقيقة وغيره، وإن سمي ملكا، فإنما هو
بطريق التوسع، فلا معنى لتخصيص الموقوف من بين سائر الموجودات بذلك. وحاصل الدفع أن المراد بالانتقال إلى الله
تعالى، انفكاك الموقوف عن اختصاص الآدمي، بخلاف غيره، فإنه لم ينفك عن ذلك (قوله: فلو شغل المسجد الخ) لا

208
يظهر تفريعه على ما قبله. وعبارة الروض وشرحه: وينتقل ملك الموقوف إلى الله تعالى وجعل البقعة مسجدا أو مقبرة
تحريرا لها كتحرير الرقبة في أن كلا منهما ينتقل إلى الله تعالى، وفي أنهما يملكان كالحر، وفي أنهما لو منع أحد
المسلمين منهما بغلق أو غيره ولم ينتفع بهما لا أجرة عليه. اه‍. باختصار. وعبارة المنهاج وشرحه لابن حجر، والأصح
أنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة، كالشافعية، اختص بهم، فلا يصلي ولا يعتكف فيه غيرهم. وبحث
بعضهم أن من شغله بمتاعه لزمه أجرته لهم، وفيه نظر، إذ الذي ملكوه هو أن ينتفعوا به لا المنفعة، كما هو واضح،
فالأوجه صرفها لمصالح الموقوف. اه‍. إذا علمت ذلك فكان الأولى للمؤلف أن يذكر قبل التفريع ما يتفرع عليه بأن
يقول، وجعل البقعة مسجدا تحرير لها كتحرير الرقبة فيملك كالرقبة المحررة، ثم يفرع عليه ويقول: فلو شغل
المسجد
الخ (قوله: وجبت الأجرة له) أي للمسجد، لأنه يملك. وقوله فتصرف لمصالحه، هذا معنى وجوب الأجرة له. (وقوله:
على الأوجه) متعلق بوجبت، ومقابله يقول تجب الأجرة لمن خصه الواقف بالمسجد، كما يعلم من عبارة ابن حجر المارة
آنفا (قوله: فائدة الخ) هذه الفائدة ذكرها الفقهاء في باب إحياء الموات، والمؤلف، بسبب عدم ذكره هذا الباب، ذكرها
هنا، لما بينها وبين ما هنا من المناسبة، وهي أن المسجد موقوف، فلما ذكر ناسب أن يذكر ما هو متعلق به (قوله: ومن
سبق إلى محل من مسجد الخ) يجري هذا التفصيل فيمن سبق إلى مكان من الشارع للارتفاق بالجلوس فيه لنحو معاملة
(قوله: لإقراء قرآن) منه تعليم القرآن لحفظه في الألواح، وخرج به: ما إذا جلس لقراءة ما يحفظه من القرآن، فسيأتي أنه
كالجلوس للصلاة (قوله: أو حديث) أي أو لإقراء حديث (قوله: أو علم شرعي) عطفه على حديث من عطف العام على
الخاص، إذ هو صادق بالحديث وبغيره، كالفقه والتفسير (قوله: أو آلة له) أي للعلم الشرعي، كالنحو والصرف (قوله:
أو لتعلم ما ذكر) أي من القرآن وما بعده (قوله: بين يدي مدرس) أي إن أفاد أو استفاد، كما في التحفة، (قوله: وفارقه)
أي محل جلوسه، ولو بلا عذر، وبه فارق مسألة الصلاة الآتية (قوله: ليعود إليه) قال في التحفة: وألحق به ما لو فارقه بلا
قصد عود وعدمه. اه‍. وخرج بذلك: ما لو فارقه لا ليعود إليه، فإنه يبطل حقه بمفارقته (قوله: ولم تطل مفارقته) أي ولو
لعذر، وإن ترك فيه نحو متاعه. (وقوله: بحيث انقطع الخ) تصوير للطول المنفي. والألفة جمع آلف، كبررة جمع بار،
وكملة جمع كامل. وفي بعض نسخ الخط، ألافه، وهو أيضا جمع آلف، كعذل جمع عاذل. قال سم: ينبغي أن يكون
المراد أن تمضي مدة من شأنها أن تنقطع ألافه فيها، وإن لم ينقطعوا بالفعل. اه‍. وفي البجيرمي ما نصه: وليس من
الغيبة ترك الجلوس فيه في الأيام التي جرت العادة ببطلانها ولو شهرا، كما هو العادة في قراءة الفقه في الجامع الأزهر،
ومما لا ينقطع به حقه أيضا، ما لو اعتاد المدرس قراءة الكتاب في سنتين وتعلق غرض بعض الطلبة بحضور النصف
الأول في سنة، فلا ينقطع حقه بغيبته في الثاني. اه‍. ع ش على م ر. وقرره ح ف. اه‍. (قوله: فحقه باق) جواب
من، وذلك لخبر مسلم: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به لكن لغيره الجلوس فيه ما دام غائبا، لئلا تتعطل
منفعة الموضع في الحال، قال م ر: وكذا حال جلوسه لغير الأقراء والافتاء، فيما يظهر، لأنه إنما استحق الجلوس فيه
لذلك، لا مطلقا. اه‍. (قوله: لان له غرضا الخ) علة لبقاء حقه عند مفارقته، أي وإنما بقي حق من سبق إلى محل الخ،
لان له قصدا في ملازمة ذلك الموضع، لأجل أن يألفه الناس ويترددون إليه لأجل دوام النفع به والانتفاع، وهذه العلة إنما
تظهر بالنسبة لمن سبق، لإقراء قرآن أو للتعليم، أما بالنسبة للتعلم أو سماع درس، فلا تظهر، لأنه لا معنى لكون هذا
يألفه الناس (قوله: وقيل يبطل حقه) أي من سبق إلى محل من المسجد ثم فارقه (قوله: وأطالوا الخ) أي أطال الفقهاء
في ترجيح هذا القيل من جهة أنه هو المنقول عن المذهب ومن جهة المعنى، وعبارة شرح الروض: فلا يبطل حقه
بمفارقته الموضع، وهذا ما نقله الأصل عن أبي عاصم العبادي والغزالي ونقل عن الماوردي أنه يبطل حقه بذلك: لقوله

209
تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * (1) زاد النووي: قلت وهو ما حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء، وعن
مالك أنه، أي من سبق ثم فارق، أحق، فمقضتى كلامه أن الشافعي وأصحابه من الجمهور، زاد الأذرعي وقال: يعني
الماوردي، أن القول بأنه أحق ليس بصحيح، وقال في البحر إنه غلط، والظاهر أن ما حكاه الماوردي هو المذهب
المنقول، وهو ما ارتضاه الامام كأبيه، قال: وقول النووي في شرح مسلم، إن أصحابنا قالوا إنه أحق به، وإذا حضر لم
يكن لغيره أن يقعد فيه الظاهر أنه أخذه من كلام الرافعي مسلما، والمنقول ما قدمناه. وما قاله العبادي والغزالي تفقه، لا
نقل. اه‍. والماوردي مخالف في مجالس الأسواق أيضا، كما نبه عليه الأسنوي، والأوجه خلاف قوله في الموضعين
وهو ما جزم به المنهاج كأصله، اه‍. بحذف، وعبارة فتح الجواد، وما ذكره في المسجد هو المعتمد، وإن انتصر
الأذرعي وغيره لمقابله بأنه المنقول، وأن الأول غلط. اه‍. (قوله: أو للصلاة) معطوف على لإقراء قرآن،
أي أو سبق
إلى محل من المسجد للصلاة. وإنما فصل هذه المسألة عن التي قبلها، لان بينهما فرقا. وحاصله أن تلك شرط في بقاء
حقه فيها أن ينوي العود عند المفارقة ولو لغير عذر، وهذه يشترط فيها العذر ولو لم ينو المفارقة (قوله: ولو قبل دخول
وقتها) في البجيرمي، وشمل الجلوس للصلاة من لم يكن أهلا لذلك المحل لعدم صحة استخلافه، وهو كذلك، وما لو
جلس قبل دخول وقتها وهو كذلك إن عد منتظرا لها عرفا، لا نحو بعد صبح لانتظار ظهر، وهو ظاهر، إلا إن استمر
جالسا. اه‍. (قوله: أو قراءة أو ذكر) معطوف على للصلاة، أي أو سبق إلى محل من المسجد لقراءة أو ذكر أو نحوهما
من كل عبادة قاصر نفعها عليه وعبارة المغني، ويلحق بالصلاة الجلوس في المسجد لسماع وعظ أو حديث، أي أو قراءة
في لوح مثلا، وكذا من يطالع منفردا، بخلاف من يطالع لغيره، ولم أر من تعرض لذلك. وهو ظاهر. اه‍. (قوله: وفارقه
بعذر) أي وفارق ذلك المحل الذي جلس فيه للصلاة أو القراءة أو الذكر بعذر ولو لم ينو العود. قال في فتح الجواد: فإن
فارقه لغير عذر بطل حقه، وإن نوى العود أو فارقه بعذر لا ليعود، بطل حقه، لان الصلاة ببقاع المسجد لا تختلف، ولا
نظر لزيادة ثوابها في الصف الأول، لأنه لو ترك له موضعه منه وأقيمت الصلاة لزم إدخال نقص على أهل الصف بعدم
اتصاله، فإنه مكروه ومجيئه أثناءها لا يجبر خلل أولها. اه‍. (قوله: كقضاء حاجة الخ) تمثيل للعذر (قوله: فحقه باق)
جواب الشرط المقدر قبل قوله للصلاة، أي أو من سبق للصلاة وما بعدها وفارقه بعذر فحقه باق للحديث المار (قوله: ولو
صبيا في الصف الأول) غاية في بقاء حقه أي يبقى حق من سبق للصلاة ولو كان صبيا وجلس في الصف الأول، وهي
للرد، كما يدل عليها عبارة المغني ونصها، وشمل ما لو كان الجالس صبيا، وهو الأصح. اه‍. (قوله: في تلك الصلاة)
متعلق بباق، أي حقه باق بالنسبة لتلك الصلاة، أي وما ألحق بها مما اعتيد فعله بعد الصلاة من الاشتغال بالأذكار، أما
بالنسبة لغير تلك الصلاة فلا حق له فيه (قوله: وإن لم يترك رداءه فيه) غاية ثانية لبقاء حقه، أي يبقى حقه وإن لم يترك
رداءه في ذلك المحل الذي قام منه (قوله: فيحرم الخ) مفرع على ثبوت بقاء حق من سبق إلى مسجد بالنسبة للصور
كلها، أي وإذا كان حقه باقيا فيحرم على شخص غيره عالم ببقاء الحق لمن سبق الجلوس في محله إن كان بغير إذنه أو
ظن رضاه. قال سم: وينبغي أن المراد الجلوس على وجه منعه منه إذا جاء، أما إذا جلس على وجه إذا جاء له قام عنه فلا
وجه لمنعه من ذلك. اه‍. (قوله: نعم الخ) استدراك على حرمة الجلوس في مكان من سبق بالنسبة لبعض الصور، وهو
من سبق للصلاة. (وقوله: في غيبته) أي من سبق (قوله: واتصلت الصفوف) أي إلا الصف الذي فارقه من سبق إلى
موضع منه، كما هو ظاهر، (قوله: فالوجه الخ) جواب إن (قوله: مكانه) بالجر بدل من الصف بدل بعض من كل، ولو
قال سد مكانه من الصف، لكان أولى (قوله: لحاجة إتمام) الإضافة للبيان، أي لحاجة هي إتمام الصفوف، وهو تعليل



(1) سورة الحج، الآية: 25.
210
لكون الأوجه سد ذلك (قوله: فلو كان له) أي لمن سبق ثم فارق الصف. (وقوله: سجادة) بفتح السين. وقوله فيه، أي
في الصف (قوله: فينحيها برجله) أي يزيلها من أراد سد الصف برجله (قوله: من غير أن يرفعها) أي السجادة. وقوله
بها، أي برجله (قوله: لئلا تدخل في ضمانه) علة لكونه لا يرفعها برجله. وعبارة فتح الجواد، ولغيره تنحيتها بما لم
يدخلها في ضمانه بأن لم تنفصل على بعض أعضائه، كما هو ظاهر، ويتجه في فرشها خلف المقام بمكة وفي الروضة
المكرمة حرمته، لان فيه تحجر المحل الفاضل، إذ الناس يهابون تنحيتها وإن جازت لغلبة وقوع الخصام فيه حينئذ، وفي
الجلوس خلف المقام لغير دعاء مطلوب وصلاة أكثر من سنة الطواف حرمتهما أيضا إن كان وقت احتياج الناس للصلاة،
ثم لان فيه ضررا لهم لمنعهم من المحل الفاضل لغير عذر. اه‍. وفي مناسك البطاح. ويحرم بسط السجادة والجلوس
في المحل الذي كثر طروق الطائفين له، ويزعج من جلس في ذلك على وجه يمنع غيره من الصلاة خلفه، حيث كان
عالما عامدا، وينحي السجادة بنحو رجله. ومثل المقام، تحت الميزاب، والصف الأول، والمحراب عند إقامة الصلاة
وحضور الامام. ومثل ذلك، الروضة الشريفة، لان فيه تحجيرا للبقعة الفاضلة المطلوب فيها الصلاة. اه‍. (
قوله: أما
جلوسه لاعتكاف) مقابل الأمور المارة من الأقراء والصلاة والقراءة والذكر (قوله: فإن لم ينو مدة الخ) أي بأن نوى
الاعتكاف مطلقا. قال سم: قد يؤخذ من هذا التفصيل في الاعتكاف أنه لو جلس لقراءة مثلا، فإن لم ينو قدرا بطل حقه
بمفارقته، وإلا لم يبطل بذلك، بل يبقى حقه إلى الاتيان بما قصده، وإن خرج لحاجة وعاد. اه‍. وكتب ع ش: أقول
وقد يمنع الاخذ بأن المسجد شرط للاعتكاف، بخلاف القراءة، إلا أن يقال: الاعتكاف كما يصح في المحل الذي فارقه
يصح في غيره، فبقاع المسجد بالنسبة للاعتكاف مستوية. اه‍. (قوله: وإلا) أي بأن نوى مدة لم يبطل حقه بخروجه،
وعبارة الروض وشرحه: ولو نوي اعتكاف أيام في المسجد فخرج لما يجوز الخروج له في الاعتكاف عاد لموضعه.
والمراد أنه أحق به، والظاهر أن خروجه لغير ذلك ناسيا كذلك، وإن نوى اعتكافا مطلقا فهو أحق بموضعه ما لم يخرج من
المسجد صرح به في الروضة. اه‍. (قوله: وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان) قال في التحفة: لان الغالب إضرارهم به،
وكأنه في غير كاملي التمييز إذا صانهم المعلم عما لا يليق بالمسجد. اه‍.
(تنبيه) قال في المغني: ويندب منع من يجلس في المسجد لمبايعة وحرفة، إذ حرمته تأبى اتخاذه حانوتا، وتقدم
في باب الاعتكاف أن تعاطي ذلك فيه مكروه، ولا يجوز الارتفاق بحريم المسجد إذا أضر بأهله، ولا يجوز للامام الاذن
فيه حينئذ، وإلا جاز، ويندب منع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع وغيرها توقيرا لهم. اه‍. (قوله:
ولا يباع موقوف) أي ولا يوهب للخبر المار أول الباب، وكما يمتنع بيعه وهبته، يمتنع تغيير هيئته جعل البستان دارا. وقال
السبكي يجوز بثلاثة شروط: أن يكون يسيرا لا يغيره مسماه، وعدم إزالة شئ من عينه بل ينقله من جانب إلى آخر، وأن
يكون فيه مصلحة للوقف. أفاده م ر (قوله: وإن خرب) أي الموقوف وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة فأجاز بيع المحل
الخراب بشرط أن يكون قد آل إلى السقوط ويبدل بمحل آخر أحسن منه، وأن يكون بعد حكم حاكم يرى صحته (قوله:
فلو الخ) تفريع على عدم جواز بيع الموقوف الخراب. (وقوله: انهدم مسجد) أي أو تعطل بخراب البلد مثلا
(قوله:
وتعذرت إعادته) أي لم يمكن إعادته حالا لعدم وجود ما يصرف في عمارته (قوله: لم يبع) جواب لو. (وقوله: ولا يعود)
أي هذا المسجد المنهدم ملكا بحال، أي أصلا، والمراد لا يعود ملكا، ولا في حال من الأحوال. وعطفه على قوله لم
يبع: من عطف الملزوم على لازمه، إذ يلزم من عدم عوده ملكا، عدم صحة بيعه، أي وهبته، إذ لا يباع ويوهب إلا الذي
دخل في الملك (قوله: لامكان الصلاة الخ) تعليل لعدم صحة بيعه وعدم عوده ملكا، أي لا يصح ذلك لامكان الانتفاع

211
به حالا بالصلاة والاعتكاف في أرضه، وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه لعدم إمكان
الانتفاع به حالا (قوله: أو جف الشجر) معطوف على انهدم، فهو داخل في حيز التفريع (قوله: أو قلعه ريح) أي وإن لم
يمكن إعادته إلى مغرسه قبل جفافه (قوله: ولم يبطل الوقف) أي وإن امتنع وقفه ابتداء لقوة الدوام، وذلك لبقاء عين
الموقوف (قوله: فلا يباع ولا يوهب) تفريع على عدم بطلان الوقف (قوله: بل ينتفع الموقوف عليه) أي بالشجر الجاف
أو المقلوع بريح (قوله: ولو بجعله أبوابا) غاية للانتفاع، أي ينتفع به انتفاعا عاما، ولو بتقطيعه وجعله أبوابا (قوله: إن
لم يمكنه إجارته الخ) قيد في الغاية، أي محل الانتفاع بجعله أبوابا إن لم يمكن إجارته حال كونه خشبا باقيا بحاله، فإن
أمكن ذلك لا يجوز الانتفاع بغيره (قوله: فإن تعذر الانتفاع به) أي مع بقاء عينه، (وقوله: إلا باستهلاكه) أي إلا بزوال
عينه فلا يتعذر الانتفاع به. وفي سم ما نصه: لو أمكن والحالة هذه بيعها وأن يشتري بثمنها واحدة من جنسها أو شقصا،
اتجه وجوب ذلك، لا يقال الفرض تعذر الانتفاع فلا يصح بيعها، لأنا نقول هي منتفع بها باستهلاكها، فيصح
بيعها. اه‍. (قوله: كأن صار) أي الشجر، وهو تمثيل لتعذر الانتفاع إلا باستهلاكه، (وقوله: إلا بالإحراق) أي إحراق
الشجر، أي للإيقاد به أو جعله فحما (قوله: انقطع الوقف) جواب أن (قوله: أي ويملكه الخ) الأولى حذف أي
التفسيرية، كما مر غير مرة، وما ذكره الشارع من انقطاع الوقف وعوده إلى ملكه، تبع فيه شيخه ابن حجر، ولم يذكر في
شرح الروض الانقطاع، بل اقتصر على صيرورته ملكا، واستشكل ذلك مع عدم بطلان الوقف، ونص عبارته
مع المتن،
وإلا بأن لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه صارت ملكا للموقوف عليه، لكنها لا تباع ولا توهب، بل
ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وهذا التفصيل صححه ابن الرفعة والقمولي، ونقله الأصل عن اختيار المتولي
وغيره، لكن اقتصر المنهاج كأصله، والحاوي الصغير، على قوله وإن جفت الشجرة لم ينقطع الوقف. وقضيته أنه لا
يصير ملكا بحال، وهو المعتمد الموافق للدليل، وكلام الجمهور على أن عوده ملكا مع القول بأنه لا يبطل الوقف،
مشكل. اه‍. وأجاب في النهاية عن إشكاله المذكور بما حاصله: أن معنى عود ملكا أنه ينتفع به ولو باستهلاك عينه
كالاحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الاملاك من بيع ونحوه كما مر. اه‍. والذي
يظهر من كلامهم أن الخلف لفظي فمن عبر ببطلان الوقف وعوده ملكا. مراده به جواز الانتفاع به بأي شئ، ولو
باستهلاك عينه إلا بالبيع والهبة فلا يجوز. ومن عبر بعدم بطلانه مراده به أنه لا يتصرف فيه تصرف الاملاك مطلقا حتى
بالبيع والهبة، بل يتصرف فيه بغير ذلك من إحراق ونحوه (قوله: فينتفع بعينه) أي بأي انتفاع، ولو بالاستهلاك، كما
علمت (قوله: ولا يبيعه) هذا لا يظهر تفريعه على ما قبله، فكان الأولى أن يدخل عليه أداة الاستدراك بأن يقول، كما في
شرح الروض، ولكن لا يبعيه، أي ولا يوهبه (قوله: ويجوز بيع حصر المسجد الخ) قال في التحفة، أي لئلا تضيع
فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، واستثنيت من بيع الوقف، لأنها صارت كالمعدومة. اه‍.
(قوله: بأن ذهب جمالها ونفعها) أي مع بقاء عينها، وهو تصوير لبلائها (قوله: وكانت المصلحة) أي للوقف. (وقوله:
في بيعها) أي الحصر (قوله: وكذا جذوعه الخ) أي ومثل الحصر، الجذوع، فيجوز بيعها إذا انكسرت. وجذع النخلة ما
بين أصلها الذي في الأرض ورأسها، كما في تفسير الخطيب، (وقوله: المنكسرة) أي أو المشرفة على الانكسار. وزاد
في متن المنهاج، ولم تصلح إلا للاحراق. قال في التحفة، وخرج بقوله ولم تصلح الخ: ما إذا أمكن أن يتخذ منه نحو
ألواح، فلا تباع قطعا، بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف. قال السبكي: حتى لو أمكن استعماله
بإدراجه في آلات العمارة، امتنع بيعه فيما يظهر. اه‍. (قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في الحصر والجذوع صححوا

212
عدم جواز بيعهما بصفتهما المذكور وإدامة للوقف في عينهما، ولأنه يمكن الانتفاع بهما في طبخ جص أو آجر. قال
السبكي، وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام أجرة، كذا في المغني، وفيه أيضا، وأجاب الأول، أي القائل بصحة البيع،
بأنه لا نظر إلى إمكان الانتفاع في هذه الأمور، لان ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض المساجد. اه‍. وعبارة
شرح المنهج، وما ذكرته فيها، أي من عدم جواز البيع بصفتهما المذكورة، هو ما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به
الجرجاني والبغوي والروياني وغيرهم، وبه أفتيت، وصحح الشيخان تبعا للامام أنه يجوز بيعهما لئلا يضيعا ويشتري
بثمنهما مثلهما، والقول به يؤدي إلى موافقه القائلين بالاستبدال. اه‍. (قوله: ويصرف ثمنهما) أي الحصر والجذوع إذا
بيعا (قوله: إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به) أي بالثمن، فإن أمكن اشتري به ولا يصرف لمصالح المسجد (قوله:
والخلاف) أي بين جواز البيع وعدمه، (وقوله: في الموقوفة) أي في الحصر الموقوفة أو الجذوع كذلك (قوله: ولو بأن
اشتراها الناظر ووقفها) غاية في الموقوفة، أي ولو كانت الموقوفة اشتراها الناظر من غلة الوقف ووقفها على المسجد،
فإن الخلاف يجري فيها أيضا (قوله: بخلاف الموهوبة الخ) أي بخلاف المملوكة للمسجد بهبة أو شراء. وهذا محترز
قوله الموقوفة (قوله: والمشتراة) أي ولو من غلة الوقف حيث لم يقفها الناظر. وقوله للمسجد، متعلق بالوصفين قبله
(قوله: فتباع جزما) أي بلا خلاف، وتصرف على مصالح المسجد، ولا يتعين صرفها في شراء حصر بدلها. اه‍. ع ش
(قوله: وإن لم تبل) أي الموهوبة أو المشتراة، وهذا بالنسبة للحصر، وقياسه، بالنسبة للجذوع، أن يقال، وإن لم تنكسر
(قوله: وكذا نحو القناديل) أي مثل الحصر والجذوع في التفصيل المذكور، نحو القناديل، أي فإذا كانت موقوفا على
المسجد وانكسرت، جرى الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه، أو مملوكة، جاز بيعها جزما لمجرد المصلحة
، وإن لم
تنكسر، (قوله: ولو اشترى الناظر) أي من غلة الموقوف على المسجد، (وقوله: أخشابا للمسجد) أي أخشابا تحفظ
وتهيأ لما يحدث في المسجد من خراب (قوله: أو وهبت) أي الأخشاب، وقوله له أي للمسجد (قوله: وقبلها الناظر) قيد
في الهبة، فإن لم يقبلها الناظر لا تصح الهبة له، بخلاف الوقف له، فإنه يصح، ولو لم يقبل الناظر، كما مر (قوله: جاز
بيعها) أي الأخشاب التي اشتراها الناظر أو وهبت له (قوله: لمصلحة) أي تعود للمسجد (قوله: كأن خاف الخ) تمثيل
للمصلحة (قوله: لا إن كانت موقوفة) أي فلا يجوز بيعها. (وقوله: من أجزاء المسجد) أي من جملة أجزائه الموقوفة
(قوله: بل تحفظ) إضراب من مقدر، أي فلا يجوز بيعها بل تحفظ له وجوبا، وهذا مفروض في أخشاب سليمة لم يسقف
بها المسجد، بل وقفت لتسقيف المسجد بها إذا خرب أو زادت من عمارة المسجد، فلا ينافي ما مر في الجذوع
المنكسرة من جريان الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه (قوله: ولا ينقض المسجد) أي المنهدم المتقدم ذكره في قوله
فلو انهدم مسجد. ومثل المنهدم: المتعطل.
(والحاصل) أن هذا المسجد الذي قد انهدم، أي أو تعطل بتعطيل أهل البلد له، كما مر، لا ينقض، أي لا يبطل
بناؤه بحيث يتمم هدمه في صورة المسجد المنهدم، أو يهدم من أصله في صورة المتعطل، بل يبقى على حاله من
الانهدام أو التعطيل، وذلك لامكان الصلاة فيه وهو بهذه الحالة ولامكان عوده كما كان (قوله: إلا إذا خيف على نقضه)
هو بكسر النون أو ضمها بمعنى منقوضه من الحجارة والأخشاب، وعبارة المصباح، نقضت البناء نقضا من باب قتل،

213
والنقض مثل قفل وحمل بمعنى المنقوض واقتصر الأزهري على الضم، قال: النقض اسم البناء المنقوض إذا هدم،
وبعضهم يقتصر على الكسر ويمنع الضم، والجمع نقوض. اه‍. وقوله فينقض، أي يبطل بناؤه بالحيثية السابقة. وقوله
ويحفظ، أي نقضه. وقوله أو يعمر به، أي بالنقض. وقوله إن رآه الحاكم، أي رأى تعمير مسجد آخر به أصلح (قوله:
والأقرب إليه أولى) أي وعمارة المسجد الأقرب إلى المنهدم أولى من غير الأقرب. قال ع ش: وبقي ما لو كان ثم مساجد
متعددة واستوى قربه من الجميع، هل يوزع على الجميع أو يقدم الأحوج؟ فيه نظر. والأقرب الثاني، فلو استوت الحاجة
والقرب، جاز صرفه لواحد منها. اه‍. (قوله: ولا يعمر به غير جنسه) أي ولا يعمر بالنقض ما هو من غير جنس
المسجد. وقوله كرباط وبئر، تمثيل لغير جنس المسجد، وقوله كالعكس: هو أن لا يعمر بنقض الرباط والبئر غير الجنس
كالمسجد (قوله: إلا إذا تعذر جنسه) أي فإنه يعمر به غير الجنس (قوله: والذي يتجه ترجيحه الخ) في سم ما نصه،
الذي اعتمده شيخنا الشهاب الرملي أنه إن توقع عوده حفظ، وإلا صرفه لأقرب المساجد، وإلا فللأقرب إلى الواقف،
وإلا فللفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين. وحمل اختلافهم على ذلك. اه‍.
(واعلم) أن الوقف على المسجد إذا لم يذكر له مصرف آخر بعد المسجد من منقطع الآخر، كما قال في الروض،
وإن وقفها، أي الدار على المسجد صح، ولو لم يبين المصرف وكان منقطع الآخر إن اقتصر عليه ويصرف في
مصالحه اه‍. وقد تقرر في منقطع الآخر أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، فقولهم هنا إنه إذا لم يتوقع عوده
يصرف إلى مسجد آخر أو أقرب المساجد، يكون مستثنى من ذلك. فليتأمل. اه‍. (وقوله: وقف المنهدم) أي في
الموقوف على المسجد المنهدم. قال في التحفة: أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه فيشتري له
بها عقار ويوقف عليه، بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لأجلها، أي إن توقعت عن قرب. اه‍. وقوله إنه، أي
المنهدم. وقوله إن توقع عوده، أي ترجى أنه يعود ويعمر كما كان. وقوله حفظ، أي الريع، وهو جواب إن. وقوله له، أي
للمنهدم بعد عوده (قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع عوده، وقوله صرف، أي ذلك الريع. وقوله لمسجد آخر، والأقرب
أولى، كما علمت، (قوله: فإن تعذر) أي صرفه لمسجد آخر (قوله: صرف للفقراء) أي فقراء محل المسجد المنهدم
(قوله: كما يصرف النقض لنحو رباط) أي كما يصرف نقض المسجد إذا تعذر تعمير مسجد آخر لنحو رباط كبئر،
والتشبيه في كون الريع صرف لغير الجنس عند تعذر صرفه للجنس (قوله: وسئل شيخنا عما إذا عمر مسجد) ما واقعة
على مسجد، وحينئذ فكان الأولى حذف قوله مسجد، لأنه على ثبوته يصير المعنى سئل عن المسجد الذي إذا
عمر
مسجد، وفيه ركاكة لا تخفى. وفي بعض النسخ عما إذا عمر مسجدا، بنصب مسجدا، وعليه فيلزم وقوع ما، على من
يعقل، ويلزم جعل السؤال عن الشخص، لا عن المسجد، فلو قال عن مسجد عمر بآلات الخ، لكان أولى وأخصر.
وتقدم أن عمر، في مثل هذا المحل، يقرأ بالتخفيف من العمارة، بخلافه في مثل عمر فلان، فهو بالتشديد، من التعمير
في السن، بمعنى طول الاجل، فلا تغفل (قوله: بآلات جدد) أي لعمارة المسجد، وهي كالخشب والحجر والحديد
(قوله: وبقيت آلاته القديمة) أي لم يعمر بها (قوله: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها) أي بآلات المسجد الأول
القديمة (قوله: أو تباع) أي تلك الآلات (قوله: ويحفظ ثمنها) أي للمسجد الذي كانت تلك الآلات فيه (قوله: فأجاب)
أي شيخه (قوله: بأنه) أي الحال والشأن، (وقوله: يجوز عمارة مسجد قديم) أي قد خرب، (وقوله: وحادث) أي بأن

214
ينشأ بتلك الآلات مسجد (وقوله: بها) أي بآلات المسجد الذي كانت فيه (قوله: حيث الخ) قيد في الجواز، فإذا فقد،
بأن احتيج إلى تلك الآلات قبل فنائها لعمارة المسجد الذي كانت فيه لا يجوز عمارة مسجد آخر بها (قوله: بعدم احتياج
ما هي منه) أي بعدم احتياج المسجد الذي هي، أي تلك الآلات، منه. وقوله إليها، أي إلى الآلات، وهو متعلق
باحتياج. وقوله قبل فنائها أي الآلات وهو متعلق أيضا باحتياج (قوله: ولا يجوز بيعه) الأولى بيعها بتأنيث الضمير العائد
إلى الآلات (قوله: ونقل) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده. (وقوله: نحو حصير المسجد) أي كفرشه غير الحصير.
(وقوله: كنقل آلاته) أي في أنه إن لم يحتج المسجد إليه جاز نقله إلى مسجد آخر، وإلا فلا يجوز. وتقدم آنفا أنه يجوز
بيع نحو الحصر الموقوفة إذا بليت وكانت المصلحة في بيعها. وخالف جمع في ذلك، وأن المملوكة يجوز بيعها
لمصلحة مطلقا (قوله: ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا) أي وقفا مطلقا، أي من غير تقييد بكونه لعمارته
(قوله: أو على عمارته) معطوف على قوله على المسجد، أي ويصرف ريع الموقوف على عمارته (قوله: في البناء)
متعلق بيصرف. (وقوله: ولو لمنارته) أي ولو كان البناء لمنارته. (وقوله: وفي التجصيص) معطوف
على قوله في البناء،
أي ويصرف في التجصيص، ومنه البياض المعروف (قوله: والسلم) أي وفي السلم، أي الذي يحتاج إليه في
المسجد (وقوله: وفي أجرة القيم) أي لأنه يحفظ العمارة (قوله: لا المؤذن الخ) أي لا يصرف لهذه المذكورات (قوله:
إلا إن كان الوقف لمصالحه) أي إلا إن كان الوقف كائنا على مصالح المسجد، والاستثناء منقطع، إذ المستثنى منه ريع
الموقوف على المسجد مطلقا، أو مقيدا بالعمارة، والمسنثنى الوقف على المصالح (قوله: فيصرف) أي ريعه، (وقوله:
في ذلك) أي المذكورة من المؤذن والامام والحصر والدهن، وذلك لأنها من المصال (قوله: لا في التزويق والنقش) أي
لا يصرف فيهما، بل لو وقف عليهما ما يصح، لأنه منهي عنه (قوله: وما ذكرته) مبتدأ، خبره قوله هو مقتضى الخ.
(وقوله: من أنه) بيان لما، وضمير أنه يعود على الربيع (قوله: لكنه) أي النووي (قوله: نقل بعده) أي بعد نقله عن
البغوي (قوله: إنه يصرف لهما) أي المؤذن والامام. قال في النهاية: ويتجه إلحاق الحصر والدهن بهما. اه‍. (قوله:
كما في الوقف على مصالحه) أي وكما في نظيره من الوصية للمسجد. (قوله: ولو وقف على دهن الخ) مثله في الروض
وشرحه ونصهما، فلو وقف على دهن لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا بأن ينتفع به من مصل
ونائم وغيرهما، لأنه أنيط له، فإن كان مغلقا مهجورا لم يسرج، لأنه إضاعة مال. اه‍. (وقوله: لم يسرج) أي رأسا ولا
في جزء من الليل، بدليل العلة بعده (قوله: وأفتى الخ) مخالف لما قبله (قوله: فيه) أي المسجد. وقوله ليلا أما نهارا
فيحرم مطلقا للإسراف ولما فيه من التشبه بالنصارى (قوله: احتراما) أي تعظيما للمسجد (قوله: مع خلوه) متعلق بجواز
(قوله: وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي) أي مطلقا، فهو مؤيد لما قبل إفتاء ابن عبد السلام، وعبارة التحفة، وفي
الروضة يحرم إسراج الخالي، وجمع بحمل هذا على ما إذا أسرج من وقف المسجد أو ملكه، والأول على ما إذا تبرع به
من يصح تبرعه، وفيه نظر، لأنه إضاعة مال، بل الذي يتجه الجمع بحمل الأول على ما إذا توقع ولو على ندور احتياج

215
أحد لما فيه من النور، والثاني على ما إذا لم يتوقع ذلك. اه‍ (قوله: يحرم أخذ شئ من زيته
وشمعه) أي للمسجد، أي
المختص به، بأن يكون موقوفا عليه أو مملوكا له بهبة أو شراء من ريع موقوف على مصالحه وإذا أخذ منه ذلك وجب رده.
(وقوله: كحصاة وترابه) أي كما يحرم أخذ حصي المسجد وترابه. قال النووي في إيضاحه: ولا يجوز أخذ شئ من
طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره، ومن أخذ شيئا من ذلك لزمه رده إليها، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم
أخذه. اه‍ (قوله: ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة) أي لدفن المسلمين فيها بأن كانت موقوفة أو مسبلة لذلك. وخرج
بها: المملوكة، فإن ثمر الشجر النابت فيها مملوك أيضا، وقوله مباح، خبر ثمر، أي فيجوز لكل أحد الاكل منه (قوله:
وصرفه) أي الثمر. (وقوله: لمصالحها) أي المقبرة كتعميرها. (وقوله: أولى) أي من تبقيته للناس، وعبارة الروض
وشرحه، ولو نبتت شجرة بمقبرة فثمرتها مباحة للناس تبعا للمقبرة، وصرفها إلى مصالح المقبرة أولى من تبقيتها للناس،
لا ثمرة شجرة غرست للمسجد فيه، فليست مباحة بلا عوض، بل يصرف الإمام عوضها لمصالحه، أي للمسجد،
وتقييده بالامام من زيادته، وظاهر أن محله إذا لم يكن ناظر خاص، وإنما خرجت الشجرة عن ملك غارسها هنا بلا لفظ،
كما اقتضاه كلامهم، للقرينة الظاهرة. وخرج بغرسها للمسجد، غرسها مسبلة للاكل، فيجوز أكلها بلا عوض، وكذا إن
جهلت نيته حيث جرت العادة به. اه‍ (قوله: وثمر المغروس) أي الشجر المغروس في المسجد. وقوله ملكه، أي
المسجد بمعنى أنه يصرف في مصالحه، كما يفيده التفريع بعده، وليس مباحا للناس (قوله: إن غرس له) أي للمسجد
بقصده لا للناس (قوله: فيصرف) أي الثمر، وهو تفريع على كونه ملكه (قوله: وإن غرس) أي الشجر. وقوله ليؤكل، أي
الشجر، وهو على حذف مضاف، أي ثمره. والمراد غرس بقصد إباحته للناس (قوله: أو جهل الحال) أي لم يدر، هل
هو غرس للمسجد أو ليؤكل؟ (قوله: فمباح) أي فثمره مباح، لأنه الظاهر في الصورة الجهل، أنه إنما غرس لعموم
المسلمين (قوله: ليس للامام الخ) أي فيحرم عليه ذلك. (وقوله: إذا اندرست مقبرة) أي بليت وخفيت آثارها. قال في
المصباح: درس المنزل دروسا، عفا وخفيت آثاره، اه‍. وحيئذ فقوله بعد ولم يبق بها أثر، تفسير له (قوله: إجارتها)
اسم ليس مؤخر. وقوله أي مثلا، راجع للزراعة، أي أو للبناء فيها (قوله: وصرف غلتها) عطف على إجارتها، أي وليس
له صرف غلتها. (وقوله: للمصالح): أي مصالح المسلمين (قوله: وحمل) أي ما في الأنوار، (وقوله: على الموقوفة)
أي على المقبرة الموقوفة لدفن الأموات فيها (قوله: فالمملوكة لمالكها) أي فأما المقبرة المملوكة فأمرها مفوض لمالكها
إن عرف، فيجوز له أن يتصرف فيها بإجارة وبإعارة وبغير ذلك، لأنها ملكه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرف (قوله: فمال
ضائع) أي فهي كالمال الضائع. (وقوله: أي إن أيس من معرفته) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر في مثل هذا،
(قوله: يعمل فيه الامام بالمصلحة) بيان لحكم المال الضائع، أي أن حكم المال الضائع أن الامام يعمل فيه بالمصلحة
(قوله: وكذا المجهولة) أي مثل المملوكة التي أيس من معرفة مالكها المقبرة المجهولة، أي التي لا يدري أنها مملوكة أو
موقوفة، فإنها كالمال الضائع (قوله: وسئل العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة الخ) لم يتعرض للشجرة النابتة في
المسجد، وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يوجد من الأشجار في المساجد ولم يعرف، هل هو وقف أو
لا؟ ماذا يفعل فيه إذا جف؟ والجواب أن الظاهر من غرسه في المسجد أنه موقوف، لما صرحوا به في الصلح من أن محل

216
جواز غرس الشجر في المسجد إذا غرسه لعموم المسلمين، وانه لو غرسه لنفسه لم يجز، وإن لم يضر بالمسجد، وحيث
عمل على أنه لعموم المسلمين فيحتمل جواز بيعه وصرف ثمنه على مصالح المسلمين، وإن لم يمكن الانتفاع به جافا،
ويحتمل وجوب صرف ثمنه لمصالح المسجد خاصة، ولعل هذا الثاني أقرب، لان واقفه إن وقفه مطلقا وقلنا بصرف ثمنه
لمصالح المسلمين، فالمسجد منها، وإن كان وقفه على خصوص المسجد، امتنع صرفه لغيره. فعلى التقديرين جواز
صرفه لمصالح المسجد محقق، بخلاف صرفه لمصالح غيره مشكوك في جوازه، فيترك لأجل المحقق. اه‍ (قوله: نبتت
بمقبرة مسبلة) أي غير مملوكة (قوله: ولم يكن لها ثمر ينتفع به) خرج به ما إذا كان لها ذلك فإنه لا يجوز
قطعها وبيعها
(قوله: إلا أن بها) أي بالشجرة. (وقوله: أخشابا كثيرة) أي فروعا كثيرة، (وقوله: تصلح) أي تلك الأخشاب. (وقوله:
للبناء) أي بتلك الأخشاب بأن توضع سقفا للبنيان (قوله: ولم يكن لها) أي للمقبرة (قوله: أي القاضي) تفسير للناظر
العام، وكان الأولى أن يقول، أي الامام أو نائبه وهو القاضي (قوله: فأجاب) أي العلامة الطنبداوي (قوله: نعم للقاضي
في المقبرة العامة) أي في شجرتها النابتة فيها. وقوله بيعها، أي تلك الشجرة (قوله: وصرف ثمنها في مصالح المسلمين)
في بعض نسخ الخط في مصالح المقبرة، وعليه يكون مكررا مع قوله بعد فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى، فما في
النسخ التي بأيدينا أولى (قوله: كثمرة الشجرة التي لها ثمر) أي فإن للقاضي بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسلمين على
ما في النسخة التي بأيدينا، أو في مصالح المقبرة على ما في بعض النسخ (قوله: فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى)
الظاهر أن إن شرطية، وأولى خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف والخبر جواب الشرط، والأولى تذكير
الضمير من صرفها، لان مرجعه مذكر، وهو الثمن، ويوجد في بعض نسخ الخط، وإن صرفها، بواو العطف، وعليه
تكون إن هي الناصبة للاسم، الرافعة للخبر، والجملة معطوفة على جملة وصرف ثمنها في مصالح المسلمين (قوله:
هذا) أي ما ذكر من جواز بيعها، وصرف ثمنها، (وقوله: عند سقوطها) أي الشجرة النابتة في المقبرة. (وقوله: بنحو
ريح) أي كسيل (قوله: وأما قطعها الخ) محترز قوله عند سقوطها بنحو ريح، وهو في الحقيقة جواب الطرف الثاني من
قول السائل، وما قبله جواب الطرف الأول منه وقوله مع سلامتها، أي الشجرة أي عدم سقوطها (قوله: فيظهر إبقاؤها) أي
الشجرة، وهو جواب أما (قوله: للرفق الخ) أي لنفع الزائر للقبور والمشيع للجنازة بظلها (قوله: ولو شرط واقف الخ)
شروع في بيان النظر على الوقف وشروط الناظر (قوله: نظرا له) مفعول شرط، أي شرط في صيغة الوقف النظر لنفسه أو
لغيره (قوله: اتبع) أي شرطه، أي عمل به، وذلك لخبر البيهقي المسلمون عند شروطهم ولما روي أن سيدنا عمر
رضي الله عنه ولي أمر صدقته، ثم جعله لحفصة ما عاشت، ثم لاولى الرأي من أهلها (قوله: كسائر شروطه) أي
الواقف، فإنها تتبع ويعمل بها، كما تقدم ذلك (قوله: وقبول) مبتدأ خبره الجار والمجرور، أي وقبول الناظر الذي شرط
الواقف له النظر كائن كقبول الوكيل، أي في أنه لا يشترط فيه التلفظ، بل عدم الرد فقط. وعبارة الروض وشرحه:
ولقبوله، أي المشروط له النظر، حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف، وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما
ولا يشترط قبوله لفظا. اه‍. قال سم: وظاهر أن من لم يشرط له النظر، بل فوضه إليه الواقف حيث كان له النظر أو
الحاكم حكم قوله كقبول الوكيل أيضا، وإنما خص من شرط له النظر، لئلا يتوهم أنه كالموقوف عليه المعين، كما أشار

217
له بقوله بعد، لا الموقوف عليه. اه‍ (قوله: على الأوجه) مقابله يقول إنه كقبول الموقوف عليه المعين، فيشترط القبول
لفظا فورا. وعبارة التحفة، كقبول الوكيل على الأوجه، لا الموقوف عليه، إلا أن يشرط له شئ من مال الوقف على ما
بحث. اه‍. (قوله: وليس له عزل الخ) أي ليس للواقف أن يعزل من شرط النظر له حالة الوقف. ومثل شرط النظر،
شرط التدريس حالة الوقف. قال في التحفة، بأن يقول وقفت هذا مدرسة، بشرط أن فلانا ناظرها أو مدرسها، وإن نازع
فيه الأسنوي، فليس له كغيره عزله من غير سبب يخل بنظره، لأنه لا نظر له بعد شرطه لغيره، ومن ثم لو عزل المشروط له
نفسه لم ينصب له بدله إلا الحاكم. اه‍ (قوله: ولو لمصلحة) غاية في عدم جواز عزله، أي لا يجوز عزله، ولو كان
لمصلحة (قوله: وإلا يشترط لاحد) أي وإن لا يشترط الواقف النظر لاحد. قال ع ش: بأن لم يعلم شرطه لاحد، سواء
علم عدم شرطه أو جهل الحال. اه‍ (قوله: فهو) أي النظر لقاض، والجملة جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية
(قوله: بالنسبة لحفظه وإجارته) قال البجيرمي: أي ونحوهما. اه‍. وانظر ما هو هذا النحو؟ ولعله العمارة والترميم،
وقوله لما عدا ذلك، أي الحفظ والإجارة، وذلك كتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها وتنميته، كما في مال اليتيم،
قال البيجيرمي: وليس لاحد القاضيين فعل ما ليس له. قاله شيخنا. اه‍. (قوله: على المذهب) مرتبط بالمتن
، أي فهو
لقاض على المذهب، ومقابل المذهب يقول إن النظر مرتب على أقوال الملك، أي فإن قيل إن الملك في الموقوف
للواقف، كان النظر له، أو للموقوف عليه كان النظر له، وإن قيل لله تعالى، كان النظر للقاضي (قوله: لأنه الخ) تعليل
لكونه للقاضي على المذهب، أي وإنما كان النظر للقاضي على المذهب إذا لم يشرط لاحد، لأنه صاحب النظر العام،
(وقوله: فكان) أي القاضي، (وقوله: أولى من غيره) أي أحق بالنظر من غيره (قوله: ولو واقفا) أي ولو كان ذلك الغير
واقفا (قوله: وجزم الخوارزمي) مبتدأ خبره ضعيف، وعبارة التحفة: وجزم الماوردي بثبوته للواقف بلا شرط في مسجد
المحلة، والخوارزمي في سائر المساجد. وزاد أن ذريته مثله ضعيف. اه‍ (قوله: قال السبكي ليس للقاضي أخذ ما شرط
للناظر) أي ليس للقاضي أن يأخذ ما شرطه الواقف للناظر من الغلة فيما إذا فسق الناظر مثلا وانتقل النظر للقاضي (قوله:
إلا إن صرح الواقف بنظره) أي إلا إن صرح الواقف في حال الوقف بأن النظر يكون للقاضي، فإنه يصح له أخذ ما شرط
للنظر (قوله: كما أنه ليس الخ) الكاف للتنظير، أي نظير أنه ليس للقاضي أخذ شئ من سهم عامل الزكاة، وذلك لان
رزق القاضي في سهم المصالح (قوله: قال ابنه) أي السبكي. وقوله ومحله، أي محل عدم جواز أخذ ما شرط للناظر إذا
لم يصرح الواقف بالنظر له. وقوله في قاض له قدر كفايته: أي من بيت مال المسلمين (قوله: ويحث بعضهم أنه) أي
الحال والشأن. وقوله لو خشي، بالبناء للمجهول، أي خيف وقوله أكل الوقف، أي غلته، وقوله لجوره، أي القاضي،
أي خيف منه ذلك لكونه جائرا، أي ظالما (قوله: جاز الخ) جواب لو. وقوله لمن هو بيده، أي للشخص الذي ذلك الوقف
تحت يده، وقوله صرفه، أي الوقف، وهو فاعل جاز، وقوله في مصارفه، أي الوقف كالفقراء (قوله: إن عرفها) أي إن
عرف من هو تحت يده مصارفه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرفها (قوله: فوضه) أي الصرف. وقوله الفقيه عارف بها، أي
بالمصارف (قوله: أو سأله) أي سأل الفقيه العارف بها عن المصارف. وقوله وصرفها، الأولى وصرفه، لان الضمير عائد
على الوقف، ويحتمل أن المراد وصرفها، أي غلته المعلومة من المقام (قوله: وشرط الناظر الخ) لم يبين وظيفته، وكان
حقه أن يبينها كما بين الشروط.

218
(والحاصل) أن وظيفته عمارة وإجارة وحفظ أصل وهو الموقوف وغلة وهي الأجرة التي تستغل منه وجمعها
وقسمتها على مستحقيها، فإن فوض له بعض هذه الأمور، لم يتجاوزه. ونفقة الموقوف ومؤنة تجهيزه إذا كان عبدا
وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو مال الوقف، وإلا فمن منافع الموقوف، ككسب العبد، وغلة العقار، فإذا
انقطعت منافعه، فالنفقة ومؤنة التجهيز من بيت المال، صيانة لروحه في الأولى، ولحرمته في الثانية. أما العمارة: فلا
تجب في بيت المال (قوله: واقفا كان) أي الناظر. وقوله أو غيره، أي غير واقف، وفي حاشية الجمل ما نصه: إطلاق
المصنف يتناول الأعمى والبصير. اه‍. زي. ويتناول المرأة أيضا. اه‍ (قوله: العدالة) قال البجيرمي نقلا عن شيخه:
محل اشتراطها ما لم يكن الناظر القاضي، وإلا فلا يشترط عدالته، لان تصرفه بالولاية العامة. وأما منصوبه فلا بد فيه من
العدالة. اه‍. وبحث بعضهم اشتراط العدالة الباطنة في منصوب القاضي والاكتفاء بالظاهرية فيمن شرطه الواقف أو
استنابه. اه‍. واعتمد م ر وابن حجر اعتبار العدالة الباطنية في الجميع، حتى الواقف إذا شرط النظر لنفسه. اه‍.
والعدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، والظاهرة هي التي لم يعرف لصاحبها مفسق (قوله: والاهتداء إلى
التصرف) أي القوة والقدرة على التصرف فيما هو ناظر فيه.
(تنبيه) عبر في المنهج بالكفاية بدل الاهتداء وجمع في المنهاج بينهما فقال: وشرطه الكفاية والاهتداء إلى
التصرف. وكتب الخطيب في مغنيه الكفاية فسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر فيه، ثم
قال: وفي ذكر الكفاية كفاية عن قوله والاهتداء إلى التصرف، ولذلك حذفه من الروضة كأصلها، وحينئذ فعطف الاهتداء
على الكفاية من عطف التفسير. اه‍. (وقوله: المفوض إليه) صفة للتصرف، والضمير يعود على الناظر، أي التصرف
الذي فوضه الواقف إلى الناظر (قوله: ويجوز للناظر ما شرط له) أي أخذ ما شرط له، (وقوله: من الأجرة) بيان لما
(قوله: وإن زاد) أي ما شرط له، وهو غاية للجواز (قوله: ما لم يكن الواقف) أي ما لم يكن الناظر هو
الوقف، وهو قيد في
الغاية أي أن جواز أخذ الزائد ما لم يكن الناظر هو الواقف، فإن كان هو فلا يجوز أن يأخذ إلا أجرة المثل أو أقل، وفي
الروض وشرحه، وللناظر من غلة الوقف ما شرطه الواقف وإن زاد على أجرة المثل وكان ذلك أجرة عمله. نعم، إن شرطه
لنفسه تقيد ذلك بأجرة المثل، كما مر، فإن عمل بلا شرط فلا شئ له. اه‍ (فإن لم يشرط له) أي للناطر، (وقوله: فلا
أجرة له) أي لأنه إنما عمل مجانا (قوله: نعم الخ) استثناء من عدم ثبوت أجرة له إذا لم يشرط له شئ: أي لا يثبت له
أجرة إلا إن رفع الامر إلى الحاكم وطلب منه أن يقرر له الأقل من نفقته أو أجرة مثله، فإنه إذا قرره فيه يستحقه ويثبت له
(قوله: كولي اليتيم) أي فإنه إذا تبرع بحفظ مال الطفل ورفع الامر إلى القاضي ليثبت له أجرة فإنه يستحقها إذا قررها له
(قوله: وأفتى ابن الصباغ بأن له) أي للناظر، (وقوله: الاستقلال بذلك) أي بأخذ الأقل من نفقته وأجرة مثله (قوله:
وينعزل الناظر بالفسق) عبارة النهاية: وعند زوال الأهلية يكون النظر للحاكم، كما رجحه السبكي، لا لمن بعده من
الأهل بشرط الواقف، خلافا لابن الرفعة، لأنه لم يجعل للمتأخر نظر إلا بعد فقد المتقدم، فلا سبب لنظره بغير فقده،
وبهذا فارق انتقال ولاية النكاح للأبعد بفسق الأقرب لوجود السبب فيه، وهو القرابة. اه‍ (قوله: وللواقف) أي يجوز
للواقف عزل الناظر الذي ولاه النظر كالموكل، فإنه يجوز له عزل وكيله.
(تنبيه) قال في المغني: قد يقتضي كلامه أن له العزل بلا سبب، وبه صرح السبكي في فتاويه، فقال إنه يجوز
للواقف وللناظر الذي من جهته عزل المدرس ونحوه إذا لم يكن مشروطا في الوقف لمصلحة ولغير مصلحة، لأنه كالوكيل

219
المأذون له في إسكان هذه الدار لفقير، فله أن يسكنها من شاء من الفقير، وإذا سكنها الفقير مدة فله أن يخرجه ويسكن
غيره لمصلحة ولغير مصلحة، وليس تعينه لذلك يصير كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره. اه‍ (قوله: إلا إن شرط نظره
حال الوقف) أي فلا يعزله، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: كتاب الوقف) أي الكتاب المكتوب فيه وقفية الشئ المكتوب،
وهو المسمى عند أهل الحجاز بالحجة. (خاتمة) نسأل الله حسن الختام. في الدميري في آخر كتاب الوقف ما
نصه: قال الشيخ السكبي قال لي ابن الرفعة
أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقفها لتكون في مكان معين في مدرسة الصلاحية، لان ذلك المكان مستحق لغير
تلك المنفعة. قال الشيخ: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه جمعة فلا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف
مؤبد يقرأ فيه، كما يفعل بالجامع الأزهر، فلا يصح وقفه، ويجب إخراجه من المسجد، لما تقرر من استحقاق تلك
المنفعة لغير هذه الجهة. والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعا * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (1). اه‍. والله
سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة الكهف، الآية: 104.
220
باب في الاقرار
أي في بيان أحكام الاقرار، من كونه لا يصح الرجوع عنه إذا كان لحق آدمي. والأصل فيه قبل الاجماع، قوله
تعالى: * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟) * أي عهدي، * (قالوا أقررنا) * (1) وقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله ولو على أنفسكم) * (2) وفسرت شهادة المرء على نفسه بالاقرار، وقوله تعالى: * (وليملل الذي عليه الحق) * إلى
قوله * (فليملل وليه بالعدل) * (3) أي فليقر بالحق، دل أوله على صحة إقرار الرشيد على نفسه، وآخره على صحة إقرار
الولي على موليه، وخبر الصحيحين اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فذهب إليها، فاعترفت، فرجمها
وأجمعت الأمة على المؤاخذة به. وأركانه أربعة: مقر، ومقر له، ومقر به، وصيغة. وشرط فيها لفظ يشعر بالالتزام، وفي
معناه الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة، كلزيد علي أو عندي كذا، فلو حذف علي أو عندي لم يكن إقرارا، كما
سيأتي، وشرط في المقر له أن يكون معينا نوع تعيين، بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب، حتى لو قال لاحد هؤلاء الثلاثة
علي كذا، صح إقراره، بخلاف ما لو قال لواحد من أهل البلد علي كذا، وأن يكون أهلا لاستحقاق في المقر به ولصحة
إسناده إليه. فلو قال لهذه الدابة علي كذا لم يصح، لأنها ليست أهلا لذلك، إلا إن قال علي بسببها لفلان كذا حملا على
أنه جنى عليها أو استعملها تعديا أو اكتراها من مالكها. ومحل البطلان في الدابة المملوكة، بخلاف غيرها، كالخيل
المسبلة، فالأشبه، كما قاله الأذرعي، الصحة. ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها. وأن يكون غير مكذب
للمقر، فلو كذبه في إقراره له بمال ترك في يد المقر، لأنها تشعر بالملك، وسقط الاقرار بمعارضة الانكار، فلو رجع عن
التكذيب لم يعد له إلا بإقرار جديد، وشرط في المقر إطلاق تصرف واختيار. وشرط في المقر به أن لا يكون ملكا للمقر
حين يقر. فقوله ديني أو داري لعمرو لغو، لان الإضافة إليه تقتضي ملكه، فتنافي الاقرار لغيره في جملة واحدة، وأن
يكون بيد المقر، ولو مآلا، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها عمل بمقتضى إقراره، وغالب ما ذكر يستفاد من كلام المؤلف
(قوله: هو) أي الاقرار. (وقوله: لغة الاثبات) أي فهو مأخوذ من أقر بمعنى أثبت يقر إقرارا، فهو مقر، فقولهم مأخوذ من
قر، بمعنى ثبت فيه تجوز (قوله: وشرعا الخ) قال ع ش: بين المعنى اللغوي والشرعي التباين، لان إخبار الشخص الخ
غير الاثبات، وبينهما التناسب بحسب الأول. اه‍. (وقوله: بحق عليه) أي بحق على المقر لغيره، فخرجت الشهادة،
لأنها إخبار يحق للغير على الغير، والدعوى أيضا لأنها إخبار بحق له على غيره، وهذا كله في الأمور الخاصة، وأما الأمور
العامة، أي التي تقتضي أمرا عاما لكل أحد، فإن أخبر فيها عن محسوس كإخبار الصحابي أن النبي (ص) قال: إنما
الأعمال بالنيات فرواية، وإن أخبر عن أمر شرعي، فإن كان فيه إلزام فحكم، وإلا ففتوى. فتحصل ان الأقسام ستة
(قوله: أيضا بحق عليه) كان ينبغي أن يزيد أو عنده، ليشمل الاقرار بالعين. اه‍. ش ق (قوله: ويسمى) أي مذلول
الاقرار لغة، أو شرعا، (وقوله: اعترافا) أي كما يسمى إقرارا (قوله: يؤخذ بإقرار مكلف) يصح في إعراب هذا التركيب



(1) سورة آل عمران، الآية: 81.
(2) سورة النساء، الآية: 135.
(3) سورة البقرة، الآية: 282.
221
أن يكون الجار والمجرور نائب فاعل يؤاخذ، ومكلف مجرور بالإضافة، وأن يكون مكلف نائب فاعل، ويفسر الفعل
على الأول بيعمل، وعلى الثاني بيلزم. والأول هو الأقرب إلى كلامه، والمراد بالمكلف، البالغ بإمناء أو حيض أو سن
العاقل، ولا بد أيضا أن يكون رشيدا، ولو حكما، كالسفيه المهمل إن كان المقر به مالا أو اختصاصا أو نكاحا ولو عبر
بمطلق التصرف، كما عبر به في المنهاج، لكان أولى (قوله: فلا يؤاخذ الخ) الأولان مفرعان على مفهوم
التكليف،
والثالث مفرع على مفهوم الاختيار. وقوله بإقرار صبي: أي ولو كان مراهقا أو بإذن وليه، وقوله ومجنون، ومثله المغمي
عليه وزائل العقل بما يعذر فيه، فإن لم يعذر به، بأن تعدى به، فإقراره صحيح، كبقية تصرفاته، (قوله: ومكره) أي فلا
يصح إقراره بما أكره عليه، وذلك لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) * (1) جعل سبحانه وتعالى الاكراه
مسقطا لحكم الكفر، فبالأولى ما عداه. (وقوله: بغير حق) خرج به المكري بحق، فيصح إقراره، وفي البجيرمي، قال
سم انظر ما صورة الاكراه بحق؟ قال شيخنا: ويمكن تصويره بما إذا أقر بمبهم وطولب بالبيان فامتنع، فللقاضي إكراهه
على البيان، وهو إكراه بحق. اه‍. أ ج. اه‍. وفيه أن هذا إكراه على التفسير، لا عليه الاقرار. وقوله على الاقرار،
متعلق بمكره، أي مكره على الاقرار (قوله: بأن ضرب ليقر) تصوير للاكراه بغير حق، والضرب في هذا وفيما بعده
حرام، خلافا لمن توهم حله في الثاني. أفاده سم (قوله: أما مكره على الصدق) أي على أن يصدق، إما بنفي أو إثبات
(قوله: كأن ضرب ليصدق الخ) أي بأن يسئل عن قضية فلا يجيب بشئ لا نفيا ولا إثباتا، فيضرب حينئذ ليتكلم بالصدق
(قوله: فيصح) أي إقراره (قوله: على إشكال قوي فيه) أي في صحة إقراره حال الضرب أو بعده، وعبارة الروض
وشرحه: فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به، لأنه ليس مكرها، إذ المكره، من أكره
على شئ واحد، وهذا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الاقرار، ولكن يكره إلزامه حتى يراجع ويقر ثانيا.
نقل في الروضة ذلك عن الماوردي، ثم قال: وقبول إقراره حال الضرب مشكل، لأنه قريب من المكره، ولكنه ليس
مكرها، وعلله بما قدمته، ثم قال وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر. قال
الزركشي: والظاهر ما اختاره النووي من عدم قبول إقراره في الحالين، وهو الذي يجب اعتماده في هذه الاعصار مع ظلم
الولاة وشدة جرأتهم على العقوبات، وسبقه إليه الأذرعي وبالغ، وقال الصواب إنه إكراه. اه‍. وقوله وسبقه إليه الأذرعي
الخ: نقل لفظه في المغني ونصه، قال الأذرعي والولاة في زماننا يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر
بالحق، ويراد بذلك الاقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه سواء أقر في حال ضربه أم بعده. وعلم أنه إن لم
يقر لضرب ثانيا. اه‍. وهذا متعين. اه‍ (قوله: سيما) أي خصوصا، وهي تدل على إثبات ما بعدها وأوليته بحكم ما
قبلها. وقوله إن علم، أي المكره الذي يضرب، وقوله لا يرفعون الضرب إلا بأخذت، أي إلا بإقراره بقوله أخذت (قوله:
ولو ادعى صبا الخ) أي وقت الاقرار لأجل أن لا يصح. وقوله أمكن أي الصبا بأن لا يكذبه الحس بأن كان الكبر ظاهرا فيه
وادعى الصغر (قوله: أو نحو جنون) أي كإغماء. وقوله عهد، أي نحو الجنون قبل إقراره. قال ع ش: ولو عهد منه
مرة. اه‍. (قوله: أو إكراها) أي أو ادعى إكراها (قوله: وثم أمارة) أي وكان هناك قرينة على الاكراه (قوله: كحبس الخ)
تمثيل للامارة على الاكراه (قوله: أو ترسيم) أي تضييق عليه من الحاكم كأن يوكل الحاكم من يلازمه حتى يأمن من هربه
قبل فصل لخصومة (قوله: وثبت ببينة) أي ثبت ما ذكر من الحبس أو الترسيم، ولو قال ثبتت: أي الامارة، كما في



(1) سورة النحل، الآية: 106.
222
البجيرمي، لكان أولى وعبارته، ولا تجوز الشهادة على إقرار نحو محبوس وذي ترسيم لوجود أمارة الاكراه، وثبت الامارة
بإقرار المقر له، وبالبينة بها وباليمين المردودة اه‍. (قوله: أو بيمين مردودة) أي من المقر له بأن طلب منه مدعي الاكراه
يمينا على أنه ما حبسه أو ما ضيق عليه، فأبى أن يحلف، فحلف المقر بذلك اليمين المردودة (قوله: صدق بيمينه) جواب
لو. قال البجيرمي: لكن تؤخر يمين الصبي لبلوغه فيما يظهر. اه‍. وفصل في الباجوري بين ما إذا ادعاه قبل ثبوت بلوغه
فيصدق بلا يمين، وبين ما إذا ادعاه بعد ثبوته فيصدق بيمين، وعبارته: ولو ادعى صباه صدق، ولا يحلف، ولو بعد بلوغه
إن ادعاه قبل ثبوت بلوغه، وإلا حلف إن أمكن. اه‍. (قوله: ما لم تقم بينة بخلافه) قيد في
تصديقه بيمينه، أي محل تصديقه بها بالنسبة للصور الثلاث إذا لم تقم بينة، بخلاف ما ادعاه، فإن قامت البينة بذلك، كأن شهدت بكونه وقت
إقراره بالغا أو عاقلا أو مختارا فلا يصدق، لما فيه من تكذيب البينة (قوله: وأما إذا ادعى الصبي بلوغا الخ) قال ع ش:
أي ليصح إقراره أو ليتصرف في أمواله. اه‍. وهذه المسألة ذكرها الشارح مقابلة لقوله ولو ادعى صبا أمكن الخ،
وذكرها في المنهاج والمنهج مفرعة على قولهما إن إقرار الصبي والمجنون لاغ. والمناسبة ظاهرة في الكل، ومثل
الصبي الصبية إذا ادعت البلوغ بالحيض (قوله: بإمناء ممكن) أي بأن بلغ تسع سنين قمرية (قوله: فيصدق في ذلك) أي
فيما ادعاه من البلوغ بالامناء، لأنه لا يعرف إلا من جهته، وقوله ولا يحلف عليه، أي على ادعاه من البلوغ بالامناء وإن
فرضت خصومة، لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى يمين، وإلا فلا فائدة فيها، لان يمين الصبي غير منعقدة (قوله: أو
بسن) معطوف على بإمناء، أي أو ادعى بلوغا بسن بأن قال استكملت خمس عشر سنة. وفي البجيرمي: ولو ادعى بلوغا
وأطلق حمل على الاحتلام، ولا يحتاج إلى استفسار، خلافا للأذرعي حيث قال: يحتاج إليه، ووافقه ابن حجر وقال،
فإن تعذر استفساره بأن مات لغا إقراره، لان الأصل الصبا. اه‍ (قوله: كلف الخ) أي طولب ببينة تخبر بسنه، وذلك
لإمكانها. قال في التحفة: ويشترط فيه إذا تعرضت البينة للسن أن تبينه للاختلاف فيه. نعم، لا يبعد الاطلاق من فقيه
موافق للحاكم في مذهبه، لان هذا ظاهر لا اشتباه فيه ولا خلاف فيه عندنا. اه‍. وكتب سم ما نصه. قوله للاختلاف فيه،
لا يقال إنما يظهر هذا إن كان ذهب أحد إلى أنه أقل من خمسة عشر، ويحتمل أن الامر كذلك على أنه يكفي في التعليل
أن الشاهد قد يظن كفاية دون الخمسة عشر، لأنا نقول منهم من ذهب إلى أنه أكثر من خمسة عشر. اه‍ (قوله: وإن كان
غريبا لا يعرف) غاية لتكليفه الاتيان ببينة على السن، أي يكلف من ادعى البلوغ بالسن الاتيان بالبينة وإن كان غريبا لا
يعرفه أحد في البلد لامكانه. وقال في التحفة: لسهولة إقامتها في الجملة (قوله: وهي) أي البينة هنا. وقوله رجلان، أي
فقط، فلا يكفي رجل وامرأتان، وذلك لان ما يظهر للرجال غالبا وليس بمال ولا المقصود منه مال، يشترط فيه رجلان
(قوله: نعم إن الخ) استدراك على ما يقتضيه قوله وهي رجلان من أن البلوغ بالسن لا يثبت بغيرهما. وقوله أربع نسوة،
أي أو رجل وامرأتان، لان ما ذكر يكفي في إثبات الولادة ونحوها مما يظهر للنساء غالبا، كالحيض والنكارة،
وقوله
بولادته: أي الصبي الذي ادعى البلوغ بالسن وليس عنده بينة عليه. وقوله يوم كذا، أي وشهر كذا، أي وسنة كذا، حتى
يعلم قدر سنه أنه خمس عشر سنة. وقوله أقبلن، أي النسوة التي شهدن بولادته، لأنهن يقبلن فيما يظهر للنساء، كما
علمت (قوله: ويثتت بهن) أي بالنسوة الأربع اللاتي شهدن بالولادة. وقوله تبعا، أي للولادة (قوله: كما قاله شيخنا) أي
في التحفة ومثله في النهاية (قوله: وشرط فيه الخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان الأربعة. وقوله أي
الاقرار، أي صحته. وقوله لفظ، مثله الكتابة مع النية أو إشارة أخرس، كما تقدم. وقوله بالتزام بحق، أي على المقر
(قوله: كعلي أو عندي. كذا لزيد) تمثيل للفظ الذي يشعر بالالتزام بحق (قوله: ولو زاد) أي في الصيغة المذكورة، بأن
قال علي لزيد كذا فيما أظن أو أحسب، أو عندي كذا لزيد فيما أظن أو أحسب، وقوله لغا، أي قوله المذكور، ولا يكون

223
إقرارا، وذلك لعدم إشعاره بالالتزام، بخلاف ما لو قال له علي ألف فيما أعلم، أو أشهد، أو علمي، أو شهادتي، فإنه
إقرار، لأنه التزام (قوله: ثم إن كان الخ) مستأنف، لأنه لا يظهر ترتيبه على ما قبله، وذكره في التحفة بعد قول المنهاج
لزيد كذا صيغة إقرار وترتبه عليه ظاهر. (وقوله: كلزيد هذا الثوب) تمثيل للمقر به المعين. وقوله أو خذ به، أي ألزم به،
فيلزم تسليمه للمقر له إن كان في يده حال الاقرار أو انتقل إليه (قوله: أو غيره) معطوف على معينا، أي أو كان المقر به
غير معين. وقوله كله ثوب أو ألف، تمثيل للمقر به الغير المعين (قوله: اشترط أن يضم إليه الخ) قال في النهاية: لأنه
مجرد خبر لا يقتضي لزوم شئ للمخبر. اه‍. وقوله شئ مما يأتي كعندي أو علي، فيه أن هذا ذكره متقدما أيضا، كما
أنه ذكره متأخرا بقوله علي أو في ذمتي الخ، فالاخصر والأولى أن يقول، أن يضم إليه لفظ عندي أو علي أو نحوهما، كفي
ذمتي ومعي، (قوله: وقوله علي أو في ذمتي للدين) أي يأتي بهما للاقرار بالدين، لأنه المتبادر منهما عرفا، فإن ادعى
إرادته العين قبل في علي فقط لامكانه، أي علي حفظها (قوله: ومعي. أو عندي) مثلهما لدي، بتشديد الياء، وقوله
للعين، أي يؤتى بهما للاقرار بالعين، وأما قبلي، بكسر ففتح، فهو صالح للاقرار بهما. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله:
علي أو في ذمتي للدين معي وعندي يا فتي للعين
وقبلي إن قلته فمحتمل للدين مع عين كما عنهم نقل
(قوله: ويحمل العين الخ) يعني أنه عند إطلاق العين المقر بها بأن قال عندي ثوب لزيد ولم يذكر أنه وديعة أو
مغصوب تحمل على أدنى المراتب في جعلها عنده وهو كونها مودعة عنده لا مغصوبه ولا معارة. قال في شرح الروض:
وقول الزركشي لا معنى لاقتصاره على التفسير بالوديعة، بل التفسير بالمغصوبة كذلك لم يقع في محله: إذ ليس الكلام
في التفسير، بل في أن ذلك عند الاطلاق يحمل على ما إذا. اه‍. (قوله: فيقبل قوله الخ) مفرع على محذوف، أي فلو
ادعى أدنى المراتب وهو الوديعة قبل قوله في ردها على مالكها أو في أنها تلفت بيمينه لأنه أمين. قال البجيرمي: فإن غلظ
على نفسه كأن ادعى أنها مغصوبة أو فسره بالدين قبل من غير يمين. اه‍. (قوله: وكنعم الخ) عطف على قوله كعلي أو
عندي كذا، ومثل نعم: جير، وأجل، وإي (قوله: وأبرأتني منه) لو حذف لفظ منه لم يكن إقرار لاحتمال البراءة من
الدعوى (قوله: أو أبرئني منه) بصيغة الامر (قوله: وقضيته) أي أديته لك (قوله: لجواب الخ) متعلق بمحذوف حال من
جميع ما قبله من لفظ نعم وما بعده، أي حال كونها مقولة لجواب الخ. ولولا زيادة الشارح كاف الجر قبل نعم، لكانت
نعم وما عطف عليها مبدأ ويكون الجار والمجرور خبره. والمعنى أنه إذا أتى المقر بنعم، أو ما بعده جوابا لقول المدعي
أليس لي عليك كذا، بأداة الاستفهام، كان ذلك إقرارا. قال البجيرمي: فلو حذف أداة الاستفهام وقال ليس لي عليك
ألف، فإن قال بلى، كان مقرا، لان بلى: لرد النفي، ونفي النفي إثبات. وإن قال نعم، لم يكن إقرارا، لان نعم، لتقرير
النفي. اه‍. وقد نظم الأجهوري معنى ذلك في قوله:
نعم: جواب للذي قبله إثباتا أو نفيا كذا قرروا
بلى: جواب النفي، لكنه * يصير إثباتا، كذا حرروا
(قوله: أو قال له الخ) الأولى حذف قال ومتعلقه لعدم وجود ما يعطف عليه وزيادة الجواب بعد أو العاطفة، بأن
يقول أو لجواب لي عليك كذا. وعبارة فتح الجواد، لجواب من قال له أليس لي عليك ألف مثلا أو قال له لي
عليك ألف،
وهي ظاهرة لوجود ما يعطف عليه فيها (قوله: لان المفهوم من ذلك) أي من قوله نعم وما بعده، وهو علة لمقدر، أي وإنما

224
كانت هذه المذكورات إقرارا لان المفهوم، أي المتبادر منها عرفا، ذلك، لكن هذه العلة لا تظهر إلا في الثلاثة الأول،
أعني نعم وبلى وصدقت، لا فيما عداها، أعني أبرأتني وما بعده، فكان عليه أن يزيد بعد هذه العلة ولان دعوى الابراء أو
القضاء اعتراف بالأصل، وعبارة المغني: أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق، وفي معناها ما ذكر معها، وأما
دعوى الابراء والقضاء، فلانه قد اعترف بالشغل وادعى الاسقاط والأصل عدمه. اه‍. وفي النهاية ما نصه: وفي نعم،
بالنسبة لقوله أليس لي عليك ألف، وجه أنها ليست بإقرار، لأنها في اللغة تصديق للنفي المستفهم عنه، بخلاف بلى،
فإنها رد له، ونفي النفي إثبات، ولهذا جاء عن ابن عباس في آية: * (ألست بربكم) * (1) لو قالوا نعم لكفروا ورد هذا الوجه
بأن الأقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ، لا على دقائق العربية، وعلم منه عدم الفرق بين النحوي وغيره
خلافا للغزالي ومن تبعه. اه‍. بتصرف (قوله: ولو قال) أي المدعي، وقوله اقض الألف الذي لي عليك، أي أد الألف
التي أستحقها في ذمتك (قوله: أو أخبرت الخ) أي أو قال أخبرت أن لي عليك ألفا، والفعل يقرأ بصيغة المجهول (قوله:
فقال) أي المدعى عليه جوابا لقول المدعي ما مر. وقوله نعم. أو أمهلني، أي أو أقضي غدا، كما في المنهاج، قال في
التحفة.
(تنبيه) ظاهر كلامهم، أو صريحه، أنه لا يشترط نحو ضمير أو خطاب في أقضي أو أمهلني. ويشكل عليه اشتراطه
في أبرأتني وأبرئني أو أنا مقر. ومن ثم قال الأسنوي في أقضي: لا بد من نحو ضمير، لاحتماله للمذكور وغيره على
السواء. اه‍. (قوله: أو لا أنكر ما تدعيه) أي أو قال جوابا له لا أنكر ما تدعيه (قوله: أو حتى أفتح الخ) أو داخله عن
مقدر، أي أو قال أمهلني حتى أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم (قوله: فإقرار) أي فهو إقرار، والجملة جواب لو.
وإنما كانت إقرارا لأنه هو المفهوم من هذه الألفاظ عرفا، وهذا هو الأصح. ومقابله يقول ليست بإقرار، لأنها
ليست
صريحة في الالتزام (قوله: حيث لا استهزاء) أي مقترن بواحد من هذه الألفاظ، والأحسن جعل الظرف متعلقا
بمحذوف، لا بلفظ إقرار الواقع قبله، وإن كان هو ظاهر صنيعه، وتقدير ذلك المحذوف، ومحل كون الجواب بجميع
هذه الألفاظ نعم وما بعده إقرارا، حيث لا استهزاء موجود، وإلا فلا يكون إقرارا (قوله: فإن اقترن الخ) مفهوم القيد
المذكور. وقوله بواحد مما ذكر، أي قوله نعم وما بعده على ما ذكرته، وقوله قرينة استهزاء، أي قرينة تدل على الاستهزاء
(قوله: كإيراد كلامه) أي كلام نفسه، وهو تمثيل للقرينة الدالة على الاستهزاء (قوله: مما يدل الخ) بيان لنحو الضحك
(قوله: أي وثبت ذلك) أي قرينة الاستهزاء المذكور، أي ببينة أو بإقرار المقر له أو يمين مردودة (قوله: لم يكن به مقرا
على المعتمد) أي عند الرافعي من احتمالين له، وجزم به الرملي، ورجح ابن حجر والخطيب مقابله، وهو صحة
الاقرار، وعبارة فتح الجواد لابن حجر، وإنما يتضمن كل من هذه الألفاظ الاقرار إن صدر بلا قرينة استهزاء، وإلا
كتحريك الرأس تعجبا أو إنكارا لم يكن إقرارا لكن على أحد احتمالين، ذكرهما الرافعي وميله إليه، لكن الأوجه، كما
قاله الأسنوي وغيره مقابله لضعف القرينة. اه‍. (قوله: وطلب البيع) أي كأن قال المدعى عليه للمدعي يعني ما تدعيه
علي. وقوله إقرار بالملك، أي متضمن للاقرار له بأنه ملكه، وإلا لما طلب شراءه منه (قوله: والعارية والإجارة) أي
وطلبهما كأن يقول المدعى عليه له أعرني ما تدعيه أو أجرني إياه، وقوله بملك المنفعة، أي إقرار بملكها، أي لا العين
(قوله: لكن تعينها) أي المنفعة في صورة طلب العارية وصورة طلب الإجارة. قال العلامة الرشيدي: وظاهر أن المراد



(1) سورة الأعراف، الآية: 172
225
تعيين جهة المنفعة من وصية أو إجارة أو غيرهما حتى لو عينها بإجارة يوم مثلا قبل، وهذا ظاهر. فليراجع. اه‍. وقوله إلى
المقر، أي موجه إليه (قوله: وأما قوله ليس لك الخ) في التحفة لو قال لزيد علي أكثر مما لك، بفتح اللام، لم يكن إقرارا
لواحد منهما، بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد. اه‍. قال سم: ويقبل تفسيره بما قل. اه‍. (قوله: أو نتحاسب)
معطوف على الجملة الأولى: أي أو قوله نتحاسب، جوابا لقوله لي عليك ألف، ولو قدم هذا وما بعده على قوله جوابا،
لكان أولى (قوله: فليس بإقرار) جواب أما، وذلك لان نفي الزائد في الصورة الأولى على المدعى به لا يوجب إثباته ولا
إثبات ما دونه، ولأنه في الصورة الثانية لم يعترف له بشئ وفي الصورة الثالثة إنما أمر بالكتابة فقط، وهي ليست إقرارا بلا
لفظ، ومحله إن لم ينو الاقرار بها، وإلا فهي إقرار، وفي الصورة الرابعة إنما أذن بالشهادة عليه، وهو ليس بإقرار (قوله:
بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه) أي بخلاف أشهدكم بأن لزيد علي ألف درهم مثلا فإنه إقرار. قال في التحفة، وفي الفرق
بين أشهدكم واشهدوا علي، نظر ظاهر. ثم رأيت كلام الغزالي صريحا في أن اشهدوا علي بكذا، إقرار أيضا. اه‍.
(قوله: وقوله) مبتدأ خبره إقرار. وجملة هو عدل فيما شهد به مقول القول (قوله: كإذا شهد الخ) أي كقوله إذا شهد علي
فلان كزيد بمائة أو قال ذلك، أي قال فلان إن علي مائة (قوله: فهو) أي فلان الذي شهد علي بمائة لزيد أو الذي قال
ذلك، وقوله صادق، أي فيما شهد به أو قاله. ولو قال بدل فهو صادق صدقته لا يكون إقرارا لان ذلك وعد وغير الصادق قد
يصدق (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله إذا شهد الخ إقرار. قال في فتح الجواد: ويوجه بأن فهو صادق كالصريح في أن
الألف لا زمة له، فلذا لم ينظر للتعليق في قوله إذا أو إن شهد. اه‍. وقوله وإن لم يشهد، أي فلان بما ذكر، وهو غاية
لكون القول المذكور يثبت به الاقرار (قوله: وشرط في مقر به الخ) شروع في بيان شرط المقر به الذي هو أحد الأركان
أيضا (قوله: أن لا يكون ملكا الخ) قال ع ش: لعل المراد من هذا أن لا يأتي في لفظه، أي الاقرار، بما يدل على أنه
ملك للمقر، وليست صحة الاقرار وبطلانه دائرين على ما في نفس الامر، لأنه لا اطلاع لنا عليه حتى نرتب الحكم عليه.
نعم، في الباطن العبرة بما في نفس الامر. اه‍. قال البجيرمي: وحين إذ كان هذا هو المراد فحق هذا الشرط أن يكون
من شروط الصيغة، أي من شروط صراحتها، كما يشير له قول الشارح، قال البغوي: فإن أراد به الاقرار قبل منه. اه‍.
بتصرف. وقوله حين يقر، ظرف للنفي أو ظرف للمكان، أي الشرط انتفاء ملكه في حالة الاقرار. اه‍.
بجيرمي (قوله:
لان الاقرار الخ) علة للشرط المذكور، أي وإنما اشترط ما ذكر لان الاقرار ليس نقل ملك شخص لشخص آخر حتى يصح
أن يكون المقر به ملكا للمقر ثم ينقله لغيره، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للغير، فلا بد من تقديم المخبر عنه على
الخبر، وقوله إذا لم يكذبه: هو ساقط من عبارة التحفة والمغني وغيرهما، وهو الأولى، لان الاقرار، الاخبار المذكور
مطلقا سواء كذبه المقر له أم لا. نعم، هو شرط ثبوت الملك بالاقرار للمقر له، كما تقدم (قوله: فقوله الخ) مبتدأ خبره
لغو، وهو مفرع على مفهوم الشرط. وقال ع ش: محل كونه لغوا ما لم يرد به الاقرار بمعنى أن الدار التي كانت ملكي قبل
هي لزيد الآن، غايته أنه أضافها لنفسه باعتبار ما كان مجازا. اه‍. (قوله: أو داري التي اشتريتها لنفسي) قال ع ش:
قياسه أن مثل ذلك ما لو قال مالي الذي ورثته من أبي لزيد. اه‍. (قوله: لزيد) مرتبط بجميع ما قبله، أي داري لزيد أو
ثوبي لزيد، أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، وهو خبر عن واحد منها مع حذف خبر غيره لدلالته عليه. وقوله أو ديني
الخ، الجملة معطوفة على جملة قوله داري الخ، فهي مسلط عليها القول، أي وقوله ديني الذي على زيد لعمرو (قوله:

226
لان الإضافة الخ) أي إضافة المقر به لنفسه، وهو علة لكونه لغوا، وقوله تقتضي الملك، أي حيث لم يكن المضاف
مشتقا ولا في حكمه، فإن كان كذلك اقتضى الاختصاص بالنظر لما دل عليه مبدأ الاشتقاق. فمن ثم كان قوله داري أو
ديني لعمرو، لغوا، لان المضاف فيه غير مشتق، فأفادت الإضافة الاختصاص مطلقا ومن لازمه الملك، بخلاف مسكني
وملبوسي، فإن إضافته إنما تفيد الاختصاص من حيث السكنى واللبس، لا مطلقا، لاشتقاقه. اه‍. ع ش: وهذا
التفصيل مستفاد من كلام المؤلف، لأنه ذكر أن من قال داري الخ لعمرو يكون لغوا، وسيذكر أن من قال مسكني أو
ملبوسي لعمرو يكون إقرارا، وفي البجيرمي.
(والحاصل) أن المضاف إلى المقر تارة يكون جامدا وتارة يكون مشتقا، فإن كان جامدا، كما في مثاله، اقتضى
عدم الصحة لأنه يقتضي الاختصاص من جميع الوجوه، وهو يفيد الملك. وأما إذا كان مشتقا، كان إقرارا، كمسكني أو
ملبوسي، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق وهو السكنى واللبس والاختصاص من بعض الوجوه لا يستلزم
الملك. اه‍. (قوله: فتنافي) أي الإضافة. وقوله به، أي بالملك (قوله: إذ هو) أي الاقرار، وهو علة المنافاة، أي وإنما
حصلت المنافاة بالإضافة المذكورة لان الإضافة تقتضي ثبوت الملك له، والاقرار يفيد ثبوته للغير، وهما متنافيان، فألغى
الاقرار، وقوله إقرار بحق سابق، المناسب أن يقول إخبار بحق سابق، كما عبر به في شرح المنهج والمغني، (قوله: ولو
قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار) أي أنه لا منافاة، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق الذي هو السكنى أو
اللبس كما تقدم (قوله: لأنه قد يسكن الخ) أي فلا منافاة بالإضافة المذكورة (قوله: ولو قال الدين الذي كتبته) أي لنفسي
(قوله: أو باسمي) متعلق بمحذوف معطوف على الجملة الفعلية، أي أو الدين الذي أثبته باسمي. وقوله على زيد،
متعلق بكل من الفعلين الظاهر والمقدر. وقوله لعمرو، خبر المبتدأ، أي الدين الذي في ذمة زيد هو لعمرو، لا لي، وإن
كان مكتوبا باسمي، وقوله صح، أي لعدم المنافاة بين كون كتبه له أو كونه باسمه وبين إقراره بأنه لغيره لاحتمال أن يكون
وكيلا عنه، كما في شرح الروض، وعبارته: ولعله كان وكيلا عنه، أي عن عمرو، في المعاملة التي أوجبت الدين. اه‍.
وفي المغني، فلو طالب عمرو زيدا فأنكر، فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم
بينته عليه بالمقر به، وإن شاء أقام بينته بالمقر به ثم بينة بالاقرار. اه‍. (قوله: أو الدين الخ) أي أو قال الدين الذي لي
على زيد لعمرو (قوله: لم يصح) أي لما مر في قوله داري أو ثوبي لزيد من الإضافة تقتضي الملك. وقوله إلا إن قال
واسمي في الكتاب عارية، أي فإنه يصح، ويحمل حينئذ قوله لي، على التجوز، وإن المراد الذي باسمي. قال في
النهاية، عقب قوله إلا إن قال الخ، وكذا يصح إن أراد الاقرار فيما يظهر. اه‍. (قوله: ولو أقر بحرية الخ) مرتب على
شرط للمقر به لم يذكره المؤلف، وذكره في متن المنهاج وغيره، وهو أن يكون المقر به بيد المقر وتصرفه ولو مآلا، فلو لم
يكن بيده حالا ثم صار بها، عمل بمقتضى إقراره. فلو أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه، حكم بها عليه، وكان
شراؤه افتداء
له من جهته، وبيعا من جهة البائع، فله الخيار، دون المشتري (قوله: عبد معين) خرج به ما لو أقر بحرية عبد مبهم، ثم
اشترى عبدا، فلا يحكم بحريته، لاحتمال أن الذي اشتراه غير الذي أقر به (قوله: أو شهد بها) أي بالحرية والشهادة بها
إقرار بها (قوله: ثم اشتراه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها، وهذا الشراء صوري، والقصد منه الافتداء، لان
الاعتراف بالحرية، يوجب بطلان الشراء وقوله لنفسه، قال في النهاية: فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته، لان الملك
يقع ابتداء للموكل، وكما لو اشترى أباه بالوكالة. اه‍. (قوله: أو ملكه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها. وقوله

227
بوجه آخر، أي غير الشراء، كهبة أو وصية، (قوله: حكم بحريته) أي بعد انقضاء مدة خيار البائع، وإذا حكم بها بعد
ذلك فترفع يد المشتري عنه. قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثل ذلك في كتب الوقف، فإذا علم بوقفيتها ثم اشتراها، كان
شراؤه اقتداء، فيجب عليه ردها لمن له ولاية حفظها، إن عرف، وإلا سلمها لمن يعرف المصلحة، فإن عرفها هو وأبقاها
في يده، وجب عليه الإعارة، كما جرت به العادة، وليس من العلم بوقفيتها، ما يكتب بهوامشها من لفظ، وقف. اه‍.
بزيادة (قوله: ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه) أي سيقر لغيره بما ليس عليه (قوله: فأقر) أي بعد أن أشهد (قوله: لزمه)
أي ما أقر به مؤاخذة بإقراره (قوله: ولم ينفعه ذلك الاشهاد) أي الواقع قبل الاقرار (قوله: وصح إقرار من مريض) أي كما
يصح من غير المريض. وقوله مرض موت، أي مرضا يتولد الموت من جنسه، كإسهال دائم، ودق، بكسر أوله، وهو داء
يصيب القلب، ونحوهما (قوله: ولو لوارث) غاية في الصحة، أي صح إقراره ولو كان لوارث: أي على المذهب.
ومقابله طريقان، الطريق الأول عدم الصحة، وهو ما سيصرح به الشارح بقوله واختار الخ. والطريق الثاني، القطع
بالقبول، والغاية للرد على الطريق الأول وعلى الأئمة الثلاثة، لأنهم يقولون بعدم الصحة، كما في ق ل، والاعتبار في
كونه وارثا بحال الموت، فلو أقر لزوجته ثم أبانها ومات، لم يعمل بإقراره، ولو أقر لأجنبية ثم تزوجها، عمل بإقراره
(قوله: بدين أو عين) متعلق بإقرار، أي صح إقرار المريض بدين أو عين (قوله: فيخرج من رأس المال) مفرع على
صحة الاقرار من المريض، أي فيحسب ما أقر به من رأس المال، لا من الثلث (قوله: وإن كذبه) أي كذب المريض
المقر بقية الورثة. وهو غاية بالنسبة لاقراره لوارث (قوله: لأنه انتهى إلى حالة الخ) علة لصحة إقرار المريض ولو لوارث
(قوله: فالظاهر صدقه) أي صدق المريض فيما أقر به (قوله: لكن للوارث الخ) هذا الاستدراك يظهر بالنسبة لاقراره
لأجنبي، لأنه هو الذي خالف فيه القفال وغيره، كابن الملقن، وأما بالنسبة لاقراره لوارث، فبلا خلاف تحلف بقية الورثة
الوارث المقر له، فإن نكل، حلفوا، وقاسموه، وبدل عليه صنيع شيخه، فإنه ذكر هذا الاستدراك بعينه بعد قول المنهاج
ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي، وذكر بعد قوله أيضا وكذا يصح إقراره لوارث ما نصه، ولبقية الورثة تحليفه
أنه أقر له بحق لازم يلزمه الاقرار به الخ. اه‍. ومثله في النهاية، وحينئذ فكان الأولى للشارح أن يذكر لكل من إقرار
لأجنبي والاقرار لوارث ما يناسبه، لان صنيعه يقتضي أن الاستدراك الذي ذكره راجع لكل من الاقرار لأجنبي والاقرار
لوارث، وليس كذلك، كما علمت، (قوله: خلافا للقفال) أي فإنه قال ليس للوارث تحليف المقر له الأجنبي على
الاستحقاق، ووافقه في المغني حيث قال: ولو أراد الوارث تحليف المقر له على الاستحقاق لم يكن له ذلك، كما حكاه
ابن الملقن وأقره، ثم فرق بين هذا وبين ما لو أراد بقية الورثة أن تحلف الوارث المقر له، فإن لهم ذلك، ويجب على
المقر له أن يحلف بأن التهمة في الوارث أشد منها في الأجنبي (قوله: ولو أقر بنحو هبة) أي أقر المريض للوارث بنحو
هبة، كهدية وصدقة وإبراء. وقوله مع قبض، متعلق بمحذوف صفة لنحو هبة، أي نحو هبة مصحوب بقبضه للمقر له
وقوله في الصحة، متعلق بقبض، أو بمحذوف صفة، أي قبض كائن في حال صحته. وخرج به، ما لو أقر بأنه أقبضه في
حال مرضه، فإنه لا يصح إلا بإجازة بقية الورثة، كما سيصرح به، وقوله قبل، أي إقراره. قال في شرح الروض: فتحصل
البراءة بتقدير صدقه. اه‍. (قوله: وإن أطلق) أي لم يقيد القبض بكونه في الصحة بأن قال في حال مرضه
وهبت لوارثي
كذا وكذا وأقبضته إياه، ولم يقل في حال صحتي (قوله: أو قال) أي المريض، ومقوله جملة هذه ملك لوارثي (قوله: نزل

228
الخ) جواب إن، أي حمل ما ذكر من الهبة مع القبض. وقوله على حالة المرض، أي على أنه صدر منه حالة المرض
(قوله: فيتوقف على إجازة بقية الورثة) أي يتوقف نفوذ ما أقر به على إجازة بقية الورثة (قوله: كما لو قال الخ) الكاف
للتنظير، وهو مفهوم قوله مع قبض في الصحة، أي نظير ما لو قال المريض وهبته، أي وأقبضته في حال مرضي، فإنه
يتوقف نفوذه على إجازة بقية الورثة (قوله: واختار جمع الخ) هذا مقابل ما في المتن من صحة إقرار المريض، لكن
بالنسبة لما إذا كان للوارث، فهو مرتبط به. وفي المغني ما نصه.
(تنبيه) الخلاف في الصحة، وأما التحريم، فعند قصد الحرمان لا شك فيه، كما صرح به جمع، منهم القفال في
فتاويه وقال لا يحل للمقر له أخذه. اه‍. وقوله عدم قبوله، أي الاقرار للوارث، في حال مرضه. وقوله إن اتهم، أي المقر
بأن قصده حرمان بقية الورثة. وقوله لفساد الزمان، علة لمحذوف، أي والتهمة حاصلة الآن لفساد الزمان (قوله: بل قد
تقطع الخ) إضراب إبطالي، أي بل قد تفيد القرائن كذب المقر في إقراره قطعا، أي يقينا (قوله: فلا ينبغي) مفرع على ما
إذا قطعت القرائن بكذبه، أي وإذا قطعت القرائن بذلك، فلا يليق بمن يخشى الله، من القاضي أو المفتي، أن يقضي أو
يفتي بصحة إقراره (قوله: بالصحة) أي صحة الاقرار (قوله: ولا شك فيه) في عبارة النهاية والتحفة قبل قوله فلا ينبغي
زيادة لفظ قال الأذرعي، ثم قالا ولا شك فيه. قال ع ش: أي في قول الأذرعي. وحينئذ فيؤخذ منه أن ضمير فيه، في
عبارتنا، عائد على عدم انبغاء ما ذكر، وكان المناسب للشارح أن يريد تلك الزيادة مثلهما، وذلك لأنه إذا كان قوله فلا
ينبغي الخ من كلامه، فلا فائدة في قوله ولا شك فيه، لان ذاك مجزوم به، ولا يقال إن قوله فلا ينبغي مما اختاره جمع،
فهو من كلامهم، وقوله ولا شك من كلام نفسه، لأنا نقول لا يصح ذلك، لان مختار الجمع انتهى بقوله لفساد الزمان، كما
يدل عليه اعتراض الرشيدي على صاحب النهاية في تأخيره لفظ، قال الأذرعي، عن قوله بل قد تقطع الخ، قال
: كان
الأولى تقديمه، لأنه من كلام الأذرعي. فتنبه. وقوله إذا علم، أي من يخشى الله من القاضي أو المفتي إن قصد المقر
حرمان بقية الورثة (قوله: وقد صرح جمع بالحرمة) أي حرمة إقراره. وقوله حينئذ، أي حين إذ قصد الحرمان. وعبارة
فتح الجواد: وصرح جمع بتأثيمه إن قصد الحرمان، وليس بقيد إلا لمزيد الاثم، لاثمه بالكذب، وإن لم يقصد
حرمانا. اه‍. (قوله: وأنه لا يحل للمقر له أخذه) في الرشيدي: لا يخفى أن حل الاخذ وعدمه منوط بما في نفس
الامر. اه‍. (قوله: ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض) يعني لو أقر في حال صحته بدين لانسان وفي مرضه بدين
لآخر، لم يقدم الأول، بل يتساويان، كما لو ثبتا بالبينة، ولو أقر المريض لانسان بدين، ولو متفرقا، ثم أقر لآخر بعين أو
عكسه، قدم صاحبها، لان الاقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين (قوله: وصح إقرار بمجهول) قال في النهاية:
إجماعا، ابتداء كان أو جوابا لدعوى، لأنه إخبار عن حق سابق، فيقع مجملا ومفصلا. وأراد به ما يعم المبهم، كأحد
العبدين. اه‍. (قوله: كشئ أو كذا) تمثيل للمجهول (قوله: فيطلب من المقر تفسيره) أي للمجهول المقر به، فإن
امتنع منه فالصحيح أنه يحبس، لامتناعه من واجب عليه، فإن مات قبل التفسير، طولب وارثه به، ووقف جميع التركة
(قوله: فلو قال الخ) مفرع على محذوف، أي ويقبل تفسيره بما يقرب فهمه من اللفظ في معرض الاقرار فلو قال الخ
(قوله: علي شئ الخ) خرج به، ما لو قال له عندي شئ، فإنه يقبل تفسيره بنجس لا يقتنى، لأنه لا يشعر بالوجوب.
وقوله أو كذا، أي أو قال له علي كذا، وهي مركبة من اسم الإشارة وكاف التشبيه، ثم نقلت عن ذلك وصار يكنى بها عن
المبهم وغيره من العدد. وقوله قبل تفسيره بغير عبادة الخ، أي مما هو مال وإن لم يتمول، كفلس وحبة بر، أو غير مال،
كقود، وحق شفعة، وحد قذف، ونجس يقتنى، ككلب معلم، وزبل، وذلك لصدق اسم الشئ على ما ذكر. وخرج

229
بذلك، تفسيره بشئ من الثلاثة المذكورة، فلا يقبل، لبعد فهمها في معرض الاقرار، إذ لا يطالب بها أحد، مع أن شرط
المقر به أن يكون مما تجوز به المطالبة (قوله: ولو قال له علي مال) أفاد به وبالمثال السابق أن المجهول
تارة يكون
مجهولا من كل الوجوه، أي جنسا وقدرا وصفة، كالمثال السابق، أو من بعضها، أي قدرا وصفة، كهذا المثال، وقوله
قبل تفسيره بمتمول، أي مما يقابل بمال يسد مسدا ويقع موقعا، وضد غير المتمول وإن كان يسمى مالا فكل متمول مال،
ولا عكس، كحبة بر، وقوله وإن قل، أي ذلك المتمول كفلس فإنه يقبل تفسير المال به، ولا فرق في قبول تفسير المال
بما قل بين أن يطلق المال أو يصفه بنحو عظيم، كقوله مال عظيم أو كبير أو كثير، ويكون وصفه بالعظيم من حيث إثم
غاضبه وكفر مستحله. قال الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أصل ما أبني عليه الاقرار، أن ألزم اليقين وأطرح الشك، ولا
أستعمل الغلبة، أي لا أعول على الغالب، أي لا أبني عليها الأحكام الشرعية، كالمثال السابق، فإن الغالب فيه أنه مال
له وقع، فقبول تفسيره بما قل فيه عدم التعويل على الغالب. وقوله لا بنجس، أي لا يقبل تفسيره به، سواء كان يقتنى،
كزبل وكلب معلم، أو لا، كخنزير، وذلك لانتفاء صدق المال عليه (قوله: ولو قال) أي المقر، وقوله وما فيها، أي في
الدار من أثاث ونحوه. وقوله لفلان، خبر المبتدأ (قوله: صح) أي إقراره (قوله: واستحق) أي فلان المقر له. وقوله
جميع ما فيها، في العبارة حذف، أي الدار وجميع ما فيها. وقوله وقت الاقرار، الظرف متعلق بما تعلق به الجار
والمجرور قبله، أي استحق جميع ما كان فيها وقت الاقرار (قوله: فإن اختلفا) أي المقر والمقر له. وقوله في شئ أهو بها
وقته، أي وذلك الشئ بالدار وقت الاقرار أو لا؟ فالمقابل محذوف، والأول دعوى المقر له، والثاني دعوى المقر (قوله:
صدق المقر) أي حيث لا بينة. (وقوله: وعلى المقر له البينة) أي فإذا أتى بها صدق (قوله: وصح إقرار بنسب) وهو مع
الصدق واجب، ومع الكذب في ثبوته أو نفيه حرام من الكبائر، وما صح في الخبر من أنه كفر، محمول على مستحله، أو
على كفر النعمة، فإن حصول الولد له نعمة من الله، فإنكارها جحد لنعمته تعالى. وشرط في المقر أن يكون بالغا عاقلا،
ولو سكران، ذكرا مختارا، ولو سفيها، أو كافرا أو قنا، (قوله: ألحقه بنفسه) أي من غير واسطة. وإن ألحقه بغيره ممن
يتعدى النسب منه إليه، كهذا أخي أو عمي، شرط فيه، زيادة على ما ذكره من شروط الالحاق بنفسه، كون الملحق به
رجلا، كالأب والجد، بخلاف المرأة، لان استلحاقها لا يقبل، فبالأولى استلحاق وارثها. وكونه ميتا، بخلاف الحي،
ولو مجنونا، لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره وكون المقر لا ولاء عليه، فلو أقر من عليه ولاء بأب أو
أخ، لم يقبل، لتضرر من له الولاء بذلك، لان عصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء. وكونه وارثا، بخلاف غيره، كقاتل
ورقيق، وكونه حائزا لتركة الملحق به، واحدا كان أو أكثر، كابنين أقر بثالث، فيثبت نسبه، ويرث منهما ويرثان منه.
(قوله: كأن قال هذا ابني) ومثله أنا أبوه، لكن الأولى أولى، إذ الإضافة فيه إلى المقر (قوله: بشرط إمكان فيه) أي في
إلحاقه به (قوله: بأن لا يكذبه الخ) تصوير للامكان المذكور (قوله: بأن يكون) أي المستلحق بالفتح دونه، أي
المستلحق بالكسر، وبأن يكون أيضا غير ممسوح، وإلا لم يلحقه، لان الحس يكذبه (قوله: وبأن لا يكون الخ) تصوير
للشرعي، وما قبله للحسي، فهو على اللف والنشر والمشوش، فإن كان معروف النسب بغير المقر، فلا يثبت
الاستلحاق، وإن صدقه المقر به، لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل لغيره. قال في النهاية.
(واعلم) أن اشتراط عدم تكذيب المقر الحس والشرع، غير مختص بما هنا، بل هو شامل لسائر الأقارير. كما
علم مما مر أنه يشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرع، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى. اه‍. (قوله:
ومع تصديق) الأولى إسقاط لفظ مع. وقوله مستلحق، بفتح الحاء، أي غير منفي بلعان عن فراش، نكاح صحيح، فإن

230
كان كذلك، لم يصح لغير النافي استلحاقه. وقوله أهل له، أي للتصديق، بأن كان بالغا عاقلا حيا، وخرج به غيره،
كصبي ومجنون وميت، فلا يشترط تصديقه، بل لو بلغ الصبي بعد استلحاقه فكذب المستلحق له لم يبطل نسبه، لان
النسب يحتاط له، فلا يبطل بعد ثبوته (قوله: فإن لم يصدقه) أي بأن كذبه. وقوله أو سكت، أي لم يصدقه ولم يكذبه
(قوله: لم يثبت نسبه) أي المستلحق، بفتح الحاء، وقوله إلا ببينة، فإن لم توجد حلف المستلحق، بالكسر،
المستلحق، بالفتح، فإن حلف: سقطت دعواه، وإن نكل، حلف الأول وثبت نسبه، ولو تصادقا ثم رجعا لم يسقط
النسب (قوله: ولو أقر ببيع) أي بأن قال قد بعت عبدي من فلان (قوله: أو هبة وقبض) أي مع قبض، أي بأن قال وهبت
عبدي لفلان وقد قبضه بإذني. وقوله وإقباض، الواو بمعنى أو، ولو اقتصر على الأول لكان أخصر، إذ القبض إما بالاذن
من الواهب، أو بإقباضه له (قوله: بعدها) أي الهبة، ولا يشترط الاقرار بالقبض أو الاقباض بعد البيع، إذ حكمه باعتبار
اللزوم وعدمه لا يختلف بالنسبة إليه، بخلاف الهبة، فإنه يختلف، ولذا اشترط فيها الاقرار بذلك بعدها (قوله: فادعى
فساده) أي ما أقر به من البيع أو الهبة، وقال أقررت لظني صحة ذلك (قوله: لم يقبل) أي المدعي. وقوله في دعواه فساد،
متعلق بيقبل (قوله: لان الاسم) أي اسم المقر به من البيع أو الهبة، أي لفظه، وهو علة لعدم قبول الفساد منه. وقوله عند
الاطلاق، أي عند التقيد بكونه فاسدا. وقوله يحمل على الصحيح، أي على العقد الصحيح (قوله: نعم: إن قطع الخ)
استدراك على عدم قبول ذلك منه. وقوله ظاهر الحال، أي حال المدعي لذلك (قوله: كبدوي جلف) تمثيل للذي قطع
ظاهر الحال بصدقه. وفي المصباح: الجلف العربي الجافي. ونقل ابن الأنباري أن الجلف: جلد الشاة والبعير، وكأن
المعنى العربي بجلده لم يتزي بزي الحضر في رقتهم ولين أخلاقهم، فإنه إذا تزيى بزيهم وتخلق بأخلاقهم، كأنه نزع
جلده ولبس غيره. اه‍. والذي يظهر، أن المراد به هنا الجاهل الذي لا يميز بين الصحيح والفاسد، فظن الصحة أولا
فيما أقر به، ثم أخبره بأنه فاسد، فادعى فساده (قوله: فينبغي قبول قوله) جواب إن. وقوله كما قاله شيخنا: مثله في
النهاية (قوله: وخرج بإقباض) كان الأولى أن يقول وخرج بقبض وإقباض، لأنه ذكرهما في المتن. (وقوله: ما لو اقتصر
على الهبة) أي بأن قال وهبته كذا ولم يقل وأقبضته (قوله: فلا يكون الخ) تفريع على ما لو اقتصر على ذلك. وقوله مقرا
بإقباض يقال فيه، وفيما سيأتي، مثل ما قيل فيما مر آنفا (قوله: فإن قال) أي المقتصر على الهبة. (وقوله: ملكها ملكا
لازما) أي بأن قال وهبت دابتي له وملكها ملكا لازما (قوله: وهو يعرف معنى ذلك) أي معنى قوله ملكها ملكا لازما: أي
ما يترتب على ذلك، وهو أن المتهب له أن يتصرف كيف شاء في الموهوب، وليس للواهب الرجوع فيه،
وذلك لا يكون
إلا بعد القبض، فلذلك كان قوله المذكور، بمنزلة قوله وأقبضته إياه (قوله: كان) أي القائل ذلك في صيغة الاقرار (قوله:
وله تحليف المقر له) أي ومع عدم قبول دعوى الفساد منه له أن يحلف المقر له بأن ما أقر به من البيع والهبة ليس فاسدا.
(وقوله: لامكان ما يدعيه) أي لاحتمال ما يدعيه، أي وقد يخفى المفسد أو يغفل عنه (قوله: ولا تقبل ببينته) أي مدعي
الفساد. (وقوله: لأنه كذبها) أي البينة. (وقوله: بإقراره) أي المقتضي لصحة ما أقر به (قوله: فإن نكل) أي امتنع المقر
له من الحلف على عدم الفساد (قوله: حلف المقر أنه) أي ما ذكر من البيع والهبة (قوله: وبطل) أي حكم ببطلانه. وقوله
البيع أو الهبة، المحل للاضمار (قوله: لان اليمين المردودة الخ) علة للبطلان. وقوله كالاقرار، أي من المقر له، أي كأنه

231
أقر بالفساد. اه‍. بجيرمي (قوله: ولو قال) أي المقر. وقوله هذا، أي الثوب أو البيت أو نحوه (قوله: بل لعمرو) أي أو
ثم لعمرو (قوله: أو غصبت الخ) أي أو قال غصبت هذا الشئ من زيد بل من عمرو (قوله: سلم) أي المقر به لزيد لسبق
الاصرار له (قوله: سواء قال ذلك) أي ما ذكر من قوله بل لعمرو في الصورة الأولى، ومن قوله بل من عمرو في الصورة
الثانية، وهو تعميم في تسليمه لزيد (قوله: وإن طال الزمن) غاية في المنفصل (قوله: لامتناع الرجوع الخ) علة لتسليمه
لزيد، أي وإنما سلم لزيد ولم يسلم لعمرو لامتناع الخ (قوله: وغرم بدله) أي بدل ما سلم لزيد، أي من مثل في المثلي
وقيمة في المتقوم عند ابن حجر، أو من القيمة مطلقا عند الرملي، وذلك لحيلولته بينه وبين ملكه بإقراره الأول (قوله: ولو
أقر بشئ ثم أقر ببعضه) كأن أقر بألف ثم بخمسائة. (وقوله: دخل الأقل في الأكثر) أي لأنه يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر
به، ولو أقر بألف ثم أقر له بألف، ولو في يوم آخر، لزمه ألف فقط، وإن كتب بكل وثيقة محكوما بها، لأنه لا يلزم من تعدد
الخبر تعدد المخبر عنه. ولو وصفها بصفتين، كألف صحاح وألف مكسرة، أو أسندهما إلى جهتين، كثمن مبيع مرة وبدل
قرض أخرى، لزم القدران لتعذر اتحادهما حينئذ. ومثل ذلك، ما لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة، ثم قال قبضت منه
يوم الأحد عشرة، فيلزمه القدران (قوله: ولو أقر بدين) أي بأن قال في ذمتي لفلان كذا (قوله: ثم ادعى) أي المقر. وقوله
أداء، أي الدين إليه. وقوله وإنه نسي ذلك حالة الاقرار، أي نسي أنه أدى الدين فأقر به ظانا أنه لم يؤده (قوله: سمعت
دعواه للتحليف) أي بالنسبة لتحليف المقر له على نفي الأداء رجاء أن ترد اليمين عليه فيحلف المقر ولا يلزمه شئ، فإن
حلف المقر له على نفي الأداء، لزمه المقر به، ما لم تقم بينة على الأداء فلا يلزمه، وقوله فقط، أي لا بالنسبة لسقوط
المقر به عنه بنحو دعواه (قوله: فإن أقام) أي مدعي الأداء (قوله: قبلت) أي البينة، ولو حلف المقر له (قوله: على ما أفتى
به بعضهم) مثله في التحفة، وظاهره التبري منه، ولكن كتب سم عليه ما نصه: اعتمده م ر. اه‍. (قوله: لاحتمال ما
قاله) أي من ادعاء الأداء. قال في التحفة بعده: فلا تناقض (قوله: كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع) أي فإنها
تقبل. قال في التحفة عقبه: وفيه، أي في القياس على ما ذكر، نظر، والفرق ظاهر، إذ كثيرا ما يكون للانسان بينة ولا
يعلم بها، فلا ينسب لتقصير، بخلاف مسألتنا اه‍. (قوله: ولو قال لا حق لي الخ) في الروض وشرحه، وإن قال زيد لا
حق لي فيما في يد عمرو، ثم قال زيد، وقد ادعى عينا في يد عمرو، لم أعلم كون هذه العين في يده حين الاقرار صدق
بيمينه، لاحتمال ما قاله. اه‍. وهي لا تفيد التفصيل الذي ذكره الشارح (قوله: ففيه خلاف) في عبارته حذف قبل هذا،
وهو ثم ادعى أن له حقا عنده، وكان الأولى ذكره (قوله: والراجح منه) أي من الخلاف. وقوله أنه إن قال، أي بعد قوله
أولا لا حق لي. وقوله ثم أقام، أي المقر أولا بأنه لا حق له على فلان (قوله: قبلت) أي البينة، وهو جواب إن (قوله: وإن
لم يقل ذلك) أي المذكور من قوله فيما أظن أو فيما أعلم (قوله: لم تقبل بينته) أي لأنها تناقض إقراره، وإنما لم يوجد
التناقض فيما إذا قال ذلك، لأنه لا يلزم من نفي علمه أو ظنه بأن له عند فلان كذا أنه ليس له ذلك
في الواقع، فقد يكون له في الواقع شئ، مثلا، وهو لم يعلم به، فيقر بأنه ليس له كذا عند فلان ثم يعلم به ويدعيه ويقيم بينة عليه (قوله: إلا إن
اعتذر بنحو نسيان) أي نسيان لما ادعى به أنه عند فلان وقوله أو غلط ظاهر، أي في قوله لا حق لي، بأن قال مثلا أردت أن
أقول لي عنده كذا فغلطت وقلت لا حق لي عنده.

232
(تتمة) يصح الاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها في الاقرار كغيره بشروط، الأول وصل المستثني بالمستثنى منه عرفا،
فلا يضر سكتة تنفس وعي وانقطاع صوت، بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي، ولو يسيرا، الثاني أن ينويه قبل
فراغه من المستثنى منه، وإلا لزم رفع الاقرار بعد لزومه. الثالث عدم استغراق المستثني للمستثنى منه، فإن استغرقه،
نحو له علي عشرة إلا عشرة، لم يصح، ما لم يتبعه باستثناء آخر غير مستغرق نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا خمسة،
فيصح، ويلزمه خمسة. ثم إنه لا فرق في صحة الاستثناء بين أن يكون متصلا، نحو له علي عشرة إلا خمسة، أو منقطعا،
نحو له علي ألف إلا ثوبا، ولا فرق أيضا بين تأخير المستثني عن المستثنى منه أو تقديمه عليه، نحو له علي إلا عشرة
مائة، ولا فرق أيضا بين الاثبات والنفي. فلو قال ليس له علي شئ إلا عشرة، لزمه عشرة. ولو قال ليس له علي عشرة إلا
خمسة، لم يلزمه شئ، لان العشرة إلا خمسة، عبارة عن خمسة، فكأنه قال ليس له علي خمسة. وإذا تكرر الاستثناء
بعطف، فالكل من الأول، نحو له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا الأربعة، فمجموع المستثنى سبعة، وهو مستثنى من العشرة،
فيلزمه ثلاثة أو بغير عطف، فكل واحد مستثنى مما قبله، فلو قال علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة
إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا، لزمه خمسة. وطريق معرفة ذلك، أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله، ثم تخرج ما
بقي مما قبله، وهكذا، ففي هذا المثال تخرج الواحد من الاثنثن وما بقي من الثلاثة وما بقي من الأربعة، وهكذا حتى
تنتهي إلى الأول، فما بقي، فهو المقر به. ولك أن تخرج الواحد من الثلاثة، وما بقي من الخمسة، وهكذا مقتصرا على
الأوتار. وهذا أسهل من الأول ومحصل للمطلوب. ولك طريق أخرى، وهي أن الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي
إثبات، فالمعنى له علي عشرة تلزم إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم، وهكذا. فتجمع الاعداد المثبتة، وكذلك المنفية، ثم
تسقط مجموع المنفية من مجموع المثبتة، فالاعداد المثبتة، في المثال المذكور، ثلاثون، والمنفية خمسة وعشرون،
فإذا أسقطت المجموع من المجموع، بقي خمسة، وهي المقر به.
(ظريفة): قال السيوطي: دخل أبو يوسف على الخليفة هارون الرشيد وعنده الكسائي فقال أبو يوسف له: لو تفقهت
لكان أنبل لك. فقال يا أبا يوسف: ما تقول في رجل أقر لفلان بلفظ علي مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهما واحدا،
كم ثبت عليه من الاقرار؟ فقال: تسعة وثمانون. فقال الكسائي له، أخطأت. فقال ولم؟ قال: لان الله تعالى يقول:
* (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * فهل كانت
المرأة مستثناة من الآل أو من القوم؟ قال من الآل. قال كم ثبت حينئذ عليه من الاقرار؟ فقال: أحد وتسعون. اه‍. والله
سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة الحجر، الآية: 58.
233
باب في الوصية
أي في بيان أحكامها. وقدمها على الفرائض لأنه هو الأنسب، إذ الانسان يوصي ثم يموت ثم تقسم تركته.
وأكثرهم أخرها عنها لان قبولها وردها ومعرفة قدر الثلث ومن يكون وارثا متأخر عن الموت، ولان الفرائض أقوى وأهم
منها، إذ هي ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها، وهذه عارضة فقد توجد وقد لا توجد، والأصل فيها قبل الاجماع،
قوله تعالى، في أربعة مواضع، * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (1) وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها، ولان النفس
قد لا تسمح بها لكونها تبرعا، وإلا فهو مقدم عليها شرعا بعد مؤن التجهيز. وأخبار، كخبر ابن ماجة: المحروم من حرم
الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكالخبر الذي ساقه الشارح. وكانت
أول الاسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين، لقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * (2) ثم نسخ بوجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث
فأقل لغير الوارث، وإن قل المال وكثر العيال، قال الدميري، رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو، أن من مات بغير وصية
لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه، فيقول بعضهم لبعض، ما بال هذا؟ فيقال مات من
غير وصية اه‍. قال ع ش: ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة، بأن نذرها، أو خرج
مخرج
الزجر. اه‍. وأركانها أربعة: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وكلها بشرائطها تعلم من كلامه (قوله: هي لغة
الايصال) أي أنه الوصية في اللغة معناها الايصال (قوله: من وصى) أي أن الوصية مأخوذة من وصى، وهو بالتخفيف،
كوعى، ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه (قوله: لان الموصي الخ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي، لأنه توجيه
لتسميته وصية. اه‍. بجيرمي (قوله: وصل خير دنياه بخير عقباه) الإضافة فيهما على معنى في: أي وصل الخير المنجز
الواقع منه في الدنيا، وهو الطاعات الواقعة منه حال حياته التي من جملتها الاتيان بصيغة الوصية بالخير الواقع في آخرته
المسبب عما قبله في حال حياته، فإذا قال أوصيت له بكذا، أو أوصيت بعتق هذا العبد، فهذا خير واقع منه في دنياه،
وإعطاء الموصى له الوصية بعد الموت أو إعتاق الوارث بعده خير عقباه، لا يقال القربة الصادرة من الموصي ليست إلا
الوصية وهي في حياته، والواقع بعد موته إنما هو أثر ذلك، وهو وصول الموصي به للموصى له أو إعتاق العبد، وهذا الأثر
ليس فعل الموصي، لأنا نقول إنما نسب ذلك إليه لتسببه فيه، كما أشرنا إليه، فقد حصل له بإيصائه خير بعد موته، وصدر
منه في حياته خير، وقد وصل أحدهما بالآخر، ويحتمل أن المراد أنه وصل خير دنياه، أي تمتعه في الدنيا بالمال، بخير
عقباه، أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال، وعلى كل، ففي العبارة قلب، والأصل وصل خير عقباه بخير دنياه،
لان الوصلة تقع بعده فالذي يوصل هو المتأخر، وقد يقال لا حاجة لذلك لان الايصال أمر نسبي، فكل منهما متصل
بالآخر. اه‍. ش ق (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: مضاف) بالرفع صفة لتبرع، وبالجر صفة لحق، وهو



(1) سورة النساء، الآية: 11.
(2) سورة البقرة، الآية: 180.
234
الأولى، لان التبرع في الحال، والحق إنما يعطى للموصى له بعد الموت، فهو المضاف لما بعد الموت، لا التبرع، ثم
إن إضافته لما بعد الموت: إما حقيقة: كأعطوه كذا بعد موتي، أو تقديرا: كأوصيت له بكذا، فكأنه قال: بعد موتي، لان
الوصية لا تكون إلا بعد الموت. وزاد شيخ الاسلام وغيره في التعريف: ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة، لان كلا منهما
ليس بوصية وإن التحقا بها حكما من حيث الاعتبار من الثلث بدليل أنهما لا يتوقفان على القبول، ولا يقبلان الرجوع
بالقول، وإن قبلا الرجوع بالفعل، كبيع ونحوه ولو كانا من قبيل الوصية لصح الرجوع عنهما بالقول (قوله: وهي سنة
مؤكدة إجماعا) وقد تباح، كالوصية للأغنياء وللكافر والوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، وعليه حمل قول
الرافعي إنها ليست عقد قربة. وقد تجب، كما إذا نذرها، أو ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده. وقد تحرم كما إذا
غلب على ظنه أن الموصى له يصرف الموصى به في معصية، وكما إذا قصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث. وقد تكره،
كما إذا لم يقصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث، وسيذكرهما، فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله: وإن كانت الخ) غاية
في تأكد الوصية، أي هي مؤكدة، وإن كانت الصدقة المنجزة في حال صحته ثم في حال مرضه أفضل من الوصية. وقوله
فمرض، أفاد بالفاء الترتيب في الفضل، فهي في حال الصحة أفضل منها في حال المرض، لخبر الصحيحين: أفضل
الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا
ولفلان كذا (قوله: فينبغي أن لا يغفل عنها) أي الوصية. وقوله ساعة: أي وقتا ما (قوله: كما صرح به) أي بالانبغاء
المذكور (قوله: ما حق امرئ الخ) ما نافية، وحق مبتدأ خبره ما بعد إلا، وجملة له شئ، صفة لامرئ، وجملة يوصي
فيه، صفة لشئ، وجملة ببيت، صفة ثانية لامرئ، وهي من بات التامة. ويحتمل أنها هي خبر المبتدأ، وما بعد إلا
حال، وهو الأولى، لان الخبر لا يقترن بالواو، وإن كان الأول هو مقتضى حل الشارح. والمعنى عليه: ما الحزم والرأي
حقه أن يبيت ليلة أو ليلتين إلا في هذه الحالة المذكورة لا في غيرها والليلة والليلتان ليستا للتقييد، فالمراد أنه لا يمضي
عليه زمن إلا في هذه الحالة، وقوله مكتوبة عند رأسه، أي مع الاشهاد عليها لان الكتابة بلا إشهاد لا عبرة بها، لما ذكروه
في الوديعة أنه لا عبرة بخط ميت على شئ أن هذا وديعة فلان أو في دفتره أن لفلان عندي كذا وديعة، لاحتمال التلبيس.
ولو اقتصر على الاشهاد كفى، ولكن السنة الجمع بين الكتابة والشهادة (قوله: أي ما الحزم الخ) تفسير
لحاصل معنى
الخبر. والحزم هو الرأي السديد. (وقوله: أو المعروف) أي المطلوب. (وقوله: إلا ذلك) أي أن يبيت ووصيته مكتوبة
عند رأسه (قوله: لان الانسان الخ) علة لكون الحزم والمعروف شرعا ذلك، أي وإنما كان الحزم والمعروف شرعا
للانسان ذلك، لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، ولا يخلو غالبا من أن يكون له أو عليه حقوق فتضيع ورثته أو يضيع
أرباب الحقوق من حقهم الذي عنده إذا لم يكن بينة. وينبغي له أن يعدل في وصيته لما روى الإمام أحمد والدارقطني أن
رسول الله (ص) قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، فإذا جار في وصيته، فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، وإن
الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة (قوله: وتكره الزيادة
الخ) المناسب تأخير هذه المسألة وذكرها بعد قوله وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على الثلث الخ،
وإذا كرهت الزيادة على الثلث. قال سم: فلا يقال فلتبطل الوصية حينئذ، لان الوصية بالمكروه هنا وقعت تابعة للوصية
بالأصل التي هي غير مكروهة، بل مطلوبة، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره. اه‍. (قوله: وإلا حرمت) أي وإن
قصد حرمان ورثته حرمت، وضعف الحرمة في التحفة، واعتمد الكراهة مطلقا، وعبارتها، بعد قول المنهاج ينبغي أن لا
يوصي بأكثر من ثلث، ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه، وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك
حرمان ورثته، كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل، وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا، أما

235
الثلث، فلان الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه، فلم يؤثر قصده به ذلك. وأما الزائد عليه، فهو إنما ينفذ إن
أجازوه، ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان، فهو لا يؤثر قصده. اه‍. وقوله كما علم مما قدمته الخ: عبارته هناك.
(فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر،
من غير واحد، الافتاء ببطلان الوقف حينئذ، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه، الصحة. أما أولا فلم نسلم أن قصد الحرمان
معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا
حرمة فيه ولو لغير عذر؟ وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم الخ. اه‍. (قوله: تصح وصية الخ) شروع في بيان
شروط الموصي الذي هو أحد الأركان الأربعة (قوله: مكلف حر مختار) أي وإن كان مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو
حجر عليه على المذهب لصحة عبارته أو كان كافرا ولو حربيا (قوله: عند الوصية) قيد في الكل، فالعبرة باستكمال
الشروط عند الوصية (قوله: فلا تصح من صبي الخ) شروع في محترزات القيود، وإنما تصح منهم لعدم صحة عبارتهم
ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه. وقوله ورقيق، أي كله، وأما المبعض فتصح منه بما ملكه ببعضه الحر لوجود أهليته والقول
بعدمها، لأنه يستعقب الولاء وهو من غير أهله ممنوع، لأنه إن عتق قبل موته فذاك، وإلا فقد زال رقه بموته. أفاده م ر.
وقوله ولو مكاتبا، أي ولو كان الرقيق مكاتبا. وقوله لم يأذن له السيد، أما إذا أذن له فتصح منه (قوله: ولا من مكره) أي ولا
تصح من مكره كسائر العقود (قوله: والسكران) أي المتعدي. اه‍. سم. وقوله كالمكلف، أي فتصح وصيته (قوله:
وفي قول تصح من صبي مميز) أي لأنها لا تزيل الملك حالا، ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير
المال. اه‍. تحفة (قوله: لجهة حل) متعلق بوصية، وهو شروع في بيان الموصى له. وأفاد بالإضافة اشتراط عدم
معصية في الوصية له إذا كان جهة، ومثلها ما إذا كان غير جهة، وإن كان ظاهر صنيعه يوهم خلافه، فيشترط فيه عدم
المعصية أيضا. وشرط فيه أيضا كونه موجودا معينا أهلا للملك حين الوصية، فلا تصح لكافر بنحو مسلم أو مصحف،
ولا لحمل سيحدث لعدم وجوده، ولا لميت لأنه ليس أهلا للملك، ولا لاحد هذين الرجلين لابهامه، كما سيذكره، ولا
فرق في جهة الحل بين أن تكون قربة، كالفقراء وبناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ
أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة أو التبرك بها، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية
للأغنياء، وفك أسارى الكفار من المسلمين (قوله: كعمارة مسجد الخ) تمثيل لجهة الحل، أي كأن قال
أوصيت بمالي
هذا ليعمر به المسجد الفلاني (قوله: ومصالحه) أي المسجد، وهو عطف عام على خاص (قوله: وتحمل) أي الوصية.
وقوله عليهما، أي على العمارة وعلى المصالح (قوله: عند الاطلاق) أي إطلاق الوصية وعدم تقييدها بعمارة أو مصالح.
وقوله بأن قال الخ: تصوير للاطلاق (قوله: ولو غير ضرورية) أي ولو كانت المصالح الشاملة للعمارة غير ضرورية: أي
لازمة لنحو المسجد (قوله: عملا بالعرف) علة للحمل عليهما عند الاطلاق (قوله: ويصرفه الناظر) أي يصرف الموصى
به للمسجد للأهم والأصلح من المصالح. قال ع ش: فليس للوصي الصرف بنفسه، بل يدفعه للناظر أو لمن قام مقام
الناظر. ومنه ما يقع الآن من النذر لامامنا الشافعي رضي الله عنه أو غيره من ذوي الأضرحة المشهورة، فيجب على الناظر
صرفه لمتولي القيام بمصالحه، وهو يفعل ما يراه فيه. ومنه أن يصنع بذلك طعاما أو خبزا لمن يكون بالمحل المنذور عليه
التصدق من خدمته الذين جرت العادة بالانفاق عليهم لقيامهم بمصالحه اه‍. (قوله: وهي) أي الوصية. وقوله للكعبة،
أي بأن قال أوصيت بمالي للكعبة. وقوله وللضريح النبوي، أي القبر النبوي. وقوله تصرف لمصالحهما، أي الكعبة
والضريح النبوي. وفي ع ش: لو أوصى بدراهم لكسوة الكعبة أو الضريح النبوي وكانا غير محتاجين لذلك حالا وفيما
شرط من وقفه لكسوتهما ما يفي بذلك، فينبغي أن يقال بصحة الوصية، ويدخر ما أوصى به أو تجدد به كسوة أخرى، لما

236
في ذلك من التعظيم. اه‍. (قوله: كترميم ما وهي من الكعبة) أي سقط منها، وهو تمثيل للمصالح الخاصة بالكعبة.
وكان المناسب أن يزيد، ومن البناء الكائن على الضريح النبوي، حتى يصير تمثيلا للمصالح الخاصة بالضريح النبوي
أيضا (قوله: دون بقية الحرم) أي أرض الحرم، فلا يصرف في مصالحه. ويقال بالنسبة للضريح النبوي دون الأستار
الخارجة عنه. ولو أوصى للحرم ويصرف في مصالح الكعبة وبقية الحرم (قوله: وقيل في الأولى) هي الوصية للكعبة.
وقوله لمساكين مكة، أي يصرف لهم (قوله: قال شيخنا) عبارته. ويظهر أخذا مما تقرر، أي من صحة الوصية للضريح
النبوي وللكعبة، ومما قالوه في النذر للقبر المعروف بجريان صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، ويصرف في
مصالح قبره، والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤون عليه. ويؤيد ذلك ما مر آنفا من صحتها ببناء قبة على قبر
ولي. اه‍. (قوله: صحة الوصية) فاعل يظهر. وقوله كالوقف، أي كصحته (قوله: لضريح الشيخ الفلاني) متعلق بكل
من الوصية ومن الوقف (قوله: وتصرف) أي الوصية بمعنى الموصى به. ولو قال ويصرف، بالياء، كما في التحفة، لكان
أولى. (وقوله: في مصالح قبره) أي كترميم وإسراج ونحوهما (قوله: والبناء الجائز عليه) أي على القبر، كقبة، والعطف
من عطف المغاير، إن لم تجعل المصالح شاملة له، وإلا كان من عطف الخاص، والبناء الجائز هو أن يكون في غير
مسبلة، كما سيأتي (قوله: ومن يخدمونه) أي وتصرف لمن يخدمون الضريح بكنسه وخدمة الزوار وإسراج المصابيح فيه
المحتاج إليها. وفي سم، هل يجري هذا في الوصية للكعبة والضريح النبوي كما هو قياسه؟ اه‍. (قوله: أو يقرؤون
عليه) أي ولمن يقرؤون على الضريح. قال ع ش: هل المراد من اعتاد القراءة عليه كالاسباع التي اعتيد قراءتها في
أوقات مخصوصة، أو لكل من اتفقت قراءته عليه وإن لم يكن له عادة بها؟ فيه نظر. ولا يبعد الأول. اه‍. (قوله: أما إذا
قال للشيخ الفلاني) أي أوصيت به للشيخ الفلاني أو أوقفته عليه (قوله: ولم ينو ضريحه) أي صرفه لمصالح ضريحه،
وتعلم النية بإخباره. قال ع ش: وشمل قوله ولم ينو، ما لو أطلق وقياس الصحة عند الاطلاق في الوقف على المسجد
الصحة هنا، ويحل على عمارته ونحوها. اه‍. وقوله ونحوه، أي ولم ينو نحو الضريح، أي صرفه لنحوه، كالبناء عليه،
أو من يخدمونه، أو يقرؤون عليه (قوله: فهي) أي الوصية لما ذكر. وقوله باطلة، أي لأنها تمليك، وتمليك المعدوم
ممتنع (قوله: ولو أوصى لمسجد سيبني) أي بأن قال أوصيت بهذا المال ليصرف في مصالح المسجد الذي سيبني (قوله:
لم تصح) أي الوصية، لما مر آنفا من أنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: إلا تبعا) أي للموجود، فإنها تصح:
كأوصيت لمسجد فلان وما سيبني من المساجد (قوله: وقيل تبطل الخ) مرتبط بقوله وتحمل عليهما عند الاطلاق
، بأن قال
أوصيت به للمسجد، فكان الأولى ذكره عقبه، وليس مرتبطا بقوله ولو أوصى لمسجد سيبني، كما هو ظاهر، وعبارة
المنهج وشرحه، وتحمل عند الاطلاق عليهما عملا بالعرف. فإن قال أردت تمليكه، فقيل تبطل الوصية. وبحث الرافعي
صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا. قال النووي: هذا هو الأفقه الأرجح. اه‍. ومثلها عبارة المغني ونصها بعد قول
المنهاج وكذا إن أطلقت على الأصح، ويحمل على عمارته ومصالحه.
(تنبيه) سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد، ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة، ثم قال
ولك أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية. قال المصنف، وهو الأفقه الأرجح. وقال
ابن الرفعة: في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد. وقال ابن الملقن، وبه صرح القاضي في تعليقه،

237
والكعبة في ذلك كالمسجد، كما صرح في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي. اه‍. وقوله بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا،
أي بأن اللفظ المشتمل على قوله للمسجد يكون ملكا والمشتمل على قوله عليه يكون وقفا، فالتعبير باللام يفيد الملك،
وبعلى يفيد الوقف (قوله: وكعمارة) عطف على كعمارة مسجد. وقوله نحو قبة، أي كقنطرة. وقوله على قبر نحو عالم،
كنبي وولي. وعبارة النهاية: وشمل عدم المعصية القربة كعمارة المساجد ولو من كافر، وقبور الأنبياء والعلماء
والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة والتبرك بها. ولعل المراد به، أي بتعمير القبور، أن تبنى على قبورهم القباب
والقناطر، كما يفعل في المشاهد، لا بناء القبور نفسها، للنهي عنه. اه‍. باختصار. وقوله في غير مسبلة، متعلق
بعمارة، أي عمارة ذلك في غير مقبرة مسبلة، بأن كانت مملوكة لنحو ذلك الولي أو لمن دفنه فيها، فإن كانت مسبلة أو
موقوفة، حرم ذلك لما فيه من التضييق (قوله: ووقع) أي وجد. وقوله ولو أوصى الخ: فاعل الفعل (قوله: بطلت الوصية)
قال في التحفة: ولعله بناه على أن الدفن في البيت مكروه، وليس كذلك ومثله في النهاية (قوله: وخرج بجهة حل جهة
المعصية) أي فالوصية لها باطلة، وذلك لان القصد منها تدارك ما فات في حال الحياة من الاحسان، فلا يجوز أن يكون
معصية (قوله: كعمارة كنيسة) أي كالوصية لعمارة كنيسة، أي لأجل التعبد فيها فلا يجوز، لأنها معصية. أما كنيسة تنزلها
المارة، أو موقوفة على قوم يسكنونها، أو تحمل أجرتها للنصارى، فتجوز. وحكى الماوردي وجها إنه إن خص نزولها
بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي. ولو وصي ببنائها لنزول المارة والتعبد معا، لم يصح في أحد وجهين. ويظهر ترجيحه
تغليبا للحرمة، وسواء أوصى لما ذكر مسلم أو كافر، بل قيل إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة، ولا تصح أيضا
الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة، وقوله وإسراج فيها، أي وكالوصية لإسراج في الكنيسة فلا تجوز، ومحله
إذا كان ذلك بقصد تعظيمها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها فهي جائزة، وإن خالف في ذلك
الأذرعي. أفاد ذلك كله في المغني (قوله: وكتابة نحو توراة) أي وكالوصية لكتابة نحو توراة كإنجيل فلا يجوز، ومثل
الكتابة القراءة. قال ع ش: أي ولو غير مبدلين، لان فيه تعظيما لهم. اه‍ (قوله: وعلم محرم) أي وكتابة علم محرم
كأحكام شريعة اليهود والنصارى وكتب النجوم والفلسفة، ومثل الكتابة القراءة، فالوصية لها باطلة أيضا (قوله: وتصح
لحمل الخ) هذا مرتب على ما إذا كان الموصى له غير جهة الذي هو عديل قوله لجهة، فكان الأولى والاخصر أن يأتي به
وشرطه، ثم يفرع عليه ما ذكر، كأن يقول مثلا ولغير جهة بشرط أن يكون موجودا حال الوصية يقينا فتصح لحمل الخ، كما
صنع في المنهاج، وعبارته، وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية، أو لشخص فالشرط أن يتصور له الملك،
فتصح لحمل، وتنفذ إن انفصل حيا وعلم وجوده عندها. اه‍ (قوله: موجود) أي معين، وسيبين محترزه (قوله: فتصح
لحمل) أي حرا كان أو رقيقا من زوج أو شبهة أو زنا، وهو مفرع على وجوده حال الوصية يقينا، وكان الأولى، والاخصر
أن يحذف هذه الجملة ويقتصر على ما بعدها ويذكر بعنوان التصوير، كأن يقول بأن انفصل الخ ويكون عليه قوله الآتي لا
لحمل سيحدث معطوفا على قوله لحمل في المتن. فتنبه. وقوله انفصل، أي وتنفذ إن انفصل، كما يعلم من عبارة
المنهاج المارة آنفا، وقوله وبه حياة مستقرة، أي والحال أن فيه حياة مستقرة، فإن انفصل وليست فيه، لم يستحق شيئا
(قوله: لدون ستة أشهر) أي وإن كانت فراشا لزوج أو سيد، لأنها أقل مدة الحمل، فيعلم أنه كان موجودا عندها. اه‍.
تحفة (قوله: أو لأربع سنين) أي أو انفصل لأربع سنين، فإن انفصل لأكثر من أربع سنين لا يستحق شيئا، للعلم بحدوثه
بعدها. وقوله فأقل، أي من أربع سنين صادق بما إذا انفصل لدون ستة أشهر، وليس مرادا، لأنه قد صرح به فيما قبله،
بل المراد ما انفصل لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين (قوله: ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد) قيد في المعطوف،
أعني قوله انفصل لأربع سنين فأقل فقط، لما علمت من التحفة أنه إذا انفصل لدون ستة أشهر لا فرق فيه بين أن تكون

