إعانة الطالبين (جزء 4) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إعانة الطالبين (جزء 4) - نسخه متنی

محمد شطا دمیاطی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: إعانة الطالبين
المؤلف: البكري الدمياطي
الجزء: 4
الوفاة: 1310
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418 - 1997 م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أبي بكر المشهور بالسيد البكري ابن السيد محمد شطا الدمياطي
حاشية
إعانة الطالبين
للعلامة أبي بكر المشهور بالسيد البكري
ابن السيد السيد محمد شطا الدمياطي

1
حاشية
إعانة الطالبين
للعلامة أبي بكر المشهور بالسيد البكري
ابن السيد محمد شطا الدمياطي
على حل ألفاظ
فتح المعين
لشرح قرة العين بمهمات الدين
لزين الدين بن عبد العزيز المليباري الفناني.

2
جميع إعادة الطبع المحفوظة للناشر
الطبعة الأولى 1418 ه‍ / 1997 م

4
فصل في الطلاق
أي في بيان أحكامه: ككونه مكروها أو حراما
وواجبا أو مندوبا، وككونه يفتقر إلى نية في الكناية ولا يفتقر إليها
في الصريح، والأصل فيه قبل الاجماع الكتاب: كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * أي عدد الطلاق الذي تملك الرجعة
بعده مرتان، فلا ينافي أنه ثلاث، وقد سئل (ص) أين الثالثة؟ فقال: * (أو تسريح بإحسان) * ولذلك قال الله تعالى بعده: *
(فإن طلقها) * أي الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وكقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن) * والسنة كقوله (ص): أتاني جبريل فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في
الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، فليس من خصائص هذه الأمة - يعني أن الجاهلية كانوا يستعملونه في
حل العصمة أيضا لكن لا يحصرونه في الثلاث. وفي تفسير ابن عادل روي عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء
يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك، ثم راجعها
بقصد مضاررتها، فنزلت هذه الآية: * (الطلاق مرتان) *.
وأركانه خمسة: زوج، وصيغة، وقصد، ومحل، وولاية عليه. وكلها تعلم من كلامه (قوله: وهو لغة حل القيد)
أي أن الطلاق معناه في اللغة حل القيد: أي فكه سواء كان ذلك القيد حسيا: كقيد البهيمة، أو معنويا: كالعصمة.
فلذلك كان المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لان القيد فيه المعبر عنه بالعقد معنوي. ومن المعنى اللغو قولهم ناقة
طالقة: أي محلول قيدها إذا كانت مرسلة بلا قيد. ومنه أيضا ما في قول الإمام مالك:
العلم صيد والكتابة قيده * قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة * وتفكها بين الخلائق طالقه
وقد نظم بعضهم ما تضمنه هذان البيتان في قوله:



(1) سورة البقرة، الآية: 229.
(2) يشير إلى الآية الكريمة: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229].
(3) سورة البقرة، الآية: 230.
(4) سورة الطلاق، الآية: 1.
5
قيد بخطك ما أبداه فكرك من نتائج تعجب الحذاق الفضلا
فما نتائج فكر المرء بارزة في كل وقت إذا ما شاءها فعلا
(قوله: وشرعا حل الخ) المراد بالحل إزالة العلقة التي بين الزوجين وعرف الطلاق الشرعي النووي في تهذيبه بأنه
تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح. وقوله: عقد النكاح: الإضافة للبيان، تعبيره بعقد أصرح في المراد
من تعبير غيره بقيد (قوله: باللفظ الآتي) متعلق بحل، وهو مشتق طلاق، وفراق وسراح وغير ذلك (قوله: وهو إما وجب
الخ) والحاصل تعتريه الأحكام الخمسة، وذكر منها غير المباح للخلف في وجوده وأثبته الامام وصوره بما إذا لم يشتهيها
ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها (قوله: كطلاق مول) تمثيل للطلاق الواجب. والمولى - بضم الميم وكسر
اللام - وهو الحالف أن لا يطأ زوجته في العمر أو زائدا عن أربعة أشهر، فإن مضت أربعة أشهر طالبته بالوطئ، فإن أبي
وجب عليه الطلاق، فإن أباه طلقها الحاكم عليه طلقة واحدة - كما سيأتي في بابه - واندرج تحت الكاف طلاق الحكمين
إن رأياه فهو واجب أيضا. وقوله لم يرد الوطئ: الجملة صفة لمول: أي مول موصوف بكونه لم يرد الوطئ، فإن أراده فلا
طلاق، لكن عليه إذا وطئ كفارة يمين - كما سيأتي - (قوله: أو مندوب) معطوف على واجب (قوله: كأن يعجز عن
القيام بحقوقها) أي الزوجة، وهو تمثيل للمندوب. وقوله ولو لعدم الميل: أي ولو كان العجز حصل لعدم الميل إليها: أي
بالكلية ولا ينافي هذا تصوير الامام المباح بما إذا لم يشتهيها لان المراد من قوله لم يشتهيها أي شهوة كاملة وهو صادق
بوجود شهوة عنده غير كاملة.
(والحاصل) في المندوب لم يوجد منه ميل أصلا، وفي المباح يوجد منه ميل لكنه غير كامل فلا تنافي بيتهما وعبارة
الروض وشرحه: ويستحب الطلاق لخوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره. اه‍. وهي أولى من عبارة شارحنا (قوله: أو
تكون الخ) بالنصب معطوف على يعجز. أي أو كأن تكون غير عفيفة - أي فاسقة - وينبغي أن يقيد فسقها بغير الفجور
بها، وإلا كان التقييد بقوله، بعدما لم يخش الفجور بها غير ظاهر (قوله: ما لم يخش الفجور بها) قيد في الندبية أي محل
ندب طلاقها ما لم يخش الفجور بها: أي فجور الغير بها لو طلقها، وإلا فلا يكون مندوبا لان في ابقائها صونا لها في
الجملة، بل يكون مباحا، وينبغي أنه إن علم فجور غيره بها لو طلقها وانتفاء ذلك عنها ما دامت في عصمته حرمة طلاقها
إن لم يتأذ ببقائها تأذيا لا يحتمل عادة. كذا في ع ش (قوله: أو سيئة الخلق) معطوف على غير عفيفة: أي أو تكون سيئة
الخلق وبين المراد بها بقوله: (أي بحيث لا يصير على عشرتها عادة) أي بأن تجاوزت الحد في ذلك. وقوله وإلا الخ. أي
وإن لم يكن المراد بها ما ذكر فلا يصح لأنه يلزم أن كل رجل يندب له طلاق زوجته لان كل امرأة سيئة الخلق ولا يتصور
أنها توجد امرأة في أي وقت وليست بسيئة الخلق (قوله: وفي الحديث الخ) ساقه دليلا على عدم وجود امرأة غير سيئة
الخلق، وفيه أن المدعي سيئة الخلق والذي في الحديث المرأة الصالحة فلا يصلح دليلا لما ذكر إلا أن يقال إن إساءة
الخلق تستلزم عدم الصلاح في الغالب فينتج المدعى. تأمل (قوله: كناية الخ) أي أن قوله كالغراب الأعصم كناية عن
ندرة وجود المرأة الصالحة لان الغراب المذكور كذلك (قوله: إذ الأعصم هو أبيض الجناحين) أي وهذا نادر، وعبارة
التحفة: إذ الأعظم وهو أبيض الجناحين وقيل الرجلين أو إحداهما كذلك اه‍ (قوله: أو يأمره) أي وكأن يأمره، فهو
بالنصب عطف على يعجز أو على تكون. وقوله به: أي بالطلاق (قوله: من غير تعنت) أي بأن يكون لغرض صحيح، فإن
كان بتعنت بأن لا يكون لذلك - كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات - فلا يندب الطلاق إذا أمره أحد والديه به وفي

6
القاموس: عنته تعنيتا - أي شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه. ويقال جاءه متعنتا: أي طالبا زلته (قوله: أو حرام)
عطف على واجب. وقوله كالبدعي: أي كالطلاق البدعي، وهو تمثيل للحرام (قوله: وهو) أي البدعي. وقوله: طلاق
مدخول بها: أي موطوأة ولو في الدبر أو مستدخلة ماءه المحترم. وقوله في نحو حيض: متعلق بطلاقها: أي طلاقها في
نحو حيض كنفاس، وإنما حرم الطلاق فيه لتضررها بطول العدة: إذ بقية دمها لا تحسب منها، ومن ثم لا يحرم في حيض
حامل عدتها بالوضع. وقوله: بلا عوض منها: قيد في الحرمة - أي يحرم الطلاق في نحو حيض إن كان بلا عوض صادر
منها. وخرج به ما إذا كان طلاقها بعوض صادر منها فلا يحرم فيه، وذلك لان بذلها المال يشعر باضطرارها للفراق أحالا.
وقيد بقوله منها ليخرج ما إذا كان العوض صادرا من أجنبي فيحرم أيضا فيه، وذلك لان خلعه لا يقتضي اضطرارها إليه
(قوله: أو في طهر جامعها فيه) معطوف على في نحو حيض - والتقدير: أي أو طلاق مدخول بها في طهر جامعها فيه. ولا
يخفى أن الشرط وطؤها في الطهر، سواء دخل عليها قبل أم لم يدخل عليها - فما يفهمه كلامه من اشتراط الدخول بها قبل
ليس مرادا. ثم إن محل حرمة ذلك فيمن تحبل لعدم صغرها ويأسها وعدم ظهور حمل بها وإلا فلا حرمة - كما صرح به
في متن المنهاج (قوله: وكطلاق من لم يستوف الخ) معطوف على قوله كالبدعي، فهو تمثيل للحرام أيضا ومحل حرمته
ما لم ترض بعد القسم، وإلا فلا حرمة. ولو سألته الطلاق قبل استيفائها حقها من القسم لم يحرم - كما بحثه ابن الرفعة،
ووافق الأذرعي - بل بحث القطع به، وتبعه الزركشي، وذلك لتضمن سؤالها الرضا بإسقاط حقها. وقوله دورها: هو كناية
عما هو مفروض على الزوج للزوجات من الليالي أو الأيام، والمراد بها هنا حصتها منه (قوله: وكطلاق المريض الخ)
معطوف على قوله كالبدعي أيضا. وقوله بقصد الخ: قيد في الحرمة أي يحرم طلاق المريض لزوجته إذا قصد حرمانها
من الإرث، وإلا فلا يحرم (قوله: ولا يحرم الخ) إنما أتى به ردا على من قال إنه يحرم وأدرجه في قسم الحرام، وإنما لم
يحرم لان عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره رسول الله (ص) بحرمتها عليه. رواه الشيخان، فلو
حرم لنهاه عنه ليعلمه هو أو من حضره (قوله: بل يسن الاقتصار على واحدة) وحينئذ فيكون الجمع بين الثلاث خلاف
السنة (قوله: أو مكروه) معطوف على واجب (قوله: بأن سلم الحال من ذلك كله) أي مما يقتضي الوجوب أو
الندب أو الحرمة (قوله: للخبر الصحيح) دليل الكراهة (قوله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق) استشكل الحديث بأنه يفيد أن
الحلال مبغوض، وأن الطلاق أشد بغضا مع أن الحلال لا يبغض أصلا. وأجيب بأن المراد من الحلال المكروه فقط لا
سائر أنواع الحلال، ولا ينافي ذلك وصفه بالحل لأنه يطلق ويراد منه الجائز، وإنما كان المكروه مبغوضا لله لأنه نهى عنه
نهي تنزيه، والطلاق أشد بغضا إلى الله من غيره لما فيه من قطع النسل الذي هو المقصود الأعظم من النكاح، ولما فيه من
إيذاء الزوجة وأهلها وأولادها. واستشكل أيضا بأن حقيقة البغض الانتقام أو إرادته، وهذا إنما يكون في الحرام لا في
الحلال حتى على تأويله بالمكروه وأشار الشارح إلى الجواب عنه بقوله وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير
عنه، وهذا على تسليم أن حقيقة البغض في حقه تعالى ما ذكر، فإن كان المراد بها في حقه تعالى عدم الرضا به وعدم
المحبة فلا إشكال.
وقوله لمنافاتها: أي حقيقة البغض. وقوله لحله: أي الطلاق (قوله: إنما يقع لغير بائن) أي لزوجة غير بائن: أي
بطلاق أو فسخ والغير صادق بغير المطلقة وبالمطلقة طلاقا رجعيا. فقوله ولو كانت رجعية: تصريح بما فهم، وإنما لحق
الطلاق الرجعية لأنها في حكم الزوجات هنا. وفي الإرث وصحة الظهار والايلاء واللعان - كما تقدم - وهذه الخمسة
عناها الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى. وقوله لم تنقض عدتها:

7
الجملة صفة لرجعية موصوفة بكونها لم تنقض عدتها، فإن انقضت عدتها صارت بائنا فلا يلحقها الطلاق (قوله: فلا يقع
لمختلعة) أي لانقطاع عصمتها بالكلية في تلك الخمس وغيرها. وخبر المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة
موضوع، ووقفه على أبي الدرداء ضعيف. اه‍. تحفة.
وهذا مفهوم قوله: غير بائن، أما البائن - كالمختلعة - فلا يقع طلاقها (قوله: رجعية انقضت عدتها) أي ولا يقع
لرجعية انقضت عدتها، وهذا مفهوم قوله: لم تنقض عدتها (قوله: طلاق) فاعل يقع. وقوله مختار مكلف: قيدان في
وقوع الطلاق، وسيذكر محترزهما. وقوله أي بالغ عاقل تفسير للمكلف (قوله: فلا يقع طلاق صبي ومجنون) أي ونائم،
وذلك لخبر: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ صححه
أبو داود وغيره. وحيث رفع عنهم القلم بطل تصرفهم. والمراد قلم خطاب التكليف، وأما قلم خطاب الوضع فهو ثابت
في حقهم بدليل ضمان ما أتلفوه، ولكن يرد على ذلك أن الطلاق من باب خطاب الوضع، وهو ربط الاحكام بالأسباب،
فكان مقتضاه وقوعه عليهم. ويجاب بأن خطاب الوضع يلزمه حكم تكليفي كحرمة الزوجة عليهم، وخطاب التكليف
مرفوع فيلزم من رفع اللازم وهو خطاب التكليف رفع الملزوم في خصوص مسألة الطلاق. وأما خطاب الوضع في غيرها
فثابت كالاتلاف لأنهم يضمنون ما أتلفوه. اه‍. بجيرمي (قوله: ومتعد بسكر) معطوف على مختار: أي ويقع طلاق متعد
بسكر لأنه وإن لم يكن مكلفا هو في حكمه تغليظا عليه، وكذا سائر تصرفاته فيما له وعليه. ومثله المتعدي بجنونه فإنه يقع
طلاقه وكذا سائر تصرفاته على المذهب، فقوله فلا يقع طلاق صبي ومجنون: أي غير متعد بجنونه (قوله: أي بشرب
خمر الخ) الباء سببية متعلقة بمتعد: أي متعد بذلك بسبب شربه الخمر وأكله بنجا أو حشيشا، والمراد تعاطي ذلك عن
قصد وعلم، وإلا فلا يكون تعديا (قوله: لعصيانه الخ) علة لوقوع الطلاق من المتعدي بسكره: أي وإنما وقع الطلاق منه
مع كونه لا عقل له لأنه عاص بإزالته (قوله: بخلاف سكران لم يتعد الخ) أي وبخلاف مجنون لم يتعد بجنونه (قوله: كأن
أكره عليه) أي على تناول مسكر، وهو تمثيل لغير المتعدي بسكره (قوله: أو لم يعلم) أي أو تناوله وهو لم يعلم أنه مسكر
بأن تعاطي شيئا على زعم أنه شراب أو دواء. فإذا هو مسكر (قوله: فلا يقع طلاقه) أي السكران الذي لم يتعد بسكره
(قوله: إذا صار بحيث لا يميز) أي انتهى إلى حالة فقد فيها التمييز، أما إذا لم ينته إلى هذه الحالة فإنه يقع عليه الطلاق
(قوله: لعدم تعديه) علة لعدم وقوع طلاق غير المتعدي بسكره (قوله: وصدق مدعي إكراه في تناوله) أي من المسكر.
وقوله بيمينه: متعلق بصدق (قوله: إن وجدت قرينة عليه) أي على الاكراه (قوله: كحبس) تمثيل للقرينة على الاكراه
(قوله: وإلا) أي وإن لم توجد قرينة. وقوله فلا بد من البينة: أي تشهد بإكراهه (قوله: ويقع طلاق الهازل) أي ظاهرا
وباطنا إجماعا، وللخبر الصحيح: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة وخصت لتأكيد أمر
الإبضاع، وإلا فكل التصرفات كذلك. وفي رواية والعتق وخص لتشوف الشارع إليه (قوله: بأن قصد لفظه) أي
الطلاق أي نطق به قصدا، وهو تصوير للهزل بالطلاق. وقوله دون معناه أي دون قصد معناه، وهو حل عصمة النكاح
(قوله: أو لعب به) بصيغة الفعل عطف على الهازل الذي هو اسم فاعل من عطف الفعل على الاسم المشبه له: أي ويقع
طلاق الذي هزل به أو الذي لعب به. وقوله بأن لم يقصد شيئا: أي لا لفظه ولا معناه: وهو تصوير للعب بالطلاق ثم إن
مفاده مع مفاد تصوير الهزل المار التغاير بينهما، ونظر فيه في التحفة ونصها: ولكون اللعب أعم مطلقا من الهزل عرفا،
إذا الهزل يختص بالكلام عطفه عليه وإن رادفه لغة. كذا قال الشارح، وجعل غيره بينهما تغايرا ففسر الهزل بأن يقصد
اللفظ دون المعنى واللعب بأن لا يقصد شيئا وفيه نظر: إذ قصد اللفظ لا بد منه مطلقا بالنسبة للوقوع باطنا. اه‍. وفي

8
المغني: لو نسي أن له زوجة فقال زوجتي طالق طلقت - كما نقلاه عن النص وأقراه - اه‍ (قوله: ولا أثر لحكاية طلاق
الغير) أي لا ضرر في حكاية طلاق الغير: كقوله: قال: زيد زوجتي طالق فلا تطلق زوجة الحاكي لطلاق غيره. وقوله
وتصوير الفقيه: أي ولا أثر لتصوير الفقيه الطلاق كأن قال الفقيه تصويرا لصورة الطلاق بالثلاث (قوله: وللتلفظ به الخ)
أي ولا أثر للتلفظ بالطلاق تلفظا مصورا بحالة، هي كونه لا يسمع نفسه، وذلك لأنه يشترط في وقوع الطلاق التلفظ به
حيث يسمع نفسه، فإن اعتدل سمعه ولا مانع من نحو لغط، فلا بد أن يرفع صوته به بقدر ما يسمع نفسه، بالفعل وإن لم
يعتدل سمعه أو كان هناك مانع من نحو لغط فلا بد أن يرفع صوته بحيث لو كان معتدل السمع ولا مانع لسمع فيكفي
سماعه تقديرا وإن لم يسمع بالفعل (قوله: واتفقوا على وقوع طلاق الغضبان) في ترغيب المشتاق.
سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطلاق حال الغضب الشديد المخرج عن الاشعار: هل يقع الطلاق أم لا؟ وهل
يفرق بين التعليق والتنجيز أم لا؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم الاشعار؟.
فأجاب: بأنه لا اعتبار بالغضب فيها. نعم: إن كان زائل العقل عذر. اه‍. بحذف.
وقوله: وإن ادعى زوال شعوره: أي إدراكه. وقوله بالغضب: أي بسبب الغضب، وهو متعلق بزوال (قوله: لا
طلاق مكره) معطوف على طلاق مختار باعتبار الشرح. أما باعتبار المتن فمكره معطوف على مكلف: أي لا يقع طلاق
مكره إذا وجدت شروطه الآتية - خلافا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذلك لخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه وخبر: لا طلاق في إغلاق بكسر الهمزة: أي إكراه. والمراد الاكراه على طلاق زوجة المكره - بفتح
الراء - وخرج به ما إذا كان على طلاق زوجة المكره - بكسر الراء - كأن قال له: طلق زوجتي وإلا لأقتلنك فطلقها فإنه يقع
على الصحيح لأنه أبلغ في الاذن. وقوله بغير حق: متعلق بمكره وسيذكر محترزه (قوله: بمحذور) متعلق بمكره أيضا:
أي مكره بما يحذر منه: أي يخاف منه من أنواع العقوبات. قال ح ل: ولو في ظن المكره فلو خوفه بما ظنه محذورا فبان
خلافه كان مكرها. اه‍. وضابط المحذور: هو الذي يؤثر العاقل لأجله الاقدام على ما أكره عليه. وقوله مناسب: أي
الحال المكره - بفتح الراء - وذلك لان المحذور يختلف باختلاف طبقات الناس، فقد يكون إكراها في حق شخص دون
آخر كالصفعة فهي إكراه لذي المروءة دون غيره، فاعتبر فيه ما يناسبه (قوله: كحبس طويل) تمثيل للمحذور (قوله: وكذا
قليل) أي حبس قليل. والمناسب أن يقول: قصير. وقوله لذي مروءة يعني أن الحبس القصير يعد محذورا لكن لذي
المروءة (قوله: وصفعة) معطوف على حبس: أي وكصفعة: أي ضربة واحدة. قال في المصباح: الصفعة المرة وهو أن
يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الانسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع، بل يقال: ضربه بجمع
كفه. اه‍. وقوله له: أي لذي المروءة. وقوله في الملا: أي بين الناس. وفي حواشي البجيرمي. قال الشاشي إن
الاستخفاف في حق الوجيه إكراه وابن الصباغ أن الشتم في حق أهل المروءة إكراه. اه‍ (قوله: وكإتلاف مال) معطوف
على كحبس، ولو حذف الكاف - كالذي قبله - لكان أولى. مثل إتلاف المكره - بكسر الراء - لمال المكره أخذه منه،
بجامع أن كلا تفويت مال على مالكه. كذا في ع ش. وقوله يضيق عليه: أي يتأثر به، فقول الروضة أنه ليس بإكراه
محمول على مال قليل لا يبالي به كتخويف موسر: أي سخي بأخذ خمسة دنانير كما في حلية الروياني. اه‍. نهاية.
(قوله: بخلاف الخ) أي بخلال إتلاف نحو خمسة دراهم لو لم يطلق زوجته في حق موسر فإنه لا يعد إكراها لأنها
لا تضييق عليه. وقوله في حق موسر: قال في التحفة: ويظهر ضبط الموسر المذكور بمن تقضي العادة بأنه يسمح ببذل ما
طلب منه ولا يطلق، ويؤيده قول كثيرين إن الاكراه بإتلاف المال يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم. اه‍ (قوله:

9
وشرط الاكراه) أي شروطه، فهو مفرد مضاف، فيعم. وذكر الشارح منها ثلاثة شروط، وبقي منها أن لا ينوي وقوع
الطلاق، وإلا وقع، لان صريح الطلاق في حقه كناية، وسيصرح الشارح بمفهوم هذا الشرط بقوله فإذا قصد المكره الخ،
وأن لا يظهر منه قرينة اختيار. فإن ظهرت منه وقع عليه الطلاق، وذلك بأن أكرهه شخص على طلاق بثلاث فطلق واحدة أو
اثنتين أو على طلقة فطلق اثنتين أو ثلاثا، أو على مطلق طلاق فطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، أو على طلاق إحدى زوجتيه
على الابهام فعين واحدة منهما أو على طلاق معينة فأبهم أو على الطلاق بصيغة من صريح أو كناية أو تنجيز أو تعليق فأتى
بضدها ففي جميعها يقع عليه الطلاق لان مخالفته تشعر باختياره لما أتى به فلا إكراه.
فإن قلت: حيث كان يقع في جميع هذه الصور: فما صورة الطلاق الذي لم يقع؟.
قلت: صورته أن يكره على أصل الطلاق فيأتي به فقط كأن يقول طلقتها أو يسأله فيقول له: أطلق ثلاثا أو اثنتين فإذا
عين له شيئا أتى بما عينه له ولا يتجاوزه،. وإن لم يعين شيئا اقتصر على أصل الطلاق. وقال بعضهم: يشترط أن يسأله ما
ذكر (قوله: قدرة المكره) بكسر الراء (قوله: على تحقيق ما هدد به) أي على إيجاد المحذور الذي خوف المكره به:
وقوله عاجلا: قيد سيأتي محترزه (قوله: بولاية) أي بسبب ولاية، وهو متعلق بقدرة: أي قدرته عليه بسبب أنه وال. وقوله
أو تغلب: أي بسببه كأن تغلب ذو شوكة على بلدة وأكرهه على طلاق زوجته (قوله: وعجز المكره) بفتح الراء، وهو
معطوف على قدرة. وقوله: عن دفعه: أي المكره بكسر الراء. وقوله: بقرار الخ، متعلق بدفع: أي عجزه عن أن يدفع
المكره - بكسر الراء - الفرار أو الاستغاثة: أي طلب الغوث ممن يخلصه منه: أي ونحو ذلك كالتحصن بحصن يمنعه منه
(قوله: وظنه) بالرفع عطف على قدرة: أي وشرط ظنه - أي المكره بفتح الراء، وكذا الضمير في أنه وفي امتنع، والضمير
البارز في خوفه. وأما ضمير فعل وضمير خوف المستتر فهو يعود على المكره - بكسر الراء - وضمير به يعود على ما. وفي
المغنى:
تنبيه: تعييره بالظن يقتضي أنه لا يشترط تحققه وهو الأصح. اه‍. (قوله: فلا يتحقق العجز) أي دفع المكره بكسر
الراء (قوله: بدون اجتماع ذلك كله) أي قدرة المكره على ما هدد به وعجز المكره عن الدفع بكل شئ يمكنه وظنه ما
ذكر (قوله: ولا يشترط التورية) أي في عدم وقوع طلاق المكره، فلا يقع وإن لم يور. قال في شرح الروض: والتورية
من وريت الخبر تورية أي سترته وأظهرت غيره، مأخوذ من وراء الانسان: كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر ذكره
الجوهري. قال النووي في أذكاره: ومعناها أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ ولكنه
خلاف ظاهره. اه‍ (قوله: بأن ينوي غير زوجته) تصوير للتورية: أي كأن يريد بقوله طلقت فاطمة غير زوجته، وعبارة
المغني مع الأصل: ولا تشترط بأن كان ينوي بقوله: طلقت زينب مثلا غيرها: أي غير زوجته أو ينوي بالطلاق حل
الوثاق. اه‍ (قوله: أو يقول سرا عقبه) أي الطلاق إن شاء الله: أي ويكون قاصدا به التعليق. وفي المغني أيضا: وعبارة
الروضة وأصلها أو قال في نفسه إن شاء الله.
فإن قيل: لا أثر للتعليق بمشيئة الله تعالى بمجرد النية لا ظاهرا ولا باطنا، بل لا بد من التلفظ به.
أجيب: بأن المراد بقوله في نفسه تلفظه بمشيئة الله سرا بحيث لم يسمعه المكره، لا أنه نواه أو أن ما ذكر من
اشتراط التلفظ بالتعليق بمشيئة الله تعالى محله في غير المكره. أما هو فيكفي بقلبه - كما نقله الأذرعي عن القاضي
حسين عن الأصحاب - وهي فائدة حسنة (قوله: فإذا قصد الخ) مفهوم شرط مطوي، وهو أن لا ينوي إيقاع الطلاق كما
تقدم التنبيه عليه آنفا (قوله: كما إذا أكره بحق) أي فإنه يقع عليه وهو محترز قوله بغير حق وكان عليه أن يقول كعادته.

10
وخرج بقولي بغير حق ما إذا أكره بحق (قوله: وكأن قال: مستحق القود طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي)
تمثيل للاكراه بحق. قال سم: هذا يدل على أن المراد بالاكراه بحق ما يعم كون المكره به حقا لا خصوص كون نفس
الاكراه حقا فإنه ليس له الاكراه على الطلاق وإن استحق قتله. اه‍. قال في المغني: وصور جمع الاكراه بحق بإكراه
القاضي المولي بعد مدة الايلاء على طلقة واحدة، فإن أكره على الثلاث فتلفظ بها لغا الطلاق لأنه يفسخ بذلك وينعزل
به.
فإن قيل: المولى لا يؤمر بالطلاق عينا بل به أو بالفيئة، ومثل هذا ليس إكراها يمنع الوقوع.
أجيب: بأن الطلاق قد يتعين في بعض صور المولى كما لو آلى وهو غائب فمضت المدة فوكلت بالمطالبة فرفعه
وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه، فإن القاضي يأمره بالفيئة باللسان في الحال وبالمسير إليها وبالطلاق، فإن
لم يفعل ذلك أجبر على الطلاق عينا. هكذا أجاب به ابن الرفعة وهو إنما يأتي تفريعا على مرجوح، وهو أن القاضي يكره
المولي على الفيئة أو الطلاق والأصح أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع وحينئذ فلا إكراه أصلا حتى يحترز
عنه بغير حق. اه‍. ببعض تصرف (قوله: أو قال رجل لآخر الخ) محترز قوله عاجلا (قوله: فطلق) أي في الصورتين.
وقوله فيقع: أي الطلاق. وقوله فيهما: أي في صورة القود، وفي صورة الوعد بالقتل في المستقبل (قوله: بصريح)
متعلق بيقع: أي إنما يقع الطلاق بصريح الخ، وهو شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركانه وهي لفظ يدل على فراق
إما صريحا وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق وألفاظه خمسة: طلاق، وفراق، وسراح، وخلع، ومفاداة، كما قال ابن
رسلان في زبده:
صريحه سرحت أو طلقت خالعت أو فاديت أو فارقت
وإنما كانت صريحا لاشتهارها في معنى الطلاق وورودها في القرآن مع تكرر بعضها فيه وإلحاق ما لم يتكرر منها
بما تكرر. وحكمه أنه لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق به لأنه لا يحتمل غير الطلاق، فلا يتوقف وقوع الطلاق فيه على نية
إيقاعه، بل يقع وإن نوى عدمه. نعم: لا بد من قصد اللفظ مع معناه عند عروض صارف اللفظ عن معناه كنداء من اسم
زوجته طالق بقوله لها: يا طالق، فإن كان قاصدا لفظ الطلاق مع معناه وقع الطلاق، وإلا بأن قصد النداء أو أطلق لم يقع.
ومثله في ذلك حكاية طلاق الغير وتصوير الفقيه. وإما كناية وهي كل لفظ احتمل ظاهره غير الطلاق، ولا تنحصر ألفاظها.
وحكمها أنها تحتاج إلى نية إيقاع الطلاق بها. قال ابن رسلان:
وكل لفظ لفراق احتمل فهو كناية بنية حصل
(قوله: وهو) أي الصريح في الطلاق. وقوله ما لا الخ: أي لفظ لا يحتمل ظاهره معنى غير الطلاق (قوله: كمشتق
طلاق الخ) أي وأما الطلاق وما بعده ففيه تفصيل يشعر به كلامه، وهو أنه إن وقع مفعولا أو فاعلا أو مبتدأ فصريح، وإلا
فكناية (قوله: ولو من عجمي) أي ولو صدر مشتق الطلاق من عجمي فإنه يقع طلاقه به. وقوله عرف أنه موضوع الخ:
الجملة صفة لعجمي أي عجمي موصوف بكونه عرف أن هذا اللفظ موضوع لحل عصمة النكاح الذي هو معنى الطلاق،
وهو قيد لا بد منه. وخرج به ما لو تلفظ به وهو لا يعرف ذلك فإنه لا يقع طلاقه. وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو لفظ
عجمي به أي الطلاق بالعربية مثلا إذ الحكم يعم كل من تلفظ بغير لغته ولم يعرف معناها لم يقع كمتلفظ بكلمة كفر لا
يعرف معناها ويصدق في جهله معناه للقرينة، ومن ثم لو كان مخالطا لأهل تلك اللغة بحيث تقضي العادة بعلمه به لم
يصدق ظاهرا ويقع عليه، وقيل إن نوى معناها عند أهلها وقع لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه وردوه بأن المجهول لا يصح

11
قصده. اه‍ (قوله: أو بعده عنها) معطوف على حل عصمة النكاح: أي أو عر ف أن هذا اللفظ موضوع لبعده هو عن
زوجته وإن لم يعرف معناه الأصلي: أي حل عصمة النكاح، وإنما اكتفى بمعرفة أن هذا اللفظ موضوع لما ذكر لأنه لازم
لمعناه الأصلي، إذ يلزم من حل عصمة النكاح بعده عن زوجته (قوله: وفراق وسراح) معطوفان على طلاق: أي ومشتق
فراق وسراح - بفتح السين - ومثله مشتق الخلع والمفاداة، لكن مع ذكر المال أو نيته (قوله: لتكررها) علة الصراحة في
المشتقات من هذه المصادر أي وإنما كانت صريحة لتكررها في القرآن كما تقدم (قوله: كطلقتك الخ) مثله ما لو قال:
طلقك الله فهو من الصريح، وذلك لان ما استقل به الشخص كالطلاق والابراء والعتق إذا أسند إلى الله تعالى كان صريحا
لقوته بالاستقلال، وما لا يستقل به الشخص كالبيع والإقالة إذا أسند إلى الله تعالى كان كناية. وقد نظم ذلك بعضهم
بقوله:
ما فيه الاستقلال بالانشاء وكان مسندا لذي الآلاء
فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا دراية
(قوله: أو زوجتي) أي أو يقول طلقت أو فارقت أو سرحت زوجتي فيأتي بالاسم الظاهر بدل ضمير المخاطبة
(قوله: وكأنت طالق أو مطلقة) أشار بتعداد الأمثلة إلى أنه لا فرق في المشتق بين أن يكون فعلا أو اسم فاعل أو اسم
مفعول. وقوله بتشديد اللام المفتوحة: احترز به عن مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام المفتوحة أو المكسورة فإنه كناية
وإن كان الزوج نحويا وليس بصريح (قوله: ومفارقة ومسرحة) أي أو أنت مفارقة أو مسرحة ويقرآن بصيغة اسم مفعول مع
تشديد راء الثانية أما بصيغة اسم الفاعل فكناية (قوله: أما مصادرها) هذا محترز قوله مشتق بالنسبة لجميع الألفاظ: أي ما
مصادر هذه المشتقات فهي كناية لكن حيث وقعت خبرا كما يدل عليه أمثلته بخلاف ما إذا وقعت مبتدأ فإنها صرائح
غالبا. ومثله ما لو وقعت مفعولا أو فاعلا، وذلك كأن قال الطلاق لازم علي أو واجب علي، فإن قال: فرض علي كان كناية
والفرق أن الفرض قد يراد به المقدر فتطرق إليه الاحتمال فاحتاج إلى النية للتعيين، بخلاف اللزوم والوجوب فإن معناهما
الثبوت لا غير. ولو قال: علي الطلاق فهو صريح أيضا، خلافا لبعضهم وكأن قال أوقعت عليك الطلاق أو يلزمني الطلاق
(قوله: ويشترط ذكر مفعول الخ) أي ضمير أو اسم ظاهر. وقوله ومبتدأ مع نحو طالق: أي وذكر مبتدأ مع ذلك، سواء كان
بلفظ الضمير كأنت أو بالاسم الظاهر. كزوجتي أو امرأتي (قوله: فلو نوي أحدهما) أي المفعول أو المبتدأ. وقوله لم
يؤثر: فلا يقع به الطلاق (قوله: كما لو قال طالق الخ) إن أراد التمثيل لحذف المبتدأ أشكل عليه قوله: أو امرأتي الخ فإنه
فيه حذف الخبر لا المبتدأ وإن أراد التنظير أشكل عليه المثال الأول فإنه لا يصلح له: إذ هو عين ما قبله، فكان الأولى له
أن يقول كما لو قال أنت أو امرأتي ونوى لفظ طالق. والمراد كما لو ذكر المبتدأ وحذف الخبر فإنه لا يؤثر عليه (قوله: إلا إن
سبق ذكرها) أي لم يؤثر إلا إن سبق ذكر زوجته في سؤال: أي ونحوه والمراد إلا إن دل دليل على المحذوف: أي فإنه يؤثر
(قوله: في نحو طلق امرأتك) لو حذف لفظ في لكان أولى ومثله أطلقت زوجتك إلا أن الفعل بعده يكون كناية - كما
سيصرح به - بخلافه بعد طلق أو طلقي نفسك فإنك صريح، والفرق - كما في التحفة - أنه بعدهما امتثال لما سبقه
الصريح في الالزام، فلا احتمال فيه، بخلافه بعده فإنه وقع جوابا لما لا إلزام فيه فكان كناية ومثل لما يدل على المفعول
ولم يمثل لما يدل على المبتدأ أو الخبر والأول: كأن تقول له أنا طالق فقال لها: طالق، والثاني كأن يقول نساء المؤمنين

12
طوالق، وأنت يا زوجتي التقدير طالق (قوله: أو فوض إليها) أي فوض الطلاق إليها والتفويض هو تمليكها الطلاق،
ويشترط لوقوع الطلاق تطليقها فورا - كما سيصرح به - وقوله بطلقي نفسك: أي بقوله لها طلقي نفسك (قوله: فيقع) أي
الطلاق. وقوله فيهما: أي في الصورتين صورة ما إذا سبق ذكرها وصورة التفويض (قوله: وترجمته) بالجر عطف على
مشتق طلاق: أي وكترجمته. وقوله: أي مشتق بيان للضمير. وقوله ما ذكر: أي من الطلاق وما بعده. وقوله بالعجمية:
متعلق بترجمته - أو كترجمته بالعجمية وهي ما عدا العربية من سائر اللغات (قوله: فترجمة الطلاق صريح) أي لشهرة
استعمالها عندهم في معناها شهرة العربية عند أهلها، ولا ينافي تأثير الشهرة هنا عدمه في أنت علي حرام لان ما هنا
موضوع للطلاق بخصوصه بخلاف ذاك، وإن اشتهر فيه. وفي البجيرمي: وترجمة الطلاق بالعجمية: سن بوش فسن
أنت، وبوش طالق. اه‍. وقوله على المذهب: قال في المغنى: والطريق الثاني وجهان: أحدهما أنه كناية اقتصارا في
الصريح على العربي لوروده في القرآن وتكره على لسان حملة الشرع. اه‍ (قوله: وترجمة صاحبيه) أي الفراق
والسراح. وقوله صريح أيضا على المعتمد: قال في التحفة بعده على ما اقتضاه ظاهر أصله، واعتمده الأذرعي، ونقل
عن جمع الجزم به، لكن الذي في أصل الروضة عن الامام والروياني وأقراه أنها كناية لبعدها عن الاستعمال. اه‍.
وظاهرها اعتماد أنها كناية وجزم بها في شرح الارشاد فقال أما ترجمة السراح والفراق فكناية، خلافا للحاوي كما صححه
في أصل الروضة وإن أطال جمع في رده. اه‍. وجزم بها في النهاية أيضا، فعلم أن قوله على المعتمد هو جار فيه - على
ما اقتضاه ظاهر أصل المنهاج - وهو المحرر، وعلى ما اعتمده الأذرعي. وقد علمت أن المعتمد خلافه (قوله: الجزم به)
أي بهذا المعتمد، وهو ضعيف كما علمت (قوله: ومنه أعطيت) أي ومن الصريح أعطيت الخ (قوله: ويا طالق) فيه
تفصيل مضى (قوله: ويا مطلقة بتشديد اللام) أي المفتوحة وقد علمت أنه احترز به عن مطلقة بتخفيف اللام مع سكون
الطاء فإنه كناية (قوله: لا أنت طلاق ولك الطلاق) أي ليس من الصريح قوله: أنت طلاق ولك الطلاق (قوله: بل هما)
أي أنت طلاق ولك الطلاق كنايتان (قوله: كإن فعلت كذا) أي كدخول الدار، والكاف للتنظير. وقوله ففيه: أي ففي
فعلك طلاقك، وهنا وقع المصدر مبتدأ وهو كناية فهو من غير الغالب (قوله: لان المصدر الخ) علة للكناية في جميع
المثل. وقوله: لا يستعمل في العين: أي على وجه الاخبار، أما على غيره فيستعمل فيها كأوقعت عليك الطلاق - كما
تقدم - وقوله إلا توسعا: أي بضرب من التجوز كتأويل المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول كما هنا، وكتقدير مضاف
وككونه على المبالغة، ففيه الأوجه الثلاثة الجارية في نحو زيد عدل: أي عادل أو ذو عدل أو هو نفس العدل مبالغة (قوله:
ولا يضر الخطأ في الصيغة) منه قوله: أنت طوالق. وقوله مخاطبا لزوجته: أنتم أو أنتن طالق. وقوله: إذا لم يخل
بالمعنى: أي فإن أخل بالمعنى كأن قال: أنت طالب أو طالع مثلا ضر (قوله: كالخطأ في الاعراب) أي فإنه لا يضر، كما
لو قال: أنت طالقا بالنصب (قوله: فروع) أي خمسة (قوله: لو قالت له طلقني فقال هي مطلقة) هذا من أفراد الخطأ في
الصيغة - كما يفهم من التحفة -: إذ المقام للخطاب فعدوله إلى الغيبة من غير نكتة خطأ (قوله: فلا يقبل الخ) أي لو ادعى
أنه أراد غير زوجته المخاطبة لا يقبل، وذلك لان تقدم طلبها يصرف لفظ الطلاق إليها (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن

13
نقدم السؤال يصرف اللفظ إليها لو لم يتقدم شئ احتيج إلى نيته (قوله: في نحو الخ) لو قال كما في نحو الخ لكان أولى
(قوله: قال البغوي الخ) إعلم أن الأصح في أفعال المقاربة أن إثباتها إثبات ونفيها نفي كبقية الافعال.
فإذا قلت: كاد زيد أن يقوم كان المعنى قرب زيد من القيام، أو قلت ما كاد زيد أن يقوم كان المعنى لم يقرب زيد
من القيام، وعلى كل فالقيام منتف. وقيل إن إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيد أن يفعل كان المعنى أنه لم
يفعل وعليه قوله تعالى: * (يكاد زيتها يضئ) * أي أنه لم يضئ، ومعنى ما كاد زيد أن يفعل أنه فعل: أي لم يقتصر
على مقاربة الفعل، بل فعل، وعليه قوله تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * أي أنهم فعلوا بدليل فذبحوها وإلا
تناقض، وعلى هذا جرى البغوي والعراقي فقالا: لو قال: ما كدت أن أطلقك يكون إقرارا بالطلاق وهو باطل - كما في
النهاية عن الأشموني ولفظها - وقول البغوي: لو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق نظر فيه الغزي بأن النفي
الداخل على كاد لا يثبته على الأصح، إلا أن يقال: وآخذناه للعرف. قال الأشموني: المعنى ما قاربت أن أطلقك وإذا لم
يقارب طلاقها كيف يكون مقرا به، وإنما يكون إقرارا بالطلاق على قول من يقول إن نفيها إثبات وهو باطل. اه‍ (قوله:
ولو قال) أي الزوج وقوله لوليها: أي زوجته. وقوله زوجها: بصيغة الامر. وقوله فمقر بالطلاق أي فهو مقر بالطلاق: أي
وبانقضاء العدة كما هو ظاهر. ومحله إن لم تكذبه وإلا لزمتها العدة مؤاخذة لها بإقرارها اه‍. تحفة (قوله: قال المزجد
المخ) تأييد لما قبله (قوله: لو قال) أي الزوج. وقوله هذه: أي مشيرا لزوجته زوجة فلان. وقوله حكم بارتفاع نكاحه:
أي لان قوله المذكور إقرار بالطلاق - كما في المسألة التي قبله (قوله: إن غبت عنها) أي عن الزوجة (قوله: فما أنا لها
بزوج) أي أنا لست لها بزوج (قوله: بأنه إقرار) متعلق بأفتى. وقوله: بزوال الزوجية الخ. قال ع ش: قد يقال تعريف
الاقرار بأنه إخبار بحق سابق لغيره لم ينطبق على ما ذكر لأنه حين الاخبار لم تكن الغيبة وجدت حتى يكون ذلك إخبارا
عن الطلاق بعدها، فكان الأقرب أنه كناية - كما قدمناه عن حجر - في نحو إن فعلت كذا فلست لي بزوجة. اه‍. وكتب
الرشيدي قوله بأنه إقرار لا يخفى أن هذا بالنظر للظاهر، وانظر ما الحكم في الباطن إذا قصد به إنشاء التعليق؟ اه‍ (قوله:
فلها) أي الزوجة. وقوله بعدها: أي السنة. وقوله: ثم بعد انقضاء عدتها: أي ثم بعد السنة يعتبر انقضاء عدتها (قوله:
تزوج) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله وهو فلها. وقوله لغيره: أي غير زوجها (قوله: فوائد) أي تتعلق بالطلاق (قوله:
ولو قال) أي أجنبي لآخر: أي زوج (قوله: أطلقت زوجتك) مقول القول (قوله: ملتمسا الانشاء) حال من فاعل قال: أي
قال ذلك حال كونه ملتمسا من الزوج أي طالبا منه إنشاء الطلاق وإحداثه لأنه استفهام، واستعمال الاستفهام في الطلب
تجوز لا حقيقة - كما هو ظاهر - (قوله: فقال) أي الزوج مجيبا له نعم أو إي - بكسر الهمزة وسكون الياء: أي أو جير.
وقوله وقع: أي الطلاق. وقوله وكان صريحا: أي في إيقاع الطلاق، وذلك لان كلمة الجواب قائمة مقام طلقتها، وهو
صريح فما قام مقامه مثله (قوله: فإذا قال: طلقت) أي بدل قوله نعم. وقوله كان كناية: أي على الأوجه عند ابن حجر.
قال سم: وفي شرح الروض أيضا وفي النهاية الأصح أنه صريح. اه‍ (قوله: لان نعم الخ) بيان للفرق بين نعم - حيث
أنها من الصرائح - وطلقت - حيث أنها من الكنايات (قوله: فاحتملت الجواب) وعليه يقع الطلاق. وقوله والابتداء:



(1) سورة النور، الآية: 35.
(2) سورة البقرة، الآية: 71.
14
وعليه لا يقع، فلما تطرق إليه الاحتمال اندرج في سلك الكناية فاحتاج إلى النية (قوله: أما إذا قال) أي الأجنبي. وقوله له:
أي للزوج. وقوله ذلك: أي أطلقت زوجتك. وقوله مستخبرا: أي حال كونه مستخبرا: أي مستفهما أنه وقع منه
طلاق أم لا. وقوله فأجاب: أي الزوج بنعم. وقوله فإقرار بالطلاق: أي لأنه صريح إقرار (قوله: ويقع) أي الطلاق عليه.
وقوله ظاهرا: أما باطنا فلا يقع. وقوله إن كذب: أي في إقراره بقوله: نعم (قوله: ويدين) أي يعمل بدينه باطنا. وفي
البجيرمي: التديين لغة أن يوكل إلى دينه، واصطلاحا عدم الوقوع فيما بينه وبين الله إن كان صادقا على الوجه الذي
أراده. اه‍ (قوله: وكذا الخ) أي وكذا يقع عليه الطلاق ظاهرا لو جهل الزوج حال السؤال: أي هل أراد السائل به التماس
الانشاء أو الاستخبار. وفي سم ما نصه:
فرع: لو قصد السائل بقوله: أطلقت زوجتك الانشاء فظنه الزوج مستخبرا، وبالعكس فينبغي اعتبار ظن الزوج
وقبول دعواه ظن ذلك. اه‍ (قوله: فإن قال) أي في صورة الاقرار. وقوله أردت: أي بقولي نعم طلاقا سابقا وقد راجعت
الآن (قوله: صدق بيمينه) جواب إن (قوله: لاحتماله) أي ما يدعيه (قوله: ولو قيل لمطلق أطلقت زوجتك ثلاثا) أي
وكان القائل ملتمسا الانشاء أو مستخبرا كالذي قبله والفرق بينهما بالتقييد بثلاثا في هذه دون تلك (قوله: فقال) أي الزوج
طلقت. وقوله وأراد واحدة: أي قال إني أردت طلقة واحدة: أي منشأة أو إقرارا (قوله: صدق بيمينه) أي في أنه طلق
طلقة واحدة (قوله: لان طلقت محتمل للجواب) وعليه يقع الطلاق ثلاثا تنزيلا للجواب على السؤال. وقوله والابتداء:
وعليه لا يقع شئ أصلا ولما احتمل ما ذكر صار كناية في الطلاق، وفي العدد أيضا. فإذا نوى طلقة واحدة وقعت لا غير
ويصدق في ذلك بيمينه (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل احتمال ما ذكر الجواب والابتداء (قوله: لو قالت) أي لزوجها.
وقوله فقال: أي الزوج. وقوله ولم ينو عددا: أي لا واحدة ولا أكثر (قوله: فواحدة) أي فتقع طلقة واحدة وذلك لاحتمال
قوله لها: طلقتك الجواب والابتداء ولا يتعين للجواب وإلا وقع ثلاثا لا غير، ولا يقال هنا لما احتمل ما ذكر صار كناية في
الطلاق لأنه صريح فيه مطلقا - سواء نوى به الجواب أو الابتداء - وإنما يقال فيه لما احتمل الابتداء لم يختص بعدد، فهو
بحسب النية إن نوى شيئا تعين وإن لم ينو شيئا يحمل على أقل المراتب وهو طلقة واحدة ونصه: ولو قالت طلقني ثلاثا
فقال: طلقتك ولم ينو عددا فواحدة، وفيه نظر. قال في شرحه: لان الجواب منزل على السؤال فينبغي وقوع ثلاث - كما
مر - فيما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت بلا نية طلقت، وقد يجاب عنه بأن السائل في تلك مالك للطلاق بخلافه في
ذلك. اه‍ (قوله: ولو قال) أي الزوج. وقوله ابنتك طالق: مقول القول (قوله: وقال) أي الزوج وقوله أردت بنتها
الأخرى: أي التي هي ليست زوجته، فإن لم يقل ذلك لا يصدق فتطلق عليه زوجته (قوله: صدق بيمينه) أي فلا تطلب
عليه زوجته وذلك لصلاحية اللفظ لهما. واستشكل ذلك بما لو أوصى بطبل من طبوله فإنه ينصرف للصحيح. وأجيب
بأنهما على حد واحد لان ذاك حيث لا نية له وهنا إذا لم تكن له نية ينصرف لزوجته (قوله: كما لو قال لزوجته الخ) الكاف
للتنظير. أي نظير ما لو قال: لزوجته وأجنبية إحداكما طالق: أي فإن يصدق بيمينه ولا تطلق عليه زوجته (قوله: وقال
قصدت الأجنبية) فإن لم يقل ذلك طلقت عليه زوجته كالذي قبله قال في التحفة: نعم إن كانت الأجنبية مطلقة منه أو من
غيره لم ينصرف لزوجته على ما بحثه الأسنوي لصدق اللفظ عليهما صدقا واحدا مع أصل بقاء الزوجية. اه‍ (قوله:
لتردد اللفظ الخ) علة لتصديقه بيمينه فيما لو قال لزوجته وأجنبية ما ذكر: أي وإنما صدق بيمينه لتردد اللفظ وهو إحداكما

15
بين زوجته والأجنبية فصحت إرادتها: أي الأجنبية. وفي بعض النسخ إرادته - بضمير المذكر - وعليه يكون الضمير عائدا
على الزوج، ومتعلق إرادة محذوفا: أي إرادته للأجنبية. ويصح على هذا أيضا أن تكون العلة للمسألتين المنظرة،
والمنظر بها إلا أنه يجعل المتعلق شيئين الأجنبية وبنت أم زوجته (قوله: بخلاف ما لو قال) أي ابتداء وبعد سؤال طلاق.
وقوله زينب طالق: أي ولم يرفع في نسبها ما تتميز به. اه‍. مغني (قوله: وقصد أجنبية) أي وقال لم أقصد زوجتي، بل
قال قصدت أجنبية اسمها زينب (قوله: فلا يقبل قوله) أي الزوج في إرادته الأجنبية، وذلك لأنه خلاف المتبادر (قوله: بل
يدين) أي فيما بينه وبين الله تعالى لاحتماله وإن بعد قال في التحفة بعده: إذ الاسم العلم لا اشتراك ولا تناول فيه وضعا،
فالطلاق مع ذلك لا يتبادر إلا إلى الزوجة، بخلاف إحداكما فإنه يتناول الأجنبية كما يتناول الزوجة وضعا تناولا واحدا
فأثرت فيه نية الأجنبية. اه‍. بتصرف (قوله: مهمة) أي في بيان ما لو أبدل حرفا من لفظ الطلاق بآخر (قوله: ولو قال
عامي الخ) خرج به الفقيه، فما ذكره كناية فيه مطلقا سواء كانت لغته كذلك أم لا. وقوله أعطيت تلاق الخ: في سم (فرع)
لو قال: أنت دالق بالدال فيمكن أن يأتي فيه ما يأتي في تألق بالتاء لان الدال والطاء أيضا متقاربان في الابدال، إلا أن هذا
اللفظ لم يشتهر في الألسنة كاشتهار تألق، فلا يمكن أن يأتي فيه القول بالوقوع مع فقد النية. اه‍ (قوله: وقع به) أي
باللفظ المذكور بالطلاق (قوله: وكان) أي اللفظ المذكور. وقوله صريحا في حقه: أي العامي. وأطلق م ر أنه كناية،
وقال: بناء على أن الاشتهار لا يلحق غير الصريح به بل كان القياس عدم الوقوع. ولو نوى لاختلاف مادتهما: إذ التلاق
من التلاقي، والطلاق الافتراق. اه‍ (قوله: إن لم يطاوعه لسانه الخ) قيد في صراحة هذا اللفظ. وقوله: إلا على هذا
اللفظ المبدل: أي الحرف المبدل عن غيره كالتاء في المثال الأول بدل الطاء (قوله: وإلا) أي بأن طاوعه لسانه على
الصواب ولم يكن ممن لغته كذلك فهو كناية (قوله: لان ذلك الابدال له أصل في اللغة) علة لوقوع الطلاق باللفظ المبدل
مطلقا صريحا كان أو كناية وإن كان المتبادر من صنيعه أنه راجع لما بعد وإلا. وفي التحفة بعد التعليل المذكور ما نصه:
يؤيده إفتاء بعضهم فيمن حلف لا يأكل البيظ - بالظاء المشالة - بأنه يحنث بنحو بيض الدجاج إن كان من قوم ينطقون
بالمشالة في هذا أو نحوه. اه‍. وفي سم ما نصه في فتاوى السيوطي بسط كبير فيمن قال لزوجته: أنت تألق ناويا به
الطلاق هل يقع به طلاق؟ قال: فأجبت الذي عندي أنه إن نوى به الطلاق وقع سواء كان عاميا أو فقهيا ولا يقال: إنه
بمنزلة ما لو قال: أنت تألق فإنه لا يقع به شئ لان حرف التاء قريب من مخرج الطاء ويبدل كل منهما من الآخر في كثير
من الألفاظ فأبدلت التاء طاء في قولهم طرت يده وترت: أي سقطت وضرب يده بالسيف فأطرها وأترها: أي قطعها
وأبدلت التاء طاء في نحو مصطفى ومضطر، ثم أيد الوقوع من المنقول بمسألة ما إذا اشتهر اللفظ للطلاق كالحلال علي
قال: ولا يظن أحد اختصاصه بلفظ الحلال على حرام ونحوه فإنما ذكر هذه على سبيل التمثيل. فالضابط لفظ يشتهر في
بلد أو فريق استعماله في الطلاق، وهذا اللفظ اشتهر في ألسنة العوام استعماله فيه فهو كناية في حقهم عند النووي
وصريح عند الرافعي، وأما في حق غيرهم من الفقهاء. وعوام بلد لم يشتهر عندهم ذلك في لسانهم فكناية، ولا يأتي.
قوله بأنه صريح قال: وأما من قال: إن تألقا من التلاق - وهو معنى غير الطلاق - فكلامه أشد سقوطا من أن يتعرض لرده،
فإن التلاق لا يبنى منه وصف على فاعل. اه‍. وقوله: وأما من قال الخ يرد كلام م ر السابق (قوله: ويقع بكناية) أصل
المتن وبكناية، فهو معطوف على قوله: سابقا بصريح وهو مقابل له وتقدير الشارح لفظ يقع حل معنى لا إعراب لان
متعلقه مذكور وهو يقع أول الفصل والكناية في اللغة الخفاء والايماء إلى الشئ من غير تصريح به، فلما كانت الألفاظ