238
فراشا وبين أن لا تكون كذلك. وخرج به ما إذا كانت فراشا لمن ذكر فإنه لا يستحق شيئا، لاحتمال حدوثه من ذلك
الفراش بعد الوصية. وفي البجيرمي نقلا عن ق ل، المراد بالفراش وجود وطئ يمكن كون الحمل منه بعد وقت الوصية،
وإن لم يكن من زوج أو سيد بل الوطئ ليس قيدا إذ المدار على ما يحال عليه وجود الحمل. اه‍. (قوله: وأمكن كون
الحمل منه) الجملة حال من فراشا أي فراشا حال كونه يمكن أن يكون ذلك الحمل المنفصل لأربع سنين فأقل منه.
وعبارة شرح المنهج أمكن، بإسقاط الواو وهو الأولى، وعليها فالجملة صفة لفراشا، أي فراشا موصوفا بإمكان كون
الحمل منه، فإن كانت فراشا له لكن لا يمكن أن يكون ذلك الحمل منه، بأن يكون ذو الفراش ممسوحا، كان كالعدم
واستحق الموصى به (قوله: لأن الظاهر الخ) علة لصحة الوصية للحمل بالنسبة لما إذا انفصل لأربع سنين فأقل. وقوله
وجوده أي الحمل عندها أي الوصية (قوله: لندرة وطئ الشبهة) علة للعلة. قال البجيرمي: أي من غير ضرورة تدعو إلى
ذلك فلا يرد ما إذا ولدته لدون ستة أشهر ولم تكن فراشا فيتعين حمله على وطئ الشبهة أو الزنا. اه‍. (قوله: نعم: لو لم
تكن فراشا قط) أي لا قبل الوصية ولا بعدها. وفي البجيرمي ما نصه: هذا الاستدراك خرج مخرج التقييد لما سبق كأنه
قال هذا إذا عرف لها فراش سابق ثم انقطع، فإن لم يكن لها فراش أصلا لم تصح الوصية لانتفاء الظهور وانحصار الطريق
في وطئ الشبهة أو الزنا. ح ل. اه‍. وقوله لم تصح الوصية قطعا، أي لاحتمال وجوده معها أو بعدها من
وطئ شبهة أو
زنا، ولا يرد ما تقدم من أن وطئ الشبهة نادر وفي تقدير الزنا إساءة ظن، لان محل ذلك ما لم يضطر إليه، كما تقدم آنفا عن
البجيرمي - (قوله: لا لحمل سيحدث) معطوف على الحمل، أي لا تصح الوصية للحمل الذي سيوجد، وهذا محترز
قوله موجود (قوله: وإن حدث الخ) غاية في عدم صحة الوصية للذي سيحدث (قوله: لأنها) أي الوصية، وهو علة لعدم
صحتها للحمل الذي سيحدث. وقوله وتمليك المعدوم ممتنع، من جملة العلة (قوله: فأشبهت) أي الوصية. (وقوله:
الوقف على من سيولد له) أي فإنه لا يصح عليه لأنه معدوم (قوله: نعم الخ) إستدراك على عدم صحة الوصية للمعدوم.
(وقوله: إن جعل المعدوم تبعا للموجود) أي في الوصية. وقوله كأن أوصى الخ تمثيل لجعل المعدوم تبعا له (قوله:
صحت) أي الوصية قال في التحفة: كما هو قياس الوقف، إلا أن يفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود،
بخلاف الوقف، لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء. ثم رأيت بعضهم اعتمد القياس وأيده الخ. اه‍. (قوله:
ولا لغير معين) أي ولا تصح لغير معين، أي لمبهم، وهذا محترز قيد ملحوظ في كلامه وهو كونه معينا، كما علمت.
(قوله: فلا تصح لاحد هذين) الاخصر أن يجعله تمثيلا بأن يقول: كأحد هذين (قوله: هذا الخ) أي ما ذكر من عدم
صحتها لاحد هذين. وقوله إذا كان بلفظ الوصية، اسم كان يعود على الموصي، والجار و المجرور خبرها، إلا أنه يقدر
المتعلق خاصا بدلالة المقام، أي إذا كان الموصي معبرا عما ذكر بلفظ الوصية، بأن قال أوصيت لاحد هذين (قوله: فإن
كان بلفظ أعطوا) أي فإن كان الموصي معبرا عنه بلفظ أعطوا أحد هذين: صح (قوله: لأنه وصية بالتمليك من الموصى
إليه) علة للصحة إذا كان التعبير بلفظ الاعطاء، أي وإنما صح حينئذ لأنه وصية بالتمليك الصادر من الموصى إليه وتمليكه
لا يكون إلا لمعين، بخلاف ما إذا كان بلفظ الوصية فإنه تمليك من الموصى وهو لغير معين فلا يصح.
(والحاصل) أن قصده بهذه العلة بيان الفرق بين ما إذا عبر بلفظ الوصية وما إذا عبر بلفظ الاعطاء وحاصله أنه في
الأولى تمليك لغير معين وهو لا يصح، وفي الثانية فوض التمليك للموصى إليه والتمليك منه لا يكون إلا لمعين
منهما
فصح ذلك كما إذا قال الموكل للوكيل بعه لاحد هذين فإنه يصح، والوكيل يعين أحدهما (قوله: وتصح للوارث للموصي

239
مع إجازة الخ) قيده شيخ الاسلام، وتبعه الخطيب في مغنيه بالخاص واحترز به عن العام كما لو أوصى لانسان من
المسلمين معين بالثلث فأقل وكان وارثه بيت المال فإنها تصح ولا تتوقف على إجازة الامام، ورده في التحفة والنهاية بأن
الوارث جهة الاسلام لا خصوص الموصى له فلا يحتاج للاحتراز عنه لأنه ليس بوارث فالوصية وصية لغير وارث، وهي إذا
خرجت من الثلث لا تتوقف على إجازة. والعبرة بكونه وارثا وقت الموت دون وقت الوصية. فلو أوصى لأخيه ولا ابن له
فحدث له ابن قبل موته تبين أنها وصية لغير وارث، أو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي. فهي وصية
لوارث. وقوله بقية ورثته، أي المطلقين التصرف، فلو لم يجيزوا بطلت. وكذلك تبطل فيما إذا لم يكن له وارث غير
الموصى له، لتعذر إجازته لنفسه. وإذا كان فيهم محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا تصح إجازته، بل إن توقعت
أهليته انتظرت، وإلا بطلت. قال في فتح الجواد. وإجازتهم هنا وفيما يأتي تنفيذ لصحة الوصية لكونها غير لازمة رعاية
لهم، لا ابتداء تمليك، فلا رجوع لهم. اه‍. (قوله: بعد موت الموصي) متعلق بإجازة: أي وإنما تعتبر الإجازة، أي أو
الرد، بعد موت الموصي، وسيأتي محترزه (قوله: وإن كانت الوصية ببعض الثلث الخ) غاية في اشتراط إجازة بقية
الورثة، أي لا بد من إجازتهم ولو كانت الوصية ببعض الثلث، وإن قل جدا، وذلك لقوله (ص) لا وصية لوارث إلا أن تجيز
الورثة رواه البيهقي (قوله: ولا أثر لاجازتهم في حياة الموصي) هو محترز قوله بعد موت الموصي (قوله: إذ لا حق لهم
حينئذ) علة لكونه لا أثر لاجازتهم قبل موته، أي وإنما كان لا أثر لذلك لأنهم لاحق لهم حين إذ كان الموصى حيا، وذلك
لاحتمال برئه وموته (قوله: والحيلة في أخذه الخ) يعني إذا أراد المورث أن يخص أحد أولاده بشئ بعد موته ويأخذه من
غير توقف على إجازة بقية الورثة، فليوص لأجنبي ويعلق الوصية على تبرعه لولده بشئ فإذا مات الموصي وقبل الأجنبي
الوصية وتبرع لولده، صحت الوصية، وأخذ الولد ما تبرع به عليه من غير توقف على الإجازة، فهذه حيلة وطريق لاخذ
الولد الوارث المال من غير توقف على الإجازة، لأنه في الظاهر ليس من مال المورث، وإنما هو من مال الأجنبي. وفي
الحقيقة هو من مال مورثه، لأنه لو لم يوص للأجنبي لما تبرع ذلك الأجنبي على ولد الموصي (قوله: أن يوصي لفلان)
أي الأجنبي (قوله: أي وهو) أي الألف ثلثه أي ثلث مال الموصى فأقل، أي أو أكثر، لكنه يتوقف على الإجازة في الزائد
(قوله: إن تبرع) أي فلان الأجنبي، وقوله لولده: أي ولد الموصي (قوله: كما هو ظاهر) راجع لقوله أو بألفين، أي لا
فرق في الذي يتبرع به فلان بين أن يكون أقل من الموصى به له أو أكثر (قوله: أخذ الوصية) أي الموصى به ولم يشارك
بقية الورثة الابن. قال في التحفة بعده: ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شئ تميز به حتى يحتاج لإجازة بقية
الورثة. اه‍. قال البجيرمي، بعد نقله ما ذكر: وعليه فلا يكون من الوصية لوارث إلا أن يقال إنه لما علق وصيته لزيد على
ما ذكر جعل كأنه وصية لوارث. تأمل. اه‍. (قوله: ومن الوصية له الخ) أي ومن معنى الوصية للوارث إبراؤه من دين له
عليه وهبته شيئا والوقف عليه، فيتوقف صحة ذلك على إجازة بقية الورثة. قال ع ش: والكلام في التبرعات المنجزة في
مرض الموت أو المعلقة به. أما ما وقع منه في الصحة فينفذ مطلقا، ولا حرمة، وإن قصد به حرمان الورثة، اه‍. (قوله:
نعم، لو وقف الخ) هذه الصورة مستثناة من الوقف. وقوله عليهم، أي على الورثة، وقوله على قدر نصيبهم، متعلق
بوقف أي وقف ذلك على قدر نصيبهم، وذلك كمن له ابن وبنت وله دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيها على الابن وثلثها على
البنت (قوله: نفذ) أي الوقف. وقوله من غير إجازة، أي من غير احتياج إلى إجازة بعض الورثة لبعضهم، لأنه لما لم يضر
أحد الورثة لم تتوقف الصحة على الإجازة، ولأنه لو وقفها على أجنبي لم تتوقف على إجازتهم، فكذا عليهم (قوله:

240
فليس لهم) أي للورثة الموقوف عليهم. وقوله نقضه: أي إبطاله، أي الوقف، ولا إبطال شئ منه، لأنه تصرفه في ثلث
ماله نافذ (قوله: والوصية) مبتدأ خبره لغو. وقوله لكل وارث، يخرج به البعض، كما لو كان له ثلاثة بنين
فأوصى لواحد
منهم معين بثلث ماله فتصح الوصية، لكن تتوقف على إجازة الباقين، فإن أجازها قاسمها في الثلثين الباقيين كما هو ظاهر
اه‍. سم وقوله بقدر حصته، أي مشاعا. وقوله كنصف أو ثلث، كأن مات عن أخت وأم فالأولى لها النصف والثانية لها
الثلث، فلو وقف داره عليهما بقدر حصتهما صح ذلك (قوله: ولا يأثم بذلك) أي بالوصية المذكورة. قال في التحفة:
لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له، بخلاف تعاطي العقد الفاسد. اه‍. (قوله: وبعين) معطوف على بقدر حصته،
أي والوصية لكل وارث بعين هي قدر حصته. قال سم: فخرج بعض الورثة، لكن حكمه كالكل بالأولى. اه‍. وفي
المغني: والدين كالعين فيما ذكر، كما بحثه بعضهم، اه‍ (قوله: صحيحة) خبر المبتدأ المقدر. وقوله إن أجازا، أي
أجاز كل منهما صاحبه، وإنما توقفت صحتها على الإجازة لاختلاف الأغراض في الأعيان (قوله: ولو أوصى للفقراء
بشئ لم يجز للوصي الخ) وإنما جاز أخذ الواقف الفقير مما وقفه على الفقراء لان الملك ثم لله فلم ينظر إلا لمن وجد فيه
الشرط، وهنا ألحق لبقية الورثة وللميت فلم يعط وارثه. اه‍. تحفة (قوله: كما نص عليه في الام) أي حيث قال في قول
الموصى ثلث مالي لفلان يضعه حيث يراه الله تعالى، أي أو حيث يراه هو أنه لا يأخذ منه لنفسه شيئا ولا يعطي منه وارثا
للميت، لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت بل يصرفه في القرب التي ينتفع بها الميت، وليس له حبسه عنده ولا إيداعه
لغيره، ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار، وفقراء أقاربه أولى، ثم أحفاده، ثم جيرانه، والأشد
تعففا وفقرا أولى. اه‍. ملخصا. وكأنه أراد بأحفاده محارمه من الرضاع لينتظم الترتيب. اه‍. تحفة (قوله: وإنما تصح
الوصية الخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان، وهي كل لفظ أشعر بالوصية، وهي تنقسم إلى صريح، وهو ما
ذكره بقوله أعطوه كذا الخ، وإلى كناية، وهي ما ذكره بقوله وتنعقد بالكناية، كقوله عينت هذا له الخ (قوله: بأعطوه كذا)
أي أو ادفعوا إليه كذا. (قوله: وإن لم يقل من مالي) غاية في صحة الوصية بأعطوه كذا، أي تصح الوصية بقوله أعطوه
كذا، وإن لم يضف إليه من مالي (قوله: أو وهبته الخ) معطوف على أعطوه كذا. ومثله حبوته أو ملكته أو تصدقت عليه
(قوله: أو هو) أي هذا المال مثلا له، أي لزيد مثلا (قوله: بعد موتي في الأربعة) أي هو قيد في الألفاظ الأربعة، أعني
قوله أعطوه كذا الخ، ومثل قوله بعد موتي، قوله بعد عيني، أو إن قضى الله علي، وأراد الموت، (قوله: وذلك لان إضافة
كل منها الخ) أي وإنما صحت بهذه الألفاظ المذكورة، مع أنها ليست من مادة الوصية، لان إضافة كل منها للموت
صيرتها بمعنى الوصية، فاسم الإشارة عائد على كونها صحت بهذه الألفاظ. ولو زاد قبل اسم الإشارة وهذه الأربعة من
الصريح في الوصية وجعل اسم الإشارة عائدا إليه لكان أولى (قوله: وبأوصيت الخ) معطوف على قوله بأعطوه، أي
وتصح الوصية بأوصيت له بكذا، وإن لم يضم إليه بعد موتي، (قوله: لوضعها شرعا لذلك) أي لما كان بعد الموت، أي
للتمليك الحاصل بعد الموت، وهو تعليل للغاية، أي وإنما صحت بأوصيت مع عدم انضمام بعد موتي إليه لأن هذه
الصيغة موضوعة في الشرع لما ذكر (قوله: فلو اقتصر الخ) محترز تقييد الأربعة الألفاظ الأول ببعد الموت. وقوله على
نحو وهبته، أي كحبوته وملكته. وقوله فهو هبة ناجزة، أي وليست وصية، وإن نواها، وذلك لأنه وجد نفاذا في موضوعه،
وهو التمليك المنجز في حال الحياة، فلا يكون كناية في غيره، وهو الوصية. ثم إن كان في مرض الموت حسب من
الثلث، كالوصية، وإن كان في الصحة أو مرض لم يمت فيه فمن رأس المال (قوله: أو نحو على ادفعوا) أي أو اقتصر

241
على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا والمناسب أن يحذف هذا ويقتصر على نحو أعطوه كذا، لأنه هو المذكور في كلامه.
وأما نحو ادفعوا فلم يذكره رأسا، ولعله سرى له من عبارة شيخه في التحفة (قوله: فتوكيل) أي فهو توكيل، والفاء واقعة
في جواب لو مقدرة قبل قوله أو على نحو ادفعوا الخ: أي أو لو اقتصر على الخ فهو توكيل. وقوله يرتفع: أي التوكيل بنحو
الموت، كالجنون، فإذا أعطى الوكيل قبل موته صح، وإن كان بعد موته لا يصح، لأنه ينعزل بموت الموكل (قوله:
وليست الخ) أي وليست هذه الألفاظ الثلاث، أعني وهبته له، وادفعوا له، وأعطوه كذا، من غير تقييدها ببعد
الموت،
كناية وصية، وذلك لأنها من الصرائح في بابها، أعني باب الهبة، ووجدت طريقا في استعمالها في موضوعها، فلا تحمل
على أنها كناية في غيره، نظير ما سيأتي في قوله، أو على قوله فإقرار، (قوله: أو على جعلته له) أي أو اقتصر على جعلته
له. (وقوله: احتمل الوصية والهبة) أي فهو صالح لان يكون وصية وأن يكون هبة. وجعل الحاوي له من صرائح الوصية
غلط (قوله: فإن علمت نيته لأحدهما) أي الوصية أو الهبة، وجواب إن محذوف، أي فيعمل به (قوله: وإلا بطل) أي وإن
لم تعلم نيته لواحد منهما بطل اللفظ المذكور (قوله: أو على ثلث مالي للفقراء) أي أو لو اقتصر على قوله ثلث مالي
للفقراء. والمناسب حذف هذا أيضا، لأنه لم يذكر في كلامه سابقا مقيدا حتى يصح قوله فإن اقتصر عليه، أي ذكره من
غير تقييد بقوله بعد موتي، ولعله سرى له من عبارة شيخه أيضا (قوله: لم يكن إقرارا) أي للفقراء بثلث ماله. قال في
التحفة.
(فإن قلت) لم لم يكن إقرارا بنذر سابق؟
(قلت) لان قوله مالي الصريح في بقائه كله على ملكه ينفي ذلك، وإن أمكن تأويله، إذ لا إلزام بالشك. ومن ثم لو
قال ثلث هذا المال للفقراء لم يبعد حمله على ذلك ليصح، لان كلام المكلف متى أمكن حمله على وجه صحيح من غير
مانع فيه لذلك حمل عليه. اه‍. (قوله: ولا وصية) أي ولم يكن وصية، أي لأنه ليس من ألفاظها الصريحة ولا الكناية
(قوله: ولا وصية للفقراء) أي صريحة (قوله: قال شيخنا ويظهر أنه كناية وصية) مثله في النهاية (قوله: أو على هو له) أي
أو لو اقتصر على قوله هو، أي العبد مثلا، له. وقوله فإقرار، أي لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه، أي طريقا في
استعماله في موضوعه، فلا يحمل على أنه كناية وصية. ومثله ما لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من
حينئذ، وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص، لان وقوعه كذلك لا يفيد في صرفه عن كونه صدقة أو وقفا (قوله: فإن زاد من مالي) أي بأن قال هو له من
مالي (قوله: فكناية وصية) أي لاحتمال الوصية والهبة الناجزة فافتقر للنية، فلو مات ولم تعلم
نيته بطلت، لان الأصل عدمها. قال في التحفة: والاقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي، نظير ما مر، اه‍ (
قوله: وصرح
جمع متأخرون بصحة قوله) أي الدائن، وهو حينئذ وصية، لأنه علقه بالموت (قوله: ولا يقبل قوله) أي المدين. وقوله
في ذلك، أي أن الدائن قال له أعط الدين لفلان أو فرقة للفقراء. (وقوله: بل لا بد من بينة به) أي بقول الدائن له ما ذكر
نظير ما لو اعترف أن عنده مالا لفلان الميت، وادعى أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا، فإنه لا يصدق
إلا ببينة - كما رجحه الغزي وغيره -.
(تنبيه) قال في الاسني: لو قال كل من ادعى بعد موتي شيئا فأعطوه له ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته
بحقين مختلفي القدر ولا حجة، كان كالوصية تعتبر من الثلث، وإن ضاق على الوفاء قسم بينهما على قدر حقيهما. قاله

242
الروياني. وفي الاشراف: لو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، قال الجرجاني هذا إقرار بمجهول وتعيينه
للورثة. اه‍. وقوله إقرار بمجهول، قال في التحفة: فيه نظر، لان قوله يدعيه تبرؤ منه، ولان أمره لغيره بتصديقه لا يقتضي
أنه هو مصدقه، فلو قيل إنه وصية أيضا لم يبعد. اه‍. وفي سم ما نصه: في فتاوى السيوطي رجل له مساطير على غرماء
من عشرين سنة وأكثر وأقل، وأوصى أن من أنكر شيئا مما عليه أو ادعى وفاءه يحلف ويترك، فهل يعمل بذلك والحال أن
في الورثة أطفالا؟
(الجواب) نعم، يعمل به خصوصا إذا لم تكن بينة تشهد بما في المساطير فإنها لا تقوم بها حجة الخ. اه‍ (قوله:
وتنعقد) أي الوصية. وقوله بالكناية، هي التي تحتمل الوصية وغيرها، ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية. قال ع ش: وهل
يكتفي في النية باقترانها بجزء من اللفظ أو لا بد من اقترانها بجميع اللفظ كما في البيع؟ فيه نظر، والأقرب الأول. ويفرق
بينهما بأن البيع لما كان في مقابلة عوض احتيط له، بخلاف ما هنا. اه‍ (قوله: كقوله الخ) تمثيل للكناية. وقوله عينت
هذا له أو ميزته له، إنما كان ما ذكر كناية في الوصية لشمول التمييز والتعيين للتمليك بالوصية ولغيره كالإعارة (قوله: أو
عبدي هذا له) إنما كان كذلك لاحتمال أن يكون المراد موصى به له أو عارية له (قوله: والكتابة كناية) أي الوصية بالكتابة
كناية، وإن كان المكتوب صريحا (قوله: فتنعقد) أي الوصية. وقوله بها، أي الكتابة. وقوله مع النية، أ ي نية الوصية،
فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية صح ذلك وكان وصية (قوله: ولو من ناطق) غاية للانعقاد بالكتابة مع النية (قوله: إن
اعترف الخ) قيد للانعقاد بها من الناطق، أي لا تنعقد بها منه إلا إن اعترف بالنية نطقا، بأن قال نويت بها الوصية لفلان،
وخرج بالناطق، غيره، كمن اعتقل لسانه، فلا يشترط الاعتراف منه بذلك، لتعذره، بل يكفي منه - في صحة الوصية -
الكتابة مع النية الإشارة أيضا كالبيع. وروي أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت، فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا؟
فأشارت أن نعم. فجعل ذلك وصية (قوله: ولا يكفي) أي عن الاعتراف بالنية نطقا هذا خطي وما فيه وصيتي، إذ مجرد
الكتابة لا يلزم منه النية. وفي الروض وشرحه، فلو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق وأشهد جماعة أن الكتابة خطه وما
فيه وصية ولم يطلعهم عليه، أي على ما فيه، لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم. اه‍
(قوله: وتصح) أي الوصية، وهو دخول على المتن. (وقوله: بالألفاظ المذكورة) أي الصريحة والكناية. (وقوله: من
الموصي) متعلق بمحذوف صفة للألفاظ المذكورة، أي الألفاظ الصادرة من الموصي (قوله: مع قبول موصى له) أي
باللفظ، ولا يكفي الفعل، وقيل يكفي. وعبارة التحفة، قال الزركشي ظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي، ويشبه
الاكتفاء بالفعل، وهو الاخذ، كالهداية. اه‍. وسبقه إليه القمولي فقال في الرهن يكفي التصرف بالرهن ونحوه، وكلاهما
ضعيف. والفرق بين هذا والهداية ونحو الوكيل واضح، إذ النقل للاكرام الذي استلزمته الهدية عادة يقتضي عدم الاحتياج
للفظ في القبول، ولا كذلك هنا. ونحو الوكالة لا يقتضي تملك شئ فلا يشبه ما هنا، وإنما يشبهه، أي ما هنا، الهبة،
وهي لا بد فيها من القبول لفظا. اه‍ (قوله: معين) خرج به الجهة، كالفقراء والمساكين. (وقوله: محصور) خرج به
المعين غير المحصور، كالعلويين، فلا يشترط القبول منهم فيما إذا أوصى لهم (قوله: إن تأهل) أي إن كان أهلا للقبول
(قوله: وإلا فنحو وليه) أي وإن لم يتأهل بأن كان صبيا أو مجنونا، فالمعتبر قبول نحو وليه كسيده أو ناظر
المسجد على
الأوجه، بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول لأنها تشبه الجهة العامة. ولو كانت الوصية للمعين بالعتق،
كاعتقوا هذا بعد موتي، سواء قال عني أم لا، لم يشترط قبوله، لان فيه حق مؤكدا لله تعالى، فكان كالجهة العامة، وكذا
المدبر، بخلاف أوصيت له برقبته، لاقتضاء هذه الصفة القبول. اه‍. تحفة (قوله: بعد موت موص) متعلق بمحذوف

243
صفة لقبول، أي قبول كائن بعد موت الموصي، فالمعتبر في القبول أن يكون بعد الموت فلا عبرة به قبله، كما سيذكره،
قال في المنهج وشرحه، فإن مات الموصى له لا بعد موت الموصي، بأن مات قبله أو معه، بطلت الوصية، لأنها ليست
لازمة ولا آيلة إلى اللزوم. ولو مات بعده وقبل القبول أو الرد خلفه الوارث في ذلك. اه‍ (قوله: ولو بتراخ) غاية في
اشتراط القبول بعد موت الموصي: أي يشترط القبول بعده ولو مع تراخ، وإنما لم يشترط الفور، لأنه إنما يشترط في
العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالايجاب. قال في التحفة: نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة،
فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل، أو متأولا قام القاضي مقامه. اه‍. وقال سم: حاصل ما في شرح البهجة
وغيره عن الرافعي، وهو المعتمد عند م ر، فيما لو أوصي لصبي أو وهب له فلم يقبل الولي أن للصبي إذا بلغ قبوله الوصية
دون الهبة. اه‍ (قوله: فلا يصح القبول الخ) محترز قوله بعد موت موص. وقوله كالرد، الكاف للتنظير (قوله: قبل موت
الموصى) أي ولا معه (قوله: لان للموصي الخ) علة لعدم صحة القبول كالرد قبل موت الموصي، أي وإنما لم يصح
حينئذ لان للموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا فلا يكون للموصى له حق حينئذ (قوله: فلمن رد قبل الموت القبول
بعده) ومثله العكس، فلمن قبل قبل الموت الرد بعده (قوله: ولا يصح الرد بعد القبول) عبارة التحفة: نعم القبول بعد
الرد لا يفيد، وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده على المعتمد. اه‍ (قوله: ومن صريح الرد الخ) مرتب على
محذوف، وهو أنه لا بد في الرد من لفظ يدل عليه صريح أو كناية ومن الصريح كذا الخ. (وقوله: رددتها أو لا أقبلها) أي
أو أبطلتها أو ألغيتها (قوله: ومن كنايته لا حاجة لي بها) أي أو هذه لا تليق بي، فإن نوى الركد بها ثبت وإلا فلا. (قوله:
ولا يشترط القبول في غير معين) أي بأن كان جهة، أي أو معين لكنه غير محصور كالعلويين كما تقدم، وذلك لتعذره
منهم. ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا، بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجب التسوية بينهم (قوله: بل
تلزم بالموت) أي بل تلزم الوصية بموت الموصي، والاضراب انتقالي، وهو يفهم أن غير المحصورين لو ردوا لم ترد
للزومها بالموت (قوله: ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم) أي من الفقراء، أي لكونهم غير محصورين. قال ع ش: أما
المحصورون فيجب استيعابهم والتسوية بينهم. ومنه ما وقع السؤال عنه في الوصية لمجاوري الجامع الأزهر فتجب
التسوية بينهم لإنحصارهم لسهولة عدهم، لان أسماءهم مكتوبة مضمونة، فيما يظهر، ويحتمل خلافه. اه‍ (قوله: وإذا
قبل الوصي له بعد الموت بأن الخ) أي وإن رد بان أنه ملك للوارث، فإن لم يقبل ولم يرد خيره الحاكم بينهما، فإن أبى
حكم عليه بالابطال: كمتحجر امتنع من الاحياء. وعبارة متن المنهاج مع شرح الرملي: وهل يملك الموصى له المعين
الموصى به الذي ليس بإعتاق بموت الموصي أم بقبوله أم الملك موقوف. ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه عقب
الموت بشئ.
(فإن قيل) بان أنه ملك بالموت، وإلا بأن لم يقبل بأن رد بان أنه ملك للوارث من حين الموت؟ أقوال، أظهرها
الثالث، لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك، ولا للوارث فإنه لا يملك إلا بعد الوصية والدين، ولا للموصى له، وإلا
لما صح رده، كالإرث، فتعين وقفه. وعليها، أي على الأقوال الثلاثة، تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت
والقبول، وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ ونفقته وفطرته وغيرهما من المؤن، فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران،
وعلى الثاني لا، ولا قبل القبول، بل للوارث، وعليه وعلى المعتمد هي موقوفة، فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران، وإلا
فلا، وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث، وليست من التركة، فلا يتعلق بها دين، ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف
في قبوله ورده. اه‍. بتصرف. وقوله أي بالقبول، تفسير للضمير، ولو قال بان بالقبول لكان أخصر. وقوله الملك، فاعل
بان. وقوله له، أي للموصى له. وقوله في الموصى به، ظرف لغو متعلق بالملك أو مستقر متعلق بمحذوف صفة له، أي

244
الملك الثابت في الموصى به. وقوله من الموت متعلق بالملك (قوله: فيحكم الخ) مرتب على تبين الملك من الموت،
أي وإذا تبين ملكه للموصى به فيتبعه الفوائد الحاصلة منه كالثمرة والكسب فيملكها الموصى له، وعليه المؤن والفطرة.
(قوله: بترتب أحكام الملك) أي عليه، فالمتعلق محذوف. وقوله حينئذ، أي حين إذ بان الملك له (قوله: من وجوب
نفقة الخ) بيان لاحكام الملك (قوله: والفوز الخ) أي ومن الفوز بالفوائد الحاصلة من الموصى به حين الموت، ككسب
وثمرة (قوله: وغير ذلك) أي من بقية المؤن ككسوة وثمن دواء (قوله: لا تصح الوصية الخ) شروع في بيان حكم الوصية
بالزائد على الثلث وحكم التبرعات في المرض (قوله: في وصية) الأولى الاقتصار على ما قبله وحذف هذا، لان ذكره
يورث ركاكة، إذ المعنى عليه لا تصح الوصية في وصية الخ (قوله: وقعت في مرض مخوف) التقييد به يقتضي صحة
الوصية في الزائد على الثلث في غير المرض المخوف وإن رده وارث خاص، وليس كذلك، إذ لا فرق في عدم الصحة
حينئذ بين أن يوصي في حالة الصحة أو في حالة المرض المخوف وغيره. وعبارة المنهج والمنهاج، ليس فيها التقييد بما
ذكر، فالصواب إسقاطه (قوله: لتولد الموت) بيان لضابط كونه مخوفا، وسيبين أفراده. وقوله عن جنسه، أي ذلك
المرض. وقوله كثيرا، أي بأن لا يندر تولد الموت عنه، وإن لم يغلب الموت به. اه‍. ع ش (قوله: إن رده) أي الزائد،
وهو قيد في عدم الصحة. وقوله وارث خاص، أي حائز، فإن لم يكن الوارث خاصا، بل كان عاما، كبيت المال، بطلت
ابتداء في الزائد لعدم تأتي الإجازة منه لان الحق فيه لجميع المسلمين، أو كان خاصا لكنه غير حائز، كأخوين رد أحدهما
وأجاز الآخر، بطلت في قدر حصته من الزائد، كما سيصرح به في قوله ولو أجاز بعض الورثة الخ. (قوله: مطلق
التصرف) أي بأن لا يكون محجورا عليه بسفه أو صغر أو جنون (قوله: لأنه حقه) أي لان الزائد حق
الوارث، وهو علة
لعدم الصحة عند الرد، أي وإنما لم تصح الوصية في الزائد إن رده وارث خاص، لان ذلك الزائد حقه، أي مستحق له،
فله أن يرد وله أن يجيز (قوله: فإن كان) أي ذلك الوارث الخاص. (وقوله: غير مطلق التصرف) أي بأن كان صغيرا أو
مجنونا أو محجورا عليه بسفه. (وقوله: فإن توقعت أهليته) أي بالبلوغ أو الإفاقة أو الرشد. (وقوله: عن قرب) قيد به
في فتح الجواد ولم يقيد به في التحفة والنهاية والمغني وغيرها من الكتب التي بأيدينا، بل اقتصروا على توقع الأهلية.
وعبارة المغني: ومقتضى إطلاقهم أن الامر يوقف على تأهل الوارث، وهو كذلك إن توقعت أهليته، وإن خالف في ذلك
بعض المتأخرين. قال شيخي رحمه الله: لان يد الوارث عليه، فلا ضرر عليه في ذلك. اه‍. وقوله وقف، أي ذلك
الزائد، أي الحكم فيه. وقوله إليها أي إلى الأهلية (قوله: وإلا) أي وإن لم تتوقع أهليته عن قرب، بأن لم تتوقع أهليته
رأسا كمن به جنون مستحكم أيس من برئه بغلبة الظن بأن شهد بها خبيران، أو توقعت لا عن قرب. وقوله بطلت، أي
الوصية في الزائد فقط، فإن برئ وأجاز بان نفوذها (قوله: ولو أجاز بعض الورثة الخ) محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو
كونه حائزا، كما أشرت إليه، (قوله: صح) أي المذكور من الوصية، ولو قال صحت، بالتاء، لكان أولى (قوله: وإن
أجاز الخ) مقابل قوله في المتن إن رده وارث، والأنسب التفريع وتقديمه على قوله ولو أجاز بعض الورثة. (وقوله:
الوارث الأهل) أي للتصرف، والمقام للاضمار، إلا أنه أظهر لئلا يعود الضمير لو أضمر على أقرب مذكور، وهو بعض
الورثة، (قوله: فإجازته الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فتصح الوصية في الزائد ثم يقول وإجازته الخ. (وقوله: تنفيذ
للوصية بالزائد) أي إمضاء للزائد الذي تصرف فيه الموصي بالوصية، إذ تصرفه صحيح بشرط الإجازة. فإذا وجدت كانت
إمضاء فقط، نظير بيع الشخص المشفوع فإنه صحيح بشرط إجازة الشفيع، فإذا أجاز كانت إجازته إمضاء لتصرف

245
الشريك في الشخص وهذا هو الأصح. ومقابله يقول إنها عطية مبتدأة من الوارث، والوصية بالزائد لغو، لنهيه (ص)
سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين. رواه الشيخان. ويترتب على الخلاف المذكور أنه إن قلنا بالأول
فليس للمجيز الرجوع قبل القبض ولا يحتاج إلى لفظ هبة ولا تجديد قبول وقبض وتنفذ من المفلس، وإن قلنا بالثاني كان
له الرجوع في الزائد قبل القبض ويحتاج إلى ما ذكر من لفظ الهبة وتجديد وقبول وقبض ولا تنفذ من المفلس، ويترتب
على ذلك أيضا أن الزوائد الحاصلة بعد الموت تكون للموصى له على الأول لا للوارث، وعلى الثاني بالعكس. ويترتب
عليهما أنه لا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة إن كانت الوصية بمشاع، لا معين فلو جهل أحدهما
لم يصح - كالابراء من المجهول - ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا
يعلم ونفذت فيما ظنه فقط، أو بمعني لم يقبل: أفاده ابن حجر (قوله: والمخوف الخ) إن كان مراده بهذا تعداد أفراد
المرض المخوف المذكور آنفا في كلامه فلا يناسب ذلك ذكره من جملة ذلك طلق الحامل والتحام القتال وما بعده، لان
ما ذكر ليس من المرض المخوف. وإن كان مراده تعداد أفراد المخوف مطلقا كان سواء مرضا أو غيره، فلا يناسب تقييده
المرض فيما سبق بالمخوف، إذ علمت ذلك فكان الأولى أن يعد أفراد المرض المخوف ثم يقول ويلحق بذلك ترك
الحامل وحالة التحام القتال ونحوهما، كما في المنهاج، فتنبه (قوله: كإسهال الخ) لم يذكر حد المخوف لطول
الاختلاف فيه بين الفقهاء، فقيل هو كل ما يستعد بسببه للموت بالاقبال على العمل الصالح، وقيل كل ما اتصل به
الموت، وقال الماوردي وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة، وقالا عن الامام وأقراه ولا يشترط في كونه مخوفا غلبة
حصول الموت به بل عدم ندرته، كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ، وهو
المعتمد، وإن نازع فيه ابن الرقعة، فعلم أنه ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء. اه‍. تحفة.
وقوله متتابع، أي أياما، لأنه حينئذ ينشف رطوبات البدن، وكذا نحو يومين وانضم إليه إعجال ومنع نوم أو عدم استمساك
أو خروج طعام غير مستحيل أو معه وجع وشدة، ويسمى الزحير أو دم من عضو شريف ككبد. اه‍. فتح الجواد. (قوله:
وخروج طعام الخ) معطوف على إسهال، أي وكخروج طعام بشدة ووجع أو مع دم فهو من المخوف ولو لم يصحبه
إسهال، كما صرح به الأطباء، لكن بشرط أن يتكرر تكرارا يفيد سقوط القوة. وذهب بعضهم إلى أنه يشترط أن يصحبه
إسهال ولو غير متواتر، ونظر فيه في التحفة والنهاية (قوله: من عضو شريف) متعلق بمحذوف صفة لدم، أي دم كائن من
عضو شريف. وقوله كالكبد تمثيل للعضو الشريف (قوله: دون البواسير) أي دون خروجه من البواسير، أي فلا يكون
مخوفا (قوله: أو بلا استحالة) معطوف على قوله بشدة، أي أو خروج الطعام بلا استحالة، أي غير مستحيل لزوال القوة
الماسكة، فيكون مخوفا (قوله: وحمى) عطف على إسهال، أي وكحمى مطبقة، بكسر الباء أشهر من فتحها، وهي
الملازمة التي لا تبرح لان إطباقها يذهب القوة التي هي قوام الحياة. قال في شرح الروض، ومحل كونها مخوفة إذا زادت
على يوم أو يومين. اه‍. وكالحمي المطبقة حمى الورد، بكسر الواو، وهي التي تأتي كل يوم، وحمى الثلث، بكسر
الثاء، وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما، لا حمى الربع، بكسر الراء، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، لان المحمول
يأخذ قوة في يومي الاقلاع (قوله: وكطلق حامل) عطف على كإسهال، وأعاد العامل إشارة إلى أنه نوع آخر من المخوف
غير الذي تقدم. وخرج بالطلق، نفس الحمل، فليس بمخوف ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه، لأنه ليس بمرض. قال
في الروض وشرحه: ويمتد خوفه، أي الطلق، إلى انفصال المشيمة، وهي التي تسميها النساء الخلاص، أو إلى زوال ما
حصل بالولادة فيما لو انفصلت، أي المشيمة، وحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم. اه‍. (قوله: وإن
تكررت ولادتها) غاية المقدر، أي هو من المخوف، وإن تكررت ولادة صاحبة الطلق (قوله: لعظم خطره) أي الطلق،
وهو علة لذلك المقدر المار آنفا (قوله: ومن ثم) أي من أجل عظم خظره كان موتها من الطلق يعد شهادة (قوله: وبقاء

246
مشيمة) معطوف على طلق، أي وكبقاء مشيمة - وهي المسماة بالخلاص - إلى الوضع، فإذا انفصلت زال الخوف ما لم
يبق بعده جرح أو ضربان شديد أو ورم، وإلا فلا يزول الخوف إلا بعد زواله. ومثله موت الجنين في جوفها (
قوله:
والتحام قتال) معطوف على طلق، أي وكالتحام قتال، فهو من المخوف، وعبارة المنهاج، والمذهب، أنه يلحق
بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الاسرى والتحام قتال بين متكافئين وتقديم لقصاص أو رجم واضطراب وهيجان موج في
راكب سفينة. اه‍. وخرج بالتحام، قتال ليس فيه التحام، وإن تراميا بالنشاب، فهو ليس من المخوف. (وقوله: بين
متكافئين) أي بين اثنين أو حزبين متكافئين، أي أو حزبي التكافؤ. وخرج به ما إذا عدم التكافؤ، كمسلمين وكافر، فلا
يكون التحام القتال فيه من المخوف (قوله: واضطراب ريح) يلزم منه هيجان الموج، فمن جمع بينهما، كالمنهاج، أراد
التأكيد. وعبارة الروض وشرحه، وهيجان البحر بالريح، بخلاف هيجانه بلا ريح. اه‍ (قوله: وإن أحسن الخ) غاية
المقدر: أي أن اضطراب الريح من المخوف في حق راكب السفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر. ومحله حيث لم
يغلب على ظنه السلامة والنجاة من ذلك. كما في النهاية (قوله: وأما زمن الخ) الأولى حذف أما وعطف ما بعدها على
طلق حامل، إذ ليس لها مقابل ومحمل في كلامه، وعبارة النهاية، ويلحق بالمخوف أشياء كالوباء والطاعون، أي
زمنهما، فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث، لكن قيده في الكافي بما إذا وقع في أمثاله. وهو حسن، كما قاله
الأذرعي، وهل يقيد به إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء أو الخروج منها لغير حاجة، أو يفرق؟ فيه نظر، وعدم
الفرق أقرب، وعموم النهي يشمل التحريم مطلقا اه‍. وقوله وعدم الفرق، أي بين تقييد حرمة الخروج بمن وقع في
أمثاله وبين تقييد إلحاق المخوف بمن وقع في أمثاله. وقوله أقرب، أي فيقيد بما إذا وقع في أمثاله. (وقوله: يشمل
التحريم مطلقا) أي فيشمل أمثاله وغيرهم، لكن التقييد أقرب كما قدمه، اه‍. ع ش. وفي شرح الروض، قال ابن
الأثير: الطاعون المرض العام، والوباء يحصل بفساد الهواء فتفسد منه الأمزجة فجعل الوباء قسما من الطاعون،
وبعضهم فسر الطاعون بغير ذلك، ولعله أنواع، وقيل الوباء المرض العام، وقيل الموت الذريع، أي السريع، اه‍
(قوله: وينبغي لمن ورثته الخ) أي يطلب ذلك على سبيل الندب على المعتمد من كراهة الوصية بالزائد، وعلى سبيل
الوجوب على مقابله، وإنما طلب ذلك لقوله (ص) لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين عاده في مرضه وقال له أوصي
بمالي كله؟ قال. لا. قال بثلثيه؟ قال: لا. قال: بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير
من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ويجوز في الثلث الأول الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي كافيك، أو على أنه
فاعل لفعل محذوف، أي يكفيك، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي أعط الثلث. وأما الثلث الثاني فيتعين
رفعه، لأنه مبتدأ خبره كثير. وأن تذر، بفتح الهمزة، على أنه مؤول بمصدر من معناه مبتدأ خبره خير، والجملة خبر إن،
والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير من تركك إياهم عالة، أي فقراء لان العالة جمع عائل، وهو الفقير، ومعنى يتكففون
الناس يمدون أكفهم لسؤال الناس. ولقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم
زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة. ثم إن الاعتبار في كون الموصى به ثلث المال بيوم الموت لا بيوم الوصية، فلو
أوصى بثلث ماله وتلف ثم كسب مالا أو لم يكن له مال ثم كسبه لزم الوارث إخراج الثلث، ولا تنفذ الوصية إلا في الثلث
الفاضل بعد وفاء الدين أو سقوطه عنه، فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ الوصية في شئ، لكنها تنعقد حتى لو أبرأه
الغريم أو قضى عنه الدين من أجنبي أو من وارث نفذت الوصية في الثلث، كما جزم به الرافعي وغيره، ولو أوصى بالثلث
وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين، وكلما نص من الدين شئ دفع له ثلثه. ولو أوصى بشئ هو ثلث ماله وباقيه
غائب لم يتسلط الموصى له على شئ منه حالا لاحتمال تلف الغائب لا يقال كان يتسلط على ثلث الحاضر، لأنه
يستحقه، سواء تلف الغائب أم لا، لأنا نقول تسلط الموصى له على شئ من الوصية متوقف على تسلط الوارث على

247
مثليه، والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر، لاحتمال سلامة الغائب (قوله: والأحسن أن ينقص منه شيئا) أي خروجا
من خلاف من أوجب ذلك ولأنه (ص) اسكثر الثلث، وهذا كالاستدراك على مفهوم مقابله، إذ مفهومه استواء الوصية لثلث
فأقل في الحسن، فدفعه بقوله والأحسن الخ. قال زي قوله والأحسن، هذا ما رجحه في الروضة لكن قال في الام إذا ترك
ورثته أغنياء اخترت أن يستوعب الثلث، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث. ونقله في شرح مسلم عن
الأصحاب. اه‍. اسعاد. اه‍ (قوله: ويعتبر منه أي الثلث أيضا) أي كما تعتبر الوصية منه، وفيه انه لم يتقدم منه أن
الوصية تعتبر من الثلث حتى يحيل عليه ما هنا بقوله أيضا ويمكن أن يقال إنه تقدم منه ذلك بطريق المفهوم: إذ قوله لا
تصح الوصية في زائد على ثلث يفهم أنها تصح في الثلث وتعتبر منه. تأمل.
(واعلم) أنه إذا اجتمعت تبرعات متعلقة بالثلث وضاق عنها الثلث، فإن تمحضت عتقا، سواء كانت منجزة أو
معلقة بالموت، فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى أعتقت سالما فغانما فبكرا، أو قال في الثانية إذا مت فسالم حر
ثم غانم ثم بكر، أو قال أعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما ثم بكرا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، وما زاد يتوقف على إجازة
الورثة، وإن لم تكن مرتبة، كأن قال في المنجزة أعتقتكم أو أنتم أحرار أو قال في المعلقة إذا مت فأنتم أحرارا أو فسالم
وغانم وبكر أحرار أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل بعضه حذرا من التشقيص، لان
المقصود من العتق تخليص الرقبة من الرق. وإن كان منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق، لان المنجز لازم لا
يمكن الرجوع فيه، بخلاف المعلق وإن تمحضت غير عتق سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت أيضا. فإن كانت مرتبة
فيهما، كأن قال في الأولى تبرعت لزيد بكذا ثم تبرعت لعمرو بكذا وهكذا، أو قال في الثانية أعطوا لزيد كذا بعد موتي ثم
أعطوا عمرا كذا بعد موتي وهكذا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، ويتوقف ما زاد على إجازة الورثة، وإن وجدت دفعة منه
أو من وكلائه كأن قال في المنجزة لجمع عليهم ديون له أبرأتكم أو تصدق أحد وكلائه ووهب آخر ووقف آخر كلهم معا،
وكأن قال في المعلقة أوصيت لزيد بكذا ولعمرو بكذا ولبكر بكذا، أو إن مت فأعطوا زيدا كذا وعمرا كذا وبكرا كذا قسط
الثلث على الجميع كما تقسط التركة بين أرباب الديون عند ضيقها عن الوفاء بها كلها، فإذا أوصى لزيد بمائة ولعمرو
بخمسين ولبكر بخمسين وثلث المال مائة فقط فلزيد خمسون ولكل من عمرو وبكر خمسة وعشرون وإن كان
البعض منجزا
والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق (قوله: عتق علق بالموت) أي ولو مع غيره، كأن قال إن مت ودخلت الدار فأنت
حر فيشترط دخوله بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع، وقيل لا فرق بين تقدم الدخول وتأخره، والأول أصح،
كما في شرح م ر في كتاب التدبير (قوله: في الصحة أو المرض) متعلق بعلق، وهو تعميم في التعليق، أي لا فرق فيه بين
أن يقع في حال الصحة أو المرض (قوله: وتبرع الخ) معطوف على عتق، أو ويعتبر من الثلاث تبرع نجز في مرضه، أي
الموت، ثم إن الموجود في النسخ الواو من قوله وتبرع من المتن، وقوله تبرع، أي كوقف من الشرح، وهو لا يصح، فإما
أن يكون كله من المتن، كما في المنهج، أو كله من الشرح ويكون دخولا على المتن (قوله: كوقف الخ) أي وعتق لغير
مستولدته، أما لها فهو من رأس المال، كما سيذكره، وكعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك، فيعتبر من الثلث
أجرة الأولى وثمن الثانية وإن باعها بأضعاف ثمن مثلها، لان تفويت يدهم كتفويت ملكهم. أفاده في التحفة والنهاية
(قوله: وهبة) أي كأن وهب عينا عنده لآخر في مرض موته فتعتبر من الثلث (قوله: وإبراء) أي كأن أبرأ الدائن في مرض
موته المدين من الدين الذي عليه فيعتبر من الثلث (قوله: ولو اختلف الوارث الخ) هذا مندرج في قوله الآتي ولو اختلف
في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض الخ، فالمناسب والأولى أن يؤخره عن قوله ولو وهب في الصحة وأقبض في
المرض، ويزيد لفظ أقبض بعد أداة الاستفهام، بأن يقول هل أقبض في الصحة أو في المرض؟ كما هو صريح في فتح

248
الجواد، وعبارته مع الأصل، وإقباض هبة، أي موهوب في المرض وإن وهب في الصحة اعتبارا بحالة القبض لتوقف
الملك عليه، ولو اختلف الوارث والمتهب، هل أقبض في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لأن العين في يده.
وقضيته أنها لو كانت في يد الوارث صدق، وهو محتمل. اه‍. ومثله في التحفة إلا أن فيها زيادة قوله الآتي ولو اختلفا في
وقوع التصرف الخ، ونصها، وهبة في صحة وإقباض في مرض باتفاق المتهب والوارث وإلا حلف المتهب، لأن العين
في يده الخ (قوله: هل الهبة) أي المقبوضة بدليل ما بعده (وقوله: في الصحة) أي وقعت في حال الصحة، وهذه دعوى
المتهب لأجل حسبانها من رأس المال. (وقوله: أو في المرض) أي أو وقعت في حال المرض، وهذه دعوى الوارث
لأجل حسبانها من الثلث (قوله: وصدق المتهب) أي في أنها وقعت الهبة في حال الصحة (قوله: لأن العين في يده) أي
المتهب، وهو تعليل لتصديق المتهب. قال في التحفة، ومثله في النهاية، وقضيته أنها لو كانت بيد الوارث وادعى
المتهب أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية صدق الوارث، وهو محتمل. اه‍ (قوله: ولو وهب في الصحة وأقبض
في المرض) هذه الصورة غير صورة المتن، لان تلك وقع فيها الهبة والقبض في حال المرض (قوله: اعتبر من الثلث) أي
اعتبر ما أقبضه في حال المرض من الثلث كصورة المتن، لان الهبة لا تملك إلا بالقبض، فلا أثر لتقدم الهبة (قوله: أما
المنجز في صحته الخ) محترز قوله نجز في مرضه. (وقوله: فيحسب من رأس المال) أي لا من الثلث فقط (قوله:
كحجة الاسلام) الكاف للتنظير، أي نظير حجة الاسلام، فإنها تحسب من رأس المال. سواء أوصى بها أم لا، إلا إن قيد
بالثلث فمنه عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا (قوله: وعتق المستولدة) أي وكعتق المستولدة فإنه يحسب من رأس
المال لو نجز في مرض الموت ويكون حينئذ مستثنى من التبرع المنجز في المرض. وفي المغني بعد قول المنهاج ويعتبر
من الثلث تبرع نجز في مرضه ما نصه، وخرج بتبرع ما لو استولد في مرض موته، فإنه ليس تبرعا، بل إتلاف واستمتاع،
فهو من رأس المال، وبمرضه تبرع نجز في صحته، فيحسب من رأس المال، لكن يستثنى من العتق في مرض الموت
عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال، كما سيأتي في محله، مع أنه تبرع نجز في
المرض. اه‍. (قوله: ولو ادعى الوارث الخ) أي لو اختلف الوارث والمتبرع عليه في أنه مات المتبرع في المرض الذي
تبرع فيه أو في غيره مع اتفاقهما على أن التبرع واقع في حال مرض، فقال الوارث إنه مات في مرض التبرع، وقال المتبرع
عليه إنه شفي من مرضه الذي تبرع فيه ومات من مرض آخر أو فجأة، ففيه تفصيل، فإن كان المرض الذي تبرع فيه مخوفا
صدق الوارث، وإلا فالثاني (قوله: أو فجأة) عطف على قوله من مرض آخر (قوله: وإلا فالآخر) أي وإن لم يكن مخوفا
صدق المتبرع عليه، وذلك لان غير المخوف بمنزلة الصحة (قوله: ولو اختلفا) أي الوارث والمتبرع عليه، وعبارة
التحفة، عقب قوله وإلا فالآخر، أي لان غير المخوف بمنزلة الصحة، وهما لو اختلفا في وقوع التصرف فيها أو في
المرض صدق المتبرع عليه، لان الأصل دوام الصحة. اه‍. فلو صنع المؤلف مثل صنعها لكان أولى (قوله: لان الأصل
دوام الصحة) أي استمرار الصحة، فالتصرف واقع فيها (قوله: فإن أقاما) أي الوارث والمتبرع عليه. (وقوله: بينتين) أي
تشهد كل بينة بمدعى من أقامها (قوله: قدمت بينة المرض) أي لأنها ناقلة وبينة الصحة مستصحبة، وتلك مقدمة عليها
(قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو أوصى لجيرانه) أي أو لجيران المسجد (قوله: فلأربعين دارا من كل جانب) أي
فتعطى الوصية لأربعين دارا من كل جانب من الجهات الأربع، وذلك لخبر حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا

249
وهكذا وهكذا - وأشار قداما وخلفا، ويمينا وشمالا رواه أبو داود وغيره مرسلا، وله طرق تقويه فجملة ذلك مائة وستون
دارا وفي سم ما نصه: الوجه الوجيه الذي لا يتجه غيره أن هذا جرى على الغالب من أن للدار جوانب أربعا، وأن ملاصق
كل جانب دار واحدة، فلو كانت الدار مثمنة مثلا ولاصق كل ثمن دار اعتبر أربعون من كل ثمن، ولو لم يلاصق إلا داران
فقط، بأن اتسعت مسافة الملاصق فعمت إحدى الدارين جهتين من جهاتها الأربع، والأخرى الجهتين الباقيتين، اعتبر
أربعون من أحد الملاصقتين وأربعون أخرى من الملاصقة الأخرى فتكون الجملة ثمانين فقط، كما ذكر، لكن لو لاصق
كل دار من هاتين الدارين دور كثيرة، بأن اتسعت مسافة الدارين وضاقت مسافة ملاصقهما من الدور فهل يعتبر مع كل
واحدة من الدارين تسعة وثلاثون على الامتداد من كل ملاصقة لها، أو لا يعتبر إلا تسعة وثلاثون فقط مما بعد كل من
المتبعتين على الامتداد؟ فيه نظر. والمتجه الأول. اه‍. ملخصا. وقال في التحفة: ويجب استيعاب المائة والستين إن
وفى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول، وإلا قدم الأقرب. اه‍ (قوله: فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها) في العبارة
حذف، وهو، فيقسم المال على عدد الدور، ثم يقسم حصة كل دار على عدد سكانها. وعبارة التحفة: ويقسم المال
على عدد الدور، ثم ما خص كل دار على عدد سكانها، أي يحق عند الموت فيما يظهر فيهما، سواء في ذلك المسلم
والغني والحر والمكلف وضدهم اه‍. (قوله: أو للعلماء) عطف على قوله لجيرانه، أي أو أوصى للعلماء وهم
الموصوفون بأنهم أصحاب علوم الشرع يوم الموت، لا وقت الوصية، وهي ثلاثة: الحديث، والتفسير، والفقه. فلو عين
علماء بلدة مثلا ولا عالم فيهم يوم الموت بطلت الوصية، لكن قال سم: قد يتجه أن محله ما لم يوجد بتلك البلد علماء
بغير العلوم الثلاثة، وإلا حمل عليهم، كما لو أوصى بشاة ولا شاة له وعنده ظباء تحمل الوصية عليها. اه‍. (قوله:
فلمحدث) أي فيصرف الموصى به لمحدث وقوله يعرف الخ، بيان لضابط المحدث. قال في المغني، والمراد به أي
بعلم الحديث، معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وعليله وسقيمه وما يحتاج إليه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن،
فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد. اه‍. وقوله قوة: منصوب على التمييز:
أي من جهة القوة. وقوله أو ضدها أي ضد القوة وهو الضعف. وقوله والمروي، معطوف على الراوي أي ويعرف حال
المروي من جهة الصحة وضدها (قوله: ومفسر) معطوف على محدث، أي ويصرف أيضا لمفسر. قال في المغني:
التفسير لغة بيان معنى اللفظ الغريب، وشرعا معرفة الكتاب العزيز وما أريد به، وهذا بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ
منه على قدره. اه‍. (قوله: يعرف معنى كل آية) قال اسم: ظاهره اعتبار معرفة الجميع، وقد يتوقف فيه. اه‍. (قوله:
وما أريد بها) أي بالآية من الاحكام نقلا في التوقيفي، واستنباطا في غيره، ومن ثم قال الفارقي: لا يصرف لمن علم
تفسير القرآن دون أحكامه، لأنه كناقل الحديث. اه‍. تحفة (قوله: وفقيه) معطوف على محدث، أي ويصرف الموصى
به أيضا الفقيه. وقوله يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، هذا بيان لضابط الفقيه المبحوث عنه في فن أصول الفقه،
وهو المجتهد، وهذا ليس مرادا هنا، أي في الوصية، بل المراد به ما أفاده الشارح بقوله بعد والمراد به الخ. (وقوله: من
حصل شيئا من الفقه الخ) المراد من عرف من كل باب من أبواب الفقه طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقية، دون من
عرف طرفا أو طرفين منه فقط، كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض فقط، وإن سماها الشارع نصف العلم. وقال
ع ش: المراد به في زماننا العارف بما اشتهر الافتاء به، فهو يعد فقيها، وإن لم يستحضر من كل باب ما يهتدي به إلى
باقيه. اه‍. بالمعنى. وفي المغني ما نصه: قال الماوردي: لو أوصي لاعلم الناس صرف للفقهاء، لتعلق الفقه بأكثر
العلوم. وقال شارح التعجيز: أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيئته في القلب، أي من قدف في قلبه ذلك، وهذا
القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان،
فذلك صناعة.

250
(وسئل) الحسن البصري عن مسألة.
(فأجاب) فقيل إن فقهاءنا لا يقولون ذلك، فقال وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد
في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما
يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من
المغرورين. واختلف في الراسخ في العلم، فقيل هو من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما
بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه، والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام،
وموارد الاحكام، ومواقع المواعظ،، لان الرسوخ الثبوت في الشئ. اه‍. ملخصا. (قوله: وليس منهم الخ) أي ليس من
العلماء الذين تصرف الوصية لهم نحوي وصرفي ولغوي، أي عارف بعلم النحو أو الصرف أو اللغة أي أو المعاني والبيان
والبديع أو العروض أو القوافي وغيرها من بقية علوم الأدب الاثني عشر علما عملا بالعرف المطرد عليه غالب الوصايا،
فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أصحاب علوم الشرع الثلاثة: أعني الحديث، والتفسير، والفقه. وقوله ومتكلم،
عبارة المنهاج وكذا متكلم عند الأكثرين. قال في المغني، أي فهو ليس منهم، لما ذكر. ونقله العبادي في
زيادته عن
النص. وقيل يدخل، وبه قال المتولي، ومال إليه الرافعي، وقال السبكي: إن أريد به العلم بالله وصفاته وما يستحيل عليه
ليرد على المبتدعة ويميز بين الاعتقاد الصحيح والفساد فذاك من أجل العلوم الشرعية، وقد جعلوه في كتب السير من
فروض الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهه والخوض فيه على طريق الفلسفة فلا. وهذا القسم هو الذي أنكره
الشافعي، وقال: لان يأتي العبد ربه بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام. اه‍. بتصرف (قوله:
ويكفي ثلاثة من أصحاب الخ) أي من كل صنف من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها، ولا يجزئ واحد من كل صنف،
كما في فتح الجواد، ونص عبارته: والمراد بمحدث وما بعده الجنس، فيكفي ثلاثة فقهاء، ولا يجزئ واحد من كل
صنف. اه‍. وعبارة الروض وشرحه، وإن أوصى للفقراء والمساكين وجب لكل منهما النصف، ولا يقسم ذلك على عدد
رؤوسهم، أو أوصى لأحدهما دخل فيه الآخر، فيجوز الصرف إليهما، أو أوصى للرقاب أو غيرهم من الأصناف أو العلماء
لم يجب الاستيعاب، بل يستحب عند الامكان، كما في الزكاة، إذا فرقها المالك ويكفي ثلاثة من كل صنف، أي
الاقتصار عليها، لأنها أول الجمع، ولا تجب التسوية بينهم اه‍. ومحل الاكتفاء بثلاثة من كل صنف، حيث لم يقيدوا
بمحل أو قيدوا وهم غير محصورين، فإن قيدوا بمحل، كأن قال لعلماء بلد كذا وهم محصورون وجب التعميم والتسوية،
بل والقبول. فإن لم يكن بها عالم بطلت الوصية (قوله: اختص بالفقهاء الخ) أي لتعلق الفقه بكثير من العلوم، كما مر
(قوله: أو للقراء) أي أو أوصى للقراء (قوله: عن ظهر قلب) أي عرفا، فلا يضر غلط يسير ولا لحن كذلك فيما يظهر.
اه‍. ع ش (قوله: أو لأجهل الناس) أي أو أوصى لأجهل الناس. وقوله صرف لعباد الوثن، قال في شرح الروض، قال
الزركشي: وقضية كلامهم صحة الوصية وهو لا يلائم قولهم إنه يشترط للوصية للجهة عدم المعصية وقد تفطن لذلك
صاحب الاستقصاء فقال: وينبغي عدم صحتها لما فيها من المعصية، كما لا تصح لقاطع الطريق. اه‍. وأجاب في
التحفة عن ذلك ولفظها. واستشكلت صحة الوصية بأنها معصية، ويجاب بأن الضار ذكر المعصية، لا ما قد
يستلزمها أو



(1) قوله الاثني عشر علما: أي المنظومة في قول بعضهم:
صرف بيان معاني النحو قافية شعر عروض اشتقاق الخط انشاء
محاضرات وثاني عشرها لغة تلك العلوم لها الآداب أسماء.
251
يقارنها، كما هنا، ومن ثم ينبغي، بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة. اه‍ (قوله: فإن قال من
المسلمين) أي وإن أوصى لأجهل الناس، وقيدهم بالمسلمين. (وقوله: فمن يسب الصحابة) أي فتصرف لمن يسبهم،
لأنهم أجهل المسلمين، وقيل للمجسمة. وقيل لمرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم (قوله: ويدخل في وصية
الفقراء الخ) وذلك لانطلاق كل على ما يشمل الآخر عند الانفراد، وأما عند الاجتماع فيطلق كل على ما يقابل الآخر،
كما مر في قسم الصدقات، (قوله: وعكسه) هو أن يدخل في وصية المساكين والفقراء (قوله: ويدخل في أقارب زيد
الخ) أي في الوصية لأقارب زيد. (وقوله: كل قريب) أي مسلما كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى أو خنثى، فقيرا، أو غنيا،
ويدخل أيضا الأجداد والجدات والأحفاد، وذلك لان هذا اللفظ يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة الغرابة فعمم (قوله: لا
أصل) أي لا يدخل أصل فقط. وقوله وفرع، أي ولد فقط، وإنما لم يقل أصول وفروع لما علمت من دخول الأجداد
والجدات والأحفاد، وإنما لم يدخل الأصل والفرع لأنهما لا يسميان أقارب عرفا بالنسبة للوصية، وإن كانا يسميان أقارب
بالنسبة لغيرها (قوله: ولا تدخل في أقارب نفسه) أي ولا تدخل في الوصية لأقارب نفسه وورثته اعتبارا بعرف الشرع، لا
بعموم اللفظ، ولان الوارث لا يوصى له عادة، وقيل يدخلون لوقوع الاسم عليهم ثم يبطل نصيبهم لتعذر إجازتهم
لأنفسهم، ويصح الباقي لغيرهم. أفاده في شرح الروض.
(قوله: وتبطل الوصية الخ) شروع في بيان حكم الرجوع عن الوصية وما يحصل به (قوله: المعلقة بالموت) أي
المضافة لما بعد الموت لفظا، كما إذا كانت الصيغة من غير مادة الوصية، ومعنى كما إذا كانت من مادتها لما تقدم أن
التقييد بقوله بعد موتي لازم في غير أوصيت من الصيغ كأعطوا أو ادفعوا، وأما في أوصيت فلا يلزم لوضعه شرعا لذلك
(قوله: ومثلها تبرع علق بالموت) فيه أن هذا وصية لا مثلها، فهو مما يندرج تحت قوله المعلقة بالموت، إلا أن يحمل
قوله المعلقة بالموت على ما إذا كان اللفظ المشتمل على التعليق من مادة الوصية. وقوله تبرع علق بالموت، على ما إذا
كان من غيرها فلا يكون مندرجا، بل يكون قسيما، لكن يبقى الايراد في الحكم عليه بالمثلية مع أنه نوع منها، فلو اقتصر
المؤلف على قوله وتبطل الوصية برجوع بنحو نقضتها كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها الخ، وأسقط ما بعد قوله وتبطل مما ذكره
في الشرح لكان أولى وأخصر وأسلم من الركاكة الحاصلة في عبارته، وعبارة المنهاج له الرجوع عن الوصية وعن بعضها
بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها. اه‍. قال في التحفة، إجماعا، وكالهبة قبل القبض بل أولى،
ومن ثم لم يرجع في تبرع نجز في مرضه، وإن اعتبر من الثلث، لأنه عقد تام. اه‍. (قوله: فللموصي الرجوع فيها) أي
يجوز له، وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم في الوصية من الاحكام، فيقال هنا بعد حصول الوصية وإن كانت مطلوبة حين فعلها
إذ عرض للموصى له ما يقتضي أنه صرفها في محرم وجب الرجوع، أو في مكروه ندب الرجوع، أو في طاعة كره الرجوع
(قوله: كالهبة قبل القبض) الكاف للتنظير في جواز الرجوع في الهبة قبل قبضها، لأنها حينئذ غير لازمة (قوله: بل أولى)
أي بل الرجوع عن الوصية أولى من الرجوع عن الهبة لعدم تنجيزها، بخلاف الهبة (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن
الرجوع جائز في الوصية لكونها كالهبة غير المقبوضة، بل أولى، لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، كوقف وعتق وهبة
مقبوضة، لأنه حينئذ ليس كالهبة غير المقبوضة. وفي شرح الروض، وإنما يرجع في المنجز، وإن كان معتبرا من الثلث،
حيث جرى في المرض كالمعلق بالموت، لان المقتضي للرجوع في الوصية كون التمليك لم يتم لتوقفه على القبول بعد
الموت، والتبرع المنجز عقد تام بإيجاب وقبول، فأشبه البيع من وجه. وقوله وإن اعتبر من الثلث، غاية في عدم الرجوع
(قوله: برجوع عن الوصية) متعلق بتبطل، ولو ادعى الوارث رجوع الموروث عنها فلا تقبل بينته، إلا إن تعرضت

252
لصدوره منه بعد الوصية. ولا يكفي عن التعرض قولها رجع عن جميع وصاياه. (قوله: بنحو نقضتها) أي ويحصل
الرجوع بنحو نقضتها كأبطلتها الخ: أي وكفسختها، ورفعتها، ورجعت فيها. وهذه كلها صرائح: كهو حرام على
الموصى له (قوله: والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط) أي كإذا قدم فلان فقد رجعت في وصيتي (
قوله: لجواز
التعليق فيها) أي في الوصية نفسها (قوله: فأولى في الرجوع عنها) أي فجواز التعليق في الرجوع عنها أولى من جوازه في
نفسها (قوله: وبنحو هذا لوارثي) معطوف على بنحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع عن الوصية بقول الموصي هذا
لوارثي أو ميراث عني حال كونه مشيرا إلى الموصى به، وذلك لأنه لا يكون لوارثه إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله
رددتها. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشئ لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرك بينهما لاحتمال نسيانه للأولى،
بأن الثاني هنا لما ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه، فأثر فيه احتمال
النسيان وشركنا، إذ لا مرجح، بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي، فكان ضمه إليه رافعا لقوته. اه‍ (قوله:
سواء أنسي الخ) تعميم في حصول الرجوع بقوله المذكور (قوله: وسئل شيخنا الخ) السؤال والجواب في التحفة (قوله:
عما لو أوصي له بثلث ماله إلا كتبه) أي بأن قال أوصيت لزيد بثلث مالي إلا كتبي، فاستثنى الكتب من دخولها في الوصية
(قوله: ثم بعد مدة) أي من الوصية الأولى. (وقوله: أوصى له) أي للموصى له أولا (قوله: ولم يستثن) أي الكتب
(قوله: هل يعمل بالأولى) أي بالوصية الأولى، وهي التي استثنى فيها الكتب. وقوله أو بالثانية: أي بالوصية الثانية، وهي
التي لم يستثن فيها شيئا (قوله: فأجاب بأن الذي يظهر العمل بالأولى) وهي التي استثنى فيها الكتب، قال سم: ويحتمل
العمل بالثانية، كما لو أوصى له بخمسين ثم بمائة (قوله: لأنها) أي الأولى، وقوله نص، أي صريح في إخراج الكتب
(قوله: والثانية محتملة الخ) أي وأما الوصية الثانية فهي محتملة لكونه ترك الاستثناء فيها لتصريحه بالاستثناء في الأولى،
فتكون الكتب مستثناة تقديرا، ولا تدخل في الثلث (قوله: وأنه تركه الخ) أي ومحتملة أنه ترك الاستثناء إبطالا له، فلا
تكون الكتب مستثناة وتدخل في الثلث (قوله: والنص مقدم على المحتمل) قال في التحفة بعده، وأيضا فقاعدة حمل
المطلق على المقيد، تقدم المقيد أو تأخر، تصرح بذلك، (قوله: وبنحو بيع) أي ويحصل الرجوع بنحو بيع الموصى
به. واندرج تحت نحو: إعتاقه، وإيلاده وكتابته، وإصداقه، وكل تصرف لازم ناجز: كهبة مقبوضة (قوله: ورهن)
معطوف على نحو بيع، أي ويحصل الرجوع برهن للموصى به لتعريضة للبيع (قوله: ولو بلا قبول) راجع للبيع والرهن،
وذلك لدلالتهما على الاعراض (قوله: وعرض عليه) أي ويحصل الرجوع بعرض الموصى به على ما ذكر من نحو البيع
والرهن. (وقوله: وتوكيل فيه) أي فيما ذكر أيضا، وذلك لان كلا من العرض والتوكيل وسيلة إلى ما يحصل به الرجوع
(قوله: ونحو غراس) معطوف على نحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع بنحو غراس كبناء (وقوله: بخلاف زرعه بها) أي
بالأرض الموصى بها، فلا يحصل الرجوع به والفرق بينه وبين نحو الغراس أن كلا من الغراس ونحوه كالبناء يراد للدوام،
بخلاف زرعه، لأنه ليس للدوام، فأشبه لبس الثوب ومما يحصل به الرجوع أيضا خلطه برا معينا أوصى به ببر مثله أو أجود
أو أراد منه لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم، وخلطه صبرة أوصى بصاع منها بأجود منها، لأنه أحدث بالخلط زيادة

253
لم يرض تسليمها، ولا يمكن بدونها، بخلاف ما لو خلطها بمثلها فلا يحصل الرجوع به، لأنه لم يحدث تعييب، إذ لا
فرق بين المثلين. وكذا لو خلطها بأردأ منها في الأصح، قياسا على تعييب الموصى به، وهو لا يؤثر. ومما يحصل به
الرجوع طحنه البر الموصى به، وعجن الدقيق الموصى به، وغزل القطن الموصى به. لاشعار ذلك كله بالاعراض عن
الوصية.
(تنبيه) قال في المغني: هذا كله في وصية بمعين، فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره
لم يكن رجوعا، لان الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية، بل العبرة بما ملكه عند الموت - زاد أو نقص أو
تبدل - كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما. اه‍. (قوله: ولو اختص نحو الغراس) أي كالبناء. (وقوله: ببعض
الأرض) أي الموصى بكلها (قوله: اختص الرجوع بمحله) أي محل الغراس فقط ولا يحصل الرجوع في جميعها (قوله:
وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية) ظاهره وإن لم يكن الانكار جواب سؤال، وهو ظاهر، لان الموصي قد يكون له
غرض في إنكارها مطلقا، ولكن قيده م ر وحجر في شرحيهما بذلك، ولم يذكرا مفهومه. اه‍. بجيرمي (قوله: إن كان
لغرض) كخوف من نحو ظالم عليه، وإلا فيكون رجوعا. وهذا التفصيل هو المعتمد. وقيل إنه رجوع مطلقا. وقيل إنه
ليس برجوع مطلقا، كما في المغني، وعبارته: ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد
الوكالة، أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض، فلا يكون رجوعا، أو لا لغرض فيكون رجوعا، وهذا هو المعتمد. ووقع في
أصل الروضة أنه رجوع، وفي التدبير أنه ليس برجوع، ويمكن حمل ذلك على ما مر. اه‍. (قوله: ولو أوصى بشئ) أي
معين من ماله (قوله: ثم أوصى به) أي بذلك الشئ الذي أوصى به لزيد (قوله: فليس رجوعا) لاحتمال إرادة التشريك
فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخر، بخلافه
في الثانية، فإنه يكون له النصف فقط، لأنه الذي أوجبه له الموصي صريحا، بخلافه في الأولى. اه‍. مغني. وقد تقدم
عن حجر الفرق بينه وبين قول الموصي في الموصى به هذا الوارثي، فلا تغفل (قوله: بل يكون بينهما نصفين) إلا إذا
كان الموصي عالما بالوصية الأولى أو قال أوصيت لزيد بما أوصيت به لعمرو فيكون رجوعا اه‍. بجيرمي (قوله: ولو
أوصى به) أي بهذا الشئ الذي أوصى به أولا لزيد وثانيا لعمرو. وقوله لثالث، أي لشخص ثالث كبكر. وقوله كان، أي
الموصى به. وقوله بينهم، أي بين الثلاثة الموصى له أولا، والموصى له ثانيا، والموصى له ثالثا. وقوله وهكذا، أي فلو
أوصى به لرابع غير الثلاثة كان بينهم أرباعا (قوله: قاله الشيخ زكريا) أي قال ما ذكر من قوله ولو أوصى بشئ لزيد ثم
أوصى به لعمرو الخ (قوله: ثم بخمسين) أي ثم بعد الوصية الأولى أوصى له بخمسين (قوله: فليس له إلا خمسون الخ)
فرق في التحفة بينه وبين ما تقدم فيما لو أوصى بثلث ماله إلا كتبه ثم أوصى بثلث ماله ولم يستثن شيئا، حيث عمل
بالأولى هناك وعمل بالثانية هنا، بأنها هنا صريحة في مناقضة الأولى وإن قلنا إن مفهوم العدد ليس بحجة، لان محله حيث
لا قرينة كما هو معلوم من محله، وهنا القرينة المناقضة فعمل بالثانية لأنها المتيقنة، بخلاف الثانية هناك فإنها
ليست
صريحة في مناقضة الأولى، بل هي محتملة لان يراد فيها ما أريد في الأولى من الاستثناء. ومحتملة لابطال ما أريد في
الأولى، فلم يعمل هناك بالثانية، بل عمل بالأولى المتيقنة، بعكس ما هنا. ولا يتأتى هنا اعتبارهم احتمال نسيان الأولى،
لأنهم إنما اعتبروه في الوصية لاثنين، فقالوا فيها بالتشريك، بخلاف الوصيتين لواحد، فإن الثانية مبطلة للأولى، فاحتيط
لها باشتراط تحقق مناقضتها للأولى اه‍. بتصرف. مطلب في الايصاء وهو قول المحشي

254
(تتمة) تعرض للوصية ولم يتعرض للإيصاء، وقد ترجم له الفقهاء بفصل مستقل، ولا بد من التعرض له تكميلا
للفائدة - فأقول: حاصل الكلام عليه أن الايصاء لغة الايصال، كالوصية. وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت ولو
تقديرا وإن لم يكن فيه تبرع، كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله، ورد ودائعه، وقضاء ديونه، فإنه لا تبرع في شئ من ذلك
بخلاف الوصية فإنه لا بد فيها من التبرع وأركانه أربعة: موصي، ووصي، وموصى فيه، وصيغة. وشرط في الموصي
بقضاء الحقوق التي عليه وتنفيذ الوصايا ورد الودائع ونحوها ما تقدم في الموصي بمال، من كونه مالكا بالغا عاقلا حرا
مختارا. وشرط في الموصي بنحو أمر طفل ومجنون ومحجور عليه بسفه، مع ما مر من الشروط، أن يكون له ولاية عليه
ابتداء من الشرع، لا بتفويض، فلا يصح الايصاء من صبي ومجنون ورقيق ومكره، ولا من أم وعم، لعدم الولاية عليهما،
ولا من الوصي، لان ولايته ليست شرعية ابتداء، بل جعلية بتفويض الأب أو الجد إليه إلا إن أذن له فيه، كأن قال أوص
عني، فأوصى عن الولي، لا عن نفسه، ولا يصح الايصاء من أب على ولده والجد بصفة الولاية، لان ولايته ثابتة شرعا
ابتداء، بخلاف الوصي، كما علمت، وشرط في الوصي: الاسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداء إلى
التصرف وعدم عداوة منه للمولى عليه وعدم جهالة، فلا يصح الايصاء إلى من فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق
ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لهرم أو سفه. وتعتبر الشروط المذكورة عند الموت، لا
عند الايصاء، ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضها كصبي
ورقيق ثم
استكملها عند الموت صح، ولا يضر عمى، لان الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه، ولا أنوثة، لما في سنن
أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وإذا جمعت أم الطفل الشروط المذكورة فهي أولى من
غيرها، لوفور شفقتها. واستجماعها للشروط معتبر عند الايصاء. قال في التحفة: وقول غير واحد عند الموت عجيب،
لان الأولوية إنما يخاطب بها الموصي، وهو لا علم بما عند الموت. اه‍. ويشترط في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا
مباحا، فلا يصح الايصاء في تزويج نحو بنته أو ابنه، لان هذا لا يسمى تصرفا ماليا، وأيضا غير الأب والجد لا يزوح
الصغيرة والصغير، ولا في معصية، كبناء كنيسة للتعبد، لكون الايصاء قربة، وهو تنافي المعصية. ويشترط في الصيغة،
لفظ يشعر بالايصاء، كأوصيت إليك، أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي بعد موتي، فيما عدا أوصيت، على قياس ما مر
في الوصية، ولا بد من بيان ما يوصى فيه. فلو اقتصر على نحو أوصيت إليك كان لغوا، ويجوز فيه التأقيت والتعليق:
كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، وكإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك. ويشترط القبول بعد الموت،
ولو بتراخ، ويكتفي فيه بالعمل كالوكالة، ولكل من الموصي والوصي رجوع متى شاء لأنه عقد جائز إلا إن تعين الوصي
وغلب على ظنه استيلاء ظالم من قاض وغيره عليه فليس له الرجوع. ولو خاف الوصي على مال اليتيم ونحوه من استيلاء
الظالم عليه فله تخليصه بشئ منه فيبذل شيئا القاضي السوء الذي لو لم يبذل له شيئا لإنتزع المال منه وسلمه لبعض
خونته وأدى ذلك إلى استئصاله. وكذا يجوز للوصي تعييب مال اليتيم ونحوه. كما قاله ابن عبد السلام، إذا خاف عليه
الغصب لأجل حفظه، كما في قصة الخضر عليه السلام، وقد حكاها الله تعالى بقوله: * (أما السفينة فكانت لمساكين
يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (1) وقد نظم ابن رسلان في زبده معظم ما
يتعلق بالايصاء بقوله:
سن لتنفيذ الوصا ووفا * ديونه إيصاء حر كلفا
ومن ولي ووصي أذنا * فيه على الطفل ومن تجننا
إلى مكلف يكون عدلا *، وأم الأطفال بهذا أولى



(1) سورة الكهف، الآية: 79.
255
وقوله من ولي، أي وسن الايصاء من ولي وقول ووصي، أي ومن وصي لكن يقيدنا بإذن الولي له في الايصاء عن
نفسه أن عن الموصي، وإلا فلا يصح إيصاء الوصي. وقوله أذنا، يقرأ بالبناء للمجهول، وألفه للاطلاق، أي أذن الولي
للوصي في الايصاء. (وقوله: إلى مكلف) متعلق بإيصاء، أي سن إيصاء من ذلك إلى مكلف - والأحسن جعل إلى
زائدة، إذ فعل الايصاء يتعدى بنفسه. فتنبه. مطلب ما ينفع الميت
(قوله: وتنفع ميتا الخ) جرت عادة الفقهاء يذكرون هذه المسألة في باب الوصية، ولها ارتباط به، إذ الوصية صدقة
معلقة بالموت، كما يؤخذ من حدها المار. (قوله: من وارث وغيره) متعلق بمحذوف حال مما بعده، أي حال كون
الصدقة أو الدعاء كائنين من وارث وغيره، وهو تعميم فيه (قوله: صدقة عنه) أي عن الميت، سواء كان المتصدق هو في
حياته أو غيره، فقوله الآتي منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته راجع لهذا وما بعده. اه‍. رشيدي (قوله: ومنها) أي
الصدقة. (وقوله وقف لمصحف) أي عن الميت. (وقوله وغيره) بالجر عطف على مصحف، أو وقف لغير المصحف
كدار (قوله: وبناء مسجد الخ) أي وإجراء نهر وبيت بناه للغريب ليأوي فيه، أو بناه للذكر، وقد تقدم، في باب الوقف،
بيان العشرة التي يبقى ثوابها له بعد موته، ولا ينقطع منها ما ذكر ومنها ما هو غير صدقة، كدعاء ولد له، وكعلم ينتفع به.
وقد تقدم هناك أيضا نظمها للجلال السيوطي، ولا بأس بإعادته هنا وهو هذا:
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل وغرس لنخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي * إليه أو بناء محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم * فخدها من أحاديث بحصر
(قوله: منه في حياته الخ) متعلق بمحذوف صفة لصدقة ولما بعدها من قوله وقف وبناء وحفر وغرس، أو حال منها
كلها، أي الصادرة منه حال كونه حيا، أو حال كونها صادرة منه في حال كونه حيا. وقوله أو من غيره، معطوف على
منه، أي أو الصادرات من غيره. وقوله عنه، متعلق بمحذوف حال من متعلق الجار والمجرور: أي حال كون هذه الأمور
الصادرة من غيره مجعولة عنه. والمراد أن من صدرت منه جعل ثوابها لذلك الميت. وقوله بعد موته، متعلق بما تعلق به
الجار والمجرور، أي الصادرات بعد موته (قوله: ودعاء) معطوف على صدقة، أي وينفعه أيضا دعاء له من وارث وغيره،
ولو أخر قوله أولا من وراث وغيره عنه لكان أولى. (قوله: إجماعا) دليل لكل من الصدقة ومن الدعاء (قوله: وصح في
الخبر الخ) دليل للدعاء، ومما يدل له أيضا قوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين
سبقونا بالايمان) * (2) فأثنى عليهم بالدعاء للسابقين. ومما يدل للصدقة، خبر سعد بن عبادة: قال: يا رسول الله إن أمي
ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم: قال أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره: ومما يدل لهما خبر: إذا
مات ابن آدم الخ (قوله: باستغفار ولده له) أي بأن يقول: أستغفر الله لوالدي، أو اللهم اغفر له. وفي المغني بعد قوله
في الجنة، فيقول يا رب أنى لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك (قوله: وقوله تعالى) مبتدأ خبره عام، والقصد بإيراد هذه
الآية دفع إيراد من تمسك بظاهرها، وقال لا ينفع الانسان إلا ما حصله بنفسه، ولا ينفعه دعاء الغير له، ولا الصدقة عنه



(2) سورة الحشر، الآية: 10.
256
وحاصل الدفع أن مفهوم الآية مخصوص بغير الصدقة والدعاء. وفي البجيرمي العموم في مفهومه وهو أنه ليس له شئ
في غير سعيه فيخص بغير الصدقة والدعاء. (وقوله: مخصوص بذلك) أي بما ذكر من الاجماع وغيره. وعبارة التحفة:
وهما مخصصان، وقيل ناسخان لقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * إن أريد ظاهره، وإلا فقد أكثروا في
تأويله، ومنه أنه محمول على الكافر، أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى، وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه.
وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابا مطلقا، خلافا
للمعتزلة. اه‍. (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت بالصدقة. (وقوله: أنه يصير كأنه تصدق) قال في التحفة: واستبعاد
الامام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله بأنه يقع عن المتصدق وينال الميت بركته، رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه
من وقوع
الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة. اه‍. (قوله: وواسع فضل الله) الأنسب نصب واسع
بإسقاط الخافض، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف، أي ومن فضل الله الواسع إثابة الله المتصدق أيضا كما
يثيب الميت المتصدق عنه (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن المتصدق يثاب أيضا، كما قال الامام، قال أصحابنا:
يسن لمن أراد أن يتصدق أن ينوي الصدقة عن أبويه ولا يقتصر على نية نفسه بها. وقوله مثلا، راجع للأبوين، أي
الأبوين، أي أو غيرهما: كالأخوين (قوله: فإنه تعالى الخ) لا حاجة إليه بعد قوله ومن ثم (قوله: يثيبهما) أي الأبوين
مثلا. (وقوله: ولا ينقص من أجره) أي المتصدق (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت. (وقوله: بالدعاء) أي دعاء الغير له.
(وقوله: حصول المدعو به له) أي حصول الشئ الذي دعي به للميت، كالمغفرة والرحمة، (وقوله: إذا استجيب) أي الدعاء (قوله: واستجابته) أي
الدعاء. (وقوله: محض فضل من الله تعالى، أي ليس بواجب عليه، خلافا للمعتزلة
(قوله: أما نفس الدعاء) وهو الطلب الصادر منه، كقوله مثلا اللهم اغفر لوالدي وللمسلمين. (وقوله: ونوابه) أي الدعاء
لا معنى لكون الدعاء نفسه للداعي إلا كون ثوابه له، فيكون عطفه على ما قبله من قبيل عطف التفسير (قوله: لأنه) أي
الدعاء للميت شفاعة. (وقوله: ومقصودها) أي الشفاعة، وهو المدعو به. (وقوله: للمشفوع له) هو الميت.
(والحاصل) إذا طلب لوالديه المغفرة مثلا فنفس الطالب يثاب عليه الداعي لأنه شفاعة الخ، ونفس المطلوب،
وهو المغفرة، يكون للميت، وهذا هو المراد من انتفاع الميت بالدعاء (قوله: نعم، دعاء الولد الخ) استدراك على قوله
أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي. (وقوله: يحصل ثوابه) أي الدعاء. (وقوله: نفسه) بالرفع، توكيد لثواب. وقوله للولد
الميت، قال ع ش: ومثله الحي، للعلة المذكورة، اه‍. وانظر، هل يحصل للولد ثواب أيضا أو لا؟ والظاهر أنه لا مانع
من حصول الثواب له أيضا، إذ فضل الله واسع، وإن كان ظاهر العبارة يقتضي خلافه. (قوله: لان عمل ولده الخ) تعليل
لحصول الثواب للوالد. وقوله لتسببه، أي الوالد في وجوده، أي الولد، وهو علة لكونه من جملة عمله، فهو علة تقدمت
على معلولها. وقوله من (وقوله: جملة عمله) أي الوالد، وهو خبر أن (قوله: كما صرح به) أي بما ذكر من أن عمل الولد
من جملة عمل الوالد (قوله: ينقطع عمل ابن آدم الخ) أي ثوابه، كما تقدم في باب الوقف، وقوله ثم قال الخ، عطف



(1) سورة النجم، الآية: 39
257
على مقدر، أي وعد الأولى والثانية من الثلاث، ثم قال في بيان الثالثة أو ولد صالح، والمراد مسلم، لان الاسلام يستلزم
قبول أصل الدعاء، والصلاح إنما هو شرط كماله، كما تقدم. (قوله: جعل) أي النبي (ص) دعاءه: أي الولد من عمل
الوالد، وذلك لان معنى الحديث ينقطع عمله إذا مات إلا من ثلاث، فلا ينقطع عمله منها، ومن جملة الثلاثة دعاء الولد
له. قال في التحفة بعده: وإنما يكون منه، ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء، لا المدعو به. اه‍. (قوله:
أما القراءة الخ) لم يذكر في سابقه مجملا ولا مقابلا لاما، فكان المناسب أن يذكرهما أولا كأن يقول وينفع الميت أشياء،
أما الصدقة والدعاء فبالإجماع، ثم يقول: وأما القراءة ففيها خلاف. أو يعدل عن تعبيره هذا ويقول وما ذكرته، من أنه
ينفع الميت الصدقة والدعاء فقط، هو ما ذكره في المنهاج، وأفهم أنه لا ينفعه غيرهما من سائر العبادات، ولو قراءة وفيها
خلاف فقد قال النووي الخ. وعبارة المغني:
(تنبيه) كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك، أي الصدقة والدعاء كالصلاة عنه قضاء أو غيره وقراءة
القرآن وهو المشهور عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين، واستثنى
صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجور عنه تبعا للطواف، وصححاه، وقال
ابن عبد السلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت، لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع
فيه. وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن ذلك، فقال كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن
بأن لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت. وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى
الميت، كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب، منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم،
وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون. وعليه عمل الناس. وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وقال السبكي.
الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما
قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقره النبي (ص) بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع
الميت بها أولى اه‍. (قوله: لا يصل ثوابها إلى الميت) ضعيف. (وقوله: وقال بعض أصحابنا يصل) معتمد. اه‍.
بجيرمي (قوله: بمجرد قصده) أي الميت بها: أي بالقراءة. وقوله ولو بعدها، أي ولو وقع القصد بعد القراءة (قوله:
وعليه) أي على وصول ثوابها للميت، الأئمة الثلاثة، وفي التحفة بعده على اختلاف فيه عن مالك. اه‍. (قوله:
واختاره) أي اختار القول بوصول ثواب القراءة للميت كثيرون من أئمتنا، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله وقال بعض أصحابنا
الخ. وفي التحفة الاقتصار على الثاني، ولم يذكر الأول، أعني قوله وقال بعض أصحابنا ونصها، وفي القراءة وجه، وهو
مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره كثيرون من أئمتنا الخ. وفي فتح الجواد: الاقتصار على الأول، وعبارته، وقال بعض
أصحابنا يصل ثوابها للميت مطلقا، واعتمده السبكي وغيره وبين أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا
قصد به نفع الميت نفعه، على أن جماعات من العلماء ذهبوا إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة، وصوم،
وقراءة، وغيرها. اه‍. فأنت تراه لفق بين العبارتين، فكان الأولى الاقتصار على أحدهما فتنبه (قوله: فقال) أي السبكي،
والذي دل عليه الخبر، أي خبر الملدوغ. وقوله أن بعض القرآن، مثله كله بالأولى (قوله: وبين ذلك) أي بين السبكي
ذلك، أي دلالة الخبر بالاستنباط على ما ذكر، فقال إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته، وأقر
ذلك (ص) بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه‍. ولك رده بأن الكلام ليس
في مطلق النفع، بل في حصول ثوابها له، وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ. اه‍. تحفة (قوله: وحمل جمع عدم

258
الوصول الخ) أي وحملوا الوصول على القراءة بحضرة الميت، أو على نية القراءة له أو على الدعاء عقبها،
كما في سم،
وعبارته.
(والحاصل) أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعا عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته،
وحصل للقارئ أيضا الثواب. فلو سقط ثواب القارئ لمسقط، كأن غلب الباعث الدنيوي، بقراءته بأجرة، فينبغي أن
لا يسقط مثله بالنسبة للميت. ولو استأجر للقراءة للميت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره علم يبرأ من واجب
الإجارة. وهل تكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت؟ ينبغي نعم، إذا عد ما بعد الأول من توابعه. م ر. اه‍.
لكن ظاهر كلام الشارح، كالتحفة وشرح المنهج، يفيد أن القراءة بحضرة الميت من غير نية ثواب القراءة له أو القراءة لا
بحضرة الميت مع النية فقط من غير دعاء عقبها لا يحصل ثوابها لميت، فلا بد في الأولى من النية وفي الثانية من الجمع
بين النية والدعاء (قوله: أو نواه) أي ثواب القراءة للميت. وقوله ولم يدع قضيته، كما علمت، أنه لا بد من الجمع بين
النية والدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر. وقال سم، واعتمد م ر: الاكتفاء بنية جعل الثواب له، وإن لم يدع، (قوله:
وقد نص الشافعي الخ) هذا ذكره في التحفة تأييد الكلام ساقط من عبارة الشارح ونصها بعد وحمل جمع عدم الوصول
على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت إلى آخر ما ذكره المؤلف، أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن الاستئجار
للقراءة على القبر يحمل على ماذا؟ فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الروضة النازلة عند القراءة له، وقيل
محملها أن يعقبها بالدعاء له، وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت، وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي دخل
عليه عمل الناس. وفي الأذكار أنه الاختيار قول الشالوشي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه. وأنت خبير أن هذا
كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر، ولا ينافيه ما ذكره الأول، وهو أنه
كالحاضر، لان كون مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع، لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه، وقد نص الشافعي
والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها الخ، فكان المناسب للمؤلف أن يذكر ما قبل قوله
وقد نص
الشافعي أو يحذف الكل. فتنبه (قوله: لأنه) أي الدعاء. وقوله حينئذ، أي حين إذ كان الدعاء عقب القراءة. وقوله أرجى
للإجابة، أي أقرب إليها، لان موضع القراء موضع بركة. وقوله ولان الميت تناله بركة القراءة. أي لا ثوابها، وهذا هو
محط التأييد الذي ساق في التحفة قوله وقد نص الشافعي الخ، لأجله، وبيان ذلك أنه ادعى أن مجرد النية من غير دعاء لا
يفيد، أي لا يحصل ثواب القراءة للميت، وإن كان يحصل له منها نفع مجرد، وأيد ذلك بما نص عليه الشافعي وأصحابه
من أن الميت يناله بركة القراءة، وهي غير ثوابها. فتنبه. وقوله كالحي الحاضر، أي في محل القراءة فإنه تناله بركة القراءة
قال في التحفة بعده: لا المستمع، لان الاستماع يستلزم القصد، فهو عمل، وهو منقطع بالموت. اه‍. (قوله: قال ابن
الصلاح الخ) عبارة المغني، وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا
يختلف في ذلك القريب والبعيد. وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلان يجوز بماله
أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال. وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل
ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة، لان ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه، كما لو قال خصصتك
بهذه الدراهم لا يصح أن تقول وهي عاملة للمسلمين. قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله، فإن الثواب قد يتفاوت،
فأعلاه ما خص زيدا مثلا، وأدناه ما كان عاما، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء. وقد أشار الروياني في
أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله على نبينا محمد (ص) خاصة وعلى النبيين عامة. اه‍. وأما ثواب القراءة إلى سيدنا
رسول الله (ص) فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في
الصلاة عليه (ص) وسؤال الوسيلة. قال الزركشي، ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء بالرحمة، وإن كانت بمعنى الصلاة لما

259
في الصلاة من معنى التعظيم، بخلاف الرحمة المجردة، وجوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر
رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي (ص) عمر بعد موته من غير وصية. وحكى الغزالي في الاحياء عن علي ابن
الموفق. وكان من طبقة الجنيد. أنه حج عن النبي (ص) حججا وعدها القاضي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق
النيسابوري أنه ختم عن النبي (ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك. اه‍. ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون،
فإن مذهب الشافعي، أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز، كما صرح به المصنف في باب الأضحية. اه‍. ومثلها
الحج والعمرة، كما هو ظاهر، وقد تقدم في باب الإجارة، كلام يتعلق بما هنا، فارجع إليه إن شئت (قوله: فهو) أي
المثل المراد. وقوله وإن لم يصرح به، أي بالمثل في العبارة، وهو غاية لكونه هو المراد
(قوله: لفلان) متعلق بأوصل (قوله: لأنه الخ) تعليل لإنبغاء الجزم بنفع الميت بما ذكر (قوله: بما ليس للداعي) أي بالشئ الذي لم يجعله الداعي
لنفسه، أي لم ينوه به نفسه كالقراءة بقصد الميت. وقوله فماله أولى، أي فنفعه بما قصد به الداعي نفسه، كأن قرأ القرآن
بقصد الثواب له أولى من ذلك (قوله: ويجري هذا في سائر الأعمال) ظاهره أن الإشارة راجعة لقول ابن الصلاح وينبغي
الجزم الخ، ويحتمل أنه من كلام ابن الصلاح أيضا، وحينئذ فهو صريح أن الانسان إذا صلى أو صام مثلا وقال اللهم
أوصل ثواب هذا لفلان يصل إليه ثواب ما فعله من الصلاة أو الصوم مثلا. فتنبه وراجع. اه‍. رشيدي. وقوله فتنبه
وراجع، قد تقدم لشارحنا في باب الصوم ما نصه: قال المحب الطبري يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة.
وفي شرح المختار لمؤلفه مذهب أهل السنة، إن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله. اه‍. والله سبحانه
وتعالى أعلم.

260
باب الفرائض
أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الانسان إليهما، أو إلى أحدهما، من حين ولادته دائما، أو غالبا، إلى
موته، ولأنهما معلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت. ولما كان نصف العلم ناسب ذكره في نصب الكتاب والأصل
فيها آيات المواريث، وأخبار، كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلاولى رجل ذكر وورد في الحث
على تعلمها وتعليمها من الاخبار والآثار أشياء كثيرة، فمن الأول خبر تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ
مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم
وصحح إسناده، وخبر من علم فريضة كان كمن عتق عشر رقاب، ومن قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة، وخبر
تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجة وغيره. وسمي نصفا
لتعلقه بالموت المقابل للحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف كقول الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفان: شامت، وآخر مثن بالذي كنت أصنع
فإن المراد بالنصفين الصنفان، أي النوعان، وقيل غير ذلك. ومن الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:
إذ تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي واعلموا أن علم الفرائض يعرف بأنه فقه المواريث، وعلم
الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة. فحقيقته مركبة من فقه المواريث وعلم الحساب الموصل
إلى ما ذكر. والمراد بفقه المواريث فهم مسائل قسمة التركات، وبعلم الحساب إدراك مسائل الحساب، وموضوعه
التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة، والتركة ما خلفه الميت من مال أو حق، ويتعلق بها خمسة حقوق
مرتبة، أولها الحق المتعلق بعين التركة، كالزكاة، والجناية، والرهن. ثانيها: مؤن التجهيز بالمعروف. ثالثها: الديون
المرسلة في الذمة. رابعها: الوصايا بالثلث فما دونه لأجنبي. خامسها: الإرث. وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده
بقوله:
يبدأ من تركة الميت بحق كالرهن والزكاة بالعين اعتلق
فمؤن التجهيز بالمعروف فدينه ثم الوصايا توفى
من ثلث باقي الإرث الخ. وصورة الرهن أن تكون التركة مرهونة بدين على الميت فيقتضي بها دينه مقدما على مؤن
التجهيز وسائر الحقوق، وصورة الزكاة أن تتعلق الزكاة، فالنصاب ويكون النصاب باقيا، فتقدم الزكاة على سائر الحقوق
والديون، فإن كان النصاب تالفا كانت من جملة الديون المرسلة في الذمة، وللإرث أركان، وشروط، وأسباب، وموانع.
فأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، وتحقق موت المورث، والعلم بجهة
الإرث. وأسبابه ثلاثة: وهي نكاح، وولاء، ونسب، كما قال في الرحبية:
أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة
وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب
فالنكاح عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطئ ولا خلوة. والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه.

261
والنسب وهو القرابة، وهي الأبوة، والبنوة، والأدلاء بأحدهما. وموانعه ثلاثة: قتل، ورق، واختلاف دين، كما قال في
الرحبية:
ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
فلا يرث القاتل من مقتوله ولو بحق، والقاتل من له دخل في القتل، ولو بوجه، والرق مانع من الجانبين: أي جانب
الرقيق وجانب قريبه، فلا يرث ولا يورث. واختلاف الدين بالاسلام والكفر، فلا توارث بين مسلم وكافر، لخبر
الصحيحين: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
(فائدة) كان في الجاهلية يورثون الرجال الكبار دون النساء والصغار، ثم كان في أول الاسلام بالتحالف والنصرة،
ثم نسخ إلى التوارث بالاسلام والهجرة، ثم نسخ إلى وجوب الوصية، ثم نسخ بآيات المواريث.
(فائدة أخرى) الناس في الإرث وعدمه على أربعة أقسام: قسم يرث ويورث، وقسم يرث ولا يورث، وقسم يورث
ولا يرث، وقسم لا يرث ولا يورث. فالأول كثير، كالأخوين والأصل مع فرعه والزوجين. والثاني: كالأنبياء عليهم الصلاة
والسلام، فإنهم لا يورثون لقوله (ص): نحن معاشر الأنبياء نرث ولا نورث، ما تركناه صدقة. والثالث: المبعض فإنه لا
يرث عندنا ويورث عنه جميع ما ملكه ببعضه الحر، لأنه تام الملك. والرابع: كالرقيق والمرتد، فلا يرثان ولا يورثان
(قوله: أي مسائل قسمة المواريث) تفسير مراد، أي أن المراد بالفرائض في الترجمة مسائل قسمة المواريث، أي
التركات، سواء كانت بالفرض أو بالتعصيب، وليس المراد بها الانصباء المقدرة فقط، فلا يرد أنه كان حقه أن يقول باب
الفرائض والتعصيب. (وقوله: جمع فريضة الخ) بيان لمعناه الأصلي (قوله: والفرض لغة التقدير) قال تعالى: * (فنصف
ما فرضتم) * (1) (قوله: وشرعا هنا) أي في هذا الباب بخصوصه، فلا ينافي أن الفرض شرعا يطلق على ما قابل الحرام
والمندوب ونحوهما. وهو المطلوب فعله طلبا جازما وإن شئت قلت هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه (وقوله:
نصيب مقدر للوارث) أي كنصف وربع وثمن. وخرج بالمقدر، التعصيب فإنه ليس مقدرا، بل يأخذ العاصب جميع
التركة إن انفرد، وما أبقت الفروض إن لم تستغرق التركة (قوله: وهو) أي الوارث. (وقوله:
من الرجال) أي حال كونه من الرجال، وسيذكر مقابله بقوله ومن النساء. وقوله عشرة، أي بطريق الاختصار، أما بطريق البسط فخمسة عشر:
الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد، وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للام، وابن الأخ
الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق، وقد
نظمها بالطريق الأول صاحب الرحبية في قوله:
والوارثون من الرجال عشرة * أسماؤهم معروفة مشتهرة
الابن، وابن الابن، مهما نزلا * والأب، والجد له، وإن علا
والأخ من أي الجهات كانا * قد أنزل الله به القرآنا
وابن الأخ المدلي إليه بالأب * فاسمع مقالا ليس بالمكذب
والعم، وابن العم من أبيه * فاشكر لذي الايجاز والتنبيه
والزوج، والمعتق ذو الولاء * فجملة الذكور هؤلاء



(1) سورة البقرة، الآية: 237.
262
(واعلم) أنه لو اجتمع جميع الرجال فقط ورث منهم ثلاثة: الأب، والابن والزوج، لأنهم لا يحجبون والباقي
محجوب، فابن الابن بالابن والجد بالأب، والباقي من الاخوة والأعمام محجوب بهما، ولا يكون الميت في هذه الصورة
إلا امرأة، وهي الزوجة، ومسألتهم من اثني عشر، لان فيها ربعا للزوج وسدسا للأب، وكل مسألة فيها ربع وسدس،
فهي من اثني عشر، للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، وللابن الباقي وهو سبعة (قوله: ومن النساء) معطوف على
قوله من الرجال، أي وللوارث من النساء. (وقوله: سبع) أي بطريق الاختصار أيضا، أما بطريق البسط فعشر، البنت،
وبنت الابن، وإن نزل، الام، والجدة من جهة الام، والجدة من جهة الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت
للام، والزوجة، والمعتقة. وقد نظم ذلك بالطريق الأول أيضا صاحب الرحبية بقوله:
والوارثات من النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع
بنت، وبنت ابن، وأم مشفقة وزوجة، وجدة، ومعتقة
والأخت من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت
وقوله وجدة، لا فرق فيها بين أن تكون من جهة الام، كأم الام، أو من جهة الأب، كأم الأب، بشرط أن لا تدلي
بذكر بين أنثيين، بأن تدلي بمحض الإناث، أو بمحض الذكور، أو بمحض الإناث إلى مخص الذكور، فإن أدلت
بذكر بين أنثيين، كأم أبي الام، فلا ترث، لأنها من ذوي الأرحام، وتسمى الجدة الفاسدة.
(واعلم) أيضا أنه لو اجتمع جميع الإناث فقط ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، والام، والزوجة، والأخت
الشقيقة، والباقي منهن محجوب الجدة بالام والأخت للأم بالبنت، وكل من الأخت للأب والمعتقة بالشقيقة لكونها مع
البنت، وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض، ولا يكون الميت في هذه إلا رجلا، وهو الزوج، ومسألتهن من
أربعة وعشرين، لان فيها سدسا وثمنا، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، وهما متوافقان بالنصف، فيضرب نصف
أحدهما في كامل الآخر، فيتحصل أربعة وعشرون، للبنت النصف إثنا عشر، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة،
وللأم السدس أربعة أيضا، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللأخت الباقي، وهو واحد، ولو اجتمع كل الذكور وكل الإناث إلا
الزوجة فإنها الميتة، أو كل الإناث وكل الذكور إلا الزوج فإنه الميت ورث في المسألتين خمسة الأبوان والابن والبنت
وأحد الزوجين وهو الزوج حيث كان الميت الزوجة، أو الزوجة حيث كان الميت الزوج، والباقي محجوبون بهم، ومسألة
الزوج من اثني عشر، للأبوين السدسان أربعة، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي، وهو خمسة، بين الابن والبنت أثلاثا، لان
الابن برأسين، والبنت برأس ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة،
وهو اثنا عشر، بستة وثلاثين، ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة، فللأبوين
أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل منهما ستة وللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى خمسة عشر، للابن منها عشرة وللبنت
خمسة. ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين، للأبوين السدسان ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي، وهو ثلاثة عشر، بين
الابن والبنت أثلاثا، لما علمت، ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل
المسألة، وهو أربعة وعشرون، باثنين وسبعين. ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها
وهو ثلاثة فللأبوين ثمانية في ثلاثة بأربعة وعشرين لكل منهما اثنا عشر، وللزوجة ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى تسعة وثلاثون
للابن ستة وعشرون وللبنت ثلاثة عشر (قوله: ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام) أي لما
صح أنه (ص): لما استفتى فيمن ترك عمته وخالته لا غير، رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم رجل ترك عمته وخالته لا
وارث له غيرهما، ثم قال أين السائل؟ قال: ها أنا ذا. قال لا ميراث لهما (قوله: ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا

263
وجد بعضهم) أي ولم يستغرق، كبنت أو أخت (قوله: بل المال) وهو الكل فيما إذا فقدوا كلهم، أو البعض فيما إذا فقد
البعض لبيت المال (قوله: ثم إن لم ينتظم الخ) عبارته غير منتظمة لاقتضائها أن ما تقدم من كون أصل المذهب ما ذكر
مقيد بما إذا انتظم، وليس كذلك، بل أصل المذهب ما تقدم مطلقا، انتظم أو لا، وإنما اختار المتأخرون عند عدم
الانتظام أن يرد لذوي الفروض فإن فقدوا فلذوي الأرحام. ويدل على ذلك عبارة المنهاج ونصها: ولو فقدوا كلهم فأصل
المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض، بل المال لبيت المال، وإن لم ينتظم، وأفتى المتأخرون إذا
لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض، غير الزوجين، ما فضل عن فروضهم بالنسبة، فإن لم يكونوا صرف إلى
ذوي الأرحام. اه‍. بزيادة يسيرة من التحفة. وقوله رد ما فضل عنهم، أي زاد على فروضهم المقدرة. وقوله عليهم،
متعلق برد، أي رد عليهم. وقوله غير الزوجين، أما هما فلا يرد عليهما (قوله: بنسبة الفروض) متعلق برد، أي رد بنسبة
فرض كل من يرد عليه إلى مجموع ما أخذ من فرضه وفرض رفقته، ففي أم وأخت منها يبقى بعد إخراج فرضيهما ثلاثة من
ستة، فيرد بالنسبة لمجموع ما أخذ، وهو ثلاثة، فنسبة السهمين نصيب الام لذلك ثلثان فلها ثلثا الباقي، وهو سهمان،
ونسبة نصيب الأخت لذلك ثلث فلها ثلث، وهو سهم، فللام أربعة وللأخت اثنان، وترجع بالاختصار إلى ثلاثة. اه‍.
ش ق (قوله: ثم ذوي الأرحام) أي ثم إن لم يوجد أصحاب الفروض الذين يرد عليهم بأن لم يكن أحد من الورثة أصلا،
أو كان هناك أحد من أهل الفروض الذين لا يرد عليهم كأحد الزوجين، صرف المال كله في الأولى أو الفاضل في الثانية
لذوي الأرحام. هكذا يتعين حل العبارة، لا كما يقتضيه ظاهرها، لأنه فاسد. وذوو الأرحام كل قريب غير من تقدم من
المجمع على إرثهم، فإن لم يوجد أحد من ذوي الأرحام فحكمه، كما قال العز بن عبد السلام، إنه إذا جارت الملوك في
مال المصالح وظفر بالمال الذي لم يوجد له وارث ولو من ذوي الأرحام أحد يعرف المصالح أخذه وصرفه فيها كما يصرفه
الإمام العادل وهو مأجور على ذلك قال: والظاهر وجوبه بشرط سلامة العاقبة، وإن كان يستحقه في بيت المال جاز له أن
يأخذ منه لنفسه وعياله ما يحتاجه، والعبرة بالعمر الغالب (قوله: وهم أحد عشر) أي صنفا، وترجع بالاختصار إلى أربعة
أصناف: الأول من ينتمي إلى الميت، أي ينتسب إليه لكونه أصله، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن نزلوا.
الثاني: من ينتمي إليهم الميت لكونهم أصوله، وهم الأجداد والجدات الساقطون وإن علوا. الثالث: من ينتمي إلى أبو
الميت: وهم أولاد الأخوات وبنات الاخوة وبنو الاخوة للام ومن يدلي إلى الميت بهم. الرابع: من ينتمي إلى أجداد
الميت وجداته، وهم الأعمام من جهة الام والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا، ثم إنه
لا خلاف عند من ورث ذوي الأرحام أن من أنفرد منهم حاز جميع المال، وإنما الخلاف عند الاجتماع في كيفية إرثهم،
وفي ذلك مذهبان، أصحهما مذهب أهل التنزيل، ومحصله أنه ينزل كل منهم منزلة من يدلي به إلى الميت، فكل فرع
ينزل منزلة أصله، وينزل أصله منزلة أصله. وهكذا درجة درجة إلى أن يصل إلى أصل وارث بالفرض أو التعصيب، وكل
من نزل منزلة شخص يأخذ ما كان يأخذه ذلك الشخص فيفرض موت ذلك الشخص، وإن هذا المنزل منزلته وارثه، وهذا
في غير الأخوال والخالات. أما هم فينزلون منزلة الام لا منزلة من أدلوا به وهم الأجداد، وفي غير الأعمام من جهة الام
والعمات وبنات الأعمام. أما هم فينزلون منزلة الأب، لا منزلة من أدلوا به، وهم الأجداد، والثاني مذهب أهل
القرابة
ومحصلة تقديم الأقرب منهم إلى الميت فيقدم الصنف الأول على الثاني، وهو على الثالث، وهكذا، ففي بنت بنت
وبنت بنت ابن المال على المذهب الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت، وعلى الأول بينهما أرباعا. ووجهه أن بنت
البنت تنزل منزلة البنت فلها النصف وبنت بنت الابن تنزل منزلة بنت الابن فلها السدس تكملة الثلثين، فمسألتهما من
ستة لدخول النصف في السدس، يبقى اثنان يقسمان عليهما ردا باعتبار نصيبهما، فلبنت البنت واحد ونصف، ولبنت
بنت الابن نصف، فحصل الكسر على مخرج النصف، وهو اثنان، فيضرب في أصل المسألة، وهو ستة، يخرج اثنا

264
عشر، لبنت البنت تسعة فرضا وردا، ولبنت بنت الابن ثلاثة فرضا وردا. وترجع بالاختصار إلى أربعة. فأصل المسألة
من ستة، وتصح من اثني عشر، وترجع بالاختصار إلى أربعة (قوله: الفروض الخ) شرع في بيان الفروض وأصحابها،
وبيان قدر ما يستحقه كل منهم (قوله: المقدرة) اعترض بأن في ذكره بعد الفروض تكرارا لان معنى الفروض: الانصباء
المقدرة، فكأنه قال: الانصباء المقدرة المقدرة. وأجيب بارتكاب التجريد فيها بأن يراد منها الانصباء فقط وقوله في كتاب
الله، أي المنصوص عليها في كتاب الله، وهو القرآن العظيم. وقيد به لأجل قوله بعد ستة لأنها هي الثابتة في كتاب الله
وإلا ورد عليه أنها سبعة لا ستة فقط والسابع ثبت بالاجتهاد، وهو ثلث الباقي في مسائل الجد والاخوة حيث كان مع الجد
ذو فرض وزادت الاخوة على مثليه. وذلك كأم وجد وخمسة إخوة أصلها من ستة، وتصح من ثمانية، وقيل من ثمانية عشر
تأصيلا، لان فيها سدسا، وثلث الباقي ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة، ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية. ومثله ثلث ما
يبقي في الغرار سميا بذلك لشهرتهما، فهما كالكوكب الأغر: أي النير المضئ، وكما يسميان بالغواوين يسميان أيضا
بالعمريتين: لقضاء سيدنا عمر فيهما بذلك، وبالغريبتين: لغرابتهما ومخالفتهما للقواعد، وهما أب وأم وزوج أو زوجة
بأن ماتت الزوجة في المسألة الأولى عن أبيها وأمها وزوجها فللزوج النصف واحد لأنها من اثنين مخرج النصف وللأم
ثلث الباقي وهو واحد، فانكسرت على مخرج الثلث: تضرب ثلاثة في اثنين بستة، فهي من ستة تصحيحا، وقيل
تأصيلا، لان فيها نصفا وثلث الباقي فللزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، أو مات الزوج في
المسألة الثانية عن أبيه وأمه زوجته فللزوجة الربع واحد لأنها من أربعة مخرج الربع وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان،
وأما السبع والتسع في مسائل العول فمذكوران في كتاب الله تعالى: لان الأول سدس عائل، والثاني ثمن عائل، كما
سيأتي بيانه (قوله: ستة) أي مقدارا وعددا، وخمسة مخرجا: لان مخرج الثلث والثلثين من ثلاثة (قوله: ثلثان الخ) أعلم
أن لهم في عد الفروض طرقا ثلاثا: الأولى طريقة التدلي، وهي أن تذكر أولا الكسر الاعلى، ثم تنزل إلى ما تحته
وهكذا: كأن تقول الثلثان والنصف ونصف كل ونصف نصفه، وعبارة الشارح قريبة من هذا، أو تقول الثلثان ونصفهما
وربعهما والنصف ونصفه وربعه. والثانية طريقة الترقي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأدق ثم ما فوقه وهكذا، كأن تقول
الثمن والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما، أو تقول الثمن وضعفه وضعف ضعفه والسدس وضعفه وضعف ضعفه.
والثالثة طريقة التوسط، وهي أن تذكر أولا الكسر الوسط ثم تنزل درجة وتصعد درجة، كأن تقول الربع والثلث ونصف كل
وضعف كل، أو تقول الربع ونصفه وضعفه والثلث ونصفه وضعفه. والمقصود من العبارات واحد، فهو تفنن في التعبير
(قوله: فالثلثان) بدأ بهما اقتداء بالقرآن، ولأنه نهاية ما ضوعف (قوله: فرض أربعة) أي من الأصناف. ولو قال لأربعة
لكان أولى، لأجل أن يناسب قوله بعد لاثنين، ومثله يقال فيما يأتي (قوله: لاثنين فأكثر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهما
لاثنين فأكثر، ولو عبر بما جعلته أولى لكان بدلا منه، وقوله من بنت: بيان لاسم العدد، أعني الاثنين، أي حالة كون
الاثنين فأكثر من صنف البنات، وقوله وبنت ابن، الواو بمعنى أو، ومثله يقال فيما بعده، أي أن الثلثين فرض اثنين فأكثر
من البنات، وفرض اثنين فأكثر من بنات الابن، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأبوين، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات
لأب، قال تعالى في البنات * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * (1) وبنات الابن كالبنات
والبنتان وبنتا الابن
مقيستان على الأختين. وقال تعالى في الأختين فأكثر: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (2) إنزلت في سبع أخوات
لجابر رضي الله عنه حين مرض وسأل عن إرثهن منه، فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر. ويشترط لاستحقاق البنات
الثلثين أن لا يكون لهن معصب، ولاستحقاق بنات الابن لهما عدم أولاد الصلب، وأن لا يكون معصب، ولاستحقاق



(1) سورة النساء، الآية: 11.
(2) سورة النساء، الآية: 176.
265
الأخوات لأبوين أن لا يكون ولد صلب. ولا ولد ابن ولا معصب، ولاستحقاق الأخوات لأب أن لا يكون ولد صلب ولا
ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب (قوله: وعصب كلا الخ).
(اعلم) أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس: وهم الذين سيذكرهم المؤلف بقوله وهي ابن وابنة الخ، ومعنى
ذلك أن من أنفرد منهم يأخذ جميع المال ويسقط إذا استغرقت أصحاب الفروض التركة إلا في المسألة المشركة، وهي
زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق فللزوج النصف وللأم السدس وللاخوة للأم الثلث، ويشاركهم الأخ الشقيق. وعصبة
بالغير: كالبنات بالبنين والأخوات بالاخوة، وهم الذين ذكرهم بقوله هنا وعصب كلا أخ الخ، ومعنى ذلك أنه يكون
للذكر مثل حظ الأنثيين إجماعا لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1). وعصبة مع الغير:
كالأخوات مع البنات أو بنات الابن، وهم الذين ذكرهم بقوله وعصب الأخريين الأوليان، ومعنى ذلك أن للبنت أو بنت
الابن النصف فرضا وللبنات أو لبنات الابن الثلثين كذلك، وما فضل فهو للأخت أو للأخوات المتساويات بالعصوبة
(قوله: أخ ساوى له) اللام زائدة والضمير يعود على كلا من البنت الخ. وقوله في الرتبة، أي في الدرجة، متعلق بساوي، أي
ساوى ذلك الأخ كلا من البنت وما بعدها. وخرج به من هو أعلى في الدرجة فلا يعصب من هي تحته فيها، بل
يسقطها كالابن مع بنت الابن، ومن هو أنزل فيها فلا يعصب من هي أعلى منه، بل تأخذ فرضها وهو يأخذ الباقي كالبنت
مع ابن الابن. نعم: بنت الابن يعصبها الذكر النازل عنها درجة من أولاد الابن إن لم يكن لها شئ من الثلثين، كبنتي
صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شئ من الثلثين لم يعصبها: كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، بل لبنت
الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي له، لان لها فرضا استغنت عن تعصيبه. قال ابن رسلان في
زبده:
وعصب الأخت أخ يماثل وبنت الابن مثلها والنازل
وقوله والأدلاء هو معطوف على الرتبة، أي وساواه في الادلاء أي الانتماء والقرب للميت (قوله: فلا يعصب الخ)
تفريع على مفهوم قوله ساوي له بالنسبة للرتبة. وقوله الآتي ولا يعصب الأخ الخ، تفريع على مفهومه بالنسبة للادلاء.
وقوله ابن الابن البنت: وإنما لم يعصبها لأنه أنزل منها درجة، كما علمت (قوله: ولا ابن ابن الابن بنت ابن) أي ولا
يعصب ابن ابن الابن بنت ابن لأنه أنزل منها أيضا. هذا إن كان لها شئ من الثلثين، وإلا عصبها، كما علمت (قوله:
لعدم المساواة في الرتبة) علة لعدم تعصيب ابن الابن البنت وابن ابن ابن بنت ابن (قوله: ولا يعصب الأخ لأبوين الأخت
لأب) أي بل يحجبها (قوله: ولا الأخ لأب الأخت لأبوين) أي ولا يعصب الأخ لأب الأخت لأبوين، بل يفرض لها معه
ويأخذ الباقي بالتعصيب (قوله: لعدم المساواة في الادلاء) هو علة لعدم تعصيب الأخ لأبوين الأخت لأب، وعدم تعصيب
الأخ لأب الأخت لأبوين: أي وإنما لم يعصبها في الصورة الأولى لعدم مساواتها له في الادلاء إلى الميت، إذ هي تدلي
بالأب فقط، وهو يدلي بالأب والام، بل تسقط، ولم يعصبها في الصورة الثانية لعدم المساواة أيضا في الادلاء لأنها أدلت
إلى الميت بالأبوين وهو بالأب فقط، بل تأخذ نصف التركة فرضا، وهو يأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وإن تساويا في الرتبة)
غاية في عدم تعصيب الأخ الخ (قوله: وعصب الأخريين الخ) قال في الرحبية:
والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات



(1) سورة النساء، الآية: 11.
266
وإنما كانت الأخوات مع البنات عصبات لأنه إذا كان في المسألة بنتان فصاعدا أو بنتا ابن وأخوات وأخذت البنات
الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات فاستبعدوا أن يزاحم أولاد الأب الأولاد وأولاد الابن ولم
يمكن إسقاط أولاد الأب فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن خاصة قاله إمام الحرمين. اه‍. من حاشية البقري
(قوله: أي الأخت لأبوين) تفسير للأخريين. وقوله أو لأب، الأولى أن يقول والأخت للأب (قوله: الأوليان) فاعل عصب
الذي قدره الشارح (قوله: وهما) أي الأوليان (قوله: والمعنى) أي معنى كون الأوليين يعصبان الأخريين. وقوله مع البنت
أو بنت الابن، الظرف متعلق بمحذوف حال من الأخت، والمعنى أن الأخت حالة كونها مجتمعة مع البنت أو
بنت لابن.
(وقوله: تكون عصبة) أي فتأخذ ما زاد على فرض البنت أو بنت الابن (قوله: فتسقط أخت الخ) تفريع على كون الأخت
تكون عصبة، لكن بالنسبة للشقيقة، أي وحيث كانت عصبة فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب،
وذلك لأنها صارت كالأخ الشقيق، فتحجب الاخوة لأب، ذكورا كانوا أو إناثا، ومن بعدهم من العصبات، واقتصر على
الأخت لأبوين، ومثلها الأخت لأب، حيث صارت عصبة فتحجب بني الاخوة مطلقا ومن بعدهم من العصبات، كالأخ
للأب فإنه يحجب بني الاخوة مطلقا. وقوله أخا لأب، مفعول تسقط. ولو قال ولد أب لكان أولى، لشموله الذكر والأنثى
(قوله: كما يسقط الخ) تنظير. وقوله الأخ، أي الشقيق (قوله: ونصف) معطوف على ثلثان في المتن، وكان عليه أن يزيد
في الشرح أل المعرفة، كما زادها في المعطوف عليه، وقوله فرض خمسة، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو فرض خمسة
وهي الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، ولكل في استحقاقه النصف شروط، فالزوج يستحقه
بشرط واحد، وهو أن لا يكون للزوجة فرع وارث، وبنت الصلب تستحقه بشرطين، وهما أن لا يكون لها معصب ولا
مماثل، وبنت الابن تستحقه بثلاثة شروط، وهي أن لا يكون ولد صلب ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأبوين تستحقه
بأربعة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأب تستحقه بخمسة شروط، أن لا
يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب ولا مماثل (قوله: منفردات عن أخواتهن) فإن لم ينفردن عنه
ثبت لهن الثلثان. وقوله وعن معصبهن، فإن لم ينفردن عنه كان للذكر معهن مثل حظ الأنثيين، ويشترط أيضا أن ينفردن عمن
يحجبهن حرمانا في غير البنات، لأنهن لا يحجبن حرمانا أصلا (قوله: ولزوج ليس لزوجته فرع وارث) أي لقوله
تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (1) وولد الابن كولد الصلب في حجب الزوج من النصف
إلى الربع إجماعا، إما لصدق الولد به مجازا فيكون مأخوذا من الآية على هذا، أو لقياسه عليه في ذلك بجامع الإرث
والتعصيب فيكون بطريق القياس على هذا. وعدم فرعها المذكور صادق بأن لا يكون لها فرع أصلا أو لها فرع غير وارث
كرقيق وقاتل أو مختلف دين. وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في الفرع (قوله: وربع) معطوف على ثلثان أيضا ويجري
فيه ما تقدم. وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف. وقوله له الجار والمجرور، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو كائن له
(قوله: ومعه) أي مع فرعها، أي ذكرا كان أو غيره سواء كان منه أيضا أم لا قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما
تركن) * (2) وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لان فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع
البنت. اه‍. شرح المنهج (قوله: وربع لها الخ) لا حاجة إلى زيادة لفظة وربع، وذلك لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما
تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (3) وقوله فأكثر، أي من زوجة كاثنتين وثلاث وأربع، فالأربع تشتركن في الربع، كمن



(1) سورة النساء، الآية: 12.
(2) سورة النساء، الآية: 12.
(3) سورة النساء، الآية: 12.
267
دونهن، وقوله أي دون فرع له، لا فرق فيه بين الذكر وغيره، وبين أن يكون فرعها أيضا أو لا (قوله: وثمن) معطوف على
ثلثان أيضا. وقوله لها معه، أي وهو فرض للزوجة في حال كونها كائنة مع فرع وارث لزوجها، سواء كان منها أم لا، وكان
المناسب لسابقه ولاحقه أن يقول هنا وهو فرض واحدة، وإنما كان فرضها معه الثمن لقوله تعالى: * (فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن مما تركتم) * (1) قال في التحفة: وجعل له، أي للزوج، في حالتيه ضعف ما لها في حالتيها لان فيه ذكورة،
وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت. اه‍،. وتقدم مثله عن شرح المنهج.
(واعلم) أنه لا يجتمع الثمن مع الثلث ولا الربع في فريضة واحدة. قال ابن الهائم:
والثمن للميراث لا يجامع ثلثا ولا ربعا وغير واقع
ووجه ذلك أن شرط إرث الثمن وجود الفرع الوارث، وشرط إرث الثلث عدمه. والشرطان متباينان، فيلزم منه تباين
المشروطين، وكذا يقال في عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوجة والزوجات، فإن شرط الأول وجود الفرع الوارث،
والثاني عدمه. وأما عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوج، مع أن شرط كل وجود الفرع الوارث، فلانه لا يمكن اجتماع
الزوج والزوجة في فريضة واحدة (قوله: وثلث) معطوف على ثلثان أيضا. وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف
(قوله: لام) أي وهو لام (قوله: ليس لميتها فرع وارث) أي بالقرابة الخاصة، بأن لم يكن له فرع أصلا، أوله فرع غير
وارث كرقيق وقاتل، أو فرع وارث بالقرابة العامة كابن بنت، فالنفي داخل على مقيد بقيدين، فيصدق بنفيهما ونفي
أحدهما (قوله: ولا عدد اثنان فأكثر من إخوة) أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لام، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له
ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2) قال في الرحبية:
والثلث فرض الام حيث لا ولد * ولا من الاخوة جمع ذو عدد
كاثنين أو ثنتين أو ثلاث * حكم الذكور فيه كالإناث
وقد لا ترث الام الثلث وليس هناك فرع وارث ولا عدد من الاخوة والأخوات، كما في الغراوين، بل تأخذ السدس
أو الربع، ويقال له ثلث الباقي، كما تقدم، وسيأتي أيضا في قوله وثلث باقي الام الخ (قوله: ولولديها) معطوف على قوله
لام، أي وهو لولدي الام. وقوله فأكثر، أي من ولدين كثلاثة وأربعة، وذلك لقوله تعالى: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث) * (3) قال في الرحبية:
وهو لاثنين أو اثنتين من ولد الام بغير مين
وهكذا إن كثروا أو زادوا فما لهم فيما سواه زادوا
(قوله يستوي فيه) أي الثلث: الذكر والأنثى. قال في الرحبية:
ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور
أي المكتوب، وهو القرآن العظيم في قوله تعالى: * (فهم شركاء في الثلث) * فإن التشريك إذا أطلق يقتضي
المساواة، وهذا مما خالف فيه أولاد الام غيرهم، فإنهم خالفوا غيرهم في أشياء لا يفضل ذكرهم على أنثاهم اجتماعا ولا
انفرادا، ويرثون مع من أدلوا به ويحجب بهم نقصانا وذكرهم أدلى بأنثى ويرث (قوله: وسدس) معطوف أيضا على
ثلثان، وقوله فرض سبعة، أي وهو فرض سبعة، فهو خبر لمبتدأ محذوف، على نسق ما تقدم، (قوله: لأب وجد) أي



(1) سورة النساء، الآية: 12.
(2) سورة النساء، الآية: 11.
(3) سورة النساء، الآية: 12.
268
لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (1) والجد كالأب، والمراد جد لم يدل بأنثى،
وإلا فلا يرث بخصوص القرابة، لأنه من ذوي الأرحام. وفي البجيرمي ما نصه.
(فإن قيل) لا شك أن حق الوالدين أعظم من حق الولد لان الله تعالى قرن طاعته بطاعتهما، فقال تعالى: * (وقضى
ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (2) فإذا كان كذلك، فما الحكمة في أنه جعل نصيب الأولاد
أكثر؟
(وأجاب) عنه الإمام الرازي حيث قال: الحكمة أن الوالدين ما بقي من عمرهما إلا القليل، أي غالبا، فكان
احتياجهما إلى المال قليلا، وأما الأولاد فهم في زمن الصبا، فكان احتياجهم إلى المال كثيرا، فظهر الفرق. اه‍. وقوله
لميتهما فرع وارث، فإن لم يكن له فرع وارث كانا عصبة فيستغرقان جميع المال إن انفردا، فإن لم ينفردا أخذا ما بقي بعد
الفروض. نعم، قد يفرض للجد السدس حينئذ، وذلك كما إذا كان مع الأخت وكان هناك ذو فرض وكان السدس أوفر له
من ثلث الباقي، ومن المقاسمة كزوج وأم وجد وثلاثة إخوة للزوج النصف وللأم السدس والأوفر للجد السدس لأنه سهم
كامل، فإن المسألة من ستة، ولو قاسم أو أخذ ثلث الباقي لاخذ أقل من ذلك. (قوله: وأم) بالجر معطوف على أب، أي
ولام. وقوله لميتها ذلك، أي فرع وارث. وقوله أو عدد من إخوة وأخوات، أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لام أو كان
البعض أشقاء والبعض غير أشقاء حتى لو كان لوجود الأخوين احتمالا كان للأم السدس على الراجح، كأن وطئ اثنان
امرأة بشبهة وأتت بولد واشتبه الحال، ثم مات هذا الولد عن أمه قبل لحوقه بأحدهما، وكان هناك ولدان لأحدهما،
فتعطى الام السدس لاحتمال أن يكونا أخوين للميت (قوله: وجدة) بالجر عطف على أب، أي ولجدة واحدة أو أكثر
فيشتركن في السدس لأنه (ص) أعطى الجدة السدس رواه أبو داود وغيره، وقضى للجدتين في الميراث بالسدس بينهما.
رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ومحل إعطائها السدس عند عدم الام، أما عند وجودها فتسقط بالاجماع،
فإنها إنما ترث، والام أقرب منها. وقوله أم أب وأم أم: أي لا فرق في الجدة بين أن تكون من جهة الأب، كأم
الأب، أو من جهة الام، كأم الام، أو من الجهتين معا، كأم أم وأم أب، ومثال الجهتين، تزوج ابن ابن هند بنت بنتها
فولد لهما زيد، فهند جدته لأمه وأبيه: إذ هي أم أم أمه، وأم أبي أبيه. قال في الرحبية:
والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لام وأب
(قوله: سواء كان معها ولد أم أم لا) أي السدس فرضها مطلقا، سواء كان وجد معها ولد أم أم لا (قوله: هذا إن لم
تدل الخ) أي محل كونها لها السدس إن لم تدل على الميت بذكر بين أنثيين، بأن أدلت بمحض ذكور كأم أبي
الأب، أو
إناث، كأم أم الام، أو بمحض إناث إلى ذكور، كأم أم أب الأب (قوله: فإن أدلت به) أي بذكر بين أنثيين (قوله: لم ترث
بخصوص القرابة) أي لادلائها لمن لا يرث. وقوله لأنها، أي الجدة، وقوله من ذوي الأرحام، المناسب من ذوات
الأرحام، وهن سبع، كما يؤخذ مما تقدم، وهن: العمة، والخالة، وبنت البنت، وبنت العم، وبنت الأخ، وبنت
الأخت، وهذه الجدة.
(فائدة) حاصل القول أن الجدات عندنا على أربعة أقسام: القسم الأول من أدلت بمحض إناث، كأم الام وأمهاتها
المدليات بإناث خلص، والقسم الثاني من أدلت بمحض الذكور، كأم الأب وأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب وهكذا
بمحض الذكور. والقسم الثالث من أدلت بإناث إلى ذكور، كأم أب أو كأم أم أم أبي أب وهكذا، والقسم الرابع عكس



(1) سورة النساء، الآية: 11.
(2) سورة النساء، الآية: 23.
269
الثالث، وهي من أدلت بذكر غير وارث، كأم أبي الام وهي الجدة الفاسدة (قوله: وبنت ابن) بالجر عطف على أب
أيضا، أي وهو، أي السدس، لبنت ابن واحدة فأكثر مع البنت، وذلك لقضائه (ص) بالسدس في الواحدة. رواه البخاري.
وقيس به الأكثر قال في الرحبية:
وبنت الابن تأخذ السدس إذا كانت مع البنت مثالا يحتذي
(قوله أو بنت ابن أعلى منها) أي أو مع بنت ابن أعلى منها، وذلك كبنت ابن ابن مع بنت ابن، فالثانية تأخذ
النصف، والأولى تأخذ السدس تكملة الثلثين. وخرج بقوله مع بنت أو بنت ابن بالافراد، ما لو كانت مع بنتين فأكثر فإنه لا
شئ لها، إلا أن يكون معها ذكر يعصبها، سواء كان أخاها أو ابن عمها أو أنزل منها (قوله: وأخت الخ) بالجر أيضا عطف
على أب، أي وهو لأخت واحدة فأكثر لأب مع أخت لأبوين، أي كما في بنت الابن مع البنت، فللأخت للأبوين
النصف، وللأولى السدس تكملة الثلثين. قال في الرحبية:
وهكذا الأخت مع الأخت التي بالأبوين يا أخي أدلت
وخرج بقوله مع أخت بالافراد، ما لو كانت مع أختين لأبوين، فإنه لا شئ لها، ما لم يكن لها أخ، فإن كان لها أخ
عصبها، ويسمى الأخ المبارك، إذ لولاه لسقطت (قوله: وواحد من ولد أم) بالجر معطوف على أب، أي وهو لواحد من
أولاد الام لقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) * (1) أي أخ من أم أو أخت منها
قال في الرحبية:
وولد الام له إذا انفرد سدس جميع المال نصا قد ورد
(قوله: وثلث باق الخ) هذا مستأنف وليس معطوفا على ما قبله، وهو القسم السابع الثابت بالاجتهاد وليس في
كتاب الله تعالى. (قوله: بعد فرض الخ) الظرف متعلق بباق (قوله: لام) الجار والمجرور خبر المبتدأ (قوله: مع أحد
زوجين وأب) الظرف متعلق بمحذوف صفة لام: أي أم كائنة مع أحد زوجين ومع أب. وخرج بالأب الجد فللام معه
الثلث كاملا، لا ثلث الباقي، لأنه لا يساويها في الدرجة (قوله: لا ثلث الجميع) معطوف على ثلث باق، أي لها ثلث
الباقي فقط لا ثلث جميع المال (قوله: ليأخذ الأب) علة لاخذها ثلث الباقي، لا ثلث الجميع، أي وإنما أخذت الام ثلث
الباقي ولم تأخذ ثلث الجميع، مع عدم وجود فرع وارث ولا عدد من الاخوة والأخوات، لأجل أن يأخذ الأب مثلي ما
تأخذه الام، وذلك لأنا لو أعطينا الام الثلث كاملا لزم إما تفضيل الام على الأب في صورة الزوج، وما أنه لا يفضل عليها
التفضيل المعهود، وهو كونه مثليها في صورة الزوجة مع أن الأب والام في درجة واحدة. والأصل في اجتماع الذكر مع
الأنثى المتحدي الدرجة من غير أولاد الام، أن يكون له ضعف ما لها (قوله: فإن كانت) أي الام. (وقوله: مع زوج
وأب) أي كائنة مع زوج للميتة وأب لها (قوله: فالمسألة من ستة) أي تصحيحا، لأنها من اثنين مخرج النصف للزوج
واحد وللأم ثلث الباقي، فانكسرت على مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة، وقيل تأصيلا، لان فيها
نصفا وثلث الباقي (قوله: وإن كانت) أي الام. (وقوله: مع زوجة وأب) أي كائنة مع زوجة للميت وأب له. (وقوله:
فالمسألة من أربعة) أي لان فيها ربعا. وهذه المسألة والتي قبلها تلقبان بالغراوين تشبيها لهما بالكوكب الأغر، أي النير
المضئ، وبالعمريتين، لقضاء عمر بهما، وبالغريبتين، لغرابتهما ومخالفتهما القواعد، وقد أشار إليهما في الرحبية
بقوله:



(1) سورة النساء، الآية: 12.
270
وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب
وهكذا مع زوجة فصاعدا فلا تكن عن العلوم قاعدا
(قوله: استبقوا) أي الفرضيون. وقوله فيهما، أي في المسألتين، وقوله لفظ الثلث، أي دون معناه فإنه ليس
بثلث
حقيقة. وقوله محافظة على الأدب، أي على حصول الأدب، وهو علة لاستبقوا، وقوله في موافقة متعلق بالأدب، وفي
بمعنى الباء، أي الأدب الحاصل بالموافقة (قوله: وإلا) أي وإلا يكن القصد المحافظة على حصول الأدب بالموافقة فلا
يصح ذلك لان ما تأخذه الام في الحقيقة في المسألة الأولى، وهي ما إذا كان الميت الزوجة سدس، وفي المسألة الثانية،
وهي ما إذا كان الميت الزوج، ربع.
(تنبيه) علم مما تقدم أن أصحاب الفروض ثلاثة عشر، أربعة من الذكور، الزوج، والأخ للام، والأب، والجد،
وقد يرث الأب والجد بالتعصيب فقط، وقد يجمعان بينهما، كما إذا كان مع أحدهما بنت أو بنت ابن أو هما أو بنتا ابن فله
السدس فرضا والباقي بعد فرضه وفرض البنت أو بنت البنت أو هما بالعصوبة (قوله: ويحجب الخ) شروع في بيان
الحجب، وهو لغة المنع، ومنه قول الشاعر:
له حاجب في كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب
قال بعضهم: يعني به النبي (ص)، أي له (ص) مانع عن كل أمر يشينه، وليس له مانع عن طالب المعروف والاحسان.
وشرعا، منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظية ويسمى الثاني حجب نقصان، وقد تقدم في ضمن
بيان الفروض، كحجب الزوج بالفرع من النصف إلى الربع، وحجب الام به من الثلث إلى السدس، ويسمى الأول
حجب حرمان، وهو قسمان، حجب بالشخص أو بالاستغراق، وهذا هو المراد هنا، وحجب بالوصف، كأن قام به مانع
من الموانع المتقدمة. ولا يدخل الحجب المراد هنا على الأبوين والزوجين وولد الصلب، ويدخل على من عداهم.
وبيان ذلك أن ابن الابن يحجبه الابن أو ابن ابن أقرب منه، والجد يحجبه الأب أو جد أقرب منه والأخ الشقيق يحجبه
ثلاثة الأب والابن وابن الابن، والأخ للأب يحجبه أربعة وهم من قبله والأخ الشقيق، والأخ للام يحجبه ستة الأب والجد
والابن والبنت وابن الابن وبنت الابن وإن سفل وابن الأخ الشقيق يحجبه ستة أيضا: الأب والجد والابن وابن الابن والأخ
الشقيق والأخ للأب، وابن الأخ للأب يحجبه سبعة هؤلاء الستة وابن الأخ الشقيق، والعم الشقيق يحجبه ثمانية
وهم من
قبله وابن الأخ للأب، والعم للأب يحجبه تسعة وهم من قبله والعم الشقيق، وابن العم الشقيق يحجبه عشرة وهم من قبله
والعم للأب، وابن العم للأب يحجبه أحد عشر وهم من قبله وابن العم الشقيق، والمعتق يحجبه عصبة النسب، وبنت
الابن يحجبها الابن أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها وإلا أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا، والجدة تحجب بالام،
سواء كانت من جهة الأب كأم الأب أو من جهة الام كأم الام، كما قال في الرحبية:
وتسقط الجدات من كل جهة بالام فاحفظه وقس ما أشبهه
وتحجب الجدة من جهة الأب بالأب أيضا لأنها تدلي به، بخلاف الجدة من جهة الام فلا تحجب بالأب والجدة
القربى من كل جهة تحجب البعدي من تلك الجهة، فلا ترث البعدي مع وجود القربى مع اتحاد الجهة - وإن لم تدل
بها - كأم أبي أب وأم أب فلا ترث الأولى مع الثانية، والقربى من جهة الام كأم أم تحجب البعدي من جهة الأب كأم أم
أب، والقربى من جهة الأب كأم أب لا تحجب البعدي من جهة الام كأم أم أم. قال في الرحبية:

271
وإن تكن قربى لام حجبت أم أب بعدي وسدسا سلبت
وإن تكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان
لا تسقط بالبعدي على الصحيح واتفق الجل على التصحيح
والأخت من الجهات كلها كالأخ منها، فيحجبها من يحجبه، فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن
كالأخ لأبوين والأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين كالأخ لأب والأخت لام بأب وجد وفرع وارث كالأخ لام. نعم الشقيقة أو
التي لأب لا يحجبها فروض مستغرقة بل يفرض لها وفتعول المسألة كما إذا ماتت امرأة عن زوج وأم وأختين لام وأخت
شقيقة أو لأب، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان، فتعول
المسألة إلى تسعة بفرض الأخت الشقيقة أو لأب، وهو النصف ثلاثة والأخت التي لأب لها السدس مع الشقيقة، بخلاف
الأخ الشقيق أو لأب فإنه يحجبه أصحاب الفروض المستغرقة، والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا شقيقة مع بنت أو
بنت ابن أو شقيقتان لأنه لم يبق من الثلثين شئ، والمعتقة كالمعتق فيحجبها عصبة النسب.
(واعلم) أن شرط الحجب في كل ما مر، الإرث، فمن لم يرث لمانع قام به لا يحجب غيره، ومثله من لم يرث
لكونه محجوبا فإنه لا يحجب غيره حرمانا أو نقصانا إلا في صور، كالاخوة مع الأب يحجبون به ويردون الام
من الثلث
إلى السدس، وولدي الام مع الجد يحجبان به ويردانه إلى السدس، ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شئ للأخ، مع
أنه مع الشقيقة يردان الام إلى السدس (قوله: ولد ابن) أي وإن سفل. (وقوله: بابن) أبا كان أو عما. (وقوله: أو ابن ابن
الخ) بالجر عطف على ابن، أي ويحجب ولد ابن بابن ابن أقرب منه كابن ابن ابن وابن ابن ابن ابن، فالثاني يحجب
بالأول: لأنه أقرب منه درجة، وكما يحجب ابن الابن بمن ذكر يحجب بأصحاب فروض مستغرقة، كما إذ اجتمع مع
أبوين وبنتين (قوله: ويحجب جد بأب) أي بذكر متوسط بينه وبين الميت، لان كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا
أولاد الام، وخرج بذكر من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا، كما علم من جده السابق، (قوله: وتحجب
جدة لام) أي جدة الميت من جهة أمه كأم أمه. وقوله بأم، أي فقط، فلا تحجب بالأب، كما تقدم، وقوله لأنها، أي
الجدة. وقوله أدلت بها، أي انتسبت وتوصلت الجدة بالام (قوله: وجدة الخ) أي وتحجب جدة لأب بأب لادلائها به،
خلافا لجمع ذهبوا إلى عدم حجبه لها، لحديث فيه، لكن ضعفه عبد الحق وغيره. اه‍. نهاية (قوله: وأم) بالجر عطف
على أب، أي وتحجب جدة لأب بالام أيضا. (وقوله: بالاجماع) أي ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث (قوله:
ويحجب أخ لأبوين بأب وابن وابنه) قال في الاسني: للاجماع، ولتقدم جهتي البنوة والأبوة على غيرهما. اه‍. وقوله
وإن نزل، أي ابن الابن، فإنه يحجب الأخ (قوله: ويحجب أخ لأب بهما) الأولى بهم، أي بهؤلاء الثلاثة، لان المرجع
ثلاثة: وهم الأب والابن وابنه، ولعله توهم أن المرجع اثنان، بدليل اقتصاره في التفسير عليهما، وهما الأب والابن.
وعبارة المنهاج ويحجب الأخ لأب بهؤلاء. اه‍. قال في التحفة: لأنهم حجبوا الشقيق، فهو أولى، وقوله وبأخ لأبوين،
معطوف على بهما، أي ويحجب الأخ لأب أيضا بأخ لأبوين، وذلك لأنه أقوى وأقرب منه (قوله: وبأخت لأبوين الخ)
معطوف على بهما، أي ويحجب أخ لأب أيضا بأخت لأبوين معها بنت لما تقدم من أنها تعصب بالبنت وأنها تصير بمنزلة
الأخ الشقيق فتحجب الأخ لأب. وقوله كما سيأتي صوابه كما تقدم، أي في قوله فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو
بنت ابن أخا لأب (قوله: ويحجب أخ لام بأب الخ) للخبر الصحيح أنه (ص) فسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الام،
بأنه من لم يخلف ولدا ولا والدا، فافهم تفسيرها بما ذكر أنه إن خلف ولدا أو والدا فلا يرثه أخوه لامه، بل يسقط. وقوله

272
وفرع وارث، بالجر عطف على أب، أي ويحجب بفرع وارث للميت. وقوله وإن نزل، أي الفرع كابن ابن ابن الابن.
وقوله ذكرا كان أي الفرع. وقوله أو غيره، أي غير ذكر من أنثى وخنثى.
(والحاصل) أن ولد الام يحجب بستة، بالابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد (قوله:
ويحجب ابن أخ لأبوين بأب) أي لأنه أقرب منه. وقوله وجد، أي وإن علا، قال في التحفة: لأنه أقوى منه، وقيل
يقاسم، أي ابن الأخ، أبا الجد، لاستواء درجتهما، كالأخ مع الجد، ورد، بأن هذا خارج عن القياس، فلا يقاس
عليه. اه‍. وقوله وابن وابنه، وأي ويحجب ابن أخ لأبوين بابن وابنه لأنهما أقرب منه وأقوى. وقوله وأخ لأبوين أو لأب،
أي ويحجب ابن أخ لأبوين بأخ لأبوين أو لأب، لأنه أقرب منه (قوله: ويحجب ابن أخ لأب بهؤلاء الستة) هو الأب،
والجد، والابن، وابنه والأخ الشقيق، والأخ للأب. وقوله وبابن أم لأبوين، أي ويحجب أيضا ابن الأخ لأب بابن أخ
لأبوين. وقوله لأنه، أي ابن الأخ لأبوين. وقوله أقوى منه، أي من ابن الأخ لأب لادلائه إلى الميت بجهتين (قوله:
ويحجب عم لأبوين) هو أخو أبي الميت الشقيق. وقوله بهؤلاء السبعة: هم الأب، والجد، والابن، وابنه، والأخ
الشقيق، والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وقوله وبابن أخ لأب، أي ويحجب زيادة على هؤلاء السبعة بابن أخ لأب (قوله:
وعم لأب) أي ويحجب عم لأب، وهو أخو أبي الميت من أبيه. وقوله بهؤلاء الثمانية: هم السبعة المارة وزيادة ابن أخ
لأب. وقوله وبعم لأبوين، أي ويحجب بعم لأبوين أيضا زيادة على الثمانية، فيكون المجموع تسعة (قوله: وابن عم
لأبوين) أي ويحجب ابن عم لأبوين، وقوله بهؤلاء التسعة وبعم لأب، أي فيكون المجموع عشرة (قوله: وابن عم لأب)
أي ويحجب ابن عم لأب. وقوله بهؤلاء العشرة وبابن عم لأبوين، أي فيكون المجموع أحد عشر (قوله: لأنه
) أي ابن
الأخ لأب. وقوله أقرب منه، أي من ابن ابن الأخ لأبوين.
(واعلم) أن طريقة الفرضيين أنه إن اختلفت الدرجة عللوا بأنه أقرب منه، كابن أخ لأبوين وأخ لأب، وإن اتحدت
عللوا بأنه أقوى منه، كالشقيق والأخ لأب (قوله: وبنات الابن بابن) أي وتحجب بنات الابن بابن مطلقا، لأنه إما أب أو
عم، فهو أقوى وأقرب منهن. وقوله أو بنتين فأكثر للميت، أي وتحجب بنات الابن أيضا بهما، لأنه لم يبق من الثلثين
شئ، وقوله إن لم يعصب أخ أو ابن عم أي محل حجبهن بالبنتين فأكثر إن لم يوجد من يعصبهن، فإن وجد كأخ لهن أو
ابن عم، أخذن معه الثلث الباقي تعصيبا (قوله: فإن عصبت) أي البنات، وكان الأولى عصبن، بنون النسوة، وقوله به:
أي بالمذكور من الأخ وابن العم (قوله: والاخوان لأب الخ) أي وتحجب الأخوات لأب بأختين لأبوين لأنهما استغرقا
الثلثين فلم يبق لهما شئ (قوله: إلا أن يكون معهن ذكر) المراد به خصوص الأخ، لأنه الأخت لا يعصبها إلا أخوها،
بخلاف بنات الابن فإنه يعصبهن من في درجتهن أو أسفل (قوله: ويحجبن الخ) أي الأخوات لأب وقوله بأخت لأبوين
معها بنت أو بنت ابن، وإنما حجبنا الأخوات لأب لاستغراقهما التركة، إذ الأخت عصبة مع البنت، فكل منهما يأخذ

273
النصف (قوله: واعلم أن ابن الابن كالابن) أي في أنه يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد ويعصب بنت الابن ويحجب
الاخوة والأخوات ونحوهم من كل مائة ما تقدم مما يحجب بالابن. وقوله إلا أنه ليس له مع البنت، أي بنت الصلب
مثلاها، بل تأخذ هي النصف فرضها وهو يأخذ الباقي بطريق العصوبة، وذلك لعدم المساواة في الرتبة، كما تقدم،
(قوله: والجدة كالأم) أي في أنها ترث ولا تحجب إلا بالام، وإن كانت من جهتها، وتحجب بالأب أيضا إن كانت من
جهته (قوله: بل فرضها دائما السدس) أي لأنه (ص) أعطاها السدس، وقضى به للجدتين (قوله: والجد كالأب) أي في أنه
يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد، وفي أنه يحجب من يحجبون بالأب ما عدا الاخوة الأشقاء أو لأب.
(واعلم) أن الجد مع الاخوة لم يرد فيهم شئ من الكتاب ولا من السنة، وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة
رضي الله عنهم: فمذهب الامام أبي بكر الصديق وابن عباس رضي الله عنهم وجماعة من الصحابة والتابعين
ومن تبعهم
كأبي حنيفة، ان الجد كالأب مطلقا، فيحجب الاخوة. ومذهب الإمام علي بن أبي طالب
رضي الله عنه وزين بن ثابت رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه أنهم يرثون، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل
رضي الله عنهم أجمعين. وحاصل الكلام فيه على هذا المذهب أنه إذا اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب، فإن
لم يكن معهم ذو فرض فله حالان المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة أولى له في خمس صور، وضابطها أن تكون
الاخوة أقل من مثليه وهي جد وأخ جد وأخت جد وأختان وثلاث أخوات جد وأخ وأخت، وإنما كانت أولى لأنه في
الصورة الأولى يخصه نصف المال وهو أكثر من الثلث، وفي الصورة الثانية يخصه الثلثان وهما أكثر من الثلث، وفي
الصورة الثالثة يخصه النصف، إذ هو له مثلا ما للأنثى، وفي الصورة الرابعة يخصه الخمسان وهما أكثر من الثلث، لان
العدد الجامع للكسرين خمسة عشرة فثلثه خمسة وخمساه ستة، وهي أكثر من الخمسة بواحد، ومثلها الصورة الخامسة
وتستوي المقاسمة وثلث المال في ثلاث صور. وضابطها أن تبلغ الاخوة مثليه وهي جد وأخوان جد وأخ وأختا جد وأربع
أخوات، وإن كان معهم ذو فرض فله بعد الفرض ثلاث حالات الأكثر من سدس جميع المال أو ثلث الباقي أو المقاسمة،
فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ وثلث الباقي خير له في جدة وجد وخمسة إخوة، والمقاسمة خير له في جدة
وجد وأخ، وقد لا يبقى شئ بعد أصحاب الفروض كبنتين وزوج وأم وجد، فيفرض له سدس ويزاد في العول، فأصل
مسألتهم من اثني عشر، لان فيها ربعا وسدسا وتعال إلى ثلاثة عشر ثم يزاد في العول للجد اثنان، وقد يبقى دون سدس
كبنتين وزوج وجد فيفرض له وتعال، وقد يبقى سدس كبنتين وأم وجد فيفوز به الجد، وتسقط الاخوة والأخوات في هذه
الأحوال لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شئ، ولو كان مع الجد إخوة أشقاء وإخوة لأب فالحكم فيه ما سبق ويعد
الأشقاء عليه الإخوة للأب في القسمة فيدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له، فإذا أخذ حقه فإن كان في الأشقاء ذكر
فالباقي لهم وتسقط الاخوة لأب كما في جد وأخ شقيق وأخ لأب، فإن لم يكن فيهم ذكر فتأخذ الشقيقة إلى النصف
والباقي للاخوة للأب كما في عشرية زيد، وهي جد وشقيقة وأخ لأب أصل مسألتهم من خمسة، وتصح من عشرة لان فيها
نصفا ومخرجه اثنان فيضربان في عدد رؤوسهم وهو خمسة بعشرة للأخت النصف خمسة وللجد أربعة يبقى واحد للأخ
من الأب، ومثلها عشرينية، زيد وهي جد وشقيقة وأختان من الأب هي من خمسة وتصح من عشرين وتأخذ الشقيقتان
فصاعدا إلى الثلثين كجد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة ولا شئ للأخ للأب لأنه لا يفضل عن الثلثين شئ والجد مع
الأخوات كأخ، فلا يفرض لهن معه إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج النصف وللأم
الثلث وللجد السدس وللأخت النصف: إذ لا مسقط لها ولا معصب فتعول المسألة بنصيبها من ستة إلى تسعة. وتصح
من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد والأخت اثنا عشر أثلاثا له الثلثان ثمانية ولها الثلث أربعة (قوله: إلا أنه)
أي الجد وقوله لا يحجب الإخوة لأبوين أو لأب، أي بل يشاركونه، بخلاف الأب فإنه يسقطهم (قوله: وبنت الابن
كالبنت) أي فعند فقدها لها النصف وعند وجودها لها السدس تكملة الثلثين. وقوله إلا أنها، أي بنت الابن. وقوله

274
تحجب بالابن، بخلاف بنت الصلب فإنها لا تحجب به بل يعصبها (قوله: والأخ لأب كالأخ لأبوين) أي في أنه إذا انفرد
يجوز جميع المال، وإذا لم ينفرد حاز الباقي بعد أرباب الفروض، إن لم يكن فيهم حاجب، وإلا سقط (قوله: إلا أنه)
أي الأخ لأب، قال ش ق: أي وإلا أنه يحجب في المشتركة وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق، فلو وجد بدل الشقيق
أخ لأب سقط، وفي اجتماع الأخت الشقيقة مع البنت أو بنت الابن، وفي اجتماع الزوج مع الأخت الشقيقة فلا شئ
للأخ للأب فيما ذكر. وقوله ليس له مع الأخت لأبوين مثلاها، أي لأنه لا يعصبها، فتأخذ النصف حينئذ فرضا، ويأخذ
الباقي تعصيبا (قوله: وما فضل الخ) ما اسم موصول مبتدأ. (وقوله: أو الكل) بالرفع عطف على ما. (وقوله: لعصبة)
خبره، وهو شروع في بيان الإرث بالتعصيب. قال في الرحبية:
فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي
أو كان ما يفضل بعد الفرض له فهو أخو العصوبة المفضلة
وتقدم أنها على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير. وتقدم معنى كل. فلا تغفل. وفي
البجيرمي: لفظ عصبة إما اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد والذكر والأنثى، أو جمع عاصب كطالب وطلبة،
وعلى الثاني فيكون عصبات جمع الجمع اه‍. بالمعنى (قوله: تسقط عند الاستغراق) أي أن حكم العصبة أنها تسقط إذا
استغرقت الفروض التركة، كزوج وأم وولد أم وعم، فلا شئ للعم للاستغراق (قوله: وهي) أي العصبة (قوله: فبعده
ابنه) أي فبعد الابن ابنه، فهو عاصب بعده. وإنما قدم على الأب لأنه أقوى منه: إذ له معه السدس فقط (قوله: فأب) أي
فبعد الابن وابنه أب، فهو لا يرث بالتعصيب إلا إذا فقدا. أما إذا وجدا أو أحدهما ورث السدس فرضا، وقد يرث الأب
بهما معا فيما إذا كان للميت بنت أو بنت ابن فيأخذ السدس فرضا والباقي بعد فرضيهما تعصيبا، والجد كالأب في ذلك
(قوله: فأخ لأبوين الخ) أي فبعد الابن وابنه والأب والجد أخ لأبوين وأخ لأب وبنوهما، فإذا فقدوا، بأن مات الميت ولم
يخلف أصلا ولا فرعا، كانت الاخوة وبنوهم عصبة، وهم مرتبون: فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب وهكذا في بنيهما.
وقوله وأخ لأب، المناسب فأخ لأب، بالفاء، ولا بد من الترتيب بينهما، كما علمت (قوله: فبنوهما) أي الأخ لأبوين والأخ
لأب وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب (قوله: فعم الخ) أي ثم بعد بني
الاخوة عم لأبوين ثم عم لأب (قوله: فبنوهما) أي العم لأبوين والعم لأب. وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب فيقدم ابن
العم لأبوين على ابن العم لأب (قوله: ثم عم الأب الخ) أي ثم بعد أعمام الميت وبنيهم يعصب عم أبي الميت وهو أخو
أبي أبي الميت. ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم الأب لأبوين أو لأب (قوله:
ثم عم الجد) أي ثم بعد بني عم الأب يعصب عم جد الميت وهو أخو أبي أبي أبي الميت. ولا فرق فيه أيضا بين أن
يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم جد الميت لأبوين أو لأب (قوله: وهكذا) أي
ثم عم أبي الجد ثم بنوه ثم عم جد الجد ثم بنوه وهكذا يقدم البعيد من الجهة المقدمة على القريب من الجهة المؤخرة.
(والحاصل) جهات العصوبة عندنا سبع: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والاخوة، ثم بنو الاخوة، ثم العمومة، ثم
الولاء، ثم بيت المال. وقد نظمها بعضهم بقوله:
بنوة أبوة أخوة جدودة بنو كذا الاخوة
عمومة ولا بيت المال * سبع لعاصب على التوالي

275
والاخوة والجدودة في مرتبة واحدة لاستوائهما في الادلاء إلى الميت، لان كلا منهما يدلي إليه بالأب. وإذا علمت
ذلك فإذا اجتمعت عصبات، فمن كانت جهته مقدمة فهو مقدم، كابن وأب وأخ وهكذا. فالأول مقدم على الثاني،
والثاني مقدم على الثالث، وهكذا. والمقدم يحجب المؤخر. هذا إذا اختلفت الجهة، فإذا اتحدت قدم بالقرب في
الدرجة، كالابن وابن الابن وكابن الأخ ولو لأب وابن ابن الأخ ولو شقيقا، فيقدم الأول على الثاني لقربه في الدرجة مع
اتحادهما في الجهة، وإذا استويا قربا قدم بالقوة كأخ شقيق وأخ لأب، وكعم شقيق وعم لأب فيقدم الأول منهما على
الثاني لقوته عنه، فإن الأول أدلى بأصلين، والثاني أدلى بأصل واحد، وإلى ذلك أشار الجعبري بقوله:
فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
(قوله: فبعد عصبة النسب الخ) والحاصل أن من لا عصبة له بنسب وله معتق فله ماله كله أو الفاضل بعد الفروض
أو الفرض، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة، فإن لم يوجد فالمال لعصبته المتعصبين بأنفسهم، وترتيبهم هنا كترتيبهم في
النسب، فيقدم عند موت العتيق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد، وإن علا، فبقية الحواشي، إلا أن أخا
المعتق وابن أخيه يقدمان على جده هنا، فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق ثم عصبته كذلك، ولا ترث امرأة بولاء إلا
معتقها، بفتح التاء، أو منتميا إليه بنسب أو ولاء. وقوله عصبة الولاء، الإضافة فيه من إضافة المسبب للسبب، أي عصبة
سببها الولاء (قوله: وهو) أي العصبة، وذكر الضمير مراعاة للخبر. وقوله معتق، أي بأي وجه كان، ولو كان العتق
بعوض، كما في الكتابة وغيرها، كأنت حر على ألف أو بعتك نفسك بألف، وإنما ثبت بالولاء العصوبة كما ثبتت بالنسب
لقوله (ص): الولاء لحمة كلحمة النسب.
(واعلم) أن الإرث به ثابت من جهة المعتق خاصة، لان الانعام من جهته فقط، فاختص الإرث به، فلا يرث العتيق
معتقه (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المعتق، وذلك لاطلاق قوله (ص): إنما الولاء لمن أعتق وليس
لنا عصبة من
النساء إلا المعتقة، كما قال في الرحبية:
وليس في النساء طرا عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة
(قوله: فبعد المعتق الخ) أي ثم العصبة بعد المعتق ذكور عصبته، أي من النسب، وذلك لان العتيق لو كان رقيقا
لأستحقوه وكذا ميراثه. وقوله دون إناثهم، أي إناث عصبته، أي بالغير، كالبنت مع الابن، أو مع الغير كالأخوات مع
البنات، فلا ترث بنت المعتق ولا أخته ولا جدته. ولو قال دون الإناث، من غير إضافة، لكان أولى، ليشمل إناث العصبة
وغيرهن، كالأم والجدة والزوجة (قوله: ويؤخر هنا) أي في الإرث بالولاء، واحترز به عن النسب فإنه لا يؤخر فيه الجد
عنهما، بل يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ. وقوله عن الأخ، متعلق بيؤخر، وإنما أخر الجد عنه لان تعصيب الأخ يشبه
تعصيب الابن، لادلائه بالبنوة، وهي مقدمة على الأبوة. وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك، لكن صد عنه
الاجماع. اه‍. تحفة. وقوله وابنه، بالجر عطف على الأخ، وضميره يعود عليه، وإنما أخر الجد عنه أيضا لقوة البنوة كما
يقدم ابن الابن على الأب، ويجري ذلك في عم المعتق أو ابنه مع أبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه عليه (قوله: فمعتق
المعتق) أي فبعد ذكور عصبة المعتق يكون العصبة معتق المعتق. وقوله فعصبته، أي فبعد معتق المعتق عصبته أي وبعد
عصبته معتق معتق المعتق فعصبته، وهكذا.
(تنبيه) كلام المؤلف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق، بل إنما يثبت بعده، وليس بمراد،
بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الام، إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته لم يرثوا وقال

276
السبكي، تلخص للأصحاب فيه وجهان، أصحهما أنه لهم معه، لكن هو المقدم عليهم فيما يمكن جعله له كإرث المال
ونحوه كالصلاة عليه وولاية تزويجه إذا كان المعتق ذكرا، أما ما لا يمكن جعله له كغسله إذا كان أنثى والمعتق ذكرا فيقدم
غيره عليه. قال في فتح الجواد مع المتن، ثم الولاء إما ولاء مباشرة على من مسه رق، أو سراية على عتقاء العتيق و
عتقاء عتقائه والعصبة فيه من ذكر أو ولاء استرسال وسراية وهو الذي يثبت على أولاد العتيق وأحفاده تبعا، والعصبة فيه معتق
أصل أب أو أم بالنسبة لمن رق أحد آبائه، أي أصوله، من جهة الأب دونه، فيرثه معتق ذلك الأصل باسترسال الولاء منه
إليه، لان النعمة عليه نعمة على فرعه. وأفهم كلامه أن شرط هذا أن يمس الرق أحد آبائه، فلا يكفي مسه لامه وحدها،
فلا ولاء عليه لمواليها لان الانتساب إلى الأب وهو حر مستقل لا ولاء عليه فليكن الولد مثله، وأن لا يمسه رق وإلا كان
ولاؤه لمعتقه فعصبة معتقه فمعتق معتقه فعصبته لان ولاء المباشرة أقوى. اه‍ (قوله: فلو اجتمع الخ) لا يظهر التفريع،
فكان الأولى التعبير بالواو. وعقد في منهج والمنهاج لهذه المسألة فصلا مستقلا وذكر قبلها كلاما يناسبها. وعبارة الأول
مع شرحه، فصل في كيفية إرث الأولاد أولاد الابن انفرادا واجتماعا، لابن فأكثر التركة إجماعا ولبنت فأكثر ما مر في
الفروض من أن للبنت النصف وللأكثر الثلثين، ولو اجتمعا، أي البنون والبنات، فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين
الخ. اه‍ (قوله: فالتركة لهم للذكر مثل حظ الأنثيين) أي لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين) * (1) أي مثل نصيبهما (قوله: وفضل الذكر) أي على الأنثى وقوله بذلك، أي بأخذ مثل حظ الأنثيين (قوله:
لاختصاصه) أي الذكر. وقوله بلزوم ما لا يلزم الأنثى، عبارة التحفة، وفضل الذكر لاختصاصه بنحو النصرة، وتحمل
العقل والجهاد، وصلاحيته للإمامة والقضاء وغيرها. وجعل له مثلاها لان له حاجتين: حاجة لنفسه، وحاجة لزوجته.
وهي لها الأولى، بل قد تستغنى بالزوج. اه‍ (قوله: وولد ابن) أي وإن نزل. (قوله: فيما ذكر) أي في نظير ما ذكر في
البنين مع البنات والاخوة مع الأخوات، فإذا اجتمع ولد الابن مع أنثى في درجته كأخته أو بنت عمه أو اجتمع أخ لأب مع
أخته من أبيه فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا يعصب ابن الابن من هي فوقه كابن ابن ابن مع بنت الابن،
ومحله إن لم يكن لها سدس كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، وإلا فلا يعصبها. وعبارة المنهج مع شرحه، ولد الابن، وإن
نزل، كالولد فيما ذكر إجماعا، فلو اجتمعا والولد ذكر أو ذكر معه أنثى حجب ولد الابن إجماعا، أو أنثى وإن تعدت فله،
أي لولد الابن، ما زاد على فرضها من نصف أو ثلثين إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا، ويعصب الذكر في
الثانية من في
درجته كأخته وبنت عمه، وكذا من فوقه كعمته وبنت عم أبيه إن لم يكن لها سدس، وإلا فلا يعصبها، فإن كان ولد الابن
أنثى وإن تعددت فلها مع بنت سدس، كما مر، تكملة الثلثين، ولا شئ لها مع أكثر منها، كما مر، بالاجماع. وكذا كل
طبقتين منهم: أي من ولد الابن، فولد ابن الابن مع ولد الابن كولد الابن مع الولد فيما تقرر. اه‍. والله سبحانه وتعالى
أعلم.



(1) سورة النساء، الآية: 11.
277
فصل في بيان أصول المسائل
أي في بيان ما يعول منها وما يتبع ذلك، ككون أحد العددين موافقا للآخر أو مباينا. والأصول جمع أصل، وهو
لغة، ما بنى عليه غيره. وعرفا هنا، عدد مخرج فرض المسألة أو فروضها أو عدد رؤوس العصبة إن لم يكن فيها فرض،
وتقدم أن علم الفرائض اسم لمجموع فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
ولما أنهى الكلام على الجزء الأول، أعني فقه المواريث، أي فهم قسمة التركة، كقولنا للزوج النصف وهكذا، شرع
يتكلم على الجزء الثاني، أعني علم الحساب، وهو المسائل التي يعرف بها تأصيل المسألة وتصحيحها، كقولنا كل
مسألة فيها سدس فهي من ستة، وكل سهم انكسر على فريق وباينته سهامه يضرب عدد رؤوسه في أصل المسألة.
وحاصل الأصول سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربعة وعشرون، وهي مخارج الفروض.
فالاثنان مخرج النصف، والثلاثة مخرج الثلث والثلثين، والأربعة مخرج الربع، والستة مخرج السدس، والثمانية مخرج
الثمن، والاثنا عشر مخرج السدس والربع، أو الثلث والربع، والأربعة والعشرون مخرج السدس والثمن. وزاد بعض
المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والاخوة وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون، فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة
لغير أم لان فيها سدسا وثلث الباقي وثانيهما كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم لان فيها ربعا وسدسا صحيحين وثلث
الباقي. والذي يعول من الأصول ثلاثة، الستة تعول إلى سبعة: كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية: كهم وأم، وإلى
تسعة: كهم وأخ لام، وإلى عشرة: كهم وأخ آخر لام. والاثنا عشر: تعول إلى ثلاثة عشر: كزوجة وأم
وأختين لغير أم،
وإلى خمسة عشر كهم وأخ لام، وإلى سبعة عشر: كهم وأخ آخر لام، والأربعة والعشرون تعول إلى سبعة وعشرين:
كبنتين وأم وأب وزوجة (قوله: أصل المسألة عدد الرؤوس) أي بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه أنثى، كما سيصرح
به بقوله وقدر الذكر الخ (قوله: إن كانت الورثة عصبات) أي وتقسم التركة عليهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا كبنين أو إناثا
كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية، ولا يتصور في غيرهن كما تقدم (قوله: كثلاثة بنين أو أعمام) هو تمثيل لكون الورثة
عصبات (قوله: فأصلها) أي المسألة. وقوله ثلاثة. بعدد رؤوسهم (قوله: وقدر) فعل أمر بمعنى عد واحسب، فهو
يتعدى إلى مفعولين: الأول قوله الذكر، والثاني قوله أنثيين. ويحتمل أن يكون ماضيا مبنيا للمجهول، والذكر نائب
فاعله. وفي ش ق: إنما لم يقدر الأنثيان بذكر لأنه لا يطرد، إذ قد تكون الورثة ثلاث بنات وأخا، ولو قدر الأنثيان بذكر
لبقيت واحدة، بخلاف العكس، فإنه مطرد في كل صورة. اه‍. (قوله: أي الصنفان) تفسير لضمير اجتمعا، وهما ذكور
وإناث (قوله: من نسب) حال من الصنفان، أي حال كون الصنفين كائنين من النسب. وخرج به ما إذا كانا من الولاء فإن
الإرث حينئذ لا بعدد الرؤوس، بل بحسب الشركة في العتق إن كانا معتقين، فإن كانا ورثة معتق فالإرث للذكر دون
الإناث، كما تقدم (قوله: ففي ابن وبنت) تفريع على تقدير الذكر أنثيين عند اجتماع الصنفين، ولو جعله تمثيلا لذلك
لكان أولى (قوله: يقسم المتروك) أي ما تركه الميت وخلفه، وهو التركة، سواء كانت مالا أو حقا (قوله: ومخارج الخ)
كان المناسب أن يذكر قبله ما يقابل المتن، كأن يقول: فإن كانت الورثة أصحاب فروض أو بعضهم صاحب فرض
وبعضهم تعصيب فأصلها من مخرج ذلك الفرض. والفرض هو الكسر، كالثمن والربع والنصف. ومخرج العدد،
كالثمانية والأربعة والاثنين. قال م ر: وكلها، أي الفروض، مشتقة من اسم العدد، إلا النصف فإنه من المناصفة،

278
لتناصف القسمين واستوائهما. ولو أريد ذلك لقيل ثني، بضم أوله، كثلث وما بعده. اه‍. وقوله لقيل ثنى، أي يعبر عن
النصف بثنى ليكون مشتقا من العدد، وهو اثنان. اه‍. سم (قوله: فإن كان في المسألة الخ) كأنه قال هذا إذا كان في
المسألة فرض واحد فقط، فإن كان فيها فرضان الخ. وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا كان في المسألة فرضان فأكثر أي
عددان فأكثر، فإما أن يكون بينهما تماثل أو تدخل أو توافق أو تباين، فأما التماثل، فبأن يكون عدد أحد المتماثلين مثل
عدد الآخر، وأما التداخل، فبأن يفنى الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة، وأما التوافق، فبأن يكون بين
العددين توافق في جزء من الاجزاء، وأما التباين، فبأن لا يحصل توافق بينهما في جزء من الاجزاء. ثم إن الحكم في
المتماثلين أن تأخذ أحدهما وتكتفي به عن الآخر، وفي المتداخلين أن تأخذ العدد الأكبر، وفي المتوافقين أن تضرب
وفق أحدهما في كامل الآخر، وفي المتباينين أن تضرب أحدهما كاملا في الآخر كذلك. ثم إن الشارح ذكر هذه النسب
الأربع في تأصيل المسائل فقط، وهو تحصيل مخرج فروضها، وتجري أيضا في تصحيح المسائل وهو تحصيل أقل عدد
يخرج منه نصيب كل وارث صحيحا، وسمي بذلك لكون القصد منه سلامة الحاصل لكل وارث من الكسر، وهو ناشئ
عن التأصيل غالبا. وقد يتحدان، كما في مسألة زوج وأبوين التي هي إحدى الغراوين، وبيان ذلك أنك إذا عرفت أصل
المسألة فإن انقسمت السهام فذاك واضح، وإن انكسرت السهام على صنف فقابل سهامه بعدده، فإما أن يتباينا أو
يتوافقا، فإن تباينا فاضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت، ومنه تصح، كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة، فيضرب
اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية، ومنها تصح، وإن توافقا فاضرب وفق عدد الصنف في المسألة بعولها
إن عالت، فما بلغ صحت منه، كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهما بالنصف فتضرب اثنين في ثلاثة تبلغ ستة،
ومنها تصح. وإن انكسرت على صنفين فقابل سهام كل صنف بعدده أيضا، فإن توافقا رد عدد رؤوس الصنف الموافق
إلى وفقه، وإن تباينا فاترك عدد كل فريق بحاله ثم انظر بين عدد رؤوسهما، فإن تماثلا فاضرب أحدهما في أصل المسألة
بعولها إن كان، وإن تداخلا فاضرب أكثرهما في أصل المسألة كذلك، وإن توافقا فاضرب وفق أحدهما في الآخر ثم
الحاصل في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تباينا فاضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة كذلك.
(والحاصل) تنظر أولا بين السهام والرؤوس وتحفظ عدد الفريق الذي باينته سهامه ووفق الفريق الذي وافقته سهامه،
ثم تنظر ثانيا في هذين المحفوظين، فإن كانا متماثلين فخذ أحدهما، وإن كانا متداخلين فخذ الأكثر، وإن كانا متوافقين
فاضرب وفق أحدهما في جميع الآخر، وإن كانا متباينين فاضرب جميع أحدهما في جميع الآخر، ثم بعد ذلك تأخذ
الحاصل في كل حالة من هذه الحالات الأربع، ويسمى جزء منهم المسألة، وتضربه في أصل المسألة بعولها إن عالت،
ولنمثل لك لبعضها فنقول، مثال المحفوظين المتماثلين مع تباين السهام للرؤوس أم وخمسة إخوة لان وخمسة أعمام،
فأصل المسألة من ستة للأم السدس واحد وللاخوة للأم الثلث اثنان، منكسرة عليهم، وللخمسة أعمام ثلاثة منكسرة
عليهم أيضا، وبين الرؤوس تماثل فتأخذ أحد المتماثلين وتضربه في أصل المسألة بثلاثين ومنها تصح، ومثالهما مع
توافق السهام للرؤوس أم وعشرة إخوة لام وخمسة عشرة عما، فأصل المسألة من ستة أيضا، للأم السدس واحد وللعشرة
الاخوة اثنان الثلث وهما موافقان لرؤوسهم بالنصف فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وللخمسة عشر عما ثلاثة وهي موافقة
للرؤوس بالثلث، فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وبين الوفقين تماثل، فتأخذ أحدهما، وهو خمسة، وتضربه في أصل
المسألة، وهو ستة بثلاثين، ومنها تصح، وقس على ذلك أمثلة بقية الأحوال الأربعة، وقس أيضا على الانكسار على
صنفين الانكسار على ثلاثة وعلى أربعة، وبيان ذلك كله مبسوط في محله، فاطلبه إن شئت (قوله: كنصفين) أي أو
نصف، وما بقي كزوج وعم، كما سيأتي، وقوله في مسألة زوج وأخت، أي شقيقة أو لأب، وهذه المسألة تلقب باليتيمة،
إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما، فهي كالدرة اليتيمة، أي التي لا نظير لها (قوله: فهي) أي هذه
المسألة. وقوله من الاثنين، أي أصلها من الاثنين، والأول حذف أل (قوله: وعند تداخلهما بأكثرهما) أي ويكتفي عند

279
تداخل المخرجين بأكثرهما، فالظرف معطوف على الظرف الأول، فهو متعلق بما تعلق به (قوله: كسدس
وثلث) فالأول
من ستة، والثاني من ثلاثة، وبينها تداخل، فيكتفي بالأكثر وهو الستة (قوله: وولديها) أي الام، وهما أخو الميت من الام
(قوله: فهي من ستة) أي فالمسألة من ستة، للام واحد سدسها، ولولديها اثنان ثلثها، والباقي، وهو ثلاثة، للأخ الشقيق
أو للأب (قوله: وكذا يكتفي الخ) فصله بكذا، لأنه ليس فيه تداخل، إذ ثلث الباقي ليس داخلا في الأربعة، مع أنه يكتفي
بالأكثر، وهو الربع، عن الأصغر، وهو ثلث الباقي، فتكون من أربعة تأصيلا. اه‍. ش ق. (وقوله: في زوجة وأبوين)
فالزوجة لها الربع والام لها ثلث الباقي، وما بقي للأب. فالمسألة من أربعة: للزوجة واحد من أربعة، والام لها واحد من
ثلاثة، والباقي للأب (قوله: وعند توافقهما) معطوف على عند تماثل المخرجين: أي واكتفى عند توافق المخرجين.
(وقوله: بمضروب أحدهما في الآخر) أي بحاصل ذلك (قوله: كسدس وثمن) فالأول من ستة، والثاني من ثمانية،
وبينهما توافق، إذ كل منهما له نصف صحيح، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في كامل الآخر، وهو ثمانية، بأربعة
وعشرين. وقوله في مسألة أم وزوجة وابن، فالأم لها السدس، والزوجة لها الثمن، وما بقي للابن (قوله: وعند تباينهما)
معطوف أيضا على عند تماثل المخرجين، أو واكتفى عند تباين المخرجين. (وقوله: بمضروب الخ) أي بحاصله (قوله:
كثلث وربع) فالأول من ثلاثة، والثاني من أربعة. وقوله في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين أو لأب، فالأم لها الثلث والزوجة
لها الربع، وما بقي فللأخ المذكور (قوله: فهي) أي المسألة. وقوله حاصل الخ، بدل من اثني عشر (قوله: وأصل مسألة
كل فريضة الخ) لا يخفى ما في عبارته متنا وشرحا من عدم الالتئام والارتباط، فكان المناسب أن يذكر أولا مفهوم القيد،
أعني، قوله إن كانت الورثة عصبات، ويذكر ما هو مرتب عليه، كما نبهت عليه، كأن يقول فإن كانت الورثة أصحاب
فروض كلهم أو بعض فأصل المسألة مخرج فرضها، ثم يعد مخارج الفروض السبعة التي ذكرها، ثم يرتب عليها قوله
وأصل كل مسألة الخ، ويقدم ذلك كله على قوله في الشرح، فإن كان في المسألة فرضان الخ، ويذكر قوله المذكور
كالتعليل لما ذكره بقوله وأصل كل مسألة الخ، كأن يقول وذلك لأنه إن كان في المسألة الخ. فتنبه. وقوله كل فريضة،
أي: كل مسألة مشتملة على فريضة بمعنى مفروضة، أي سهام مقدرة، ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة الحاصلة
بزيادته لفظة مسألة قبل لفظة كل، لان المعنى عليه وأصل مسألة كل مسألة الخ. ولو أخر لفظة مسألة عن لفظة كل، كأن
قال وأصل كل مسألة فريضة الخ، أي مسألة مشتملة على سهام مفروضة، لسلمت منها. وقوله فيها نصفان، الجملة صفة
لفريضة، أي فريضة موصوفة بأن فيها نصفين. ولا يخفى أيضا ما فيه من ظرفية الشئ في نفسه، إذ الفريضة هي النصفان
أو النصف وما بقي. وهكذا إلا أن يقال من ظرفية المفصل في المجمل. فتنبه (قوله: كزوج وأخت لأب) تمثيل للفريضة
التي فيها نصفان، وذلك لان الزوج له النصف والأخت لأب - أي أو شقيقة - لها النصف (قوله: أو نصف وما بقي) أي مع
ما بقي من التركة. وقوله كزوج وأخ لأب، أي أو شقيق بالأولى، فالزوج له النصف والأخ له ما بقي لأنه عصبة (قوله:
اثنان) خبر أصل. وقوله مخرج النصف، أي وهما مخرج النصف (قوله: أو فيها ثلثان) قدر الشارح لفظ فيها إشارة إلى أن
ثلثان معطوف على نصفان. وقوله وثلث، أي مع ثلث. وقوله كأختين لأب وأختين لام تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان
وثلث، فالأختان لأب أو لأب ولام لهما الثلثان، والأختان لام لهما الثلث. وقوله أو ثلثان وما بقي معطوف أيضا على
نصفان، أي أو فيها ثلثان وما بقي (قوله: كبنتين وأخ لأب) تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وما بقي، إذ البنتان لهما الثلثان

280
والأخ لأب له الباقي لأنه عصبة (قوله: أو ثلث وما بقي) معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلث وما بقي. وقوله كأم
وعم، تمثيل له، إذ الام لها الثلث والعم له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثلاثة) خبر أصل المقدر قبل فيها ثلثان، أي وأصل
الفريضة التي فيها ثلثان الخ ثلاثة. (قوله: مخرج الثلث) بدل من ثلاثة أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الثلث
(قوله: أو فيها ربع) معطوف على فيها نصفان، أي وأصل كل فريضة فيها ربع وما بقي. وقوله كزوجة وعم تمثيل له، إذ
الزوجة لها الربع والعم له الباقي لأنه عصبة. وقوله أربعة، خبر المبتدأ المقدر قبل قوله فيها ربع. وقوله
مخرج الربع،
بدل، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الربع. (قوله: أو فيها سدس وما بقي الخ) معطوف أيضا على فيها
نصفان. وقوله كأم وابن، تمثيل له: إذ الام لها السدس والابن له الباقي لأنه عصبة. وقوله أو سدس وثلث، أي أو فيها
سدس وثلث، وقوله كأم وأخوين لام، تمثيل له، إذ الام لها السدس والاخوان لام لهما الثلث. وقوله أو سدس وثلثان، أي
أو فيها سدس وثلثان. وقوله كأم وأختين لأب، تمثيل له. إذ الام لها السدس والأختان لهما الثلثان (قوله: أو سدس
ونصف) أي أو فيها سدس ونصف. وقوله كأم وبنت تمثيل له: إذ الام لها السدس والبنت لها النصف. وقوله ستة، خبر
المبتدأ المقدر، وهو راجع للأربع صور. وقوله مخرج السدس، يقال فيه ما تقدم (قوله: وفيها ثمن وما بقي) معطوف
أيضا على فيها نصفان، أي والأصل في كل فريضة فيها ثمن مع ما بقي. وقوله كزوجة وابن، تمثيل له، إذ الزوجة لها
الثمن والابن له الباقي. وقوله أو ثمن ونصف وما بقي، أي أو فيها ثمن ونصف مع ما بقي. وقوله كزوجة وبنت وأخ لأب،
تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والبنت لها النصف والأخ للأب، أي الشقيق له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثمانية) خبر
المبتدأ المقدر، وهو راجع للمسألتين. وقوله مخرج الثمن، يقال فيه ما تقدم (قوله: أو فيها ربع وسدس) معطوف أيضا
على فيها نصفان. وقوله كزوجة وأخ لام، تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والأخ للام له السدس. وقوله اثنا عشر، خبر
المبتدأ المقدر أيضا. وقوله مضروب الخ، بدل أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مضروب، أي حاصل مضروب وفق
أحد المخرجين في الآخر، إذ بينهما موافقة بالنصف. والقاعدة أنهما إذا كانا كذلك يضرب وفق أحدهما في كامل الآخر،
فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في الأربعة، أو نصف الأربعة، وهو اثنان، في الستة فيكون الحاصل اثني عشر (قوله:
أو فيها ثمن وسدس) أي وما بقي. وكان عليه أن يزيده وهو معطوف على فيها نصفان أيضا.
(واعلم) أنه ذكر عند كل أصل من الأصول التي عدها لفظ فيها إشارة إلى أن ما دخلت عليه أصل، فإن لم يكن
أصلا، كالمسائل المندرجة تحت الأصل، لم يذكر فيها ذلك إشارة إلى أنه ليس بأصل. فتنبه. وقوله أربعة وعشرون،
خبر المبتدأ المقدر، وهو لفظ أصل. وقوله مضروب وفق أحدهما في الآخر، يقال فيه ما تقدم، فالأربعة والعشرون
حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، وذلك لان بين الثمانية والستة توافقا بالنصف فيضرب نصف أحدهما في
كامل الآخر يبلغ أربعة وعشرين، وهذا آخر عدد أصول المسائل، وحاصلها سبعة، اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا
عشر وأربعة وعشرون، وهذه هي المتفق عليها. وأما المختلف فيه فثمانية عشر وستة وثلاثون، ولا يكونان إلا في مسائل
الجد والاخوة حيث كان ثلث الباقي خيرا له. والراجح أنهما أصلان، لا تصحيحان، وذلك لان ثلث الباقي فرض مضموم
لفرض آخر أو لفرضين فيجب اعتباره، وأقل عدد يخرج منه السدس وثلث الباقي صحيحا ثمانية عشر كما في أم وجد
وخمسة إخوة لغير أم فللام ثلاثة وهي السدس وللجد ثلث الباقي خمسة ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية وأقل عدد يخرج

281
منه السدس والربع وثلث الباقي صحيحا ستة وثلاثون وذلك كما في أم وزوجة وجد وسبعة إخوة لغير أم للأم السدس ستة
وللزوجة الربع تسعة وللجد ثلث الباقي سبعة، ولكل أخ اثنان من الأربعة عشر الباقية وهذا ما عليه المحققون. وقال
بعضهم: تصحيح لا تأصيل، فأصل الأولى من ستة مخرج السدس ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الام تضرب ثلاثة
في ستة بثمانية عشر، وقد علمت قسمتها. وأصل الثانية من اثني عشر مخرج السدس والربع ولا ثلث صحيح للباقي بعد
سدس الام وربع الزوجة تضرب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين، وقد علمت قسمتها (قوله: وتعول الخ) اعلم أن العول
لغة الارتفاع والزيادة، وفي الاصطلاح زيادة ما يبلغه مجموع السهام المأخوذ من الأصل عند ازدحام الفروض عليه ومن
لازمه دخول النقص على أهلها بحسب حصصهم. ولم يقع العول في زمن النبي (ص) ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه،
وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من عال الفرائض عمر
رضي الله عنه، لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا، وقال ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر، وكان امرءا
ورعا، فقال ما أجد شيئا أوسع لي من أن أقسم التركة عليكم بالحصص، وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه
من عول
الفريضة. اه‍. وروي أن أول فريضة عالت في الاسلام زوج وأختان، فلما رفعت إلى عمر رضي الله عنه قال إن بدأت
بالزوج أو بالأختين لم يبق للآخر حقه، فأشيروا علي، فأول من أشار بالعول العباس رضي الله عنه على المشهور، وقيل
علي رضي الله عنه، وقيل زيد بن ثابت رضي الله عنه، والظاهر، كما قال السبكي رحمه الله، أنهم كلهم تكلموا في ذلك
لاستشارة عمر رضي الله عنه إياهم واتفقوا على العول. فلما انقضى عصر عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله
عنهما الخلاف في المباهلة، فقيل له ما بالك لم تقل هذا لعمر؟ فقال كان رجلا مهابا. وقوله ثلاثة، ضابطها الستة
وضعفها وضعف ضعفها. قال في الرحبية:
فإنهن سبعة أصول ثلاثة منهن قد تعول
وبعدها أربعة تمام لا عول يعروها ولا انثلام
(قوله: ستة إلى عشرة) أي تعول الستة أربع مرات على توالي الاعداد إلى أن تبلغ عشرة (قوله: كزوج وأختين
لغير أم) أي فمسألتهم من ستة، لان فيها نصفا وثلثين، فللزوج ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة، ومجموعهما سبعة،
فيقسم المال بينهما أسباعا، للزوج نصف عائل، وهو ثلاثة أسباع، ولاختين ثلثان عائلان، وهما أربعة أسباع. (قوله:
وإلى ثمانية) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى ثمانية. وقوله كهم، أي زوج وأختين لغير أم. وقوله وأم،
أي وزيادة أم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، ومجموع ذلك ثمانية
فيصير للزوج ربع وثمن، وللأم ثمن وللأختين نصف. ومثل ذلك المباهلة، وهي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب،
فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف ومجموعها ثمانية، وهذا هو مذهب الجمهور. وعند ابن عباس
رضي الله عنهما للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأخت، وعنه قول آخر هو أن للزوج النصف والباقي بين الام
والأخت وإنما لقبت بالمباهلة لقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم
وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. والابتهال مأخوذ من قولهم بهله الله، أي لعنه وأبعده من
رحمته، أو من قولك أبهلته، إذا أهملته. وأصل الابتهال ما ذكر، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن
التعانا، (قوله: وإلى تسعة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى تسعة. وقوله كهم وأخ لام، أي
كزوج
وأختين لغير أم وأم وزيادة أخ لام عليهم، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخ للأم السدس
كذلك ومجموعها تسعة، فيصير للزوج ثلاثة أتساع وللأختين أربعة أتساع وللأم تسع وللأخ كذلك (قوله:

282
وإلى عشرة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى عشرة، وتلقب مسألتهم بأم الفروخ، لأنها شبهت بطائر
وحوله أفراخه، وبالشريحية لان القاضي شريحا أول من جعلها عشرة. وقوله كهم وأخ آخر لام، أي كزوج وأختين
لغير أم وأم وأخ لها زيادة أخ آخر لها أيضا، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد
وللأخوين الثلث اثنان ومجموعها عشرة فيصير للزوج ثلاثة أعشار وللأختين أربعة وللأم عشر وللأخوين عشران (قوله:
وتعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا) أي تعول ثلاث مرات وترا فقط: أي على توالي الافراد (قوله: فعولها) أي
الاثني عشر إلى ثلاثة عشر (قوله: كزوجة وأم وأختين لغير أم) أي فمسألتهم من اثني عشر لان فيها ربعا وسدسا،
فللزوجة الربع ثلاثة وللأم السدس اثنان وللأختين الثلثان ومجموعها ثلاثة عشر (قوله: وإلى خمسة عشر) أي وعولها
إلى خمسة عشر. وقوله: كهم وأخ لام، أي كزوجة وأم وأختين لغير أم وزيادة أخ لام فيزاد له اثنان، فإذا ضما إلى
الثلاثة عشر يصير المجموع خمسة عشر فيصير للزوج ثلاثة أخماس وللأم خمسان وللأخت ثمانية أخماس وللأخ للام
خمسان (قوله: وإلى سبعة عشر) أي وعولها إلى سبعة عشر. (وقوله: كهم وأخ آخر لام) أي وزيادة أخ آخر لام فيزداد
له اثنان فإذا ضما إلى الخمسة عشر يصير المجموع سبعة عشر. ومثلها في ذلك أم الأرامل وهي جدتان وثلاث
زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأبوين أو لأب، فللجدتين السدس اثنان وللزوجات الربع ثلاثة وللأخوات
للأم الثلث أربعة وللأخوات للأبوين الثلثان ثمانية ومجموع ذلك سبعة عشر، وكما تلقب بذلك تلقب بأم الفروج،
بالجيم، لانوثة الجميع، وبالدينارية لان الميت لو ترك سبعة عشر دينارا خص كلا دينار (قوله: وتعول أربعة وعشرون
لسبعة وعشرين فقط) أي فعولها إلى ذلك مرة واحدة. وتلقب هذه المسألة بالبخيلة لقلة عولها. وقد نظمها وما قبلها
في الرحيبة بقوله:
فتبلغ الستة عقد العشرة في صورة معروفة مشتهرة
وتلحق التي تليها في الأثر بالعول أفرادا إلى سبع عشر
والعدد الثالث قد يعول بثمنه فاعمل بما أقول
(قوله: كبنتين وأبوين وزوجة) فأصل مسألتهم من أربعة وعشرين لان فيها ثمنا للزوجة وثلثين للبنتين وبينهما
تباين فيضرب مخرج أحدهما وهو ثلاثة مثلا في كامل مخرج الآخر، وهو ثمانية، يكون الحاصل أربعة وعشرين،
فللبنتين الثلثان ستة عشر وللأبوين الثلث ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة فتعال المسألة بها إلى سبعة وعشرين (قوله:
وتسمى) أي هذه المسألة العائلة إلى سبعة وعشرين (قوله: لان الخ) بيان لسبب تسميتها بالمنبرية (قوله: فقال
ارتجالا) أي من غير تأمل (قوله: صار ثمن المرأة تسعا) أي لان الثلاثة تسع السبعة والعشرين (قوله: ومضى في
خطبته) أي كمل خطبته (قوله: وإنما عالوا) أي الفرضيون هذه الأصول الثلاثة (قوله: ليدخل النقص على الجميع)
أي جميع الورثة (قوله: كأرباب الخ) تنظير. والله سبحانه وتعالى أعلم.

283
فصل في بيان أحكام الوديعة
أي في بيان أحكام الوديعة. وهي مناسبة للفرائض لان مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت مال
المسلمين، والأصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (1) أي يأمر كل من كان عنده أمانة أن
يردها إلى صاحبها إذا طلبها، وهي وإن نزلت في مفتاح الكعبة فهي عامة، لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يخطب لا
يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل وهي لغة ما وضع عند غير مالكه
لحفظه، من ودع يدع، إذا سكن، لأنها ساكنة عند الوديع. وقيل من الدعة أي الراحة لأنها تحت راحته ومراعاته. وشرعا
العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة، فهي حقيقة فيهما، ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع،
وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به، فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية، كأن طير نحو ريح
شيئا إليه أو إلى محله وعلم به. وأركانها بمعنى العقد أربعة: وديعة بمعنى العين المودوعة، وشرط فيها كونه محترمة وإن
لم تكن متمولة ولو نجسة نحو حبة بر وكلب ينفع، بخلاف غير المحترمة نحو كلب لا ينفع وآله لهو. ومودع،
بكسر
الدال، ومودع بفتحها، وإن شئت قلت ووديع، وشرط فيهما ما مر في موكل ووكيل، وهو إطلاق تصرف لان الايداع
استنابة في الحفظ. فلو أودع ناقص نحو صبي ناقصا مثله أو كاملا ضمن كل منهما ما أخذه منه لان الايداع باطل ولو أودع
كامل ناقصا لم يضمن إلا بإتلافه لأنه لم يسلطه على إتلافه، ولا يضمن بغير الاتلاف ولو بالتفريط لتقصيره بالإيداع عنده.
وبقيت صورة رابعة وهي أن يودع كامل كاملا ولا ضمان حينئذ إلا بالتفريط، وهذه الصورة هي مقصود الباب. وصيغة،
وشرط فيها ما مر في الوكالة، وهو اللفظ من أحد الجانبين، وعدم الرد من الآخر حتى لو قال الوديع أودعنيها فدفعها له
ساكتا صح. والايجاب إما صريح: كأودعتك هذا أو استحفظتك، أو كناية مع النية: كخذه (قوله: صح إيداع محترم)
أي وضع شئ محترم ولو اختصاصا، أما غيره، ككلب لا ينفع، وآلة لهو، فلا يصح إيداعهما، كما تقدم (قوله:
بأودعتك الخ) متعلق بإيداع، وهو بيان للصيغة. والمثالان الأولان للايجاب الصريح، والثالث للكناية، كما تقدم أيضا
(قوله: وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها) وذلك لأنه يعرضها للتلف، قال في المغني: والايداع صحيح مع
الحرمة وأثر التحريم مقصور على الاسم. اه‍. (قوله: وكره) أي أخذ الوديعة. وقوله على غير واثق بأمانته، أي على غير
من يثق بأمانة نفسه.
(والحاصل) إن قدر على حفظها ووثق بنفسه حالا ومآلا ولم تتعين عليه بأن لم يوجد غيره استحب له أخذها، فإن
عجز عنه حرم أو لم يثق بأمانة نفسه كره له إن لم يعلم به المالك في الصورتين، فإن علم به فلا حرمة في الصورة الأولى،
ولا كراهة في الصورة الثانية ويكون مباحا، أو تعين عليه بأن لم يوجد غيره وجب. فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله:
ويضمن وديع الخ) شروع في ذكر أسباب تعرض للوديعة موجبة للضمان، وإلا فهي أصلها الأمانة بمعنى أنها متأصلة
فيها، لا تبع، كالرهن، لان الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (2) وعبارة المنهج وأصلها، الأمانة



(1) سورة النساء، الآية: 58
(2) سورة البقرة، الآية: 283
284
وقد تصير مضمونة بعوارض الخ. وحاصل تلك الأسباب التي تعرض للوديعة الموجبة للضمان عشرة نظمها
الدميري
بقوله:
عوارض التضمين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها
وترك إيصاء ودفع مهلك ومنع ردها وتضييع حكي
والانتفاع وكذا المخالفة في حفظها إن لم يزد ما خالفه
وقد ذكر معظمها الشارع رحمه الله تعالى. وقوله ودعها، بفتح الواو وسكون الدال، يعني إيداعها لغيره بلا إذن من
المالك ولا عذر من الوديع ولو كان ذلك الغير قاضيا أو ولده أو زوجته أو خادمه، فما يقع كثيرا من أن الوديع يعطي الوديعة
لولده أو زوجته أو خادمه ليحفظها كل منهم في حرزه موجب للضمان، لان المودع لم يرض بذلك. نعم، له الاستعانة
بمن يحملها لحرز أو يعلفها أو يسقيها لان العادة جرت بذلك. وقوله وسفر، يعني السفر بها مع القدرة على ردها، لأنه
عرضها للضياع، إذ حرز السفر دون حرز الحضر. وقوله ونقلها، يعني نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز،
أي دون المحلة أو الدار الأولى في الحرز. وقوله وجحدها، أي بلا عذر بعد طلب من مالك لها، بخلاف ما لو جحدها
بعذر كدفع ظالم عن مالكها أو جحدها بلا طلب من مالكها ولو بحضرته، لان إخفاءها أبلغ في حفظها. وقوله وترك
إيصاء، أي أن يترك الايصاء بالوديعة عند المرض أو السفر للقاضي أو الأمين عند فقد القاضي، فإن الايصاء بها لمن ذكر
يقوم مقام ردها إليه، فهو مخير عند فقد المالك ووكيله بين ردها للقاضي والإيصاء بها إليه، وعند فقد القاضي بين ردها
للأمين والإيصاء بها إليه. والمراد بالايصاء بها الاعلام بها مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة، أو الإشارة لعينها إن
كانت حاضرة، والامر بردها، فإن لم يفعل ما ذكر كما ذكر ضمن إن تمكن من ردها أو الايصاء بها لأنه عرضها للفوات، إذ
الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه. وقوله ودفع مهلك، بالجر عطف على إيصاء، أي وترك دفع مهلك، كترك تهوية
ثياب صوف وترك لبسها عند حاجتها لذلك وقد علمها فيلزمه تهويتها أو لبسها عند حاجتها لذلك وعلمه بها وباحتياجها
لذلك وتمكنه منه بأن أعطاه المفتاح لان الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه. وقوله ومنع ردها،
أي بلا عذر بعد طلب مالكها لها، بخلاف ما لو كان بعذر كصلاة وأكل ونحوهما. والمراد بردها التخلية بينها وبين
المالك، وأما حملها إليه فلا يلزمه. وقوله وتضييع: أي لها، أي يتسبب في ضياعها كأن يضعها في غير حرز مثلها أو
ينساها أو يدل عليها ظالما معينا محلها أو يسلمها له ولو مكرها ويرجع الوديع إذا غرم بها على الظالم لان قرار الضمان
عليه فإن المستولي على المال عدوانا. ولو أخذها الظالم من يده قهرا عليه فلا ضمان على الوديع، وكذا لو أعلمه بأنها
عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك وإن كان يجب عليه إنكارها والامتناع من الاعلام بها جهده، وله أن يحلف
على ذلك لمصلحة حفظها، ويجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التورية وأمكنته، فإن لم يور كفر عن يمينه إن حلف
بالله، لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه. وقوله والانتفاع: أي بها كأن
يلبس الثوب ويركب الدابة بلا عذر، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبس الثوب لدفع الدود وركوب الدابة لدفع الجماح فلا
ضمان بذلك لأنه لمصلحة المالك. وقوله وكذا المخالفة في حفظها، كقوله لا ترقد على الصندوق الذي فيه الوديعة فرقد
وانكسر بثقله وتلف ما فيه بانكساره فيضمن بذلك لمخالفته المؤدية للتلف، لا إن تلف بغير ذلك، كسرقة فلا يضمن.
وقوله إن لم يزد ما خالفه، أي لم يزد في الحفظ الذي خالفه، كأن قال لا تقفل عليه فأقفل (قوله: بإيداع غيره) أي بوضع
الوديعة عند غيره، ومعنى كونه يضمن بإيداع غيره أنه يصير طريقا في الضمان لان للمالك أن يضمن من شاء الأول أو
الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني إن علم، لا إن جهل،
كذا في المغني (وقوله: ولو قاضيا) أي ولو كان ذلك الغير قاضيا فإنه يضمن بإيداعه إياه، والغاية للرد على من يقول إن
أودع القاضي لم يضمن لأنه نائب الشرع. (وقوله: بلا إذن من المالك) متعلق بإيداع، وهو قيد في الضمان. وخرج به ما
لو أذن له في أن يودعها غيره فالثاني وديع أيضا ولا يخرج الأول عن الايداع إلا إن ظهر من المالك قرينة على استقلال

285
الثاني به لجواز استنابة اثنين فأكثر في حفظها. ثم إن صرح المالك باجتماعهما على حفظها تعين فيضعانها في
حرز واحد
لهما بأن يكون لكل منهما اليد عليه بملك أو إجارة اتفقا في ذلك أو اختلفا فيه ولكل منهما مفتاح عليه، فلو انفرد أحدهما
بحفظها مع رضا الآخر ضمن كل منهما وعلى كل منهما قرار النصف، وإن لم يكن مع رضا الآخر اختص المنفرد وحده
ضمانا وقرارا وإن لم يصرح المالك باجتماعهما على حفظها جاز الانفراد زمانا ومكانا مناوبة، كأن يحفظها كل منهما في
حرزه يوما أو نحوه (قوله: لا إن كان لعذر) أي لا يضمن بإيداعه للغير إن كان لعذر، ومحله إذا تعذر ردها لمالكها أو وكيله
ويجب عند فقدهما وضعها عند قاض ثم أمين والمراد به مستور العدالة ولا يكلف تأخير السفر لما في ذلك من المشقة
(قوله: كمرض) أي للمودع، وهو تمثيل للعذر. وقوله وسفر، أي مباح فلا يجوز إيداعه للغير إذا سافر إلا إذا كان السفر
مباحا لان إيداعها للغير رخصة فلا يبيحها سفر المعصية (قوله: وخوف الخ) أي للوديعة لوجود حريق في البقعة التي هي
فيها (قوله: وإشراف حرز على خراب) أي ولم يجد حرزا ينقلها إليه (قوله: وبوضع في غيره حرز مثلها) عطف على
بإيداع غيره، أي ويضمنها بوضعها في غير ذلك، وعبر غيره عن هذا السبب بتضييعها وهو أولى لأنه صادق بما إذا وضعها
في غير حرز مثلها وبنسيانها وبدلالة ظالم عليها معينا محلها له، كما تقدم (قوله: وبنقلها) عطف بإيداع أيضا، أي
ويضمنها أيضا بنقلها إلى دون حرز مثلها، أي بنقلها من محلها الذي هو حرز مثلها إلى ما هو دونه في الحرز ولو كان ذلك
الدون حرز مثلها، وذلك لأنه عرضها للتلف بذلك، أما إذا تساويا أو كان المنقول إليه أحرز فلا يضمن لعدم التفريط من
غير مخالفة، لكن محله ما لم ينهه المالك عن نقلها وإلا ضمن مطلقا. إن نقلها بظن أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمن
(قوله: وبترك دفع متلفاتها) عطف على بإيداع أيضا: أي ويضمنها أيضا بترك دفع متلفاتها التي يتمكن من دفعها على
العادة لأنه من أصول حفظها. فعلم إنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقا. ووجهه
ابن الرفعة بأنه مأمور بالابتداء بنفسه. ونظر الأذرعي فيما لو أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة،
كما هو ظاهر، أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها، والضمان في الأولى متجه وفي الثانية محتمل. اه‍. (قوله:
كتهوية الخ) تمثيل للدفع المتروك، والأولى أن يقول كترك تهوية تمثيلا لترك دفع وليلائم ما بعده. وقوله أو ترك لبسها،
أي ثياب الصوف. وقوله عند حاجتها: متعلق بتهوية أو بترك المقدر قبلها أو بترك لبسها وهنا متعلق محذوف، أي عند
حاجة ثياب الصوف لما ذكر، أي لكل من التهوية واللبس. وفي التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا بد من نية نحو اللبس لأجل
ذلك وإلا ضمن به، ويوجه في حال الاطلاق لان الأصل الضمان حتى يوجد صارف له. اه‍. وفي النهاية مع الأصل:
وكذا عليه لبسها لنفسه إن لاق به عند حاجتها بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب عبق ريح الآدمي لها. نعم، إن لم يلق به
لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته، كما قاله الأذرعي، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه. نعم،
لو كان ممن لا يجوز له لبسها كثوب حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجده ولم يرض إلا بأجرة فالأوجه
الجواز، بل الوجوب. ولو كانت الثياب كثيرة بحيث يحتاج لبسها إلى مضي زمن يقابل بأجرة فالأقرب أن له رفع الامر
للحاكم ليفرض له أجرة في مقابلة لبسها، إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز. اه‍. (قوله: وبعدول عن الحفظ
المأمور به) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا إذا تلفت بسبب عدوله عن الحفظ المأمور به لتعديه، فلو قال له
لا ترقد على الصندوق فرقد عليه وانكسر بثقله فتلف ما فيه ضمن لحصول التلف من جهة مخالفته وتقصيره، بخلاف ما لو
تلف بغير ذلك كسرقة فلا يضمن لان رقاده عليه زيادة في الحفظ. نعم، إن كان الصندوق في نحو المحراب فسرق من
جانبه الذي لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه ضمن، ومثله ما لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه. وقوله من
المالك: متعلق بالمأمور، ولو أسقطه لكان أولى ليشمل الامر الشرعي فيما إذا أعطاه دراهم ولم يبين له وجه الحفظ، فإنه
إن ربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه ولو الذي على وركه وليس واسعا أو واسعا وزره لم يضمن، فإن لم

286
يمسكها بيده، فإن كان فوق ما ربطها فيه ثوب آخر لم يضمن مطلقا، وإلا فإن جعل الخيط المربوط به من خارج
فضاعت
بأخذ طرار، بفتح المهملتين وتشديد الثانية: أي شرطي، ضمن لأنه خالف الامر الشرعي بإبرازها له حتى صير قطعها
سهلا عليه (قوله: وبجحدها) معطوف على بإيداع أيضا: أي ويضمن أيضا بجحد المودع الوديعة. وقوله وتأخير
تسليمها، الواو بمعنى أو، أي ويضمن أيضا بتأخير تسليمها. وقوله بلا عذر بعد طلب مالكها: قيدان للضمان بالنسبة
للجحود وللتأخير، وذلك كأن قال له أعطني وديعتي فقال له لم تودعني شيئا أوليس لك عندي وديعة ثم أقر أو أثبتها
المالك ببينة أو قال له ذلك وماطله بتسليمها ثم ادعى تلفها، فيضمنها لان جحودها خيانة. وخرج بقوله بلا عذر بالنسبة
للجحود ما لو كان بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطالب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم ابتداء أو جوابا بالسؤال
غير المالك ولو بحضرته أو لقول المالك لي عندك وديعة، لا وديعة لاحد عندي فلا يضمن أيضا لو تلف بعد ذلك لان
إخفاءها أبلغ في حفظها. وخرج بالأول أيضا بالنسبة للتأخير ما لو كان التأخير بعذر كأن كان في صلاة، وبالثاني بالنسبة له
أيضا ما لو كان بغير طلب من مالكها فإنه لا يضمن لعدم تقصيره (قوله: وبانتفاع بها) عطف على بإيداع أيضا، أي
ويضمن أيضا بانتفاعه بها لتعديه، وفي ش ق يضمن وإن جهل أنها الوديعة أو ظن أنها ماله، والتعليل بالتعدي أغلبي.
اه‍. وقوله كلبس وركوب، تمثيل للانتفاع بها (قوله: بلا غرض المالك) قيد في ضمانه بالانتفاع، وخرج به ما إذا لبس
الثوب أو ركب الدابة لغرض المالك، أي مصلحته، كلبسه له لدفع دود وكركوبه لها لجماح فلا يضمن بذلك، كما تقدم،
(قوله: وبأخذ درهم الخ) معطوف أيضا على قوله بإيداع: أي ويضمن أيضا بأخذ بعض الوديعة كأخذ درهم من كيس فيه
دراهم. وحاصله أنه إذا أخذه ثم رده بعينه ضمنه فقط سواء تميز عن الباقي أم لم يتميز، وإن رد بدله، فإن تميز بعلامة
ضمنه فقط أيضا، وإن لم يتميز ضمن جميع الوديعة. لكن محل ضمان الدرهم فقط في الصورتين إذا لم يفض ختما أو
يكسر قفلا، وإلا ضمن الجميع (قوله: وإن رد إليه مثله) الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أنه رد إليه مثله. وسيذكر
محترزه (قوله: فيضمن الجميع) أي جميع ما في الكيس من الدراهم لو تلف لا الدرهم الذي أخذه ورد مثله فقط.
(وقوله: إذا لم يتميز) أي الدرهم المردود عن بقية الدراهم التي في الكيس، والمراد إذا عسر تمييزه عنها: كأن كانت
السكة واحدة (قوله: لأنه خلطها الخ) تعليل لضمان الجميع، أي وإنما ضمن الجميع إذا أخذ درهما ورد مثله ولم يتميز
لأنه خلط الوديعة التي هي مال الغير بمال نفسه عمدا وعسر تمييزه من غير رضا ذلك الغير بذلك الخلط فهو مقصر بذلك
والضمان المذكور ضمان الغصوب، فهو قيمة المتقوم ومثل المثلي لان المالك لم يرض بذلك. وقوله بمال نفسه، أي
وهو المثل الذي رده إلى الكيس، وإنما كان ماله، مع أنه قد أخذ نظيره من الكيس، لان المالك لا يملك المثل إلا بدفع
إليه وهو لم يدفعه إليه، وإنما وضعه في الكيس بدل الذي أخذه. وقوله بلا تمييز، أي من عدم التمييز بين الدرهم المردود
والدراهم التي في الكيس (قوله: فهو) أي المودع وقوله متعد، أي بأخذ درهم خلط مثله من غير رضا المالك (قوله: فإن
تميز) أي الدرهم المردود، وهو محترز قوله إذا لم يتميز. وقوله بنحو سكة، كأن خالفت سكة الدرهم المردود سكة بقية
الدراهم. واندرج تحت نحو، السواد والبياض. قال سم: قد يقال إن مجرد السكة لا تقتضي التمييز لان المراد به سهولته
وقد تختلف السكة ويعسر التمييز لكثرة المختلط. اه‍. (قوله: أو رد إليه) أي إلى الكيس. (وقوله: عين الدرهم) هذا
محترز قوله وإن رد مثله (قوله: ضمنه) أي الدرهم المردود. وقوله فقط: أي ولا يضمن الجميع.
(واعلم) أنه لم يتعرض لما إذا أخذه من الكيس ولم يرده أصلا. وحكمه أنه يضمن فقط، كما هو صريح التحفة،
ونصها، وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا، فإن رده لم يزل ضمانه
حتى لو تلف الكل ضمن درهما أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به لم وإن يتميز - بخلاف رد بدله

287
الخ. اه‍ (قوله: وصدق وديع) كوكيل وشريك وعامل قراض: أي لأنهم أمناء، وكل أمين ادعى الرد على من ائتمنه
يصدق بيمينه، ما عدا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في دعوى الرد وإن صدقا في دعوى التلف. وخرج بالأمين
الضامن كالغاصب والمستعير والمستام فإنه لا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة، وبمن ائتمنه وارث أحدهما مع الآخر، بأن
ادعى وارث الوديع أنه ردها على المودع، أو ادعى الوديع أنه ردها على وارث المالك، أو ادعى وارث الوديع أنه ردها
على وارث المودع فإنه لا يصدق إلا ببينة (قوله: وفي قوله ما لك عندي وديعة) أي يصدق بيمينه في قوله ليس عندي لك
وديعة (قوله: وفي تلفها مطلقا) أي ويصدق في دعوى تلفها مطلقا، أي من غير تقييد بسبب ولا يلزمه بيان السبب. نعم،
يلزمه الحلف أنها تلفت بغير تفريط منه (قوله: أو بسبب خفي) أي أو ادعى تلفها بسبب خفي. وقوله كسرقة، تمثيل
للسبب الخفي، ومثلها الغضب إذا ادعى وقوعه في خلوة، وإلا طولب ببينة عليه، كما في النهاية، (قوله: أو بظاهر) أي
أو ادعى تلفها بسبب ظاهر. وقوله كحريق: تمثيل للسبب الظاهر. وقوله عرف دون عمومه، أي للبقعة التي الوديعة فيها،
وإنما صدق بيمينه لاحتمال ما ادعاه (قوله: فإن عرف عمومه) عبارة المنهاج: فإن عرف الحريق وعمومه، بالواو، وهي
أولى، فلعل الواو ساقطة من الناسخ. فإن لم يعرف هو ولا عمومه طولب ببينة على وجوده وحلف على تلفها به (قوله:
حيث لا تهمة) فإن كان هناك تهمة بأن عم ظاهرا لا يقينا فحلف لاحتمال سلامتها (قوله: فائدة) لما كان لها تعلق بالوديعة
باعتبار بعض أحوالها ذكرها فيها (قوله: الكذب حرام) أي سواء أثبت به منفيا، كأن يقول وقع كذا لما لم يقع، أو نفى به
مثبتا، كأن يقول لم يقع لما وقع، وهو مناقض للايمان معرض صاحبه للعنة الرحمن لقوله تعالى: * (إنما يفتري الكذب
الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هو الكاذبون) * (1) وقول النبي (ص): إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة،
والكذب يهدي إلى النار وقول سيدنا عمر رضي الله عنه: لان يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إلي من أن يرفعني
الكذب وقلما يفعل (قوله: وقد يجب الخ) قال في الاحياء، والضابط في ذلك أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه
بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام أو بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود. وواجب إن وجب،
كما لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه لوجوب عصمة دمه أو سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها
فإنه يجب
عليه إنكارها، وإن كذب، بل لو استحلف لزمه الحلف، ويوري، وإلا حنث، ولزمته الكفارة، وإذا لم يتم مقصود حرب
أو إصلاح ذات البين أو استمالة قبل مجنى عليه إلا بكذب أبيح، ولو سأله سلطان عن فاحشة وقعت منه سرا، كزنا وشرب
خمر، فله أن يكذب ويقول ما فعلت، وله أن ينكر سر أخيه. اه‍. (قوله: وله الحلف عليه) أي الانكار. وقوله مع
التورية: أي بأن يقصد غير ما يحلف عليه، كأن يقصد بالثوب في قوله والله ما عندي ثوب، الرجوع، من ثاب إذا رجع،
وبالقميص في قوله ما عندي قميص غشاء القلب، وهي واجبة عليه تخلصا من الكذب إن أمكنه وعرفها، وإلا فلا (قوله:
وإذا لم ينكرها) أي الوديعة، والمقام للتفريع. وقوله ولم يمتنع الخ، عطف لازم على ملزوم. وقوله من إعلامه، أي
الظالم، وقوله بها، أي بالوديعة. وقوله جهده، أي وسعه وطاقته (قوله: ضمن) أي الوديعة إذا أخذها الظالم منه، لأنه
تسبب في ضياعها (قوله: وكذا لو رأى معصوما) أي وكذلك يجب الكذب فيما لو رأى معصوما قصده ظالم يريد قتله وهو



(1) سورة النحل، الآية: 105.
288
قد اختفى منه وقد سأله ذلك الظالم عنه (قوله: وقد يجوز) أي الكذب (قوله: كما إذا كان) أي الحال والشأن. وقوله لا
يتم مقصود حرب، أي وهو النصرة على العدو. وقوله وإصلاح ذات البين، أي ولا يتم إصلاح ذات البين، أي الحالة
الواقعة بين القوم من الفتنة والخصومة: وقوله وإرضاء زوجته: أي ولا يتم إرضاء زوجته، وقوله إلا بالكذب، متعلق بيتم:
أي لا يتم كل من الثلاثة إلا به (قوله: فمباح) يغني عنه قوله وقد يجوز، فالصواب إسقاطه (قوله: ولو كانت تحت يده)
أي إنسان. (وقوله: لم يعرف صاحبها) أي بأن لم يعرف حاله بأن غاب غيبة طويلة وانقطع خبره (قوله: وأيس من
معرفته) أي ومعرفة ورثته، ويمكن أن يحمل صاحبها على المالك لها مطلقا سواء كان الموروث أو الوارث، وقوله بعد
البحث التام. أي عن صاحبها (قوله: صرفها) أي الوديعة، وهو جواب لو. (وقوله: فيما يجب على الامام الصرف فيه)
أي من مصالح المسلمين (قوله: وهو) أي ما يجب على الامام الصرف فيه. وقوله أهم مصالح المسلمين. وهي كسد
الثغور وأرزاق القضاة والعلماء وأهل الضرورات والحاجات، ولو حذف لفظ أهم لكان أولى لان قوله بعد مقدما الخ يغني
عنه إذ هو الأهم مطلقا، لكن في البجيرمي، في باب قسم الصدقات، أن الأهم مطلقا سد الثغور، لان فيه حفظا
للمسلمين (قوله: لا في بناء نحو مسجد) أي لا يصرفها في ذلك (قوله: فإن جهل) أي من تحت يده الوديعة. وقوله ما
ذكر. أي ما يجب على الامام الصرف فيه من المصالح (قوله: دفعه الخ) أي أو يسأل عن ذلك من ذكر وهو يفرقها
بنفسه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام. قال في المغني: لو تنازع الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق
الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن
صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال هي لاحدكما وأنسيته وكذباه في النسيان ضمن، كالغاصب، والغاصب
إذا قال المغصوب لاحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. اه‍. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
فصل
أي في بيان أحكام اللقطة، وذكرها عقب الوديعة لما بينهما من المناسبة من حيث أن في اللقط معنى الأمانة
والولاية عليه، فالملتقط أمين فيما لقطه والشارع ولاه حفظه، ومن حيث مشاركتهما لها في كثير من الاحكام كاستحباب
لقطها عند الوثوق بنفسه وعدمه عند عدم الوثوق بأمانة نفسه. ويباح له أخذه في هذه الحالة إن لم يكن فاسقا، وإلا كره
تنزيها وقيل تحريما، والأصل فيها قبل الاجماع الآيات الآمرة بالبر والاحسان، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر
والتقوى) * (1) وفي أخذها لحفظها على مالكها وردها عليها بر وإحسان. والأخبار الواردة في ذلك: كخبر مسلم: والله في
عون العبد ما دام العبد في عون أخيه أي والله معين للعبد إعانة كاملة ما دام العبد معينا لأخيه، فلا يرد أن الله في عون كل
أحد دائما، وكخبر الصحيحين، عن زيد بن خالد الجهني أن النبي (ص) سئل عن لقطة الذهب أو الورق. فقال: اعرف



(1) سورة المائدة، الآية: 2.
289
عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه،
وإلا فشأنك بها. وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء
وتأكل الشجر
حتى يلقاها ربها. وسأله عن الشاة فقال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله في الحديث فإن لم تعرف:
أي صاحبها. وقوله فاستنفقها: السين والتاء زائدتان، أي أنفقها، وهو عطف على مقدر، أي فتملكها ثم أنفقها بعد
التملك، فهو على حد * (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (1) أي فضرب فانفجرت. (وقوله: ولتكن وديعة عندك) أي
إن لم تنفقها بعد التملك، أما إذا أنفقتها فهي مضمونة كما سيأتي. (وقوله: فإن جاء صاحبها) تفريع على الشقين، أي
سواء أنفقتها أم لم تنفقها. (وقوله: فأدها إليه) أي إن بقيت عندك، وإلا فبدلها الشرعي من مثل أو قيمة، كما سيأتي،
وأركانها ثلاثة: لقط، وملقوط، ولاقط. وكلها تعلم من كلامه (قوله: ولو التقط شيئا لا يخشى فساده الخ) إعلم أن اللقطة
تنقسم إلى أربعة أقسام: أحدها ما يبقى على الدوام، كذهب وفضة ونحاس، وحكمه أن يعرفه سنة على أبواب المساجد
عند خروج الناس من الجماعة وفي الموضع الذي وجد فيه وفي الأسواق ونحوها من مجامع الناس، ويكون التعريف
على العادة زمانا ومكانا، وابتداء السنة من وقت التعريف. لا الالتقاط، ولا يجب استيعاب السنة بالتعريف، بل يعرف
أولا كل يوم مرتين طرفي النهار، لا ليلا ولا وقت القيلولة، ثم يعرف كل يوم طرقه أسبوعا أو أسبوعين، ثم يعرف كل
أسبوع مرة أو مرتين إلى أن تتم سبعة أسابيع، ثم يعرف كل شهر مرة أو مرتين إلى آخر السنة. فالمراتب أربعة وإن احتاج
التعريف إلى مؤنة فإن أخذ اللقطة ليحفظها على مالكها لم تلزمه، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترضها على
المالك، وإن أخذها ليتملكها لزمته ثم بعد تعريفها سنة إن وجد صاحبها فذاك واضح، فإن لم يجده فهو مخير بين أن
يتملكها بشرط الضمان وبين أن يحفظها على الدوام في حرز مثلها. ولا بد في التملك من لفظ يدل عليه كتملكت، ثم
بعده إن ظهر المالك وهي باقية واتفقا في رد العين أو البدل، فالامر واضح، وإن تنازعا فطلب المالك العين وأراد الملتقط
العدول إلى البدل، أجيب المالك، وإن تلف بعده غرم الملتقط المثل إن كانت مثلية أو القيمة إن كانت متقومة يوم
التملك، وهذا كله في غير الحرم أما هي فلا يجوز لقطها إلا لحفظ ويجب تعريفها أبدا، لخبر إن هذا البلد
حرمه الله لا
يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية البخاري: لا تحل لقطته إلا لمنشد معرف. والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد
كذلك، فلا تظهر فائدة للتخصيص. قال ع ش: فإن أيس من معرفة مالكه فينبغي أن يكون مالا ضائعا أمره لبيت المال،
وثانيها ما لا يبقى على الدوام ولا يقبل التجفيف بالعلاج كالرطب الذي لا يتمر والعنب الذي لا يتزبب وحكمه أنه يتخير
بين تملكه في الحال أو أكله أو شربه وغرم بدله من مثل أو قيمة وبيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ليتملك الثمن
المذكور. وثالثها ما يبقى بالعلاج كالرطب الذي يتمر والعنب الذي يتزبب. وحكمه أنه يتخير بين بيعه بثمن مثله وحفظ
ذلك الثمن، كما مر، وبين تجفيفه وحفظه لمالكه. ورابعها ما يحتاج إلى نفقة كالحيوان. وحكمه أنه إن كان لا يمتنع من
صغار السباع فهو مخير فيه بين تملكه ثم أكله في الحال وغرم قيمته إن وجده في المفازة. وإن وجده في العمران امتنعت
هذه الخصلة لسهولة البيع فيه دون المفازة، وبين تركه بلا أكل بل يمسكه عنده فيتطوع في الانفاق عليه، فإن لم يتطوع
فلينفق بإذن الحاكم إن وجده وإلا أشهد، وبين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ثم يتملك الثمن المذكور. وإن
كان يمتنع من صغار السباع، فإن وجده في الصحراء الآمنة امتنع أخذه للتملك وجاز أخذه للحفظ، وإن وجده في
صحراء غير آمنة بأن كان الزمن زمن نهب جاز أخذه للتملك وللحفظ أيضا، وإن وجده في الحضر تخير بين إمساكه
والانفاق عليه وبيعه وحفظ ثمنه وامتنع أكله كما تقدم (قوله: بعمارة) متعلق بالتقط، والباء بمعنى من: أي التقطه من
عمارة: أي مكان عامر، قال شيخ الاسلام في شرح التحرير: والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها مع
الموات محل اللقطة. اه‍. وكتب ش ق ما نصه: قوله ونحوهما، أي كالمدارس والربط، فإن وجد في ملك شخص فله



(1) سورة البقرة، الآية: 60.
290
وإن لم يدعه فلذي اليد قبله، وهكذا حتى ينتهي للمحيي، فإن لم يدعه فلقطة، كما تقدم عن م ر وظاهره أنه يكون لقطة
بمجرد عدم دعواه. وقال سم: لا بد من نفيه ذلك عن نفسه. (وقوله: لأنها أي المذكورات مع الموات) أي الأرض التي
لا مالك لها من العمارة، وحينئذ فالمراد بها ما عدا المفازة وملك الغير. اه‍. (قوله: أو مفازة) هي الأرض المخوفة،
وتسميتها بذلك من تسمية الشئ بضده تفاؤلا بالفوز: أي النجاة (قوله: عرفه سنة) أي إذ لم يكن حقيرا، كما يدل عليه
قوله بعد ويعرف حقير الخ. والحكمة في اعتبار السنة أن القوافل لا تتأخر عنها غالبا، ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت
الأموال على أربابها، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع الناس من التقاطها، فكان في اعتبار السنة نظر للفريقين معا. قال
الخطيب: وقد يتصور التعريف سنتين، وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك، فإنه لا بد من تعريفه سنة من
حينئذ. اه‍. ويجب عليه قبل التعريف أن يعرف وعاءها من جلد أو خرقة، ووكاءها، أي الخيط الذي تربط به، وجنسها
من ذهب أو فضة، وعددها أو وزنها، وأن يحفظها حتما في حرز مثلها (قوله: في الأسواق) متعلق بقوله عرفه ومثلها
القهاوي ونحوها من كل ما يجتمع فيه الناس (قوله: وأبواب المساجد) أي وفي أبواب المساجد عند خروج الناس من
الجماعة. وعلم من قوله في أبواب المساجد أنه لا يعرف في المساجد، فيحرم إن شوش، وإلا كره. وبهذا يجمع بين
قول من قال بأنه يكره التعريف فيها، وقول من قال بأنه يحرم التعريف فيها إلا المسجد الحرام لأنه مجمع الناس فيعرف
فيه. ويعرف أيضا في الموضع الذي وجدها فيه لان طلب الشئ فيه أكثر إلا أن يكون مفازة ونحوها من الأماكن الخالية
فلا يعرف فيها، إذ لا فائدة في التعريف فيها، فإن مرت به قافلة تبعها وعرف فيها إن أراد ذلك، فإن لم يرد ذلك ففي بلد
يقصدها ولو بلدته التي سافر منها، فلا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان، خلافا لبعضهم (قوله: فإن
ظهر مالكه) أي أعطاه إياه، فجواب الشرط محذوف (قوله: وإلا تملكه) أي وإن لم يظهر مالكه تملكه: أي إن شاء بدليل
ما بعد، لكن بشرط الضمان (قوله: بلفظ تملكت) أي أنه لا بد في التملك من لفظ يدل على التملك إما صريح:
كتملكت، أو كناية مع النية: كأخذته، أي لأنه تملك بيدل فافتقر إلى ذلك كالشراء. قال في المغني: وهذا فيما يملك،
وأما غيره، كالكلب والخمر، فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة. اه‍.
(قوله: وإن شاء باعه وحفظ ثمنه) مثله في شرح التحرير. والذي صرح به سم والخطيب على أبي شجاع أنه لا يباع في
هذه الحالة، بل هو مخير بين تملكه وبين حفظه على الدوام، وصرح به الباجوري أيضا. وعبارة الخطيب مع الأصل.
واللقطة على أربعة أضرب: أحدها ما يبقى على الدوام كالذهب والفضة فهذا، أي ما ذكرناه في الفصل قبله من التخيير
بين تملكها وبين إدامه حفظها إذا عرفها ولم يجد مالكها، هو حكمه، أي هذا الضرب. اه‍. (قوله: أو ما يخشى فساده)
ما نكرة موصوفة معطوفة على شيئا، أي أو التقط شيئا يخشى فساده: أي بالتأخير (قوله: كهريسة الخ) عدد المثل إشارة
إلى أنه لا فرق بين المتقوم كالهريسة، والمثلي كالرطب. وقوله لا يتمر: الجملة صفة لرطب وخرج به ما إذا كان يتمر
فإنه يتخير فيه بين بيعه وحفظ ثمنه، أو تتميره وحفظه، كما مر (قوله: فيتخير الخ) التخيير ليس بحسب التشهي، بل
بحسب المصلحة لأنه يجب عليه الأخذ للمالك. وعبارة م ر: ويتعين فعل الأخذ منهما والأقرب أن لا يستقل بفعل
الأخذ في ظنه، بل يراجع الحاكم ويمتنع إمساكه لتعذره. اه‍. باختصار. اه‍. ش ق. وقوله بين أكله، حالا، ولا فرق
فيه بين الصحراء والعمران لسرعة فساده (قوله: متملكا له) حال من فاعل المصدر المقدر أي أكل الملتقط إياه حال كونه
متملكا له، وهي تفيد أن التملك واقع حال الاكل، وهو لا يصح، لان شرطه أن يكون قبله، وإلا كان غاصبا يلزمه أقصى
القيم. ويمكن أن يقال إن الحال هنا ماضية، وهي قد أثبتها ابن هشام في مغنيه ومثل لها بقوله جاء زيد أمس راكبا وسماها
محكية، لكن نظر فيها الأشموني. فانظره. ولو قال بعد تملكه لكان أولى (قوله: وبين بيعه) أي ويتخير بين بيعه، لكن
بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه، وإلا استقل به (قوله: ويعرفه) أي المبيع الملتقط (قوله: ليتملك ثمنه بعد

291
التعريف) أي ولا يعرف الثمن (قوله: فإن ظهر مالكه) أي بعد أكله في الصورة الأولى، أو بعد تعريفه الكائن بعد بيعه في
الثانية. وقوله أعطاه قيمته، والمراد بها مطلق البدل وهو المثل في المثلى والقيمة في المتقوم (قوله: أو
ثمنه) أي أو أعطاه ثمنه (قوله: وفي التعريف) أي تعريف الذي يخشى فساده بعد أكله (قوله: أصحهما) أي الوجهين (قوله: في العمارة)
متعلق بما بعده وهو وجوبه، أي وجوب التعريف في العمارة (قوله: وفي المفازة) الذي يظهر أنه متعلق بمبتدأ محذوف
خبره الجملة بعده: أي وتعريفه في المفازة. قال الامام الخ. وقوله الظاهر أنه لا يجب قال شيخ الاسلام في شرح التحرير
وفيه نظر. اه‍. وكتب ش ق قوله وفيه نظر، أي بناء على أن معنى كلام الامام عدم وجوب التعريف بعد الاكل مطلقا، أما
لو حمل على ما مر، من أنه لا يجب ما دام في المفازة فإذا وصل إلى العمران وجب، فلا نظر في كلامه. اه‍. (قوله: لأنه
لا فائدة فيه) أي في التعريف في المفازة لعدم من يسمعه، وهذا تعليل لعدم وجوب التعريف فيها. ومفهومه أنه لو كان فيه
فائدة بأن كان فيها أحد يسمع التعريف وجب. لكن عبارة التحفة صريحة في أنه لا يجب التعريف في المفازة مطلقا عند
الامام وعبارتها: ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الامام، وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو
قد وقع قبل الاكل واستقر به بدله في الذمة. اه‍. (قوله: ولو وجد ببيته الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة وما بعدها إلى
قوله ومن رأى لقطة الخ على قوله أو ما يخشى فساده لأنه من فروع ما لا يخشى فساده (قوله: وجوز) أي ظن. وقوله أنه
أي الدرهم. وقوله لمن يدخلونه، أي البيت. وقوله عرفه لهم: أي لمن يدخلونه. والظاهر أن التعريف خاص بهم. وقوله
كاللقطة يفيد التشبيه أنه ليس بلقطه حقيقة، بل في حكمها، وليس كذلك، بل هو لقطة حقيقة، كما يؤخذ مما نقلته عن
ش ق عند قوله بعمارة، فتنبه (قوله: ويعرف حقير الخ) أي في الأصح، وقيل إنه كغير الحقير في جميع ما تقدم. وقوله لا
يعرض عنه، قيد، وسيذكر محترزه (قوله: وقيل هو) أي الحقير، ولعل في العبارة سقطا من النساخ يعلم من عبارة التحفة
ونصها: قيل هو، أي الحقير، دينار، وقيل هو درهم، وقيل وزنه، وقيل دون نصاب السرقة، والأصح عندهما، أي
الشيخين، أنه لا يتقدر، بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا. اه‍. (قوله: زمنا) ظرف متعلق
بيعرف. وقوله يظن أن فاقده، أي ذلك الحقير (قوله: يعرض عنه بعده) أي بعد ذلك الزمن الذي حصل التعريف فيه (
قوله: ويختلف ذلك) أي الزمن الذي يعرف فيه الحقير، والمراد قدره. وقوله باختلاف المال: أي قلته
وكثرته (قوله:
فدانق الفضة حالا) أي يعرف حالا، أي مدة يسيرة من لقطه. وقوله والذهب الخ: أي ودانق الذهب يعرف ثلاثة أيام
(قوله: أما ما يعرض عنه) أي أما الحقير الذي يعرض عنه في الغالب، وهو محترز قوله لا يعرض عنه. وقوله كحبة زبيب:
تمثيل لما يعرض عنه غالبا (قوله: استبد به واجده) أي استقل به. ولو في حرم مكة ولا يعرفه رأسا. وروي عن سيدنا عمر
رضي الله عنه أنه رأى رجلا يعرف زبيبة فضربه بالدرة، وكانت من نعل رسول الله (ص)، وقال: إن من الورع ما يمقت الله
عليه (قوله: ومن رأى لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها) فيه أنه تقدم للشارح في باب الوقف ما يقتضي أنه لو
رفع السجادة من الصف برجله ضمن، ونص عبارته هناك: فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن
الأرض لئلا تدخل في ضمانه. اه‍. ثم رأيت في الروض وشرحه ما نصه: وإن رآها مطروحة فدفعها برجله مثلا ليعرفها
جنسا أو قدرا وتركها حتى ضاعت لم يضمنها لأنها لم تحصل في يده. وقضيته عدم ضمانها وإن تحولت من مكانها
بالدفع. وهو ظاهر. اه‍. فلعل في عبارة المؤلف تحريف دفعها، بالدال، برفعها بالراء من النساخ (قوله: ويجوز أخذ

292
نحو سنابل الخ) عبارة التحفة، ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الاعراض عنها. وقول الزركشي ينبغي
تخصيصه بما لا زكاة فيه أو بمن تحل له كالفقير، معترض بأن الظاهر اغتفار ذلك، كما جرى عليه السلف والخلف،
وبحث غيره تقييده بما ليس فيه حق بمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسرة مما قد
يقصد وسبقت اليد عليه، بخلاف السنابل. اه‍. (قوله: وكذا برادة) أي وكذا يجوز أخذ برادة الحدادين، أي القطع
الصغار التي تسقط عند برد الحديد (قوله: وكسرة خبز) أي يجوز أخذ كسرة خبز. وقوله من رشيد: راجع للأخير بدليل
عبارة التحفة المارة آنفا. وخرج به غير الرشيد فلا يجوز أخذها منه (قوله: ونحو ذلك) أي المذكور من السنابل والبرادة
وكسرة الخبز (قوله: فيملكه آخذه) أي ما ذكر مما مر (قوله: وينفذ تصرفه) أي الآخذ ببيع وهبة ونحوهما (قوله: ويحرم
أخذ ثمر تساقط) أي من أشجاره كرطب وعنب وخوخ ومشمش وغيرها من بقية الأثمار (قوله: إن حوط عليه) أي على
ذلك الثمر، والمراد على أشجاره (قوله: وسقط داخل الجدار) في التحفة في كتاب الصيد ما نصه: وكذا إن لم يحوط
عليه أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه. وقوله قال في المجموع الخ: ساقه في التحفة تأييدا لكلامه المار،
وهو أنسب من صنيع المؤلف. فتنبه (قوله: ما سقط خارج الجدار) أي المحوط على الأشجار (قوله: إن لم يعتد إباحته)
أي إباحة المالك له. وقوله حرم: أي أخذه (قوله: وإن اعتيدت) أي الإباحة. وقوله حل: أي أخذه. قال في التحفة كما
تحل هدية أوصلها مميز. اه‍. (قوله: عملا الخ) علة للحل. وقوله بالعادة المستمرة: أي المطردة. وقوله المغلبة: أي
تلك العادة المطردة. وقوله على الظن: أي ظن الناس. وقوله إباحتهم: أي الملاك. وقوله له: أي لآخذه.
(لطيفة) كان في زمن النبي (ص) رجل يقال له أبو دجانة، فكان إذا صلى الفجر خرج مستعجلا ولا يصبر حتى يسمع
دعاء النبي (ص)، فقال له يوما: أليس لك إلى الله حاجة؟ فقال: بلى فقال فلم لا تقف حتى تسمع الدعاء؟ فقال: لي
عذر يا رسول الله. قال وما عذرك؟ فقال إن داري ملاصقة لدار رجل، وفي داره نخلة، وهي مشرفة على داري، فإذا
هب الهواء ليلا يقع من رطبها في داري، فإذا انتبه أولادي، وقد مسهم الضر من الجوع فما وجدوه أكلوه، فأعجل قبل
انتباههم، وأجمع ما وقع وأحمله إلى دار صاحب النخلة، ولقد رأيت ولدي يوما قد وضع رطبة في فمه فأخرجتها بأصبعي
من فيه وقلت له يا بني لا تفضح أباك في الآخرة، فبكى لفرط جوعه. فقلت له: لو خرجت نفسك لم أدع الحرام يدخل
إلى جوفك، وحملتها مع غيرها إلى صاحبها. فدمعت عينا النبي (ص) وسأل عن صاحب النخلة، فقيل له فلان المنافق،
فاستدعاه وقال له: بعني تلك النخلة التي في دارك بعشرة من النخل: عروقها من الزبرجد الأخضر، وساقها من الذهب
الأحمر، وقضبانها من اللؤلؤ الأبيض، ومعها من الحور العين بعدد ما عليها من الرطب. فقال له المنافق: ما أنا تاجر أبيع
بنسيئة، لا أبيع إلا نقدا لا وعدا، فوثب أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: هي بعشرة من النخيل في الموضع
الفلاني، وليس في المدينة مثل تلك النخيل، ففرح المنافق وقال بعتك. قال قد اشتريت، ثم وهبها لأبي دجانة، فقال
النبي (ص) قد ضمنت لك يا أبا بكر عوضها، ففرح الصديق، وفرح أبو دجانة رضي الله عنهما، ومضى المنافق إلى زوجته
يقول قد ربحت اليوم ربحا عظيما، وأخبرها بالقصة وقال قد أخذت عشرة من النخيل، والنخلة التي بعتها مقيمة عندي
في داري أبدا نأكل منها ولا نوصل منها شيئا إلى صاحبها، فلما نام تلك الليلة وأصبح الصباح وإذا بالنخلة قد تحولت
بالقدرة إلى دار أبي دجانة كأنها لم تكن في دار المنافق، فتعجب غاية العجب. وهذه معجزة سيدنا رسول الله (ص) وفي
قدرة الله تعالى ما هو أعظم من ذلك

293
(تتمة) تعرض المصنف للقطة ولم يتعرض للقيط، وحاصل الكلام عليه أنه إذا وجد لقيط، أي صغير، ضائع لا
يعلم له كافل من أب أو جد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية
لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (1) ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، فإذا
التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط الاثم عن الباقي، فإن لم يلتقطه أحد أثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين
عليه، ويحب الاشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط، ولو كان ظاهر العدالة، وفارق الاشهاد على التقاط اللقطة
حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا والاشهاد في التصرف المالي مستحب ولان الغرض منه حفظ حريته ونسبه
فوجب الاشهاد عليه، كافي النكاح، فإنه يجب الاشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته، وبأن اللقطة يشيع أمرها
بالتعريف ولا تعريف في اللقيط. ويجب الاشهاد على ما معه من المال تبعا له، وإن كان لا يجب الاشهاد على المال
وحده، فلو ترك الاشهاد لم تثبت له ولاية الحفظ، بل ينزعه منه، وجوبا، الحاكم دون الآحاد، ثم إن لم يوجد له مال
فنفقته في بيت المال من سهم المصالح، فإن لم يكن في بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم،
فإن عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه إن كان حرا، وإلا فعلى سيده. وقد نظم ابن رسلان مبحث اللقيط في
زبده فقال:
للعدل أن يأخذ طفلا نبذا * فرض كفاية وحضنه كذا
وقوته من ماله بمن قضى * لفقده أشهد ثم اقترضا
وعليه إذ يفقد بيت المال * والقرض خذ منه لذي الكمال
(واعلم) أن اللقيط في دار الاسلام، أو ما ألحق بها، مسلم تبعا للدار إلا إن أقام كافر بينة بنسبه فيتبعه في النسب
والدين فيكون كافرا تبعا له، بخلاف ما إذا استلحقه بلا بينة لأنه قد حكم بإسلامه تبعا لدار الاسلام أو ما ألحق بها وهي
دار الكفر التي بها مسلم يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا، ولا يكفي اجتيازه بدار الكفر، بخلافه بدار الاسلام
فإنه يكفي اجتيازه بها لحرمتها. ولو وجد اللقيط بدار الكفر التي لا مسلم بها فهو كافر وهو حر وإن ادعى رقه لاقط أو غيره
لان غالب الناس أحرار إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك كإرث أو شراء: كأن تشهد أنه رقيق لفلان ورثه من أبيه
أو اشتراه، وإلا إن أقر بالرق بعد كماله لشخص ولم يكذبه المقر له، بأن صدقه أو سكت ولم يسبق منه قبل إقراره بالرق
بعد كماله إقرار بحرية، أما إذا كذبه المقر له فلا يقبل إقراره بالرق له، وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم
بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا، وكذا لو سبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية لأنه لما حكم بحريته بإقراره
السابق لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة المائدة، الآية: 32.
294
باب النكاح
هذا هو الربع الثالث من الفقه. وإنما قدموا العبادات لأنها أهم، ثم المعاملات لان الاحتياج إليها أهم، ثم ذكروا
الفرائض في أول النصف الثاني للإشارة إلى أنها نصف العلم، ثم النكاح لأنه إذا تمت شهوة البطن يحتاج لشهوة الفرج،
ثم الجنايات لان الغالب أن الجناية تحصل بعد استيفاء شهوتي البطن والفرج، ثم الأقضية والشهادات لان الانسان إذا
وقعت منه الجنايات رفعوه للقاضي واحتاجوا للشهادة عليه، ثم ختموا بالعتق رجاء أن يختم الله لهم بالعتق من النار.
والنكاح من الشرائع القديمة، فإنه شرع من لدن آدم عليه السلام واستمر حتى في الجنة، فإنه يجوز للانسان النكاح في
الجنة، ولو لمحارمه، ما عدا الأصول والفروع، فلا ينكح أمه ولا بنته فيها. قال الأطباء: ومقاصد النكاح ثلاثة: حفظ
النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه بالبدن، ونيل اللذة. وهذه الثالثة هي التي تبقى في الجنة، إذ لا تناسل هناك ولا
احتباس، والأصل فيه الكتاب والسنة والاجماع، فمن الأول قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث
ورباع) * (1) وقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) *. (2) ومن الثاني قوله (ص): من أحب فطرتي فليستسن بسنتي، ومن
سنتي النكاح وفي رواية: فمن رغب عن سنتي فمات قبل أن يتزوج صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة
وقال (ص): من ترك التزويج مخافة العالة (3) فليس مني وأخرج الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر: الدنيا كلها متاع،
وخير متاعها المرأة الصالحة وابن ماجة عن أبي أمامة: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة: إن
أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله والطبراني عن ابن
مسعود تزوجوا الابكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسر والبيهقي عن أبي سعيد وابن عباس رضي
الله عنهم قالا: قال رسول الله (ص): من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، وإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب
إثما فإنما إثمه على أبيه وروي أنه: دخل رجل على النبي (ص) يقال له عكاف، فقال له النبي (ص) يا عكاف ألك زوجة؟
قال: لا، قال ولا جارية؟ قال ولا جارية. قال وأنت بخير موسر؟ قال وأنا بخير موسر. قال أنت من إخوان الشياطين. لو
كنت من النصارى كنت من رهبانهم. إن من سنتي النكاح: شراركم عزابكم، أراذل أمواتكم عزابكم رواه الإمام أحمد
في مسنده. وقد نظم ابن العماد هذا المعنى في قوله:
شراركم عزابكم جاء الخبر * أراذل الأموات عزاب البشر
وفي المجالس السنية للفشني ما نصه: قال بعض الشراح إنما كان من لا يتزوج أو يتسرى مع القدرة عليه من شرار
الأمة في الاحياء وأراذلها في الأموات لمخالفته ما أمر الله به ورسوله وحث عليه، وسمي من شرار الخلق لعدم غض بصره
وتحصين فرجه، ولعدم ستر شطر دينه، للأخبار الواردة في ذلك عن النبي (ص) بقوله: من تزوج فقد ستر شطر دينه،
فليتق الله في الشطر الآخر وأيضا فإن مثل هذا لا يؤمن غالبا على النساء ولا على المجاورة في السكنى وغيرها
. فربما
تسلط الشيطان فيقع الفساد. اه‍.



(1) سورة النساء، الآية: 3.
(2) سورة النور، الآية: 32.
(3) لعلها العلية.
295
(وحكي) أبو العباس أحمد بن يعقوب أنه رؤي معروف الكرخي في النوم، فقيل له ما صنع الله بك؟ قال أباحني
الجنة، غير أن في نفسي حسرة: إني خرجت من الدنيا ولم أتزوج
(وحكي) أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزوج فيأبى برهة من دهره، فانتبه من نومه ذات يوم وقال
زوجوني، فزوجوه، فسئل عن ذلك: فقال لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة. ثم قال رأيت في
المنام كأن القيامة قد قامت وكنت من جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش والكرب ما كاد أن يقطع عنقي، وكذا
الخلائق في شدة العطش والكرب، فنحن كذلك إذ ولدان قد ظهروا وبأيديهم أباريق من فضة مغطاة بمناديل من نور وهم
يتخللون الجموع ويتجاوزون أكثر الناس ويسقون واحدا بعد واحد، فمددت يدي إليهم وقلت لبعضهم اسقني فقد
أجهدني العطش، فنظر إلي وقال ليس لك ولد فينا، إنما نسقي آباءنا وأمهاتنا. فقلت من أنتم؟ فقالوا: نحن أطفال
المسلمين وأركان النكاح خمسة: زوج، وزوجة، وولي، وشاهدان، وصيغة (قوله: وهو لغة الضم والاجتماع) عطف
الاجتماع على الضم من عطف العام على الخاص. وعبارة شيخ الاسلام والتحفة والنهاية، هو لغة الضم والوطئ. اه‍.
فأفادت أنه يطلق لغة على الوطئ كما يطلق على الضم والاجتماع. وعبارة الخطيب: والعرب تستعمله بمعنى العقد
والوطئ جميعا. اه‍. وكتب البجيرمي: عليها، أي يطلق على كل منهما، فهو من قبيل المشترك، فيكون حقيقة
فيهما. اه‍. ونقل الباجوري عن النووي في شرح مسلم مثله فقال: قال النووي في شرح مسلم: هو لغة الضم والوطئ.
ثم قال: قال الواحدي: قال أبو القاسم الزجاجي النكاح في كلام العرب بمعنى العقد والوطئ، ثم قال وقال أبو علي
الفارسي فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا: فإذا قالوا نكح فلانة أو بنت فلانة أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا نكح امرأته أو
زوجته أرادوا وطئها. اه‍. بتصرف. وأورد البرماوي على هذا بأن فيه تساهلا لان الوطئ والعقد من معناه الشرعي، وهو
كما قال، وإن رده الباجوري. فتنبه (قوله: ومنه) أي من النكاح بمعناه اللغوي الذي هو الضم والاجتماع، وقوله قولهم:
أي العرب. وقوله إذا تمايلت الخ: أي تقول ذلك إذا تمايلت الأشجار وانضم بعضها إلى بعض، وهذا هو محل
الاستدلال. وسمي المعنى الشرعي بذلك لما فيه من ضم أحد الوجهين إلى الآخر (قوله: وشرعا عقد الخ) اعلم أنه
اختلف في كون عقد النكاح عقد إباحة أو تمليك على وجهين: أوجههما أنه عقد إباحة، وعليه التعريف المذكور. ويظهر
أثر الخلاف فيما لو حلف لا يملك شيئا وله زوجة، فعلى الأول لا يحنث، وعلى الثاني يحنث. قال في المغني: واختار
المصنف عدم الحنث إذا لم يكن له فيه، إذ لا يفهم منه الزوجية. اه‍. وقوله واختار عدم الحنث: أي حتى على أنه
تمليك بدليل التعليل، وقال فيه أيضا: ويظهر أثر الخلاف فيما لو وطئت بشبهة إن قلنا إنه ملك فالمهر له، وإلا فلها. اه‍.
وهذا مبني على أن المراد بالملك ملك المنفعة، والمعتمد أن المراد به ملك الانتفاع فعليه المهر لها مطلقا. وفي حاشية
الجمل منا نصه.
(فرع) المعقود عليه في النكاح: حل الاستمتاع اللازم المؤقت بموت أحد الزوجين. ويجوز رفعه بالطلاق وغيره،
وقيل المعقود عليه عين المرأة، وقيل منافع البضع. اه‍. وقوله يتضمن إباحة وطئ: أي يستلزمها، وقوله بلفظ إنكاح:
متعلق بمحذوف، أي عقد يحصل بلفظ إنكاح الخ: أي بلفظ مشتق إنكاح أو مشتق تزويج. وخرج به بيع الأمة فإنه عقد
يتضمن إباحة وطئ، لكن لا بلفظ إنكاح أو تزويج، وإنما قلنا أي بلفظ مشتق الخ لأنهما مصدران، والمصدر كناية لا
ينعقد به النكاح. اه‍. بجيرمي (قوله: وهو) أي لفظ النكاح. وقوله حقيقة في العقد مجاز في الوطئ: لا يرد عليه قوله
تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لان المراد به فيه العقد. وأما الوطئ فهو مستفاد من خبر حتى تذوقي عسيلته ويذوق



(1) سورة البقرة، الآية: 230.
296
عسيلتك فالعقد مستفاد من الكتاب، والوطئ مستفاد من السنة. والمراد به في ذلك الوطئ مجازا مرسلا: من إطلاق اسم
السبب على المسبب بقرينة الخبر المذكور. وقوله على الصحيح: مقابله قولان أحدهما أنه حقيقة في الوطئ مجاز في
العقد، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه، وثانيهما أنه حقيقة فيهما بالاشتراك كعين، وعليه حمل النهي في قوله تعالى:
* (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) فإن المراد النهي عن العقد وعن الوطئ بملك اليمين معا على
استعمال المشترك
في معنييه. قال في المغني: وتظهر فائدة الخلاف فيمن زنى بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا. قاله
الماوردي والروياني. وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا، لا بالوطئ، إلا إن نوى. اه‍. وقوله
عندنا: أي وأما عندهم فيحمل على الوطئ، ويفرق بينهما بالقرائن (قوله: سن الخ) ذكر له أربعة أحكام: السنية لتائق
قادر على المؤن وخلاف الأولى لتائق غير قادر عليها، والكراهة لغير قادر وغير تائق، والوجوب لناذر له حيث ندب في
حقه. وبقي الحرمة، وهي في حق من لم يقم بحقوق الزوجية (قوله: أي النكاح) تفسير للضمير المستتر، ويتعين أن يراد
به التزوج، وهو القبول، إذ هو الذي من طرف الزوج. ففي كلام المصنف شبه استخدام حيث ذكر النكاح أولا في
الترجمة بمعنى العقد المركب من الايجاب والقبول، وذكره ثانيا بمعنى آخر وهو القبول الذي هو أحد طرفيه. وأما
الايجاب الذي هو الطرف الآخر فمتعلق بالولي فلا قدرة للزوج عليه، وهو أيضا مستحق إن كانت المرأة تائقة، فيستحب
لها النكاح بمعنى التزوج الذي هو الايجاب لكن بواسطة الولي. وفي معنى التائقة المحتاجة للنفقة والخائفة من اقتحام
الفجرة، بل إن لم تندفع الفجرة عنها إلا بالنكاح وجب، فإن لم تكن تائقة ولا محتاجة ولا خائفة كره لها لأنها يخشى منها
أن لا تقوم بحقوق الزوجية مع عدم السبب المقتضي للنكاح. وقوله لتائق: متعلق بسن، وقوله أي محتاج للوطئ: تفسير
مراد له (قوله: وإن اشتغل بالعبادة) غاية في سنيته لمن ذكر. والمناسب تأخيرها عن القيد الثاني. أعني قوله قادر الخ،
أي سن له ذلك مطلقا سواء كان مشتغلا بالعبادة أم لا. وذلك لوجود التوقان مع القدرة، بخلاف غير التائق القادر على
المؤنة. فإن كان يتخلى للعبادة فهي أفضل، وإلا فهو أفضل لئلا تفضي به البطالة إلى الفواحش، كما قال بعضهم:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
(قوله: قادر على مؤنة) أي متعلقة بالنكاح زائدة عن مسكنه وخادمه ومركوبه وملبوسه (قوله: من مهر الخ) بيان
للمؤنة، والمراد به الحال. وقوله وكسوة فصل تمكين: أي الفصل الذي حصل التمكين فيه. وقوله ونفقة يومه
: أي يوم
التمكين، أي وليلته، وعبر في جانب الكسوة بالفصل وفي جانب النفقة باليوم: لان العبرة في الكسوة بفصل التمكين،
كفصل الشتاء أو الصيف، وفي النفقة بيوم التمكين، أي وليلته (قوله: للاخبار الثابتة في السنن) هو تعليل لسنته لمن ذكر
(قوله: وقد أوردت حملة منها) أي من الاخبار، وقد علمت في أول الباب معظم ذلك، ومنها غير ما تقدم قوله (ص): يا
معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء أي قاطع لتوقانه والباءة، بالمد، لغة الجماع، والمراد بها هو مع المؤنة لرواية من كان منكم ذا طول فليتزوج
(قوله: إحكام أحكام النكاح) الأولى بكسر الهمزة: مصدر بمعنى إتقان، والثانية بالفتح جمع حكم. وفي بعض نسخ
الخط إسقاط الأولى (قوله: ولما فيه) أي النكاح، وهو معطوف على للاخبار (قوله: وأما التائق العاجز عن المؤن) هذا
مفهوم قوله قادر على مؤنة، والأنسب أن يقول وخرج بقولي قادر العاجز (قوله: فالأولى له تركه) أي لقوله تعالى:
* (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) * ولمفهوم حديث من استطاع الخ (قوله: وكسر



(1) سورة البقرة، الآية: 221.
(2) سورة النور، الآية: 33.
297
حاجته الخ) معطوف على تركه: أي والأولى له كسر حاجته: أي شهوته بالصوم لحديث من استطاع المار والمراد
الصوم الدائم لأنه يثير الحرارة والشهوة في ابتدائه، ولا تنكسر إلا بدوامه. وفي البجيرمي: قال العلماء الصوم يثير الحركة
والشهوة أولا، فإذا داوم سكنت. قال ابن حجر: ولا دخل للصوم في المرأة، لأنه لا يكسر شهوتها. قال سم: في إطلاقه
نظر: ما المانع أنها كالرجل إذا كانت حاجتها الشهوة فتكسرها بالصوم؟ فليراجع. وفيه أن هذا أمر طبي لا دخل للفقهاء
فيه. فكيف يقول ما المانع؟ اه‍. (قوله: لا بالدواء) معطوف على بالصوم: أي لا كسر حاجته بالدواء ككافور، بل يتزوج
ويتوكل على الله، فإن الله تكفل بالرزق للمتزوج بقصد العفاف، فإن كسرها به، فإن قطع الشهوة بالكلية حرم، وإن لم
يقطعها بالكلية بل يفترها كره. ومثل هذا التفصيل يجري في استعمال المرأة شيئا يمنع الحبل، فإن كان يقطع من أصله
حرم، وإلا بأن كان يبطئه كره. وفي البجيرمي ما نصه: واختلفوا في جواز التسبب في إلقاء النطفة بعد استقرارها في
الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه. وفي الاحياء، في
مبحث العزل، ما يدل على تحريمه، وهو الأوجه، لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح، ولا كذلك
العزل. اه‍. ابن حجر. والمعتمد أنه لا يحرم إلا بعد نفخ الروح فيه. اه‍. وسيذكره الشارح في آخر باب الجناية
(قوله: وكره) أي النكاح بمعنى التزوج الذي هو القبول، كما تقدم. وقوله لعاجز عن المؤن غير تائق، هذا مفهوم قوله
تائق، فهو على اللف والنشر المشوش. والأنسب هنا أيضا أن يقول وخرج بقولي تائق غيره فيكره إن عجز عن المؤنة.
وعبارة المنهج وشرحه، وكره النكاح لغيره، أي غير التائق له، لعلة أو غيرها إن فقدها، أي أهبته، أو وجدها وكان به علة
كهرم وتعنين لانتفاء حاجته إليه مع التزام فاقد الأهبة ما لا يقدر عليه وخطر القيام بواجبه فيمن عداه، وإلا بأن وجدها ولا
علة به فتخل لعبادة أفضل. اه‍ (قوله: ويجب بالنذر حيث ندب) أي إذا نذر النكاح وجب عليه إن ندب في حقه بأن كان
تائقا قادرا على المؤنة، وهذا ما جرى عليه ابن حجر، ونص عبارته: نعم حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة وجب بالنذر
على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره. اه‍. والذي اعتمده م ر خلافه، ونص عبارته: ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن
استحب، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، خلافا لبعض المتأخرين. اه‍. وعدم الانعقاد عنده نظرا لكون أصله
الإباحة، والاستحباب فيه عارض. نعم: قد يجب بغير النذر فيما لو خاف على نفسه العنت وتعين طريقا لدفعه مع
قدرته. وبحث بعضهم أيضا وجوبه فيما لو طلق مظلومة في القسم ليوفيها حقها من نوبة المظلوم لها (قوله: وسن نظر
الخ) وذلك لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: إذا خطب أحدكم المرأة، أي أراد خطبتها: - بدليل رواية
أخرى -، فلا جناح عليه أن ينظر إليها وإن كانت لا تعلم رواه أبو داود والطبراني وأحمد. وأخرج ابن النجار وغيره عن
المغيرة بن شعبة قال: خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي (ص)، فقال لي رأيتها؟ فقلت لا. قال
فانظر إليها فإنه
أحرى أن يؤدم بينكما، أي تدوم المودة والألفة، فأتيتهم فذكرت ذلك إلى والديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقمت
فخرجت، فقالت الجارية علي بالرجل، فوقفت ناحية خدرها، فقالت إن كان رسول الله (ص) أمرك أن تنظر إلي فانظر،
وإلا فأنا أحرج عليك أن تنظر فنظرت إليها، فتزوجتها، فما تزوجت امرأة قط أحب إلي منها ولا أكرم علي منها، وقد
تزوجت سبعين امرأة (قوله: بعد العزم على النكاح) متعلق بسن أو بنظر. وخرج به ما إذا كان قبل العزم فلا يسن، بل
يحرم لأنه لا حاجة إليه قبله (قوله: وقبل الخطبة) خرج به ما إذا كان بعدها فلا يسن النظر. نعم، يجوز، كما في التحفة،
ونصها: وظاهر كلامهم انه لا يندب النظر بعد الخطبة لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها وأنه مع ذلك يجوز لان فيه
مصلحة أيضا، فما قيل يحتمل حرمته لان إذن الشارع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة يرد بأن الخبر مصرح بجوازه بعدها
فبطل حصره، وإنما أولوه بالنسبة للأولوية، لا الجواز، كما هو واضح. اه‍ (قوله: الآخر) مفعول المصدر المضاف
لفاعله وهو نظر: أي سن أن ينظر كل الآخر، وهو قيد خرج به النظر إلى نحو ولد المخطوبة الأمرد، فلا يجوز له نظره وإن

298
بلغه استواؤهما في الحسن، خلافا لمن وهم فيه وزعم أن هذا حاجة مجوزة ممنوع: إذ الاستواء في الحسن المقتضي
لكون نظره يكفي عن نظرها في كل ما هو المقصود منه يكاد يكون مستحيلا. اه‍. تحفة (قوله: غير عورة) منصوب على
الاستثناء أو على البدلية من الآخر. وقوله مقررة في شروط الصلاة: وهي للرجل والأمة ما بين السرة والركبة، وللحرة
جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها (قوله: فينظر من الحرة وجهها الخ) أي ولو بشهوة أو خوف فتنة، كما قاله الامام
والروياني، وإن قال الأذرعي في جواز نظره بشهوة نظر، والمعتمد الجواز، ولو بشهوة، وله تكريره إن احتاج إليه، ولو
فوق الثلاث، حتى يتبين له هيئتها، فإن لم يحتج إليه لكونه تبين له هيئتها بنظرة حرم ما زاد عليها، لان الضابط في ذلك
الحاجة. وإذا لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها، ولا يترتب على سكوته منع خطبتها لان السكوت إذا طال وأشعر
بالاعراض جازت، وضرر الطول دون ضرر لا أريدها. فاحتمل. أفاده م ر (قوله: ليعرف جمالها) علة لنظره وجهها
(قوله: وكفيها) معطوف على وجهها: أي وينظر كفيها. وقوله لعيرف خصوبة بدنها: علة له، والخصوبة النعومة. وفي
الخطيب، والحكمة في الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به
على خصب البدن. اه‍. وكتب البجيرمي ما نصه: قد يقال هذه الحكمة توجد في الأمة، فمقتضاها أنه لا ينظر من الأمة
إلا الوجه والكفين، كالحرة، للحكمة المذكورة، وأجيب بأن الحكمة لا يلزم اطرادها. اه‍. (قوله: وممن الخ) معطوف
على من الحرة، أي وينظر من المرأة التي قام بها الرق، أي اتصفت به كلا أو بعضا، ما عدا ما بين السرة والركبة. قال في
التحفة: ولا يعارضه ما يأتي أنها كالحرة في نظر الأجنبي إليها لان النظر هنا مأمور به، ولو مع خوف الفتنة، فأنيط بما عدا
عورة الصلاة. وفيما يأتي منوط بخوف الفتنة، وهو جار فيما عدا الوجه والكفين مطلقا. اه‍. (قوله: وهما) أي الحرة
والأمة. وقوله تنظران منه، أي الرجل الخاطب إذا أرادتا تزوجه لأنهما يعجبهما منه ما يعجبه منهما. وقوله ذلك: أي ما
عدا ما بين السرة والركبة، وقيل الحرة تنظر منه ما ينظر منها فقط، وهو الوجه والكفان (قوله: ولا بد في حل النظر الخ)
ذكر لحل النظر قيدين: تيقن الخلو من نكاح وعدة، وغلبة ظنه أنه يجاب. وتقدم قيد أيضا له وهو العزم على النكاح، فلو
انتفى أحد هذه القيود حرم عليه النظر لعدم وجود مسوغ، وقوله من تيقن خلوها من نكاح، قال سم: أو ظنه. وقوله وعدة،
أي وخلوها من عدة. أي تحرم التعريض، كالرجعية، فإن لم تحرمه جاز النظر وإن علمت به لان غايته أنه كالتعريض،
فإطلاق بعضهم حرمته في العدة إذا كان بإذنها أو مع علمها بأنه لرغبته في نكاحها ينبغي حمله على ما ذكرته. اه‍. تحفة
(قوله: وأن لا يغلب على ظنه الخ) المصدر معطوف على تيقن، أي ولا بد من عدم غلبة عدم الإجابة على الظن. وقوله
أنه أي الخاطب. وقوله لايجاب: أي لا يقبل إذا خطب (قوله: وندب لمن لا يتيسر له النظر) أي أو لا يريده بنفسه. وقوله
أن يرسل الخ: وذلك لما روى الإمام أحمد في المسند أن النبي (ص) بعث امرأة تخطب له امرأة، فقال
انظري إلى وجهها
وكفيها وعراقيبها، وتسمى عوارضها وقوله نحو امرأة: أي كمحرم لها وممسوح. وقوله ليتأملها، الضمير المستتر يعود
على نحو المرأة، والبارز يعود على المخطوبة. وقوله ويصفها له، أي للمرسل الخاطب، ويجوز أن يصف له زائد على ما
لا يحل له نظره. فيستفيد بالارسال ما لا يستفيد بالنظر. قال في التحفة: وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنى من حرمة وصف
امرأة لرجل. اه‍ (قوله: وخرج بالنظر المس فيحرم) أي ولو لاعمى فلا يجوز له المس، بل يوكل من ينظر له. وقوله إذ لا
حاجة إليه: أي إلى المس، وهو تعليل لحرمته
(قوله مهمة) أي في بيان النظر المحرم والجائز وغير ذلك. وحاصله أنه إما أن يمتنع مطلقا، وذلك في الأجنبية،

299
وإما أن يجوز مطلقا، وذلك في الزوجة والأمة، وإما أن يجوز لما عدا ما بين السرة والركبة، وذلك في المحارم والأمة
المزوجة والمعتدة، وإما أن يجوز لأجل الخطبة، وذلك للوجه والكفين في الحرة، وما عدا ما بين السرة والركبة في الأمة،
وإما أن يجوز لأجل المداواة، وذلك في محل الحاجة، وإما للمعاملة والشهادة، وذلك للوجه فقط. فإن كن للشهادة على
رضاع أو زنا فبالنظر لذلك المحل وإما أن يكون لتقليب أمة يريد شراءها، وذلك إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها من
البدن ما عدا ما بين السرة والركبة. اه‍. بجيرمي بتصرف (قوله: يحرم على الرجل الخ) وذلك لقوله تعالى: * (قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) * (1) وقوله (ص): النظرة سهم مسموم من سهام إبليس المرجوم، لأنها
تدعو إلى الفكر، والفكر يدعو إلى الزنا وقوله عليه السلام: العين تزني، والقلب يصدق ذلك أو يكذبه ولذلك قال
بعضهم:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والمراد بالرجل: الذكر البالغ، ولو احتمالا، فدخل الفحل وهو الذي بقي ذكره وأنثياه، والخصي وهو من قطع
أنثياه وبقي ذكره، والمجبوب وهو من قطع ذكره وبقيت أنثياه، والخنثى المشكل لاحتمال ذكورته. وأما الممسوح فهو مع
النساء الأجانب كالمحرم، وأما المجنون فلا يوصف بتحريم ولا تحليل كالبهيمة، لكن يلزم المرأة الاحتجاب عنه.
وخرج بالذكر الأنثى فيحل نظرها لمثلها، وبالبالغ الصبي، لكن المراهق كالبالغ على الأصح. ومعنى حرمة النظر فيه،
مع أنه غير مكلف، أنه يحرم على وليه تمكينه منه، ويحرم على المرأة أن تنكشف عليه (قوله: ولو شيخا هما) غاية في
حرمة نظر الرجل، والهم، بكسر الهاء وتشديد الميم، الشيخ الفاني (قوله: تعمد نظر الخ) فاعل يحرم. وخرج به ما إذا
حصل النظر اتفاقا فلا يحرم. وقوله شئ من بدن أجنبية: أي ولو الوجه والكفين فيحرم النظر إليهما. ووجه الامام باتفاق
المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة، وقد قال تعالى: * (قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * (2) واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والاعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة
بالأجنبية. قال في فتح الجواد: ولا ينافيه، أي ما حكاه الامام من اتفاق المسلمين على المنع، ما نقله القاضي عياض عن
العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، وعلى الرجال غض البصر لان منعهن من ذلك
ليس لوجوب الستر عليهن، بل لان فيه مصلحة عامة بسد باب الفتنة. نعم، الوجه وجوبه عليها إذا علمت نظر أجنبي إليها
أخذا من قولهم يلزمها ستر وجهها عن الذمية، ولان في بقاء كشفه إعانة على الحرام. اه‍. وقال في النهاية: حيث قيل
بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، كما بحثه الأذرعي، لا سيما إذا
كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر. اه‍. وقوله المحاجر: جمع محجر، كمجلس، وهو ما يبدو من النقاب. وفي
القاموس: المحجر من العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها، كذا في ع ش، وقوله من خناجر: جمع
خنجر، وهو من آلات القتل، فشبه ما يبدو من البرقع بالخنجر بجامع حصول الهلاك بكل وإن كان في المشبه به حسيا
وفي المشبه معنويا (قوله: حرة أو أمة) بدل من أجنبية، وهو تعميم فيها (قوله: بلغت) أي الأجنبية. (وقوله: تشتهي فيه)
أي في ذلك الحد، والمراد تشتهي لذوي الطباع السليمة لو سلمت من مشوه بها. وخرج به الصغيرة التي لا
تشتهي فيحل
النظر إليها لأنها ليست مظنة الشهوة إلا الفرج فيحرم النظر إليه إلا لنحو الام زمن الرضاع والتربية فلا يحرم، كما سيأتي
(قوله: ولو شوهاء أو عجوزا) غاية في حرمة النظر للأجنبية، أي يحرم النظر إلى الأجنبية ولو كانت شوهاء، أي قبيحة
المنظر أو عجوزة ولو مع أمن الفتنة، إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة. وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:



(1) سورة النور، الآية: 30.
(2) سورة النور، الآية: 30.
300
لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق
(قوله: وعكسه) فاعل لفعل محذوف: أي ويحرم عكسه، وهو تعمل نظر الأجنبية لشئ من بدن أجنبي وإن لم
تخف فتنة ولم تنظر بشهوة، وذلك لقوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) * (1)، ولأنه
(ص) أمر ميمونة وأم سلمة، وقد رآهما ينظران لابن أم مكتوم، بالاحتجاب منه، فقالت له أم سلمة: أليس هو أعمى لا
يبصر؟ فقال ألستما تبصرانه؟ (قوله: خلافا للحاوي كالرافعي) راجع لصورة العكس فقط فإنهما خالفا في ذلك حيث
قالا بجواز نظر المرأة إلى بدن الأجنبي، واستدلا بنظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد
والنبي (ص) (ص) يراها، ورد بأنه ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم. ولا
يلزم منه تعمد نظر البدن، وإن وقع بلا قصد صرفته حالا أو أن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب، أو أنها كانت لم تبلغ
مبلغ النساء. وعبارة المنهاج: والأصح جواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته إن لم تخف فتنة. قلت
الأصح التحريم كهو إليها. والله أعلم. اه‍. وقوله أولا والأصح، أي عند الرافعي (قوله: وإن نظر بغير شهوة) غاية في
حرمة تعمد نظر الرجل، ولو قدمها على قوله وعكسه ثم قال ومثله العكس لكان أولى: أي يحرم تعمد النظر وإن نظر بغير
شهوة وهي التلذذ بالنظر. وقوله أو مع أمن الفتنة: هي ميل النفس ودعاؤها إلى الجماع. وقوله على المعتمد: مقابله يقول
بحل النظر مع عدم الشهوة وأمن الفتنة، لكن في خصوص الوجه والكفين (قوله: لا في نحو مرآة) أي لا يحرم نظره لها
في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثالها. ويؤيده قولهم لو علق طلاقها برؤيتها لم يحنث برؤية خيالها
والمرأة مثله فلا يحرم نظرها له في ذلك. قال في التحفة: ومحل ذلك، كما هو ظاهر، حيص لم يخش فتنة
ولا
شهوة. اه‍ (قوله: كما أفتى به غير واحد) مرتبط بالنفي (قوله: وقول الأسنوي) مبتدأ خبره ضعيف. وقوله الصواب حل
النظر إلى الوجه والكفين: استدل عليه بقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * (2) أي ما غلب ظهوره، وهو
مفسر بالوجه الكفين. ورد بأن الآية واردة في خصوص الصلاة (قوله: وكذا اختيار الأذرعي قول جمع يحل) أي الآية
* (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) * (3) ويرده ما مر من
سد الباب وأن لكل ساقطة لاقطة، ولا دلالة في الآية، كما هو جلي، بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة،
واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وأضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم
غيرهم، ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة، كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى - اه‍ تحفة. وقوله بل فيها إشارة الخ
قال ع ش يتأمل وجه الإشارة، فإن ظاهرها جواز النظر إن لم تتبرج بالزينة، ومفهومها الحرمة إذا تزينت، وهو عين ما ذكره
الأذرعي. اه‍ (قوله: ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا) أي بلا خلاف، وذلك لان الخلاف في الحل وعدمه
إنما هو في غير عورة الصلاة وهما من العورة، وإنما نص عليهما، مع أن غيرهما من سائر أجزاء البدن غير الوجه والكفين
كذلك، لئلا يتوهم أنهما كالوجه لقربهما منه. هكذا ظهر (قوله: وقيل يحل الخ) مقابل التعميم السابق بقوله حرة أو أمة.
وعبارة المنهاج: والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة والله أعلم. اه‍: أي لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة، بل
كثير من الإماء يفوق أكثر الحرائر جمالا، فخوفها فيهن أعظم، وضرب عمر رضي الله عنه لامة استترت كالحرة وقال
أتتشبهين بالحرائر يا لكاع؟ لا يدل للحل لاحتمال أنه لايذائها الحرائر بظن أنهن هي: إذ الإماء كن يقصدن للزنا،