16
الآتية فيها خفاء وإيماء إلى الطلاق من غير تصريح به سميت كناية (قوله: وهي ما يحتمل الطلاق وغيره) أي الكناية لفظ
يحتمل الطلاق، ويحتمل غير الطلاق، لكن احتماله للأول أقرب. وفي ترغيب المشتاق ضابط الكناية أن يكون للفظ
إشعار قريب بالفرقة ولم يسمع استعماله فيه شرعا. اه‍. وذلك كقوله: أنت برية فإنه يحتمل الطلاق لكون المراد برية من
الزوج ويحتمل غير الطلاق لكون المراد برية من الدين أو من العيوب وهكذا. وخرج بذلك ما لا يحتمل ما ذكر نحو قومي
واقعدي وأطعميني واسقيني وزوديني وما أشبه ذلك فلا يقع به طلاق وإن نواه لان اللفظ لا يصلح له (قوله: إن كانت مع
نية الخ) قيد في وقوع الطلاق بالكناية: أي يقع الطلاق بالكناية إن كانت مع نية لايقاع الطلاق زاد في التحفة: ومع قصد
حروفه أيضا، ثم قال: فإن لم ينو ذلك لم يقع إجماعا سواء الكناية الظاهرة، وهي المقترن بها قرينة كأنت بائن بينونة
محرمة لا تحلين لي أبدا - وغيرها - كلست لي بزوجة إلا إن وقع في جواب دعوى فإنه إقرار. وقد يؤخذ من ذلك ما بحثه
ابن الرفعة أن السكران لا ينفذ طلاقه بها لتوقفه على النية وهي مستحيلة منه، فمحل نفوذ تصرفه السابق إنما هو بالصرائح
فقط، ولك أن تقول شرط الصريح أيضا قصد لفظه مطلقا أو لمعناه كما تقرر والسكران يستحيل عليه قصد ذلك أيضا،
فكما أوقعوه به ولم ينظروا لذلك فكذا هي. اه‍. بتصرف. وكتب سم قوله: قصد لفظه الخ. قد يقال: المراد بهذا
الشرط عدم الصارف لا حقيقة القصد، فلا دليل فيه لما ذكره، ولا وجه للايقاع عليه بالكناية ما لم يقر بأنه نوى، وهو مراد
ابن الرفعة. اه‍. (قوله: مقترنة بأولها) أي وإن عزبت في آخرها استصحابا لحكمها في باقيها. وخرج بقوله: أولها
آخرها فلا يكفي اقتران النية به لان انعطافها على ما مضى بعيد (قوله: ورجح في أصل الروضة الخ) ورجح في المنهاج
اشتراط الاقتران بكل اللفظ. وعبارته: وشرط نية الكناية اقترانها بكل اللفظ. قال في المغني: فلو قارنت أوله وعزبت قبل
آخره لم يقع طلاق. اه‍. فتحصل أن الأقوال ثلاثة، وقد صرح بها كلها في فتح الجواد مع الأصل وعبارتهما: وشرط تأثير
الكناية أن يكون لفظها مصحوبا بنية للطلاق إجماعا، وأن تكون النية قد قارنت أوله. وفي المنهاج جميعه. وفي أصل
الروضة تكفي مقارنتها ولو لآخره، وصحح كلا جماعة - كما بينته في الأصل - مع بيان أن الأخير هو الأوجه. وتعليل الأول
بأن انعطافها على ما مضى بعيد، بخلاف استصحاب ما وجد يجاب عنه بأن هذا إنما ينظر إليه في العبادات، وأما غيرها
فالقصد صون اللفظ عن نحو الهذيان، وصونه يحصل باقتران النية بجزء من أجزائه فليس هنا انعطاف يستبعد وأن الأوجه
أيضا أن اللفظ المختلف في الاقتران به هو جميع أنت بائن مثلا لا بائن فقط. اه‍. (قوله: وهي) أي الكناية (قوله:
كأنت الخ) أتى بالكاف لان كنايات الطلاق لا تنحصر فيما ذكر، بل هي كثيرة والضابط فيها كل لفظ أشعر بالفرقة إشعارا
قريبا ولم يسمع استعماله فيه شرعا ولا عرفا، ثم إن الشارح أتى في جميع هذه الكنايات بالمعنى الموقع للطلاق وترك
الاحتمال الآخر لان الأول هو المقصود (قوله: أو حرمتك) جملة فعلية، ويقرأ الفعل بتشديد الراء المفتوحة (قوله: ولو
تعارفوه طلاقا) أي أن ما ذكر من قوله أنت علي حرام وما بعده كناية وإن اشتهر عندهم في الطلاق، وذلك لان التحريم قد
يكون بغير الطلاق. وقوله خلافا للرافعي: أي حيث قال إنه صريح في الطلاق إن اشتهر. وعبارة المنهاج: ولو اشتهر لفظ
للطلاق كالحلال أو حلال الله علي حرام فصريح في الأصح. قلت: الأصح انه كناية والله أعلم. قال في التحفة: أي لأنه
لم يتكرر في القرآن للطلاق ولا على لسان حملة الشريعة. اه‍. (قوله: ولو نوى تحريم عينها) أي نوى بقوله: أنت علي
حرام وما بعده تحريم عينها أو فرجها أو وطئها أي أو رأسها أو رجلها ولم ينو به الطلاق (قوله: لم تحرم) أي لما روى
النسائي أن ابن عباس سأله من قال ذلك فقال كذبت: أي ليست زوجتك عليك بحرام ثم تلا أول سورة التحريم. اه‍.
تحفة (قوله: وعليه مثل كفارة يمين) أي وعلى من قال: أنت علي حرام ونوى تحريم عينها أو وطئها، أو نحو ذلك مثل

17
كفارة اليمين حالا وإن لم يطأها بعد ذلك: كما لو قاله لامته أخذا من قصة مارية رضي الله عنها النازل فيها قوله تعالى: *
(يا أيها النبي لم تحرم) * الآية على الأشهر عند أهل التفسير كما قاله البيهقي، روى النسائي عن أنس رضي الله عنه أن
النبي (ص) كانت له أمة يطؤها أي وهي مارية أم ولده إبراهيم فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله
تعالى: * (لم تحرم ما أحل الله لك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي أوجب عليكم كفارة كالكفارة التي تجب في
الايمان. وقال البيضاوي: تحلة أيمانكم أي تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة الخ، وإنما قال: وعليه مثل الخ، لان هذا
اللفظ ليس يمينا إذ اليمين ما كانت بأسماء الله وصفاته ومحل وجوبها في غير نحو رجعية ومعتدة ومحرمة كأخته المملوكة
له، وذلك لصدقه في وصفهن بالتحريم (قوله: ولو قال: هذا الثوب أو الطعام) أي أو نحوهما من كل ما ليس ببضع.
وقوله: فلغو لا شئ فيه أي لا كفارة فيه ولا غيرها. وعبارة الروض وشرحه: ولو حرم الشخص غير الإبضاع كأنه قال: هذا
الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي فلا كفارة عليه. بخلاف الإبضاع لاختصاصها بالاحتياط ولشدة قبولها التحريم بدليل
تأثير الظهار فيها دون الأموال وكالأموال - فيما يظهر - قول الشخص: لغير زوجة ولا أمة له أنت حرام علي. اه‍. وفي
المعنى لو حرم كل ما يملك وله نساء وإماء لزمته الكفارة - كما علم مما مر - ويكفيه كفارة واحدة، كما لو حلف لا يكلم
جماعة وكلمهم. اه‍ (قوله: وأنت خلية أي من الزوج) ويحتمل خلية من المال أو من العيال فإذا قصد الطلاق وقع وإلا
فلا. وقوله أو بريئة منه: أي الزوج ويحتمل من الدين أو العيوب فلا يقع إلا إن قصده (قوله: وبائن) هو اللغة الفصحى
والقليل بائنة. وقوله أي مفارقة. بيان للمعنى المقصود هنا وهو بصيغة اسم المفعول من الفراق. ويحتمل أنه من البين
وهو البعد لبعد مكانها عنه فلا يقع به الطلاق إلا إن قصده (قوله: وكأنت حرة) إنما كان كناية لصلاحيته للمراد وهو زوال
ملكه عنها الذي هو الانتفاع بالبضع، ولغير المراد وهو زوال الملك عنها بالعتق مثلا. فإذا قصد المعنى الأول الذي هو
معنى الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: ومطلقة بتخفيف اللام) أي المفتوحة أو المكسورة. وقوله أو أطلقتك: إنما كان مع
الذي قبله من الكناية لاحتمالهما الاطلاق من الوثاق والاطلاق من عصمة النكاح، فإذا قصد المعنى الثاني وقع وإلا فلا
(قوله: وأنت كأمي أو بنتي أو أختي) أي في العطف والحنو أو في التحريم: أي أنت محرمة علي لأني طلقتك كتحريم
أمي الخ، فإذا قصد إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا (قوله: وكيا بنتي الخ) قال في: شرح الروض: وإنما لم يكن صريحا لأنه
إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. اه‍. وقوله: لممكنة كونها بنته: أي قال: يا بنتي لزوجة ممكنة كونها
بنته. وقوله باحتمال السن: أي بأن يمكن أن مثله يولد له مثلها. وقوله وإن كانت معلومة النسب: أي من غيره وهو غاية،
لكون يا بنتي من ألفاظ الكناية (قوله: وكأعتقتك).
اعلم أن كل لفظ صريح أو كناية في الاعتاق كناية في الطلاق وكل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية في الاعتاق
وذلك لدلالة كل منهما على إزالة ما يملكه وقوله: وتركتك أي لأني طلقتك ويحتمل تركتك من النفقة. وقوله وقطعت
نكاحك: أي لأني طلقتك ويحتمل قطعت الوطئ عنك. وقوله: وأزلتك أي من نكاحي لأني طلقتك ويحتمل أزلتك من
داري. وقوله وأحللتك: يحتمل أحللتك للأزواج لأني طلقتك ويحتمل أحللتك من الدين الذي لي عندك فقول الشارح:
أي للأزواج بيان للاحتمال الأول المراد هنا وقوله: وأشركتك مع فلانة يحتمل الطلاق ويحتمل أشركتك معها في المال أو
في الدار. وقوله: وقد طلقت أي فلانة والجملة حالية. وقوله منه: أي من القائل لزوجته ما ذكر. وقوله أو من غيره: أي



(1) سورة التحريم، الآية: 1.
(2) سورة التحريم، الآية: 1.
18
زوج غيره (قوله: وكتزوجي) أي لأني طلقتك ويحتمل من التزوج وهو مطلق الاختلاط: أي اختلطي وامتزجي بي
(قوله: وأنت حلال لغيري) أي لأني طلقتك، ويحتمل إذا طلقتك في المستقبل فأنت حلال لغيري أو أنت حلال لغيري
من قبل أن أتزوج بك (قوله: بخلاف قوله للولي زوجها فإنه صريح) أي في الاقرار بالطلاق ليوافق ما قدمه من أن قوله
للولي ما ذكر إقرار بالطلاق ويفيد هذا ما صرح به في النهاية من أن عندهم ألفاظا يجعلونها كناية في الاقرار ونصها: وفي
قوله: بانت مني أو حرمت علي كناية في الاقرار به. وقوله لوليها زوجها: إقرار بالطلاق. وقوله لها تزوجي وله زوجنيها:
كناية فيه. اه‍. وقوله فيه: قال ع ش: أي في الاقرار. اه‍ (قوله: واعتدي أي لأني طلقتك) ويحتمل اعتدي من الغير
الواطئ بشبهة مثلا، أو أن اعتدي بمعنى عدي الأيام مثلا كاعتد عليهم بالسخلة. اه‍. ش ق (قوله: وودعيني من
الوداع) أي لأني طلقتك، ويحتمل اجعلي عندي وديعة (قوله: وكخذي طلاقك) يحتمل الطلاق الذي هو حل عصمة
النكاح ويحتمل الطلاق الذي هو فك الوثاق وقوله: ولا حاجة لي فيك: يحتمل لأني طلقتك - كما قاله الشارح - ويحتمل
لأني قضيت حاجتي بنفسي من غير احتياج إليك (قوله: ولست زوجتي) أي لأني طلقتك فنفي الزوجية مترتب على
الانشاء الذي نواه، ويحتمل لا أعاملك معاملة الزوجة في النفقة عليك، والقسم مثلا بل أترك ما ذكر، فالمراد نفي بعض
آثار الزوجية. فلما احتمل ما ذكر - ولو كان احتمالا غير ظاهر - احتاج لنية الايقاع. وقوله إن لم يقع: في جواب دعوى بأن
قال ذلك ابتداء. وقوله وإلا فإقرار: أي وإن وقع في جواب دعوى بأن ادعت عليه بأنها زوجته لتطلب منه النفقة فأنكر
وقال: لست بزوجتي فيكون اقرارا بالطلاق. قال سم: هل يشترط وقوع الدعوى عند الحاكم؟ اه‍. قال ع ش: أقول
الظاهر أنه لا يشترط الخ. اه‍. وكتب الرشيدي على قول م ر فإقرار ما نصه: ربما يأتي في الدعاوى والبينات ما يخالف
هذا فليراجع. انتهى. عبارته هناك: ولو ادعت زوجية رجل فأنكر فحلفت اليمين المردودة ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها
وحل له اصابتها لان إنكار النكاح ليس بطلاق. قاله الماوردي: ومحل حل اصابتها باعتبار الظاهر لا الباطن إن صدق في
الانكار. اه‍. وقوله لان إنكار الخ: هذا هو محل المخالفة (قوله: وذهب طلاقك) يحتمل أن المراد خرج وجرى مني
طلاقك إن فعلت كذا، ويحتمل أن المراد ذهب عني فلا أريده بعد أن كنت مصمما عليه. وقوله أو سقط طلاقك: يحتمل
أن المراد سقط وطرح من لساني الطلاق: أي إني طلقتك، ويحتمل أن المراد سقط عني طلاقك: أي لا يقع علي. وقوله
إن فعلت كذا: راجع للصورتين. والتاء يحتمل أن تكون تاء المتكلم ويحتمل أن تكون تاء المخاطبة (قوله: وكطلاقك
واحد وثنتان) يحتمل أن المراد الاخبار بأن الطلاق الذي تبينين به واحد وثنتان، ويحتمل أن المراد إنشاء طلاقك واحد
وثنتان: أي إني أنشأت طلاقك بالثلاث (قوله: فإن قصد به الايقاع الخ) يحتمل أنه راجع لقوله: وكطلاقك واحد وثنتان
وهو المتبادر من صنيعه، ويحتمل أنه راجع لجميع ما تقدم من ألفاظ الكناية، وعليه فضمير به يعود على المذكور (قوله:
وكلك الطلاق) أي فإنه كناية وقوله أو طلقة أي أو لك طلقة فإنه كناية (قوله: وكذا سلام عليك) أي فإنه كناية. وقوله على
ما قاله ابن الصلاح: أي معللا له بأنه يقال عند الفراق. اه‍. مغني (قوله: ونقله شيخنا في شرح المنهاج) لم ينقله عن
أحد - كما يعلم من عبارته - ونصها: وسلام عليك وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما. اه‍. وبقي من ألفاظ الكناية
تجردي وتزودي واخرجي وسافري وتقنعي وتستري وبرئت منك والزمي أهلك ونحو ذلك (قوله: لا منها الخ) أي ليس من
ألفاظ الكناية مثل طلاقك عيب أو نقص وقلت كلمتك أو أعطيت كلمتك أو حكمك وليس منها أيضا نحو قومي واقعدي

19
وأغناك الله وأحسن الله جزاءك واغزلي والباب مفتوح، وذلك لعدم إشعارها بالفرقة إشعارا قريبا فلا يقع بها طلاق وإن نواه
(قوله: فلا يقع به) أي بما ذكر. ولو قال بها - أي بالألفاظ المذكورة من قوله لا منها الخ - لكان أنسب بما بعده فإنه فيه أنث
الضمير (قوله: وإن نوى الخ) غاية في عدم وقوع الطلاق بالألفاظ المذكورة. وقوله بها: متعلق بما بعده ويحتمل أنه
متعلق بنوى (قوله: لأنها الخ) تعليل لعدم الوقوع: أي وإنما لم يقع بها الطلاق وإن نواه لأنها ليست من الكنايات التي
تحتمل الطلاق بلا تعسف، بل هي من الكنايات التي تحتمل الطلاق بتعسف، وشرط الكناية الأولى - كما تقدم عن
ترغيب المشتاق والتعسف هو ارتكاب الأمور الشاقة (قوله: ولا أثر الخ) أي ولا عبرة باشتهار هذه الألفاظ التي ليست من
الكنايات في الطلاق في بلدة من قطر (قوله: ولو نطق بلفظ من هذه الألفاظ الملغاة) أي التي ليست من الكنايات، وذلك
كطلاقك عيب وما بعده (قوله: فقال له الآخر:) الأولى حذف أل. وقوله مستخبرا: أي طالبا الاخبار. وخرج به ما إذا قال
ذلك: ملتمسا إنشاء الطلاق فإنه يقع بقوله نعم (قوله: ظانا الخ) حال من فاعل قال العائد على الزوج: أي قال الزوج نعم
ظانا أن الطلاق يقع باللفظ الذي نطق به أولا، وهو طلاقك عيب مثلا (قوله: لم يقع) أي الطلاق بقوله نعم ظانا ما ذكر،
وهو جواب لو (قوله: كما أفتى به) أي بعدم الوقوع شيخنا (قوله: وسئل البليقني الخ) تأييد لفتوى شيخه المذكورة (قوله:
عما لو قال لها) أي لزوجته. وقوله: أنت علي حرام: مقول القول (قوله: وظن) أي الزوج. وقوله أنها طلقت به ثلاثا أي
بقوله لها أنت علي حرام (قوله: فقال لها: أنت طالق ثلاثا) أي بعد قوله لها أولا: أنت علي حرام. وقوله ظانا الخ: حال
من فاعل قال: أي قال الزوج: أنت طالق ثلاثا حالة كونه ظانا وقوع الطلاق الثلاث بالعبارة الأولى: أي قوله: أنت علي
حرام (قوله: فأجاب) أي البلقيني. وقوله بأنه: أي الزوج (قوله: لا يقع عليه طلاق بما أخبر به ثانيا) في بعض نسخ
الخط بانيا بالباء الموحدة وهي أنسب بقوله: على الظن المذكور، وعلى ما في معظم النسخ من أنه بالثاء المثلثة يكون
قوله: على الظن المذكور متعلقا بحال محذوفة وتقدر بانيا. وخرج به ما إذا قال ذلك لا بانيا له على الظن المذكور فيقع به
الطلاق ثلاثا لأنه صريح به (قوله: ويجوز لمن ظن صدقه) أي الزوج في قوله: إنه قال: أنت طالق ثلاثا بناء على الظن
المذكور. وقوله أن لا يشهد عليه: أي بوقوع الطلاق ثلاثا (قوله: فرع) أي في بيان أن الكتابة كناية سواء صدرت من
ناطق أو من أخرس، فإن نوى بها الطلاق وقع لأنها طريق في إفهام المراد - كالعبارة - ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق
أن يكتب إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك (قوله: لو كتب) أي إلى زوجته أو إلى وليها. وفي المغني ما نصه: تنبيه:
احترز بقوله: كتب عما لو أمر أجنبيا فكتب لم تطلق وإن نوى الزوج، كما لو أمر أجنبيا أن يقول لزوجته: أنت بائن، ونوى
خلافا للصيمري في قوله إنه لا فرق بين أن يكتب بيده وبين أن يملي على غيره. اه‍ وقوله صريح طلاق: أي كطلقتك أو
طلقت بنتك. وقوله أو كنايته: أي كأنت خلية أو بنتك خلية مني (قوله: ولم ينو إيقاع الطلاق) أي بما كتبه. وخرج به ما

20
إذا نواه من غير تلفظ به فإنه يقع على الأظهر - كما في المنهاج - ونصه: فإن نواه فالأظهر وقوعه. قال في المغني: لان
الكناية طريق في إفهام المراد، وقد اقترنت بالنية ولأنها أحد الخطابين فجاز أن يقع بها الطلاق كاللفظ. اه‍ (قوله: فلغو)
أي فالمكتوب لغو لان الكتابة تحتمل النسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها (قوله: ما لم يتلفظ الخ) قيد في كون
المكتوب لغوا، وخرج به ما لو تلفظ به مع عدم النية فإنه يقع. وقوله بصريح ما كتبه: أي بما كتبه الصريح في الطلاق،
فالإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف. وأفاد به أنه إذا تلفظ بالمكتوب الكنائي ولم ينو إيقاع الطلاق لا يقع وهو كذلك
إذ الكناية محتاجة إلى النية مطلقا - سواء كتبت أولم تكتب - فتحصل أن التلفظ بالمكتوب من غير نية يقع به الطلاق إذا
كان صريحا، فإن كان كناية فلا بد مع التلفظ به من النية (قوله: نعم، يقبل الخ) تقييد لوقوع الطلاق بالتلفظ بالمكتوب
من غير نية: أي أن محل الوقوع بما ذكر عند عدم النية إذا لم يقل أردت قراءة المكتوب لا إنشاء الطلاق، وإلا صدق
بيمينه لاحتمال ما قاله. أما إذا نوى عند الكتابة إيقاع الطلاق ثم تلفظ به وقال أردت قراءة المكتوب فلا يفيد قوله المذكور
شيئا. إذ العبرة بالنية فيقع عليه الطلاق. واعلم أن الخلاف السابق في اقتران النية بأول الكناية أو جميعها أو بأي جزء
يجري في الكتابة أيضا.
تنبيه: تعرض للكتابة ولم يتعرض للإشارة. وحاصله أن إشارة الأخرس بالطلاق يعتد بها سواء كان قادرا على
الكتابة أم لا، وسواء كان خرسه عارضا أو أصليا. ثم إن فهم طلاقه بها كل أحد كأن قيل له: طلق فأشار بثلاث أصابع
فصريحة وإن اختص بفهم الطلاق منها فظنون فكناية - وإن انضم إليها قرائن - وقيل إن لم يفهمها أحد فلغو. وتعرف نية
الأخرس فيما إذا كانت إشارته كناية بإشارة أخرى أو كتابة. ومثل الطلاق في ذلك سائر العقود. والحلول كالفسخ والعتق
والأقارير والدعاوي وغيرها. نعم: لا يعتد بها في الشهادة والصلاة والحنث. وقد نظمها بعضهم في قوله:
إشارة الأخرس مثل نطقه فيما عدا ثلاثة لصدقه
في الحنث والصلاة والشهادة تلك ثلاثة بلا زيادة
يعني لو حلف أن لا يتكلم فأشار بذلك لم يحنث أو شهد بالإشارة لا تقبل لأنها يحتاط لها أو أشار في صلاته لا
تبطل صلاته فلو باع في صلاته بالإشارة انعقد البيع ولا تبطل صلاته. وبه يلغز ويقال: لنا إنسان يبيع ويشتري في صلاته
عامدا عالما ولا تبطل صلاته. ويتصور الحلف على عدم الكلام مع أنه أخرس فيما إذا كان الخرس طارئا على الحلف به
(قوله: ولا يلحق الكناية بالصريح) أي لا يجعلها من الصريح بحيث لا تحتاج إلى نية. وقوله: طلب المرأة الطلاق: أي
تقدم طلب المرأة للطلاق على اللفظ الكنائي بأن تقول له: طلقني فيقول لها: أنت برية مثلا (قوله: ولا قرينة غضب)
الإضافة بيانية: أي ولا يلحقها به قرينة هي غصب (قوله: ولا اشتهار الخ) أي ولا يلحقها به أيضا اشتهار بعض ألفاظ
الكنايات في الطلاق كأنت حرام علي (قوله: وصدق منكر نية) أي أو مثبتها بدليل التفريع الآتي. وقوله بيمينه، متعلق
بصدق (قوله: في أنه الخ) متعلق بيمينه، وفي بمعنى على: أي يصدق بخلفه على أنه ما نوى بالكناية الطلاق (قوله:
فالقول الخ) في معنى التعليل لما قبله. ولو قال: لان القول الخ لكان أولى (قوله: إثباتا ونفيا) منصوبان على التمييز
المحول عن المضاف أي فالقول في إثبات النية أو نفيها. وقوله: قول الناوي: الأنسب قول المتلفظ بالكناية، إذ قال في
حالة النفي لا يسمى ناويا (قوله: إذ لا تعرف) أي النية، وهو تعليل لكون القول في النية قول الناوي. وقوله إلا منه: أي
من الناوي (قوله: فإن لم تمكن الخ) مقابل لمحذوف: أي هذا إن أمكن معرفة نيته فإن لم تمكن الخ. وقوله مراجعة

21
نيته: الإضافة لأدنى ملابسة أي مراجعته في نيته. ولو قال: معرفة نيته لكان أولى. وقوله: بموت الخ: الباء سببية متعلق
بتمكن: أي لم تمكن بسبب موت أو فقد (قوله: لم يحكم الخ) جواب إن. وقوله: بوقوع الطلاق، أي على من لم تمكن
معرفة نيته لفقد أو موت (قوله: لان الأصل بقاء العصمة) علة عدم الحكم عليه بوقوع الطلاق (قوله: فروع) أي سبعة،
والفرع الأول منها قد صرح به في كلامه قبل قوله ويقع بكناية (قوله: من اسم زوجته فاطمة مثلا) أي أو هند أو عائشة
(قوله: فقال) أي الزوج. وقوله ابتداء: أي من غير تقدم سؤال أو جوابا: أي أو قال ذلك جوابا لطلبها الطلاق. وقوله
فاطمة. طالق: مقول القول (قوله: وأراد غيرها) أي وقال: أردت فاطمة غير زوجتي (قوله: لم يقبل) أي على الأصح،
وقيل يقبل - كما في الروض وشرحه - ونصهما: وإن قال: زينب طالق وأراد غير زوجته قبل إلا إن سبق استدعاؤها - كذا
نقله الأصل هنا عن فتاوي القفال - والأصح عدم القبول - كما جزم به المصنف في الباب الخامس في الشك في
الطلاق - اه‍. (قوله: ومن قال لامرأته: يا زينب أنت طالق) أي ومن خاطب امرأته بقوله لها: يا زينب أنت طالق. وقوله
واسمها عمرة: أي والحال أن امرأته اسمها عمرة لا زينب (قوله: طلقت) أي امرأته عليه، وهو جواب من، وقوله
للإشارة: أي المعنوية الحاصلة بالنداء إذ هو التوجه للمخاطب والاقبال عليه بحرف من حروف النداء (قوله: ولو أشار)
أي الزوج أي بندائها. وقوله وقال: يا عمرة لو قال بقوله يا عمرة لكان أولى: إذ الإشارة في المثال بالنداء وإن كان غير
متعين (قوله: واسم زوجته عمرة) أي كالمشار إليها (قوله: لم تطلق) أي زوجته المسماة بعمرة لوجود القرينة الصارفة
للفظ عنها وهي الإشارة إلى الأجنبية (قوله: مشيرا لاحدى امرأتيه) أي بأن قال: امرأتي هذه (قوله: وأراد الأخرى) أي
وقال: أردت بامرأتي طالق الأخرى لا المشار إليها (قوله: قبل بيمينه) قال: في شرح الروض: ولا يلزمه بالإشارة شئ،
وقيل: لا يقبل بل تطلقان جميعا. اه‍. (قوله: ومن له زوجتان) من موصولة واقعة مبتدأ خبر قوله: قبل وصلة الموصول
جملة له زوجتان (قوله: اسم كل واحدة منهما): أي من زوجتيه (قوله: وعرف أحدهما) أي أحد الأبوين: أي اشتهر
أحدهما. وقوله بزيد: أي بدل محمد (قوله: فقال) أي الزوج. وقوله فاطمة بنت محمد: الجملة مقول القول: أي قال
هذا اللفظ. وقوله ونوى بنت زيد: الجملة حالية. أي قال: ذلك حال كونه ناويا ببنت محمد بنت زيد (قوله: قبل) أي ما
نواه، ومثله ما لو نوى بنت محمد الذي لم يشتهر بزيد. فلو لم ينو بنت المشهور بزيد ولا بنت محمد الآخر بل أطلق أو
قصد مبهمة لم تطلق عليه بنت محمد معينا بل يقع على إحداهما مبهمة ويلزمه البيان في الحالة الأولى والتعيين في الحالة
الثانية، كما صرح به في متن المنهاج في صورة من قال لزوجته: إحداكما طالق، وكما يستفاد من عبارة الروض وشرحه
ونصهما: وإن كان أبو زوجتيه مسميين لمحمد وغلب على أحدهما عند الناس زيد فقال بنت محمد طالق لم تطلق بنت
محمد معينا حتى يريد نفسه: أي المعين فتطلق بنته لان العبرة في اسم الشخص بتسمية أبويه لا بتسمية الناس وقد تعدد
الأسماء. اه‍. (قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد لكن مع تصرف، كما يعلم من عبارته. وقوله لم يقبل. أي قول
الزوج أردت بفاطمة غير زوجتي. وقوله في المسألة الأولى: وهي من اسم زوجته فاطمة الخ (قوله: نعم يتجه قبول
إراداته الخ) لم يستوجه هذا في التحفة، بل جعله أحد احتمالين على السواء ونصها: بعد قول المصنف ولو قال: زينب
طالق وقال: قصدت الأجنبية فلا يقبل على الصحيح. وهل يأتي بحث الأسنوي هنا فيقبل منه تعيين زينب التي عرف لها
طلاق منه أو من غيره أو يفرق لان المتبادر هنا لزوجته أقوى فلا يؤثر فيه ذلك؟ كل محتمل. اه‍ (قوله: ولو قال:) أي

22
الزوج. وقوله: زوجتي عائشة بنت محمد طالق: الجملة مقول القول. وقوله وزوجته خديجة: أي والحال أن زوجته
اسمها خديجة بنت محمد لا عائشة (قوله: طلقت) أي زوجته (قوله: لأنه لا يضر الخطأ في الاسم) عبارة التحفة إلغاء
للخطأ في الاسم لقوله زوجتي الذي هو القوي بعدم الاشتراط فيه، ويؤيدها ما مر من صحة زوجتك بنتي زينب وليست له
إلا بنت اسمها فاطمة لان البنتية لا اشتراك فيها - بخلاف الاسم فإفتاء بعضهم بعدم الوقوع نظرا للخطأ في الاسم غير
صحيح. اه‍. (قوله: ولو قال) أي الزوج وقوله لابنه المكلف: خرج به ابنه غير المكلف. فقوله: ما ذكر لا يحتمل
التوكيل: إذ شرطه أن يكون الوكيل مكلفا (قوله: قل لامك أنت طالق) الجملة مقول القول. وقوله ولم يرد التوكيل: أي
ولا الاخبار - كما هو ظاهر - فإن أراد أحدهما تعين. وقوله: يحتمل التوكيل: أي توكيل ابنه بطلاق أمه، وهو جواب لو.
وقوله فإذا قاله: الضمير المستتر يعود على الابن، والبارز يعود على الموكل فيه - وهو الطلاق - بأن يقول لها: طلقتك أو
أنت طالق (قوله: لها) أي لامه. وقوله طلقت: أي أمه بقول الابن لها ما ذكر. وقوله كما تطلق: الكاف للتنظير. وقوله به:
أي بقول الابن لها ما ذكر. وقوله: لو أراد التوكيل: أي لو أراد الأب عند الامر التوكيل (قوله: ويحتمل أنها تطلق) أي
بقول الأب لابنه ما ذكر ويكون الابن مخبرا لامه بالحال التي وقعت منه وهي الطلاق، وكان الأنسب أن يقول - كما في
الروض - ويحتمل الاخبار أي إخبار أمه بما وقع منه، فكأنه قال: يا بني أخبر أمك بأني طلقتها. وعبارة الروض: وقوله:
قل لامك: أنت طالق: يحتمل التوكيل والاخبار. وقال في شرحه: أي إنها تطلق ويكون الابن مخبرا لها بالحال. اه‍.
(قوله: قال الأسنوي: ومدرك التردد) أي منشأ التردد بين الحمل على الوكالة والحمل على الاخبار. وقوله: إن الامر
بالامر بالشئ الخ: وذلك كأن يقول الأب مثلا لابنه قل لامك: سافري أو مر أمك فلتسافر فالأم مأمورة الابن وهو مأمور
الأب، فإن جعلنا الامر من الابن كصدوره من الآمر الأول، وهو الأب كان أيضا الامر بالاخبار بمنزلة الاخبار من الأب
- كما في مثال الشارح - وهو قول الأب لابنه: قل لامك أنت طالق ففيه أمر الابن باخبار أمه بأنها طالق وهو بمنزلة قول
الأب لها: أنت طالق فيقع الطلاق بمجرد قوله للابن ما ذكر وإن لم نجعله كصدوره من الآمر الأول فلا يكون الامر بالاخبار
بمنزلة الاخبار منه فلا يقع عليه الطلاق بمجرد الامر بل بقول الابن لامه المأمور به. وهذا هو الأقرب، لان الامر بالامر
بالشئ ليس أمرا بطلك الشئ - كما هو مقرر في محله - (قوله: كان الامر بالاخبار) أي الذي هو في مسألتنا (قوله:
فيقع) أي الطلاق بمجرد قول الأب لابنه: قل لامك أنت طالق (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يجعل الامر بالامر بالشئ
كصدوره من الأول فلا يكون الامر بالامر بالاخبار بمنزلة الاخبار من الأب فلا يقع الطلاق بمجرد الامر (قوله: قال الشيخ
زكريا) أي في شرح الروض.
واعلم أن العبارة كلها من قوله ولو قال الخ في الروض وشرحه وصنيعه يفيد خلافه. وقوله وبالجملة: أي فأقول قولا
متلبسا بجملة الكلام وحاصله. وقوله فينبغي أن يستفسر: أي يطلب من الأب تفسير ما أراده عند أمر ابنه: هل هو التوكيل
أو الاخبار؟ ويرد عليه أن الفرض أنه لم يرد شيئا عند الامر فكيف يطلب منه ذلك، ويمكن أن يكون المراد يطلب منه تعيين
أحد هذين الشيئين: إما التوكيل وإما الاخبار. فالمراد من التفسير التعيين. فتنبه (قوله: فإن تعذر استفساره) أي بموت أو
فقد. وقوله: عمل بالاحتمال الأول: وهو الحمل على التوكيل. وقوله حتى لا يقع: أي لأجل أن لا يقع الطلاق. فحتى
تعليلية. وقوله بقوله: أي قول الأب لابنه ما ذكر. وقوله: بل بقول الابن: أي بل يقع بقول الابن لامه ما ذكر (قوله: لان
الطلاق لا يقع بالشك) علة لعدم وقوعه بقول الأب، وذلك الشك في كونه أراد التوكيل أم الاخبار (قوله: ولو قال الخ)

23
شروع في بيان تعدد الطلاق بنية العدد فيه. وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة. وقوله طلقتك: أي أو نحوه من سائر
الصرائح كأنت طالق أو مسرحة أو مفارقة، وكذا الكناية، وذلك للخبر الصحيح أن ركانة طلق امرأته البتة ثم قال: ما أردت
إلا واحدة فحلفه (ص) على ذلك وردها إليه. دل على أنه لو أراد ما زاد عليها وقع، وإلا لم يكن لاستحلافه فائدة. وقوله
ونوى عددا: يأتي في نية العدد ما مر في نية أصل الطلاق في الكناية من اقترانها بكل اللفظ أو أوله أو أي جزء منه (قوله:
اثنتين) بدل من عددا. وقوله أو واحدة: معطوف على اثنتين. وأفاد به أن المراد بالعدد ما يشمل الواحد والأكثر لا
المصطلح عليه (قوله: وقع منوي) قال في التحفة: لان اللفظ لما احتمله بدليل جواز تفسيره به كان كناية فيه فوقع قطعا.
واستشكل بأنه لو نذر الاعتكاف ونوى أياما ففي وجوبها وجهان. قال الزركشي: وكأن الفرق أن الطلاق تدخله الكناية -
بخلاف الاعتكاف. اه‍. وليس - أي الفرق المذكور - بشاف، بل ليس بصحيح - كما هو ظاهر - والذي يتجه في الفرق
أن التعدد في الأيام خارج عن حقيقة الاعتكاف الشرعية لان الشارع لم يربطها بعدد معين، بخلاف التعدد في الطلاق فإنه
غير خارج عن حقيقته الشرعية، فكان المنوي هنا داخلا في لفظه لاحتماله له شرعا، بخلافه ثم فإنه خارج عن لفظه،
والنية وحدها لا تؤثر في النذر. اه‍. وكتب سم ما نصه: قوله والذي يتجه في الفرق الخ. قد يناقش في هذا الفرق بأنه
لاخفاء أن معنى كونه نوى أياما أنه نوى الاعتكاف في تلك الأيام والاعتكاف في تلك الأيام غير خارج عن حقيقة
الاعتكاف كعدم خروج العدد عن حقيقة الطلاق. فليتأمل. اه‍ (قوله: ولو في غير موطوءة) تعميم في وقوع ما نواه: أي
يقع ما نواه من عدد الطلاق فيمن طلقها مطلقا سواء كانت مدخولا بها أم لا (قوله: فإن لم ينوه) أي عددا لا واحدا ولا
أكثر. وقوله وقع طلقة واحدة: أي وقع عليه طلقة واحدة (قوله: ولو شك في العدد الخ) مثله الشك في أصل الطلاق ولو
صرح به كغيره لكان أولى. وعبارة المنهاج مع التحفة: شك في أصل طلاق منجزا ومعلق هل وقع منه أو لا؟ فلا يقع
إجماعا، أو في عدده بعد تحقق أصل الوقوع فالأقل لأنه اليقين. ولا يخفى الورع في الصورتين، وهو الاخذ.
بالأسوأ. اه‍. - قوله الملفوظ: أي كأن شك في التلفظ بواحدة أو باثنتين. وقوله أو المنوي: أي بأن شك في أنه نوى في
قوله: طلقتك وقوع طلقة أو أكثر (قوله: فيأخذ بالأقل) أي له ذلك. وقوله: ولا يخفى الورع: أي وهو الاخذ بالأسوأ لقوله
(ص): دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن شك في وقوع طلقتين منه أو ثلاث فالاحتياط جعلها ثلاثا، ولا ينكحها حتى
تنكح زوجا غيره (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو قال) أي الزوج. وقوله طلقتك واحدة وثنتين: مقول القول (قوله:
فيقع به الثلاث) محله إن قال: لمدخول بها، وإن كان ظاهر صنيعه يفيد الاطلاق حيث قيد في المسألة الثانية بالمدخول
بها ولم يقيد به هنا فإن قاله لغيرها تقع واحدة فقط لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ وعبارة متن الارشاد مع شرحه: لو
قال: لموطوءة أنت طالق واحدة بل ثنتين أو عكسه وقع عليه ثلاث. اه‍. وفي الروض وشرحه: ولو قال أنت
طالق أنت طالق أنت طالق أو قال: أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وكذا لو لم يكرر أنت فيقع به الثلاث لكن إن قصد الاستئناف
أو أطلق: فإن قصد تأكيد الأولى بالأخريين فواحدة، أو تأكيدها بالثانية فقط أو تأكيد الثانية بالثالثة فثنتان. فإن قصد تأكيد
الأولى بالثالثة فثلاث لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد والشرط التوالي. ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أو أنت
طالق وطالق فطالق، أو بل طالق فثلاث يقعن، ولا يقبل منه إرادة التوكيد لوجود العلة المقتضي للمغايرة. ومحل هذا كله
في المدخول بها أيضا. أما غيرها فلا يقع فيها إلا واحدة وإن قصد الاستئناف لأنها تبين بها فلا يقع بما بعدها شئ.
ويخالف قولهم: أنت طالق ثلاثا حيث يقع به الثلاث مطلقا مدخولا بها أولا، لان ثلاثا بيان لما قبله فليس مغايرا له -
بخلاف العطف والتكرار. اه‍. بتصرف (قوله: ولو قال للمدخول بها) خرج غيرها فلا تقع فيها إلا واحدة لأنها تبين بها

24
- كما تقدم - (قوله: كما صرح به الشيخ زكريا في شرح الروض) هذه المسألة مصرح بها في الروض - لا في شرحه -
وعبارة الروض: ويقع للمسوسة بقوله: أنت طالق طلقة بل طلقتين ثلاث ثم قال: وإن قال لغير ممسوسة أنت طالق ثلاثا
أو إحدى عشرة طلقت ثلاثا أو واحدة ومائة أو إحدى وعشرين أو طلقة ونصفا أو طلقة بل طلقتين أو ثلاثا فواحدة. قال في
شرحه: أي فواحدة فقط تقع لأنها بانت بها لعطف ما بعدها عليها - بخلافه في إحدى عشرة لأنه مركب، فهو بمعنى
المفرد (قوله: ويقع طلاق الوكيل الخ) شروع في بيان الوكالة في الطلاق (قوله: في الطلاق) متعلق بالوكيل: أي أنه
وكيل في الطلاق بأن قال له الزوج وكلتك في أن تطلق زوجتي (قوله: بطلقت فلانة) متعلق بيقع: أي يقع بهذا اللفظ.
وقوله ونحوه: أي نحو طلقت كسرحت، وفارقت وأنت مطلقة أو مسرحة أو مفارقة (قوله: وإن لم ينو) أي الوكيل. وقوله:
أنه مطلق لموكله: أي موقع الطلاق عن موكله. قال في شرح الروض بعده: وقيل تعتبر نيته وعلى الأول يشترط عدم
الصارف بأن لا يقول: طلقتها عن غير الموكل أخذا مما سيأتي قبيل الديات أنه لو قال وكيل المقتص: قتلته بشهوة نفسي
لا عن الموكل لزمه القصاص - كذا نبه عليه الأسنوي - ويحتمل الفرق بأن طلاق الوكيل لا يقع إلا لموكله، بخلاف
القتل. اه‍ (قوله: ولو قال) أي الزوج (قوله: أعطيت) مفعوله الأول محذوف: أي أعطيتك بناء على ما في بعض النسخ
من أن بيدك من الشرح، وإلا فلا (قوله: أو جعلت بيدك) أي أو قال الزوج الآخر جعلت بيدك (قوله: طلاق زوجتي)
تنازعه كل من أعطيت وجعلت (قوله: أو قال له) أي قال الزوج لآخر. وقوله رح بطلاقها: أي اذهب. وقوله وأعطها: أي
إياه (قوله: فهو) أي قول الزوج المذكور. وقوله توكيل: أي لذلك الآخر في الطلاق (قوله: يقع الخ) الأولى زيادة الواو:
وقوله بتطليق الوكيل: أي لزوجة موكله (قوله: لا بقول الزوج الخ) أي لا يقع بقول الزوج الموكل هذا اللفظ: أي
أعطيت وما بعده (قوله: بل تحصل الفرقة) الأولى والاخصر أن يحذف هذا وما بعده إلى قوله بإعلامها ويزيد واو العطف
بأن يقول عاطفا على قوله لا بقول الزوج ولا بإعلامها الخ (قوله: متى شاء) ظرف لقول الوكيل وقوله طلقت فلانة: مقول
قول الوكيل (قوله: لا بإعلامها الخبر) أي لا تحصل الفرقة بإعلام الوكيل إياها الخبر. وقوله: بأن فلانا الخ تصوير للخبر
أي الخبر المصور والمبين بما ذكر (قوله: ولا بإعلامها الخ) معطوف على بإعلامها (قوله: وإذا قال) أي الموكل. وقوله
له: أي للوكيل. وقوله لا تعطه: أي الطلاق. أي لا توقعه إلا في يوم كذا. وقوله فيطلق أي الوكيل، وهو جواب إذا (قوله:
ثم إن الخ) كالاستدراك من صحة إيقاعه بعده: أي فمحل جواز إيقاعه بعد اليوم المعين ما لم يقصد الموكل ذلك اليوم
الذي عينه بخصوصه لا قبله ولا بعده، وإلا تعين. ولا يجوز بعده كما لا يجوز قبله: وقوله طلق: أي الوكيل وهو جواب
إن. وقوله فيه: أي في اليوم الذي قصد تقييد وقوع الطلاق به. وقوله لا بعده: أي لا يجوز أن يطلق بعد ذلك اليوم
المقصود التقييد به، وبالأولى عدم الجواز قبله (قوله: ولو قال لها الخ) شروع في بيان تفويض الطلاق إلى الزوجة، وقد
أفرده الفقهاء بترجمة. والأصل فيه الاجماع، واستؤنس له بأنه (ص) خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله
تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * الخ، ووجهه أنه لما فوض إليهن سبب الفراق وهو اختيار الدنيا جاز أن يفوض
إليهن المسيب الذي هو الفراق. وقوله المكلفة: أي ولو سفيهة حيث لا عوض، وإلا فيشترط فيها أن تكون رشيدة. وقوله
منجزا بصيغة اسم المفعول حال من قوله: طلقي نفسك مقدم عليه: أي قال طلقي نفسك حال كونه منجزا، أو بصيغة



(1) سورة الأحزاب، الآية: 28.
25
اسم الفاعل حال من فاعل قال: أي قال ذلك حالة كونه منجزا. قوله: لا معلقا له. ويصح جعله صفة لمصدر محذوف:
أي قال: قولا منجزا ولكن يقرأ بصيغة اسم المفعول كالأول، والأول أقرب لصنيعه. وقوله طلقي نفسك مثله ما لو فوض
إليها بالكناية: كأن قال لها: أبيني نفسك. ومنها المثال الآتي. وقوله: إن شئت ليس بقيد إن أخره فإن قدمه لم يقع طلاق
أصلا لأنه تعليق. وسيأتي أنه مبطل. ق ل. اه‍. جمل (قوله: فهو) أي قوله المذكور. وقوله تمليك للطلاق: أي لأنه
يتعلق بغرضها فنزل منزلة، قوله ملكتك طلاقك (قوله: لا توكيل) أي على المعتمد. وقيل إنه توكيل كما لو فوض طلاقها
لأجنبي. وعليه لا يشترط فور في تطليقها نفسها - كما في الوكالة - وقوله بذلك: أي بالطلاق (قوله: وبحث الخ) اعتمده
م ر اه‍ سم. وقوله أن منه: أي من التفويض. وقوله: قوله طلقيني: أي قول الزوج لزوجته طلقيني. وقوله: فقالت: أي
زوجته فورا. وقوله: أنت طالق: قال ع ش: خرج به ما لو قال: طلقت نفسي فإنه صريح لأنها أنت بما تضمنه قوله:
طلقيني اه‍ (قوله: لكنه كناية) أي لكن المذكور من قوله لها: طلقيني. وقولها له: أنت طالق: كناية
والأول كناية تفويض من الزوج، والثاني كناية طلاق من الزوجة (قوله: فإن نوى) أي بقوله: طلقيني التفويض: أي تفويض الطلاق
إليها: أي ونوت هي بقولها له: أنت طالق تطليق نفسها - كما صرح به في التحفة - وقوله طلقت: أي بالثلاث إن نواها
وإلا فواحدة وإن ثلثت. اه‍. ح ل (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ينو التفويض إليها فلا يقع الطلاق. ومثله ما لو لم تنو هي
الطلاق فلا يقع الطلاق (قوله: وخرج بتقييدي) أي الزوجة. وقوله غيرها: أي غير المكلفة (قوله: لفساد عبارتها) تعليل
لمحذوف: أي فلا يصح التفويض إليها ولا يقع منها طلاق لفساد عبارتها: أي العبارة الظاهرة كالعقود ونحوها (قوله:
وبمنجز) معطوف على بتقييدي: أي وخرج بمنجز وكان الأولى الحكاية فينصبه. وقوله المعلق: فاعل خرج: أي فلا
يصح التفويض به (قوله: فلو قال الخ) تفريع على المخرج (قوله: لغا) أي بطل قوله المذكور، ولا يصح أن يكون
تفويضا. ومحله إن جرينا على قول التمليك، وذلك لان التمليك لا يصح تعليقه: كما إذا قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء
رأس الشهر - بخلافه على قول التوكيل. قال في التحفة: لما مر فيه أن التعليق يبطل خصوصه لا عموم الاذن (قوله: وإذا قلنا الخ) أي وإذا
جرينا على الأصح من أن التفويض تمليك لا توكيل (قوله: فيشترط الخ) جواب إذا. وقوله لوقوع
الطلاق: أي لصحته (قوله: تطليقها) نائب فاعل يشترط: أي تطليق نفسها. وقوله: ولو بكناية: أي ولو كان التعليق
الصادر منها بلفظ كناية كأن قالت: أبنت نفسي أو حرمت نفسي عليك. ولو أخرج الغاية عما بعده لكان أولى. وقوله
فورا: هذا محط الشرطية، وإنما اشترطت الفورية لان التطليق هنا جواب التمليك. فكان كقبوله، وقبوله فوري (قوله:
بأن لا يتخلل الخ) تصوير للفورية. وقوله فاصل: أي ينقطع به القبول عن الايجاب. وقوله بين تفويضه: أي الزوج
والظرف متعلق بفاصل أو بمحذوف صفة له: أي فاصل واقع بين تفويض الزوج لها وبين إيقاعها الطلاق (قوله: نعم)
استثناء من اشتراط الفورية (قوله: لأنه) أي الفصل بقولها كيف يكون تطليق نفسي. وقوله فصل يسير: قال في التحفة
بعده: وظاهره أن الفصل اليسير لا يضر إذا كان غير أجنبي - كما مثل به - وأن الفصل بالأجنبي يضر مطلقا - كسائر
العقود - وجرى عليه الأذرعي وفيه نظر: لأنه ليس محض تمليك ولا على قواعده. فالذي يتجه أنه لا يضر اليسير ولو
أجنبيا: كالخلع. اه‍. ومثله في النهاية (قوله: بطلقت الخ) متعلق بتطليقها (قوله: لا بقبلت) أي لا يقع الطلاق بقولها
قبلت. وعبارة التحفة: قول الزركشي عدوله عن شرط قبوله إلى تطليقها يقتضي تعينه وهو مخالف لكلام الشارح والروضة

26
حيث قالا: إن تطليقها يتضمن القبول، وهو يقتضي الاكتفاء بقولها: قبلت إذا قصدت به التعليق، وأن حقها أن تقول
حالا: قبلت، طلقت. والظاهر اشتراط القبول على الفور، ولا يشترط التطليق على الفور. اه‍. بعيد جدا، بل الصواب
تعينه، وكلامهما لا يخالف ذلك: لما قررته في معناه أن هذا التضمن أوجب الفورية لا الاكتفاء بمجرد القبول لأنه لا
ينتظم مع قوله طلقي نفسك وإن قصدت به التطليق. اه‍ (قوله: وقال بعضهم: كمختصري الروضة الخ) هو بكسر
الصاد جمع مختصر بصيغة اسم الفاعل. وفي شرح الروض ما نصه: وما ذكره المصنف كبعض مختصري الروضة من
عدم اشتراط الفور في ذلك على القول بأن التفويض تمليك هو ما جزم به صاحب التنبيه، ووجهه ابن الرفعة بأن الطلاق
لما قبل التعليق سومح في تمليكه والأصل إنما ذكره تفريعا على القول بأنه توكيل، وصوبه في الذخائر - وهو الحق -. اه‍
(قوله: في متى شئت) أي في قول الزوج لها: طلقي نفسك متى شئت بتأخير أداة التعليق، فاندفع ما قيل إن التفويض
منجز فلا يصح تعليقه. أفاده البجيرمي. (قوله: فتطلق متى شاءت) أي فتطلق نفسها متى شاءت لان متى للتراخي - كما
سيأتي (قوله: وجزم به) أي بقول بعضهم المذكور. وقوله صاحبا التنبيه والكفاية: صاحب التنبيه هو أبو إسحاق
الأسفرايني وصاحب الكفاية ابن الرفعة (قوله: لكن المعتمد الخ) أي لما مر أن التطليق في جواب التمليك، وهو يشترط
فيه الفورية (قوله: وإن أتى) أي الزوج في صيغة التعويض. وقوله بنحو متى: أي من كل أداة تدل على التراخي (قوله:
ويجوز له) أي للزوج. وقوله رجوع: أي عن التفويض إليها. وقوله قبل تطليقها: أي قبل أن تطلق نفسها. وقوله كسائر
العقود: أي فإنه يجوز فيها الرجوع بعد الايجاب وقبل القبول (قوله: فائدة) أي في بيان جواز تعليق الطلاق، وقد أفردوه
بترجمة مستقلة (قوله: كالعتق) أي قياسا على العتق فإنه يجوز تعليقه (قوله: بالشروط) متعلق بتعليق، والمراد منها
أدوات التعليق كإن ومتى وإذا وكلما كإن دخلت الدار فأنت طالق. ثم إن أدوات التعليق لا تقتضي بالوضع فورا في
الاثبات بل هي فيه للتراخي إلا إذا وإن مع المال أو شئت خطابا كأن قال: إذا أعطيتني ألفا أو إن أعطيتني ألفا فأنت
طالق، وكذا إن قال: إن ضمنت لي ألفا أو إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، أو قال: إذا شئت أو إن شئت فأنت طالق فلا
تطلق إلا إن أعطته الألف أو ضمنته له أو شاءت فورا، لأنه تمليك على الصحيح. أما في النفي فتقتضي الفور إلا إن. فلو
قال: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا باليأس من الدخول كأن ماتت أو مات قبلها فيحكم بالوقوع قبيل
موتها أو موته بما يسع الدخول وفائدة ذلك الإرث والعدة فإن كان بائنا لم يرثها ولا ترثه، فإذا مات هو ابتدأت العدة قبل
موته بزمن لا يسع الدخول وتعتد عدة طلاق لا وفاة، ولو أتى بإذا وقال: أنت طالق إذا لم تدخلي الدار وقع الطلاق بمضي
زمن يمكن فيه الدخول من وقت التعليق ولم تدخل ولا تقتضي الأدوات أيضا تكرارا في المعلق عليه بل متى وجد مرة
واحدة من غير نسيان ولا إكراه ولا جهل انحلت اليمين ولا يؤثر وجوده مرة أخرى إلا كلما فإنها تفيد التكرار. وقد نظم
بعضهم قاعدة الأدوات في قوله:
أدوات التعليق في النفي للفور * سوى إن وفي الثبوت رأوها
للتراخي إلا إذا إن مع المال * وشئت وكلما كرروها
وقد سأل بعضهم ابن الوردي بقوله:
أدوات التعليق تخفى علينا هل لكم ضابط لكشف غطاها
فأجابه بقوله:
كلما للتكرار وهي ومهما إن إذا أي من متى معناها