(1) سورة النور، الآية: 31.
(2) سورة النور، الآية: 31.
(3) سورة النور، الآية: 60.
301
والحرائر كن يعرفن بالستر. اه‍. تحفة. وقوله النظر الخ: فاعل يحل وخرج بالأمة المبعضة، فهي كالحرة قطعا. وقيل
على الأصح. وقوله إلا ما بين السرة والركبة: أي فلا يحل. وقوله لأنه: أي ما بين السرة والركبة، وهو تعليل لعدم حل نظر
ما بين سرتها وركبتها وحل ما عداه (قوله: وليس من العورة الصوت) أي صوت المرأة، ومثله صوت الأمرد فيحل سماعه
ما لم تخش فتنة أو يلتذ به وإلا حرم (قوله: فلا يحرم سماعه) أي الصوت. وقوله إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به: أي فإنه
يحرم سماعه، أي ولو بنحو القرآن، ومن الصوت: الزغاريد. وفي البجيرمي: وصوتها ليس بعورة على الأصح، لكن
يحرم الاصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع باب المرأة أحد فلا تجيبه بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها، بأن تأخذ طرف
كفها بفيها وتجيب. وفي العباب: ويندب إذا خافت داعيا أن تغل صوتها بوضع ظهر كفها على فيها. اه‍. (قوله: وأفتى
بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير) إن كان مراده بهذا بيان مفهوم تقييد الحرمة بالرجل الذي هو الذكر البالغ فلا معنى
لتخصيص الجواز ببعض المتأخرين ولا لتخصيصه بالولائم والافراح، وأيضا هو ليس بمسلم لأنه يقتضي أن الصغير
مطلقا يجوز له النظر مع أنه مختص بغير المراهق وإن كان ليس مراده ذلك وإنما مراده بيان أن الصغير كالرجل البالغ.
ولكن أفتى بعض المتأخرين بجواز نظره. فصنيع عبارته لا يفيده، وأيضا هو ليس بمسلم لان الصغير ليس كالبالغ مطلقا،
بل إذا كان مراهقا فقط، وهو من قارب الاحتلام باعتبار غالب سنه وهو قريب خمس عشرة سنة، وأما إذا لم يكن مراهقا
فيحل نظره بالاتفاق. وكان المناسب والأولى أن يبين حكم غير الرجل، كأن يقول وخرج بالرجل الذي هو الذكر البالغ
الأنثى فيحل نظرها لكن لمثلها والصغير فيحل نظره إذا كان غير مراهق. وأما إذا كان مراهقا فهو كالكبير أو يقول
كالمنهاج: والمراهق كالبالغ على الأصح (قوله: والمعتمد عند الشيخين) عبارة المنهاج مع المغني: والأصح حل النظر
إلى صغيرة لا تشتهي إلا الفرج، فلا يحل نظره. قال الرافعي، كصاحب العمدة، اتفاقا. ورده في الروضة بأن القاضي
جوزه جزما، فليس ذلك اتفاقا، بل فيه خلاف. اه‍. بحذف (قوله: وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير) أي قبله،
كما هو ظاهر، اه‍ سم. والفرق بين فرج الصغير - حيث حل النظر إليه - وفرج الصغيرة - حيث حرم النظر إليه - أن فرجها
أفحش (قوله: وقيل يحرم) قال في التحفة: ويدل له خبر الحاكم أن محمد بن عياض قال: رفعت إلى رسول
الله (ص)
في صغري وعلي خرقة وقد كشف عورتي، فقال غطوا عورته، فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير، ولا ينظر الله
إلى كاشف عورته اه‍ (قوله: ويجوز لنحو الام) أي من كل من يتولى الارضاع والتربية، ولو أجنبية أو ذكرا. وقوله نظر
فرجيهما: أي الصغير والصغيرة (قوله: ومسه) الأولى ومسهما: أي الفرجين (قوله: زمن الرضاع) متعلق بيجوز: أي
يجوز ذلك من الرضاع، أي مدة الرضاع سنتين أو أكثر أو أقل. وقوله والتربية: أي وزمن التربية، أي التعهد والاصلاح
(قوله: للضرورة) علة الجواز: أي وإنما جاز ذلك لان الضرورة داعية إليه، إذ تحتاج الام ونحوها إلى غسل الفرج من
النجاسة ودهنه للتداوي وغير ذلك (قوله: وللعبد العدل الخ) أي ويجوز للعبد العدل النظر الخ، وذلك لقوله تعالى: * (أو
ما ملكت أيمانهن) * (1) ولقوله (ص) لفاطمة رضي الله عنها وقد أتاها ومعه عبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم
يبلغ رجلها، وإذا غطت به رجلها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي (ص) ما تلقى قال إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك.
رواه أبو داود. وخرج بالعدل الفاسق فلا يجوز نظره إليها ولا نظرها إليه. والمراد بالعبد غير المشترك وغير المبعض وغير



(1) سورة النساء، الآية: 3.
302
المكاتب. قال سم: أما هم فلا يجوز نظر واحد منهم إياها، كما لا يجوز نظرها لواحد منهم، كما صرح به في شرح
الارشاد، وصرح فيه أيضا بأن سيد المشتركة والمبعضة يجوز نظره إلى ما عدا ما بين سرتها وركبتها وقد يفرق بأن نظر
الرجل أقوى لان التمتع له بالأصالة فجاز له من النظر ما لم يجز للمرأة، ولقوة
جانبه جاز النظر إليه تبعا. وفي شرح
الروض: وسيأتي أنه يباح نظر الرجل إلى مكاتبته. اه‍. فانظر عكسه. اه‍. بتصرف. وقوله المتصفة بالعدالة، خرج به
غيرها، فلا يجوز نظره لها ولا نظرها له خوفا من الفتنة (قوله: ما عدا ما بين السرة والركبة) أما ما بين السرة والركبة فلا
يجوز النظر إليه، ويلحق به نفس السرة والركبة احتياطا، كما في التحفة، (قوله: كهي) أي كما أنه يجوز لها هي أن تنظر
إلى عبدها العدل ما عدا ذلك (قوله: ولمحرم) أي ويجوز لمحرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة. وقوله نظر ما وراء سرة
وركبة أي نظر غير السرة والركبة، أي وغير الذي بينهما أيضا بالأولى، فلا يقال إن ما وراءهما صادق بكل البدن حتى ما
بينهما. وانظر لم عبر فيما قبله بما عدا ما بين السرة والركبة وهنا بما وراء ذلك مع أن الحكم واحد فيهما؟ وعبارة الارشاد
التعبير في الكل بما وراء السرة والركبة ونصها: ولا نظر ممسوح وعبدها ومحرم وراء سرة وركبة. اه‍. وهي ظاهرة. وقال
في فتح الجواد: وما أفادته عبارته، من حرمة نظر السرة والركبة في هذه واللتين قبلها متجه لأنه الأحوط. اه‍. وقوله منها:
أي من قريبته المحرم (قوله: كنظرها إليه) أي كجواز نظرها إلى ما وراء سرة وركبة من محرمها (قوله: ولمحرم ومماثل)
أي امرأة مع امرأة ورجل مع رجل. وقوله مس ما وراء السرة والركبة، أي لأنه يحل نظره، وما حل نظره حل مسه، كما
يفهم من قوله بعد وحيث حرم نظره حرم مسه وكان الأولى ذكر هذا عقبه لأنه مندرج في مفهومه (قوله: نعم مس ظهر أو
ساق محرمة) استدرك من جوازه مس ما وراء السرة والركبة من المحرم أو المماثل. وعبارة م ر: وقد يحرم مس ما حل
نظره من المحرم كبطنها ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة، بل كيدها، على مقتضى عبارة الروضة، لكن قال
الأسنوي: إنه خلاف إجماع الأمة. اه‍ (قوله: وعكسه) أي مس المحرم كأمه وبنته لظهره أو ساقه (قوله: لا يحل) أي
احتياطا كنفس السرة والركبة. وفارق النظر بأنه أبلغ في اللذة وحاجة النظر أعم، فسومح فيه ما لم يسامح في
المس. اه‍. فتح الجواد (قوله: وحيث حرم نظره حرم مسه) أي كل موضع حرم نظره حرم مسه فحرم مس الأمرد كما
يحرم نظره ومس العورة كما يحرم نظرها. وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن الطبيب معرفة العلة بالمس فقط، وقد
يحرم المس دون النظر كمس بطن المحرم أو ظهرها. كما علمت. إذا علمت ذلك فالقاعدة المذكورة منطوقا ومفهوما
أغلبية (قوله: بلا حائل) قال في التحفة وكذا معه إن خاف فتنة بل وإن أمنها على ما مر، بل المس أولى، اه‍ (قوله: لأنه
الخ) علة لترتب حرمة المس على حرمة النظر أو لمقدر: أي حرم مس بالأولى لأنه الخ. وقوله أبلغ في اللذة: أي وإثارة
الشهوة وإنما كان أبلغ: أي من النظر لأنه لو أنزل به أفطر، بخلاف ما لو أنزل بالنظر فلا (قوله: نعم يحرم مس وجه
الأجنبية مطلقا) أي وإن حل نظره لنحو خطبة أو تعليم أو شهادة. وعبارة التحفة، وما أفهمه المتن أنه حيث حل النظر حل
المس أغلبي أيضا، فلا يحل لرجل مس وجه أجنبية وإن حل نظره لنحو خطبة أو شهادة أو تعليم، ولا لسيدة مس شئ من
بدن عبدها وعكسه. اه‍ (قوله: وكل ما حرم نظره الخ) أي وكل جزء حرم نظره حال كون ذلك الجزء المنظور إليه متصلا
حرم النظر إليه حال كونه منفصلا. وقوله منه أو منها، تعميم في النظر: أي لا فرق في ذلك النظر بين أن يكون واقعا منه،
وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منها أو واقعا منها، وهذا بالنسبة لما إذا كان المنظور إليه منه (قوله: كقلامة يد الخ)
تمثيل للجزء المنفصل. قال ع ش: ومثل قلامة النظر دم الفصد والحجامة لأنها أجزاء دون البول لأنه ليس جزءا. وقال
الشوبري: الذي يظهر أن نحو الريق والدم لا يحرم نظره لأنه ليس مظنة للفتنة برؤيته عند أحد. اه‍ (قوله: فيجب

303
مواراتهما) الأولى مواراتها: أي القلامة والشعر والعانة، كما في النهاية، وإنما وجب ذلك لئلا ينظر إليها (قوله:
وتحتجب وجوبا مسلمة عن كافرة) أي لأنه يحرم نظر الكافرة إليها على الأصح، وإذا حرم ذلك حرم على المسلمة
تمكينها منه لأنها تعينها على محرم فيلزمها الاحتجاب منها. ويجوز للمسلمة النظر إلى الكافرة لعدم محذور فيه، ولا
ينافيه وجوب الاحتجاب منها لأنه لا يلزم من وجوبه حرمة نظرها إلى الكافرة، وإنما حرم النظر عليها لقوله تعالى: * (أو
نسائهن) * (1) أي المؤمنات، والكافرة ليست من نساء المؤمنات ولأنها ربما تحكيها للكافر فلو جاز لها النظر لم يبق
للتخصيص فائدة. ثم المحرم إنما هو النظر لما لا يبدو عند المهنة أما لما يبدو فيحل على المعتمد، كما في التحفة
والنهاية والخطيب، ثم إن كون الحرمة على الكافرة مبني على أن الكافر مخاطبون بفروع الشريعة وهو الأصح ومحل ذلك
كله في كافرة غير محرم للمسلمة وغير مملوكة لها أما هما فيجوز لهما النظر إليها (قوله: وكذا عفيفة) أي وكذا يجب أن
تحتجب عفيفة عن فاسقة: أي لأنها تعينها على ما يخشى منه مفسدة. وقوله بسحاقة.
(اعلم) أن تساحق النساء حرام ويعزرن بذلك. قال القاضي أبو الطيب: وإثم ذلك كإثم الزنا وروي عنه: إذا أتت
المرأة المرأة فهما زانيتان (قوله: ويحرم مضاجعة الخ) أي لخبر مسلم. لا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد،
ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال ع ش وكالمضاجعة ما يقع كثيرا في مصرنا من دخول اثنين فأكثر مغطس
الحمام. فيحرم إن خيف النظر أو المس من أحدهما لعورة الآخر. اه‍. وقوله رجلين أو امرأتين، في التعبير بذلك إشارة
إلى اشتراط بلوغ الشهوة، وهو مجاوزة تسع سنين، أي ببلوغ أول العشرة، قاله م ر. خلاقا للزركشي حيث اكتفى بمضي
تسع سنين ولا فرق في ذلك بين الأجانب والمحارم، ولذا قال م ر: ولو أبا وابنه، وأما وبنتها وأخا وأخاه وأختا وأختها،
فإذا كان مع الاتحاد حراما فمع عدم الاتحاد أولى: اه‍. بجيرمي، وقوله عاريين خرج به إذا لم يكونا كذلك فيجوز
نومهما في فراش واحد - ولو متلاصقين - وظاهره ولو انتفى التجرد من أحدهما، وهو محتمل. بجيرمي. (وقوله: في
ثوب واحد) ومثله بالأولى ما إذا لم يكونا في ثوب أصلا وقوله مع اتحاد الفراش، أي مع كونهما في فراش واحد إلا أن
أحدهما في جانب والآخر في جانب آخر. (وقوله: خلافا للسبكي) أي فإنه يجوز ذلك مع تباعدهما وإن اتحد الفراش
(قوله: وبحث استثناء الخ) أي والكلام مع العري، كما هو صريح الصنيع، اه‍ سم. وقوله لخبر فيه: وهو لا تباشر
المرأة المرأة، ولا الرجل الرجل: إلا الوالد لولده وفي رواية إلا ولد أو والد رواه أبو داود والحاكم، وقال إنه على شرط
البخاري. قال في شرح الروض فهذه الزيادة تخصص خبر مسلم السابق ووجه ذلك قوة المحرمية بينهما وبعد الشهوة
وكمال الاحتشام: وظاهر أن محله في مباشرة غير العورة وعند الحاجة على أنه يحتمل حمل ذلك على الولد
الصغير. اه‍. وقال في التحفة. وبفرض دلالة الخبر لذلك يتعين تأويله بما إذا تباعدا بحيث يؤمن تماس وريبة
قطعا. اه‍. وقوله بعيد جدا خبر بحث الواقع مبتدأ (قوله: ويجب التفريق الخ) قال في شرح الروض: واحتج الرافعي
بخبر مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ولا دلالة فيه،
كما قاله السبكي وغيره، على التفريق بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم. اه‍. وقوله بين ابن عشر سنين: قال في شرح
الروض: فازع فيه الزركشي وغيره فقالوا بل المعتبر السبع لخبر إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم
رواه
الدارقطني والحاكم، وقالوا أنه صحيح على شرط مسلم وهذا يدل على أن قوله في الخبر المشهور وفرقوا بينهم في
المضاجع راجع إلى أبناء سبع وأبناء عشر جميعا. اه‍. وقوله وإخوته: أي الشاملين للأخوات عرفا (قوله: وإن نظر

304
فيه) أي في وجوب التفريق بالنسبة للأب والام وذلك لاستثنائهما في الخبر السابق الذي رواه أبو داود والحاكم، والمعتمد
عدم استثنائهما، كما قاله الشيخان، قال في التحفة: وقد يوجه ما قالاه بأن ضعف عقل الصغير مع إمكان احتلامه قد
يؤدي إلى محظور ولو بالام، وقضية إطلاقهما حرمة تمكينها من التلاصق، ولو مع عدم التجرد، ومن التجرد، ولو مع
البعد، وقد جمعهما فراش واحد، وليس ببعيد لما قررته وإن قال السبكي يجوز مع تباعدهما وإن اتحد الفراش. اه‍.
وقوله ولو مع عدم التجرد: الذي في النهاية خلافه، ونصها: يجوز نومهما في فراش واحد مع عدم التجرد ولو متلاصقين
فيما يظهر، ويمتنع مع التجرد في فراش واحد وإن تباعدا. اه‍. (قوله: ويستحب تصافح الخ) أي لخبر ما من مسلمين
يلتقيان يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس إلا لقادم من سفر أو تباعد لقاء عرفا فسنة
للاتباع. ويسن تقبيل يد الحي لصلاح أو نحوه من الأمور الدينية، كعلم وزهد، ويكره ذلك لغني أو نحوه من الأمور
الدنيوية، كشوكة ووجاهة، ويسن القيام لأهل الفضل إكراما، لا رياء وتفخيما. اه‍. إقناع. وكتب البجيرمي: قوله ويسن
القيام لأهل الفضل: لا ينافي ذلك قوله (ص): من أحب أن يتمثل الناس بين يديه قياما فليتبوأ مقعده من النار لأنه محمول
على من أحب أن يقام له، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر أصحابه أن لا يقوموا إذا مر بهم، فمر يوما بحسان
رضي الله عنه فقام وأنشد:
قيامي للعزيز علي فرض وترك الفروض ما هو مستقيم
عجبت لمن له عقل وفهم يرى هذا الجمال ولا يقوم!
وقد أقره المصطفى (ص) على ذلك. وفيه حجة لمن قال: إن مراعاة الأدب خير من امتثال الامر. اه‍ (قوله: ويحرم
مصافحة الأمرد) وذلك لأنه أشد فتنة من النساء. قال بعض التابعين: ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من
سبع ضار من
الغلام الأمرد يقعد إليه.
(والحاصل) أقاويل السلف في التنفير عن المرد والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من
أن تحصر، وكانوا، رضوان الله عليهم، يسمون المرد الانتان والجيف، لان الشرع الشريف استقذر النظر إليهم، ومنع
من مخالطتهم. ولله در من قال:
لا تصحبن أمردا يا ذا النهي واترك هواه وارتجع عن صحبته
فهو محل النقص دوما والبلا * كل البلاء أصله من فتنته
(ويحكى) أن سفيان الثوري رضي الله عنه دخل عليه في الحمام أمرد حسن الوجه، فقال أخرجوه عني، فإني أرى
مع كل امرأة شيطانا، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطانا. والأمرد هو الشاب الذي لم تنبت لحيته. ولا يقال لمن أسن ولا
شعر بوجهه أمرد، بل يقال له ثط، بالثاء والطاء المهملة، (قوله: الجميل) أي بالنسبة لطبع الناظر عند ابن حجر وقال.
م ر: الجمال هو الوصف المستحسن عرفا لذوي الطباع السليمة. وقوله كنظره بشهوة: أي كحرمة نظر الأمرد بشهوة.
وضابط الشهوة، كما في الاحياء، إن كل من تأثر بجمال صورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتجي فهو
لا يحل له النظر، ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا. قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة
الظن بوقوعها، بل يكفي أن لا يكون ذلك نادرا. وما ذكره من تقييد الحرمة، بكونه بشهوة، هو ما عليه الرافعي، والمعتمد
ما عليه النووي من حرمة النظر إليه مطلقا سواء كان بشهوة أو خوف فتنة أم لا. قال في فتح الجواد: والخلوة به وإن تعدد أو
مس شئ من بدنه حرام، حتى على طريقة الرافعي، لأنهما أفحش، والكلام في غير المحرم بنسب وكذا رضاع، كما هو
ظاهر، لا مصاهرة فيما يظهر. والمملوك كله الناظر بشرط كون كل منهما ثقة فيما يظهر أخذا مما مر في نظر العبد لسيدته

305
أو عكسه. وبه علم حل نظر عبد لسيده الأمرد. اه‍ (قوله: ويجوز نظر وجه المرأة) قال سم: أي بلا شهوة ولا خوف
فتنة. اه‍. وخرج الوجه غيره فلا يجوز النظر إليه عند المعاملة ببيع وغيره، أي كرهن وحوالة وقراض، فإذا باع مثلا لامرأة
ولم يعرفها نظر لوجهها خاصة. ويجوز أيضا لها أن تنظر لوجهه. وقوله للحاجة إلى معرفتها: علة للجواز، أي وإنما جاز
ذلك للاحتياج إلى معرفتها لأنه ربما ظهر عيب في المبيع فيرده عليها، وهي أيضا تحتاج إلى معرفته لأنه ربما ظهر عيب
في الثمن فترده إليه (قوله: وتعليم الخ) معطوف على المعاملة: أي ويجوز نظر وجه المرأة عند تعليمها ما يجب تعلمه
كالفاتحة. وأقل التشهد، وما يتعين فيه ذلك من الصنائع المحتاج إليها. قال في النهاية: ومحل جواز ذلك عند فقد جنس
ومحرم صالح وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة، أخذا مما مر في العلاج، اه‍. وكما يجوز
النظر لها لذلك يجوز النظر للأمرد لذلك، إلا أن الأوجه عدم اعتبار الشروط السابقة فيه، كما عليه الاجماع الفعلي، ويتجه اشتراط العدالة فيه
وفي معلمه كالمملوك بل أولى. وقوله كالفاتحة: تمثيل لما يجب تعلمه (قوله: دون ما يسن) أي فلا يجوز نظر وجه المرأة
عند تعليم ما يسن تعلمه كالسورة. وقوله على الأوجه: أي عند ابن حجر، والذي اعتمده م ر والخطيب التعميم. وعبارة
الأخير، والمعتمد أنه يجوز النظر للتعليم للأمرد وغيره واجبا كان أو مندوبا، وإنما منع من تعليم الزوجة المطلقة لان كلا
من الزوجين تعلقت آماله بالآخر، فصار لكل منهما طماعية في الآخر، فمنع من ذلك. اه‍ (قوله: والشهادة) معطوف
على المعاملة أيضا: أي ويجوز نظر وجهها عند الشهادة. وقوله تحملا وأداء: منصوبان على التمييز، أي من جهة
التحمل ومن جهة الأداء. وقوله لها أو عليها: راجع لكل منهما، والمراد بتحمل الشهادة لها أن يشهد أنها أقرضت مثلا
فلانا كذا وكذا، وبتحملها عليها أن يشهد أنها اقترضت مثلا من فلان كذا وكذا. والمراد بأداء الشهادة لها أو عليها أداؤها
عند القاضي. وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة كلفت الكشف عند الأداء إن لم يعرفها في نقابها. وكما يجوز نظر وجهها للشهادة يجوز نظر فرجها
للشهادة على الزنا تحملا لا أداء، ونظر ثدييها للشهادة على الرضاع. وهذا كله إذا لم يخف
فتنة، فإن خافها لم ينظر إلا إن تعينت عليه بأن لم يوجد غيره لكن في غير الزنا، لأنه لا يتصور التعين فيه، لأنه يسن
للشاهد التستر، لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله ستير يحب من عباده الستيرين فينظر ويضبط نفسه. قال م ر: قال
السبكي ومع ذلك، أي تعينها عليه، يأثم بالشهوة، وإن أثيب على التحمل لأنه فعل ذو وجهين، لكن خالفه غير
فبحث
الحل مطلقا لان الشهوة أمر طبيعي لا ينفك عن النظر، فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها، كما لا يؤاخذ الزوج بميل
قلبه لبعض نسوته، والحاكم بميل قلبه لبعض الخصوم. اه‍. وقوله فعل ذو وجهين: هما الثواب من جهة الشهادة،
والعقاب من جهة النظر بشهوة (قوله: وتعمد النظر للشهادة لا يضر) أي لا يحرم فلا يفسق به. وخرج بقوله للشهادة ما إذا
تعمد النظر لغير الشهادة فإنه يحرم ويفسق به وترد شهادته، لكن إن لم تغلب طاعته على معاصيه، فإن غلبت عليها لم
يفسق ولم ترد شهادته، لان ذلك صغيرة، والصغيرة لا يفسق بها إلا حينئذ (قوله: وإن تيسر وجود نساء أو محارم) غاية في
عدم الضرر. قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما مر في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن، والمحارم ونحوهم قد
لا يشهدون. ثم رأيت بعضهم أجاب بأنهم وسعوا هنا اعتناء بالشهادة. اه‍. وقوله ما مر في المعالجة: وهو أنه لا يباح
النظر لأجل المعالجة عند وجود امرأة أو محرم.
(قوله: ويسن خطبة) أي لخبر أبي داود وغيره كل أمر ذي بال، وفي رواية: كل كلام، لا يبدأ فيه بحمد الله فهو
أقطع أي عن البركة. والخطبة كلام مفتتح بحمد مختتم بدعاء ووعظ، كأن يقول ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه
مرفوعا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله (ص)، وعلى

306
آله وأصحابه. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (1). * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكم من نفس واحدة) * إلى قوله * (رقيبا) * (2) وتسمى هذه الخطبة خطبة الحاجة. وكان القفال يقول بعدها، أما بعد:
فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا يجتمع اثنان ولا
يفترقان إلا بقضاء وقدر، وكتاب من الله قد سبق، وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان بن فلان فلانة بنت فلان على
صداق كذا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين. وفي ق ل على الجلال.
(فائدة) في ذكر خطبة النبي (ص) حين زوج بنته فاطمة لعلي ابن عمه أبي طالب ولفظها الحمد لله المحمود بنعمته،
المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق
بقدرته، وسيرهم بأحكامه ومشيئته، وجعل المصاهرة سببا لاحقا، وأمرا مفترضا، أو شج، أو شبك، به الأنام، وأكرم به
الأرحام، فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (3)، ولكل قدر أجل،
* (ولكل أجل كتاب) * (4)، * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (5). اه‍. (قوله: بضم الخاء) احتراز من الخطبة
بكسر الخاء، وهي التماس النكاح من جهة المخطوبة، وستأتي (قوله: من الولي) الجار والمجرور صفة لخطبة: أي
خطبة كائنة من الولي، أي أو الزوج أو الأجنبي، فالولي ليس بشرط (قوله: له) أي لأجله، فاللام تعليلية (قوله: الذي هو)
أي النكاح، وقوله العقد: أي بمعنى العقد (قوله: بأن تكون) أي الخطبة المسنونة قبل إيجابه: أي التلفظ به، وما ذكر
تصوير لسنها للنكاح بمعنى العقد. وأفاد به أن المراد بالعقد خصوص الايجاب، لا هو مع القبول (قوله: فلا تندب الخ)
تفريع على مفهوم التقييد بقبل الايجاب (قوله: كما صححه في المنهاج) عبارته: ولو خطب الولي فقال الزوج الحمد لله
والصلاة على رسول الله قبلت صح النكاح على الصحيح، بل يستحب ذلك. قلت الصحيح لا يستحب والله أعلم. اه‍.
(وقوله: صح النكاح) أي لأنها مقدمة القبول، فلا تقطع الولاء كالإقامة وطلب الماء والتيمم بين صلاتي الجمع، لكن
محل ذلك إذا كانت قصيرة عرفا، أما إذا طالت لم يصح لاشعاره بالاعراض. وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا
فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه (قوله: بل يستحب تركها) أي الخطبة قبل القبول، والاضراب
انتقالي. وقوله من أبطل: أي النكاح، وعلله بأنها غير مشروعة فأشبهت الكلام الأجنبي (قوله: كما صرح به) أي
باستحباب تركها (قوله: لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها) وعليه فيسن في النكاح أربع خطب: خطبتان للخطبة،
بكسر الخاء، واحدة من الخاطب، وواحدة من المجيب له، وخطبتان للعقد، وواحدة قبل الايجاب، وأخرى
قبل القبول
(قوله: وتسن خطبة أيضا الخ) واعلم أني وجدت لبعض الأفاضل صورة الخطبة الكائنة قبل الخطبة، بكسر الخاء،
وصورة الخطبة الكائنة قبل الإجابة لها، وصورة أيضا للخطبة الكائنة قبل العقد غير ما تقدم، والثلاث في غاية من
البلاغة. ولا بأس بإيرادها هنا لتحفظ. فصورة الأولى: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي هدانا لاتباع الملة
الحنيفية السمحة الزهراء، وأرشدنا لاقتفاء أوامرها المنيفة الغراء. أحمده سبحانه وتعالى حمدا أورد به موارد الفضل
والاحسان. وأرقى به إلى الحور المقصورات في بحبوحة الجنان. وأشكره شكرا أستمطر به سحائب الكرم والامتنان.
وأستفيد به ترادف المنن من فيض كرم المنعم الديان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحسن لقاصد فضله



(1) سورة آل عمران، الآية: 102.
(2) سورة النساء، الآية: 1.
(3) سورة الفرقان، الآية: 54.
(4) سورة الرعد، الآية: 38.
(5) سورة الرعد، الآية: 39.
307
بتبليغ الامل. والممتن على الواقف بباب جوده بقبول صالح العمل. وأشهد أن سيدنا محمدا (ص) عبده ورسوله
المخصوص بالخلق العظيم، والمخطوب إلى مناجاة حضرة السميع العليم. (ص) وعلى آله الغر الكرام، وأصحابه نجوم
الهداية ومصابيح الظلام، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما فاح عرف طيب وند. وفاه خطيب بأما بعد. فقد قادتنا أزمة
قدرة الملك العلام. وجذبت أفئدتنا جواذب العناية كاشفة عن محياها اللثام، وساعدتنا أنظار عين الرعاية ساحبة ذيل
الأمان والمرام إلى فسيح هذه الديار العامرة عالية الذرا والمقام، خاطبين عروس فخركم عزيزة الجناب. راغبين في
اجتلاء ضوء نورها الغني عن المدح والاطناب. وها نحن قد حللنا بناديكم الرحيب وأنخنا مطايا الآمال في وسيع رحيبكم
الرطيب، بالمهر الذي وقع عليه الرضا والاتفاق، راجين لهما من الله حسن الوفاق، فتفضلوا بقبوله قبولا جميلا، وباليمن
والبركة والهنا والسرور بكرة وأصيلا. وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام. وعلى آله وأصحابه الأئمة
الاعلام. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) وصورة الثانية: (
إن أعذب ما رشفته أفواه المسامع من كؤوس الشفاه. وأعبق ما تعطرت معاطر الآذان بطيب نشره وشميم رياه.
حمد الله المجيب دعاء من أخلص له في سره وإعلانه المعطي سائل من فيض جوده وفسيح امتنانه. أحمده حمدا
هبت
نسمات قبوله على أغصان التهاني. وأشكره شكر عبد تبلج بشر سؤله في أفق نيل الأماني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له الذي شرف مقام أحمد الخلق في الملا الاعلى. وحلاه بمفاخر حلى العبادة الأعز الاغلى شهادة يرتع قائلها
في نيل مطلوبه. وينشده بلبل الأفراح قائلا هنيئا لمن أمسى سمير حبيبه. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه
وحبيبه وخليله الذي عنت لجلال نبوته الوجوه، فنالت ببركته الشاملة كل ما تؤمله من فضل الله وترجوه. صلى الله عليه
وسلم وعلى آله الذين من تمسك بولائهم فقد ظفر ونجا. وأصحابه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى. صلاة
وسلاما يقترنان اقتران القبول للايجاب وينجلي بهما غيم الغي عن مطالع الهدى وينجاب. أما بعد لما كان التماس
الأكفاء من أجل المطلوبات. وآكد المندوبات. لا سيما إذا كان الخاطب متصفا بالصدق والأمانة. ومتحليا بالصلاح
والديانة. أجبنا لما نقلتم إليه أقدامكم أيها السادة الأمجاد، بالبشر والهناء والقبول والانجاد من خطبتكم ذخيرة فخرنا
وعقيلة خدرنا المرتضعة ثدي الصيانة في حجور الدلال. الرافلة في حلل العفاف والكمال. فأجبنا خطبتكم، ولبينا
دعوتكم. امتثالا لقوله تعالى عز من كريم غافر. * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك
يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) * (1) وقوله (ص) في الحديث الشهير: إذا خاطبكم من ترضون دينه وخلقه
فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير والله المسؤول أن يجعل منهما الطيب الكثير. إنه على ما يشاء قدير
وبالإجابة جدير. ويشكر الله إحسان من حضر هذا المحفل المنيف ويبلغهم المآرب والمطالب ويحسن للجميع بمنه
وكرمه العواقب. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على سيدنا محمد سيد السادات وآله وصحبه الكرام
في المبدإ والختام) وصورة الثالثة:
(الحمد لله الذي جعل سيدنا محمدا (ص) عروس المملكة في السماء وأفضل البشر في الأرض. وبعث الرسل قبله
وفضل بعضهم على بعض. فمنح إبراهيم الخلة وموسى المناجاة عند تمام وعده. وأتى سليمان ملكا لا ينبغي لاحد من
بعده ومنح من شاء من سائر أنبيائه ورسله، ما شاء من خصوصيات كرمه وفضله. أحمده حمدا هبت نسمات
قبوله على
أغصان التهاني. وأشكره شكرا تبلغ بشر سؤله في أفق نيل الأماني. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد له
ولا ند له الذي لا تنفك أفعاله وأقواله عن مصالح وحكم. ولا يسئل عما فعل ولا أمر به وحكم. فمن حكمته الباهرة
للعقول استباحة محرمات الفروج بشاهدي عدل وإيجاب وقبول. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. وصفيه وحبيه
وخليله. الحاث على التمسك به والائتساء بقوله حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء (ص) وعلى آله الذين من تمسك
بولائهم فقد ظفر ونجا، وصحبه الذين نالوا بشرف صحبته كل مؤمل ومرتجى. ما فاح عرف طيب وند. وفاه خطيب بأما



(1) سورة البقرة، الآية: 232.
308
بعد. فإن النكاح جنة يتقى بها من الفتنة وجنة يتلى على متفيئ ظلالها أسكن أنت وزوجك الجنة تثمر رياض الرحمة بين
الزوجين والوداد. وتطلع زينة الحياة الدنيا إذا حملت غرائسه ثمرة الفؤاد وناهيك ما ورد فيه من الآيات والأحاديث الثابتة
بصحيح الرواية فمن الآيات الشريفة قوله تعالى عز من قائل: * (يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل) * (1) وقوله تعالى في كتابه المصون * (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) * (2) وقال تعالى معلنا بأن الفقر
ليس عذرا عن اجتناء وصله وأن المعمول على فضله العميم * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن
يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) * (3) ومن الأحاديث الشريفة قوله (ص) ناهيا عن التبتل والتأني: أما والله
إني لأخشاكم من الله وأتقاكم، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وقوله (ص) منبها على مزية الابكار وفضلهن الكثير تزوجوا الابكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير
وقوله (ص) مرشدا إلى أقوى المسالك خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبك في نفسها
ومالك وقوله (ص) محرضا على النكاح ومنفرا عن الطلاق لما فيه من الأرش تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه
العرش. هذا وقد ورد عن سيدنا رسول الله (ص) حين زوج سيدنا عليا بسيدتنا فاطمة رضي الله عنهما أنه خطب فقال.
ونطق بأفصح مقال: الحمد لله المحمود بنعمته. المعبود بقدرته. المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته
النافذ أمره
في سمائه وأرضه. الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه (ص) إن الله تبارك اسمه وتعالت
عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا أوشج به الأرحام. وألزم الأنام. فقال عز من قائل: * (وهو الذي خلق من
الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) * (4). فأمر الله يجري على قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر
ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله (ص) وعلى آله وأصحابه * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (5) * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * (6) * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا
قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * (7) أما بعد فإن الأمور كلها
بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر
وكتاب من الله قد سبق. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولمشايخي ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه
هو الغفور الرحيم. (قوله: وقبل الخطبة) هي بكسر الخاء: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة (قوله: وكذا قبل
الإجابة) أي وكذا تسن قبل الإجابة من جهة المخطوبة (قوله: فيبدأ كل) أي من الخاطب والمجيب له. وقوله ثم يقول:
أي أحدهما: وهو الخاطب (قوله: في كريمتكم) أي أختكم وقوله أو فتاتكم: هي الشابة. ع ش (قوله: فيخطب الولي
أو نائبه كذلك) أي خطبة مشتملة على الحمد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوصية



(1) سورة الحجرات، الآية: 13.
(2) سورة يس، الآية: 56.
(3) سورة النور، الآية: 32.
(4) سورة الفرقان، الآية: 54.
(5) سورة آل عمران، الآية: 102.
(6) سورة النساء، الآية: 1.
(7) سورة الأحزاب، الآية: 70.
309
بالتقوى، ويغني عما ذكر قوله فيبدأ كل الخ، فكان الاخصر أن يقول ويقول الولي في خطبة الإجابة لست بمرغوب عنك
(قوله: ويستحب أن يقول) أي الولي. قال ع ش: فلا يطلب ذلك من غيره وعليه فلو أتى به أجنبي لا تحصل السنة ولا
يكون جهل الولي بذلك عذرا في الاكتفاء به من الغير، بل ينبغي للعالم تعليمه ذلك حيث جهله. اه‍. ويستحب أيضا
الدعاء للزوج عقب العقد بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير (قوله: فروع) أي خمسة: أولها قوله يحرم
التصريح الخ، ثانيها قوله ويجوز التعريض الخ، ثالثها قوله ولا يحل الخ، رابعها قوله يحرم الخ، خامسها قوله ومن
استشير الخ (قوله: يحرم التصريح بخطبة الخ) هو ما يقطع بالرغبة في النكاح، كأريد نكاحك وإذا انقضت عدتك
نكحتك، ومثل التصريح بها النفقة في زمن العدة، كما يقع كثيرا، فهو حرام. ولو أنفق على المخطوبة ولم يتزوجها رجع
بما أنفقه، حتى بالملح، ولو كان الترك منه أو بموتها. وفي حاشية الجمل ما نصه:
(سئل م ر) عمن خطب امرأة وأنفق عليها ليتزوجها ولم يحصل التزوج بها فهل لها الرجوع بما أنفقه لأجل ذلك أم
لا؟.
(فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفعه له سواء كان مأكلا أم مشربا أم ملبسا أم حليا، وسواء رجع هو أم
مجيبة أم مات أحدهما لأنه إنما أنفق لأجل تزوجها فيرجع به إن بقي ويبدله إن تلف. اه‍. ببعض تصرف. ومحل رجوعه
حيث أطلق أو قصد الهدية لأجل النكاح، فإن قصد الهدية، لا لأجل ذلك فلا رجوع وإنما حرم التصريح بها لأنها ربما
تكذب في انقضاء العدة إذا تحققت رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة وتضييع الأمانة فإنهن ناقصات عقل
ودين. (وقوله: المعتدة من غيره) خرج به ما إذا كانت معتدة منه فإنه يجوز له أن يصرح بالخطبة، كما له أن يعرض بها إن
حل له نكاحها، كأن خالعها وشرعت في لعدة فيحل له التعريض والتصريح لأنه يجوز له نكاحها، فإن كان طلاقه لها
رجعيا لم يكن له التصريح والتعريض بخطبتها لأنه ليس له نكاحها وإنما له مراجعتها. نعم، إن نوى بنكاحها الرجعة صح
لأنه كناية فيها، فإن نواها به حصلت وإلا فلا. وأما من لا يحل له نكاحها كأن طلقها بائنا أو رجعيا ثم وطئت بشبهة
وحملت من وطئ الشبهة، فإن عدة وطئ الشبهة تقدم إذا كانت بالحمل ويبقى عليها بقية كعدة الطلاق فلا يحل
لصاحب
عدة الشبهة أن يخطبها مع أنه صاحب العدة لأنه لا يجوز له العقد عليها حينئذ لما بقي عليها من عدة الطلاق اه‍.
باجوري. وقوله رجعية كانت: أي المعتدة من غيره. وقوله أو بائنا: أي أو كانت بائنا. وقوله بطلاق: الباء سببية متعلقة
ببائنا، أي بائنا بسبب طلاق، أي بالثلاث. وقوله أو فسخ، أي أو بسبب فسخ حاصل منها بعيبه أو منه بعيبها، أي أو
انفساخ كما في الرضاع (قوله: ويجوز التعريض) أي لقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء) * (1) والتعريض هو ما لا يقطع بالرغبة في النكاح، بل يحتملها كما يحتمل عدمها (قوله: في عدة غير رجعية) خرج
به ما إذا كانت في عدة طلاق رجعي، فلا يحل التعريض له كالتصريح لأنها في حكم الزوجة، ومعلوم أن الزوجة يحرم
فيها ذلك (قوله: وهو) أي التعريض (قوله: ولا يحل خطبة المطلقة منه) هذا مفرع على مفهوم قوله المعتدة من غيره،
فكان عليه أن يذكر المفهوم أولا بأن يقول أما معتدته فله خطبتها فيحل له التصريح والتعريض إن حل له نكاحها وإلا فلا،
ثم يقول فلا يحل خطبة المطلقة الخ (قوله: وتنقضي الخ) أي وحتى تنقضي عدة المحلل. وقوله إن طلق: أي المحلل
وهو قيد في اشتراط انقضاء عدة المحلل (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق رجعيا بأن طلقها بائنا. وقوله جاز التعريض: أي
لما تقدم آنفا من جواز التعريض في عدة غير رجعية (قوله: ويحرم على عالم الخ) وذلك لخبر الشيخين لا يخطب



(1) سورة البقرة، الآية: 235.
310
الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب في ذلك والحكمة في ذلك الايذاء، ولكن لا يحرم
ذلك إلا بشروط ذكر منها الشارح أربعة: وهي علمه بخطبة الغير، وبإجابته له، وقد صرح لفظا بالإجابة، وأن تكون خطبة
الخاطب الأول جائزة. وبقي من الشروط: علمه بحرمة الخطبة على الخطبة، وبصراحة الإجابة، فخرج بما ذكر ما إذا لم
تكن خطبة أصلا، أو لم يجب الخاطب الأول، أو أجيب تعريضا لا تصريحا، أو لم يعلم الثاني بالخطبة، أو علم بها ولم
يعلم بالإجابة، أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح، أو علم كونها بالصريح ولم يعلم بالحرمة، أو علم بجميع ما ذكر
لكن كانت الخطبة محرمة كأن خطب في عدة غيره فلا حرمة في جميع ما ذكر. وقوله والإجابة له: أي وعالم
بالإجابة له
وهي تكون ممن تعتبر إجابته وهو الولي إن كانت الزوجة مجبرة، ونفس الزوجة إن كانت غير مجبرة، وهي مع الولي إن
كان الخاطب غير كف ء لان الكفاءة حق لهما معا، والسيد إن كانت أمة غير مكاتبة، وهو مع الأمة إن كانت مكاتبة،
والسلطان إن كانت المرأة مجنونة بالغة ولا أب لها ولا جد لها. (وقوله: على خطبة من الخ) إظهار في مقام الاضمار،
فالمناسب والاخصر أن يقول على خطبته إن جازت ويكون الضمير في خطبته عائدا على الغير المتقدم ذكره. وقوله جازت
خطبته: أي بأن كانت المخطوبة خالية من الموانع. وخرج به من حرمت خطبته كأن خطبها في عدة غيره أو في نكاحه فلا
تحرم لأنه لاحق للأول. وقوله وإن كرهت، أي الخطبة الأولى الجائزة بأن كان عاجزا عن المؤن وغير تائق. وقوله وقد
صرح لفظا بإجابته، الواو للحال: أي والحال أنه قد صرح لفظا بإجابته، أي الخاطب، الأول، فلو لم يصرح بها لفظا،
بأن رد أو سكت عنه، لم تحرم. وعبارة المنهاج مع المغني: فإن لم تجب ولم يرد بأن سكت عن التصريح بإجابة أو رد
والساكت غير بكر يكفي سكوتها أو ذكر ما يشعر بالرضا نحو لا رغبة عنك لم تحرم في الأظهر، لان فاطمة بنت قيس قالت
للنبي (ص): إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله (ص): أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية
فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد وجه الدلالة أن أبا جهم ومعاوية خطباها، وخطبها النبي (ص) لأسامة بعد
خطبتهما لأنها لم تكن أجابت واحدا منهما. اه‍. (قوله: إلا بإذنه له) متعلق بيحرم: أي يحرم الخطبة المذكورة إلا إن
أذن الخاطب الأول للخاطب الثاني فإنها حينئذ لا تحرم. (وقوله: من غير خوف ولا حياء) أي حال كون الاذن واقعا منه
بنحو خوف، أي من الخاطب الثاني أو حياء منه فإن وقع مع خوف أو حياء لم ترتفع الحرمة (قوله: أو بإعراضه) معطوف
على بإذنه، أي وإلا بإعراضه، أي الخاطب الأول فإنها لا تحرم. قال في المغني: وإعراض المجيب كإعراض
الخاطب. اه‍. ومثله في التحفة والنهاية (قوله: كأن طال الخ) تمثيل للاعراض. وعبارة التحفة: كأن يطول الزمن بعد
إجابته حتى تشهد قرائن أحواله بإعراضه. اه‍. (قوله: ومنه) أي الاعراض: أي مما يفيده. وقوله سفره البعيد: أي
المنقطع، كما في التحفة والنهاية. وكتب ع ش: يظهر أن المراد بالانقطاع انقطاع المراسلة بينه وبين المخطوبة لا
انقطاع خبره بالكلية. اه‍. وفي البجيرمي: ومنه، أي الاعراض، أن يتزوج من يحرم الجمع بينها وبين مخطوبته أو تطرأ
ردته، لان الردة، والعياذ بالله، قبل الوطئ تفسخ العقد، فالخطبة أولى، أو يعقد على أربع من خمس خطبهن معا أو
مرتبا. اه‍. (قوله: ومن استشير في خاطب) أي هل يصلح أم لا (قوله: أو نحو عالم) أي أو استشير في نحو عالم
كتاجر، وقوله يريد الاجتماع به: أي أو معاملته (قوله: ذكر) أي المستشار. وقوله وجوبا: محله إذا لم يندفع إلا بذكر
العيوب، فإن اندفع بدونه، بأن اكتفى بقوله له هو لا يصلح، أو احتيج لذكر البعض دون البعض، حرم ذكر شئ منها في
الأول وشئ من البعض الآخر في الثاني. وقوله مساويه، بفتح الميم، أي عيوبه الشرعية والعرفية، كالفقر والتقتير.
وذلك للحديث المار إن فاطمة بنت قيس استشارت النبي (ص) في تزويج أبي جهم أو معاوية، فقال لها النبي (ص) أما أبو
جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، كناية عن كثرة الضرب، قيل أو السفر، وأما معاوية فصعلوك أي فقير لا مال له. وفي

311
البجيرمي: قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه فإن كان فيه ما يثبت الخيار وجب ذكره للزوجة. وإن كان فيه ما يقلل
الرغبة فيه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب. وإن كان فيه شئ من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال
وستر نفسه ولا يذكره. وإن استشير في ولاية فإن علم من نفسه عدم الكفاية أو الخيانة وأن نفسه لا تطاوعه على تركها
وجب عليه أن يبين ذلك أو يقول لست أهلا للولاية. اه‍. ووجوب التفصيل بعيد. والأوجه دفع ذلك بنحو لا أصلح
لكم. اه‍. وقوله ولو استشير في أمر نفسه، أي استشارت الزوجة خاطبها في أمر نفسه هل يصلح لها أم لا؟.
(واعلم) أن ذكر المستشار العيوب ليس من الغيبة المحرمة، بل هو من باب النصيحة، كما أنه ليس من الغيبة أيضا
ما إذا كانت الغيبة في فاسق متجاهر، لكن بشرط أن تغتابه بما فسق به، وأن تقصد زجره بذلك إذا بلغته، وما
إذا كانت
على وجه التظلم، كأن تقول فلان ظلمني، أن على وجه التحذير: كأن تقول فلان فعل كذا فلا تصحبه، أو على وجه
الاستعانة: كأن تقول فلان فعل كذا فأعني عليه، أو على وجه الاستفتاء: كأن تقول فلان فعل كذا فهل يجوز له ذلك أم
لا؟. وقد حصر بعضهم ما لا يعد غيبة في ستة أشياء ونظمها في قوله:
القدح ليس بغيبة في ستة: متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن * طلب الإعانة في إزالة منكر
وقوله ومعرف هو المستشار. وذلك لأنه يعرف المستشير عيوب من استشير فيه، ويصدق التعريف أيضا بقوله فلان
الأعمش أو الأعرج (قوله: بصدق) متعلق بذكر: أي ذكرها بصدق بأن يكون ما ذكره موجودا في المستشار فيه. وقوله بذلا
للنصيحة: فيه إشارة إلى أنه لا بد من قصد النصيحة، لا الوقيعة، أي الخوض في عرضه. ويشترط ذكر العيوب المتعلقة
بما حصلت الاستشارة من أجله، فإذا استشير في نكاح ذكر العيوب المتعلقة به، لا المتعلقة بالبيع مثلا وهكذا (قوله:
ودينه) هو وما عطف عليه مبتدأ وخبره قوله في المتن أولى. والشارح قدر لكل خبرا (قوله: أي نكاح الخ) أفاد به أن في
الكلام تقدير مضاف قبل المبتدأ وهو الذي يحكم عليه بالأولوية. وقوله التي وجدت الخ: الأولى زيادة أي التفسيرية:
لأنه تفسير للدينة. وقوله صفة العدالة: هي فقد ارتكاب كبيرة وإصرار على صغيرة. وأفاد بما ذكر أن العفة عن الزنا فقط
لا تكفي، وقد صرح به في التحفة. وقوله أولى من نكاح الفاسقة، هي من ارتكبت كبيرة أو أصرت على صغيرة. (وقوله:
ولو بغير نحو زنا) أي: ولو كان فسقها بغير نحو زنا، فإن الدينة أولى منها. ونحو الزنا كل كبيرة كشرب الخمر وغير ذلك
من الصغائر كالغيبة، بشرط الاصرار عليها، (قوله: للخبر المتفق عليه فاظفر الخ) هو بعض الخبر، ولفظه بتمامه تنكح
المرأة لأربع: لمالها وجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك أي التصقتا بالتراب: كناية عن الفقر
إن لم تفعل، واستغنيت إن فعلت. قال في التحفة: وتردد في مسلمة تاركة للصلاة، وكتابية، فقيل هذه أولى للاجماع
على صحة نكاحها، ولبطلان نكاح تلك، لردتها عند قوم. وقيل تلك لان شرط نكاح هذه أي الكتابية مختلف فيه
، ورجح
بعضهم الأول، وهو واضح، في الإسرائيلية لان الخلاف القوي إنما هو في غيرها، ولو قيل الأولى لقوى الايمان والعلم
هذه لامنه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه لكان أوجه. اه‍. (قوله: أي معروفة الخ)
تفسير لنسيبة، وكان الملائم لما قبله أن يقول أي نكاح النسيبة: أي معروفة الأصل فيقدر مضافا كما قدره فيما قبله. وقوله
وطيبته: أي الأصل (قوله: لنسبتها الخ) علة للطيب، أي طيبها حاصل لأجل نسبتها إلى العلماء والصلحاء، أي أو
الاشراف أو العرب (قوله: أولى) خبر نسيبة لما علمت أن الشارح قدر عند كل معطوف خبرا. وقوله من غيرها: أي غير
النسيبة (قوله: لخبر تخيروا لنطفكم الخ) قال في المغني: قال أبو حاتم الرازي هذا الخبر ليس له أصل، وقال ابن
الصلاح له أسانيد فيها مقال، ولكن صحة الحاكم. اه‍. وفي البجيرمي ورد: تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس وورد
وإياكم وخضراء الدمن. قالوا من هي يا رسول الله؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء فشبه المرأة التي أصلها ردئ

312
بالقطعة الزرع المرتفعة على غيرها التي منبتها موضع روث البهائم. اه‍. وقوله تخيروا لنطفكم. قال في لطائف الحكم
شرح غرائب الأحاديث، أي تكلفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور، ولا تضعوا نطفكم إلا
في أصل ظاهر. وأصل النطفة الماء القليل. والمراد هنا المني: سمي نطفة لان النطف القطر. اه‍. (قوله: وتكره بنت
الزنا والفاسق) وذلك لأنه يعير بها لدناءة أصلها، وربما اكتسبت من طباع أبيها. اه‍. ع ش. قال الأذرعي: ويشبه أن
يلحق بهما اللقيطة، ومن لا يعرف لها أب. اه‍. (قوله: وجميلة) أي بحسب طبعه ولو سوداء عند حجر أو بحسب ذوي
الطباع السليمة عند م ر. وتكره بارعة الجمال لأنها إما أن تزهو، أي تتكبر، لجمالها، أو تمتد الأعين إليها (قوله: لخبر
الخ) دليل الأولوية الجميلة على غيرها. وقوله إذا نظرت: للبناء للمجهول، والتاء فيه للتأنيث. وتمام الحديث وتطيع إذا
أمرت، ولا تخالف في نفسها ومالها (قوله: قرابة) أي يقرأ بالتنوين، وما بعده صفة. وفي الكلام حذف: أي ونكاح ذات
قرابة بعيدة أولى من نكاح ذات قرابة قريبة أو أجنبية (قوله: ممن في نسبه) الأولى إسقاط لفظ ممن، والاقتصار على قوله
في نسبه، ويكون الجار والمجرور متعلقا ببعيدة: أي بعيدة عنه في النسب، كما صنع في فتح الجواد، وذلك لأنه على
إبقائه يصير الجار والمجرور صفة للقرابة، أو حالا على قول، ويكون المعنى حينئذ قرابة كائنة من الأقارب التي في نسبه
أو حال كونها منهم، ولا معنى لذلك (قوله: وأجنبية) معطوف على قرابة قريبة، وهذا يعين تقدير المضاف المار لأنه لا
معنى لكون القرابة البعيدة أولى من الأجنبية، إذ التفضيل بين الذوات لا بين الوصف والذات (قوله: لضعف الشهوة الخ)
تعليل لأولوية غير ذات القرابة القريبة عليها. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله والبعيدة أولى من الأجنبية، قالوا لان
مقصود النكاح اتصال القبائل لأجل اجتماع الكلمة، وهذا مفقود في نكاح القريبة، لان الاتصال فيها موجود، والأجنبية
ليست من قبائله حتى يطلب اتصالها. اه‍. ح ل (قوله: والقريبة) المراد به المرأة القريبة، لا المتقدمة في الذكر، لان
تلك صفة القرابة (قوله: من هي في أول درجات العمومة والخؤولة) أي كبنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت
الخالة، والمرأة البعيد بضدها وهي التي لا تكون في أول درجات ما ذكر: كبنت ابن العم أو بنت ابن الخال أو بنت ابن
العمة أو بنت ابن الخالة. (قوله: والأجنبية أولى من القرابة القريبة) أي أولى من ذات القرابة القريبة لما مر (قوله: ولا
يشكل ما ذكر) أي من أن ذات القرابة البعيدة أولى من ذات القرابة القريبة ومن الأجنبية، وأن الأجنبية أولى من ذات
القرابة القريبة (قوله: بتزوج النبي الخ) متعلق بيشكل. وقوله زينب: أي بنت جحش رضي الله عنها، وهي المعنية بقوله
تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (1) أي فلما طلقها وانقضت عدتها زوجناكها وكانت تفتخر على نسائه (ص)
تقول: إن آبائكن أنكحوكن وإن الله تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سماوات. وفيها نزل الحجاب، وغضب عليها
رسول الله (ص) لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية، فهجرها في ذي الحجة والمحرم وبعض صفر، وهي أول نسائه
وفاة ولحوقا به (ص). ففي حديث مسلم: عن عائشة أن بعض أزواج النبي (ص) قلن له أينا
أسرع بك لحوقا؟ قال: أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا، فكان أسرعهن لحوقا به زينب بنت جحش قيل إن طول يدها بسبب أنها كانت تعمل
وتتصدق كثيرا توفيت سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وقيل إحدى وعشرين، وقد بلغت ثلاثا وخمسين سنة، ودفنت
بالبقيع، وصلى عليها عمر بن الخطاب وكانت عائشة تقول هي التي تساويني في المنزلة عنده (ص)، وما رأيت امرأة قط
خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة. وقوله مع أنها أي زينب. وقوله بنت
عمته: أي النبي (ص) (قوله: لأنه تزوجها بيانا للجواز) أي جواز نكاح زوجة المتبني لأنها كانت تحت زيد بن حارثة الذي



(1) سورة الأحزاب، الآية: 37.
313
تبناه النبي (ص) (قوله: ولا بتزوج الخ) أي ولا يشكل بتزوج لي رضي الله عنه سيدتنا فاطمة رضي الله عنها مع أنها من
الأقارب لأنها ذات قرابة بعيدة لا قريبة (قوله: للامر به) أي بتزوج البكر. وقوله في الأخبار الصحيحة: منها قوله عليه
السلام: هلا بكرا تلاعبك وتلاعبها ومنها عليكم بالابكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ومعنى
أنتق: أكثر أولادا، يقال للمرأة الكثيرة الأولاد: ناتق. قال البجيرمي: وفي البكارة ثلاث فوائد: إحداها أن تحب الزوج
الأول وتألفه، والطباع مجبولة على الانس بأول مألوف، وأما التي مارست الرجال فربما لا ترضى ببعض الأوصاف التي
تخالف ما ألفته فتكره الزوج الثاني. الفائدة الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها. الثالثة: لا تحن إلا للزوج الأول.
ولبعضهم:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل؟
اه‍. وفي المغني:
(روى) أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن كان قبلكم رجل حلف لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس وأنه
استشار تسعة وتسعين رجلا واختلفوا عليه، فقال بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج وآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينما
هو كذلك إذ طلع عليه رجل راكب قصبة فأخبره بقصته، فقال النساء ثلاث: واحدة لك، وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا
عليك. فالبكر لك، وذات الولد من غيرك عليك، والثيب لا لك ولا عليك. ثم قال أطلق الجواد، فقال له
أخبرني
بقصتك. فقال أنا رجل من علماء بني إسرائيل مات قاضيهم، فركبت هذه القصبة وتباهلت لأخلص من القضاء. قال في
الاحياء: وكما يستحب نكاح البكر يسن أن لا يزوج الولي ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط لان النفوس جبلت على الإيناس
بأول مألوف، ولهذا قال (ص) في خديجة إنها أول نسائي (قوله: إلا لعذر: كضعف آلته عن الافتضاض) أي إزالة البكارة:
أي وكاحتياجه لمن يقوم على عياله. ومنه ما اتفق لجابر رضي الله عنه، فإنه لما قال له النبي (ص) هلا بكرا تلاعبها
وتلاعبك؟ اعتذر له فقال: إن أبي قتل يوم أحد وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة
تمشطهن وتقوم عليهن. فقال (ص) أصبت (قوله: وولود وودود أولى) أي من غير الولود والودود (قوله: للامر بهما) أي
بالولود والودود: أي بنكاحهما في قوله عليه السلام: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه أبو داود
والحاكم وصحح إسناده. وروي سوداء ولود خير من حسناء عقيم (قوله: ويعرف ذلك) أي كونها ولودا (قوله: والأولى
أيضا أن تكون وافرة العقل وحسنة الخلق) قال بعضهم: ينبغي أن تكون المرأة دون الرجل بأربع وإلا استحقرته:
بالسن، والطول، والمال، والحسب، وأن تكون فوقه بأربع: بالجمال، والأدب، والخلق، والورع. قال في المغني:
وهذه الصفات كلها قل أن يجدها الشخص في نساء الدنيا، وإنما توجد في نساء الجنان. فنسأل الله تعالى أن لا يحرمنا
منهن (قوله: وأن لا تكون الخ) أي والأولى أن لا تكون ذات ولد من رجل غيره. وقوله إلا لمصلحة: أي كتربية أولاده،
كما في حديث جابر المار، ولأنه تزوج النبي (ص) أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة (قوله: وأن لا تكون شقراء) قال
في التحفة: قيل الشقرة بياض ناصع يخالفه نقط في الوجه لونها غير لونه. اه‍. وكأنه أخذ ذلك من العرف لان كلام أهل
اللغة مشكل فيه: إذ الذي في القاموس الأشقر من الناس من يعلو بياضه حمرة. اه‍. ويتعين تأويله بما يشير إليه قوله
يعلوه بأن المراد أن الحمرة غلبت البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة، إذ هذا هو المذموم، بخلاف مجرد
تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا لأنه لونه (ص) الأصلي، كما بينته في شرح الشمائل، اه‍. (قوله: ولا

314
طويلة مهزولة) أي والأولى أن لا تكون طويلة مهزولة (قوله: للنهي عن نكاحها) دليل لأولوية عدم كونها ذات ولد الخ،
فالضمير في نكاحها راجع للثلاث ذات الولد والشقراء والطويلة المهزولة، والأولى أن يأتي بنون النسوة، كما تقدم غير
مرة، والنهي المذكور في حديث زيد بن حارثة وهو قوله (ص) له لا تتزوج خمسا: شهبرة وهي الزرقاء البذية، ولا الهبرة
وهي الطويلة المهزولة، ولا نهبرة وهي العجوز المدبرة، ولا هندرة وهي القصيرة الذميمة، ولا لفوتا وهي ذات الولد من
غيرك (قوله: ومحل رعاية جميع ما مر) أي من الصفات من كونها دينة جميلة نسيبة بكرا ولودا (قوله: حيث لم تتوقف
العفة على غير متصفة بها) أي بالصفات السابقة: أي ما عدا الوصف الأول، بأن وجدت العفة في غير المتصفة
بالصفات. وكان الملائم بتعبيره أولا بدينة أن يقول: حيث لم تتوقف الديانة التي هي العدالة (قوله: وإلا) أي بأن توقفت
على غير متصفة بها بأن وجدت العفة في غير متصفة بها. وقوله فهي: أي العفة، أي رعايتها، وقوله أولى: أي من بقية
الصفات: أي رعايتها: فعفيفة غير متصفة ببقية الصفات أولى من متصفة ببقية الصفات غير عفيفة. لخبر: فاظفر بذات
الدين (قوله: قال شيخنا الخ) هذا تقوية لقوله ومحل رعاية جميع الخ. (قوله: ولو تعارضت تلك الصفات) أي بأن وجد
بعضها في بعض الآحاد من النساء وبعضها في بعض آخر ولم تجتمع كلها بأن وجد الدينة غير عاقلة أو عاقلة غير دينة
فالمقدم الأولى، أو وجدت عاقلة حسنة الخلق غير ولود وولود غير عاقلة حسنة الخلق مع عدم الديانة فيهما فالمقدم
الأولى، أو وجدت ولود غير نسيبة ونسيبة غير ولود مع فقد باقي الصفات فيهما فالمقدم الأولى، أو وجدت بكر غير جميلة
وجميلة غير بكر مع فقد ما ذكر أيضا فيهما فالمقدم الأولى، فإذا فقدت هذه الصفات ولم توجد صفة منها في النساء راعى
الخاطب ما فيه المصلحة له بحسب اجتهاده. وقوله يقدم الدين مطلقا: أي تقديما مطلقا أي على سائر الصفات (قوله:
وجزم في شرح الارشاد) عبارته: وعند تعارضها يقدم ما يرجع إلى الدين والعفة، ثم إلى النسل، ثم إلى
العقل، ثم
يتخير. اه‍. (قوله: وندب للولي عرض موليته الخ) قال في المغني: كما فعل شعيب بموسى عليهما الصلاة والسلام،
وعمر بعثمان وبأبي بكر رضي الله عنهم. اه‍. وقوله كما فعل شعيب بموسى: أي حيث قال له: * (إني أريد أن أنكحك
إحدى ابنتي هاتين) * (1) قال بعض المفسرين ما نصه: فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على رجل، وهذه سنة ثابتة في
الاسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام
الصحابة وأيام النبوة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله (ص). اه‍. (قوله: ويسن أن ينوي بالنكاح
السنة) أي اتباعها. وقوله وصون دينه: أي وينوي حفظ دينه، أي والنسل الصالح، وتكثير أتباع النبي (ص) (قوله: وإنما
يثاب الخ) هذا يغني عنه قوله ويسن أن ينوي الخ، فالمناسب والاخصر أن يجعله تعليلا لما قبله بأن يقول لأنه إنما يثاب
عليه بالنية. وفي فتح الجواد: الاقتصار على قوله وإنما يثاب الخ وعدم ذكر قوله ويسن الخ، وهو ظاهر. وإنما لم يثب
عليه، أي النكاح، إلا بما ذكر لان أصله الإباحة، كما مر، والمباح ينقلب طاعة بالنية، كما قال ابن رسلان في زبده:
لكن إذا نوى بأكله القوى لطاعة الله: له ما قد نوى
(قوله: وأن يكون الخ) معطوف على ينوي: أي ويسن أن يكون العقد في المسجد. قال في التحفة: للامر به في
خبر الطبراني. اه‍. وهو أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، وليولم أحدكم ولو بشاة،



(1) سورة القصص، الآية: 27.
315
وإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها ولا يغرنها اه‍. غرائب الأحاديث. وقال في شرحه: قوله أعلنوا
هذا النكاح، أي أظهروه إظهار السرور. وفرقا بينه وبين غيره واجعلوه في المساجد مبالغة في إظهاره واشتهاره، فإنه أعظم
محافل الخير والفضل. وقوله واضربوا عليه بالدفوف: جمع دف، بالضم، ويفتح، ما يضرب به لحادث سرور.
(فإن قلت) المسجد يصان عن ضرب الدف: فكيف أمر به؟
(قلت) ليس المراد أنه يضرب فيه، بل خارجه، والامر فيه إنما هو في مجرد العقد. اه‍. (قوله: ويوم الجمعة) أي
وأن يكون في يوم الجمعة لأنه أشرف الأيام وسيدها. وقوله أول النهار: أي وأن يكون في أول النهار: لخبر اللهم بارك
لامتي في بكورها حسنه الترمذي (قوله: وفي شوال) أي ويسن أن يكون العقد في شوال وقوله. وأن يدخل فيه: أي
ويسن أن يدخل على زوجته في شوال أيضا، والدليل عليه وعلى ما قبله خبر عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني
رسول الله (ص) في شوال ودخل فيه، وأي نسائه كان أحظى عنده مني وفيه رد على من كره ذلك.
(تتمة) يسن لمن حضر العقد من ولي وغيره الدعاء للزوج عقبه: يبارك الله لك، أو بارك عليك، وجمع بينكما في
خير لصحة الخبر به. ويدعو لكل منهما يبارك الله لكل واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير. ويسن للزوج الاخذ
بناصيتها أول لقائها، وأن يقول بارك الله لكل منا في صاحبه، ثم إذا أراد الجماع تغطيا بثوب وقدما قبيله التنظف والتطيب
والتقبيل ونحو ذلك مما ينشط. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي.
وقال كل منهما، ولو مع اليأس من الولد: بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. وليتحر استحضار
ذلك بصدق من قلبه عند الانزال. فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره. وفي المغني قال في الاحياء: يكره الجماع في
الليلة الأولى من الشهر، والأخيرة منه، وليلة النصف منه. فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي. اه‍. ورده
في التحفة والنهاية بعدم ثبوت شئ من ذلك. قالا: وبفرض ثبوته: الذكر الوارد يمنعه. اه‍. ويسن للزوج إذا سبق إنزاله
أن يمهلها حتى تنزل هي ويسن أن يتحرى بالجماع وقت السحر لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ * إذ هو مع
أحدهما مضر غالبا كما أن الافراط فيه مضر مع التكلف، وضبط بعض الأطباء النافع من الوطئ بأن يجد داعية من نفسه،
لا بواسطة تفكر ونحوه، ويسن أيضا أن يكون ليلة الجمعة ويومها قبل الذهاب إليها، وأن لا يتركه عند قدومه من سفر.
ويندب التقوي له بأدوية مباحة مع رعاية القوانين الطبية ومع قصد صالح، كعفة ونسل، لأنه وسيلة لمحبوب فليكن
محبوبا، وكثير من الناس يترك التقوي المذكور فيتولد من الوطئ مضار جدا. ووطئ الحامل والمرضع منهي عنه، فيكره
إن خشي منه ضرر الولد، بل إن تحققه حرم. ومن أطلق عدم كراهته مراده ما إذا لم يخش منه ضرر. وسيذكر الشارح
بعض ما ذكرته في آخر فصل الكفاءة (قوله: أركانه: أي النكاح) فيه أن النكاح معناه حقيقة العقد المركب من الايجاب
والقبول. وهذه الأمور التي ذكرها لم تتركب منها ماهيته، كما هو مقتضى التعبير بالأركان، لان الركن ما تتركب منه الماهية
كأركان الصلاة. ويجاب بأن المراد بالأركان ما لا بد منه فيشمل الأمور الخارجة، كما هنا، كالشاهدين فإنهما خارجان
عن ماهية النكاح، ومن ثم جعلهما بعضهم شرطين. أفاده البجيرمي. وقوله خمسة: جعلها في التحفة أربعة بعد الزوجين
ركنا واحدا (قوله: زوجة) بدل من خمسة (قوله: وشاهدان) عدهما ركنا واحدا لعدم اختصاص أحدهما بشرط دون
الآخر، بخلاف الزوجين فإنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر (قوله: وصيغة) هي إيجاب وقبول ولو من هازل
(قوله: وشرط فيها الخ) شروع في بيان شروط الأركان الخمسة وبدأ بشروط الصيغة لمزيد الخلاف فيها وطول الكلام
عليها. ولا يضر أن كثيرا ما يعللون تقديم الشئ بقلة الكلام عليه لان النكات لا تتزاحم (قوله: إيجاب من الولي) أي أو
نائبه (قوله: وهو) أي الايجاب (قوله: كزوجتك الخ) لو حذف الكاف لكان أولى ليظهر تفريع الحصر عليه بقوله بعد فلا
يصح الايجاب الخ. وقوله موليته: تنازعه كل من زوجتك وأنكحتك. وقوله فلانة: أي ويعينها باسمها، أو صفتها، أو

316
الإشارة إليها، كما سيذكره، (قوله: فلا يصح الخ) قد عرفت أنه لا يظهر التفريع إلا لو حذف الكاف الداخلة على
زوجتك، وإن كان يمكن أن يقال إنها استقصائية. وقوله إلا بأحد هذين اللفظين: هو زوجتك، أو أنكحتك (قوله: لخبر
مسلم الخ) دليل الحصر، ومحطة قوله بكلمة الله (قوله: بأمانة الله) أي بجعلهن تحت أيديكم كالأمانات الشرعية. اه‍.
ع ش. قال البجيرمي: ويصح أن يراد بالأمانة الشرعية، أي شريعة الله، ويكون قوله واستحللتم الخ من عطف الخاص
على العام. اه‍. (قوله: وهي) أي كلمة الله، وهذا ليس من الحديث. وقوله ما ورد في كتابه: أي من قوله تعالى:
* (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (1) وقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * (2
) (قوله: ولم يرد فيه) أي
في كتاب الله. وقوله غيرهما: أي غير هذين اللفظين، وهما التزويج والانكاح، والقياس ممتنع. لان في النكاح ضربا من
التعبد، فلا يصح بنحو لفظ إباحة وتمليك وهبة. أما جعله تعالى النكاح بلفظ الهبة في قوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي) * (3) الآية. فهو خصوصية له (ص) لقوله تعالى: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * (4) قال في شرح
الروض: وما في البخاري من أنه (ص) زوج امرأة فقال: ملكتكها بما معك من القرآن فقيل وهم من الراوي بدليل رواية
الجمهور زوجتكها. قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد. وقيل إنه (ص) جمع بين اللفظين. اه‍. بتصرف ولا
يرد ما سيأتي من صحة النكاح بالترجمة لوجود معنى الوارد فيها (قوله: ولا يصح) أي الايجاب بأزوجك وأنكحك: أي
لعدم الجزم بهما. وقوله على الأوجه: مقابله جزم بالصحة فيهما إن خليا عن نية الوعد. وعبارة التحفة: وجزم بعضهم
بأن أزوجك وأنكحك كذلك إن خلا عن نية الوعد، وظاهره الصحة مع الاطلاق إن ذكرت قرينة تدل على ذلك كلفظ
الآن، أولا. وفيه نظر. ثم قال رأيت البلقيني أطلق عنهم عدم الصحة فيهما، ثم بحث الصحة إذا انسلخ عن معنى الوعد
بأن قال الآن وهو صريح فيما ذكرته. اه‍. وقوله وهو صريح فيما ذكرته. أي من أنه لا يكفي الاطلاق بل لا بد من زيادة
لفظ الآن، وذلك لأنه قيد بالبلقيني الصحة بقوله: بأن قال الآن (قوله: ولا بكناية) أي ولا يصح الايجاب بكناية، وذلك
لأنها تحتاج إلى نية، والشهود ركن في صحة النكاح ولا اطلاع لهم على النية، ولأنها لا تتأتى في لفظ التزويج والانكاح،
والنكاح لا ينعقد إلا بهما. وفي البجيرمي: ويستثنى من عدم الصحة بالكناية كتابة الأخرس، وكذا إشارته التي اختص
بفهمها الفطن، فإنهما كنايتان وينعقد بهما النكاح منه تزويجا وتزوجا. اه‍. قال في التحفة: وتصح الكناية في المعقود
عليه، كما قال أبو بنات زوجتك إحداهن أو بنتي أو فاطمة، ونويا معينة، ولو غير المسماة، فإنه يصح. ويفرق بأن الصيغة
هي المحللة، فاحتيط لها أكثر، ولا يكفي زوجت بنتي أحدكما مطلقا. اه‍. قال سم: أي وإن نويا معينا. اه‍. (قوله:
كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك) مثالان للكناية، ومثلهما زوجك الله ابنتي (قوله: وقبول) معطوف على إيجاب. وقوله
متصل به: سيذكر محترزه (قوله: من الزوج) أي قبول صادر من الزوج: أي أو من وليه أو وكيله (قوله: وهو) أي القبول
(قوله: كتزوجتها أو نكحتها) أي أو تزوجت أو نكحت هذه أو فلانة، ويعينها باسمها (قوله: فلا بد الخ) تفريع على ذكر
الضمير المفعول العائد على الزوجة، وكان حقه أن يذكر قبله أيضا اسم الإشارة واسمها، كما ذكرته ليتم التفريع عليه.
وقوله من دال عليها: أي من لفظ دال على المخطوبة. وقوله من نحو اسم الخ: بيان للدال عليها، والمراد بنحو ذلك
الوصف، كما سيأتي، كزوجتك التي في الدار، ولكن ليس فيها غيرها (قوله: أو قبلت أو رضيت) معطوف على تزوجتها



(1) سورة النساء، الآية: 3.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 37.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 50.
(4) سورة الأحزاب، الآية: 50.
317
أي كقبلت ورضيت (قوله: على الأصح) راجع لرضيت فقط، خلافا لما يوهمه صنيعه من رجوعه لقبلت أيضا. ويدل
على ما ذكرته عبارة المغني ونصها: ورضيت نكاحها كقبلت نكاحها، كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة
الأربعة، وإن توقف فيه السبكي، ومثله أردت، أو أحببت. اه‍. ومثلها عبارة فتح الجواد ونصها: أو رضيت نكاحها،
والتوقف فيه لا وجه له، إذ لا فرق بينه وبين قبلت نكاحها، بل هذا أولى لأنه صريح في الرضا، وقبلت دال عليه. اه‍.
(قوله: لا فعلت) أي لا يكفي فعلت نكاحها بدل قبلت أو رضيت. قال سم: وذلك لأنه لا بد من ذكر النكاح فيقع معمولا
لفعلت وهو غير منتظم، سواء أريد بالنكاح الايجاب أو العقد. اه‍. (قوله: نكاحها) مفعول لكل من قبلت ورضيت،
والمراد به إنكاحها ليطابق الجواب ولاستحالة معنى النكاح، إذ هو المركب من الايجاب والقبول. اه‍. تحفة. وكتب
سم: قال الزركشي: نعم، صرح جماعة من اللغويين أن النكاح مصدر كالانكاح، وعليه فيخرج كلام الفقهاء. اه‍.
(قوله: أو قبلت النكاح أو التزويج على المعتمد) قال في التحفة: ولا نظر لايهام نكاح سابق حتى يجب هذا أو المذكور،
خلافا لمن زعمه، لان القرينة القطعية بأن المراد قبول ما أوجب له تغني عن ذلك. اه‍. وقوله حتى يجب هذا: أي لفظ
هذا بأن يقول هذا النكاح أو النكاح هذا. وقوله أو المذكور. بأن يقول النكاح المذكور (قوله: لا قبلت ولا
قبلتها) أي لا
يكفي قبلت فقط من غير ذكر نكاحها أو تزويجها، ولا قبلتها بالضمير العائد على الزوجة فقط من غير ذكر لفظ نكاح أو
تزويج قبله. وقوله مطلقا، انظر ما معنى الاطلاق في كلامه؟ وفي التحفة بعد قوله ولا قبلته: زيادة إلا في مسألة
المتوسط، فيكون المراد بالاطلاق في عبارة التحفة أنه لا فرق بين مسألة المتوسط وغيرها في قبلت وقبلتها فيعلم منها
تفسير الاطلاق في عبارتنا بما ذكر ونصها لا قبلت ولا قبلتها مطلقا ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة،
لكن ردوه، ولا يشترط فيها أيضا تخاطب. فلو قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت على ما اقتضاه كلامهما لكن جزم غير
واحد بأنه لا بد من زوجته أو زوجتها، ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر أو تزوجتها فقال تزوجتها صح. ولا
يكفي هنا نعم. اه‍. وقوله لكن ردوه: أي بأن الهاء لا تقوم مقام نكاحها. وقوله ولا يشترط فيها: أي في مسألة المتوسطة
(قوله: ولا قبلته) أي النكاح كان الأولى أن يزيد بعده الاستثناء السابق في عبارة التحفة، وهو إلا في مسألة المتوسط.
لعلم معنى الاطلاق السابق في كلامه. ولعله سقط من النساخ (قوله: والأولى الخ) أي الأولى في القبول من تزوجتها
ونكحتها ورضيت نكاحها أن يقول قبلت نكاحها. وقوله لأنه القبول الحقيقي، مقتضاه أن ما عداه من ألفاظ القبول ليس
قبولا حقيقيا وليس كذلك بل الكل قبول حقيقي شرعا، بل الوارد كما روي الآجري أن الواقع من علي في فاطمة
رضي الله عنهما رضيت نكاحها (قوله: وصح النكاح بترجمة) قال في شرح الروض: اعتبارا بالمعنى، لأنه لفظ لا يتعلق
به إعجاز، فاكتفى بترجمته. اه‍. (قوله: أي ترجمة أحد اللفظين) أي الايجاب والقبول، ومثله ترجمة اللفظين معا،
فقوله أحد ليس بقيد (قوله: بأي لغة) أي من لغة العجم، والمراد بها ما عدا العربية (قوله: ولو ممن يحسن العربية) غاية
في الصحة: أي صحة النكاح بترجمته بما عدا لغة العرب، ولو ممن يحسن العربية. وهي للرد، كما يفيده عبارة المغني
ونصها بعد قول المنهاج: ويصح بالعجمية في الأصح، والثاني لا تصح اعتبارا باللفظ الوارد، والثالث إن عجز عن
العربية صح، وإلا فلا. اه‍. ومثله في النهاية (قوله: لكن يشترط الخ) لما كان إطلاق صحة النكاح بالترجمة
يوهم عدم
الفرق فيها بين الاتيان بالكناية أو بالصريح دفعة بقوله لكن يشترط الخ. وقوله أن يأتي الخ: يعني يشترط في الاكتفاء
بالترجمة أن تكون صريحة في النكاح في تلك اللغة، لا كناية فيه، إذ الكناية لا تدخل في صيغة النكاح باللفظ العربي،
وبالأولى لا تدخل فيها باللفظ العجمي (قوله: هذا إن فهم الخ) أي محل صحته بالترجمة إن فهم كل من العاقدين كلام

318
نفسه وكلام الآخر: سواء اتفقت لغتهما أم اختلفت، فإن فهمها ثقة دونهما وأخبرهما بمعناها: فإن كان بعد الاتيان بها لم
يصح، أو قبله صح، إن لم يطل الفصل، على الأوجه (قوله: والشاهدان) معطوف على كل، أي وفهمها الشاهدان
أيضا، لما سيذكره أنه لا بد فيهما من معرفة لسان المتعاقدين (قوله: وقال العلامة التقي السبكي الخ) هذا تقوية
للاستدراك الذي ذكره، إذ هو يفيد مفاده (قوله: ولو تواطأ أهل قطر) أي اتفق أهل جهة على لفظ، وقوله في إرادة
النكاح. الأولى أن يقول للنكاح ويحذف لفظ الجار والمجرور. وقوله من غير صريح ترجمته، حال من لفظ: أي حال
كون ذلك اللفظ الذي تواطأ عليه كائنا من غير صريح ترجمة النكاح. وهو صادق بما إذا كان كناية فيه وبغيره (قوله: لم
ينعقد النكاح) جواب لو. وقوله به: أي باللفظ الذي تواطأوا عليه (قوله: والمراد بالترجمة) أي التي يصح بها النكاح.
وقوله ترجمة معناه اللغوي: أي ترجمة تفيد المعنى اللغوي للفظ النكاح وهو الضم، فلو أتي بترجمة للنكاح لا تفيده لم
ينعقد بها النكاح. وحاصل توضيح هذا المقام أن الايجاب والقبول كما يصحان باللفظ العربي يصحان أيضا باللفظ
العجمي، لكن يشترط في اللفظ العجمي المترجم به أن يفيد معنى النكاح اللغوي الذي أفاده ذلك اللفظ العربي، وهو
الضم والوطئ، فإذا أتى بترجمة زوجتك أو أنكحتك مثلا اشترط فيها أن تكون مفيدة لمعنى الضم والوطئ، فإن لم تفد
ذلك المعنى في تلك اللغة لم ينعقد بها النكاح ولو تواطأوا عليها (قوله: فلا ينعقد) أي النكاح وهو تفريع على مفهوم
المراد المذكور. وقوله بألفاظ: أي ليست مفيدة لمعنى النكاح اللغوي. وقوله اشتهرت في بعض الأقطار للانكاح: أي
للتزويج، أي لاستعمالها في ذلك (قوله: ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية) أي عبر عن النكاح
بالصيغة العربية لا
العجمية. وقوله لعجمي، متعلق بعقد. وقوله لا يعرف: أي ذلك العجمي. وقوله معناها: أي معنى الصيغة العربية،
وقوله الأصلي: الذي يظهر أن المراد به اللغوي، لا الشرعي، الذي هو إنشاء الايجاب أو القبول، وإلا لما صح قوله بعد
بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح، لان المراد بعقد النكاح الايجاب والقبول، فإذا عرفه عرف المعنى الشرعي فحينئذ
لا يصح قوله لم يعرف معناها الأصلي - أي الشرعي - فتنبه (قوله: لا يضر لحن العامي) خرج به العارف فيضر لحنه. هذا
ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على عدم الضرر منه أيضا. والمراد باللحن تغيير هيئة الحرف، وهو الحركة، أو
تغييره نفس الحرف بأن يبدل بآخر، كما يدل عليه تمثيله، (قوله: كفتح تاء المتكلم الخ) أي من الإيجاب والقبول، ولا
ينافي عدم الضرر به هنا عدهم أنعمت، بضم التاء أو بكسرها، مما يضر في الصلاة لان المدار في الصيغة على المتعارف
في محاورات الناس، ولا كذلك القراءة (قوله: وإبدال الخ) معطوف على فتح، أي وكإبدال الجيم زايا، بأن يقول
زوجتك. وقوله أو عكسه، أو إبدال الزاي جيما، بأن يقول زوجتك، قال في التحفة، وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح
أنكحتك، كما هو لغة قوم من اليمن، والغزالي لا يضر زوجت لك أو إليك لان الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى
ينبغي أن يكون كالخطأ في الاعراب والتذكير والتأنيث. اه‍. (وقوله: والغزالي) أي وفتاوى الغزالي، فهو عطف على
بعض (قوله: وينعقد) أي النكاح. وقوله بإشارة أخرس مفهمة، عبارة التحفة وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا
يختص بفهمها الفطن، وكذا بكتابته بلا خلاف على ما في المجموع، لكنه معترض بأنه يرى أنها في الطلاق كناية
والعقود أغلظ من الحلول، فكيف يصح النكاح بها فضلا عن كونه بلا خلاف؟ وقد يجاب بحمل كلامه على ما إذا لم تكن
له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ، ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن. اه‍. (قوله:

319
وقيل لا ينعقد الخ) مقابل ما في المتن، وكان المناسب أن يزيد في المتن قوله على الأصح كالمنهاج، ثم يحكي
المقابل. وقوله إلا بالصيغة العربية. قال في المغني: اعتبارا باللفظ الوارد. اه‍. (قوله: فعليه) أي على
هذا القيل.
وقوله يصبر: أي من لا يحسن العربية (قوله: وحكي هذا) أي القيل (قوله: وخرج بقولي متصل الخ) لو قدمه على قوله
وصح بترجمة لكان أنسب (قوله: ماذا تخلل لفظ) أي أو سكوت لكن إن طال لاشعاره بالاعراض أيضا. وقوله أجنبي عن
العقد: أي بأن يكون ليس من مقتضياته. وخرج به ما إذا لم يكن أجنبيا عنه بأن يكون من مقتضياته، فإن طال ضر، وإن
قصر لم يضر، وقوله وإن قل: أي ذلك اللفظ المتخلل (قوله: كأنكحتك الخ) تمثيل للفظ الأجنبي المتخلل. ومحله قوله
فاستوص بها خيرا، لا كل الصيغة، كما هو ظاهر. والمؤلف وافق العلامة الرملي في القول بالضرر باللفظ المذكور،
وخالف شيخه العلامة ابن حجر في القول بعدم الضرر به، ووهم من قال بالضرر، ونص عبارته: ويؤخذ مما مر في البيع
أن الفصل بأجنبي ممن طلب جوابه يضر، وإن قصر، وممن انقضى كلامه لا يضر، إلا إن طال، فقول بعضهم: لو قال
زوجتك فاستوص بها خيرا، لم يصح، وهم. اه‍. ونص عبارة م ر: وقول بعضهم لو قال زوجتك فاستوص بها فقبل لم
يصح صحيح، والمنازعة فيه بأنه وهم مفرع على أن الكلمة في البيع ممن انقضى كلامه لا تضر، وقد علمت رده. اه‍.
(قوله: ولا يضر تخلل خطبة خفيفة) أي غير طويلة بأن تشتمل على حمد وصلاة ووصية بالتقوى، أما إذا طالت فيضر
لاشعاره بالاعراض، وضبط القفال الطول بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه
بالعرف. وقوله من الزوج: أي صادرة منه بأن قال قبل القبول، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أوصيكم
بتقوى الله قبلت نكاحها. وخرج به الخطبة الصادرة من الولي قبل الايجاب فهي لا تضر مطلقا، ولو طالت، لأنها لا تعد
فاصلا (قوله: وإن قلنا بعدم استحبابها) أي الخطبة من الزوج قبل القبول، وهو غاية في عدم الضرر (قوله: خلافا
للسبكي وابن أبي الشريف) أي القائلين بضرر تخلل ذلك، وعللاه بأنه أجنبي من العقد (قوله: ولا فقل الخ) أي ولا يضر
قول العاقد للزوج فقل قبلت نكاحها فهو معطوف على مدخول يضر. ونقل في حاشية الجمل عن شيخه الضرر به
ونصها: والظاهر أنه يضر الفصل بقوله قل قبلت، قياسا على البيع بالأولى، لان النكاح يحتاط له. اه‍. شيخنا. اه‍.
ومثله في البجيرمي (قوله: لأنه من مقتضى العقد) تعليل لعدم الضرر بتخلل الخطبة الخفيفة، وبقوله فقل قبلت نكاحها
فضمير أنه عائد على المذكور منهما وليس عائدا على الثاني فقط، وإن كان يوهمه صنيعه. (قوله: فلو أوجب الخ) مفرع
على مقدر ملحوظ في كلامه وهو أنه إذا أتى أحد العاقدين بأحد شقي العقد فلا بد من إصراره عليه وبقاء أهليته حتى يوجد
الشق الآخر، وكذا الآذنة في تزويجها حيث يعتبر إذنها، وكان الأولى التصريح بهذا المقدر. وقوله ثم رجع عن إيجابه:
أي أو جن أو أغمي عليه أو ارتد (قوله: امتنع القبول) أي لم يصح ولو أتى به (قوله: لو قال الولي) أي للزوج ومثل الولي
نائبه. وقوله زوجتكها: أي موليتي. وقوله بمهر كذا. أي بمهر مقداره كذا وكذا كمائة (قوله: فقال الزوج) مثله وليه أو
وكيله. وقوله قبلت نكاحها، أي فقط (قوله: ولم يقل على هذا الصداق) أي أو نفاه (قوله: صح النكاح) جواب لو (قوله:
خلافا للبارزي) أي القائل بعدم صحة النكاح حينئذ لعدم التوافق بين الايجاب والقبول، وهو ضعيف، لان التوافق

320
حاصل والصداق ليس بركن حتى يحتاج إلى التوافق فيه كالثمن في البيع. نعم، يشترط للزومه ذكره في شقي العقد مع
توافقهما فيه (قوله: لا يصح النكاح مع تعليق) أي ولو بأن شاء الله إن قصد التعليق أو أطلق، فإن قصد التبرك أو أن كل
شئ بمشيئته تعالى صح، كما في النهاية. (قوله: كالبيع) أي نظير البيع، فإنه لا يصح التعليق فيه، فالكاف للتنظير
(قوله: بل أولى) أي بل النكاح أولى بعدم صحته بالتعليق (قوله: لاختصاصه) أي النكاح، وهو علة الأولوية. وقوله
بمزيد الاحتياط: أي بزيادة احتياط على غيره لأجل حفظ الإبضاع، والدليل عليه اشتراط الاشهاد فيه دون غيره (قوله:
كأن يقول الأب الخ) تمثيل ما دخله التعليق، وقوله للآخر: المناسب حذف أل، بأن يقول لآخر، وهو الزوج، أو وليه، أو
وكيله (قوله: إن كانت بنتي طلقت الخ) مثله ما لو بشر بولد، فقال إن كان أنثى فقد زوجتكها
فقبل وبانت أنثى (قوله: فقبل) أي ذلك الآخر. وقوله ثم بان انقضاء الخ: أي ثم بان طلاقها وانقضاء عدتها الخ. ففي الكلام حذف المعطوف
عليه، وقوله وأنها أذنت له: أي وبان أنها أذنت لأبيها في نكاحها، وإنما ذكر هذا وما قبله لان القصد ترتيب عدم الصحة
على التعليق فقط لأنه إذا لم يتبين ما ذكر من طلاقها وإذنها لوليها في النكاح يكون عدم الصحة مرتبا على هذا أيضا
(قوله: فلا يصح) أي التزويج بالقول المذكور. وقوله لفساد الصيغة بالتعليق: علة لعدم الصحة، ويرد عليه أنهم ذكروا
في باب البيع أنه لو قال البائع إن كان هذا ملكي فقد بعتكه ثم تبين أنه ملكه فإنه يصح. فما الفرق؟ قال في التحفة:
والوجه الفرق بمزيد الاحتياط هنا (قوله: وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها) قال في
التحفة: ويتعين حمله على ما إذا علم أو ظن أنها موليته (قوله: وفي زوجتك إن شئت) قال في التحفة: يتعين حمله على
ما إذا لم يرد التعليق. اه‍. (قوله: إذ لا تعليق في الحقيقة) تعليل لبحث بعضهم الصحة في الصورتين، وهو على حد
قوله تعالى: * (وخافون إن كنتم مؤمنين) * (1) وقولك: إن كنت زوجتي فأنت طالق. وهذا التعليل مبني على حمل التحفة
السابق فيهما (قوله: ولا مع تأقيت) معطوف على مع تعليق: أي ولا يصح النكاح مع توقيته. قال ع ش: أي حيث وقع
ذلك في صلب العقد، أما لو توافقا عليه قبل ولم يتعرضا له في العقد لم يضر، لكن ينبغي كراهته. اه‍. (قوله: بمدة
معلومة) أي كسنة. وقوله أو مجهولة: أي كزمن وحين (قوله: فيفسد) لا حاجة إليه بعد قوله ولا مع تأقيت، لما علمت أنه
معطوف على مع تعليق، وأن التقدير ولا يصح النكاح مع تعليق وعدم الصحة هو الفساد (قوله: لصحة النهي عن نكاح
المتعة) قال في التحفة: وجاز أولا رخصة للمضطر، ثم حرم عام خيبر، ثم جاز عام الفتح وقبل حجة الوداع، ثم حرم
أبدا بالنص الصريح. وفي البجيرمي:
(والحاصل) إن نكاح المتعة كان مباحا، ثم نسخ يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح، ثم نسخ في أيام الفتح، واستمر
تحريمه إلى يوم القيامة. وكان فيه خلاف في الصدر الأول، ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه. قال بعض الصحابة: رأيت
رسول الله (ص) قائما بين الركن والباب، وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع. ألا وإن الله حرمها
إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وقد وقعت مناظرة بين
القاضي
يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك
وجلس عنده، فقال له المأمون ما لي أراك متغيرا؟ قال لما حدث في الاسلام. قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا.
قال المتعة زنا؟ قال نعم. قال ومن أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله: أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح



(1) سورة آل عمران، الآية: 175.
321
المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هو لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن
ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * (1) يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال لا. قال فهي الزوجة التي عند الله
ترث وتورث؟ قال لا. قال فقد صار متجاوز هذين من العادين. وأما السنة فقد روى الزهري بسنده إلى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله (ص) أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها، فالتفت المأمون
للحاضرين وقال: أتحفظون هذا من حديث الزهري؟ قالوا نعم. فقال المأمون: استغفر الله نادوا بتحريم المتعة. اه‍.
ملخصا. (قوله: وهو) أي نكاح المتعة. وقوله المؤقت الخ: هذا ضابطه عند الجمهور، وأما عند ابن عباس فهو الخالي
من الولي والشهود، كذا في شرح التحرير، قال ش ق عليه. وعلى كل فهو حرام، ولا حد فيه مطلقا للشبهة، وقال أيضا:
إنما سمي بذلك لان الغرض منه مجرد التمتع لا التوالد والتوارث اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح المقتضيان
للدوام. قال: ولكن هذا لا يظهر على الضابط الثاني، إلا أن يقال شأن الصادر بلا ولي ولا شهود أن يكون الغرض منه
مجرد التمتع: إذ لو أراد الدوام لعقد بحضرة ولي وشهود. اه‍. بتصرف (قوله: وليس منه) أي من المؤقت، والمراد
الباطل، وإلا فلا يمكن نفي التأقيت رأسا لأنه موجود في العبارة. وقوله ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها، أي ما لو
أقت النكاح بمدة حياته أو حياتها. وقوله لأنه، الضمير يعود على التأقيت بمدة الحياة المفهوم من المثال. وقوله مقتضى
العقد، أي وهو بقاء المعقود عليه إلى الموت، أي والتصريح بمقتضاه لا يضر، كنظيره فيما لو قال وهبتك أو أعمرتك هذه
الدار مدة حياتك أو عمرك كذا في شرح الروض، وجرى عليه حجر في فتح الجواد ولم يرتضه في التحفة ونصها: وبحث
البلقيني صحته إذا أقت بمدة عمره أو عمرها لأنه تصريح بمقضى الواقع، وقد ينازع فيه بأن الموت لا يرفع آثار النكاح
كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها كلها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ، وبه يتأيد إطلاقهم. ويعلم الفرق بين هذا
ووهبتك أو أعمرتك مدة حياتك بأن المدار ثم على صحة الحديث به، فهو إلى التعبد أقرب، على أنه يكفي طلب مزيد
الاحتياط هنا فارقا بينه وبين غيره. اه‍. ومثله في النهاية ونصها: وبحث البلقيني صحته عند توقيته بمدة عمره أو عمرها
لأنه تصريح بمقتضى الواقع ممنوع، فقد صرح بالأصحاب في البيع بأنه إذا قال بعتك هذا حياتك لم يصح البيع،
فالنكاح أولى، ولان الموت لا يرفع آثار النكاح كلها، فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ،
وبه يتأيد إطلاقهم. اه‍. (قوله: بل يبقى أثره) أي النكاح: أي وهو الغسل والإرث. وانظر في هذا الاضراب فإنه ينافي
التأقيت بمدة الحياة وينافي التعليل الذي ذكره، وذلك لأنهما يقتضيان عدم بقاء أثر النكاح بعد الموت، ولذلك نازع ابن
حجر والرملي، القائلان بعدم الصحة، البلقيني القائل بالصحة، ولو اقتضيا بقاء الأثر لما نازعاه ولوافقاه في الصحة،
ولعل شارحنا لم ينظر لما اقتضاه التأقيت والتعليل الناشئ عنه النزاع المذكور، فلذلك أثبت الصحة القائل بها البلقيني،
وأثبت ما هو محل نزاعهما للبلقيني بالاضراب المذكور. فتنبه (قوله: ويلزمه في نكاح المتعة) أي ويلزم الواطئ بوطئه
في نكاح المتعة. وقوله المهر: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وثيب إن كانت ثيبا ولا يلزمه المسمى لفساد النكاح. وقوله
والنسب: أي ويلزمه النسب: أي لو حملت منه وأتت بمولود فإنه ينسب إليه، وقوله والعدة لا معنى لعطفه على ما قبله، إذ
يصير المعنى ويلزمه العدة وهو ليس عليه عدة فيتعين جعله فاعلا لفعل محذوف، أي ويلزمها العدة ولو لم يذكر ضمير
يلزم البارز لصح العطف المذكور، ولكن يقدر المفعول بالنسبة للأولين ضميرا مذكرا، وبالنسبة للعدة ضميرا مؤنثا
(قوله: ويسقط الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء فيه. وعبارة متن الروض، نكاح المتعة، وهو المؤقت، باطل يسقط به
الحد، وإن علم فساده لشبهة اختلاف العلماء، ولا يجوز تقليده فيه، وينقض الحكم به. اه‍. بزيادة (قوله: إن عقد
بولي وشاهدين) مثله ما لو عقد بشاهدين من غير ولي فإنه يلزمه ما ذكر ويسقط عنه الحد، لكن بشرط أن لا يحكم حاكم



(1) سورة المؤمنون، الآية: 1 - 7.
322
ببطلانه، وإلا وجب الحد (قوله: فإن عقد بينه وبين امرأة) أي من غير ولي وشاهدين. وقوله وجب الحد: أي لأنه زنا
(قوله: وحيث وجب الحد) أي بأن كان النكاح بلا ولي ولا شهود. وقوله لم يثبت المهر الخ: أي لأنه زنا. وقوله ولا ما
بعده: هو النسب والعدة (قوله: وينعقد النكاح الخ) ذكر هذا هنا، وإن كان سيصرح به في الصداق، لمناسبته للصيغة من
حيث إن تسمية المهر إنما يكون فيها. فهو استطراد (قوله: بل يسن الخ) الاضراب انتقالي، والأولى أن يقول ويسن،
بالواو بدل أداة الاضراب، وسيذكر في باب الصداق أنه قد يجب ذكره لعارض، كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف
لصغر أو جنون أو سفه (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد وقوله عنه: أي عن ذكر الصداق (قوله: نعم لو زوج أمته بعبده لم
يستحب) أي ذكره في العقد، إذ لا فائدة فيه فإنه لا يثبت للسيد على عبده شئ، فلا حاجة إلى ذكره. ومحله حيث لا
كتابة وإلا بأن كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا استحب، إذ المكاتب كالأجنبي (قوله: وشرط في الزوجة الخ) لما أنهى
الكلام على شروط الصيغة شرع في بيان شروط الزوجة التي هي أحد الأركان الخمسة، وذكر أربعة شروط: ثلاثة متنا،
وهي خلوها من نكاح وعدة، وتعيين لها، وعدم محرمية. وواحد شرحا: وهو ما سيذكر في التنبيه من اشتراط أن تكون
مسلمة أو كتابية (قوله: أي المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها، ولو قال أي المخطوبة لكان أولى، ليفيد أن المراد
بالزوجة في عبارته ليس حقيقتها، وإنما المراد بها المخطوبة وإطلاق الزوجة عليها يكون باعتبار ما تؤول إليه (قوله: خلو
من نكاح وعدة) أي ولو بادعائها فيجوز تزويجها ما لم يعرف لها نكاح سابق، فإن عرف لها وادعت أن زوجها طلقها أو
مات وانقضت عدتها، جاز لوليها الخاص تزويجها (1)، ولا يزوجها الولي العام، وهو الحاكم، إلا بعد ثبوت ذلك عنده،



(1) قوله: جاز لوليها الخاص تزويجها) محله ما لم ينكر زوجها الأول طلاقها ولم تقم بينة على طلاقها، والا فلا يصح. وقد رفع سؤال لمفتي
السادة الشافعية شيخنا واستاذنا المرحوم بكرم الله مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان في خصوص هذه القضية وأجاب عنه رحمه الله
خالق البرية.
وصورة السؤال
ما قولكم دام فضلكم في امرأة خرجت من بيت زجها إلى بيت وليها هاربة ثم بعد مدة ذهبت إلى القاضي وادعت ان زوجها طلقها
وانها انقضت عدتها وطلبت منه ان يزوجها فطلب منها القاضي بينة الطلاق فلم تقمها، ثم إن الحاكم حكم عليها ان ترجع إلى بيت زجها فأبت وهربت إلى محل ثان، فجاء بعض علماء ذلك المحل وقال لوليها الخاص انك إذا صدقت قول موليتك في الطلاق وانقضاء العدة
جاز لك ان تزوج موليتك، فاغتر بقوله، وزوج موليته، ثم إن الزوج الأول جاء إلى الزوج الثاني وقال له ان نكاحك باطل
لأنك عقدت عليها وهي في عصمتي وانا لم أطلقها، فهل ما قاله الزوج الأول صحيح ويترتب عليه انها تنزع من الزوج الثاني وتسلم له أم
لا؟ أفتونا بالنص، فان المسألة وقع فيها خلاف عندهم بين علماء ذلك المحل، فمنهم من قال نعم لا يصح نكاح الزوج الثاني وتنزع منه
وتسلم للأول، ومنهم من قال يصح نكاح الثاني ولاتنزع منه متمسكا بقولهم ان الولي الخاص إذا صدق قول موليته ان زوجها طلقها وانها
انقضت عدتها له تزويجها ومتمسكا بما في التحفة في بال الرجعة وما كتبه سم عليه ونص التحفة: ولو ادعى على مزوجة انها زوجته
وقالت كنت زوجتك فطلقتني جعلت زوجة له لاقرارها له كذا أطلقه، وأطال الأذرعي في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على مزوجة انها زوجته
وقالت كنت زوجتك فطلقني جعلت زوجة له لاقرارها له كدا أطلقه، وأطال الأذرعي في رده نقلا وتوجيها ثم حمله على ما إذا لم تعترف
للثاني ولا مكنته ولا أذنت في نكاحها. انتهى. ونص ما كتبه سم: قوله ثم حمله الخ. في شرح الروض نحو هذا التقييد عن البغوي
والبلقيني، فقال: نعم، ان أقرت أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه ذكره البغوي، وأشار إليه القاضي وكذا البلقيني فقال: يجب
تقييده بما إذا لم تكن المراة أقرت النكاح لمن هي تحت يده ولا يثبت ذلك بالبينة، فان وجد أحدهما لم تنزع منه جزما. انتهى. فقال
البعض المذكور قول التحفة ثم حمله يدل على ما قلناه من أن نكاح الثاني صحيح وانها لا تنزع منه، وكذا ما نقله سم في شرح الروض
عن البغوي والبلقيني هذا حجته ودليله، فبينوا لنا ذلك فإنكم لو لم تبينوا ذلك لنا عمل بهذه المسألة في ارضنا و حصل من ذلك ضرر
عظيم.. لكم الأجر والثواب.
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده. اللهم هداية للصواب. ان لم تقم المراة
المذكورة ببينة عادلة على طلاقها من زوجها الأول على عدم الطلاق نزعت من زوجها الثاني لتبين فساد العقد،
ثم بعد عدتها من وطئه إن كان تسلم لزوجها الأول، لان المراة المذكورة في صورة السؤال قد علمت زوجيتها للأول باعترافها السابق على
تزوجها بالثاني. ومثله لو كانت زوجيتها له معلومة من غير اعترافها. قال العلامة ابن المقري في متن الارشاد من باب العدد ما نصه:
معلوما وادعت طلاقا وتزوجت برجل آخر وادعى الزوج الأول بقاء النكاح وانه لم يطلقها فالقول قوله وقد ذكر في الحاوي مسالة غيرها
فقال ما معناه: إذا تزوجت امرأة برجل اخر فجاء اخر وادعاها زوجة فقالت له: طلقني فأنكر: حكم بأنها زوجته لاعترافها له بالنكاح، ويحلف
انه ما طلقها ويستحقها. قال في المهمات: وكيف يستقيم ذلك، يعنى تسليمها إلى من اعترفت بنكاحه وادعت طلاقه، وقد تعلق بها حق
الزوج الثاني؟ وقد صحح الرافعي فيما إذا باع شيئا ثم اعترف بعد البيع بأنه كان ملكا لغيره انه لا يقبل منه لأنهما قد بتواطان على ذلك.
قال: ولعل المسألة مصورة بما إذا ثبت نكاح الأول. اه‍. ملخصا. وفي فتح الجواد ما نصه: وان تزوجت امرأة كانت في حباله زوج بان
ثبت ذلك ولو باقرارها به قبل نكاح الثاني فادعى عليها الأول بقاء نكاحه وانه يطلقها فسئلت، الجواب فإذا هي مدعية انه طلقها
وانقضت عدتها منه قبل ان تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم يطلقها أخذها من الثاني لأنها أقرت له بالزوجية وهو اقرار صحيح:
إذا لم يتفقا على الطلاق. اه‍.
(والحاصل) ان المراة إذا تزوجت فجاء رجل وادعى عليها انها زجته فأجابته بأنك طلقني ولم تأت ببينة على الطلاق، كان لها في هذه
الحالة صورتان: أحدهما أن تكون زوجيتها من الأول المدعى معلومة ببينة أو باقرارها أو بغير ذلك، ففي هذه الصورة يحلف زوجها الأول
المدعى على عدم الطلاق ويأخذها من الثاني. وهذه هي مسالة السؤال ومسالة متن الارشاد، ولذا قيد في التمشية مسالة متنه بقوله: وقد
اعترف بنكاح أو كان معلوما كما تقدم انفا. وقيد الشهاب ابن حجر في فتح الجواد أيضا بقوله: كانت في حبالة زوج بان ثبت ذلك ولو
باقرارها به قبل نكاح الثاني، كما تقدم انفا أيضا ثانيتهما: أن تكون المراة مبهمة الحال: أي لم يعرف انها كانت زوجة المدعى وانه
طلقها وفى هذه الصورة ينظر، فان كانت قد أذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته بقيت عنده ولاتنزع منه، وان لم تكن أذنت في النكاح منه
ولا مكنته حلف زوجها الأول ونزعت من الثاني وردت إليه وهذه الصورة الثانية مع ما فيها من التفصيل من كون المراة المجيبة بما ذكر قد
أذنت في نكاحها بالثاني أو مكنته أو لم تأذن ولم تمكنه هي مسالة التحفة وكلام ابن قاسم وشرح الروض فيها. إذا تبين ذلك علمت أنه لا
يصح التمسك بما في التحفة والاستدلال به على مسالة السؤال. والله سبحانه وتعالى اعلم. أمر برقمه المرتجى من ربه الغفران أحمد بن
زيني دحلان. مفتى الشافعية، في مكة المحمية، غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين آمين.
(وأجاب) عنه أيضا شيخنا مؤلف هذه الحاشية المذكورة فقال: اللهم هداية للصواب. نعم، النكاح الثاني باطل لان الأصل عدم الطلاق
وبقاء العصمة فتنزع من الزوج وتسلم للأول كرها، لكن محله إذا لم تقم بينة على الطلاق وحلف الزوج الأول على عدم الطلاق، كما
صرح بذلك في متن الارشاد في باب العدة، ونص عبارته: وان تزوجت مدعية انه طلقها فحلف أخذها. اه‍.
قال محشيه التزيلى اليمني: يعنى إذا ادعت امرأة ان زوجها طلقها ثم تزوجت بأخر فأنكر الزوج
الأول الطلاق فإنه يحلف وتسلم إليه المراة ويلغو نكاح الثاني، لان الأصل عدم الطلاق. اه‍.
ومثله في شرح ابن حجر في فتح الجواد وعبارته: وان تزوجت امرأة كانت في مدعية انه طلقها وانقضت
عدتها منه قبل ان تنكح الثاني ولا بينة بالطلاق فحلف انه لم يطلقها أخذها من الثاني، لأنها أقرت له بالزوجية، وهو اقرار صحيح. إذا لم
يتفقا على الطلاق اه‍. ويؤيده أيضا عبارة الروض وشرحه في الباب السادس في مسائل منثورة تتعلق بآداب القضاء والشهادات
والدعاوى ونصها: فصل في فتاوي البغوي، انها لو أقرت لرجل بنكاح من سنة وأثبت اخر، أي أقام بينة بنكاحها من شهر، حكم للمقر
له، لأنه قد ثبت باقرارها النكاح للأول، فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني. اه‍. فقوله فما لم يثبت الخ: نص في المسألة.
(فان قلت) فما تصنع في صورة التحفة السابقة فإنها عين الصورة المسؤول عنها والحال ان الأذرعي حملها على ما إذا لم تعترف للثاني
ولأمكنته ولا أذنت في نكاحه؟ ومفهومه انها إذا اعترفت للثاني بالزوحية ومكنته أو أذنت في نكاحها لا تجعل زوجة للأول تبقى زوجة
للثاني، ومثله ما كتبه ابن قاسم، فان ذلك كله يناقض ما نقلته عن الارشاد. وما كتب عليه. قلت: ليست صورة التحفة عين الصورة
المسؤول عنها ولا تناقض بينهما. وبيان ذلك أن الصورة المسؤول عنها مفروضة في امرأة علم قبل النكاح الثاني لها بالبينة وباقرارها انها
زوجة فلان وادعت الطلاق ولم تثبت. وصورة التحفة مفروضة في امرأة مستبهمة، أي لم يعلم قبل نكاح الثاني لها أنها مزوجة بل هي
كانت تحت حبالة الثاني فجاء رجل آخر وادعى انها زوجته، فهذه الصور فيها تفصيل، فان أقرت للأول بزوجة ولم تقر للثاني ولم
تمكنه من الوطء ولم تأذن له في النكاح فيأخذها الأول وتكون زوجة له، واما ان أقرت للثاني بالزوجية أو أقامت بينة عليها فهي زوجته ولم
تنزع منه. ويدل لكون صورة التحفة المذكورة مفروضة في المبهمة، أي التي لم يعلم قبل نكاح الثاني انها كانت مزوجة صريح عبارة
فتح الجواد ونصه بعدما نقلته عنه آنفا: والحق الحاوي، كالشيخين، بذلك ما لو استبهمت بان لم يعلم نكاح أحد لها وإنما هي تحت
حبالة رجل فادعى آخر انها زوجته فقالت طلقني وأنكر فيحلف ويأخذها أيضا. نعم، ان أقرت أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع
منه، كما قاله القاضي وغيره، واعتمده الأدرعي وغيره، كما لو نكحت باذنها ثم ادعت رضاعا محرما لا يقبل. قال الباقيني: وكذا لو ثبت
نكاح الثاني بالبينة. اه‍. ومثلها عبارة البهجة وشرحها ونصها بعد كلام: الا إذا ادعى على مستبهمة أي لم يعرف انها كانت زوجته وطلقها
تحت امرئ زوجية مقدمة على نكاحه، فان تقل في الجواب كنت زوجتك لكن طلقني وهو، أي الزوج، نفى هذا، أي طلاقها، تكن
زوجته ان حلف انه لم يطلق، لان الأصل عدم الطلاق، بخلاف الأولى فإنهما اتفقا على الطلاق والأصل عدم الرجعة. نعم: ان أقرت
أولا بالنكاح للثاني أو أذنت فيه لم تنزع منه، كما لو نكحت رجلا باذنها ثم أقرت برضاع محرم بينهما لا يقبل اقرارها، وكما لو باع شيئا ثم
أقر انه كان ملك فلان لا يقبل اقراره. ذكره البغوي وأشار إليه القاضي، وكذا البلقيني بحثا. فقال: يجب تقييده بما إذا لم تكن المراة
أقرت بالنكاح لمن هي تحت يده ولا ثبت ذلك بالبينة، فان وجد أحدهما لم تنزع منه جزما. اه‍. والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب،
واليه المرجع والمآب.
323
كما قال ز ي، اه‍. بجيرمي بتصرف. وقوله من غيره: الجار والمجرور صفة لعدة: أي عدة حاصلة لها من
غير الزوج.
وخرج به المعتدة منه، ففيها تفصيل، فإن كان الطلاق رجعيا أو بائنا بدون الثلاث واللعان صح النكاح في العدة، وإلا
فلا. ومعنى صحته في الرجعية رجوعها من غير عقد (قوله: وتعيين) بالرفع عطف على خلو، أي وشرط تعيين للزوجة بما
يذكره حاصل من وليها (قوله: فزوجتك إحدى بناتي باطل) أي ما لم ينويا معينة، وإلا فلا يبطل، لما تقدم أن الكناية في
المعقود عليه تصح (قوله: ولو مع الإشارة) أي للبنات اللاتي المزوجة إحداهن، بأن قال زوجتك إحدى بناتي هؤلاء أو
إحدى هؤلاء البنات فإنه باطل للجهل يعين المزوجة، لا للمزوجة التي هي إحدى البنات، وإلا لنافى قوله بعد ويكفي
التعيين بوصف أو إشارة. تأمل (قوله: ويكفي التعيين بوصف) ليس المراد به الوصف الاصطلاحي، وهو ما دل على
معنى وذات: كقائم وضارب، بل المراد به المعنى القائم بغيره، سواء دل على ذات قائم بها ذلك المعنى أم لا، فهو أعم
من الاصطلاحي (قوله: كزوجتك بنتي) تمثيل للتعيين بالوصف، ومثله الذي بعده (قوله: وليس له غيرها) قيد لا بد منه،
فلو كان له بنت غيرها لا يكون قوله بنتي تعيينا فيكون باطلا (قوله: أو التي في الدار) أي أو قال زوجتك التي في الدار.
وقوله وليس فيه، أي في الدار غيرها أي غير بنته، وهو قيد أيضا. فلو كان في الدار بنت أخرى غير بنته وقال زوجتك التي
في الدار لا يكون تعيينا فيكون باطلا للابهام (قوله: أو هذه) أي أو قال زوجتك هذه وهي حاضرة (قوله: وإن سماها) أي
المعينة بما ذكر، وهو غاية للاكتفاء بالتعيين بما ذكر: أي يكفي التعيين بما ذكر وإن سماها بغير اسمها، كأن قال زوجتك
بنتي مريم والحال أن اسمها خديجة، أو قال زوجتك عائشة التي في الدار والحال أن اسمها فاطمة، أو قال زوجتك فاطمة
هذه والحال أن اسمها زينب مثلا. وإنما اكتفى بالتعيين بما ذكر مع تغيير الاسم لان كلا من البنتية والكينونة في الدار في
المثالين الأولين وصف مميز، فاعتبر ولغا الاسم، ولان العبرة بالإشارة في الثالث، لا بالاسم، فكان كالعدم (قوله:
بخلاف زوجتك فاطمة) أي بخلاف التعيين بالاسم فقط: كزوجتك فاطمة من غير أن تقول بنتي، فلا يكفي لكثرة
الفواطم، وإن كان هذا الاسم هو اسمها في الواقع. وقوله إلا إن نوياها، أي نوى العاقدان بفاطمة بنته فيكفي
عملا بما
نوياه. قال في المغني.
(فإن قيل) يشترط في صحة العقد الاشهاد والشهود لا اطلاع لهم على النية.
(أجيب) بأن الكناية مغتفرة في ذلك، على أن الخوارزمي اعتبر في مثل ذلك أيضا علم الشهود بالمنويه. وعليه لا

325
سؤال. اه‍. (قوله: ولو قال) أي من له ابنتان. صغرى وكبرى (قوله: وسماها) أي الكبرى (قوله: صح) أي النكاح
(قوله: لان الكبر صفة قائمة بذاتها) أي فاكتفى بها (قوله: بخلاف الاسم) أي فليس وصفا قائما بذاتها (قوله: فقدم) أي
الكبر الذي هو صفة. وقوله عليه: أي على الاسم. قال في شرح الروض. ولو قال زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة وكانت
الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل لان كلا الوصفين لازم، وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر
وصارت مبهمة. اه‍. (قوله: ولو قال) أي الولي للزوج (قوله: فبانت) أي خديجة المسماة في العقد بنت ابنه لا بنته
(قوله: صح) أي العقد. وقوله إن نوياها: أي نويا بخديجة بنت ابنه، ويأتي فيه السؤال والجواب السابقان في شرح
الروض، وقوله أو عينها بإشارة، أي بأن قال زوجتك بنتي خديجة هذه وأشار لبنت الابن، وقوله أو لم يعرف لصلبه
غيرها، أي لم يعرف أن له بنتا من صلبه غير بنت الابن، وفيه أن هذا يقتضي أن بنت الابن يصدق عليها أنها من صلبه،
وليس كذلك، بل هي من صلب الابن، إلا أن يقال إنه على سبيل التجوز (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينوياها ولم تتعين
بإشارة وعرف لصلبه بنت غيرها فلا يصح العقد. وفي الروض وشرحه: ولو ذكر الولي اسم واحدة من بنتيه وقصدهما
الأخرى صح التزويج فيما قصداها ولغت التسمية، وفيه الاشكال السابق. ويأتي فيه ما تقدم فإن اختلف قصدهما لم
يصح التزويج، لان الزوج قبل غير ما أوجبه الولي. اه‍. (قوله: وشرط فيها) أي في الزوجة. وقوله أيضا، أي كما شرط
فيها ما تقدم من الخلو من النكاح والعدة ومن التعيين (قوله: عدم محرمية) أي انتفاء محرمية، وهي وصف يقتضي تحريم
المناكحة. وقوله بينها، أي المخطوبة، والظرف متعلق بمحذوف صفة لمحرمية (قوله: بنسب) الباء سببية متعلقة
بمحرمية، أي محرمية سببها نسب أو رضاع أو مصاهرة (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم. وقوله به: أي بالنسب
والأولى بها، أي المحرمية الكائنة بسبب النسب.
(واعلم) أن للمحرمات بالنسب ضابطين، الأول ما ذكره المصنف: وهو تحريم نساء القرابة إلا من دخلت تحت
ولد العمومة أو ولد الخؤولة كبنت العم والعمة وبنت الخال والخالة. والثاني يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول
أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول، فالأصول الأمهات وإن علت، والفصول البنات وإن سفلت،
وفصول أول الأصول الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت وبنات أولادهم، لان أول الأصول الآباء والأمهات وفصولهم
الاخوة والأخوات وأولادهم، وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول هو العمات والخالات، لان كل أصل بعد الأصل
الأول الأجداد والجدات وإن علوا وخرج بأول فصل ثاني فصل وهو أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات،
وثالث فصل، وهكذا. وهذا هو الضابط للشيخ أبي إسحاق الأسفرايني، والأول لتلميذه الشيخ أبي منصور البغدادي وهو
أولى لايجازه ونصه على الإناث (قوله: لآية حرمت الخ) دليل للتحريم، ولو أخره عن الفاعل لكان أولى (قوله: نساء
الخ) فاعل يحرم، ولا بد من تقدير مضاف قبله لان التحريم كغيره من الاحكام لا يتعلق بالذوات وإنما يتعلق بالافعال: أي
يحرم نكاحهن أو وطؤهن، وقوله غير بالرفع صفة لنساء، وبالنصب على الاستثناء أو الحالية (قوله: حينئذ يحرم) أي فحين
إذ كان المحرم غير ما دخل في ولد العمومة والخؤولة من نساء القرابة يحرم نكاح أم، وكان الأولى والاخصر أن يقول كأم
الخ تمثيلا لنساء القرابة ويحذف قوله فحينئذ يحرم نكاح، إذ هو عين قوله فيحرم نساء قرابة (قوله: وهي) أي الام. وقوله
من ولدتك أو ولدت من ولدك بتاء التأنيث فيهما، وهذا ضابط للام. وإن شئت فقل في ضابطها هي كل أنثى يصل إليها

326
نسبك بواسطة أو غيرها، ولكن إطلاق الام على الثاني مجاز. وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في من الثانية (قوله: وهي
الجدة) أي من ولدت من ولدك تسمى بالجدة حقيقة. (وقوله: من الجهتين) أي جهة الام وجهة الأب (قوله: وبنت)
بالجر عطف على أم، أي ويحرم نكاح بنت أيضا. قال في التحفة: ولو احتمالا، كالمنفية باللعان، ومن ثم لو كذب نفسه
لحقته ومع النفي لا يثبت لها من أحكام البنت سوى تحريم نكاحها على الأوجه. اه‍. (قوله: وهي) أي البنت. وقوله من
ولدتها، بفتح تاء الفاعل، وهذا ضابط للبنت، وإن شئت فقل هي كل أنثى ينتهي إليك نسبها بواسطة أو غيرها. وقوله أو
ولدت من ولدها، إطلاق البنت على هذه مجاز لا حقيقة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في من الثانية أيضا (قوله: لا
مخلوقة من ماء زناه) أي لا يحرم نكاح مخلوقه من ماء زناه: إذ لا حرمة لماء الزنا لكن يكره نكاحها خروجا من خلاف
الامام أبي حنيفة رضي الله عنه. ومثل المخلوقة من ماء الزنا المخلوقة من ماء استمنائه بغير يد حليلته والمرتضعة بلبن
الزنا، وإن أرضعت المرأة بلبن زنا شخص بنتا صغيرة حلت له، ولا يقاس على ذلك المرأة الزانية، فإنها يحرم عليها
ولدها بالاجماع. والفرق أن البنت انفصلت من الرجل وهي نطفة قذرة لا يعبأ بها، والولد انفصل من المرأة وهو إنسان
كامل (قوله: وأخت) بالجر معطوف أيضا على أم، أي ويحرم نكاح أخت شقيقة كانت أو لأب أو لام. وضابطها كل أنثى
ولدها أبواك أو أحدهما (قوله: وبنت أخ) معطوف أيضا على أم: أي ويحرم نكاح بنت أخ من جميع الجهات وإن نزلت
(قوله: وأخت) بالجر معطوف على أخ، أي وبنت أخت فيحرم نكاحها أيضا (قوله: وعمة) بالجر معطوف على أم: أي
ويحرم نكاح عمة (قوله: وهي) أي العمة. وقوله أخت ذكر ولدك: أي بواسطة أو بغيرها، فالتي بغير واسطة كأخت أبيك
وهي عمة حقيقة، والتي بواسطة كعمة أبيك وعمة أمك وهي عمة مجازا (قوله: وخالة) بالجر أيضا عطفا على أم: أي
ويحرم نكاح خالة (قوله: وهي) أي الخالة. وقوله أخت أنثى ولدتك: أي بواسطة أو بغيرها، فالأولى كأخت أمك وهي
خالة حقيقة، والثانية كخالة أبيك وخالة أمك وهي خالة مجازا (قوله: لو تزوج مجهولة النسب) أي لا يدري إلى من
تنتسب كلقيطة (قوله: فاستلحقها أبوه) أي أبو الزوج، أي ادعى أنها بنته. وقوله ثبت نسبها، أي إن وجد شرط
الاستلحاق وهو الامكان وتصديقها له إن كبرت (قوله: ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج) خرج به ما لو صدقه
الزوج فإنه
ينفسخ النكاح (قوله: ومثله عكسه) أي ومثل استلحاق أبي زوجها لها عكسه وهو استلحاق أبيها لزوجها فيثبت النسب به
ولا ينفسخ النكاح. وقد ذكر مسألة العكس وما قبلها بغاية الايضاح في النهاية ونصها: نعم، لو زوجه الحاكم مجهولة
النسب ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه كما نص عليه وجرى عليه العبادي والقاضي
غير مرة قالوا: وليس لنا من يطأ أخته في الاسلام غير هذا. ولو مات الزوج فينبغي أن ترث منه زوجته بالزوجية لا
بالاختية، لان الزوجية لا تحجب، بخلاف الأختية فهي أقوى السببين، فإن صدقة الزوج والزوجة انفسخ النكاح. ثم إن
كان قبل الدخول فلا شئ لها أو بعده فلها مهر المثل. وقيس بهذه الصورة ما لو تزوجت بمجهول النسب فاستلحقه أبوها
ثبت نسبه. ولا ينفسخ النكاح إن لم يصدقه الزوج. وإن أقام الأب بينة في الصورة الأولى ثبت النسب وانفسخ النكاح،
وحكم المهر ما مر. وإن لم تكن بينة وصدقته الزوجة فقط لم ينفسخ النكاح لحق الزوجة، لكن لو أبانها لم يجز له بعد
ذلك تجديد نكاحها، لان إذنها شرط، وقد أعتقت بالتحريم، وأما المهر فلازم للزوج، لأنه يدعي ثبوته عليه لكنها تنكره،
فإن كان قبل الدخول فنصف المسمى، أو بعده فكله. وحكمها في قبضه كمن أقر لشخص بشئ وهو ينكره، ومر حكمه
في الاقرار. ولو وقع الاستلحاق قبل التزويج لم يجز للابن نكاحها. اه‍. وقول بشرطه: قال ع ش: هو الامكان

327
وتصديقها إن كبرت. وقوله فإن صدقه الزوج والزوجة: قال الرشيدي أو الزوج فقط. اه‍. (وقوله: ومر حكمه في
الاقرار) قال ع ش: هو أنه يبقى في يده من هو بيده حتى يرجع المنكر ويعترف. اه‍. (قوله: ولم تصدقه) يفيد أنها إذا
صدقته ينفسخ النكاح، ولو لم يصدقه الزوج، وهذا خلاف ما في عبارة النهاية المارة وخلاف ما في التحفة أيضا. فتنبه
(قوله: أو رضاع) عطف على نسب: أي وشرط عدم محرمية برضاع (قوله: فيحرم الخ) تفريع على المفهوم أيضا. وقوله
به: أي بالرضاع، والأولى بها، أي بالمحرمية الكائنة بسبب الرضاع، كما تقدم (قوله: من يحرم بنسب) أي نكاح نظير
من يحرم بالنسب، فلا بد من تقدير مضافين. أما الأول فلما تقدم، وأما الثاني فلان المحرم نكاحه بالرضاع ليس عين من
يحرم بالنسب، كما هو ظاهر، والمحرمات بالنسب سبع، كما تقدم، الام والبنت والأخت وبنت الأخ وبنت الأخت
والعمة والخالة، فتكون المحرمات بالرضاع كذلك، فجملة المحرمات بالنسب والرضاع أربع عشرة، ويزاد عليها أربع
بالمصاهرة. فالجملة ثمان عشرة. وهذه هي التي تحريمها على التأبيد، وأما التي تحريمها لا على التأبيد بل من جهة
الجمع فثلاث: أخت الزوجة وعمتها وخالتها، وعد بعضهم من أسباب التحريم اختلاف الجنس فلا يجوز للآدمي نكاح
جنية، وبالعكس. قاله العماد بن يونس، وأفتى به ابن عبد السلام وتبعه شيخ الاسلام واعتمده ابن حجر، قال لان الله
تعالى امتن علينا بجعل الأزواج من أنفسنا ليتم التآنس بها. أي في قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجا) * (1) وجواز ذلك يفوت الامتنان، وفي حديث: نهى رسول الله (ص) عن نكاح الجن وخالف القمولي فجوز ذلك
واعتمده العلامة الرملي، وأجيب عن الآية بأن الامتنان في الآية بأعظم لامرين وهو لا ينافي جواز الآخر، والنهي في
الحديث للكراهة، لا للتحريم (قوله: للخبر المتفق عليه) أي وللنص على الأمهات والأخوات في الآية، وبعض
المفسرين يجعل السبع مأخوذة من الآية الشريفة. قال: لان تحريم السبع لأجل الولادة له أو منه أو لأجل الاخوة له ولو
بواسطة أو لاحد أصوله، فأشير للأول بقوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (2) فالتحريم لأجل الولادة الذي علم
من ذلك يشمل تحريم الام وتحريم البنت، وأشير للثاني بقوله تعالى: * (وأخواتكم من الرضاعة) * (3) فالتحريم لأجل
الاخوة له ولو بواسطة، أو لاحد أصوله الذي علم من ذلك يشمل تحريم الأخت والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت،
لان تحريم الأخت لأجل الاخوة له بغير واسطة وتحريم الخالة والعمة لأجل الاخوة لاحد أصوله الذي هو الام في الأولى
والأب في الثانية، وتحريم بنت الأخ وبنت الأخت للاخوة له بواسطة، ولا يخفى ما في ذلك من الخفاء. اه‍. باجوري
(قوله: فمرضعتك) مبتدأ، خبره أمك، وهو بيان لضابط الام من الرضاع (قوله: ومرضعتها) أي مرضعة
مرضعتك، وهذه
كالتي بعدها إطلاق الام عليها مجاز لأنها جدة (قوله: ومرضعة من ولدك) أي مرضعة أمك التي ولدتك. وقوله من نسب
أو رضاع: تعميم في من ولدك، وهو غير ظاهر، لان الولادة مختصة بالنسب، وعلى تسليم أن المراد بمن ولدك أمك
مطلقا بطريق التجوز يظهر التعميم ويكون الشق الثاني من التعميم، وهو قوله أو رضاع، مكررا مع قوله أولا ومرضعتها،
وبيانه أن مرضعة أمك من الرضاع هي عين مرضعة مرضعتك. وإذا علمت ذلك فالأولى إسقاطه، كما في التحفة (قوله:
وكل من ولدت مرضعتك) معطوف على فمرضعتك (قوله: أو ذا لبنها) أي أو ولدت ذا لبنها وهو الفحل الذي هو حليل
المرضعة الذي له اللبن. واحترز بقوله ذا لبنها عما لو كان اللبن لغيره كأن تزوج امرأة ترضع فإن الزوج المذكور ليس
صاحب اللبن، فأم من ولدته ليست أمك (قوله: أمك من رضاع) أي بشرط أن تبلغ تسع سنين تقريبا وإلا فلبنها لا يحرم،
كما سيذكره (قوله: والمرتضعة بلبنك) مبتدأ خبره بنتك، وهو بيان لضابط البنت. ولا فرق في هذه المرتضعة بين أن



(1) سورة الروم، الآية: 21.
(2) سورة النساء، الآية: 23.
(3) سورة النساء، الآية: 23.
328
تكون مرضعتها زوجة أو أمة أو موطوءة بشبهة (قوله: ولبن فرعك) أي والمرتضعة بلبن فرعك. (وقوله: نسبا أو رضاعا)
تعميم في الفرع (قوله: وبنتها) أي بنت المرتضعة. وقوله كذلك: أي نسبا أو رضاعا (قوله: وإن سفلت) أي بنت
المرتضعة بلبنك، فهي بنتك أيضا (قوله: والمرتضعة) مبتدأ خبره قوله أختك. وهو بيان لضابط الأخت.
(واعلم) أن من ارتضع من امرأة صار جميع بناتها أخوات له من الرضاع سواء التي ارتضع عليها والتي قبلها والتي
بعدها، وإنما نبهنا على ذلك، مع وضوحه، لان جهلة العوام يسألون عن ذلك كثيرا ويظنون أن الأخت من الرضاع هي
التي ارتضع عليها دون غيرها (قوله: وقس على هذا) أي في التصوير لا في الحكم: إذ هو ثابت بالحديث. وقوله بقية
الأصناف المتقدمة: أي في النسب وهي بنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة، فالمرتضعة من أختك أو من لبن أخيك
نسبا أو رضاعا بنت أخت أو أخ، وأخت ذي اللبن عمة رضاع، وأخت المرضعة خالة الرضاع (قوله: ولا يحرم عليك
برضاع من أرضعت أخاك الخ) شروع في أربع مسائل استثناها بعضهم من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب
فهي تحرم من النسب ولا تحرم من الرضاع، والمحققون، كما في الروضة، على أنها لا تستثنى لعدم دخولها في القاعدة
لأنهن إنما يحرمن في النسب لمعنى لا يوجد فيهن في الرضاع. وذلك المعنى هو الأمومة والبنتية والاختية، كما سيأتي
تقريره، وقد نظمها بعضهم فقال:
مرضعة الأخ أو الأخت تحل أو ولد الولد ولو أنثى جعل
كذاك أم مرضع للولد وبنتها وهي ختام العدد
(قوله: من أرضعت أخاك) أي أو أختك ولو كانت هذه أم نسب لحرمت عليك لأنها أمك إن كان الأخ والأخت
شقيقين لك أو لام أو موطوءة أبيك إن كان لأب. (وقوله: أو ولد ولدك) بنصب ولد الأول معطوفا على أخاك: أي ولا
يحرم عليك من أرضعت ولد ولدك، ولو كانت أم نسب لحرمت عليك لأنها إما بنتك إن كان ولدك أنثى أو موطوءة ابنك إن
كان ذكرا (قوله: ولا أم مرضعة الخ) بالرفع عطف على من: أي ولا يحرم عليك أم مرضعة ولدك ولا بنت مرضعته ولو
كانت المرضعة أم نسب كانت موطوئتك فيحرم عليك أمها وبنتها (قوله: وكذا أخت أخيك الخ) أي وكذا لا يحرم عليك
أخت أخيك ولا بد من قطع النظر عن متعلق قوله أولا ولا يحرم وهو برضاع وإلا لما صح التعميم بقوله بعد من نسب أو
رضاع. وقوله من نسب أو رضاع: تعميم في الأخ وفي الأخت، أي ولا يحرم عليك أخت أخيك الذي من النسب أو من
الرضاع سواء كانت هي أيضا من النسب، كأن كان لزيد أخ لأب وأخت لام فلأخيه لأبيه نكاحها، أم من الرضاع: كأن
ترضع امرأة زيد أو صغيرة أجنبية فلأخيه لأبيه نكاحها، وسواء كانت الأخت أخت أخيك من أبيك لامه كما مثلنا أم أخت
أخيك من أمك لأبيه. مثاله في النسب أن يكون لأبي أخيك من أمك بنت من غير أمك فلك نكاحها، وفي الرضاع أن
ترضع صغيرة بلبن أبي أخيك لامك فلك نكاحها (قوله: تنبيه) أي في بيان شروط الرضاع المحرم. وقد أفرده الفقهاء
بباب مستقل، ويذكرونه عقب العقدة، والمصنف خالفهم وذكره هنا لأنه لما ذكر الرضاع المحرم ناسب أن يذكر شروطه
معه. فما أحسن صنيعه.
(واعلم) أن الرضاع لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه. وشرعا ما ذكره الشارح. وأركانه ثلاثة: مرضع،
ورضيع،
ولبن، وكلها تعلم من كلامه (قوله: الرضاع) بكسر الراء وفتحها وبالضاد المعجمة وقد تبدل تاء. وقوله المحرم، بكسر
الراء المشددة: أي للنكاح (قوله: وصول الخ) سواء كان بمص الثدي أم بغيره، كما إذا حلب منها ثم صب في فم

329
الرضيع. وقوله لبن: أي ولو مخيضا، ومثل الزبد والجبن والأقط والقشطة لان ما ذكر في حكم اللبن، بخلاف السمن
الخالص من اللبن. والمصل، وهو الذي يسيل من الجبن والأقط، واعتمد بعضهم التحريم بالسمن الخالص لما فيه من
الدسم. وقوله آدمية: أي حية حياة مستقرة في حال انفصال اللبن منها وإن لم يشربه إلا بعد موتها. وخرج بالآدمية الرجل
فلا تثبت حرمة بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية، فأشبه غيره من المائعات، لكن يكره له ولفرعه نكاح من
ارتضعت بلبنه. وخرج أيضا الخنثى المشكل والمذهب أنه يوقف الامر فيه إلى البيان، فإن بان أنثى حرم لبنه وإلا فلا.
فلو مات قبله لم يثبت التحريم، فللذي ارتضع منه نكاح أم الخنثى ونحوها والبهيمة. فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم
تحرم مناكحتهما والجنية بناء على عدم صحة مناكحتنا للجن. أما على صحة ذلك فهم كالآدميين. فلو أرضعت جنية
صغيرا ثبت التحريم وإن لم تكن على صورة الآدمية أو كان ثديها في غير محله المعتاد. وخرج بقولي حية الميتة فلا يثبت
الرضاع بلبنها لأنه منفصل من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة. وبحياة مستقرة من أنتهت إلى حركة المذبوح فلا
يثبت الرضاع بلبنها أيضا (قوله: بلغت سن حيض) الجملة صفة لآدمية. أي آدمية موصوفة بكونها بلغت سن الحيض،
أي ولو كانت بكرا خلية. وسن الحيض هو تسع سنين قمرية، ويكفي كون التسع تقريبية، على المعتمد: كما في
الحيض، ولا يشترط أن تكون تحديدية. فلو انفصل اللبن منها قبل التسع بما لا يسع حيضا وطهرا، وهو أقل من ستة عشر
يوما، كان محرما. وخرج بذلك من لم تبلغ سن حيض بأن انفصل منها قبل التسع بما يسع حيضا وطهرا، وهو ستة عشر
يوما فأكثر، فلا يؤثر، وذلك لأنها لا تحتمل حينئذ الولادة واللبن فرعها (قوله: ولو قطرة) غاية في اللبن المحرم وصوله:
أي يحرم وصول اللبن ولو كان قطرة، والمراد في كل رضعة (قوله: أو مختلطا بغيره) غاية ثانية: أي ولو كان مختلطا بغيره
مائعا كان أو جامدا فإنه يحرم. وقوله وإن قل أي اللبن المخلوط مع غيره. ثم إن كان اللبن المخلوط غالبا بأن بقي طعمه
أو لونه أو ريحه أثر التحريم مطلقا، سواء شرب البعض أو الكل، وإن كان مغلوبا بأن زال طعمه أو لونه أو ريحه حسا
وتقديرا بالأشد، فإن شرب الكل أثر التحريم لتيقن شرب اللبن، وإلا فلا (قوله: جوف) بالنصب على الظرفية متعلق
بوصول: أي وصوله في جوفه، أي معدته أو دماغه. فالمراد بالجوف ما يحيل الغذاء أو الدواء. والمراد الوصول مطلقا،
ولو بإسعاط، بأن يصب اللبن في أنفه فيصل إلى دماغه، لا بحقنة، بأن يصب اللبن في دبره فيصل إلى معدته أو بتقطير
في قبل أو أذن لعدم التغذي بذلك. ومن هنا يظهر أنه لا أثر لوصوله لما عدا المعدة والدماغ وإن وصل إلى حد الباطن
المفطر للصائم. وقوله رضيع: أي حي حياة مستقرة، فلا أثر لوصوله جوف من حركته حركة مذبوح أو ميت اتفاقا لانتفاء
التغذي (قوله: لم يبلغ حولين) الجملة صفة لرضيع: أي رضيع موصوف بكونه لم يبلغ عمره حولين، أي بالأهلة إن وقع
انفصال الرضيع أول الشهر الأول، فإن انكسر الشهر بأن وقع انفصاله في أثنائه تمم العدد من الخامس والعشرين شهرا
ثلاثين يوما. وخرج بلم يبلغ حولين ما لو بلغهما فلا يؤثر ارتضاعه تحريما. وذلك لخبر الدارقطني لا رضاع إلا ما كان في
الحولين وما ورد مما خالف ذلك في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه فإن زوجته كرهت دخوله عليها فأرشدها
رسول الله (ص) إلى إرضاعه حيث قال لها أرضعيه: فمخصوص به أو منسوخ. وابتداؤهما يعتبر من تمام انفصال الرضيع.
فلو ارتضع قبل تمامه لم يؤثر. ولو تم الرضيع حولين في أثناء الرضعة الخامسة أثر على المذهب لان ما يصل إلى الجوف
في كل رضعة غير مقدر حتى لو لم يصل في كل رضعة إلا فطرة: كفى، كما تقدم (قوله: يقينا) قيد في انتفاء بلوغه
الحولين، أي يعتبر انتفاء بلوغه الحولين يقينا. فلو شك هل بلغهما أم لا؟ لم يؤثر الرضاع حينئذ للشك في سبب التحريم
(قوله: خمس مرات) حال من وصول: أي حال كون وصول اللبن في جوف الرضيع خمس مرات أو ظرف
متعلق به، أي
وصوله من خمس مرات. وقوله يقينا، قيد في الخمس مرات. فلو شك في كونه خمسا أو أقل لم يؤثر لان الأصل عدم
الخمس، لكن لا يخفى الورع. والحكمة في اعتباره خمس مرات أن الحواس التي بها الادراك خمس: وهي السمع
والبصر والشم والذوق والمس، فكأن كل رضعة تحفظ حاسة. وقيل يكفي رضعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك
رضي الله عنهما، ثم إن ظاهر العبارة أنه يكفي وصول اللبن الجوف خمس مرات ولو انفصل اللبن من الثدي دفعة