27
للتراخي مع الثبوت إذا لم يك معها إن شئت أو أعطاها
أو ضمان والكل في جانب النفي لفور لا إن قدا في سواها
وقوله للتراخي مع الثبوت: أي بالتفصيل الذي علمته وكما يقع التعليق بالأدوات المذكورة يقع التعليق بالأوقات
فتطلق بوجودها. فإذا قال: أنت طالق شهر كذا أو في أوله أو رأسه أو غرته أو هلاكه وقع الطلاق بأول جزء من الليلة الأولى
منه، أو أنت طالق في آخر شهر كذا أو سلخه أو فراغه أو تمامه وقع الطلاق بآخر جزء منه، أو أنت طالق في نهار شهر كذا
أو في أول يوم منه طلقت بفجر اليوم الأول منه، أو أنت طالق في أول آخر شهر كذا طلقت بأول اليوم الأخير منه لأنه أول
آخره، أو أنت طالق في آخر أوله طلقت بآخر اليوم الأول منه لأنه آخر أوله أو أنت طالق في نصف شهر كذا طلقت بغروب
خامس عشره، وإن نقص الشهر أو في نصف نصفه الأول طلقت بطلوع فجر الثامن لان نصف نصفه سبع ليال ونصف ليلة
وسبعة أيام ونصف يوم والليل سابق النهار فأخذنا نصف الليلة الثامنة الذي كان يستحقه النصف الأول وأعطيناه للنصف
الثاني فقابلنا ليلة بنصف يوم فصار ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيان نصفا آخر، ولو علقت بما بين
الليل والنهار طلقت بالغروب إن علق نهارا وبالفجر إن علق ليلا لان كلا منهما عبارة عن مجموع جزء من
الليل وجزء من النهار: إذ لا فاصل في الحقيقة بينهما. ويقع التعليق أيضا بالصفات كأنت طلاقا سنيا أو بدعيا وليست في حال سنة في
الأول ولا في حال بدعة في الثاني فتطلق إذا وجدت الصفة، بخلاف ما إذا كانت في ذلك الحال وقال: سنيا أو بدعيا
فتطلق في الحال (قوله: ولا يجوز الرجوع فيه) أي في التعليق. وقوله قبل وجود الصفة: أي المعلق عليها، وهي معلومة
وإن لم يتقدم لها ذكر (قوله: ولا يقع) أي الطلاق (قوله: قبل وجود الشرط) المقام للاضمار: إذ المراد به الصفة المعلق
عليها (قوله: ولو علقه) أي الطلاق. وقوله بفعله شيئا: أي على أن يفعل هو بنفسه شيئا كإن دخلت الدار فأنت طالق:
وخرج بفعله ما لو علقه على فعل غيره. فإن كان ممن يبالي بتعليقه بحيث يشق عليه طلاق زوجته ويحزن له لصداقة أو
نحوها وفعله ناسيا أو جاهلا لم يقع أيضا كما إذا علقه على فعل نفسه، وإن كان ممن لا يبالي بذلك وقع. وقوله ففعله
ناسيا الخ: عبارة التحفة.
تنبيه مهم: محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل، أما إذا أنكره فشهد الشهود
عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه لم يقبل - كما بحثه الأذرعي - وتبعوه. وأفتيت به مرارا للتناقض في دعواه فألغيت وحكم
بقضية ما شهدوا به ا ه. وفي ترغيب المشتاق في أحكام الطلاق ما نصه: حلف أنه يجامع زوجته في ليلة معينة فعجز عن
الوطئ قبل تمكنه منه بأن وجدها حائضا أو طلع الفجر أو نسي أو جب ذكره أو عن أو ماتت فلا حنث في الجميع
للعذر. اه‍. وقوله: لم تطلق لكن اليمين منعقدة فلو فعله بعد ذلك عامدا عالما مختارا حنث (قوله: ولو علق الطلاق
الخ) أي بأن قال إن ضربتك بغير ذنب فأنت طالق (قوله: لم يحنث) أي فلا يقع عليه الطلاق لعدم وجود الصفة المعلق
عليها وهي الضرب بغير ذنب لان الشتم ذنب. وقوله: إن ثبت ذلك: أي شتمها له أي ببينة أو بإقرارها (قوله: وإلا) أي
وإن لم يثبت ذلك. وقوله صدقت: أي في عدم شتمها له. وقوله فتحلف: أي على أنها ما شتمته ويقع الطلاق (قوله:
مهمة) أي في بيان حكم الاستثناء بإلا ونحوها وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: يجوز الاستثناء) أي لوقوعه في
القرآن والسنة وكلام العرب. والاستثناء هو مأخوذ من الثني وهو الرجوع والصرف لان المتكلم رجع عن مقتضى كلامه
وصرفه عن ظاهره بالاستثناء. وقد يقال: كيف هذا مع أن الاستثناء معيار العموم ولا عموم في قوله: أنت طالق ثلاثا
ويجاب بأن اصطلاح الفقهاء أعم من ذلك. اه‍. بجيرمي (قوله: بنحو إلا) أي بإلا وأخواتها من أدوات الاستثناء: كغير

28
وسوى (قوله: بشرط أن يسمع نفسه الخ) ذكر لصحة الاستثناء شرطين أن يسمع نفسه أي يتلفظ به مسمعا نفسه، وأما
إسماع غيره فليس شرطا لصحته. وإنما يعتبر لتصديقه فيه لأنه لو ادعى الاستثناء وأنكرته الزوجة صدقت فتحلف على
نفيه، وأن يتصل الاستثناء بالعدد الملفوظ: أي اتصالا عرفيا لا حقيقيا لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع
الصوت وبقي عليه من الشروط أن ينوي الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه، وأن لا يستغرق المستثنى المستثنى منه.
فلو فقد شرط من هذه الشروط لغا الاستثناء وصار كأنه لم يذكر. فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين ولم يسمع نفسه
بالاستثناء أو لم يتصل الاستثناء بما قبله أو لم ينو الاستثناء قبل الفراغ، أو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع الطلاق ثلاثا
ولغا الاستثناء. لكن محل إلغاء المستغرق ما لم يتبع باستثناء آخر، وإلا صح. فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين
وقع اثنتان لان الاستثناء من النفي إثبات وعكسه فالمعنى أنت طالق ثلاثا تقع إلا ثلاثا لا تقع إلا اثنتين تقعان فيقع اثنتان.
ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة وقعت واحدة على وزان ما قبله (قوله: فيقع طلقة) أي لأنك أخرجت من
الثلاث اثنتين فبقي منها واحدة فهي التي تقع (قوله: أو إلا واحدة) أي أو قال: طلقتك ثلاثا إلا واحدة (قوله: طلقتان) أي
فيقع عليه طلقتان لأنه أخرج من الثلاث واحدة فيبقى منها اثنتان وهما اللتان وقعتا (قوله: ولو قال: أنت طالق إن شاء الله)
أي أو إذا أو متى أو مهما شاء الله، ومثل الاثبات النفي: كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة
الآدميين. أما هي فيتوقف وقوع الطلاق المعلق على مشيئتهم على وقوع المشيئة منهم (قوله: لم تطلق) أي إن قصد
التعليق بالمشيئة نفيا أو إثباتا قبل فراغ اليمين ولم يفصل بينهما وأسمع نفسه، وذلك للخبر الصحيح من حلف ثم قال:
إن شاء الله فقد استثنى وهو شامل للطلاق وغيره وخرج بقصد التعليق ما إذا سبق لسانه إليه أو قصد التبرك أو أن كل شئ
بمشيئة الله أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا أو أطلق؟ فإنه يقع الطلاق ويلغو الاستثناء. ومحل كون التعليق بالمشيئة يمنع
وقوع الطلاق عند قصده في غير حالة النداء. أما فيها فلا يمنع. فلو قال: يا طالق إن شاء الله وقع طلقة. والفرق أن النداء
يشعر بحصول الطلاق حالته والحاصل لا يعلق بخلاف غيره كأنت طالق فإنه قد يستعمل عند القرب من الطلاق وتوقع
الحصول فيقبل التعليق (قوله: وصدق مدعى الخ) الأنسب ذكره عند قوله: المار لاطلاق مكره الخ (قوله: أو إغماء) أي
أو مدعي إغماء. وقوله حالته: أي الطلاق (قوله: أو سبق لسان) أي أو مدعي سبق لسان، وكان المناسب ذكر هذا عند
قوله: أول الفصل ولا أثر لحكاية طلاق الغير الخ بأن يقول: ولا لسبق لسانه بالطلاق وهو في الحقيقة مفهوم شرط لم
يذكره المؤلف وذكره غيره وهو أن يقصد لفظ الطلاق مع معناه أي يقصد استعماله فيه. وعبارة الأنوار: الركن الخامس
القصد إلى حروف الطلاق بمعنى الطلاق فلو سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في غفلة أو محاورة وكان يريد أن يتكلم بكلمة
أخرى لم يقع الطلاق. اه‍. ومثله في التحفة والنهاية. وقوله إلى لفظ الطلاق: متعلق بسبق: أي سبق لسانه إلى لفظ
الطلاق مع كون القصد النطق بلفظ غيره (قوله: بيمينه) متعلق بصدق (قوله: إن كان ثم قرينة) أي على ما ادعاه، وهو قيد
في تصديقه بيمينه (قوله: كحبس الخ) تمثيل للقرينة (قوله: وإلا تكن هناك) أي في دعواه الاكراه أو الاغماء أو سبق
اللسان (قوله: فلا يصدق) جواب إن المدغمة في لا النافية (قوله: من قال لزوجته) أي المسلمة (قوله: مريدا حقيقة
الكفر) وهي الخروج عن دين الاسلام (قوله: جرى فيها) أي الزوجة. وقوله ما تقرر في الردة وهو أنه إن لم يدخل بها
تنجزت الفرقة بكفره بتكفيره إياها وإن دخل بها فإن جمعهما إسلام في العفة دام نكاحها، وإلا فالفرقة حاصلة من حين
الردة (قوله: أو الشتم) بالنصب عطف على حقيقة: أي أو مريدا الشتم. وقوله فلا طلاق: أي إن جراد الشتم لا يقع عليه

29
الطلاق (قوله: وكذا ان لم يرد شيئا) أي وكذا لا يقع عليه الطلاق إن لم يرد بقوله لها يا كافرة شيئا - لا حقيقة الكفر ولا
الشتم (قوله: لأصل بقاء العصمة) إضافة أصل إلى ما بعده للبيان، وهو علة لعدم وقوعه عند عدم إرادة شئ. وقوله:
وجريان ذلك للشتم كثيرا: علة ثانية له: أي فلما كان جريانه للشتم كثيرا حمل عليه حالة عدم إرادة شئ في عدم وقوع
الطلاق. وقوله مرادا به: أي بقوله يا كافرة عند عدم إرادة حقيقة الكفر كفر النعمة، ويحرم عليه ذلك ويعزر به (قوله: فرع
في حكم المطلقة بالثلاث) أي أو اثنتين. والأول في حق الحر والثاني في حق العبد، وذلك الحكم هو أنه لا يجوز له
مراجعتها إلا بعد وجود خمسة شروط: الأول انقضاء عدتها من المطلق، والثاني: تزويجها بغيره تزويجا صحيحا،
والثالث: دخوله بها، والرابع: بينونتها منه، والخامس: انقضاء عدتها منه. وكلها ذكرها المصنف - ما عدا الأول -
ويمكن اندراجه في قوله: بنكاح صحيح: إذا النكاح في العدة فاسد (قوله: حرم لحر) أي على حر فاللام بمعنى على.
وقوله: ومن طلقها: أي نكاح من طلقها أي نجز طلاقها بنفسه أو وكيله أو علقه بصفة ووجدت تلك الصفة. وقوله: ولو
قبل الوطئ: أي سواء طلقها قبله أو بعده وهو غاية للحرمة. وقوله ثلاثا: أي معا أو مرتبا ولا يحرم جمع الطلقات الثلاث -
كما ذكر أول الفصل - والقول بحرمته ضعيف، وكذا اثنتان في حق الرقيق (قوله: ولعبد الخ) أي وحرم على عبد ولو
مدبر إنكاح من طلقها ثنتين، وذلك لأنه روى عن عثمان رضي الله عنه وزيد بن ثابت ولا مخالف لهما من الصحابة. رواه
الشافعي رضي الله عنه (قوله: في نكاح أو أنكحة) مرتبط بكل من طلاق الحر وطلاق العبد. والمراد بالجمع ما فوق
الواحد: إذ لا يتصور في الرقيق إلا نكاحان، ومعنى تطليقها في أنكحة أن ينكحها أو لا - ثم يطلقها وبعد انقضاء عدتها
يراجعها بنكاح جديد. وهكذا (قوله: حتى تنكح زوجا غيره) أي تنتهي الحرمة بنكاحها زوجا غيره مع وجود بقية
الشروط: أي ولو كان عبدا بالغا - بخلاف العبد الصغير لان سيده لا يجبره على النكاح. قال في الاقناع: فليحذر مما
وقع لبعض الرؤساء والجهال من الحيلة لدفع العار من نكاحها مملوكه الصغير ثم بعد وطئه يملكه لها لينفسخ النكاح، وقد
قيل إن بعض الرؤساء فعل ذلك وأعادها فلم يوفق الله بينهما وتفرقا. اه‍. وأما الحر الصغير فيكفي لكن بشرط كونه يمكن
جماعه، ولكن لا يقع طلاقه إلا بعد بلوغه (قوله: بنكاح صحيح) وذلك لأنه تعالى علق الحل بالنكاح، وهو إنما يتناول
النكاح الصحيح. وخرج بالنكاح ما لو وطئت بملك اليمين أو بشبهة فلا يكفي. وخرج بالصحيح الفاسد كما لو شرط على
الزوج الثاني في صلب العقد أنه إذا وطئ طلق أو فلا نكاح بينهما. فإن هذا الشرط يفسد النكاح فلا يصح التحليل،
وعلى هذا يحمل قوله (ص): لعن الله المحلل والمحلل له بخلاف ما لو تواطأوا على ذلك قبل العقد ثم عقدوا من غير
شرط مضمرين ذلك فلا يفسد النكاح، به لكنه يكره: إذ كل ما لو صرح به أبطل، بكون إضماره مكروها (قوله: ثم يطلقها
إلى قوله: معلوم) في بعض نسخ الخط ذكره عقب قوله: مع اقتضاض لبكر وهو أولى، وأولى منه تأخيره عن قوله بانتشار
- كما هو ظاهر - وفي بعض نسخ الطبع إسقاطه بالكلية وهو خطأ. والمعنى ثم بعد أن تنكح زوجا غيره يشترط أن يطلقها
ذلك الغير وتنقضي عدتها منه (قوله: كما هو) أي المذكور من الطلاق وانقضاء العدة معلوم: أي وإن لم يصرح به في
الآية الآتية: (قوله: ويولج بقبلها) معطوف على تنكح: أي وحتى يولج بقبلها. أي ولو حائضة أو
صائمة أو مظاهرا منها أو معتدة عن شبهة طرأت في نكاح المحلل أو محرمة بنسك أو كان هو محرما به أو صائما فيصح التحليل وإن كان الوطئ
حراما، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه التحليل كما لا يحصل به التحصين. وقوله حشفة: أي ولو كان عليها
حائل كأن لف عليها خرقة وقوله منه: متعلق بمحذوف صفة لحشفة - أي حشفة كائنة من الزوج الآخر - وهو قيد خرج به
ما لو أتى بحشفة للغير مقطوعة وأدخلها فلا يكفي (قوله: أو قدرها) أي أو يولج قدر الحشفة. وقوله من فاقدها: الجار

30
والمجرور متعلق بمحذوف حال من قدرها: أي أو يولج قدرها حال كونه من فاقدها: أي مقطوعها وخرج به إيلاج قدر
الحشفة مع وجودها كأن يثني ذكره ويدخل قدرها فلا يحصل به التحليل (قوله: مع افتضاض لبكر) متعلق بيولج، وهو
شرط في التحليل: أي يشترط في تحليل البكر مع إيلاج الحشفة افتضاضها فلا بد من إزالة البكارة ولو كانت غوراء
(قوله: وشرط كون الايلاج بانتشار للذكر) أي بالفعل لا بالقوة على الأصح - كما أفهمه كلام الأكثرين - وصرح به الشيخ
أبو حامد وغيره. فما قيل إن الانتشار بالفعل لم يقل به أحد مردود. وقال الزركشي: وليس لنا نكاح يتوقف على الانتشار
إلا هذا. وخرج به ما إذا لم ينتشر لشلل أو عنة أو غيرهما فلا يحصل به التحليل حتى لو أدخل السليم ذكره بأصبعه من غير
انتشار لم يحصل به التحليل. وقوله: أي معه: أفاد به أن الباء الداخلة على انتشار بمعنى مع. وقوله: وإن قل: أي
ضعف الانتشار فإنه يكفي (قوله: أو أعين بنحو أصبع) غاية ثانية ونائب الفاعل ضمير يعود على الانتشار: أي وإن استعان
الواطئ عليه بنحو أصبع: أي مرور نحو أصبع له أولها. وعبارة الروض وشرحه: بشرط الانتشار للآلة وإن ضعف
الانتشار واستعان بإصبعه أو أصبعها ليحصل ذوق العسيلة. اه‍ (قوله: ولا يشترط) أي في التحليل. وقوله: إنزال أي
للمني (قوله: وذلك) أي حرمتها عليه حتى تنكح الخ. وقوله للآية وهي: * (فإن طلقها - أي الثالثة - فلا تحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره) * (قوله: والحكمة في اشتراط التحليل) أي وهو نكاحها زوجا غيره وتطليقها وانقضاء عدتها
(قوله: التنفير من استيفاء ما يملكه) أي الزوج من الطلاق ثلاثا إن كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا وأوضح الامام القفال
حكمة اشتراط التحليل فقال وذلك لان الله تعالى شرح النكاح للاستدامة وشرع الطلاق الذي يملك فيه الرجعة لأجل
الرجعة، فكأن من لم يقبل هذه الرخصة صار مستحقا للعقوبة، ونكاح الثاني فيه غضاضة على الأول. اه‍. وقوله
غضاضة: أي مرارة. والمراد لازمها: وهو الصعوبة (قوله: ويقبل قولها أي المطلقة في تحليل) أي فإذا ادعت أنها
نكحت زوجا آخر وأنه طلقها وانقضت عدتها تصدق في ذلك لكن بيمينها على ما سيأتي (قوله: وانقضاء عدة) معطوف
على تحليل من عطف الخاص على العام: إذ التحليل شامل له ولغيره من بقية الشروط (قوله: عند إمكان) متعلق بيقبل
أن يقبل قولها عند إمكانه بأن مضى زمن يمكن فيه التزوج وانقضاء العدة (قوله: وإن كذبها الثاني الخ) غاية للقبول: أي
يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الثاني الذي هو المحلل في وطئه لها بأن قال لها: إني لم أطأك. وقوله لعسر إثباته: أي
الوطئ، وهو تعليل لقبول ما ذكر مع التكذيب المذكور. ومقتضاه أنه لا يقبل قولها في أصل النكاح إذا أنكره الثاني: إذ لا
يعسر إثباته وليس كذلك بل يقبل قولها في ذلك وإن كذبها الزوج فيه. نعم: إن انضم معه الولي والشهود وكذبها الجميع
فلا يقبل قولها - كما هو صريح التحفة - ونصها: ويكره تزوج من ادعت التحليل لزم إمكانه ولم يقع في قلبه صدقها
وكذبها زوج عينته في النكاح أو الوطئ وإن صدقناه في نفيه حتى لا يلزمه مهر أو نصفه ما لم ينضم لتكذيبه في أصل النكاح
تكذيب الولي والشهود. اه‍. وفي ق ل على الجلال ما نصه: وتصدق في عدم الاصافة وإن اعترف بها المحلل فليس
للأول تزوجها وتصدق في دعوى الوطئ إذا أنكره المحلل أو الزوج كما تصدق إذا ادعت التحليل وإن كذبها الولي أو
الشهود أو الزوج أو اثنان من هؤلاء الثلاثة لا إن كذبها الجميع، ويكره نكاح من ظن كذبها فيه. ولو رجع الزوج عن
التكذيب قبل أو رجعت هي عن الاخبار بالتحليل قبلت قبل عقد الزوج - لا بعده - اه‍ (قوله: وإذا الخ) أصل المتن:
وللأول نكاحها. فقوله: إذا ادعت الخ دخول عليه (قوله: وحلفت عليهما) أي على النكاح وانقضاء العدة. قال
البجيرمي: لا يحتاج إلى الحلف إلا إذا أنكر المحلل بعد طلاقه الوطئ. أو قال ذلك وليها، أما إذا لم يعارض أحد
وصدقها الزوج الأول فلا يحتاج إلى يمينها - كما أفاده شيخنا الحفناوي. اه‍ (قوله: وإن ظن كذبها) غاية في الجواز:



(1) سورة البقرة، الآية: 230.
31
أي جاز للأول ذلك وإن ظن كذبها. وعبارة الروض وشرحه: وله أي للأول - تزوجها وإن ظن كذبها، لكن يكره فإن كذبها
- بأن قال: هي كاذبة منعناه من تزوجها إلا إن قال بعده تبينت صدقها - فله تزوجها لأنه ربما انكشف له خلاف ما ظنه. اه‍
(قوله: لان العبرة الخ) علة لجواز نكاحها مع ظنه كذبها. وقوله بقول أربابها: أي أصحابها: أي والزوجة المدعية ذلك
منهم في الجملة أو قوله ولا عبرة بظن الخ من جملة العلة. وقوله: لا مستند له: أي شرعي وعبارة التحفة، وإنما قبل قولها
في التحليل من ظن الزوج كذبها لما مر أن العبرة في العقود بقول أربابها وأن لا عبرة بالظن إذا لم يكن له مستند شرعي،
وقد غلط المصنف - كالامام المخالف - في هذا، ولكن انتصر له الأذرعي وأطال. اه‍ (قوله: ولو ادعى الثاني) أي
المحلل. وقوله الوطئ: أي أنه وطئها. وقوله: وأنكرته، أي الوطئ (قوله: لم تحل للأول) أي لان القول - كما تقدم في
الصداق - قول نافي الوطئ (قوله: ولو قالت: لم أنكح الخ) عبارة شرح الروض: ولو قالت: أنا لم أنكح ثم رجعت
وقالت: كذبت بل نكحت زوجا ووطئني وطلقني واعتددت وأمكن ذلك وصدقها الزوج فله نكاحها. ولو قالت: طلقني
ثلاثا ثم قالت: كذبت ما طلقني إلا واحدة أو اثنتين فله التزوج بها بغير تحليل. قال في الأنوار: ووجهه أنها لم تبطل
برجوعها حقا لغيرها. وقد يقال: أبطلت حق الله تعالى وهو التحليل. اه‍ (قوله: وادعت نكاحا) أي تحل به للأول.
وقوله بشرطه: أي النكاح الذي تحل به للأول وشرطه مفرد مضاف فيعم: أي شروطه وهي كونه صحيحا وكونها وطئت فيه
وكون الزوج المحلل طلقها وكونها انقضت عدتها (قوله: جاز للأول نكاحها إن صدقها) خرج به ما لو كذبها فلا يجوز له
نكاحها وانظر لو ظن كذبها: هل يجوز له أن يتزوج بها أيضا كما إذا لم يسبق إنكار منها أو لا؟ وعلى عدم الجواز فانظر
الفرق بين ما هنا وبين ما تقدم من أنه يجوز له فيه نكاحها وإن ظن كذبها، ويمكن أن يفرق بتقديم إنكار النكاح هنا دون ما
تقدم (قوله: أي المطلقة) بيان للفاعل: وقوله زوجها الأول: بيان للمفعول (قوله: أنها تحللت) أي نكحت نكاحا
صحيحا بشروطه السابقة (قوله: ثم رجعت) أي عما أخبرت به وبين الرجوع بقوله: وكذبت نفسها (قوله: قبلت دعواها)
أي الرجوع عن قولها الأول (قوله: قبل عقد عليها) متعلق بقبلت أو بمحذوف حال من نائب فاعله الذي قدره الشارح
(قوله فلا يجوز له) أي للأول نكاحها، وهو مفرع على قبول دعواها (قوله: لا بعده) معطوف على قبل عقد. وقوله أي
لا يقبل الخ: بيان لمفهومه. وقوله: إنكارها التحليل: أي وهو دعواها التي عبر بها آنفا، وكان الأنسب التعبير بها هنا أيضا
(قوله: لان رضاها بنكاحه) أي الأول، وهو علة لعدم قبول ذلك بعد العقد. وقوله يتضمن الاعتراف. أي الاقرار منها
بوجود التحليل. وقوله: فلا يقبل منها خلافه: أي خلاف ما اعترفت به (قوله: وإن صدقها الثاني في عدم الإصابة) أي
الوطئ وهو غاية لعدم قبول إنكارها بعد العقد، وكان المناسب أن يقول في عدم التحليل لفقد شرط من شروطه كالإصابة.
وقوله لان الحق الخ: علة لعدم قبول إنكارها بعد العقد، والمراد بالحق انتفاعه بالبضع بسبب العقد (قوله: على رفعه)
أي الحق أي إزالته.
فرع: قال في التحفة: وفي الحاوي لو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه - بخلاف ما لو غابت
زوجته وأختها فرجعت: أي الأخت وزعمت موتها لم تحل له. اه‍.
(قوله: تتمة) أي فيما يثبت به الطلاق (قوله: إنما يثبت الطلاق) أي على الزوج المنكر له (قوله: كالاقرار به) أي

32
بالطلاق. وصورة ذلك أن يقر بالطلاق ثم ينكره فإذا ادعى عليه بإقراره به لا يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين (قوله: بشهادة
الخ) متعلق بيثبت. وقوله رجلين الخ: ذكر ثلاثة شروط الذكورة والحرية والعدالة، فلو فقد واحد منها لا يحكم بوقوع
الطلاق - كما بينه بعد بالتفريع (قوله: فلا يحكم الخ) وذلك لأنه مما يظهر للرجال غالبا وهو لا يقبل فيه شهادة النساء.
وقوله بوقوعه: أي الطلاق. وقوله: بشهادة الإناث: أي على الطلاق أو على الاقرار به (قوله: ولو مع رجل) غاية في عدم
جواز الحكم بشهادة الإناث (قوله: أو كن أربعا) أي ولو كانت الإناث أربعا فلا يقبل لما علمت (قوله: ولا بالعبيد)
معطوف على قوله بشهادة الإناث: أي ولا يحكم بوقوعه بالعبيد أي بشهادتهن، وهذا مفهوم الحرية والذي قبله مفهوم
الذكورة. وقوله ولو صلحاء: أي ولو كانت العبيد صلحاء فلا يحكم بشهادتهم. وقوله: ولا بالفساق، معطوف على قوله:
بشهادة الإناث: أي ولا يحكم بالفساق أي بشهادتهم وهذا مفهوم العدالة (قوله: ولو كان الخ) غاية في عدم جواز الحكم
بشهادة الفساق (قوله: بلا عذر) قيد في إخراج المكتوبة عن وقتها الذي يفسق به. وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يكون
مفسقا (قوله: ويشترط للأداء) أي أداء الشهادة بالطلاق عند الحاكم وقبولها منه. والمراد يشترط لصحة الشهادة على
الطلاق أداء وقبولا. وقوله أن يسمعاه: أي المذكور من الطلاق والاقرار به فلا تقبل شهادة الأصم به. وقوله: ويبصر
المطلق، أي أو المقر به فلا نقبل شهادة الأعمى فيه لجواز أن تشتبه الأصوات، وقد يحاكي الانسان صوت غيره فيشتبه به
إلا أن يقر شخص في إذنه فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود عليه معروف الاسم
والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم بأنه المشهود عليه (قوله: حين النطق به) أي بالطلاق (قوله: فلا يصح تحملهما)
أي الشاهدين. وهو تفريع على مفهوم الشرط الثاني: أعني أن يبصرا فقط بدليل ما بعده، وكان الأولى أن يفرع عليه
وعلى ما قبله وهو أن يسمعاه بأن يقول: فلا يصح تحملهما لكونهما أصمين أو لم يريا المطلق (قوله: من غير أن يريا
المطلق) أي لعمي قائم بهما أو ظلمة (قوله: لجواز اشتباه الأصوات) تعليل لعدم صحة التحمل اعتمادا على الصوت
(قوله: وأن يبينا الخ) معطوف على أن يسمعاه: أي ويشترط أن يبين الشاهدان اللفظ الصادر من الزوج من صريح أو
كناية. وهذا شرط للقبول (قوله: ويقبل فيه) أي في الطلاق (قوله: شهادة أبي المطلق وابنها) أي الذي يأتي للشارح في
باب الشهادة أنه لا ترد شهادة الفرع على أبيه بطلاق ضرة أمه وعبارته هناك: ولا ترد على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا
وأمه تحته، أما رجعي فتقبل قطعا. هذا كله في شهادة حسبه الخ. ومثله في المنهاج، ولم يذكر ابن حجر وم ر أنه يجوز
ذلك في مسألتنا. ثم رأيت في الروض - في باب الشهادة - ما ذكره الشارح، وعبارته مع شرحه: وتقبل شهادته على الأب
بتطليق ضرة أمه وقد قذفها وإن جر نفعا إلى أمه: إذ لا عبرة بمثل هذا الجر لا شهادته لامه بطلاق أو رضاع إلا إن شهد لها
حسبة. اه‍. لكن الذي في العبارة المذكورة شهادة الابن بطلاق زوجها لها لا شهادة أبيها له، ويمكن أن يقاس على
الابن. فكما قبلت شهادة الابن بالطلاق قبلت شهادة الأب فيصح ما قاله المؤلف هنا من قبول شهادة أبي المطلقة وابنها
(قوله: إن شهد أحسبه) وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الاستشهاد. وخرج بذلك ما لو شهدا لا حسبة، بل بتقدم
دعوى فلا تقبل شهادتهما لها للتهمة (قوله: ولو تعارضت الخ) يعني لو ادعى الزوج أنه طلقها طلاقا معلقا وادعت هي أنه
منجز وأقاما بينتين متعارضتين بأن لم تؤرخا بتاريخين مختلفين بأن أطلقتا أو أرختا بتاريخ واحد أو أطلقت إحداهما
وأرخت الأخرى - كما تقدم غير مرة - قدمت بينة التعليق لان معها زيادة علم بسماع التعليق والله سبحانه وتعالى أعلم.

33
فصل في الرجعة
أي في بيان أحكامها. وذكرها عقب الطلاق لأنها تترتب عليه في الجملة: أي فيما إذا كان رجعيا وأصلها الإباحة،
وتعتريها أحكام النكاح السابقة، وهي: الوجوب على من طلق إحدى زوجتيه قبل أن يوفي لها ليلتها، والحرمة فيما إذا
ترتب عليها عدم القسم أو عجز عن الانفاق، والكراهة حيث سن الطلاق، والندب حيث كان الطلاق بدعيا والأصل فيها
قبل الاجماع قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي في العدة * (إن أرادوا إصلاحا) * أي رجعة: كما قال
الشافعي رضي الله عنه: وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والرد والامساك مفسران
بالرجعة. وقوله (ص): أتاني جبريل فقال لي: يا محمد راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وأنها زوجتك في الجنة.
وأركانها ثلاثة: مرتجع، ومحل، وصيغة، والمراد بالمرتجع الزوج أو من يقوم مقامه من وكيل فيما إذا وكل أن يراجع زجته
وولي فيما إذا جن من قد وقع عليه الطلاق وكان الصلاح في الرجعة، وشرط فيه أهلية عقد النكاح بنفسه، بأن يكون بالغا
عاقلا مختارا، وشرط في المحل كونه زوجة موطوءة وفي معنى الوطئ استدخال المني المحترم معينة قابلة للحل مطلقة
مجانا لم يستوف عدد طلاقها وتكون الرجعة في العدة. فخرج بالزوجة الأجنبية، وبالموطوءة والملحقة بها المطلقة قبل
الوطئ وما في معناه فلا تصح رجعتها لبينونتها بالطلاق قبل الدخول وبالمعينة المبهمة، فلو طلق إحدى زوجتيه مبهمة ثم
راجعها أو طلقهما جميعا ثم راجع إحداهما مبهمة لم تصح الرجعة، وبالقابلة للحل المرتدة فلا تصح رجعتها في حال
ردتها لان مقصود الرجعة الحل والردة تنافيه، وكاذا لو ارتد الزوج أو ارتدا معا. وبالمطلقة المفسوخ نكاحها فلا رجعة فيها
وإنما تسترد بعقد جديد، وبمجانا المطلقة بعوض فلا رجعة فيها أيضا بل تحتاج إلى عقد جديد، وبلم يستوف عدد
طلاقها المطلقة ثلاثا فلا تحل له إلا بمحلل - كما تقدم - ويفي العدة ما إذا انقضت عدتها فلا تحل له إلا بعقد جديد.
وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالمراد صريحا كان أو كناية بشرط عدم التعليق ولو بمشيئتها وعدم التأقيت. فلو قال:
راجعتك إن شئت، فقالت: شئت لم تصح الرجعة، وكذا لو قال: راجعتك شهرا. ولا تصح النية من غير لفظ ولا بفعل
كوطئ، خلافا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه. نعم: لو صدر ذلك من كفار واعتقدوه رجعة ثم ترافعوا إلينا وأسلموا
أقررناهم ويقوم مقام اللفظ الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة كسائر العقود. وجميع هذه الأركان مع معظم
الشروط تفلم من كلامه (قوله: هي) أي الرجعة بفتح الراء وكسرها، والأول أفصح: وقوله لغة المرة: أي حتى على
الكسر. ولا يخالفه قول ابن مالك:
وفعله لمرة كجلسة وفعله لهيئة كجلسة
لان ذلك أغلبي - لا كلي - وقوله: من الرجوع: حال من المرة: أي حال كون المرة كائنة من الرجوع، سواء كان
من الطلاق أو غيره، فيكون المعنى اللغوي أعم من الشرعي (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: رد المرأة) من إضافة



(1) سورة البقرة، الآية: 228.
(2) سورة البقرة، الآية: 229.
34
المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي رد الزوج أو القائم مقامه المرأة (قوله: إلى النكاح) أي الكامل، وإلا فهي قبل
الرد في نكاح لان لها حكم الزوجة في النفقة ونحوها كلحوق الطلاق والظهار، إلا أنه ناقص لعدم جواز التمتع بها (قوله:
من طلاق) متعلق برد، وهو قيد أول خرج به وطئ الشبهة والظهار والايلاء فإن استباحة الوطئ فيها بعد زوال المانع لا
يسمى رجعة: وقوله: غير بائن، قيد ثان خرج به البائن: كالمطلقة بعوض، والمطلقة ثلاثا، وقد تقدم حكمهما. وقوله
في العدة: أي عدة الطلاق، وهو متعلق برد خرج به ما إذا انقضت العدة فلا تحل له إلا بعقد جديد - كما تقدم - وقال
بعضهم: إن هذا للإيضاح لأنها بعدها تصير بائنا، وفي التحفة والنهاية وغيرهما زيادة على وجه مخصوص بعد قوله في
العدة ويشار به إلى شروط الرجعة المعتبرة في صحتها وقد علمتها (قوله: صح رجوع مفارقة) أي امرأة مفارقة: أي فارقها
زوجها وهو شروع في بيان شروط الرجعة، وذكر منها ستة: أن يكون الفراق بطلاق، وأن لا يبلغ أكثره، وأن يكون
مجانا، وأن يكون بعد وطئ، وأن يكون قبل انقضاء العدة، وأن يكون الرجوع بصيغة. وبقي منها كون المطلقة قابلة
للحل للمراجع، فلو أسلمت الكافرة واستمرت وراجعها في كفره لم يصح، وكونها معينة - كما تقدم التنبيه على ذلك -
(قوله: بطلاق) متعلق بمفارقة (قوله: دون أكثره) الظرف متعلق بمحذوف صفة لطلاق: أي طلاق لم يبلع أكثره (قوله:
فهو) أي أكثر الطلاق. وقوله ثلاث لحر: أي ثلاث طلقات بالنسبة للحر: وقوله: وثنتان لعبد: أي وهو بالنسبة للعبد ثنتان
(قوله: مجانا) حال من النكرة وهو طلاق، وهو جائز عند بعضهم (قوله: بلا عوض) بيان لمجانا (قوله: بعد وطئ) متعلق
بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق (قوله: أي في عدة وطئ) أنظر هذا التفسير فإنه إن جعل تفسير مراد لقوله: بعد وطئ
المتعلق بمفارقة أو بمحذوف صفة لطلاق لزم تعلقه هو بهما أيضا فيصير التقدير مفارقة في أثناء العدة أو طلاق كائن في
أثناء العدة وهو لا معنى له، وإن جعل قيدا زائدا متعلقا برجوع كان مكررا مع قوله قبل انقضاء عدة إذا علم ذلك فالصواب
إسقاطه أو تأخيره عن قوله قبل انقضاء عدة ويكون تفسير مراد له لان قوله قبل انقضاء صادق بما إذا قارنت الرجعة الانقضاء
- كما في البجيرمي - وفي هذه الحالة لا تصح الرجعة، كما نص عليه في التحفة فبتفسيره بما ذكر تخرج هذه الحالة
(قوله: قبل انقضاء عدة) متعلق برجوع: أي رجوع قبل انقضاء عدة: أي قبل تمام عدة الزوج فلو وطئت في عدته بشبهة
وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل من الشبهة وبعد ذلك تكمل عدة الطلاق، فلو راجعها في عدة الشبهة صح لكونها
رجعة قبل تمام عدة ولكن لا يستمتع بها حتى تقضيها (قوله: فلا يصح رجوع مفارقة الخ) شروع في أخذ محترزات
القيود المارة (قوله: بغير طلاق) محترز قوله: بطلاق. وقوله كفسخ: تمثيل للمفارقة بغير طلاق: أي فلا تصح الرجعة فيه
لأنه إنما شرع لدفع الضرر فلا يليق به جواز الرجعة (قوله: ولا مفارقة الخ) معطوف على مفارقة بغير طلاق. وقوله: بدون
ثلاث مع عوض: محترز قوله: مجانا، وقوله: كخلع، تمثيل للمفارقة بالعوض. وقوله: لبينونتها، علة لعدم صحة
الرجوع فيه - أي وإنما لم يصح لبينونتها بالعوض: إذ هي تملك نفسها به (قوله: ومفارقة قبل وطئ) معطوف أيضا على
مفارقة بغير طلاق، وهو محترز قوله بعد وطئ. وقوله إذ لا عدة عليها: علة لعدم صحة الرجعة أيضا: أي فلا يصح الرجوع
في المفارقة قبل الوطئ لأنه لا عدة عليها، وشرط الرجعة أن تكون في عدة (قوله: ولا من انقضت عدتها) الموصول واقع
على مفارقة ومعطوف على مفارقة بغير طلاق أيضا أي ولا يصح رجوع المفارقة التي انقضت عدتها. وقوله لأنها صارت
أجنبية علة له: أي وإنما لم يصح ممن انقضت عدتها لأنها صارت أجنبية بانقضاء العدة (قوله: ويصح تجديد نكاحهن)
أي المفارقة بالفسخ والمفارقة بعوض والمفارقة قبل الوطئ والمفارقة التي انقضت عدتها (قوله: بإذن جديد) هذا في غير
المفارقة قبل الوطئ إذا كانت بكرا، أما هي فلا يشترط إذن جديد منها (قوله: ولا مفارقة بالطلاق الثلاث) معطوف أيضا

35
على مفارقة بغير طلاق أيضا، وهو محترز قوله: دون أكثره على سبيل اللف والنشر المشوش، ولعله ارتكبه لكون الحكم
في غير الأخيرة واحدة بخلافه في الأخيرة فإنه مخالف له - كما بينه بقوله فلا يصح نكاحها - أي المفارقة بالطلاق الثلاث
إلا بعد التحليل: أي بأن تنكح زوجا آخر ويطلقها وتنقضي عدتها (قوله: وإنما يصح الرجوع براجعت الخ) شروع في
بيان الصيغة. وقوله أو رجعت: أي بتخفيف الجيم: قال تعالى: * (فإن رجعك الله) * (قوله: زوجتي) تنازعه كل من
راجعت ورجعت وقوله أو فلانة: أي هو مخير بين أن يقول: زوجتي أو يقول: فلانة ويذكر اسمها كفاطمة، ومثله ما لو أتي
بضمير المخاطبة كراجعتك وفي المغنى تنبيه لا يكفي مجرد راجعت أو ارتجعت أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة ذلك
إلى مظهر: كراجعت فلانة، أو مضمر. كراجعتك، أو مشار إليه: كراجعت هذه. اه‍: (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في
صحة الرجوع الخ، وهي للتعميم: أي يصح بما ذكر ويكون صريحا فيه - سواء أضافه إلى نفسه: كإلي نكاحي، أو إلي
بتشديد التحتية، أم لا (قوله: لكن يسن) استدراك من صحته بدون ذلك الموهم أنه غير سنة أيضا. وقوله: أن يزيد
أحدهما: أي هو إلى نكاحي، أو إلي بتشديد الياء، وقوله مع الصيغة: أي صيغة الرجعة بأن يقول: رجعت زوجتي إلى
نكاحي أو إلي (قوله: ويصح) أي الرجوع. وقوله: برددتها إلى نكاحي: أي إلي وهو صريح أيضا لكن مع الإضافة
المذكورة. قال م ر: لان الرد وحده المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول، فقد يفهم منه الرد إلى أهلها بسبب الفراق،
فاشترط ذلك في صراحته، خلافا لجمع. اه‍. ومثله في التحفة (قوله: وبأمسكتها) أي ويصح بأمسكتها، وهو صريح.
ولا يشترط فيه الإضافة لكن تندب فيه، خلافا لما في الروضة من اشتراط ذلك فيه أيضا كالرد (قوله: وأما عقد النكاح
الخ) أي وأما جريان صورة عقد النكاح على الرجعية بإيجاب وقبول فكناية رجعة، وذلك بأن يبتدئ وليها بإيجاب بأن
يقول له: زوجتك بنتي فيقول المرتجع: قبلت نكاحها قاصدا الرجعة. وفي البجيرمي: فإذا جرى بينه وبين الولي عقد
النكاح بإيجاب وقبول فهو كناية في الرجعية لان ما كان صريحا في شئ لا يكون صريحا في غيره كالطلاق والظهار، فإن
نوى فيما إذا عقد على الرجعة بإيجاب وقبول الرجعة حصلت وإلا فلا. ولا يلزم المال الذي عقد به. اه‍. وقوله: تحتاج
إلى نية: ظاهره أن الولي ينوي بقوله: زوجتك الارجاع، والمرتجع: ينوي الارتجاع، والظاهر أن الولي لا يشترط نيته
ذلك. إذ لا فائدة فيها. فليراجع (قوله: ولا يصح تعليقها) أي صيغة الرجعة، ومثل التعليق التأقيت فهو لا يصح أيضا
كراجعتك شهرا. وقوله: كراجعتك الخ: تمثيل للتعليق. وقوله إن شئت: هو بكسر الهمزة والتاء، فلو ضم التاء من شئت
أو فتح الهمزة من أن أو أبدلها بإذا صحت الرجعة لا فرق بين النجوى وغيره، وقيل يفرق بين النجوى وغيره - وهو
المعتمد - اه‍. بجيرمي (قوله: ولا يشترط الاشهاد عليها) أي على الرجعة، وهذا في الجديد لان الرجعة في حكم
استدامة النكاح، ومن ثم لم يحتج لولي ولا لرضاها، ولقوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * ولخبر أنه (ص):
قال لعمر: مره فليراجعها ولم يذكر فيها إشهادا. وفي القديم يجب الاشهاد، لظاهر آية: * (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) * قال في المغني: وأجاب الأول بحمل ذلك على الاستحباب: كما في قوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *
للأمن من الجحود، وإنما وجب الاشهاد على النكاح لاثبات الفراش، وهو ثابت هنا (قوله: فروع) أي ثلاثة الأول قوله
يحرم الخ، الثاني قوله: وتصدق الخ، الثالث قوله ولو ادعى رجعة الخ (قوله: يحرم التمتع برجعية الخ) أي قبل الرجعة



(1) سورة التوبة، الآية: 83.
(2) سورة البقرة، الآية: 228.
(3) سورة الطلاق، الآية: 2.
(4) سورة البقرة، الآية: 282.
36
لأنها مفارقة كالبائن وأيضا النكاح يبيحه فيحرمه الطلاق لأنه ضده. قال سم: وعد في الزواجر من الكبائر وطئ الرجعية
قبل ارتجاعها من معتقد تحريمه، ثم قال: وعد هذا كبيرة إذا صدر من معتقد تحريمه غير بعيد إلى آخر ما أطال في
بيانه. اه‍ (قوله: ولو بمجرد نظر) غاية لمقدر: أي يحرم التمتع بسائر التمتعات ولو كان بمجرد النظر: سواء كان بشهوة
أو غيرها (قوله: ولا حد إن وطئ) أي ولا حد على المطلق طلاقا رجعيا إن وطئها قبل الرجعة وإن اعتقد تحريمه، وذلك
للخلاف الشهير في إباحته وحصول الرجعة به. نعم. يجب عليه لها بالوطئ مهر المثل للشبهة ولو راجع بعده لان الرجعة
لا ترفع أثر الطلاق وتستأنف له عدة من تمام الوطئ لكونه شبهة، فإذا حملت منه أو كانت حاملا فله مراجعتها فيهما ما لم
تضع لوقوع عدة الحمل عن الجهتين، وإذا لم تحمل منه ولم تكن حاملا فله مراجعتها فيما بقي من عدة الطلاق دون ما
زاد عليها من عدة وطئ الشبهة، فلو وطئها بعد مضي قرأين مثلا استأنفت للوطئ ثلاثة أقراء، ودخل فيها ما بقي من عدة
الطلاق. والقرء الأول من الثلاثة واقع عن العدتين فليراجع فيه، والآخران لعدة الوطئ فلا رجعة فيهما (قوله: بل يعزر)
أي إن وطئ. قال في شرح الروض: ومثل الوطئ سائر التمتعات ويشترط في تعزيره أن يكون عالما بالحرمة معتقدا
تحريمه عليه، فإن كان جاهلا أو معتقدا حله فلا يعزر لعذره (قوله: وتصدق) أي الرجعية. وقوله في انقضاء العدة:
متعلق بتصدق. وقوله: بغير الأشهر، متعلق بانقضاء. وخرج به ما إذا ادعت انقضاءها بالأشهر وأنكر هو فإنه يكون هو
المصدق بيمينه، وذلك لرجوع اختلافهما إلى وقت الطلاق وهو يقبل قوله في أصله، فكذا في وقته. إذ من قبل في شئ
قبل في صفته. وقوله من أقراء أو وضع: بيان لغير الأشهر. وقوله إذا أمكن: أي انقضاؤها بما ادعته، أما إذا لم يمكن
لصغر أو يأس أو عقم أو قرب زمن فيصدق هو بلا يمين في الصغيرة على المعتمد، وباليمين في الآيسة ونحوها.
واعلم: يمكن انقضاؤها بوضع للتام في الصورة الانسانية بستة أشهر عددية وهي مائة وثمانون يوما ولحظتان،
لحظ للوطئ ولحظة للوضع من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح، ولمصور بمائة وعشرين يوما ولحظتين ولمضغة
بثمانين يوما ولحظتين، ويمكن انقضاؤها بأقراء لحرة طلقت في طهر سبق بحيض باثنين وثلاثين يوما ولحظتين لحظة
للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وذلك بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر
أقل الطهر ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيض وفي حيض بسبعة وأربعين يوما ولحظة من حيضة رابعة بأن
يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر، ثم
تطعن في الحيض لحظة. ويمكن انقضاؤها بها لغير حرة من أمة أو مبعضة طلقت في طهر سبق بحيض بستة عشر يوما
ولحظتين بأن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة وفي
حيض بأحد وثلاثين يوما ولحظة بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر وتحيض أقل الحيض ثم تطهر أقل
الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، فإن جهلت أنها طلقت في طهر أو حيض حمل أمرها على الحيض للشك في انقضاء
العدة والأصل بقاؤها. وخرج بقولنا سبق بحيض ما لو طلقت في طهر لم يسبقه حيض فأقل إمكان انقضاء الاقرار للحرة
ثمانية وأربعون يوما ولحظة لان الطهر الذي طلقت فيه ليس بقرء لعدم احتواشه بين دمين ولغيرها اثنان وثلاثون يوما
ولحظة.
واعلم: أن اللحظة الأخيرة في جميع صور انقضاء العدة بالأقراء لتبين تمام القرء الأخير لا من العدة فلا رجعة
فيها، ويجوز للغير العقد عليها فيها على المعتمد، وأن الطلاق في النفاس كهو في الحيض. وسيصرح الشارح بمعظم ما
ذكر في باب العدة، وإنما ذكرته هنا تعجيلا للفائدة (قوله: وإن أنكره) أي الانقضاء الذي ادعته، وهو غاية لتصديقها فيه
بيمينها (قوله: أو خالفت عادتها) أي في الحيض بأن كانت عادتها في كل شهرين حيضة فادعت أنها حاضت في شهر
حيضة (قوله: لأن النساء الخ) علة لتصديقها بيمينها في ذلك ولو مع إنكار الزوج له. وقوله: مؤتمنات على أرحامهن: أي
على ما فيها من حمل وغيره: أي والمؤتمن على شئ يصدق فيه (قوله: ولو ادعى) أي المطلق طلاقا رجعيا. وقوله

37
رجعة: مفعول ادعى. وقوله في العدة: متعلق برجعة أي: ادعى أنه راجعها في أثناء العدة (قوله: هي منقضية) الجملة
حالية: أي ادعى ذلك والحال أنها قد انقضت والمراد أنه ادعى بعد انقضائها أنه قد راجعها في العدة. وخرج به ما إذا
ادعى رجعة في العدة وهي باقية فيصدق هو لقدرته على إنشائها. وقوله: ولم تنكح، معطوف على الجملة الحالية قبله
فيكون هو حالا أيضا: أي ادعى ذلك والحال أنها لم تنكح غيره. وخرج به ما إذا نكحت غيره ثم ادعى أنه راجعها في
العدة فإذا لم يقم بينة فتسمع دعواه لتحليفها، فإن أقرت غرمت له مهر مثل للحيلولة ولا ينفسخ النكاح ثم إن مات الثاني أو
طلقها رجعت للأول بلا عقد عملا بإقرارها واستردت منه غرمته له وإن أقام بينة بأنه راجعها انفسح نكاح الثاني (قوله: فإن
اتفقا الخ) جواب لو: أي فلو ادعى ذلك ففيه تفصيل وهو أنهما إن اتفقا الخ. وقوله: على وقت الانقضاء: أي على الوقت
الذي تنقضي العدة فيه لولا الرجعة. وقوله كيوم الجمعة: مثال لوقت الانقضاء (قوله: وقال) أي لمطلق طلاقا رجعيا.
وقوله راجعت قبله: أي قبل وقت الانقضاء الذي هو يوم الجمعة كيوم الخميس (قوله: فقالت:) أي الرجعية. وقوله بل
بعده: أي بل راجعت بعده، أي بعد وقت الانقضاء كيوم السبت (قوله: حلفت أنها لا تعلم أنه راجع) أي قبل وقت
الانقضاء الذي هو يوم الجمعة وإنما حلفت على نفي العلم لان الرجعة فعل الغير - وهو الزوج - والحلف على فعل الغير
إنما يكون على نفي العلم فقط (قوله: فتصدق) أي الرجعية بحلفها على نفي العلم (قوله: لان الأصل الخ) علة
لتصديقها. وقوله قبله: أي وقت الانقضاء (قوله: فلو اتفقتا الخ) الأولى أن يقول: أو اتفقا كما في المنهاج، عطفا على
اتفقا الأولى: إذ هو من جملة التفصيل الذي صرحت به آنفا. وقوله كيوم الجمعة، تمثيل لوقت الرجعة المتفق عليه
(قوله: وقالت) أي الرجعية. وقوله انقضت: أي العدة: وقوله يوم الخميس. أي وهو قبل يوم الرجعة. وقوله وقال: أي
المطلق المذكور. وقوله: بل انقضت أي العدة. وقوله يوم السبت: أي الذي هو بعد يوم الرجعة (قوله: صدق) أي
المطلق المذكور، أي فتصح رجعته.. وقوله: إنها أي العدة، وقوله: ما انقضت يوم الخميس: أي بل يوم السبت
(قوله: لاتفاقهما الخ) علة لتصديقه بيمينه، وبقي ما إذا لم يتفقا على شئ بل اقتصر هو على أن الرجعة سابقة واقتصرت
على أن الانقضاء سابق صدق بيمينه من سبق إلى القاضي، فإن ادعيا معا بأن قالت: انقضت عدتي مع قوله راجعتك
صدقت هي لان الانقضاء لا يعلم غالبا إلا منها. وقوله والأصل الخ: هذا من جملة العلة بل هو محطها. وقوله قبله: أي
قبل وقت الرجعة (قوله: ولو تزوج رجل مفارقته) أي عقد رجل على مفارقته بعد انقضاء العدة، ومثله بالأولى ما لو
راجعها في العدة وقوله: ولو بخلع، أي ولو كان الفراق بخلع وهذا بناء على الأصح أن الخلع ينقص عدد الطلاق فالخلع
طلقة واحدة وتعود إليه إذا عقد عليها ببقية الطلاق. أما على مقابله فلا طلاق حتى أنه تعود إليه ببقيته (قوله: ولو بعد أن
نكحت الخ) أي ولو تزوج بها بعد نكاحها زوجا آخر (قوله: ودخوله بها) بالجر عطف على المصدر المؤول من أن
ونكحت: أي تزوج بها بعد نكاحها آخر وبعد دخول الآخر بها (قوله: عادت إليه) جواب لو. وقوله ببقيته: أي فالزوج
الآخر فيما إذا تزوجت لا يهدم الطلاق قبل استيفاء عوده، لان عددها متوقف عليه فوجوده وعدمه سواء، بخلاف ما إذا
تزوجت على آخر بعد استيفاء عدد الطلاق فإنه يهدمه وتعود له كالزوجة الجديدة. وقوله فقط راجع للبقية: أي عادت إليه
بالبقية لا غير: أي فلا تعود إليه بكل عدد الطلاق. وقوله من ثنتين: بيان للبقية وهذا فيما إذا طلقها واحدة وكان المطلق
حرا. وقوله أو واحدة: وهذا فيما إذا طلقها ثنتين وكان المطلق كذلك أو واحدة ولكن كان رقيقا والله سبحانه وتعالى
أعلم.

38
فصل
أي في بيان أحكام الايلاء. كالتخيير بين الفيئة والطلاق: وذكره بعد الرجعية لصحته للرجعية. والأصل فيه قوله
تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * وإنما عدى فيها بمن، وهو إنما يتعدى بعلى يقال: آلى على
كذا لأنه ضمن معنى البعد فكأنه قال: * (للذين يؤلون، مبعدين أنفسهم، من نسائهم) * وهو حرام للايذاء، وهل هو صغيرة
أو كبيرة؟ خلاف. فقيل إنه كبيرة كالظهار والمعتمد أنه صغيرة وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه وخصه بالحلف
على الامتناع من وطئ الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر، وأركانه ستة: حالف ومحلوف به، ومحلوف عليه، ومدة،
وصيغة، وزوجة، وشرط في الحالف أن يكون زوجا مكلفا مختارا يتصور منه الجماع فلا يصح من غير الزوج كسيد ولا
من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لا يتصور منه الجماع كمجبوب وأشل وشرط في المحلوف به أن يكون
واحدا من ثلاثة: إما اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته تعالى، وإما تعليق طلاق أو عتق، وإما التزام ما يلزم بالنذر
كصلاة وصوم وغيرهما من القرب. وسيأتي حكم ما إذا حلف بواحد منها. وشرط في المحلوف عليه ترك وطئ شرعي فلا
إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطئ ولا من وطئها في دبرها أو في قبلها في نحو حيض أو إحرام. وشرط في
المدة أن تكون زائدة على أربعة أشهر، فلو كانت أربعة أشهر أو أقل فلا يكون إيلاء بل مجرد حلف. وشرط في الصيغة
لفظ يشعر بإيلاء وهو إما صريح كقوله: والله لا أغيب حشفتي في فرجك أو لا أطؤك أو لا أجامعك أو نحو ذلك وإما كناية
كقوله: والله لا أمسك أو لا أباضعك أو لا أباشرك أو لا آتيك ونحو ذلك ثم إن الايلاء المستكمل للشروط يرتفع حكمه
بواحد من أربعة أمور: بالوطئ مدة الايلاء، والطلاق البائن، وانقضاء مدة الحلف. وموت بعض المحلوف عليهن في
قوله: لأربع من النساء والله لا أطؤكن. وجميع ما ذكر يعلمن كلامه (قوله: الايلاء حلف الخ) أي شرعا، وإما لغة فهو
مطلق الحلف. قال الشاعر:
وأكذب ما يكون أبو المثنى * إذا آلى يمينا بالطلاق
وهو من آلى بالمد يؤلى بالهمز إذا حلف ويرادفه اليمين والقسم، ولذلك قرأ ابن عباس: * (للذين يقسمون من
نسائهم) * وقيل من الالية بالتشديد وهي اليمين والجمع إلا بالتخفيف كعطية وعطايا. قال الشاعر:
قليل الألايا حافظ ليمينه * فإن سبقت منه الألية برت
وقوله زوج: أي حرا كان أو رقيقا. وقوله يتصور وطؤه: أي ويمكن طلاقه ليخرج به الصبي والمجنون. وخرج
بالأول المجبوب والأشل - كما تقدم - (قوله: على امتناعه) متعلق بحلف. وقوله من وطئ الخ: متعلق بامتناع. وقوله
زوجته: أي التي يتصور وطؤها، وذلك بأن يقول: والله لا أطؤك. ومثله ما لو قال: والله لا أجامعك فإن قال: أردت بالوطئ
الوطئ بالقدم وبالجماع الاجتماع لم يقبل ظاهرا ويدين باطنا فتجري عليه أحكام الايلاء ظاهرا ولا يأثم باطنا إثم الايلاء



(1) سورة البقرة، الآية: 226.
39
لأنه لم يحلف على الامتناع من الوطئ في الفرج بل على الامتناع من الوطئ بالقدم في الأولى والاجتماع في الثانية. وقوله
مطلقا: صفة لمصدر محذوف: أي امتناعا مطلقا: أي غير مقيد بمدة، وذلك كأن يقول: والله لا أطؤك ويسكت ومثل
الاطلاق ما لو أبد كقوله: والله لا أطؤك أبدا (قوله: أو فوق أربعة أشهر) معطوف على مطلقا: أي أو امتناعا مقيدا بأكثر
من أربعة أشهر، وظاهره ولو بما لا يسع الرفع إلى القاضي، وهو معتمد م ر وحجر، وفائدة ذلك حينئذ أنه يأثم إثم الايلاء
وإن لم يترتب عليه الرفع إلى القاضي، واعتمد زي وسم أنه لا بد أن يكون فوق أربعة أشهر بما يمكن فيه الرفع إلى
القاضي، وعليه فلا يأثم فيما إذا كان الزائد على الأربعة أشهر لا يسع الرفع إلى القاضي إثم الايلاء وإن كان يأثم إثم
الايذاء لايذائها بقطع طمعها من الوطئ تلك المدة. وخرج بقيد الفوقية على أربعة أشهر ما إذا قال: والله لا أطؤك أربعة
أشهر فلا يكون موليا بل يكون حالفا لأن المرأة تصبر على الزوج هذه المدة كما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه
خرج ذات ليلة فسمع امرأة تنشد أبياتا وهي هذه:
تطاول هذا الليل واسود جانبه * وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله أني أراقبه * لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يصدني * وأكرم بعلي أن تنال مراتبه
فسأل عمر رضي الله عنه بعض بناته كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: أربعة أشهر ويعيل صبرها بعدها (قوله:
كأن يقول: الخ) أتى بمثالين الأول: للمطلق، والثاني: للمقيد بفوق أربعة أشهر (قوله: أو حتى يموت فلان) معطوف
على فوق أربعة أشهر: أي أو يقول لا أطؤك حتى يموت فلان، وهو يفهم أن الفوقية على الأربعة الأشهر تعتبر ولو في ظنه
بأن يغلب على ظنه بقاء ما علق به إلى تمام العدة كالمثال المذكور، فإن الموت مستبعد ظنا وإن كان قريبا في الواقع
(قوله: فإذا مضت الخ) مرتب على محذوف تقديره ويمهل المولي وجوبا حرا كان أو رقيقا أربعة أشهر ولاء، فإذا مضت
أربعة أشهر الخ ويقطع الولاء مانع من الوطئ. قام بها حسيا كان كنشوز وحبسها ومرضها وشرعيا كصوم فرض، فإذا زال
المانع منها تستأنف مدة الايلاء ولا يقطعه حيض أو نفاس ولا مانع قام به كجنونه ومرضه. وقوله من الايلاء: الجار
والمجرور متعلق بمحذوف حال من أربعة أشهر: أي حال كونها مبتدأة من الايلاء وهذا في غير الرجعية، أما فيها فتبتدئ
من وقت الرجعة فإذا طلقها طلاقا رجعيا ثم آلى منها لم تحسب المدة حتى يراجع. وقوله بلا وطئ: متعلق بمضت: أي
مضت من غير وطئ. وخرج به ما إذا وطئها في الأربعة الأشهر فينحل الايلاء ويلزمه كفارة اليمين في الحلف بالله تعالى،
ومثل الوطئ في ذلك الطلاق البائن وموت بعض المحلوف عليهن لما تقدم ان هذه الأمور ترفع حكم الايلاء. وعبارة
الارشاد وشرحه: فإن تمت هذه الأربعة ولم ينحل الايلاء بوطئ أو غيره، كزوال الملك عن القن المعلق عتقه بالوطئ
طالبته الخ. اه‍ (قوله: فلها مطالبته) أي بالقاضي: أي بأن تطلب من القاضي أن يطلب منه ذلك. ثم إن ظاهر العبارة أنها
تردد الطلب بين الفيئة والطلاق، وهو المعتمد، خلافا لمن قال: إنها ترتب فتطلب منه أولا الفيئة فإن لم يفئ تطلب منه
الطلاق. وقوله بالفيئة: بفتح الفاء وكسرها مأخوذة من فاء إذا رجع لرجوعه إلى الوطئ الذي امتنع منه، محل مطالبتها
بالفيئة إذا لم يقم به مانع شرعي كإحرام أو صوم واجب وإلا طالبته بالطلاق فقط لحرمة والفيئة عليه حينئذ، فإن كان المانع
القائم به طبيعيا كخوف بطء برء وعجز عن افتضاض بكرا دعاه وحلف عليه طالبته بفيئة اللسان بأن يقول: إذا قدرت فئت
فتكتفي بالوعد كما قال القائل:
قد صرت عندك كمونا بمزرعة * إن فاته السقي أغنته المواعيد
ولا تطالبه بالوطئ لأنه عاجز عنه ويكفي منه ما يندفع به الأذى الذي حصل من اللسان. ولو استمهل للفيئة باللسان
لم يمهل، إذ لا كلفة عليه في الوعد. وقال في المنهج وشرحه: ويمهل إذا استمهل يوما فأقل ليفئ فيه لان مدة الايلاء

40
مقدرة بأربعة أشهر فلا يزاد عليها بأكثر من مدة التمكن من الوطئ عادة كزوال نعاس وشبع وجوع وفراغ صيام. اه‍ (قوله:
وهي) أي الفيئة (قوله: أو بالطلاق) معطوف على بالفيئة: أي أو مطالبته بالطلاق: أي إن لم يفئ وذلك للآتي (قوله:
فإن أبى) أي امتنع من الفيئة ومن الطلاق، وقوله طلق عليه القاضي: أي بطريق النيابة عنه طلقة واحدة، وذلك كأن يقول:
أوقعت على فلانة عن فلان طلقة، أو حكمت عليه في زوجته بطلقة، فلو زاد عليها لغا الزائد. وقد نظم ذلك ابن رسلان
في زبده فقال:
حلفه أن لا يطأ في العمر * زوجته، أو زائدا عن أشهر
أربعة، فإن مضت لها الطلب * بالوطئ في فرج وتكفير وجب
أو بطلاقها، فإن أباهما * طلق فرد طلقة من حكما
(قوله: وينعقد الايلاء بالحلف بالله تعالى) أي أو صفة من صفاته وذلك كأن يقول: والله أو والرحمن لا أطؤك
خمسة أشهر. وقوله: وبتعليق طلاق أو عتق: أي على وطئها كأن يقول لها: إن وطئتك فأنت طالق أو فعبدي حر. وقوله أو
التزام قربة: كأن يقول: لله علي صوم أو عتق أو ألف درهم إن وطئتك (قوله: وإذا وطئ) أي في مدة الايلاء في القبل
فخرج الدبر واستدخال المني، وقوله مختارا: قيد للزوم الكفارة، وأما الفيئة فتحصل بالوطئ مكرها وكذا ناسيا أو جاهلا
أو مجنونا أو وهي كذلك وباستدخالها ذكره فلا مطالبة لها بعده ولا يحنث ولا ينحل الايلاء إن بقي قدر مدته، فإن وطئ
بعده عامدا عالما مختارا انحل الايلاء وحنث أيضا. اه‍. ش ق (قوله: بمطالبة) متعلق بوطئ. وقوله أو دونها: أي دون
مطالبة (قوله: لزمته كفارة يمين) أي وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد أو كسوتهم، فإن عجز عن
ذلك فصيام ثلاثة أيام وهي واجبة عليه حنثه، وأما المغفرة والرحمة في * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * فلما عصى به
من الايلاء فلا ينفيان الكفارة المستقر وجوبها في كل حنث (قوله: إن حلف بالله) فإن حلف بالتزام قربة تخير بين ما
التزمه، وكفارة اليمين أو بتعليق نحو طلاق وقع عليه لوجود المعلق عليه الذي هو الوطئ والله سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة البقرة، الآية: 226.
41
فصل
أي في بيان أحكام الظهار كلزوم الكفارة إذا صار عائدا وذكر عقب الايلاء لكونه مثله في التحريم وكونه كان طلاقا
في الجاهلية لا رجعة فيه. وهو لغة مأخوذ من الظهر بمعنى الاستعلاء لما فيه من استعلاء شئ على شئ آخر. وشرعا
تشبيه الزوج زوجته غير البائن بأنثى لم تكن حلاله، وإنما عبروا بالظهار المأخوذ من الظهر ولم يعبروا بالبطان المأخوذ من
البطن مثلا مع أنه يصح التشبيه بالبطن لان صيغته المتعارفة في الجاهلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي
وخصوا الظهر لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج ففي قوله: أنت علي كظهر أمي كناية تلويحية عن الركوب،
فكأنه قال: أنت لا تركبين كما لا تركب الام، والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) *
الآية. وسبب نزولها أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم وكان قد عمي فسألت النبي (ص) عن ذلك فقال
لها: حرمت عليه. فقالت يا رسول الله أنظر في أمري معه فإني لا أصبر عنه ومعي منه صبية صغار إن ضممتهم إليه
ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا. فقال لها: حرمت. فكرر وكررت ثلاث مرات. فلما أيست منه اشتكت إلى الله تعالى
وحدتها وفاقتها فأنزل الله * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات، وقد مر بها عمر بن الخطاب
رضي الله عنه في خلافته فاستوقفته زمنا طويلا ووعظته. وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك يا أمير
المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها،
فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا
للصلاة المكتوبة. أتدرون من هذه العجوز؟ هي التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات أيسمع رب العالمين قولها
ولا يسمعه عمر؟ والظهار حرام من الكبائر: لقوله تعالى فيه * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ولان فيه إقداما
على إحالة حكم الله تعالى وتبديله، وهذا أخطر من كثير من الكبائر وقضيته الكفر لولا خلو الاعتقاد عن ذلك وأركانه
أربعة: مظاهر، ومظاهر منها، ومشبه به، وصيغة، وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه فلا يصح من غير زوج من
أجنبي وإن نكح من ظاهر منها وسيد فلو قال لامته أنت علي كظهر أمي لم يصح، ولا يصح من صبي ومجنون ومكره لعدم
صحة طلاقهم. وشرط في المظاهر منها كونها زوجة ولو رجعية فلا يصح من أجنبية ولو مختلعة ولا من أمة مملوكة،
بخلاف الزوجة الأمة فيصح الظهار منها. وشرط في المشبه به أن يكون كل أنثى أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو
مصاهرة لم تكن حلاله قبل كأمه وبنته وأخته من النسب ومرضعة أبيه أو أمه وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته أو معها فيما
يظهر وأخته من الرضاعة إن كانت ولادتها بعد إرضاعه أو معه فيما يظهر، فخرج بالأنثى الذكر والخنثى لان كلا منهما ليس
محلا للتمتع وبالمحرم أخت الزوجة لان تحريمها من جهة الجمع وزوجات النبي (ص) لان تحريمهن ليس للمحرمية بل
لشرفه (ص)، وبقولنا: لم تكن حلاله قبل زوجة أبيه التي نكحها بعد ولادته وأخته من الرضاعة التي كانت مولودة قبل
إرضاعه فلا يكون التشبيه بها ظهارا لأنها كانت حلالا له وإنما طرأ تحريمها: وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالظهار وفي
معناه الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة. ثم هو إما صريح كأنت أو رأسك أو يدك أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة كظهر



(1) سورة المجادلة، الآية: 3.
(2) سورة المجادلة، الآية: 1.
(3) سورة المجادلة، الآية: 2.
(4) الكلام فيه خلل في الأصل.
42
أمي أو كيدها أو رجلها وإن لم يكن لها يد أو رجل أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة أيضا، بخلاف الباطنة فيهما على
المعتمد كالكبد والطحال والقلب، وبخلاف ما لا يعد جزءا كاللبن والريق، وإما كناية كأنت كأمي أو كعينها أو غيرها مما
يذكر للكرامة كرأسها، فإن قصد الظهار كان ظهارا وإلا فلا. وجميع ما ذكر يعلم من كلامه تصريحا وتلويحا (قوله: إنما
يصح الظهار ممن يصح طلاقه) فلا يصح ممن لا يصح طلاقه كالصبي والمجنون والمكره كما تقدم آنفا.
(واعلم) أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية كالايلاء فغير الشرع حكمه إلى تحريم المظاهر منها بعد العود ولزوم
الكفارة ففيه شبه باليمين من حيث لزوم الكفارة وشبه بالطلاق من حيث ترتب التحريم عليه ولذلك صح توقيته نظرا للأول
وتعليقه نظرا للثاني، فإن قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي تكون مظاهرا منها بدخولها الدار. ولو قال: إن
ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، فإذا ظاهر من الضرة صار مظاهرا منهما عملا بمقتضى التنجيز والتعليق وتأقيته
يكون بيوم أو بشهر أو غيرهما فلو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهارا وإيلاء فتجري عليه أحكامهما فبالنظر
للايلاء تصبر عليه المرأة أربعة أشهر ثم تطالبه بالفيئة أو الطلاق، فإن وطئ زال حكم الايلاء وصار عائدا في الظهار
بالوطئ في المدة فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز له وطؤها ثانيا حتى يكفر أو تنقضي المدة وكالمقيد بالزمان المقيد
بالمكان كأن قال: أنت علي كظهر أمي في مكان كذا فيصير عائدا بالوطئ فيه فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز وطؤها ثانيا
في هذا المكان حتى يكفر (قوله: وهو) أي الظهار. وقوله أن يقول الخ: وهذا باعتبار صورته الأصلية الكثيرة الغالبة،
وإلا فمثل القول الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة كما تقدم (قوله: أنت) أي أو رأسك أو يدك ونحو ذلك من كل عضو
ظاهر. وقوله كظهر أمي: أي أو بطنها أو عينها أو يدها أو رجلها - كما تقدم - وقوله ولا بدون علي: أي أن الظهار هو قول ما
ذكر سواء زاد لفظ على بعد أنت أو لم يزده كالمثال الذي ذكره (قوله: وقوله) أي الزوج. وقوله أنت كأمي: أي أو كعينها
أو رأسها مما يذكر للكرامة. وقوله كناية: أي فإن قصد به الظهار كان ظهارا وإلا فلا (قوله: وكالام محرم) أي بنسب أو
رضاع أو مصاهرة، فإذا قال: أنت علي كظهر أختي من النسب أو من الرضاع أو كظهر أم زوجتي كان ظهارا (قوله: لم
يطرأ تحريمها) الجملة صفة لمحرم: أي محرم لم يطرأ تحريمها على المظاهر. وخرج به من طرأ تحريمها عليه كزوجة
ابنه وأم زوجته وزوجة أبيه بعد ولادته فإن هؤلاء كن حلالا له والتحريم فيهن طارئ، فلو شبه زوجته بواحدة منهن لم يكن
مظاهرا منها - كما تقدم - (قوله: وتلزمه كفارة ظهار) أي وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز فصيام شهرين
متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد طعام فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، بخلاف كفارة اليمين فإنها مخيرة
ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الاطعام والكسوة والاعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام. ومثل
كفارة الظهار كفارة جماع نهار رمضان، ومثلها أيضا كفارة القتل إلا أنها لا إطعام فيها اقتصارا على الوارد. وقوله بالعود:
الباء سببية متعلقة بتلزم: أي تلزم الكفارة بسبب العود ولو طلقها بعده فلا تسقط عنه الكفارة بعد العود بالطلاق بعده. ومثل
الطلاق غيره من أنواع الفرقة، وذلك لاستقرارها بالامساك بعد الظهار زمنا يسع الفرقة ولم يفارق. وظاهر عبارته وجوب
الكفارة بالعود فقط وهو أحد أوجه ثلاثة، ثانيها وجوبها بالظهار والعود شرط، ثالثها: وجوبها بهما معا، وهو المعتمد
الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين وجبت باليمين والحنث جميعا، وينبني على ذلك أنه على الأخير يجوز تقديمها على
العود لأنها حينئذ لها سببان فيجوز تقديمها على أحد السببين، وعلى الأولين لا يجوز تقديمها على العود لان لها سببا
وشرطا على الثاني وسببا فقط على الأول ومحل جواز تقديمها عليه على الآخر إن كانت بغير الصوم، فإن كانت به فلا
يجوز تقديمها عليه لأنه عبادة بدنية والعبادة البدنية لا تقدم على وقتها (قوله: وهو) أي العود. وقوله أن يمسكها زمنا يمكن
فراقها فيه: أي يسكت عن طلاقها بقدر نطقه بما يقع به فراقها كطلقتك وأنت طالق ولو جاهلا أو ناسيا، وإنما سمي
الامساك المذكور عود لأنه عاد لما قاله: أي خالفه ونقضه يقال: قال فلان قولا وعاد له أو فيه: أي نقضه وخالفه وذلك لان

43
قوله: أنت علي كظهر أمي يقتضي أن لا يمسكها زوجة بعد، فإذا أمسكها زوجة بعد فقد عاد في قوله ومحل كون الامساك
المذكور يكون عودا في الظهار غير المؤقت وغير المقيد بمكان وفي غير الرجعية. أما في الأول والثاني فلا يصير عائدا إلا
بالوطئ في الوقت أو في المكان وأما في الثالث فلا يصير عائدا إلا بالرجعة. وقد نظم ابن رسلان في زبده حاصل مسائل
الظهار فقال:
قول مكلف ولو من ذمي * لعرسه، أنت كظهر أمي
أو نحوه، فإن يكن لا يعقب * طلاقها، فعائد يجتنب
الوطئ كالحائض، حتى كفرا * بالعتق ينوي الفرض عما ظاهرا
رقبة مؤمنة بالله جل * سليمة عما يحل بالعمل
إن لم يجد، يصوم شهرين على * تتابع، إلا لعذر حصلا
وعاجز، ستين مدا ملكا * ستين مسكينا، كفطرة حكى
والله سبحانه وتعالى أعلم.

44
فصل في العدة
أي في بيان أحكامها: ككونها تحصل بوضع الحمل أو بالأقراء أو بالأشهر وإنما أخر الكلام عليها إلى هنا لترتبها
غالبا على الطلاق، وإنما قدم الكلام على الايلاء والظهار عليها لأنهما كانا طلاقا في الجاهلية وللطلاق تعلق بهما،
والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع، وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة، كما هو ظاهر. وقولهم لا
يكفر جاحدها لأنها غير ضرورية ينبغي حمله على بعض تفاصيلها، وإنما كررت الأقراء الملحق بها الأشهر مع حصول
البراءة بواحد استظهارا: أي طلبا لظهور ما شرعت لأجله وهو براءة الرحم واكتفى بها مع أنها لا تفيد تيقن البراءة لان
الحامل قد تحيض لكونه نادرا وهي من الشرائع القديمة (قوله: هي مأخوذة من العدد) أي لغة، كما يفيده مقابله الآتي
وقيل هي لغة اسم مصدر لاعتد، والمصدر الاعتداد (قوله: لاشتمالها) أي العدة بالمعنى الشرعي، فهو بيان لحكمة
تسمية المعنى الشرعي بها فيكون تعليلا لمحذوف: أي وإنما سميت المدة التي تتربص فيها المرأة بالعدة التي هي
مأخوذة من العدد لاشتماله تلك المدة على عدد أقراء أو أشهر، ولو أخر هذا التعليل عن المعنى الشرعي وزاد وسميت
بذلك لكان أولى وأوضح (قوله: غالبا) راجع لقوله على عدد: أي أن اشتمالها على عدد هو في الغالب، واحترز به عن
وضع الحمل فإنه لا عدد في صورته وعن عدة الأمة بشهر ونصف (قوله: وهي) أي العدة: وقوله شرعا: أي في الشرع
(قوله: مدة تتربص فيها المرأة) أي تنتظر وتمنع نفسها عن النكاح في تلك المدة وشملت المرأة الحرة والأمة، وخرج بها
الرجل فلا عدة عليه قالوا إلا في حالتين الأولى ما إذا كان معه امرأة وطلقها رجعيا وأراد التزوج بمن لا يجوز جمعها معها
كأختها الثانية ما إذا كان معه أربع زوجات وطلق واحدة منهن رجعيا وأراد التزوج بخامسة فلا يجوز له ذلك في الحالتين
المذكورتين إلا بعد انقضاء العدة وفي كون العدة واجبة على الرجل فيهما نظر، بل غاية ما فيه أنه يتربص بلا تزوج حتى
تنقضي العدة الواجبة على المرأة (قوله: لمعرفة الخ) علة التربص أي تتربص في تلك المدة لأجل معرفة براءة رحمها من
الحمل، وهذا بالنسبة لغير الصغيرة والآيسة والمراد بالمعرفة ما يشمل الظن إذ ما عدا وضع الحمل يدل عليها ظنا والرحم
جلدة معلقة في فرج المرأة فمها كالكيس يجتمع فيه مني الرجل ومني المرأة فيتخلق منهما الولد (قوله: أو للتعبد)
معطوف على لمعرفة الخ فهو علة ثانية للتربص أي أو تتربص في تلك المدة لأجل التعبد، وهذا بالنسبة للصغيرة والآيسة
وهو المغلب في العدة بدليل عدم الاكتفاء بقرء واحد مع حصول البراءة به، وبدليل وجوب عدة الوفاة وإن لم يدخل بها.
قال في التحفة: وقول الزركشي لا يقال فيها أي في العدة تعبد لأنها ليست من العبادات المحضة عجيب. اه‍. (قوله:
وهو) أي التعبد. وقوله اصطلاحا: أي في اصطلاح الفقهاء. وقوله: ما لا يعقل معناه: أي أمر لا تدرك حكمته، بل
الشارح تعبدنا به ثم إن في جعل ما خبرا عن التعبد مسامحة: إذ الامر الواقع عليه لفظ ما بمعنى المتعبد به فهو ليس عين
التعبد. وقوله عبادة كان: أي كالصلاة. وقوله أو غيرها: كالعدة في بعض أحوالها (قوله: أو لتفجعها) معطوف على
لمعرفة الخ، فهو علة ثالثة للتربص أي أو تتربص لتفجعها: أي توجعها وتحزنها يقال: فجعته المصيبة: أي أوجعته وفي

45
البجيرمي: وقد يجتمع التعبد مع التفجع في فرقة الموت عمن لا يولد له أو كانت قبل الدخول وقد تجتمع براءة الرحم مع
التفجع فيمن يولد له في فرقة الموت وقد تجتمع الثلاثة كما في هذا المثال لأن العدة فيها نوع من التعبد دائما واجتماع
الأقسام بعضها مع بعض مأخوذ من ذكر أو لأنها مانعة خلو فتجوز الجمع اه‍. وقوله: على زوج مات: متعلق بتفجع. أي
لتفجعها على فراق زوج بالموت (قوله: وشرعت) أي العدة وقوله صونا الخ فيه أنه لا يشمل نحو الصغيرة وغير المدخول
بها في عدة الوفاة. وأجيب بأنه حكمة وهي لا يلزم اطرادها. وقوله: عن الاختلاط فيه أن الرحم إذا دخله مني الرجل انسد
فمه فلا يقبل منيا آخر فلا يتصور اختلاط. وأجيب بأن المراد به الاشتباه (قوله: تجب عدة لفرقة زوج حي) سيأتي مقابله
في قوله وتجب لوفاة زوج. وفي البجيرمي: ومثل فرقة الحياة مسخه حيوانا، ومثل فرقة الموت مسخه جمادا. اه‍.
(قوله: بطلاق الخ) الباء سببية متعلق بفرقة أي فرقة حاصلة بسبب طلاق (قوله: أو فسخ نكاح) أي بعيبه أو عيبها، ومثل
الفسخ الانفساخ بلعان أو رضاع أو غيره كردة (قوله: حاضر الخ) يحتمل جعله بدلا من زوج فيكون تعميما فيه. ويحتمل
أن يكون مضافا إليه لفظ نكاح. وقوله مدة طويلة: متعلق بغائب: أي غائب مدة طويلة. وفي التقييد به نظر لأنه على
الاحتمال الأول يكون قوله حاضر أو غائب مرتبطا بكل من الطلاق أو من الفسخ فبالنسبة للطلاق لا فرق بين أن يكون
المطلق غائبا مدة طويلة أو قصيرة، ومثله بالنسبة للفسخ ولا يرد عليه ما سيأتي في باب النفقات من أن كثيرين اختاروا في
غائب تعذر تحصيل النفقة منه الفسخ لأنه يلزم من التعذر المذكور أن تكون المدة طويلة، وعلى الاحتمال الثاني يكون
قوله: حاضر، أو غائب مرتبطا بالفسخ فقط. ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون الذي يفسخ غائبا مدة طويلة أو قصيرة ولا يرد
عليه ما سيأتي أيضا لما تقدم آنفا فتنبه (قوله: وطئ) الجملة صفة ثانية لزوج من الوصف بالجملة بعد الوصف بالمفرد:
أي ويشترط في ثبوت العدة وطئ الزوج لها، ولا بد أن يكون الواطئ ممن يمكن وطؤه كصبي تهيأ له وأن تكون ممن
يمكن وطؤها ومثل الوطئ إدخال منيه المحترم حال خروجه وحال دخوله على ما اعتمده ابن حجر وحال خروجه فقط وإن
لم يكن محترما حال دخوله على ما اعتمده م ر، وذلك كما إذا احتلم الزوج وأخذت الزوجة منيه وأدخلته فرجها ظانة أنها
مني أجنبي فإن هذا محترم حال الخروج وغير محترم حال الدخول وتجب به العدة إذا طلقت الزوجة بعده وقبل الوطئ
على معتمد الثاني دون الأول لأنه اعتبر أن يكون محترما في الحالين. وفي سم: ولو وطئ زوجته ظانا أنها أجنبية وجبت
العدة بلا إشكال بل لو استدخلت هذا الماء زوجة أخرى وجبت العدة فيما يظهر. اه‍. وقوله في قبل أو دبر: تعميم في
الوطئ (قوله: بخلاف ما إذا لم يكن وطئ) أي ولم تدخل منيه المحترم: أي فلا عدة عليها وإن وجدت خلوة، وذلك
لقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل تمسوهن فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها) * (1) (قوله: وإن تيقن براءة رحم) غاية في وجوب العدة على الموطوءة: أي تجب العدة عليها وإن تيقن ذلك،
وذلك لأن العدة إنما وجبت لعموم الأدلة، ولان المغلب فيها جهة التعبد كما تقدم (قوله: كما في صغيرة وصغير) تمثيل
للمتيقن براءة رحمها وكون الزوج صغيرا ليس بقيد في تيقن براءة رحمها، بل متى كانت صغيرة تيقن ذلك ولو كان كبيرا
(قوله: ولوطئ الخ) معطوف على لفرقة: أي وتجب عدة لوطئ حصل مع شبهة كائنة في حلة (قوله: كما في نكاح فاسد)
أي كما في وطئه بنكاح فاسد، فإن الوطئ بالنكاح المذكور شبهة (قوله: وهو) أي وطئ الشبهة. وقوله: كل ما لم يوجب
حدا على الواطئ. أي وإن أوجبه على الموطوءة كما لو زنى المراهق ببالغة أو المجنون بعاقلة فتلزمها العدة لاحترام



(1) سورة الأحزاب، الآية: 49.
46
الماء (قوله: لا يستمتع) أي الزوج. وقوله بموطوءة بشبهة. أي بزوجته التي وطئت بشبهة. وقوله مطلقا: أي استمتاعا
مطلقا وطئا كان أو غيره (قوله: حملا كانت) أي سواء كانت عدة الشبهة بالحمل أو بغيره من الأقراء والأشهر (قوله: حتى
تنقضي الخ) غاية في النفي: أي لا يستمتع بها إلى أن تنقضي عدتها بوضع الحمل أو غيره، فإذا انقضت عدتها بذلك جاز
له الاستمتاع بها (قوله: لاختلال النكاح الخ) علة لعدم الاستمتاع: أي لا يستمتع بها لأنه قد اختل نكاحه بسبب تعلق
حق الغير بها وذلك الحق هو العدة لوطئ الشبهة (قوله: قال شيخنا ومنه) أي ومن التعليل المذكور، وهو اختلال النكاح
بما ذكر. وكتب ع ش على قول م ر: ومنه يؤخذ حرمة نظر ما نصه: هذا يخالف ما مر له قبيل الخطبة من جواز النظر لما
عدا ما بين السرة والركبة من المعتدة عن شبهة، وعبارته: وخرج بالتي تحل زوجته المعتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية
فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين السرة والركبة. اه‍. ويمكن الجواب بأن الغرض مما ذكره هنا مجرد بيان أنه يؤخذ من
عبارة المصنف ولا يلزم من ذلك اعتماده، فليراجع وليتأمل، على أنه قد يمنع أخذ ذلك من المتن لان النظر بلا شهوة لا
يعد تمتعا وهذا بناء على أن الضمير في منه راجع للمتن، أما إن جعل راجعا لقول الشارح لاختلال النكاح الخ لم يبعد الاخذ. اه‍. وقوله لم يبعد
الاخذ فيه أن الاشكال، وهو المخالفة المذكورة لا يرتفع بذلك. وقوله والخلوة بها: بالرفع
عطف على النظر: أي ويحرم الخلوة بها (قوله: وإنما يجب لما ذكر) أي لفرقة زوج حي ولوطئ شبهة وهو دخول على
المتن (قوله: بثلاثة قروء) الباء للتصوير متعلق بعدة: أي تجب عدة صورة بثلاثة قروء: أي وإن طالت أو استعجلت
الحيض بدواء أو اختلفت عادتها فيه أو كانت حاملا من زنا لان حمل الزنا لا حرمة له، ولو جهل حال الحمل ولم يمكن
لحوقه بالزوج بأن ولدت لأكثر من أربع سنين من وقت إمكان وطئ الزوج لها حمل على أنه من زنا من حيث صحة نكاحها
معه وجواز وطئ الزوج لها وعلى أنه من شبهة من حيث عدم عقوبتها بسببه، فإن أتت به للامكان منه لحقه ولم ينتف عنه إلا
بلعان ولو أقرت بأنها من ذوات الأقراء ثم كذبت نفسها وزعمت أنها من ذوات الأشهر لم يقبل لان قولها الأول يتضمن أن
عدتها لا تنقضي بالأشهر فلا يقبل رجوعها فيه، بخلاف ما لو قالت لا أحيض زمن الرضاع ثم كذبت نفسها وقالت:
أحيض زمنه فيقبل أفاده م ر (قوله: والقرء الخ) اعلم أنه اختلف في القرء فقيل أنه مشترك بين الحيض والطهر، وقيل
حقيقة في الطهر مجاز في الحيض، وقيل عكسه ولكن المراد به هنا: أي في العدة الطهر، كما روى عن عمر وعلي
وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولقوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * (1) أي في الوقت الذي
يشرعن فيه في العدة وهو زمن الطهر لان الطلاق في الحيض حرام ولا يصح إرادته هنا وإلا لكنا مأمورين بالحرام
والاحتراز بقوله هنا عن الاستبراء، فإن المراد به الحيض ومن استعماله فيه ما في خبر النسائي: تترك الصلاة أيام أقرائها
وقوله طهر بين دمي حيضتين: إضافة دمي إلى ما بعده من إضافة الأعم للأخص فهي للبيان: أي طهر كائن بين دمين هما
حيضتان. وقوله أو حيض ونفاس: أي أو كائن طهرها بين دمي حيض ونفاس ويتصور عد الطهر قرءا بينهما بما إذا طلقها
زوجها وهي حامل من زنا أو وطئ شبهة وكانت تحيض في حملها فحاضت ثم طهرت ثم نفست فيحسب هذا الطهر قرءا
لأنه بين حيض ونفاس. ومثل الطهر بين ما ذكر الطهر الكائن بين نفاسين كأن طلقت حاملا من زنا أو من وطئ شبهة ثم
وضعت فشرعت في عدة الطلاق ثم حملت من زنا فيحسب الطهر بين النفاسين قرءا ثم تأتي بعد الوضع الثاني بقرأين
آخرين إن لم يتقدم طهرها الذي طلقت فيه حيض ولا نفاس، وإلا فبقرء واحد (قوله: فلو طلق الخ) مفرع على كون القرء
هو الطهر الكائن بين حيضتين الخ أي فلو لم يكن بين ذلك كأن طلق من لم تحض أولا: أي من لم يسبق منها حيض،



(1) سورة الطلاق، الآية: 1.
47
ومثله من لم تنفس كذلك وقوله ثم حاضت: أي بعد الطلاق: أي أو نفست (قوله: لم يحسب الزمن الذي طلق فيه قرءا)
أي لم يعد قرءا وقوله: إذ لم يكن الخ: علة لعدم حسبانه قرءا (قوله: بل لا بد الخ) إضراب انتقالي، وقوله بعد الحيضة
الخ الظرف متعلق بمحذوف صفة لثلاثة أي ثلاثة أطهار واقعة بعد الحيضة. وقوله المتصلة بالطلاق: أي بالطهر الذي
طلق فيه (قوله: ويحسب بقية الطهر طهرا في غيرها) أي غير من لم تحض أولا وهي التي حاضت لان نفي النفي إثبات
يعني إذا طلقت في طهر مسبوق. بحيض ولو قل يحسب قرءا - كما سيذكره - قريبا في قوله فمن طلقت طاهرا الخ (قوله:
وتجب العدة بثلاثة أقراء) الأول إسقاطه لأنه يغني عنه قوله سابقا في الدخول علي بثلاثة أقراء، وإنما يجب لما ذكر عدة،
وليس هناك طول عهد حتى يقال: إنه أعاده لطوله كما هو عادة المؤلفين (قوله: على حرة تحيض) متعلق بتجب (قوله:
لقوله تعالى: الخ) دليل على وجوب العدة عليها (قوله: * (والمطلقات يتربصن) *) أي ينتظرن ويبعدن أنفسهن عن النكاح
ثلاثة قروء: أي أطهار (قوله: فمن طلقت طاهرا) لا يخفاك أن هذا مفرع على تفسير القرء بأنه الطهر بين الحيضتين، وأن
قوله المار ويحسب بقية الطهر الخ مفرع عليه أيضا. وهذا يؤدي مؤدي ذلك ويزيد عليه فكان الملائم والاخصر أن يقدم
هذا بجنب المفرع عليه ثم يعطف عليه قوله: المار، فلو طلق أو يجعل قوله: فلو طلق باقيا في محله ويقدم هذا أيضا
ويجعله معطوفا عليه وعلى الحالتين يحذف قوله ويحسب الخ. فتنبه (قوله: وقد بقي الخ) الجملة حالية: أي طلقت
والحال أنه بقي من طهرها لحظة (قوله: انقضت عدتها الخ) جواب من قوله (قوله: لاطلاق القرء على أقل لحظة) أي
فيصدق على القرءين مع بعض القرء ثلاثة قروء كما صدق على الشهرين مع بعض الثالث أشهر في قوله تعالى: * (الحج
أشهر معلومات) * (1) (قوله: وإن وطئ فيه) غاية في إطلاق القرء على أقل لحظة (قوله: أو حائضا) عطف على طاهرا
(قوله: وإن لم يبق الخ) غاية مما بعده فكان الأولى تأخيره عنه (قوله: فتنقضي عدتها الخ) أي ولا يحسب الحيض الذي
طلقت فيه قرءا (قوله: وزمن الطعن في الحيضة) أي الثالثة فيما إذا طلقت طاهرا أو الرابعة فيما إذا طلقت حائضا وقوله:
ليس من العدة، خبر المبتدأ الذي هو لفظ زمن (قوله: بل يتبين به) أي بزمن الطعن في الحيضة. وقوله انقضاؤها: أي
بالأقراء السابقة عليه.
تنبيه: سكت المؤلف عما إذا طلقت وهي ذات نفاس، وظاهر كلام الروضة في باب الحيض أنه لا يحسب من
العدة فلا بد من ثلاثة أقراء بعد النفاس. كذا في المغني وع ش، وسكت أيضا عن عدة المستحاضة. وحاصله أن عدة
المستحاضة غير المتحيرة حرة كانت أو أمة بأقرائها المردودة هي إليها حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما ومميزة
لتمييزها كذلك ومبتدأة ليوم وليلة في الحيض وتسع وعشرين في الطهر فعدتها تسعون يوما من ابتداء دمها إن كانت حرة
لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا، وعدة المتحيرة الحرة ثلاثة أشهر هلالية لاشتمال كل شهر على حيض وطهر،
وهذا إذا طلقت في أول الشهر كأن علق الطلاق به، أما لو طلقت في أثنائه فإن بقي منه ما يسع حيضا وطهرا بأن يكون ستة
عشر يوما فأكثر حسب قرءا لاشتماله على حيض وطهر لا محالة فتكمل بعده شهرين هلاليين وإن بقي منه خمسة عشر يوما



(1) سورة البقرة، الآية: 228.
(2) سورة البقرة، الآية: 197.
48
بأقل لم يحسب قرءا لاحتمال أنه حيض فتعتد بعده بثلاثة أشهر، أما الرقيقة فقال البارزي: تعتد بشهر ونصف. وقال
البلقيني: هذا قد يتخرج على أن الأشهر أصل في حقها وليس بمعتمد، فالفتوى على أنها إذا طلقت أول الشهر اعتدت
بشهرين أو وقد بقي أكثره فبباقيه، والثاني أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية وهذا هو المعتمد. (قوله: وتجب عدة
بثلاثة أشهر الخ) أي لقوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم
يحضن) * أي فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر من الثاني لدلالة الأول عليه. وقوله هلالية: أي لا عددية.
وقوله: ما لم تطلق أثناء شهر: قيد لكونها هلالية: أي أن محل كونها هلالية إذا لم تطلق أثناء شهر بأن طلقت أوله (قوله:
وإلا تمم الخ) أي وإلا لم تطلق الخ بأن طلقت أثناء شهر تمم الأول المنكسر من الشهر الرابع ثلاثين يوما سواء كان
المنكسر ناقصا أو تاما (قوله: إن لم تحض) أي لصغر أو لعلة أو جبلة منعتها رؤية الدم: أي ولم تبلغ سن اليأس لئلا
يتكرر مع ما بعده (قوله: أو حاضت أولا) أي أو رأت الحيض قبل اليأس (قوله: ثم انقطع) أي الحيض (قوله: ويئست
من الحيض) أي من عوده عليها (قوله: ببلوغها الخ) الباء لتصوير اليأس: أي أن اليأس مصور ببلوغها الخ. وقوله إلى
سن: إلى زائدة أو أصلية، ويضمن العامل وهو بلوغ معنى وصول. وقوله تيأس فيه النساء: أي كل النساء في كل الأزمنة
باعتبار ما يبلغنا خبره ويعرف، وقيل المعتبر في اليأس يأس عشيرتها: أي نساء أقاربها من الأبوين الأقرب إليها فالأقرب
لتقاربهن طبعا وخلقا (قوله: وهو) أي سن اليأس. وقوله: اثنتان وستون سنة الخ: عبارة النهاية: وحدوده باعتبار ما بلغهم
باثنتين وستين سنة، وفيه أقوال أخر: أقصاها خمس وثمانون سنة وأدناها خمسون. اه‍. وفي شرح الروض: ولا يبالي
بطول مدة الانتظار احتياطا وطلبا لليقين. اه‍ (قوله: ولو حاضت الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء بدل الواو.
وقوله من لم تحض قط: سيأتي محترزه وهو الآيسة. وقوله في أثناء الخ: متعلق بحاضت (قوله: اعتدت بالأطهار) أي
استأنفت العدة بالأطهار إجماعا، وذلك لأنها الأصل في العدة وقد قدرت عليها قبل الفراغ من بدلها فتنتقل إليها كالمتيمم
إذا وجد الماء في أثناء التيمم. قال في المغنى: ولا يحسب ما بقي من الطهر قرءا. اه‍ (قوله: أو بعدها) معطوف على
في أثناء الخ: أي أو حاضت بعد العدة بالأشهر. وقوله: لم تستأنف العدة بالأطهار: أي لان حيضها حينئذ لا يمنع صدق
القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن (قوله: بخلاف الآيسة) هذا محترز قوله من لم تحض قط: أي
بخلاف الآيسة إذا حاضت فإن فيها تفصيلا حاصله أنها إذا حاضت في أثناء الأشهر الثلاثة وجبت الأقراء لأنها الأصل ولم
يتم البدل ويحسب ما مضى قرءا لاحتواشه بدمين فتضم إليه قرءين، وإذا حاضت بعدها فإن نكحت زوجا آخر فلا شئ
عليها لان عدتها انقضت ظاهرا ولا ريبة مع تعلق حق الزوج بها، وإن لم تنكح استأنفت العدة بالأقراء لتبين عدم يأسها،
وأنها ممن يحضن مع عدم تعلق حق بها (قوله: ومن انقطع حيضها) أي قبل الطلاق أو بعده في العدة برماوي (قوله: بلا
علة) متعلق بانقطع وسيأتي مقابله في قوله. وأما من انقطع حيضها بعلة الخ. وقوله تعرف: الجملة صفة لعلة (قوله: لم
تتزوج حتى تحيض أو تيأس) أي وإن طال صبرها، وذلك لان الأشهر إنما شرعت للتي لم تحض وللآيسة وهذه غيرهما.
وفي ع ش ما نصه: انظر هل يمتد زمن الرجعة إلى اليأس أم ينقضي بثلاثة أشهر كنظيره السابق في المتحيرة؟ الظاهر
الأول اه‍. عميرة. وهل مثل الرجعة النفقة أم لا؟ فيه نظر أيضا. والأقرب الأول لان النفقة تابعة للعدة وقلنا ببقائها وطريقه
في الخلاص من ذلك أن يطلقها بقية الطلقات الثلاث. اه‍ وقوله: ثم تعتد بالأقراء: أي إذا حاضت. وقوله أو الأشهر:



(1) سورة الطلاق، الآية: 4.
49
أي إذا أيست فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: وفي القديم) الجار والمجرور خبر مقدم والمصدر المؤول بعد مبتدأ
مؤخر (قوله: وهو) أي القول القديم. وقوله إنها: أي من انقطع حيضها (قوله: تتربص تسعة أشهر) وفي قول قديم أيضا
تتربص أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل، ثم إن لم يظهر حمل تعتد بالأشهر (قوله: ثم تعتد الخ) أي ثم بعد مضي تسعة
أشهر تعتد بثلاثة أشهر. وفي التحفة: وقيل: ثلاثة من التسعة عدتها اه‍ (قوله: ليعرف الخ) علة لتربصها تسعة أشهر لا
لكونها تعتد بعدها ثلاثة أشهر لان معرفة فراغ الرحم تحصل بالتسعة الأشهر المتربصة، وحينئذ علة كونها تعتد بعدها بما
ذكر التعبد. وقوله فراغ الدم: عبارة التحفة: فراغ الحرم. اه‍. وهي أولى لان المراد فراغه من الحمل لا من الدم ولعل
في عبارته تحريفا من النساخ. وقوله إذ هي: أي التسعة الأشهر وهو علة للعلة: أي وإنما كان يعرف فراغ الرحم بها لأنها
غالب مدة الحمل (قوله: وانتصر له الخ) أي استدل الشافعي لقوله القديم: بأن سيدنا عمر قضى به، ومع ذلك فهو
ضعيف. إذ المعتمد الجديد (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن هذا القول قضى به سيدنا عمر ولم ينكر عليه (قوله: أما من
انقطع حيضها الخ) محترز قوله: بلا علة تعرف (قوله: كرضاع الخ) تمثيل للعلة التي تعرف. وقوله ومرض: أي وإن لم
يرج برؤه كما شمله إطلاقهم، خلافا لما اعتمده الزركشي. اه‍. نهاية. وقوله خلافا الخ: قال ع ش لعله يقول: إن
عدتها ثلاثة أشهر إلحاقا لها بالآيسة. اه‍ (قوله: فلا تتزوج الخ) أي لان سيدنا عمر رضي الله عنه حكم بذلك في
المرضع رواه البيهقي، بل قال الجويني هو كالاجماع من الصحابة رضي الله عنهم. وقولهم اتفاقا: هو محل المخالفة
بينهما وبين من انقطع حيضها بلا علة (قوله: وإن طالت المدة) أي فلا يجوز لها التزوج. وفي الخطيب. قال بعض
المتأخرين: ويتعين التفطن لتعليم جهلة الشهود هذه المسألة فإنهم يزوجون منقطعة الحيض لعارض أو غيره قبل بلوغ
سن اليأس ويسمونها بمجرد الانقطاع آيسة ويكتفون بمضي ثلاثة أشهر ويستغربون القول بصبرها إلى سن اليأس حتى
تصير عجوزا فليحذر من ذلك: اه‍ (قوله: وتجب العدة لوفاة) مقابل قوله أول الفصل وتجب العدة لتفرقة زوج حي
(قوله: حتى الخ) غاية في وجوب عدة الوفاة على المتوفى عنها زوجها: أي تجب العدة عليها ولو كانت مطلقة طلاقا
رجعيا بأن طلقها طلاقا رجعيا ثم مات قبل انقضاء عدتها، وحينئذ فتنتقل إلى عدة الوفاة ويسقط عنها بقية عدة الطلاق
فتحد وتسقط نفقتها، بخلاف ما إذا مات عن بائن فإنها لا تنتقل إليها بل تكمل عدة الطلاق لأنها ليست زوجة فلا تحد ولها
النفقة إن كانت حاملا، وقيد بالحرة لأجل أن يصح تقييده العدة بعد بأربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي التي عدتها ما ذكر،
وأما الأمة فهي على النصف من ذلك (قوله: وغير موطوءة) معطوف على حرة رجعية: أي وتجب عدة الوفاة على غير
الموطوءة بأن مات قبل أن يطأها لكونها صغيرة أو غير ذلك، بخلاف فرقة الحياة فإنها إن كانت قبل الوطئ لا تجب عدة
عليها لآية * (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الخ. قال في المغني: وإنما لم يعتبر هنا الوطئ كما في عدة الحياة
لان فرقة الوفاة لا إساءة فيها من الزوج فأمرت بالتفجع وإظهار الحزن بفراقه، ولهذا وجب الإحداد كما سيأتي، ولأنها قد
تنكر الدخول ولا تنازع - بخلاف المطلقة - ولان مقصودها الأعظم حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ولهذا اعتبرت
الأشهر. اه‍ (قوله: وإن كانت ذات إقراء) غاية في كون عدة الوفاة بالأشهر، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بأربعة



(1) سورة الأحزاب، الآية: 49.
50
أشهر وعشرة أيام (قوله: بأربعة أشهر وعشرة أيام) أي بعد وضع الحمل إن كانت حاملا من شبهة لان عدة الحمل مقدمة
مطلقا تقدمت أو تأخرت عن الموت بأن وطئت بشبهة في أثناء العدة وحملت فإنها تقدم عدة الشبهة وبعد وضع الحمل
تبني على ما مضى من عدة الوفاة، فإن كانت حاملا من زنا انقضت عدتها بمضي الأشهر مع وجوده لأنه لا حرمة له. ثم إن
الأربعة الأشهر معتبرة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر، وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام وإلا تعتبر ثلاثة من الأهلة، ويكمل من
الرابع ما يكمل أربعين يوما ولو جهلت الأهلة حسبتها كاملة. قال في التحفة: وكأن حكمة هذا العدد وما مر أن النساء:
لا يصبرن عن الزوج أكثر من أربعة أشهر فجعلت مدة تفجعهن، وزيدت العشرة استظهارا. ثم رأيت شرح مسلم ذكر
أن حكمة ذلك أن الأربعة بها يتحرك الحمل وتنفخ الروح، وذلك يستدعي ظهور الحمل إن كان. اه‍. وقوله ولياليها:
في المغني ما نصه.
تنبيه: إنما قال: بلياليها لان الأوزاعي والأصم قالا: تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام قالا: لان العشر
تستعمل في الليالي دون الأيام. ورد بأن العرب تغلب صيغة التأنيث في العدد خاصة فيقولون سرنا عشرا ويريدون به
الليالي والأيام وهذا يقتضي أنه لو مات في أثناء الليل ليلة الحادي والعشرين من الشهر أن هذه العشرة التي هي آخر الشهر
لا تكفي مع أربعة أشهر بالهلال بل لا بد من تمام تلك الليلة، والذي يظهر أن ذلك يكفي. اه‍. (قوله: للكتاب الخ)
دليل لكون عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام: أي وهو قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * وقوله والسنة: أي والاجماع لكن في غير اليوم العاشر نظرا إلى عشرا إنما يكون للمؤنث
وهو الليالي لا غير، كما تقدم (قوله: وتجب على المتوفي عنها زوجها) صادق بالحامل من شبهة فيقتضي أنه يجب عليها
الإحداد حالة الحمل وليس كذلك، بل يجب عليها بعد الوضع. ولو قال: وتجب على المعتدة عن وفاة لكان أولى لعدم
صدقه على ما ذكر. وقوله العدة بما ذكر: أي بأربعة أشهر وعشرة أيام (قوله: مع إحداد) الظرف متعلق بمحذوف حال من
العدة: أي تجب العدة حال كونها مصحوبة بالإحداد وهو من أحد، ويقال فيها الحداد من حد لغة المنع واصطلاحا
الامتناع من الزينة في البدن (قوله: يعني يجب الإحداد عليها) أي على المتوفي عنها زوجها. وقوله أيضا: أي كما يجب
عليها العدة.
واعلم، أن ترك الإحداد كل المدة أو بعضها كبيرة فتعصي به إن علمت حرمة الترك، ومع ذلك تنقضي عدتها ولو
بلغها وفاة زوجها بعد انقضاء العدة. فلا إحداد عليها الانقضاء عدتها، كما لو بلغها طلاقه بعد انقضاء العدة فإنه لا عدة
عليها (قوله: بأي صفة كانت) أي المتوفى عنها زوجها: أي سواء كانت رجعية أو صغيرة أو غيرهما (قوله: للخبر المتفق
عليه) دليل لوجوب الإحداد. وقوله: لا يحل الخ: بدل أو عطف بيان من الخبر (قوله: فوق ثلاث) أي وأما الثلاث وما
دونها فيحل فيهما للمرأة الإحداد في نحو القريب من سيد وصديق ومملوك وصهر. والضابط من حزنت لموته فلها
الإحداد عليه ثلاثة أيام، ومن لا فلا. كذا في البجيرمي نقلا عن الزيادي (قوله: أربعة أشهر وعشرا) متعلق بمحذوف
بينه الشارح بقوله: أي فإنه الخ وقوله أي يجب: تفسير مراد للحل الذي هو الجواز (قوله: لان الخ) علة لكون المراد من
الحل الوجوب. وحاصله أن ما جاز بعد امتناعه: أي نفيه واجب غالبا ولك أن تقول: أن ما جاز بعد الامتناع يصدق
بالوجوب المجمع عليه كما هنا، لا هو نفس الوجوب. وبيان ذلك أنه أولا نفى الحل بقوله: لا يحل ثم أعيد ثانيا مثبتا