330
واحدة، وليس كذلك، بل لا بد من انفصال اللبن خمسا ووصوله إلى الجوف خمسا. فلو حلب منها لبن دفعة وأوجره
الطفل خمس مرات أو حلب منها خمس مرات وأوجره دفعة حسب رضعة واحدة في الصورتين اعتبارا في الأولى بحالة
الانفصال وفي الثانية بحالة الوصول. وقوله عرفا أي أن العبرة في ضبط الخمس بالعرف، وذلك لأنهن لا ضابط لهن لغة
ولا شرعا. وما لا ضابط له فيهما فضابطه العرف. فما قضى بكونه رضعة أو رضعات اعتبر، وإلا فلا (قوله: فإن قطع
الرضيع الخ) أي الرضاع. وهو تفريع على كون العبرة في ضبطهن بالعرف. وقوله إعراضا، منصوب على الحال من
فاعل قطع: أي قطعه حال كونه معرضا عن الثدي أو على أنه مفعول لأجله، أي للاعراض. وخرج به ما لو قطعه لا
إعراضا بل لنحو اللهو ثم عاد إليه فإنه يعد رضعة واحدة، كما سيصرح به قريبا (قوله: وإن لم يشتغل الخ) لو أخره عن
قوله فرضعتان لكان أولى، لأنه غاية له (قوله: أو قطعته المرضعة) أي إعراضا أيضا لا لشغل خفيف، وإلا فلا تعدد، كما
سيصرح به (قوله: ثم عاد) أي الرضيع. (وقوله: إليه) أي إلى الرضاع. (وقوله: فيهما) أي في الصورتين. (وقوله:
فورا) أي أو بالتراخي، ولو قال ولو فورا لكان أولى (قوله: فرضعتان) خبر لمبتدأ محذوف والجملة جواب الشرط: أي
فهما، أي ما قبل القطع وما بعد العود، رضعتان (قوله: أو قطعة) أي الرضيع الرضاع. (وقوله: لنحو لهو) هذا مفهوم
قوله إعراضا، كما علمت. (قوله: كنوم) تمثيل لنحو اللهو. ومثله التنفس وازدراد ما جمعه من اللبن في فمه. وقوله
خفيف، صفة لنحو لهو، ويصح جعله صفة لنوم، لكن الأول أولى (قوله: وعاد حالا) أي بعد قطعه لنحو لهو (قوله: أو
طال) معطوف على خفيف من عطف الفعل على الاسم المشبه للفعل وهو جائز. قال في الخلاصة:
واعطف على اسم شبه فعل فعلا وعكسا استعمل تجده سهلا
والمناسب أن يقول أو طويل من عطف الوصف على الوصف، أي أو قطعه لنحو لهو طويل. وقوله والثدي بفمه:
الجملة حالية، وهي قيد في الطول. وعبارة التحفة: أما إذا نام أو التهى طويلا فإن بقي الثدي بفمه لم يتعدد وإلا
تعدد. اه‍. (قوله: أو تحول) يصح قراءته بصيغة الفعل عطفا على أو قطعه، ويصح قراءته بصيغة المصدر عطفا على
نحو لهو، والتقدير عليه أو قطعه لأجل نحو تحول. ويدل للأول عبارة المنهاج ونصها مع التحفة، أو قطعه للهو وعاد في
الحال أو تحول أو حولته من ثدي لآخر فلا تعدد. اه‍. ويدل للثاني عبارة الارشاد ونصها مع شرحه: لا إن قطعه بتحول:
أي سبب تحوله من ثدي لآخر. اه‍. (قوله: ولو بتحويلها) أي ولو كان التحول حصل بتحويل المرضعة له. والغاية
للتعميم: أي لا فرق في هذا التحول بين أن يكون من الطفل بنفسه أو من المرضعة (قوله: من ثدي لآخر) متعلق بتحول:
أي تحول من ثديها إلى ثديها الآخر. ولو عبر بما ذكرته لكان أولى لان عبارته تشمل ثدي غير المرضعة الأولى مع أن
الرضاع يتعدد به مطلقا (قوله: أو قطعته الخ) معطوف على أو قطعه لنحو لهو. (وقوله: لشغل خفيف) خرج به ما إذا كان
لشغل غير خفيف بأن كان طويلا فإنه يتعدد بالعود. وحاصل ما ذكره الشارح من المسائل خمس على قراءة تحول بصيغة
الفعل: اثنان منها يتعدد فيهما الرضاع وهما: ما إذا قطعه الرضيع إعراضا، وما إذا قطعته كذلك. والبقية لا يتعدد فيها
الرضاع وهي: ما إذا قطعه لنحو لهو خفيف، وأما إذا تحول من ثديها للآخر، وأما إذا قطعته لشغل خفيف (قوله: فلا
تعدد) جواب إن المقدرة قبل قوله قطعه لنحو لهو وبعد أو، وقوله في جميع ذلك، أي المذكور، وهو قوله أو قطعه لنحو لهو
وقوله أو تحول وقوله أو قطعته، وإنما لم يحصل التعدد في ذلك عملا بالعرف (قوله: وتصير المرضعة الخ) لا حاجة إلى
هذا بعد الضابط السابق الذي ذكره بقوله فمرضعتك ومرضعتها الخ إلا أن يقال الغرض منه بيان ضابط آخر
بعبارة أخرى،
وكان الأولى التفريع بالفاء. وقوله أمه: أي الرضيع. وقوله وذو اللبن أباه، أي ويصير صاحب اللبن أبا الرضيع. ولا فرق
فيه بين أن يكون زوجا أو واطئا بشبهة أو واطئا بمالك اليمين لا الواطئ بزنا، فلا يحرم عليه أن ينكح المرتضعة بلبن زناه

331
لكن يكره ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه، فإن طالت المدة جدا أو انقطع ثم عاد إلا بولادة من آخر فاللبن قبلها للأول
واللبن بعدها للآخر (قوله: وتسري الخ) أي تنتشر الحرمة ممن رضع، وهو الطفل، أي وصول المرضعة وذي اللبن
وفروعهما وحواشيهما. ثم إن صريح عبارته أن الحرمة تنتشر من الرضيع إلى من ذكر مع أن الحرمة إنما تنتشر من
المرضعة إلى أصولها وفروعها وحواشيها، وكذلك من ذي اللبن إلى المذكورين، فكان الأولى أن يقول وتسري الحرمة
من المرضعة وذي اللبن إلى من ذكر ومن الرضيع إلى فروعه فقط. والمراد بالأصول الآباء، وبالفروع الأبناء، وبالحواشي
الاخوة والأخوات والأعمام والعمات. فيصير آباء المرضعة وصاحب اللبن أجداده، وأمهاتهما جداته، وأولادهما أخوته
وأخواته: سواء وجدوا قبله وبعده، كما تقدم، وإخوة المرضعة أخواله، وأخواتها خالاته، وإخوة صاحب اللبن أعمامه،
وأخواته عماته، ويصير أولاد الرضيع أحفادهما (قوله: وإلى فروع الرضيع الخ) أي وتسري الحرمة من الرضيع إلى
فروعه لا إلى أصوله وحواشيه، والفرق بين أصولهما وحواشيهما وبين أصوله وحواشيه أن لبن المرضعة كالجزء من
أصولها فتسري الحرمة إليهم وإلى حواشيهم، وسبب لبن المرضعة مني الفحل الذي جاء منه الولد، وهو كالجزء من
أصوله أيضا، فيسري التحريم إليهم وإلى حواشيهم، ولا كذلك في أصول الرضيع وحواشيه. وقد نظم هذا الضابط
بعضهم بقوله:
وينتشر التحريم من مرضع إلى * أصول فصول والحواشي من الوسط
وممن له در إلى هذه ومن * رضيع إلى ما كان من فرعه فقط
والمراد بمن له الدر صاحب اللبن، كالزوج، واسم الإشارة عائد إلى الثلاثة قبله (قوله: ولو أقر الخ) شروع في
الاقرار والشهادة بالرضاع (قوله: رجل وامرأة) الواو بمعنى أو، لان لفظ الاقرار لا يشترط أن يكون صادرا
منهما معا، بل
يكون تارة صادرا منهما معا، وتارة يكون صادرا على أحدهما ثم يوافقه الآخر أو ينكر (قوله: قبل العقد) الظرف متعلق
بأقر. وسيذكر محترزه (قوله: أن بينهما أخوة رضاع) أي أو بنوة أو عمومة أو خؤولة بأن قال هي بنتي أو أختي أو عمتي أو
خالتي، أو قالت هي هو ابني أو أخي أو عمي أو خالي ووافق كل منهما الآخر على ما أقر به (قوله: وأمكن) أي المقر به
بأن لم يكذبه الحس، فإن كذبه بأن منع من الاجتماع بها أو بمن تحرم عليه بسبب إرضاعها مانع حسي أو ادعى أنها بنته
وهي أسن منه، فإقراره لغو (قوله: حرم تناكحهما) أي مؤاخذة لكل منهما بإقراره. قال في التحفة: ظاهرا وباطنا إن صدق
المقر، وإلا فظاهرا فقط ثم قال: ويظهر أنه لا تثبت الحرمة على غير المقر من فروعه وأصوله مثلا إلا إن صدقه. اه‍
(قوله: وإن رجعا عن الاقرار) غاية في حرمة المناكحة بالاقرار: أي حرمت مناكحتهما به بعده وإن رجعا عنه فلا يعتد
برجوعهما (قوله: أو بعده) معطوف على قوله قبل العقد: أي أو أقر رجل وامرأة بعد العقد أن بينهما ما ذكر (قوله: فهو
باطل) أي فعقد النكاح باطل عملا بإقرارهما وإن قضت العادة بجهلهما بشروط الرضاع المحرم (قوله: فيفرق بينهما) أي
ويسقط المسمى لتبين فساد النكاح ويجب مهر المثل إن وطئها معذورة، كأن كانت جاهلة بالحال أو مكرهة، وإلا فلا
يجب شئ (قوله: وإن أقر) أي الزوج. وقوله به: أي بالرضاع المحرم. وقوله فأنكرت، أي الزوجة المدعى به (قوله:
صدق في حقه) أي عمل بإقراره بالنسبة لحقه وهو انفساخ النكاح، لا بالنسبة لحقها وهو الصداق. فلا يسقط عنه، بل لها
المسمى إن صح، وإلا فمهر المثل إن وطئها، وإلا فنصفه، وذلك لان الفرقة منه (قوله: ويفرق بينهما) أي يفرق القاضي
أو نائبه بينهما حينئذ (قوله: أو أقرت) أي الزوجة. وقوله به: أي الرضاع المحرم، وقوله دونه: أي الزوج، أي أنه أنكر ما
ادعته (قوله: فإن الخ) جواب إن المقدرة قبل قوله أقرت: أي أو إن أقرت وأنكر هو فإن الخ. وقوله كان أي إقرارها

332
بذلك. وقوله بعد أن عينته: الأولى إسقاط قوله بعد أن ويقتصر على قوله عينته لان ذكره يقتضي أنها لو أقرت بذلك قبل
تعيينها وقبل تمكينها من الوطئ يقبل قولها، ولا معنى له: إذ الفرض أن الاقرار واقع بعد العقد. وقوله أو مكنته من وطئه
إياها، أي حال كونها عالمة بالحال مختارة. وقوله لم يقبل قولها: أي ويصدق هو بيمينه ولا شئ لها لا المسمى ولا مهر
المثل بوطئه لها لأنها زانية. وعبارة التحفة مع الأصل، وإن ادعته، أي الزوجة، الرضاع المحرم فأنكره الزوج صدق
بيمينه إن زوجت منه برضاها به بأن عينته في إذنها لتضمنه إقرارها بحلها له، وإلا تزوج برضاها، بل إجبارا، أو أذنت من
غير تعيين زوج فالأصح تصديقها بيمينها، ما لم تمكنه من وطئها مختارة، لاحتمال ما تدعيه ولم يثبت منها ما يناقضه. اه‍
(قوله: وإلا صدقت) أي وإن لم تعين الزوج في الاذن للتزويج بأن أذنت للولي في التزويج من غير تعيين ولم تمكنه من
وطئه إياها حال كونها عالمة مختارة، بأن مكنته حال كونها جاهلة بالحال أو مكرهة، أو لم تمكنه رأسا صدقت بيمينها
وفرق بينهما وعليه مهر المثل لا المسمى إذا وطئها. نعم، إن أخذت المسمى فليس له رده وإعطاؤها مهر المثل. والورع
له فيما إذا ادعت الرضاع أن يطلقها لتحل لغيره إن كانت كاذبة. ثم إن منكر الرضاع منهما يحلف على نفي علمه به لأنه
ينفي فعل غيره ولا نظر إلى فعله في الارتضاع، لأنه كان صغيرا ومدعيه يحلف على بت لأنه يثبت فعل الغير. نعم لو نكل
أحدهما عن اليمين وردت على الآخر حلف على البت (قوله: ولا تسمع دعوى نحو أب الخ) أي إن لم تكن بينة ولم
يصدقاه بدليل قوله بعد ويثبت الخ (قوله: ويثبت الرضاع برجل وامرأتين) أي بشهادة رجل وامرأتين: أي وبرجلين أيضا
وإن تعمدا النظر لثدييها لغير الشهادة وتكرر منهما لأنه صغيرة لا يضر إدمانها حيث غلبت طاعاته على معاصيه (قوله:
وبأربع نسوة) أي ويثبت بأربع نسوة لاطلاعهن عليه غالبا كالولادة ومن ثم لو كان النزاع في الشرب من ظرف لم يقبلن لان
الرجال يطلعون عليه ثم يقبلن في أن ما في الظرف لبن فلانة، لان الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا. اه‍. تحفة
(قوله: ولو فيهن، أم المرضعة) غاية في ثبوت الرضاع بأربع نسوة: أي يثبت الرضاع بهن ولو كانت أم المرضعة واحدة
منهن. والمرضعة تقرأ بصيغة اسم المفعول، وأمها هي المرضعة، بكسر الضاد، وإنما حملت ما ذكر على
هذا الضبط
لأنها هي التي يتوهم إخراجها وعدم صحة شهادتها للتهمة. وأما غيرها فلا يتوهم فيه ذلك فلا حاجة للتنبيه عليه بالغاية
(قوله: إن شهدت) أي أم المرضعة (قوله: حسبة) أي شهادة حسبة، وهي التي تكون من غير استشهاد: كأن يقول
الشاهد ابتداء عند القاضي أشهد على فلان بكذا فأحضره سواء تقدمها دعوى أم لا. وهذا هو الذي جرى عليه ابن حجر
وغيره، خلافا للأذرعي كما في الرشيدي حيث قال: إنها لا يقال لها شهادة حسبة بعد الدعوى. فقول الشارح بعد بلا دعوى، أي سبق
دعوى، ليس بقيد، أو يقال إنه جرى على طريقة الأذرعي التي نقلها عنه الرشيدي. وإنما اكتفى بشهادة
الحسبة منها لانتفاء التهمة لأنها تكون شهادة على المرضعة - لا لها - وخرج بشهادة الحسبة غيرها فلا تكفي منها للتهمة
لأنها تكون شهادة لها حينئذ (قوله: كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها) الكاف للتنظير: أي نظير شهادة أم امرأة وابنها
بطلاقها فإنها تقبل. وقوله كذلك: أي إذا كانت حسبة، فإن لم تكن حسبة فلا تقبل (قوله: وتقبل شهادة مرضعة مع
غيرها) أي مع ثلاث غيرها أو مع رجل وامرأة غيرها. (وقوله: لم تطلب أجرة الرضاع) أي حال الشهادة أو قبلها، فإن
طلبتها لم تقبل للتهمة (قوله: وإن ذكرت فعلها) أي تقبل شهادتها حينئذ وإن ذكرت في الشهادة فعلها لأنها غير متهمة في
ذلك مع كون فعلها غير مقصود في الاثبات، إذ العبرة بوصول اللبن لجوفه. وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة المرضعة إن لم
تطلب أجرة ولا ذكرت فعلها وكذا إن ذكرته فقالت أرضعته في الأصح. اه‍. (قوله: وشرط شهادة الرضاع) أي صحتها.
(وقوله: ذكر وقت الخ) أي بأن يقول أشهد أنه رضع خمس رضعات متفرقات في الحياة بعد التسع وقبل الحولين. قال
في التحفة: نعم إن كان الشاهد فقيها يوثق بمعرفته وفقهه موافقا للقاضي المقلد في شرط التحريم وحقيقة الرضعة اكتفى

333
منه بإطلاق كونه محرما. اه‍ (قوله: ويعرف) أي وصوله للجوف (قوله: بنظر حلب) بفتح لامه وهو اللبن المحلوب.
وقوله وإيجار: أي مع إيجار وازدراد، والأول هو وضعه في فم الرضيع والثاني بلعه ووصوله للمعدة. فلا بد في معرفة
وصوله إلى الجوف من مشاهدة هذه الثلاث: أعني الحلب، والايجار، والازدراد. (قوله: أو بقرائن)
عطف على نظر:
أي ويعرف أيضا بقرائن (قوله: كامتصاص ثدي الخ) تمثيل للقرائن. وقوله وحركة حلقه: أي وكحركة حلقه، وهو
بسكون اللام بعد حاء مفتوحة (قوله: بعد علمه) الظرف متعلق بامتصاص وما بعده، كما هو ظاهر عبارته، وهو يفيد
اشتراط تقدم علمه بذلك على الامتصاص وما بعده، مع أنه يكفي العلم به ولو بعد ما ذكر. فالأولى جعله متعلقا بفعل
محذوف: أي ويشهد بعد علمه أنها ذات لبن حالة الارضاع أو قبيله. أفاده البجيرمي (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يعلم
أنها ذات لبن فلا يحل له أن يشهد ولو مع وجود القرائن المذكورة لان الأصل عدم اللبن، ولا عبرة بالقرائن مع هذا الأصل
(قوله: ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن) أي بأن يقول أشهد أنه مص الثدي وحرك حلقه (قوله: بل يعتمدها
ويجزم بالشهادة) أي بل يجزم بالشهادة بالرضاع معتمدا على القرائن من غير ذكر لها (قوله: ولو شهد به) أي بالرضاع.
وقوله دون النصاب: دون إن جعلت من الظروف المتصرفة فهي مرفوعة على أنها فاعل شهد، وإن جعلت من الظروف
غير المتصرفة، كما هو رأي الجمهور، فالفاعل محذوف، وهي منصوبة صفة له، أي عدد دون النصاب. والنصاب في
الشهود هنا رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، كما تقدم (قوله: أو وقع شك الخ) هذا مفهوم قوله في حد الرضاع
المحرم يقينا بعد قوله لم يبلغ حولين وبعد قوله خمس مرات، ولو قدمه هناك لكان أولى. وقوله في تمام الرضعات: أي
هل ارتضع خمسا أو أقل. وقوله أو الحولين، أي أو شك هل ارتضع بعد تمام الحولين أو قبله؟ وقوله أو وصول اللبن
جوف الرضيع، أي أو شك هل وصل إليه أم لا؟ (قوله: لم يحرم النكاح) أي لم يحرم الرضاع المذكور النكاح، فراء
يحرم مشددة مكسورة، وفاعله يعود على الرضاع، ويصح جعل النكاح فاعلا والراء عليه مخففة مضمومة (قوله: لكن
الورع الاجتناب) أي اجتناب النكاح لما روي عن عقبة بن الحارث قال: أتيت النبي (ص) وقلت له يا رسول الله:
تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء. فقالت قد أرضعتكما وهي كاذبة فقال (ص) كيف تصنع بها وقد زعمت أنها أرضعتكما؟
دعها منك، أي طلقها، قال عقبة: فراجعت النبي (ص) وقلت يا رسول الله إنها امرأة سوداء، أي فلا يقبل قولها، فقال
أليس وقد قيل فأرشده النبي (ص) إلى طريق الورع والاحتياط وإن لم تقبل شهادة تلك المرأة (قوله: وإن لم تخبره إلا
واحدة) غاية في كون الورع الاجتناب (قوله: نعم إن صدقها يلزم الاخذ بقولها) أي يلزمه أن يعمل بقولها، فالأخذ فاعل
يلزم. ويصح جعل يلزم مبنيا للمجهول من ألزم الرباعي، وهو يطلب مفعولين: الأول الضمير المستتر، والثاني الاخذ.
والمعنى ألزمه الشارع العمل بقولها: أي فيحرم عليه النكاح (قوله: ولا يثبت الاقرار بالرضاع إلا برجلين) والفرق بين
الرضاع نفسه، حيث يثبت بما مر، وبين الاقرار به، حيث لا يثبت إلا برجلين، أن الثاني مما يطلع عليه الرجال وهو لا
يثبت إلا برجلين، كما سيأتي في الشهادة، (قوله: أو مصاهرة) معطوف على بنسب: أي وشرط في الزوجة عدم محرمية
بسبب مظاهرة، وهي معنى يشبه القرابة يترتب على النكاح. وعبارة شرح الروض: وهي خلطة توجب تحريما. اه‍
(قوله: فتحرم زوجة أصل) أي وإن لم يدخل بها، وذلك لاطلاق قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا

334
ما قد سلف) * (1) يعني ما قد مضى في الجاهلية قبل علمكم بتحريمه، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الام:
فلا مؤاخذة عليكم به، فإنه كان في الجاهلية إذا مات الرجل عن زوجة خلفه عليها أكبر أولاده فيتزوجها. (قوله: من
أب الخ) بيان للأصل. (وقوله: أو جد لأب أو أم) أي جد من جهة الأب أو من جهة الام. (وقوله: وإن علا) أي الجد.
(وقوله: من نسب أو رضاع) تعميم في الأب والجد، أي لا فرق فيهما بين أن يكونا من جهة النسب أو من جهة الرضاع
(قوله: وفصل) أي وتحرم زوجة فصل، أي فرع وإن لم يدخل بها لاطلاق قوله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم) * (2) * والتقييد في الآية لاخراج حليلة المتبني، فلا يحرم على الشخص زوج من تبناه لأنه ليس بابن له، لا
لاخراج حليلة الابن من الرضاع فإنها تحرم بالاجماع (قوله: من ابن الخ) بيان للفصل. (وقوله: وإن سفل) أي ابن
الابن. (وقوله: منهما) أي من نسب أو رضاع (قوله: وأصل زوجة) بالرفع عطف على زوجة. وقوله
أي أمهاتها تفسير
لأصل الزوجة، وقوله بنسب أو رضاع، تعميم في الأمهات. وقوله وإن علت، أي الأمهات. والأولى وإن علون، بنون
النسوة، وقوله وإن لم يدخل بها: غاية في الحرمة، أي يحرم نكاح أصل الزوجة وإن لم يدخل بالزوجة (قوله: للآية) دليل
للحرمة في جميع ما مر من زوجة الأصل وما بعده، وإن كان صنيعه يفيد أنه دليل لها في الأخير فقط. والمراد لما تضمنته
الآية من حرمة نكاح من ذكر فإنها تضمنت حرمة نكاح زوجة الأصل بقوله في صدرها * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
النساء) * (1) وحرمة نكاح زوجة الفصل بقوله فيها * (وحلائل أبنائكم) * وحرمة نكاح أصل الزوجة بقوله فيها * (وأمهات
نسائكم) * (قوله: وحكمته الخ) بيان لحكمة تحريم أصل الزوجة مطلقا، دخل بها أم لا، والأولى تأخير هذا عن قوله وكذا
فصلها إن دخل بها والاتيان به فارقا بين الأمهات، حيث حرمن بنفس العقد، والبنات، حيث حرمن بالدخول. (وقوله:
ابتلاء الزوج بمكالمتها) أي أمهات الزوجة، والأولى مكالمتهن. وقوله والخلوة: معطوف على مكالمتها، أي وابتلاء
الزوج بالخلوة بالأمهات. (وقوله: لترتيب أمر الزوجة) اللام تعليلية متعلقة بقوله ابتلاء، أي ابتلاء الرجل بما ذكر من
المكالمة والخلوة لأجل ترتيب أمر الزوجة، أي أمر الدخول بها (قوله: فحرمت) أي أمهات الزوجة، والأولى فحرمن،
كما تقدم، وقوله كسابقتيها: هما زوجة الأصل وزوجة الفصل فإنهما تحرمان بنفس العقد (قوله: ليتمكن) أي الزوج،
واللام تعليلية متعلقة بحرمت. وقوله من ذلك: أي من المذكور من مكالمتهن والخلوة بهن لترتيب ما ذكر (قوله: واعلم
أنه يعتبر في زوجتي الأب والابن) أي يعتبر في تحريم زوجة الأب على الفصل وتحريم زوجة الابن على الأصل. وكان
الاخصر والأولى أن يقول بدل قوله واعلم الخ، ويشترط أن يكون العقد صحيحا. وقوله وفي أم الزوجة، أي وفي تحريم
أم الزوجة على الزوجة. وقوله عند عدم الدخول بهن: الظرف متعلق بيعتبر، والضمير يعود على الزوجات الثلاث.
وخرج به ما إذا دخل بهن فلا يعتبر ما ذكر لأنهن يحرمن بالدخول عليهن ولو كان العقد فاسدا لأنها من قبيل الموطوءة
بشبهة وهي حرام، كما سيأتي، وقوله أن يكون العقد صحيحا، نائب فاعل يعتبر. وخرج به ما لو كان العقد فاسدا فلا
يحرمن، لكن عند عدم الدخول بهن، وإلا حرمن به، كما علمت، وهذا الشرط لا يأتي في بيت الزوجة، كما سيذكره،
فإنها تحرم بالدخول: سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا.
(والحاصل) أن من حرم بالعقد لا بد في تحريمه من صحة العقد إلا إن حصل دخول بالفعل فيحصل التحريم
بالوطئ لا بالعقد، ومن حرم بالدخول كالربيبة فلا يعتبر فيه صحة العقد (قوله: وكذا فصلها الخ) إنما فصله بكذا ولم



(1) سورة النساء، الآية: 22.
(2) سورة النساء، الآية: 23.
335
يعطفه على ما قبله لئلا يتوهم أن التقييد بقوله إن دخل بها راجع لهما مع أنه إنما هو راجع للثاني فقط: أي كما يحرم أصل
الزوج يحرم أيضا فصل الزوجة، أي فرعها، وذلك لقوله تعالى: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * (1) وذكر الحجور في الآية جرى على الغالب، فإن من تزوج
امرأة تكون بنتها في حجره غالبا (قوله: بنسب أو رضاع) تعميم أو في فصل الزوجة: أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء
كان بنسب أو رضاع. وقوله ولو بواسطة: تعميم ثان فيه أيضا أي يحرم فصل الزوجة مطلقا سواء كان بينه وبينها واسطة
كبنت ابنتها أم لا. (وقوله: سواء بنت ابنها) أي الزوجة وبنت ابنتها، وهذا تعميم ثالث أيضا: أي يحرم فصل الزوجة
مطلقا سواء كانت بنت ابنها أو كان بنت ابنتها.
(والحاصل) تحرم الربيبة وهي بنت الزوجة وبناتها وبنت الربيب وهو ابن الزوجة وبناتها. وقوله وإن سفلت،
الأولى وإن سفلتا، أي بنت ابنها وبنت ابنتها، وهذه الغاية يغني عنها قوله ولو بواسطة (قوله: إن دخل بها) قيد في تحريم
فصل الزوجة (قوله: بأن وطئها) تصوير للدخول والمراد وطئها في حياتها، ومثل الوطئ استدخال منيه المحترم في حال
نزوله وادخاله: إذ هو كالوطئ في أكثر أحكامه في هذا الباب، كذا في التحفة، (وقوله: ولو في الدبر) غاية في الوطئ، أي
ولو كان الوطئ في دبرها (قوله: وإن كان العقد فاسدا) غاية في التحريم بالدخول: أي يحرم فصل الزوجة على زوجها
ولو كان العقد فاسدا بأن فقد شرطا من شروطه المارة (قوله: وإن لم يطأها) أي الزوجة، وهو مقابل قوله بأن وطئها
المجعول تصويرا للدخول. والمناسب في المقابلة أن يقول وإن لم يدخل بها. وقوله لم تحرم بنتها: أي الزوجة
. قال في
شرح المنهج: إلا أن تكون منفية بلعانه. اه‍. قال البجيرمي: وصورتها أن يعقد على امرأة ثم يختلي بها من غير وطئ ولا
استدخال ماء ثم تلد بنتا يمكن كونها منه فينفيها باللعان، إذ هو واجب حينئذ لعلمه أنها ليست منه فهي تحرم عليه وإن
كانت بنت زوجته التي لم يدخل بها. اه‍. بزيادة (قوله: بخلاف أمها) أي فإنها تحرم، ولو لم يطأها، لكن بشرط صحة
العقد عند عدم الدخول، كما تقدم (قوله: ولا تحرم بنت زوج الام) أي على ابن الزوجة، وهذا يعلم من قوله وكذا
فصلها، أي الزوجة. ومثلها أم الزوج فلا تحرم على ابن زوجته. (قوله: ولا أم زوجة الأب) أي ولا تحرم أم زوجة أبيه
عليه وهذا يعلم من قوله تحرم زوجة أصل، ومثلها بنت زوجة أبيه فلا تحرم عليه. (وقوله: والابن معطوف على الأب) أي
ولا يحرم أم زوجة ابنه، ومثلها بنت زوجة ابنه. وهذا يعلم من قوله وزوجة فصل.
(والحاصل) لا تحرم بنت زوج الام ولا أمه ولا بنت زوج البنت ولا أمه ولا أم زوجة الأب ولابنتها ولا أم زوجة الابن
ولابنتها ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب وهو زوج الام لأنه يربيه غالبا (قوله: ومن وطئ امرأة) أي ولو في الدبر أو القبل
ولم تزل البكارة. ومثل الوطئ استدخالها ماء السيد المحترم حال خروجه أو ماء الأجنبي بشبهة. ويشترط في الواطئ أن
يكون حيا، وأن يكون واضحا، وخرج بالأول الميت فلا تحريم باستدخالها ذكره، وبالثاني الخنثى فلا أثر لوطئه لاحتمال
زيادة ما أولج به وخرج بقوله وطئ ما إذا باشرها بغير وطئ فلا تحرم (قوله: بملك) الباء سببية متعلقة بوطئ (قوله: أو
شبهة منه) أي أو بسبب شبهة حاصلة من الواطئ، سواء وجد منها شبهة أيضا أم لا. واحترز بقوله بملك أو شبهة منه عما
إذا كان وطئها بزنا فلا تحرم عليه أمهاتها وبناتها، ولا تحرم هي على آبائه وأبنائه لان ذلك لا يثبت نسبا ولا عدة (قوله: كأن
وطئ الخ) تمثيل لوطئ الشبهة. وقوله بفاسد نكاح الإضافة من إضافة الصفة للموصوف: أي نكاح فاسد بسبب اختلال
شرط من شروط الصحة. وفي البجيرمي ما نصه: هل من فاسد النكاح العقد على خامسة أو لا لان هذا معلوم لا يكاد أحد
يجهله فلا يعهد شبهة حرر ح ل؟ الظاهر الثاني. اه‍. وقوله أو شراء، معطوف على نكاح، أي أو بفاسد
شراء (قوله: أو



(1) سورة النساء، الآية: 23.
336
بظن زوجة) معطوف على بفاسد نكاح: أي أو وطئها على ظن أنها زوجته: أي أو أمته أي أو وطئ الأمة المشتركة بينه
وبين غيره أو أمة فرعه، وكذا لو وطئ بجهة قال بها عالم يعتد، بخلافه كأن يكون النكاح واقعا بلا ولي فإن الوطئ به فيه
شبهة أبي حنيفة رضي الله عنه لقوله بصحته بلا ولي.
(واعلم) أن الشبهة تنقسم ثلاثة أقسام القسم الأول شبهة الفاعل، وهي كمن وطئ على ظن الزوجية أو الملكية.
والقسم الثاني: شبهة المحل وهي كمن وطئ الأمة المشتركة. والقسم الثالث: شبهة الطريق وهي التي يقول بها عالم
يعتد بخلافه. والأول لا يتصف بحل ولا حرمة لان فاعله غافل وهو غير مكلف. والثاني حرام. والثالث إن قلد القائل
بالحل لا حرمة وإلا حرم (قوله: حرم الخ) جواب من قوله عليه: أي على من وطئ. وقوله أمهاتها وبناتها، الضمير فيهما
يعود على المرأة الموطوءة بملك أو شبهة منه (قوله: وحرمت) أي المرأة المذكورة. (وقوله: على آبائه وأبنائها) أي من
وطئ. ثم إنه مع الحرمة تثبت المحرمية في صورة المملوكة ولا تثبت في صورة وطئ الشبهة، ويشير إليه صنيع الشارح
في التعليل الآتي قريبا بقوله لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح. وبقوله وبشبهة يثبت النسب والعدة، فإنه
جعل الوطئ بملك اليمين منزلا منزلة عقد النكاح ولم يجعل الوطئ بشبهة كذلك. ومن جملة آثار عقد النكاح ثبوت
المحرمية لام الزوجة وبنتها فأنتج أن المحرمية تثبت في الأول دون الثاني، وأيضا شبب التحريم في الأول، وهو الوطئ،
مباح، بخلاف وطئ الشبهة. وقد عرفوا المحرم بأنها من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها (قوله: لان الوطئ
بملك اليمين الخ) علة التحريم بالنظر للموطوءة بالملك. وقوله نازل بمنزلة عقد النكاح: أي بمنزلة الوطئ بعقد النكاح،
فاندفع ما يقال إن التشبيه بالعقد يقتضي حل بنتها لان البنت تحل بالعقد على الام، وإنما تحرم بالوطئ، كما تقدم (قوله:
وبشبهة) معطوف على بملك اليمين، أي ولان الوطئ بشبهة يثبت النسب والعدة، وهذا علة التحريم بالنظر للموطوءة
بشبهة. وإنما حرمت به لأنه يقتضي ثبوت النسب والعدة، وإذا اقتضى ذلك اقتضى التحريم كالزوجية.
(واعلم) أن شبهته وحده توجب ما عدا المهر من نسب وعدة، إذ لا مهر لزانية وشبهتها وحدها توجب المهر فقط
دون النسب والعدة وشبهتهما توجب الجميع، ولا يثبت بها محرمية مطلقا، أي لا للواطئ ولا لأبيه وابنه، فلا يحل نحو
نظر ولا مس ولا خلوة (قوله: لاحتمال حملها منه) هذا علة لثبوت العدة بوطئ الشبهة لا للنسب، لأنه إنما يثبت النسب
بالجمل للفعل مع وضعه. وعبارة الارشاد مع فتح الجواد، وفي وجوب عدة عليها للوطئ لاحتمال حملها منه. اه‍. وهي
ظاهرة، ولو حذف الشارح العلة المذكورة، كشارح المنهج، لكان أولى لان صنيعه يوهم أنها علة لثبوت النسب والعدة
(قوله: سواء أوجد الخ) تعميم المحذوف مرتب على قوله يثبت النسب والعدة وهو فيثبت التحريم، وقد صرح به في
شرح المنهج وعبارته، وبشبهة يثبت النسب والعدة فيثبت التحريم سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا. اه‍. وكان الأولى
للشارح التصريح به أيضا، وأفاد بالتعميم المذكور أن العبرة في حرمة المصاهرة بشبهة الرجل لا المرأة. وصورة وجود
الشبهة منها أنها تظن الواطئ لها زوجها أو سيدها، وصورة عدمها أنها تعلم أنه ليس كذلك (قوله: لكن يحرم الخ)
الاستدراك من ثبوت التحريم الحاصل بسبب وطئ الشبهة دفع به ما يتوهم من أن ثبوت التحريم يقتضي حل النظر والمس
لمن ذكر، وحاصل الدفع أنه مع التحريم المذكور يحرم النظر والمس، وذلك لما علمت أن وطئ الشبهة إنما يثبت
التحريم فقط، ولا يثبت المحرمية المقتضية لحل النظر والمس (قوله: فرع لو اختلطت محرمة) هي بضم الميم وتشديد
الراء: أي امرأة محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو بلعان أو توثن، ويوجد في بعض النسخ محرمه، بفتح الميم

337
وإسكان الحاء مع الإضافة إلى الضمير، والأول أولى منه (قوله: بأن يعسر الخ) بيان لضابط غير المحصور، وهو لإمام الحرمين
، وفي الاحياء: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر كالألف، فغير محصور.
وإن سهل عده، كعشرين، فمحصور، وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن. وما وقع فيه الشك استفت فيه
القلب. اه‍. شرح الروض بتصرف. والمراد عسر ذلك في بادئ النظر والفكر، بمعنى أن الفكر يحكم بعسر العد.
وعبارة م ر، ثم ما عسر عده بمجرد النظر غير محصور، وما سهل، كمائة، محصور، وما بينهما أوساط تلحق بأحدهما
بالظن، وما شك فيه يستفتى فيه القلب. قال الغزالي: والذي رجحه الاذعري التحريم عند الشك لان من الشروط العلم
بحلها. واعترض بما لو زوج أمة موروثة ظنا حياته فبان ميتا أو تزوجت زوجة المفقود فبان ميتا فإنه يصح. وأجيب بأن
العلم بحل المرأة شرط لجواز الاقدام، لا للصحة، اه‍. وقوله على الآحاد: أي على كل واحد على حدته. وعبارة
الروض، وغير المحصور ما يعسر عده على واحد. اه‍. وخرج بهذا ما لو لم يعسر عده على جماعة مجتمعين فإنه لا عبرة
به (قوله: كألف امرأة) سيأتي عن البجيرمي قريبا أن التسعمائة والثمانمائة إلى الستمائة غير محصور (قوله: نكح من شاء
منهن) أي رخصة له من الله تعالى: وحكمة ذلك أنه لو لم يبح له ذلك ربما انسد عليه باب النكاح، فإنه وإن سافر لبلد لا
يأمن أن تسافر هي إليه (قوله: إلى أن تبقى واحدة) أي فلا ينكحها. وقوله على الأرجح: أي قياسا على ترجيحهم في
الأواني أنه يتطهر إلى أن يبقى واحدة. وقال الروياني: ينكح إلى أن يبقى عدد محصور، ويفرق بين الأواني وبين ما هنا
بأن النكاح يحتاط له أكثر. قال في التحفة: وينكح إلى أن يبقى محصور على ما رجحه الروياني، وعليه فلا يخالفه
ترجيحهم في الأواني أنه يأخذ إلى بقاء واحدة، لان النكاح يحتاط له أكثر من غيره. وأما الفرق بأن ذاك يكفي فيه الظن
فيباح المظنون مع القدرة على المتيقن، بخلافه هنا فغير صحيح: لما تقرر من حل المشكوك فيها مع وجود اللواتي تحل
يقينا، ثم قال: لكن زوال يقين اختلاط المحرم بالنكاح منهن يضعف التقييد بقوله إلى أن يبقى محصور ويقوي القياس
على الأواني وعدم النظر للاحتياط المذكور اه‍. بنوع تصرف (قوله: وإن قدر الخ) غاية لحل نكاحه من شاء إلى أن تبقى
واحدة: أي يحل له ذلك وإن كان قادرا على نكاح امرأة متيقنة الحل بأن تكون من غير النسوة التي اختلطت محرمة بهن.
قال في التحفة بعد الغاية المذكورة: خلافا للسبكي. فأفاد أنها للرد عليه (قوله: أو بمحصورات) معطوف على النسوة:
أي أو اختلطت محرمة بنسوة محصورات (قوله: كعشرين بل مائة) عبارة البجيرمي: قوله كعشرين - أي
ومائة ومائتين،
وغير المحصور كألف وتسعمائة وثمانمائة وسبعمائة وستمائة، وما بين الستمائة والمائتين يستفتى فيه القلب: أي الفكر،
فإن حكم بأنه يعسر عده كان غير محصور، وإلا كان محصورا. اه‍. شيخنا. وفي الزيادي: أن غير المحصور خمسمائة
فما فوق، وأن المحصور مائتان فما دون، وأما الثلثمائة والأربعمائة فيستفتي فيه القلب. قال: والقلب إلى التحريم
أميل. اه‍. (قوله: نعم إن قطع بتميزها) أي المحرمة المختلطة بمحصورات. وهو استدراك على قوله لم ينكح منهن
شيئا. وقوله لم يحرم غيرها: أي غير المتميزة بالسواد. وذلك الغير هو من لا سواد فيه. وقوله كما استظهر شيخنا أي في
فتح الجواد، وعبارته، نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها. اه‍. وتأمل هذا
الاستدراك فإنه إذا قطع بتمييز محرمة بصفة، فلا التباس حينئذ. وخرج عن موضع المسألة الذي هو اختلاط محرمة بغير
محرمة، إذ الذي يظهر أن المراد بالاختلاط الالتباس وعدم التمييز، ويدل لما ذكرته عبارة الجمل على شرح المنهج
ونصها: قوله ولو اختلطت محرمة الخ، فيه إشارة إلى أنه ليس ثم علامة يحتمل بها تمييز. اه‍ (قوله: تنبيه) أي في بيان
نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يشترط أيضا) أي كما يشترط ما تقدم

338
من خلو الزوجة من نكاح وعدة ومن التعيين وعدم وجود محرمية (قوله: في المنكوحة) أي التي يريد أن ينكحها ويزوج
عليها والمراد في حل نكاحها. ومثل المنكوحة الأمة التي يريد التسري بها (قوله: كونها مسلمة) أي لقوله تعالى: * (ولا
تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) وقوله أو كتابية: أي لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم) * (2) أي حل لكم. ويشترط فيها أن تكون يهودية أو نصرانية. والأولى هي المتمسكة بالتوراة، والثانية هي
المتمسكة بالإنجيل. وأما إذا لم تكن كذلك كالمتمسكة بزبور داود ونحوه، كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليه الصلاة
والسلام - فلا تحل لمسلم. قيل: لان ذلك لم ينزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحي إليهم معانيه. وقيل لان حكم
ومواعظ، لا أحكام وشرائح (قوله: خالصة) صفة لكتابية. وخرج بها المتولدة من كتابي ونحو وثنية فتحرم، كعكسه،
تغليبا للتحريم (قوله: ذمية كانت أو حربية) تعميم في الكتابية: أي لا فرق فيها بين أن تكون ذمية، وهي التي عقد لها
الامام ذمة على أن عليها كل سنة دينارا، أو حربية، وهي التي حاربتنا ونابذتنا، (قوله: فيحل الخ) الأولى والاخصر في
التعبير أن يقول وشرط فيها إذا كانت إسرائيلية الخ، وذلك لان عبارته توهم أن الإسرائيلية غير الكتابية المتقدمة. وعبارة
المنهج وشرحه: وشرطه، أي حل نكاح الكتابية الخالصة في إسرائيلية الخ. اه‍. وهي ظاهرة (قوله: مع الكراهة) أي
لأنه يخاف من الميل إليها الفتنة في الدين، والحربية أشد كراهة لأنها ليست تحت قهرنا، وللخوف من إرقاق الولد حيث
لم يعلم أنه ولد مسلم. ومحل الكراهة إن لم يرج إسلامها ووجد مسلمة تصلح ولم يخش العنت، وإلا فلا كراهة، بل
يسن (قوله: نكاح الإسرائيلية) نسبة إلى إسرائيل: وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام (قوله:
بشرط أن لا يعلم دخول الخ) أي بأن علم دخوله فيه قبل البعثة أو شك فيه، فإن علم دخوله فيه بعدها لا يصح نكاحها
لسقوط فضيلة ذلك الدين بالشريعة الناسخة له فلم يدخل فيه وهو حق (قوله: أول آبائها) عبارة م ر: والمراد بأول آبائها
أول جد يمكن انتسابها إليه، ولا نظر لمن بعده. وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الام. اه‍. وقوله ولا نظر لمن
بعده: أي الذي هو أنزل منه، فلا يضر دخوله فيه بعد البعثة الناسخة (قوله: في ذلك الدين) أي الذي هي متلبسة به، وهو
دين اليهودية أو النصرانية (قوله: بعد بعثة عيسى) ليس بقيد. فالمراد بعد بعثة تنسخه كبعثة موسى فإنها ناسخة لما قبلها،
وبعثة عيسى فإنها ناسخة لبعثة موسى، وكبعثة نبينا فإنها ناسخة لبعثة عيسى. فالشرائع الناسخة ثلاث، فلا عبرة بالتمسك
بغيرها، ولو فيما بينها، فلا تحل المنسوبة إلى هذا الغير. وبين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وعشرون
سنة. وبين مولى عيسى وهجرة نبينا (ص) ستمائة وثلاثون سنة. ذكره السيوطي في التحبير في علم التفسير. كذا في ش ق
(قوله: وإن علم دخوله الخ) غاية في حل نكاح الإسرائيلية التي لم يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل
بعثة
تنسخه، أي يحل نكاحها وإن علم دخول أول آبائها بعد التحريف. قال البجيرمي: أي وإن لم يجتنبوا المحرف. اه‍.
(قوله: ونكاح غيرها) معطوف على نكاح الإسرائيلية: أي ويحل نكاح الكتابية غير الإسرائيلية (قوله: بشرط أن يعلم)
أي بالتواتر أو بشهادة عدلين أسلما لا بقول المتعاقدين على المعتمد. ز ي. وقوله دخول أول آبائها فيه: أي في ذلك
الدين، وقوله قبلها: أي قبل بعثة تنسخه، واحترز به عما إذا علم دخوله فيه بعدها أو شك فيه فإنه لا يصح نكاحها. وقوله
إن تجنبوا المحرف: فلو علم دخوله فيه قبلها وبعد التحريف ولم يتجنبوا المحرف لا يصح أيضا نكاحها.
(واعلم) أنه إذا نكح الكتابية مطلقا، إسرائيلية كانت أو لا، بالشروط السابقة تكون كالمسلمة، في نحو نفقة وكسوة
وقسم وطلاق، بجامع الزوجية المقتضية لذلك. وله إجبارها، كالمسلمة، على غسل من حدث أكبر، كجنابة وحيض،
ويغتفر منها عدم النية للضرورة. وعلى تنظيف وعلى ترك تناول خبيث، كخنزير، وبصل، ومسكر، لتوقف التمتع أو



(1) سورة البقرة، الآية: 221.
(2) سورة المائدة، الآية: 5.
339
كماله على ذلك (قوله: ولو أسلم) شروع في حكم الكافر إذا أسلم وتحته كافرة. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مخصوصة.
وقوله كتابي: أي ولو كان إسلامه تبعا لاحد أبويه (قوله: وتحته كتابية) حرة كانت أو أمة إذا كان هو ممن يحل له الأمة
(قوله: دام نكاحه) أي بالاجماع لأنها تحل له ابتداء. وقوله وإن كان: أي إسلامه قبل الدخول بها. وهو غاية لدوام النكاح
(قوله: أو وثني) أي أو لو أسلم وثني: أي عابد وثن، أي صنم، قيل: الوثن هو غير المصور. والصنم هو المصور (قوله:
وتحته وثنية) أي والحال أن تحت هذا الوثني الذي أسلم وثنية. وقوله فتخلفت: أي لم تسلم معه. وقوله قبل الدخول:
متعلق بأسلم المقدر قبل قوله وثني: أي أسلم قبل الدخول بها، أي الوطئ ولو في الدبر، ومثله استدخال المني. وقوله
تنجزت الفرقة: أي وقعت حالا وهي فرقة فسخ لا فرقة طلاق. وهذا جواب لو المقدرة بعد أو وقبل أسلم المقدر (قوله: أو
بعده) أي أو لو أسلم بعد الدخول. وقوله وأسلمت في العدة: أي قبل انقضائها (قوله: دام نكاحه) جواب لو المقدرة في
قوله أو بعده، كما علمت من الحل (قوله: وإلا) أي وإن لم تسلم في العدة بأن لم تسلم أصلا، أو أسلمت
بعدها. قال
ح ل: وكذا لو أسلمت مع انقضاء العدة تغليبا للمانع. اه‍. وقوله فالفرقة من إسلامه، أي فالفرقة تتبين من حين إسلامه
(قوله: ولو أسلمت) الضمير يعود على زوجة الكافر مطلقا، كتابية كانت أو وثنية، وهو أولى من عوده إلى الوثنية فقط.
وإن كانت أقرب مذكور لأنه يبقى عليه الكتابية. وقوله وأصر أي دام زوجها الكافر، كتابيا كان أو وثنيا، على الكفر (قوله:
فإن دخل بها) أي قبل إسلامها، وقوله: وأسلم: أي الزوج (قوله: وإلا) أي وإن لم يسلم في العدة، وسكت عن مفهوم
دخل بها. ولا يقال إن قوله وإلا راجع إليه أيضا لأنه يصير المعنى عليه وإن لم يدخل بها ولم يسلم في العدة تبينت الفرقة
من حين إسلامها، وذلك لا يصح، لأنه إذا لم يدخل بها لا عدة حتى أنه يصح أن يقول بعده ولم يسلم في العدة. وكان
المناسب أن يجعله على نمط ما قبله بأن يقول: فإن كان أي إسلامها قبل الدخول تنجزت الفرقة، أو بعده وأسلم في العدة
دام نكاحه، وإلا فالفرقة من حين إسلامها. فتنبه.
(واعلم) أنه لم يبين حكم ما إذا أسلما معا. وحاصله أنهما إذا أسلما معا، سواء كان قبل الدخول بها أو بعده، دام
النكاح بينهما إجماعا، كما حكاه ابن المنذر وغيره، ولما رواه الترمذي وصححه أن رجلا جاء مسلما، ثم جاءت امرأته
مسلمة، فقال يا رسول الله: كانت أسلمت معي. فردها عليه وإن شك في المعية، فإن كان بعد الدخول وجمعهما
الاسلام في العدة دام النكاح بينهما، أو كان قبله، فإن تصادقا على معية أو على تعاقب عمل به فيدوم النكاح بينهما في
الأول وتنجز الفرقة في الثاني (قوله: وحيث أدمنا الخ) يعني حيث أدمنا النكاح بينهما: أي بأن وجدت القيود السابقة.
(وقوله: فلا يضر مقارنة مفسد) أي لعقد النكاح، أي لما يعتقدون به وجود النكاح ولو فعلا: كوطئ. وإنما لم يضر ذلك
تخفيفا عليهم لأجل الاسلام وذلك المفسد كالنكاح في العدة (قوله: هو زائل عند الاسلام) شرط في المفسد الذي لا
يضر مقارنته للنكاح، أي يشترط فيه أن يزول عند الاسلام. ويشترط أن لا يعتقدوا فساده بسبب الاسلام، وأن تكون تلك
الزوجة بحيث تحل له الآن لو ابتدأ نكاحها، فإن لم يزل المفسد عند الاسلام أو زال عنده واعتقدوا فساده أو لم
تحل له
الآن ضر ذلك. فلو نكح حرة وأمة ثم أسلم الزوج وأسلما معه ضر ذلك، إذ لا يحل له نكاح الأمة لو أراد ابتداء النكاح لها
ولبقاء المفسد عنده (قوله: فتقر على نكاح في عدة) أي للغير، ولو بوطئ شبهة، وتقر أيضا على نكاح بلا ولي ولا شهود
بحيث يحل نكاحها الآن. قال في النهاية: والضابط في الحل أن تكون الآن بحيث يحل ابتداء نكاحها مع تقدم ما تسمى
به زوجة عندهم. اه‍. وقوله هي منقضية عند الاسلام، فلو لم تكن منقضية عنده لا تقر عليه لبقاء المفسد عند الاسلام
(قوله: وعلى غصب الخ) معطوف على قوله على نكاح: أي ويقر على غصب حربي لحربية إن اعتقدوا الغصب نكاحا

340
صحيحا إقامة للفعل مقام القول وإنما لم يضر ذلك هنا للضابط المار عن م ر. وخرج بقوله غصب حربي لحربية ما لو
غصب ذمي ذمية واتخذها زوجة فإنهم لا يقرون وإن اعتقدوه نكاحا، لان على الامام دفع بعضهم عن بعض. كذا في
المغني (قوله: وكالغصب المطاوعة) أي فيقر على مطاوعة حربية لحربي في النكاح (قوله: ونكاح الكفار صحيح) أي
محكوم بصحته رخصة، ولقوله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * (1) وقوله: * (وقالت امرأة فرعون) * (2) فلو ترافعوا إلينا لا
نبطله. وفي النهاية: والأوجه أنه ليس لنا البحث عن اشتمال أنكحتهم على مفسد أو لا، لان الأصل في أنكحتهم الصحة
كأنكحتنا. قال الرشيدي: أي ليس لنا البحث بعد الترافع إلينا والمراد أن لا يبحث على اشتماله على مفسد، ثم ينظر هل
هذا المفسد باق فننقض العقد أو زائل فنبقيه؟ فما مر، من إنا ننقض عقدهم المشتمل على مفسد غير زائل، محله إذا ظهر
لنا ذلك من غير بحث وإلا فالبحث علينا ممتنع. اه‍. (قوله: ولا يصح نكاح الجنية الخ) قد تقدم الكلام على ذلك. فلا
تغفل (قوله: كعكسه) أي نكاح الجني لانسية (قوله: وشرط في الزوج الخ) شروع في بيان شروط الزوج الذي هو أحد
الأركان (قوله: تعيين) أي بما مر من كونه بالوصف أو الإشارة (قوله: فزوجت بنتي أحدكما باطل) قال في التحفة:
مطلقا، أي سواء كان نوى الولي معينا منهما أم لا، قال ع ش: وعليه فلعل الفرق بين هذا وبين زوجتك إحدى بناتي ونويا
معينة حيث صح، ثم لا هنا: أنه يعتبر من الزوج القبول، فلا بد من تعيينه ليقع الاشهاد على قبوله الموافق للايجاب،
والمرأة ليس العقد والخطاب معها والشهادة تقع على ما ذكره الولي فاغتفر فيها ما لا يغتفر في الزوج. اه‍. (قوله: ولو
مع الإشارة) أي للمخاطبين: بأن قال زوجت أحد هذين الرجلين، لا للأحد الذي يريد التزويج، بأن قال زوجت هذا
منهما لأنه حينئذ معين، فهو يأتي فيه ما سبق في قوله ولو مع الإشارة بعد قوله فزوجتك إحدى بناتي باطل، وهو ساقط من
عبارة التحفة والنهاية وشرح المنهج، وهو الأولى (قوله: وعدم محرمة) هي تقرأ بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء
المخففة. وهذا شروع فيما حرمته، لا على التأبيد، بل من جهة الجمع في العصبة، وهو جمع بين الأختين والمرأة
وعمتها أو خالتها ولو بواسطة، وذلك لقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * (3) وقوله (ص): لا تنكح المرأة على
عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، لا الكبرى على الصغرى، ولا
الصغرى على الكبرى رواه أبو داود وغيره. والمعنى في ذلك ما فيه من قطيعة الرحم بسبب ما يحصل بينهما من
المخاصمة المؤدية إلى البغضاء غالبا، وهذا في الدنيا. وأما في الآخرة فلا حرمة فيه لانتفاء علة التحريم، إذ لا تباغض
فيها ولا حقد ولا غل. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (4) (قوله: للمخطوبة) متعلق بمحذوف صفة
لمحرمة: أي محرمة كائنة للمخطوبة: أي وشرط عدم وجود امرأة محرمة تحته لمن يريد أن يخطبها (قوله: بنسب أو
رضاع) تعميم في المحرمة، ولو قدمه على قوله للمخطوبة لكان أولى وخرج بهما المصاهرة فلا تقتضي حرمة الجمع،
فيجوز الجمع بين امرأة وأم زوجها أو بنت زوجها، وإن حرم تناكحهما لو فرضت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى (قوله:
تحته) متعلق بمحذوف صفة ثانية لمحرمة، وكان الأولى تقديمه على قوله للمخطوبة. والمراد تحته حقيقة وهي غير
المطلقة رأسا وحكما، وهي المطلقة طلاقا رجعيا بدليل الغاية بعده (قوله: ولو في العدة) غاية لاشتراط عدم وجود
محرمة تحته للمخطوبة: أي يشترط ذلك ولو كانت المحرمة في العدة. وقوله الرجعية: صفة للعدة، أي العدة
التي تجوز
الرجعة فيها بأن كانت مطلقة طلاقا رجعيا (قوله: لان الرجعية الخ) علة لمقدر مرتبط بالغاية، أي وإنما اشترط أن لا يكون



(1) سورة المسد، الآية: 4.
(2) سورة القصص، الآية: 9.
(3) سورة النساء، الآية: 23.
(4) سورة الأعراف، الآية: 43.
341
تحته محرمة للمخطوبة كائنة في عدة رجعية مع أنها مطلقة لأنها رجعية، وهي كالزوجة، بدليل صحة التوارث بينهما لو
مات أحدهما في هذه العدة (قوله: فإن نكح محرمين في عقد) أي فإن جمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين وقعا معا،
بأن قال الولي له زوجتك بناتي فقبل نكاحهما معا، أو جهل السبق والمعينة، أو علم السبق لكن جهلت السابقة فيبطل
نكاحهما معا في الجمع، (وقوله: أو في عقدين الخ) أي أو نكح محرمين في عقدين بطل الثاني. وهذا إذا كانا مرتبين
وعرفت السابقة، وإلا بطلا معا، كما علمت (قوله: وضابط من يحرم الجمع بينهما كل الخ) إعراب هذا التركيب ضابط
مبتدأ أول، ولفظ كل مبتدأ ثاني. (وقوله: يحرم تنكاحهما) خبر الثاني وهو وخبره خبر الأول. (وقوله: إن فرضت الخ)
مرتبط بقوله يحرم تنكاحهما: أي يحرم تنكاحهما لو فرضت إحداهما ذكرا، وذلك كما في الأختين فإنه لو فرضت
إحداهما ذكرا مع كون الأخرى أنثى حرم تناكحهما، لان الشخص يحرم عليه نكاح أخته، وكما في المرأة وعمتها فإنه لو
فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح عمته، ولو فرضت العمة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخيه، وكما في المرأة وخالتها فإنه
لو فرضت المرأة ذكرا حرم عليه نكاح خالته، ولو فرضت الخالة ذكرا حرم عليه نكاح بنت أخته.
(واعلم) أن من حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما أيضا في الوطئ بملك اليمين، فلو تملك أختين ووطئ واحدة
منهما حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى بطريق من الطرق التي تزيل الملك أو الاستحقاق كبيعها أو تزويجها، وكذلك
يحرم الجمع بينهما لو كانت إحداهما زوجة والأخرى مملوكة، لكن المعقود عليها أقوى من المملوكة. فلو عقد على
امرأة ثم ملك أختها أو ملك أولا ثم عقد على أختها حلت الزوجة دون المملوكة لان فراش النكاح أقوى من فراش
الملك، إذ يتعلق به الطلاق والظهار والايلاء وغيرها. فلو فارق الزوجة حلت المملوكة. وخرج بفراش النكاح وفراش
الملك نفس النكاح والملك فإن الملك أقوى من النكاح لأنه يملك به الرقبة والمنفعة، بخلاف النكاح فإنه لا يملك به إلا
ضرب من المنفعة، ولذلك إذا طرأ الملك على النكاح أبطله، فإذا كان متزوجا أمة ثم ملكها بطل نكاحها ولا
يدخل
النكاح على الملك، فإذا ملك أمة لا يصح نكاحه لها إلا إن أعتقها ثم ينكحها (قوله: ويشترط أيضا) أي كما يشترط
التعيين وعدم المحرمة، وقوله أن لا تكون تحته أربع من الزوجات، إنما اشترط ذلك لان غاية ما يباح للحر نكاح أربع
للخبر الصحيح أنه (ص) قال لمن أسلم على أكثر من أربع أمسك أربعا وفارق سائرهن وكأن حكمة هذا العدد موافقته
لاختلاط البدن الأربعة المستولدة عنها أنواع الشهوة المستوفاة غالبا بهن. قال ابن عبد السلام: كانت شريعة موسى
تحلل النساء من غير حصر لمصلحة الرجال، وشريعة عيسى (ص) تمنع غير الواحدة لمصلحة النساء، فراعت شريعة
نبينا (ص) مصلحة النوعين (ولو كان بعضهن في العدة الرجعية) غاية في اشتراط ما ذكر (قوله: فلو نكح الحر الخ) مفرع
على مفهوم الشرط المذكور (قوله: بطل) أي النكاح في المرأة الخامسة لأنها هي الزائدة على العدد المباح (قوله: أو في
عقد) أي أو نكح الحر خمسا في عقد واحد بطل النكاح في الجميع، لأنه لا أولوية لإحداهن على الباقيات (قوله: أو زاد
العبد الخ) معطوف على قوله نكح الحر الخ، فيكون داخلا في حيز التفريع على اشتراط أن لا يكون تحته أربع من
الزوجات وهو لا يظهر، فلو قال أولا ويشترط أن لا يكون تحت الحر أربع من الزوجات وتحت العبد زوجتان سوى
المخطوبة ثم فرع عليهما ما ذكر لكان التفريع ظاهرا. فتنبه. (وقوله: بطل كذلك) أي في الثالثة إن كان مرتبا أو في
الجميع إن كن في عقد واحد، إذ العبد على نصف الحر فلا يجوز له أن ينكح ما عدا اثنتين (قوله: أما إذا كانت الخ)
محترز قوله في العدة الرجعية، ويصح أن يكون محترز قوله تحته (قوله: أو إحدى الخ) معطوف على اسم كانت: أي أو

342
كانت إحدى الخ. (وقوله: في العدة) متعلق بمحذوف خبر كان ويقدر مثنى، وقوله البائن: أي التي لا يجوز فيها
الرجعة، والوصف المذكور وصف المطلقة فوصف العدة به على ضرب من التجوز. وعبارة المنهج في عدة بائن،
بالإضافة، (قوله: فيصح الخ) جواب أما. وقوله والخامسة: بالجر عطف على محرمتها: أي ويصح نكاح الخامسة.
(قوله: وشرط في الشاهدين الخ) شروع في شروط الشاهدين اللذين هما أحد الأركان أيضا. (وقوله: أهلية
شهادة) في البجيرمي ما نصه: ولا يشترط معرفة الشهود للزوجة ولا أن المنكوحة بنت فلان، بل الواجب عليهم
الحضور، وتحمل الشهادة على صورة العقد حتى إذا دعوا لأداء الشهادة لم يحل لهم أن يشهدوا أن المنكوحة بنت فلان
بل يشهدون على جريان العقد، كما قاله القاضي حسين. كذا بخط شيخنا الزيادي. شوبري. وهو تابع لابن حجر.
وقال م ر: لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها، أو يشهدان على صوتها برؤية وجهها، بأن تكشف لهم النقاب. وقال
عميرة: واعلم أنه يشترط في انعقاد النكاح على المرأة المنتقبة أن يراها الشاهدان قبل العقد، فلو عقد عليها وهي منتقبة
ولم يعرفها الشاهدان لم يصح لان استماع الشاهد العقد كاستماع الحاكم الشهادة. قال الزركشي: محله إذا كانت
مجهولة النسب، وإلا فيصح. وهي مسألة نفيسة. والقضاة الآن لا يعلمون بها، فإنهم يزوجون المنتقبة الحاضرة من غير
معرفة الشهود لها اكتفاء بحضورها وإخبارها. وعبارة م ر في الشهادة. قال جمع: لا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها
الشاهدان اسما ونسبا وصورة. اه‍ (قوله: تأتي شروطها) أي أهلية الشهادة (قوله: وهي) أي الشروط الآتية (قوله: حرية
كاملة) خرج بها من به رق ولو مبعضا لنقصه (قوله: وذكورة محققة) خرج به الأنثى والخنثى، وفيه أن هذا الشرط لم يعده
في باب الشهادة من الشروط. وعبارته هناك: وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة. اه‍. ويمكن أن يقال إنه
يفهم من قوله هناك ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان فإن الرجل هو الذكر المحقق البالغ (قوله:
وعدالة) هي تتحقق باجتناب كل كبيرة وإصرار على صغيرة على غلبة طاعاته على معاصيه. ولم يذكر المروءة مع أنه
عدها في باب الشهادة ويمكن أن يقال إن العدالة تستلزمها بناء على أن العدالة في العرف ملكة تمنع من اقتراف الذنوب
الكبائر وصغائر الخسة، كسرقة لقمة والتنظيف بثمرة، أي نقصها من البائع وزياداتها من المشتري، والرذائل المباحة
كالمشي حافيا أو مكشوف الرأس وأكل غير سوقي في سوق (قوله: ومن لازمها الخ) أي ومن لازم العدالة الاسلام
والتكليف، أي فلا حاجة لعدهما (قوله: وسمع الخ) معطوف على حرية (قوله: لما يأتي) أي في الشهادات
، وفيه أنه لم
يذكر النطق وإن كان اشتراطه مسلما، وقد ذكره في التحفة وعبارة المؤلف هناك: وشرط الشهادة بقوله كعقد وفسخ وإقرار
هو: أي إبصار وسمع لقائله حال صدوره، فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع
اشتباه الأصوات، ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لان ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن
يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات. قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز
اعتماد صوته وإن لم يره، وكذا لم علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه
بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما. اه‍ (قوله: وفي الأعمى وجه) أي بصحة شهادته. قال في
النهاية: وفي الأصم أيضا وجه، وقوله لأنه: أي الأعمى، ومثله الأصم، وقوله أهل للشهادة في الجملة: أي في بعض
المحال كالشهادة في غير المرئي (قوله: والأصح لا) أي لا تصح شهادته لعدم رؤيته للموجب والقابل حال العقد
والاعتماد على الصوت لا نظر له. وقوله إن عرف الزوجين: أي من قبل عماه بأن كان عماه طارئا، والغاية لكون الأصح
عدم الصحة (قوله: ومثله الخ) أي ومثل الأعمى في عدم صحة الشهادة من بظلمة شديدة لا يرى فيها العاقدين. وفي

343
ع ش ما نصه: قوله ومثله من بظلمة شديدة تقدم في البيع أن البصير يصح بيعه للمعين وإن كان بظلمة شديدة حال العقد
بحيث لا يرى أحدهما الآخر. ولعل الفرق بين ما هنا وثم أن المقصود من شهود النكاح إثبات العقد بهما عند التنازع،
وهو منتف مع الظلمة. اه‍ (قوله: ومعرفة لسان المتعاقدين) معطوف على أهلية شهادة في المتن، لا على حرية، كما هو
ظاهر، أي وشرط معرفة الشاهدين لسان المتعاقدين الموجب والقابل فلا يكفي إخبار ثقة لهما بمعنى العقد. قال ع ش:
لكن بعد تمام الصيغة، أما قبلها بأن أخبره بمعناها ولم يطل الفصل فيصح. اه‍ (قوله: وعدم الخ) معطوف على أهلية
شهادة: أي وشرط عدم تعين الشاهدين أو أحدهما للولاية. ومثال تعينهما معا للولاية أخوان أذنت لهما معا أن يزوجاها
(قوله: فلا يصح النكاح الخ) شروع في أخذ محترزات الشروط المارة، فقوله بحضرة عبدين محترزا لحرية ولا فرق
فيهما بين أن يكونا مبعضين أو لا، وقوله أو امرأتين محترزا لذكورة ومثلهما الخنثيان كما علمت. نعم، إن بانا بعد
العقد أنهما ذكران صح، وقوله أو فاسقين محترزا لعدالة.
(واعلم) أنه يحرم على العالم بفسق نفسه تعرض للشهادة. وقوله أو أصمين محترزا لسمع، وقوله أو أخرسين
محترز النطق، وقوله أو أعميين، محترزا لبصر. وقوله أو من لم يفهم لسان المتعاقدين، محترز لمعرفة لسان
المتعاقدين. وقوله: ولا بحضرة متعين للولاية: محترز عدم تعيينهما أو أحدهما للولاية (قوله: فلو وكل الأب الخ) مفرع
على عدم صحته بحضرة ولي متعين للشهادة (قوله: أو الأخ المنفرد) قيد به لأنه لا يتعين للولاية إلا حينئذ، فلو لم ينفرد
كأن كان لها ثلاثة إخوة وعقد لها واحد منهم بإذنها له فقط وشهد الآخران، صح، كما سيصرح به قريبا فإن أذنت لكل
منهم تعين أن يكون الشاهدان من غيرهم، ففي مفهوم القيد المذكور تفصيل، وإذا كان كذلك فلا يعترض بأن مفهومه أنه
إذا لم ينفرد صح أن يكون شاهدا مطلقا مع أنه ليس كذلك (قوله: في النكاح) أي في عقد النكاح لموليتهما، وهو متعلق
بوكل (قوله: وحضر) أي من ذكر من الأب أو الأخ المنفرد، وقوله مع آخر، أي مع شخص آخر غيره (قوله: لم يصح) أي
النكاح، وهو جواب لو (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الأخ، وهو علة لعدم الصحة. وقوله فلا يكون شاهدا: أي فلا
يصح أن يكون شاهدا (قوله: ومن ثم لو شهد الخ) أي ومن أجل التعليل المذكور لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث
بغير وكالة من أحدهما بأن أذنت لهذا الثالث العاقد فقط صح النكاح لعدم كونهما وليين عاقدين لها حينئذ. وقوله وإلا بأن
عقد الثالث بوكالة من أحدهما بأن أذنت لهما وهما وكلا الثالث في عقد النكاح، ومثله ما لو أذنت للثلاثة في النكاح،
وقوله فلا: أي فلا يصح النكاح بحضور الأخوين المأذون لهما في النكاح شاهدين لأنهما العاقدان في الحقيقة، والوكيل
في النكاح إنما هو سفير محض (قوله: لا يشترط الاشهاد على إذن معتبرة الاذن) أي على إذن من يعتبر إذنها في صحة
النكاح، وهي غير المجبرة. نعم، يندب احتياطا ليؤمن إنكارها. لا يقال إن التقييد بمعتبرة الاذن يوهم اشتراط الاشهاد في
إذن غير معتبرة الاذن وهي المجبرة البالغة، لأنا نقول عدم اشتراط فيه مفهوم بالأولى، إذا إذنها غير شرط مستحب، وإذا
لم يكن شرطا فيما الاذن فيه شرط فلان لا يكون شرطا في غيره أولى. فالقيد لبيان الواقع، لا للاحتراز (قوله: لأنه) أي
إذنها ليس ركنا في العقد: أي ليس جزءا من أجزاء العقد والاشهاد، إنما هو شرط في العقد. وعبارة شرح المنهج، وإنما
لم يشترط لان رضاها ليس من نفس النكاح المعتبر فيه الاشهاد، وإنما هو شرط فيه ورضاها الكافي في العقد يحصل
بإذنها أو ببينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه. اه‍ (قوله: بل هو) أي الاذن. وقوله شرط فيه، أي في العقد

344
وقوله فلم يجب الاشهاد عليه: أي على الاذن لأنه خارج عن ماهية العقد لكونه شرطا (قوله: إن كان الولي غير حاكم
الخ) الأولى أن يأتي به في صورة التعميم بأن يقول: سواء كان الولي غير حاكم أو كان حاكما وقوله على الأوجه: مقابله
يقول إن الحاكم لا يزوج إلا إذا ثبت عنده الاذن ببينة، ومثلها الاقرار. وعبارة التحفة: نعم أفتى البلقيني كابن عبد السلام
بأنه لو كان المزوج هو الحاكم لم يباشره إلا إن ثبت إذنها عنده. وأفتى البغوي بأن الشرط أن يقع في قلبه صدق المخبر له
بأنها أذنت له، وكلام القفال والقاضي يؤيده وعليه يحمل ما في البحر عن الأصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي
لغيره ليزوج موليته. والذي يتجه هنا ما مر في عقده بمستورين أن الخلاف إنما هو في جواز مباشرته لا في الصحة، كما
هو ظاهر، لما مر أن مدارها على ما في نفس الامر. اه‍. وفي النهاية: وما أفتى به البلقيني، كابن عبد السلام، مبني على
أن تصرف الحاكم حكم، والصحيح خلافه. اه‍. (قوله: ونقل في البحر الخ) هذا مبني على غير مذكور، وهو إفتاء
البغوي بأن الشرط فيما إذا كان الولي الحاكم أن يقع في قلبه صدق المخبر له كما يعلم من عبارة التحفة المارة ومن قوله
بعد: أي إن وقع في قلبه صدق المخبر. أما لو جرينا على إفتاء البلقيني المذكور في عبارة التحفة المارة - وهو أنه لا بد
من ثبوت الاذن عند الحاكم، فقياسه هنا أنه لا يجوز اعتماد الصبي فيما ذكر (قوله: في قلبه) أي الغير المرسل إليه، وقوله
صدق المخبر، بكسر الباء، وهو الصبي (قوله: لو زوجها وليها) أي لو زوج المولية المعتبرة الاذن وليها
قبل بلوغ إذنها
إليه. وقوله صح: أي تزويجه لها. وقوله على الأوجه مقابله قول البغوي بعدم الصحة، ورده في التحفة بقوله: وأما قول
البغوي لو زوجها وليها وكانت قد أذنت ولم يبلغه الاذن لم يصح وإن جهل اشتراط إذنها لأنه تهور محض، فهو لا يوافق
قولهم العبرة في العقود حتى النكاح بما في نفس الامر. اه‍ (قوله: إن كان الاذن سابقا على حالة التزويج) شرط في
الصحة: أي يشترط فيها أن يتبين أنها قد أذنت له قبل التزويج فلو تبين أنها أذنت له بعد التزويج. ومثله ما إذا لم يتبين
شئ أصلا فلا يصح. (وقوله: لان العبرة الخ) علة الصحة. وفي سم: قال في تجريد المزجد: أراد أن يزوج ابنة عمه
وأخبره رجل أو رجلان أنها أذنت له فزوجها ثم قالا كذبنا في الاخبار، فإن قالت المرأة كنت أذنت صح النكاح، أو أنكرت
صدقت بيمينها وعلى الزوج البينة بإذنها، ولو أرسلت رسولا بالاذن إلى ابن عمها فلم يأته الرسول وأتاه من سمع من
الرسول وأخبره فزوجها صح النكاح، لان هذا إخبار لا شهادة. قاله في الأنوار. اه‍ (قوله: وصح النكاح) أي ظاهرا لا
باطنا، وقوله بمستوري عدالة: أي شاهدين مستورة عدالتهما، وذلك لان ظاهر المسلمين العدالة، ولان النكاح يجري
بين أوساط الناس وعوامهم، فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الامر وشق. قال في التحفة: ومن
ثم صحح في نكت التنبيه، كابن الصلاح، أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه
بمراجعة المزكين، وصحح المتولي وغيره أنه لا فرق، إذ ما طريقه المعاملة يستوي فيه الحاكم وغيره، ثم قال: والذي
يتجه أخذا من قوله لو طلب منه جماعة بأيديهم مال لا منازع لهم فيه قسمته بينهم لم يجبهم إلا إن أثبتوا عنده أنه ملكهم
لئلا يحتجوا بعد بقسمته على أنه ملكهم، أنه لا يتولى العقد إلا بحضرة من ثبتت عنده عدالتهما، وأن ذلك ليس شرطا
للصحة، بل لجواز الاقدام، فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح، أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح، كما يأتي،
لان العبرة في العقود بما في نفس الامر. اه‍. وقوله وصحح المتولي أنه لا فرق. اعتمده في النهاية والمغني.
(تنبيه) لا يصح النكاح بمستوري الاسلام والحرية، وهما من لم يعرف حالهما في أحدهما باطنا وإن كانا بمحل
كل أهله مسلمون أو أحرارا، وذلك كأن وجد لقيط ولم يعرف حاله إسلاما ورقا، وإنما لم يصح بهما لسهولة الوقوف على

345
الباطن فيهما. ومثلهما في ذلك البلوغ ونحوه مما مر من الشروط. نعم. إن بانا مسلمين أو حرين أو بالغين مثلا بأن
انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا. أفاده حجر. (قوله: وهما) أي مستور العدالة. (وقوله: من لم يعرف لهما مفسق) أي لم
يعرف أنهما ارتكبا مفسقا من الكبائر أو من الاصرار على الصغائر. (وقوله: كما نص عليه) أي على الضابط المذكور،
(وقوله: واعتمده) أي هذا الضابط المنصوص عليه. وقوله وأطالوا فيه: أي في ترجيحه، وقيل في ضابط المستورين هو
من عرف ظاهرهما بالعدالة ولم يزكيا. قال في التحفة: وهو ما اختاره المصنف وقال إنه الحق. اه‍. وكتب سم ما نصه:
قوله أو من عرف إلخ - كأن معناه أنه شوهد منهما أسباب العدالة من ملازمة الواجبات والطاعات واجتناب المحرمات -
بخلاف المذكور عن النص. فإنه صادق بمجهولين لم يعرف حالهما ولا شوهد منهما أسباب العدالة. وبهذا يتضح الفرق
بين النص ومختار المصنف. اه‍. (قوله: وبطل الستر بتجريح عدل) أي بإخبار عدل بفسق ذلك المستور، فلو أخبر
بفسق المستور عدل لم يصح النكاح. قال في شرح الروض: وقول صاحب الذخائر الأشبه الصحة، فإن الجرح لا يثبت
إلا بشاهدين ولم يوجدا: يرد بأنه ليس الغرض إثبات الجرح، بل زوال ظن العدالة، وهو حاصل بخبر العدل. اه‍. ثم إن
كون الستر يبطل بتجريح عدل محله إذا كان واقعا قبل العقد، بخلافه بعده لانعقاده ظاهرا فلا بد من ثبوت مبطله، كذا في
التحفة والنهاية. (قوله: لم يلتحق بالمستور) أي فلا يصح به العقد إلا بعد مضي مدة الاستبراء وهي سنة. قال في شرح
الروض: لان توبته حينئذ تصدر عن عادة لاعن عزم محقق. اه‍ (قوله: ويسن استتابة إلخ) أي احتياطا. قال الرشيدي:
أنظر ما فائدة هذه الاستتابة مع أن توبة الفاسق لا تلحقه بالمستور كما قدمه قبله؟ ولعلهم يفرقون بين ظاهر الفسق وغير
ظاهره. اه‍. (قوله: ولو علم الحاكم فسق الخ) الأولى أن لا يذكر هذا ويزيد بعد قوله الآتي أو علم حاكم فيلزمه التفريق
الخ، كما صنع في التحفة، ونصها: وإنما يتبين الفسق أو غيره بعلم القاضي فيلزمه التفريق بينهما الخ. اه‍. (
قوله: ولو
قبل الترافع إليه) قال في فتح الجواد: لكن إن علم أن الزوج مقلد لمن لا يجيز ذلك، أي النكاح، بشاهدين فاسقين،
وإلا فلا بد من الترافع إليه فيما يظهر. اه‍. بزيادة (قوله: ويصح) أي النكاح. وقوله بابني الزوجين أو عدويهما: أي أو
ابن عدو أحدهما مع ابن أو عدو الآخر (قوله: وقد يصح كون الأب شاهدا) أي فيما إذا كانت الولاية لغيره. والمناسب
تقديم هذه المسألة عند قول الشارح ولا بحضرة متعين للولاية ويذكرها بعد قوله ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد
الثالث بغير وكالة صح بأن يقول بعده أو شهد أب في نكاح بنته القنة فإنه يصح لعدم تعينه للولاية. وقوله كأن تكون بنته
قنة: أي فالولاية فيها لسيدها لا له فصح أن يكون شاهدا. وعبارة شرح الروض: كأن تكون بنته كافرة أو رقيقة أو ابنه
سفيها وأذن له في النكاح لأنه ليس عاقدا ولا العاقد نائبه. اه‍ (قوله: قال شيخنا وهو) أي الحكم كذلك، أي كما قاله
الحناطي، ثم إن ظاهر عبارة الشارح أن هذا قول شيخه، وليس كذلك. نعم: يفهم من عبارة شيخه ونصها: وظاهر كلام
الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود وأوجبه بعض المتأخرين لامتناع الاقدام على
العقد مع الشك في شروطه. ويرد بأن ما علل به إنما هو في الشك في الزوجين فقط لما مر أنهما المقصودان بالذات،
فاحتيط لهما أكثر، بخلاف غيرهما فجاز الاقدام على العقد حيث لم يظن وجود مفسد له في الولي أو الشاهد. ثم إن بان
مفسد بان فساد النكاح، وإلا فلا. اه‍. وقوله وأوجبه بعض المتأخرين: قال سم جزم به في الكنز وأنه يأثم بتركه وإن صح
العقد ما لم يبن خلل وإن ذلك هو الأوجه الأفقه، خلافا للحناطي. اه‍. (قوله: وبان بطلانه) أي تبين بطلان النكاح بعد
حصوله (قوله: بحجة) متعلق ببان. وقوله فيه: متعلق بمحذوف صفة لحجة، أي بحجة مقبولة في ثبوت النكاح وهي

346
رجلان، أو علم الحاكم. والتقييد بقوله فيه يخرج الرجل والمرأتين لأنه ليس بحجة فيه وإن كان بحجة في غيره (قوله:
من بينة الخ) بيان للحجة: أي أن الحجة هي بينة تشهد بما يمنع صحته مفسرا بكونه عند العقد سواء كانت حسية أو غيرها
أو علم حاكم. قال في النهاية: حيث ساغ له الحكم بعلمه. اه‍. قال ع ش: أي بأن كان مجتهدا. اه‍. (قوله: أو
بإقرار الزوجين) معطوف على بحجة: أي أو بان بطلانه بإقرار الزوجين (قوله: في حقهما) الأولى تقديمه على قوله
بحجة الخ ليتصل بمتعلقه الذي هو بطلان: إذ هو متعلق به، كما في البجيرمي، والجار والمجرور الذي بعده متعلق بكل
من حجة وإقرار: أي تبين بالحجة أو الاقرار بطلانه بالنسبة لما يتعلق بحق الزوجين فقط وسيذكر مفهومه. وعبارة التحفة
تقتضي تعلقه بمحذوف: أي ويعتد بالحجة أو الاقرار في حقهما ونصها: وعلم أن إقرارهما وبينتهما إنما يعتد بهما فيما
يتعلق بحقهما لا غير. ومنه يؤخذ أنه لو طلقها ثم أقيمت بينة بفساد النكاح ثم أعادها عادت إليه بطلقتين فقط، لان إسقاط
الطلقة حق لله تعالى فلا تفيده البينة أيضا. ويحتمل خلافه. اه‍. (قوله: بما يمنع صحته) تنازعه كل من قوله بحجة وقوله
أو بإقرار. كما علمت (قوله: كفسق الشاهد) هو وجميع ما بعده تمثيل لما يمنع الصحة. وقوله عند العقد: متعلق بفسق.
وخرج به تبين فسقه بعده أو قبله فلا يضر لجواز حدوثه في الأولى ولاحتمال توبته في الثانية. نعم: تبينه قبل مضي زمن من
الاستبراء بالنسبة للشاهد كتبينه عنده، أما بالنسبة للولي فليس كذلك لأنه لا يشترط لصحة عقده بعد التوبة مضي مدة
الاستبراء، كما سيأتي (قوله: والرق والصبا) عطف على فسق: أي وكالرق والصبا، أي عند العقد فلا يضر تبينهما قبله
لاحتمال الكمال عنده. وقوله لهما: أي الشاهد والولي (قوله: وكوقوعه) معطوف على كفسق وكان الأولى حذف
الكاف، كالذي قبله، أي وكوقوع النكاح في العدة الكائنة من غيره، فهو مما يمنع صحته ومما يمنع صحته أيضا الجنون
والاغماء والردة عنده (قوله: وخرج بفي حقهما حق الله تعالى) أي فلا يؤثر بطلان النكاح بالنسبة لحق الله تعالى وهو
كالتخليل في المثال، فإنه لا يسقط بثبوت فساد النكاح لأنه حق الله تعالى وإن كان مقتضى ثبوت ذلك سقوطه لأنه فرع
الطلاق. وقد تبين أن لا طلاق لعدم النكاح (قوله: كأن طلقها ثلاثا الخ) في ع ش ما نصه: وقع السؤال عمن طلق زوجته
ثلاثا عامدا عالما: هل يجوز له أن يدعى بفساد العقد الأول لكون الولي كان فاسقا أو الشهود كذلك بعد مدة من
السنين؟
وهل له الاقدام على أن يعقد عليها من غير وفاء عدة من نكاحه الأول؟ وهل يتوقف نكاحه الثاني على حكم حاكم
بصحته؟ وهل الأصل في عقود المسلمين الصحة أو الفساد؟ (وأجبنا عنه بما صورته) الحمد لله. لا يجوز له أن يدعي
بذلك عند القاضي ولا تسمع دعواه بذلك، وإن وافقته الزوجة عليه حيث أراد به إسقاط التحليل. نعم: إن علم بذلك
جاز له فيما بينه وبين الله تعالى العمل به فيصح نكاحه لها من غير محلل وإن وافقته الزوجة على ذلك ومن غير وفاء عدة
منه، لأنه يجوز للانسان أن يعقد في عدة نفسه سواء كانت عن شبهة أو طلاق، ولا يتوقف حل وطئه لها وثبوت أحكام
الزوجية له على حكم حاكم، بل المدار على علمه بفساد الأول في مذهبه واستجماع الثاني لشروط الصحة المختلفة
كلها أو بعضها في العقد الأول، ولا يجوز لغير القاضي التعرض له فيما فعل. وأما القاضي فيجب عليه أن يفرق بينهما إذا
علم بذلك. والأصل في العقود الصحة فلا يجوز الاعتراض في نكاح ولا غيره على من استند في فعله إلى عقد ما لم
يثبت فساده بطريقه، وهذا كله حيث لم يحكم حاكم بصحة النكاح الأول ممن يرى صحته مع فسق الولي أو الشهود. أما
إذا حكم به حاكم فلا يجوز له العمل بخلافه، لا ظاهرا ولا باطنا، لما هو مقرر أن حكم الحاكم يرفع الحلاف، ولا فرق
فيما ذكر بين أن يسبق من الزوج تقليد لغير إمامنا الشافعي ممن يري صحة النكاح مع فسق الشاهد والولي أم لا. اه‍
(قوله: يشئ) متعلق بفساد. وقوله مما ذكر: أي من الفسق والرق والصبا، أي وغير ما ذكر أيضا: كالجنون والردة
والاغماء (قوله: فلا يقبل إقرارهما) أي بالنسبة لصحة نكاح جديد من غير تحليل (قوله: بل لا بد) أي لصحته من محلل

347
(قوله: للتهمة) بضم ففتح. وهو علة لعدم قبول إقرارهما: أي لا يقبل لاتهامهما في دعواهما فساد النكاح (قوله: ولأنه)
أي التحليل المفهوم من المحلل. وقوله حق الله: أي لا حق الزوجين (قوله: ولو أقاما) أي الزوجان ومثله أحدهما.
(وقوله: عليه) أي فساد النكاح. (وقوله: لم تسمع) قال السبكي هو صحيح إذا أراد نكاحا جديدا كما فرضه، فلو أراد
التخلص من المهر أو أرادت بعد الدخول مهر المثل، أي وكان أكثر من المسمى فينبغي قبولها اه‍. وما قاله
السبكي
صادق عليه قول المصنف في حقهما (قوله: أما بينة الحسبة فتسمع) هذا محترز أقاما: إذ بينة الحسبة لم تقم وإنما قامت
بنفسها وشهدت. وعبارة التحفة: وخرج بأقاما ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع. اه‍. وعبارة النهاية: ذكر
البغوي في تعليقه أن بينة الحسبة تقبل، لكنهم ذكروا في باب الشهادات أن محل قبوله بينة الحسبة عند الحاجة إليها كأن
طلق شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك، أما إذا لم تدع الحاجة إليها فلا. وهنا كذلك. نبه عليه
الوالد رحمه الله تعالى. اه‍. وسيأتي أيضا للشارح، في بابها، التقييد بذلك (قوله: نعم الخ) تقييد لقوله فلا يقبل
إقرارهما (قوله: أما في الباطن فالنظر لما في نفس الامر) أي فيجوز لهما العمل بإقرارهما، فيصح نكاحه لها من غير
محلل إن وافقته ومن غير وفاء عدة، لكن إن علم بهما الحاكم فرق بينهما، كما علمت ذلك من جواب ع ش المار آنفا،
(قوله: ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة) أي بأن قالا كنا فاسقين عند العقد مثلا. وهذا مفهوم قوله
بإقرار الزوجين (قوله: فلا يؤثر) أي إقرار الشاهدين بما يمنع الصحة. (وقوله: في الابطال) أي إبطال النكاح (قوله: كما
لا يؤثر) أي الاقرار. وقوله فيه: أي الابطال. وقوله بعد الحكم بشهادتهما: اعترض بأن المقيس وهو قوله فلا يؤثر في
الابطال صادق بالمقيس عليه فلا حاجة إلى القياس. وأجيب بتخصيص المقيس بما إذا كان قبل الحكم بشهادتهما ويرد
عليه أنه حينئذ قياس مع الفارق، لان النكاح تقوى بعد الحكم بشهادتهما فلا يلزم من عدم تأثير الاقرار في إبطاله حينئذ
عدم تأثيره في إبطاله قبل الحكم بشهادتيهما إلا أن يقال إنه قياس أدون. تأمل اه‍. بجيرمي بتصرف (قوله: ولان الحق)
أي الذي أقرا به وهو مانع صحة النكاح. (وقوله: ليس لهما) أي الشاهدين، واللام بمعنى على: أي ليس عليهما بل هو
على الزوجين، وإذا كان كذلك فلا يصح إقرارهما بحق على غيرهما، لان الاقرار، كما تقدم، إخبار بحق سابق عليه
نفسه. ومقتضى التعليل أنه لو كان الحق لهما قبل بالنسبة إليهما وهو كذلك. وعبارة التحفة: نعم له أثر في حقهما، فلو
حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطئ وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل: أي إن كان دون
المسمى أو مثله لا أكثر، كما هو ظاهر، لئلا يلزم أنهما أوجبا بإقرارهما حقا لهما على غيرهما. اه‍. وقوله حقا لهما على
غيرهما: وهو ما زاد على المسمى (قوله: فلا يقبل قولهما) أي على الزوجين، كما علمت (قوله: أما إذا أقر به) أي بما
يمنع الصحة وهو مقابل قوله أو بإقرار الزوجين، والأولى أن يقول فإن أقر: بالتفريع على ما قبله، كما صنع في المنهج
(قوله: فيفرق بينهما) وهي فرقة فسخ لا طلاق فلا تنقص عددا (قوله: مؤاخذة له) أي للزوج، وهو علة التفريق بينهما،
(وقوله: بإقراره) أي باعترافه بما يتعين به بطلان نكاحه (قوله: وعليه) أي الزوج المقر بما يمنع الصحة. (وقوله: نصف
المهر) أي المسمى (قوله: وإلا) أي بأن دخل بها فكله: أي فعليه كله (قوله: إذ لا يقبل قوله عليهما في المهر) أي لأنه
حقها لا حقه.
(والحاصل) يسقط بإقراره حقه لا حقها لان حكم اعترافه مقصور عليه، ولذلك لا يرثها وهي ترثه، لكن بعد حلفها
أنه عقد بعدلين (قوله: بخلاف ما إذا أقرت) أي الزوجة. وقوله به: أي بما يمنع صحة النكاح. ولا بد من تخصيص ما
يمنع بغير نحو محرمية: لما تقدم في مبحث الرضاع، وسيصرح به أيضا قريبا. وعبارة التحفة: وخرج باعترافه اعترافها

348
بخلل ولي أو شهود فلا يفرق به بينهما الخ. اه‍. وقوله دونه: أي الزوج (قوله: فيصدق) أي فيصدق الزوج بعدم ما أقرت
به الزوجة بيمينه، فإن نكل عن اليمين حلفت وفرق بينهما (قوله: لان العصمة بيده الخ) علة لتصديقه هو دونها: أي وإنما
صدق هو لان العصمة بيده وهي تريد رفعها. أي والأصل بقاؤها (قوله: فلا تطالبه بمهر) الأولى ولا تطالبه، بالواو، لأنه
معطوف على فيصدق الواقع في جواب إذا، لا تفريع، وإنما لم تطالبه به لسقوطه بإقرارها. ومحله ما لم تكن محجورا
عليها بسفه، وإلا فلا سقوط لفساد إقرارها في المال. ومحل سقوطه أيضا إن لم تكن قد قبضته فإن قبضته فليس له
استرداده منها وكما لا تطالبه بالمهر إذا مات لا ترثه مؤاخذة لها بذلك. وعبارة الروض ولو أقرت دونه صدق بيمينه ولكن لا
ترثه ولا تطالبه بمهر. اه‍. (قوله: وعليه إن وطئ الخ) الاخصر أن يقول أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر
المثل (قوله: ولو أقرت بالاذن) أي في التزويج (قوله: ثم ادعت) أي بعد التزويج. وقوله أنها إنما أذنت أي في التزويج
وقوله بشرط صفة في الزوج أي ككونه عالما أو شريفا أو غير ذلك (قوله: ولم توجد) أي تلك الصفة المشروطة (قوله:
ونفى الزوج ذلك) أي الشرط الذي ادعته (قوله: صدقت بيمينها) أي للقاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ كان
القول قوله في صفته كالموكل يدعي تقييد إذنه بصفة، فينكر الوكيل. وبحث بعضهم تصديق الزوج لأنه يدعي الصحة
يرده تصديقهم للموكل وإن ادعى الفساد. اه‍. تحفة (قوله: وإذا اختلفا الخ) هذه المسألة قد تقدمت في الشرح في
مبحث الرضاع المحرم عند قوله ولو أقر رجل وامرأة الخ، فكان الأولى إسقاطها هناك استغناء عنها بما هنا أو يؤخر الكلام
على صورة الاتفاق والاختلاف كلها إلى هنا، فرارا من التكرار (قوله: فادعت أنها محرمة) خرج به ما إذا ادعى هو ذلك
فإنه هو المصدق مطلقا، كما تقدم، (وقوله: بنحو رضاع) أي كمصاهرة ونسب (قوله: وأنكر) أي الزوج (قوله: حلفت
مدعية محرمية) جواب إذا التي قدرها الشارح، ولو قال سمعت دعوى مدعية المحرمية وحلفت عليها لكان أولى ليطابق
مقابله الآتي: وهو قوله فإن رضيته لم تسمع دعواها (قوله: وصدقت) أي ولها مهر المثل لا المسمى إن وطئت، وإلا فلا
شئ لها (قوله: وبان بطلان النكاح) أي بسبب المحرمية التي ادعتها الزوجة (قوله: فيفرق بينهما) أي يفرق الحاكم
بينهما وجوبا (قوله: إن لم ترضه الخ) قيد لقوله حلفت مدعية محرمية (قوله: حال العقد) أي وقت العقد، وهو متعلق
بترضه. (وقوله: ولا عقبه) معطوف على حال العقد: أي لم ترضه لا حالة العقد ولا بعده. (وقوله: لاجبارها الخ) تعليل
لتصوير عدم الرضا حالة العقد وبعده: أي أنه يتصور عدم رضاها به حالة العقد وبعده لكونها مجبرة أو لكونها أذنت للولي
في التزويج ولم تعين أحدا ولم ترض بعد العقد به بنطق منها بأن تقول له رضيت بك أو تمكين من وطئه إياها (قوله:
لاحتمال ما تدعيه) علة لتصديقها باليمين. (وقوله: مع عدم سبق مناقضة) أي مع عدم تقدم شئ منها مناقض
لما تدعيه،
والمناقض له رضاها المتضمن لاقرارها بحلها له أو التمكين من وطئه إياها (قوله: فهو الخ) أي ما ادعته بعد العقد من
المحرمية: كقولها ابتداء أي قبل العقد، فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه: أي عليه مؤاخذة بقولها (قوله: فإن
رضيت) أي حالة العقد أو بعده بأن مكنته من نفسها. (وقوله: ولم تعتذر) أي في رضاها. (وقوله: بنحو نسيان) الباء
تصويرية متعلقة بتعذر، أي ويتصور الاعتذار بنحو نسيان في رضاها بتمكينها له بأن قالت مكنته من نفسي نسيانا لا
عمدا. (وقوله: أو غلط) بأن قالت أنا مرادي بالزوج الذي عينته زيد فغلطت وقلت عمرو (قوله: لم تسمع دعواها) أي

349
لأنه سبق منها ما يناقضها وهو رضاها به فيصدق حينئذ هو ولا يفرق بينهما (قوله: وإن اعتذرت سمعت دعواها للعذر)
أنظر ما فائدة سماع دعواها؟ ثم رأيت في الأنوار وشرح البهجة أن ذلك لتحليف الزوج أنه لا يعلم بينهما محرمية. فقول
الشارح بعد ولكن حلف بيان لتلك الفائدة، ونص عبارة الأنوار: ولو زوجت امرأة ثم ادعت محرمية الرضاع أو غيره فإن
زوجت برضاها الصريح نطقا من شخص معين فلا يقبل دعواها إلا إذا ذكرت عذرا كغلط أو نسيان أو جهل فتسمع
ويحلف الزوج على نفي العلم بالمحرمية ولا يسمع قولها ولا بينتها، وإن زوجت بغير رضاها لكونها أمة أو مجبرة أو
برضاها ولم تعين الزوج سمعت دعواها أو بينتها. وهل تصدق بيمينها ليندفع النكاح بها؟ وجهان: أحدهما نعم، وهو قول
ابن الحداد والمقطوع به عند المتولي وهو الأصح عند الشيخ أبي على الطبري وصاحب التهذيب، وأسنده إلى الامام
المعظم. كذا في تعليق الحاوي، وهو الأصح في الروضة. والمرجح في المحرر، والمفهوم من سياق الشرحين.
والثاني لا، بل القول قوله بيمينه على نفي المحرمية ليستمر النكاح. وهو قول أبي زيد المروزي، والمحكي عن ابن
شريح (1) وهو الأصح عند الغزالي والمذكور في الحاوي، والمفهوم من شرح اللباب. ولو زوجت برضاها واكتفى
بسكوتها لبكارتها ثم ادعت محرمية سمعت بينتها وتصدق بيمينها. ولو زوجت بغير رضاها ومكنت الزوج من نفسها أو
اختلعت نفسها أو دخلت عليه وقامت معه فكما لو زوجت برضاها. اه‍. (قوله: ولكن حلف هو: أي الزوج لراضية
اعتذرت) في العبارة إظهار في مقام الاضمار، كما لا يخفى، وهو يفيد أنه لا يحلف لراضية لم تعتذر. وظاهر عبارة
المنهاج، في باب الرضاع، أنه يحلف لها مطلقا، ونصها: وإن ادعته، أي الرضاع المحرم، فأنكر صدق بيمينه إن
زوجت برضاها، وإلا فالأصح تصديقها. اه‍. (قوله: وشرط في الولي) شروع في بيان شروط الولي الذي هو أحد
الأركان الخمسة. (وقوله: عدالة) هذا شرط للولي المزوج بالولاية، أما المزوج بالملك فلا يشترط فيه. والمراد بالعدالة
في حق الولي عدم الفسق، بخلافها في الشاهد فإن المراد بها ملكة في النفس تمنع من اقتراف الذنوب الكبائر والصغائر
ومن الرذائل المباحة، كما تقدم، فحينئذ العدالة في حق الولي تشمل الواسطة وهي عدم الفسق مع عدم الملكة
المذكورة، وتتحقق في الصبي إذا بلغ ولم يصدر منه كبيرة ولا صغيرة ولم يحصل له تلك الملكة، وفي الفاسق إذا تاب
فإنهما يزوجان حالا. (وقوله: وحرية) أي كاملة. (وقوله: تكليف) أي بلوغ وعقل. وشرط أيضا اختيار وذكورة محققة
وعدم إحرام، وعدم اختلاف دين. ولو قال - كما في المنهج - وشرط في الولي اختيار وفقد مانع الولاية لكان أولى لشموله
لذلك كله (قوله: فلا ولاية لفاسق) مفهوم الشرط الأول، وهو العدالة وهذا عندنا. وأما عند الأئمة الثلاثة فتثبت الولاية
للفاسق. (وقوله: غير الامام الأعظم) أي أما الامام الأعظم فلا يمنع فسقه ولايته بناء على الصحيح أنه لا ينعزل بالفسق
فيزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة تفخيما لشأنه. اه‍. شرح المنهج. (وقوله: فيزوج بناته) أي إن لم يكن لهن ولي
خاص غيره كالجد والأخ وإلا قدم عليه لتقدم الخاص على العام. وقال سم: لو كانت بناته أبكارا هل يجبرهن لأنه أب أو
لا بد من الاستئذان لان تزويجه بالولاية العامة لا الخاصة: فيه نظر، ومال م ر إلى الأول. اه‍ (قوله: لان الفسق نقص
يقدح في الشهادة) أي يضر بها. وقوله فيمنع الولاية: يقتضي إن كل ما يقدح في الشهادة يمنع الولاية، وليس كذلك، لان
ارتكاب خارم المروءة نقص يقدح في الشهادة ولا يمنع الولاية، ومن ثم لم يعلل م ر ولا حجر بهذا التعليل. اه‍.
بجيرمي (قوله: كالرق) أي فإنه نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية. والكاف للتنظير (قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه لا
ولاية لفاسق هو المذهب (قوله: للخبر الصحيح الخ) دليل للمذهب (قوله: أي عدل) تفسير لمرشد (قوله: وقال بعضهم



(1) (قوله عن ابن شريح) كذا بالأصل الذي بأيدينا. اه‍. مصصححه.
350
أنه)، أي الفاسق يلي. وعبارة التحفة: واختار أكثر متأخري الأصحاب أنه يلي. اه‍ (قوله: والذي اختاره النووي الخ)
حاصل هذا القول التفصيل وهو أنه إن كان لو سلبت الولاية من الولي الخاص الفاسق انتقلت لحاكم فاسق بأن لم يوجد
غيره أبقيت الولاية له، وإلا بأن كان لو سلبت لا تنتقل لحاكم فاسق بأن وجد غيره من ولي أبعد أو حاكم غير فاسق فلا تبقى
له بل تنتقل عنه إلى الولي الابعد أو للحاكم غير الفاسق إذا لم يوجد الابعد (قوله: من بقاء الخ) بيان لما أفتى به الغزالي.
(وقوله: حيث تنتقل لحاكم فاسق) أي بأن عدم الابعد والحاكم غير الفاسق، كما علمت، وإنما بقيت للخاص الفاسق
ولم تنتقل عنه: قال في التحفة لان الفسق عم، واستحسنه في الروضة وقال ينبغي العمل به، وبه أفتى ابن الصلاح، وقواه
السبكي. وقال الأذرعي لي منذ سنين أفتى بصحة تزويج القريب الفاسق، واختاره جمع آخرون إذا عم الفسق، وأطالوا
في الانتصار له حتى قال الغزالي من أبطله حكم على أهل العصر كلهم، إلا من شذ، بأنهم أولاد حرام. اه‍. وهو
عجيب، لان غايته أنهم من وطئ شبهة وهو لا يوصف بحرمة كحل، فصواب العبارة حكم عليهم بأنهم ليسوا أولاد حل
اه‍. (قوله: ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا) أي لان الشرط عدم الفسق لا العدالة التي هي ملكة تمنع من
اقتراف الذنوب الخ، كما تقدم، وفي سم ما نصه: قوله زوج حالا، قال الزركشي: فبين العدالة والفسق واسطة، ومثل
بهذا وبالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق فقال ليسا بفاسقين لعدم صدور مفسق ولا عدلين لعدم
حصول الملكة، وقال لا تحصل عدالة الكافر إلا بعد الاختبار. قال الأستاذ في كنزه: وفي ذلك نظر ظاهر ومنابذة
لاطلاقهم، فالصواب أن الصبي إذا بلغ رشيدا والكافر إذا أسلم ولم يوجد منهما مفسق يوصفان بالعدالة. اه‍. وما قاله
الأستاذ لا ينبغي العدول عنه. اه‍ (قوله: أيضا زوج حالا) قال ع ش: أي وإن لم يشرع حالا في رد المظالم
ولا في قضاء
الصلوات مثلا حيث وجدت شروط التوبة بأن عزم مصمما على رد المظالم. اه‍. (قوله: على ما اعتمده شيخنا) عبارته:
ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا لان الشرط عدم الفسق لا العدالة وبينهما واسطة، ولذلك زوج المستور الظاهر
العدالة. اه‍. وقوله كغيره: أي كشيخ الاسلام في شرح الروض والخطيب والرملي (قوله: لكن الذي الخ) ضعيف
(قوله: أنه) أي الفاسق الذي تاب توبة صحيحة. (وقوله: لا يزوج إلا بعد الاستبراء) أي بسنة فإذا مضت سنة من بعد
التوبة ولم يعد إلى الفسق فيها صحت ولايته، وإلا فلا (قوله: ولا لرقيق) معطوف على لفاسق: أي ولا ولاية لرقيق كله أو
بعضه. قال في شرح المنهج: لو ملك المبعض أمة زوجها، كما قاله البلقيني، بناء على الأصح من أنه يزوج بملك لا
بالولاية خلافا لما أفتى به البغوي. اه‍. وقوله لما أفتى به: أي من أنه لا يزوج أصلا. ح ل. وخرج بقوله ولا ولاية وكالته
فتصح في القبول لا في الايجاب عملا بالقاعدة في ضابط الوكيل وهو صحة مباشرته فيما وكل فيه لنفسه، وهو يصح أن
يقبل لنفسه فيصح أن يقبل لغيره بالوكالة عنه (قوله: ولا لصبي ومجنون) معطوف أيضا على قوله لفاسق. ولا هنا وفيما
قبله للتأكيد. أي ولا ولاية لصبي ومجنون. وقوله لنقصهما: علة لعدم صحة ولايتهما. وقوله أيضا: أي كنقص الرقيق
(قوله: وإن تقطع الجنون) غاية في المجنون المنفية عنه الولاية، وظاهرها أن المجنون لا ولاية له أصلا ولو في زمن
الإفاقة فيما إذا تقطع الجنون، وليس كذلك، بل المراد أنه حالة جنونه لا يزوج وتنتقل الولاية للأبعد ولا ينتظر زمن
الإفاقة، كما في سم، وعبارته: قوله وإن تقطع الجنون، ليس المراد أنه لا ولاية له حتى في زمن الإفاقة، بل معناه أنه
الابعد يزوج في زمن الجنون ولا يجب انتظار الإفاقة، وأما هو في زمن إفاقته فيصح تزويجه. اه‍. (قوله: تغليبا لزمنه)
أي الجنون على زمن الإفاقة، فكأن الكل جنون وهو علة للغاية. وظاهرها يفيد ما أفاده ظاهر الغاية المتقدم بيانه، وليس
مرادا أيضا. فتنبه. وقوله المقتضي: بدل من الضمير في زمنه العائد على الجنون، وهو كالعلة للتغليب المذكور. أي

351
وإنما غلب زمن الجنون على زمن الإفاقة لان الجنون يقضي سلب العبارة والإفاقة تقتضي ثوبتها، والمانع مقدم على
المثبت. وقوله لسلب العبارة: أي عبارته كالعقود الواقعة منه وكالاقوال وغيرها.
(قوله: فيزوج الابعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته) هذا قرينة دالة على صرف الغاية والعلة عن ظاهرهما وبيان للمراد
منهما، فهو مؤيد لما سلف (قوله: نعم إن الخ) استدراك على قوله ولا تنتظر إفاقته. وقوله قصر زمن الجنون: أي جدا،
كما في التحفة (قوله: كيوم في سنة) تمثيل للزمن القصير، وظاهر اقتصاره تبعا لشيخه في التمثيل بيوم أنه لا تنتظر إفاقته
فيما إذا زاد عليه. فانظره (قوله: وكذي الجنون ذو ألم) أي مرض. (وقوله: يشغله) أي ذلك الألم. (وقوله: عن النظر
بالمصلحة) أي عن معرفة أحوال الأزواج وما يصلح منهم وما لا يصلح ولا ينتظر زواله، بل تنتقل الولاية للأبعد لأنه لا حد
له يعرفه الخبراء (قوله: ومختل النظر) أي الفكر. وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام. (وقوله: بنحو هرم)
أي كخبل أصلي أو طارئ، وكأسقام شغلته عن اختيار الأكفاء (قوله: ومن به الخ) عطف على ذو ألم: أي وكذي
الجنون من وجد فيه بعد الإفاقة منه آثار خبل بسكون الموحدة الجنون وشبهه كالهوج والبله، وبفتحها الجنون فقط - كما
يفيده كلام المصباح، وقال ع ن: الخبل فساد في العقل، والمشهور الفتح. اه‍. بجيرمي (قوله: توجب) أي تلك
الآثار. وقوله حدة: أي شدة تمنع من النظر في أحوال الأزواج. وقوله في الخلق: بضم الخاء واللام (قوله: وينقل ضد
كل) أي من العدالة والحرية والتكليف وأضدادها ما بينه الشارح بقوله من الفسق والرق والصبا والجنون. قال البجيرمي:
وتعبيره بالنقل بالنسبة للصبا والجنون فيه مسامحة لان النقل فرع الثبوت وهي لا تثبت لهؤلاء، إلا أن يقال ضمن ينقلها
معنى يثبتها، فأطلق الملزوم وأراد اللازم، أو هو مستعمل في حقيقته ومجازه. اه‍ (قوله: من الفسق الخ) بيان للمضاف،
وهو ضد لا للمضاف إليه الذي هو لقظ كل، كما علمت، (قوله: ولاية) مفعول ينقل. وقوله لابعد: متعلق به: أي ينقل
الضد المذكور الولاية من الولي القريب لمن هو أبعد منه لان القريب كالعدم (قوله: لا لحاكم) أي لا ينقلها للحاكم مع
وجود ولي من الأقرباء ولو كان بعيدا، وذلك لان الحاكم إنما هو ولي من لا ولي له، والولي هنا موجود (قوله: ولو في باب
الولاء) غاية لنقل الضد الولاية للأبعد: أي أنه ينقلها له مطلقا في النسب وفي الولاء، والغاية المذكورة للرد (قوله: حتى
لو الخ) حتى تفريعية على الغاية: أي فلو أعتق شخص أمته ومات عن ابن صغير وأخ كبير فإن الولاية تنتقل من الابن
لصغره للأخ الكبير ولا تنتقل للحاكم. وقوله على المعتمد: ظاهر صنيعه حيث قيد في الولاء بقوله على المعتمد وأطلق
فيما قبله أن الخلاف في نقل الولاية للأبعد أو للحاكم إنما هو في الولاء. وهو أيضا صريح المغني وعبارته: وظاهر كلامه
أنه لا فرق في ذلك - أي ثبوت الولاية للأبعد - بين النسب والولاء حتى أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كامل
كانت الولاية للأخ، وهو كذلك خلافا لمن قال إنها في الولاء للحاكم، فقد نقله القمولي عن العراقيين، وصوبه البلقيني.
اه‍ والذي يفهم من عبارة التحفة والنهاية أن الخلاف في النسب وفي الولاء ونصهما فالولاية للأبعد - نسبا فولاء فلو أعتق
أمة ومات عن ابن صغير وأب أو أخ كبير زوج الأب أو الأخ لا الحاكم على المنقول المعتمد، وإن نقل عن نص وجمع
متقدمين أن الحاكم هو الذي يزوج، وانتصر له الأذرعي واعتمده جمع متأخرون. وقول البلقيني الظاهر والاحتياط أن
الحاكم يزوج يعارضه قوله في المسألة نصوص تدل على أن الابعد هو الذي يزوج وهو الصواب. اه‍. وذلك لان الأقرب
حينئذ كالعدم، ولاجماع أهل السير على أنه (ص) زوجه وكيله عمرو بن أمية بن أم حبيبة بالحبشة من ابن عم أبيها خالد بن
سعيد بن العاص أو عثمان بن عفان لكفر أبيها أبي سفيان. ويقاس بالكفر سائر الموانع. اه‍. بتصرف. وقولهما لا
الحاكم: هو بالجر عطف على قوله للأبعد - لا على الأب أو الأخ - بدليل آخر العبارة (قوله: ولا ولاية أيضا) أي كما لا

352
ولاية لرقيق الخ، وهذا مفهوم قيد ملحوظ عند قوله وشرط في الولي عدالة الخ وهو وذكورة كما نبهت عليه مع غيره في أول
الشروط، وكان الأولى التصريح به (قوله: فلا تزوج امرأة نفسها ولو بإذن من وليها ولا بناتها) أي لا تملك مباشرة ذلك
ولو بإذن من وليها فيه، وذلك لآية * (فلا تعضلوهن) * إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير،
وللخبرين
الصحيحين لا نكاح إلا بولي الحديث، وأيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، وكرره ثلاث مرات،
وصح أيضا لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية التي تزوج نفسها نعم لو لم يكن لها ولي قاله بعضهم
أصلا - وهو الظاهر - وقال بعضهم يمكن الرجوع إليه، أي يسهل عادة كما هو ظاهر، جاز له أن تفوض مع خاطبها أمرها
إلى مجتهد عدل فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد لأنه محكم والمحكم كالحاكم، وإلى عدل غير مجتهد ولو مع
وجود مجتهد غير قاض فيزوجها العدل غير المجتهد لا مع وجود حاكم ولو غير أهل. أما مع وجوده فلا يزوجها إلا هو.
وخرج بتزوج ما لو وكل امرأة في توكيل من يزوج موليته أو وكل موليته لتوكل من يزوجها ولم يقل لها عن نفسك سواء قال
عني أم أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح لأنها سفيرة محضة بين الولي والوكيل، بخلاف ما لو قال عن نفسك فإنه لا
يصح. ولو بلينا بامرأة نفذ تزويجها لغيرها، وكما لا يصح أن تزوج نفسها أو غيرها لا يصح أن تقبل نكاحها لاحد بولاية ولا
بوكالة لان محاسن الشريعة تقتضي فطمها عن ذلك بالكلية. اه‍. تحفة. بتصرف (قوله: خلافا لأبي حنيفة فيهما) أي في
تزويجها لنفسها وتزويجها لبناتها (قوله: ويقبل إقرار مكلفة به) أي بالنكاح ولو رقيقة أو سفيهة. وقوله لمصدقها: أي ولو
رقيقا أو سفيها، لكن يشترط تصديق الولي والسيد في الرقيقين والسفيهين. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله إقرار مكلفة
الخ: أي وكذا عكسه: أي إقراره به مع تصديقها له. اه‍. شيخنا. وفي ق ل على الجلال: ويقبل إقرار البالغ والعاقل
بنكاح امرأة صدقته كعكسه. وخرج بالتصديق ما لو كذبها أو عكسه فلا يثبت ولا إرث لأحدهما من الآخر لو مات، لكن
لها الرجوع عن التكذيب ولو بعد موته، وحينئذ ترث منه ولا مهر لها عليه. اه‍. وفي البجيرمي: وإذا كذبها الزوج ليس
لها أن تتزوج حالا، بل لا بد من تطليق الزوج لها. فإذا كذب الزوج نفسه لم يلتفت إليه وإن ادعى أنه كان ناسيا عن
التكذيب، فلو كذبته وقد أقر بنكاحها ثم رجعت عن تكذيبها قبل تكذيبها نفسها لأنها أقرت بحق له عليها بعد إنكاره، ولا
كذلك هو في الأولى. اه‍. (قوله: وإن كذبها وليها) غاية في قبول إقرارها: أي يقبل إقرارها بتصديق الزوج لها ولو كان
الولي كذبها، لكن محله في غير السفيهة، وإلا فلا بد من تصديقه لها، كما تقدم (قوله: لان النكاح الخ) علة لقبول
إقرارها به مع تصديقه لها. وقوله فيثبت: أي النكاح بتصادقهما: أي ولا يؤثر إنكار الغير له (قوله: وهو أي الولي الخ)
شروع في بيان الأولياء وأحكامهم.
(واعلم) أن أسباب الولاية أربعة: الأبوة، وهي أقوى الأسباب، والعصوبة، والاعتاق، والسلطنة. وقد عد ابن
رسلان الأولياء بقوله:
ولي حرة أب فالجد ثم أخ فكالعصبات رتب إرثهم
فمعتق فعاصب كالنسب فحاكم كفسق عضل الأقرب
(قوله أب) هو مقدم على جميع الأولياء لأنه أشفقهم (قوله: فعند عدمه) أي الأب. وقوله حسا: أي بأن مات.
وقوله أو شرعا: أي بأن قام به مانع من موانع الولاية السابقة كالرق والجنون والردة والعياذ بالله تعالى. وقوله أبوه: خبر
لمبتدأ محذوف: أي فعند عدم الأب وليها أبو الأب: وقوله وإن علا: أي أبو الأب، لكن بالترتيب: فالأقرب من الأجداد
مقدم على الابعد منهم (قوله: فيزوجان) تفريع على ثبوت الولاية للأب وأبيه، والمراد يزوجان على التعاقب بالترتيب
السابق، كما هو ظاهر، وقوله أي الأب والجد: تفسير للضمير في يزوجان. والمناسب لما قبله أن يبدل الجد بأبي الأب.
وقوله حيث لا عداوة ظاهرة: أي بينهما وبينها، فإن وجدت العداوة الظاهرة وهي التي لا تخفى على أهل محلتها، فليس

353
لهما تزويجها إلا بإذنها، بخلاف غير الظاهرة، وهي التي تخفى على أهل محلتها فلا تؤثر، لان الولي يحتاط لموليته
لخوف لحوق العار ولغيره. ويشترط أيضا أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة ولو غير ظاهرة، وإنما لم يعتبر ظهور العداوة
فيه، كما اعتبر في الولي، لان عداوته الخفية تحمله على إضرارها بما لا يحتمل بسبب المعاشرة (قوله: بكرا) مفعول
يزوجان، وهي التي لم تزل بكارتها. وقوله أو ثيبا بلا وطئ. أي ويزوجان ثيبا لكن بشرط أن تكون ثيوبتها حصلت من غير
وطئ (قوله: لمن زالت الخ) الأولى أن يقول كأن زالت الخ بجعله تمثيلا للثيب بلا وطئ، ولأنه على ما قاله
يحصل ركة في
المقال من جهة الاظهار في مقام الاضمار، ويحصل أيضا إيهام أن المخلوقة بلا بكارة لا يزوجها الأب والجد من جهة
التقييد بزوال البكارة بنحو أصبع. وعبارة شرح المنهج: أما من خلقت بلا بكارة أو زالت بكارتها بغير ما ذكر لسقطة وحدة
حيض ووطئ في دبرها فهي في ذلك كالبكر لأنها لم تمارس الرجال بالوطئ في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها.
اه‍. (قوله: بغير إذنها) متعلق بيزوجان. والضمير يعود على الواحدة الدائرة وهي البكر أو الثيب بلا وطئ (قوله: فلا
يشترط الاذن منها) أي في التزويج. نعم: يستحب استئذانها كما سيصرح به (قوله: بالغة كانت أو غير بالغة) تعميم في
عدم اشتراط إذنها: أي لا يشترط ذلك مطلقا سواء كانت بالغة أو كانت غير بالغة: أي وسواء كانت أيضا عاقلة أو مجنونة
(قوله: لكمال شفقته) أي المذكور من الأب والجد. والملائم لقوله فيزوجان أن يقول شفقتهما بضمير التثنية: أي ولأنها
لم تمارس الرجال بالوطئ فهي شديدة الحياء (قوله: ولخبر الدارقطني الخ) لا يعارضه رواية مسلم والبكر يستأمرها
أبوها لأنها محمولة على الندب (قوله: لكف ء) متعلق بيزوجان، واللام بمعنى على: أي يزوجانها على كف ء، وهو قيد
في الصحة كما يدل عليه مفهومه (قوله: موسر بمهر المثل) قيد ثان في الصحة أيضا وظاهره أنه يكفي اليسار به ولو كان
أقل من الصداق المسمى، وفي النهاية خلافه ونصها: ويساره بحال صداقها، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، فلو
زوجها من معسر به لم يصح لأنه بخسها حقها. اه‍. وفي البجيرمي: ولو زوج الولي محجوره المعسر بنتا بإجبار وليها لها
ثم دفع أبو الزوج الصداق عنه بعد العقد فلا يصح لأنه كان حال العقد معسرا. فالطريق أن يهب الأب ابنه قبل العقد
مقدار الصداق ويقبضه له ثم يزوجه. وينبغي أن يكون مثل الهبة للولد ما يقع كثيرا من أن الأب يدفع عن الابن مقدم
الصداق قبل العقد فإنه وإن لم يكن هبة إلا أنه ينزل منزلتها بل قد يدعي أنه هبة ضمنية للولد فإن دفعه لولي الزوجة في قوة
أن يقول ملكت هذا لابني ودفعته لك عن صداق بنتك الذي قدر لها. وانظر ما ضابط اليسار بالمهر: هل يشترط أن يكون
فاضلا عن الدين والخادم وعن مؤنة من تلزمه مؤنته ونحو ذلك حتى لو احتاج إلى صرف شئ من المال لشئ من ذلك لا
يكون موسرا أو لا يشترط ذلك؟ اه‍ (قوله: فإن زوجها الخ) بيان لمفهوم القيد الأول (قوله: وكذا إن زوجها الخ) أي
وكذلك لا يصح النكاح إن زوجها لغير موسر بالمهر، وهو بيان لمفهوم القيد الثاني (قوله: على ما إعتمده الشيخان) مرتبط
بما بعد وكذا (قوله: لكن الخ) الأولى عدم الاستدراك بأن يقول واختار جمع الخ (قوله: الصحة في الثانية) وهي ما إذا
زوجها لغير موسر، وعليه فيكون اليسار شرطا لجواز الاقدام (قوله: ويشترط لجواز مباشرته لذلك) أي لعقد النكاح
إجبارا.
(والحاصل) الشروط سبعة: أربعة للصحة - وهي التي تقدمت - أن لا يكون بينها وبين وليها عداوة ظاهرة، ولا
بينها وبين الزوج عداوة وإن لم تكن ظاهرة، وأن تزوج من كف ء، وأن يكون موسرا بمهر المثل أو بحال الصداق على

354
الخلاف. فمتى فقد شرط منها كان النكاح باطلا إن لم تأذن. وثلاث لجواز المباشرة، وهي كونه بمهر المثل، ومن نقد
البلد، وكونه حالا. وقد نظمها بعضهم بقوله:
الشرط في جواز إقدام ورد حلول مهر المثل من نقد البلد
كفاءة الزوج يساره بحال صداقها ولا عداوة بحال
وفقدها من الولي ظاهرا شروط صحة كما تقررا
قال في التحفة: واشتراط أن لا تتضرر به لنحو هرم أو عمى وإلا فسخ، وأن لا يلزمها الحج وإلا اشترط إذنها لئلا
يمنعها الزوج منه ضعيفان، بل الثاني شاذ لوجود العلة مع إذنها اه‍. وقوله لوجود العلة: قال سم: أي منع الزوج
لها. اه‍. (قوله: كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد) قال في النهاية: وسيأتي في مهر المثل ما يعلم منه أن محل ذلك
فيمن لم يعتدن الاجل أو غير نقد البلد، وإلا جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد. اه‍. والمراد بنقد البلد ما جرت عادة أهل
البلد بالمعاملة به ولو من العروض (قوله: فإن انتفيا) أي كونه بمهر المثل الحال وكونه من نقد البلد بأن كان بأقل من مهر
المثل أو به لكنه مؤجل أو به حالا لكنه غير نقد البلد. وقوله صح: أي النكاح لكن مع الاثم. وقوله بمهر المثل: أي الحال
من نقد البلد (قوله: فرع لو أقر الخ) عبارة التحفة مع الأصل: ويقبل إقرار الولي بالنكاح على موليته إن استقل حالة
الاقرار بالانشاء وهو المجبر من أب أو جد أو سيد أو قاض في مجنونة وإن لم تصدقه البالغة لما مر أن من ملك الانشاء
ملك الاقرار به غالبا، وإلا يستقل به لانتفاء إجباره حالة الاقرار: كأن ادعى وهي ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا أو لانتفاء
كفاءة الزوج فلا يقبل لعجزه عن الانشاء بدون إذنها. اه‍ (قوله: لان من ملك الانشاء ملك الاقرار) يرد على مفهومه ما
تقدم من قبول إقرار المكلفة بالنكاح مع عدم صحة إنشائها له. ويجاب بأن القاعدة المذكورة أغلبية، كما يعلم من عبارة
التحفة المارة، أو أن ذلك مستثنى منه (قوله: بخلاف غيره) أي غير المجبر فلا يقبل إقراره لكونه لا يملك الانشاء. إذ هو
متوقف على رضاها (قوله: لا يزوجان) أي الأب والجد. (وقوله: ثيبا بوطئ) أي ثيبا حصلت ثيوبتها بوطئ: أي ولو من
نحو قرد، ولا بد أن يكون في قبلها الأصلي وإن تعدد. فلو اشتبه بغيره فلا بد من زوال بكارتها منهما (قوله: ولو زنا) غاية
في عدم تزويج الثيب بالوطئ إلا بالاذن: أي لا يزوجانها إلا به مطلقا سواء
كان الوطئ حلالا أو حراما كالزنا. ومثله ما لو كان الوطئ وهي نائمة، وذلك لأنها بذلك تسمى ثيبا فيشملها الخبر (قوله: وإن كانت الخ) غاية ثانية لما ذكر: أي لا
يزوجانها إلا بالاذن وإن كانت ثيوبتها ثبتت بإخبارها، وذلك لأنها تصدق في دعواها الثيوبة قبل العقد بيمين، كما سيأتي
قريبا، (قوله: إلا بإذنها) الاستثناء لغو والجار والمجرور متعلق بيزوجان: أي لا يزوجانها إلا بإذنها. وقوله نطقا: أي إن
كانت ناطقة فإن لم تكن ناطقة، فإذنها بالإشارة المفهمة أو بالكتابة (قوله: للخبر السابق) وهو الثيب أحق بنفسها: أي في
الاذن أو في اختيار الزوج وليس المراد أنها أحق بنفسها في العقد كما يقوله المخالف كالحنفية. وورد أيضا لا تنكحوا
الايامي حتى تستأمروهن رواه الترمذي، لكن يرد عليه أن الأيم شاملة للبكر وللثيب فلا يكون نصا في المدعي إلا أن
يقال حتى تستأمروهن. أي وجوبا في الثيب، وندبا في غيرها (قوله: بالغة) حال من الضمير في إذنها (قوله: فلا تزوج
الثيب الخ) مفهوم قوله بالغة. (وقوله: العاقلة) خرجت المجنونة فيزوجها أبوها وجدها عند فقده قبل بلوغها للمصلحة.
(وقوله: الحرة) خرجت القنة فيزوجها سيدها مطلقا ثيبا أو غيرها صغيرة أو كبيرة (قوله: حتى تبلغ) الأولى إسقاطه: إذ
قوله فلا تزوج مفهوم قوله بالغة، كما علمت، (قوله: لعدم اعتبار إذنها) إذ شرط اعتباره البلوغ وهو مفقود. وإلى ذلك
أشار ابن رسلان في زبده بقوله:

355
والأب والجد لبكر أجبر * وثيب زواجها تعذرا
بل إذنها بعد البلوغ قد وجب.
(قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي في قوله بجواز تزوج الثيب الصغيرة (قوله: وتصدق المرأة البالغة في
دعوى بكارة) أي قبل العقد أو بعده. بدليل التقييد بعد في دعوى الثيوبة بكونها قبل العقد والاطلاق هنا، فإذا ادعت بعد
العقد أن أباها زوجها بغير إذنها وهي بكر ليصح العقد وادعى الزوج أن أباها زوجها من غير إذنها وهي ثيب ليبطل العقد،
فالمصدق هي بلا يمين، لان الأصل بقاء البكارة وعدم إبطال النكاح، أو ادعت قبل العقد أنها بكر فزوجها أبوها من غير
إذنها صح العقد (قوله: وفي ثيوبة قبل العقد) أي وتصدق في دعوى ثيوبة قبل عقد عليها بيمينها ليسقط إجبار أبيها في
تزويجها عن غير إذنها فلا يجوز لأبيها أن يزوجها بغير إذنها (قوله: وإن لم الخ) غاية في تصديقها في دعوى الثيوبة
بيمينها: أي تصدق وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا للثيوبة (قوله: فلا تسئل) الأولى ولا تسئل بالواو بدل الفاء. (وقوله: عن
السبب) أي في الثيوبة ولا يكشف عنها أيضا لأنها أعلم بحالها (قوله: وخرج بقولي قبل عقد) أي دعواها الثيوبة قبل
العقد (قوله: دعواها الثيوبة) فاعل خرج. وقوله بعد أن يزوجها: الأولى زوجها، بصيغة الماضي، أي ادعت بعد التزوج
أنها كانت قبله ثيبا (قوله: بظنه بكرا) أي زوجها الأب وهو يظن أنها بكر. وخرج به ما إذا زوجها بغير إذنها معتقدا أنها
ثيب فالنكاح من أصله غير صحيح، فلا يحتاج إلى دعوى ولا جواب (قوله: فلا تصدق هي) أي الزوجة في دعواها
الحاصلة بعد النكاح للثيوبة (قوله: لما في تصديقها من إبطال النكاح) أي والأصل عدم إبطاله وهو علة لعدم تصديقها
(قوله: مع أن الأصل بقاء البكارة) أي التي ادعاها الأب أو الزوج (قوله: بل ولو شهدت أربع نسوة) أي بعد العقد،
والاضراب انتقالي. (وقوله: عند العقد) متعلق بثبوبتها: أي شهدن بعد العقد أنها كانت ثيبا عنده فلا تقبل شهادتهن.
(وقوله: لم يبطل) أي النكاح وهو جواب لو (قوله: لاحتمال إزالتها) أي البكارة، وهو تعليل لعدم بطلان النكاح
بشهادتهن، أي وإنما لم يبطل بها لاحتمال زوال البكارة من غير وطئ، وهو لا يمنع الاجبار فيكون النكاح بغير إذنها
صحيحا. وقوله نحو إصبع: أي كسقطة أو حدة حيض كما تقدم (قوله: أو خلقت بدونها) أي ولاحتمال أنها خلقت من
غير بكارة، والأولى أن يقول أو خلقها، بصيغة المصدر، عطفا على إزالتها (قوله: يجوز للأب تزويج صغيرة الخ) وعليه
فالتقييد بالبلوغ في قوله وتصدق المرأة البالغة ليس بشرط بالنسبة لدعوى البكارة. وفي الخطيب: ولو وطئت البكر في
قبلها ولم تزل بكارتها كأن كانت غوراء فهي كسائر الابكار. اه‍. وفي البجيرمي عليه حادثة وقع السؤال عنها وهي: أن
بكرا وجدت حاملا وكشف عليها القوابل فرأينها بكرا. هل يجوز لوليها أن يزوجها بالاجبار مع كونها حاملا أم لا؟ فأجاب
بأنه يجوز لوليها تزويجها بالاجبار وهي حامل لاحتمال أن شخصا حك ذكره على فرجها فأمنى ودخل منيه في فرجها
فحملت منه من غير زوال البكارة فهو غير محترم، فيصح نكاحها في هذه الصورة مع وجود الحمل. واحتمال كونها زنت
وأن البكارة عادت والتحمت فيه إساءة ظن بها. فعملنا بالظاهر (قوله: ثم بعد الأصل) أي الأب وأبيه وإن علا. وقوله
عصبتها: أي تكون الولاية لعصبتها. وهذا شروع في السبب الثاني من أسباب الولاية (قوله: وهو) أي العصبة وذكره
باعتبار الخبر، وهذا بيان لضابط العصبة هنا (قوله: حاشية النسب) أي طرفه، وفيه استعارة بالكناية حيث شبه النسب

356
بثوب له طرف، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو حاشية. وخرج به عصبتها من صلبها كابنها فلا يزوج ابن
أمه وإن علت لأنه لا مشاركة بينه وبينها في السب. إذ ليس هناك رجل ينسبان إليه، بل هو لأبيه وهي لأبيها فلا يعتني بدفع
العار عنه. نعم: إن كان ابنها ابن عم لها أو نحو أخ بوطئ شبهة أو معتقا لها أو قاضيا زوج بذلك السبب لا بالبنوة (قوله:
فيقدم الخ) أي أنه يقدم الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث، فيقدم أخ لأبوين لادلائه بالأب والام فهو أقوى
من غيره
(قوله: فأخ لأب) أي ثم بعده يقدم أخ لأب على غيره من سائر المنازل لادلائه بالأب (قوله: فبنوهما كذلك) أي لأبوين أو
لأب (قوله: فيقدم بنو الخ) مفرع على قوله فبنوهما كذلك (قوله: فبعد ابن الأخ) المناسب لما قبله أن يقول فبعد بني
الاخوة لأبوين ولأب. وقوله عم لأبوين: أي أخو أبيها من الأب والام. وقوله ثم لأب: أي ثم عمها لأب أي أخو أبيها من
أبيه (قوله: ثم بنوهما كذلك) أي لأبوين أو لأب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب. ومحله إن لم يكن ابن العم
لأب أخا لام وإلا قدم على ابن العم لأبوين لأنه أقوى لادلائه بالجد وبالأم والثاني يدلي بالجد والجدة (قوله: ثم عم
الأب) أي ثم بعد بني الأعمام يقدم عم أبيها. وقوله ثم بنوه: أي بنو عم الأب. وقوله كذلك: راجع لعم الأب وبنيه: أي
فيقدم عم أبيها الشقيق ثم لأب ثم بنو عم أبيها الشقيق ثم لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم الجد لأبوين ثم لأب ثم بنوه ثم
عم أبي الجد ثم بنوه كذلك ثم عم جد الجد ثم بنوه كذلك (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء) أي
تكون الولاية لمن كان عصبة بولاء أي غير المعتقة فإنها وإن كانت عاصبة إلا أنها لا تلي النكاح (قوله: كترتيب إرثهم) أي
عصبة الولاء. وتقدم في بابه أنه يقدم ابن المعتق على أبيه وأخوه وابن أخيه على جده وعمه على أبي جده (قوله: فيقدم
معتق) أي ذكر، كما علمت، ولو شاركته أنثى (قوله: فعصباته) أي فبعد المعتق عصباته، وذلك لحديث الولاء لحمة
كلحمة النسب وهي بضم اللام وفتحها الخلطة، ولان العتق أخرجها من الرق إلى الحرية، فأشبه الأب في إخراجه لها
إلى الوجود (قوله: ثم معتق المعتق) أي ثم بعد فقد عصبات المعتق تكون الولاية لمعتق المعتق (قوله:
ثم عصباته) أي ثم بعد معتق المعتق تكون الولاية لعصبات معتق المعتق (قوله: وهكذا) أي ثم معتق معتق المعتق ثم عصباته وهكذا
(قوله: فيزوجون أي الأولياء المذكورون) أي من جهة النسب ومن جهة الولاء. (وقوله: على ترتيب ولايتهم) أي
السابق بيانه من تقديم الأخ الشقيق على غيره وهكذا. ولا يجوز أن ينتقل إلى المنزلة الثانية مع وجود الأولى. فعلى هذا لو
غاب الشقيق لا يزوج الذي لأب بل السلطان، كما سيأتي، في كلامه (قوله: بالغة) مفعول يزوجون: أي
فيزوج من بعد
الأصل من العصبات بالغة: أي عاقلة حرة (قوله: لا صغيرة) أي لا يزوجون: صغيرة ولو بكرا أو مجنونة لاشتراط الاذن
وهي ليست أهلا له (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه) أي فإنه جوز للأولياء المذكورين تزوج الصغيرة (قوله: بإذن
ثيب الخ) لا يخفى ما في عبارته هنا وفيما سيأتي من الاظهار في مقام الاضمار الموجب للركاكة، فلو قال ويزوجون بالغة
بإذنها إن كانت ثيبا بوطئ وبصمتها إن كانت بكرا لكان أولى وأخصر. وقوله نطقا: أي إن كانت ناطقة، وإلا فإشارتها
المفهمة أو كتابتها كافية في الاذن، كما تقدم، وقوله لخبر الدارقطني السابق: أي وهو الثيب أحق بنفسها من وليها
ووجهه أنها لما مارست الرجال بقبلها زالت غباوتها وعرفت ما يضرها وما ينفعها (قوله: ويجوز الخ) أي يصح الاذن من
الثيب بلفظ الوكالة لان المعنى فيهما واحد. وعبارة المغني: ولو أذنت بلفظ التزويج أو التوكيل جاز على النص، كما نقله
في زيادة الروضة عن حكاية صاحب البيان، لان المعنى فيهما واحد، وإن قال الراقمي الذين لقيناهم من الأئمة لا يعدونه
إذنا لان توكيل المرأة في النكاح باطل. اه‍ (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل للاذن الحاصل بلفظ الوكالة (قوله: ورضيت