(1) سورة البقرة، الآية: 234.
51
بالمفهوم، فعلم أن المراد به ما قابل الامتناع فيصدق بالوجوب (قوله: وللاجماع على إرادته) أي إرادة الوجوب في
الحديث لا الجواز. وقوله إلا ما حكي عن الحسن البصري: أي إلا ما نقل عنه من عدم وجوبه فلا يكون قادحا في
الاجماع (قوله: وذكر الايمان) أي في الحديث. وقوله للغالب: أي أن المحدة تكون مؤمنة (قوله: أو لأنه) أي الايمان.
وقوله أبعث: أي أشد باعثا وحاملا لها على الامتثال للمأمور به (قوله: وإلا فمن الخ) أي وإن لم نقل إن ذكر الايمان
للغالب أو لأنه أبعث فلا يصح التقييد به لان من لها أمان كالذمية والمعاهدة والمستأمنة كذلك (قوله: يلزمها ذلك) أي
الإحداد بمعنى أنا نلزمها به لو رفع الامر إلينا. قال سم: بل ويلزم من لا أمان لها أيضا لزوم عقاب في الآخرة بناء على
الأصح من مخاطبة الكفار بفروع الشريعة. اه‍ (قوله: ويلزم الولي الخ) أي ويلزم الولي أن يأمر موليته صغيرة كانت أو
مجنونة بالإحداد (قوله: تنبيه) أي في بيان معنى الإحداد اصطلاحا (قوله: الإحداد) مبتدأ خبره قوله ترك الخ (قوله: على
المتوفي عنها زوجها) قد علمت ما فيه (قوله: ترك لبس مصبوغ لزينة) أي ليلا ونهارا من حرير أو غيره كثوب أصفر أو
أحمر وخرج بقوله: لزينة ما صبغ لا لزينة، بل لأجل احتمال وسخ كالأسود والأخضر والأزرق فلا يحرم عليها لبسه إلا إن
كانت من قوم يتزينون به كالاعراب فيحرم. وقوله وإن خشن: غاية للحرمة (قوله: ويباح إبريسم) هو بالمعنى الشامل للقز
مطلق الحرير، ومثله بالأولى قطن وصوف وكتان لم تصبغ (قوله: وترك التطيب) معطوف على ترك الأول: أي والإحداد
الواجب عليها أيضا ترك التطيب فيحرم عليها التطيب في بدن أو ثوب أو طعام أو شراب أو كحل وضابط الطيب المحرم
عليها كل ما حرم على المحرم، لكن يلزمها هنا إزالة الطيب الكائن معها حال الشروع في العدة (قوله: والتحلي الخ)
معطوف على التطيب: أي والإحداد الواجب أيضا ترك التحلي. وقوله نهارا: أما ليلا فجائز لكن مع الكراهة إن كان لغير
حاجة، فإن كان لحاجة فلا كراهة. قال في المغني: فإن قيل: لبس المصبوغ يحرم ليلا فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب: بأن
ذلك يحرم الشهوة، بخلاف الحلي. اه‍. وقوله: بحلي ذهب أو فضة متعلق بالتحلي: أي ترك التحلي بحلي ذهب أو
فضة فلو تحلت بذلك حرم لأنه يزيد في حسنها كما قيل:
وما الحلي إلا زينة لنقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
فأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
وقوله أن يزورا: أي يحسن ويزين من التزوير، وهو تحسين الكذب (قوله: ولو نحو خاتم) أي ولو كان ذلك الحلي
نحو خاتم كخلخال وسوار فإنه يحرم (قوله: أو قرط) هو بضم القاف وسكون الراء: وهو حلق يعلق في شحمة الأذن
وينبغي أن محل حرمته ما لم يحصل لها ضرر بتركه، وإلا جاز لها لبسه (قوله: أو تحت الثياب) أي أو كان الحلي لبسته
من تحت الثياب فيحرم (قوله: للنهي عنه) تعليل لوجوب ترك التحلي بحلي ذهب أو فضة: أي وإنما وجب ذلك للنهي
عن الحلي في رواية أبي داود والنسائي أن النبي (ص) قال: المتوفي عنها زوجها لا تلبس الحلي ولا تكتحل ولا تختضب
(قوله: ومنه مموه) أي ومن الحلي الواجب تركه نحاس مموه بذهب أو فضة، ومثله المموه بغيرهما إن كان مما يحرم
التزين به (قوله: ولؤلؤ) معطوف على مموه: أي ومن الحلي أيضا لؤلؤ فيحرم التزين به لان الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: *
(يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) * وهذا هو الأصح، ومقابله يقول: لا حرمة بالتزين به لأنه



(1) سورة فاطر، الآية: 33.
52
يحل للرجل (قوله: ومنها العقيق) أي ومن الجواهر العقيق فيحرم عليها التحلي به (قوله: وكذا نحاس) أي وكذلك من
الحلي نحو نحاس كرصاص بالقيد الآتي وحينئذ فتقييد الحلي فيما مر بكونه من ذهب أو فضة محله إن كانت من قوم لا
يتحلون إلا بهما، وإلا فليس بقيد. وعبارة المغني: والتقييد بالذهب والفضة يفهم جواز التحلي بغيرهما كنحاس
ورصاص وهو كذلك إلا إن تعود قومها التحلي بهما أو أشبها الذهب والفضة، بحيث لا يعرفان إلا بتأمل أو موها بهما
فإنهما يحرمان. قال الأذرعي: والتمويه بغير الذهب والفضة: أي مما يحرم تزينها به كالتمويه بهما، وإنما اقتصروا على
ذكرهما اعتبارا بالغالب. ا ه (قوله: إن كانت) أي المرأة المعتدة بعدة الوفاة. وقوله يتحلون بهما: أي بالنحاس والعاج
وهو عظم الفيل (قوله: وترك الاكتحال) عطف على ترك الأول أيضا: أي والإحداد الواجب أيضا ترك الاكتحال. وقوله
بإثمد: أي ونحوه مما يكتحل به للزينة. وقوله إلا لحاجة: أي كرمد فتكتحل به لكن ليلا فقط وتمسحه نهارا ويجوز
للضرورة نهارا أيضا، وذلك لخبر أبي داود أنه (ص) دخل على أم سلمة وهي حادة على أبي سلمة وقد جعلت على عينها
صبرا. فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقالت: هو صبر لا طيب فيه. فقال: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار (قوله: ودهن)
بالجر عطف على الاكتحال: أي وترك دهن وهو بفتح الدال مراد به المصدر. وقوله شعر رأسها: أي ولحيتها إن كانت
وبقية شعور وجهها (قوله: لا سائر البدن) بالجر عطف على رأسها: أي لا يجب عليها ترك دهن سائر شعور البدن، وكما
يحرم عليها الدهن يحرم عليها طلاء وجهها بالاسفيذاج - بالذال المعجمة - وهو ما يتخذ من الرصاص يطلى به الوجه
وبالدمام - بكسر الدال المهملة وضمها - وهي ما يطلى به الوجه للتحسين، وهو الحمرة التي يورد بها الخد وهو المسمى
عند العامة بحسن يوسف. ويحكى أن الامام أبي حنيفة رضي الله عنه كان إذا ذكر أحد عنده بسوء ينهى عنه ويقول:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغضا، إنه لدميم
أي معمول بالدمام المتقدم، ويحرم عليها أيضا خضاب ما ظهر من بدنها كالوجه واليدين والرجلين بنحو الحناء
وتطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها: أي ناصيتها على جبهتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبها بالكحل وتدقيقه
بالحف وهو إزالة شعر ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة بالتحفيف (قوله: وحل تنظف بغسل) أي لرأس أو بدن ولو بدخول
حمام ليس فيه خروج محرم وحل أيضا امتشاط بلادهن واستعمال نحو سدر وإزالة شعر لحية أو شارب أو إبط أو عانة وقلم
ظفر (قوله: وإزالة وسخ) بالجر عطفا على غسل: أي وحل تنظف بإزالة وسخ (قوله: وأكل تنبل) بالرفع عطفا على
تنظف: أي وحل لها أكل تنبل إذ هو ليس من أنواع الطيب (قوله: وندب إحداد لبائن الخ) وفي قول قديم يجب كالمتوفي
عنها زوجها بجامع الاعتداد عن النكاح. ورد بأنها إن فورقت بطلاق فهي مجفوة به: أي مهجورة متروكة بسبب الطلاق
ونفسها قائمة منه فلا تحزن عليه أو بخلع، فالخلع إنما هو منها لكراهتها له أو بفسخ، فالفسخ إما منها أو منه لعيب قائم بها
فلا يليق بها إيجاب الإحداد (قوله: لئلا يفضي الخ) علة الندب: أي وإنما ندب لئلا يفضي تزيينها إلى فسادها (قوله:
وكذا الرجعية) أي وكذا يندب الإحداد للرجعية، كما نقله في الروضة كأصلها عن أبي ثور عن الشافعي رضي الله عنه،
ثم نقل عن بعض الأصحاب أن الأولى لها أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها. اه‍. شرح المنهج (قوله: إن لم ترج
عوده بالتزين) قيد في ندب الإحداد للرجعية (قوله: فيندب) أي التزين، وهو مفرع على محذوف: أي إذا ترجت العود
فيندب لها التزين، وعلى ما ذكر حمل حجر ما أطلقه الأصحاب من أولوية التزين لها.
تنبيه: قال سم: حيث طلب الإحداد أو أبيح وتضمن تغيير اللباس لأجل الموت كان مستثنى من حرمة تغيير اللباس
للموت المقرر في باب الجنائز. اه‍. (قوله: وتجب على المعتدة بالوفاة الخ) وذلك لقوله تعالى في الطلاق: *

53
(أسكنوهن من حيث سكنتم) * أي مكانا من مكان سكناكم، ولخبر، فريعة - بضم الفاء - بنت مالك في الوفاة أن
زوجها قتل فسألت رسول الله (ص) أن ترجع إلى أهلها، وقالت إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه، فأذن لها في الرجوع
قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله،
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذي وغيره (قوله: وبطلاق) معطوف على بالوفاة: أي وعلى
المعتدة بطلاق. وقوله بائن: مفاد التقييد به أن المفارقة بطلاق رجعي لا يجب عليها ملازمة المسكن، وليس كذلك بدليل
قوله بعد أما الرجعية الخ. ولو قال: أو بطلاق ولو بائنا وقيد قوله: ولها الخروج بغير الرجعية لكان أولى وأنسب بقوله: أما
الرجعية الخ. تأمل (قوله: أو فسخ) أي أو انفساخ بردة أو لعان أو رضاع. ح ل (قوله: ملازمة مسكن) فاعل تجب: أي
وتجب على المعتدة بالوفاة وما بعده ملازمة مسكن فلا تخرج بنفسها منه وليس لزوج ولا غيره أن يخرجها منه ولو وافقها
الزوج على خروج منه بغير حاجة لم يجز وعلى الحاكم المنع منه لان في العدة حقا لله تعالى وقد وجبت وهي في ذلك
المسكن. قال تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * والإضافة في قوله: * (من
بيوتهن) * لسكناهن فيها، وإلا فالبيوت للأزواج. وفسر ابن عباس وغيره الفاحشة المبينة بأن تبذو على أهل زوجها حتى
يشتد أذاهم ومثل أهل الزوج جيرانها، فإن اشتد أذاهم بها جاز إخراجها كما أنه إذا اشتد أذاها بهم جاز خروجها (قوله:
كانت فيه الخ) الجملة صفة لمسكن. أي مسكن موصوف بأنها كانت فيه عند الموت أو عند الفرقة أي بإذن الزوج وكان
لائقا بها حينئذ وأمكن بقاؤها فيه لاستحقاقه منفعته، فإن فورقت بوفاة أو غيرها وهي في مسكن لم يأذن فيه بأن انتقلت من
مسكنها الأول إلى المسكن الثاني بغير إذن الزوج لها فيلزمها أن ترجع للأول وتعتد فيه لعصيانها بذلك، بخلاف ما لو
انتقلت إليه بإذنه فإنها تعتد فيه وجوبا وإن كان أبعد من الأول أو رجعت إليه لاخذ متاع، وذلك لاعراضها عن الأول بحق أو
لم يكن لائقا بها فلا تكلف السكنى فيه كالزوجة أو لم يمكن بقاؤها فيه كأن تعلق به حق كرهن وقد بيع في الدين لتعذر
وفائه من غيره ولم يرض مشتريه بإقامتها فيه بأجرة المثل فتنتقل منه إلى غيره (قوله: إلى انقضاء عدة) متعلق بملازمة: أي
وتجب الملازمة إلى أن تنقضي العدة، فإذا انقضت فلا وجوب (قوله: ولها الخروج نهارا الخ) وذلك لما رواه مسلم عن
جابر قال: طلقت خالتي سلمى فأرادت أن تجذ نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي (ص) فقال: جذي عسى أن
تتصدقي أو تفعلي معروفا قال الشافعي رضي الله عنه، ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهارا.
وورد ذلك في البائن، ويقاس بها المتوفي عنها زوجها. وضابط من يجوز لها الخروج لما ذكره ومن لا يجوز لها ذلك كل
معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج في النهار لشراء طعام وقطن وبيع غزل للحاجة، أما من
وجبت نفقتها من رجعية أو بائن حامل أو مستبرأة فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بالنفقة (قوله: لا
ليلا) أي لا يجوز لها الخروج في الليل مطلقا لذلك لأنه مظنة الفساد إلا إذا لم يمكنها ذلك نهارا: أي وأمنت كما بحثه أبو
زرعة. اه‍. تحفة وقوله ولو أوله: أي لا يجوز لها الخروج في الليل ولو كان في أوله (قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل
بأن لها الخروج أوله (قوله: لكن لها خروج ليلا الخ) إستدراك من امتناعه ليلا، وإنما جاز لها فيه للغزل ونحوه لما رواه
الشافعي والبيهقي رحمهما الله تعالى أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا
فنبيت عند إحدانا، فأذن لهن (ص) أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة من بيتها (قوله: إلى دار
جاره الملاصق) أي لدارها، ومثله ملاصق الملاصق والمقابل، وفي تقييده الجار بما ذكر إشارة إلى أن المراد به هنا الذي
مر في الوصية وهو الذي لم يتجاوز داره أربعين دارا من كل جانب فما كان من الأربعين فهو جار ولو لم يكن ملاصقا ولا
ملاصق الملاصق فلو أوصى لجيرانه يقسم على أربعين دارا من كل جانب. وقوله: لغزل وحديث، متعلق بخروج.



(1) سورة الطلاق، الآية: 6.
(2) سورة الطلاق، الآية: 1.
54
وقوله ونحوهما: أي كخياطة (قوله: لكن الخ) تقييد لجواز الخروج المذكور (قوله: أن يكون ذلك) أي الخروج إلى دار
جارتها، والمراد ما يترتب عليه وهو مكثها عند جارتها. ولو صرح به وقال: أن يكون مكثها بقدر العادة لكان أولى. وقوله:
بقدر العادة وقال بعضهم: تمكث عند جارتها لذلك حصة لم تكن معظم الليل، وإلا فيحرم عليها ذلك (قوله: وأن لا
يكون عندها الخ) أي وبشرط أن لا يكون عندها أي المعتدة: أي في دارها التي هي فيه من يؤنسها ويحدثها فإن وجد من
ذكر عندها فلا يجوز لها ذلك ولم يذكر هذا الشرط الرملي (قوله: وأن ترجع الخ) أي وبشرط أن ترجع إلى دارها وتبيت
فيه، فلو لم ترجع بل باتت عند جارتها حرم عليها ذلك (قوله: أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه) مقابل قوله: المعتدة بالوفاة
الخ. والأنسب بالمقابلة أن يقول: أما الرجعية فيجب عليها ملازمة السكنى أيضا، ولكن لا تخرج إلا بإذنه أو يقول ما
قدمته هناك. وقوله إلا بإذنه: هذا هو محل المخالفة بين الرجعية وغيرها، فالأولى لا تخرج إلا بالاذن والثانية لها الخروج
ولو بلا إذن لحاجة، أما حالة الضرورة فهما سواء في جواز الخروج (قوله: لان عليه) أي الزوج وهو علة لامتناع الخروج
عليها إلا بإذنه أو لضرورة. وقوله كالزوجة: الكاف للتنظير. والمراد نظير الزوجة الحقيقية فإنها يمتنع عليها الخروج إلا
بإذنه لكونه قائما بجميع مؤنها (قوله: ومثلها) أي الرجعية بائن حامل: أي فيمتنع عليها الخروج إلا بإذنه لكونه قائما
بجميع مؤنها أيضا (قوله: وتنتقل) أي المعتدة مطلقا بوفاة أو غيرها جوازا. وقوله من المسكن: أي الذي كانت فيه عند
الموت أو الفرقة (قوله: لخوف على نفسها) اللام تعليلية متعلقة بتنتقل: أي تنتقل لأجل خوف على نفسها إذا دامت فيه:
أي من نحو ريبة للضرورة. قال في التحفة: وظاهر أنه يجب الانتقال حيث ظنت فتنة كخوف على نحو بضع ومن ذلك أن
ينتجع قوم البدوية وتخشى من التلف. اه‍. وقوله أو ولدها: أي أو خوف على ولدها. وقوله أو على المال: أي أو خوف
على المال. وقوله ولو لغيرها: أي ولو كان المال لغيرها وهو موضوع عندها على سبيل الأمانة كوديعة. وقوله وإن قل: أي
ذلك المال والذي يظهر أنه لا بد من أن يكون متمولا: إذ لا وجه لجواز الخروج للخوف على نحو حبة بر. وفي التحفة
زيادة أو اختصاص (قوله: وخوف هدم الخ) الأولى أن يقول: من نحو هدم الخ فيبدل لفظ خوف بلفظة من نحو لان هذا
هو المخوف منه وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنتقل من المسكن لخوف على نفسها أو نحو ولدها أو مال ولو لغيرها كوديعة
وإن قل أو اختصاص كذلك فيما يظهر من نحو هدم أو غرق أو سارق أو لخوف على نفسها ما دامت فيه من ريبة الخ. اه‍.
فلو عبر مثلهما لكان أولى، ولعله حصل تحريفه من النساخ بإبدال لفظة من نحو بخوف. فتنبه (قوله: أو تأذن بالجيران)
الأولى والاخصر أن يقول كالمنهج أو شدة تأذيها بالجيران لأنه معطوف على خوف، ومثل تأذيها بالجيران ما لو تأذى
الجيران بها أذى شديدا فيجوز لها الانتقال لما روى مسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها (ص) عنهم
إلى بيت ابن أم مكتوم ولا يعارضه رواية نقلها لخوف مكانها لاحتمال تكرر الواقعة: قال في التحفة.
تنبيه: يتعين حمل المتن على ما إذا كان تأذيهم بأمر لم تتعد هي به، وإلا أجبرت على تركه ولم يحل لها الانتقال
حينئذ. اه‍ (قوله: وعلى الزوج سكنى المفارقة) أي ويجب على الزوج سكنى المفارقة مطلقا بوفاة أو طلاق بائن أو
رجعي أو فسخ وفي الوفاة تكون السكنى في تركته حيث وجدت وتقدم على الديون المرسلة في الذمة. قال ع ش: وتقدم
على مؤنة التجهيز لأنه حق تعلق بعين التركة وليس هو من الديون المرسلة في الذمة. وينبغي أن هذا إذا كان ملكه أو
يستحق منفعته مدة عدتها بإجارة. ويحتمل أنه إذا خلفها في بيت معار أو مؤجر وانقضت المدة أنها تقدم بأجرة المسكن
على مؤن التجهيز أيضا، ويحتمل - وهو الظاهر - أنها تقدم بأجرة يوم الموت فقط لان ما بعده لا يجب إلا بدخوله فلم
يزاحم مؤن التجهيز. اه‍. وفي التحفة: ويسن للسلطان حيث لا تركة ولا متبرع إسكانها من بيت المال. كذا أطلقوه. ولو

55
قيل يجب كوفاء دينه بل أولى - لان هنا حقا لله أيضا لم يبعد. اه‍ (قوله: ما لم تكن) أي المفارقة مطلقا ناشزة، فإن كانت
كذلك فليس عليه سكناها. ومثل الناشزة كل من لا نفقة لها عليه كصغيرة لا تحتمل الوطئ. وعبارة المنهج وشرحه: هذا
حيث تجب نفقتها على الزوج لو لم تفارق فلا تجب سكنى لمن لا نفقة لها عليه من ناشزة ولو في العدة وصغيرة لا تحتمل
الوطئ وأمة لا تجب نفقتها. اه‍. وقوله: لا تجب نفقتها بأن لم تكن مسلمة ليلا ونهارا ح ل (قوله: وليس له مساكنتها)
أي ليس للزوج مساكنتها: أي المعتدة منه بطلاق ولو رجعيا أو فسخ، أما الموت فمتعذر كما هو ظاهر. ومحل هذا حيث
كان المسكن واحدا، فلو تعدد بأن كانت الدار مشتملة على حجرتين وسكن أحدهما حجرة والآخر حجرة جاز ذلك مع
الكراهة، ولو لم يكن محرم إن لم تتحد المرافق كمطبخ ومستراح وممر ومرقي وأغلق باب بينهما أو سد، فإن اتحدت
اشترط المحرم كما لو لم تكن إلا حجرة واحدة. وقوله ولا دخول الخ: أي وليس له دخول محل هي أي المعتدة ساكنة
فيه: أي وإن لم يكن على جهة المساكنة (قوله: مع انتفاء نحو المحرم) الظرف متعلق بكل من مساكنة ومن دخول
المنفيين: أي ليس له المساكنة المقارنة لانتفاء نحو المحرم وليس له الدخول المقارن لانتفاء نحو المحرم من زوجة
أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية، فإن وجد محرم لها بصير مميز يحتشم بحيث يمنع وجوده وقوه خلوة بها أو
محرم له أنثى أو زوجة أخرى أو أمة أو امرأة أجنبية وكل منهن ثقة محتشم جاز ذلك لكن مع الكراهة، وإنما حلت خلوة رجل بامرأتين ثقتين
يحتشمهما، بخلاف خلوة امرأتين برجلين لما في وقوع فاحشة من امرأة بحضور مثلها من البعد لأنها تحتشمها، ولا
كذلك الرجل مع مثله (قوله: فيحرم الخ) لما كان امتناع المساكنة والدخول المفهوم من النفي السابق قد يكون على
طريق الاستحباب، فلا يتعين للتحريم صرح بالتحريم. وقوله ذلك: أي المذكور من المساكنة والدخول عليها (قوله:
لان ذلك الخ) علة التحريم: أي وإنما حرم ذلك عليه لأنه يجر إلى الخلوة المحرمة. قال في المغني: ولان في ذلك
إضرارا بها وقد قال تعالى: * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) * أي في المسكن. اه‍ (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن
ذلك يجر الخ يلزمها أن تمنعه من مساكنتها أو الدخول عليها. وقوله إن قدرت عليه: أي على المنع المذكور (قوله: وكما
تعتد حرة بما ذكر) أي بالأقراء أو بالأشهر (قوله: أي غير الحرة) وهي من فيها رق ولو مبعضة. وقوله بنصف من عدة
الحرة: أي فتعتد ذات الأشهر شهرا ونصفا وتعتد ذات الأقراء قرءين بتكميل المنكسر - كما سيأتي - وهذا في غير الوفاة،
أما فيها فتعتد بشهرين وخمسة أيام ولو كانت من ذوات الأقراء (قوله: لأنها على النصف) أي لان غير الحرة جارية على
نصف الحرة: أي ولقول سيدنا عمر رضي الله عنه: وتعتد الأمة بقرأين وقوله في كثير من الاحكام: أي كما تقدم في
القسم أن للحرة ليلتين وللأمة ليلة وكما سيأتي في باب الحدود إن شاء الله تعالى أنها إذا زنت الحرة المكلفة تجلد مائة
وتغرب عاما والأمة على النصف، وإذا شربت الأولى الخمر تحد أربعين والأمة على النصف وغير ذلك وخرج بالكثير
القليل كضرب المدة في العنة ومدة الزفاف وكسن الحيض وأقله وأكثره وكبينونتها بالثلاث فيما إذا تزوجت على حر وأبانها
ففي جميعها ساوت الحرة.
تنبيه: لو عتقت في عدة رجعية فكحرة فتكمل ثلاثة أقراء لان الرجعية كالزوجة في معظم الاحكام فكأنها عتقت قبل
الطلاق، بخلاف ما إذا عتقت في عدة بينونة لأنها كالأجنبية فكأنها عتقت بعد انقضاء العدة، أما لو عتقت مع العدة كأن
علق طلاقها وعتقها بشئ واحد فإنها تعتد عدة حرة وفي عكس ما ذكر بأن صارت الحرة أمة: كأن التحقت بدار الحرب
فتكمل عدة حرة على أوجه الوجهين (قوله: وكمل الطهر الثاني) أي مع أنها إذا كانت على النصف كما ذكر فحقه أن



(1) سورة الطلاق، الآية: 6.
56
تكون عدتها قرءا ونصفا. وقوله: إذ لا يظهر الخ علة التكميل، وجعله في شرح الروض علة لعلة قبلها وعبارته: وإنما
كمل القرء الثاني لتعذر تبعيضه كالطلاق إذ لا يظهر الخ. اه‍. وهي أولى. وإنما تعذر تبعيضه لان أكثر الطهر لا آخر له
ولا تعتبر عادتها فيه لأنه ربما أنها تخالف عادتها فاحتيط لذلك، وأوجبوا عليها تكميل القرء. وقوله
نصفه: أي الطهر وقوله إلا بظهور كله: أي لا يظهر النصف إلا بظهور الكل: أي لا يتبين، ويتضح لنا إلا إذا تم ظهور الكل وتمام ظهوره يكون
بعود الدم (قوله: فلا بد الخ) تفريع على العلة أو على المعلل. وقوله من الانتظار. أي تنتظر نفسها وتتربص فلا تتزوج.
وقوله إلى أن يعود الدم: أي فإذا عاد تمت مدة الانتظار والتربص فيجوز لها بعد ذلك أن تتزوج لانقضاء العدة (قوله:
وتعتدان الخ) لما أنهى الكلام على عدة الحائل شرع في بيان عدة الحامل. وقوله أي الحرة والأمة: بيان لألف التثنية.
وقوله لوفاة متعلق بتعتدان: أي تعتدان عدة وفاة. وقوله أو غيرها: أي الوفاة أي غير مدة الوفاة كعدة الطلاق أو الفسخ
(قوله: وإن كانتا تحيضان) غاية لكون عدة الحامل بوضع الحمل، وحينئذ فكان الأولى تأخيره عن قوله بوضع حمل
(قوله: بوضع حمل) متعلق بتعتدان والمراد تنقضي عدتهما بوضع حمل، وذلك لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن) * وهو مخصص لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * ولان القصد من العدة
براءة الرحم وهي حاصلة بالوضع. ثم إنه يتوقف انقضاؤها على انفصال جميع الولد فلا أثر لخروج بعضه متصلا أو
منفصلا، ويتوقف أيضا على وضع الولد الأخير من توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر
فالثاني حمل آخر. وقوله حملتا: أي الحرة والأمة وقدره لأجل تعلق الجار والمجرور بعده ولا حاجة لتقديره ويكون الجار
والمجرور بعده صفة لحمل: أي حمل منسوب لصاحب العدة من زوج أو واطئ شبهة. وخرج به ما إذا كان منسوبا لغيره
فلا تنقضي العدة به. ثم إن كان الحمل بوطئ شبهة انقضت عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد للزوج وإن كان من زنا فوجوده
كعدمه: إذ لا احترام له فإن كانت من ذوات الأشهر بأن لم تحض قبل الحمل اعتدت بها أو من ذوات الأقراء اعتدت بها
وعليه لو زنت في العدة وحملت من الزنا لم تنقطع العدة (قوله: ولو مضغة الخ) غاية لكون عدة الحامل بالوضع أن تعتد
بذلك ولو كان ما وضعته من الحمل مضغة تتصور لو بقيت في بطنها، ومثله بالأولى ما لو كان فيها صورة آدمي بالفعل.
وعبارة المنهاج مع التحفة: وتنقضي بمضغة فيها صورة آدمي خفية على غير القوابل أخبر بها بطريق الجزم أهل الخبرة
ومنهم القوابل لأنها حينئذ تسمى حملا وعبروا بأخبر لأنه لا يشترط لفظ شهادة إلا إذا وجدت دعوى عند قاض أو محكم،
وإذا اكتفى في الاخبار بالنسبة للباطن فليكتف بقابلة - كما هو ظاهر - أخذا من قولهم لمن غاب زوجها فأخبرها عدل بموته
أن تتزوج باطنا فإن لم يكن فيها صورة خفية ولكن قلن: أي القوابل مثلا لا مع تردد هي أصل آدمي ولو بقيت تخلقت
انقضت العدة بوضعها أيضا على المذهب لتيقن براءة الرحم بها كالدم بل أولى. اه‍. وقوله فليكتف بقابلة: أي بالنسبة
للباطن، أما بالنسبة للظاهر فلا بد من أربع قوابل بشرط عدالتهن كما في سائر الشهادات أو رجلين أو رجل وامرأتين
(قوله: لا بوضع علقة) أي لا تنقضي العدة بوضع علقة، وذلك لأنها تسمى دما لا حملا ولا يعلم كونها أصل آدمي،
ومثلها بالأولى النطفة (قوله: يلحق ذا العدة الخ) أي بشرط أن لا تنكح آخر أو نكحته، ولكن لم يمكن كون الولد منه بأن
كان صبيا أو ممسوحا أو ولدته لدون ستة أشهر من نكاحه كما سيعلم مما بعده. وقوله إلى أربع سنين: متعلق بمحذوف:
أي إذا وضعت لستة أشهر ولحظتين أو أكثر، وتنتهي الكثرة بوضعه لأربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل بدليل الاستقراء.
وحكي عن مالك أنه قال: جاورتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاث أبطن في اثنتي



(1) سورة الطلاق، الآية: 4.
(2) سورة البقرة، الآية: 228.
57
عشرة سنة، فحمل كل بطن أربع سنين (قوله: من وقت طلاقه) أي تحسب الأربع سنين من وقت فراقه بتنجيز أو تعليق،
وهذا محمول على مقارنة الوطئ للفراق، وإلا لزادت مدة الحمل على أربع سنين مع أنهم حصروا أكثر مدة الحمل في
أربع سنين مع لحظة الوطئ فقط. وفي شرح المنهج: من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، ثم قال فيه واعتباري للمدة في
هذه من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، لا من الفراق الذي عبر به أكثر الأصحاب هو ما اعتمده الشيخان حيث قالا فيما
أطلقوه تساهل الخ. اه‍ (قوله: لان أتت به الخ) أي لا يلحق ذا العدة إن أتت الخ. ومثله في عدم اللحوق به ما لو أتت به
من لم تنكح آخر لأكثر من أربع سنين من وقت الوطئ لعدم الامكان (قوله: وإمكان لان يكون منه) أي من غير ذي العدة
(قوله: بأن أتت به الخ) تصوير لامكان كونه منه. وقوله بعد نكاحه: أي الغير وبين المصنف حكم ما إذا أمكن كونه من
الأول أو من الثاني، وبقي عليه بيان حكم ما إذا أمكن كونه منهما كأن ولدته لستة أشهر من وطئ الثاني ولدون أربع سنين
من طلاق الأول. وحاصله أنه يعرض على قائف: فإن ألحقه بأحدهما فكالامكان منه فقط وقد مر حكمه، أو ألحقه بهما
أو نفاه عنهما أو اشتبه عليه الامر انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه، ومثله ما لو فقد القائف كأن كان بمسافة القصر، وأما إذا لم
يمكن كونه منهما كأن ولدته لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولاكثر من أربع سنين من وطئ الأول فهو منفي عنهما (قوله:
وتصدق المرأة الخ) قد ذكر هذا بعينه في آخر فصل الرجعة قبيل فصل الايلاء، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: وإمكان
الانقضاء) أي للعدة. وقوله ستة أشهر: أي عددية وهي مائة وثمانون يوما من حين إمكان اجتماعهما بعد النكاح. اه‍
ش ق. وقوله ولحظتان: أي لحظة للوطئ ولحظة للوضع، وهذا في وضع التام. أما في غيره فإن كان مصورا فإمكان
انقضاء العدة بوضعه مائة وعشرون يوما ولحظتان وإن كان مضغة فإمكان ذلك فيها ثمانون يوما ولحظتان (قوله: وبالأقراء)
معطوف على بالولادة: أي وإمكان انقضاء العدة بالأقراء لحرة طلقت في طهر: أي سبق بحيض اثنان وثلاثون يوما
ولحظتان، لحظة للقرء الأول ولحظة للطعن في الحيضة الثالثة، وبيان ذلك أن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض
أقل الحيض ثم تطهر أقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ثم تحيض وتطهر كذلك ثم تطعن في الحيضة الثالثة لحظة (قوله:
وفي حيض الخ) معطوف على في طهر: أي وإمكان انقضاء العدة بالأقراء لحرة طلقت في حيض سبعة وأربعون يوما
ولحظة: أي من حيضة رابعة، وبيانه بأن يطلقها آخر جزء من الحيض ثم تطهر أقل الطهر ثم تحيض أقل الحيض ثم تطهر
وتحيض كذلك ثم تطهر أقل الطهر ثم تطعن في الحيض لحظة، وقد تقدم الكلام كله مع بيان عدة الأمة والمبعضة فارجع
إليه إن شئت (قوله: فائدة ينبغي تحليف الخ) أي يجب عليه فالمراد من الانبغاء الوجوب كما يفيده عبارته فيما مر حيث
جزم بذلك وهي تصدق بيمينها في انقضاء العدة بغير الأشهر الخ، ومثله في متن الارشاد. وعبارته مع الشرح: وإذا تنازع
الزوجان فادعت انقضاء العدة بممكن وضع أو أقراء صدقت إن حلفت وإن خالفت عادتها لعسر إقامة البينة وائتمانها على
ما في رحمها فإن نكلت صدق إن أراد رجعة. اه‍. (قوله: ولا يقبل دعواها الخ) يعني المرأة المطلقة لو تزوجت على
آخر ثم بعده ادعت أنها تزوجت عليه وعدتها لم تنقض بقصد فساد النكاح لا يقبل دعواها ذلك لان رضاها بالنكاح عليه
يتضمن الاعتراف بانقضاء العدة (قوله: فلو ادعت بعد الطلاق الخ) يعني إذا اختلفا بعد الطلاق في الدخول وعدمه
فادعت هي الدخول بها لأجل أن تأخذ المهر كله وأنكر هو الدخول بها ويتشطر المهر صدق هو بيمينه. وقوله لان الأصل

58
عدمه: أي الدخول. وقوله وعليها العدة الخ: أي ويجب عليها العدة مع سقوط المهر. وقوله مؤاخذة الخ: علة لوجوب
العدة عليها. وقوله وإن رجعت: أي عما أقرت به وهو غاية لوجوب العدة عليها (قوله: فرع لو انقضت العدة الخ)
المناسب ذكر هذا الفرع في باب الرجعة بعد قوله: ولو ادعى رجعة وهي منقضية ولم تنكح الخ أو يذكر ذلك هنا، وذلك
لان ما هنا محترز قوله: هناك ولم تنكح (قوله: فادعى مطلقها) أي طلاقا رجعيا كما هو ظاهر، وقوله عليها أو على الزوج
الثاني: أي أو عليهما معا، فأو مانعة خلو (قوله: فأثبت) أي مطلقها، فالضمير المستتر يعود له ومثله ضمير له الآتي.
وقوله ذلك: أي ما ادعاه من الرجعة، ومثله ضمير به الآتي. وقوله أو لم يثبت: أي ذلك بالبينة وقوله لكن أقرا الخ: قيد
فيما إذا لم يثبت ذلك. وقوله له: أي لمطلقها (قوله: أخذها) أي انتزعها مطلقها من الزوج سواء دخل بها أم لا (قوله: ما
يستلزم فساد النكاح) أي وهو الرجعة وذلك لأنه إذا ثبتت الرجعة لم يصح نكاحها لأنها زوجة (قوله: ولها عليه) أي
الثاني. وقوله مهر المثل: أي لا المسمى لفساد النكاح (قوله: فلو أنكر الثاني الرجعة) أي مع إنكارها لها أيضا، وإلا
كانت عين المسألة الثانية. وقوله صدق بيمينه، فلو نكل عن اليمين حلف الأول وأخذها (قوله: أو أقرت هي دون الثاني)
أي فإنه أنكر ذلك وحلف عليه (قوله: فلا يأخذها) أي مطلقها. وقوله لتعلق حق الثاني: أي بها وهو استحقاق الانتفاع
بالبضع (قوله: حتى تبين من الثاني) أي بموت له أو فسخ أو طلاق بائن (قوله: إذ لا يقبل إقرارها عليه) أي على الثاني:
أي بالنسبة للثاني وهو علة لعدم أخذها إلى أن تبين. وقوله بالرجعة: متعلق بإقرار. وقوله ما دامت في عصمته: أي
الثاني. وقوله لتعلق حقه أي الثاني وقوله بها أي المقرة بالرجعة للأول (قوله: ما إذا بانت) الأولى فإذا بانت لأنه مفاد
الغاية السابقة. وقوله منه: أي من الثاني (قوله: فتسلم للأول) أي مدعي الرجعة. وقوله بلا عقد: أي لأنه ادعى
الرجعة، وهي لا تحتاج إلى عقد (قوله: وأعطت وجوبا الأول) أي الزوج الأول المدعي للرجعية. وقوله قبل بينونتها:
أي من الثاني. وعبارة الروض وشرحه: وقبل ذلك - أي زوال حق الثاني - يجب عليها للأول مهر مثلها للحيلولة: أي
لأنها حالت بينه وبين حقه بالنكاح الثاني حتى لو زال حق الثاني رد لها المهر لارتفاع الحيلولة (قوله: للحيلولة) أي لا
للفيصولة وحكم الذي للحيلولة أنه يكون كالرهن عنده، بخلاف الذي للفيصولة فإنه لا يكون كذلك بل يستبد به ويتملكه
من تسلمه. وقوله بينه: أي الأول. وقوله وبين حقه: أي وهو الانتفاع بالبضع - كما تقدم - وقوله بالنكاح الثاني: متعلق
بالصادرة: أي أنها صدرت منها بسبب نكاحها الثاني (قوله: حتى لو زال) أي النكاح الثاني بينونتها منه. وقوله أخذت
المهر: أي من الأول. وقوله لارتفاع الحيلولة: علة لاخذ (قوله: ولو تزوجت امرأة الخ) الفرق بين هذه المسألة وبين ما
قبلها أنه في هذه المسألة وقع الاختلاف في أصل الطلاق وفيما قبلها في الرجعة مع الاتفاق على الطلاق. وقوله في حيالة
- بالياء المثناة - قال في القاموس: الحيال خيط يشد به من بطان البعير إلى حقبه وقبالة الشئ وقعد حياله، وبحياله
بإزائه. اه‍. وفي بعض نسخ الخط، بالباء الموحدة وهو الموافق للروض، والمراد على كل أنها تحت عهدة زوج

59
(قوله: بأن ثبت ذلك) أي كونها تحت الزوج، والباء للتصوير (قوله: ولو بإقرارها) أي ولو ثبت ذلك بإقرارها. وقوله به: أي
بكونها كانت تحت زوج (قوله: قبل نكاح الثاني) متعلق بإقرارها، واحترز به عما إذا أقرت بالزوجية للأول بعد نكاح
الثاني فإنه لا يقبل إقرارها عليه نظير ما لو نكحت بإذنها ثم ادعت رضاعا محرما فإنه لا يقبل، ولا يصح جعله متعلقا بثبت
لأنه يفيد أنه إذا ثبت ذلك ببينة بعد نكاح الثاني لا تقبل فلا يأخذها وهو لا يصح (قوله: فادعى عليها الأول) أي الزوج
الأول الذي كانت تحت حياله (قوله: بقاء نكاحه) مفعول ادعى. وقوله: وأنه لم يطلقها، معطوف على بقاء نكاحه: أي
وادعى أنه لم يطلقها (قوله: وهي) أي من تزوجت على غير زوجها الأول. وقوله أنه: أي الأول. وقوله وانقضت عدتها
منه: أي وأنه انقضت عدتها منه: أي الأول. وقوله قبل أن تنكح الثاني: الظرف متعلق بكل من طلقها وانقضت عدتها.
وقوله: ولا بينة بالطلاق، أي والحال أنه لا بينة تشهد بالطلاق (قوله: فحلف) أي الأول المدعى عليه الطلاق (قوله:
أخذها) أي الأول. وقوله من الثاني: أي الزوج الثاني (قوله: لأنها أقرت له بالزوجية) أي فيما إذا ثبتت بالاقرار: أي أو
لأنها ثبتت له بالبينة (قوله: وهو) أي إقرارها بالزوجية إقرار صحيح. وقوله إذ لم يتفقا: أي الزوج الأول والزوجة وهو علة
لصحة الاقرار. وقوله على الطلاق: أي الرافع للزوجية، بخلاف المسألة السابقة فإنهما اتفقا فيها في علي الطلاق وادعى
بعده رجعة، فإذا أقرت هي بها دون الثاني لا يقبل إقرارها، كما تقدم (قوله: وتنقطع عدة الخ) شروع في حكم معاشرة
المفارق للمعتدة، وقد ترجم له الفقهاء بترجمة مستقلة (قوله: بغير حمل) خرج به عدة الحمل فلا تنقطع بما ذكر، بل
تنقضي بوضعه مطلقا (قوله: بمخالطة الخ) الباء سببية متعلقة بتنقطع. وقوله مفارق: يقرأ بصيغة اسم الفاعل. وقوله
لمفارقة يقرأ بصيغة اسم المفعول أي زوجة مفارقة: أي فارقها زوجها وقوله رجعية: صفة لمفارقة (قوله: فيها) أي في
العدة، وهو متعلق بمخالطة أو بمحذوف صفة لها: أي مخالطة حاصلة في العدة (قوله: لا بائن) معطوف على رجعية:
أي لا تنقطع العدة بمخالطة مفارق لبائن لأنه لا شبهة لفراشه، وعبارة المغني: لان مخالطتها محرمة بلا شبهة فأشبهت
المزني بها فلا أثر للمخالطة. اه‍. وقوله: ولو بخلع غاية في البائن: أي ولو كانت بينونتها بسبب خلع فإنها لا تنقطع
عدتها بالمخالطة (قوله: كمخالطة الزوج زوجته) قيد في المخالطة التي تقطع العدة، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف
صفة لمخالطة: أي مخالطة كائنة كمخالطة الزوج زوجته، وذلك بأن يدوم على حالته التي كان معها قبل الطلاق من النوم
معها ليلا أو نهارا والخلوة بها كذلك وغير ذلك. وقوله بأن كان الخ: تصوير للمخالطة المذكورة. وقوله يختلي بها. أي
بالرجعية (قوله: ويتمكن عليها) على بمعنى من كما هو مصرح بها في بعض نسخ الخط، والمراد التمكن من الاستمتاع
بها. وقوله: ولو في الزمن اليسير: غاية في الاختلاء بها والتمكن منها: أي ولو كان ما ذكر يحصل في زمن يسير قال
الرشيدي: هو صادق بما إذا قل الزمن جدا، ولعله غير مراد، وأنه إنما احترز به عن اشتراط دوام المعاشرة في كل الأزمنة
(قوله: سواء أحصل الخ) تعميم في انقطاع العدة بالاختلاء والتمكن منها: أي لا فرق في ذلك بين أن يكون حصل منه
وطئ أو لا، وأفاد به أن المدار في انقطاع العدة على وجود الاختلاء والتمكن بحيث لو أراد الوطئ لأمكن (قوله: فلا
تنقضي العدة) أي زمن المخالطة وإن طال الزمن جدا كعشر سنين، وهو مفرع على انقطاع العدة (قوله: لكن إذا زالت
الخ) إستدراك من قوله: وتنقطع عدة الخ رفع به ما يوهمه الانقطاع من وجوب الاستئناف. وقوله المعاشرة: عبر بها هنا
وفيما تقدم بالمخالطة تفننا وهو ارتكاب فنين من التعبير مؤداهما واحد (قوله: بأن نوى الخ) تصوير لزوال المعاشرة، وهو

60
يفيد أنها لا تزول إلا بالنية (قوله: كملت) بالبناء للمعلوم: أي كملت هي عدتها، وهو جواب إذا. وقوله على ما مضى:
متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر: أي حال كونها بانية للعدة على ما مضى منها قبل المعاشرة، والمراد أنها لا
تستأنف عدة جديد بعد زوال المعاشرة ومحل ما ذكر إن مضى زمن بعد الطلاق بلا معاشرة فإن لم يمض زمن بعده بلا
معاشرة بأن استمرت المعاشرة من حين الطلاق استأنف العدة من حين زوالها (قوله: وذلك لشبهة الفراش) اسم الإشارة
يعود على المذكور من عدم انقضاء العدة، والإضافة على معنى اللام: أي وإنما لم تنقض العدة بالمخالطة في الرجعية
لوجود شبهة للاستفراش بها وهي كونها كالزوجة في الاحكام المار بيانها غير مرة. وعبارة المغني: فلا تنقضي عدتها وإن
طالت المدة لان الشبهة قائمة، وهي بالمخالطة مستفرش بها، فلا يحسب زمن الاستفراش من العدة، كما لو نكحت غيره
في العدة وهو جاهل بالحال لا يحسب زمن استفراشه من العدة. اه‍ (قوله: كما لو نكحها الخ) الكاف للتنظير، والفاعل
يعود على مطلق شخص، والمفعول يعود على امرأة أجنبية في عدة طلاق رجعي: أي هذا نظير ما لو نكح مطلقة من غيره
طلاقا رجعيا في العدة وهو جاهل بالحال فإنها تنقطع ولا يحسب زمن استفراشه.
هكذا يتعين حل العبارة - كما تنطق به عبارة المغني المارة - ولو عبر مثله لكان أولى: لان عبارته توهم أن الزوج
نكح المطلقة منه مطلقا طلاقا رجعيا في العدة وهو لا يصح لأنه إن أراد بالنكاح من قوله: نكحها العقد فهو باطل لأنه تقدم
أن العقد على الرجعية رجعة لكن بالنية وإن أراد به الوطئ فلا يصح أيضا لأنه يلزم عليه أن يكون المنظر عين المنظر به.
فتأمل. وقوله حائلا: الذي في التحفة والنهاية جاهلا، فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ. وقوله في العدة: متعلق
بنكحها (قوله: فلا يحسب) جواب لو ولا حاجة إليه مع ما بعده لأنه قد علم من كاف التنظير. وقوله زمن إستفراشه: أي
من نكح المعتدة من غيره. وقوله منها: أي العدة (قوله: بل تنقطع) أي العدة. وقوله من حين الخلوة: أي بها ولو لم
يوجد وطئ (قوله: ولا يبطل بها) أي بالخلوة: وقوله ما مضى: أي من العدة (قوله: فتبني عليه) أي على ما مضى، وهذا
هو معنى عدم بطلان ما مضى بها. وقوله إذا زالت: أي الخلوة (قوله: ولا يحسب) أي من العدة. وقوله الأوقات: أي
التي لم تحصل فيها خلوة (قوله: ولكن لا رجعة الخ) إستدراك من المتن: أي لا تنقطع عدتها بالمخالطة في العدة،
ولكن لا رجعة الخ، ولو أبقي المتن على حاله ولم يزد أداة الاستدراك لكان أولى، وإنما لم يجز له الرجعة بعدها للاحتياط
والتغليظ عليه فهي كالبائن بعد مضي عدتها الأصلية إلا في لحوق الطلاق خاصة - كما صرح به المؤلف - والحاصل، هي
بعد انقضاء عدتها الأصلية كالبائن في تسعة أحكام: في أنه لا يصح رجعتها ولا توارث بينهما ولا يصح منها إيلاء ولا ظهار
ولا لعان ولا نفقة ولا كسوة ولا يصح خلعها، بمعنى أنه إذا خالعها وقع الطلاق رجعيا ولا يلزم العوض. ولذلك قال
بعضهم: ليس لنا امرأة يلحقها الطلاق ولا يصح خلعها إلا هذه. وإذا مات عنها لا تنتقل لعدة الوفاة. وكالرجعية في
خمسة أحكام في لحوق الطلاق وفي وجوب سكناها، وفي أنه لا يحد بوطئها وليس له تزوج نحو أختها ولا أربع سواها
(قوله: أي بعد العدة) أي بعد انقضائها، والمراد صورة وإلا فلا يصح لان الغرض في هذه أن عدتها لا تنقضي بسبب
المخالطة. وقوله على المعتمد: مقابله يثبت له الرجعة بعدها. وفي شرح الروض ما نصه: وما نقله كأصله عن البغوي
من عدم ثبوت الرجعة هو ما جزم به في المنهاج، ونقله في المحرر عن المعتبرين. وفي الشرح الصغير عن الأئمة: قال
في المهمات: والمعروف من المذهب المفتي به ثبوت الرجعة كما ذهب إليه القاضي، ونقله البغوي في فتاويه عن
الأصحاب. فالرافعي نقل اختيار البغوي دون منقوله وذكر نحوه الزركشي، لكن يعارض نقل البغوي له عن الأصحاب
نقل الرافعي مقابله عن المعتبرين والأئمة كما مر. اه‍ (قوله: وإن لم تنقض عدتها) الأولى إسقاطه لان فرض المسألة في
الرجعية المخالطة وهي لا تنقضي عدتها بسبب المخالطة (قوله: لكن يلحقها الطلاق إلى انقضائها) أي العدة الصورية

61
(قوله: أنه لا مؤنة لها) أي عليه. وقوله بعدها: أي بعد العدة الصورية (قوله: وجزم به) أي بما رجحه البلقيني (قوله:
فقال: لا توارث الخ) لا يدل على المدعي. فلعل في العبارة سقطا يعلم من عبارة التحفة ونصها: ومؤنتها عليه إلى
انقضاء العدة لكن الذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها. وجزم به غيره فقال: لا توارث بينهما ولا يصح إيلاء منها ولا ظهار
ولا لعان ولا مؤنة لها ويجب لها السكنى لأنها بائن إلا في الطلاق ولا يحد بوطئها. اه‍ بحذف. فالساقط من عبارتنا الذي
كان عليه أن يأتي به هو قوله: ولا مؤنة لها، فكان عليه أن يأتي به. وقوله ولا يحد بوطئها: أي لشبهة اختلاف العلماء في
حصول الرجعة بالوطئ كما تقدم في بابها (قوله: تتمة) أي في بيان تداخل العدتين (قوله: لو اجتمع عدتا شخص الخ)
ذكر حكم اجتماع عدتين من جنس واحد لشخص واحد، وبقي عليه ما إذا كانا من جنسين له أيضا كحمل وأقراء كأن
طلقها حاملا ثم وطئها قبل الوضع أو طلقها حائلا ثم وطئها وأحبلها، وحكم ذلك كحكم ما إذا كانا من جنس واحد
فتتداخلان وتنقضيان بوضعه وما إذا كانا لشخصين سواء كان من جنس كأن كانت في عدة زوج أو وطئ شبهة فوطئت من
آخر بشبهة أو نكاح فاسد فلا تداخل لتعدد المستحق، بل تعتد لكل منهما عدة كاملة. وتقدم عدة الطلاق على وطئ
الشبهة وإن سبق وطئ الشبهة الطلاق لقوتها باستنادها إلى عقد جائز أو كانا من جنسين كأن وجد حمل من أحد الشخصين
فكذلك لا تداخل لكن عدة الحمل تقدم مطلقا - سواء كان من المطلق أو من الواطئ بشبهة - ففيما إذا كان من الأول ثم
وطئت بشبهة تنقضي عدة الطلاق بوضعه ثم بعد مضي زمن النفاس تعتد بالأقراء، وفي عكسه تنقضي عدة الشبهة بوضعه
ثم تعتد أو تكمل للطلاق. فتحصل أن الأقسام أربعة: وذلك لان العدتين إما أن يكونا لشخص أو لشخصين، وعلى كل
إما أن يكونا من جنس أو من جنسين (قوله: مطلقا) أي سواء كان الوطئ بشبهة أم لا كما يدل عليه التقييد بعد، وفيه أن
وطئ الرجعية إلا يكون لا شبهة فلا يصح التعميم المذكور. وأجيب بأن المراد بالشبهة فيها شبهة الفاعل بأن ظنها زوجته
غير المطلقة أو كان جاهلا معذورا بأنه يحرم عليه وطؤها (قوله: أو البائن) معطوف على الرجعية. أي أو وطئ مطلقته
البائن. وقوله بشبهة: متعلق بوطئ: أي وطئها بشبهة. والمراد شبهة الفاعل كما في الذي قبله. وخرج ما لو وطئها بغير
شبهة: بأن كان عالما بأنها المطلقة فلا عدة للوطئ لأنه غير محترم لكونه زنا (قوله: تكفي عدة أخيرة) هي هنا عدة الوطئ
أي تغني عما بقي من عدة الطلاق وقوله منهما: أي العدتين عدة الطلاق وعدة الوطئ (قوله: فتعتد الخ) هذا هو معنى
الاكتفاء بالعدة الأخيرة منهما (قوله: من فراغ الوطئ) أي وهو إخراج الحشفة ح ل. بجيرمي (قوله: وتندرج) أي تدخل.
وقوله فيها: أي العدة الأخيرة. وقوله بقية الأولى: أي عدة الطلاق هنا: أي فيكون قدر تلك البقية مشتركا واقعا عن
الجهتين (قوله: فإن كرر الوطئ) أي مطلقا في الرجعية وبشبهه في البائن (قوله: استأنفت أيضا) أي من فراغ الوطئ،
ويندرج في عدته بقية الأولى وهكذا (قوله: لكن لا رجعة الخ) استدراك من اندراج بقية الأولى في عدة الثانية. وقوله
حيث لم يبق من الأولى: أي عدة لطلاق الرجعي، وذلك كأن وطئها بشبهة بعد قرءين من عدة الطلاق ولم يراجعها إلا بعد
تمام القرء الثالث فلا تصح الرجعة، فإن بقي منها بقية كأن راجعها في القرء الثالث صحت الرجعة. فائدة: قد يجب على
المرأة أربع عدد، وذلك كما لو طلقت الأمة فشرعت في العدة فلما قرب انقضاؤها عتقت فإنها تنتقل لعدة الحرائر، فلما
قرب انقضاؤها مات زوجها فإنها تنتقل لعدة الوفاة، فلما قرب انقضاؤها وطئت بشبهة وحملت منه فإنها تنتقل لعدة الحمل
(قوله: فرع في حكم الاستبراء) أي كحرمة الاستمتاع بالأمة التي حدث له ملكها حتى يستبرئها. وقد أفرده الفقهاء بباب

62
مستقل وإنما ذكر عقب العدة لاشتراكهما في أصل البراءة وخص بهذا الاسم لأنه اكتفى فيه بأقل ما يدل على براءة الرحم
كحيضة في ذوات الحيض وشهر في ذوات الأشهر بخلاف العدة فإنه لما لم يكتف فيها بذلك خصت باسم العدة المأخوذة
من العدد لاشتمالها عليه غالبا. والأصل فيه قوله (ص) في سبايا أوطاس: ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل
حتى تحيض حيضة وأوطاس بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين: وقاس الشافعي
رضي الله عنه غير المسببة عليها بجامع حدوث الملك، ومن لا تحيض بمن تحيض في اعتبار قدر الطهر والحيض وهو
شهر غالبا (قوله: وهو) أي الاستبراء. وقوله شرعا الخ: أي وأما لغة فهو طلب البراءة وقد يطلق بمعنى تحصيلها
والاتصاف بها، كما في قوله (ص): فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه أي حصل برأتهما واتصف بها (قوله:
تربص بمن فيها رق) أي صبر وانتظار بمن فيها رق ولو مبعضة، والمتربص بها هو السيد فيما إذا أراد التمتع بها أو تزويجها
أو هي نفسها فيما إذا زال فراشه عنها بعتقها، فلا بد من أن تتربص وتنتظر نفسها بنفسها، ولا يجوز لها أن تتزوج حالا.
وقد يكون الاستبراء في الحرة كما إذا كان لها ولد من غير زوجها ومات ذلك الولد فإنه يسن له استبراؤها لأنها ربما تكون
حاملا فيكون الحمل أخا للميت من الام فيرث منه السدس، ولو عبر بالمرأة كما في شرح المنهج لكان أولى لشمولها
الحرة وغيرها. وقوله: عند وجود سبب مما يأتي: وهو حدوث الملك أو زوال الفراش، وهذا باعتبار الأصل والغالب،
وإلا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك كأن وطئ أمة غيره يظن أنها أمته فيجب فيها الاستبراء لأنها في نفسها مملوكة والشبهة
شبهة ملك اليمين. وخرج بيظن أنها أمته ما لو ظنها زوجته الحرة فإنها تعتد بثلاثة قروء أو زوجته الأمة فتعتد بقرءين (قوله:
للعلم الخ) علة لمقدر: أي وإنما شرع التربص ليحصل العلم بالبراءة، وهذا فيمن تحبل. وقوله أو للتعبد: وهذا في
البكر، ومن استبرأها بائعها قبل بيعها والمشتراة من صبي أو امرأة (قوله: يجب استبراء) أي على السيد بالنسبة لما إذا أراد
التمتع بأمته أو تزويجها بعد أن وطئها أو عليها بالنسبة لزوال الفراش عنها بعتقها بموته أو إعتاقها فيجب عليها أن تستبرئ
نفسها بنفسها فلا يحل لها أن تتزوج قبل ذلك - كما تقدم - وقد يستحب الاستبراء كما في الحرة السابقة وكما في الأمة
التي اشتراها زوجها فتستبرئ استحبابا ليتميز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ثم يعتق
بالملك وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أمه أم ولد، وكما في الأمة الموطوءة فإنه يستحب لمالكها قبل بيعها استبراؤها
ليكون على بصيرة (قوله: لحل تمتع) تعليل لوجوب الاستبراء: أي وإنما وجب لأجل حل التمتع بها. وقوله أو تزويج:
معطوف على تمتع: أي أو لحل تزويج فلا يحل للسيد أن يزوج أمته على غيره إلا بعد استبرائها لكن بشرط أن يكون قد
وطئها، ويعلم منه أن الاستبراء إنما يجب على الرجل دون المرأة لأنها لا تستمتع بجاريتها ولان شرط وجوب الاستبراء في
صورة التزويج الآتية أن تكون الأمة موطوءة لسيدها وهذا لا يتأتى في المرأة اه‍. جمل (قوله: بملك أمة الخ) ذكر
لوجوب الاستبراء سببين ملك الأمة: أي حدوثه وزوال فراشه ويرد على الأول ما لو فسخت المكاتبة كتابة صحيحة الكتابة
أو فسخها السيد عند عجزها عن النجوم فيجب استبراؤها مع عدم حدوث الملك وما لو أسلمت الأمة المرتدة أو السيد
المرتد أو أسلما معا بعد ردتهما فإنه يجب استبراؤها مع عدم ذلك، ويرد على الثاني ما لو أراد تزويج موطوءته مستولدة
كانت أو غيرها فإنه يجب استبراؤها قبل تزويجها مع أنها عند إرادة التزويج لم يزل فراشه عنها. وأجيب بأن هذين سببان
باعتبار الأصل والغالب. وهذه الصور جاءت على خلاف ذلك وقال بعضهم: ما ذكر ليس بسبب حقيقة والسبب في
الحقيقة إنما هو حل التمتع أو روم التزويج ولكل منهما أسباب: فمن أسباب الأول الملك، ومن أسباب الثاني وطؤه الأمة
التي يريد تزويجها. ويمكن حمل كلام المؤلف عليه بجعل قوله: لحل تمتع أو تزويج علة لوجوب الاستبراء، وجعل الباء
من قوله بملك الخ سببية مرتبطة بحل التمتع لا بوجوب الاستبراء في المتن: أي يجب الاستبراء لأجل حل التمتع ولأجل
حل تزويجها والأول يحصل بسبب ملك الأمة والثاني يحصل بزوال الفراش عنه على اللف والنشر المرتب (قوله: ولو
معتدة) غاية في وجوب الاستبراء بملك الأمة: أي يجب بذلك ولو كانت الأمة التي استبرأها معتدة بوطئ شبهة مثلا.
وعبارة الجمل: قوله ولو معتدة، أي فيجب عليها الاستبراء بعد انقضاء العدة وهذا بالنسبة لحل التمتع، أما بالنسبة لحل

63
التزويج فيكفي فيه انقضاء العدة، وهذا كله إن كانت العدة لغيره فإن كانت العدة له فلا استبراء وتنقطع بملك لها،
والصواب أن معتدته يجب عليها الاستبراء أيضا لكن تنقطع العدة، فالفارق بين معتدته ومعتدة غيره إنما هو انقطاع العدة
وعدم انقطاعها. اه‍. وهذا محله في إرادة التمتع، أما في إرادة التزويج فلا يجب الاستبراء، كما صرح به في الروض
(قوله: بشراء الخ) الباء سببية متعلقة بملك. أي أن الملك حصل له بسبب شرائه للأمة وقوله أو إرث: أي لها: وقوله أو
وصية: أي بها له مع قبولها. وقوله أو هبة: أي بها له. وقوله مع قبض: قيد في الهبة إذ هي قبله لا تملك. وقوله أو سبي:
أي حاصل منه لها، فهذه كلها أسباب للملك. وقوله بشرطه: أي بوجود شرط السبي: أي التملك به. وقوله: من القسمة
أو اختيار تملك: بيان لشرطه أو تنويع الخلاف، يعني أنه اختلف فيما يحصل به التملك بالسبي: فقيل القسمة - أي
قسمة الامام السبي - على المستحقين - وهو الراجح - وقيل اختيار التملك: أي بأن يقول كل واحد منهم اخترت نصيبي
وهو مرجوح وفي البجيرمي ما نصه: عن الجويني والقفال وغيرهما أنه يحرم وطئ السراري اللاتي يجلبن من الروم والهند
والترك إلا أن ينصب الامام من يقسم الغنائم من غير ظلم أي يفرز خمس الخمس لأهله. اه‍. سم. والمعتمد جواز
الوطئ لاحتمال أن يكون السابي ممن لا يلزمه التخميس كذمي ونحن لا نحرم بالشك. م ر. اه‍. وسيذكر الشارح مسألة
حكم السراري المجلوبة من الروم والهند نقلا عن شيخه في أواخر باب الجهاد بأبسط من هذا (قوله: وإن تيقن براءة
رحم) غاية وجوب الاستبراء: أي يجب الاستبراء وإن تيقن الخ للتعبد - كما مر - (قوله: كصغيرة) تمثيل لتيقن براءة
رحمها (قوله: وبكر) في كون البكر تتيقن براءة رحمها نظرا لأنه يمكن شغله باستدخال المني من غير وطئ. وأجيب بأن
ذلك نادر فلا عبرة به (قوله: وسواء أملكها الخ) تعميم في وجوب الاستبراء فهو معطوف على الغاية. ولو قال ومملوكة من
صبي الخ: عطفا على كصغيرة لكان أولى وأخصر. إذ هي من أفراد من تيقن براءة رحمها (قوله: فيجب) أي الاستبراء،
وهو تفريع على الغاية وعلى التعميم. وقوله فيما ذكر: أي الصغيرة وما بعدها (قوله: بالنسبة لحل التمتع) أي وأما بالنسبة
لحل التزويج فلا يجب الاستبراء - كما في الروض وشرحه - وعبارتهما: وإن اشترى أمة غير موطوءة أو أمة من امرأة أو
صبي أو أمة استبرأها البائع فله تزوجها بلا استبراء، فإن أعتقها فله تزويجها قبل الاستبراء، ويذكر أن الرشيد طلب حيلة
مسقطة للاستبراء. فقال له أبو يوسف من الحنفية: أعتقها ثم تزوجها. اه‍. وقوله استبرأها البائع: الجملة صفة أمة.
وقوله فله تزوجها: أي على الغير، وهو جواب إن وقوله فله تزويجها: أي لنفسه (قوله: وبزوال فراش) عطف على بملك
أمة: أي ويجب الاستبراء عليها بزوال فراش أي ملك. وقوله له: أي للسيد، وهو قيد في الفراش. وخرج به ما لو أعتق
أمته المزوجة أو المعتدة من زوج فلا استبراء لأنها ليست فراشا للسيد ولان الاستبراء لحل التمتع أو التزويج وهي مشغولة
بحق الزوج من الزوجية أو عدة النكاح. وقوله عن أمة: متعلق بزوال. وقوله موطوءة: خرج غيرها، فلا استبراء عليها
بعتقها (قوله: غير مستولدة أو مستولدة) تعميم في الموطوءة (قوله: بعتقها) متعلق بزوال، والباء سببية (قوله: أي بإعتاق)
بيان لما يحصل به العتق: أي أن العتق الحاصل لها تارة يكون بإعتاق السيد لها وتارة يكون بموته (قوله: كل واحدة
منهما) أي من المستولدة وغيرها (قوله: أو موته) عطف على إعتاق، ويتصور عتقها بموته بما إذا كانت مستولدة أو مدبرة
لان غيرهما لا يعتق بالموت، بل ينتقل الملك للورثة (قوله: لا إن استبرأ الخ) استثناء من وجوب الاستبراء على من زال
فراشها بالعتق أو بالموت أي يجب عليها الاستبراء إلا إن استبرأها سيدها قبل إعتاقها وكانت غير مستولدة فلا يجب عليها.
وعبارة المنهج وشرحه: ولو استبرأ قبله - أي قبل العتق - مستولدة فإنه يجب عليها الاستبراء لما مر، لا إن استبرأ قبله
غيرها: أي غير مستولدة ممن زال عنها الفراش فلا يجب الاستبراء فتتزوج حالا. إذ لا تشبه منكوحة بخلاف المستولدة
فإنها تشبهها فلا يعتد بالاستبراء الواقع قبل زوال فراشها. اه‍. ولو صنع الشارح كصنيعها لكان أولى وأوضح (قوله: غير

64
مستولدة) مفعول استبرأ. وقوله ممن زال عنها الفراش: بيان للمضاف الذي هو لفظ غير والمراد زال عنها الفراش
بالاعتاق الذي استبرأها قبله. وحاصل هذه المسألة: أنه لو استبرأ السيد أمته غير المستولدة بأن مضت مدة الاستبراء وهو
لم يطأها فيها ثم زال فراشه عنها بالاعتاق فلا استبراء عليها فلها أن تتزوج حالا (قوله: فلا يجب) أي الاستبراء عليها،
وهو مفرع على مفهوم قوله لا إن استبرأها أو جواب شرط محذوف: أي فإن استبرأها كما ذكر فلا يجب استبراء، ولو حذفه
لكان أخصر وأولى، لأنه يعلم من استثنائه مما يجب الاستبراء فيه (قوله: بل الخ) اضراب انتقالي (قوله: إذ لا الخ) علة
لعدم وجوب الاستبراء. وقوله هذه: أي غير المستولدة التي استبرأها سيدها قبل زوال الفراش (قوله: بخلاف المستولدة)
أي فإنها تشبه المنكوحة. قال في التحفة: والفرق بين غير المستولدة وبين المستولدة ظاهر: إذ الأولى لا تشبه المنكوحة،
بخلاف الثانية لثبوت حق الحرية لها فكان فراشها أشبه بفراش الحرة المنكوحة اه‍. بالمعنى وقوله: أشبه بفراش الحرة:
أي وهي تجب عليها العدة. اه‍ (قوله: ويحرم بل لا يصح الخ) هذا يفيد أن السبب في الاستبراء روم التزويج، وهو يؤيد
ما تقدم عن بعضهم أن السبب الحقيقي، إما حل التمتع أو روم التزويج. وقوله تزويج موطوءته. أي أو موطوءة غيره إن
كان الماء محترما وأراد تزويجها لغير صاحبه ولم يكن البائع استبرأها قبل البيع ما يعلم من التفصيل الذي ذكره الشارح
(قوله: قبل مضي استبراء) في التحفة، وإنما حل بيعها قبله مطلقا لان القصد من الشراء ملك العين والوطئ قد يقع وقد
لا، بخلاف النكاح لا يقصد به إلا الوطئ (قوله: حذرا من اختلاط الماءين) أي اشتباه أحدهما بالآخر فليس المراد حقيقة
الاختلاط لأنه تقدم أن الرحم لا يحتوي على ماءين (قوله: أما غير موطوءته) صادق بصورتين بما إذا لم توطأ أصلا وبما
إذا وطئها غيره، وقد أفادهما بقوله فإن كانت الخ (قوله: فله) أي المالك، والمناسب للتقابل أن يقول فلا يحرم تزويجها.
وقوله تزويجها: أي قبل مضي مدة الاستبراء، وكذا يقال فيما بعده. وقوله مطلقا: أي من كل أحد (قوله: أو موطوءة
غيره) أي أو كانت موطوءة غير المالك المريد لتزويجها بأن كانت موطوءة البائع لها قبل استبرائها أو موطوءة بشبهة أو بزنا
(قوله: فله) أي للمالك الذي هو المشتري. وقوله تزويجها ممن الماء منه: أي على من الماء منه، ولا فرق فيه بين أن
يكون الماء محترما أم لا، مضت مدة الاستبراء عنده أم لا، ويدل على ذلك ما بعده (قوله: وكذا من غيره) أي وكذا له أن
يزوجها على غير من الماء منه لكن بشرط أن يكون الماء غير محترم بأن كان وطؤه لها بزنا، أو محترما لكن مضت مدة
الاستبراء منه: أي عند صاحب الماء قبل انتقالها للمشتري (قوله: ولو أعتق موطوءته فله نكاحها بلا استبراء) أي كما
يجوز أن ينكح المعتدة منه. إذ لا اختلاط هنا، ومن ثم لو اشترى أمة فزوجها لبائعها الذي لم توطأ غيره لم يلزمه استبراء
كما لو أعتقها فأراد بائعها أن يتزوجها. وخرج بموطوءته ومثلها من لم يطأها أو وطئت زنا أو استبرأها من
انتقلت منه إليه من وطئها غيره وطئا غير محرم فلا يحل له تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها. اه‍. تحفة. وقوله من وطئها: فاعل خرج
(قوله: وهو) مبتدأ خبره حيضة. وقوله أي الاستبراء: أي قدره. وقوله لذات أقراء حال من المبتدأ على رأى أو من الخبر
مقدم عليه وهو المسوغ لمجئ الحال من النكرة (قوله: حيضة كاملة) إنما كان العبرة هنا بالحيض وفي العدة بالطهر لان
الأقراء فيها متكررة فتعرف البراءة بتكرر الحيض ولا تكرر هنا فيعتمد الحيض الدال على البراءة فمن انقطع حيضها
صبرت إلى أن تحيض فتستبرأ بحيض، فإن لم تحض صبرت إلى سن اليأس ثم استبرئت بشهر على نحو ما تقدم في
العدة وأقل مدة إمكان الاستبراء إذا جرى سببه في الطهر يوم وليلة ولحظتان وفي الحيض ستة عشر يوما ولحظتان (قوله:
فلا تكفي بقيتها) أي الحيضة: أي لا يحصل بهذه البقية من الحيض الاستبراء بخلاف بقية الطهر في العدة فإنها تحسب

65
قرءا والفرق أن بقية الطهر تستعقب الحيضة الدالة على البراءة، وهذه تستعقب الطهر ولا دلالة له على البراءة (قوله: ولو
وطئها الخ) أي لو وطئ السيد أمته في الحيض: أي وقبل مضي مدة الاستبراء كما يدل عليه آخر العبارة، ولو صرح به
كالروض وشرحه لكان أولى. وعبارة الروض وشرحه.
فرع: وطئ السيد أمته قبل الاستبراء أو في أثنائه لا يقطع الاستبراء وإن أثم به لقيام الملك بخلاف العدة فإن حبلت
منه قبل الحيض بقي التحريم حتى تضع كما لو وطئها ولم تحبل أو حبلت منه في أثنائه حلت له بانقطاعه لتمامه. قال
الامام: هذا إن مضى قبل وطئه أقل الحيض وإلا فلا تحل له حتى تضع كما لو أحبلها قبل الحيض. اه‍ (قوله: فحبلت
منه) أي الواطئ (قوله: فإن كان) أي الحبل. وقوله قبل مضي أقل الحيض: الظرف متعلق بمحذوف خبر كان: أي فإن
كان حاصلا قبل مضي أقل الحيض وهو يوم وليلة (قوله: انقطع الاستبراء) أي انقطع بالحبل اعتبار الاستبراء بالحيض
واعتبر الاستبراء بالوضع، فإذا وضعت حل وطؤها كما يفيده قوله وبقي التحريم إلى الوضع أي بقي تحريم الوطئ عليه
إلى أن تضع (قوله: فإذا وضعت ارتفع التحريم) ولا يلزم استبراء ثان بعد الوضع (قوله: كما لو حبلت الخ) الكاف
للتنظير: أي هو نظير ما لو حبلت الأمة من وطئه لها في حال طهارتها فإنه يبقي التحريم إلى الوضع فإذا وضعت ارتفع
(قوله: وإن حبلت بعد مضي أقله) أي الحيض، وهو يوم وليلة (قوله: كفى) أي مضى أقله في الاستبراء: أي فيحل له
بعده التمتع بها ولا يصبر إلى الوضع (قوله: لمضي حيض الخ) علة لقوله وكفى: أي وإنما كفى ذلك لمضي حيض كامل
لها قبل الحمل (قوله: ولذات أشهر) معطوف على لذات أقراء أي والاستبراء لذات أشهر شهر. وقوله من صغيرة الخ:
بيان لذات الأشهر وقوله شهر: أي ما لم تحض فيه، فإن حاضت فيه استبرئت بالحيضة لأنها صارت من ذوات
الأقراء. اه‍. ع ش (قوله: ولحامل) معطوف أيضا على ذات أقراء: أي والاستبراء لامة حامل. وقوله لا تعتد بالوضع:
أي ليس لها عدة بالوضع، وهو قيد في كون الاستبراء في حق الحامل وضع الحمل. وخرج به ما لو كانت تعتد بالوضع
بأن ملكها معتدة عن الزوج أو وطئ شبهة أو عتقت حاملا من شبهة وهي فراش لسيدها فلا يكون الاستبراء بالوضع، بل
يلزمها أن تستبرئ بعده (قوله: وهي) أي التي لا تعتد بالوضع. وقوله التي حملها من الزنا: أي ولم تحض فإن حاضت
كفت حيضة ولا عبرة بالحمل، ولو كانت من ذوات الشهور ومضى شهر فكذلك.
(والحاصل) أن الاستبراء في الحامل من الزنا يحصل بالأسبق من الوضع والحيضة فيمن تحيض وبالاسبق من
الوضع والشهر في ذوات الأشهر (قوله: أو المسبية الحامل) أي من كافر وأفاد بذكرها وما بعدها أن الحمل قد يكون من
غير زنا ويكون الاستبراء بالوضع، واندفع بذلك حصر بعضهم الحامل التي لا تعتد بالوضع في التي حملها من زنا وقال:
لأنه إن كان من سيدها صارت به أم ولد ولا يصح بيعها وإن كان من زوج انقضت عدتها به ولا يدخل الاستبراء في العدة
بل يجب الاستبراء بعده ويكون الولد في هذه رقيقا وإن كان من شبهة نقصت عدة الشبهة بوضعه والولد حر ويغرم
الواطئ قيمته لسيد الأمة ولا يصح بيعها وهي حامل به لان الحامل بحر لاتباع فيتعين أن يكون الحمل من الزنا. وحاصل
الدفع أنا لا نسلم أنها تنحصر في ذلك بل تارة تكون حاملا من زنا، وتارة تكون غيرها كالمسبية المذكورة وما بعدها
(قوله: أو التي هي حامل من السيد الخ) أي أو الأمة التي هي حامل من السيد ثم زال عنها فراشه بعتقها فإنها ليس لها عدة
بالوضع، فإذا رام تزويجها لا بد من استبرائها ويكون استبراؤها بالوضع (قوله: سواء الخ) تعميم في الأخيرة وهي الحامل
التي زال فراش السيد عنها بالعتق: أي لا فرق فيها بين أن تكون مستولدة من قبل هذا الحمل بأن ولدت منه أولا ثم وطئها

66
وحملت منه ثم أعتقها ورام أن يزوجها فيكون استبراؤها بالوضع، والتعميم المذكور ساقط من عبارة التحفة والنهاية
(قوله: وضعه) أي الاستبراء الحامل وضع الحمل لحصول البراءة به وللخبر السابق (قوله: لو اشترى نحو وثنية) أي
كمجوسية (قوله: أو مرتدة) أي أو اشترى مرتدة (قوله: فحاضت) أي الوثنية ونحوها المرتدة (قوله: ثم بعد فراغ
الحيض) الظرف متعلق بأسلمت بعده. وقوله أو في أثنائه أي الحيض (قوله: ومثله) أي مثل الحيض الشهر أي فلو
أسلمت بعده أو في أثنائه لم يكف مضي الشهر عن الاستبراء قال في التحفة: وكذا الوضع على ما صرح به. اه‍ (قوله:
لم يكف حيضها الخ) أي فلا بد من استبراء ثان بعد الاسلام. وقوله أو نحو: أي الحيض من الشهر أو الوضع وقوله في
الاستبراء: متعلق بيكفي (قوله: لأنه الخ) علة لعدم الاكتفاء بما ذكر في الاستبراء. وقوله لا يستعقب: إن جعلت السين
والتاء زائدتين فما بعده فاعل به وحذف مفعوله. أي لا يعقبه ويتسبب عنه حل التمتع وإن جعلا للطلب فما بعده مفعول
والفاعل ضمير مستتر يعود على المذكور من الحيض ونحوه: أي لا يستلزم، ويطلب حل التمتع واعترض التعليل
المذكور بأنه يأتي في المحرمة أي إذا اشتراها محرمة فحاضت قبل التحلل فإنه يعتد به مع أنه لا يستعقب الحل (قوله:
الذي هو) أي حل التمتع بعد مضي الحيضة أو الشهر القصد في الاستبراء: أي وهذا القصد لم يحصل بما ذكر فلا يكفي
في الاستبراء، ولذلك قال القفال: كل استبراء لا يتعلق به استباحة الوطئ لا يعتد به أي إلا استبراء المرهونة قبل انفكاك
الرهن فيعتد به لأنه يحل للراهن وطؤها بإذن المرتهن فهي محل الاستمتاع. وفرق ابن حجر بينها وبين ما لو اشترى عبد
مأذون لها في التجارة أمة وعليه دين حيث لا يعتد باستبرائها قبل سقوط الدين فليس للسيد وطؤها مع أنه يجوز للسيد
وطؤها بإذن العبد والغرماء ح ل اه‍. جمل. وقوله وفرق ابن حجر: عبارته ويفرق بينها وبين ما قبلها بأنه يحل وطؤها بإذن
المرتهن فهي محل للاستمتاع، بخلاف غيرها حتى مشتراة المأذون لان له حقا في الحجر وهو لا يعتد بإذنه. فإن قلت:
هي تباح له بإذن العبد والغرماء فساوت المرهونة. قلت: الاذن هنا أندر لاختلاف جهة تعلق العبد والغرماء بخلافه في
المرهونة. اه‍. بحذف (قوله: وتصدق المملوكة بلا يمين في قولها حضت) أي تصدق في انقضاء الاستبراء قال في
التحفة: وإذا صدقناها فكذبها فهل يحل له وطؤها قياسا على ما لو ادعت التحليل فكذبها بل أولى أولا ويفرق محل نظر.
والأول أوجه. اه‍ (قوله: لأنه) أي الحيض لا يعلم إلا منها، وهو علة لتصديقها بلا يمين في قولها ذلك قال البجيرمي:
ولأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم الحيض فللسيد وطؤها بعد الطهر وهذا حيث أمكن كما تصدق
الحرة في انقضاء عدتها حيث أمكن لأنها مؤتمنة على رحمها. اه‍ (قوله: وحرم في غير مسبية تمتع الخ) وهل هو كبيرة أو
لا؟ فيه نظر والأقرب الأول، لكن لا يخفى أن الوطئ وإن كان حراما لعدم الاستبراء لكنه ليس بزنا لوجود شبهة الملك،
ومحل حرمته ما لم يخف الزنا فإن خافه جاز له أفاده ع ش وغيره (قوله: ولو بنحو نظر بشهوة) أي ولو كان التمتع بنحو نظر
بشهوة، فإنه يحرم وفي سم ما نصه. قوله ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة قد يشمل الاستمتاع بنحو شعرها وظفرها بمس أو
نظر بشهوة أو بجزئها المنفصل وهو غير بعيد ما لم يوجد نقل بخلافه.
فرع: وقع السؤال إستطرادا عن النظر لأجل الشراء. هل يجوز إذا كان بشهوة كما في نظر الخطبة أو يفرق؟ فيه
نظر. اه‍. بتصرف (قوله: ومس) يفيد عدم تقييده بما إذا كان بشهوة وتقييد النظر بما إذا كان بشهوة أنه يحرم المس ولو
بغير شهوة (قوله: قبل الخ) متعلق بحرم (قوله: لأدائه إلى الوطئ المحرم) علة لحرمة التمتع لكن بغير الوطئ وإلا لم يصح
لأنه يصير المعنى يحرم التمتع بالوطئ لأدائه إلى التمتع بالوطئ ولا معنى له (قوله: ولاحتماله الخ) علة ثانية لحرمة التمتع

67
مطلقا سواء كان بوطئ أو غيره. وقوله إنها حامل بحر: أي بأن وطئت بشبهة أو وطئها سيدها (قوله: فلا يصح نحو بيعها)
أي وإذا كانت حاملا بحر فلا يكون بيعها صحيحا وإذا لم يكن صحيحا لا يجوز للمشتري أن يتمتع بها لأنها باقية على
ملك البائع (قوله: نعم الخ) إستدراك من حرمة التمتع بها دفع به ما يتوهم من حرمة الخلوة
أيضا. وقوله تحل له الخلوة بها: أي لتفويض الشرع أمر الاستبراء إلى أمانته نعم: إن كان مشهورا بالزنا وعدم المسكة حيل بينه وبينها (قوله: أما في
المسبية الخ) مقابل قوله غير مسبية. وقوله فيحرم الوطئ الخ إنما فارقت المسبية غيرها لتيقن ملكها ولو حاملا فلم يجر فيها
الاحتمال السابق، وإنما حرم وطؤها صيانة لمائه أن يختلط بماء حربي لا لحرمته ولم ينظر والاحتمال كونها أم ولد لمسلم
فلم يملكها سابيا لندرته وقوله الاستمتاع بغيره أي لا يحرم عليه الاستمتاع بغير الوطئ وقوله من تقبيل ومس: بيان لغير
الوطئ (قوله: لأنه (ص) الخ) تعليل لحرمة الوطئ وعدم حرمة غيره. وقوله لم يحرم الخ أي في الخبر المار أول الفرع وقوله
في سبايا أوطاس ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. وقوله منها: أي المسبية. وقوله
غيره: أي الوطئ (قوله: مع غلبة الخ) فيه أن هذا لا يختص بالسبايا فلا ينتج المدعي. وقوله إلى مس الإماء: هذا بالنسبة
لامتداد الأيدي، وكان حقه أن يزيد وإلى النظر إليهن ليكون مقابل امتداد الأعين. وقوله سيما الحسان: أي خصوصا في
الغلبة المذكورة الإماء الحسان (قوله: ولان ابن عمر الخ) معطوف على قوله لأنه (ص) الخ (قوله: من سبايا أوطاس) وقيل
من سبايا جلولاء وجمع بينهما بأن جلولاء كانوا معاونين لهوازن لكونهم حلفاءهم: أي معاهدين لهم فيمكن أن السبايا من هوازن أو من
جلولاء وقسموها في الموضع المسمى بأوطاس، فتكون الجارية الواقعة لابن عمر من جلولاء. وقصة ابن
عمر رضي الله عنهما أنه اتفق أن واحدة سبيت من نسائهم فلما نظر عنقها كإبريق أي سيف فضة فلم يتمالك الصبر عن
تقبيلها والناس ينظرونه ولم ينكر أحد عليه فصار إجماعا سكوتيا لا يقال الاجماع لا ينعقد في حياته (ص) لأنا نقول المراد
ولم ينكر عليه أحد من الصحابة بعد موته (ص) لا يقال تقبيله لها خارم للمروءة لأنا نقول: لعله اعتقد عدم وجود أحد عنده
فقوله والناس ينظرون: أي وهو لم يعلم بذلك أو أنه فعله إغاظة للكفار أو باجتهاده (قوله: وألحق الماوردي الخ) قال سم
ظاهر كلامهم يخالفه. اه‍. (قوله: بالمسبية) متعلق بألحق. وقوله في حل الاستمتاع: هذا هو وجه الالحاق. وقوله كل
الخ: مفعول ألحق. وقوله من لا يمكن حملها أي أمة لا يمكن حملها لمانع منه كصغر وإياس وحمل من زنا موجود في
بطنها: إذ الحامل لا يتصور أن تحمل على حملها الحاصل (قوله: كصبية الخ) تمثيل للتي لا يمكن حملها (قوله: لا
تصير أمة الخ) وهذا بخلاف الزوجة فإنها تصير فراشا بمجرد الخلوة بها حتى إذا ولدت للامكان من الخلوة بها لحقه وإن
لم يعترف بالوطئ. والفرق أن مقصود النكاح التمتع والولد فاكتفى فيه بالامكان من الخلوة وملك اليمين قد يقصد به
التجارة والاستخدام فلا يكتفي فيه إلا بالامكان من الوطئ اه‍. شرح المنهج (قوله: إلا بوطئ منه) أي من السيد. ومثل
الوطئ دخول مائة المحترم فيه. وقوله في قبلها: خرج به الدبر فلا تصير فراشا بالوطئ فيه، وقيل تصير فراشا به فعليه إذا
ولدت للامكان منه يلحقه (قوله: ويعلم ذلك) أي الوطئ. وقوله بإقراره: أي السيد. وقوله به: أي الوطئ. وقوله أو ببينة:
أي على الوطئ أو على إقراره به (قوله: فإذا الخ) تفريع على كونها تصير بالوطئ فراشا، وعبارة التحفة مع الأصل: وإذا
تقرر أن الوطئ يصيرها فراشا فإذا ولدت للامكان الخ (قوله: للامكان من وطئه) أي عند الامكان أو مع الامكان، فاللام

68
بمعنى عند أو مع. والمعنى أنها إذا ولدت ولدا يمكن أن يكون من وطئه بأن يكون بين زمن الولادة وزمن الوطئ ستة أشهر
(قوله: لحقه وإن لم يعترف به) أي بأن سكت عن استلحاقه، وذلك لأنه (ص) ألحق الولد بزمعة بمجرد الفراش: أي بعد
علمه الوطئ بوحي أو إخبار فإن نفي الولد بعد إقراره بالوطئ وادعى استبراءا بعد الوطئ بحيضة وقبل الوضع بستة أشهر
وحلف على ذلك لم يلحقه الولد، وذلك لان الوطئ الذي هو المعول عليه في اللحوق عارضه دعوى الاستبراء فبقي
محض الامكان ولا تعويل عليه في ملك اليمين والله سبحانه وتعالى أعلم.

69
فصل في النفقة
أي في بيان أحكامها. واعلم، أن للنفقة ثلاثة أسباب: الزوجية والقرابة والملك، وذكر في هذا الفصل الأولين،
وذكر الثالث في فصل الحضانة، وكان الأولى ذكره في هذا الفصل جمعا بين الأسباب، وبدأ بنفقة الزوجة لأنها أقوى
لكونها معاوضة في مقابلة التمكين من التمتع ولا تسقط بمضي الزمان وأخرت إلى هنا لوجوبها في النكاح وبعده كأن
طلقت وهي حامل أو كان الطلاق رجعيا. والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع: فمن الأول قوله تعالى: * (وعلى المولود
له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * ومن الثاني خبر: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم
فروجهن بكلمة الله تعالى ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (قوله: من الانفاق) يرد عليه أن النفقة مصدر مجرد
والانفاق مصدر مزيد ولا يشتق المجرد من المزيد. ويمكن أن يجاب بأن المراد مأخوذة من الانفاق والاخذ أوسع دائرة من
الاشتقاق (قوله: وهو) أي الانفاق. وقوله الاخراج: أي دفع ما يسمى نفقة لمن يستحقه، ثم إن الانفاق لا يستعمل إلا
في الخير: كما إن الاسراف لا يستعمل إلا في غيره. ومن بلاغات الزمخشري: لا سرف في الخير كما لا خير في
السرف. وهو من رد العجز إلى الصدر (قوله: يجب) أي وجوبا موسعا فلا يحبس ولا يلازم لكن لو طالبته وجب عليه
الدفع، فإن تركه مع القدرة عليه أثم. ح ل. بجيرمي (قوله: المد الآتي) أي ذكره في المتن، ثم إن المؤلف قدر هنا فاعلا
للفعل وجعل الفاعل بحسب صنيع المتن خبرا وقدر له مبتدأ (قوله: وما عطف عليه) أي المد الآتي وهو مدان ومد
ونصف: أي وما تعلق به من الأدم وما بعده (قوله: لزوجة) متعلق بل يجب (قوله: ولو أمة ومريضة) الغاية للتعميم: أي لا
فرق في وجوب ما ذكر للزوجة بين أن تكون أمة أو تكون حرة، ولا فرق أيضا بين أن تكون صحيحة أو مريضة (قوله:
مكنت من الاستمتاع بها) أي بأن عرضت نفسها عليه كأن تقول إني مسلمة نفسي إليك فاختر أن آتيك حيث شئت أو أن
تأتيني. ومحل ذلك إذا كان في بلدها فإن غاب عن بلدها رفعت الامر إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم بلد الزوج ليعلمه
بالحال فيجئ إليها أو يوكل في الانفاق عليها فإن لم يفعل شيئا من الامرين فرضها القاضي في ماله من حين إمكان وصوله
هذا إن كانت بالغة عاقلة فإن كانت صغيرة أو مجنونة. فالعبرة بعرض وليها لأنه هو المخاطب بذلك، ولا بد من التمكين
التام فلو مكنته وقتا دون وقت كأن تمكنه الليل دون النهار أو في دار دون دار فلا نفقة لها. وخرج بتمكينها من الاستمتاع
بها ما لو لم تمكنه من ذلك فهي ناشزة ولا نفقة لها. وقوله ومن نقلها الخ: أي ومكنته من نقلها إلى حيث شاء الزوج.
وخرج به ما لو امتنعت من ذلك فهي ناشزة أيضا ولا نفقة لها. وقوله عند أمن الطريق: والمقصد قيد في اشتراط تمكين
نفسها له من نقلها إلى حيث شاء: أي يشترط ذلك إذا كان كل من الطريق والمقصد آمنا، وإلا فلا يشترط فلو امتنعت من
ذلك حينئذ فليست بناشزة وعليه نفقتها. وقوله ولو بركوب بحر الخ: غاية في اشتراط التمكين من النقل معه: أي يشترط
ذلك ولو كان النقل يكون بركوب بحر لأنه يلزمها إجابته إليه على الأوجه - كما في فتح الجواد. وقوله غلبت فيه السلامة:
قيد في ركوب البحر. وخرج به ما لو لم تغلب فيه السلامة فلا يشترط أن تمكن من نقلها الذي يحصل بركوبه بمعنى أنها لو

70
امتنعت من ذلك لا تكون ناشزة فلا تسقط نفقتها (قوله: فلا تجب) أي المذكورات من المد وما عطف عليه وما يتعلق به،
ويصح عودة على المؤن المعلومة من المقام، وهو تفريع على قوله مكنت المجعول قيدا للوجوب. وقوله بالعقد: أي
وقبل التمكين وذلك لأنه يوجب المهر فلا يوجب عوضين ولأنها مجهولة بسبب جهل حال الزوج من يسار أو إعسار أو
توسط والعقد لا يجوب مالا مجهولا، ولأنه (ص) تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت
تسع سنين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، فلو كانت النفقة واجبة بالعقد لساقها إليها ولو وقع لنقل (قوله: خلافا
للقديم) أي القائل بوجوبها بالعقد كالمهر بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء وكتب الرشيدي ما نصه قوله والقديم تجب
بالعقد - أي وتستقر - بالتمكين كما صرح به الجلال، ثم قال عقبه فإن امتنعت سقطت اه‍. وانظر ما معنى وجوبها بالعقد
عليه؟ ولعله يظهر ذلك فيما لو مات أحدهما قبل التمكين فيستحق مؤنة ما بعد العقد وقبل الموت (قوله: وإنما تجب
بالتمكين يوما فيوما) أي وتجب بفجر كل يوم - كما سيصرح به - وإنما وجبت به لان الواجب - كما سيأتي - الحب فيحتاج
إلى طحنه وعجنه وخبزه، فلو حصل التمكين ابتداء في أثناء اليوم وجبت بالقسط حتى لو حصل وقت الغروب كما يقع
كثيرا وجبت كذلك. وخرج بقوله ابتداء ما لو كان ذلك بعد نشوز بأن كانت ناشزة ثم مكنت نفسها في أثناء اليوم فلا تجب
نفقة ذلك اليوم لأنها تسقط بالنشوز فلا تعود بالطاعة (قوله: ويصدق هو بيمينه الخ) أي لو اختلف الزوجان في التمكين
وعدمه بأن ادعته هي وأنكره هو ولا بينة صدق بيمينه لان الأصل عدمه، فلو نكل عن اليمين حلفت هي يمين الرد
واستحقت النفقة لان اليمين المردودة كالاقرار أو كالبينة (قوله: وهي الخ) أي وتصدق هي فيما لو اتفقا على التمكين
وادعى هو نشوزها بعده وهي عدمه أو ادعى هو الانفاق عليها وادعت هي عدمه، وذلك لان الأصل عدم النشوز وعدم
الانفاق. وقوله: والانفاق عليها: بالجر عطف على النشوز (قوله: وإذا مكنت من يمكن التمتع بها) من واقعة على
الزوجة، وهي فاعل الفعل ومفعوله محذوف: أي وإذا مكنت الزوجة التي يمكن التمتع بها زوجها وجبت عليه المؤن.
وقوله ولو من بعض الوجوه: أي ولو كان التمتع بها من بعض الوجوه - لا من كلها (قوله: وجبت مؤنها) أي على زوجها (قوله: ولو كان الزوج
طفلا) غاية لوجوب المؤن عليه وهي للرد على من قال: لا تجب عليه لأنه لا يستمتع بها بسبب هو
معذور فيه. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والأظهر أنها تجب لكبيرة - أي لمن يمكن وطؤها وإن لم تبلغ كما هو ظاهر على
صغير لا يمكن وطؤه إذا عرضت على وليه لان المانع من جهته، والثاني: لا تجب لأنه لا يستمتع بها بسبب هو معذور فيه
فلا يلزمه غرم. انتهت (قوله: وإن عجزت عن وطئ الخ) ظاهر صنيعه انه غاية لقوله: وجبت مؤنها المرتب على من
يمكن التمتع بها. ويرد عليه أنه لا يلائمه قوله بعد لا إن عجزت بالصغر لأنه ينحل المعنى لا إن عجزت: أي من يمكن
التمتع بها بالصغر، ولا يخفى ما فيه ولو قدم الشارح هذه الغاية على قوله وإذا مكنت الخ لكان أولى: لأنه يصير عليه غاية
لقوله: وإنما تجب بالتمكين وهو ظاهر - كما في فتح الجواد - وعبارته: وتجب لها بالتمكين وإن عجزت عن وطئ الخ ما
ذكره الشارح، وحاصل المعنى أنها تجب المؤن بالتمكين وإن عجزت عن وطئ بسبب غير الصغر، وذلك لان المرض
يطرأ ويزول. ومثله الجنون والرتق وإن كان لا يزول لكنه قد رضي به مع التمتع ممكن بغير الوطئ في الجميع وهو كاف
من بعض الوجوه - كما صرح به قبل - وقوله أو جنون: أي مقارن للتسليم أو حادث بعده (قوله: لا إن عجزت بالصغر) أي
لا تجب ان عجزت بالصغر. وعبارة المنهاج مع شرح م ر: والأظهر ان لا نفقة ولا مؤنة لصغيرة لا تحتمل الوطئ وإن
سلمت له لان تعذر وطئها لمعنى قائم بها فليست أهلا للتمتع، والثاني لها النفقة لأنها حسبت عنده وفوات الاستمتاع
لسبب هي فيه معذورة كالمريضة والرتقاء، وفرق الأول بما مر في التعليل. اه‍. (قوله: فلا نفقة لها) الأولى إسقاطه لان

71
معنى قوله لا إن عجزت الخ لا تجب المؤن ان عجزت. وقوله وان سلمها الخ: غاية لعدم وجوب النفقة لها (قوله: إذ لا
يمكن التمتع بها) أي ولا من وجه، وهو علة لعدم وجوب النفقة (قوله: بخلاف من تحتمله) أي الوطئ وهو محترز قوله لا
تحتمل الوطئ (قوله: ويثبت ذلك) أي تمكينها له الموجب للنفقة. وقوله بإقراره: أي الزوج. وقوله وبشهادة البينة به: أي
بالاقرار. وقوله أو بأنها في غيبته الخ: أي ويثبت ذلك بشهادة البينة بأنها في حال غيبته باذلة للطاعة. قال ع ش: وهذا
إنما يحتاج إليه إذا لم يسبق تمكين منها أو سبق نشوز، وإلا فالقول قولها في عدم النشوز من غيبته. وقوله ونحو ذلك:
بالجر معطوف على إقراره: أي ويثبت بنحو ذلك كرفع أمرها للحاكم وإظهار أنها مسلمة له (قوله: ولها مطالبته بها الخ)
أي للزوجة إذا أراد زوجها أن يسافر سفرا طويلا أن تطالبه بالنفقة مدة سفره، ويلزم القاضي إجابتها في منعه من السفر
حتى يترك لها النفقة منه أو يوكل من ينفق عليها أو يطلقها - كما سيصرح به الشارح - قال في التحفة: ويفرق بينها وبين من
له دين مؤجل فإنه لا منع له وإن كان يحل عقب الخروج بأن الدائن ليس في حبس المدين وهو المقصر برضاه بذمته، ولا
كذلك الزوجة فيهما: إذ لا تقصير منها وهي في حبسه فلو مكناه من السفر الطويل بلا نفقة ولا منفق لأدى ذلك إلى
إضرارها بما لا يطاق الصبر عليه لا سيما الفقيرة التي لا تجد منفقا فاقتضت الضرورة إلزامه ببقاء كفايتها عند من يثق
به. اه‍. وهذه المسألة مكررة مع قوله الآتي ويكلف من أراد سفرا طويلا طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر،
فكان المناسب الاقتصار على أحدهما وعلى الثانية أولى لان فيها زيادة الطلاق (قوله: ولو رجعية) غاية لوجوب ما ذكر
للزوجة: أي يجب ما ذكر لها ولو كانت زوجة حكما كالرجعية (قوله: وإن كانت) أي الرجعية. وقوله حائلا: أي غير
حامل (قوله: أي يجب لها ما ذكر) أي وهو المد الآتي، وما عطف عليه ولو أبدل ما ذكر بما يأتي لكان أولى (قوله: ما عدا
آلة التنظيف) أي أما هي فلا تجب عليه لها. نعم: لها ما يزيل الوسخ فقط - كما سيذكره - (قوله: لبقاء حبسه لها) علة
لوجوبها للرجعية (قوله: ولامتناعه) متعلق بما بعده: أي لم يجب لها آلة التنظيف لامتناع الزوج عنها: أي عن الاستمتاع
بها لكونه قد طلقها (قوله: ويسقط مؤنتها) أي الرجعية ما يسقط مؤنة الزوجة: أي مما يتصور فيها كالنشوز - بخلاف ما لا
يتصور فيها كالعجز عن الوطئ بسبب الصغر، وذلك لأنها إذا طلقت قبل الوطئ تبين ولا تكون رجعية. وقوله كالنشوز: أي
بخصوص الخروج عن المسكن والسفر والردة، وأما نشوزها بامتناعها من الاستمتاع بها فلا يتصور فيها (قوله: وتصدق)
أي الرجعية. وقوله في قدر أقرائها فلو ادعت أن قرأها - أي طهرها - تسع وعشرون يوما غالبه وادعى هو أن قرأها خمسة
عشر يوما أقله صدقت هي لأنها مؤتمنة على ما في رحمها (قوله: إن كذبها) قيد في اليمين (قوله: وإلا) أي وإن لم
يكذبها، فلا يمين عليها (قوله: وتجب النفقة) الأولى التعبير هنا وفي جميع ما يأتي بالمؤنة لأنها تشمل الكسوة والمسكن -
بخلاف النفقة فإنها خاصة بالقوت والحامل البائن يجب لها النفقة والكسوة والمسكن لا الأولى فقط. وعبارة المنهج مع
شرحه: ولا مؤنة من نفقة وكسوة لحامل بائن وتجب لحامل الخ. اه‍. وقوله أيضا: أي كما تجب لرجعية. وقوله لمطلقة
حامل: إنما وجبت لها لآية * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * ولأنه كالمستمتع برحمها لاشتغاله بمائه، ثم إن
وجوب النفقة لها بسبب الحمل لا للحمل على الأصح لأنها تلزم المعسر وتتقدر بالامداد بحسب يسار الزوج وإعساره
وتسقط بالنشوز - ولا تسقط بمضي الزمان ولو كانت للحمل لتقدرت بقدر كفايته وهي متعذرة ولم تجب على المعسر
وسقطت بمضي الزمان. وقوله بالطلاق الثلاث: متعلق ببائن. وقوله أو الخلع: معطوف على الطلاق: أي أو بائن



(1) سورة الطلاق، الآية: 6.
72
بالخلع. وقوله أو الفسخ: معطوف أيضا على الطلاق: أي أو بائن بالفسخ، وفيه أن عبارته تفيد أن البائن بالفسخ مطلقة
مع أنه تقدم أن الفسخ لا يحسب طلاقا، فالأولى أن يقول وتجب لحامل بائن الخ. ويحذف لفظ مطلقة. وقوله بغير
مقارن: متعلق بالفسخ: أي الفسخ بسبب غير مقارن للعقد بأن يكون طرأ بعده كردة، أما إذا قارن العقد بأن وجد حالته
كعيب أو غرور فلا نفقة لها بفسخه به. قال في التحفة: لأنه يرفع العقد من أصله. اه‍. وتوقف فيه سم وقال الجمل: هذا
التعليل ضعيف، والمعتمد أنه يرفعه من حينه ومع ذلك لا تستحق. اه‍ (قوله: وإن مات الزوج قبل الوضع) غاية
لوجوب النفقة للمطلقة الحامل: أي تجب النفقة لها وإن مات قبل أن تضع حملها لما علمت أن الأصح أن النفقة تجب
لها لا للحمل ولان البائن لا تنتقل لعدة الوفاة ولان المؤن وجبت قبل الموت فاغتفر بقاؤها في الدوام لأنه أقوى من الابتداء
وإذا مات أخرجت من تركته. وقوله ما لم تنشز: قيد لوجوب النفقة. وخرج به ما لو نشزت بأن خرجت من المسكن لغير
حاجة فإنها تسقط نفقتها (قوله: ولو أنفق) أي الزوج عليها. وقوله يظنه: أي الحمل. وقوله فبان عدمه: أي تبين أن لا
حمل وقوله رجع عليها: أي بما دفعه لها بعد عدتها لأنه بان أن لا شئ عليه (قوله: أما إذا الخ) محترز قوله بائن بالطلاق
الثلاث الخ. وقوله فلا نفقة: أي لها عليه، وذلك لخبر الدارقطني: ليس للحامل المتوفى عنها زوجها نفقة وإنما وجبت
فيما لو توفي بعد بينونتها لأنها وجبت قبل الوفاة فاغتفر بقاؤها في الدوام لأنه أقوى من الابتداء ولان البائن لا تنتقل إلى عدة
الوفاة كما مر آنفا (قوله: وكذا لا نفقة) أي أصلا لا على الزوج ولا على الواطئ بشبهة. وقوله لزوجة الخ: أي ولو كانت
رجعية لكن يشترط فيها أن تحمل من وطئ الشبهة، أما إذا لم تحمل فيجب لها النفقة لان عدة الطلاق حينئذ مقدمة على
عدة الشبهة - كما في فتح الجواد - وعبارته مع الأصل: وتجب لزوجة ورجعية لا إذا تلبست إحداهما بعدة شبهة بأن
وطئت الزوجة بشبهة وإن لم تحبل أو الرجعية بها وحبلت لانتفاء تمكين الزوجة: إذ يحال بينه وبينها إلى انقضاء العدة
ولان الرجعية مشغولة بحق غيره واشترط حبلها لان عدة الشبهة لا تقدم إلا حينئذ كما مر. اه‍. بتصرف. (قوله: بأن
وطئت بشبهة) أي ولو بنكاح فاسد، والباء لتصوير المتلبسة بعدة الشبهة (قوله: وإن لم تحبل) غاية في عدم وجوب النفقة
(قوله: لانتفاء التمكين) علة لعدم وجوب النفقة: أي وإنما لم تجب لانتفاء التمكين منها الموجب للنفقة (قوله: إذ يحال
الخ) علة للعلة أي وإنما انتفى التمكين لأنه يحال بينها وبينه إلى انقضاء عدة الشبهة (قوله: ثم الواجب الخ) دخول في علي المتن. وقول ممن مر: بيان لنحو الزوجة وهو الرجعية والحامل البائن بما تقدم (قوله: مد طعام) خبر الواجب (قوله:
من غالب الخ) بيان للمد: أي حال كونه كائنا من غالب قوت محل إقامتها سواء كان من بر أو غيره كأقط كالفطرة وإن لم
يلق بها ولا ألفته: إذ لها إبداله، فإن اختلف غالب قوت محل إقامتها وجب لائق به يسارا وضده ولا عبرة بما يتناوله هو
توسعا أو بخلا (قوله: لا إقامته) أي لا من غالب قوت محل إقامة الزوج (قوله: ويكفي) أي في براءة ذمته من النفقة.
وقوله دفعه: أي المد، ومثله بقية المؤن ويكفي الوضع بين يديها مع التمكن من الاخذ والدفع يكون لها إن كانت كاملة
، وإلا فلوليها وسيد غير المكاتبة. وقوله كالدين في الذمة: أي فإنه يكفي فيه الدفع من غير افتقار إلى إيجاب وقبول (قوله:
قال شيخنا) أي في شرح الارشاد، ونص عبارته: ويكفي دفعه من غير إيجاب وقبول كالدين في الذمة، ومنه يؤخذ
الخ. اه‍. وقوله ومنه يؤخذ: أنظر من أين يؤخذ ذلك؟ فإن كان من جعل أدائه كأداء الدين ففيه نظر: لأنه لا بد في وقوع ما
دفعه عن الدين من قصد الأداء عن جهة الدين، كما يعلم من عبارة شرح الروض الآتية قريبا، وكما تقدم عن ابن حجر في
باب الضمان ونصه هناك: قال السبكي في تكملة شرح المهذب عن الامام متى أدى المدين بغير قصد شئ حالة الدفع
لم يكن شيئا ولم يملكه المدفوع إليه، بل لا بد من قصد الأداء عن جهة الدين، وكثير من الفقهاء يغلط في هذا ويقول أداء

73
الدين لا تجب فيه النية. اه‍. وجرى عليه الزركشي وغيره. اه‍. وإن كان من الاكتفاء بالدفع بقطع النظر عن التشبيه
فمحتمل، ويدل على هذا التقييد بقوله هنا: أي في النفقة فقط لا في الدين إلا أنه بعيد. تأمل. وقوله عدم الصارف: أي
أن لا يكون صارف يصرف الأداء عن جهة النفقة بأن ينوي به مثلا غير أدائها كالتبرع أو قضاء دينه الذي عليه لها غير النفقة
(قوله: خلافا لابن المقري ومن تبعه) أي فإنهم اشترطوا قصد الأداء. وفي حاشية الجمل ما نصه: قوله وعليه دفع حب
الخ - قال في شرح الروض: بأن يسلمه لها بقصد أداء ما لزمه كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ. اه‍. وقضية قوله
كسائر الديون اعتبار القصد فيها (قوله: على معسر) متعلق بالواجب الذي قدره الشارح أو يجب في المتن. وقوله ولو
بقوله: أي ولو ثبت إعساره بقوله كأن قال أنا معسر وحلف على ذلك فإنه يصدق بيمينه. وقوله ما لم يتحقق له مال: قيد في
ثبوت إعساره بقوله، وخرج به ما لو تحقق له ذلك فإنه لا يثبت إعساره بقوله بل لا بد من البينة. وعبارة النهاية: ولو ادعت
يسار زوجها صدق بيمينه إن لم يعهد له مال وإلا فلا، فإن ادعى تلفه ففيه تفصيل الوديعة. اه‍. وقوله ففيه تفصيل الوديعة
هو أنه إن ادعى تلفه مطلقا: أي من غير ذكر سبب له أصلا أو سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف دون عمومه فإنه
يصدق بيمينه وإن عرف عمومه ولم يتهم فيصدق بلا يمين وإن ذكر سببا ظاهرا وجهل طولب ببينة بوجوده ثم يحلف أنها
تلفت به (قوله: وهو) أي المعسر. وقوله من لا يملك الخ: بيان لضابط المعسر. والمعنى أن ضابط المعسر هو من لا
يملك شيئا من المال يكون به غير مسكين بأن لا يملك شيئا أصلا أو يملك شيئا منه يكون معه مسكينا فالمراد بالمعسر هنا
مسكين الزكاة بالنسبة للمال، أما بالنسبة للكسب فلا كما تفيده الغاية بعد فالذي يكتسب قدر كفايته كل يوم معسر هنا لا
في الزكاة ويعتبر إعساره، ومثله اليسار والتوسط بطلوع فجر كل يوم لأنه وقت الوجوب فنعتبر ما عنده عند طلوع الفجر.
هذا إذا كانت ممكنة عنده، أما الممكنة بعده فيعتبر عقب التمكين (قوله: ولو مكتسبا) غاية للمتن. أي أنه يجب على
المعسر مد طعام ولو كان مكتسبا، فاكتسابه لا يخرجه عن الاعسار. ويصح أن يجعل غاية لضابط المعسر في الشرح: أي أن
ضابط المعسر هو الذي لا يملك الخ، ولو كان مكتسبا لا يخرجه عن كونه لا يملك شيئا. وقوله وإن قدر على كسب
واسع غاية في المكتسب: أي أن المكتسب معسر ولو قدر على الكسب الواسع فالقدرة عليه لا تخرجه عن الاعسار في
النفقة وإن كانت تخرجه عن استحقاق سهم المساكين في الزكاة. وكتب ع ش ما نصه: قوله وإن قدر زمن كسبه على مال
واسع: أي فهو معسر في الوقت الذي لا مال بيده وإن كان لو اكتسب حصل مالا كثيرا وموسر حيث اكتسب وصار بيده مال
وقت طلوع الفجر. اه‍. وفي سم ما نصه: قوله ومنه كسوب، أي قادر على المال بالكسب، فإن حصل مالا منه نظر فيه
باعتبار ما يأتي في قوله ومسكين الزكاة معسر بأنه قد يكون معسرا وقد يكون غيره. اه‍ (قوله: وعلى رقيق) معطوف على
معسر: أي ويجب مد أيضا على رقيق: أي من فيه رق ولو كان مكاتبا أو مبعضا، وذلك لضعف ملكه إن كان مكاتبا،
ونقص حاله إن كان مبعضا، وعدم ملكه إن كان غيرهما (قوله: ومدان على موسر) معطوف على مد على معسر من عطف
المفردات: أي والواجب مدان على موسر، وإنما فاوتوا بين المعسر والموسر في قدر الواجب لقوله تعالى: * (لينفق ذو
سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) * وأما كون الواجب على الموسر خصوص المدين وعلى المعسر
خصوص المد فبالقياس على الكفارة بجامع أن كلا مال وجب بالشرع ويستقر في الذمة وأكثر ما وجب في الكفارة لكل
مسكين نصف صاع وهو مدان، وذلك في كفارة نحو الحلق في النسك، وأقل ما وجب له مد في كفارة نحو اليمين، وهو
يكتفي به الزهيد ويقنع به الرغيب، ولما أوجبوا على الموسر الأكثر، وعلى المعسر الأقل أوجبوا على المتوسط ما بينهما