357
الخ) لا يصح عطفه على وكلتك لأنه تمثيل لما هو بلفظ الوكالة وهذا ليس كذلك ولا عطفه على الوكالة لأنه فعل لم يؤول
بالمصدر وهو لا يصح عطفه على الاسم المحض، فلعل في العبارة حذفا وهو بقولها رضيت. ثم رأيت في فتح الجواد
التصريح به وعبارته: ويجوز بلفظ الوكالة، وقوله رضيت اه‍. وقيد في التحفة والنهاية والمعنى الجواز بقولها رضيت الخ
بما إذا كانوا يتفاوضون في ذكر النكاح. وعبارة الأولين واللفظ للثاني: يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما
يفعله أبي وهم في ذكر النكاح، لا إن رضيت أمي أو بما تفعله مطلقا، ولا إن رضي أبي، إلا أن تريد به ما يفعله. اه‍.
وقوله وهم في ذكر النكاح. قال الرشيدي أي وهم يتفاوضون في ذكر النكاح. اه‍. (وقوله: مطلقا) أي سواء كانوا في
ذكر النكاح أم لا. اه‍. ع ش (قوله: لا بما تفعله أمي) أي لا يصح الاذن بما تفعله أمي: أي مطلقا سواء كانوا في ذكر
النكاح أم لا، كما علمت (قوله: لأنها لا تعتقد) علة لعدم صحة إذنها بقولها رضيت بما تفعله أمي: أي وإنما لم يصح لان
الام لا تعقد: أي لا تفعل العقد (قوله: ولا إن رضي أبي) أي ولا يجوز قولها رضيت إن رضي أبي قال في الروض وشرحه
إلا أن تريد به رضيت بما يفعله فيكفي. اه‍. ومثله في التحفة والنهاية. وقوله أو أمي: أي ولا يكفي رضيت إن رضيت به
أمي: أي مطلقا سواء أرادت به ما ذكر أم لا (قوله: وبرضيت فلانا زوجا) أي ويجوز الاذن بقولها رضيت. وفي لتحفة ما
نصه.
(تنبيه) يعلم مما يأتي أواخر الفصل الآتي أن قولها رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للاذن للولي فله
أن يزوجها بلا تجديد استئذان، ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد، لكن لا يقبل قولها فيه إلا ببينة. قال الأسنوي
وغيره: ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل كما اقتضاه كلامهم. أي لان ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه، وقيده
بعضهم بما إذا قبل الاذن وإلا كان رده أو عضله إبطالا له فلا يزوجها إلا بإذن جديد. قيل وفيه نظر، أي لما ذكرته. اه‍.
(وقوله: لما ذكرته) أي من أن ولايته بالنص الخ (قوله: وكذا بأذنت) أي وكذا يصح الاذن بأذنت له أن يعقد لي. (وقوله:
وإن لم تذكر نكاحا) أي بعد قولها يعقد لي. وقوله على ما بحث، ويؤيده ما تقدم من أنه يكفي قولها رضيت بمن يرضاه
أبي أو أمي أو بما يفعله أبي كما نص عليه في التحفة (قوله: ولو قيل لها) أي قال ولي البالغة الثيب لها. وقوله أرضيت
بالتزويج: أي أن أزوجك ولو لم يعين لها الزوج وقوله فقالت: أي المولية رضيت، أي به، وقوله كفى: أي قولها المذكور
في الاذن (قوله: وصمت بكر) بالجر عطف على بإذن: أي ويزوجون بالغة بصمت بكر، أي سكوتها، وقد علمت ما
فيه. والمعنى: أن السكوت يكفي في حقها إذا استؤذنت وإن لم تعلم أن سكوتها إذن. وكسكوتها: قولها لم لا يجوز أن
آذن؟ جوابا لقوله لها أيجوز أن أزوجك؟ أو تأذنين؟ لأنه يشعر برضاها. (وقوله: ولو عتيقة) أي فإنه يكفي صمتها والغاية
للرد على الزركشي حيث قال في ديباجه لا يكفي سكوت العتيقة (قوله: استؤذنت) قيد في الاكتفاء بالصمت. وخرج به
صمتها مع عدم استئذانها بأن زوجت بحضورها فلا يكفي (قوله: في كف ء وغيره) أي في تزويجها على كف ء وغير كف ء
ولا يشترط معرفتها عينه (قوله: وإن بكت) غاية أيضا في الاكتفاء بصمتها: أي ويكفي وإن بكت عند الاستئذان. وقوله
لكن من غير صياح أو ضرب خد: أما إذا بكت مع صياح أو ضرب خد فلا يكفي صمتها، لأنه يشعر بعدم رضاها (قوله:
لخبر الخ) دليل الاكتفاء بصمتها إذا استؤذنت. (وقوله: والبكر تستأمر) أي تستأذن. (وقوله: وإذنها سكوتها) إذنها خبر
مقدم وسكوتها مبتدأ مؤخر، والتقدير وسكوتها كإذنها، ثم حذفت الكاف مبالغة في التشبيه وقدم المشبه به. هكذا يتعين.
ولا يصح أن يجعل إذنها مبتدأ وسكوتها خبرا، لان السكون ليس إذنا حتى يجعل خبرا عنه، وإنما هو كالاذن. اه‍.
بجيرمي بتصرف (قوله: وخرج بثيب بوطئ الخ) الأولى تقديمه على قوله وصمت بكر. وقوله مزالة البكارة بنحو إصبع:

358
أي كسقطة وحدة حيض، كما تقدم (قوله: فحكمها) أي مزالة البكارة بنحو ما ذكر (قوله: ويندب للأب والجد استئذان
البكر البالغة) أي ولو سكرانة. قال في التحفة: وعليه، أي ندب الاستئذان، حملوا خبر مسلم والبكر يستأمرها أبوها
جمعا بينه وبين خبر الدارقطني السابق: أي بناء على ثبوت قوله فيه يزوجها أبوها الصريح في الاجبار. اه‍. (قوله: أما
الصغيرة الخ) محترز البالغة. (وقوله: فلا إذن لها) أي فلا إذن معتبر منها حتى أنه يندب استئذانها (قوله: وبحث ندبه)
أي الاستئذان في المميز. قال في التحفة: لاطلاق الخبر السابق ولان بعض الأئمة أوجبه، ويسن أن لا يزوجها حينئذ إلا
لحاجة أو مصلحة، وأن يرسل لموليته ثقة لا تحتشمها، والام أولى، ليعلم ما في نفسها. اه‍. (قوله: ولغيرهما الاشهاد
على الاذن) أي ويندب لغير الأب والجد الاشهاد على الاذن: أي إذن من يشترط إذنها وهي غير المجبرة. وكان الأولى
والاخصر له أن يذكر هذا عند قوله فيما تقدم لا يشترط الاشهاد على إذن معتبرة الاذن بأن يقول بعده بل يندب، كما نبهت
عليه هناك، (قوله: فرع) الأولى فروع: إذ المذكور ثلاثة: وهي قوله لو أعتق جماعة الخ، وقوله ولو أراد الخ، وقوله ولو
اجتمع الخ (قوله: لو أعتق جماعة أمة) المراد بها ما فوق الواحد فيصدق بالاثنين فما فوق (قوله: اشترط
رضا كلهم) أي
لان الولاء لهم كلهم (قوله: فيوكلون الخ) أي أو يباشرون معا. وعبارة الروض وشرحه:
(فرع) وإن أعتقها اثنان اشترط رضاهما فيوكلان أو يوكل أحدهما الآخر أو يباشران معا لان كلا منهما إنما يثبت له
الولاء على نصفها، فكما يعتبر اجتماعهما على التزويج قبل العتق يعتبر بعده. اه‍. (قوله: ولو أراد أحدهم) أي
الجماعة (قوله: زوجه الباقون مع القاضي) أما الباقون فعن أنفسهم، وأما القاضي فعن المتزوج: إذ ليس له أن يزوج
نفسه على موليته بنفسه (قوله: فإن مات جميعهم الخ) وإن مات أحدهم كفى موافقة أحد عصبته للآخرين. ولو مات ولا
عصبة له استقل الباقون بتزويجها. وقوله كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد: الأولى حذف كل الأولى لأنها توهم أنه
لا بد من رضا كل واحد واحد من عصبة كل واحد مع أنه يكفي واحد فقط من عصبة كل واحد (قوله: ولو اجتمع عدد من
عصبات المعتق في درجة) أي كبنين أو أخوة. وقوله جاز أن يزوجها أحدهم برضاها.
(تنبيه) لم يتعرض لما إذا اجتمع الأولياء من النسب. وحاصل ذلك أنهم إذا اجتمعوا في درجة واحدة كإخوة أشقاء
أو لأب أو أعمام كذلك فإن أذنت لكل منهم بانفراد فيه أو قالت أذنت في فلان فمن شاء منكم فليزوجني منه جاز لكل منهم
أن يزوجها. واستحب أن يزوجها أفقههم بباب النكاح، ثم أورعهم، ثم أسنهم، لكن برضا الباقين. فإن أذنت لواحد
منهم فقط فلا يزوجها غيره إلا وكالة عنه. ولو قالت لهم كلهم زوجوه اشترط اجتماعهم، فإن تشاحوا في صورة إذنها لكل
واحد منهم وقال كل منهم أنا الذي أزوجها فإن اتحد الخاطب أقرع بينهم وجوبا للنزاع فمن خرجت قرعته منهم زوج،
وإن تعدد فمن ترضاه، فإن رضيت الكل أمر الحاكم بتزويجها من أصلحهم (قوله: ثم بعد فقد عصبة النسب والولاء) أي
فقدهم حسا أو شرعا. وقوله قاض: أي تكون الولاية له (قوله: لقوله (ص) الخ) دليل لكون الولاية بعد فقد المذكورين
تثبت للقاضي (قوله: والمراد) أي بالسلطان من له ولاية: أي عامة أو خاصة. وأتى بهذا لدفع ما يقال إن الدليل لم يطابق
المدعي إذ المدعي القاضي والذي في الدليل السلطان. وحاصل الدفع أن المراد بالسلطان كل من له سلطنة وولاية على

359
المرأة عاما كان كالامام أو خاصا كالقاضي والمتولي لعقود الأنكحة أو هذا النكاح بخصوصه (قوله: فيزوج الخ) بيان
لشروط تزويج القاضي، وذكر ثلاثة شروط: أن يكون الزوج كفؤا، وأن تكون المرأة بالغة، وأن تكون في محل ولايته
(قوله: بكفء) أي على كف ء. فالباء بمعنى على. وقوله لا بغيره: أي لا على غير كف ء (قوله: بالغة) مفعول يزوج.
وقوله كائنة في محل ولايته: أي القاضي وسواء كان الزوج فيه أيضا أم لا: بأن وكل الزوج فعقد الحاكم مع وكيله، فالعبرة
بالمرأة. (وقوله: حالة العقد) الظرف متعلق بكائنة (قوله: ولو مجتازة به) غاية لصحة تزويج القاضي من هي في محل
ولايته: أي يصح ذلك ولو كانت مارة في محل ولايته لا مقيمة فيه (قوله: وإن كان إذنها الخ) غاية ثانية لها أيضا: أي
يصح ذلك وإن كانت وقت الاذن خارجة عن محل ولايته لكنها بعد ذلك دخلت فيه وعقد لها وهي فيه، فالعبرة أن تكون
في محل الولاية وقت العقد سواء كان إذنها له فيه أيضا أم لا (قوله: أما إذا كانت الخ) مفهوم قوله كائنة في محل ولايته
الخ. وقوله حالته: أي العقد. وقوله فلا يزوجها. أي فلا يزوج القاضي من خرجت عن محل ولايته لأنه ليس له عليها
ولاية (قوله: وإن أذنت الخ) غاية في عدم صحة تزويجه لها: أي لا يصح وإن أذنت له (قوله: قبل خروجها منه) أي من
محل ولايته (قوله: أو كان هو فيه) غاية ثانية له أيضا: أي لا يصح أن يزوج الخارجة عن محل ولايته وإن كان الخاطب
فيه. وقوله لان الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب: علة لعدم صحة تزويجه إذا كان الخاطب في محل ولايته: أي وإنما لم
يصح ذلك لان الولاية لا تتعلق بالخاطب وإنما تتعلق بها نفسها، فالعبرة بها، لا به (قوله: وخرج بالبالغة الخ) كان عليه
أن يذكر مخرج القيد الأول وهو قوله بكفء، ولعله لم يذكره اتكالا على ذكره في فصل الكفاءة. وقوله اليتيمة: أي
الصغيرة ولو مراهقة (قوله: فلا يزوجها) أي اليتيمة. (وقوله: ولو حنفيا) أي ولو كان القاضي حنفيا فإنه لا يجوز له أن
يزوجها، لكن بالشرط الذي ذكره وهو إن لم يأذن له السلطان الحنفي فيه، ومفهومه أنه إذا أذن له السلطان الحنفي فيه
صح تزويج القاضي لها (قوله: وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء) محله إن أمكن ذلك منها بأن
بلغت تسع
سنين. (وقوله: بلا يمين) متعلق بتصدق (قوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالحيض أو الامناء إلا منها نفسها، وهو علة
لتصديقها في دعواها ما ذكر بلا يمين (قوله: لا في دعوى الخ) أي لا تصدق في دعوى البلوغ بالسن، وهو خمس عشرة
سنة، إلا ببينة، وهي رجلان، وتقدم في باب الاقرار أنه إن شهد أربع نسوة بولادتها يوم كذا قبلن ويثبت بهن السن تبعا.
(وقوله: خبيرة) أي بسنها. (وقوله: تذكر عدد السنين) هذا قيد في ثبوت البلوغ بالسن، أي أنه لا يثبت إلا إن ذكرت
البينة عدد السنين الذي يحصل به البلوغ، وهو خمسة عشرة سنة، (قوله: وعدم وليها) الجملة من الفعل ونائب الفاعل
في محل نصب صفة لبالغة، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله فيزوج الخ المفرع على ما إذا فقد عصبة النسب والولاء.
(وقوله: أو غاب) أي أقرب أوليائها الخ، وهو معطوف على عدم وليها، فيفيد حينئذ أنه مفرع على ما قبله وهو لا يصح،
وذلك لان موضوع الكلام السابق، كما علمت، في فقد الولي مطلقا، وهذه المواضع موجود فيها الولي، لكن تعذر فيها
تزويجه بسبب غيبته أو عضله أو احرامه الخ، فناب الحاكم منابه في التزويج بسبب ذلك، فكان الأولى أن يفصله عما قبله
كأن يقول: وكذا يزوج القاضي فيما إذا غاب الأقرب الخ. ويكون شروعا في مواضع مستقلة زيادة على ما تقدم يزوج فيها
الحاكم. تأمل. وقد نظن بعضهم هذه المواضع التي يزوج فيها الحاكم مطلقا في قوله:
ويزوج الحاكم في صور أتت منظومة تحكي عقود جواهر

360
عدم الولي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مسافة قاصر
وكذاك إغماء وحبس مانع أمة لمحجور توالي القادر
إحرامه وتعزز مع عضله إسلام أم الفرع وهي لكافر
(وزاد بعضهم عليها).
تزويج من جنت ولم يكن مجبر بعد البلوغ فضم ذاك وبادر
(وقوله: عدم الولي) أي بأن لم يكن لها ولي أصلا. (وقوله: وفقده) أي بأن فقد، أي غاب ولم يدر موته ولا حياته
ولا محله بشرط أن لا يحكم بموته حاكم، فإن حكم بموته انتقلت للأبعد. وقوله ونكاحه: أي لنفسه بأن أراد أن يتزوج بنت
عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة فإن الحاكم يزوجها له. وقوله مسافة قاصر: مثلها ما إذا كان دون مسافة
القصر وتعذر
الوصول إليه. وقوله وكذاك إغماء: ضعيف، والمعتمد أنه ينتظر ثلاثة أيام، فإن لم يفق انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها
الحاكم أصلا. وقوله وحبس مانع: أي من الاجتماع عليه. وقوله أمة لمحجور: أي حجر سفه بأن بلغ غير رشيد أو بذر
بعد رشده ثم حجر عليه لأنه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره، بخلاف حجر الفلس فلا يمنع الولاية لكمال نظره،
والحجر عليه لحق الغرماء لا لنقص فيه. وقوله توارى القادر: أي اختفاؤه. والقادر يحتمل أنه تكملة للبيت، ويحتمل أنه
احتراز عن المكره. وقوله إحرامه: أي بالحج أو العمرة أو بهما. وقوله وتعزز: أي تغلب بأن يمتنع من غير توار معتمدا
على الغلبة. فالفرق بين التواري والتعزز: أن التواري الامتناع مع الاختفاء، والتعزز الامتناع مع الظهور والقوة. وقوله مع
عضله: أي عضلا لا يفسق به بأن غلبت طاعاته علي معاصيه، وإلا فتنتقل للأبعد بناء على منع ولاية الفاسق. وقوله
إسلام أم الفرع: أي أم الولد يعني إذا استولد الكافر أمة ثم أسلمت فإنه يزوجها الحاكم. وقوله ولم يك مجبر: فإن كان
هناك مجبر زوجها هو، لا الحاكم، هذا حاصل ما يتعلق بشرح الأبيات المذكورة. وقد ذكر معظم ذلك المؤلف رحمه الله
تعالى (قوله: أو غاب) فاعله ضمير مستتر يعود على وليها. وقوله بعد: أي أقرب أوليائها تفسير مراد له، ولا يقال إن
الفاعل محذوف وأن هذا تقديره لأنا نقول ليس هذا من المواضع التي يجوز حذف الفاعل فيها، وفائدة هذا التفسير بيان
أنه إذا غاب الأقرب لا تنتقل الولاية للأبعد بل للحاكم (قوله: مرحلتين) منصوب بإسقاط الخافض: أي إلى مرحلتين.
والمراد إلى مسافة مقدارها بسير الأثقال مرحلتان، وهذه هي مسافة القصر (قوله: وليس له الخ) الجملة حالية: أي
والحال أنه ليس لهذا الغائب وكيل حاضر هي التزويج، فإن كان له وكيل حاضر قدم على السلطان على المنقول
المعتمد، خلافا للبلقيني (قوله: وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي) قال سم: أي بلا يمين، ثم قال في الروض
وشرحه: وهل يحلفها وجوبا على أنها لم تأذن للغائب إن كان ممن لا يزوج إلا بإذن وعلى أنه لم يزوجها في الغيبة؟
وجهان. اه‍. والأوجه الوجوب في الصورتين. م ر. اه‍ (قوله: وخلوها الخ) معطوف على غيبة الولي:
أي وتصدق
أيضا في دعوى خلوها من النكاح ومن العدة: أي ومن سائر موانع النكاح كالاحرام والمحرمية وسيصرح بهذه المسألة في
المتن (قوله: وإن لم تقم بينة بذلك) غاية في تصديقها في دعواها ما ذكر: أي تصدق مطلقا سواء أقامت بينة على ما ادعته
أم لا. قال في المغني: لأن العقود يرجع فيها إلى قوله أربابها. اه‍ (قوله: ويسن طلب بينة بذلك) أي بما ادعته. وقوله
منها: أي المرأة، وهو متعلق بطلب: أي طلبها منها. وعبارة المغني: وتستحب إقامة البينة بذلك ولا يقبل فيها الاشهاد
مطلع على باطن أحوالها. اه‍. وقال في التحفة: فإن ألحت في الطلب بلا بينة ولا يمين أجيبت على الأوجه، وإن رأى
القاضي التأخير لما يترتب عليه حينئذ من المفاسد التي لا تتدارك. اه‍ (قوله: وإلا فتحليفها) أي وإلا تأت بالبينة بعد
الطلب فيسن تحليفها، ويدل على ذلك عبارة الروض ونصها: ويستحب تحليفها على ذلك: أي على غيبة وليها

361
وخروجها عن النكاح والعدة. اه‍. وكتب الرشيدي على قول النهاية وإلا فتحليفها ما نصه: هذا لا حاجة إليه مع قوله
وتصدق في غيبة وليها، إذ من المعلوم أن تصديقها إنما يكون باليمين على أنه لا يخفى ما في تعبيره بقوله وإلا من
الايهام. اه‍. وقوله إذ من المعلوم الخ: فيه نظر لما تقدم عن سم من أنها تصدق بلا يمين. وكتب ع ش ما نصه: وقوله
وإلا أي بأن لم تقم بينة. وقوله فتحليفها: أي وجوبا. اه‍. وفي قوله وجوبا نظر أيضا لما تقدم عن الروض (قوله: ولو
زوجها) أي القاضي. وقوله لغيبة الولي: أي لأجل أن وليها الخاص غائب. والمراد غائب إلى مسافة القصر بدعواها مثلا
وقوله فبان: أي وليها بعد النكاح وقوله أنه قريب من بلد العقد: أي أنه كان في دون مسافة القصر، ولا بد من تقييده،
أخذا مما بعد بكونه لم يتعذر الوصول إليه، وإلا كان حكمه حكم من كان في مسافة القصر (قوله: لم ينعقد) أي النكاح.
وقوله إن ثبت قربه: أي ببينة (قوله: فلا يقدح في صحة الخ) أي فلا يؤثر في صحته مجرد قوله كنت قريبا من غير أن يأتي
ببينة على قوله المذكور (قوله: خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا) أي من أنه يقدح قوله المذكور في الصحة ولو لم
يأت ببينة. وعبارة الروض وشرحه: فإن زوجت في غيبته فبان الولي قريبا من البلد عند العقد ولو بقوله، كما
يؤخذ من
كلام نقله الزركشي عن فتاوى البغوي، لم ينعقد نكاحها لان تزويج الحاكم لا يصح مع وجود الولي الخاص. اه‍ (قوله:
أو غاب إلى دونهما) معطوف على قوله أو غاب مرحلتين ومقابل له: أي أو لم يغب إلى مرحلتين بل غاب إلى دونهما لكن
تعذر الوصول إليه فللقاضي أن يزوجها عند غيبته حينئذ. وخرج بقوله لكن تعذر الوصول إليه ما إذا لم يتعذر فلا يزوج إلا
بإذنه كما لو كان مقيما. وعبارة شرح الروض: أما ما دون مسافة القصر فلا يزوج حتى يرجع الولي فيحضر أو يوكل كما لو
كان مقيما. نعم: لو تعذر الوصول إليه لفتنة أو خوف ففي الجيلي أن له أن يزوج بلا مراجعة في الأصح. اه‍ (قوله:
لخوف في الطريق) متعلق بتعذر، واللام تعليلية: أي أو تعذر لأجل خوف حاصل في الطريق. وفي شرح الروض: قال
الأذرعي والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر الوصول إليه أن القاضي يزوج. اه‍. وقوله من القتل الخ:
بيان للخوف (قوله: أو فقد) معطوف على عدم وليها لان هذا نوع ثالث، وأما الذي قبله فهو من تتمة النوع الثاني، ولذلك
عطفته عليه. وقوله أي الولي: المناسب أن يقول كسابقه، أي أقرب الأولياء، ومثله يقال فيما بعده. (وقوله: بأن لم
يعرف الخ) تصوير للفقد، وهذا هو الفارق بينه وبين العدم في قوله عدم وليها. وحاصل الفرق أن المعدوم هو الذي عرف
عدمه، والمفقود هو الذي لم يعرف عدمه ولا حياته. (وقوله: بعد غيبة الخ) متعلق بيعرف المنفي (قوله: هذا) أي ما ذكر
من تزويج القاضي عند فقد الولي إن لم يحكم بموته حاكم،. فإن حكم به انتقلت الولاية للأبعد ولا يزوجها القاضي
(قوله: أو عضل الولي الخ) معطوف على عدم وليها أيضا. وعبارة التحفة مع الأصل: وكذا يزوج السلطان إذا عضل
القريب أو المعتق أو عصبته إجماعا، لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناعه منه أو سكوته بحضرته بعد أمره به والخاطب
والمرأة حاضران أو وكيلهما أو بينة عند تعززه أو تواريه. نعم: إن فسق بعضله لتكرره منه مع عدم غلبة طاعاته على
معاصيه أو قلنا بما قاله جمع إنه كبيرة زوج الابعد، وإلا فلا: لان العضل صغيرة وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع
المسلمين مراده أنه عند عدم تلك الغلبة في حكمها لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة. اه‍. وقوله لتكرره منه: قال في
الروض: ولا يفسق إلا إذا تكرر ثلاث مرات. اه‍. (قوله: ولو مجبرا) غاية في الولي: أي لا فرق فيه بين أن يكون
مجبرا أو لا (قوله: أي منع) تفسير لعضل (قوله: مكلفة) مفعول عضل، وهو قيد أول. وقوله أي بالغة عاقلة: تفسير

362
للمكلفة. وقوله دعت: أي طلبت المكلفة، وهو قيد ثان. وقوله إلى تزويجها: متعلق بدعت. وقوله من كف ء: متعلق
بتزويجها، وهو قيد ثالث. وبقي من القيود أن يكون الكفء معينا، وأن يثبت عضله عند القاضي، كما تقدم، إما بامتناعه
من التزويج بعد أمر القاضي له أو ببينة تشهد بعضله، فإذا فقد واحد من هذه القيود لا يكون عاضلا، فلا يجوز للقاضي أن
يزوجها (قوله: ولو بدون مهر مثل) أي يحصل العضل بطلبها التزويج على كف ء ولو بدون مهر المثل، وذلك لان المهر
لها لا له، فإذا رضيت به لم يكن لعضله عذر (قوله: من تزويجها) متعلق بعضل. وقوله به: أي بالكف ء، والباء بمعنى
على: أي عضلها من التزويج على كف ء (قوله: فروع) أي خمسة: الأول قوله لا يزوج القاضي الخ، الثاني قوله ولا
يزوج غير المجبر الخ الثالث قوله ولو ثبت توارى الخ، الرابع قوله وكذا يزوج الخ، الخامس قوله وإنما يزوج للقاضي الخ
(قوله: لا يزوج الخ) يعني لو عينت للولي المجبر كفؤا وهو عين لها كفؤا آخر غير كفئها لا يكون عاضلا بذلك فلا يزوجها
القاضي بل تبقى الولاية له، وذلك لان نظره أعلى من نظرها، فقد يكون معينه أصلح لها من معينها. وقوله وقد عين هو:
أي المجبر. وقوله وإن كان معينه: بصيغة اسم المفعول، وهو غاية لعدم تزويج القاضي حينئذ: أي لا يزوج القاضي
حينئذ وإن كان من عينه المجبر أقل في الكفاءة بمن عينته هي لأنه لا يكون عاضلا بذلك (قوله: ولا يزوج غير المجبر) أي
موليته. وقوله ولو أبا أو جدا: غاية لغير المجبر. وقوله بأن كانت ثيبا: تصوير لكون الأب أو الجد غير مجبر. وقوله
إلا ممن عينته: متعلق بيزوج، والاستثناء ملغى: أي لا يزوجها إلا على من عينته. وذلك لان أصل تزويجها متوقف على
إذنها، فإذا عينت له شخصا تعين (قوله: وإلا) أي وإن لم يزوجها على من عينته سواء أراد تزويجها على
غيره أم لم يرد
أصلا. وقوله كان عاضلا: جواب إن المدغمة في لا، وحينئذ يزوجها القاضي (قوله: ولو ثبت) أي ببينة. وقوله توارى
الولي أو تعززه: في حاشية الباجوري التواري: الهرب والتعزز: كأن يقول عند طلب التزويج منه أزوجها غدا، وهكذا
فكلما يسئل في ذلك يوعد. اه‍. وتقدم فرق غير هذا في شرح الأبيات المار (قوله: زوجها الحاكم) جواب لو.
والمناسب لسابقه ولاحقه أن يقول القاضي (قوله: وكذا يزوج القاضي الخ) أي ومثل كونه يزوج فيما إذا ثبت التواري أو
التعزز يزوج إذا أحرم الولي: أي بحج أو عمرة أو بهما معا صحيحا كان إحرامه أو فاسدا (قوله: أو أراد نكاحها) أي وكذا
يزوج القاضي إذا أراد الولي أن يتزوج بموليته، لكن بشرط أن لا يكون لها ولي مساو له في الدرجة غيره بدليل المثال
بعد. فإن كان لها ولي غيره كذلك فإنه هو الذي يزوجها لا القاضي (قوله: كابن عم) أي أراد أن يتزوج على بنت عمه.
وقوله فقد من يساويه في الدرجة: فإن لم يفقد كأن كان لها ابنا عم متساويان في الدرجة وأراد أحدهما أن يتزوج بها فإن
الآخر هو الذي يزوجها لا القاضي، كما علمت، وقوله ومعتق: معطوف على ابن عم: أي وكمعتق أراد أن يتزوج على
عتيقته فإن القاضي هو الذي يزوجها عليه وتقدم في الشرح أنه لو أعتق جماعة أمة وأراد واحد منهم أن يتزوج بها فإنه
يزوجها القاضي مع الباقين (قوله: فلا يزوج الابعد الخ) هذا تصريح بما علم من قوله فيزوج القاضي الخ: إذ يعلم منه
أنه إذا كان هناك ولي أبعد لا تنتقل الولاية له بل للقاضي. وقوله في الصور المذكورة: أي في الفروع وفيما قبلها غير
الصورة الأولى، أعني صورة عدم الولي، لأنه لا يتصور فيها وجود ولي أبعد، إذ المراد فيها عدم الأولياء مطلقا (قوله:
لبقاء الأقرب على ولايته) تعليل لكون القاضي هو الذي يزوج في الصور المذكورة لا الابعد: أي وإنما زوج القاضي لا
الابعد لكون الأقرب باقيا على ولايته بدليل أنه في صورة الغيبة لو رجع هو الذي يزوج، وكذلك في صورة العضل
والاحرام، والابعد إنما يزوج إذا لم تكن الولاية ثابتة للأقرب بأن كان رقيقا أو صبيا أو مجنونا.

363
(والحاصل) أن الولي الأقرب في صورة الغيبة وما بعدها باق على ولايته إلا أنه لما تعذر التزويج بسبب الغيبة
ونحوها ناب عنه القاضي، والابعد إنما يزوج عند انتفاء الولاية من الأقرب.
(واعلم) أنه اختلف في الامام: هل يزوج بالولاية أو بالنيابة الشرعية؟ على وجهين. وذكر في فتح الجواد أن فروعا
تقتضي أن تزويج السلطان بالولاية العامة، وفروعا أخر تقتضي أنه بالنيابة الشرعية، وأن الذي يتجه أنه في نحو الغيبة
بنيابة اقتضتها الولاية، وعند عدم الولي يزوج بالولاية. اه‍ (قوله: وإنما يزوج للقاضي) اللام زائدة، وكان الأولى
إسقاطها. وقوله أو طفله: لو قال أو محجوره لكان أولى ليشمل المجنون. وقوله إذا أراد نكاح الخ: أي لنفسه أو
لمحجوره ليطابق ما قبله. (وقوله: من ليس لها ولي) أي خاص. (وقوله: قاض آخر) فاعل يزوج. (وقوله: بمحل
ولايته) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقاض: أي قاض آخر كائن بمحل ولاية القاضي المتزوج، والمراد
أن للقاضي الآخر ولاية على محل ولاية القاضي المتزوج بأن يكون لذلك المحل قاضيان لجواز تعدد القاضي في بلدة،
فإذا أراد القاضيين أن يتزوج بمن ليس لها ولي خاص زوجه الآخر عليها كابني العم المتساويين في الدرجة (قوله: إذا
كانت المرأة في عمله) الضمير يعود علي القاضي الآخر، وهو بيان لقيد ثان، وهو أنه لا بد في المرأة أن تكون في محل
عمل القاضي الآخر لأجل أن تكون له ولاية عليها. وهذا القيد يغني عن القيد الأول، أعني قوله بمحل ولايته، وذلك لأنه
يلزم من كونها في محل عمل القاضي الآخر أن يكون هو في محل عمل القاضي المتزوج: إذ الفرض أن للقاضي
المتزوج ولاية عليها، ولذلك لم يذكره في التحفة ونصها مع الأصل: فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها غيره لنفسه أو
لمحجوره زوجه من هي في عمله سواء من فوقه من الولاة ومن هو مثله أو خليفته لان حكمه نافذ عليه. وإن أراده الامام
الأعظم زوجه خليفته. اه‍ (قوله: أو نائب القاضي) معطوف على قاض آخر: أي أو يزوجه نائبه. وقوله أو طفله.
معطوف على الضمير المستتر في يتزوج لوجود الفصل بالضمير المنفصل. قال في الخلاصة:
وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل
(قوله: ثم إن لم يوجد ولي ممن مر) أي من الأصل وعصبة النسب وعصبة الولاء والقاضي. وصريح هذا يفيد أن
المحكم لا يزوج إلا عند فقد الجميع حتى القاضي، وإذ كان كذلك فلا يلائم تفصيله الآتي، أعني قوله وإن لم يكن
مجتهد إذا لم يكن ثم قاض، وإلا اشترط أن يكون المحكم مجتهدا فإنه يقتضي عدم اشتراط فقد القاضي في تزويج
المحكم، وتفصيله المذكور هو الموافق لصريح عبارة التحفة المار نقلها على قول الشارح، فلا تزوج امرأة نفسها،
وحينئذ فكان الأولى للمؤلف أن يعبر بعبارة موافقة لما ذكر (قوله: فيزوجها محكم) بصيغة اسم المفعول. قال في
التحفة: وهل يتقيد ذلك بكون المفوض إليه في محلها كما يتقيد القاضي بمحل ولايته، أو يفرق بأن ولاية القاضي مقيدة
بمحل فلم يجاوزه بخلاف ولاية هذا فإن مناطها إذنها له بشرطه فحيث وجد زوجها وإن بعد محلها؟ كل محتمل. والثاني
أقرب اه‍. وفي البجيرمي: فإن لم يوجد أحد تحكمه أمرها وخافت الزنا زوجت نفسها، لكن بشرط أن يكون بينها وبين
الولي مسافة القصر. ثم إذا رجعا للعمران ووجد الناس جددا العقد إن لم يكونا قلدا من يقول بذلك. اه‍. (قوله: عدل)
خرج به غيره فلا يصح تزويجه لأنه غير أهل للتحكيم. وقوله حر: خرج به غيره فلا يصح منه ذلك لذلك (قوله: ولته) أي
فوضته. وقوله مع خاطبها: إنما قيد بذلك لان حكم المحكم لا يفيد إلا برضاهما به معا ولا بد أن يكون لفظا فلا يكفي
السكوت. نعم يكفي سكوت البكر إذا استئذنت في التحكيم. وقوله أمرها: مفعول ثان لولت، وفي العبارة حذف: أي
وولاه الخاطب أمره لأن المرأة تفوضه أمر نفسها والخاطب كذلك يفوضه أمر نفسه (قوله: ليزوجها منه) هذه العلة عين

364
الامر المفوض إلى المحكم: إذ هو التزويج، وإذا كان كذلك فينحل المعنى ولته أن يزوجها ليزوجها، ولا يخفى ما في
ذلك من الركاكة، فالأولى حينئذ إسقاطها (قوله: وإن لم يكن مجتهدا) غاية لقوله فيزوجها محكم عدل: أي يزوجها ذلك
المحكم وإن لم يكن مجتهدا. وقوله إذا لم يكن الخ: قيد في جواز تزويج المحكم مطلقا وإن كان ليس بمجتهد: أي
محل جواز ذلك مطلقا إذا لم يوجد ثم أي في المحل الذي حكما المحكم فيه قاض.
(والحاصل) يجوز تحكيم المجتهد مطلقا سواء وجد حاكم ولو مجتهدا أم لا، وتحكيم العدل غير المجتهد بشرط
أن لا يكون هناك قاض ولو غير أهل: سواء وجد مجتهد أم لا (قوله: وإلا) أي بأن كان ثم قاض ولو غير أهل. وقوله
فيشترط: أي في صحة تزويجه أن يكون المحكم مجتهدا (قوله: نعم إن كان الحاكم الخ) استدراك على اشتراط كون
المحكم مجتهدا إذا وجد قاض (قوله: فيتجه أن لها أن تولي عدلا) أي غير مجتهد. وقوله مع وجوده: أي الحاكم
المذكور (قوله: وإن سلمنا أنه) أي الحاكم لا ينعزل بذلك: أي بأخذه الدراهم (قوله: بأن علم موليه) تصوير لعدم
انعزاله مع أخذه الدراهم، فإن لم يعلم منه ذلك حال التولية انعزل بأخذه الدراهم لأنه مفسق، وذلك لما سيأتي في باب
القضاء من أنه إذا ولى سلطان غير أهل للقضاء مع علمه بفسقه نفذت توليته وقضاؤه وإلا بأن ظن عدالته ولو علم فسقه لم
يوله فلا (قوله: ولو وطئ في نكاح الخ) المناسب ذكر هذا عند قوله فيما تقدم فلا تزوج امرأة نفسها ولا بناتها، خلافا
لأبي حنيفة رضي الله عنه، وقد قدمت الكلام عليه هناك (قوله: بلا ولي) أي ولا محكم أيضا كما هو ظاهر (قوله: كأن
زوجت نفسها) أي بحضرة شاهدين عند ابن حجر، ومثله لو زوجت نفسها بلا حضرة شاهدين عند م ر (قوله: ولم يحكم
حاكم بصحته) أي النكاح، فإن حكم بها وجب المسمى ولا تعزير. وقوله ولا ببطلانه: فإن حكم به فالوطئ زنا فيه الحد،
لا المهر (قوله: لزمه) جواب لو. وقوله مهر المثل: أي مهر مثل بكر إن كانت بكرا وإن لم يجب أرش البكارة أخذا من
قوله في الروض وشرحه في البيع الفاسد وحيث لا حد يجب المهر، فإن كان بكرا فمهر للتمتع بها، وقياسا على النكاح
الفاسد وأرش البكارة لاتلافها، بخلافة في النكاح الفاسد لان فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، وأرش البكارة
مضمون في صحيح البيع دون صحيح النكاح الخ. اه‍. سم (قوله: لفساد النكاح) أي ولخبر: أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها فنكاحها باطل، ثلاثا، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي
له رواه الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححه (قوله: ويعزر به معتقد تحريمه) أي لارتكابه محرما لا حد فيه ولا
كفارة (قوله: ويسقط عنه الحد) أي لشبهة اختلاف العلماء (قوله: ويجوز لقاض الخ) مثله الولي الحاضر، ولكن لا
يشترط فيه ما اشترط في القاضي إذا عرف لها زوجا معينا.
(والحاصل) أنه لو ادعت المرأة أنها خلية عن النكاح والعدة ولم تعين الزوج قبل قولها وجاز للولي اعتماد قولها
سواء كان خاصا أو عاما، بخلاف ما لو قالت كنت زوجة لفلان وعينته وقد طلقني أو مات فإنه لا يقبل قولها بالنسبة إلى
الولي العام إلا بإثبات، بخلاف الخاص فإنه يقبل قولها بالنسبة إليه مطلقا. والقرق بينهما أن الأول نائب الغائبين ونحوهم
فينوب عن المعين ويحتاج إلى الاثبات لئلا يفوت حقه، بخلاف الثاني (قوله: أو طلقني الخ) أي أو قالت طلقني زوجي
واعتددت (قوله: ما لم يعرف) أي القاضي. وقوله لها: أي للمرأة المدعية ما ذكر. وقوله زوجا معينا: أي باسمه أو
شخصه، كما سيصرح به فيما بعد (قوله: وإلا الخ) مفهوم القيد. وقوله أي وإن عرف لها زوجا: أي بنفسه بدليل قوله

365
بعد أو عينته (قوله: باسمه) متعلق بعرف: أي عرفه باسمه وإن لم يعرف شخصه. وقوله أو شخصه: أي ذاته وإن لم
يعرف اسمه. وقوله أو عينته: أي باسم العلم: كأن قالت له إن فلانا كان زوجي وقد طلقني، أو باسم الإشارة: كأن قالت
هذا زوجي وقد طلقني (قوله: شرط الخ) جواب إن المدغمة في لا. وقوله في صحة تزويج الحاكم: الأولى تزويجه، إذ
المقام للاضمار (قوله: دون الولي الخاص) سيأتي محترزه (قوله: إثبات) أي ببينة. وقوله بنحو طلاق أو موت: الباء
سببية متعلقة بفراق، أي فراقه بسبب طلاق أو موت ونحوهما كالفسخ (قوله: سواء الخ) تعميم في اشتراط إثبات الفرقة،
أي يشترط إثباتها ببينة مطلقا سواء أغاب الزوج أم حضر (قوله: وإنما فرقوا بين المعين) أي حيث اشترط إثبات فراقه
بالنسبة للحاكم. وقوله وغيره، أي وبين غير المعين حيث لم يشترط فيه ذلك مطلقا. وقوله مع أن المدار العلم بسبق
الزوجية، أي علم الحاكم به. وقوله أو بعدمه، أي عدم العلم بسبق الزوجية. وقوله حتى يعمل بالأصل، أي فيعمل.
فحتى تفريعية والفعل مرفوع، أي فحقهم إذا كان المدار على ما ذكر أن يعملوا بالأصل في كل ولا يفرقوا بين المعين
وغيره. والأصل فيما إذا علم بسبق الزوجية بقاؤها حتى يثبت ما يرفعها سواء كان الزوج معينا أو لا، والأصل فيما إذا لم
يعلم بسبق الزوجية وعدمها (قوله: لان القاضي الخ) هذا وجه الفرق، فهو علة لفرقوا. وقوله تأكد له، أي
للقاضي وهو
جواب لما. وقوله الاحتياط، أي في تزويجها (قوله: والعمل الخ) أي وتأكد له العمل بالأصل وهو بقاء الزوجية (قوله:
فاشترط) أي لصحة تزويج القاضي. وقوله الثبوت: أي الاثبات، أي إثباتها الفراق لمخالفته الأصل (قوله: ولأنها الخ)
عطف على قوله لان القاضي (قوله: باسم العلم) أي باسمه الذي هو علم عليه، فالعلم، بفتحتين، والإضافة للبيان
(قوله: كأنها ادعت عليه) أي بأنه فارقها (قوله: بل صرحوا بأنها دعوى) أي حقيقة والاضراب انتقالي (قوله: فلا بد من
إثبات ذلك) أي الفراق لان على المدعي البينة (قوله: بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية الخ) أي فلا يتأكد له الاحتياط،
فلم يشترط الاثبات. وقوله من غير تعيين بما ذكر: أي بالاسم أو الشخص (قوله: فاكتفى) أي القاضي. وقوله بالخلو عن
الموانع: متعلق بإخبارها (قوله: لقول الأصحاب أن الخ) هذه العلة تقتضي عدم اشتراط الاثبات في المعين أيضا بالنسبة
للحاكم ولكنه لم يعمل بها فيه بالنسبة إليه للاحتياط ولان تعيينها بمنزلة دعوى منها عليه، كما تقدم. وعبارة التحفة: وإلا
اشترط في صحة تزويج الحاكم لها إثباتها لفراقه. هذا ما دل عليه كلام الشيخين، وهو المعتمد، وإن كان القياس ما قاله
جمع من قبول قولها في المعين أيضا حتى عند القاضي لقول الأصحاب إن العبرة في العقود بقول أربابها. اه‍. بحذف.
(وقوله: في العقود) أي إثباتا أو رفعا فلا يرد أن المدعي هنا الفراق وهو لا يسمى عقدا (قوله: وأما الولي الخاص) محترز
قوله دون الولي الخاص. (وقوله: فيزوجها إن صدقها) أي في أنها خلية من النكاح والعدة أو أن زوجها طلقها واعتدت
منه (قوله: وإن عرف زوجها الأول) غاية في صحة تزويج الولي لها (قوله: من غير إثبات الخ) متعلق بيزوجها (قوله:
لكن يسن له) أي للولي الخاص. (وقوله: كقاض لم يعرف زوجها) أي كما أنه يسن لقاض الخ. وقوله طلب: نائب
فاعل يسن. وقوله إثبات ذلك أي ما ادعته من أنها خلية من النكاح والعدة (قوله: وفرق بين القاضي والولي الخ) هذا عين
قوله أولا وإنما فرقوا الخ إلا أنه هناك جعله بين المعين وغيره. وهنا بين القاضي والولي، ولكن الحيثية واحدة، فالأولى

366
إسقاط هذا اكتفاء بذلك (قوله: حيث فصل بين المعين وغيره) أي فاشترط الاثبات في الأول دون الثاني. وقوله في
ذلك: أي في القاضي. وقوله دون هذا: أي الولي (قوله: لان القاضي الخ) علة الفرق. وقوله يجب عليه الاحتياط: في
سم ما نصه: والفرق أنه إذا تعين الزوج فقد تعين صاحب الحق والقاضي له، بل عليه النظر في حقوق الغائبين
ومراعاتها، بخلاف الولي الخاص. اه‍. (قوله: ويجوز لمجبر وهو الأب الخ) ظاهره وإن نهته عنه لأنه لما جاز له
تزويجها بغير إذنها لم يؤثر نهيها. اه‍. سم (قوله: توكيل معين) خرج المبهم كأن يقول وكلت أحدكما فلا يصح توكيله.
وقوله صح تزوجه الجملة صفة لمعين: أي معين موصوف بكونه يصح أن يتزوج هو بنفسه. وقيد به لما تقدم في باب
الوكالة من أن شرط الوكيل صحة مباشرته ما وكل فيه. وخرج به نحو الصبي والمجنون فلا يصح توكيلهما في النكاح لعدم
صحة المباشرة منهما لأنفسهما (قوله: في تزويج موليته) متعلق بتوكيل: أي توكيله في تزويج موليته (قوله: بغير إذنها)
أي كما يزوجها بغير إذنها. نعم: يسن للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها، تحفة. وقال سم: ولو وكل بغير إذنها ثم صارت
ثيبا قبل العقد فيتجه بطلان التوكيل وامتناع تزويج الوكيل لخروج الولي عن أهلية التوكيل بغير إذنها، ويحتمل خلافه.
فليراجع. اه‍. وقوله بغير إذنها: أما لو وكل بإذنها فيستصحب ولا يبطل التوكيل (قوله: وإن لم يعين المجبر الزوج) أي
يجوز توكيل المجبر في التزويج وإن لم يعين للوكيل الزوج: كأن قال له وكلتك في تزويج بنتي، وذلك لان وفور شفقته
تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بنظره واختباره، ولا ينافيه اشتراط تعيين الزوجة لمن وكله أن يتزوج له لأنه لا ضابط له
فيها يرجع إليه بخلافه في الزوج فإنه يتقيد بالكف ء (قوله: وعلى وكيل) أي ويجب على وكيل. (وقوله: إن لم يعين
الولي الزوج) أي للوكيل فإن عينه له اتبع ما عين له، ولا يجب عليه رعاية حظ واحتياط في أمرها. ومفاده أنه إذا عين له
غير كف ء تعين وصح تزويجها عليه، وهو مسلم إن كان برضاها، وإلا فلا: لأنه لا يصح منه أن يزوجها بنفسه عليه فضلا
عن التوكيل فيه (وقوله: رعاية حظ) أي لها فلا يزوج بمهر المثل، وثم من يبذل أكثر منه: أي يحرم عليه ذلك وإن صح
العقد كما هو ظاهر بخلاف البيع لأنه يتأثر بفساد المسمى، ولا كذلك النكاح. اه‍. (قوله: فإن زوجها بغير كف ء) هذا
لا يترتب على رعاية الاحظ والاحتياط لان التزويج على كف ء شرط للصحة لا للكمال حتى أنه يقال إذا لم يزوج على
كف ء لم يراع الاحظ والأكمل. نعم: إن أريد بالاحتياط مطلق أمر مطلوب، سواء كان شرط صحة أو كمال، صح ترتبه
عليه (قوله: أو بكفء وقد خطبها أكفأ منه) يعني لو خطبها أكفاء متفاوتون في الكفاءة لم يجز تزويجها بغير الأكفاء لان
تصرف الوكيل بالمصلحة وهي منحصرة فيه، وإنما لم يلزم الولي ذلك لان نظره أوسع من نظر الوكيل ففوض الامر إلى ما
يراه أصلح وفي التحفة: ولو استويا كفاءة وأحدهما متوسط والآخر موسر تعين الثاني، كما قال بعضهم، ومحله إن سلم ما
لم يكن الأول أصلح لحمق الثاني أو شدة بخله: اه‍. (قوله: لم يصح التزويج) أي على غير الكفء في الصورة
الأولى، وغير الاكفأ في الصورة الثانية. قال ع ش: وقضيته عدم الصحة وإن كان غير الاكفأ أصلح من حسن اليسار
وحسن الخلق ونحوهما، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدا. اه‍. (قوله: ويجوز التوكيل لغيره) دخل في الغير القاضي،
فله التوكيل: قاله سم: ثم قال: وبه يتضح ما أجبت به في حادثة بزبيد، وهي أن قاضي بلدة صغيرة عارف بلغة العرب
وبالعلوم الشرعية ولاه من له ذلك شرعا، ولم يأذن له في الاستخلاف وجاءه امرأة ورجل غريبان وأذنت له المرأة أن
يزوجها بهذا الرجل ولم يكن لها ولي خاص في البلدة ولا في أعمالها، فهل للقاضي أن يفوض أمر العقد إلى غيره أم ليس
له ذلك؟ وإذا قلتم بأنه يفوض: هل يكون من قبيل الاستخلاف؟ وإذا قلتم لا: فهل هو من قبيل التوكيل؟

367
(فأجبت) بأن العقد صحيح، وإن ذلك من قبيل التوكيل أخذا من هذا الكلام، وعبارة الروض: ولغير المجبر
التوكيل بعد الاذن له في النكاح. اه‍. ثم بلغني أن الزبيديين والمصريين أجابوا بعدم الصحة، إذ ليس له الاستخلاف.
ثم بلغني أن علامتهم الشمس الرملي رجع إلى الجواب بالصحة عند قدومه مكة للحج، ونقل لي صورة جوابه وهو ما
نصه: نعم العقد المذكور صحيح حيث كان الزوج كفؤا، إذ للولي سواء كان خاصا أم عاما التوكيل حيث لم تنهه عن
ذلك. اه‍. (قوله: بأن لم يكن الخ) تصوير لغير المجبر. (وقوله: أو كانت موليته ثيبا) أي أو كان أبا أو
جدا وكانت
موليته ثيبا (قوله: فليوكل) دخول على المتن، والأولى إسقاطه لقرب العهد بمتعلقه. وقوله بعد إذن حصل منها له فيه
الضمير الأول الذي في الفعل يعود على الاذن، والثاني المجرور بمن يعود على المرأة المولية والثالث يعود على غير
المجبر، والرابع يعود على التزويج، كما فسره به الشارح، ويصح توكيله بعد الاذن المذكور وإن لم تأذن له في التوكيل
ولم تعين زوجا قال في التحفة: لأنه بالاذن صار وليا شرعا، أي متصرفا بالولاية الشرعية، فملك التوكيل عنه، وبه فارق
كون الوكيل لا يوكل إلا لحاجة. اه‍. وقال سم: وهذا تصريح بأن الولي ولو غير مجبر ومنه القاضي يوكل وإن لاقت به
المباشرة ولم يعجز عنها. اه‍. (قوله: إن لم تنهه) أي غير المجبرة. وهو قيد لصحة توكيله: أي يصح ما لم تنهه عنه،
فإن نهته عنه لم يصح التوكيل، وذلك لأنها إنما تزوج بالاذن ولم تأذن في تزويج الوكيل به نهته عنه. وعبارة المنهاج:
وغير المجبر إن قالت له وكل وكل، وإن نهته عن التوكيل فلا، وإن قالت له زوجني وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ولا نهته عنه
فله التوكيل في الأصح. اه‍. بزيادة (قوله: وإذا عينت) أي بالاسم أو الشخص (قوله: فليعينه) أي الولي الرجل: أي
فليعين الولي الرجل للوكيل (قوله: وإلا) أي بأن لم يعين أصلا: بأن أطلق أو عين غير ما عينته. وقوله لم يصح تزويجه:
أي الوكيل (قوله: ولو لمن عينته) غاية لعدم الصحة: أي لم يصح وإن كان زوجها الوكيل على الذي عينته (قوله: لان
الاذن الخ) علة لعدم صحة تزويج الوكيل الذي لم يعين له الولي الرجل الذي عينته: أي وإنما لم يصح حينئذ لان إذن
الولي للوكيل المطلق عن تعيين من عينته فاسد. وإذا فسد ما ترتب عليه وهو التزويج: وقوله مع أن المطلوب: أي
مطلوبها معين. وقوله فاسد: خبر أن الأولى (قوله: وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج) حكاه بالمعنى وإلا فهو لم
يقل هناك ما ذكر، وإنما قال بعد إذن له فيه (قوله: ما لو وكله) ما فاعل خرج، وهي واقعة على من يعقل، وهو الوكيل،
وهذا خلاف الغالب ولو زائدة، وفاعل وكل ضمير يعود على الولي والبارز يعود على ما هو العائد والتقدير. وخرج بما ذكر
الوكيل الذي وكله الولي الخ. ويحتمل أن تكون ما مصدرية ولو زائدة، وعليه فالضمير البارز لا يعود على ما، لأنها حينئذ
حرف مصدري، وإنما يعود على الوكيل المعلوم والتقدير: وخرج بما ذكر توكيل الولي إياه الخ (قوله: قبل إذنها) أي غير
المجبرة. وقوله له: أي للولي. وقوله فيه: أي التزويج (قوله: فلا يصح التوكيل) أي لأنه لا يملك التزويج بنفسه قبل
الاذن فكيف يوكل غيره فيه؟ ومحله في غير الحاكم، أما هو فيصح توكيله قبل استئذانها، كما سيأتي، وقوله ولا النكاح:
عطف لازم على ملزوم، إذ يلزم من عدم صحة التوكيل عدم صحة النكاح (قوله: نعم. لو وكل الخ) استدراك على عدم
صحة التوكيل والنكاح فيما لو وكله الولي قبل إذنها له: أي لا يصحان إلا إن تبين أنها أذنت له قبل التوكيل فإنهما يصحان
حينئذ. (وقوله: قبل أن يعلم) أي الولي. (وقوله: إذنها له) أي في التزويج. وقوله ظانا حال من فاعل يعلم أو وكل.
(وقوله: فزوجها الوكيل) أي بالاذن المذكور. (وقوله: صح) أي تزويج الوكيل. (وقوله: إن تبين) أي بعد التزويج.
(وقوله: أنها كانت أذنت) أي للولي في التزويج. (وقوله: لان العبرة الخ) علة للصحة. (وقوله: وإلا فلا) أي وإن لم

368
يتبين ذلك فلا يصح النكاح (قوله: فروع) أي أربعة (قوله: لو زوج القاضي امرأة) أي ليس لها ولي غيره (قوله: قبل
ثبوت توكيله) أي قبل ثبوت توكيلها إياه، فالإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل. وثبوت ما ذكر يكون
بشاهدين. (وقوله: بل بخبر عدل) أي بل زوجها بأخبار عدل بأنها وكلته وخبر الواحد لا يثبت له التوكيل (قوله: نفذ
وصح) فاعل الفعلين يعود على التزويج، ويحتمل أن يكون فاعل نفذ يعود على الاذن المعلوم من السياق، وفاعل صح
يعود على التزويج، وهو الأولى، (قوله: لكنه) أي تزويجه بخبر عدل غير جائز. أي حرام (قوله: لأنه تعاطى عقدا فاسدا
الخ) علة لعدم الجواز: أي وإنما لم يجز تزويجه المذكور بمعنى أنه يحرم عليه لأنه تعاطى عقدا فاسدا بحسب الظاهر.
إذ هو مبني على إخبار الواحد له بالوكالة، وهو لا يثبت به التوكيل، كما تقدم، ومقتضى العلة المذكورة أنه لا ينفذ ولا
يصح، فحينئذ ينافي قوله المار نفذ وصح إلا أن يقال أن المراد بالنفوذ والصحة في الباطن بدليل التقييد في العلة
بقوله في
الظاهر، فلا تنافي (قوله: ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته) الولي مفعول أول وإذن مفعول ثان وامرأة فاعل. وقوله فيه:
أي في التزويج (قوله: فصدقها) أي الولي (قوله: ووكل) أي الولي القاضي وقوله فزوجها: أي القاضي (قوله: صح
التوكيل والتزويج) أي لما تقدم أن الاشهاد على الاذن غير شرط. فيقبل. خبر الصبي. والمرأة فيه، وإذا صح الاذن
بذلك صح التوكيل والتزويج (قوله: ولو قالت امرأة) أي رشيدة خلية من النكاح ومن العدة (قوله: الآن) متعلق
بتزويجي. وقوله وبعد طلاقي: معطوف على الآن: أي أذنت لك في تزويجي الآن وفي تزويجي إذا طلقني هذا الزوج
وانقضت عدتي منه: فالمأذون فيه شيئان: التزويج الآن، والتزويج بعد طلاقها وانقضاء عدتها (قوله: صح تزويجه) أي
إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف. وقوله بهذا الاذن: أي الواقع الآن. وقوله ثانيا: أي بعد
تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها تبعا لتزويجه الواقع أولا. وتقدم في باب الوكالة اضطراب في ذلك، وأن الذي
رجحه في الروضة في النكاح الصحة (قوله: فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة) أي بهذه الحالة بأن قال له وكلتك الآن
في تزويج موليتي لمن أراد أن يتزوجها وبعد طلاقها وانقضاء عدتها. وقوله صح تزويجه أي الوكيل. وقوله ثانيا: أي بعد
تزويجها أولا وطلاقها وانقضاء عدتها. وقوله أيضا: كما صح تزويج الولي ثانيا (قوله: لأنه الخ) علة لصحة تزويج الولي
والوكيل ثانيا، والضمير يعود على من ذكر منهما وإن كان صنيعه يفيد أنه علة للصحة في الثاني. وقوله وإن لم يملكه. أي
التزويج ثانيا. وقوله حال الاذن أي وقت إذنها له في التزويج. وقوله لكنه: أي التزويج ثانيا تابع لما ملكه وهو التزويج
أولا، فلذلك صح لأنه رب شئ يصح تبعا، ولا يصح استقلالا. ومفاد ما ذكر أنها لو أذنت لوليها أن يزوجها إذا طلقت
وانقضت عدتها أو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت وانقضت عدتها لم يصح التزويج في الصورتين. لأنه لم يقع تبعا
لغيره وهو مسلم في الثانية دون الأولى، كما في النهاية، ونصها: ويصح إذنها لوليها أن يزوجها إذا طلقها زوجها وانقضت
عدتها لا توكيل الولي لمن يزوج موليته كذلك لان تزويج الولي بالولاية الشرعية وتزويج الوكيل بالولاية الجعلية، وظاهر
أن الأولى أقوى من الثانية فيكتفي فيها بما لا يكتفي في الجعلية، ولان باب الاذن أوسع من باب الوكالة. اه‍. ومثله في
التحفة. وقوله بالولاية الشرعية: أي المستفادة من جهة الشرع بعد إذنها له (قوله: ولو أمر القاضي) أما غيره فلا يصح منه
ذلك مطلقا. وقوله قبل استئذانها: أي إذنها وقوله فيه: أي في التزويج. وقوله فزوجها: أي ذلك الرجل بعد أمر القاضي.

369
وقوله بإذنها: أي للرجل المأمور بالتزويج. وقوله جاز: أي صح التزويج منه (قوله: بناء على الأصح الخ) أما إن بنينا على
خلاف الأصح من أن استنابته في شغل معين توكيل لا استخلاف فلا يصح تزويجه لعدم صحة تقدم التوكيل على الاذن
منها. (وقوله: أن استنابته) أي القاضي. (وقوله: في شغل معين) أي كتحليف وسماع شهادة. (وقوله: استخلاف) أي
يجري مجرى الاستخلاف، كما في شرح الروض، (قوله: لو استخلف القاضي) أي الذي ليس هناك ولي غيره (قوله:
لم يكف الكتاب) أي كتاب القاضي بالاستخلاف. وقوله فقط: أي من غير لفظ (قوله: بل يشترط اللفظ) أي التلفظ
بالاستخلاف. (وقوله: عليه) أي على الكتاب، أي زيادة عليه، وقوله منه: متعلق باللفظ، والضمير يعود على القاضي
(قوله: وليس للمكتوب إليه) أي من كتب له القاضي بأن يزوج فلانة. (وقوله: الاعتماد على الخط) أي خط القاضي
وحده (قوله: هذا) أي ما ذكر من أنه ليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط (قوله: وتضعيف البلقيني له) أي لما في
أصل الروضة (قوله: مردود) خبر تضعيف. وقوله بتصريحهم. أي الفقهاء. وقوله بأن الكتابة وحدها. أي من غير إشهاد
بما تضمنته الكتابة بدليل ما بعده (قوله: لا تفيد) أي لا تكفي وحدها (قوله: بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك) أي
على الاستخلاف الذي تضمنه الكتاب. ثم إن هذا يفيد أن التلفظ بالاستخلاف مع الكتابة فقط لا يكفي، بل لا بد من
الشهود على ذلك، وما تقدم يفيد الاكتفاء به. فانظره (قوله: ويجوز لزوج توكيل في قبوله) أي كما يجوز للولي أن يوكل
في تزويج موليته، ويجوز أيضا لهما معا أن يوكلا في ذلك فيقول وكيل الولي زوجت بنت فلان بن فلان،
ويقول وكيل
الزوج قبلت نكاحها له (قوله: فيقول وكيل الخ) شروع في بيان لفظ الوكيل ولفظ الولي مع وكيل الزوج. (وقوله:
زوجتك فلانة بنت فلان بن فلان) أي ويرفع نسبه إلى أن يحصل التمييز، ويكفي الاقتصار على فلانة أو بنت فلان إن
حصل التمييز به (قوله: ثم يقول) أي وكيل الولي وجوبا بعد قوله ابن فلان. (وقوله: أو وكالة عنه) أو للتخيير: أي هو
مخير بين أن يقول موكلي أو يقول وكالة عنه. وقوله إن جهل الخ: قيد في اشتراط أن يقول الوكيل أحد اللفظين
المذكورين (قوله: وإلا) أي وإن لم يجهلوها بأن علموها. وقوله لم يشترط ذلك: أي قوله موكلي أو وكالة عنه، ومثله
يقال فيما يأتي في وكيل الزوج، فلا بد من التصريح بالوكالة: بأن يقول قبلت نكاحها لفلان موكلي أو وكالة عنه إن جهلها
الولي أو الشهود، وإلا فلا يشترط ذلك. ثم أن الاشتراط المذكور إنما هو لجواز المباشرة، لا لصحة العقد، فيصح مع
الجهل الوكالة، لكن مع الحرمة. وعبارة التحفة.
(تنبيه) ظاهر كلامهم أن التصريح بالوكالة فيما ذكر شرط لصحة العقد وفيه نظر واضح: لقولهم العبرة في العقود
حتى في النكاح بما في نفس الامر، فالذي يتجه أنه شرط لحل التصرف لا غير. اه‍. (قوله: وإن حصل العلم الخ) أي
لا يشترط التصريح بالوكالة إذا علموا بها وإن حصل علمهم لذلك بأخبار الوكيل بالوكالة بأن أخبرهم من قبل العقد بأنه
وكيل الولي في التزويج (قوله: ويقول الولي الخ) كان الأولى للمؤلف أن يذكر هذا عقب المتن بأن يقول فيقول الولي الخ
لأنه هو المرتب عليه، وأما قوله أو لا فيقول وكيل الولي الخ فليس مفرعا على المتن. نعم: هو مفرع على قوله سابقا
ويجوز لمجبر توكيل في تزويج موليته فكان الأولى تقديمه عنده. وقوله لوكيل الزوج: مثل وكيله وليه. وقوله فلان بن

370
فلان: أي وهو الزوج، فلو تركه وأتى بكاف الخطاب بدله، بأن قال زوجتك بنتي، لم يصح: كما سيصرح به (قوله:
فيقول وكيله) أي الزوج ومقتضى التعبير بفاء التعقيب أنه لا يجوز تقديم القبول على الايجاب، وليس كذلك: بل يجوز
تقديم القبول عليه: بأن يقول وكيل الزوج قبلت نكاح فلانة بنتك لفلان، ويقول الولي زوجتها له (قوله: كما يقول ولي
الصبي) أي يقول قولا نظير قول ولي الصبي إذا أراد قبول النكاح للصبي (قوله: قبلت نكاحها له) الجملة تنازعها يقول
الأولى ويقول الثانية فتجعل مقولة لأحدهما ويحذف نظيرها من الآخر. والمراد بالنكاح الانكاح وهو التزويج لأنه هو الذي
يقبله الزوج، وليس المراد به المراكب من الايجاب والقبول: إذ يستحيل قبوله، كما تقدم (قوله: فإن ترك) هو بالبناء
للمعلوم، والضمير يعود على المذكور من الوكيل والولي. ويصح بناؤه للمجهول وما بعده نائب فاعله. وقوله فيهما: أي
في الصورتين صورة قبول وكيل الزوج وصورة قبول ولي الصبي (قوله: لم يصح النكاح) جواب إن، وذلك لعدم التوافق
بين الايجاب والقبول (قوله: وإن نوي) بالبناء للمجهول وما بعده نائب فاعل، ويصح أن يكون بالبناء للمعلوم أيضا،
كالذي قبله، والكلام هنا على التوزيع: أي وإن نوى الوكيل الموكل في الصورة الأولى أو الولي الطفل في الصورة الثانية
(قوله: كما لو قال الخ) أي كما لا يصح النكاح لو قال الولي لوكيل الزوج أو وليه زوجتك بنتي، بكاف الخطاب، وقوله
بدل فلان: حال من مقدر، والتقدير زوجتك، بكاف الخطاب، حال كونها بدل فلان: أي الاسم الظاهر (قوله: لعدم
التوافق) علة لعدم صحة النكاح فيما لو تركت لفظة له، وعدم صحته فيما لو أبدل الاسم الظاهر بكاف الخطاب: أي
وإنما لم يصح النكاح فيما إذا تركت لفظة له وفيما إذا أتى بكاف الخطاب بدل الاسم الظاهر لعدم التوافق بين الايجاب
والقبول الذي هو شرط في صحته، وذلك لان الايجاب الصادر من الولي زوجت بنتي فلان ابن فلان والقبول الصادر من
وكيل الزوج أو ولي الصبي قبلت نكاحها بإسناد النكاح إلى نفسه فلم يتوافقا، وكذلك فيما إذا قال الولي لوكيل الزوج أو
وليه زوجتك بنتي، أو قال الوكيل أو الولي قبلت نكاحها له فإنهما لم يتوافقا (قوله: فإن ترك لفظة له) بالبناء للمجهول أو
للمعلوم والفاعل وكيل الزوج أو وليه: أي ترك وكيل الزوج أو وليه لفظة له في القبول عنه بأن قال قبلت نكاحها فقط.
وقوله في هذه: أي فيما إذا قال الولي له زوجتك بكاف الخطاب، بدل الاسم الظاهر. وانظر ما متعلق الجر والمجرور؟
فإنه لا يصح جعله لفظ ترك لأنه يصير المعنى فإن ترك لفظة له في هذه وهي زوجتك بنتي لأنه لم يترك شيئا
منها. ثم ظهر
أن في الكلام اختصارا، والأصل فإن ترك لفظة له في القبول المقابل لهذه الحالة (قوله: انعقد) أي النكاح وهو جواب
إن. وقوله وإن نوى موكله: غاية لانعقاد النكاح للوكيل: أي ينعقد النكاح له وإن نوى الوكيل بقوله قبلت نكاحها جعل
النكاح واقعا للموكل. وإنما لم ينعقد للموكل إذا نواه لان الشهود لا مطلع لهم على النية. وفي المغني ما نصه: ولا يقع
العقد للموكل بالنية، بخلاف البيع: لان الزوجين هنا بمثابة الثمن والمثمن في البيع. فلا بد من ذكرهما، ولان البيع يرد
على المال وهو يقبل النقل من شخص لآخر فيجوز أن يقع للوكيل ثم ينتقل للموكل والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل
النقل، ولان إنكار الموكل في نكاحه للوكالة يبطل النكاح بالكلية. بخلاف البيع لوقوعه للوكيل. اه‍. (قوله: فروع) لم
يذكر إلا فرعين فكان الأولى أن يقول فرعان (قوله: من قال أنا وكيل في تزويج فلانة) أي والموكل له الولي خاصا أو عاما (
قوله: فلمن الخ) الفاء واقعة في جواب الشرط، والجار والمجرور خبر مقدم، وقبول النكاح مبتدأ مؤخر. وقوله صدقه:
الضمير البارز يعود على من قال أنا وكيل. ومثله ضمير منه (قوله: ويجوز لمن أخبره عدل) صنيعه يفيد أن من واقعة على
غير الحاكم لأنه ذكر حكم الحاكم بقوله، أو لما يتعلق بالحاكم (قوله: بطلاق فلان) أي لزوجته. وقوله أو موته: أي أو

371
أخبره بموت فلان. وقوله أو توكيله: الإضافة من إضافة المصدر لفاعله، أي أو أخبره عدل بتوكيل فلان إياك مثلا (قوله:
أن يعمل به) أي بخبر العدل. وقوله بالنسبة لما يتعلق بنفسه: أي بالنسبة للامر الذي يتعلق بنفس المخبر، بفتح الباء،
كأن علق عتق عبده أو طلاق زوجته مثلا على طلاق فلان زوجته أو على موته مثلا، فإذا صدق العدل في خبره عتق عليه
عبده وطلقت عليه زوجته (قوله: وكذا خطه) أي وكذا يجوز له أن يعمل بخط العدل بالنسبة لما يتعلق بنفسه، وهذا لا
ينافي ما تقدم من أنه لا يجوز للمكتوب إليه الاعتماد على الخط لان ذلك فيما يتعلق بغيره، بخلاف ما هنا (قوله: وأما
بالنسبة لحق الغير) أي للحق الذي يتعلق بالغير وقوله أو لما يتعلق بالحاكم: أي أو بالنسبة للامر الذي يتعلق بالحاكم
والامر الذي يتعلق به هو الحكم على الغير، والأولى والاخصر حذفه وجعل من، في قوله لمن أخبره، واقعة على الحاكم
وغيره، وذلك لان التفصيل الجاري في غير الحاكم من كونه له العمل بخبر العدل بالنسبة لنفسه لا بالنسبة للغير يجري
أيضا في الحاكم وقوله فلا يجوز اعتماد عدل: إظهار في مقام الاضمار، والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله: أي فلا
يجوز أن يعتمد كل من المخبر، بالفتح، ومن الحاكم على مقتضى صنيعه خبر العدل في ذلك: كما إذا أخبر عدل الولي
أن فلانا طلق موليتك أو مات عنها فلا يجوز له أن يزوجها بذلك الخبر، أو كان إنسان وصيا على تبرعات فأخبره أن موصيه
قد مات فلا يجوز له أن يعتمد ذلك ويقسم تلك التبرعات لان ما ذكر حق يتعلق بالغير، لا به نفسه، ومثله في ذلك الحاكم
فلو أخبره عدل بأن فلانا طلق زوجته أو مات فلا يجوز له أن يعمل بمقتضى ذلك، كأن يقسم التركة أو يزوجه إذا أذنت له
فيه. وقوله ولا خط قاض، ولو قال ولا خطه، أي العدل، بالضمير: قاضيا كان أو غيره، لكان أولى. وقوله من كل ما ليس
بحجة شرعية، بيان للعدل والخط، والحجة الشرعية هنا رجلان (قوله: فرع) الأولى فروع، بصيغة الجمع، وهي في
بيان تزويج العتيقة والأمة (قوله: يزوج عتيقة امرأة الخ) تقرأ عتيقة بالنصب على أنه مفعول مقدم وقوله وليها، فاعل
مؤخر. وقوله امرأة: قيد خرج به عتيقة الرجل، فهو الذي يزوجها ثم عصبته، كما تقدم بيانه. وقوله حية: صفة لامرأة،
وهو قيد أيضا خرج به ما إذا كانت ميتة فإن الذي يزوج عتيقتها ابنها، كما سيصرح به، وقوله عدم ولي عتيقتها نسبا: أي
فقد حسا أو شرعا ولي العتيقة من جهة النسب، وهو قيد أيضا خرج به ما إذا لم يفقد فإن الذي يزوجها الأقرب. فالأقرب
من الأولياء على ما تقدم من الترتيب، فلا يزوجها أولياء المعتقة إلا بعد فقد أولياء النسب.
(والحاصل) أن الذي يزوج العتيقة عند فقد أوليائها نسبا هو ولي المعتقة، ويستثنى من طرد ذلك ما لو كانت
المعتقة ووليها كافرين والعتيقة مسلمة فإن الذي يزوجها حينئذ الحاكم، ومن عكسه ما لو كانت المعتقة مسلمة ووليها
والعتيقة كافرين فيزوج الولي العتيقة، وإن كان لا يزوج المعتقة (قوله: تبعا لولايته عليها) أي أن ولي المعتقة يزوج
العتيقة بطريق التبعية لولايته على نفس المعتقة. وعبارة شرح التحرير: لأنه لما انتفت ولاية المرأة للنكاح
استتبعت
الولاية عليها الولاية على عتيقتها. اه‍. (قوله: فيزوجها) أي العتيقة وهو بيان للولي. وقوله ثم جدها، أي المعتقة.
والمراد به أبو أبيها وإن علا، ولو عبر به، كما تقدم، لكان أولى. لان الجد شامل لما كان من جهة الام مع أنه لا ولاية له
(قوله: بترتيب الأولياء) الباء بمعنى على متعلقة بمحذوف: أي ثم تجري من بعد الأب والجد على ترتيب الأولياء في
الإرث، فيقدم أخ شقيق على أخ الأب وهكذا الخ ما تقدم (قوله: ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية) أي لأنه لا يكون
وليا للمعتقة لما تقدم أنه لا يزوج ابن ببنوة فلا يكون وليا لعتيقتها (قوله: بإذن عتيقة) متعلق بقوله يزوج: أي يزوجها
بإذنها، ويكفي سكوتها إن كانت بكرا (قوله: ولو لم ترض المعتقة) غاية في التزويج بإذنها: أي يزوج العتيقة بإذنها سواء
رضيت المعتقة أم لا. وذلك لان رضاها غير معتبر لأنه لا ولاية لها ولا إجبار، فلا فائدة له. وقيل يعتبر رضاها لان الولاء لها

372
والعصبة إنما يزوجون بإدلائهم بها، فلا أقل من مراجعتها (قوله: فإذا ماتت المعتقة زوجها ابنها) أي ثم أبوها على ترتيب
عصبات الولاء، ولو قال ولو ماتت المعتقة زوج عتيقتها من له الولاء عليها لكان أولى، لشموله لجميع ذلك قوله ويزوج أمة
لما بين حكم تزويج العتيقة شرع في بيان حكم تزويج الأمة غير العتيقة. وقوله امرأة: قيد خرج به أمة الرجل فإنه هو الذي
يزوجها. وقوله بالغة رشيدة: نعتان لامرأة. ولو اقتصر على الثانية لكان أولى لاغنائها عن الأولى وذكر محترز الأولى بقوله
ويزوج أمة صغيرة ولم يذكر محترز الثانية وهو المجنونة والمحجور عليها بسفه فيزوج أمتهما ولي مال ونكاح لهما من أب
وإن علا وسلطان، لكن تزوج أمة السفيهة إلا بإذنها كأمة السفيه، إذ لا فرق، كما يستفاد من عبارة شرح المنهج، ونصها
مع الأصل: ولولي نكاح ومال من أب وإن علا وسلطان تزويج أمة موليه من ذي صغر وجنوه وسفه ولو أنثى بإذن ذي السفه
اكتسابا للمهر والنفقة. بخلاف عبده أي المولي لما فيه من انقطاع اكتسابه عنه. اه‍. وخرج بقوله ولي نكاح الأمة
المملوكة لصغيرة عاقلة ثيب فلا تزوج أصلا لأنها تابعة لسيدتها وهي لا تزوج أصلا: إذ لا يلي نكاحها أحد حينئذ. كما
تقدم، وكما قال ابن رسلان:
وثيب زواجها تعذرا
وخرج به أيضا الأمة المملوكة لصغير وصغيرة بكر فيزوجها ما عدا السلطان من الأب والجد، وأما السلطان فلا
يزوجها لأنه لا يلي نكاحهما حينئذ فلا يلي نكاح أمتهما، بخلاف الأب والجد فإنهما يليان نكاحهما فيليان نكاح أمتهما
تبعا. وسيصرح المؤلف ببعض ما ذكر (قوله: وليها) أي مطلقا، أصلا كان أو غيره، وهو فاعل يزوج (قوله: بإذنها) أي
السيدة. وقوله وحدها: حال من المضاف إليه: أي حالة كونها متوحدة في الاذن، أي منفردة به فلا يعتبر إذن الولي ولا
إذن الأمة، كما سيصرح بهذا، وليس للأب إجبار أمتها على النكاح وإن كان له إجبار سيدتها عليه (قوله: لأنها) أي
السيدة، وهو علة لكون التزويج يكون بإذنها وحدها. وقوله المالكة لها: أي للأمة (قوله: فلا يعتبر الخ) تفريع على
اشتراط إذن السيدة وحدها: أي وإذا اشترط إذن السيدة وحدها فلا يعتبر إذن الأمة لو لم تأذن السيدة (قوله: لان لسيدتها
إجبارها على النكاح) أي فلا فائدة حينئذ في إذن الأمة (قوله: ويشترط) أي في صحة إذنها. وقوله نطقا: أي إن كانت
ناطقة فإن كانت خرساء فيكفي في إذنها إشارتها المفهمة. وقوله وإن كانت بكرا: غاية في اشتراط الاذن نطقا: أي يشترط
ذلك وإن كانت السيدة بكرا، وذكر لأنها لا تستحي في تزويج أمتها (قوله: ويزوج أمة صغيرة) هو تركيب إضافي. وقوله
بكر: صفة للمضاف إليه. وسيأتي محترزه (قوله: أو صغير) بالجر معطوف على صغيرة: أي أو أمة صغيرة (قوله: أب)
فاعل يزوج. وقوله فأبوه: أي فقط لان لهما إجبار سيديهما فجاز لهما إجبارهما تبعا لسيديهما فلا يزوجهما غيرهما من
السلطان ونحوه من بقية الأولياء (قوله: لغبطة) متعلق بيزوج: أي يزوجانها عند وجود غبطة، أي منفعة للسيدة أو السيد
(قوله: كتحصيل مهر الخ) تمثيل للغبطة. قال في المغني، وقيل لا يزوجها، أي الأب والجد، لأنه قد تنقص قيمتها،
وقد تحبل فتهلك. اه‍. (قوله: لا يزوج عبدهما) أي الصغيرة والصغير: أي والمجنون والسفيه ذكرا أو أنثى. وهذا
مفهوم قوله أمة (قوله: لانقطاع كسبه عنهما) أي عن الصغيرة والصغير فلم يكن لهما مصلحة في التزويج
حينئذ. قال في
التحفة: ولم ينظروا إلى أنها ربما تظهر مع تزويجه لندرته اه‍. (قوله: خلافا لمالك) رضي الله عنه: أي فإنه قال بجواز
تزويج عبدهما إن ظهرت مصلحة فيه، وذلك بأن يكون إذا تزوج يكتسب ما يكفي زوجته ويكفيهما، وإذا لم يتزوج ربما
انقطع عن ذلك بسبب ما يتولد عنه من الأمراض (قوله: ولا أمة ثيب صغيرة) محترز قوله بكرى أي ولا يزوج الأب فأبوه

373
أمة ثيب صغيرة. ومحله ما لم تكن مجنونة، وإلا جاز لهما أن يزوجا أمتها لأنهما يليان مالها ونكاحها (قوله: لأنه لا يلي
نكاح مالكتها) أي فلا يلي نكاح أمتها بالأولى.
(والحاصل) أنه يشترط فيمن يلي نكاح الأمة أن يكون ولي مال مالكتها ونكاحها فيزوج أمة الصغيرة البكر والصغيرة
الأب فأبوه لأنهما يليان نكاح السيدة أو السيد فيليان نكاح أمتهما تبعا، ويزوج أمة الرشيد وليها مطلقا ولو السلطان لأنه يلي
نكاحها لكن بإذنها، ولا يزوج أمة الثيب الصغيرة الأب والجد والسلطان وغيرهم لهم لا يلوون نكاح السيدة فلا يلوون
نكاح أمتها (قوله: ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب) وذلك لان الولاية عليها من جهة الملك فهي قاصرة على
المالك فلا تنتقل للقاضي عند غيبته (قوله: نعم إن رأى القاضي بيعها) مفعول رأى الثاني محذوف: أي أصلح. وقوله
لان الحظ الخ: علة الصلاحية التي رآها القاضي. وقوله فيه: أي في البيع، وقوله الغائب: أي المالك الغائب، وقوله من
الانفاق عليها: متعلق بالحظ، وأصله الاحظ: أي الاحظ له من الانفاق عليها. ولو قال لأنه أحظ له من الانفاق لكان أولى
(قوله: باعها) جواب إن (قوله: ويزوج سيد بالملك) أي لا بالولاية، وذلك لان التصرف فيما يملك استيفاؤه، ونقله إلى
الغير إنما يكون بحكم الملك كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة. اه‍. تحفة (قوله: ولو كان فاسقا) أي ولو كان السيد
فاسقا. وذلك لان الفسق يمنع الولاية لا الملك، وتزويج السيد ليس بالولاية وإنما هو بالملك (قوله: أمته) أي ولو كانت
كافرة أو كانت محرمة عليه كأخته. وقوله المملوكة كلها له: أي لسيدها (قوله: لا المشتركة) أي لا يزوج المشتركة وهو
مفهوم. قوله المملوكة كلها. وقوله ولو باغتنام: أي ولو حصل الاشتراك بسبب الاغتنام بأن غنم جماعة أمة،
فهي مشتركة
بينهم. وقوله بينة: متعلق بالمشتركة (قوله: بغير رضا جميعهم) أي لا يجوز تزويجها بغير رضا جميع المالكين لها، أما
مع رضاهم فيجوز (قوله: ولو بكرا صغيرة) الغاية للتعميم، لا المرد، إذ لا خلاف فيه. ولو قال، كما في المنهاج بدلها
بأي صفة كانت، أي صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا رشيدة أو غيرها، لكان أولى. وقوله أو كبيرة: أي بكرا أو ثيبا. وقوله بلا
إذن منها: أي الكبيرة، والأولى إسقاطه أو إسقاط قوله بعد وله إجبارها الخ، وذلك لان أحدهما يغني عن الآخر. وفي
المنهج والمنهاج الاقتصار على الثاني، وهو ظاهر (قوله: لان النكاح الخ) علة لكونه أن يزوجها بلا إذن منها (قوله:
وهي) أي المنافع. وقوله مملوكة له: أي والمالك يفعل في ملكه ما يشاء سواء رضي به المملوك أم لا (قوله: له إجبارها
عليه) أي النكاح للعلة المارة آنفا، ومحله في غير المبعضة والمكاتبة، أما هما فلا يجبرهما عليه لأنهما في حقه
كالأجنبيات، وفي غير المتعلق بها حق لازم كالرهن والجناية فليس للراهن تزويج المرهونة إلا على المرتهن أو بإذنه
وليس للسيد تزويج الجانية المتعلقة برقبتها مال وهو معسر، وإلا صح، وكان اختيارا للفداء (قوله: لكن لا يزوجها لغير
كف ء الخ) لما كانت العلة المارة، وهي قوله لان النكاح الخ وهي مملوكة له، توهم جواز تزويجها على غير كف ء لها،
كجواز بيعها عليه، أتى بالاستدراك المذكور لدفع هذا الايهام. وحاصله أن النكاح ليس كالبيع لأنه لا يقصد به التمتع،
بخلاف النكاح، وعبارة المنهج وشرحه: وله إجبار أمته على نكاحها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا أو ثيبا عاقلة أو مجنونة،
لان النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وبهذا فارقت العبد لكن لا يزوجها بغير كف ء بعيب أو غيره إلا برضاها،
بخلاف البيع لأنه لا يقصد به التمتع. اه‍. (قوله: بعيب الخ) الباء سببية متعلقة بمحذوف واقع خبر المبتدأ محذوف:
أي وعدم الكفاءة فيه بسبب عيب مثبت للخيار كجذام وبرص وجنون، أو بسبب فسق أو بسبب حرفة دنيئة (قوله: إلا
برضاها) إلا أداة حصر والجار والمجرور متعلق بيزوجها: أي لا يزوجها إلا برضاها. وقوله له: اللام بمعنى الباء متعلقة

374
برضاها: أي رضاها بغير الكفء (قوله: وله) أي للسيد. وقوله تزويجها برقيق: أي على رقيق. وقوله ودنئ نسب: أي
لان الحق في الكفاءة في النسب لسيدها، لا لها، وقد أسقطه هنا بتزويجها على من ذكر. وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) لا يصح تزويج الأمة بمن به عيب مثبت للخيار للاضرار بها ويزوجها جوازا بغير رضاها ولو عربية من عربي
دنئ النسب حرا كان أو عبدا. وقضيته مع ما مر من أن بعض الخصال لا ينجبر ببعض أنه لا يزوجها إذا كان عربية من
عجمي ولو حرا، بخلاف قول أصله ويزوجها من رقيق ودنئ النسب فإنه يقتضي أنه يزوجها منه، فينافي قوله فيما مر
والأمة العربية بالحر العجمي: أي ولا يزوج الأمة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف: أي الخلاف، في انجبار
بعض الخصال ببعض، كذا قاله الأسنوي، فعدول المصنف عن عبارة أصله إلى ما قاله لذلك والحق ما في الأصل ولا
منافاة لان الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها وقد أسقطه هنا بتزويجه لها ممن ذكر، وما مر محله إذا زوجها غير
سيدها بإذن أو ولاية على مالكها لا يزوجها ممن لا يكافئها بسبب آخر. أي غير دناءة النسب كعيب مثبت للخيار إلا
برضاها وعليها تمكينه من نفسها لاذنها وله بيعها من العيب لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ويلزمها تمكينه لأنها صارت
ملكه. اه‍. بتصرف (قوله: لعدم النسب لها) أي للرقيقة. قال البجيرمي: أي لعدم النسب المعتبر وإن كانت شريفة لان
الرق يضمحل معه جميع الفضائل اه‍. (قوله: وللمكاتب) أي كتابة صحيحة، والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله
تزويج أمته: مبتدأ مؤخر (قوله: لسيده) أي المكاتب، فلا يزوجها كما لا يزوج عبده لان السيد مع المكاتب كالأجنبي
(قوله: إن أذن له) أي المكاتب. وقوله سيده: أي المكاتب، وقوله فيه: أي التزويج فإن لم يأذن له فيه لم يجز له ذلك
كتبرعه. قال ع ش: وإنما توقف تزويج المكاتب أمته على إذن السيد لأنه ربما عجز نفسه أو عجزه سيده فيعود هو وما في
يده للسيد فاشترط إذن السيد له في التزويج وإذا زوج فهو مزوج عن نفسه لا عن سيده. اه‍. (قوله: ولو طلبت الأمة) أي
من سيدها. وقوله تزويجها: أي تزويج السيد إياها، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل (
قوله: لم
يلزم) أي التزويج السيد: أي لا يجير عليه وإن كانت محرمة عليه كأخته (قوله: لأنه) أي التزويج بنقص قيمتها: أي
ولفوات استمتاعه بمن تحل له (قوله: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت) أي ولا يزوجها الكافر لأنه لا يملك التمتع بها
أصلا بل ولا سائر التصرفات فيها سوى إزالة الملك عنها وكتابتها. وعبارة الأنوار، ولا يزوج الكافر أمته المسلمة
ومستولدته لتزلزل ملكه وعدم تسلطه على أهل الاسلام. اه‍. وقوله بإذنه: متعلق بيزوج، والضمير للكافر (قوله:
والموقوفة الخ) أي ويزوج الحاكم الأمة الموقوفة على جماعة لكن بإذنهم إن انحصروا، وخرج بالموقوفة العبد الموقوف
فلا يزوج بحال، إذ الحاكم وولي الموقوف عليه وناظر المسجد ونحوه لا يتصرفون إلا بالمصلحة، ولا مصلحة في
تزويجه لما فيه من تعلق المهر والنفقة (قوله: وإلا) أي وإن لم ينحصروا. وقوله لم تزوج فيما يظهر. قال في النهاية: إنها
تزوج بإذن الناظر فيما يظهر، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، (قوله: ولا ينكح عبد) أي لا يصح نكاحه. وقوله ولو
مكاتبا: أي أو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة أو مبعضا (قوله: إلا بإذن سيده) أي الرشيد غير المحرم نطقا ولو بكرا، وذلك
لخبر: أيما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وروى أبو داود: فنكاحه
باطل اه‍. شرح الروض (قوله: ولو كان السيد أنثى) أي ثيبا أو بكرا (قوله: سواء أطلق الاذن) أي إن النكاح بإذن السيد
صحيح، سواء أطلق الاذن أم قيده، فهو تعميم لصحة النكاح بالاذن وإذا أطلق الاذن فله أن ينكحه حرة أو أمة ببلده
وغيرها. نعم للسيد منعه من الخروج إلى غير بلده. (قوله: أم قيد بامرأة معينة) أي أم قيد السيد الاذن للعبد بنكاح امرأة
معينة. وقوله أو قبيلة: أي أو قيد الاذن له بنكاح امرأة من هذه القبيلة دون غيرها، ومثلها البلدة (قوله: فينكح بحسب إذنه)
أي السيد، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر مرتبط بالشق الثاني: أعني أم قيد، أي وإذا قيد السيد الاذن بما ذكر فينكح

375
بحسب إذنه له (قوله: ولا يعدل) أي العبد في نكاحه. وقوله عما أذن: أي عن الامر الذي أذن السيد. وقوله له، أي
للعبد. وقوله فيه، أي في ذلك الامر، فالضمير يعود على ما. وقوله مراعاة لحقه: أي السيد، وهو تعليل لكونه ينكح
بحسب الاذن ولا يعدل إلى غيره (قوله: فإن عدل عنه) أي عما أذن له فيه (قوله: لم يصح النكاح) أي وإن كانت
المعدول إليها دونها مهرا وخيرا منها جمالا ونسبا ودينا وأقل مؤنة. قال في التحفة: نعم لو قدر له مهرا فزاد عليه أو زاد
على مهر المثل عند الاطلاق صحت الزيادة ولزمت ذمته فيتبع بها إذا عتق لان له ذمة صحيحة. اه‍. (قوله: ولو نكح
العبد بلا إذن سيده بطل النكاح) أي لحجره وللخبر المار. قال في النهاية ومثله في التحفة: وقول الأذرعي يستثنى من
ذلك ما لو منعه سيده فرفعه إلى حاكم يرى إجباره فأمره فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه فإنه يصح جزما، كما لو عضل
الولي محل نظر، لأنه إن أراد صحته على مذهب ذلك الحاكم لم يصح الاستثناء أو على قولنا فلا وجه له. اه‍. وفي
المغني: قال في الام ولا أعلم من أحد لقيته ولا حكى لي عنه من أهل العلم اختلافا في أنه لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن
مالكه. اه‍. ولا ينافي قوله لا أعلم ما حكاه الرافعي عن أبي حنيفة أن نكاحه موقوف على إجازة السيد، وعن مالك أنه
يصح وللسيد فسخه لأنه لم يبلغه ذلك. اه‍. (قوله: ويفرق بينهما) أي العبد وزوجته. والذي يفرق هو الحاكم، كما
يستفاد من عبارة ش ق (قوله: خلافا لمالك) أي في قوله بصحة نكاح العبد بلا إذن سيده، لكن للسيد فسخه، كما تقدم
آنفا عن المغني، (قوله: فإن وطئ) أي العبد زوجته بهذا النكاح الباطل. وقوله فلا شئ عليه لرشيدة مختارة: الذي في
التحفة والنهاية أن عليه لها مهر المثل ويتعلق بذمته فقط، ولفظهما وإذا بطل لعدم الاذن تعلق مهر المثل بذمته فقط ويتجه
أن محله في غير نحو الصغيرة، وإلا تعلق برقبته. اه‍. وما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى إنما هو في السفيه لا في العبد،
كما هو صريح عبارة المنهاج، ونصها مع التحفة، ولو نكح السفيه بلا إذن فباطل، فإن وطئ منكوحته الرشيدة المختارة
لم يلزمه شئ، أي حد، قطعا للشبهة، ومن ثم لحقه الولد ولا مهر ظاهرا ولو بعد فك الحجر وإن لم تعلم سفهه لأنها
مقصرة بترك البحث مع كونها سلطته على بعضها، بخلافه باطنا بعد فك الحجر عنه، كما نص عليه في الام،
واعتمدوه،
بخلاف صغيرة مجنونة ومكرهة ومزوجة بالاجبار ونائمة فيجب مهر المثل إذ لا يصح تسليطهن. اه‍. إذا علمت ذلك
تعلم ما في كلامه من التخليط. ثم رأيت في المغني نص على أن بعض الشارحين توهم أن العبد كالسفيه، ولعل شارحنا
تبع هذا البعض في ذلك، ونص عبارته:
(تنبيه) قول المصنف باطل يقتضي أنه إذا وطئ لا يلزمه شئ كالسفيه، وليس مرادا، كما توهمه بعض
الشارحين، بل يلزمه مهر المثل في ذمته، كما صرح به المصنف في نكاح العبد. اه‍. (قوله: أما السفيهة والصغيرة) أي
ونحوهما من كل من ليست برشيدة مختارة مما تقدم. وقوله فيلزم فيهما مهر المثل: أي ويتعلق برقبته، كما علمت (قوله:
ولا يجوز للعبد) أي لا يصح ولو أذن له السيد فيه لان العبد لا يملك ولو بتمليك سيده والتسري يفيد دخول المتسري بها
في ملك المتسري. وقوله ولو مأذونا في التجارة: أي ولو كان العبد مأذونا له في التجارة فلا يجوز له ذلك لان التجارة لا
تتناول ذلك. وقوله أو مكاتبا: أي ولو مكاتبا (قوله: أن يتسرى) المصدر المؤول فاعل يجوز. والتسري مطلق الوطئ،
وشرعا يعتبر فيه ثلاثة أمور: الوطئ والانزال ومنع الخروج. والمراد به الأول لان الرقيق يمنع من الوطئ، مطلقا، سواء
وجد إنزاله ومنع الخروج أم لا، ولو عبر بيطأ، كما عبر به شيخ الاسلام، لكان أولى لئلا يوهم أن المراد به المعنى
الشرعي مع أنه ليس كذلك. فتنبه (قوله: لان المأذون له) أي في التجارة وغيره بالأولى وهو علة لعدم جواز التسري
بالنسبة لغير المكاتب. وقوله لا يملك: أي ولو بتمليك سيده، كما علمت، لأنه ليس أهلا للملك، وأما الإضافة التي
ظاهرها الملك في خبر الصحيحين: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع فهي للاختصاص، لا

376
للملك (قوله: ولضعف الملك) علة لعدم جواز التسري بالنسبة للمكاتب (قوله: ولو طلب العبد النكاح) أي من السيد
(قوله: لا يجب على السيد إجابته) أي لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده وينقص القيمة. وقوله ولو مكاتبا: أي ولو
كان العبد مكاتبا فلا تجب إجابته ومثله للبعض (قوله: ولا يصدق مدعي عتق) كان المناسب أن يقول، كعادته، فرع أو
فرعان (قوله: من عبد أو أمة) بيان مدعي العتق (قوله: إلا بالبينة) أي فإنه يصدق بها (قوله: الآتي بيانها في باب الشهادة)
عبارته هناك: والشهادة لما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وطلاق وعتق رجلان لا رجل وامرأتان. انتهت (قوله: وصدق
مدعي حرية الخ) يعني لو ادعى عليه بالرق وقال أنا حر أصالة صدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع
مرارا أو تداولته الأيدي لموافقته الأصل وهو الحرية. وقوله أصالة: أي لا بالعتق. وقوله ما لم يصدق الخ: قيد لتصديقه
بيمينه، أي يصدق بها ما لم يسبق منه وهو رشيد إقرار بالملك، وإلا صدق مدعي الرق. وقوله أو لم يثبب: أي وما لم
يثبت الرق ببينة تشهد برقة وإلا عمل بها. ولو أقام هو أيضا بينة على حريته قدمت الأولى لان معها زيادة علم بنقلها عن
الأصل، وإذا ثبتت الحرية الأصلية رجع مشتريه على بائعة بثمنه وإن أقر المشتري له بالملك لأنه بناء على ظاهر اليد.
وسيذكر المؤلف هذه المسألة في باب الدعاوي والبينات بأبسط مما هنا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الكفاءة
أي في بيان خصال الكفاءة المعتبرة في النكاح لدفع العار والضرر. وهي لغة: التساوي والتعادل. واصطلاحا أمر
يوجب عدمه عارا. وضابطها مساواة الزوج للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح (قوله: وهي) أي
الكفاءة. وقوله معتبرة في النكاح لا لصحته: أي غالبا، فلا ينافي أنها قد تعتبر للصحة، كما في التزويج بالاجبار، وعبارة
التحفة: وهي معتبرة في النكاح لا لصحته مطلقا بل حيث لا رضا من المرأة وحدها في جب ولا عنة ومع وليها الأقرب فقط
فيما عداهما. اه‍. ومثله في النهاية وقوله بل حيث لا رضا، مقابل قوله لا لصحته مطلقا، فكأنه قيل لا تعتبر للصحة على
الاطلاق وإنما تعتبر حيث لا رضا. اه‍. ع ش.
(والحاصل) الكفاءة تعتبر شرط للصحة عند عدم الرضا، وإلا فليست شرطا لها (قوله: بل لأنها حق للمرأة)
أستفيد منه أن المراعى فيها جانب الزوجة لا الزوج. وقوله والولي: أي واحدا كان أو جماعة مستوين في الدرجة، فلا بد
مع رضاها بغير الكفء من رضا سائر الأولياء به. ولا يكفي رضا أحدهم دون الباقين، كما سيأتي في كلامه، (قوله:
فلهما) أي المرأة والولي (قوله: إسقاطها) أي الكفاءة: أي ولو كانت شرطا لصحة العقد مطلقا لما صح حينئذ
. والمراد
بالسقوط رضاهما بغير الكفء وذلك لأنه (ص) زوج بناته من غير كف ء ولا مكافئ لهن، وأمر فاطمة بنت قيس نكاح أسامة
فنكحته وهو مولى وهي قرشية ولو كانت شرطا للصحة مطلقا لما صح ذلك (قوله: ولا يكافئ حرة الخ) شروع في بيان
خصال الكفاءة. والذي يؤخذ من كلامه متنا وشرحا أنها ست وهي الحرية والعفة والنسب والدين والسلامة من الحرف
الدنيئة والسلامة من العيوب، وبعضهم عدها خمسا وأدرج العفة في الدين ونظمها بقوله:
شرط الكفاءة خمسة قد حررت ينبيك عنها بيت شعر مفرد

377
نسب ودين حرفة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد
والراجح أنه لا يشترط، كما سيأتي، في كلامه، لان المال غاد ورائح ولا يفتخر به أصحاب المروءات والبصائر.
وللعلامة مرعي الحنبلي:
قالوا الكفاءة ستة فأجبتهم قد كان هذا في الزمان الأقدم
أما بنو هذا الزمان فإنهم لا يعرفون سوى يسار الدرهم
ثم إن العبرة في هذه الخصال بحال العقد فلا يؤثر طروها بعده ما عدا الرق فإن طروه يبطل النكاح ولا وجودها مع
زوالها قبله. قال في التحفة: نعم ترك الحرف الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة. كذا طلقه غير واحد، وهو ظاهر إن
تلبس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليه البتة، وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعير
بها. وهل تعتبر السنة في الفاسق إذا تاب كالحرفة القياس؟ نعم: قال ثم رأيت ابن العماد والزركشي بحثا أن الفاسق إذا
تاب لا يكافئ العفيفة: وينبغي حمله على ما إذا لم تمض سنة من توبته، وظاهر كلام بعضهم اعتماد إطلاقهما، لكن
بالنسبة للزنا. اه‍. (قوله: حرة أصلية) مفعول يكافئ. وقوله أو عتيقة: مقابل قوله أصلية (قوله: ولا من لا يمسها الرق)
هو معنى قوله حرة أصلية، فكان عليه أن يقول ولا من لم يمس الرق آباءها أو الأقرب إليها منهم (قوله: غيرها) فاعل
يكافئ وقدر الشارح عند كل صفة نظير هذا فيكون فاعل لفعل مقدر نظير المذكور وإن نظرت لأصل المتن ففاعل الفعل
قوله بعد تتمة الصفات غير بالتنوين (قوله: بأن لا يكون) تصوير لكون الزوج غير مكافئ لها. وقوله في ذلك. أي فيما
ذكر من كونها حرة أصلية الخ وذلك بأن تكون حرة أصلية وهو ليس كذلك بأن يكون رقيقا أو عتيقا، أو تكون هي عتيقة وهو
رقيق أو تكون هي لم يمس آباءها الرق وهو مس آباء الرق، أو الأقرب إليها من الآباء لم يمسه الرق والأقرب إليه منهم
مسه الرق: كأن يكون أبوه الثالث مسه الرق وأبوها الرابع مسه الرق، ففي جميع ذلك لا يكون كفأ لها (قوله: ولا أثر
لمس الرق في الأمهات) أي لا يؤثر في الكفاءة مس الرق في الأمهات، فلو كانت حرة لم يمس أبويها الرق وهو كذلك
لكن مس أمه الرق كافأها لأنه يتبع الأب في النسب لا الام (قوله: ولا عفيفة الخ) أي ولا يكافئ عفيفة أي صالحة. وقوله
وسنية: أي غير مبتدعة. وقوله وغيرهما: فاعل يكافئ. أي لا يكافئهما غيرهما، وذلك لقوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا؟ لا يستوون) * (1) وقوله من فاسق ومبتدع: بيان لغيرهما (قوله: فالفاسق الخ) تفريع على ما يفهم من
كلامه وذلك لأنه يفهم من كون العفيفة ليست كفأ للفاسق أن الفاسقة كف ء له (قوله: إن استوى فسقهما) أي اتحدا نوعا
وقدرا، فإن زاد فسقه أو اختلف فسقهما نوعا، بأن يكون شارب الخمر وهي زانية لم يكافئها (قوله: ولا نسيبة) أي ولا
يكافئ نسيبة. وقوله من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية: بيان للنسبية. وقوله غيرها: فاعل يكافئ المقدر، أي لا
يكافئ النسبية غير النسبية (2)، وقد بسط الكلام على ذلك في الروض وشرحه فلنذكره تكميلا للفائدة.
(ونصه) ولا يكافئ العربية والقرشية والهاشمية إلا مثلها: لشرف العرب على غيرهم، ولان الناس تفتخر بأنسابهما
أتم فخار، ولخبر: قدموا قريشا ولا تقدموها رواه الشافعي بلاغا: أي بلفظ بلغني، ولخبر مسلم: إن الله اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم وبنو



(1) سورة السجدة، الآية: 18.
(2) (قوله غير النسيبة) كذا في الأصل هنا ومثله فيما سيأتي، والمناسب غير النسيب: لان غير صفة لمذكر هو الزوج، كما هو ظاهر. اه‍.
مصححه.
378
هاشم وبنو المطلب أكفاء، لخبر البخاري: نحن وبنو المطلب شئ واحد ومحله في الحرة. ولو نكح هاشمي أو
مطلبي أمة فأتت منه ببنت فهي مملوكة لمالك أمها فله تزويجها من رقيق ودنئ النسب، كما سيأتي، وأفهم كلامه ما
صرح به في الروضة من أن موالي كل قبيلة ليسوا أكفاء لها فسائر العرب، أي باقيهم، أكفاء: أي بعضهم أكفاء بعض.
وقال الرافعي: مقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب، لكن ذكر جماعة أنهم أكفاء
، وجرى
النووي على ما انتصر له المصنف، فقال مستدركا على الرافعي ما ذكره الجماعة هو مقتضى كلام الأكثرين، وذكر إبراهيم
المروزي أن غير كنانة لا يكافئها، واستبدل له السبكي بخبر مسلم السابق فحصل في كونهم أكفاء وجهان. وقد نقل
الماوردي عن البصريين أنهم أكفاء وعن البغداديين خلافة فتفضل مضر على ربيعة وعدنان على قحطان اعتبارا بالقرب
منه (ص)، وتقدم عنه نظيره في قسم الفئ والغنيمة. وهذا هو الأوجه: اه‍. وجرى في الأنوار على أن غير قريش من
العرب بعضهم كف ء لبعض وعبارته الثالثة: النسب فالعجمي ليس كفؤا للعربية ولا غير القرشي للقرشية ولا غير الهاشمي
والمطلبي للهاشمية أو المطلبية وهما كفآن، ويعتبر النسب في العجم كفي العرب وغير قريش من العرب بعضهم كف ء
بعض. والعبرة في النسب بالآباء إلا في أولاد بنات النبي (ص). اه‍. (قوله: يعني لا يكافئ الخ) تفصيل لما أجمله أولا
بقوله ولا نسيبة غيرها (قوله: عربية أبا) أي من جهة الأب (قوله: غيرها) فاعل يكافئ. وقوله من العجم بيان للغير.
(واعلم) أنه يعتبر النسب في العجم كما يعتبر في العرب، كما تقدم، فالفرس أفضل من القبط، وبنو إسرائيل
أفضل من القبط (قوله: وإن كانت أمة عربية) أي فلا عبرة بها لما تقدم من الأنوار أن العبرة في النسب بالآباء (قوله: ولا
قرشية غيرها) أي ولا يكافئ قرشية غيرها. وقوله من بقية العرب: بيان لغيرها (قوله: ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما) أي
ولا يكافئ هاشمية أو مطلبية غيرها من بقية أصناف قريش كبني عبد شمس (قوله: وصح نحن وبنو المطلب شئ
واحد) وفي رواية: نحن وبنو المطلب هكذا: وشبك بين أصابعه (ص) وخرج بقوله وبنو المطلب بنو عبد شمس ونوفل
فليسوا وبنو هاشم سواء، لان هؤلاء، وإن كانوا أولاد عبد مناف كبني هاشم والمطلب، إلا أنهم أخرجهم النبي (ص) عن
آله لايذائهم (قوله: فهما) أي بنو هاشم وبنو المطلب وقوله متكافئان: أي فيكافئ ذكور أحدهما بنات الآخر (قوله: ولا
يكافئ من أسلم الخ) هذه الخصلة هي التي عبرت عنها بالدين. وقوله من لها أب: مفعول يكافئ، أي لا يكافئ الذي
ليس له أب في الاسلام المرأة التي لها ذلك (قوله: ومن له أبوان) أي ولا يكافئ من له أبوان. وقوله لمن لها
: اللام
زائدة، ومن: مفعول يكافئ (قوله: على ما صرحوا به) هو المعتمد، وإن كان صنيعه يفيد خلافه. وقوله لكن الخ:
ضعيف. وقوله فيه: أي في المذكور الذي صرحوا فيه بعدم التكافؤ (قوله: أنهما) أي من أسلم بنفسه ومن لها أب أو أكثر
ومن له أبوان ومن لها ثلاثة آباء في الاسلام (قوله: واختاره) أي هذا الوجه الروياني وجزم به صاحب العباب وعللاه بأنه
يلزم على الوجه الأول أن الصحابي لا يكون كفؤا لبنت التابعي، وجزم في التحفة بالأول وقال: وما لزم عليه من أن
الصحابي ليس كفؤ بنت تابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي أن بعض الخصال لا يقابل ببعض، فاندفع ما للأذرعي. اه‍.
ومثله في النهاية والمغني، وعبارة المغني: فمن أسلم بنفسه ليس كفؤا لمن لها أب أو أكثر في الاسلام، ومن له أبوان في
الاسلام ليس كفؤا لمن لها ثلاثة آباء فيه.
(فإن قيل) قضية هذا أن من أسلم بنفسه من الصحابة رضي الله عنهم لا يكون كفؤا لبنات التابعين وهذا مشكل
وكيف لا يكون كفؤا لهن وهو أفضل الأمة؟

379
(أجيب) بأنه لا مانع من ذلك. اه‍. (قوله: ولا سليمة) أي ولا يكافئ سليمة. وقوله من حرف، بكسر ففتح جمع
حرفة: كقرب جمع قربة. وقوله دنيئة: بالهمز وتركه (قوله: وهي الخ) بيان لضابط الحرف الدنيئة. وقوله ما دلت ملابسته
ما واقعة على الصنائع، وتذكير الضمير في قوله ملابسته باعتبار لفظ ما، والمعنى أن الحرف الدنيئة هي الصنائع التي دلت
ملابستها. أي مصاحبتها على انحطاط المروءة أي سقوطها (قوله: غيرها) فاعل يكافئ المقدر أي ولا يكافئ السليمة
من الحرف الدنيئة غير السليمة. وقد بسط الكلام على ما ذكر في الأنوار وعبارته: الخامسة الحرفة فأصحاب الحرف
الدنيئة ليسوا بأكفاء للاشراف ولا لسائر المحترفة: فالكناس والحجام والفصاد والختان والقمام وقيم الحمام والحائك
والحارس والراعي والبقار والزبال والنخال والاسكاف والدباغ والقصاب والجزار والسلاخ والحمال والجمال والحلاق
والملاح والمراق والهراس والفوال والكروشي والحمامي والحداد والصواغ والصباغ والدهان والدباس ونحوهم لا
يكافئون ابنة الخياط والخباز والزراع والفخار والنجار ونحوهم. وسلك المتولي الصراف والعطار في سلكهم،
ويشبه أن
يكون الصراف كالصواغ وأن يكون العطار كالبزاز والخياط لا يكافئ ابنة التاجر والبزاز والبياع والجوهري وهم لا يكافئون
ابنة القاضي والعالم والزاهد المشهور والصنائع الشريفة بعضها أشرف ومن بعض كما تبين والدنيئة بعضها أدنأ من بعض.
فالذي سبب دناءته استعمال النجاسة: كالحجام والفصاد أدنى في الذي لا يستعملها كالخراز وشبهه. وإذا شك في
الشرف والدناءة أو في الشريف والأشرف أو الدنئ والأدنى فالمرجع إلى عادة البلد. اه‍ (قوله: فلا يكافئ من) هي
اسم موصول فاعل يكافئ. وقوله هو أو أبوه حجام: الجملة صلة الموصول (قوله: أو كناس) أي ولو للمسجد (قوله: أو
راع) لا يرد أن الرعاية طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لان الكلام فيمن أخذ الرعي حرفة يكتسب بها فقط،
والأنبياء لم يتخذوه لذلك (قوله: بنت خياط) مفعول يكافئ وكان الأولى أن يسقط لفظ بنت، كما نص عليه البجيرمي،
وعبارته، قوله بنت خياط، المناسب أن يقول لخياطة لان الآباء لا تعتبر إلا بعد اتحاد الزوجين في الحرفة. اه‍. ح ل.
قال شيخنا العزيزي: ولم يقل ليس كف ء خياطة مع أنه الملائم لما قبله للتنبيه على أن الحرفة تعتبر في الأصول كما تعتبر
في الزوجين. اه‍. (قوله: ولا هو) أي ولا يكافئ: هو أي الخياط. وقوله بنت تاجر: يأتي فيه وفيما بعده ما تقدم (قوله:
وهو) أي التاجر. وقوله من يجلب البضائع: أي يأتي بها من محلها إلى محل آخر ليبيعها فيه. وقوله من غير تقييد بجنس:
أي من البضائع كالرز (قوله: أو بزاز) بالجر عطف على تاجر: أي ولا يكافئ الخياط بنت بزاز (قوله: وهو) أي البزاز.
وقوله بائع البز: هو، بفتح الباء، القماش (قوله: ولا هما) أي ولا يكافئ التاجر والبزاز (قوله: بنت عالم أو قاض) قال
في التحفة: الذي يظهر أن مرادهم بالعالم هنا من يسمى عالما في العرف وهو الفقيه والمحدث والمفسر لا غير، أخذا
مما مر في الوصية، وحينئذ فقضيته أن طالب العلم وإن برع فيه قبل أن يسمى عالما يكافئ بنته الجاهل. وفيه وقفة
ظاهرة: كمكافأته لبنت عالم بالأصلين والعلوم العربية. ولا يبعد أن من نسب أبوها لعلم يفتخر به عرفا لا يكافئها من ليس
كذلك. ويفرق بين ما هنا والوصية بأن المدار ثم على التسمية دون ما به افتخار؟ وهنا بالعكس، فالعرف هنا غيره ثم.
فتأمله. اه‍ (قوله: عدل) صفة لكل من العالم والقاضي، فلا عبرة بالفسق منهما، وفي شرح الرملي: وبحث الأذرعي أن
العلم مع الفسق لا أثر له، إذ لا فخر له حينئذ في العرف فضلا عن الشرع. وصرح بذلك في القضاء فقال إن كان القاضي
أهلا فعالم وزيادة، أو غير أهل - كما هو الغالب في قضاة زمننا نجد الواحد منهم كقريب العهد بالاسلام - ففي النظر إليه
نظر، ويجئ فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب، بل هو أولى منهم بعدم الاعتبار: لان النسبة إليه عار،
بخلاف الملوك ونحوهم. ومثله في التحفة (قوله: خلافا للروضة) في التحفة ما نصه: في الروضة أن الجاهل يكافئ

380
العالمة، وهو مشكل: فإنه يرى اعتبار العلم في آبائها، فكيف لا يعتبره فيها؟ إلا أن يجاب بأن العرف يعير بنت العالم
بالجاهل، ولا يعير العالمة بالجاهل. اه‍. وضعف في الأنوار ما في الروضة، وعبارته: قال الروياني الشيخ لا يكون كفؤا
للشابة والجاهل للعالمة. قال صاحب الروضة. هو ضعيف وهذا التضعيف في الجاهل والعالمة ضعيف: لان علم الآباء
إذا كان شرفا للأولاد فكيف بعلمهم؟ ولان الحرفة تراعى في الزوجة مع أنها لا توازي العلم. وقد قطع بموافقة الروياني
شارح مختصر الجويني وغيره. اه‍ (قوله: والأصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة) مقابله يقول إنه يعتبر: لأنه إذا كان
معسرا لم ينفق على الولد وتتضرر هي بنفقته عليها نفقة المعسرين. قال في النهاية: وعلى الأول، أي الأصح، لو زوجها
وليها بالاجبار بمعسر بحال صداقها عليه لم يصح النكاح، وليس مبنيا على اعتبار اليسار، كما قاله الزركشي، بل لأنه
بخسها حقها، فهو كما لو زوجها من غير كف ء. اه‍. (قوله: لان المال ظل زائل الخ) عبارة المغني: لان المال ظل
زائل، وحال حائل، ومال مائل، ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر. وقال في التحفة: ويجاب عن الخبر الصحيح
الحسب المال، وأما معاوية فصعلوك بأن الأول، أي الحسب، المال على طبق الخبر الآخر تنكح المرأة لحسبها ومالها
الحديث. أي أن الغالب في الأغراض ذلك. ووكل (ص) بيان ذم المال إلى ما عرف من الكتاب والسنة في
ذمة، لا سيما
قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * إلى قوله: * (وإن كل
ذلك لما متاع الحياة الدنيا) * (1) وقوله (ص): إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا: كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام
والشراب - لو سويت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء والثاني تصح بما يعد عرفا منفرا وإن لم
يكن منفرا شرعا. اه‍. وقوله والثاني: معطوف على الأول، أي وهو وأما معاوية فصعلوك. وفي المغني ما نصه:
(فائدة) قال الامام والغزالي: شرف النفس من ثلاث جهات: إحداها الانتهاء إلى شجرة رسول الله (ص) فلا يعاد له
شئ: الثانية: الانتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبهم ربط الله تعالى حفظ
الملة المحمدية: والثالثة الانتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوي قال الله تعالى: * (وكان أبوهما صالحا) * قال:
ولا عبرة بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب، وإن تفاخر الناس بهم، قال الرافعي: وكلام النقلة
لا يساعدهما عليه في عظماء الدنيا. اه‍ (قوله: ولا سليمة الخ) أي ولا يكافئ سليمة من عيب. وهذه الخصلة معتبرة
في الزوجين، وكذا في أبيهما وأمهما على أحد وجهين، وهو الأوجه عند م ر. وعليه: فابن نحو الأجذم ليس كفؤا لمن
أبوها سليم، وعند حجر خلافه قال: وزعم الأطباء الأعداء في الولد لا يعول عليه، والمراد بالعيب المثبت للخيار الذي
تعتبر السلامة منه، في الكفاءة المشترك، وهو الجنون والجذام والبرص، لا الخاص بالرجل، وهو الجب والعنة، إذ لا
معنى لكونها سليمة منها، ولا الخاص بها - وهو الرتق والقرن - إذ لا معنى لكونه غير سليم منهما (قوله: حالة العقد) قيد
به لما تقدم أن العبرة في الخصال بحال العقد، لكن كان عليه أن يقيد به في جميعها، كما في التحفة والنهاية، (قوله:
لخيار نكاح) أي لخيار فسخ نكاح، ففي الكلام مضاف مقدر (قوله: لجاهل به) متعلق بمثبت. وقوله حالته: متعلق
بجاهل، والضمير يعود على العقد. وهذا بيان لشرط كون العيب مثبتا للخيار وأتى به للإيضاح، وإلا فهو ليس بصدد بيان
شروطه. والمعنى: أن العيب الذي تشترط السلامة منه هو المثبت لخيار فسخ النكاح وهو لا يكون مثبتا إلا لجاهل بالعيب
حالة العقد دون العالم به عنده ويصدق منكر العلم به بيمينه ولو بعد الوطئ وعبارة الروض، وشرحه.
(فرع) لو نكح أحدهما الآخر عالما بالعيب القائم بالآخر غير العنة فلا خيار له كما في المبيع والقول فيما لو كان به
عيب وادعى على الآخر علمه به ولو بعد الدخول فأنكر قوله بيمينه أنه لم يعلم به لان الأصل عدم علمه به. اه‍ (قوله:
كجنون الخ) تمثيل للعيب المثبت للخيار الذي يشترط السلامة منه. وقوله ولو متقطعا: أي ولو كان الجنون متقطعا يأتي



(1) سورة الزخرف، الآيتان: 33، 34، 35.
(2) سورة الكهف، الآية: 82.
381
تارة ويذهب تارة. وقوله وإن قل: أي الجنون. وهذا ما جرى عليه شيخه ابن حجر، والذي جرى عليه م ر: أن الخفيف
لا يضر، وعبارته: ويستثنى من المتقطع، كما قاله المتولي، الخفيف الذي يطرأ في بعض الأزمان. اه‍. ومثل الجنون
في ثبوت الخيار: الخبل، كما ألحقه به الشافعي رضي الله عنه، كذا قيل. وفي القاموس: أنه الجنون، وعليه: فلا
إلحاق والاغماء المأيوس من زواله كالجنون (قوله: هو) أي الجنون. وقوله يزول به الشعور، أي الادراك من القلب لكن
مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء (قوله: وجذام) بالجر معطوف على جنون: أي وكجذام. وقوله مستحكم - بكسر
الكاف - بمعنى محكم: يقال أحكم واستحكم: أي صار محكما. وقيد بالاستحكام فيه وفيما بعده، دون الجنون،
للإشارة إلى أنه لا يشترط فيه الاستحكام. والفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية، كما قاله الزركشي، فإذا جن أحد
الزوجين ترتب عليه الجناية على الآخر بقتل أو نحوه، واعتمد الزيادي عدم الاستحكام في البرص والجذام كالجنون.
ومما جرب للجذام أن يؤخذ من دهن حب العنب ومرارة النسر أجزاء متساوية ويخلطان معا ويدلك بهما ثلاثة أيام. ومما
جرب للبرص أن يؤخذ ماء الورد ويطلى به ثلاثة أيام فإنه يبرأ بإذن الله تعالى (قوله: وهي) أي الجذام، وأنت الضمير
باعتبار الخبر. وقوله علة يحمر منها العضو: قال م ر ويتصور في كل عضو غير أنه يكون في الوجه أغلب. اه‍. وقوله ثم
يتقطع: أي وبعده يتناثر، أي يتساقط (قوله: وبرص) هو بالجر عطف على جنون: أي وكبر ص. وخرج به البهق فلا يؤثر
(قوله: وهو) أي البرص (قوله: وإن قلا) أي الجذام والبرص فإنهما يؤثران (قوله: وعلامة الاستحكام
في الأول) أي في
الجذام. (وقوله: اسوداد العضو) أي وإن لم يوجد تقطع ولا تناثر على المعتمد (قوله: وفي الثاني) أي وعلامة
الاستحكام في الثاني، أي البرص. وقوله عدم احمراره: أي العضو. وعبارة غيره: وعلامة الاستحكام فيه وصوله للعظم
بحيث لو فرك العضو فركا عنيفا لم يحمر اه‍ (قوله: غير) فاعل يكافئ المقدر في قوله ولا سليمة: أي ولا يكافئ سليمة
من العيب غيرها. وهذا باعتبار حل الشارح، أما باعتبار المتن فهو فاعل يكافئ المصرح به أول الفصل، كما تقدم التنبيه
عليه، وقوله ممن به عيب: بيان للغير. وقوله منها: أي من العيوب الثلاثة (قوله: لان النفس الخ) علة لعدم المكافأة
المذكورة: أي لا يكافئ السليمة من العيوب من لم يسلم منها لان النفس الخ. وقول تعاف: أي تكره صحبة من به
ذلك، أي المذكور من الجنون والجذام والبرص، لان الأول يؤدي إلى الجناية، والأخيرين يعديان. ففي الصحيحين:
فر من المجذوم فرارك من الأسد وهذا محمول على غير قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له. وذلك الغير
هو الذي يحصل في قلبه خوف حصول المرض. فقد جرت العادة بأنه يحصل له المرض غالبا. وحينئذ فلا ينافي ما صح
في الحديث لا عدوى لأنه محمول على قوي اليقين الذي يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قدر له، فقد شوهد أنه. لا يحصل له
مرض ولا ضرر، أو يقال: المراد لا عدوى مؤثرة، فلا ينافي أنه قد تحصل العدوي، لكن بفعل الله تعالى فإن الحديث
ورد ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من نسبة الفعل لغير الله تعالى (قوله: ولو كان بها الخ) كلام مستأنف، ولو شرطية
جوابها قوله فلا كفاءة، ولا يصح جعلها غاية ويكون قوله فلا كفاءة تفريعا لان موضوع هذه الخصلة لان السليمة من
العيوب لا يكافئها من هو متصف بها، وحينئذ فينحل المعنى السليمة من العيوب لا يكافئها من ذكر وإن كان بها عيب ولو
متفقا، فيناقض آخر الكلام أوله. لأنها إذا كان بها عيب فلا تكون سليمة من العيوب، لا سيما عند اتفاقهما في العيب.
وقوله وإن اتفقا أي العيبان كأن يكون جذماء، وهو كذلك، وذلك لان الانسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه. وقوله أو
كان ما بها أقبح: أي أو كان العيب الذي فيها أقبح من العيب الذي فيه: كأن تكون جذماء وهو أبرص، أو يكون الذي بها

382
أكثر (قوله: أما العيوب الخ) مقابل قوله عيب مثبت لخيار. وقوله كالعمى الخ: تمثيل للعيوب التي لا تثبت الخيار (قوله:
وقطع الطرف) أي قطع عضو من أعضائه، وهو بفتح الراء، وأما بسكونها فهو العين. وقوله وتشوه الصورة: أي قبح
الخلقة بنقص فيها أو غيره (قوله: تتمة) أي في بيان العيوب التي تثبت الخيار، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل.
وحاصلها سبعة: الثلاثة المتقدمة وهي مشتركة، ويثبت الخيار بها للزوجين مطلقا، وجدت قبل العقد أو بعده، وللولي إن
قارنت العقد وإن رضيت بها لأنه يعير بها. واثنان خاصان بالرجل: وهما الجب والعنة، فيثبت الخيار بهما للزوجة،
واثنان خاصان بها: وهما الرتق والقرن، فيثبت بهما الخيار للزوج (قوله: ومن عيوب النكاح) أي العيوب المثبتة لفسخ
النكاح (قوله: رتق) بفتحتين: وهو انسداد محل الجماع بلحم. ولا تجبر على شق الموضع فإن شقته أو شقه غيرها
وأمكن الوطئ فلا خيار لزوال المانع من الجماع، ولا تمكن الأمة من الشق إلا بإذن سيدها. وقوله وقرن، بفتح القاف
وفتح الراء، وقيل بسكونها، وهو انسداد محل الجماع بعظم (قوله: وجب) بفتح الجيم وتشديد الباء: وهو قطع الذكر أو
بعضه والباقي دون الحشفة ولو بفعل الزوجة أو بعد الوطئ. وقوله وعنة، بضم العين وتشديد النون، وهي العجز عن الوطئ
في القبل لضعف الآلة أو القلب أو الكبد. ولا بد في ثبوت الخيار بها من أن تكون من مكلف، بخلاف الصبي والمجنون
فلا يسمع دعوى العنة في حقهما لأنها لا تثبت إلا بإقرار الزوج عند القاضي أو عند بينة تشهد على إقراره أو بيمينها بعد
نكوله وإقرار كل من الصبي والمجنون لغو كنكوله ولا تثبت بالبينة لأنه لا اطلاع للشهود عليها. ولا بد أيضا أن تكون قبل
الوطئ فلا خيار له بعد الوطئ ولو مرة لأنها وصلت إلى مطلوبها وعرفت بذلك قدرته على الجماع مع توقع حصول الشفاء
بزوالها وعود الداعية للاستمتاع، بخلاف حدوث الجب بعد الوطئ فإنه يثبت به الخيار ليأسها من الجماع وعدم توقع
الاستمتاع، ولا بد من ضرب القاضي له سنة، كما فعله عمر رضي الله عنه وتابعه العلماء عليه، وقالوا:
تعذر الجماع قد
يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء، أو برودة فيزول في الصيف، أو يبوسة فيزول في الربيع، أو رطوبة فيزول في
الخريف، فإذا مضت السنة ولم يطأ رفعت أمرها إلى القاضي لامتناع استقلالها بالفسخ، فإذا ادعى الوطئ وهي ثيب أو
بكر غوراء ولم تصدقه صدق هو بيمينه أنه وطئ، ولا يطالب بوطئ، بخلاف البكر غير الغوراء فتحلف هي أنه لم يطأ،
وكذلك إن نكل عن اليمين في الثيب أو البكر الغوراء فإنها تحلف يمين الرد كغيرها (قوله: فلكل من الزوجين الخ) تفريع
على كون المذكورات من عيوب النكاح. وقوله الخيار فورا: أي لان الخيار خيار عيب وهو على الفور كما في الخيار
بعيب المبيع. فمن أخر بعد ثبوت حقه سقط خياره وتقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا
يكون مخالطا للعلماء مخالطة تستدعي عرفا معرفة ذلك، ولا ينافي الفورية ضرب السنة في العنة لأنها لا تثبت بعد مضي
السنة والرفع بعدها إلى القاضي، وحينئذ فلها الفسخ ولكن بعد قول القاضي ثبتت عندي عنته أو ثبت حق الفسخ (قوله:
في فسخ النكاح).
(اعلم) أن الفسخ يفارق الطلاق في أربعة أمور: الأول أنه لا ينقص عدد الطلاق فلو فسخ مرة ثم جدد العقد ثم
فسخ ثانيا وهكذا لم تحرم عليه الحرمة الكبرى، بخلاف ما إذا طلق ثلاثا فإنها تحرم عليه الحرمة المذكورة ولا تحل له إلا
بمحلل. الثاني إذا فسخ قبل الدخول فلا شئ عليه، بخلاف ما إذا طلق فإن عليه نصف المهر. الثالث إذا فسخ لتبين
العيب بعد الوطئ لزمه مهر المثل، بخلاف ما إذا طلق حينئذ فإن عليه المسمى. الرابع إذا فسخ بمقارن للعقد فلا نفقه لها
وإن كانت حاملا، بخلاف ما إذا طلق في الحالة المذكورة فتجب النفقة. وأما السكنى فتجب في كل من الفسخ والطلاق
حيث كان بعد الدخول (قوله: بما وجد الخ) متعلق بالخيار، والباء سببية: أي الخيار بسبب ما وجد من العيوب. وقوله
في الآخر: متعلق بوجد (قوله: بشرط أن يكون بحضور الحاكم) أي إنما يصح الخيار فورا في فسخ النكاح إن كان
حاصلا بحضور الحاكم، وذلك لان الفسخ بالعيوب المذكورة أمر مجتهد فيه كالفسخ بإعسار فتوقف ثبوتها على مزيد نظر

383
واجتهاد، وهو لا يكون إلا من الحاكم فلو تراضيا بالفسخ بها من غير حاكم لم ينفذ، ويغني عنه المحكم بشرط ولو مع
وجود القاضي. نعم إن لم تجد حاكما ولا محكما نفذ فسخها للضرورة، كما قالوه في الاعسار بالنفقة، (قوله: وليس
منها) أي من العيوب المثبتة للخيار، فهو مرتبط بقوله ومن عيوب النكاح الخ (قوله: استحاضة) أي وإن لم تحفظ لها عادة
بأن تحيرت وإن حكم أهل الخبرة باستحكامها (قوله: وبخر) بفتحتين نتن الفم وغيره كالأنف، وقيل نتن الانف يسمى
نخرا بالنون (قوله: وصنان) هو بضم الصاد. وظاهر إطلاقه أنه لا فرق فيه بين أن يكون مستحكما أو يكون لعارض عرق
أو حركة عنيفة أو اجتماع الوسخ (قوله: وقروح سيالة) أي كالمبارك المعروف (قوله: وضيق منفذ) أطلق جعله من
العيوب الغير المثبتة للخيار وليس كذلك، بل فيه تفصيل: هو أنه إن تعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها
كان من العيوب المثبتة للخيار، وإلا فلا. وعبارة التحفة. ومثله، أي المنسد محل جماعها، ضيق المنفذ بحيث يفضيها
كل واطئ. كذا أطلقوه. ولعل المراد بحيث يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها، سواء أدي لافضائها
أم لا، ثم قال: قال الأسنوي وكما يخير بذلك فكذلك تتخير هي بكر آلته بحيث يفضي كل موطوءة. اه‍. بتصرف.
والافضاء رفع ما بين قبلها ودبرها، أو رفع ما بين مدخل الذكر ومخرج البول على الخلاف فيه.
(قوله: ويجوز لكل من الزوجين خيار الخ) شروع في بيان خيار الشرط بعد بيان خيار العيب. وحاصل الكلام
عليه أنه لو شرط في أحد الزوجين وصف لا يمنع صحة النكاح كمالا كان كجمال وبكارة وحرية أو نقصا كضدها أو لا،
ولا كبياض وسمرة، فأخلف المشروط صح النكاح لان خلف الشرط إذا لم يفسد البيع المتأثر بالشروط الفاسدة فالنكاح
أولى، ولكل من الزوجين الخيار إن بان الموصوف دون ما شرط كأن شرط أنها حرة فبانت أمة وهو حر يحل له نكاح الأمة
وقد أذن سيدها في نكاحها أو أنه حر فبان عبدا وهي حرة وقد أذن له سيده في نكاحه، فإن بان مثل ما شرط أو خيرا مما
شرط كإسلام وبكارة وحرية بدل أضدادها صح النكاح ولا خيار لأنه مساو أو أكمل. وحكم المهر هنا كحكمه في خيار
العيب، فإن كان الفسخ قبل وطئ فلا مهر أو بعده، أو معه فمهر المثل (قوله: بخلف شرط) أي بوصف لا يمنع صحة
النكاح كما علمت بخلاف ما إذا كان يمنعها كأن شرط كونها أمة وهو حر لا يحل له نكاحها أو شرط كونها مسلمة وهو كافر
فالنكاح يبطل بذلك من أصله. وخرج بقوله خلف شرط خلف العين كزوجني على زيد فزوجها على عمرو فإن النكاح
يبطل جزما. وقوله وقع في العقد الجملة صفة لشرط: أي شرط موصوف بكونه وقع في العقد. وقوله لا قبله: تصريح
بمفهوم، قوله في العقد: أي أما إذا وقع قبله فلا يؤثر. وذلك لأنه إنما يؤثر إذا ذكر في العقد، بخلاف ما إذا سبقه (قوله:
كأن شرط في أحد الزوجين الخ) هو شامل لما إذا كان الشارط الزوجة أو الولي ولما إذا كانت الزوجة مجبرة، أو غير
مجبرة: أي وقد أذنت في معين وشرطت ما ذكر فإن إذنها في النكاح للمعين بمثابة إسقاط الكفاءة منها ومن الولي. اه‍.
بجيرمي. وقوله حرية بالرفع نائب فاعل شرط. وقوله أو يسار: أي غنى. وقوله أو بكارة: ومعنى كون الزوج بكرا أنه لم
يتزوج إلى الآن. اه‍. بجيرمي. وقوله أو سلامة من عيوب: أي غير عيوب النكاح، وأما هي فهي مثبتة للخيار مطلقا سواء
شرطت السلامة منها أم لا. وعبارة البجيرمي: فإن وجد عيب من عيوب النكاح كان لها الخيار مطلقا وإن كان الوصف من
غيرها من بقية خصال الكفاءة كالحرية والنسب والحرفة، فإن شرط منها كان لها الخيار وإلا فلا. اه‍ (قوله: كزوجتك
بشرط أنها بكر أو حرة مثلا) أي أو نسيبة أو غنية أو شباب. ومثله يقال في الزوج كأن يقول ولي الزوجة للزوج زوجتك
بشرط أنك بكر أو حر أو غني أو شباب أو يقول ذلك لوكيل الزوج (قوله: فإن بان أدنى مما شرط) اسم بان يعود على أحد
الزوجين، لكن على تقدير مضاف، ومتعلق شرط محذوف: أي فإن بان أحد الزوجين: أي وصفه أدنى من الوصف الذي
فيه وما ذكر مرتب على مقدر. أي فإذا شرط وأخلف الشرط فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ. قال في التحفة: نعم الأظهر

384
في الروضة أن نسبه إذا بان مثل نسبها أو أفضل لم تتخير وإن كان دون المشروط، وكذا لو شرطت حريته فبان قنا وهي أمة
على الأوجه. اه‍. وخرج بقوله أدنى ما لو بان مثله أو خيرا منه فلا فسخ (قوله: ولو بلا قاض) غاية لقوله
فله فسخ، وهي
للرد، كما يستفاد من عبارة التحفة ونصها: والخيار فوري، ونازع فيه الشيخان بأنه مجتهد فيه فليكن، كما مر اه‍. أي
كعيب النكاح. ومثلها النهاية (قوله: ولو شرطت بكارة) أي شرط الزوج أنه لا يتزوجها إلا إن كانت بكرا. وقوله فوجدت
ثيبا. أي فوجدها ثيبا (قوله: وادعت ذهابها عنده) أي ادعت أن البكارة ذهبت عند الزوج بعد العقد. والمراد لا بوطئه بأن
يكون بنحو سقطه ليغاير ما بعده. وقوله فأنكر: أي أنها ذهبت عنده. وقوله صدقت بيمينها: جواب لو. وقوله لدفع
الفسخ: أي لأجل ذلك (قوله: أو ادعت افتضاضه لها) أي أو ادعت أنها دخلت عليه بكرا، وأنه هو الذي أزال بكارتها.
فلو قال عند قوله وادعت ذهابها عنده بوطئه أو بغيره لكان أخصر. وقوله فأنكر: أي الزوج ما ادعته وادعى أنه ما افتضها بل
وجدها ثيبا (قوله: فالقول قولها بيمينها) عبر أولا بقوله صدقت بيمينها وهنا بما ذكر تفننا، وقوله أيضا: أي كما تصدق في
الصورة الأولى لدفع الفسخ (قوله: لكن يصدق الخ) راجع للصورتين قبله ودفع بهذا الاستدراك ما قد يتوهم من أنه إذا
كان القول قولها بيمينها في الصورتين أنها تستحق المهر كاملا مع أنه ليس كذلك.
(والحاصل) القول قولها بالنسبة لدفع الفسخ، والقول قوله بالنسبة لتشطير المهر.
(قوله: إن طلق قبل الدخول) أي قبل الوطئ فإن طلق بعد الوطئ وقال وطئتها ووجدتها ثيبا وقالت أزالها بوطئه
صدقت الزوجة فيجب المهر لأنه كان يمكنه معرفة كونها بكرا بغير الوطئ (قوله: ولا يقابل الخ) لو قدم هذا على التتمة
لكان أولى لأنه من متعلقات خصال الكفاءة ومعنى عدم مقابلة بعض خصال الكفاءة ببعض أنه لا تجبر خصلة في الزوج
رديئة بخصلة حميدة. فلو كان الزوج نسيبا معيبا وهي سليمة من العيوب وغير نسيبة فلا يجبر النسب العيب ويكون كفؤا
لها. ومثله ما لو كان ابن البزاز عفيفا وابنة العالم غير عفيفة فلا يكون كفؤا لها. ومثله ما ذكره المؤلف بقوله فلا تزوج حرة
عجمية برقيق عربي لأنه ليس كفؤا لها، وذلك لما بالزوج من النقص المانع من الكفاءة - وهو الرق - ولا ينجبر بما فيه من
الفضيلة الزائدة وهي كونه عربيا. وبقوله ولا حر ة فاسقة بعبد عفيف: أي لا تزوج حرة فاسقة بعبد عفيف لما مر (قوله:
وليس من الحرف الدنيئة خبازة) بكسر ففتح: أي ولا نجارة بالنون ولا تجارة بالتاء (قوله: ولو اطرد عرف الخ) وحاصل
ذلك أن ما نص عليه الفقهاء من رفعه أو دناءة في الخصال نعول عليه، وما لم ينص الفقهاء عليه يرجع فيه إلى عرف
البلد. قال في التحفة: وهل المراد بلد العقد أو بلد الزوجة؟ كل محتمل. والثاني أقرب: لان المدار على عارها وعدمه.
وذلك وإنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها، أي التي هي به حالة العقد - وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف، ولعله
باعتبار عرف بلده. اه‍. وقوله وذكر في الأنوار: قد نقلنا بعض عبارته فيما تقدم، فارجع إليه إن شئت: وقوله لم يعتبر:
أي العرف المطرد بعد نص الفقهاء (قوله: ويعتبر عرف بلدها) قال في النهاية: أي التي هي بها حالة العقد. وقال ع ش:
قضيته اعتبار بلد العقد وإن كان مجيئا لها لعارض كزيارة وفي نيتها العود إلى وطنها، وينبغي خلافه. ثم رأيت في سم
على حجر ما نصه: قوله أي التي هي بها، إن كان المراد التي بها على وجه التوطن فواضح، وإن كان المراد على عزم
العود لبلدها فمشكل. اه‍. وقوله فيما لم ينصوا عليه: أي في الحرف التي لم ينصوا عليها بدناءة ولا برفعة (قوله: وليس
للأب تزويج ابنه الخ) لو أخر هذا وذكره في فصل في نكاح الأمة لكان أنسب وإن كان ذكره هنا فيه نوع مناسبة من جهة أن