سورة الطلاق، الآية: 7.
74
لأنه لو ألزمناه بالمدين لضره ذلك ولو اكتفينا منه بالمد لضرها ذلك فأوجبنا عليه قدرا وسطا وهو مد ونصف. قال في
النهاية: وإنما لم يعتبر شرف المرأة وضده لأنها لا تعير بذلك ولا الكفاية كنفقة القريب لأنها تجب للمريضة والشبعانة،
وما اقتضاه ظاهر خبر هند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف من تقديرها بالكفاية الذي ذهب إلى اختياره جمع من حيث
الدليل وأطالوا القول فيه: يجاب عنه بأنه لم يقدرها فيه بالكفاية فقط، بل بها بحسب المعروف، وحينئذ فما ذكروه هو
المعروف المستقر في العقول - كما هو واضح - ولو فتح للنساء باب الكفاية من غير تقدير لوقع التنازع لا إلى غاية فتعين
ذلك التقدير اللائق بالعرف. اه‍ (قوله: وهو) أي الموسر. وقوله من لا يرجع: أي يصير فهو من رجع بمعنى صار
ومعسرا خبره. وقوله مدين: مفعول المصدر، والمعنى أن ضابط الموسر هو الذي لو كلفناه كل يوم مدين لا يصير معسرا.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله من لا يرجع الخ - بأن يكون الفاضل من ماله بعد التوزيع على العمر الغالب أو سنة مدين -
ح لي. ا ه‍. وقوله على العمر الغالب: أي إن لم يستوفه. وقوله أو سنه. أي إن استوفاه.
(والحاصل) أن الموسر هو الذي عنده ما يكفيه بقية العمر الغالب ويزيد عليه مدان فإن لم يكن عنده ما يكفيه العمر
الغالب أو كان عنده ما يكفيه ولم يزد عليه شئ فمعسر، وإن زاد عليه شئ ولم يبلغ مدين فمتوسط. وفي حاشية
الشرقاوي ما نصه، وهناك ضابط للشيخين أخصر من ذلك، وهو أن من زاد دخله على خرجه فموسر، ومن استوى دخله
وخرجه فمتوسط، ومن زاد خرجه على دخله فمعسر. اه‍ (قوله: ومد ونصف الخ) معطوف أيضا على مد الخ: أي
فالواجب مد ونصف على متوسط (قوله: وهو) أي المتوسط. وقوله من يرجع الخ: أي من يصير بتكليفه مدين كل يوم
معسرا (قوله: وإنما تجب النفقة الخ) هذا ليس دخولا على المتن، وإنما هو بيان لكون الوجوب يعتبر بفجر كل يوم وذلك
لأنه لو جعل دخولا لاقتضى أن قوله وقت طلوع الخ قد ذكره قبل مع أنه لم يذكره. ولو زاد الشارح عند قوله أول الفصل
وإنما تجب بالتمكين يوما فيوما وقت طلوع الفجر لصح أن يكون دخولا ومعنى كون وجوب النفقة يعتبر وقت طلوع الفجر
أنها تطالبه بها من حينئذ لاحتياجها إلى طحنه ونحوه كما مر ويلزم من اعتبار الوجوب وقته اعتبار يساره وإعساره وتوسطه
وقته أيضا، كما قدمته، فتعتبر ما عنده عند طلوع الفجر، فإذا وجدناه يزيد على كفاية العمر الغالب بمدين فهو موسر
فيلزمه في هذا اليوم مدان، ويختلف ذلك بالرخص والغلاء وقلة العيال وكثرتهم حتى أن الشخص الواحد قد يلزمه لزوجته
نفقة موسر ولا يلزمه لو تعددت إلا نفقة متوسط أو معسر (قوله: إن لم تؤاكله) قيد للمتن: أي يجب عليه لها المد الخ إن
لم تأكل عنده معه أو وحدها أو أرسل إليها الطعام فأكلته بحضرته أو غيبته وإلا سقط، وذلك لاطباق الناس عليه في زمنه
(ص) وبعده ولم ينقل خلافه، ولا أنه (ص) بين أن لهن الرجوع ولا قضاء من تركة من مات. وقوله على العادة: أي أكلا كائنا
على العادة بأن تتناول كفايتها من غير تمليك ولا اعتياض. وفي شرح الروض: قال في المهمات: والتصوير بالاكل معه
على العادة يشعر بأنها إذا أتلفته أو أعطته غيرها لم تسقط - أي النفقة - عنه. اه‍. وقوله لم تسقط: أي ويرجع عليها ببدل
ما أتلفته أو أعطته، كما هو ظاهر، وقوله برضاها: متعلق بتؤاكله، وهو قيد سيذكر محترزه. وقوله وهي رشيدة: الجملة
حالية وهي قيد آخر سيذكر محترزه أيضا. وكون المعتبر رضاها وهي رشيدة محله إذا كانت حرة، فإن كانت أمة فالعبرة
فيها إذا أوجبنا نفقتها على الزوج بأن كانت مسلمة له ليلا ونهارا برضا سيدها المطلق التصرف لا برضاها (قوله: فلو أكلت
الخ) محترز قوله على العادة، وكان المناسب أن يذكر مفهوم المنطوق المستكمل للقيود بأن يقول: فإن آكلته على العادة
برضاها وهي رشيدة لم يجب عليه المد الخ، ثم بعد ذلك يذكر مفهوم القيود (قوله: وجب لها تمام الكفاية) أي فتطالبه
بالتفاوت بين ما أكلته وبين كفايتها في أكلها المعتاد. وانظر هل ولو كان قدر الكفاية عادة زائدا على الواجب شرعا أو لا بد
من أن يكون قدره والذي يؤخذ من كلام سم الثاني ونصه: قوله: إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت، هل المراد
التفاوت بين ما أكلته وكفايتها أو بينه وبين الواجب شرعا؟ فيه نظر، ويتجه الثاني: إذ الواجب شرعا هو اللازم له دون ما

75
زاد عليه إلى حد الكفاية إذا كانت أكثر منه. اه‍. وقوله على الأوجه: مثله في فتح الجواد، ومفاده أن مقابل الأوجه هو أنه
لا يجب لها تمام الكفاية فانظره فإنه لم يصرح به في التحفة والنهاية والأسنى وغيرها (قوله: وتصدق الخ) أي إذا ادعت
عليه أن ما أكلته دون الكفاية وأرادت منه تمامها وادعي هو أنها أكلت كفايتها فتصدق هي، أي باليمين، لان الأصل عدم
قبضها ما نفته (قوله: ولو كلفها الخ) أي أكرهها على أن تأكل معه من غير رضاها، وهذا محترز قوله برضاها. وقوله: (أو
وآكلته الخ:) أي أو أكلت معه برضاها من غير إذن الولي حال كونها غير رشيدة لصغرها أو جنونها أو سفهها وقد حجر
عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ أو طرأ وحجر عليها وإلا لم يحتج لاذن الولي ومثلها كما تقدم ما لو كانت قنة ولو
رشيدة لم يأذن سيدها المطلق التصرف، وإلا فوليه. وقوله بلا إذن ولي: فإن كان بإذنه سقطت نفقتها به. قال في التحفة:
واكتفى بإذن الولي مع أن قبض غير المكلفة لغو لان الزوج بإذنه يصير كالوكيل في الانفاق عليها، وظاهر أن محله إن كان
لها فيه حظ، وإلا لم يعتد باذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها. اه‍. ومثله في النهاية (قوله: فلا تسقط الخ) جواب لو.
وقوله به: أي بالاكل معه (قوله: وحينئذ) أي حين إذ لم تسقط نفقتها. وقوله هو: أي الزوج. وقوله متطوع. أي بما أكلته
معه (قوله: فلا رجوع له بما أكلته) تفريع على كونه متطوعا بالنفقة، ومحل ما ذكر إن كان غير محجور عليه، وإلا فلوليه
الرجوع: كذا في م ر (قوله: خلافا للبلقيني) أي في قوله إنها تسقط نفقتها به - كما في المغنى - وعبارته: وأفتى البلقيني
بسقوطها بذلك، قال: وما قيده النووي غير معتمد. اه‍. (قوله: ولو زعمت) أي الرشيدة الآكلة معه برضاها. وقوله أنه
متطوع: أي أنه قاصد بإطعامها معه التبرع فالنفقة باقية. وقوله وزعم أنه مؤد عن النفقة: أي أنه قاصد بذلك النفقة (قوله:
صدق بيمينه على الأوجه) أي كما لو دفع لها شيئا ثم ادعى كونه عن المهر وادعت هي الهدية فإنه المصدق باليمين،
ومقابل الأوجه ما في الاستقصاء من أنها تصدق بلا يمين - كما في التحفة - ونصها: ولو قالت له قصدت بإطعامي التبرع
فنفقتي باقية فقال بل قصدت النفقة صدق بلا يمين على ما في الاستقصاء والقياس وجوبها: أي اليمين. اه‍. (قوله:
وفي شرح المنهاج) أي مع المتن لان قوله سقطت نفقتها متن، وعبارة الشرح فقط، بل قال شارح أو أضافها رجل إكراما
له. اه‍. (قوله: إكراما له) أي للزوج وحده، فإن كان لهما فينبغي سقوط النصف أولها لم يسقط شئ. اه‍. ع ش.
(قوله: ويكلف الخ) أي يكلف الحاكم من أراد سفرا طويلا بعد طلبها للنفقة طلاقها أو توكيل من ينفق عليها أي ثقة ينفق
عليها من مال حاضر: أي يبقيه عنده وكإبقاء المال عند من ذكر دينه على موسر مقر باذل وجهة ظاهرة اطردت العادة
باستمرارها، فإن لم يفعل شيئا من ذلك منعه الحاكم من السفر (قوله: ويجب ما ذكر) أي المد أو المدان أو المد
والنصف (قوله: بأدم) هو بضم الهمزة والدال المهملة أو سكونها ما يؤكل به الخبز مما يطيبه ويصلحه فيصير ملائما
للنفس، فهو من أسباب الصحة، وأفضله اللحم، ثم اللبن، ثم عسل النحل. وفي التحفة والنهاية. وبحث الأذرعي أنه
إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفي به في حق من يعتاد اقتياته وحده. اه‍. ويجب لها أيضا الفاكهة التي تغلب في
أوقاتها، كخوخ ومشمش وتين ونحو ذلك، وما جرت بها لعادة، من الكعك والسمك والنقل في العيد والقهوة والدخان إن
اعتادت شربهما، وما تطلبه المرأة عندما يسمى بالوحم مما يسمى بالملوحة إذا اعتيد أيضا، ويجب السراج أيضا في أول
الليل لجريان العادة بذلك. والضابط أنه يجب لها كل ما جرت به العادة. وقوله أي مع أدم: أفاد به أن الباء بمعنى مع.
وقوله اعتيد: أي جرت به العادة، فالعادة هي المحكمة في ذلك. فإن جرت عادة بلدها بشئ من أنواع الأدم اتبعت هذا
إن كان في بلدها أدم غالب، فإن لم يكن فيها ما ذكر: كأن يكون فيها أدمان على السواء وجب اللائق بحال الزوج من يسار
أو إعسار: ويختلف الأدم باختلاف الفصول: فيجب في كل فصل ما يعتاده الناس فيه. قال في التحفة: حتى الفواكه

76
فيكفي عن الأدم على ما اقتضاه كلامهما. اه‍. وكتب سم قوله فيكفي عن الأدم: المتجه أنه يجب، وأنه المعتبر في
قدرها ما هو اللائق بأمثاله، وأنها إن أغنت عن الأدم بأن تأتي عادة التأدم بها لم يجب معها أدم آخر، وإلا وجب. اه‍.
(قوله: وإن لم تأكله) أي يجب لها ما جرت به العادة من الأدم وإن لم تأكله لأنه حقها (قوله: كسمن الخ) تمثيل للادم
(قوله: وزيت) أي الزيت الطيب ومثله الشيرج، وهو دهن السمسم، وورد فيه كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة
مباركة وفي رواية فإنه طيب مبارك (قوله: ولو تنازعا فيه) أي في الأدم من السمن والزيت والتمر: أي في قدره. وقوله
أو في اللحم: أي قدره. وقوله قدره قاض باجتهاده: أي لأنه لا تقدير فيهما من جهة الشرع. وقوله مفاوتا في قدر ذلك:
أي الأدم. وقوله بين الموسر وغيره هو المتوسط والمعسر: أي فينظر القاضي ما يحتاجه المد من الأدم فيفرضه على
المعسر ويضاعفه على الموسر ويجعل ما بينهما على المتوسط وينظر في اللحم إلى عادة المحل من أسبوع أو غيره
(قوله: وتقدير الحاوي كالنص الخ) في التحفة: وتقدير الشافعي بمكيلة سمن أو زيت حملوه على التقريب وهي أوقية
قال جمع: أي حجازية، وهي أربعون درهما، لا بغدادية، وهي نحو اثني عشر، لأنها لا تغني عنها شيئا، ونص على
الدهن لأنه أكمل الأدم وأخفه مؤنة. اه‍ (قوله: ويجب أيضا لحم) إفراده عما قبله يفيد أنه ليس من الأدم وقد يطلق اسم
الأدم عليه فيكون من ذكر الخاص بعد العام لفضله. ويدل على كونه أدما حديث سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم
أفاده البجيرمي. وقوله اعتيد قدرا ووقتا: عبارة المنهج: ويجب لحم يليق به كعادة المحل، قال في شرحه: قدرا
ووقتا. اه‍. ومثله المنهاج، وهي أولى: لان معنى عبارة المؤلف يجب لحم محتاد من جهة القدر والوقت أو في القدر
والوقت، ومفاده أنه لا يجب لحم ليس معتادا كذلك، ولا يخفى ما فيه. فلو صنع كصنيعهما لكان أولى. وقوله قدرا
ووقتا: أي ونوعا وكيفية من كونه مطبوخا أو مشويا أو نحو ذلك. وقوله بحسب يساره: أي ويعتبر بحسب ما يليق به يسارا
وإعسارا وتوسطا ولا يتقدر بشئ: إذ لا توقيف فيه (قوله: وإن لم تأكله) غاية في وجوب اللحم: أي يجب على العادة
وإن لم تأكله زوجته وقوله أيضا: أي كما يجب الأدم وإن لم تأكله (قوله: فإن اعتيد مرة في الأسبوع) أي فإن جرت العادة
بأكله مرة واحدة في الأسبوع (قوله: فالأولى كونه يوم الجمعة) أي فالأولى أن يكون أكله في يوم الجمعة لأنه أحق
بالتوسيع (قوله: أو مرتين) معطوف على مرة: أي أو اعتيد كونه، أي أكله، مرتين من الأسبوع. وقوله فالجمعة والثلاثاء:
أي فالأولى أن يكون ذلك في يوم الجمعة ويوم الثلاثاء (قوله: والنص) مبتدأ. وقوله رطل لحم بدل منه. وقوله محمول
خبره: أي وتقدير اللحم في النص برطل على المعسر ورطلين على الموسر محمول على قلة اللحم في أيام الشافعي
بمصر: أي فعادتهم فيها ما ذكر. قال في التحفة: وقول جمع لا يزاد على النص لأنه فيه كفاية لمن يقنع ضعيف. اه‍
(قوله: فيزاد) أي على ما في النص. وقوله بحسب عادة المحل: أو محل الزوجة (قوله: والأوجه أنه الخ) في التحفة
وبحث الشيخان عدم وجوب الأدم يوم اللحم، ولهما احتمال بوجوبه على الموسر إذا أوجبنا عليه اللحم كل يوم ليكون
أخذهما غذاء، والآخر عشاء، واعتمد الأذرعي الأول. اه‍. وفي حاشية الجمل: قال أبو شكيل والذي يظهر توسط بين
ذلك وهو أنه يجب لها مع اللحم لصف الأدم المعتاد في كل يوم إن كان اللحم لا يكفيها إلا مرة واحدة. وهذا التفصيل
كالمتعين: إذ لا يتجه غيره فيقال إن أعطاها من اللحم ما يكفيها للوقتين، فليس لها في ذلك اليوم أدم غيره وإن لم يعطها
إلا ما يكفيها لوقت واحد وجب، أي نصفه، قاله في التنبيه شوبري. اه‍. وقوله إن كفاها الخ: قيد في انتفاء وجوب الأدم
يوم اللحم. وقوله وإلا: أي وإن لم يكفها غذاء وعشاء. وقوله وجب: أي الأدم والمراد تمام كفايتها منه، وبه وافقت عبارة

77
المؤلف التفصيل الذي ذكره أبو شكيل (قوله: ومع ملح الخ) معطوف على بأدم، وصرح في المعطوف بمعنى الباء، وهو
المعية ولو صرح بها لكان أولى: لأنه على حاله يلزم أن مع معطوفة على الباء ومدخول مع معطوف على مدخول الباء، ولا
يصح عطف الاسم على الحرف. وهكذا يقال في جميع ما يأتي: أي ويجب ما ذكر مع أدم ومع ملح. وقوله وحطب: أي
ومع حطب، أي ونحوه من كل ما يوقد به (قوله: وماء شرب) في شرح م ر: ويجب لها أيضا ماء تشربه، كما أفهمه قوله
آلات أكل وشرب، لأنه إذا وجب الظرف وجب المظروف، وأما قدره فقال الزركشي والدميري: الظاهر أنه الكفاية قالا
ويكون إمتاعا لا تمليكا حتى لو مضت عليه مدة ولم تشربه لم تملكه، وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحا وخواصها عذبا
وجب ما يليق بالزوج. اه‍. لكن مقتضى كلام الشيخين وغيرهما أنه تمليك، وهو المعتمد، اه‍ (قوله: لتوقف الحياة)
علة لوجوب ماء الشرب. وقوله عليه: أي ماء الشرب (قوله: ومع مؤنة) أي تتعلق بالقوت وبالادم (قوله: كأجرة طحن
الخ) تمثيل للمؤنة المتعلقة بما ذكر، ومحل وجوب ما ذكر ما لم يتول ذلك بنفسه، وإلا فلا أجرة ولو باعته أو أكلته حبا
استحقتها. ويوجه بأنه بطلوع الفجر تلزمه تلك المؤن فلم تسقط بما فعلته. وقوله وعجن الخ: أي وأجرة عجن وأجرة خبز
وأجرة طبخ. وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس هل يجب على الرجل إعلام زوجته بأنها لا تجب عليها خدمته
بما جرت به العادة من الطبخ والكنس ونحوهما مما جرت به عادتهم أم لا؟ وأجبنا عنه بأن الظاهر الأول لأنها إذا لم تعلم
بعدم وجوب ذلك ظنت أنه واجب وأنها لا تستحق نفقة ولا كسوة إن لم تفعله فصارت كأنها مكرهة على الفعل، ومع ذلك
لو فعلته ولم يعلمها فيحتمل أنه لا يجب لها أجرة على الفعل لتقصيرها بعدم البحث والسؤال عن ذلك. اه‍ (قوله: ما لم
تكن من قوم الخ) قيد في وجوب أجرة المذكورات عليه (قوله: وجزم غيرهما) أي غير ابن الرفعة والأذرعي وقوله بأنه لا
فرق: أي في وجوب المؤن بين أن تكون من قوم اعتادوا ذلك بأنفسهم أم لا (قوله: ومع آلة) أي ويجب ما ذكر مع آلة:
أي تليق به ولا يعتبر حالها (قوله: كقصعة) بفتح القاف، وفي المثل: لا تفتح الخزانة ولا تكسر القصعة. وقوله وكوز: آلة
للشرب، ومثله الجرة. وقوله وقدر ومغرقة: مثالان لالة الطبخ وهي بكسر الميم ما يغرف به. وقوله وإبريق: هذا مثال لآلة
الوضوء فكان حقه أن يزيد بعد قوله وشرب ووضوء (قوله: من خشب الخ) راجع للقصعة وما بعدها. وقوله ولا يجب: أي
ما ذكر من القصعة وما بعدها من نحاس. نعم: إن اطرد عادة أمثالها بكونه نحاس وجب، إذ المعول عليه فيما يجب لها
عليه عادة أمثالها: م ر (قوله: ويجب لها) أي للزوجة - ولو رجعية - ومثلها الحامل البائن كما مر (قوله: ولو معسرا) هو
من لا مال له أو له مال لا يكفيه لو وزع على العمر الغالب كما تقدم (قوله: أول كل ستة أشهر) أي من وقت التمكين
واستشكل تعبيره بستة أشهر وإن تبع فيه شيخ الاسلام بما إذا وقع التمكين في نصف فصل الشتاء مثلا فإنه يلزم عليه أنه لا
تتم الستة أشهر إلا في نصف فصل الصيف وعكسه. ومن المعلوم أن ما يلزم من الكسوة في الشتاء غير ما يلزم منها في
الصيف، فيلزم على تغليب نصف الشتاء أنه يلزم في نصف الصيف ما ليس لازما فيه ويسقط ما كان لازما فيه، وعلى
تغليب نصف الصيف أنه يسقط في نصف الشتاء ما كان لازما فيه، ويلزم فيه ما ليس لازما، وكل باطل. ولذلك عبر في
المنهاج بقوله أول شتاء وأول صيف. والمراد بالشتاء ما يشمل الربيع، وبالصيف ما يشمل الخريف. فالسنة عند الفقهاء
فصلان، وإن كانت في الأصل أربعة، وهي الشتاء والربيع والصيف والخريف. قال في التحفة: هذا إن وافق أول وجوبها
أول فصل الشتاء وإلا أعطيت وقت وجوبها ثم جددت بعد كل ستة أشهر. وقوله أعطيت الخ. أي بالقسط. قال ع ش:
بأن يعتبر قيمة ما يدفع إليها عن جميع الفصل فيسقط عليه ثم ينظر لما مضى قبل التمكين، ويجب فيه ما بقي من القيمة
فيشتري لها من جنس الكسوة ما يساويه والخيرة لها في تعيينه. اه‍. وفي سم ما نصه: قال الدميري: والظاهر أن هذا

78
التقدير في غالب البلاد التي تبقي فيها الكسوة هذه المدة، فلو كانوا في بلاد لا تبقى فيها تلك المدة لفرط الحرارة أو لرداءة
ثيابها اتبعت عادتهم، وكذلك لو كانوا يعتادون ما يبقى سنة كالاكسية الوثيقة والجلود كأهل السراة بالسين المهملة فالأشبه
اعتبار عادتهم. اه‍ (قوله: كسوة) بكسر الكاف وضمها، وإنما وجبت لما روى الترمذي أن رسول الله (ص) قال في
حديث: وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وقوله تكفيها طولا وضخامة: أي المعتبر كفايتها،
وهي تختلف بطولها وقصرها وسمنها وهزالها فلا يكفي ما ينطلق عليه اسم الكسوة إذا لم يكفها. ولو اعتاد أهل البلد
تقصيرها كثياب الرجال لم يعتبر ذلك، وإنما لم تقدر الكسوة كالنفقة لمشاهدة كفاية البدن المانعة من وقوع تنازع فيها،
ويختلف أيضا عددها باختلاف البلاد حرا أو بردا وجودتها وضدها بيساره وضده، فيفاوت بين الموسر وغيرها في الجودة
والرداءة لا في عدد الكسوة لأنه لا يختلف بذلك (قوله: فالواجب قميص) قال في المغنى: هو ثوب مخيط يستر جميع
البدن وفي ذلك إشعار بوجوب الخياطة على الزوج وبه صرح في الروضة كأصلها (قوله: ما لم تكن الخ) قيد في وجوب
القميص (قوله: فيجبان) مفرع على مفهوم القيد: أي فان كانت ممن اعتدن الإزار والرداء فإنهما يجبان دون القميص
(قوله: وإزار) معطوف على قميص: أي والواجب أيضا إزار (قوله: وسراويل) الواو بمعنى أو، وهو ثوب مخيط يستر
أسفل البدن ويصون العورة، وهو معرب مؤنث عند الجمهور، وقيل مذكر. اه‍. مغنى (قوله: وخمار) معطوف على
قميص أيضا (قوله: أي مقنعة) تفسير للخمار، وهي بكسر الميم شئ من القماش يوضع على الرأس (قوله: ولو لامة)
أي فإنه يجب لها (قوله: ومكعب) بكسر الميم وسكون الكاف وتخفيف العين أو بضم الميم وفتح الكاف وتشديد العين.
وقوله أي ما يلبس في رجلها. تفسير مراد له، وذلك كالمداس والبابوج والصرمة، وكالقبقاب إن جرت العادة به (قوله:
ويعتبر في نوعه) أي المكعب. وقوله عرف بلدها: أي لا بلده (قوله: نعم الخ) استدراك من وجوب المكعب لها (قوله:
ويجب ذلك) أي ما ذكر من القميص وما بعده. وقوله لها: أي للزوجة ونحوها مما مر. وقوله مع لحاف لشتاء: أي مع
زيادة لحاف في الشتاء (قوله: يعني وقت البرد) أي أن المراد بالشتاء الذي يزاد فيه اللحاف وقت البرد ولو في غير وقت
الشتاء (قوله: ويزيد في الشتاء الخ) لا يحسن ارتباطه بما قبله، ولو قال ومع جبة الخ عطفا على مع لحاف لكاف أولى
أخصر. وقوله محشوة: أي بالقطن أو نحوه كصوف. وفي المغنى: فان اشتد البرد فجبتان أو فروتان فأكثر بقدر الحاجة،
وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود وجب لها من الحطب والفحم بقدر العادة. اه‍ (قوله: أما في غير وقت
البرد الخ) مقابل قوله مع لحاف لشتاء الخ (قوله: فيجب لها الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فلا تجب زيادة جبة محشوة.
وقوله أو نحوه: أي الرداء كالملحفة أي الملاءة التي يتلحف بها وهي غير لحاف الشتاء، كما يدل عليه عبارة المغني
ونصها: وتجب لها ملحفة بدل اللحاف أو الكساء في الصيف. اه‍ (قوله: إن كانوا الخ) قيد في وجوب الرداء ونحوه،
والضمير يعود على قوم هذه الزوجة. ولو قال إن كانت من قوم الخ لكان أولى. وقوله يعتادون فيه: أي في غير وقت البرد.
وقوله غطاء غير لباسهم: أي غطاء زائدا على لباسهم: أي ما يلبسونه من القميص ونحوه كالازار والرداء (قوله: أو ينامون
عرايا) معطوف على يعتادون: أي أو كانوا ممن ينامون عرايا - أي يعتادون النوم عرايا - أي مجردين من لباسهم. والمراد
يعتادون ذلك من استعمال غطاء آخر بدله، وليس المراد أنهم يعتادون ذلك من غير غطاء لأنه حينئذ تنكشف عورتهم وهو
حرام، كما هو مقرر معلوم، (قوله: كما هو السنة) الضمير يعود على العري عند النوم: أي أن العري عند النوم هو
السنة، والمراد بالعري فيه أيضا التجرد من ثيابهم التي يلبسونها مع استعمال غطاء بدلها لا التجرد مطلقا من غير أخذ

79
غطاء لان هذا مخالف للسنة لا من السنة. إذ يترتب عليه كشف العورة المحرم، وممن صرح بأن العري عند النوم هو
السنة العلامة الرملي في شرح المنهاج في باب شروط الصلاة وعبارته هناك: ولو نام في ثوب فكثر فيه دم البراغيث التحق
بما يقتله منها عمدا لمخالفته السنة من العري عند النوم، ثم رأيت صورة سؤال رفع للعلامة السيد محمد بن عبد الرحمن
الأهدل رحمه الله تعالى في المراد من العري في نظير العبارة المذكورة، فأجاب رحمه الله تعالى بما يؤيد ما قررته فيه
ولفظها.
سئل: ما المراد بالتعري في قول الايعاب ولو نام في ثيابه فكثر فيها دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا
لمخالفته السنة من التعري عند النوم اه‍.
فأجاب: المراد بالتعري التجرد عن اللباس الذي كان على بدنه ثم يأخذ غطاء غير لباسه أو يتجرد عما سوى الإزار
كما يدل على ذلك الأحاديث الواردة في ذلك، وليس المراد بالتعري التعري عن جميع الثياب على البدن، فإن ذلك
يؤدي إلى كشف العورة لغير ضرورة، وذلك حرام، بل معدود من جملة الكبائر، كما في الزواجر. اه‍. ملخصا.
وقوله أو يتجرد عما سوى الإزار: هذا احتمال ثان في المراد من التعري، والأول الذي اقتصرت عليه أولى، وذلك لان
الحكمة في سنية التعري خوف إصابة النجاسة لملبوسه عند النوم، وهو لا يشعر به وهي غير مغتفرة. لان النوم فيه ينزل
منزلة العمد في إصابة النجاسة، كما تفيده العبارة المارة، وإذا كان لابسا لإزاره انتفت الحكمة المذكورة. فتنبه (قوله:
فإن لم يعتادوا لنومهم غطاء) أي غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه. وهذا مقابل قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء
غير لباسهم، وإنما اقتصر عليه ولم يأت بمقابل قوله أو ينامون عرايا وهو أو لم يناموا عرايا لان ذلك يعني عنه، وذلك لأنه
يلزم من كونهم لم يعتادوا عند النوم غطاء غير لباسهم، بل إنما يعتادون النوم فيه أنهم لم يناموا عرايا (قوله: لم يجب
ذلك) أي الرداء ونحوه بل الواجب عليه لباسهم فقط، وعبارة المغني: قال الروياني وغيره لو كانوا لا يعتادون في الصيف
لنومهم غطاء غير لباسهم لم يجب غيره. اه‍ (قوله: ولو اعتادوا ثوبا للنوم وجب) إن كان المراد اعتادوا ثوبا للنوم غير
لباسهم كان عين قوله فيجب لها رداء أو نحوه بالنسبة للحالة الأولى: أعني قوله إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء وإن كان
المراد أنهم يعتادون ثوبا مع التجرد من لباسهم أغنى عنه ذلك بالنسبة للحالة الثانية. أعني قوله أو ينامون عرايا. وعبارة
التحفة: ويختلف عددها، أي الكسوة باختلاف محل الزوجة بردا وحرا، ومن ثم لو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به
بعضهم وجودتها وضدها بيساره وضده اه‍. ولو صنع المؤلف كصنيع شيخه لكان أولى (قوله: ويختلف جودة الكسوة
الخ) عبارة المنهاج مع المغني: وجنسها أي الكسوة قطن: أي ثوب يتخذ منه لأنه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه
ورعونة، ويختلف ذلك بحال الزوج من يسار وإعسار وتوسط، فيجب لامرأة الأول من لينه والثاني من غليظه والثالث مما
بينهما هذا إن اعتدنه، فإن جرت عادة البلد لمثله بكتان أو حرير وجب في الأصح مع وجوب التفاوت في مراتب ذلك
الجنس بين الموسر وغيره عملا بالعادة، والثاني لا يلزمه ذلك، بل يقتصر على القطن لما مر وتعتبر العادة في الصفاقة
ونحوها. نعم: لو جرت العادة بلبس الثياب الرفيعة التي لا تستر ولا تصح فيها الصلاة فإنه لا يعطيها منها اه‍. (قوله:
وضدها) أي الجودة وهي الرداءة. وقوله بيساره: أي الزوج، وهو متعلق بيختلف. وقوله وضده: أي اليسار، وهو
الاعسار، وعبارته: لا تشمل حالة التوسط بين الجودة والرداءة وبين اليسار والاعسار ويمكن أن يقال إن المراد بالضد
مطلق الخلاف، فالمراد بضد الجودة خلافها وهو صادق بحالة التوسط وبحالة الرداءة، والمراد بضد اليسار خلافه وهو
صادق بالاعسار وبحالة التوسط (قوله: ويجب عليه) أي الزوج (قوله: توابع ذلك) أي الكسوة (قوله: من نحو الخ) بيان
للتوابع. وقوله تكة: وهو مضاف إلى ما بعده وهي ما يتمسك بها السراويل. وقوه وزر: معطوف على نحو من عطف

80
الخاص على العام، وهو بكسر الزاي واحد أزرار القميص - كما في المختار - وقال في المصباح: زر الرجل القميص زرا
من باب قتل أدخل الازرار في العرى. اه‍. وقوله وخيط وأجرة خياط: معطوفان أيضا على نحو تكة (قوله: وعليه) أي
ويجب على الزوج مطلقا موسرا كان أو متوسطا أو معسرا، لكن يفاوت بينهم في الكيفية. وقوله فراش: أي كطراحة
ومضربة وثيرة: أي لينة وقطيفة، أي دثار مخمل، أي له خمل، ويجب لها أيضا ما تقعد عليه من بساط ثخين له وبرة كبيرة
وهو المسمى بالسجادة في الشتاء، ونطع بكسر النون وفتحها مع إسكان الطاء وفتحها وهو الجلد كالفروة في الصيف
بالنسبة للموسر، ونحو لباد في الشتاء وحصير في الصيف بالنسبة للمعسر. وتقدم قريبا وجوب ما تتغطى به كاللحاف في
الشتاء والرداء في الصيف.
واعلم، أنه لا يجب تجديد ما ذكر من الفراش وما بعده في كل فصل كالكسوة، بل يجب تصليحه كلما احتاج
لذلك بحسب ما جرت به العادة، وهو المسمى عند الناس بالتنجيد (قوله: ومخدة) بكسر الميم وهي ما يوضع الرأس
عليها، وسميت بذلك لوضع الخد عليها (قوله: ولو اعتادوا على السرير) أي اعتادوا النوم عليه. وقوله وجب: أي
السرير، ولو اعتادوا النوم على فراش الجلوس لم يجب غيره (قوله: يجب تجديد الكسوة الخ) أعاده مع أن قوله فيما تقدم
ويجب لها أول كل ستة الخ: يفيد مفاده لأجل التقييد بقوله التي لا تدوم سنة ولأجل بيان حكم ما إذا تلفت في أثناء الفصل
(قوله: التي لا تدوم سنة) فإن كانت تدوم سنة كالاكسية الوثيقة فلا يجب تجديدها في كل فصل، كما تقدم، (قوله: بأن
تعطاها الخ) تصوير لتجديدها (قوله: ولو تلفت) أي الكسوة، وفي البجيرمي: قال المنوفي وكذا لو أتلفتها أو تمزقت قبل
أو ان التمزق لكثرة نومها فيها وتحاملها عليها لم يلزمه الابدال أيضا. اه‍ (قوله: ولو بلا تقصير) غاية في التلف (قوله:
ولم يجب تجديدها) أي الكسوة لأنه وفاها عليه كالنفقة إذا تلفت في يدها فلا يجب عليه اعطاؤها بدلها (قوله: ولها عليه
الخ) أي ويجب للزوجة ولو أمة على الزوج. وقوله آلة تنظف: أي ما له دخل في التنظيف: أي إزالة الوسخ والرائحة
الكريهة فيشمل نحو الإجانة مما يغسل فيه، وشمل نحو مرتك - بفتح الميم وكسرها - إذا تعين لدفع صنان، أما إذا لم
يتعين كأن كان يندفع بماء وتراب فلا يجب (قوله: وإن غاب عنها) أي يجب عليه آلة التنظيف وإن غاب الزوج عنها ولو
كانت الغيبة طويلة، وظاهر هذا عدم الاكتفاء بما يزيل شعثها فقط، وحينئذ فيتدافع مع قوله الآتي وليس لحامل بائن ومن
زوجها غائب إلا ما يزيل الشعث الخ، إلا أن يقال إن المراد بآلة التنظيف ما له دخل في التنظيف ولو من بعض الوجوه وهو
ما يزيل الشعث فقط فلا تدافع، والغاية المذكورة ساقطة من عبارة التحفة وهو أولى (قوله: لاحتياجها إليه) أي إلى
التنظيف وهو علة لوجوب آلة التنظيف. وقوله كالأدم: أي نظير الأدم في وجوبه لها (قوله: فمنها) أي من آلة التنظيف.
وقوله سدر: هو شجر النبق. وقوله ونحوه: أي كصابون وأشنان وغاسول (قوله: كمشط) بضم الميم وسكون الشين أو
ضمها وبكسر الميم مع سكون الشين ما تمشط به المرأة شعرها، وهو تمثيل لنحو السدر بالنسبة للشرح، وتمثيل لآلة
التنظيف بالنسبة للمتن (قوله: وسواك) قال سم: هو ظاهر إن احتيج إليه لتنظيف الفم لتغير لونه أو ريحه، أما لو لم يحتج
إليه لذلك بأن لم يكن فيه تغير مطلقا وإنما احتاجت لمجرد التعبد به وإقامة سنية الاستياك ففي الوجوب نظر. اه‍ (قوله:
وخلال) هو بكسر الخاء ما تخلل به أسنانها، ومثله المدري وهو ما تفرق به شعر رأسها (قوله: وعليه دهن الخ) أي ويجب
عليه دهن لرأسها الخ: أي أما دهن الاكل فتقدم في الأدم (قوله: وكذا الخ) أي وكذلك يجب الدهن لجميع بدنها. وقوله
إن اعتيد: راجع لما بعد كذا: أي أنه يجب الدهن لجميع بدنها إن جرت العادة به، وإلا فلا يجب (قوله: من شيرج) بيان
للدهن وهو بفتح الشين: دهن السمسم، ويتبع في نوع الدهن عادة بلدها، فإن دهن أهله بزيت كالشام أو شيرج كالعراق

81
أو سمن كالحجاز وجب كذلك، وكذلك يتبع في قدره العادة. ولو اعتيد أن يكون مطيبا ببنفسج أو ورد وجب أيضا (قوله:
فيجب الدهن الخ) مفرع على محذوف كان الأولى التصريح به وهو: ويعتبر في تعيين زمنه العادة.
(والحاصل) يعتبر في تعيين نوعه وقدره وزمنه عادة محلها (قوله: وكذا دهن لسراجها) أي وكذلك يجب لها دهن
لسراجها بحسب العادة، وعبارة المغني: سكتوا عن دهن السراج، والظاهر، كما قاله بعض المتأخرين، وجوبه ويتبع فيه
العرف حتى لا يجب على أهل البوادي شئ. اه‍. وعبارة البجيرمي: ويجب لها زيت السراج بأول الليل وقضية
تقييدهم بأول الليل عدم وجوبه كل الليل إذا جرت العادة بإسراج كل الليل، ويمكن توجيهه بأنه خلاف السنة: إذ يسن
إطفاؤه عند النوم والأقرب وجوبه عملا بالعادة وإن كان مكروها كوجوب الحمام لمن اعتاده. اه‍. بحذف (قوله: وليس
لحامل الخ) مثلها الرجعية كما يعلم من عبارة النهاية ونصها: والأوجه عدم وجوب آلة التنظيف لبائن حامل وإن أوجبنا
نفقتها كالرجعية. نعم: يجب لها ما يزيل شعثها فقط الخ. اه‍. وقوله والوسخ: معطوف على الشعث، من العطف
بالمرادف (قوله: ويجب عليه) أي الزوج. وقوله الماء: أي أو ثمنه. وقوله بسببه. متعلق بالواجب: أي الواجب بسبب
الزوج: أي أنه هو السبب في وجوبه عليه كأن لاعبها فأنزلت أو جامعها (قوله: كغسل جماع) تمثيل للغسل الواجب
بسببه، والأولى حذف المضاف وجعله تمثيلا للسبب. وقوله ونفاس: يعني ولادة ولو بلا بلل لان الحاجة إليه من قبله،
وبه يعلم أنه لا يلزمه إلا ماء الفرض لا السنة. اه‍. تحفة. وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما لو انقطع دم
النفاس قبل مجاوزة غالبه أو أكثره فأخذت منه أجرة الحمام واغتسلت ثم عاد عليها الدم بعد ذلك فهل يجب عليه إبدال
الأجرة لتبين أنه من بقايا الأول وعذرها في ذلك أم لا؟ فيه نظر، والجواب عنه أن الظاهر أن يقال لا يجب إبدالها قياسا
على ما لو دفع لها ما تحتاج إليه من الكسوة ونحوها وتلف قبل مضي زمن يجدد فيه عادة حيث لا يبدل. اه‍ (قوله: لا
حيض) بالجر عطف على جماع: أي لا يجب عليه الماء للغسل من الحيض وإن وطئ فيه أو بعد انقطاعه فيما يظهر لأنه
ليس بسببه. وقوله واحتلام. وألحق به استدخالها لذكره وهو نائم أو مغمى عليه لانتفاء صنعه كغسل زناها ولو مكرهة
وولادتها من وطئ شبهة فماء هذه عليها دون الواطئ، وبه يعلم أن العلة مركبة من كونه زوجا وبفعله. اه‍. شرح م ر
(قوله: وغسل نجس) انظر هو معطوف على ما إذا، فإن جعل معطوفا على حيض أفاد أنه لا يجب عليه الماء لغسل ما
تنجس من بدنها أو ثوبها وليس كذلك بل يجب عليه ذلك وإن لم يكن بتسببه كماء نظافتها بل أولى وإن عطف على غسل
جماع صار تمثيلا للغسل الواجب بسببه، وأفاد حينئذ أنه لا يجب عليه الماء لغسل النجاسة إلا إذا كانت بسببه مع أنه ليس
كذلك لأنه يجب عليه الماء لها مطلقا وإن عطف على قوله للغسل الواجب صح ذلك، وأفاد وجوبه عليه مطلقا إلا أنه بعيد
من صنيعه لما يلزم عليه من تفريق المعطوفات، فكان الأولى أن يسلك مسلك شيخه في التعبير - وعبارته. ويلزم أيضا ماء
وضوء وجب لتسببه فيه وحده - بخلاف ما وجب لغير ذلك - كأن تلامسا معا فيما يظهر وماء غسل ما تنجس من بدنها وثيابها
وإن لم يكن بتسببه كما اقتضاه إطلاقهم كماء نظافتها بل أولى. اه‍. وقوله ولا ماء وضوء: الأولى حذف المضاف ويكون
معطوفا على حيض لأنه مع وجوده عطفه يصير التقدير، ولا يجب عليه الماء لماء وضوء، وفي ذلك ركاكة لا تخفى.
والحاصل: كأن حق التعبير ما بينته لك. وقوله إلا إذا نقضه: أي الوضوء. وقوله بلمسه: يتعين أن تكون الإضافة
من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف: أي للمس الزوج إياها (قوله: لا عليه طيب) معطوف على قوله ولها عليه
آلة تنظف: أي لا يجب عليه لها طيب: أي لأنه لزيادة التلذذ فهو حقه فإن أراده هيأه ولزمها استعماله. وقوله إلا لقطع ريح
كريه: أي كأثر الحيض فيجب عليه لها من الطيب ما تقطعه به (قوله: ولا كحل) أي ولا يجب كحل، ومثله الخضاب لما

82
تقدم آنفا. قال في التحفة: ونقل الماوردي أنه (ص) لعن المرأة السلتاء: أي التي لا تخضب، والمرهاء: أي التي لا
تكتحل: من المرة - بفتحتين - أي البياض، ثم حمله على من فعلت ذلك حتى يكرهها ويفارقها. وفي رواية ذكرها غيره
إني لأبغض المرأة السلتاء والمرهاء والكلام في المزوجة لكراهة الخضاب أو حرمته لغيرها. اه‍. (قوله: ودواء) عطف
على طيب: أي لا يجب عليه دواء لمرضها ومنه ما يحتاج إليه المرأة بعد الولادة لما يزيل ما يصيبها من الوجع الحاصل في
بطنها ونحوه فلا يجب عليه. أفاده ع ش. وقوله وأجرة طبيب معطوف على طيب أيضا: أي ولا يجب عليه أجرة طبيب:
أي وحاجم وفاصد وخاتن، وإنما لم تجب عليه كالدواء لأنها لحفظ الأصل وهو لا يجب عليه كما لا يجب عمارة الدار
المستأجرة، وأما آلة التنظيف فإنها نظير غسل الدار وكنسها. أفاده البجيرمي (قوله: ولها) أي للزوجة، ولو رجعية ومثلها
البائن الحامل. وقوله طعام أيام المرض الخ: إنما وجب لها ذلك لأنها محبوسة له (قوله: وتصرفه الخ) أي ولها أن تصرفه
لأنه حقها (قوله: تنبيه الخ) الأولى تأخيره عن قوله ولها عليه مسكن لأنه متعلق به أيضا كما نبه عليه بقوله أما المسكن الخ
(قوله: يجب الخ) أي يتعين. وقوله في جميع ما ذكر متعلق بل يجب. وقوله من الطعام الخ: بيان لما. وقوله وآلة ذلك: أي
الطعام والأدم. وقوله والكسوة والفرش: أي ومن الكسوة والفرش. وقوله وآلة التنظيف: أي ومن آلة التنظيف (قوله: أن
يكون تمليكا) المصدر المؤول فاعل يجب: أي يجب بمعنى يتعين كونه تمليكا لها لا إمتاعا، وقيل هو إمتاع. وينبني
على هذا الخلاف أنه على الأول يشترط أن يكون ملكا للزوج وأن الحرة وسيد الأمة كل منهما يتصرف فيه بما شاء من بيع
وغيره إلا أن تضيق على نفسها أو يضيق سيد الأمة عليها في طعام أو غيره بما يضرها فله منعهما من ذلك لحق التمتع،
وينبني عليه أيضا أنه لا يسقط بمستأجر ولا مستعار. قال في الروض وشرحه، فلو لبست المستعار وتلف فضمانه يلزم
الزوج لأنه المستعير وهي نائبة عنه في الاستعمال، والظاهر أن له عليها في المستأجر أجرة المثل لأنه إنما أعطاها ذلك عن
كسوتها. اه‍. وقوله بالدفع: أي للحرة أو لسيد الأمة، وقيد في شرح الروض الدفع المذكور بشرط قصد أداء ما لزمه
كسائر الديون، ومثله في النهاية وعليه لو وضعها بين يديها من غير قصد شئ لا يعتد به. وفي سم خلافه ونصه: قوله
وتملكه بمجرد الدفع ولا يتقيد بشرط قصد الدفع عما لزمه، بل يكفي عن القصد المذكور الوضع بين يديها مع التمكن من
الاخذ. اه‍ (قوله: دون إيجاب وقبول) أي دون اشتراط إيجاب وقبول (قوله: وتملكه هي) أي الزوجة وما ألحق بها
(قوله: فلا يجوز أخذه) أي ما ذكر من الطعام وما بعده، وهذا تفريع على كونها تملكه بالقبض (قوله: أما المسكن) مقابل
قوله ويجب في جميع ما ذكر من الطعام الخ (قوله: فيكون إمتاعا) أي حكمه أن يكون إمتاعا: أي انتفاعا لا تمليكا لأنها
تستمتع به (قوله: حتى يسقط) أي فيسقط: فحتى تفريعية، والفعل بعدها مرفوع (قوله: لأنه لمجرد الانتفاع) علة لكونه
إمتاعا، وفيه تعليل الشئ بنفسه: إذ الامتاع هو الانتفاع، كما فسره به البجيرمي.
فإن قلت: هو علة لقوله فيسقط بمضي الزمان.
قلت: هو مفرع على كونه امتاعا - كما علمت - والقاعدة أن المفرع عليه علة في المفرع فيصير مكررا معه لان
التقدير عليه فيسقط بمضي الزمان لأنه إمتاع لأنه لمجرد الانتفاع. فلو قال بدل هذه العلة، كما في شرح المنهج، لأنه لا
يشترط أن يكون ملكه لكان أولى (قوله: كالخادم) الكاف للتنظير: أي أن المسكن مثل الخادم في كونه إمتاعا، وهذا
بخلاف نفقته فهي كنفقتها وهي تمليك لا إمتاع وعبارة المنهج: والمسكن والخادم إمتاع لا تمليك. قال في شرحه: لما
مر أنه لا يشترط كونهما ملكه. اه‍ (قوله: وما جعل تمليكا الخ) بيان لما يترتب على التمليك غير ما قدمته. وقوله يصير
دينا بمضي الزمان: أي إذا مضت مدة وهو لم يكسها أو ينفق عليها، فالنفقة أو الكسوة لجميع ما مضى من تلك المدة دين
لها عليه لأنها استحقت ذلك في ذمته وفي التحفة ما نصه.