385
الأمة لا تكافئ الحر. وقوله أمة: أي أو معيبة بعيب يثبت الخيار، ويجوز تزويجه من لا تكافئه بنسب أو حرفة أو غيرهما
من سائر الخصال غير العيوب. وذلك لان الرجل لا يعير باستفراش من لا تكافئه. نعم: يثبت له الخيار إذا بلغ. وقوله لأنه
مأمون العنت: أي الذي هو شرط في جواز نكاح الأمة. وفي التحفة بعده: قال الزركشي قد يمنع هذا في المراهق لان
شهوته إذ ذاك أعظم.
(فإن قيل) فعله ليس زنا. (قيل) وفعل المجنون كذلك مع أنهم جوزوا له نكاح الأمة عند خوف العنت فهلا كان المراهق كذلك؟ اه‍. ولك
رده بأن وطئ المجنون يشبه وطئ العاقل إنزالا ونسبا وغيرهما، بخلاف وطئ المراهق فلا جامع بينهما. وادعاء أن شهوته إذ
ذاك أعظم ممنوع لأنها شهوة كاذبة إذ لم تنشأ عن داع قوي وهو انعقاد المني. اه‍ (قوله: ويزوجها بغير كف ء الخ) أي
يصح أن يزوجها عليه الخ. وقوله ولي: فاعل يزوجها. ولا فرق فيه بين أن يكون منفردا: أي ليس هناك ولي غيره أوليس
منفردا بدليل قوله بعد أو أوليائها (قوله: لا قاض) معطوف على ولي (قوله: برضا كل) متعلق بيزوجها. وقوله منها الخ:
بيان لكل. وقوله ومن وليها: إن كان هو المباشر للعقد فلا حاجة إلى ذكره لان مباشرته تستلزم الرضا منه، وإن كان غيره
من بقية الأولياء أغنى عنه قوله بعد أو أوليائها. وعبارة متن المنهاج: زوجها الولي غير كف ء برضاها أو بعض الأولياء
المستوين برضاها ورضا الباقين صح التزويج. اه‍. فلو صنع مثل صنيعه لكان أولى (قوله: أو أوليائها) أي أو منها مع
أوليائها: أي باقيهم. فلو زوجها أحد الأولياء بغير كف ء برضاها فقط ولم يرض باقي الأولياء لم يصح لان لهم حقا في
الكفاءة إلا في إعادة النكاح المختلع رضوا به أو لا بأن زوجها أحدهم به برضاها ورضاهم ثم اختلعها زوجها فأعادها له
أحدهم برضاها دون الباقين فإنه يصح، ويكفي رضاهم به أولا. أفاده في الروض وشرحه. وقوله المستوين: أي في
درجة واحدة كأخوة. وخرج به ما إذا لم يكونوا مستوين كأخ وعم فلا عبرة بالأبعد الذي هو العم لأنه لا حق له في الكفاءة.
فلو زوجها الأقرب غير كف ء برضاها فليس له اعتراض عليه ولا نظر لتضرره بلحوق العار بنسبه لان القرابة يكثر انتشارها
فيشق اعتبار رضا الكل. وقوله الكاملين: أي البالغين العاقلين. وخرج به غيرهم فلا يعتبره رضاه (قوله: لزوال المانع)
علة لقوله يزوجها برضا كل: أي يزوجها مع رضاهم لزوال المانع من صحة النكاح وهو الكفاءة برضاهم. وإنما زال
المانع بذلك لما تقدم أن الكفاءة ليست بشرط للصحة فتسقط بالرضا (قوله: أما القاضي الخ) مفهوم قوله لا قاض. وقوله
فلا يصح له تزويجها لغير كف ء: يستثنى منه ما لو كان عدم الكفاءة بسبب جب أو عنة فيصح للقاضي تزويجها على
المجبوب والعنين برضاها. وقوله على المعتمد: لا ينافيه خبر فاطمة بنت قيس السابق أول الفصل: إذ ليس فيه أنه (ص)
زوجها أسامة بل أشار عليها به ولا يدري من زوجها فيجوز أن يكون زوجها ولي خاص برضاها، ومقابل المعتمد أنه يصح
كما في التحفة ونصها: وقال كثيرون، أو الأكثرون، ويصح. وأطال جمع متأخرون في ترجيحه وتزييف
الأول، وليس
كما قالوا. اه‍. قوله وأطال جمع متأخرون في ترجيحه: رأيت في بعض هوامش فتح الجواد ما نصه: اختار جماعة من
الأصحاب الوجه القائل بالصحة مطلقا منهم الشيخ أبو محمد والامام الغزالي والعبادي، ومال إليه السبكي ورجحه
البلقيني وغيره، وعليه العمل. اه‍. مشكاة المصباح لبا مخرمة. اه‍ (قوله: إن كان لها ولي الخ) سيأتي محترزه (قوله:
لأنه) أي القاضي. (وقوله: كالنائب عنه) أي عن الولي الخاص الغائب أو المفقود. (وقوله: فلا يترك) أي القاضي.
(وقوله: الحظ له) أي للولي الخاص المذكور والحظ له هو تزويجها على كف ء (قوله: وبحث جمع متأخرون أنها) أي
المرأة التي غاب وليها أو فقد (قوله: قال شيخنا وهو) أي البحث المذكور متجه مدركا. وعبارته بعد كلام، ثم رأيت
جمعا متأخرين بحثوا أنها لو لم تجد كفؤا وخافت العنت لزم القاضي إجابتها قولا واحدا للضرورة كما أبيحت الأمة

386
لخائف العنت. اه‍. وهو متجه مدركا. والذي يتجه نقلا ما ذكرته أنه إن كان في البلد حاكم يرى تزويجها من غير الكفء
تعين، فإن فقد ووجدت عدلا تحكمه ويزوجها تعين، فإن فقدا تعين ما بحثه هؤلاء. اه‍ (قوله: أما من ليس لها ولي أصلا
الخ) محترز قوله إن كان لها ولي الخ. ثم إن تفصيله المذكور بين أن يكون لها ولي غائب أو نحوه فلا يصح تزويج الحاكم
على الأصح، وبين أن لا يكون لها ولي أصلا فيصح على المختار ليس في التحفة والنهاية، بل الذي فيهما مع الأصل أنه
لا يزوج الحاكم بغير كف ء على الأصح مطلقا، لا فرق في ذلك بين أن لا يكون لها ولي أصلا وبين أن يكون لها ولي
غائب أو فقد، ثم ذكرا مقابله ولم يفصلا فيه التفصيل المذكور، ثم نقلا عن جمع تخصيص المقابل، وهو القول
بالصحة، بما إذا لم يكن تزويجه لنحو غيبة الولي أو عضله وإلا لم يصح تزويجه قطعا لبقاء حقه وولايته. وفي المنهج
وشرحه والروض وشرحه: الجزم بعدم صحة تزويج الحاكم بغير كف ء برضاها من غير تفصيل ولا ذكر خلاف. إذا علمت
هذا تعلم ما في كلامه وتعلم أيضا ما في قوله بعد صحيح على المختار فإنه إن كان جاريا فيه على مقابل الأصح ورد عليه
أنه يقول بالصحة مطلقا من غير تفصيل، وإن كان جاريا على ما جرى عليه جمع من تخصيص القول بالصحة
بما إذا لم
يكن تزويجه لنحو غيبة الولي ورد عليه أنه إذا كان لها ولي غائب لا يصح تزويجه قطعا. وهو قد أشار إلى الخلاف فيه
بقوله فيما سبق على المعتمد. ويمكن أن يقال إن المؤلف رحمه الله تعالى جار على طريقة ثالثة توسط فيها ففصل
التفصيل المذكور. تأمل (قوله: فرع) الأولى فرعان لأنه ذكر اثنين: الأولى قوله لو زوجت من غير كف ء الخ. الثاني قوله
فإن أذنت في تزويجها الخ (قوله: لو زوجت) أي المرأة مطلقا بكرا كانت أو ثيبا. وقوله من غير كف ء: أي على غير
كف ء. وقوله بالاجبار: أي بأن يكون الولي أبا أو جدا وهي بكر (قوله: أو بالاذن) أي أو زوجت بإذنها بأن كانت ممن
يعتبر إذنها: كأن يكون الولي غير مجبر أو هي ثيب بالغ. وقوله المطلق عن التقييد بكفء أو بغيره: أي أذنت في تزويجها
من غير تعيين زوج بأن قالت له أذنت لك في تزويجي: فإن قيدت الاذن بكفء تعين، أو غير كف ء: فإن كان المزوج
الولي الخاص صح تزويجها عليه كما تقدم (قوله: لم يصح التزويج) أي على الأصح، ومقابله يصح لكن لها الخيار
حالا إن كانت بالغة، وبعد البلوغ إن كانت صغيرة، كما في متن المنهاج، وعبارته، ويجري القولان في تزويج الأب بكرا
صغيرة أو تزويج الأب أو غيره بالغة غير كف ء بغير رضاها، ففي الأظهر التزويج باطل، وفي الآخر يصح، وللبالغة
الخيار، وللصغيرة إذا بلغت. اه‍ (قوله: فإن أذنت في تزويجها) أي معتبرة الاذن. وقوله بمن
ظنته كفؤا أي على معين ظنته كفؤا. وقوله فبان: أي من ظنته كفؤا. وقوله خلافه: أي خلاف كونه كفؤا وهو كونه غير كف ء (قوله: صح النكاح)
جواب إن (قوله: ولا خيار لها) أي في فسخ النكاح. وقوله لتقصيرها بترك البحث: علة لعدم ثبوت الخيار لها (قوله: نعم
الخ) استدراك من عدم ثبوت الخيار لها وقوله إن بان: أي الذي ظنته كفؤا. وقوله معيبا أو رقيقا: قال ع ش أي بخلاف ما
لو بان فاسقا أو دنئ النسب أو الحرفة مثلا فلا خيار لها حيث أذنت فيه، بخلاف ما لو زوجت من ذلك بغير إذنها فالنكاح
باطل. اه‍.
(قوله: تتمة) أي في بيان بعض آداب النكاح. وقد ذكرت معظمها قبيل مبحث الأركان (قوله: يجوز للزوج) ومثله
المتسري (وقوله: كل تمتع منها) أي من زوجته: أي أو من أمته (قوله: بما سوى حلقة دبرها) أما التمتع بها بالوطئ

387
فحرام: لما ورد أنه اللوطية الصغرى وأنه لا ينظر الله إلى فاعله وأنه ملعون (قوله: ولو بمص بظرها) أي ولو كان التمتع
بمص بظرها فإنه جائز. قال في القاموس: البظر - بالضم - الهنة، وسط الشفرة العليا. اه‍. والهنة هي التي تقطعها
الخاتنة من فرج المرأة عند الختان (قوله: أو استمناء بيدها) أي ولو باستمناء بيدها فإنه جائز. وقوله لا بيده: أي لا يجوز
الاستمناء بيده، أي ولا بيد غيره غير حليلته، ففي بعض الأحاديث لعن الله من نكح يده. وإن الله أهلك أمة كانوا يعبثون
بفروجهم وقوله وإن خاف الزنا: غاية لقوله لا بيده، أي لا يجوز بيده وإن خاف الزنا. وقوله خلافا لأحمد: أي فإنه أجازه
بيده بشرط خوف الزنا وبشرط فقد مهر حرة وثمن أمة (قوله: ولا افتضاض بأصبع) ظاهر صنيعه أنه معطوف على قوله لا
بيده، وهو لا يصح: إذ يصير التقدير ولا يجوز استمناء بافتضاض، ولا معنى له. فيتعين جعله فاعلا لفعل مقدر: أي ولا
يجوز افتضاض: أي إزالة البكارة بأصبعه. وفي البجيرمي ما نصه: قال سم ولا يجوز إزالة بكارتها بأصبعه أو نحوها، إذ
لو جاز ذلك لم يكن عجزه عن إزالتها مثبتا للخيار لقدرته على إزالتها بذلك. اه‍ (قوله: ويسن ملاعبة الزوجة) ومثلها
الأمة المتسرى بها. وقوله إيناسا: أي لأجل الإيناس بها (قوله: وأن لا يخليها الخ) أي ويسن أن لا يخليها عن الجماع
كل أربع ليال: أي تحصينا لها، ولان غاية ما تطيق المرأة في الصبر عن الجماع ثلاث ليال، ولذلك لم يسوغ الشارع
للحر أكثر من أربع (قوله: بلا عذر) متعلق بيخليها المنفي، فإن كان هناك عذر قائم بها، كحيض أو نفاس، أو به،
كمرض، لا يكون عدم الأخلاء المذكور سنه (قوله: وأن يتحرى الخ) أي ويسن أن يجتهد في أن يكون جماعه في وقت
السحر، وذلك لانتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ: إذ هو مع أحدهما مضر غالبا (قوله: وأن يمهل الخ) أي ويسن أن
يمهل: أي يؤخر نزع ذكره من فرجها إذا تقدم إنزاله حتى تنزل. ويظهر ذلك بإخبارها أو بقرائن (قوله: وأن يجامعها الخ)
أو ويسن أن يجامعها عند القدوم من سفره. قال ع ش: أي يجامعها في الليلة التي تعقب سفره، بل أو في يومه
إن اتفقت
خلوة. اه‍ (قوله: وأن يتطيبا للغشيان) أي ويسن أن يتطيب الزوجان للوطئ (قوله: وأن يقول كل) أي ويسن أن يقول كل
من الزوجين ما ذكر، وذلك لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال
بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره وفي رواية للبخاري لم يضره
شيطان أبدا قال في النهاية: وليتحر استحضار ذلك أي قوله بسم الله الخ، عند الانزال، فإن له أثرا بينا في صلاح الولد
وغيره. اه‍. وقوله ولو مع اليأس من الولد: غاية في سن القول المذكور: أي يسن أن يقول كل منهما ذلك ولو مع اليأس
من الولد لكونها كبيرة أو صغيرة أو حاملا. كذال في ع ش. والمراد بيأس الحامل من الولد: أي الطارئ، إذ الحامل لا
يتصور أن تحمل (قوله: والتقوي) مبتدأ خبره قوله وسيلة لمحبوب. وقوله له: أي للجماع. وقوله بأدوية: متعلق
بالتقوي. وقوله مباحة: خرجت المحرمة فيحرم التقوي بها. وقوله بقصد صالح: أي مع قصد صالح. (وقوله: كعفة
الخ) تمثيل للقصد الصالح. (وقوله: وسيلة لمحبوب) وهو الجماع المصحوب بالقصد الصالح. (وقوله: فليكن) أي
التقوي بأدوية مباحة (قوله: ويحرم عليها) أي الزوجة، ومثلها الأمة، وقوله منعه: أي الزوج. وقوله من استمتاع جائز:
أي جماعا كان أو غيره (قوله: ويكره لها أن تصف الخ) محل الكراهة، كما هو ظاهر، إذا كانت الموصوفة خلية لأنه إذا
علق بها يمكنه أن يتزوجها، بخلاف الحليلة فينبغي حرمته إذا غلب على ظنها أنه يؤدي إلى فتنة، كذا في فتح الجواد

388
(قوله: لغير حاجة) متعلق بتصف: أي يكره ذلك إذا كان لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كأن أرسلها تنظر امرأة لأجل إرادة
التزويج عليها فلا يكره، كما مر في مبحث الخطبة (قوله: وله الوطئ الخ) أي ويجوز للزوج - ومثله السيد - أن يجامع
أهله عند عدم الماء في وقت الصلاة وإن علم خروج الوقت قبل وجود الماء ويتيمم حينئذ ويصلي من غير إعادة، كما
صرح بذلك في النهاية في باب التيمم ونص عبارتها: ويجوز للرجل جماع أهله وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم
ويصلي من غير إعادة. اه‍. وكتب ع ش قوله وإن علم الخ ما نصه. هذا ظاهر حيث كانا مستنجيين بالماء،
وإلا لم يجز
له جماعها - كما مر - لما فيه من التضمخ بالنجاسة، ولما يترتب عليه من بطلان تيممه إذا علم أنه لم يجد ماء في وقت
الصلاة. هذا وقد مر أنه لا يكلف الاستنجاء من المذي لأنه يضعف شهوته فيعفي عنه لكن بالنسبة للجماع لا لما أصاب
بدنه منه أو ثوبه. وعليه فلو علم أنه لا يجد ماء يغسل به ما أصابه منه بعد الجماع فينبغي حرمته إذا كان الجماع بعد دخول
الوقت لا قبله فلا يحرم لعدم مخاطبته بالصلاة الآن وهو لا يكلف تحصيل شروط الصلاة قبل دخول وقتها. اه‍. (قوله:
وأنها لا تغتسل الخ) الذي يظهر أن الواو بمعنى أو، وأنها صورة ثانية لجواز الوطئ وليست من تتمة ما قبلها، ولكن لم يظهر
ما تعطف عليه ثم ظهر أنه معطوف على مدخول يعلم ويقدر ما يناسبه: أي وله الوطئ في زمن يعلم أنها لا تغتسل عقب
وطئه فيه وأنه يخرج وقت المكتوبة فتفوت الصلاة بأن يكون الزمن الذي وطئها فيه لا يسع إلا الوطئ والغسل عقبه
والصلاة. تأمل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في نكاح الأمة
أي في بيان حكمه: صحة وعدمها (قوله: حرم لحر) أي كامل الحرية بخلاف الرقيق كلا أو بعضا فيجوز له نكاح
الأمة وإن لم توجد الشروط ما عدا إسلام الأمة فهو شرط فيه أيضا فلا يجوز له إذا كان مسلما أن يتزوج إلا أمة مسلمة
(قوله: ولو عقيما أو آيسا) غاية في الحرمة وهي للتعميم: أي لا فرق فيها بين أن يكون الحر عقيما أو آيسا أو لا (قوله:
نكاح أمة لغيره) أي العقد على أمة غيره وإنما قيد بقوله لغيره لأنه لا يجوز له نكاح أمته: أي العقد عليها مطلقا وجدت
الشروط أم لا. نعم: إن أعتقها جاز له نكاحها، بل يستحب، لأنه ورد: أن له أجرين: أجرا على إعتاقها، وأجرا على
نكاحها. وأمة ولده مثل أمته في ذلك. (وقوله: ولو مبعضة) تعميم في الأمة: أي لا فرق فيها بين أن تكون رقيقة كاملة أو
مبعضة فهي كالرقيقة، لان إرقاق بعض الولد محظور كإرقاق كله. نعم: إذا جاز له نكاح الأمة ووجد مبعضة وجب تقديمها
على كاملة الرق لان إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله (قوله: إلا بثلاثة شروط) قد نظمها ابن رسلان في زبده فقال:
وإنما ينكح حر ذات رق مسلمة خوف الزنا ولم يطق
صداق حرة الخ (قوله: أحدها بعجز) أي أحد الشروط مصور بعجز، فالباء للتصوير (قوله: عمن تصلح لتمتع) أي
عن نكاح من تصلح للتمتع. وقال في التحفة: هل المراد صلاحيتها باعتبار طبعه أو باعتبار العرف؟ كل محتمل وتمثيلهم
بالصالحة بمن تحتمل وطأ ولا بها عيب خيار ولا هرمة ولا زانية ولا غائبة ولا معتدة يرجح الثاني. اه‍. (قوله: ولو أمة)

389
غاية لمن تصلح للتمتع التي يشترط العجز عنها. ولا فرق في الأمة بين أن تكون مملوكة أو زوجة، فلو تزوج أولا بأمة
بالشروط فلا يجوز له أن يتزوج ثانيا بأمة أخرى إلا إن انتقل إلى جهة أخرى فيجوز له أن يتزوج وهكذا إلى أربع، وله بعد
ذلك جمعهن والقسم بينهن لأنه دوام ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء (قوله: أو رجعية) أي ولو كانت التي تصلح للتمتع
رجعية فيشترط العجز عنها (قوله: لأنها) أي الرجعية وهو علة لمقدر: أي وإنما اشترط العجز عنها لان الرجعية في حكم
الزوجة. (وقوله: في حكم الزوجية) الأولى بإسقاط الياء (قوله: ما لم تنقض عدتها) تقييد لقوله في حكم الزوجية: أي
هي في حكمها ما لم تنقض عدتها، فإن انقضت صارت بائنا وليست في حكم الزوجة (قوله: بدليل التوارث) الإضافة
للبيان. وهو دليل لكونها في حكم الزوجة: أي أن الدليل على أنها في حكم الزوجة التوارث، فهو يرثها إذا ماتت، وهي
ترثه إذا مات (قوله: بأن لا يكون تحته الخ) الباء لتصوير العجز عمن تصلح للتمتع: أي ويتصور العجز عنها بأن لا يكون
تحته شئ ممن يصلح للتمتع بأن لا يكون تحته شئ أصلا أو كان ولكن لا يصلح للتمتع (قوله: ولا قادرا الخ)
المنصوب خبر يكون محذوفة هي واسمها: أي وبأن لا يكون مريد نكاح الأمة قادرا، فهو تصوير للعجز المذكور.
(وقوله: على نكاح حرة) المقام للاضمار، فكان الأولى والاخصر أن يقول ولا قادر: عليها أي على من تصلح للتمتع إما
لعدمه أو لفقره (قوله: لعدمها) علة لعدم القدرة: أي وليس قادرا على نكاح الحرة لأجل كونها معدومة: أي بأن لم يجدها
في بلده أو في مكان قريب لا يشق قصده وأمكن انتقالها معه. ومثل عدمها عدم رضاها به لقصور نسبه أو نحوه. (وقوله:
أو فقره) أي أو لأجل فقره: أي عدم وجود المهر الذي طلبته منه (قوله: أو التسري) أي أوليس قادرا على
التسري. فهو
بالجر معطوف على نكاح. (وقوله: بعدم أمة) الباء سببية: أي ليس قادرا على التسري بسبب عدم وجود أمة في ملكه.
(وقوله: أو ثمن معطوف على أمة) أي أو بسبب عدم وجود ثمن يشتري به أمة يتسراها (قوله: ولو وجد الخ) أفاد بهذا أن
المراد بالقدرة المنفية في قوله ولا قادرا القدرة بغير الاقتراض والهبة، فإن كان قادرا لكن بالاقتراض أو بالهبة فلا تعبر
قدرته ويجوز له نكاح الأمة (قوله: مالا) تنازعه كل من يقرض ويهب. (وقوله: أو جارية) خاص بالثاني: أي أو يهب
جارية. (وقوله: لم يلزمه القبول) أي للقرض وللهبة لما في ذلك من المنة (قوله: بل يحل مع ذلك) أي مع وجود من
يقرضه أو يهبه (قوله: لا لمن له ولد موسر) ليس له شئ قبله يصلح لان يعطف عليه فيتعين جعل مدخول لا محذوفا هو
متعلق الجار والمجرور بعدها: أي لا يجوز نكاح الأمة لمن له ولد موسر لأنه يجب عليه إعفاف والده. ولو قال وبأن لا
يكون له ولد موسر عطفا على قوله بأن لا يكون تحته شئ من ذلك ويكون تصويرا للعجز المذكور في المتن لكان أولى
(قوله: أما إذا كان تحته الخ) مفهوم قوله عمن تصلح لتمتع، والأنسب والاخصر أن يقول أو يكون تحته من لا تصلح
للتمتع كصغيرة الخ. ويحمل قوله أولا بأن لا يكون تحته شئ من ذلك على ما إذا لم يكن تحته شئ أصلا، وذلك لان
العجز في المتن بمعنى النفي وهو إذا دخل على مقيد بقيد يصدق بنفي المقيد والقيد وبنفي القيد وحده فيحتاج تصوير
العجز لصورتين: أن لا يكون تحته شئ أصلا، أو يكون ولكن لا تصلح للتمتع (قوله: فتحل الأمة) جواب أما، وإنما
حلت له حينئذ مع وجود المذكورات لأنها لا تعفه فوجودها كالعدم (قوله: وكذا إن كان تحته زانية) أي وكذا يحل له نكاح
الأمة إن كان تحته زانية للعلة السابقة (قوله: ولو قدر على غائبة في مكان قريب) أي بأن يكون دون مسافة القصر. وقوله
لم يشق قصدها: الجملة صفة لغائبة: أي غائبة موصوفة بكونها لم يشق الذهاب إليها في المكان الذي هي فيه (قوله:
وأمكن انتقالها) أي من مكانها لبلده: أي الزوج، وجملة ما ذكره من القيود الثلاثة: أن تكون في مكان قريب، وأن لا

390
يلحقه مشقة ظاهرة في قصدها، وأن يمكن انتقالها معه (قوله: أما لو كان تحته الخ) محترز قوله ولو قدر على غائبة في
مكان قريب الخ. ثم إن المتبادر من قوله تحته أن الغائبة زوجته فيفيد أن التفصيل المذكور جار فيها فقط وليس كذلك، بل
هو إنما يجري في الغائبة التي يريد أن يتزوجها: وأما الزوجة فأطلقوا فيها أن غيبتها تبيح نكاح الأمة من غير تفصيل. وقال
في التحفة والنهاية: إن إطلاقهم صحيح، وفرقا بين الزوجة وبين غيرها بأن الطمع في حصول حرة لم يألفها يخفف
العنت. والذي اعتمده ابن قاسم وقال لا ينبغي العدول عنه جريان التفصيل لها أيضا إذا علمت هذا فكان الأولى أن يقول
أما لو قدر على غائبة في مكان بعيد الخ فتحمل على حرة غير زوجة أو على ما يشملها والزوجة على ما اعتمده سم. تأمل
(قوله: ولحقه مشقة ظاهرة) أي في سفره لها. والأولى التعبير بأو لان هذا محترز القيد الثاني. وقوله بأن ينسب الخ:
تصوير لضابط المشقة الظاهرة. وقوله إلى مجاوزة الحد في قصدها: المراد منه أن يحصل له لوم وتعيير من الناس
بقصدها (قوله: أو يخاف الزنا) عطف على جملة ولحقه مشقة: أي أو لم تلحقه مشقة ظاهرة لكن يخاف الزنا مدة
قصدها: فأي ولا يقدر على منع نفسه منه؟ فالمراد خوف مخصوص فلا يرد أن خوف الزنا شرط في صحة نكاح الأمة: أي
فائدة في التصريح به هنا. وحاصل الجواب أن الذي جعل شرطا مطلق خوف، أي قدر على منع نفسه مما يخافه أو لا،
كان ذلك الخوف في مدة السفر أو لا، وأن المراد به هنا خوف مخصوص بكونه في مدة السفر وبكونه ليس له قدرة على
منع نفسه منه (قوله: فهي) أي الغائبة التي في مكان بعيد أو التي يلحقه مشقة ظاهرة في طلبها (قوله: كالتي لا يمكن الخ)
أي كالغائبة التي لا يمكن انتقالها إلى وطنه: أي فهي كالعدم ولو لم تحصل له مشقة في قصدها أو لم يخف الزنا مدة سفره
لها. وهذا محترز قوله وأمكن انتقالها لبلده. ولو قال قبل قوله فهي كالعدم أو لم يكن انتقالها إلى بلده لكان أولى وأخصر
(قوله: لمشقة الغربة له) تعليل لمحذوف: أي ولا يكلف المقام معها لمشقة الغربة له، والرخصة لا تحتمل هذا التضييق
(قوله: وثانيها) أي الشروط (قوله: بخوفه زنا) الباء للتصوير: أي ثانيها مصور بخوف زنا: أي بتوقعه لا
على ندور: بأن
يغلب على ظنه الوقوع فيه أو يحتمل الوقوع فيه وعدمه على سواء. وقوله بغلبة شهوة: الباء سببية، أي بخوفه الزنا
الحاصل بسبب غلبة شهوته وضعف تقواه. ويحتمل - وهو الأقرب - أن تكون الباء بمعنى مع: أي بخوفه زنا مع غلبة
شهوته وضعف تقواه، بخلاف خوف الزنا مع ضعف شهوته أو مع قوتها وقوة تقواه فلا يبيح نكاح الأمة - كما سيبينه بعد -
(قوله: فتحل) أي الأمة: أي نكاحها. وهذا تفريع على الشرط الأول وهو العجز، والثاني وهو خوف الزنا. (وقوله:
للآية) تعليل للحل بالنسبة للشرطين المذكورين: وهي قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت منكم) * (1) والطول: السعة. والمراد به المهر.
والمراد بالمحصنات: الحرائر، ووصفهن بالمؤمنات جرى على الغالب. لان الحرة الكتابية كالحرة المسلمة في منع
الأمة (قوله: فإن ضعفت شهوته وله تقوى الخ) محترز قوله بغلبة شهوة وضعف تقواه. وقوله أو مروءة: عطفها على
التقوى من عطف الخاص على العام لأنها توقي الأدناس المحرمة والمباحة فيسقطها الأكل والشرب في السوق، بخلاف
التقوى فإنها توقي المحرمات - سواء توقي معها المباحات أم لا - فلا يسقطها الأكل والشرب وقوله أو حياء: الذي يظهر أن
المروءة تستلزم الحياء: إذ من لا مروءة له لا حياء فيه (قوله: يستقبح معه الزنا) الجملة صفة لحياء: أي حياء يستقبح معه
الزنا. وعبارة الروض: يستقبح معهما الزنا. اه‍. فالضمير يعود على المروءة وعلى الحياء (قوله: أو قويت شهوته)
معطوف على فإن ضعفت شهوته. وقوله وتقواه: أي وغلبت تقواه، فالاثنان يستويان في الغلبة (قوله: لم تحل له الأمة)



(1) سورة النساء، الآية: 25.
391
جواب إن (قوله: لأنه لا يخاف الزنا) أي أصلا، أو يخافه على ندور. وهو علة لعدم حل نكاح الأمة حينئذ (قوله: ولو
خاف الزنا الخ) هذا مرتب على مقدر مرتبط بقوله بخوفه زنا. والمراد بخوف الزنا عمومه - لا خصوصه - فلو خاف الزنا من
أمة الخ. وعبارة المغني: والمراد بالعنت عمومه، لا خصوصه، حتى لو خاف العنت من أمة بعينها الخ (قوله: لم تحل
له) أي سواء وجد الطول أم لا، ولا عبرة بعشقه لها لأنه داء تهيجه البطالة وإطالة الفكر. وكم ممن ابتلي به وزال عنه؟ ولله
در القائل:
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته يوم القتال ونار الحرب تشتعل
لكن من غض طرفا أو ثنى قدما عن الحرام فذاك الفارس البطل
(قوله: أن تكون الأمة) أي التي يريد أن ينكحها مسلمة. وذلك لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) * (1)
(وقوله: يمكن وطؤها) أي بأن لا تكون صغيرة ولارتقاء ولا قرناء (قوله: فلا تحل له الأمة الكتابية) مفهوم الشرط
المذكور. وإنما جاز له وطئ أمته الكتابية بملك اليمين - كما سيصرح به - لان المحذور في نكاح الأمة الذي هو إرقاق
الولد منتف فيها (قوله: وعند أبي حنيفة يجوز للحر نكاح أمة غيره) أي وإن لم يخف الزنا.
(فائدة) قال المناوي في شرح الخصائص: خص النبي (ص) بتحريم نكاح الأمة المسلمة لان نكاحها مقيد بخوف
العنت وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة ونكاحها غني عن المهر ابتداء وانتهاء، وبرق الولد ومنصبه منزه عنه. ولو قدر له
نكاح أمة كان ولده منها حرا. اه‍. بجيرمي (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول قوله لو نكح الخ الثاني وولد الأمة الخ،
الثالث ولو غر الخ (قوله: بشروطه) أي النكاح، وهي العجز عمن تصلح للتمتع وخوف الزنا وإسلام الأمة (قوله: ثم
أيسر) أي بأن قدر على صداق الحرة (قوله: أو نكح الحرة) أي بعد نكاح الأمة - كما هو فرض المسألة - بخلاف ما لو
عقد عليهما معا فإنه يصح في الحرة ولا يصح في الأمة (قوله: لم ينفسخ نكاح الأمة) أي لأنه دوام، ويغتفر فيه ما لا يغتفر
في الابتداء (قوله: وولد الأمة) أي أمة الغير. (وقوله: من نكاح أو غيره) تعميم في الولد، أي لا فرق فيه بين أن يكون
من نكاح: أي عقد صحيح. وقوله أو غيره: أي غير نكاح. وقوله كزنا الخ: تمثيل لغير النكاح. وقوله أو شبهة: أي لا
تقتضي حريته كأن اشتبهت على الواطئ بزوجته المملوكة أو نكحها وهو موسر. أما التي تقتضي الحرية كأن غر بها
فولدها حر، كما سيصرح به (قوله: بأن نكحها وهو موسر) الباء لتصوير الشبهة المقتضية لارقاق الولد (قوله: قن) خبر
المبتدأ الذي هو ولد الأمة وقوله لمالكها: أي الأمة (قوله: ولو غر) أي الحر. وقوله بحرية أمة: أي بأن
قال له وليها إنها
حرة لا أمة. وقوله وتزوجها: أي بناء على أنها حرة (قوله: فأولادها الحاصلون منه) أي من هذا المغرور. وقوله ما لم
يعلم برقها: قيد في حرية الأولاد: أي محلها مدة عدم علمه برقها: أي قبل انعقاد الأولاد فإن علمه قبل الانعقاد فالأولاد
أرقاء. وعبارة شرح الروض: أما الحاصلون بعد علمه برقها فأرقاء. والمراد بالحصول العلوق ويعلم ذلك بالوضع، فإن
وضعتهم لأقل من ستة أشهر من وطئه بعد علمه فأحرار. وإلا فأرقاء. قاله الماوردي. قال الزركشي: ولا بد من اعتبار قدر



(1) سورة النساء، الآية: 25.
392
زائد للوطئ والوضع. اه‍ (قوله: وإن كان) أي ذلك المغرور عبدا وحينئذ يلغز ويقال لنا ولد حر بين رقيقين (قوله:
ويلزمه الخ) مرتب على كون الأولاد أحرارا: أي وإذا كانوا كذلك فيلزم المغرور وإن كان معذورا قيمتهم لسيد الأمة لأنه
قوت عليه رقهم التابع لرقها بظنه حريتها. نعم إن كان المغرور عبدا لسيدها فلا شئ عليه. إذ لا يجب للسيد على عبده
مال، وكذا إن كان الغار سيدها لأنه لو غرم رجع عليه. ثم إن المغرور إذا غرم يرجع على الغار له لأنه الموقع له في الغرامة
وهو لم يدخل في العقد على أن يغرمها. ويتصور التغرير بالحرية للأمة منها أو من وكيل السيد في تزويجها أو منهما أو من
سيدها في مرهونة زوجها هو بإذن المرتهن وهو معسر بالدين الذي عليه وفي جانية زوجها هو بإذن المجني عليه وهو معسر
أيضا، وفيمن اسمها حرة فقال زوجتك حرة ونحو ذلك مما يتصور فيه التغرير من السيد، وفي الغالب لا يتصور منه.
وذلك لأنه إذا قال زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة عتقت عليه. ثم إن التغريم المذكور محله
إذا انفصل الولد حيا، أما إذا انفصل ميتا بلا جناية فلا شئ فيه (قوله: وحل لمسلم حر) أي وكذا كتابي. وقوله وطئ أمته الكتابية: أي ذمية كانت أو
حربية، لكن يكره وطؤها لئلا تفتنه بفرط ميله إليها أو ولده (قوله: لا الوثنية ولا المجوسية) أي لا يجوز وطؤهما لقوله
تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (1) (قوله: تتمة) أي في بيان متعلقات نكاح الرقيق (قوله: لا يضمن سيد
الخ) المراد به هنا مالك الرقبة والمنفعة معا، فإن اختلفا، كموصى له بمنفعته، اعتبر إذن مالك الرقبة في الاكساب النادرة
كاللقطة وإذن الموصى له في الاكساب المعتادة كحرفة. اه‍. بجيرمي (قوله: بإذنه) الباء سببية متعلقة
بيضمن: أي لا
يكون إذنه في النكاح سببا في ضمانه ما ذكر، وذلك لأنه لم يتلزمه تعريضا ولا تصريحا (قوله: وإن شرط في إذنه ضمان)
أي وإن ذكر في إذنه في النكاح ما يدل على الضمان: كأن قال تزوج وعلي المهر والنفقة فإنه لا يضمنهما، وذلك لتقدم
ضمانه على وجوبهما وضمان ما لم يجب باطل. قال في التحفة: بخلافه - أي الضمان بعد العقد - فإنه يصح في المهر
إن علمه لا النفقة إلا فيما وجب منها قبل الضمان وعلمه. اه‍ (قوله: بل يكونان) أي المهر والمؤنة. وقوله في كسبه: أي
مع أنهما في ذمته لان تعلقهما بكسبه فرع تعلقهما بذمته. قال في النهاية: وكيفية تعلقهما بالكسب أن ينظر في كسبه كل
يوم فتؤدي منه النفقة لان الحاجة لها ناجزة، ثم إن فضل شئ صرف للمهر الحال حتى يفرغ ثم يصرف للسيد ولا يدخر
شيئا منه للنفقة أو الحلول في المستقبل لعدم وجوبهما. اه‍ (قوله: وفي مال تجارة) أي ويكونان أيضا في مال تجارة ربحا
ورأس مال، لان ذلك دين لزمه بعقد مأذون فيه فصار كدين التجارة، ولا ترتيب بينه وبين الكسب، كما أفادته واو العطف،
فإن لم يف أحدهما كمل من الآخر. وقوله أذن له فيها: أي أذن السيد له في التجارة (قوله: ثم إن لم يكن مكتسبا) أي
عجز عن الاكتساب (قوله: ولا مأذونا) أي له في التجارة (قوله: فهما) أي المهر والمؤنة. وقوله في ذمته فقط: أي
فيطالب بهما بعد العتق واليسار (قوله: كزائد على مقدر له) أي بأن قدر السيد له مهرا فزاد عليه، فالزائد يكون في ذمته
فقط ولا يتعلق بالكسب ومال التجارة (قوله: ومهر وجب) أي وكمهر وجب الخ: أي فإنه يتعلق بذمته فقط. وقوله في
نكاح فاسد: خرج به الوطئ في نكاح صحيح، فالمهر فيه يتعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: لم يأذن فيه سيده) أي لم يأذن
في النكاح الفاسد بخصوصه سيده، فإن أذن له فيه تعلق بكسبه ومال تجارته (قوله: ولا يثبت مهر أصلا الخ) أي لأنه لا
يثبت له على عبده دين. وهذا إذا كان غير مكاتب. أما هو فيلزمه المهر لأنه مع السيد في المعاملة كالأجنبي. قال م ر:



(1) سورة البقرة، الآية: 221.
393
وأما المبعض فالظاهر أنه يلزمه بقسط ما فيه من الحرية. اه‍. (قوله: وقيل يجب) أي المهر على عبده أولا ثم يسقط
عنه. وفي المغني ما نصه: وهل وجب المهر ثم سقط أو لم يجب أصلا؟ ظاهر كلام المصنف الثاني، وجرى عليه في
المطلب. وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا زوجه بها وفوض بعضها. ثم وطئها بعدما أعتقه. فإن قلنا بعدم الوجوب فلا شئ
للسيد عليه، وإن قلنا بالوجوب وجب للسيد عليه مهر المثل لأنه وجب بالوطئ وهو حر. اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الصداق
أي في بيان أحكامه: كسنية ذكره في العقد، أو كراهته، وهو بفتح الصاد، ويجوز كسرها، ويجمع جمع قلة على
أصدقة، وكثرة على صدق، بضمتين، ويؤخذ الجمعان المذكوران من قول ابن مالك:
في اسم مذكر رباعي بمد ثالث افعله عنهم اطرد
وقوله:
وفعل لاسم رباعي يمد * قد زيد قبل لام اعلالا فقد
والأول مثل طعام وأطعمة ورغيف وأرغفة وعمود وأعمدة. والثاني مثل قضيب وقضب وعمود وعمد. والأصل فيه
قبل الاجماع: قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) أي تكرمة وعطية، وقوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن) * (2)
وقوله (ص) لمريد التزوج التمس ولو خاتما من حديد رواه الشيخان: أي اطلب شيئا تجعله صداقا ولو كان الملتمس
خاتما من حديد. والمخاطب بإيتاء المهور إلى النساء الأزواج عند الأكثرين، وهو الظاهر، وقيل الأولياء لأنهم كانوا في
الجاهلية يأخذونها ولا يعطون النساء منها شيئا، بل بقي منه بقية الآن في بعض البلاد (قوله: وهو) أي الصداق شرعا ما
ذكر، وأما لغة فهو اسم لما وجب بالنكاح فقط، فيكون المعنى الشرعي أعم من اللغوي على عكس القاعدة من أن
اللغوي أعم من المعنى الشرعي، وهذا مبني على أنه لا فرق بين الصداق والمهر. أما على ما قيل من أن الصداق ما
وجب بالنكاح والمهر ما وجب بغير ذلك فلا يكون المعنى الشرعي أعم من المعنى اللغوي لكنه على خلاف القاعدة أيضا
لان القاعدة أن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي كما علمت وهذا مساو له (قوله: ما وجب) أي مال أو منفعة وجب
للمرأة على الرجل غالبا وقد يجب للرجل على المرأة كما لو أرضعت إحدى زوجتيه وهي الكبرى الأخرى وهي الصغرى
فيجب على المرضعة نصف مهر مثل الصغرى للزوج، ويجب على الزوج للصغرى نصف المسمى إن كان صحيحا،
وإلا فنصف مهر المثل. وإنما وجب على المرضعة للزوج نصف المهر ولم يجب المهر كله مع أنها فوتت عليه البضع
اعتبارا لما يجب له بما يجب عليه، وقد يجب للرجل على الرجل كما في شهود الطلاق إذا رجعوا بعد حكم الحاكم
بالفراق فإنهم يغرمون مهر المثل للزوج. وقوله بنكاح: أي بسبب نكاح: أي عقد صحيح، وهذا في غير المفوضة وهي
القائلة لوليها زوجني بلا مهر أو على أن لا مهر لي، أما هي فمهرها لا يجب بالعقد بل بأحد ثلاثة أشياء: بفرض الزوج
على نفسه، وبفرض الحاكم على الزوج، وبالوطئ. وقال بعضهم: إن وجوب مهرها وإن كان مبتدأ بالفرض وغيره لكن
أصله العقد فشمله قوله بنكاح. وقوله أو وطئ: أي في شبهة أو في تفويض، فإذا وطئها بشبهة وجب عليه مهر المثل.
ومنها الوطئ في النكاح الفاسد. وكان على الشارح أن يزيد في التعريف أو تفويت بضع قهرا ليشمل مسألة الارضاع



(1) سورة النساء، الآية: 4.
(2) سورة النساء، الآية: 25.
394
ومسألة رجوع الشهود السابقتين. وعبارة غيره: ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود. اه‍.
وهي أولى (قوله: وسمى بذلك) ضمير سمى يعود على ما في قوله ما وجب، واسم الإشارة يعود على الصداق. وأفاد به
بيان حكمة تسمية ما ذكر بلفظ الصداق. وقوله لاشعاره: أي ما وجب، أي بذله، فالضمير يعود على ما أيضا بتقدير
مضاف. وقوله بصدق رغبة بذله: وهو الزوج. وقوله في النكاح: متعلق برغبة. قوله الذي هو: أي النكاح بمعنى العقد.
وقوله الأصل في إيجابه: أي الصداق (قوله: يقال له) أي لما سمى بالصداق. وقوله مهر: نائب فاعل يقال، والمراد أنه
يسمى بالمهر كما يسمى بالصداق. وسمى أيضا نحلة، وفريضة، وحباء، وأجرا، وعقرا، وعلائق، فهي ثمانية نظمها
بعضهم في بيت مفرد فقال:
صداق ومهر نحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علائق
وزاد بعضهم ثلاثة في بيت فقال:
وطول نكاح، ثم خرس تمامها ففرد وعشر عد ذاك موافق
والعقر، بضم العين، اسم لدية فرج المرأة ثم استعمل في المهر. والعلائق جمع عليقة، بفتح فكسر، والخرس
،
بضم الخاء وسكون الراء، وزيد على ذلك أيضا صدقة، بفتح أوله وتثليث ثانيه، وبضم أوله أو فتحه مع إسكان ثانيه،
وبضمهما، وعطية فيكون المجموع ثلاثة عشر اسما، ونطق القرآن العظيم منها بستة: الصدقة والنحلة في قوله تعالى:
* (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (1) والنكاح في قوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) * (2) والاجر في قوله
تعالى: * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * (3) والفريضة في قوله: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * (4)
والطول في قوله: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * (5) ووردت السنة بالباقي (قوله: وقيل الصداق الخ) حاصل هذا القيل
التفرقة بين المسمى بالصداق والمسمى بالمهر. وقوله ما وجب بتسمية في العقد: عبارة البجيرمي: وقيل الصداق ما
وجب بالعقد. والمهر ما وجب بغيره كوطئ الشبهة. اه‍. (قوله: سن الخ) شروع في بيان حكم ذكر المهر في صلب
العقد وفي غيره. وقوله ولو في تزويج أمته بعبده: الغاية للرد على من قال إنه لا يستحب التسمية في هذه الصورة، وهو
المعتمد إن لم يكن أحدهما مكاتبا. وعبارة المنهج: نعم لو زوج عبده بأمته ولا كتابة لم يسن ذكره: إذ لا فائدة فيه فإنه لا
يثبت للسيد على عبده شئ فلا حاجة إلى تسميته، بخلاف ما لو كان أحدهما أو كلاهما مكاتبا إذ المكاتب
كالأجنبي. اه‍. ومثلها عبارة النهاية، ونصها: نعم لو زوج عبده بأمته لا يستحب ذكره في الجديد، إذ لا فائدة فيه. كذا
في المطلب والكفاية. وفي نسخ العزيز المعتمدة وفي بعض نسخه والروضة أن الجديد الاستحباب. قال الأذرعي:
والصواب الأول. اه‍. وظاهر عبارة التحفة الموافقة لهما ونصها بعد قوله يسن، ولو في تزويج أمته بعبده على ما
مر. اه‍. (وقوله: على ما مر) هو قوله نعم تسن تسميته على ما في الروضة واعترض بأن الأكثرين على عدم ندبها. اه‍.
وقد مشى عليه الشارح نفسه، في مبحث شروط النكاح، عند قوله ولا مع تأقيت. فتنبه. وقوله ذكر صداق: نائب فاعل
سن. وقوله في عقد: أي في أثنائه، فلا اعتبار بذكره قبله أو بعده (قوله: وكونه من فضة) معطوف على ذكر: أي وسن
كونه من فضة. ويسن أيضا أن لا يدخل بها حتى يدفع شيئا من الصداق، خروجا من خلاف من أوجبه، قال
بعضهم:
وحكمة ذلك أن الله تعالى لما خلق حواء اشتقا لها آدم ومد يده إليها فلقال الله له: يا آدم حتى تؤدى مهرها. قال وما



(1) سورة النساء، الآية: 4.
(2) سورة النور، الآية: 33.
(3) سورة النساء، الآية: 25.
(4) سورة النساء، الآية: 24.
(5) سورة النساء، الآية: 25.
395
مهرها. قال وما مهرها؟ قال مهرها أن تصلي على محمد (ص) ألفا في نفس واحد. فصلى خمسمائة مرة فتنفس. فقال: يا آدم الذي صليته
هو مقدم الصداق، والذي بقي عليك هو مؤخره. وفي رواية: إن الله تعالى لما خلق حواء قال له آدم يا رب زوجني من
حواء. فقال له يا آدم حتى تعطيني مهرها. قال وما مهرها يا رب؟ قال: مهرها أن تصلي على محمد حبيبي مائة مرة في
نفس. فصلى آدم سبعين مرة ثم انقطع نفسه. فقال له الرب لا بأس عليك. الذي صليته مقدم المهر، والذي بقي عليك
مؤخره فلذلك تجد بعض الناس يقدمون النصف ويؤخرون النصف. وبعضهم يقدم نحو الثلثين ويؤخر نحو الثلث، وهو
الأغلب المتعارف بيننا الآن في هذه الأزمان (قوله: للاتباع فيهما) أي في ذكر الصداق وفي كونه من فضة (قوله: وعدم
زيادة الخ) معطوف أيضا على ذكر: أي وسن عدم زيادة على خمسمائة درهم. وقوله أصدقه الخ: هو بالرفع خبر المبتدأ
محذوف، وبالجر بدل أو عطف بيان من خمسمائة درهم، وهو في قوة التعليل لسنية عدم الزيادة على ذلك: أي وإنما سن
ذلك لأنها أصدقة بناته (ص) كما صح عن سيدنا عمر رضي الله عنه في خطبته أنه قال: لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كنت
مكرمة في الدنيا أو تقوي عند الله كان أولى بها رسول الله (ص). ولا يرد على هذا إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار لأنه لم
يكن من النبي (ص) وإنما كان من النجاشي إكراما له (ص) فإنها كانت تحت عبد الله بن جحش وهاجرت معه إلى الحبشة
فتنصر وبقيت على الاسلام رضي الله عنها فبعث النبي (ص) عمرو بن أمية الضمري في تزويجها من النجاشي فأصدقها
النجاشي أربعمائة دينار وجهزها من عنده وأرسلها مع شرحبيل للنبي (ص) سنة سبع (قوله: أو نقصان الخ) معطوف على
زيادة: أي وسن عدم نقصان عن عشرة دراهم، خروجا من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه لا يجوز عند التسمية
أقل منها (قوله: وكره إخلاؤه) أي العقد عن ذكره: أي الصداق (قوله: وقد يجب) أي ذكر الصداق في العقد (قوله:
كأن كانت المرأة الخ) تمثيل للعارض الموجب لذكره في العقد. وقوله غير جائزة التصرف: أي لصغر أو جنون أو سفه، أي
وقد حصل الاتفاق مع الزوج على أكثر من مهل المثل فتفوت الزيادة مع أنه مصلحة للزوجة المذكوة. ومن صور وجوب
التسمية أيضا ما لو كانت الزوجة جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها من غير تفويض وقد حصل الاتفاق على أكثر من
مهر المثل، فلو سكت لوجب مهر المثل فتفوت المصلحة مع أن تصرف الولي يكون بها. ومنها أيضا ما لو كان الزوج غير
جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر المثل فتجب تسمية ما وقع الاتفاق عليه، فلو سكت عن التسمية لوجب
مهر المثل فتحصل زيادة على الزوج، والمصلحة في هذه الصورة عائدة على الزوج، وفيما قبلها على الزوجة. وقد تحرم
التسمية، كما لو زوج محجورة بمن لم ترض إلا بأكثر من مهر مثلها (قوله: وما صح كونه ثمنا الخ) هذه في المعنى قضية
شرطية صورتها: وكل ما صح جعله ثمنا صح جعله صداقا. والذي يصح جعله ثمنا هو الذي وجدت فيه الشروط السابقة
في باب البيع: من كونه طاهرا منتفعا به مقدورا على تسلمه مملوكا لذي العقد. وقوله صح كونه صداقا: أي في
الجملة، فلا يرد ما لو زوج عبده لحرة وجعل رقبته صداقا لها فإنه يصح مع صحة جعله ثمنا لأنه منع منه هنا مانع وهو أنه لا
يجتمع الملك والنكاح لتناقضهما (قوله: وإن قل) غاية لقوله ما صح كون ثمنا: أي كل ما صح أن يكون ثمنا ولو قليلا
يصح كونه صداقا، ولا حاجة إلى تقييد القلة بأن لا تنتهي إلى حد لا يتمول: لأنه حينئذ لا يصح كونه ثمنا فهو خارج من
موضوع المسألة (قوله: لصحة كونه عوضا) عبارة شرح المنهج: لكونه، أي الصداق، عوضا بإسقاط لفظ صحة، وهو
الأولى: إذ لا معنى للعلة بدون إسقاطه، وهي علة لما تضمنته الشرطية السابقة، والمعنى: وإنما اشترط في صحة ما
يجعل صداقا صحة جعله ثمنا لكون الصداق عوضا عن الاستمتاع بالبضع، فهو كالثمن. نعم: إن جعل علة للغاية كان
لزيادة لفظ صحة معنى، أي وإنما صح أن يكون قليلا لصحة كون القليل عوضا إلا أنه بعيد. تأمل (قوله: فإن عقد مما لا
يتمول) أي بما لا يقابل بمال سواء كان في حد ذاته مالا كنواة أو غيره كترك حد قذف فلا حاجة حينئذ إلى زيادة
، وما لا

396
يقابل بمال كما زاده بعضهم (قوله: كنواة الخ) تمثيل لما لا يتمول (قوله: وقمع باذنجان) في المصباح: القمع ما على
الثمرة ونحوها، وهو الذي تتعلق به مثل عنب وحمل، والجمع أقماع. اه‍. بتصرف (قوله: وترك حد قذف) أي بأن
قذفته واستحقت الحد وأراد أن يجعل تركه صداقا لها فلا يصح لأنه لا يقابل بمال (قوله: فسدت التسمية) جواب إن،
ومع فساد التسمية النكاح صحيح لان النكاح لا يفسد بفساد المسمى. وذلك لان عقد النكاح مشتمل على عقدين: عقد
للنكاح قصدا وبالذات، وعقد للصداق تبعا وبالعرض. فإذا صح ما بالذات صح التابع له أو فسد هو فسد ولا كذلك ما لو
فسد التابع، فإن المتبوع على الصحة، كما هو ظاهر، أفاده البجيرمي (قوله: لخروجه عن العوضية) علة الفساد: أي
فسدت التسمية بما لا يتمول لكونه لا يكون عوضا (قوله: ولها) الضمير يعود على معلوم من السياق، وهو الزوجة الرشيدة
التي لم يدخل بها (قوله: كولي ناقصة) بالإضافة. وقوله بصغر: الباء سببية متعلق بناقصة: أي نقصها بسبب صغر أو
جنون، أي أو سفه، (قوله: وسيد أمة) معطوف على ولي ناقصة: أي ولسيد أمة (قوله: حبس نفسها) أي عن تمكين
الزوج منها: أي أو حبس الولي أو السيد لها عنه. وكان عليه أن يزيد ما ذكر ليطابق ما قبله. وإذا حبست نفسها أو حبسها
الولي بسبب عدم تسليم الصداق استحقت النفقة وغيرها وجوبا مدة الحبس لان التقصير منه.
(فإن قيل) كيف ساغ لها الحبس مع أنه لا يجب إلا بالوطئ أو بالموت؟
(يجاب) بأنه لما جرى سبب وجوبه وهو العقد جاز لها الطلب. وقوله لتقبض غير مؤجل: اللام تعليلية متعلقة
بحبس: أي لها الحبس لأجل أن تقبض ما هو لها من المهر غير المؤجل (قوله: من المهر الخ) بيان لغير المؤجل. والمراد
بالمهر الذي ملكته بالنكاح. فخرج ما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها أو باع أمته بعد التزويج فليس لها الحبس لأنه
ملك للوارث أو المعتق أو البائع لا لها فهي لم تملكه. وخرج أيضا ما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها فليس لها
حبس نفسها لأنها إنما ملكته بالوصية لا بالنكاح. وقوله المعين: أي كتزوجتها بهذا العبد. وقوله أو الحال: بأن التزمه في
الذمة وشرط أن يؤديه حالا كتزوجتها بمائة ريال حالة (قوله: سواء كان الخ) تعميم في غير المؤجل: أي لا
فرق في غير
المؤجل الذي حبست نفسها لأجله بين أن يكون بعض المهر بأن استلمت بعضه وبقي البعض، أو كله بأن لم تستلم منه
شيئا (قوله: أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها) أي لرضاها بالتأجيل (قوله: وإن حل الخ) غاية لقوله فلا
حبس لها: أي فلا حبس لها ولو حل الاجل قبل تسليمها نفسها له لأنها قد وجب عليها أن تسلم نفسها قبل الحلول فلا يرتفع بالحلول. ولو
تنازع الزوجان في البداءة بالتسليم بأن قال الزوج لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك وقالت هي لا أسلمك نفسي حتى
تسلم المهر أجبر فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر بتمكين لنفسها، فإذا مكنت أعطاه لها وإن لم يأتها الزوج. ولو بادرت
فمكنته طالبته بالمهر. فإن لم يطأ امتنعت حتى يسلم المهر. ولو بادر فسلم المهر لزمها التمكين إذا طلبه، فإذا امتنعت ولو
بلا عذر لا يسترد المهر لتبرعه بالمبادرة (قوله: ويسقط حق الحبس) أي للزوجة. وقوله بوطئه: أي الزوج. والإضافة من
إضافة المصدر لفاعله. وقوله إياها: مفعوله. وقوله طائعة كاملة: حالان من المفعول أو الثاني حال من فاعل طائعة
وتسمى الحال المتداخلة (قوله: فلغيرها) الضمير عود على القيد الثاني: أعني كاملة: أي فلغير الكاملة من صغيرة
ومجنونة الحبس بعد الكمال: أي البلوغ والإفاقة، وكان عليه أن يذكر محترز القيد الأول أيضا، أعني طائعة، وهو
الاكراه. ولو قال أما لو أكرهها أو كانت غير كاملة حال الوطئ ثم كملت بعده فلها الحبس لاوفى بالمراد (قوله: إلا أن
يسلمها الولي بمصلحة) أي إلا أن يسلم غير الكاملة وليها بمصلحة تعود إليها كالنفقة والكسوة وكحفظها فليس لها الحبس

397
بعد الكمال. وعبارة شرح الروض: نعم لو سلم الولي الصغيرة أو المجنونة بالمصلحة فينبغي كما في الكفاية أنه لا رجوع
لها وإن كملت، كما لو ترك الولي الشفعة لمصلحة ليس للمحجور عليه الاخذ بها بعد زوال الحجر على الأصح، بخلاف
ما لو سلمها بغير مصلحة، انتهت (قوله: وتمهل وجوبا) أي بعد تسليم الصداق لها. وقوله لنحو تنظف: كإزالة وسخ
واستحداد، وذلك لان ما ذكر منفر، فإزالته أدعى إلى بقاء النكاح. وخرج بنحو التنظيف الجهاز والسمن ونحوهما فلا
تمهل لها (قوله: بالطلب منها) متعلق بتمهل. وفي حاشية الجملة ما نصه: ونفقة مدة الامهال على الزوج
لأنها معذورة
في ذلك. كذا في حاشية ح ل. وفي ع ش على م ر ما يصرح بأنه لا نفقة لها. وعبارته على قول الأصل ولا تسلم صغيرة
ولا مريضة حتى يزول مانع وطئ. قوله: حتى يزول الخ: أي ولا نفقة لهما لعدم التمكين وينبغي أن مثلهما من استمهلت
لنحو تنظف وكل من عذرت في عدم التمكين. اه‍. (قوله: ما يراه قاض) ما واقعة على زمن، فهي ظرف باعتبار معناها
متعلق بتمهل: أي تمهل زمنا يراه قاض لأنه أمر مجتهد فيه فأنيط به (قوله: من ثلاثة أيام فأقل) بيان لما، ولا يجوز
مجاوزتها لان غرض التنظيف يحصل فيها غالبا (قوله: لا لانقطاع الخ) معطوف على لنحو تنظف: أي لا تمهل لانقطاع
حيض ونفاس لان مدتهما قد تطول ويتأتى التمتع معهما بلا وطئ كما في الرتقاء. قال في النهاية: وقول الزركشي إن
قياس ما ذكروه في الامهال للتنظيف أن تمهل الحائض إذا لم تزد مدة حيضها على مدة التنظيف. وصرح به في التتمة
فيختص عدم إمهالها بما إذا كانت مدة الحيض تزيد على ثلاثة أيام وإلا فتمهل: مردود. اه‍. أي فلا تمهل وإن قل.
ع ش. وقال في شرح الروض: وكالحيض فيما قاله، أي الزركشي، النفاس. اه‍. (قوله: نعم لو الخ) الأولى حذف
لفظ نعم وجعل واو العطف في محلها: إذ لا معنى للاستدراك لان المستدرك منه، وهو قوله لا لانقطاع الخ، معناه أنها
تسلم نفسها له، والاستدراك يفيد هذا المعنى. وقوله خشيت: أي الحائض أو النفساء. وقوله أنه يطؤها: أي في حال
الحيض والنفاس. وقوله سلمت نفسها: أي لزوجها. وقوله وعليها الامتناع: أي من الوطئ (قوله: فإن علمت أن
امتناعها) أي من الوطئ. وقوله واقتضت القرائن بالقطع: أي بالجزم بأن يطأها (قوله: لم يبعد أن لها بل عليها الامتناع)
أي من التسليم: أي أنها لا تسلم نفسها فحصل الفرق بين الامتناع الأول والثاني، فالأول بمعنى الامتناع من الوطئ
والثاني بمعنى الامتناع من التسليم. وعبارة شرح الروض: ولو علمت أنه يطؤها ولا يراقب الله تعالى فهل لها أن تمتنع؟
فيه تردد للامام قال: ولا يبعد تجويز ذلك أو إيجابه. اه‍. وقوله حينئذ: أي حين إذ علمت ذلك واقتضت القرائن الخ
(قوله: ولو أنكح الولي) المراد به ما يعم المجبر وغيره، وذلك لان ما عدا الصغيرة والمجنونة لا يختص بالمجبر (قوله:
صغيرة) أي بكرا. وقوله أو مجنونة: أي بكرا أو ثيبا (قوله: بكرا) صفة لكل من صغيرة ومن رشيدة. ولو قدم لفظ بكرا
على قوله رشيدة لكان أولى: لان البكارة ليست بقيد في الرشيدة. وقوله بلا إذن: متعلق بأنكح. والمراد بلا إذن من
الرشيدة في النقص عن مهر المثل، سواء أذنت في النكاح أم لا، ليشمل المجبرة فإنه لا يشترط إذنها في النكاح. وإنما
قدم على قوله بدون مهر المثل، مع أن المراد منه ما تقدم، لان قوله بدون مهر المثل متعلق بأنكح المرتبط بالصغيرة
وبالرشيدة، فلو أخره لتوهم أنه راجع أيضا للصغيرة وللرشيدة مع أنه إنما هو راجع للثانية فقط: إذ الصغيرة ليس لها إذن
(قوله: أو عينت) أي الرشيدة بكرا أو غيرها، وهو معطوف على مقدر مرتبط بقوله بلا إذن: أي بلا إذن ولم تعين له قدرا أو
عينته بأن قالت له زوجني بألف فزوجها بدونه. وقوله فنقص عنه: أي عن القدر الذي عينته له. وخرج بنقص عنه ما لو زاد
عليه فينعقد بالزائد، كما في نظيره من وكيل البيع المأذون له فيه بقدر فزاد عليه وانظر لو كان الناقص عن القدر الذي عينته
زائدا على مهر المثل، فهل يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل أم لا؟ وعبارة التحفة، وبحث الزركشي، كالبلقيني،
أنها لو كانت سفيهة فسمى دون مأذونها لكنه زائد على مهر مثلها انعقد بالمسمى لئلا يضيع الزائد عليها، وطرداه في

398
الرشيدة وهو متجه في السفيهة، لا لما نظرا إليه، بل لأنه لا مدخل لاذنها في الأموال، فكأنها لم تأذن في شئ لا في
الرشيدة، لان إذنها معتبر في المال أيضا فاقتضت مخالفته ولو بما فيه مصلحة لها فساد المسمى ووجوب مهر المثل. اه‍.
(قوله: أو أطلقت) أي الرشيدة الاذن: أي في النكاح ولا حاجة إلى ذكر هذه المسألة بعد قوله أو رشيدة بلا إذن: إذ
المراد، كما تقدم، بلا إذن في النقص عن مهر المثل أذنت في النكاح أم لا. فالشق الأول، أعني ما إذا أذنت في النكاح
ولم تأذن في النقص، هو عين هذه المسألة إلا أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام، والمؤلف تبع شيخ الاسلام في
العبارة المذكورة. وعبارة المنهاج: ولو قالت لوليها زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح. فلو أطلقت فنقص
عن مهر مثل
بطل. وفي قول يصح بمهر مثل.
(قلت) الأظهر صحة النكاح في الصورتين بمهر المثل والله أعلم. اه‍. وهي ظاهرة. وقوله ولم تتعرض لمهر: أي
سكت عن قدره، وهو بيان لمعنى الاطلاق (قوله: صح النكاح) جواب لو. وقوله على الأصح: أي لان فساد الصداق لا
يفسد النكاح كما مر. وفارق عدم صحته من غير كف ء بأن إيجاب مهر المثل هنا تدارك لما فات من المسمى، وذاك لا
يمكن تداركه. ومقابل الأصح يحكم بفساد النكاح (قوله: لفساد المسمى) علة لصحته بمهر المثل (قوله: كما إذا قبل)
أي ولي الطفل: أي فإنه يصح بمهر المثل. وقوله لطفله: أي أو مجنون أو سفيه (قوله: بفوق مهر مثل) أي مما لا يتغابن
بمثله، وهو متعلق بقبل. وقوله من ماله: أي حالة كون ذلك الفوق مع مهر المثل من مال الطفل. وعبارة الجمل: وقوله
بفوق مهر مثل: أي بمهر مثل فما فوق حالة كون المجموع من مال المولى، أما لو كان من مال الولي أو قدر المهر من مال
المولى والزائد من مال الولي فإنه يصح في هاتين بالمسمى. اه‍. (قوله: ولو ذكروا) الضمير يعود على معلوم من المقام
وهو الزوج والولي والزوجة الرشيدة أو غيرها ممن ينضم للولي والزوج في الغالب وعبارة التحفة مع الأصل: فان توافقوا،
أي الزوج والولي والزوجة الرشيدة، فالجمع باعتبارها أو باعتبار من ينضم للفريقين غالبا. اه‍. وقوله مهرا سرا: أي
سواء كان بالتوافق أو بالعقد. وقوله وأكثر منه جهرا: يقال فيه ما في الذي قبله. وقوله لزمه ما عقد به: أي ما وقع العقد
عليه اعتبارا بالعقد سواء قل أو كثر. فلو وقع الاتفاق على ألفين ووقع العقد على ألف لزمه الألف، أو وقع الاتفاق على
ألف ووقع العقد على ألفين لزمه الألفان. هذا إن لم يتكرر العقد. فإن تكرر لزمه ما وقع العقد الأول عليه قل أو كثر،
اتحدت شهود العلانية والسر أم لا. وذلك لان العبرة بالعقد الأول، وأما الثاني فهو لاغ لا عبرة به. وقد بين هذا بقوله وإذا
عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين، أي أو العكس: بأن عقد سرا بألفين ثم أعيد جهرا بألف، فيلزمه الألفان. وعلى
هاتين الحالتين حملوا نص الشافعي رضي الله عنه في موضع على أن المهر مهر السر، وفي آخر على أنه مهر
العلانية:
أي فالأول محمول على ما تقدم عقد السر، والثاني محمول على تقدم عقد العلانية (قوله: وفي وطئ نكاح أو شراء)
الجار والمجرور خبر مقدم. وقوله مهر مثل: مبتدأ مؤخر. والشارح جعل قوله مهر مثل فاعلا لفعل محذوف. وعليه فيكون
الجار والمجرور متعلقا به، والأولى أن يجعله كما ذكرت: إذ لا يجوز حذف الفعل إلا بقرينة تدل عليه، وهذا بيان لشبهة
الطريق. وقوله فاسد: أي كل من النكاح والشراء (قوله: كما في وطئ الشبهة) التشبيه يفيد أن ما تقدم من وطئ النكاح
والشراء الفاسدين ليس من وطئ الشبهة وليس كذلك. ولو قال، كما في المنهج، وفي وطئ شبهة كنكاح فاسد الخ لكان
أولى.
(واعلم) أن الشبهة إما أن تكون شبهة طريق، وهي التي يقول بحلها عالم، وذلك كما في الوطئ بالنكاح الفاسد

399
والشراء الفاسد، وإما أن تكون شبهة الفاعل: وذلك كوطئ الأجنبية على ظن أنها حليلة، وإما أن تكون شبهة المحل: كما
إذا وطئ أب أمة ولده أو شريك الأمة المشتركة أو سيد مكاتبته، وقد تقدم الكلام عليها في مبحث الرضاع (قوله: يجب
مهر مثل) محله إن كانت الشبهة منها بأن لا تكون زانية وإلا فلا وجوب: سواء كان هو زانيا أم لا ويعتبر المهر وقت الوطئ
لأنه وقت الاتلاف لا وقت العقد لفساده. وقوله لاستيفائه: أي الواطئ، وهو علة لوجوب مهر المثل عليه (قوله: ولا
يتعدد) أي المهر. وقوله بتعدد الوطئ: المراد بتعدده كما قاله الدميري، أي يحصل بكل مرة فضاء الوطر مع تعدد الأزمنة.
فلو كان ينزع ويعود فالافعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرا فهو وقاع واحد بلا خلاف. أما إذا لم تتواصل الافعال
فتتعدد الوطآت وإن لم يقض وطره.
(والحاصل) أنه متى نزع قاصدا الترك أو بعد قضاء الوطر ثم عاد تعدد، وإلا فلا. اه‍. نهاية (قوله: إن اتحدت
الشبهة) الأولى أن يقول، كما في التحفة، لاتحاد الشبهة. وذلك لأنه لم يذكر في كلامه من أنواع الشبهة إلا نوعا واحدا
وهو النكاح الفاسد أو الشراء الفاسد، فلا يناسب أن يقيد ذلك بقوله إن اتحدت الشبهة. نعم: لو عبر كالمنهج بالعبارة
التي نبهت عليها آنفا لكان قوله إن اتحدت مناسبا.
(والحاصل) أنه لا يتعدد المهر بتعدد الوطئ إن اتحد شخص الشبهة، فإن لم يتحد شخص الشبهة تعدد المهر سواء
اتحد الجنس أم تعدد، كما لو وطئ مرارا بشبهة الفاعل أو شبهة الطريق أو شبهة المحل بشرط أن لا يؤدي المهر قبل
تعدد الوطئ، وإلا تعدد المهر. وذلك كأن وطئ امرأة مرة بنكاح فاسد. وفرق بينهما ثم مرة أخرى بنكاح فاسد أو وطئها
يظنها زوجته ثم علم الواقع ثم وطئها مرة أخرى يظنها زوجته أيضا. وهذان المثالان لتعدد شخصها مع اتحاد جنسها، وهو
شبهة الطريق في الأول، وفي الثاني شبهة الفاعل. ومثال تعدد الشخص مع تعدد الجنس أن يطأها بنكاح فاسد ويفرق
بينهما ثم يطأها مرة أخرى يظنها زوجته أو بالعكس. ففي جميع ما ذكر يتعدد المهر. ثم إن العبرة في عدم التعدد عند
اتحادها أن تكون من الواطئ والموطوءة، فإن فقدت الشبهة منه مع وجودها منها تعدد المهر مطلقا. فلو كرر وطئ نائمة أو
مكرهة أو مطاوعة بشبهة اختصت بها تكرر المهر، لان سببه الاتلاف وقد تعدد بتعدد الوطآت (قوله: ويتقرر كله الخ)
المراد بالتقرر الامن من سقوطه كله بالفسخ أو شطره بالطلاق، لا وجوبه، لأنه يجب بالعقد (قوله: ويموت) أي في نكاح
صحيح لا فاسد، فلا يستقر المهر بالموت فيه. وقد يسقط المهر بالموت، كما لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها. ومثل
الموت مسخ أحدهما حجرا كله أو نصفه الاعلى (قوله: ولو قبل الوطئ) تفيد الغاية أنه إذا وطئ ثم مات تقرر المهر
بالموت وليس كذلك، بل يتقرر بالوطئ. وفي التحفة والنهاية وشرح المنهج إسقاطها، وهو المتعين، (قوله: لاجماع
الصحابة على ذلك) أي على تقرره كله بالموت: أي ولبقاء آثار النكاح بعده من الوارث وغيره (قوله: أو وطئ) أي ويتقرر
كله بوطئ: أي وإن حرم كوقوعه في حيض أو في دبرها. وخرج بتقرره بالموت وبالوطئ غيرهما كاستدخال مائة وخلوة
ومباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا بالشطر، لآية * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (1) أي
تجامعون (قوله: ويسقط الخ) شروع في بيان ما يرفع المهر وما ينصفه وغيرهما. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله:
أي كله) أي الصداق. وهو بيان للفاعل المستتر، لا هو الفاعل نفسه: إذ لا يجوز حذفه في غير مواضع
الحذف، كما تقدم
التنبيه عليه غير مرة (قوله: بفراق وقع منها) أي بسبب عيب فيه أو بسبب ردتها فإنه بالردة ينفسخ النكاح حالا إذا كان قبل
الوطئ (قوله: قبله) متعلق بالفعل الذي قدره وهو قوله وقع منها (قوله: أي قبل وطئ) أي في قبل أو دبر ولو بعد استدخال
مني. تحفة (قوله: كفسخها الخ) تمثيل لما يحصل به الفراق منها (قوله: بعيبه) الباء سببية متعلق بفسخها: أي فسخها



(1) سورة البقرة، الآية: 237.
400
بسبب عيب كائن في الزوج. وقوله بإعساره: أي بمهرها أو بالنفقة (قوله: وكردتها) عطف على كفسخها: أي
وكإرضاعها زوجة له صغيرة، وكإسلامها ولو تبعا لاحد أبويها عند غير ابن حجر، أما عنده فيتشطر المهر. قال: وما جزم به
شيخنا، بأنه لا فرق: أي بين إسلامها تبعا وغيره، فهو لا يلائم ما قالوه: أي من تشطر المهر فيما لو أرضعته أمها أو
أرضعتها أمه، بجامع أن إسلام الام كإرضاعها سواء فكما لم ينظروا لارضاعها فكذلك لا ينظر لاسلامها. اه‍. (قوله: أو
بسببها) معطوف على منها: أي أو وقع الفراق لكن منه بسببها. وإنما سقط المهر في الأول لأنها هي المختارة للفرقة
فلذلك سقط العوض، وفي الثاني لأنها لما كانت بسببها كانت كأنها الفاسخة (قوله: ويتشطر المهر) أي في كل فراق لا
يكون منها ولا بسببها. والمراد من تشطيره عود نصف المهر إلى الزوج إن كان هو المؤدي عن نفسه أو أداه عنه وليه، وإلا
عاد للمؤدي بنفس الفراق وإن لم يختر العود. وذلك لظاهر الآية. وقيل المراد من التشطير أن له خيار الرجوع في النصف
إن شاء تملكه وإن شاء تركه (قوله: بطلاق) أي بائنا كان أو رجعيا لكن بعد انقضاء العدة، وصورة الرجعي قبل الدخول
أن يكون بعد استدخال المني فهو طلاق قبل الدخول لكنه رجعي (قوله: ولو باختيارها) غاية في التشطر: أي يتشطر
بالطلاق ولو كان الطلاق وقع باختيارها (قوله: كأن فوض الخ) تمثيل لما كان باختيارها (قوله: أو علقه) أي طلاقها
بفعلها: كإن دخلت الدار فأنت طالق. وقوله ففعلت: أي المعلق عليه الطلاق، وهو الدخول للدار (قوله: أو فورقت
بالخلع) معطوف على فوض: أي وكأن فورقت. فهو مندرج فيما كان باختيارها (قوله: وبانفساخ نكاح) معطوف على
بطلاق في المتن: أي ويتشطر المهر بانفساخ للنكاح. وقوله بردته: أي الزوج، أي أو بإسلامه، ولو تبعا، أو لعانه أو
إرضاع أمه لها وهي صغيرة أو إرضاع أمها له وهو صغير. ففي كل ذلك يتشطر المهر للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى:
* (فنصف ما فرضتم) * (1) وقياسا عليه في الباقي. وقوله وحده. تقدم حكم ردتها وحدها. وبقي ما لو ارتدا معا، والعياذ
بالله تعالى، فهل هي كردتها فيسقط المهر كله أو كردته فينصف؟ وجهان. أصحهما الثاني تغليبا لسببه (قوله: وصدق
نافي وطئ من الزوجين) أي إذا اختلفا في الوطئ وعدمه، وكان المصدق الذي ينفي الوطئ لان الأصل عدمه. واستثنى
مسائل ذكر بعضها الشارح يكون المصدق فيها المثبت. وقد نظمها بعضهم بقوله:
إذا اختلف الزوجان في وطئه لها فمن منهما ينفيه فالقول قوله
سوى صور ست فمثبته هو المصدق فاحفظ ما تبين نقله
إذا اختلفا في الوطئ قبل طلاقها وجاء له منها على الفرش نجله
فأنكره فالقول في ذاك قولها ويلزمه شرعا لها المهر كله
كذلك عنين يقول وطئتها زمان امتهال حيث يمكن فعله
كذلك مول قال إني وطئتها وفئت فلا تطليق يلغى ومثله
إذا طاهرا كانت وقال لسنة سمت أنت فيها طالق صح عقله
فقال بهذا الطهر إني وطئتها وما طلقت لم ينقطع منه حبله
ومن طلقت منه ثلاثا وزوجت بغير وفيها قال ما غاب قبله
فقالت بلى قد غاب فالقول قولها وأدرك ذاك الزوج الأول حله
وإن زوجت عرس بشرط بكارة فقالت لنا إن الثيوبة فعله
وأنكره فالقول في ذاك قولها وليس له منها خيار ينيله



(1) سورة البقرة، الآية: 237.
401
وقوله في ذاك قولها: أي لترجيح جانبها بالولد، فإن نفاه عنه صدق بيمينه لانتفاء المرجح. وقوله وقال لسنة: بالنون
المشددة. وقوله سمت: أي السنة. وقوله أنت فيها طالق: مقول القول، يعني إذا قال لطاهر أنت طالق للسنة فقال وطئت
في هذا الطهر فلا طلاق حالا لكونه بدعيا وقالت لم تطأ فيه فيقع حالا صدق لان الأصل بقاء العصمة، والطلاق السني هو
ما وقع في طهر خلا عن وطئ فيه، والبدعي بخلافه. وقوله وفيها قال: أي الغير ما غاب قبله بضم القاف. أي ما غابت
حشفته في فرجها فلا تحل للأول. وقوله فالقول قولها: أي لتحل للأول ويقبل قوله بالنسبة لتشطير المهر. وقوله فالقول
في ذاك قولها: أي بالنسبة لدفع الفسخ، وأما بالنسبة لتشطير المهر فالقول قوله هو (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله:
لان الأصل عدمه) أي عدم الوطئ وهو علة لكون المصدق نافي الوطئ (قوله: إلا إذا نكحها الخ) استثناء من قوله وصدق
نافي وطئ الخ.
(واعلم) أن هذه الصورة قد تقدمت في عيوب النكاح (قوله: ثم قال) أي الزوج. وقوله فقالت: أي الزوجة: أي
أنكرت قوله المذكور وقالت بل زالت البكارة بوطئك (قوله: فتصدق بيمينها لدفع الفسخ) أي لأجل أن لا يفسخ النكاح
(قوله: ويصدق هو) أي بيمينه، كما تقدم للشارح التقييد به، وقوله لتشطيره: أي لأجل تشطير المهر. أي عدم دفع كله
لها. وقوله إن طلق قبل وطئ: أي بعد الاختلاف المذكور وقبل وطئ فإن طلقها بعد الوطئ فلا يتشطر المهر، بل يجب
كله، كما هو ظاهر، (قوله: وإذا اختلفا الخ) شروع في بيان التحالف عند الاختلاف في قدر المهر أو صفته. وقد عقد له
الفقهاء فصلا مستقلا (قوله: أي الزوجان) أي أو وارثاهما أو وارث أحدهما والآخر (قوله: في قدره) أي كأن قالت
نكحتني بألف فقال بخمسائة. وقوله أي المهر المسمى: أي في العقد، وإنما قيده بالمسمى ليخرج ما لو وجب مهر
المثل لنحو فساد تسمية ولم يعرف لها مهر مثل فاختلف فيه فيصدق الزوج بيمينه لأنه غارم والأصل براءة ذمته عما زاد.
أفاده م ر. (قوله: وكان ما يدعيه الزوج أقل) أي كالمثال السابق. وخرج به ما إذا كان أكثر فإنها تأخذ ما ادعته ويبقى في
يده الزائد كمن أقر لشخص بشئ فكذبه (قوله: أو في صفته) معطوف على في قدره: أي أو اختلفا في صفته. والمراد
بها ما يشمل الجنس والحلول والأجل وقدر الاجل بدليل البيان بعده وهو قوله من نحو جنس الخ فإنه بيان للصفة.
ويدخل تحت نحوه الحلول والأجل وقدر الاجل والصحة (قوله: كدنانير) أي ادعتها هي دونه: كأن قالت تزوجتك بألف
دينار فقال بل بألف درهم، وهو تمثيل للاختلاف في الجنس. وقوله وحلول: معطوف على دنانير: أي وكحلول ادعته هي
دونه، كأن قالت تزوجتك بمائة حالة فقال بل مؤجلة، وهو تمثيل للاختلاف في نحو الجنس، ومثله ما بعده. وقوله وقدر
أجل: معطوف على دنانير أيضا، وذلك كأن قالت تزوجتك بمائة مؤجلة إلى شهرين فقال بلى إلى ثلاثة أشهر. وقوله
وصحة: معطوف أيضا على دنانير: كأن قالت زوجتك بمائة صحيحة فقال بل مكسرة: ثم إن عطف المذكورات على
دنانير أولى من عطفها على نحو جنس لأنه عليه يكون قد وفى بالأمثلة للجنس ولنحوه، بخلافه على الثاني فلا يكون موفيا
بذلك ويلزم عليه أيضا تخريج العطف على أنه من عطف الخاص على العام، وهو خلاف الأصل فيه. وقوله وضدها:
راجع للجميع، أي الدنانير وما بعدها، أي كدنانير وضدها وهو الدراهم، وحلول وضده وهو الاجل، وقدر أجل وضده.
والمراد به أن يكون مدعاه أكثر من مدعاها في القدر. وبقي ما لو اختلفا في أصل تسمية المهر أو في تسمية قدر المهر.
كأن ادعى تسمية فأنكرتها لتأخذ مهر المثل أو ادعت تسمية قدر فأنكرها الزوج (قوله: ولا بينة) أي والحال أنه لا بينة
لواحد منهما أصلا (قوله: أو تعارضت الخ) أي أو وجدت بينة لكل منهما ولكن تعارضتا بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد
أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى، فإن لم يكن التاريخ واحدا حكم بمقدمة التاريخ (قوله: تحالفا) جواب إذا. وقوله
كما في البيع: أي كالتحالف المار في البيع، ولكن هنا يبدأ في اليمين بالزوج لقوة جانبه، وكيفية التحالف المار فيه أن

402
يحلف كل واحد يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول الزوج مثلا: والله ما تزوجتها بألف دينار ولقد
تزوجتها بألف درهم، وتقول هي والله ما تزوجته بألف درهم ولقد تزوجته بألف دينار (قوله: ثم بعد التحالف يفسخ
المسمى) أي على ما مر في البيع أيضا من أنهما يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم ولا ينفسخ بنفس التحالف (قوله: ويجب
مهر المثل) أي لان التحالف يوجب رد البضع، وهو متعذر فوجبت قيمته وهو مهر المثل. فمهر المثل سببه التحالف
والفسخ وهو غير المهر الذي ادعاه الزوج لأنه فسخ وصار لغوا بدعوى الزيادة عليه. أفاده البجيرمي (قوله: وإن زاد) أي
مهر المثل على ما ادعته الزوجة. وهذا في صورة الاختلاف في قدر المهر (قوله: وهو) أي مهر المثل وقوله ما يرغب به
عادة أي قدر ما يرغب فيه في العادة. وخرج بها ما لو شذ واحد لفرط سعته ويساره فرغب بزيادة فلا عبرة به
. وقوله في
مثلها نسبا: أي ولو في العجم. واعتبار النسب هو الركن الأعظم لان الرغبات تختلف به مطلقا. وقوله وصفة الأولى حذفه
لأنه يشمله. قوله الآتي قريبا ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض الخ. وقوله من نساء عصباتها: بيان لمثله والمراد لو
فرضن ذكورا: إذ ليس في النساء عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة وهي المنسوبات إلى من تنسب المنكوحة إليه من الآباء
فتراعى أخت لأبوين ثم لأب ثم بنت أخ كذلك ثم عمة كذلك ثم بنت عمة كذلك وليس منهن الام والجدة والخالة. قال
في فتح الجواد: وتقدم نساء عصباتها وإن غبن عن بلدها، فإن كن ببلدين هي في أحدهما اعتبر نساء بلدها (قوله: فإن
جهل مهرهن) أي نساء عصباتها. وعبارة متن المنهاج: فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهن فأرحام. اه‍.
وهي أولى (قوله: فيعتبر مهر رحم لها) أي فيعتبر مهر ذوات رحم لها وذلك لأنهن أولى من الأجانب. والمراد بذوات
الأرحام هنا الام وقراباتها لا ذوو الأرحام المذكورون في الفرائض لان الام وأمهاتها لسن من ذوي الأرحام المذكورين في
الفرائض، بل من أصحاب الفروض (قوله: كجدة وخالة) تمثيل لذوات الرحم لها (قوله: قال الماوردي والروياني تقدم
الام الخ) أي من ذوات الأرحام: أي تعتبر الام أولا ثم الأخت للأم (قوله: فالجدات الخ) أي وتقدم القربى من كل جهة
على البعدي. وقوله فالخالة: أي فبعد الجد أب الخالة وهي أخت الام (قوله: فبنت الأخت) أي فبعد الخالة بنت
الأخت. وقوله أي للام: بيان للأخت (قوله: فبنت الخالة) أي فبعد بنت الأخت تعتبر بنت الخالة (قوله: ولو اجتمع الخ)
هذا من قول الماوردي والروياني كما يدل عليه عبارة المغني ونصها.
(تنبيه) ظاهر كلامه أن الام لا تعتبر، وليس مرادا، فقد قال الماوردي تقدم من نساء الأرحام الام ثم الجدات ثم
الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال. وعلى هذا قال ولو اجتمعت أم أب وأم أم فأوجه ثالثها، وهو الأوجه،
التسوية. اه‍ (قوله: فالذي يتجه استواؤهما) قال سم في الكنز للأستاذ أبي الحسن البكري: والأقرب، تقدم، أم الام.
اه‍ (قوله: فإن تعذرت) أي ذوات الأرحام. وفي بعض نسخ الخط فإن تعذرن، بنون النسوة، وهو أولى.
والمراد تعذر
معرفة ما يرغب فيه من مهورهن: إما لكونهن لم يوجدن، وإما لكونهن لم ينكحن. وقوله اعتبرت: أي المنكوحة بمثلها
في الشبه من الأجنبيات. وعبارة فتح الجواد: ومن تعذرت معرفة أقاربها تعتبر بمن يساويها من نساء بلدها ثم أقرب البلاد
إليها ثم أقرب النساء بها شبها: أي فتعتبر الأمة بأمة مثلها، والبدوية ببدوية وهكذا. اه‍ (قوله: ويعتبر مع ذلك) أي مع ما
ذكر من رعاية مثلها نسبا (قوله: ما يختلف به غرض) أي رعاية ما يختلف به ذلك وعبارة فتح الجواد مع الأصل ويعتبر
زيادة على رعاية النسب موجب رغبة، أي ما يوجب الرغبة، أي أو ضدها من الصفات والاعتبارات المرغبة والمنفردة:

403
كشرف سيد أمة أو معتقها وخسته، وكيسار وعفة وجمال وبكارة وفصاحة وضدها، فإن فضلتهن أو نقصت عنهن فرض
اللائق بالحال. اه‍. (قوله: كسن الخ) تمثيل لما يختلف به الغرض من الصفات (قوله: ويسار) قال في النهاية: وإنما
لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة لان مدارها على دفع العار، ومدار المهر على ما تختلف به الرغبات. اه‍.
(قوله: فإن اختصت) أي المنكوحة. وقوله عنهن: أي عن أمثالها. وقوله بفضل: أي بصفة فاضلة من الصفات
المذكورة. وقوله أو نقص: معطوف على فضل: أي أو اختصت بنقص أي بصفة ناقصة من أضداد الصفات المذكورة.
وقوله زيد عليه: أي على مهر من أشبهتها وزادت المنكوحة عليها بصفة فاضلة. وقوله أو نقص منه: أي من المهر
المذكور. وقوله لائق بالحال: تنازعه كل من زيد ونقص. والمعنى زيد على المهر أو نقص من المهر لائق بها بحسب ما
فيها من الزيادة أو النقصان. وقوله بحسب ما يراه قاض: أي لان ما ذكر من الزيادة أو النقصان أمر مجتهد فيه فأنيط
بالحاكم (قوله: ولو سامحت واحدة) أي ولو سامحت واحدة من العصبة ببعض مهرها. وقوله لم يجب موافقتها: أي لا
يجب على الباقيات المسامحة أيضا وذلك لان العبرة بالغالب، ومحله ما لم تكن المسامحة لنقص نسب يفتر الرغبة وإلا
فتعتبر. قال في الروض وشرحه: وإن كن كلهن أو غالبهن يسامحن قوما دون قوم اعتبرناه، فلو جرت عادتهن بمسامحة
العشيرة دون غيرهم خففنا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرهم، وكذا لو سامحن للشريف دون غيرهم. اه‍ (قوله:
وليس لولي عفو عن مهر لموليته) أي على الجديد ولا يرد عليه قوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح) * (1) لان الذأي بيده ذلك الزوج لا الولي: إذ لم يبق بيده بعد العقد عقدة بخلاف الزوج فإن بيده
العقدة من حين العقد إلى الفرقة إن شاء أمسكها وإن شاء حلها بالفرقة. قال في النهاية: والقديم له ذلك، وله شروط. أن يكون الوليد أبا
أو جدا، وأن يكون قبل الدخول، وأن تكون بكرا صغيرة عاقلة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون الصداق دينا في ذمة
الزوج لم يقبض. اه‍ (قوله: كسائر ديونها) أي كسائر الديون التي تستحقها في ذمة الزوج أو غيره، فلا يجوز للولي العفو
عنها. وقوله وحقوقها: عطفه على الديون من عطف العام على الخاص: إذ هي شاملة للديون ولغيرها كحد القذف
(قوله: ووجدت من خط) أي بخط فمن بمعنى الباء (قوله: إن الحيلة في براءة الزوج) أي فقط، لا في سقوط حقها
مطلقا، إذ الحيلة التي ذكرها فيها انتقال الحق في ذمة الزوج إلى ذمة الولي، فحقها باق في ذمة الولي (قوله: أن يقول
الولي الخ) المصدر المؤول خبر أن. وقوله طلق موليتي: أي الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة. وقوله على خمسمائة
درهم: أي على دفع خمسمائة درهم لك. وقوله علي: أي حال كونها ثابتة علي أدفعها لك. وخرج ما لو قال على موليتي
فلا يصح (قوله: فيطلق) أي على الشرط الذي ذكره الولي (قوله: ثم يقول الزوج) أي للولي. وقوله أحلت الخ: مقول
القول (قوله: فيقول الولي قبلت) أي الحوالة المذكورة لها (قوله: فيبرأ الزوج) أي وينتقل حقها حينئذ إلى ذمة وليها كما
عرفت (قوله: ويصح التبرع بالمهر من مكلفة) بالغة عاقلة وخرج بذلك الصغيرة والمجنونة فلا يصح إبراؤهما (قوله:
بلفظ الابراء) أي بلفظ مشتقاته: كأبرأتك وأنت برئ من الصداق الذي لي عليك (قوله: والعفو) أي وبلفظ العفو أي
مشتقاته: كعفوت عنك في الصداق وأنت معفو عنك في الصداق (قوله: والاسقاط) أي وبلفظ الاسقاط: أي مشتقاته



(1) سورة البقرة، الآية: 237.
404
أيضا كأسقطت عنك صداقي وهو ساقط عنك (قوله: والاحلال والتحليل) أي وبلفظهما أي مشتقاتهما أيضا كأن تقول له
أنت في حل من الصداق الذي في ذمتك أو حللتك من الصداق الذي لي عليك (قوله: والإباحة والهبة) أي بلفظ
مشتقاتهما: كأبحتك الصداق أو وهبته لك (قوله: وإن لم يحصل قبول) أي يصح التبرع بهذه الألفاظ وإن لم يحصل
قبول من الزوج: إذ الابراء لا يحتاج إلى قبول (قوله: مهمات) أي ثلاث (قوله: لو خطب الخ) هذه المسألة قد تقدمت
في آخر باب الهبة، وقد نقلت هناك، وفي باب النكاح سؤالا وجوابا عن الشهاب الرملي فيها. فلا تغفل (قوله: بلا لفظ)
أي يدل على التبرع، وهو وما بعده متعلقان بكل من الفعلين قبله: أعني أرسل ودفع. وقوله إليها: أي إلى مخطوبته
ومثلها وليها أو وكيلها. وقوله مالا: تنازعه كل من الفعلين المتقدمين وقوله قبل العقد: متعلق بكل منهما أيضا (قوله: أي
ولم يقصد التبرع) ويعرف القصد بإقراره (قوله: ثم وقع الاعراض) أي عن العقد. وقوله منها أو منه: أي حال كونه
صادرا منها أو منه (قوله: رجع) جواب لو والرجوع إما عليها أو على وليها أو وكيلها. وقوله بما وصلها: أي بما استلمته
منه سواء كان بالارسال أو الدفع (قوله: كما صرح به) أي بالرجوع جمع محققون. وعبارة التحفة بعد قوله بما وصلها منه
كما أفاده كلام البغوي واعتمده الأذرعي ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح. وعبارة
قواعده: خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم ينكحها رجع بما ساقه إليها لأنه ساقه بناء على إنكاحه ولم يحصل
ذكره الرافعي الخ (قوله: ولو أعطاها) أي أعطى زوجته التي لها في ذمته صدق بعد العقد مالا (قوله: فقالت الخ) أي
فاختلفا فيه فقالت هذا الذي أعطيتني إياه هدية لا صداق، وقال هو بل أعطيتك إياه على أنه الصداق الذي لك في ذمتي.
وقوله صدق: أي الزوج. وعبارة الأنوار: ولو انفقا على قبض مال منه أو بعث مال إليها فقال دفعته أو بعثته مهرا وقالت هبة
أو هدية: فإن اتفقا على أنه تلفظ وقال قلت إنه صداق وقالت أنه هبة أو هدية ولا بينة صدق بيمينه، ولو اتفقا على أنه لم
يتلفظ واختلفا في نيته صدق بيمينه سواء كان من جنس الصداق أو غيره، فإذا حلف فإن كان من جنس الصداق وقع عنه
وإلا فإن رضيا ببيعه بالصداق فذاك وإلا استرده وأدى الصداق، فإن كان تالفا فله البدل، وقد يتقاصان. اه‍ (قوله: وإن
كان) أي المال المختلف فيه من غير جنس الصداق: بأن كان المال المذكور دراهم والمسمى في العقد مثلا دنانير
(قوله: ولو دفع لمخطوبته) أي قبل العقد مالا. وقوله وقال الخ: أي واختلفا فيه قبل العقد أو بعده فقال الزوج أنا وقت
دفعه قصدت جعله عن الصداق الذي سيجب علي بالعقد، وقالت هي بل هو هدية أهديته. ومثله ما إذا قال جعلته عن
الكسوة التي ستجب علي بالعقد والتمكين وقالت هي بل هدية (قوله: فالذي الخ) جواب لو. وقوله يتجه تصديقها: أي
المخطوبة (قوله: إذ لا قرينة هنا) أي في هذه المسألة على صدقه في قصده والفرض أنه لا بينة. والاحتراز به عن
المسألتين الأوليين، أي مسألة ما إذا خطب امرأة وأرسل إليها مالا قبل العقد ولم يقصد التبرع ثم وقع الاعراض، ومسألة
ما إذا أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداق، فإن فيهما قرينة على صدقه في قصده: أما الأولى فلان قرينة سبق الخطبة
تغلب على الظن أنه إنما بعثه أو دفعه إليها لتتم تلك الخطبة، وأما في الثانية فقرينة وجود الدين مع غلبة قصد براءة الذمة
تؤكد صدق الدافع. أفاده في التحفة (قوله: ولو طلق في مسألتنا) انظر ما المراد بمسألته هل الأولى أو الثانية أو الثالثة؟
فإنه ساق المسائل الثلاث ولم يختص بواحدة منها حتى تصح الحوالة عليها؟ والظاهر أنه يعني بها المسألة الأولى - وهي

405
قوله ولو خطب ثم أرسل أو دفع الخ - بقرينة العلة الآتية فإنها هي التي دفع فيها لأجل العقد، إذا علمت ذلك فكان الأولى
أن يقول في المسألة الأولى: ثم رأيت هذه اللفظة في عبارة شيخه، فلعلها سرت له منها. فتنبه (قوله: لم يرجع بشئ)
أي عليها (قوله: خلافا للبغوي) أي القائل بأن له الرجوع.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم المتعة، وهي، بضم الميم وكسرها، لغة التمتع. وشرعا مال يدفعه لمن فارقها أو
لسيدها بشروط تأتي. والأصل فيها قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * (1) وقوله تعالى: * (ومتعوهن) * (2) هي
واجبة، ولا ينافي الوجوب قوله: * (حقا على المحسنين) * (3) لان فاعل الوجوب محسن أيضا. والحكمة فيها جبر
الايحاش الحاصل بالفراق. قال الامام النووي رحمه الله تعالى: إن وجوب المتعة مما يغفل عنه النساء، فينبغي تعريفهن
إياه وإشاعته بينهن ليعرفن ذلك (قوله: تجب عليه الخ) لا فرق في وجوبها بين المسلم والكافر، والحر والعبد، والمسلمة
والذمية، والحرة والأمة، وهي لسيد الأمة وفي كسب العبد (قوله: لزوجة موطوءة) وكذا غير الموطوءة التي لم يجب لها
شئ أصلا. وهي المفوضة التي طلقت قبل الفرض والوطئ فتجب لها المتعة لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) * (4) أما التي وجب لها نصف المهر فلا متعة لها لان النصف جابر
للايجاش الذي حصل لها بالطلاق مع سلامة بضعها. ولو قال، كغيره، لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن لم يجب
لها المهر أصلا أو وجب لها المهر كله لكان أولى: لما في عبارته من الايهام الذي لا يخفى (قوله: ولو أمة) أي ولو كانت
الزوجة أمة وهو حر بشروطه أو عبد (قوله: متعة) فاعل تجب (قوله: بفراق) الباء سببية متعلقة بتجب: أي تجب بسبب
الفراق (قوله: بغير سببها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لفراق: ي فراق حاصل بغير سببها: أي
وبغير سببهما وبغير سبب ملكه لها، وذلك كطلاقه وإسلامه وردته ولعانه، بخلاف ما إذا كان الفراق حصل بسببها كإسلامها وردتها
وملكها له وفسخها بعيبه وفسخه بعيبها أو بسببهما: كأن ارتدا معا أو بسبب ملكه لها بأن اشتراها بعد أن تزوجها فلا متعة
في ذلك كله (قوله: وبغير موت أحدهما) معطوف على بغير سببها: أي وفراق حاصل بغير موت أحد الزوجين: أي أو
موتهما معا. وخرج به ما إذا كان الفراق بموت أحدهما: أي أو موتهما فلا متعة فيه (قوله: وهي) أي المتعة شرعا.
(وقوله: ما يتراضى الخ) أي مال يتراضى الزوجان عليه (قوله: وقيل أقل مال الخ) أي وقيل إن المتعة هي أقل مال يجوز
أن يجعل صداقا بأن يكون متمولا طاهرا منتفعا به (قوله: ويسن أن لا ينقص) أي المال الذي يجعل متعة. (وقوله عن
ثلاثين درهما) أي أو ما قيمته ذلك. وفي المغني: قال في البويطي وهذا أدنى المستحب، وأعلاه خادم، وأوسطه ثوب.
اه‍. ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل - كما قاله ابن المقري، فإن بلغته أو جاوزته جاز لاطلاق الآية. قال البلقيني
وغيره: ولا يزيد وجوبا على مهر المثل ولم يذكروه. اه‍ (قوله: فإن تنازعا) أي الزوجان في قدر المتعة. وقوله قدرها
القاضي: أي باجتهاده. وقوله بقدر حالهما: أي معتبرا حالهما وقت الفراق لقوله تعالى: * (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * (5) وقيل يعتبر حاله فقط لظاهر الآية المذكورة وكالنفقة، ويرد بأن قوله تعالى: * (وللمطلقات متاع
بالمعروف) * (6) فيه إشارة إلى اعتبار حالهن أيضا، وقيل يعتبر حالها فقط لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر بها وحدها.
وقوله من يساره وإعساره: هذا بيان لحال الزوج. وقوله ونسبها وصفتها: بيان لحال الزوجة.



(1) سورة البقرة، الآية: 241.
(2) سورة البقرة، الآية: 236.
(3) سورة البقرة، الآية: 236.
(4) سورة البقرة، الآية: 236.
(5) سورة البقرة، الآية: 236.
(6) سورة البقرة، الآية: 241.
406
(قوله: خاتمة) أي في بيان حكم الوليمة. وذكرها عقب الصداق لان من جملة الولائم وليمة الاملاك الذي هو
العقد والصداق ملازم لعقد النكاح، فلما ذكر الصداق كأنه ذكر عقد النكاح الذي هو سبب للوليمة. اه‍. بجيرمي.
والوليمة مأخوذة من الولم: وهو الاجتماع، لان الناس يجتمعون لها، وهي تقع على كل طعام يتخذ لحادث سرور أو
غيره، لكن استعمالها مطلقا في العرس أشهر وفي غيره مقيدة: فيقال وليمة ختان أو غيره (قوله: الوليمة لعرس) هو بضم
العين مع ضم الراء وإسكانها: يطلق على العقد وعلى الدخول، وأما بكسر العين وسكون الراء فهو اسم للزوجة أو التقييد
به لبيان الواقع وليس للاحتراز عن غيره: إذ الوليمة مستحبة لغير العرس أيضا، كما سينص عليه، (قوله: سنة مؤكدة) أي
لثبوتها عنه (ص) قولا وفعلا: ففي البخاري أنه (ص) أولم على بعض نسائه بمدين من شعير، وأنه أولم على صفية بتمر
وسمن وأقط، وقال لعبد الرحمن بن عوف، وقد تزوج، أولم ولو بشاة. والامر فيه للندب قياسا على الأضحية وسائر
الولائم (قوله: للزوج الرشيد) أي عليه: فاللام بمعنى على. وقوله وولي غيره: أي وعلى ولي غير الرشيد من أب أو
جد. قال في التحفة: فلو عملها غيرهما - أي الزوج والولي: كأبي الزوجة - أو هي عنه، فالذي يتجه أن الزوج إن أذن
تأدت السنة عنه فتجب الإجابة إليها وإن لم يأذن فلا، خلافا لمن أطلق حصولها. وقوله من مال نفسه: حال من ولي
غيره: أي حال كون الولي يفعلها من مال نفسه، أما إذا فعلها من مال موليه فتحرم (قوله: ولا حد لاقلها) أي الوليمة.
وقوله لكن الأفضل للقادر شاة: عبارة النهاية: وأقلها للمتمكن شاة ولغيره ما قدر عليه. قال النسائي، رحمه الله تعالى،
والمراد أقل الكمال شاة لقول التنبيه: وبأي شئ أولم من الطعام جاز. وهي يشمل المأكول والمشروب الذي يعمل في
حال العقد من سكر وغيره ولو موسرا. اه‍. وكتب ع ش: قوله من سكر وغيره: أي فيكفي في أداء السنة. والمفهوم من
مثل هذا التعبير أنه ليس بمكروه ولا حرام، خلافا لمن توهمه من ضعفه الطلبة. اه‍ (قوله: ووقتها الأفضل بعد الدخول)
عبارة المغني:
(تنبيه) لم يتعرضوا لوقت الوليمة، واستنبط السبكي من كلام البغوي أن وقتها موسع من حين العقد فيدخل وقتها
به. والأفضل فعلها بعد الدخول لأنه (ص) لم يؤلم على نسائه إلا بعد الدخول، فتجب الإجابة إليها من حين العقد وإن
خالف الأفضل. اه‍. (قوله: وقبله) متعلق بيحصل: أي ويحصل أصل السنة بالوليمة قبل الدخول حال كونها واقعة بعد
العقد، وإذا قصد بها حينئذ وليمة العقد والدخول معا حصلا. ولو بالقهوة أو الشربات، كما يعلم مما تقدم قريبا (قوله:
والمتجه استمرار طلبها) أي الوليمة (قوله: بعد الدخول) الأولى إسقاطه لما علمت أن وقتها يدخل بالعقد، فحينئذ يكون
الطلب منه ولو لم يدخل بها. وعبارة التحفة: ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر. اه‍. ومثلها النهاية.
(قوله: وإن طال الزمن) ظاهره أنها أداء أبدا. وفي البجيرمي ما نصه: قال الدميري والظاهر أنها تنتهي بمدة الزفاف للبكر
سبعا وللثيب ثلاثا. اه‍: أي ففعلها بعد ذلك يكون قضاء. اه‍ (قوله: كالعقيقة) أي نظير العقيقة فإنه يستمر طلبها وإن
طال الزمن والطلب موجه على الولي إلى البلوغ إن أيسر ثم من بعده يكون المولى مخيرا بين أن يعتق عن نفسه أو يترك
ذلك (قوله: أو طلقها) عطف على قوله طال الزمن: أي وإن طلقها فهي يستمر طلبها (قوله: وهي) أي الوليمة وقوله ليلا
أولى أي من كونها في النهار. وعبارة النهاية: ونقل ابن الصلاح أن الأفضل فعلها ليلا لا نهارا لأنها في مقابلة نعمة ليلية.
ولقوله سبحانه وتعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) * (1) وكان ذلك ليلا. اه‍. وهو متجه إن ثبت أنه (ص) فعلها ليلا. اه‍.
وكتب ع ش عليه: أي ولم يثبت ذلك، فلا يتم الاستدلال على سنها ليلا بأنه عليه السلام فعلها كذلك. اه‍. (قوله:



(1) سورة الأحزاب، الآية: 53.
407
وتجب الخ) وذلك لخبر الصحيحين إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وخبر أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب:
عرسا كان أو غيره وحملوا الامر في ذلك على الندب بالنسبة لوليمة غير العرس، وعلى الوجوب في وليمة العرس. وأخذ
جماعة بظاهره من الوجوب فيهما، ويؤيد الأول ما في مسند أحمد عن الحسن دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فلم
يجب وقال لم يكن يدعى له على عهد رسول الله (ص) وفي خبر الصحيحين مرفوعا: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس
فليجب ففيه التقييد بوليمة العرس، وعليها حمل خبر مسلم: شر الطعام طعام الوليمة: تدعى لها الأغنياء وتترك
الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله أي شر الطعام طعام الوليمة في حال كونها تدعى لها الأغنياء وتترك
الفقراء، كما هو شأن الولائم، فإنه يقصد بها الفخر والخيلاء، ومن لم يجب الدعوة في غير هذه الحالة فقد عصى الله
ورسوله، فتجب الإجابة في غير هذه الحالة المذكورة لما سيأتي من أن من شروط وجوب الإجابة أن لا يخص بالدعوة
الأغنياء لغناهم (قوله: على غير معذور بأعذار الجمعة) خرج به المعذور بأعذار الجمعة فلا تجب عليه الإجابة، والمراد
بأعذار الجمعة ما يتأتى منها هنا من نحو مرض ووحل ما لا يتأتى منها هنا كجوع وعطش فليسا عذرا هنا لان المقصود من
الوليمة الأكل والشرب (قوله: وقاض) معطوف على معذور: أي وتجب على غير قاض أيضا، أما هو فلا تجب الإجابة
عليه وفي معناه كل ذي ولاية عامة، بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أنه سيخاصم حرمت عليه الإجابة
(قوله: الإجابة) فاعل تجب (قوله: إلى وليمة عرس) المقام للاضمار: إذ هي المتقدم ذكرها. وخرج بوليمة العرس
غيرها فلا تجب الإجابة له، بل تسن، كما تقدم، وكما سيذكره، قال في التحفة: ومنه. وليمة التسري كما هو ظاهر. اه‍
(قوله: عملت بعد عقد) شروع في بيان شروط الإجابة، والجملة المذكورة حالية: أي حال كونها عملت بعد العقد.
وقوله لا قبله: هو مفهوم البعدية، أي فلا عملت قبله فلا تجب الإجابة وإن اتصلت بالعقد لان ما يفعل قبله ليس وليمة
عرس (قوله: إن دعاه مسلم) خرج به ما لو كان كافرا فلا تطلب إجابته: نعم: تسن إجابة ذمي. وكما يشترط أن يكون
الداعي مسلما يشترط أيضا أن يكون المدعو مسلما أيضا، فلا تجب الإجابة على كافر ولا تسن لانتفاء المودة معه. وقوله
بنفسه: متعلق بدعاه، أي دعاه بنفسه، وقوله أو نائبه. الثقة: معطوف على نفسه، أي أو دعاه بنائبه الثقة: أي العدل
(قوله: وكذا مميز) أي وكذلك تجب الإجابة إن دعاه إليها بإرسال مميز لم يعهد منه كذب (قوله: وعم بالدعاء الخ)
عطف على دعاه. والمراد عند تمكنه منه، وإلا فلا يجب التعميم بقرينة ما بعده. وقوله بوصف قصده: أي الداعي
(قوله: كجيرانه الخ) تمثيل للموصوفين بوصف قصده، وهو الجوار. والمراد بالجيران هنا أهل محلته ومسجده دون
أربعين دارا من كل جانب (قوله: فلو كثر الخ) عبارة فتح الجواد: إن عم بالدعاء الموصوفين بوصف قصده، كجيرانه أو
عشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته، لا جميع الناس لتعذره، بل لو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الاستيعاب لفقره لم يشترط
عموم الدعوة، على الأوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص الغني أو غيره. اه‍. وقوله أو عجز عن
الاستيعاب: أي أو لم تكثر عشيرته لكن عجز عن استيعاب الموجودين لفقره (قوله: لم يشترط) أي في وجوب الإجابة:
وقوله عموم الدعوة: أي للموصوفين بوصف قصده حتى لو دعا واحدا لكون طعامه لا يكفي إلا واحدا لفقره لم يسقط عنه
وجوب الإجابة (قوله: بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني) أي لأجل غناه. فلو خص الغني بالدعوة لأجل غناه
لم تجب الإجابة عليه فضلا عن غيره، وذلك لخبر شر الطعام السابق، بخلاف ما لو خصه لا لغناه، بل لجوار أو اجتماع
حرفة، فتجب الإجابة. وقوله أو غيره: أي وأن لا يظهر منه قصد تخصيص لغير الغنى، ومقتضاه أنه لو خص الفقراء
بالدعوة لم تجب الإجابة، وهو أيضا قضية عبارة فتح الجواد السابقة. وقضية قول شيخ الاسلام في المنهج وشرح الروض

408
بأن لا يخص بها أغنياء ولا غيرهم. وقضية قول ابن حجر مثلا بعد قول المصنف وأن لا يخص الأغنياء. وكتب عليه ابن
قاسم ما نصه: قضية قوله مثلا إنه قد يضر تخصيص الفقراء، ويوجه بأنه لو كان جيرانه وأهل حرفته مثلا كلهم فقراء أو
بعضهم أغنياء فخصص الفقراء لما ذكر، فالوجه عدم الوجوب حينئذ لان هذا التخصيص موغر للصدور، كما لا يخفى،
ولو كانوا كلهم أغنياء فخصص بعضهم لا لما ذكر فالوجه عدم الوجوب أيضا. ولعله لا يشمله قولهم أن لا
يخص الأغنياء
بناء على أن المتبادر منه تخصيصهم بالنسبة للفقراء. نعم: لو خصص فقراء جيرانه أو أهل حرفته أو بعضهم لعدم كفاية ما
يقدر عليه فآثر الفقراء لأنهم أحوج اتجه الوجوب، فظهر أنه لا ينبغي إطلاق أنه لا يضر تخصيص الفقراء. فليتأمل اه‍.
وقوله لا لما ذكر: أي لا لكونهم جيرانه أو عشيرته. وفي البجيرمي خلافه ونصه: ونقل عن شيخنا زي. أنه لو خص
الفقراء وجبت الإجابة عليهم. اه‍. ح ل. وهذا هو المعتمد. فالشرط أن لا يخص الأغنياء لغناهم، كما يفهم من
الأصل، اه‍. (قوله: وأن يعين الخ) أي ويشترط لوجوب الإجابة أن يعين الخ، فأن وما بعدها في تأويل مصدر نائب
فاعل لفعل مقدر، ولا يصح عطفه على قوله وعم الخ المسلط عليه إن الشرطية، كما هو ظاهر، ولو قال وعين، بصيغة
الماضي، المدعو لكان أولى، وكذا يقال فيما بعد من القيود. وقوله بعينه: أي بأن يقول تفضل يا فلان عندي. وقوله أو
وصفه: أي المحصور فيه بأن يقول لنائبه: ادع عالم البلدة أو مفتيها وليس ثم إلا هو (قوله: فلا يكفي) أي في وجوب
الإجابة، وهو مفرع على مفهوم قوله وأن يعين الخ. وقوله من أراد فليحضر: فاعل يكفي قصد لفظه، أي لا يكفي هذا
اللفظ. وقوله أو ادع من شئت أو لقيت: أي ولا يكفي ادع الخ، وفي الكلام حذف: أي لا يكفي قوله لغيره ادع يا فلان
من شئت أو من لقيته (قوله: بل لا تسن الإجابة حينئذ) أي حين إذ لم يعين المدعو بعينه أو وصفه أو حين إذ قال من أراد
فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت. وعبارة الروض وشرحه: لا إن نادى في الناس، كأن فتح الباب وقال ليحضر من أراد،
أو قال لغيره ادع من شئت، فلا تطلب الإجابة من المدعو لان امتناعه حينئذ لا يورث وحشة. اه‍. ومثل قوله ليحضر من
أراد: إحضر إن شئت، ما لم تظهر قرينة على جريان ذلك على وجه التأدب أو الاستعطاف مع ظهور رغبته في حضوره،
وإلا لزمت الإجابة (قوله: وأن لا يترتب الخ) معطوف على أن يعين المجعول نائب فاعل لفعل مقدر: أي ويشترط أن لا
يترتب على الإجابة خلوة محرمة. فإن ترتب عليها خلوة محرمة بأن يكون الداعي امرأة أجنبية من غير حضور محرم لا لها
ولا للمدعو لم تجب الإجابة (قوله: فالمرأة الخ) مفرع على منطوق الشرط وعلى مفهومه، فقوله فالمرأة الخ
مفرع على
المنطوق وهو أن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة. وقوله لا الرجل: مفرع على المفهوم وهو ترتب الخلوة المحرمة على
إجابته. وقوله تجيبها المرأة أي وجوبا (قوله: إن أذن زوجها) أي المرأة المدعوة في الإجابة، ولا بد من سن الوليمة
للمرأة الداعية وإلا لم تجب الإجابة. قال في فتح الجواد. ولا يتصور كون المرأة تولم إلا عن موليها وهي وصية أو قيمة.
اه‍. وقال في التحفة: ومن صور وليمة المرأة إن لم تولم عن الرجل بإذنه. كذا قيل. وفيه نظر: فإن الذي يظهر حينئذ أن
العبرة بدعوته لا بدعوتها لان الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج الفطرة عن الغير
بإذنه وحينئذ، فيتعين أن يزاد في التصوير إن أذن لها في الدعوة أيضا. اه‍. ومثله في النهاية (قوله: لا الرجل) أي لا
يجيبها الرجل بل تحرم عليه لما يترتب على الإجابة من الخلوة المحرمة. وبقيت صورة مندرجة في مفهوم الشرط وهو أن
المرأة لا تجيب الرجل، ومثل المرأة الأمرد الذي يخشى من حضوره ريبة أو تهمة فلا تجب الإجابة وإن أذن له الولي،
خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد وغلبت فيه محبة الأولاد. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (قوله: إلا
إن كان الخ) قد علمت أن قوله لا الرجل مرتب على ما إذا ترتب على الإجابة وجود الخلوة المحرمة الذي هو مفهوم الشرط
السابق، وحينئذ فينحل المعنى لا يجيبها الرجل مع الخلوة المحرمة إلا إن كان هناك مانع خلوة، أما مع الخلوة فلا يجيبها
الخ، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة والتكرار: إذ الاستثناء المذكور مكرر مع قوله بعد وكذا مع عدمها، فكان الأولى

409
والاخصر أن يقول لا الرجل فلا يجيبها مطلقا وكذا إن لم تكن خلوة محرمة وخص بالطعام. وعبارة الروض وشرحه:
والمرأة تجيبها المرأة وكذا يجيبها الرجل لا مع خلوة محرمة فلا يجيبها إلى طعام مطلقا أو: مع عدم الخلوة فلا يجيبها
إلى طعام خاص به كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة الخ. اه‍. (قوله: كمحرم الخ)
تمثيل لمانع الخلوة. وقوله لها: أي للمرأة الداعية. وقوله أوله: أي أو محرم للرجل المدعو. وقوله أو امرأة: معطوف
على محرم: أي وكوجود امرأة، أي أخرى ثقة يحتشمها الرجل (قوله: أما مع الخلوة الخ) مفهوم قوله إن كان هناك مانع
خلوة (قوله: فلا يجيبها) أي فلا يجب الرجل المدعو المرأة الداعية. وقوله مطلقا: أي خص بالطعام أولا (قوله: وكذا
مع عدمها) أي وكذا لا يجيبها مع عدم الخلوة إن كان الطعام خاصا به. وقوله كأن جلست: تمثيل لعدم خلوة مع
اختصاصه بالطعام (قوله: خوف الفتنة) مرتبط بقوله فلا يجيبها مطلقا وبقوله وكذا مع عدمها: أي أنه لا يجيبها مع الخلوة
أو مع عدمها أو مع اختصاصه بالطعام خوف الفتنة والتهمة، ويحتمل جعله مرتبا بقوله لا الرجل: أي لا يجيبها الرجل
خوف الفتنة، وهو أولى (قوله: بخلاف ما إذا لم تخف) أي الفتنة فإنها يجيبها (قوله: فقد كان سفيان الخ) دليل على أنه
إذا لم تخف الفتنة أجابها. وقوله وأضرابه: أي أمثاله: كالجنيد سيد الطائفة، والسري السقطي وغيرهم، نفعنا الله بتراب
أقدامهم، وأمدنا بمددهم آمين، (قوله: لم تحرم الإجابة) جواب إن. وقوله بل لا تكره: إضراب انتقالي، وصرح في
التحفة بوجوب الإجابة حينئذ، وعبارتها: ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة. اه‍. ومثلها النهاية (قوله:
أن لا يدعى الخ) معطوف على وأن يعين أيضا: أي ويشترط أن لا يدعى لنحو خوف منه الخ: أي بل يدعى لقصد التقرب
والتودد أو لنحو علمه أو صلاحه أو ورعه أولا بقصد شئ (قوله: أو لإعانته عل باطل) أي وأن لا يدعى لأجل أن يعين
المدعو الداعي على باطل (قوله: ولا إلى شبهة الخ) معطوف على لنحو خوف منه: أي وأن لا يدعى إلى شبهة في مال
الداعي: قال في التحفة: أي قوية، ثم قال: وقيدت بقوية لأنه لا يوجد الآن ملك ينفك عن شبهة. اه‍. (قوله: بأن لا
يعلم حرام) تصوير لنفي الشبهة (قوله: أما إذا كان في شبهة) الأنسب بالمقابلة أما إذا ادعى إلى شبهة (قوله: بأن علم) أ
ي المدعو اختلاطه: أي المال كله. وقوله أو طعام: بالجر عطف على الضمير، وفيه العطف على الضمير المجرور من
غير إعادة الجار، وفيه خلاف، ومنعه الجمهور وأجازه ابن مالك. قال في الخلاصة:
وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما الخ: أي أو علم اختلاط طعام الوليمة. وقوله بحرام: متعلق باختلاط (قوله: وإن قل) أي
الحرام، خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من تقييده بالكثرة، لكن يؤيده أنه لا تكره معاملة من في ماله حرام
والاكل منه إلا
حينئذ. ويجاب بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة. كذا في التحفة والنهاية (قوله: فلا تجب) جواب أما (قوله: بل
تكره إن كان أكثر ماله حراما) أي كما تكره معاملته (قوله: فإن علم الخ) مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله إن كان أكثر ماله
حراما: أي وهو لم يعلم أن الطعام الذي دعي إليه عين ذلك الحرام. (وقوله: حرمت الإجابة) جواب إن. (وقوله: وإن
لم يرد الاكل منه) أي من الطعام الحرام، وهو غاية لحرمة الإجابة (قوله: كما استظهره شيخنا) أي في التحفة وفتح
الجواد (قوله: ولا إلى محل فيه منكر) معطوف على قوله لنحو خوف منه أيضا: أي ويشترط أيضا لوجوب الإجابة أن لا

410
يدعى إلى محل فيه منكر: أي في محل حضوره منكر محرم ولو صغيرة كآنية نقد يباشر الاكل منها، بخلاف مجرد
حضورها بناء على ما يأتي في صورة غير ممتهنة أنه لا يحرم دخول محلها وكنظر رجل لامرأة أو عكسه، وبه يعلم أن
إشراف النساء على الرجل عذر. وكآلة مطربة محرمة كذي وتر وزمر ولو شبابة وطبل كوبة وكمن يضحك بفحش وكذب،
أما محرم ونحوه مما مر بغير محل حضوره، كبيت آخر من الدار، فلا يمنع الوجوب، كما صرح به بعضهم، ويوافقه قول
الحاوي إذا لم يشاهد الملاهي لم يضر سماعها كالتي بجواره. ونقله الأذرعي عن قضية كلام كثيرين منهم الشيخان، ثم
نقل عن قضية كلام آخرين عدم الفرق بين محل الحضور وسائر بيوت الدار واعتمده فقال المختار: إنه لا تجب الإجابة
بل تجوز لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو. وكذا في التحفة والنهاية. (وقوله: لا يزول) أي المنكر بحضوره، أي
المدعو، فإن كان يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر، وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر. ووجود من يزيله غيره
لا يمنع الوجوب عليه لأنه ليس للإجابة فقط، كما علمت، ولو لم يعلم بالمنكر إلا بعد حضوره نهاهم، فإن عجز خرج،
فإن عجز لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن (قوله: ومن المنكر ستر جدار بحرير) أي ولو للنساء، ومثله
فراش حرير في دعوة اتخذت للرجال. ثم إن العبرة في المنكر باعتقاد المدعو كشرب النبيذ عند الحنفي والمدعو شافعي
فتسقط الإجابة عن الشافعي فقط. قال في التحفة: ولا ينافيه ما يأتي في السير أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد الفاعل
تحريمه لان ما هنا في وجوب الحضور ووجوبه مع وجود محرم في اعتقاده فيه مشقة عليه فسقط وجوب الحضور لذلك،
وأما الانكار ففيه إضرار بالفاعل ولا يجوز إضراره إلا إن اعتقد تحريمه، بخلاف ما إذا اعتقد المنكر فقط لان أحدا لا
يعامل بقضية اعتقاد غيره. فتأمله. اه‍ (قوله: وفرش) بالرفع عطف على ستر جدار: أي ومن المنكر فرش مغصوبة أو
مسروقة: أي وجودها في محل الحضور، ومنه أيضا فرش جلود السباع وعليها الوبر لأنه شأن المتكبرين (قوله: ووجود
من الخ) أي ومن المنكر وجود من يضحك الحاضرين (قوله: فإن كان الخ) أي فإن وجد المنكر في محل حضوره حرمت
الآجابة، فكان تامة وفاعلها يعود على المنكر (قوله: ومنه) أي ومن المنكر. (وقوله: صورة حيوان) خرج صورة غيره
كالأشجار والسفن والشمس والقمر فليست من المنكر (قوله: ومشتملة) صفة لصورة. وقوله على ما لا يمكن بقاؤه
بدونه: أي على الجزء الذي لا يمكن بقاء الحيوان بدونه كالرأس والوسط. وقوله وإن لم يكن الخ: غاية في كون الصورة
المذكورة من المنكر. وقوله لها: أي لتلك الصورة المشتملة على ما لا يمكن بقاء الحيوان بدونه (قوله: كفرس الخ)
تمثيل لصورة الحيوان التي ليس لها نظير: أي في الحيوانات. وقوله بأجنحة: أي مع أجنحة أو مصور بأجنحة، فالياء
بمعنى مع أو للتصوير (قوله: وطير بوجه إنسان) أي وكطير مع وجه إنسان أو مصور به، فالباء يأتي فيها ما في الذي قبلها
(قوله: على سقف الخ) صفة ثانية لصورة: أي صورة كائنة على سقف الخ. والمراد أنها تكون مرفوعة كأن كانت على
سقف أو ثوب، بخلاف غير المرفوعة كأن كانت على أرض ونحوها مما تمتهن فيه الصورة فلا تحرم الإجابة (قوله: أو
ستر) أي أو على ستر. وقوله علق لزينة: أي أو منفعة. ويفرق بين هذا وحل التضبيب لحاجة بأن الحاجة تزيل مفسدة
النقد ثم لزوال الخيلاء لا هنا لان تعظيم الصورة بارتفاع محلها باق مع الانتفاع به. اه‍. تحفة (قوله: أو ثياب ملبوسة)
أي أو كانت الصورة على ثياب ملبوسة: أي شأنها أن تلبس، فتدخل الموضوعة على الأرض (قوله: أو
وسادة) هي
مرادفة للمخدة. وقوله منصوبة: أي مرفوعة. قال البجيرمي: وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء أنه (ص): امتنع من
الدخول على عائشة رضي الله عنها من أجل النمرقة التي عليها التصاوير فقالت أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت؟
فسألت عن سبب امتناعه من الدخول، فقال ما بال هذه النمرقة؟ قالت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها. فقال
رسول الله (ص) إن أصحاب هذه التصاوير يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم متفق عليه. والنمرقة بالضم:

411
وسادة صغيرة: أي فهي كانت منصوبة حينئذ أي حين إرادة دخوله (ص). اه‍ (قوله: لأنها الخ) الضمير يعود على صورة
الحيوان لكن يبعده قوله بعد تشبه الأصنام لان الصورة الواحدة لا تشبه المتعدد وهو الأصنام، إلا أن يقال لفظ صورة مفرد
مضاف فيعم، فحينئذ المراد بها متعدد وهو جملة صور، ويؤيده تعبير المنهج بصور حيث قال: ومن المنكر صور حيوان
مرفوعة ويحتمل أن الضمير يعود على السقف وما بعده مما اشتمل على صورة الحيوان فهو أولى، وعلى كل فهو علة
لكونها من المنكر: أي وإنما كانت صور الحيوان المذكورة. وهذه الافراد السقف وما بعده المشتملة على الصورة من
المنكر لأنها تشبه الأصنام (قوله: فلا تجب الإجابة في شئ من الصور المذكورة) انظر ما المراد بها؟ فإن كان المراد ما
ذكره بقوله ومن المنكر ستر جدار الخ. وهو الذي يظهر من صنيعه، كان مكررا مع قوله أولا فإن كان حرمت الإجابة
بالنسبة لبعض الصور، وإن كان المراد بها صور الحيوان المذكور اعترض بأنه لم يتقدم له ذكر صور بالجمع وإنما ذكر
صورة واحدة ويمكن اختيار الثاني. ويجاب بما مر من أنها مفرد مضاف فيعم، والمراد به صور متعددة ويكون مؤيدا لما
قدمته. وفي المغني ما نصه:
(تنبيه) قضية كلام المصنف تحريم دخول البيت المشتمل على هذه الصور وكلام أصل الروضة يقتضي ترجيح
عدم تحريمه حيث قال: وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه: وجهان. وبالتحريم قال الشيخان
أبو محمد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، ورجحه الامام الغزالي في الوسيط. اه‍. وفي الشرح الصغير عن الأكثرين
أنهم مالوا إلى الكراهة وصوبه الأسنوي، وهذا هو الراجح، كما جزم به صاحب الأنوار، ولكن حكى في
البيان عن عامة
الأصحاب التحريم، وبذلك علم أن مسألة الدخول غير مسألة الحضور، خلافا لما فهمه الأسنوي، اه‍ (قوله: ولا أثر
بحمل النقد الخ) عبارة التحفة.
(فرع) لا يؤثر حمل النقد الذي عليه صورة كاملة لأنه للحاجة ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها ولان السلف كانوا
يتعاملون بها من غير نكير ومن لازم ذلك عادة حملهم لها، وأما الدراهم الاسلامية فلم تحدث إلا في زمن عبد الملك،
وكان مكتوبا عليها اسم الله واسم رسول الله (ص). اه‍ (قوله: كالصور ببساط الخ) وذلك لان ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل.
وقد يؤخذ منه أن ما رفع من ذلك للزينة محرم، وهو محتمل: إلا أن يقال إنه موضوع لما يمتهن به، فلا نظر لما يعرض له.
ويؤيده اعتبارهم التعليق في الستر دون اللبس في الثوب نظرا لما أعد له كل منهما. اه‍: تحفة. وكتب سم ما نصه: قوله
من ذلك يشمل المخدة لكن التردد فيها هنا الذي أفاده قوله وهو محتمل الخ لا يوافق جزمه فيها بالحرمة بقوله السابق
وسادة منصوبة الخ. اه‍ (قوله: ومخدة) معطوف على بساط: أي وبمخدة ينام أو يتكأ عليها (قوله: وطبق) معطوف أيضا
على بساط: أي وكالصور الكائنة بطبق. قال في القاموس: الطبق محركة غطاء كل شئ، والجمع أطباق وأطبقه. اه‍.
وقوله وخوان: قال فيه أيضا: كغراب وكتاب، ما يؤكل عليه الطعام. اه‍ (قوله: وقصعة وإبريق) معطوفان أيضا على
بساط: أي وكالصور الكائنة بقصعة وبإبريق (قوله: وكذا إن قطع رأسها الخ) أي وكذلك يجوز حضور محل فيه صورة
قطع رأسها: قال في التحفة: وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه: نعم يظهر أنه لا يضر فقدان الأعضاء الباطنة كالكبد
وغيره لان الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك. اه‍. وقوله فقد ما لا حياة بدونه: أي كفقد النصف الأسفل (قوله:
لزوال ما به الحياة) أي وهو الرأس، وهو علة لجواز حضور المحل الذي فيه الصورة التي قطع رأسها (قوله: ويحرم ولو
على نحو أرض تصوير حيوان) لا ينافي الجزم بالحرمة هنا التفصيل السابق لأنه بالنسبة للاستدامة وجواز التفرج وما هنا
بالنسبة لأصل الفعل ولا أجرة للتصوير المذكور لان المحرم لا يقابل بأجرة وهو من الكبائر لما ورد فيه من الوعيد: كخبر

412
البخاري أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور أي من أشدهم وفي رواية أن الملائكة لا تدخل بيتا
فيه كلب ولا صورة والمراد ملائكة الرحمة. وفي رواية زيادة نحو الجرس وما فيه بول منقوع (قوله: وإن لم يكن له)
أي لذلك المصور نظير، كما مر من تصوير فرس بأجنحة (قوله: نعم يجوز تصوير لعب البنات) هي التي يسمونها عروسة
لان عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بها عنده (ص) (قوله: وحكمته) أي جواز تصوير لعب البنات. (وقوله: تدريبهن)
أي تعليمهن. (وقوله: أمر التربية) أي تربية من يأتي لهن من الأولاد إذا كبرن (قوله: ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا
رأس) الأولى أن يقول، كما في التحفة، وخرج بحيوان تصوير ما لا رأس له فيحل (قوله: خلافا للمتولي) أي فإنه قال
بحرمة تصوير صورة بلا رأس (قوله: ويحل صوغ الخ) والحاصل يحل صوغ ما يحل استعماله، ويحرم صوغ ما لا يحل
استعماله ولا أجرة لصانعه كآلة لهو وآنية نقد. وتقدم في باب الزكاة ما يحل استعماله للرجال والنساء وما لا يحل فارجع
إليه إن شئت (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الصوغ والنسج يحل للنساء (قوله: نعم صنعته) هي شاملة للصوغ والنسج وقوله
لمن لا يحل استعماله: وهو الرجل، والأولى والاخصر أن يقول ويحل صوغ حلى ونسج حرير لمن يحل له استعماله،
ويحرم لمن يحرم عليه استعماله (قوله: ولو دعاه اثنان) أي فأكثر. ولو قال ولو دعاه جماعة لكان أولى (قوله: أجاب) أي
المدعو لاثنين. وقوله أسبقهما: أي الاثنين. وقوله دعوة تمييز: أي من جهة الدعوة (قوله: فإن دعواه معا) أي بأن كلماه
في آن واحد (قوله: أجاب الأقرب رحما) أي أجاب الأقرب له من جهة الرحم. والمراد بالرحم كل قريب محرما كان أو
غيره. وقوله فدارا: أي ثم إذا اتحدا في القرب من جهة الرحم أجاب الأقرب دارا له. وقوله ثم بالقرعة: أي ثم إذا اتحدا
في القرب حما ودارا أقرع بينهما، فمن خرجت القرعة له أجابه (قوله: وتسن إجابة سائر الولائم) وهي إحدى عشرة:
منها ما ذكره الشارح ومنها ما لم يذكره. وقد نظمها بعضهم مع أسمائها بقوله:
إن الولائم عشرة مع واحد من عدها قد عز في أقرانه
فالخرس عند نفاسها وعقيقة للطفل والاعذار عند ختانه
ولحفظ قرآن وآداب لقد قالوا الحذاق لحذقه وبيانه
ثم الملاك لعقده ووليمة في عرسه فاحرص على إعلانه
وكذاك مأدبة بلا سبب يرى ووكيرة لبنائه لمكانه
ونقيعة لقدومه ووضيعة لمصيبة وتكون من جيرانه
والخرس، بضم الخاء المعجمة وبالسين المهملة، ويقال بالصاد. والاعذار، بكسر الهمزة وإعجام الذال،
والحذاق، بكسر الحاء المهملة، وبذال معجمة، والمأدبة، بضم الدال وفتحها، (قوله: كما عمل الخ) أي كالذي يعمل
منه ويصنع للختان وللولادة والسلامة من الطلق والقدوم المسافر ولختم القرآن (قوله: وهي) أي الولائم مستحبة في كلها
كالاجابة.
(فائدة) في فتاوى الحافظ السيوطي في باب الوليمة (سئل) عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه
من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ قال: (والجواب) عندي أن أصل عمل المولد الذي

413
هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي (ص) وما وقع في مولده من الآيات ثم
يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر
النبي (ص) وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. اه‍. وقد بسط الكلام على ذلك شيخ الاسلام ببلد الله الحرام
مولانا وأستاذنا العارف بربه المنان سيدنا أحمد بن زيني دحلان في سيرته النبوية، ولا بأس بإيراده هنا، فأقول: قال
رضي الله عنه ومتعنا والمسلمين بحياته.
(فائدة) جرت العادة أن الناس إذا سمعوا ذكر وضعه (ص) يقومون تعظيما له (ص) وهذا القيام مستحسن لما فيه من
تعظيم النبي (ص)، وقد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين يقتدى بهم. قال الحلبي في السيرة فقد حكى بعضهم أن
الامام السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره فأنشد منشده قول الصرصري في مدحه (ص):
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الاشراف عند سماعه قياما صفوفا أو جثيا على الركب
فعند ذلك قام الامام السبكي وجميع من بالمجلس، فحصل أنس كبير في ذلك المجلس وعمل المولد. واجتماع
الناس له كذلك مستحسن. قال الإمام أبو شامة شيخ النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم
الموافق ليوم مولده (ص) من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك - مع ما فيه من الاحسان للفقراء -
مشعر بمحبة النبي (ص) وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسول الله (ص) الذي أرسله
رحمة للعالمين. قال السخاوي: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الاسلام من سائر الأقطار
والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من
بركاته كل فضل عميم. وقال ابن الجوزي: من خواصه أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام، وأول
من أحدثه من الملوك الملك المظفر أبو سعيد صاحب أربل، وألف له الحافظ ابن دحية تأليفا سماه التنوير في مولد البشير
النذير، فأجازه الملك المظفر بألف دينار وصنع الملك المظفر المولد، وكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا
هائلا، وكان شهما شجاعا، بطلا عاقلا، عالما عادلا، وطالت مدته في ملك إلى أن مات وهو محاصر الفرنج بمدينة عكا
سنة ثلاثين وستمائة، محمود السيرة والسريرة. قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان:
(حكى) لي بعض من حضر سماط المظفر في بعض المواليد فذكر أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة
آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده في الموالد أعيان العلماء والصوفية،
فيخلع عليهم، ويطلق لهم البخور، وكان يصرف على الموالد ثلاثمائة ألف دينار. واستنبط الحافظ ابن حجر تخريج
عمل المولد على أصل ثابت في السنة، وهو ما في الصحيحين أن النبي (ص) قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم
عاشوراء، فسألهم، فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، ونحن نصومه شكرا. فقال نحن أولى بموسى
منكم وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته (ص)، وأنه يخرج له من
بين إصبعيه ماء يشربه كما أخبر بذلك العباس في منام رأى فيه أبا لهب. ورحم الله القائل، وهو حافظ الشام شمس الدين
محمد بن ناصر، حيث قال:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمد
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا
قال الحسن البصري، قدس الله سره: وددت لو كان لي مثل جبل أحد ذهبا لانفقته على قراءة مولد الرسول. قال
الجنيدي البغدادي رحمه الله: من حضر مولد الرسول وعظم قدره فقد فاز بالايمان. قال معروف الكرخي قدس الله سره:

414
من هيأ لأجل قراءة مولد الرسول طعاما، وجمع إخوانا، وأوقد سراجا، ولبس جديدا، وتعطر وتجمل تعظيما لمولده
حشره الله تعالى يوم القيامة مع الفرقة الأولى من النبيين، وكان في أعلى عليين. ومن قرأ مولد الرسول (ص) على دراهم
مسكوكة فضة كانت أو ذهبا وخلط تلك الدراهم مع دراهم أخر وقعت فيها البركة ولا يفتقر صاحبها ولا تفرغ يده ببركة
مولد الرسول (ص). وقال الامام اليافعي اليمنى: من جمع لمولد النبي (ص) إخوانا وهيأ طعاما وأخلى مكانا وعمل إحسانا
وصار سببا لقراءة مولد الرسول بعثه الله يوم القيامة مع الصديقين والشهداء والصالحين ويكون في جنات النعيم. وقال
السري السقطي: من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبي (ص) فقد قصد روضة من رياض الجنة لأنه ما قصد ذلك الموضع إلا
لمحبة الرسول. وقد قال عليه السلام: من أحبني كان معي في الجنة قال سلطان العارفين جلال الدين السيوطي في
كتابه الوسائل في شرح الشمائل: ما من بيت أو مسجد أو محلة قرئ فيه مولد النبي (ص) هلا حفت الملائكة بأهل ذلك
المكان وعمهم الله بالرحمة والمطوقون بالنور - يعني جبريل وميكائل وإسرافيل وقربائيل وعينائيل والصافون والحافون
والكروبيون - فإنهم يصلون على ما كان سببا لقراءة مولد النبي (ص) قال: وما من مسلم قرئ في بيته مولد النبي (ص) إلا
رفع الله تعالى القحط والوباء والحرق. والآفات والبليات والنكبات والبغض والحسد وعين السوء واللصوص عن أهل
ذلك البيت، فإذا مات هون الله تعالى عليه جواب منكر ونكير، وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
(وحكي) أنه كان في زمان أمير المؤمنين هارون الرشيد شاب في البصرة مسرف على نفسه وكان أهل البلد ينظرون
إليه بعين التحقير لأجل أفعاله الخبيثة، غير أنه كان إذا قدم شهر ربيع الأول غسل ثيابه وتعطر وتجمل وعمل وليمة واستقرأ
فيها مولد النبي (ص) ودام على هذا الحال زمانا طويلا، ثم لما مات سمع أهل البلد هاتفا يقول: احضروا يا أهل البصرة
واشهدوا جنازة ولي من أولياء الله فإنه عزيز عندي، فحضر أهل البلد جنازته ودفنوه، فرأوه في المنام وهو يرفل في حلل
سندس وإستبرق، فقيل له بم نلت هذه الفضيلة؟ قال بتعظيم مولد النبي (ص).
(وحكي) أنه كان في زمان الخليفة عبد الملك بن مروان شاب حسن الصورة في الشام، وكان يلهو بركوب الخيل
فبينما هو ذات يوم على ظهر حصانه إذ أجفل الحصان وحمله في سكك الشام ولم يكن له قدرة على منعه فوقع طريقه على
باب الخليفة فصادف ولده ولم يقدر الولد على رد الحصان فصدمه بالفرس وقتله، فوصل الخبر إلى الخليفة فأمر
بإحضاره، فلما أن أشرف إليه خطر على باله أن قال إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة أعمل وليمة عظيمة وأستقرئ
فيها مولد النبي (ص) فلما حضر قدامه ونظر إليه ضحك بعدما كان يخنقه الغضب، فقال: يا هذا أتحسن السحر؟ قال لا
والله يا أمير المؤمنين. فقال عفوت عنك، ولكن قل لي ماذا قلت؟ قال: قلت إن خلصني الله تعالى من هذه الواقعة
الجسيمة أعمل له وليمة لأجل مولد النبي (ص). فقال الخليفة قد عفوت عنك، وهذه ألف دينار لأجل مولد النبي (ص)،
وأنت في حل من دم ولدي. فخرج الشاب وعفى عن القصاص وأخذ ألف دينار ببركة مولد النبي (ص). وإنما أطلت
الكلام في ذلك لأجل أن يعتني ويرغب جميع الاخوان، في قراءة مولد سيد ولد عدنان، لان من لأجله خلقت الأرواح
والأجسام، بحق أن يهدى له الروح والمال والطعام. وفقنا الله وإياكم لقراءة مولد نبيه الكريم على الدوام، وإنفاق المال
لأجله في سائر الأوقات والأيام آمين (قوله: فروع) أي خمسة عشر: الأول قوله يندب الاكل الخ، الثاني قوله ويجوز
للضيف أن يأخذ مما قدم الخ، الثالث قوله وصرح الشيخان الخ، الرابع قوله وورد بسند ضعيف الخ، الخامس قوله
ويسن للآكل الخ، السادس قوله ويحرم أن يكبر اللقم الخ، السابع قوله ولو دخل على آكلين الخ، الثامن قوله ولا يجوز
للضيف أن يطعم الخ، التاسع قوله ويكره للداعي الخ، العاشر قوله ويحرم للأراذل الخ، الحادي عشر قوله ولو تناول
الخ، الثاني عشر قوله ويجوز للانسان أخذ الخ، الثالث عشر قوله ولزم مالك طعام الخ، الرابع عشر قوله
ويجوز نثر الخ،
الخامس عشر قوله ويحرم أخذ فرخ الخ (قوله: يندب الاكل الخ) عبارة المنهاج: ولا تسقط إجابة بصوم، فإن شق على
الداعي صوم نفل فالفطر أفضل. اه‍. وإنما لم تسقط لخبر مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب: فإن كان مفطرا

415
فليطعم، وإن كان صائما فليصل فليدع: أي بدليل رواية فليدع بالبركة، وإذا دعي وهو صائم فلا يكره أن يقول إني
صائم حكاه القاضي: أبو الطيب عن الأصحاب: أي إن أمن الرياء كما هو ظاهر، واستثنى البلقيني منه ما لو دعاه في
نهار رمضان والمدعوون كلهم مكلفون صائمون فلا تجب الإجابة. إذ لا فائدة فيها إلا مجرد نظر الطعام والجلوس من
أول النهار إلى آخره مشق فإن أراد هذا فليدعهم عند الغروب وقال وهذا واضح. اه‍. نهاية. وقوله في صوم نفل: خرج
به الفرض كنذر مطلق وقضاء ما فات من رمضان فيحرم الخروج منه ولو توسع وقته (قوله: لارضاء ذي الطعام) أي لأجل
إرضائه، فاللام للتعليل، وقوله بأن شك الخ: أي ويتصور كون الاكل لأجل ما ذكر بأن كان يشق على ذي الطعام بقاؤه
على صومه، فالباء للتصوير وما جرى عليه من التقييد بمشقة الامساك هو طريقه المراوزة، وأطلق الإمام الشافعي
والعراقيون الحكم فيندب الاكل عندهم مطلقا. كذا في شرح الروض. (قوله: للامر بالفطر) أي في رواية البيهقي وغيره
أنه (ص) لما أمسك من حضر معه وقال إني صائم قال له يتكلف لك أخوك المسلم وتقول إني صائم إفطر ثم اقض يوما
مكانه أي إن شئت (قوله: ويثاب على ما مضى) يعني إذا أفطر نصف النهار مثلا يثاب على القدر الذي صامه منه (قوله:
وقضى ندبا) أي لأنه صوم نفل (قوله: فإن لم يشك عليه) أي ذي الطعام. وقوله إمساكه: أي بقاؤه على صومه (قوله: لم
يندب الافطار) جواب ان (قوله: بل الامساك أولى) أي بل بقاؤه على صومه أولى من فطره (قوله: قال الغزالي الخ)
عبارته الثالث: أي من آداب إجابة الوليمة أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر، فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر وليحتسب
في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم، وأفضل ذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور
قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن تحقق أنه متكلف فليتعلل وقد قال (ص) لمن امتنع بعذر الصوم يتكلف لك أخوك وتقول
إني صائم وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالافطار، فالافطار عبادة بهذه النية
وحسن خلق، فثوابه فوق ثواب الصوم، ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب، وقد قيل الكحل
والدهن أحد القراءين. اه‍. (قوله: ويجوز للضيف) هو من يحضر الوليمة بإذن سمي باسم ملك يأتي برزقه قبل مجيئه
لأهل المنزل بأربعين يوما وينادي فيهم هذا رزق فلان بن فلان، وأما الطفيلي فهو الذي يحضر الطعام بلا إذن من
صاحبه. وسمي بذلك نسبة لرجل من غطفان يقال له طفيل كان يحضر كل وليمة تفعل من غير دعوة. وقوله أن يأكل: أفهم
أنه لا يجوز له أن يتصرف فيه بغير الاكل، وسيصرح به بقوله ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة. والمعتمد أنه يملكه
بوضعه في فمه ملكا مراعى بمعنى أنه إن ازدرده استقر على ملكه وإن أخرجه من فمه تبين بقاؤه على ملك صاحبه وقيل
ليس هو من باب الملك. وإنما هو إتلاف بإذنه. وقوله مما قدم له قال في النهاية أفهم حرمة أكل جميع ما قدم له، وبه
صرح بن الصباح ونظر فيه، إذا قل، واقتضى العرف أكل جميعه. والذي يتجه النظر في ذلك للقرينة القوية، فإن دلت
على أكل الجميع حل وإلا امتنع. اه‍. ومثله في التحفة (قوله: بلا لفظ من المضيف) متعلق بيجوز: أي يجوز له الاكل
من غير لفظ صادر من المضيف يدل على الاذن فيه اكتفاء بالقرينة العرفية، كما في الشرب من السقايات التي في الطرق.
(فائدة) قال النووي في الأذكار.
(إعلم) أنه يستحب لصاحب الطعام أن يقول لضيفه عند تقديم الطعام: بسم الله. أو كل، أو نحو ذلك من
العبارات المصرحة بالاذن في الشروع في الآكل. ولا يجب هذا القول، بل يكفي تقديم الطعام إليهم، ولهم الاكل
بمجرد ذلك من غير اشتراط لفظ. وقال بعض أصحابنا لا بد من لفظ، والصواب الأول، وما ورد في الأحاديث الصحيحة
من لفظ الاذن في ذلك محمول على الاستحباب. اه‍. بتصرف. ويسن للضيف أن يدعو للمضيف بدعاء رسول الله (ص)
بأن يقول: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة الأخيار، وذكركم الله فيمن عنده، وأفطر عندكم
الصائمون.
اللهم أخلف على باذليه، وهن آكليه واطرح البركة فيه (قوله: نعم) استدراك على قوله بلا لفظ الموهم جواز الأكل

416
مطلقا. وقوله إن انتظر: أي المضيف. وقوله غيره: أي غير الذي حضر. ومثله ما لو لم تتم السفرة. وقوله لم يجز: أي
الاكل. وقوله قبل حضوره: أي المنتظر. وقوله إلا بلفظ منه: أي إلا بإذن من المضيف له لفظا (قوله: وصرح الشيخان
الخ) ما صرحا به لا يختص بالضيف، بل يجزي في طعام نفسه، كما هو ظاهر (قوله: فوق الشبع) أي المتعارف لا
المطلوب شرعا، وهو أكل نحو ثلث البطن. اه‍. ع ش. وقوله وآخرون بحرمته: أي وصرح آخرون بحرمة الاكل فوق
الشبع، وذلك لأنه مؤذ للمزاج. وجمع في التحفة والنهاية بين القولين بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره، والثاني
على خلافه. ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به، كما هو ظاهر، وفي البجيرمي. والأحسن أن يقال أن التحريم محمول
على حالة الضرر سواء كان من ماله أو من مال غيره، والقول بالكراهة على غيرها. اه‍ (قوله: قال مالك هو) أي الاعتماد
على يده اليسرى. وقوله نوع من الاتكاء: أي المنهي عنه (قوله: جاثيا) حال مؤكدة. قال في القاموس: جثا: كدعا
ورمى جثوا وجثيا - بضمهما - جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه اه‍. وقوله وظهور قدميه: أي وعلى ظهور
قدميه بأن يجعلها مما يلي الأرض ويجعل بطونها مما يلي وركيه (قوله: ويكره الاكل متكئا) أي لخبر أنا لا آكل متكئا
(قوله: وهو) أي المتكئ. وقوله المعتمد الخ: عبارة شرح الروض: قال النووي: قال الخطابي: المتكئ هنا الجالس
معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الاكثار من الطعام، وأشار غيره إلى أنه المائل على جنبه، ومثله المضطجع، كما
فهم بالأولى، اه‍. وفي الباجوري على الشمائل ما نصه: ومعنى المتكئ المائل إلى أحد الشقين معتمدا عليه وحده.
وحكمه كراهة الاكل متكئا أنه فعل المتكبرين المكثرين من الاكل نهمة، والكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء.
نعم: لا بأس بأكل ما يتنقل به مضطجعا. اه‍. وقوله على وطاء: قال في القاموس: والوطاء كسحاب وكتاب خلاف
الغطاء. اه‍. وفي المصباح: والوطاء وزان كتاب المهاد الوطئ. اه‍ (قوله: ومضطجعا) معطوف على متكئا: أي
ويكره الاكل حال كونه مضطجعا على جنبه الأيمن أو الأيسر، وبالأولى الاكل مع الاستلقاء (قوله: إلا فيما يتنقل به)
بتقديم التاء الفوقية على النون، وذلك كنحو الفاكهة من كل ما لا يعد للشبع فلا يكره أكله مع الاتكاء أو الاضطجاع
(قوله: لا قائما) أي لا يكره الاكل قائما (قوله: والشرب قائما خلاف الأولى) عبارة الروض وشرحه: والشرب قاعدا
أولى منه قائما أو مضطجعا، فالشرب قائما بلا عذر خلاف الأولى، كما اختاره في الروضة، لكنه صوب في شرح مسلم
كراهته، وأما شربه (ص) قائما فلبيان الجواز. قال في شرح مسلم: ويستحب لمن شرب قائما عالما أو ناسيا أن يتقيأه:
لخبر مسلم لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقئ اه‍
(واعلم) أنه استثنى بعضهم شرب ماء زمزم وقال: إنه يسن الشرب منه قائما اتباعا، فقد صح عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي (ص) شرب من زمزم وهو قائم ورده الباجوري في حاشية الشمائل بما نصه: وإنما شرب (ص)
وهو قائم، مع نهيه عنه، لبيان الجواز، ففعله ليس مكروها في حقه، بل واجب، فسقط قول بعضهم إنه يسن الشرب من
زمزم قائما اتباعا له (ص)، ولا حاجة لدعوى النسخ أو تضعيف النهي لأنه حيث أمكن الجمع وجب المصير إليه. ثم
قال: قال ابن القيم للشرب قائما آفات منها: أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على
الأعضاء، ويلاقي المعدة بسرعة، فربما برد حرارتها ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن فيضر ضررا بينا، ومن ثم سن أن
يتقيأه، ولو فعله سهوا، لأنه يحرك أخلاطا يدفعها القئ. ويسن لمن شرب قائما أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد
الذي شرب الماء قائما وقاعدا فإنه بسبب ذلك يندفع عنه الضرر. وذكر الحكماء أن تحريك الشخص إبهامي رجليه حال
الشرب قائما يدفع ضرره. اه‍ (قوله: ويسن للآكل الخ) تقدم أول الكتاب، في مبحث سنن الوضوء، أنه تستجب

417
التسمية قبل الأكل والشرب، فإن تركها أوله قال في ثنائه بسم الله أوله وآخره. قال النووي في الأذكار: وروينا في سنن
أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص): إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله
تعالى في أوله،
فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره قال الترمذي حديث حسن صحيح. ثم قال: قلت
أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، فإن ترك في أوله عامدا أو ناسيا أو مكرها أو عاجزا لعارض
آخر ثم تمكن في أثناء أكله استحب أنه يسمي: للحديث المتقدم. والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق
وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. ويستحب أن يجهر بالتسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على
التسمية وليقتدي به في ذلك. اه‍. باختصار. وقوله أن يغسل اليدين الخ: قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدئ به
فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس إلى كرمه. اه‍ (قوله: ويقرأ سورتي الخ) أي ويسن أن يقرأ بعد الاكل سورة
الاخلاص وسورة قريش، ويسن أيضا أن يقول بعد الاكل، وقبل قراءة السورتين، (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام
ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. اللهم كما أطعمتني طيبا فاستعملني صالحا، الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه
وجعل له مخرجا. الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني وأرواني) قال في الأذكار: وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن
ماجة عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام
ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه قال الترمذي حديث حسن (قوله: ولا يبتلع الخ) أي ويسن أن لا
يبتلع ما يخرج من آثار الطعام بالخلال بخلاف ما يجمعه بلسانه من بين الأسنان فإنه يبتلعه (قوله: ويحرم أن يكبر اللقم)
قيده في التحفة بما إذا قل الطعام. وقال ابن عبد السلام: ولو كان يأكل قدر عشرة والمضيف جاهل به لم يجز له أن يأكل
فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الاكل لانتفاء الاذن اللفظي والعرفي فيما وراءه. اه‍. وقوله مسرعا: أي حال كونه
مسرعا في الاكل. وقوله حتى يستوفى أكثر الطعام: حتى تعليلية، أي يكبر اللقم لأجل أن يستوفي أكثر الطعام. وقوله ويحرم (1): بضم الياء وكسر الراء، وهو بالنصب معطوف على يستوفى: أي ولأجل أن يحرم غيره من بقية الضيوف (قوله:
ولو دخل) أي إنسان غير ضيف. وقوله على آكلين: أي على جماعة يأكلون. وقوله فأذنوا له: أي في الاكل معهم. وقوله
لم يجز له: أي للداخل (قوله: إلا إن ظن أنه عن طيب نفس) أي إلا إن ظن أن إذنهم له صادر عن طيب نفوسهم فيجوز له
الاكل حينئذ. وقوله لا لنحو حياء: أي لا ظن أن إذنهم له لنحو حياء منه فيحرم عليه الاكل معهم، ومن ثم حرم إجابة من
عرض بالضيافة تجملا وأكل هدية من ظن منه أنه لا يهدى إلا خوف المذمة (قوله: ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو
هرة) أي من الطعام الذي قدم له، وذلك لعدم الاذن له في غير الاكل. نعم: له تلقيم صاحبه، ما لم يفاضل المضيف
طعامهما، كأن خص أحدهما بعالي الطعام والآخر بسافله، وإلا فليس له ذلك. وقوله إلا إن علم رضا الداعي: أي فإنه
لا يحرم. والمراد بالعلم ما يشمل الظن، بأن توجد القرائن القوية على رضاه به، بدليل التقييد بالظن في مسألة الاخذ
الآتية قريبا (قوله: ويكره للداعي تخصيص الخ) وذلك لما فيه من كسر الخاطر للبعض الآخر (قوله: ويحرم للأراذل أكل
الخ) أي لأنه لا دلالة على الاذن لهم فيه، بل العرف زاجر لهم عنه (قوله: ولو تناول ضيف) أي من المضيف له. وقوله
إناء طعام: التركيب إضافي: أي إناء فيه طعام. وقوله فانكسر: أي الاناء. وقوله منه: أي من الضيف (قوله: ضمنه) أي



(1) (قوله بضم الياء الخ) لا يتعين هذا الضبط بل هو لغية كما في القاموس والكثير باب وعلم. اه‍.
418
الاناء دون الطعام لأنه أباحه، كما يعلم مما تقدم للشارح في باب العارية في مسألة الكوز: وهي أنه لو أخذ كوزا من سقاء
ليشرب منه فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه، أي الماء مجانا، ضمنه دون الماء، أو بعوض والماء قدر
كفايته فعكسه. اه‍. وتقدم في الكتابة عليه تعليل ذلك وجملة مسائل. فارجع إليه إن شئت. وقوله لأنه: أي الاناء وقوله
في يده: أي الضيف. وقوله في حكم العارية: أي وهي مضمومة (قوله: ويجوز للانسان أخذ من نحو صديقه) أي يجوز
له أن يأخذ من طعام صديقه وشرابه ويحمله إلى بيته. قال في التحفة: وإذا جوزنا له الاخذ، فالذي يظهر أنه إن ظن الاخذ
بالبدل كان قرضا ضمنيا، أو بلا بدل توقف المالك على ما ظنه. اه‍ (قوله: ويختلف) أي ظن الرضا. وعبارة غيره.
وتختلف قرائن الرضا في ذلك باختلاف الأحوال ومقادير الأموال. اه‍. (قوله: وبحال المضيف) أي يسارا إعسارا
(قوله: ومع ذلك) أي ظن الرضا. وقوله مراعاة نصفة، بفتحات، العدل (قوله: فلا يأخذ الخ) تفريع على
الانبغاء
المذكور. وقوله إلا ما يخصه: أي القدر الذي يخصه من الطعام المقدم إليهم. وقوله أو يرضون به: أي أو الذي يرضون
بأخذه. وكتب سب ما نصه: قوله إلا ما يخصه أو يرضون به، لعل هذا إذا وكل المالك الامر إليهم، وإلا فالأوجه جواز ما
رضي به بإذن أو قرينة. اه‍. وقوله عن طيب نفس: أي نفوسهم كلهم. وقوله لا عن حياء: أي وأما إذا كان عن حياء فإنه
يحرم عليه أخذه (قوله: وكذا يقال الخ) أي أن مثل ما قيل في أخذه من نحو طعام صديقه يقال في القران بين تمرتين أو
سمسمتين أو عنبتين في لقمة واحدة: أي فإن ظن رضا المالك بذلك جاز وإلا فلا. ومع ذلك ينبغي له مراعاة النصفة
للحاضرين، والقران - بكسر ففتح - الاقتران والجمع (قوله: أما عند الشك في الرضا) مفهوم قوله مع ظن رضا مالكه.
وقوله فيحرم الاخذ: أي أخذه من طعام صديقه (قوله: كالتطفل) أي كحرمة التطفل، وهو حضور الوليمة من غير دعوة إلا
إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الانس والانبساط (قوله: ما لم يعم) قيد في حرمة التطفل: أي محل الحرمة حيث
لم يعم دعوته، فإن عم لم يحرم، كما في شرح الروض نقلا عن الامام وعبارته وقيد ذلك أي حرمة التطفل، الامام
بالدعوة الخاصة، أما العامة، كأن فتح الباب ليدخل من شاء، فلا تطفل. اه‍. وقوله كأن فتح الباب الخ. تمثيل لعموم
الدعوة (قوله: ولزم مالك طعام) أي مطعوم أعم من المأكول والمشروب. وقوله إطعام: فاعل لزم مؤخر، وما قبله مفعول
مقدم. وقوله مضطر: أي محتاج إلى طعام. وقوله قدر سد رمقه: الرمق بقية الروح، والمراد يطعمه بقدر ما يسد الخلل
الحاصل في بقية الروح. وزاد في التحفة في باب الأطعمة، أو إشباعه بشرطه. وعبارته مع الأصل: أو وجد طعام حاضر
غير مضطر لزمه، أي مالك الطعام، إطعام، أي سد رمق، مضطر أو إشباعه بشرطه. اه‍. وقوله بشرطه: هو أنه لو اقتصر
على سد الرمق يخاف تلفا: أي محذور تيمم (قوله: إن كان) أي المضطر. وقوله معصوما: سيذكر محترزه. وقوله
مسلما أو ذميا: بدل معصوما أو عطف بيان (قوله: وإن احتاجه الخ) غاية في لزوم الاطعام. وقوله مالكه: إنما أظهر ولم
يضمر مع تقدم مرجعه لئلا يتوهم رجوعه إلى المضطر وإن كان بعيدا. وقوله مآلا: أي في المآل، أي المستقبل (قوله:
وكذا بهيمة الغير) أي ومثل المعصوم بهيمة الغير: أي فيلزم مالك الطعام إطعامها (قوله: بخلاف حربي الخ) أي فلا يلزم
مالك الطعام إطعامهم إذا اضطروا لعدم احترامهم (قوله: فإن منع) أي المضطر. فالفعل مبني للمجهول. ويحتمل بناؤه
للمعلوم، وفاعله ضمير يعود على المالك، والمفعول محذوف: أي فإن منع المالك المضطر في إطعامه الطعام. وقوله
فله: أي المضطر أخذه قهرا وله أن يقاتل عليه، فإن قتل أحدهما صاحبه كان صاحب الطعام مهدر الدم لا قصاص فيه ولا

419
دية ولا كفارة وكان المضطر مضمونا بالقصاص أو الدية والكفارة (قوله: إن حضر) أي العوض عند المضطر. وقوله وإلا:
أي وإن لم يحضر عنده فهو نسيئة (قوله: ولو أطعمه) أي أطعم مالك الطعام المضطر. وقوله ولم يذكر عوضا: أي لم
يذكر المالك للمضطر أنه أطعمه إياه بعوض لا مجانا. وقوله فلا عوض له: أي للمالك على المضطر. وقوله لتقصيره:
أي بعدم ذكر العوض (قوله: ولو اختلفا) أي المالك والمضطر. وقوله في ذكر العوض: فالمالك يقول ذكرته والمضطر
ينكره. وقوله صدق المالك بيمينه: أي حملا للناس على هذه المكرمة (قوله: ويجوز نثر نحو سكر) أي كلوز ودنانير أو
دراهم. والنثر الرمي مفرقا. وعبارة المنهاج: ويحل نثر سكر وغيره في الاملاك. اه‍ (قوله: وتركه أولى) أي وترك النثر
أولى، ولا يكره في الأصح: لخبر أنه (ص) حضر أملاكا فيه أطباق اللوز والسكر فأمسكوا، فقال ألا تنتهبون؟ فقالوا نهيتنا
عن النهب. فقال وإنما نهيتكم عن نهبة العساكر، أما الفرسان فلا. خذوا على اسم الله. فجاذبنا وجاذبناه اه‍. تحفة
(قوله: ويحل التقاطه) أي المنثور (قوله: ويكره أخذه) ضعيف. والمعتمد أنه خلاف الأولى. وعبارة المنهج وشرحه:
وتركهما، أي نثر ذلك والتقاطه، أولى لان الثاني يشبه النهب والأول تسبب إلى ما يشبهها. نعم: إن عرف أن الناثر لا يؤثر
بعضهم على بعض ولا يقدح الالتقاط في مروءة الملتقط لم يكن الترك أولى. اه‍. وعبارة النهاية مع الأصل: ويحل
التقاطه، وتركه أولى وقيل أخذه مكروه لأنه دناءة. نعم: إن علم أن الناثر لا يؤثر به ولم يقدح أخذه في
مروءته لم يكن تركه
أولى، ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذ منه أو التقطه أو بسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه بالأخذ، ولو صبيا،
وإن سقط منه بعد أخذه. فلو أخذه غيره لم يملكه، وحيث كان أولى به وأخذه غيره ففي ملكه وجهان جاريان: فيما لو
عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا دخل السمك مع الماء في حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه
غيره، وفيما إذا أحيا ما تحجره غيره، لكن الأصح في الصور كلها الملك، كالاحياء، ما عدا صورة النثار لقوة الاستيلاء
فيها. اه‍. وقوله الملك: أي للآخذ الثاني، ومثله في التحفة (قوله: ويحرم أخذ فرخ الخ) يعني أنه يحرم على الشخص
أن يأخذ فرخ طير عشش ذلك الطير في ملك غيره وأخذ سمك دخل مع الماء حوض غيره، وحيث حرم الاخذ لم يملكه لو
أخذه، كما في فتح الجواد، ونصه مع الأصل: وجاز لقط إلا إن أخذه ممن أخذه. أو بسط ذيله له ولو صبيا ومجنونا فوقع
فيه لأنه يملكه بالأخذ، والوقوع في نحو الذيل وإن سقط منه بعد أخذه وخرج. بله وقوعه فيه اتفاقا فإنه لا يملكه، بل
يكون أولى به فيحرم على غيره أخذه إلا إن ظن رضاه أو سقط من ثوبه وإن لم ينفضه. وإذا حرم لم يملكه آخذه: كأخذ
فرخ طير عشش بملك الغير أو سمك دخل مع الماء حوضه أو ثلج وقع في ملكه، وإنما ملك المحيي ما تحجره الغير لان
المتحجر غير مالك فليس الاحياء تصرفا في ملك الغير، بخلاف هذه الصور. اه‍. بحذف والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في القسم والنشوز
أي في بيان حكمهما: كوجوب التسوية بين الزوجات وغير ذلك مما يترتب عليهما، إنما ذكر القسم بعد الوليمة
نظرا لكون الأفضل فعلها بعد الدخول، وهو أيضا يكون بعده. وذكر بعده النشوز لأنه يترتب غالبا على ترك القسم ولقوة
المناسبة بينهما جمعهما في ترجمة واحدة. والقسم، بفتح القاف وسكون السين، مصدر قسمت الشئ. والمراد به
العدل بين الزوجات، وأما بالكسر فالنصيب، وبفتح القاف مع فتح السين اليمين والنشوز الخروج عن الطاعة (قوله:

420
يجب قسم الخ) وذلك لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1)، وخبر إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما
جاء يوم القيامة وشقه مائل، أي ساقط رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وقوله لزوجات: أي حقيقة فخرجت الرجعية
ودخل الإماء، وذلك بأن تزوج رقيق أمتين فيجب عليه القسم بينهما أو تزوج حر بالشروط أمة فسقمت ثم تزوج أمة أخرى
فيجب عليه القسم بينهما. والمراد بالجمع ما فوق الواحد فتدخل الاثنتان والثلاث والأربع. وخرجت الواحدة فلا يجب
عليه فيها شئ، لكن يستحب أن لا يعطلها بأن يبيت عندها لأنه من المعاشرة بالمعروف. وفي البجيرمي: لا فرق في
وجوب القسم بين المسلمة والذمية. ذكره في البيان. اه‍ (قوله: هن بات عند بعضهم) قيد في الوجوب، فلو لم يبت عند
بعضهن لم يجب عليه القسم ولا إثم عليه بذلك، لكن يستحب أن لا يعطلهن وإن يحصنهن بالوطئ. ثم إن البيتوتة
المختصة بالليل ليست بقيد، بل المدار على صيرورته عند بعضهن ليلا أو نهارا، كما في التحفة، ونصها مع الأصل:
نعم إن بات في الحضر أي صار ليلا أو نهارا فالتعبير ببات لان شأن القسم الليل، لا لاخراج مكثه نهارا عند إحداهن، فإن
الأوجه أنه يلزمه أن يمكث مثل ذلك الزمن عند الباقيات. اه‍. وقوله بقرعة: متعلق بقسم. وقوله أو غيرها: أي القرعة
(قوله: فيلزمه قسم لمن بقي الخ) هذا عين قوله يجب قسم الزوجات: إذ اللزوم والوجوب بمعنى واحد. والمراد بقوله
لزوجات بقيتهن لا كلهن بدليل قوله إن بات عند بعضهن، ولا يقال إنه أعاده لأجل الغاية وهي ولو قام بهن عذر لأنا نقول
يصح جعلها غاية لوجوب قسم الزوجات وبالجملة فالأولى إسقاطه والاقتصار على الغاية (قوله: ولو قام بهن عذر) أي
يلزمه القسم للباقيات، ولو قام بهن عذر، وذلك لان المقصود الانس لا الوطئ ويلزمه ذلك فورا ولو بدون طلب، كما في
سم، وترك القسم كبيرة كما في ع ش (قوله: كمرض وحيض) تمثيل للعذر، ومثلهما رتق وقرن وإحرام وجنون إن أمن من
الشر (قوله: وتسن التسوية بينهن) أي بين الزوجات (قوله: في سائر أنواع الاستمتاع) أي وطأ كانت أو غيره (قوله: ولا
يؤاخذ بميل القلب إلى بعضهن) أي لأنه أمر قهري ولهذا كان (ص) يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما
تملك ولا أملك (قوله: وأن لا يعطلهن) أي ويسن أن لا يعطلهن أي إن لم يبت عند بعضهن، وإلا وجب عدم التعطيل،
كما علمت (قوله: بأن يبيت) تصوير لانتفاء التعطيل (قوله: ولا قسم بين إماء) أي غير زوجات ولو كن مستولدات: قال
تعالى: * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (2) أشعر ذلك بأنه لا يجب العدل الذي هو فائدة القسم في
ملك اليمين، فلا يجب القسم فيه (قوله: ولا إماء وزوجة) أي ولا قسم بين إماء وزوجة، لما مر (قوله: ويجب على
الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف) أي لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (3) وفي شرح الروض: النكاح مناط حقوق
الزوج على الزوجة كالطاعة، وملازمة المسكن وحقوقها عليه كالمهر والنفقة والكسوة والمعاشرة بالمعروف: قال تعالى:
* (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * (4) والمراد تماثلهما في وجوب الأداء، وقال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (1). اه‍ (قوله: بأن يمتنع كل) أي من الزوجين، وهو تصوير للتعاشر بالمعروف (قوله: ويؤدي) معطوف
على يمتنع: أي وبأن يؤدي كل إلى صاحبه حقه. وقوله مع الرضا: متعلق بكل من يمتنع ويؤدي. وقوله وطلاقة الوجه:
أي ومع طلاقة الوجه، وهي عدم العبوسة، ولبعضهم: البر شئ هين: وجه طلق وكلام لين (قوله: من غير أن يحوجه
الخ) متعلق أيضا بكل من الفعلين قبله: أي يمتنع عما ذكر ويؤدي إليه حقه من غير أن يحوج أحدهما الآخر إلى مؤنة.



(1) سورة النساء، الآية: 19.
(2) سورة النساء، الآية: 3.
(3) سورة النساء، الآية: 19.
(4) سورة النساء، الآية: 228.
421
وقوله وكلفة: العطف للتفسير، والمراد المشقة. وقوله في ذلك أي في الامتناع المذكور وأداء ما عليه للآخر من الحقوق
(قوله: غير معتدة) منصوب على الاستثناء من زوجات: أي يجب القسم للزوجات إلا المعتدة الخ. وقوله عن وطئ
شبهة: فإن كانت معتدة عنه بأن وطئ إحدى زوجاته أجنبي بشبهة فلا قسم لها حتى تعتد بل يحرم، كما يفهمه التعليل
بعد قوله لتحرم الخلوة بها (قوله: وصغيرة) أي وغير صغيرة لا تطيق الوطئ (قوله: وناشزة) أي وغير ناشزة ودخل في
مدعيه الطلاق (قوله: أي خارجة عن طاعته) تفسير للناشزة (قوله: بأن تخرج بغير الخ) تصوير لخروجها عن طاعته
(قوله: ولو مجنونة) غاية في الناشزة: أي يشترط أن تكون غير ناشزة ولو كانت مجنونة فنشوزها يسقط حقها كنشوز العاقلة
وإن كانت لا تأثم به (قوله: وغير مسافرة) عطف على غير معتدة. وقوله وحدها: خرج ما إذا سافرت معه ولم يمنعها
فحقها باق. وقوله لحاجتها: خرج ما إذا كانت لحاجته بإذنه فيقضي لها من نوب الباقيات، فإن كان من غير إذنه سقط
حقها (قوله: فلا قسم لهن) أي للمعتدة والصغيرة والناشزة والمسافرة، وهو تفريع على مفهوم وقوله غير معتدة الخ.
ويصح جعله قوله جواب شرط مقدر: أي أما المعتدة من وطئ الشبهة والصغيرة والناشزة والمسافرة فلا قسم لهن لعدم
استحقاقهن له. وانظر: هل يحرم القسم عليه لهن لان فيه تضييع حق الباقيات أم لا؟ وقد قدمت أن قوله لتحريم الخلوة
بالمعتدة يقتضي حرمته عليه فيها، ولكن بقي النظر فيما عداها من الناشزة والصغيرة الخ (قوله: كما لا
نفقة لهن) أي لا نفقة واجبة عليه لهن. وفي المغني مع الأصل ما نصه: ويستحق القسم مريضة وقرناء وقرناء ورتقاء وحائض ونفساء، ثم
قال: وضابط من يستحق القسم كل من وجبت نفقتها ولم تكن مطلقة لتخرج الرجعية. ويستثنى من استحقاق المريضة
القسم ما لو سافر بنسائه فتخلفت واحدة لمرض فلا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة. وضابط من لا يستحقه هو كل امرأة
لا نفقة لها، وضابط من يجب عليه القسم كل زوج عاقل ولو سكران أو سفيها أو مراهقا، فإن جار المراهق فالاثم على
وليه، أي إذا قصر، وإن جار السفيه فعلى نفسه لأنه مكلف. وأما المجنون إذا أطبق جنونه أو تقطع ولم ينضبط فلا يلزم
الولي الطواف به عليهن، سواء أمن منه الضرر أم لا، إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه أو كان الجماع ينفعه بقول أهل
الخبرة أو مال إليه بميله إلى النساء فيلزمه أن يطوف به عليهن أو يدعوهن إلى منزله أو يطوف به على
بعضهن ويدعو بعضهن إذا كان ثم عذر بحسب ما يرى. اه‍. بحذف (قوله: ولو ظهر زناها) أي ظهر زنا واحدة من زوجاته برؤيته أو
بالشيوع (قوله: حل له) أي زوجها (قوله: منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه) أي يمتنع من قسمه لها لتختلع منه بمال
(قوله: قال شيخنا الخ) لعله في غير التحفة ولفظها بعد وهو أصح القولين وهو بعيد، ولعل الأصح القول الثاني. ويأتي
أول الخلع ما يصرح به. وينبغي أن يكون محل الخلاف إذا ظهر زناها في عصمته لا قبلها. اه‍. وقوله ويأتي أول الخ:
عبارته هناك: ولو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا، كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ
أبي حامد أو لا بقصد ذلك وقع بائنا. وعليه يحمل ما نقلاه عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين. اه‍. ومثله
يأتي للشارح
نقلا عن شرح المنهاج والارشاد (قوله: وهو) أي كونه يحل له منع قسمها وحقوقها ظاهر. وقوله إن أراد. أي القائل بذلك
وهو الروياني لان الأذرعي ناقل عنه. وقوله يحل له ذلك: أي منع قسمها وحقوقها. وقوله باطنا: أي في الباطن. وقوله
معاقبة الخ: تعليل للحل باطنا. وقوله لتلطيخ فراشه: علة العلة (قوله: أما في الظاهر) أي أما بالنسبة للظاهر (قوله:

422
فدعواه عليها ذلك الخ) كان الأنسب في المقابلة أن يقول فلا يحل له ذلك بمعنى أن الحاكم يمنعه من ذلك ولا يقبل
دعواه عليها بذلك (قوله: بل الخ) الاضرار انتقالي. وقوله ولو ثبت زناها: أي بالبنية أو بإقرارها. وقوله لا يجوز للقاضي
أن يمكنه: أي الزوج. وقوله من ذلك: أي ترك القسم والحقوق (قوله: وله) أي للزوج دخول في ليل لو قال في أصل،
كما في المنهج، لكان أولى ليشمل ما إذا كان الأصل النهار (قوله: لواحدة) متعلق بمحذوف صفة لليل: أي ليل كائن
لواحدة من زوجاته وهي صاحبة النوبة (قوله: على زوجة أخرى) أي وهي غير صاحبة النوبة (قوله: لضرورة) متعلق
بيجوز المقدر. وقوله لا لغيرها: أي لا يجوز دخوله لغير ضرورة، ولو كان لحاجة: كعيادة مريض (قوله: كمرضها
المخوف) تمثيل للضرورة. ومثله الخوف على عياله من حريق وسرقة وقوله ولو ظنا. أي ولو كان مخوفا بالظن لا باليقين.
قال الغزالي: أو احتمالا، فيدخل ليتبين الحال: أي ليعرف هل هو مخوف أو لا؟ (قوله: وله دخول في نهار) لو قال في
تابع لكان أولى ليشمل ما لو كان ليلا. وقوله لحاجة هي: أعم من الضرورة (قوله: كوضع متاع الخ) تمثيل للحاجة.
وقوله أو أخذه: أي المتاع من الزوجة الأخرى. وقوله وعيادة: أي لها بأن كانت مريضة. وقوله وتسليم نفقة: أي لها.
وقوله وتعرف خبر: أي منها (قوله: بلا إطالة في مكث) قيد للصورتين، أعني الدخول ليلا والدخول نهارا، فهو متعلق
بكل منهما. والمعنى أنه يشترط فيهما أن يخفف المكث (قوله: عرفا) يعني أنه يقدر عدم طول المكث بالعرف ومن ثم
لم يلزمه أن يقضي لحظة وما قاربها وإن جامع فيها لأنه يتسامح بالزمن القصير. قال في التحفة: ويظهر ضبط العرف في
طول المكث بفوق ما من شأنه أن يحتاج إليه عند الدخول لتفقد الأحوال عادة فهذا القدر لا يقضيه مطلقا وما زاد عليه
يقضيه مطلقا. وإن فرض أن الضرورة امتدت فوق ذلك اه‍. وقوله فهذا القدر: أي ما من شأنه الخ. وقوله مطلقا: قال
ابن قاسم ظاهره سواء وصله بما زاد أو لا، فإذا طال فوق هذا القدر قضى ما زاد عليه دونه، وإذا لم يقض هذا القدر في
الأصل ففي التابع بالأولى، كما لا يخفى، اه‍ (قوله: على قدر الحاجة) متعلق بإطالة: أي بلا إطالة على قدر الحاجة،
وكان عليه أن يزيد وعلى قدر الضرورة، لما علمت أن عدم الإطالة قيد فيه أيضا (قوله: وإن أطال فوق الحاجة) أي أو
فوق الضرورة، كما علمت (قوله: عصى) جواب إن وقوله لجوره: أي ظلمه وهو علة العصيان (قوله: وقضى وجوبا
لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها) ظاهره أنه يقضي الجميع قدر الحاجة أو الضرورة وما زاد عليهما،
وهو أيضا ظاهر المنهج، ولكنه يخالف ما مر عن التحفة من أنه يقضي الزائد فقط. ونقل البجيرمي عن الزيادي تفصيلا
في ذلك فقال: (والحاصل) أنه إذا دخل في الأصل لضرورة وطال زمن الضرورة أو أطاله فإنه يقضي الجميع، وإن دخل
في التابع لحاجة وطال زمن الحاجة فلا قضاء، وإن أطاله قضى الزائد فقط. ثم قال: أما حكم الدخول فإن كان في
الأصل لضرورة جاز، وإلا حرم. وفي التبع إن كان ثم أدنى حاجة جاز، وإلا حرم. ثم قال: ونظم بعضهم المعتمد من
هذه المسألة فقال:
للزوج أن يدخل للضرورة لضرة ليست بذات النوبة
في الأصل مع قضاء كل الزمن إن طال أو أطاله فأتقن
وإن يكن في تابع لحاجة وقد أطال وقت تلك الحاجة
قضى لذي زيد فقط ولا يجب قضاؤه في الطول هذا ما انتخب
وإن يكن دخوله لا لغرض عصى ويقضي لا جماعا إن عرض

423
(قوله: هذا) أي ما ذكر من كونه يقضي وجوبا لذات النوبة من نوبة المدخول عليها مطلقا سواء كان الدخول
لضرورة أو لحاجة ليلا كان أو نهارا. وقوله ما في المهذب: هو متن لأبي إسحاق التبريزي (قوله: وفضية كلام المنهاج)
وعبارته: والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة. اه‍. قال في المغني: أي وإن طال الزمان لان النهار تابع مع وجود
الحاجة. اه‍. (قوله: وأصليهما) أي أصل المنهاج، وهو المحرر للرافعي، وأصل الروضة وهو العزيز شرح الوجيز
المسمى بالشرح الكبير للرافعي أيضا. وقوله خلافه: خبر المبتدأ الذي هو قضية، والضمير يعود على ما في المهذب.
وقوله فيما إذا دخل الخ: هذا محل المخالفة. والمعنى أن مقتضى كلام المنهاج والروضة وأصليهما يخالف ما في
المهذب إذا كان الدخول واقعا في النهار لحاجة. وقال في المغني: فيحمل كلام المهذب وغيره، كما قال شيخي، على
ما إذا طال الزمان فوق الحاجة، وكلام المتن على ما إذا طال الزمان بالحاجة، ورأيت في بعض الشراح ضعف ما في
المهذب، وبعضهم ضعف ما في المتن. وحيث أمكن الجمع فهو أولى. اه‍. (قوله: فلا تجب الخ) المقام ليس
للتفريع، فكان الأولى التعبير بالواو. وقوله في غير الأصل: أما الأصل فيجب التسوية في قدر الإقامة فيه، كما في التحفة
والنهاية (قوله: كأن كان) أي غير الأصل نهارا. وأتى بكاف التمثيل إشارة إلى أنه قد يكون ليلا (قوله: أي في قدرها) بيان
لقوله في الإقامة. ولو قال من أول الأمر فلا تجب التسوية في قدر الإقامة لكان أخصر. والمراد أنه لو أقام عند صاحبة
النوبة في غير الأصل الذي هو النهار إن جعل الأصل الليل أو الليل إن جعل الأصل النهار لم يجب أن يقسم عند الأخرى
إذا جاءت نوبتها في غير الأصل مثل إقامته عند تلك، بل له أن ينقص عنها أو يزيد عليها وكذا لا تجب التسوية في أصل
الإقامة في غير الأصل، فلو أقام فيه عند بعضهن وترك الإقامة فيه عند البعض الآخر لم يحرم عليه، كما في التحفة،
ونصها: وكذا في أصلها على ما اقتضاه الاطلاق، ولكن الذي بحثه الامام أخذا من كلامهم امتناعه إن كان قصدا. وجرى
عليه الأذرعي فقال: لا أشك أن تخصيص إحداهن بالإقامة عندها نهارا على الدوام، والانتشار في نوبة غيرها يورث
حقدا وعداوة وإظهار ميل وتخصيص. اه‍. (قوله: لأنه) أي غير الأصل وقت التردد (قوله: وهو) أي التردد. وقوله يقل
ويكثر: أي بحسب الحاجة (قوله: وعند حل الدخول) أي بأن كان لضرورة أو لحاجة (قوله: يجوز له أن يتمتع) وذلك
لخبر عائشة رضي الله عنها: كان النبي (ص) يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى
يبلغ إلى التي هي
نوبتها فيبيت عندها رواه أحمد والحاكم وصحيح إسناده، والمسيس: الوطئ (قوله: ويحرم) أي التمتع بالجماع للخبر
المار. وقوله لا لذاته: أي أن الحرمة لا لذات الجماع، وإنما هي لأمر خارج وهو كونه في نوبة الغير. وعبارة الخطيب:
ولو جامع من دخل عليها في نوبة غيرها عصى وإن قصر الزمن وكان لضرورة. قال الامام: واللائق بالتحقيق القطع بأن
الجماع لا يوصف بالتحريم ويصرف التحريم إلى إيقاع المعصية لا إلى ما وقعت به المعصية. وحاصله أن تحريم
الجماع لا لعينه بل لأمر خارج. اه‍. وكتب بجيرمي ما نصه: قوله لا يوصف بالتحريم، أي من حيث خصوص كونه
وطأ، وأما من حيث صرف زمن صاحبة الوقت لغيرها فمعصية توصف بالتحريم. وقوله إلى إيقاع المعصية: أي إيقاع
الوطئ في هذا الزمن. قوله لا إلى ما وقعت به المعصية وهو الجماع نفسه، وفيه أن الوطئ ليس معصية. فالأولى أن يقول
ويصرف التحريم إلى الاقدام على الفعل أو صرف الزمن له. وقوله لأمر خارج: وهو كونه في نوبة الغير. اه‍. (قوله: ولا
يلزمه قضاء الوطئ) أي إذا خالف ووطئ لا يلزمه قضاؤه وإن طال مكثه وعبر فيما قبله في الجماع وهنا بالوطئ تفننا (قوله:
لتعلقه) أي الوطئ. وقوله بالنشاط: أي الشهوة فكأنه قهري فأنتج المدعي فاندفع ما يقال إن التعليل غير منتج
للمدعي. اه‍. بجيرمي (قوله: بل يقضي زمنه) أي زمن الجماع. وقوله إن طال: أي زمنه (قوله: واعلم) أي يا من يتأتى

424
منك العلم من كل واقف على هذا الكتاب والمخاطب به غير معين وإن كان موضوعا لان يخاطب به المعين. وهذا اللفظ
يؤتى به لشدة الاعتناء بما بعده. وهو دخوله على المتن. وقوله أقل القسم ليلة: أي أقل نوب القسم ليلة، فلا يجوز
ببعضها ولا بليلة وبعض أخرى لما فيه من تشويش العيش وعسر ضبط أجزاء الليل وأما طوافه (ص) على نسائه في ليلة
واحدة فمحمول على رضاهن. وهي أيضا أفضلها ليكون قريب العهد من كلهن. وعبارة المنهج. وأقله قسم وأفضله
ليلة. اه‍. (قوله: وهي) أي الليلة (قوله: وأكثره) أي أكثر القسم: أي أكثر نوب القسم. وقوله ثلاث: أي ثلاث ليال
(قوله: فلا يجوز أكثر منها) أي من الثلاث، وذلك لئلا يؤدي إلى المهاجرة والايحاش للباقيات بطول المقام
عند
بعضهن، وقد يموت في المدة الطويلة فيفوت حقهن (قوله: وإن تفرقن في البلاد) قال سم: يؤخذ منه ما كثر السؤال فيه
أن من له زوجة بمكة وأخرى بمصر مثلا امتنع عليه أن يبيت عند إحداهن أزيد من ثلاث، فإذا بات عند إحداهن ثلاثا
امتنع عليه أن يبيت عندها إلا بعد أن يرجع إلى الأخرى ويبيت عندها ثلاثا. وهذا الحكم ما عمت البلوى بمخالفته.
ومعلوم أن الكلام عند عدم الرضا (قوله: إلا برضاهن) أي لا يجوز ذلك إلا برضاهن، فإنه حينئذ يجوز (قوله: وعليه) أي
على رضاهن. قوله ومشاهرة: أي شهرا شهرا. وقوله ومسانهة: أي سنة سنة. وفي المغني ما نصه: وقيل في قول أو وجه
يزاد على الثلاث إلى سبع، وقيل ما لم يبلغ أربعة أشهر مدة تربص المولى. اه‍. (قوله: والأصح الخ) كان المناسب أن
يقدم هذا على قوله وله دخول في ليل الخ، كما صنع في المنهاج والمنهج، ويزيد قبله ما ذكره في المنهاج قبله وهو وله أن
يرتب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها ثم يقول والأصل الخ. وقوله فيه: أي في القسم. وقوله لمن عمله نهارا: أي
لمن كان عمله في النهار. وقوله الليل خبر الأصل: أي الأصل لمن ذكر الليل، وذلك لأنه وقت السكون قال تعالى: * (هو
الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * (1) فإن كان عمله ليلا وسكونه نهارا كان الامر بالعكس: قال م ر: فإن كان يعمل تارة
ليلا وتارة نهارا لم يجز نهاره عن ليله، ولا عكسه: أي والأصل في حقه وقت السكون لتفاوت الغرض. ولو كان يعمل
بعض الليل وبعض النهار فالأوجه أن محل السكون هو الأصل والعمل هو التبع وأنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر، وأنه لو
كان عمله في بيته كخياطة وكتابة فظاهر تمثيلهم بالحارس. والاتوني، بفتح الهمزة وضم الفوقية، أي وقاد الحمام عدم
الاعتبار بهذا العمل فيكون الليل في حقه هو الأصل: إذ القصد الانس، وهو حاصل. ومحل ما تقرر في الحاضر. أما
المسافر فعماده وقت نزوله ما لم تكن خلوته في سيره فهو العماد، كما بحثه الأذرعي، وعماده في المجنون وقت أفاقته أي
وقت كان. اه‍. (قوله: والنهار) مبتدأ خبره تبع. وقوله قبله: حال من النهار: أي حال كونه واقعا قبل الليل. وقوله أو
بعده: أي أو واقعا بعده (قوله: وهو أولى) أي كون النهار بعده أولى من كونه قبله (قوله: ولحرة ليلتان الخ) يعني إذا كان
تحته حرة وأمه بأن تزوج أمة أولا بالشروط السابقة ثم أيسر وتزوج حرة وجب عليه القسم بينهما ويكون للحرة ليلتان وللأمة
التي تستحق النفقة وهي المسلمة له ليلا ونهارا ليلة لا غير، ولا يجوز أن يجعل للأولى ثلاثا وللثانية ليلة ونصفا، أو
للأولى أربعا وللثانية ليلتين لما تقدم من امتناع الزيادة على ثلاث وامتناع التبعيض. وهذه المسألة مستثناة من مقدر وهو لا
يفضل بعض نسائه في قدر نوبة، لكن لحرة ليلتان ولامة ليلة: كذا في المنهاج وعبارته: والصحيح وجوب قرعة للابتداء،
وقيل يتخير ولا يفضل في قدر نوبة لكن لحرة مثلا أمة. اه‍. ولو صنع المؤلف مثل صنيعه بأن يقدم، قوله بعد، ويبدأ
وجوبا في القسم بقرعة ويزيد ما زاده بعده لكان أولى (قوله: ويبدأ وجوبا في القسم بقرعة) أي فيما إذا لم يرضين في
الابتداء بواحدة بلا قرعة تحررا عن الترجيح بلا مرجح وبعد تمام نوبة الأولى التي بدأ بها بالقرعة يقرع بين الباقيات، فإذا
تمت النوب راعى الترتيب فلا يحتاج إلى إعادة القرعة. ولو بدأ بواحدة بلا قرعة فقد ظلم ويقرع بين الثلاث، فإذا تمت



(1) سورة يونس، الآية: 67.
425
النوب أعاد القرعة للجميع (قوله: ولجديدة الخ) في قوة الاستثناء من قوله يجب القسم بين الزوجات، فكأنه قال إلا إذا
تزوج جديدة الخ (قوله: وفي عصمته الخ) الجملة حالية من فاعل نكحها: أي نكحها والحال أن في عصمته زوجة واحدة
أو أكثر (قوله: بكر) بالجر بدل من جديدة. والمراد بها من لم تزل بكارتها بوطئ في قبلها، فشملت الموطوءة الغوراء
والمخلوقة بلا بكارة والزائلة بكارتها بلا وطئ (قوله: سبع) مبتدأ مؤخر عن خبره، وهو الجار والمجرور، والحكمة في
ذلك زوال الحشمة بينهما. ولهذا سوى بين الحرة والأمة لان ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرق والحرية، وإنما زيد للبكر
لان حياءها أكثر. والحكمة في تخصيص السبع والثلاث: أن الثلاث مغتفرة في الشرع، والسبع عدد أيام الدنيا. وما زاد
عليها تكرار (قوله: من الأيام) أي مع لياليها (قوله: يقيمها) أي السبع. وقوله عندها: أي البكر (قوله: متوالية) منصوب
على الحال من مفعول يقيم البارز أو مرفوع صفة سبع. فلو فرق بينها لم يحسب لان الحشمة لا تزول بالمفرق
، ويجب
لها سبع أو ثلاث ثم يقضي ما للباقيات من نوبتها ما بات عندها مفرقا. ومثله يقال في الثلاث إذا فرقها (قوله: ولجديدة
ثيب) وهي التي زالت بكارتها بالوطئ ولو حراما أو وطئ شبهة أو قرد. وقوله ثلاث: مبتدأ مؤخر عن خبره وهو الجار
والمجرور قبله. والحكمة في ذلك ما مر من زوال الحشمة بينهما. وقوله ولاء: حال من ثلاث (قوله: بلا قضاء) الجار
والمجرور متعلق بمحذوف صفة لكل من سبع ومن ثلاث. والمراد أن للبكر وللثيب ما ذكر من غيب أن يقضي للباقيات
الأيام التي باتها عندهما (قوله: ولو أمة) غاية لثبوت السبع للبكر والثلاث للثيب: أي يثبت ذلك لهما ولو كانتا أمتين.
وقوله فيهما: أي فيما إذا كانت بكرا وفيما إذا كانت ثيبا، ويتصور كونها جديدة فيما إذا كان الزوج عبدا أو حرا وكانت
الحرة التي تحته لا تصلح للاستمتاع كرتقاء (قوله: لقوله (ص) الخ) أي ولما في الصحيحين عن أنس: من السنة إذا
تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم (قوله: بلا قضاء)
أي للباقيات. وقوله وسبع بقضاء: أي يقضي لكل واحدة سبعا. اه‍. سم. وعبارة الارشاد وشرحه: فإن سبع لها بطلبها
قضى لكل من الباقيات سبعا لأنها لما طمعت في حق غيرها طمعا جائزا مكنت منه وبطل حقها، وإلا يسبع بطلبها بأن لم
تطلب أو طلبت دون السبع، فالزائد على الثلاث هو الذي يقضيه. اه‍. وقوله للاتباع: وهو أنه (ص): خير أم سلمة رضي
الله عنها حيث قال لها إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت أي بالقسم الأول بلا قضاء:
فاختارت التثليث (قوله: يجب عند الشيخين وإن أطال الأذرعي الخ) عبارة الروض وشرحه.
(فرع) لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الخروج للجماعات وسائر أعمال البر كعبارة المريض وتشييع الجنائز
مدة الزفاف إلا ليلا فيتخلف وجوبا تقديما للواجب. قال الأذرعي: وهذه طريقة شاذة لبعض العراقيين. وقضية نصوص
الشافعي وكلام القاضي والبغوي وغيرهما أن الليل كالنهار في استحباب الخروج لذلك. وممن صرح به من المراوزة
الجويني في تبصرته والغزالي في خلاصته. نعم: العادة جارية بزيادة الإقامة في مدة الزفاف على أيام القسم، فيراعي
ذلك. وأما ليالي القسم فتجب التسوية بينهن في الخروج لذلك وعدمه بأن يخرج في ليلة الجميع أو لا يخرج أصلا، فإن
خص ليلة بعضهن بالخروج إلى ذلك أثم. اه‍. (قوله: ليالي الخ) خرجت الأيام فلا يتخلف لها، بل يستحب الخروج،
كما علمت، وقوله مدة الزفاف: أي وهي السبع في البكر والثلاث في الثيب (قوله: عن نحو الخروج) متعلق بيتخلف.
وقوله للجماعة: متعلق بالخروج، أي يجب أن يتخلف عن الخروج لأجل الجماعة. والمراد جماعة المغرب والعشاء:
إذ هما اللذان يقعان ليلا، فليالي الزفاف معدودة من أعذار الجمعة. وعبارة التحفة، في باب الجماعة، ومن أعذارها

426
ليالي زفاف في المغرب والعشاء. اه‍. وقوله وتشييع الجنائز: معطوف على الجماعة (قوله: وأن يسوي الخ) معطوف
على أن يتخلف أي ويجب أن يسوي ليالي القسم (قوله: في الخروج لذلك) أي للمذكور من الجماعة وتشييع الجنائز
(قوله: ووعظ الخ) أي من غير هجر، وهو شروع في بيان القسم الثاني من الترجمة، وهو النشوز، والوعظ تذكير
العواقب: كأن يقول لها اتقي الله في الحق الواجب لي عليك واعلمي أن النشوز مسقط للنفقة والقسم. ويحسن أن يذكر
لها ما في الصحيحين من قوله (ص): إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وما في الترمذي
عن أم سلمة من قوله (ص): أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أيما
امرأة عبست في وجه زوجها جاءت يوم القيامة مسودة الوجه (قوله: لأجل خوف وقوع نشوز) أي ظنه بأن ظهرت
أمارات النشوز. ولا فرق في الامارة بين أن تكون فعلا: كإعراض وعبوس بعد لطف وطلاقة وجه، وخروج من منزله بلا
عذر، بخلاف ما إذا خرجت بعذر: كأن خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه أو إلى اكتسابها النفقة التي أعسر بها الزوج
أو للاستفتاء عن حكم شرعي إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها من غيره ونحو ذلك فلا يكون أمارة على النشوز،
وبين أن تكون قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، بخلاف ما إذا كان طبعها ذلك دائما فإنه لا يكون أمارة على
النشوز (قوله: كالاعراض الخ) تمثيل لمقدر، وهو ما صرحت به آنفا من قولي بأن ظهرت أمارات النشوز.
وعبارة المنهاج
مع التحفة: إذا ظهرت أمارات نشوزها كخشونة جواب بعدلين وتعبس بعد طلاقة وإعراض بعد إقبال. اه‍. وقوله بعد
الاقبال. وطلاقة الوجه: الأول راجع للأول، والثاني للثاني: أي الاعراض عن الزوج بعد الاقبال عليه، والعبوس بعد
طلاقه الوجه (قوله: والكلام الخشن) معطوف على الاعراض: أي وكالكلام الخشن بعد الكلام اللين (قوله: وهجر إن
شاء الخ) يعني إذا تحقق النشوز منها هجرها مع الوعظ وضربها. فقوله بعد بنشوز: متعلق بكل من هجر وضرب. والمراد
به النشوز بالفعل، وذلك لقوله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) * (1)
والخوف فيه بمعنى العلم: كما في قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * (2) أي علم. وقوله مضجعا، بكسر
الجيم وفتحها، الوطئ أو الفراش، وهو ظرف مكان متعلق بهجر، أو منصوب بإسقاط الخافض. ومفعول هجر محذوف:
أي هجرها في المضجع (قوله: لا في الكلام) معطوف على مضجعا: أي هجرها في المضجع ولا يهجرها في الكلام
(قوله: بل يكره الخ) أي بل يكره الهجر في الكلام إذا كان في ثلاثة أيام فأقل بدليل ما بعده (قوله: ويحرم الهجر به) أي
بالكلام أي عنه. وقوله ولو لغير الزوجة: أي ولو كان الهجر لغير الزوجة. وقوله فوق ثلاثة أيام: متعلق بيحرم (قوله:
للخبر الصحيح) دليل للحرمة، وهو: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة وفي سنن أبي داود: فمن هجر فوق
ثلاث دخل النار أي إن لم يعف الله تعالى عنه. وما أحسن ما قيل فيه:
يا سيدي عندك لي مظلمة فاستفت فيها ابن أبي خيثمة
فإنه يرويه عن جده ما قد روي الضحاك عن عكرمة
عن ابن عباس عن المصطفى نبينا المبعوث بالمرحمة
إن صدود الخل عن خله فوق ثلاث ربنا حرمه
وأنت مذ شهر لنا هاجر أما تخاف الله فينا فمه



(1) سورة النساء، الآية: 34.
(2) سورة البقرة، الآية: 182.
427
وقيل أيضا فيه:
يا هاجري فوق الثلاث بلا سبب خالفت قول نبينا أزكى العرب
هجر الفتى فوق الثلاث محرم ما لم يكن فيه لمولانا سبب
(قوله: نعم إن الخ) استثناء من حرمة الزيادة على الثلاث: أي محل حرمة الزيادة ما لم يقصد به ردها عن
المعصية
وإصلاح دينها لاحظ نفسه ولا الامرين معا، وإلا فلا حرمة لجواز الهجر لعذر شرعي: ككون المهجور نحو فاسق أو
مبتدع، وكصلاح دينه أو دين الهاجر. ومن ثم هجر رسول الله (ص) الثلاثة الذين خلفوا ونهى الصحابة عن كلامهم. وقوله
جاز. أي بل يندب، كما في التحفة (قوله: وضربها) معطوف على هجر. وقوله جوازا أي لا وجوبا بل الأولى له تركه،
وكان له الأولى أن يزيد لفظ جوازا بعد كل من قوله وعظ. وقوله هجر: إذ الكل جائز، لا واجب، ويمكن أن يقال يغني
عنه في الثاني قوله إن شاء (قوله: ضربا غير مبرح) خرج به المبرح، وهو كما في التحفة: ما يعظم ألمه بأن يخشي منه
محذور تيمم فيحرم وتقدم في أول الكتاب أن لفظ مبرح يضبط بضم الميم وفتح الباء وتشديد الراء المكسورة فلا تغفل.
وقوله ولا مدم: لا اسم بمعنى غير، وهي معطوفة على غير: أي غير مبرح وغير مدم. أي مخرج للدم (قوله: على غير
وجه ومقتل) متعلق بضربها، أما ضربها على الوجه وعلى المقتل، وهو المحل الذي يسرع الدم فيه إلى الموت، فلا
يجوز، وذلك لما رواه الطبراني والحاكم: حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا
يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت ولا يجوز أن يبلغ ضرب الحرة أربعين والأمة عشرين (قوله: إن أفاد
الضرب في ظنه) قيد في جواز الضرب. وخرج به ما إذا لم يفد فلا يجوز له لأنه عقوبة بلا فائدة (قوله: ولو بسوط وعصا)
غاية في الضرب: أي ضربها، ولو كان الضرب واقعا بسوط أو عصا (قوله: لكن نقل الروياني الخ) مؤيد لتفسير المبرح
المار (قوله: بنشوز) الباء سببية متعلقة بكل من هجر وضرب كما علمت (قوله: وإن لم يتكرر) أي النشوز، وهو غاية في
الضرب: أي يضربها مطلقا سواء تكرر النشوز منها أم لا (قوله: خلافا للمحرر) أي حيث قال لا يضربها إلا إن تكرر
النشوز منها. وعبارة المنهاج: ولا يضرب في الأظهر. قلت: الأظهر يضرب. والله أعلم. اه‍. (قوله: ويسقط بذلك)
أي بالنشوز القسم، وهذا قد علم من قوله فيما تقدم وغير ناشزة (قوله: ومنه) أي النشوز: وقوله امتناعهن أي امتناع
زوجاته. كلهن أو بعضهم من إجابته. وقوله إذا دعاهن إلى بيته الظرف: متعلق بامتناع. وعبارة المنهاج مع التحفة: فإن
لم ينفرد بمسكن وأراد القسم دار عليهن في بيوتهن توفية لحقهن، وإن انفرد بمسكن فالأفضل المضي إليهن صونا لهن
وله دعاؤهن لمسكنه وعليهن الإجابة لان ذلك حقه فمن امتنعت، أي وقد كان لائقا بها مسكنه فيما يظهر بها، فهي
ناشزة اه‍. (قوله: ولو لاشتغالها) غاية في كون الامتناع المذكور من النشوز: أي يكون منه ولو كانت مشتغلة بحاجتها،
وكان المناسب المطابق لما قبله أن يقول ولو لاشتغالهن بحاجتهن. وقوله لمخالفتها: علة لكون الامتناع المذكور من
النشوز: أي وإنما كان منه لمخالفتها لزوجها بالامتناع من الإجابة، وكان المناسب أيضا أن يقول لمخالفتهن (قوله: نعم
إن عذرت) أي عن الخروج لبيته، وهو استدراك على كون الامتناع المذكور منه. وقوله بنحو مرض: اندرج فيه المطر
والوحل. وعبارة المغني: ومن امتنعت منهن فهي ناشزة: أي حيث لا عذر فإن كان لعذر كمرض ونحوه عذرت وبقيت
على حقها. قاله الماوردي. وقال ابن كج: إن منعها مرض عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه. وجمع بينهما بحمل
الأول على المرض المعجوز معه عن الركوب، والثاني على غيره واستثنى الماوردي ما إذا كانت ذات قدر وخفر ولم تعتد
البروز فلا تلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها. قال الأذرعي: وهو حسن، وإن استغربه الروياني، وأما المطر

428
والوحل الشديدان ونحوهما فإن بعث لها مركوبا ووقاية من المطر فلا يجوز، وإلا فينبغي أن يكون عذرا. اه‍. (قوله: أو
كانت ذات قدر) معطوف على إن عذرت. وقوله وخفرا، بفتحتين، شدة الحياء. صحاح. وقوله لم تعتد البروز: الجملة
صفة لذات قدر وخفر (قوله: ويجوز له أن يؤدبها على شتمها له) أي يجوز للزوج أن يؤدبها إذا شتمته وليس له أن يرفعها
إلى القاضي لان ذلك يكثر بين الزوجين فيشق الرفع فيه إلى القاضي فخفف فيه. وجعل التأديب منه من غير رفع إلى
القاضي. وليس الشتم من النشوز. ومثله في ذلك مطلق الايذاء باللسان أو بغيره.
(تتمة) لو منع الزوج زوجته حقها، كقسم ونفقة، ألزمه القاضي توفيته إذا طلبته لعجزها عنه، فإن أساء خلقه وآذاها
بضرب أو غيره بلا سبب نهاه عن ذلك ولا يعزره، فإن عاد إليه وطلبت تعزيره من القاضي عزره بما يليق به لتعديه عليها،
وإنما لم يعزره في المرة الأولى وإن كان القياس جوازه إذا طلبته لان إساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزير عليها يورث
وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما، فإن عاد عزره وهن قال كل من الزوجين إن صاحبه متعد عليه
تعرف القاضي الحال الواقع بينهما بثقة بخبرهما ويكون الثقة جارا لهما، فإن عدم أسكنهما بجنب ثقة يتعرف حالهما ثم
ينهى إليه ما يعرفه. فإذا تبين للقاضي حالهما منع الظالم منهما من عوده لظلمه، فإن اشتد الشقاق بينهما بعث القاضي
حكما من أهله وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما والبعث واجب ومن أهلهما سنة وهما وكيلان لهما لا حكمان من جهة
الحاكم فيوكل هو حكمه بطلاق أو خلع وتوكل هي حكمها ببذل عوض وقبول طلاق به ويفرقان بينهما إن رأياه صوابا.
ويشترط فيهما إسلام وحرية وعدالة واهتداء إلى المقصود من بعثهما له. وإنما اشترط فيهما ذلك، مع أنهما وكيلان،
لتعلق وكالتهما بنظر الحاكم كما في أمينه. ويسن كونهما ذكرين، فإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما حتى
يجتمعا على شئ، فإن لم يرض الزوجان ببعث الحكمين ولم يتفقا على شئ أدب القاضي الظالم منهما واستوفى
للمظلوم حقه.
(فائدة) الخلق: بضم اللام وإسكانها، السجية والطبع، ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة. وقد روي: أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وروى أيضا أنه (ص) قال: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟
أحاسنكم أخلاقا، الموطأون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون ورأيت في حاشية المكودي ما نصه: روى الحسن عن
الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن: أن من أحسن الحسن الخلق الحسن وقال هكذا سمعناه من سيدي
عبد السلام بن الناصر. اه‍. ولله در القائل:
بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي
وانفع صديقك إن أردت صداقة وادفع عدوك بالتي فإذا الذي
ويشير بقوله وادفع الخ: إلى آية: * (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * (1) اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرفها إلا أنت آمين.
(قوله تتمة) أي في بيان ما يترتب على وجوب القسم. وذكرها هنا استطرادي، وإلا فسيأتي بذكر محصلها في
أول
باب الطلاق عند تعدد أحكامه (قوله: يعصي) أي الزوج. ومحل العصيان ما لم ترض بعدم القسم. وإلا فلا عصيان



(1) سورة فصلت، الآية: 34.
429
(قوله: من لم تستوف حقها) أي من القسم: بأن طلقها قبل تمام الدور. وقوله بعد حضور وقته: أي الحق بأن ابتدأ الدور
ببعض الزوجات فيجب عليه أن يتممه (قوله: وإن كان الطلاق رجعيا) غاية في العصيان (قوله: قال ابن الرفعة ما لم
يكن) أي الطلاق بسؤالها، فإن كان به فلا يعصي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الخلع
أي في بيان أحكامه. وهو نوع من الطلاق: وإنما قدمه عليه لترتبه على النشوز غالبا. والأصل فيه قبل الاجماع
قوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * (1) وخبر البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما أتت امرأة ثابت بن
قيس النبي (ص) فقالت يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعتب عليه، وفي رواية ما أنقم عليه، في خلق ولا دين، ولكني أكره
الكفر في الاسلام، أي كفران النعمة فقال تردين عليه حديقته؟ قالت نعم. قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة وفي
رواية: فردتها وأمره بفراقها وهو أول خلع في الاسلام: والمعنى فيه أنه لما جاز أن يملك الزوج الانتفاع بالبضع بعوض
جاز أن يزيل ذلك الملك بعوض، كالشراء والبيع، فالنكاح كالشراء، والخلع كالبيع. وأيضا فيه دفع الضرر عن المرأة
غالبا. وأركانه خمسة: ملتزم للعوض، وبضع، وعوض، وزوج، وصيغة: وشرط في الملتزم إطلاق تصرف مالي فلو
اختلعت أمة ولو مكاتبة بلا إذن سيدها بعين من ماله أو غيره بانت بمهر المثل في ذمتها لا بما عينته وتطالب به بعد العتق
واليسار. وإن اختلعت بإذنه فإن أطلق الاذن وجب مهر المثل في كسبها ومما في يدها من مال تجارة، وإن قدر لها دينا
في ذمتها تعلق المقدر بذلك أيضا، وإن عين لها عينا من ماله تعينت، ولو اختلعت محجورة بسفه طلقت رجعيا ولغا ذكر
المال، أو مريضة مرض موت صح ويحسب من الثلث ما زاد على مهر مثلها، فإن لم يسعه الثلث فسخ المسمى ورجع
لمهر المثل وشرط في البضع ملك الزوج له فيصح الخلع في الرجعية لأنها كالزوجة في كثير من الاحكام، لا في بائن،
وشرط في العوض كونه مقصودا معلوما راجعا لجهة الزوج مقدورا على تسلمه. وشرط في الزوج كونه ممن
يصح طلاقه
فيصح خلع عبد وسيفه ولو بلا إذن سيده ووليه ولا يصح خلع صبي ومجنون ومكره لعدم صحة طلاقهم. وشرط في
الصيغة ما مر فيها في البيع، لكن لا يضر هنا تخلل كلام يسير لكونه معاوضة غير محضة، وهي كل لفظ من ألفاظ الطلاق
صريحه وكنايته. وكلها تعلم من كلامه (قوله: بضم الخاء) هو حينئذ اسم مصدر لاختلع، ومصدر سماعي لخلع. وأما
المصدر القياسي فهو خلع بفتح الخاء كما قال ابن مالك:
فعل، قياس مصدر المعدي من ذي ثلاثة، كرد، ردا
(قوله: من الخلع بفتحها) أي الخلع، بضم الخاء، مشتق من الخلع، بفتحها، وإنما صح الاشتقاق منه لاختلاف
الهيئة، أي الحركات والسكنات، وقولهم المصدر المجرد لا يشتق من المجرد: محله إذا لم يختلفا في الهيئة قال في
جمع الجوامع: والاشتقاق رد لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى والحروف والأصول، ولا بد من تغيير: أي ولو في
الهيئة. اه‍. ش ق. بتصرف (قوله: وهو النزع) أي الخلع، بفتح الخاء، النزع، فيكون معنى الخلع، بضمها، لغة
النزع أيضا لأنه مأخوذ منه ومناسبته للمعنى الشرعي بينها بقوله لان كلا من الزوجين لباس للآخر: أي فكأنه بمفارقة الآخر
نزع لباسه (قوله: كما في الآية) أي وهي: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * (2) أي كاللباس. ووجه الشبه بين اللباس
والرجل والمرأة أن كلا منهما يلاصق صاحبه. ويشتمل عليه عند المعانقة والمضاجعة، كما يلاصق اللباس صاحبه،



(1) سورة البقرة، الآية: 229.
(2) سورة البقرة، الآية: 187.
430
ويشتمل عليه. وقيل كون كل منهما يستر صاحبه بالتزوج عما يكره من الفواحش، كما يستر الثوب العورة. فاللباس على
الأول حسي، وعلى الثاني معنوي (قوله: وأصله) أي الخلع. وقوله مكروه: أي لما فيه من قطع النكاح الذي هو مطلوب
الشارع. ولأنه نوع من الطلاق، وقد قال (ص): أبغض الحلال إلى الله الطلاق كما سيأتي (قوله: وقد يستحب) أي فيما
إذا كانت تسئ العشرة معه، قال تعالى: * (إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * (1) الآية (قوله: كالطلاق) الكاف للتنظير:
أي أن الخلع نظير الطلاق في كون الأصل فيه الكراهة، وقد يستحب وفيه أن الخلع نوع من الطلاق لا نظيره، كما تقدم،
إلا أن يقال أنه لما اختص بأحكام صار كأنه أجنبي منه، فلذلك نظره به (قوله: ويزيد الخ) أي أن الخلع يزيد على الطلاق
بندبه لمن الخ: وفيه أن الندب والاستحباب شئ واحد. وحينئذ فلا معنى للزيادة لان الطلاق يندب أيضا. فلو جعله
مثالا للاستحباب، كأن يقول بعد قوله وقد يستحب كما لو حلف الخ، لكان أولى. وعبارة ش ق: نعم لا يكره إذا خيف
عدم القيام بحقوق الزوجية أو قصد به التخلص من الطلاق الثلاث لمن حلف بذلك. اه‍. وهي ظاهرة (قوله: على شئ
لا بد له من فعله) أي على ترك شئ لا بد له من فعله كأكل وشرب وصلاة فرض: أي فيخالعها ليخلصه من الطلاق
الثلاث ثم يفعله.
(والحاصل) الخلع مخلص من الطلاق الثلاث في الحلف على النفي المطلق كقوله عليه الطلاق الثلاث لا أفعل
كذا، أو القيد كقوله عليه الطلاق الثلاث لا أفعل كذا في هذا الشهر، أو الاثبات المطلق كقوله عليه الطلاق الثلاث
لأفعلن كذا. وأما الاثبات المقيد كقوله عليه الطلاق الثلاث لأفعلن كذا في هذا الشهر ففيه خلاف: فعند م ر، وحجر أنه
لا يخلص مطلقا لما فيه من تفويت بر اليمين باختياره، وعند الزيادي تبعا للبلقيني أنه يخلص، وهو المعتمد: كما في
الباجوري، وعبارته: والمعتمد أنه يخلص فيه أيضا بشرط أن يخالع والباقي من الوقت زمن يسع فعل المحلوف عليه،
وإلا لم ينفعه قطعا. اه‍. وقوله بشرط أن يخالع الخ: ظاهر المغني عدم اشتراط هذا الشرط، وعبارته.
(تنبيه) ظاهر كلامهم حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيدا بمدة، وهو كذلك. وخالف في
ذلك بعض المتأخرين. قال السبكي: دخلت على ابن الرفعة فقال لي استفتيت فيمن حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن
يفعل كذا في هذا الشهر فخالع في الشهر فأفتيت بتخلصه من الحنث ثم ظهر لي أنه خطأ ووافقني البكري على التخلص
فبينت له أنه خطأ. قال السبكي ثم سألت الباجي ولم أذكر له كلام ابن الرفعة فوافقه، قال: ثم رأيت في الرافعي في آخر
الطلاق أنه لو قال إن لم تخرجي في هذه الليلة من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فخالع مع أجنبي من الليل وجدد النكاح ولم
تخرج لم يقع الطلاق لان الليل كله محل اليمين ولم يمض الليل وهي زوجة له حتى يقع الطلاق وأنه لو كان بين يديه
تفاحتان فقال لزوجته إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ولامته إن لم تأكلي هذه الأخرى اليوم فأنت حرة فاشتبهت
تفاحة الطلاق وتفاحة العتق، فذكر طريقين عن بعض الأصحاب في الخلاص ثم قال فلو خالع زوجته ذلك اليوم وباع
الأمة ثم جدد النكاح واشترى خلص. وظاهر هذين الفرعين مخالف لما قاله ابن الرفعة والباجي. اه‍. وهو كما قال.
فالمعتمد إطلاق كلام الأصحاب. اه‍. وفي حاشية الجمل ما نصه: وفي جميع صور الخلع لا بد أن يكون العقد على
مذهب الإمام الشافعي إذا عقدوا قبل انقضاء العدة وفعل المحلوف عليه. فإن عقدوا بالتوكيل، كما يقع الآن على مذهب
الحنفية، لم يصح، بل يلحق الطلاق في العصمة الثانية لان شرط صحة الخلع عند الحنفية الصبر إلى انقضاء العدة وفعل
المحلوف عليه ثم يجدد فليحذر مما يقع الآن من الخلع. اه‍. (قوله: قال شيخنا وفيه) أي ندبه لمن حلف الخ نظر
(قوله: لكثرة القائلين بعود الصفة) أي المحلوف عليها. وإذا عادت الصفة وقع الطلاق المعلق عليها، فإذا حلف



(1) سورة البقرة، الآية: 229.
431
بالطلاق الثلاث مثلا على أنه لا يدخل الدار ثم خالعها ودخل الدار وقع عليه الطلاق الثلاث ولم يتخلص بالخلع عنه.
وفي الرشيدي ما نصه: وقوله لكثرة القائلين الخ، أي فلما جرى الخلاف في أصل التخلص به انتفى وجه الاستحباب.
فتأمل. اه‍. (قوله: فالأوجه أنه) أي الخلع وقوله مباح لذلك: أي لمن حلف بالطلاق الخ (قوله: وفي شرحي المنهاج
والارشاد له) أي لشيخه (قوله: لو منعها نحو نفقه) أي ككسوة (قوله: لتختلع) أي بقصد أن تختلع (قوله: ففعلت) أي
خالعته على مال (قوله: بطل الخلع) أي لأنه حينئذ إكراه لها. اه‍. أسنى (قوله: ووقع) أي هذا الخلع الباطل. وقوله
رجعيا: أي طلاقا رجعيا ولو كان صحيحا لوقع بائنا. وهذا محل الفرق بين الباطل والصحيح. ويفرق أيضا بأنه إذا بطل
لا يستحق المال الذي دفعته له، بخلاف الصحيح. وفي النهاية: لكنه رأي مرجوح، والمعتمد أنه ليس بإكراه لأنه إذا
منعها حقها لم يكرهها على الخلع بخصوصه. اه‍. قال سم: أي ولان شرط الاكراه عجز المكره عن الدفع، وهذا
منتف: إذ يمكنها الدفع بالحاكم إلا أن يفرض ذلك عند عجزها عن دفعه بالحاكم. اه‍. (قوله: أولا بقصد ذلك
) أي أو
منعها نحو النفقة لا بقصد أن تختلع منه بمال: وقوله بائنا: أي لأنه ليس بإكراه. قال في التحفة: وكأن الفرق، أي بين
بطلان الخلع في الأولى دون الثانية، أنه لما اقترن المنع بقصد الخلع وكان يعسر تخليص مثل ذلك منه بالحاكم لمشقته
وتكرره نزل منزلة الاكراه بالنسبة لالتزام المال، بخلاف ما إذا لم يقصد ذلك فإنه ينجع فيه القاضي وغيره غالبا فلم يلحقوه
بالاكراه لذلك. هذا غاية ما يوجه به ذلك. اه‍. (قوله: وعليه يحمل) أي على عدم القصد المذكور يحمل ما نقله
الشيخان عن الشيخ أبي حامد أنه يصح، ومراد المؤلف بهذا دفع التنافي الحاصل في كلام الشيخ أبي حامد حيث أن
جمعا نقلوا عنه البطلان والشيخين نقلا عنه الصحة. وحاصل الدفع أن الأول محمول على ما إذا كان بقصد، والثاني على
ما إذا لم يكن بقصد (قوله: ويأثم بفعله) أي بمنعه نحو النفقة. وقوله في الحالين: أي حالة قصده بمنع نحو النفقة أنها
تختلع وحالة عدم قصده ذلك (قوله: وإن تحقق زناها) غاية في الاثم، وفيه أنه في الباب السابق نقل عن شيخه حل ذلك
له باطنا معاقبة لها لتلطيخ فراشه، ومفاده عدم الاثم (قوله: لكن لا يكره الخلع حينئذ) أي حين إذ تحقق زناها، فهو
استدراك من الغاية مع المغيا (قوله: الخلع شرعا) أي وأما لغة فقد تقدم أنه النزع (قوله: فرقة بعوض) أي صحيحا كان،
وهو ما يصح وقوعه صداقا، أو فاسدا، كميتة وخمرا، لكن يقع الخلع فيه بمهر المثل. وخرج به الفرقة بلا عوض فلا
تكون خلعا بل طلاقا رجعيا. وقوله مقصود صفة لعوض. وخرج به غير المقصود كدم وحشرات فلا تكون الفرقة خلعا،
وإنما تكون رجعيا ولا مال لأنه طلق غير طامع في شئ. وأسقط قيد معلوم لصحته بالمجهول، لكن بمهر المثل: كما لو
خالعها على ثوب غير معين. وزاده بعضهم لأجل لزوج المسمى (قوله: كميتة) تمثيل للعوض المقصود إن كان فاسدا،
كما علمت، (قوله: من زوجة أو غيرها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لعوض: أي عوض صادر من
الزوجة أو من غيرها (قوله: راجع لزوج) صفة ثالثة لعوض أيضا. وقوله أو سيده: أي الزوج. وخرج به ما لو رجع
العوض لا للزوج أو السيد، كما لو علق طلاقها على براءتها مما لها على أجنبي: فإن أبرأته براءة صحيحة بأن كانت بالغة
عاقلة رشيدة عالمة بالقدر المبرأ منه وقع الطلاق رجعيا، ودخل في قوله راجع الخ ما لو خالعها على ما ثبت لها عليه من
قصاص وغيره. أما في القصاص فتبين به، وأما غيره، كحد القذف والتعزير، فتبين بمهر المثل (قوله: بلفظ طلاق الخ)
الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لفرقة: أي فرقة واقعة بلفظ طلاق. أي بلفظ محصل له صريح أو كناية سواء كان
من مادة الطلاق أو غيره. وعليه يكون قوله بعد، أو خلع أو مفاداة من ذكر الخاص بعد العام.

432
(واعلم) أن ما كان صريحا في الطلاق يكون صريحا هنا، وما كان كناية هناك يكون كناية هنا. ومنها فسخ وبيع:
كأن يقول فسخت نكاحك بألف وبعتك نفسك بألف فتقبل فيحتاج في وقوعه إلى النية. ومن الصريح مشتق مفاداة لورود
القرآن به: قال تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * (1) ومشتق خلع لشيوعه عرفا واستعمالا في الطلاق (قوله: ولو
كان الخ) غاية لكون الخلع الشرعي بالفرقة المذكورة: أي هو في الشرع ما ذكر، ولو كان الخلع في زوجة رجعية (قوله:
لأنها) أي الرجعية. وقوله في كثير من الاحكام: أي كلحوق الطلاق واللعان والميراث. ونظم بعضهم جميع الأحكام
التي تثبت للرجعية في بيت مفرد فقال:
طلاق وإيلاء ظهار وراثة لعان لحقن الكل من هي رجعة
أي ذات رجعة (قوله: فلو جرى الخلع الخ) لا يحسن تفريعه على ما قبله، بل هو مفرع على محذوف يعلم من
عبارة غيره وهو لفظ الخلع صريح. وفي قول كناية: فعلى الأول لو جرى بغير ذكر مال وجب مهر مثل في الأصح. قال في
التحفة: لاطراد العرف بجريانه بمال فرجع عند الاطلاق لمهر المثل لأنه المراد كالخلع بمجهول. وقضيته وقوع الطلاق
جزما، وإنما الخلاف هل يجب عوض أو لا؟ وانتصر له جمع محققون وقالوا أنه طريقة الأكثرين. والذي في الروضة أنه
عند عدم ذكر المال كناية. اه‍. وقوله عند عدم ذكر المال: أي وعدم نيته كما في النهاية ونصها: والأوجه لو جرى معها،
وصرح بالعوض أو نواه وقبلت بانت أو عري عن ذلك، أي ذكر المال، ونيته ونوى الطلاق وأضمر التماس جوابها وقبلت
وقع بائنا. فإن لم يضمر جوابها ونوي وقع رجعيا وإلا فلا. اه‍. ونقل سم العبارة المذكورة وكتب عليها ما نصه: وقوله
والأوجه الخ، ينبغي جريان هذا التفصيل مع الأجنبي وبحثت به مع م ر فوافق. اه‍. وقوله بانت: أي بما ذكره أو
نواه. اه‍. ع ش. وفي البجيرمي ما نصه: وعبارة الزيادي والمعتمد ما في الروضة من أن شرط صراحته ذكر المال، ومثل
ذكره نيته، أي المال، فإن ذكر مالا وجب وإن نواه وجب مهر المثل ولا بد من القبول في هاتين الحالتين سواء أضمن
الالتماس أم لا، وإن لم تذكر مالا ولا نواه كان كناية في الطلاق. فإن نوى به الطلاق نظر: فإن أضمر التماس قبولها
وقبلت وكانت أهلا للالتزام وقع بائنا بمهر المثل، وإن لم يضمر وقع رجعيا، وكذا إن لم تقبل، فإن لم ينويا الطلاق لم
يقع شئ. اه‍. بزيادة. وقوله بلا ذكر عوض: أي ولا نيته، فإن نواه فإن وافقته عليه وجب ووقع الطلاق بائنا، وإن لم
توافقه عليه وقع بائنا بمهر المثل. وقوله معها: أي الزوجة، والظرف متعلق بجري. وقوله بنية التماس قبول منها: متعلق
بجري أيضا. وخرج به ما لو لم ينو التماس قبولها فإن كان قد نوى الطلاق وقع رجعيا، وإلا فلا يقع شئ، كما يعلم مما
تقدم آنفا، (قوله: كأن قال خالعتك الخ) تمثيل للخلع الجاري بلا ذكر عوض. وقوله ونوى التماس قبولها: قد علمت
مفهومه: وقوله فقبلت: خرج به ما لو لم تقبل فإنه لا يقع شئ أصلا. كذا في سم ومثله في الجمل ونص عبارته: قوله
فقبلت لم يذكر الشارح محترز هذا القيد، ومحترزة أنها إذا لم تقبل في هذه الحالة لا يقع طلاق أصلا، كما علم من كلامه
سابقا عند قول المتن طلقت رجعيا، قال الشارح: ولو خالعها فلم تقبل لم يقع طلاق. اه‍. (قوله: فمهر مثل يجب
عليها) أي مع وقوع الطلاق بائنا (قوله: لاطراد الخ) علة لوجوب مهر المثل، وفيه أن هذه العلة إنما تنتج وجوب مطلق
العوض، لا خصوص مهر المثل، ولو زاد بعد قوله بجريان ذلك بعوض ما ذكره شيخه بعده في عبارته المار نقلها لكان
أولى، لأنه هو الذي ينتج ذلك. وقوله بجريان ذلك: أي الخلع: أي لفظه (قوله: فإن جرى) أي الخلع بلا ذكر عوض.
وقوله مع أجنبي: هذا محترز قوله معها وصورة جريانه مع أجنبي أن يقول الزوج للأجنبي خالعت امرأتي
فيقبل ذلك
الأجنبي الخلع فإنها تطلق مجانا. وقوله طلقت: أي طلاقا بائنا إن نوى الزوج الطلاق وأضمر التماس جواب الأجنبي،



(1) سورة البقرة، الآية: 229.
433
ورجعيا إن لم يضمر ذلك كما سيأتي وقوله مجانا: أي بلا عوض (قوله: كما لو كان معه) أي كما لو جرى الخلع من
أجنبي والعوض فاسد: أي فإنها تطلق مجانا، وذلك كأن خالع على خمر لكن مع التصريح به كأن قال خالعتك على هذا
الخمر، وإلا وقع بائنا بمهر المثل. قال في التحفة بعده.
(فإن قلت) ظاهر هذا أنه لا يحتاج هنا أي فيما إذا جرى مع الأجنبي إلى نية الطلاق به حينئذ فيشكل بما مر أنه
كناية: إذ لا فرق في ذلك بينها وبين الأجنبي.
(قلت) يمكن الفرق لأنه معها محل الطمع في المال، فعدم ذكره قرينة تقرب إلغاءه من أصله ما لم يصرفه عن ذلك
بالنية، وأما معه فلا طمع فلم تقم قرينة على صرفه عن أصله من إفادته الطلاق. ويؤيد ذلك جعلهم له بنحو خمر مقتضيا
لمهر المثل معها، لا معه، وظاهر أن وكيلها مثلها. اه‍. وكتب سم ما نصه: قوله ظاهر هذا أنه لا يحتاج الخ حاصل
الفرق الذي ذكره أنه لا يحتاج إلى ذلك، وفيه نظر. والوجه الاحتياج. اه‍. وقد تقدم عن سم أيضا أن التفصيل الجاري
معها يجري أيضا مع الأجنبي فيقال حينئذ أنه إن صرح الزوج بالعوض أو نواه وقبل الأجنبي بانت به، أو عرى عن ذلك
ونوى الطلاق وأضمر التماس جوابه وقبل، بانت بمهر المثل. فإن لم يضمر ذلك ونوى الطلاق وقع رجعيا، وإلا فلا
(قوله: ولو أطلق) أي لم يذكر عوضا ولم ينفه وعبارة شرح المنهج ولو نفى العوض فقال لها خالعتك بلا عوض وقع
رجعيا، وإن قبلت ونوى التماس قبولها، وكذا لو أطلق فقال لها خالعتك ولم ينو التماس قبولها وإن قبلت. اه‍. وقوله ولم
ينو التماس قبولها: هذا محترز بنية التماس قبول منها. وقوله وإن قبلت: غاية لوقوع الطلاق رجعيا: أي يقع رجعيا
مطلقا، سواء قبلت أم لا، كذا في البجيرمي. وهذا ينافي ما كتبته عن سم والجمل على قوله السابق فقبلت من أنه إذا لم
تقبل لا يقع شئ أصلا، فإن جعلت إن زائدة والواو قبلها واو الحال فلا تنافي (قوله: وإذا بدأ الزوج الخ) شروع في بيان
أحكام تتعلق بصيغة الخلع. وقوله بصيغة معاوضة: أي بصيغة تدل على معاوضة منجزة، ويقابلها صيغة
التعليق، وهي
التي تدل على معاوضة معلقة، هذا ما ظهر في الفرق بينهما. ثم رأيت ما ينافيه في قوله الآتي فإذا بدأت الزوجة بطلب
طلاق حيث مثل له بصيغة الطلب وبصيغة التعليق وصرح بأنهما صيغة معاوضة إلا أن يقال أنه يفرق بين الصادر منه
والصادر منها، فإن الصادر منها يغلب فيه جانب المعاوضة وإن أتت بصيغة تعليق، فلذلك حكم على الصادر منها بأنه
معاوضة مطلقا، بخلاف الصادر منه (قوله: فمعاوضة) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهي صيغة معاوضة.
(فإن قلت) إن الجواب عين الشرط.
(قلت) إن قول الشارح بعدك وفيها شوب تعليق قيد في الجواب إذ هو حال منه، فاختلف الشرط والجواب بذلك
وعبارة الروض وشرحه: الخلع قسمان الأول أن يبدأ بطلاقها على عوض فهو عقد معاوضة الخ (قوله: لاخذه) أي الزوج،
وهو علة لكون الصيغة المذكورة يقال لها صيغة معاوضة: أي وإنما قيل لها ذلك لاخذ الزوج مقابل البضع الذي يستحقه.
وقوله المستحق له بصيغة: هو بصيغة اسم المفعول: أي البضع الذي استحق الزوج الانتفاع به (قوله: وفيها شوب
تعليق) الضمير يعود على معاوضة: أي أن هذه الصيغة صيغة معاوضة لكن ليست بمحضة بل فيها نوع تعليق. وهذا مبني
على الأصح من أن الخلع طلاق، أما على مقابله من أنه فسخ فهي معاوضة محضة (قوله: لتوقف الخ) علة لكونها فيها
شائبة تعليق: أي وإنما كان فيها ذلك لتوقف وقوع الطلاق بالصيغة المذكورة على قبولها. في البيجرمي ما نصه: قوله
لتوقف الخ، أي مع كونه يستقل بإيقاع الطلاق: أي له ذلك بخلاف البيع فإنه وإن توقف على القبول لا يقال فيه شوب
تعليق لذلك لان البائع ليس له الاستقلال به حتى يكون عدوله عن الاستقلال تعليقا على قبول الغير. اه‍. (قوله: فله)

434
أي الزوج، وهو تفريع على كونه صيغة معاوضة. وقوله رجوع: أي عن قوله. وقوله قبل قبولها: أي الزوجة (قوله: لان
هذا) أي جواز الرجوع قبل القبول. وقوله شأن المعاوضات: إن كان المراد بها ما يشمل المحضة والمشوبة بالتعليق أنتج
تعليله المدعي وهو جواز الرجوع له فيما إذا بدأ الزوج الخ، وإن كان المراد بها خصوص المحضة لم ينتج المدعي لان ما
هنا مشوب بالتعليق ولم يعلل بالعلة المذكورة في شرح المنهج، وإنما علل بقوله نظرا لجهة المعاوضة وهو أولى (قوله:
وشرط قبولها) أي الزوجة المختلعة، وهو مرتب على صيغة المعاوضة (قوله: أي في مجلس التواجب) أي في المجلس
الذي حصل فيه الايجاب، وهو بيان للفورية، وعبارة شرح الرملي: والمراد بالفور في هذا الباب مجلس التواجب السابق
بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل عرفا، وقيل ما لم يتفرقا بما مر في مجلس الخيار. اه‍. (قوله: بلفظ) متعلق بقبولها،
وهذا إن كانت ناطقة، أما في الخرساء، فتكفي إشارتها المفهمة (قوله: كقبلت) تمثيل للفظ. وقوله أو ضمنت: أي أو
اختلعت (قوله: أو بفعل) عطف على بلفظ: أي أو بإشارة وقصد الشارح التعميم في القبول: أي لا فرق فيه بين أن يكون
باللفظ أو يكون بالفعل والكتابة مع النية تقوم مقام اللفظ (قوله: كإعطائها الألف) تمثيل للقبول بالفعل (قوله: على ما قاله
جمع محققون) راجع للاكتفاء بالفعل. قال في النهاية: لكن ظاهر كلامهم يخالفه. اه‍. (قوله: فلو تخلل الخ) محترز
قوله فورا. وقوله بين لفظه: أي لفظ الزوج وهو الايجاب. وقوله وقبولها: أي باللفظ أو بالفعل. وقوله زمن:
فاعل تخلل. وعبارة غيره سكوت والمؤدي واحد. وقوله أو كلام: معطوف على زمن. والمراد به الكلام الأجنبي، كما
في البيع، وقوله طويل: صفة لكل من زمن وكلام. والمراد بالطول عرفا، كما سيصرح به فيما بعد، وخرج به اليسير
منهما عرفا فلا يضر. وفي المغني ما نصه:
(تنبيه) محل كون الكثير مضرا إذا صدر من المخاطب المطلوب منه الجواب، فإن صدر من المتكلم ففيه وجهان:
اقتضى إيراد الرافعي أن المشهور أنه لا يضر، ثم حكى عن البغوي التسوية بينهما، واعتمد هذا شيخي. اه‍. (قوله: لم
ينفذ) أي الخلع. أي لم يصح فلا يقع الطلاق (قوله: ولو قال طلقتك الخ) هذه المسألة مذكورة في التحفة في ضمن
مسائل مترتبة على شرط أسقطه المؤلف وهو التوافق بين الايجاب والقبول لا يحسن انفرادها عنهن. وعبارة التحفة مع
الأصل: ويشترط قبولها بلفظ غير منفصل بكلام أجنبي إن طال، وكذا السكوت، كما مر في البيع، ومن ثم اشترط توافق
الايجاب والقبول هنا أيضا. فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين وعكسه أو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت
واحدة بثلث الألف فلغو، كما في البيع، فلا طلاق ولا مال. ولو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بالألف فالأصح وقوع
الثلاث ووجوب الألف لأنهما لم يتخالفا هنا في المال المعتبر قبولها لأجله بل في الطلاق في مقابلته والزوج مستقل به
فوقع ما زاده عليها. اه‍. (قوله: فإذا بدأت الزوجة) مقابل قوله وإذا بدأ الزوج. وقوله بطلب طلاق: أي صريحا كالمثال
الأول أو ضمنا، كالمثال الثاني، وقوله فأجابها الزوج: أي فورا كما تفيده الفاء (قوله: فمعاوضة من جانبها) أي فصيغة
معاوضة كائنة من جانبها، وذلك لملكها البضع بعوض، وفيها شوب جعالة أيضا لان مقابل ما بذلته، وهو الطلاق، يستقل
به الزوج، كالعامل في الجعالة، (قوله: فلها رجوع الخ) تفريع على كونها معاوضة. وقوله قبل جوابه: أي الزوج (قوله:
لان ذلك) أي جواز الرجوع حكم المعاوضة: أي والجعالة (قوله: ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا) أي في مجلس
التواجب نظرا لجانب المعاوضة وإن أتت بصيغة تعليق ولو كان التعليق بمتى، وأما قولهم متى لا تقتضي الفورية: محله
إذا بدأ بها الزوج، لا الزوجة، ويفرق بأن جانبها تغلب فيه المعاوضة، بخلافه. اه‍. شرح الرملي (قوله: فإن لم يطلقها

435
الخ) تصريح بمفهوم ما قبله (قوله: كان تطليقه لها ابتداء للطلاق) قال في التحفة: ويقع رجعيا بلا عوض. وفارق
الجعالة بقدرته على العمل في المجلس، بخلاف عامل الجعالة غالبا، وبحث أنها لو صرحت بالتراخي لم يجب الفور
ولا يشترط توافق نظرا لشائبة الجعالة. فلو قالت طلقني بألف فطلق بخمسمائة وقع بها: كرد عبدي بألف فرده بأقل. اه‍.
وقوله وفارق الجعالة: أي حيث جوز له التأخير. اه‍. (قوله: قال الشيخ زكريا) أي في شرح الروض، وعبادته مع
الروض: ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا، وإلا كان تطليقه لها ابتداء للطلاق لأنه قادر عليه. والظاهر أنه لو ادعى أنه
جواب وكان جاهلا لقرب عهده بالاسلام أو نشئة ببادية بعيدة عن العلماء صدق بيمينه. اه‍. وقوله لو ادعى: أي الزوج
لأجل أخذ العوض. وقوله أنه: أي الطلاق الصادر منه مع التراخي. وقوله جواب: أي لسؤالها. وقوله
وكان جاهلا: أي
بوجوب الفورية. وقوله صدق بيمينه: أي وأخذ العوض (قوله: أو بدأ) أي الزوج. وقوله بصيغة تعليق: مقابل قوله بصيغة
معاوضة. وقوله في إثبات سيذكر محترزه (قوله: كمتى) أي أو متى ما (قوله: أو أي حين) أي أو وقت أو زمن. وقوله
أعطيتني، بكسر التاء، خطابا للزوجة (قوله: فتعليق) أي فصيغة تعليق، وفيها شوب معاوضة، لكن لا نظر لها هنا
لصراحة لفظ التعليق (قوله: إلا بعد تحقق الصفة) أي المعلق عليها، وهي الاعطاء في المثال (قوله: ولا رجوع له) أي
للزوج. وقوله عنه: أي التعليق. وقوله قبل الصفة: أي المعلق عليها وهي الاعطاء في المثال (قوله: كسائر التعليقات)
أي الخالية عن العوض فإنه لا رجوع فيها قبل ذلك (قوله: ولا يشترط فيه) أي التعليق قبول. قال في التحفة: أي لان
صيغته لا تقتضيه. وقوله لفظ: أي باللفظ وفيه أن القبول باللفظ ليس بشرط في صيغة المعاوضة أيضا، كما تقدم، وحينئذ
فيقال ما فائدة تخصيص التعليق بالتنبيه على ما ذكر مع أن مثله المعاوضة؟ فإما أن ينبه على ذلك فهيما، أو يترك التنبيه
فيهما (قوله: ولا إعطاء فورا) أي ولا يشترط إعطاء فورا. ومحله فيما إذا كانت أداة التعليق غير إن، وإذا، وإلا اشترطت
الفورية، كما سيصرح به، (قوله: بل يكفي الاعطاء) الاضراب انتقالي. وقوله ولو بعد أن تفرقا: أي الزوج والزوجة.
وقوله عن المجلس: أي مجلس التواجب (قوله: لدلالته الخ) علة لعدم اشتراط الفورية: أي وإنما لم تشترط الفورية في
التعليق لدلالته: أي دلالة أداته وهي متى أو أي حين على استغراق كل الأزمنة: أي شمول كل الأزمنة القريبة من وقت
التعليق والبعيدة منه (قوله: وإنما وجب الفور الخ) سؤال وارد على العلة المذكورة. وحاصل الجواب أن الغالب على
جانب الزوجة المعاوضة فغلبت على التعليق وهي تقتضي الفورية (قوله: فإن لم يطلقها فورا) مفهوم قوله وجب الفور في
قولها مني الخ. وقوله حمل: أي طلاقه لا على الفور. وقوله على الابتداء: أي ابتداء طلاق فيقع رجعيا ولا مال كما
تقدم. وقوله لقدرته: أي الزوج. وقوله عليه: أي الطلاق، أي إنشائه (قوله: أما إذا كان التعليق في النفي) محترز قوله في
إثبات. (وقوله كمتى لم تعطني ألفا) أي كقول الزوج لها متى لم تعطني ألفا فأنت طالق. ثم إن الموافق للقواعد إثبات ياء
المؤنثة المخاطبة بعد الطاء لان الجزم حذف نون الرفع والنون الموجودة للوقاية، والأصل تعطينني. وقوله فللفور: أي
فصيغة التعليق للفور (قوله: فتطلق الخ) مفرع على الفورية. وقوله يمكن فيه: أي في ذلك الزمن. وقوله الاعطاء: أي
إعطاؤه إياه ما شرطه عليها. وقوله فلم تعطه المناسب ولم تعطه بالواو بدل الفاء (قوله: وشرط فور) أي شرط القبول

436
بالفعل فورا. وقوله أي الاعطاء: تفسير مراد له وقوله في مجلس التواجب: قال في المغني: وهو ما يرتبط به الايجاب
بالقبول دون مجلس العقد. اه‍. وهذا ظاهر في الحاضرة، وأما الغائبة فالعبرة فيها بمجلس علمها (قوله: بأن لا يتخلل)
أي بين الايجاب والقبول، وهو تصوير للمراد من مجلس التواجب، وهذا ظاهر في الحاضرة. أما الغائبة فالعبرة فيها
بمجلس علمها (قوله: من حرة) من بمعنى في، وهي متعلقة بشرط: أي شرط فور في الحرة. أما الأمة فلا تشترط فيها
الفورية، وذلك لأنها لا تقدر على الاعطاء إلا من كسبها، وهو متعذر في المجلس غالبا (قوله: أو غائبة علمته) أي علمت
التعليق، وهذا لا يناسب قوله في مجلس التواجب: إذ الفورية في حق الغائبة أن تقبل عقب علمها، كما علمت، لا في
مجلس التواجب، فكان المناسب أن يزيد بعد قوله في مجلس التواجب أو عقب علم الغائبة. وصورة الخلع في حق
الغائبة أن يقول الزوج إن أعطتني زوجتي فهي طالق (قوله: في إن أو إذا) أي أو نحوهما مما لا يقتضي التراخي: كلو
ولولا ولوما. وظاهر عبارته التسوية بين إن وإذا في اشتراط الفورية في الاثبات أو النفي، وليس كذلك، بل التسوية بينهما
في الاثبات فقط. أما النفي فإذا للفور، بخلاف إن (قوله: لأنه مقتضى الخ) تعليل لاشتراط الفورية فيما إذا كانت أداة
التعليق إن أو إذا: أي أو نحوهما: أي وإنما اشترطت الفورية في ذلك لان الفور هو مقتضى اللفظ: أي لفظ الأداة
المذكورة المصحوب بذكر العوض. وعبارة التحفة: لان ذكر العوض قرينة تقتضي التعجيل: إذ الأعواض تستعجل في
المعاوضات وتركت هذه القضية في نحو متى لصراحتها في التأخير، كما مر اه‍. (قوله: وخولف) أي هذا
الاقتضاء
(قوله: في نحو متى) أي كقوله أي وقت أعطيتيني كذا فأنت طالق أو متى ما أعطيتيني الخ (قوله: لصراحتها) أي نحو
متى. ونحو وإن كان مذكرا إلا أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه. وقوله في جواز التأخير: أي مع كون المغلب في
جهة الزوج معنى التعليق، فلا يشكل بما مر من أنها لو قالت له متى طلقتني حيث يعتبر فيه الفور لان المغلب فيه من جهة
الزوجة معنى المعاوضة كما تقدم (قوله: لكن لا رجوع له الخ) مرتبط بقوله وشرط فور في إن أو إذا الخ، فهو استدراك
منه. وأتى به لاثبات ما يتوهم نفيه، وذلك لأنه لما خالفت إن أو إذا متى في اشتراط الفورية فيهما دونها ربما يتوهم أنهما
ليسا مثلها أيضا في عدم جواز الرجوع قبل تحقق الصفة وفي عدم اشتراط القبول لفظا والحال أنهما مثلها في ذلك
لكونهما للتعليق كمتى. وقوله له: أي للزوج وقوله عنه أي التعليق وقوله قبله: أي قبل تحقق الصفة المعلق عليها، وهي
الاعطاء في المثال (قوله: تنبيه) أي في بيان الابراء (قوله: الابراء فيما ذكر) أي في اشتراط الفور إن كان التعليق بأن أو
إذا، وعدم اشتراطه إن كان التعليق بمتى أو أي حين في الاثبات (قوله: ففي الخ) تفريع على كونه كالاعطاء. وقوله إن
أبرأتني: هو بسكون التاء في الغائبة، وبكسرها في الحاضرة، لكن قوله بعد عقب علمها يدل للأول لأنها إذا كانت
حاضرة يكون إبراؤها في مجلس التواجب (قوله: لا بد من إبرائها) أي لا بد في وقوع الطلاق من إبرائها براءة صحيحة
بأن استوفت الشروط الآتية (قوله: عقب علمها) أي بصيغة التعليق (قوله: وإلا لم يقع) أي وإن لم تبرئه فورا أو كان فورا
لكن البراءة غير صحيحة لم يقع الطلاق المعلق على البراءة المذكورة (قوله: وإفتاء بعضهم) مبتدأ خبره بعيد. وقوله
بأنه: أي الطلاق المرتب على الابراء. وقوله يقع في الغائبة مطلقا: أي سواء أبرأته عقب علمها أم لا (قوله: لأنه الخ)
تعليل للوقوع مطلقا. وقوله لم يخاطبها بالعوض: أي المقتضي للتعجيل فغلب فيها التعليق، وهو لا يشترط فيه الفور
(قوله: بعيد مخالف لكلامهم) قال في التحفة بعده: ومن ثم قال في الخادم في فلانة طالق على ألف إن شاءت قياس
الباب اعتبار الفورية هنا لوجود المعاوضة: أي فكذا الابراء فيه معاوضة هنا، وزعم أنه، أي الابراء، إسقاط فلا تتحقق فيه
العوضية ليس بشئ، كما هو واضح (قوله: ولو قال) أي الزوج لأجنبي. وقوله إن أبرأتني: هو بسكون التاء. وقوله

437
فأنت، بفتح التاء، لخطاب المذكر. وقوله فأبرأته، أي الزوجة، أي عقب علمها بصيغة التعليق (قوله: برئ) أي الزوج
وهو جواب لو (قوله: ثم الوكيل الخ) أي ثم بعد البراءة. وقوله مخير: أي بين الطلاق وعدمه (قوله: فإن طلق) أي
الوكيل. وقوله وقع رجعيا: أي لا بائنا، وإنما صح طلاقه رجعيا، مع بطلان وكالته بتعليقه، عملا بعموم الاذن بعد وجود
الشرط، والتعليق إنما يبطلها بخصوصها (قوله: لان الابراء الخ) علة لوقوعه رجعيا: أي وإنما وقع رجعيا لان الابراء وقع
في مقابلة التوكيل. لا في مقابلة الطلاق. ولو وقع في مقابلة الطلاق: كأن قال إن أبرأتني فأنت طالق لوقع بائنا، كما
سيأتي (قوله: ومن علق طلاق زوجته الخ) أي كأن قال لها إن أبرأتني عن صداقك فأنت طالق. وقوله لم يقع: أي
الطلاق. وقوله عليه: أي الزوج (قوله: إلا إن وجدت براءة صحيحة) أي مستوفية للشروط الآتية (قوله: من جميعه) أي
الصداق (قوله: فيقع بائنا) تصريح بالمفهوم: أي فإذا أبرأته من جميعه يقع بائنا (قوله: بأن تكون رشيدة الخ) تصوير
للبراءة الصحيحة من جميعه. وخرج بها غيره فلا تصح براءتها (قوله: وكل منهما) أي من الزوجين. وقوله يعلم قدره: أي
الصداق. وخرج به ما إذا جهل كل منهما أو أحدهما قدره فلا تصح البراءة (قوله: ولم تتعلق به) أي بالصداق زكاة،
فإن تعلقت به لم يقع الطلاق المعلق على البراءة من الصداق المذكور لان المستحقين ملكوا بعضه فلم يبرأ من كله
(قوله: خلافا الخ) مرتبط بالقيد الأخير. وقوله الريمي: هو شارح التنبيه المسمى بالتفقيه (قوله: أنه الخ) أي من أنه
فالمصدر المؤول مجرور بمن مقدرة واقعة بيانا لما أطال الخ. وقوله لا فرق: أي في وقوع الطلاق المعلق على البراءة من
الصداق. وقوله بين تعلقها: أي الزكاة. وقوله به: أي الصداق. وقوله وعدمه: أي عدم تعلق الزكاة به (قوله: وإن نقله)
أي نقل عدم الفرق عن المحققين: أي فلا عبرة به. وعبارة التحفة: وإن نقله عن المحققين، ونقله غيره عن أطباق
العلماء من المتأخرين، وذلك لبطلان هذين النقلين، ولان الابراء لا يصح من قدرها وقد علق بالابراء من جميعه فلم
توجد الصفة المعلق عليها. وزعم أن الظاهر أنه إنما يقصد براءته مما تستحقه هي ليس في محله، بل الظاهر أنه يقصد
براءة ذمته من جميع ما فيها: إذ لو علم أن مستحقي الزكاة يتعلقون به بعد الطلاق لم يوقعه، وكثيرون يغفلون النظر لهذا
فيقعون في مفاسد لا تحصى (قوله: وذلك الخ) أي عدم وقوع الطلاق المعلق على البراءة من الصداق إذا تعلقت به
الزكاة حاصل لان الابراء من قدر الزكاة غير صحيح: إذ هو ملك للمتسحقين فلم يبرأ من كله المعلق عليه الطلاق (قوله:
وقيل يقع بائنا بمهر المثل) هذا قول ثالث فيما إذا تعلق بالصداق زكاة من ثلاثة أقوال فيه: وهي أنه لا يقع مطلقا، وهو
المعتمد، ويقع بما حصل الابراء منه وهو الصداق، ويقع بائنا بمهر المثل. وعبارة التحفة: فإن تعلقت به زكاة فلا طلاق
لان المستحقين ملكوا بعضه فلم يبرأ من كله. وتنظير شارح فيه وجزم جمع بوقوعه بائنا بمهر المثل ليس في محله. اه‍.
(قوله: ولو أبرأته) أي من الصداق (قوله: ثم ادعت الجهل) أي لئلا تصح البراءة فلا يقع الطلاق المرتب على صحتها.
وقوله بقدره: أي الصداق (قوله: فإن الخ) جواب لو: أي ففي ذلك تفصيل، فإن زوجت حال كونها صغيرة صدقت
بيمينها فلا تصح البراءة ولا يقع الطلاق (قوله: أو بالغة) أي أو زوجت حال كونها بالغة (قوله: ودل الحال) المراد به
القرينة. وقوله على جهلها به: أي بقدره. وقوله لكونها الخ: علة لدلالة الحال عليه. وقوله فكذلك: أي تصدق بيمينها
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يدل الحال على جهلها به صدق الزوج بيمينه فيبرأ ويقع الطلاق بائنا (قوله: برئ مطلقا)

438
أي ولو لم يقع الطلاق بأن لم يعش إلى مضي الشهر. وقوله ثم إن عاش: أي الزوج. وقوله طلقت: أي طلاقا بائنا لأنه
في مقابلة الابراء، وهو كالاعطاء (قوله: وإلا) أي بأن لم يعش إلى مضي الشهر بأن مات قبل ذلك. وقوله فلا: أي فلا
تطلق. والفرق بين البراءة، حيث وقعت مطلقا، وبين الطلاق، حيث لا يقع إلا بعد مضي الشهر، أن الطلاق مؤقت بوقت
والمؤقت لا يقع إلا بعد مضي وقته، كما يعلم مما يأتي في التعاليق بالأوقات، بخلاف البراءة فهي لم تؤقت
بوقت (قوله:
وفي الأنوار في أبرأتك) أي فيما لو قالت لزوجها أبرأتك من مهري الخ (قوله: فطلق) أي الزوج (قوله: وقع) أي الطلاق
بائنا بمهر المثل على المعتمد. وقوله ولا يبرأ. أي لفساد البراءة بالتعليق الضمني (قوله: لكن الذي الخ) استدراك مما
تضمنه كلام الأنوار من أنه يقع الطلاق ولا يبرأ (قوله: بخلاف إن طلقت ضرتي الخ) من جملة ما في الكافي. قال في
التحفة: ففرق بين الشرط التعليقي، أي وهو المثال المذكور، والشرط الالتزامي، أي وهو المثال الذي قبله. اه‍. وقوله
وقع الطلاق: أي وقع بائنا بمهر المثل على المعتمد. وقوله ولا براءة: أي لفسادها بالتعليق (قوله: قال شيخنا الخ)
عبارته. والذي يتجه ما في الأنوار لان الشرط المذكور متضمن للتعليق أيضا فلتأت فيه الآراء المشهورة في إن طلقتني
فأنت برئ من مهري فطلق يقع رجعيا. قال الأسنوي: وهو المشهور في المذهب يقع بائنا بمهر المثل، ونقلاه عن
القاضي، واعتمده جمع محققون يقع بائنا بالبراءة: كطلقني بالبراءة من مهري، وهو ضعيف جدا الخ. اه‍. وفي ترغيب
المشتاق في أحكام الطلاق ما نصه: لو قالت إن طلقتني فأنت برئ من صداقي فطلقها فسدت البراءة ووقع الطلاق
رجعيا لان صدور الطلاق طمعا في البراءة من غير لفظ صريح في الالتزام لا يوجب عوضا. كذا قاله الشيخان أوائل الباب
الرابع من الخلع ثم بحثا في وقوعه بائنا بمهر المثل حالا لأنه طلق طمعا في العوض ورغبت هي في الطلاق فيكون عوضا
فاسدا كالخمر، ثم نقلا في آخر الباب الخامس من الخلع في الفروع المشهورة عن فتاوي القاضي في عين المسألة ما
يوافق بحثهما، واعتمد شيخنا البرلسي الأول وبين أنه حقيق بالاعتماد، واعتمد الرملي أنه إن ظن البراءة وقع الطلاق
بائنا، أي إن صحت، وإلا فرجعيا. ولو قالت أبرأتك من مهري على الطلاق فطلق بانت وكذا لو قال قبلت الابراء لان
قبوله التزام للطلاق بالابراء ذكره الخوارزمي في الكافي. قال في العباب وفي هذا نظر ويظهر إن بذلت صداقي على
طلاقي كأبرأتك على الطلاق. اه‍. (قوله: لان الشرط المذكور) أي وهو قولها بشرط أن تطلقني. وقوله متضمن
للتعليق: أي فهو بمنزلة قولها إن طلقتني فأنت برئ.
(والحاصل) المسألتان وهي قولها أبرأتك بشرط أن تطلقني وقولها إن طلقتني فأنت برئ متساويتان في الخلاف
المذكور على المعتمد (قوله: فروع) أي سبعة: الأول. قوله لو قال إن أبرأتني الخ، الثاني قوله ولو قالت طلقني الخ،
الثالث قوله أو قالت إن طلقتني الخ، الرابع قوله وأفتى أبو زرعة الخ، الخامس قوله ولو اختلع الخ، السادس قوله ولو قال
الأجنبي سل الخ، السابع قوله ولو قال طلق زوجتك الخ (قوله: لو قال) أي الزوج لزوجته. وقوله إن أبرأتني، بكسر
التاء، للمخاطبة. وقوله أطلقك مجزوم في جواب إن (قوله: فأبرأت) أي فورا. وقوله فطلق أي عقب براءتها له (قوله:
برئ) جواب لو. وقوله وطلقت: أي طلاقا رجعيا (قوله: ولم تكن مخالعة) لعل وجهه أن المضارع لا يدل على الالتزام
إنما هو للوعد، فإذا طلق يكون وفاء به فهو ابتداء طلاق وعليه فيكون رجعيا. ثم إن تكن يحتمل أن تكون تامة ومخالعة
بفتح اللام فاعل، ويحتملان تكون ناقصة واسمها يعود على الزوجة ومخالعة بكسر اللام خبرها (قوله: ولو قالت طلقني

439
وأنت برئ من مهري) أي من غير تعلق للبراءة (قوله: بانت به) أي يقع الطلاق بائنا بالمهر الذي أبرأته منه (قوله: أو
قالت إن طلقتني فقد أبرأتك) أي بتعلق البراءة (قوله: بانت بمهر المثل على المعتمد) عبارة النهاية فإن قالت هي له إن
طلقتني فأنت برئ من صداقي أو فقد أبرأتك منه فطلقها لم يبرأ منه. وهل يقع رجعيا أو بائنا؟ جرى ابن المقري على
الأول لان الابراء لا يعلق. وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ صريح في الالتزام لا يوجب عوضا. قال في
الروضة: ولا يبعد أن يقال طلق طمعا في شئ ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر فيقع بائنا بمهر
المثل: إذ لا فرق بين ذلك وبين قولها إن طلقتني فلك ألف، فإن كان ذلك تعليقا للابراء فهذا تعليق للتمليك، وهذا ما
جزم به ابن المقري أواخر الباب تبعا لنقل أصله له ثم عن فتاوى القاضي وقد نبه الأسنوي على ذلك ثم قال المشهور أنه
يقع رجعيا، وقد جزم به القاضي في تعليقه. وقال الزركشي تبعا للبلقيني: التحقيق المعتمد أنه إن علم الزوج عدم صحة
تعليق الابراء وقع الطلاق رجعيا، أو ظن صحته وقع بائنا بمهر المثل. وأفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى. اه‍
(قوله:
لفساد العوض) تعليل لبينونتها بمهر المثل: أي وإنما بانت بمهر المثل لفساد العوض والقاعدة أنه إذا فسد العوض ينتقل
لمهر المثل. وقوله بتعليق الابراء: الأنسب بتعليقه، بالضمير العائد على العوض - إذ المراد بالعوض الابراء من المهر
المعلق على الطلاق (قوله: وأفتى أبو زرعة الخ) تقدم للمؤلف ذكر ما يقرب من الفتوى المذكورة عند قوله وليس لولي
عفو عن مهر لموليته، ويحسن إعادته هنا ونصه: ووجدت من خط العلامة الطنبداوي أن الحيلة في براءة الزوج عن المهر
حيث كانت المرأة صغيرة أو مجنونة أو سفيهة أن يقول الولي مثلا طلق موليتي على خمسمائة درهم مثلا علي فيطلق ثم
يقول الزوج أحلت عليك موليتك بالصداق الذي لها علي فيقول الولي قبلت فبرأ الزوج حينئذ من الصداق. اه‍ (قوله:
والتزم به) أي بجميع الصداق. قال سم: أي حاجة للالتزام مع إرادة المثلية. اه‍ (قوله: فطلقها) أي الزوج على ما
التزمه له والدها وبالطلاق المذكور يستحق على والدها العوض، وهو نظير صداقها، وأما الصداق فهو باق في ذمته لها،
وحينئذ فيتأتى قوله بعد واحتمال من نفسه على نفسه. كذا في سم (قوله: واحتال) أي الأب والمحيل له هو الزوج، كما
سيصرح به، وقوله من نفسه: أي بما لبنته على الزوج وقوله على نفسه: أي بما على الأب للزوج، فتحصل أن الزوج هو
المحيل، والأب هو المحتال والمحال عليه. وقوله لها متعلق باحتال، والضمير يعود على البنت: أي أن احتياله لنفسه
بطريق النيابة عنها (قوله: وهي محجورته) أي والحال أن البنت محجورته بأن كانت صغيرة أو مجنونة (قوله: بأنه الخ)
متعلق بأفتى، والضمير يعود على الطلاق: أي أفتى بأن الطلاق المذكور خلع على نظير الصداق. وقوله في ذمة الأب:
حال من نظير: أي حال كون ذلك النظير كائنا في ذمة الأب. قال في التحفة بعده: بدليل الحوالة المذكورة. اه‍ (قوله:
نعم شرط صحة هذه الحوالة) أي التي حصلت من الزوج على الأب بما على الزوج للبنت (قوله: أن يحيله الزوج به)
أي أن يحيل الزوج الأب بنظير الصداق، وذلك بأن يقول له أحلتك على نفسك بالحق الذي لبنتك عندي فيقبل عن بنته.
وقوله إذ لا بد فيها: أي الحوالة، وهو علة لكون شرط صحة الحوالة ما ذكر. وقوله من إيجاب: أي صادر من المحيل.
وقوله وقبول أي من المحتال وهو هنا الأب بطريق النيابة عن محجورته، كما علمت (قوله: ومع ذلك) أي ومع وجود شرط
صحة الحوالة المذكورة وقوله لا تصح: أي الحوالة. وقوله إلا في نصف ذلك: أي نظير الصداق الذي للزوج في ذمة
الأب (قوله: لسقوط نصف صداقها عليه) أي الزوج، وهو علة لعدم صحتها إلا في النصف. وذلك لان شرط صحة
الحوالة اتحاد الدينين قدرا وأجلا وغير ذلك مما تقدم في بابها. وقوله ببينونتها متعلق بسقوط: أي لسقوط نصف الصداق
بسبب بينونتها. وقوله منه: أي الزوج، وهو متعلق ببينونتها (قوله: فيبقى الخ) تفريع على سقوط النصف على الزوج: أي

440
وإذا سقط النصف عن الزوج بسبب البينونة الحاصلة منه قبل الوطئ فيبقى للزوج في ذمة الأب نصف نظير الصداق.
وبيانه، كما يؤخذ من التعليل بعد، أنه لما طلق الزوجة سقط عنه نصف الصداق وبقي عليه للزوجة النصف الآخر تطالبه
به فالتزام الأب له على أنه إذا طلق بنته سلم له نظير الصداق كاملا فطلقها على ذلك فصار الزوج يستحق في ذمة الأب
نظير الصداق كاملا وهي تستحق في ذمة الزوج النصف فقط فأحالها على أبيها وقبل الحوالة فلا تصح الحوالة إلا إذا
كانت بالدين الذي لها عنده وهو النصف، فحينئذ تبرأ ذمة الزوج من جهتها فيما تستحقه وهو النصف ويبقى له عند الأب
نصف نظير الصداق (قوله: لأنه لما سأله) فاعل سأل يعود على الأب، ومفعوله الأول يعود على الزوج مفعوله الثاني
محذوف - وهو الطلاق - ويحتمل أن الضمير هو المفعول الثاني، والأول محذوف، ولفظ لما ساقط من عبارته التحفة،
وهو الأولى، لان الفاء لا تدخل في جواب لما، وهو علة لبقاء النصف للزوج بعد الحوالة في ذمة الأب: أي وإنما بقي
للزوج النصف على الأب لأنه سأل الزوج الطلاق بنظير جميع الصداق ويكون في ذمته فاستحقه الزوج، والذي تستحقه
البنت على الزوج النصف لا غير، فإذا أحال الزوج على الأب تكون الحوالة في نصف الصداق فيبقى له النصف الآخر
كما علمت، وقوله فاستحقه: أي استحق الزوج نظير الجميع على الأب: وقوله والمستحق على الزوج: أي
لزوجته
النصف أي نصف الصداق لا غير: أي فإذا أحال الأب للبنت بنظير الصداق صحت في النصف وبقي له النصف (قوله:
فطريقه الخ) أي فطريق عدم إبقاء شئ في ذمة الأب للزوج: أي الحيلة في ذلك أن يسأل الأب الزوج الخلع بنظير
نصف الصداق الباقي لمحجورته فقط ولا يسأله به كله، وإلا بقي عليه النصف - كما علمت - وقوله لبراءته: أي الأب
حينئذ، أي حين إذ سأله ذلك بنظير النصف (قوله: قال شيخنا وسيعلم مما يأتي الخ) الذي يأتي لشيخه هو ما سيصرح به
قريبا بقوله نعم إن ضمن الخ (قوله: فالالتزام المذكور) أي وهو أنه التزم والدها له أنه إذا طلقها يدفع له نظير الصداق
كاملا. وقوله مثله: أي الضمان. قال سم: قضية ذلك أن ذلك خلع على مهر المثل لا على نظير صداقها ونظر في المثلية
المذكورة. وقال إن العوض هنا نظير الصداق بقرينة الحوالة وفيما سيأتي نفسه. اه‍. (قوله: ولو اختلع الأب أو غيره
بصداقها) أي قال الأب أو الأجنبي للزوج خالعها على ما لها عليك من الصداق (قوله: أو قال طلقها) أي أو قال الأب أو
غيره للزوج. وقوله وأنت برئ منه: أي الصداق (قوله: وقع رجعيا) أي وقع الطلاق رجعيا إذا طلقها أو قبل الخلع ولا
يبرأ ذلك لان الصداق حقها وهو لا يملك التصرف فيه فلا يقبل إسقاطه ولا إبراؤه ولا شئ على الأب أو الأجنبي لأنه لم
يلتزم على نفسه شيئا (قوله: نعم: إن ضمن له الأب أو الأجنبي الدرك) وذلك كأن يلتزم للزوج مع قوله طلقها وأنت برئ
منه درك براءته كأن يقول له وضمنت براءتك من الصداق. وعن الجوهري الدرك التبعة: أي المطالبة والمؤاخذة (قوله:
أو قال علي ضمان ذلك) أي أو قال له طلقها وعلي ضمان الصداق (قوله: وقع) أي الطلاق بائنا بمهر المثل على الأب أو
الأجنبي، وذلك لالتزام المال على نفسه فكان كخلعها بمغصوب (قوله: ولو قال) أي لأب أو غيره لأجنبي ومثله ما لو قال
لها سلي زوجك أن يطلقك بألف (قوله: يشترط في لزوم الألف) أي للزوج على الموكل. وقوله أن يقول علي فلو لم يقل
علي لا تلزمه الألف لأنه ليس بتوكيل (قوله: بخلف سل زوجي الخ) أي بخلاف قولها للأجنبي أطلب من زوجي أن
يطلقني على كذا. وقوله فإنه: أي قولها المذكور. وقوله توكيل: أي في الخلع، وذلك لان منفعة الخلع راجعة إليها
فحمل سؤالها عند الاطلاق على التوكيل.

441
(واعلم) أنه يجوز للأجنبي أن يخالع بنفسه وإن كرهت الزوجة، وذلك لان الطلاق يستقل به الزوج، والالتزام
يتأتى من الأجنبي: لان الله تعالى سمى الخلع فداء كفداء الأسير، وقد يحمله على ذلك غرض صحيح كتخليصها ممن
يسئ العشرة بها ويمنعها حقوقها، واختلاعه كاختلاعها لفظا وحكما، فهو من جانب الزوج ابتداء معاوضة مشوبة
بتعليق، ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة مشوبة بجعالة. فإذا قال الزوج للأجنبي طلق امرأتي على ألف في ذمتك فقبل
أو قال الأجنبي للزوج طلق امرأتك على ألف في ذمتي فأجابه بانت بالمسمى، وعبارة الروض وشرحه: وللأجنبي أن
يوكل الزوجة لتختلع عنه فتتخير هي بين الاختلاع لها والاختلاع له بأن تصرح أو تنوي، فإن أطلقت وقع لها لان منفعته
لها، فإن قال لها سلي زوجك طلاقك بألف ولم يقل علي فليس بتوكيل حتى لو اختلعت كان المال عليها، بخلاف قولها
له ذلك فإنه توكيل وإن لم تقل علي لان منفعة الخلع لها. وإن قال لها سلي زوجك طلاقك بألف علي ففعلت ونوت
الإضافة إليه أو تلفظت به، كما فهم بالأولى، وصرح به الأصل، فالمال عليه، وإلا فعليها. وقول الأجنبي للأجنبي سل
فلانا يطلق زوجته على ألف كقوله للزوجة، ويفرق بين قوله علي وعدمه. اه‍ (قوله: ففعلا) أي طلق كل منهما زوجته.
وفي حاشية السيد عمر ما نصه: قوله ففعلا يقتضي أنه لا بد من طلاق آخر من البادي، وكأن وجهه أن قوله على أن أطلق
وعد لا إيقاع. فليتأمل. وعليه فيتردد النظر فيما إذا طلق المخاطب وتوقف البادي عن الطلاق: هل يقع أو لا؟ محل تأمل
ينبغي أن لا يقع إلا إذا قصد الابتداء. اه‍ (قوله: لان العوض فيه مقصود) تعليل لعدم فساد الخلع ولا يقال إن العوض
المذكور فاسد لأنه لا يصح جعله صداقا، فكيف صح الخلع؟ لأنا نقول إن المدار في صحة الخلع على قصد العوض:
سواء كان صحيحا وهو ما صح صداقه، أو فاسدا وهو ما ليس كذلك؟ (قوله: فلكل على الآخر مهر مثل زوجته) أي
لفساد العوض.
(تنبيه) حاصل مسائل هذا الباب أن الطلاق إما أن يقع بالمسمى بائنا، وذلك إن صحت الصيغة والعوض أو يقع
بائنا بمهر المثل، وذلك إن فسد العوض فقط وكان مقصودا أو يقع رجعيا، وذلك إن فسدت الصيغة كخالعتك على هذا
الدينار على أن لي الرجعة أو كان العوض فاسدا غير مقصود أو لا يقع أصلا إن علق بما لم يوجد (قوله: تنبيه) أي في بيان
أن الفرقة بلفظ الخلع طلاق ينقص العدد (قوله: الفرقة بلفظ الخلع) أي سواء قلنا أنه صريح أو كناية ونواه به. وقوله
طلاق ينقص العدد: أي لان الله تعالى ذكره بين طلاقين في قوله: * (الطلاق مرتان) * الآية، فدل على أنه ملحق بهما ولأنه
لو كان فسخا لما جاز على غير الصداق: إذ الفسخ يوجب استرجاع الثمن، كما أن الإقالة لا تجوز بغير الثمن (قوله: وفي
قول) أي ضعيف (قوله: الفرقة الخ) الاخصر أن يقول كالمنهاج وفي قول نص عليه في القديم والجديد أنه فسخ (قوله:
إذا لم يقصد به طلاقا) قيد وسيذكر محترزه، بقوله كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق (قوله: فسخ لا ينقص عددا) قال في
التحفة:
(فإن قلت) لما كان الفسخ لا ينقص العدد والطلاق ينقصه؟ وما الفرق بينهما من جهة المعنى؟.
(قلت) يفرق بأن أصل مشروعية الفسخ إزالة الضرر لا غير وهي تحصل بمجرد قطع دوام العصمة فاقتصروا به على
ذلك إذ لا دخل للعدد فيه وأما الطلاق فالشارع وضع له عددا مخصوصا لكونه يقع بالاختيار لموجب وعدمه ففوض لإرادة
الموقع من استيفاء عدده وعدمه. اه‍ (قوله: فيجوز تجديد الخ) مفرع على أنه فسخ. وقوله بعد تكرره: أي الخلع
(قوله: واختاره كثيرون) أي واختار هذا القول كثيرون واستدلوا بالآية السابقة نفسها، قالوا: إذ لو كان الافتداء طلاقا لما

442
قال، فإن طلقها. وإلا كان الطلاق أربعا (قوله: بل تكرر الخ) الاضراب انتقالي. وقوله الافتاء به: أي بهذا القول (قوله:
أما الفرقة بلفظ الطلاق) محترز قوله بلفظ الخلع (قوله: كما) قصد بلفظ الخ) أي فإنه طلاق (قوله: لكن نقل الخ)
استدراك من قوله كما لو قصد الخ (قوله: القطع بأنه) أي لفظ الخلع. وقوله لا يصير طلاقا بالنية: أي كما لو قصد بلفظ
الظهار الطلاق فإنه لا يصير طلاقا بالنية.
(خاتمة) نسأل الله حسنها. لو ادعت خلعا فأنكر صدق بيمينه لان الأصل عدمه، فإن أقامت به بينة عمل بها
ولا مال
لأنه ينكره إلا أن يعود ويعترف بالخلع فإنه يستحقه، أو ادعاه هو وأنكرت طلقت بائنا بقوله ولا عوض عليها: إذ الأصل
عدمه فتحلف على نفيه فإن أقام به بينة أو شاهدا وحلف معه ثبت المال، وكذا لو اعترفت بما ادعاه بعد يمينها، ولو اختلفا
في عدد طلاق كأن قالت سألتك ثلاث طلقات بألف وأجبتني على ذلك، وقال هو سألتني واحدة بألف وأجبتك عليه، أو
اختلفا في صفة العوض كدراهم ودنانير، أو صحاح ومكسرة، أو في قدره كقوله لها خالعتك بمائتين فقالت بل بمائة ولا
بينة في جميع ما ذكر لواحد منهما، أو لكل بينة وتعارضتا تحالفا كالمتبايعين. ثم بعد التحالف يجب بينونتها بفسخ
العوض مهر المثل، وإن كان أكثر مما ادعاه، لأنه المراد، فإن كان لأحدهما بينة عمل بها. والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب. وإليه المرجع والمآب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى
قد تم تبييض وتحرير هذا الجزء الثالث من الحاشية المباركة بعون ذي الفضل والمنة يوم الأربعاء
في غرة شهر الله رجب الأصب
، الذي تصب فيه الرحمة على التائبين، وتفيض أنوار القبول على العاملين - سنة ثلاثمائة والف
من الهجرة
سيد العالمين - لمؤلفها فقير عفو ربه ذي العطا: أبى بكر ابن المرحوم السيد محمد شطا - سائلا من الله العظيم ومتوسلا
بالنبي الكريم ان يمن بالتمام على أحسن حال. انه ذو الجود و الافضال. والحمد لله أولا، وآخرا، باطنا، وظاهرا. ولا
حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة بها تنشرح الصدور، وتهون بها
الأمور، وتنكشف (1) بها الستور، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين آمين. تم الجزء الثالث من حاشية إعانة الطالبين
ويليه الجزء الرابع أوله: (فصل في الطلاق)
اللهم اطلق السنتنا بالشهادتين عند نزول الحمام، بجاه المسك الختام، آمين



(1) قوله وتنكشف: اي تزول بها الستور المرسلة على الفؤاد المحصور، فيشاهد في عالم القصور - رب القصور، المملوءة بالنور، المحدقة
بها الحور، ويلاحظ البيت المعمور، إذ الصلاة نور اي تنور القلب وتطهره. اه‍. شرح ورد الصحر.
443
/ 1