83
فرع: ادعت نفقة أو كسوة ماضية كفى في الجواب لا تستحق علي شيئا وكذا نفقة اليوم إلا أن عرف التمكين على
ما بحثه بعضهم وفيه نظر، بل الأوجه أنه يكفي وإن عرف ذلك لان نشوز لحظة يسقط نفقة جميعه وتصدق بيمينها في عدم
النشوز وعدم قبض النفقة. اه‍ (قوله: ويعتاض عنه) أي عما جعل تمليكا: أي أنه يجوز أن يستبدل الطعام الواجب لها
بغيره، وكذا الكسوة (قوله: ولا يسقط) أي ما جعل تمليكا. وقوله بموت: أي حصل لها أو له. وقوله أثناء الفصل: أي أو
اليوم، ومثل الأثناء - على المعتمد - ما لو حصل الموت أول الفصل فتجب كلها لها، ولا يقال كيف تجب كلها بمضي
لحظة من الفصل؟ لأنا نقول ذلك جعل وقتا للايجاب فلم يفترق الحال بين قليل الزمان وكثيره ومن ثم ملكتها بالقبض
وجاز لها التصرف فيها، بل لو أعطاها نفقة وكسوة مستقبلة جاز وملكت بالقبض وجاز لها التصرف فيها كتعجيل الزكاة
ويسترد إن حصل مانع اه‍. تحفة بتصرف (قوله: ولها عليه مسكن) أي ويجب للزوجة على زوجها مسكن: أي تهيئته
لان المطلقة يجب لها ذلك لقوله تعالى: * (أسكنوهن) * لزوجة أولى (قوله: تأمن فيه) شرط في المسكن: أي يشترط
فيه، أي الاكتفاء به، أن تأمن الزوجة فيه. وقوله لو خرج عنها: أي تأمن إذا خرج عنها وتركها فيه (قوله: على نفسها)
متعلق بتأمن قال ع ش: يؤخذ منه أنه لا يجب عليه أن يأتي لها بمؤنسة حيث أمنت على نفسها، فلو لم تأمن أبدل لها
المسكن بما تأمن على نفسها فيه. فتنبه له فإنه يقع فيه الغلط كثيرا اه‍. وقوله ومالها: أي أو اختصاصها. وقوله وإن قل:
أي المال، فهو غاية لاشتراط الأمان فيه (قوله: للحاجة الخ) تعليل لوجوب المسكن عليه وقوله بل للضرورة إليه: أي
المسكن، والاضراب انتقالي. (قوله: يليق بها عادة) شرط آخر للمسكن، وكان على الشارح أن يقدر قبله ما يناسبه كأن
يقول: ولا بد أن يليق بها أو نحوه. والمعنى: أنه يشترط في المسكن أن يكون لائقا بها بحسب العادة بأن يكون من دار أو
حجرة أو غيرهما كشعر أو صوف أو خشب أو قصب، وإنما اعتبر المسكن بحالها بخلاف النفقة والكسوة - حيث اعتبرتا
بحاله يسارا وغيره - لان المعتبر فيهما التمليك منه وفيه الامتاع فروعي حاله فيهما وحالها فيه ولأنهما إذا لم يليقا بها يمكنها
إبدالهما بلائق فلا إضرار، بخلاف المسكن فإنها ملزمة بملازمته فتتضرر به إذا لم يكن لائقا. ولبعضهم: ما
كان إمتاعا كمسكن وجب لمرأة فراع حالها تثب
وإن يكن تملكا كالكسوة فحال زوج راعها لا الزوجة
(قوله وإن كانت ممن لا يعتادون السكنى) أي يجب لها المسكن وإن كانت من قوم لا يعتادون المسكن. قال في
فتح الجواب: والذي يظهر في هذه أنه يعتبر اللائق بها لو كانت من أهل المحل الذي يريد إسكانها به فيعتبر بمن يماثلها
من أهله نسبا وغيره نظير ما مر في مهر المثل وغيره. اه‍. وفي النهاية ما نصه: وذكر ابن الصلاح أن له نقل زوجته من
حضر لبادية وإن خشن عيشها لان نفقتها مقدرة أي لا تزيد ولا تنقص وأما خشونة عيش البادية فهي بسبيل من الخروج عنها
بالابدال - كما مر - قال: وليس له سد طاق مسكنها عليها، وله إغلاق الباب عليها عند خوف لحوق ضرر له من فتحه
وليس له منعها من نحو غزل وخياطة في منزله. اه‍. وما ذكره آخرا يتعين حمله على غير زمن الاستمتاع الذي يريده أو
على ما إذا لم يتعذر به، وفي سد الطاقات محمول على طاقات لا ريبة في فتحها، وإلا فله السد بل يجب عليه - كما أفتى
به الوالد رحمه الله تعالى - أخذا من إفتاء ابن عبد السلام بوجوبه في طاقات ترى الأجانب منها: أي وعلم منها تعمد
رؤيتهم. اه‍ (قوله: ولو معارا ومكترى) غاية في المسكن وهي للتعميم: أي لا فرق بين أن يكون مملوكا له أو
معارا أو مكترى، وذلك لحصول المقصود بما ذكر (قوله: ولو سكن الخ) لو شرطية، جوابها قوله لم يلزمه أجرة (قوله: بإذنها) أي



(1) الطلاق، الآية: 6.
84
له في السكنى معه (قوله: أو لامتناعها) أي أو لم يكن بإذنها لكن كانت ممتنعة من الانتقال معه إلى بيته أو بلده (قوله: أو
في منزل الخ) معطوف على قوله في منزلها: أي أو سكن معها في منزل نحو أبيها كأمها (قوله: بإذنه) أي نحو أبيها: أي أو
منعه من النقلة (قوله: لم يلزمه أجرة) عبارة المغني: سقط حق السكنى ولا مطالبة لها بأجرة سكناها معها الخ. اه‍
(قوله: لان الاذن العرى الخ) هذا التعليل قاصر على صورة الاذن، وكان عليه أن يزيد بعده ولان امتناعها أو منع نحو أبيها
من النقلة معه أمارة على رضاها أو رضاه بسكنى الزوج، فهو منزل منزلة الاذن، ولو سكن معها مع السكوت وعدم الامتناع
من النقلة معه لزمته الأجرة (قوله: ينزل على الإعارة) أي يحمل على إعارة المسكن. وقوله والإباحة: معطوف على
الإعارة من عطف اللازم إذ الإعارة عقد يتضمن إباحة الانتفاع بالمعار (قوله: وعليه) أي ويجب على الزوج. وقوله ولو
معسرا: الغاية للرد: أي يجب على الزوج الاخدام، ويستوي فيه الموسر والمتوسط والمعسر (قوله: خلافا لجمع) أي
قائلين بعدم وجوبه على المعسر، واستدلوا بأنه (ص) لم يوجب لسيدتنا فاطمة على سيدنا علي رضي الله عنهما خادما
لاعساره. قال في التحفة: ويرد بأنه لم يثبت أنهما تنازعا في ذلك فلم يوجبه، وأما مجرد عدم إيجابه من غير تنازع فهو لما
طبع عليه (ص) من المسامحة بحقوقه وحقوق أهله على أنها واقعة حال محتملة فلا دليل فيها. اه‍ (قوله: أو قنا) معطوف
على معسرا: أي ولو كان الزوج قنا مكاتبا أو غيره (قوله: إخدام حرة) وفي المغني ما نصه: أفهم قوله إخدام أن الزوج لو
قال أنا أخدمها بنفسي ليسقط عني مؤنة الخادم لم يلزمها الرضا به لأنها تستحي منه وتعير به، وأنها لو قالت أنا أخدم نفسي
وآخذ أجرة الخادم أو ما يأخذ من نفقة لم يلزمه الرضا بذلك لأنها تصير مبتذلة. اه‍. ملخصا (قوله: بواحدة لا أكثر)
ظاهره وإن احتاجت إلى الأكثر، وهو كذلك، إلا إن مرضت واحتاجت لأكثر من واحدة فيجب قدر الحاجة. كذا في
البجيرمي (قوله: لأنه) أي الاخدام وهو تعليل لوجوب الاخدام عليه. وقوله من المعاشرة بالمعروف: أي المأمور بها
(قوله: بخلاف الأمة) أي بخلاف الزوجة الأمة فلا يجب إخدامها ولو مبعضة ما لم تكن مريضة لان العرف على أن تخدم
نفسها لنقصها. وقوله وإن كانت جميلة: أي وإن كانت تخدم في بيت سيدها (قوله: تخدم) الجملة صفة لحرة، وهو
شرط في وجوب الاخدام لها: أي يجب الاخدام لها بشرط أن تكون ممن تخدم. وقوله أي يخدم مثلها: أفاد به أن الشرط
أن يكون مثلها ممن يخدم سواء هي خدمت بالفعل أو لم تخدم به، فلو كان مثلها لا يخدم ولكن هذه خدمت بالفعل في
بيت أهلها لا يجب على الزوج إخدامها. وقوله عند أهلها: متعلق بيخدم أي أن العبرة في خدمة مثلها ببيت أهلها (قوله:
فلا عبرة الخ) محترز قوله عند أهلها يعني لو ارتفعت في بيت زوجها وترفهت فيه بحيث صار يليق بحالها في بيت الزوج
الخادم لم يجب، كما صرح به الشيخ أو حامد في تعليقه وأقره في الروضة، (قوله: وإنما يجب عليه الاخدام الخ) الأولى
والاخصر أن يقول والاخدام الواجب عليه يكون بحرة الخ إذ لا معنى للحصر ولا للغاية. وعبارة المنهاج: وعليه لمن لا
يليق بها خدمة نفسها إخدامها بحرة أو أمة له أو مستأجرة الخ ا ه وحاصل ذلك أن له الاخدام بكل ما يحصل المقصود به،
لكن بشرط حل النظر من الجانبين فله ذلك بحرة ولو متبرعة. وقول ابن الرفعة لها الامتناع من المتبرعة للمنة يرد بأن المنة
عليه لا عليها وبأمة له أو مستأجرة وبصبي غير مراهق وبنحو محرم لها أو مملوك لها وبمسموح لا بنحو مراهق ولا بذمية مع
مسلمة لحرمة النظر ولا بنفسه: أي الزوج لأنها تستحي منه وتعير به، كما تقدم (قوله: صحبتها) الجملة صفة لحرة،
والضمير المستتر يعود إليها والبارز يعود على الزوجة: أي له الاخدام بحرة صحبت زوجته، والمراد صحبتها لتخدمها من
غير استئجار لها بل بالنفقة فقط (قوله: أو مستأجرة) أي له الاخدام بمستأجرة للخدمة (قوله: أو بمحرم) أي لزوجته
(قوله: أو مملوك لها) أي أو له وكان أمة أو عبدا غير مراهق. وقوله ولو عبدا: غاية في المملوك لها، ولا فرق بين أن يكون

85
صغيرا أو كبيرا (قوله: أو بصبي) الأولى حذف الباء - كالذي قبله - وقوله غير مراهق: فإن كان مراهقا لا يجوز إخدامها
(قوله: فالواجب للخادم الذي عينه الزوج مد الخ) الفاء فاء الفصيحة الواقعة في جواب سؤال حاصله: إذا وجب الاخدام
عليه فما الواجب عليه للخادم من النفقة؟ فأجاب بأن الواجب الخ. ثم إنه لا يخفى ما في عبارته من إيهام أن الواجب
للخادم مطلقا ما ذكره مع أن فيه تفصيلا، وهو أنه إن كان مستأجرا فعليه أجرته فقط، وإن كان ملكا له فعليه كفايته سواء
كانت مدا وثلثا أو تزيد أو تنقص فليس عليه نفقة مقدرة، وإن كان حرة صحبتها أو محرما أو مملوكا لها فله ما ذكره بقوله
مد وثلث ومن إيهام التقييد بالذي عينه وهو أن الذي عينته هي ليس لها ما ذكره مع أن معينها إذا رضي به كمعينه في
التفصيل المذكور. ويدل لما ذكرته عبارة فتح الجواد ونصها: ثم الخادم إن لم يعينه الزوج بأن كان ملكه وجب له كفايته
من غير تقدير وإن عين، فإن كان مستأجرا لم يجب له غير أجرته، وإن كان ملكها أو حرة صحبتها ورضي الزوج وجب
لمن عينتها منهما أو عينها هو صبح كل يوم مد الخ. اه‍. بحذف. وأصرح منها عبارة المنهاج ونصها: فإن أخدمها بحرة
أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها أو بأمته أنفق عليها بالملك أو بمن صحبتها لزمه نفقتها وجنس طعامها: أي التي صحبتها
جنس طعام الزوجة الخ. اه‍ (قوله: مد وثلث) قال في التحفة: ووجهه أن نفقة الخادمة على المتوسط ثلثا نفقة
المخدومة عليه فجعل الموسر كذلك إذ المد والثلث ثلثا المدين. اه‍ (قوله: على موسر) الملائم أن يقول عليه: أي
الزوج إن كان موسرا ومد إن كان معسرا أو متوسطا (قوله: ومتوسط) إنما ألحقوه بالمعسر في الخادم لا في الزوجة لان
مدار نفقة الخادم على سد الضرورة (قوله: مع كسوة) أي مع أدم له على الصحيح لان العيش لا يتم بدونه وهو، كما في
التحفة، كجنس أدم المخدومة ودونه نوعا، وأما قدره فهو بحسب الطعام. وفي وجوب اللحم وجهان، والذي يتجه
ترجيحه منهما اعتبار عادة البلد. وقوله أمثال الخادم: أي واللائق بالخادم دون ما يليق للمخدومة جنسا ونوعا (قوله: من
قميص الخ) بيان لكسوة (قوله: ومقنعة) تقدم بيانها، والأولى ذكرها بعد قوله ويزاد للخادمة لايهام تقديمه أن المقنعة
مشتركة بين الخادم والخادمة وليس كذلك. وعبارة فتح الجواد ويزاد ذكر قبعا وأنثى مقنعة وخمارا وخفا وملحفة. اه‍.
وعبارة شرح المنهج: وقدر الكسوة قميص ونحو مكعب وللذكر نحو قمع وللأنثى مقنعة وخف ورداء لحاجتها إلى
الخروج، ولكل جبة في الشتاء لا سراويل، وله ما يفرشه وما يتغطى به كقطعة لبد وكساء في الشتاء وبارية في الصيف
ومخدة. اه‍. وكتب البجيرمي على قوله لا سراويل ما نصه: هذا مبني على عرف قديم وقد اطرد العرف الآن بوجوبه
للخادمة، وهذا هو المعتمد. زي. اه‍ (قوله: ويزاد للخادمة خف وملحفة) أي ملاءة. وقوله إذا كانت تخرج: قيد في
زيادة ما ذكر (قوله: وإنما لم يجب الخف والملحفة للمخدومة على المعتمد) قال سم والأوجه كما أفاده الشيخ - أي
شيخ الاسلام - وجوب الخف والرداء للمخدمة أيضا فإنها تحتاج للخروج إلى حمام أو غيره من الضرورات وإن كان نادرا
م ر. ش. اه‍ (قوله: لان الخ) علة لعدم الوجوب (قوله: والاحتياج إليه) أي إلى الخروج. وقوله نادر: أي والنادر لا
حكم له (قوله: تنبيه ليس على خادمها الخ) عبارة التحفة، وفي المراد بإخدامها الواجب خلاف، والمعتمد منه أنه ليس
على خادمها إلا ما يخصه إلى آخر ما ذكره الشارح، وزاد عليه ولو منعها من أن تتولى خدمة نفسها لتفوز بمؤنة الخادم لأنها
تصير بذلك مبتذلة. اه‍. وقوله إلا ما يخصها: أي إلا الامر المختص بها، وسيذكر محترزه. وقوله وتحتاج إليه: قيد، فلو
كان الامر يخصها لكن لا تحتاج إليه فإنه لا يجب على الخادم فعله (قوله: كحمل الماء الخ) تمثيل للامر الذي يخصها
وتحتاج إليه. وقوله للمستحم: هو بضم الميم مع فتح التاء والحاء موضع الغسل. وقوله والشرب: معطوف على

86
المستحم: أي وكحمل الماء للشرب (قوله: وصبه على بدنها) أي وكصب الماء عليه، فهو معطوف على حمل (قوله:
وغسل الخ) معطوف على حمل أيضا: أي وكغسل خرق الحيض، وقوله والطبخ: معطوف أيضا على حمل: أي
وكالطبخ لاكلها (قوله: أما ما لا يخصها) أي بل يخص الزوج. وقوله كالطبخ الخ: تمثيل للذي لا يخصها. وقوله لاكله:
أي الزوج. وقوله: وغسل ثيابه: أي وكغسل ثيابه أي الزوج (قوله: فلا يجب) جواب أما. وقوله على واحد منهما: أي
من الخادم والزوجة، والأنسب بالمقابلة أن يقول فلا يجب على الخادم كما لا يجب على الزوجة (قوله: بل هو) أي ما لا
يخصها مما ذكر (قوله: فيوفيه) أي فيوفي الزوج ما يخصها بل يخصه. وقوله بنفسه أو بغيره: أي يوفيه: أي يفعله إن شاء
بنفسه وإن شاء بغيره باستئجار أو غيره (قوله: مهمات الخ) الملائم ذكرها في آخر التنبيه المار قبيل قوله ولها مسكن أو
يؤخر التنبيه عن قوله ولها مسكن - كما نبهت على هذا هناك - وذلك لأنه إنما ذكرها هنا مع أن غالبها قد تقدم في باب الهبة
لكونها لها تعلق بالتنبيه المذكور من جهة أنها كالتقييد لما ذكر فيه من كون الطعام والكسوة والفرش تملكه بمجرد الدفع
إليها ولا يحتاج ذلك إلى إيجاب وقبول، وبيانه أن ظاهر هذا أنها تملك ما ذكر بالدفع إليها مطلقا سواء كان من جنس
الواجب عليه أم لا مع أنه ليس كذلك بل لا بد من تقييده بكونه من جنس الواجب عليه، وإلا فلا بد من لفظ الايجاب
والقبول أو قصد الهدية ويستفاد التقييد المذكور من المهمات والمراد من معظمها ويدل لما ذكرته سياق التحفة ونصها بعد
كلام وظاهر أنها على الأول أي على أن المذكورات من الطعام وما بعده تمليك لا إمتاع تملكه بمجرد الدفع والاخذ من
غير لفظ وإن كان زائدا على ما يجب لها لكن في الصفة دون الجنس فيقع عن الواجب بمجرد إعطائه لأنه الصفة الزائدة
وقعت تابعة فلم تحتج للفظ، بخلاف الجنس فلا تملكه إلا باللفظ لأنه قد يعيرها قصدا لتجملها به ثم يسترجعه منها
وحينئذ فكسوتها الواجبة لها باقية في ذمته. وفي الكافي: لو اشترى حليا أو ديباجا إلى آخر ما ذكره المؤلف. اه‍. فتنبه
(قوله: لو اشترى) أي الزوج. وقوله حليا أو ديباجا: أي ونحوهما من كل ما يتخذ للزينة (قوله: وزينها به) أي زين الزوج
زوجته بالمذكور من الحلي والديباج (قوله: لا يصير الخ) الجملة جواب لو: أي لا يصير المذكور من الحلي والديباج
ملكا لها بنفس التزيين المذكور بل إنما يصير بصدور الايجاب والقبول منهما أو بقصد الهدية منه لها بذلك (قوله: ولو
اختلفت هي والزوج في الاهداء والعارية) أي فادعت هي أنه أهدى لها الحلي والديباج المذكورين وادعى هو أنه لم
يهدهما لها وإنما جعلهما عندها عارية (قوله: صدق) أي الزوج لان الأصل عدم التمليك (قوله: ومثله وارثه) أي مثل
الزوج في ذلك وارثه: يعني لو اختلفت هي ووارث الزوج في الاهداء والعارية صدق الوارث (قوله: ولو جهز) أي أعطى
الأب بنته، وهذه المسألة ذكرها هنا استطرادي لأنها ليس لها تعلق بالزوج والزوجة (قوله: بجهاز) هو بفتح الجيم ويجوز
الكسر، الأمتعة (قوله: لم تملكه الخ) جواب لو الثانية، وكان حقه أن يصرح بهذا أيضا في المسألة الأولى (قوله: والقول
الخ) أي إن ادعت البنت بأنه ملكها إياه بإيجاب وقبول وادعى هو بأنه لم يملكها فالقول قول الأب في أنه لم يملكها
(قوله: ويؤخذ مما تقرر) أي من أنها لا تملك ما ذكر إلا بالايجاب والقبول (قوله: أن ما يعطيه الزوج) أي لزوجته. وقوله
صلحة: اسم للشئ المعطى لأجل المصالحة إذا غضبت. وقوله أو صباحية: هي اسم للشئ المعطى صبح الزواج
ويسمى صبيحة (قوله: كما اعتيد) أي إعطاء الصلحة والصباحية ببعض البلاد (قوله: لا تملكه) أي ما أعطاه الزوج لها

87
من الصلحة والصباحية (قوله: إلا بلفظ) أي مفيد للتمليك، ويصح أن يقرأ بغير تنوين ويكون هو وما بعده مضافين إلى
إهداء (قوله: خلافا لما مر) أي في باب الهبة من أنها تملكه من غير لفظ ونص عبارته هناك. ونقل شيخنا ابن زياد عن
فتاوي ابن الخياط إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه فإنها تملكه ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ومن ذلك ما يدفعه
الرجل إلى المرأة صبح الزواج، مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت أو تزوج عليها فإن ذلك تملكه
المرأة بمجرد الدفع إليها. انتهت.
ثم إن قوله هنا الحناطي وهناك ابن الخياط يعلم أنه وقع تحريف في النسخ ولم يعلم الأصح منهما (قوله: وإفتاء
الخ) مبتدأ. وقوله غير صحيح خبره (قوله: بأنه) أي الحال والشأن (قوله: لو أعطاها) أي زوجته قبل الدخول. وقوله
مصروفا للعرس: أي لوليمة الزواج. وقوله ودفعا: أي أعطاها دفعا أي مهرا. وقوله وصباحية: أي أو أعطاها صباحية
(قوله: فنشزت) أي بعد أن أعطاها ما ذكر (قوله: استرد) أي الزوج، وهو جواب لو. وقوله الجميع: أي جميع ما ذكر من
مصروف العرس والدفع والصباحية (قوله: إذ التقييد بالنشوز الخ) تعليل لعدم الصحة. وقوله لا يتأتى في الصباحية: أي
لا يأتي فيها (قوله: لما قررته فيها) أي في الصباحية، وهو تعليل لعدم تأتي النشوز فيها، وذلك لأنه إن دفعها لها بلفظ
الاهداء أو قصده صارت ملكا لها سواء وقع منها ذلك أم لا (قوله: أنها كالصلحة) في عبارة التحفة إسقاط لفظة أنها وهو
الأولى لأنه على إثباتها يستفاد أنه قرر حكم الصلحة أولا ثم قاس عليها الصباحية مع أنه لم يصنع كذلك (قوله: لأنه إن
تلفظ الخ) هذا عين الذي قرره فيلزم تعليل الشئ بنفسه، فالأولى أن يبدل لام التعليل بمن البيانية، وقد علمت معنى
العلة المذكورة آنفا (قوله: فليس بواجب) أي عليه (قوله: فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه) أي سواء وقع منها نشوز أم لا،
ويفهم منه أنها لو لم تصرفه أو صرفته لا بإذنه لا يضيع عليه بل هو باق على ملكه في لأول وتغرمه له في الثاني (قوله: وأما
الدفع: أي المهر فإن كان قبل الدخول استرده) اسم كان يحتمل أن يعود على النشوز المعلوم من السياق وضمير استرده
يعود على الدفع بمعنى المهر المفروض وقوعه قبل الدخول وهو الذي ربط المبتدأ بالجملة الواقعة خبرا، ويحتمل أن
يعود على الدفع المذكور ويقدر مضاف ومتعلق والتقدير على الأول، وأما الدفع الواقع قبل النشوز، كما هو أصل فرض
المسألة، فإن كان النشوز وقع قبل الدخول أيضا استرده وعلى الثاني، وأما الدفع فإن كان تسليمه وقع قبل الدخول استرده
بالنشوز الواقع قبله أيضا والأول أقرب إلى صنيعه وأولى لما في الثاني من كثرة الحذف، ثم إنه إذا استرده يبقيه عنده إلى
زوال النشوز وحصول التمكين فإذا زال النشوز وحصل التمكين رده كله لها أو إلى طلاقها، فإذا طلقها رد لها النصف وأخذ
هو النصف وكان حقه أن يسترد منها النصف فقط لأنه هو الذي يستحقه على تقدير أنه يطلقها. ولذلك كتب السيد عمر
على قول التحفة استرده ما نصه: محل تأمل إن أريد استرداد جميعه. اه‍. ولعل ما ذكرته هو وجه التأمل. ثم إني رأيت
في الروض وشرحه في باب الصداق ما يخالف ما ذكر من استرداده ونص عبارته: لو امتنعت من تسليم نفسها بلا عذر وقد
بادر بتسليم الصداق لم يسترده لتبرعه بالمبادرة كما لو عجل الدين المؤجل فإنه لا يسترده. اه‍. ومثله في فتح الجواد
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن النشوز حاصلا قبل الدخول فلا يسترده على الاحتمال الأول: أي وإن لم يعط الدفع لها
قبل الدخول، بل أعطى بعده فلا يسترده على الثاني (قوله: لتقرره) أي الدفع. وقوله به: أي بالدخول (قوله: فلا يسترد
بالنشوز) لا حاجة إليه لأنه عين قوله فلا (قوله: وتسقط الخ) المراد بالسقوط ما يشمل عدم الوجوب من أول الأمر حتى لو
طلع الفجر وهي ناشزة فلا وجوب، ويقال سقطت بمعنى أنها لم تجب من أول الأمر وإن كان السقوط فرع الوجوب فغلب
ما في الأثناء على ما في الابتداء وسمى الكل سقوطا. وقوله المؤن: المراد بها ما يشمل المسكن (قوله: بنشوز) متعلق

88
بتسقط. وقوله منها: متعلق بمحذوف صفة لنشوز: أي نشوز حاصل من الزوجة (قوله: إجماعا) مرتبط بقوله تسقط: أي
تسقط بالاجماع (قوله: أي بخروج الخ) تفسير للنشوز (قوله: وإن لم تأثم) غاية في سقوط المؤن بالنشوز: أي تسقط به
وإن لم تكن تأثم به وتسقط أيضا بما ذكر وإن قدر على ردها للطاعة وتركه (قوله: كصغيرة الخ) تمثيل لغير الآثمة بالنشوز
(قوله: ومكرهة) قال ع ش: ومن ذلك ما يقع كثيرا من أن أهل المرأة يأخذونها مكرهين لها من بيت زوجها وإن كان
قصدهم بذلك إصلاح شأنها كمنعهم للزوج من التقصير في حقها بمنع النفقة أو غيرها. اه‍. (قوله: ولو
ساعة أو ولو لحظة) غايتان في سقوط المؤن: أي تسقط المؤن بالنشوز ولو نشزت ساعة أو لحظة فلا يشترط نشوزها في كل اليوم أو كل
الفصل فلو عادت للطاعة في بقية اليوم أو بقية الفصل لا تعود نفقة ذلك اليوم ولا كسوة ذلك الفصل، بل تنفق على نفسها
بقية ذلك اليوم وتكسو نفسها بقية الفصل ثم بعد ذلك اليوم ينفق عليها الزوج، وبعد ذلك الفصل يكسوها، وفي حاشية
الجمل ما نصه: وهذا كله ما لم يتمتع بها، أي بالناشزة، فإن تمتع بها ولو لحظة لم تسقط بل تجب نفقة اليوم بكمالها
وكسوة الفصل بكمالها على معتمد م ر وإن قيل بالتقسيط على زمن التمتع وغيره. اه‍. شيخنا. وفي ق ل على الجلال:
ولا تعود بعودها للطاعة في بقية الليلة أو اليوم أو الفصل ما لم يستمتع بها على المعتمد، كما تقدم، اه‍ (قوله: فتسقط
نفقة ذلك اليوم الخ) مفرع على سقوطها بنشوزها ساعة أو لحظة: أي وإذا نشزت ساعة أو لحظة سقطت ذلك اليوم كله
وذلك الفصل كله. قال سم: بقي النشوز بالنسبة لما يدوم ولا يجب كل فصل كالفرش والأواني وجبة البرد فهل يسقط
ذلك ويسترد بالنشوز ولو لحظة في مدة بقائها أو كيف الحال؟ للأذرعي فيه تردد واحتمالات يراجع ويحرر الترجيح، وقال
أيضا: بقي المسكن فانظر ما يسقط منه بالنشوز هل سكنى ذلك اليوم أو الليلة أو الفصل أو زمن النشوز فقط حتى لو
أطاعته بعد لحظة استحقته لأنه غير مقدر بزمن معين؟ فيه نظر، ولا يبعد سقوط سكنى اليوم والليلة الواقع فيهما
النشوز. اه‍. قال البجيرمي: والظاهر أن مثل السكنى غيرها من الفرش والغطاء وغيرهما: اه‍ (قوله: ولا توزع الخ)
هذا لازم لسقوطها كل اليوم وكل الفصل (قوله: ولو جهل سقوطها) أي النفقة. وقوله بالنشوز: متعلق بسقوط (قوله:
فأنفق) أي عليها جاهلا بذلك (قوله: رجع عليها) أي إذا تبين له أنها كانت ناشزة (قوله: ممن يخفى عليه ذلك) أي
سقوطها بالنشوز، والظاهر أن المراد بمن يخفى عليه ذلك غير الفقيه ولو كان مخالطا للعلماء. إذ هذه المسألة من فروع
المسائل الدقيقة (قوله: وإنما لم يرجع) أي عليها في صورة النكاح وعلى سيدها في صورة الشراء، وهذا وارد على
رجوع الزوج بما أنفقه عليها عند جهله بالنشوز. وقوله فاسد: صفة لكل من نكاح وشراء (قوله: وإن جهل ذلك) أي
الفساد، وهو غاية لعدم الرجوع (قوله: لأنه شرع في عقدهما) أي النكاح والشراء، والإضافة للبيان، إذ المراد بالنكاح
والشراء العقد أيضا بدليل وصفهما بالفساد، وفيه أن هذا التعليل لا يجدي شيئا لان من جهل سقوط نفقتها بالنشوز كذلك
شرع في عقدها على أن يضمن مؤنتها فلو قال لأنهما: أي المنكوحة بنكاح فاسد والمشتراة بشراء فاسد تحت حبسه
وقبضته والناشزة ليست كذلك لكان أولى، ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية بأنه شرع الخ ما نصه: فيه
وقفة لا تخفى. اه‍. ولعل وجهه ما ذكرته. تأمل (قوله: ولا كذلك هنا) أي وليس في صورة جهله بسقوط نفقتها بالنشوز
شارعا في عقدها على أن يضمن مؤنتها، وقد علمت ما فيه (قوله: وكذا من الخ) أي ومثل من أنفق في نكاح الخ من وقع
عليه طلاق باطنا الخ لأنه شرع في عقدها على أن يضمن المؤن بوضع اليد على ما ذكره، والأولى أن يقال لأن هذه
المطلقة طلاقا باطنا تحت حبس الزوج وتمكنه. وقوله باطنا: وذلك بأن علق طلاقها بالثلاث على شئ فوجد الشئ

89
المعلق عليه وهو لم يعلم به (قوله: ويحصل النشوز) دخول على المتن (قوله: بمنع الزوجة الزوج من تمتع) أي ولو
بحبسها ظلما أو بحق وإن كان الحابس هو الزوج، كما اقتضاه كلام ابن المقري واعتمده الوالد رحمه الله تعالى، ويؤخذ
منه بالأولى سقوطها بحبسها له ولو بحق للحيلولة بينه وبينها - كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى - أو باعتدادها بوطئ
شبهة. اه‍. نهاية وكتب الرشيدي قوله وإن كان الحابس هو الزوج هو غاية في قوله أو بحق فقط كما يعلم من
التحفة. اه‍. ومحل كون المنع المذكور يحصل به النشوز إذا لم يكن على وجه التدلل أي التحبب وإظهار الجمال، وإلا
فلا تكون ناشزة به (قوله: ولو بنحو لمس) أي ولو منعته من التمتع بنحو لمس كنظر، كأن غطت وجهها أو تولت عنه وإن
مكنته من الجماع فإنه يحصل النشوز به (قوله: أو بموضع عينه) أي ولو منعته من التمتع بها في موضع منها قد عينه كيدها
وفخذها فإنه يحصل النشوز به (قوله: لا إن منعته عنه لعذر) أي لا يحصل النشوز إن منعت زوجها عن التمتع بها لعذر
(قوله: ككبر آلته) مثال للعذر لكن في غير اللمس: إذ هو ليس عذرا من منع اللمس (قوله: بحيث لا تحتمله) تصوير
للكبر: أي حال كون الكبر مصورا بحالة لا تحتملها الزوجة (قوله: ومرض الخ) معطوف على كبر: أي وكمرض قائم بها
يضر مع وجوده الوطئ فلا يحصل النشوز بمنعها من الوطئ حينئذ (قوله: وقرح في فرجها) معطوف على مرض من عطف
الخاص على العام (قوله: وكنحو حيض) لا حاجة لزيادة الكاف كالذي قبله وإنما لم تسقط النفقة به وبما قبله من الاعذار
لأنه إما عذر دائم ككبر الذكر أو يطرأ ويزول كنحو الحيض والمرض وهي معذورة فيه وقد حصل التسليم الممكن ويمكن
التمتع بها من بعض الوجوه (قوله: ويثبت كبر آلته الخ) قال ع ش: وسكت عن بيان ما يثبت به المرض والقياس أنه لا
يثبت إلا برجلين من الأطباء لأنه مما تطلع عليه الرجال غالبا. اه‍. وقوله بإقراره: أي الزوج وهو متعلق بيثبت. وقوله أو
برجلين: معطوف على بإقراره. وقوله من رجال الختان: أي من الرجال الذين لهم معرفة بالختان، وإنما خصهم لأنهم
غالبا لهم اطلاع على آلات الرجال فيميزون به صغيرها وكبيرها (قوله: ويحتالان) أي الرجلان، وقوله لانتشار ذكره: أي
إذا كانت معرفة الكبر متوقفة عليه. وقوله بأي حيلة: متعلق بيحتالان، وقوله غير إيلاج ذكره في فرج محرم: أما به فيحرم.
وقوله أو دبر: معطوف على فرج محرم من عطف الخاص على العام (قوله: أو بأربع نسوة) معطوف على بإقراره: أي
ويثبت كبر آلته بأربع نسوة أي شهادتهن (قوله: فإن لم يمكن معرفته) أي كبر الآلة (قوله: إلا بنظرهن) أي الأربع النسوة،
وقوله إليهما، أي إلى الرجل وزوجته، وقوله مكشوفي الفرجين: حال من ضمير إليهما، وقوله حال: منصوب بإسقاط
الخافض: أي نظرهن في حال انتشار عضوه أي ذكره (قوله: جاز) أي النظر وهو جواب إن.
وقوله: ليشهدن علة الجواز (قوله: فرع لها الخ) قد تقدم الصداق، وإنما أعاده هنا ليرتب عليه عدم حصول النشوز
وسقوط النفقة به، وكان الاخصر أن يقول وكعدم إقباضه إياها الصداق الحال أصالة قبل الوطئ عطفا على ككبر آلته.
وذلك لأنه من جملة الاعذار (قوله: الحال أصالة) أي ابتداء. وخرج به ما إذا نكحها بمهر مؤجل ثم حل فليس لها الامتناع
من التمتع لأنه قد وجب عليها التمكين قبل الحلول (قوله: قبل الوطئ) متعلق بمنع (قوله: بالغة) حال من مقدر: أي قبل
وطئها حال كونها بالغة ولو عبر بكاملة كما عبر به في باب الصداق لكان أولى لتخرج المجنونة (قوله: إذ لها الامتناع)
تعليل لقوله لها منع الخ، وهو عين المعلل، كما لا يخفى، وقوله حينئذ: أي حين إذ كان لقبض الصداق الحال (قوله:

90
فلا يحصل الخ) هذا هو ثمرة كونها لها الامتناع. وقوله: ولا تسقط الخ: عطف لازم على ملزوم. وقوله بذلك: أي
بامتناعها لقبض الصداق. وقيد في فتح الجواد عدم السقوط بما إذا كانت عنده ونص عبارته: فلا تسقط مؤنتها بذلك إذا
كانت عنده لعذرها. اه‍. (قوله: فإن منعت) أي تمتعه بها فالمفعول محذوف. وقوله لقبض الصداق المؤجل: أي وإن
حل قبل الامتناع، وهو محترز قوله الحال (قوله: أو بعد الوطئ) محترز قوله قبل الوطئ. وقوله طائعة: حال من محذوف
واقع مفعولا للمصدر - كما تقدم - (قوله: فتسقط) أي النفقة، وهو جواب إن (قوله: فلو منعته لذلك) أي لقبض الصداق
الخ (قوله: بعد وطئها) متعلق بمنعته. وقوله مكرهة أو صغيرة: هذا محترز قوله بالغة مختارة. وقوله: ولو بتسليم الولي:
أي ما لم يكن تسليمه لمصلحة، كما صرح به في باب الصداق، والغاية راجعة لقوله أو صغيرة فقط (قوله: فلا) أي فلا
تسقط نفقتها لأنها إذا وطئت غير كاملة لها أن تمنع نفسها بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، ومثله ما لو وطئت
مكرهة فلها أن تمنع نفسها بعد زوال الاكراه (قوله: ولو ادعى وطأها الخ) يعني لو ادعى وطئ من منعته نفسها لقبض
الصداق الحال أصالة بتمكينها نفسها له وطلب منها أو من وليها تسليمها إليه وادعت هي عدم تمكينها نفسها له وامتنعت
من التسليم فإنها هي المصدقة في ذلك، وعبارة الروض وشرحه: فصل القول قول من ينكر الوطئ من الزوجين بيمينه وإن
وافق على جريان خلوة لان الأصل عدمه، فلو ادعى وطأها بتمكينها وطلب تسليمها إليه فأنكرته وامتنعت لتسليم المهر
صدقت أو ادعت جماعها قبل الطلاق وطلبت جميع المهر فأنكره صدق. اه‍ (قوله: وطلب) بصيغة الماضي عطف على
ادعى ومتعلقه محذوف: أي منها أو من وليها (قوله: فأنكرته) أي الوطئ بتمكينها نفسها له (قوله: وامتنعت) أي لأجل
قبض الصداق الحال (قوله: صدقت) أي باليمين ولا تسقط نفقتها (قوله: وخروج من مسكن) معطوف على بمنع من
تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بخروج من مسكن (قوله: أي المحل) تفسير للمراد من المسكن: أي أن المراد منه
المحل الذي رضي بإقامتها فيه سواء كان محله أو محله أو محل أبيها (قوله: ولو لعيادة الخ) غاية لكون الخروج يعد
نشوزا أي يعد الخروج نشوزا ولو كان لعيادة مريض أو كان زوجها غائبا، وقوله بتفصيله: أي الخروج بالنسبة لما إذا كان
الزوج غائبا. وقوله الآتي: أي قريبا عند قوله ومنها إذا خرجت على غير وجه النشوز الخ. وحاصله أنه إذا كان الزوج غائبا
وخرجت بلا إذنه لعيادة أو زيارة قريب ولم يمنعها أو يرسل إليها به لم يكن نشوزا وإلا عد نشوزا (قوله: بلا إذن الخ)
متعلق بخروج أي يحصل النشوز بخروج منه بلا إذن أصلا من الزوج ولا ظن رضاه، فإن كان الخروج بإذنه أو بظن رضاه
فلا يحصل به النشوز (قوله: فخروجها) مبتدأ خبره قوله عصيان ونشوز. وهذا تصريح بما علم مما قبله. وقوله أو عيادة
غير محرم: أي قريب، أما الخروج لعيادة المحرم: أي القريب، فلا يكون عصيانا ونشوزا، لكن بشرط أن لا يمنعها منه
(قوله: أن لها اعتماد العرف) أي ولو لم يأذن لها أو تظن رضاه، وقوله الدال: أي ذلك العرف. وقوله على رضا أمثاله:
أي الزوج، وقوله بمثل: الخ متعلق برضا (قوله: وهو) أي ما أخذه الأذرعي وغيره من كلام الامام (قوله: ما لم تعلم الخ)
قيد في كونه محتملا: أي محل كونه محتملا إذا لم تعلم بأن للزوج غيرة زائدة تقطعه عن أمثاله: أي تفرده عنهم (قوله:

91
في ذلك) أي في مثل الخروج الذي تريده (قوله: تنبيه يجوز لها الخروج الخ) هذا كالاستثناء مما قبله، فكأنه قال
الخروج من المسكن عصيان ونشوز إلا في هذه المواضع (قوله: منها) أي المواضع التي يجوز لأجلها الخروج. وقوله
إذا أشرف البيت أي كله أو بعضه الذي يخشى منه كما هو ظاهر. ا ه. تحفة (قوله: وهل يكفي قولها الخ) أي إذا ادعى
الزوج عليها بأنها خرجت لغير ضرورة وادعت هي أنها خرجت خشية انهدام البيت وليس هناك قرينة تدل على ذلك، فهل
يكفي قولها المذكور فلا تسقط نفقتها أو لا يكفي مجرد قولها المذكور إلا إذا انضم إليه قرينة تدل عادة على الانهدام؟
(قوله: قال شيخنا: كل) أي من الشقين محتمل. وقوله والأقرب الثاني: من مقول قول شيخه وهو أنه لا بد من قرينة تدل
عليه (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز لأجلها الخروج (قوله: إذا خافت على نفسها أو مالها) قال في النهاية:
ويتجه أن الاختصاص الذي له وقع كذلك ا ه. وكتب ع ش: قولها أو مالها أي وإن قل أخذا من إطلاقه هنا وتقييده
الاختصاص بماله وقع، ولو اعتبر في المال كونه ليس تافها جدا لم يكن بعيدا. اه‍ (قوله: ومنها) أي المواضع
المذكورة، وقوله إذا خرجت إلى القاضي لطلب الخ: أي إذا خرجت إلى القاضي لأجل طلب حقها من زوجها والمراد
خرجت ليخلص لها القاضي حقها من الزوج (قوله: ومنها) أي من المواضع المذكورة، وقوله: خروجها لتعلم العلوم
العينية: أي كالواجب تعلمه من العقائد والواجب تعلمه مما يصحح الصلاة والصيام والحج ونحوها (قوله: أي للاستفتاء)
أي لأمر تحتاج إليه بخصوصه وأرادت السؤال عنه أو تعلمه أما إذا أرادت الحضور لمجلس علم لتستفيد أحكاما تنتفع بها
من غير احتياج إليها حالا أو الحضور لسماع الوعظ فلا يكون عذرا (قوله: حيث لم يغنها) قيد في جواز الخروج لتعلم ما
ذكر: أي محل جواز ذلك إذا لم يغنها الزوج الثقة عن الخروج لذلك، أما إذا أغناها عن ذلك بأن كان يعلمها ما تحتاج إليه
فلا يجوز لها الخروج، وقوله أو نحو محرمها: أي وحيث لم يغنها نحو محرمها ممن يحل له النظر كعبدها قال في التحفة
بعده: ويظهر أنها لو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة وامتنع من أن يعلمها أو يسأل لها أجبره
القاضي على أحد الامرين ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها. اه‍. وقوله فيما استظهره شيخنا: راجع لنحو
محرمها (قوله: ومنها) أي من المواضع التي يجوز الخروج لأجلها، وقوله: إذا خرجت لاكتساب نفقة: أي لأجل
اكتساب نفقتها: وقوله أو سؤال: أي سؤال النفقة: أي طلبها على وجه الصدقة، وقوله أو كسب: أي عمل صنعة (قوله:
ومنها) أي المواضع المذكورة (قوله: إذا خرجت على غير وجه النشوز) يفيد التقييد به أن الخروج لزيادة أو عيادة قريب
قد يكون على وجه النشوز أنه حينئذ يسقط النفقة، والتعليل الآتي في قوله لان الخروج لذلك لا يعد نشوزا يفيد خلافا
وحينئذ يقع تدافع بين مفاده ومفاد التعليل، وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها: وتسقط بالخروج إلا إن لم يعد
نشوزا: كأن خرجت لطلب حقها منه أو للزيارة أو للعيادة لاحد من محارمها بلا إذن مع تلبسه بغيبة عن البلد. اه‍.
فالأولى إسقاط التقييد المذكور أو يزيد قبل قوله لزيارة الخ لفظ كأن خرجت لزيارة الخ ويكون تمثيلا للخروج الذي ليس
على وجه النشوز، كما في عبارة فتح الجواد المذكورة، (قوله: في غيبة الزوج عن البلد) قال سم: خرج خروجها في
غيبته في البلد فهو نشوز. اه‍. قال ع ش: وينبغي أن مثل غيبته عن البلد خروجها مع حضوره حيث اقتضى العرف رضاء
بمثل ذلك، ومن ذلك ما لو جرت عادته بأنه إذا خرج لا يرجع إلا آخر النهار مثلا فلها الخروج ونحوها إذا كانت ترجع إلى
بيتها قبل عوده وعلمت منه الرضا بذلك. اه‍. وقوله ع ش موافق لما أخذه الأذرعي من كلام الامام أن لها اعتماد العرف

92
الدال على رضا أمثاله الخ (قوله: لزيارة أو عيادة) مضافان لما بعدهما فيقرآن من غير تنوين. وعبارة المنهاج: لزيارة
ونحوها وكتب سم: قوله ونحوها منه موت أبيها وشهود جنازته فما نقله الزركشي عن الحموي شارح التنبيه مقيد
بحضوره. اه‍. وقوله فما نقله: أي من أنه ليس لها الخروج لموت أبيها ولا لشهود جنازته: وقوله مقيد بحضوره، أي
محمول على الزوج الحاضر في البلد وذلك لتمكنها من استئذانه. وقوله قريب. قال في التحفة: قضية التعبير هنا
بالقريب أنه لا فرق بين المحرم وغيره، لكن قضية تعبير الزركشي بالمحارم وتبعه في شرح الروض تقيده بالمحرم. وهو
متجه. اه‍. وقوله لا أجنبي أو أجنبية: أي ليس من المواضع التي يجوز الخروج لها إذا خرجت لزيارة أو عيادة أجنبي أو
أجنبية. وقوله على الأوجه: مقابله يقول لها الخروج للزيارة والعيادة مطلقا سواء كان لقريب أو نحوه (قوله: لان الخروج
لذلك) أي لزيارة أو عيادة قريب وهو تعليل لكون الخروج لزيارة أو عيادة القريب جائزا لا تصير به ناشزة (قوله: وظاهر أن
محل ذلك) أي كون الخروج المذكور لا يعد نشوزا، وقوله إن لم يمنعها: أي قبل السفر. وقوله أو يرسل لها بالمنع: قال
ع ش: أي أو تدل القرينة على عدم رضاه بخروجها في غيبته مطلقا. اه‍. (قوله: وبسفرها) معطوف على منع من
تمتع: أي ويحصل النشوز أيضا بسفرها: أي مطلقا سواء كان طويلا أو قصيرا ولا ينافي هذا قول الشارح بعد أي
بخروجها إلى محل يجوز القصر منه لأنه لا يلزم من خروجها إليه أن يكون سفرها طويلا (قوله: أي بخروجها وحدها)
تفسير مراد للسفر الذي يحصل النشوز به (قوله: إلى محل يجوز القصر منه) أي وهو خارج السور إن كان أو العمران
وقوله للمسافر، أي سفرا طويلا وهو متعلق بيجوز (قوله: ولو لزيارة الخ) غاية لحصول النشوز لخروجها وحدها. أي
يحصل بخروجها. أي ولو كان ذلك الخروج لزيارة أبويها أو للحج، ولو قال أو للنسك لكان أولى ليشمل العمرة (قوله:
بلا إذن منه) أي الزوج والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من سفرها: أي يحصل النشوز بالسفر في حال كونه بغير
إذن من الزوج، وقوله ولو لغرضه: أي ولو كان سفرها بلا إذن لغرض الزوج: أي حاجته فيحصل به النشوز (قوله: ما لم
تضطر) قيد في حصول النشوز بالسفر المذكور، أي محل حصول النشوز بسفرها بلا إذنه ما لم تضطر إلى السفر، وإلا فلا
يحصل النشوز به. وقوله كان الخ: تمثيل لحالة الاضطرار. وقوله جلا جميع أهل البلد. أي تفرقوا عنها. قال في
القاموس: جلا القوم عن الموضع، ومنه جلوا وجلاء، وأجلوا تفرقوا. اه‍. وقوله أو بقي من لا تأمن معه: أي أو لم يجل
جميع أهل البلد ولكن بقي من لا تأمن معه على نفسها أو مالها (قوله: أو بإذنه الخ) أي ويحصل النشوز بسفرها بإذنه أيضا
ولكن كان سفرها لغرضها أو لغرض أجنبي (قوله: فتسقط المؤن) مفرع على جميع ما قبله والمراد بالمؤن ما يشمل
الكسوة فتسقط كسوة ذلك الفصل، كما تقدم، وتقدم أيضا الخلاف في المسكن. فلا تغفل، وقوله لعدم التمكين: أي
بسبب سفرها المذكور (قوله: ولو سافرت بإذنه لغرضهما) أي الزوج والزوجة أو لأجنبي بدلها (قوله: فمقتضى المرجح)
مبتدأ خبره قوله عدم السقوط. وقوله في الايمان، متعلق بالمرجح. وقوله فيما إذا قال الخ: بدل من في الايمان بدل
بعض. وقوله إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق: الجملة مقول لقوله: وقوله فخرجت لها: أي فخرجت بقصد الذهاب
إلى الحمام وبقصد غيره.
واعلم: أنه يوجد في غالب النسخ فخرجت لها ولغيرها بتأنيث الضمير، وهذا مبني على أن الحمام مؤنث، وهو
خلاف الغالب. وفي حاشية عبادة على الشذور ما نصه: قوله وحمامات هذا بناء أن حمامات مذكر وهو قول جل أهل
اللغة، وقال بعض أهل اللغة الحمام مؤنثة. اه‍. وقوله أنها لا تطلق: أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من المرجح أو

93
عطف بيان له: أي فمقتضى الذي رجح في الايمان وهو أنها لا تطلق عدم سقوط المؤن. وقوله هنا: أي فيما إذا سافرت
لغرضها (قوله: لكن نص الام والمختصر يقتضي السقوط) أي سقوط المؤن هنا قياسا على عدم وجوب المتعة إذا ارتدا
معا ولأنه إذا اجتمع مقتض ومانع يقدم المانع (قوله: لا بسفرها معه) أي لا يحصل النشوز بسفرها مع زوجها إلا إن منعها
من الخروج معه فخرجت ولم يقدر على ردها فيحصل النشوز به وتسقط المؤن، وقوله بإذنه: ليس بقيد كما يدل على
ذلك عبارة الفتح وهي: ولا إن سافرت معه ولو لحاجتها بلا إذن وإن عصت. اه‍. ومثلها عبارة شرح المنهج. ثم إن هذا
محترز قوله فيما مر وحدها. قوله ولو في حاجتها: أي ولو سافرت معه لأجل قضاء حاجة نفسها (قوله: ولا بسفرها بإذنه
لحاجته) أي ولا يحصل النشوز بسفرها وحدها بإذنه لحاجته، وهذا محترز قوله بلا إذن منه. وقوله ولو مع حاجة غيره:
الأولى إسقاطه لأنه يغني عنه. قوله فيما تقدم ولو سافرت بإذنه لغرضهما معا: إذ الغير صادق بها وبأجنبي (قوله: فلا
تسقط المؤن) مفرع على قوله لا بسفرها الخ: أي وإذا لم يحصل النشوز بما ذكر فلا تسقط المؤن به (قوله: لأنها ممكنة)
أي في الأولى وهي ما إذا سافرت معه، وكان الأولى زيادته بدليل المقابلة (قوله: وهو) أي الزوج (قوله: المفوت لحقه
في الثانية) وهي ما إذا سافرت وحدها بإذنه (قوله: لو امتنعت من النقلة معه) أي لسفر معه. وقوله لم تجب النفقة: أي لما
تقدم من أنها لا تجب إلا إن مكنته من التمتع بها ومن نقلها إلى حيث شاء (قوله: إلا إن كان) أي الزوج، وهو استثناء من
عدم وجوب النفقة إذا امتنعت من النقلة معه (قوله: فتجب) أي النفقة (قوله: ويصير تمتعه بها الخ) أي ويصير بسب
التمتع بها كأنه عفا من النقلة معه ورضي ببقائها في محلها، وقوله حينئذ أي حين إذ امتنعت من النقلة والظرف متعلق
بتمتعه (قوله: وقضيته) أي ما ذكر في الجواهر من أن امتناعها من النقلة مع التمتع بها لا يسقط النفقة. وقوله جريان ذلك.
أي عدم سقوط النفقة بالتمتع. وقوله في سائر صور النشوز: أي في سائر أنواع النشوز الذي يتأتى منه هنا كالخروج من
المسكن، وأما الذي لا يتأتى كالنوع الأول منه وهو منعها من التمتع بها لأنها إذا منعته فكيف يقال إذا تمتع بها لا تسقط
نفقتها إلا أن يقال يتأتى التمتع مع كراهتها له ومنعها منه بأن يتمتع بها قهرا عنها. وقوله وهو: أي الاقتضاء المذكور. وقوله
محتمل: في التحفة بعده ونوزع فيه بما لا يجدي وما مر في مسافرة معه بغير إذنه من وجوب نفقتها لتمكينها وإن أتمت
بعصيانه صريح فيه، وظاهر كلام الماوردي أنها لا تجب إلا زمن التمتع دون غيره. نعم: يكفي في وجوب نفقة اليوم تمتع
لحظة منه بعد النشوز وكذا الليل. اه‍. وقوله صريح فيه. أي في جريان ذلك في سائر صور النشوز (قوله: وتسقط
المؤن) الملائم لما قبله أن يقول ويحصل النشوز وإن كان يلزمه سقوط المؤن، وقوله أيضا: أي كما تسقط بما قبله
(قوله: بإغلاقها الباب في وجهه) أي وبعبوسها بعد لطف وطلاقة وجه وبكلام خشن بعد أن كان بلين لان ما ذكر كله يعد
نشوزا (قوله: وبدعواها طلاقا بائنا كذبا) أي وتسقط المؤن بدعواها ما ذكر لأنها لا تكون إلا عن كراهة فتعد نشوزا في
العرف (قوله: وليس من النشوز شتمه وإيذاؤه باللسان) لأنه قد يكون لسوء الخلق (قوله: وإن استحقت التأديب) غاية في
كون ما ذكر من الشتم والإيذاء ليس من النشوز: أي ليس منه وإن كانت تستحق عليه التأديب. قال البجيرمي: والمؤدب
لها هو الزوج فيتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعه إلى القاضي لان فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا
للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. قال الزركشي: وينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلا فيتعين

94
الرفع إلى القاضي. اه‍ (قوله: مهمة لو تزوجت زوجة المفقود الخ) هذه المهمة مختصرة من عبارة الروض وشرحه
ونصهما.
(فصل) زوجة المفقود المتوهم موته لا تتزوج غيره حتى يتحقق: أي يثبت بعدلين موته أو طلاقه وتعتد لأنه لا يحكم
بموته في قسمة ماله وعتق أم ولده فكذا في فراق زوجته ولان النكاح معلوم بيقين فلا يزال إلا بيقين، ولو حكم حاكم
بنكاحها قبل تحقق الحكم بموته نقض لمخالفته للقياس الجلي، ويسقط بنكاحها غيره نفقتها عن المفقود لأنها ناشزة به
وإن كان فاسدا، وكذا تسقط عنه إن فرق بينهما واعتدت وعادت إلى منزله ويستمر السقوط حتى يعلم المفقود عودها إلى
طاعته لان النشوز إنما يزول حينئذ ولا نفقة لها على الزوج الثاني. إذ لا زوجية بينهما ولا رجوع له بما أنفقه عليها لأنه
متبرع إلا فيما كلفه من الانفاق عليها بحكم حاكم فيرجع عليها به. فلو تزوجت قبل ثبوت موته أو طلاقه وبأن المفقود ميتا
قبل تزوجها بمقدار العدة صح التزوج لخلوه عن المانع في الواقع فأشبه ما لو باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا. اه‍
(قوله: قبل الحكم بموته) أي حكم القاضي بموته ببينة تشهد به أو باجتهاده عند مضي مدة لا يعيش مثله إليها في غالب
العادة فإن تزوجت بعد الحكم بموته ثم تبينت حياته لا تسقط نفقتها لأنها ليست ناشزة حينئذ (قوله: سقطت نفقتها) أي
عن المفقود (قوله: ولا تعود الخ) يعني لو تبين عدم موته فلا تعود نفقتها عليه إلا بعد علمه بعودها إلى طاعته والتفريق
بينها وبين زوجها الثاني لان نكاحها عليه فاسد (قوله: يجوز للزوج الخ) ويجوز له منعها أيضا من أكل سم وممرض لها
خشية الهلاك ومن تناول منتن كثوم وكراث وبصل وفجل دفعا للضرر، لا منعها من نحو غزل في منزله إلا مع من يستحي
من أخذها من بينهن لقضاء وطره (قوله: ولو لموت أحد أبويها) أي له ذلك ولو كان الخروج لموت أحد أبويها (قوله:
ومن أن تمكن من دخول الخ) أي وله منعها من أن تمكن من دخول غير خادمة واحدة لمنزله، أما هي فليس له منعها إن
كنت ممن تخدم، فإن كانت ممن لا تخدم فله منعها من أن تمكن من دخولها وإن أنفقت عليها، كما في الفتح، ونص
عبارته: وله منع لمن تخدم من زيادة خادم آخر من مالها ولمن لا تخدم أن تتخذ خادما وإن أنفقته. اه‍. وقوله ولو أبويها
أو ابنها: أي ولو كان ذلك الغير أبويها أو ابنها. وقوله من غيره: أي غير زوجها الآن أي حال كون ذلك الابن من زوج غيره
(قوله: لكن يكره منع أبويها) أي من دخول منزله (قوله: حيث لا عذر) أي في المنع، فإن كان عذر كفسق أبويها أو إساءة
خلقهما بحيث يحملانها على النشوز وخروجها عن الطاعة فلا يكره منعهما (قوله: فإن كان المسكن الخ) مقابل
المحذوف: أي ما تقدم من جواز المنع له من تمكين دخول غير خادمة واحدة إذا لم يكن المسكن ملكها بأن كان ملكه أو
مستأجره فإن كان ملكها لم يمنع الخ. وقوله لم يمنع شيئا من ذلك: الأولى لم يمنع ذلك ويحذف لفظ شيئا ولفظ من
الجارة لان اسم الإشارة عائد على تمكينها من دخول غير خادمة واحدة فقط وهو شئ واحد، ولا يصح عوده على جميع
ما تقدم من منعها من الخروج من المنزل ومن منعها من التمكين المذكور لان له منعها من الخروج مطلقا سواء كان
مسكنها أو مسكنه ثم رأيت هذه اللفظة سرت له من عبارة فتح الجواد ونصها: وله منعها من أن تمكن من دخول غير خادمة
ولو أبويها أو ابنها وله منعهم أيضا من دخوله وإخراجهم منه وله إخراج سائر أموالها ما عدا خادمها من منزله. نعم: إن كان
المسكن ملكها لم يمنع شيئا من ذلك. اه‍. وهو ظاهر فيها لان المتقدم أشياء متعددة، فإذا كان المسكن ملكها ليس له
أن يمنع شيئا منها.

95
(قوله تتمة) أي في بيان بعض أحكام تتعلق بالنشوز الجلي والنشوز الخفي، وحاصله أنها إذا نشزت نشوزا جليا أو
ظاهرا كأن خرجت من المنزل ثم غاب عنها زوجها وعادت إلى الطاعة بعودها إلى المنزل في حال غيبته فلا تجب عليه
مؤنتها ولو علم ذلك. نعم: إن رفعت أمرها للحاكم وأظهرت له التسليم وكتب الحاكم لحاكم بلده ليعلم بالحال ويحضر
فورا ليستلمها أو يرسل من يستلمها عنه، فإن علم ذلك ولم يفعل ما ذكر وجبت عليه وهو غائب فيفرض القاضي لها من
ماله الحاضر إن كان، وإلا فيقترض لها عليه، وإن نشزت نشوزا خفيا كأن ارتدت بعد الوطئ ثم غاب عنها زوجها أو
امتنعت من تمتعه بها ولم تخرج من المنزل ثم غاب وعادت إلى الطاعة باسلامها في الصورة الأولى وبرجوعها عن
الامتناع من التمتع في الثانية فتجب لها المؤن بمجرد ذلك ولو لم ترفع أمرها إلى الحاكم، لكن بشرط أن يعلم بذلك بأن
ترسل له يعودها إلى الطاعة (قوله: لو نشزت بالخروج من المنزل) أي كان نشوزها بسبب خروجها من المنزل (قوله:
فغاب) أي الزوج (قوله: وأطاعت) أي الزوجة في حال غيبته (قوله: بنحو عودها للمنزل) متعلق بأطاعت، وانظر ما
يندرج تحت قوله نحو مما يحصل به العود إلى الطاعة؟ وهو ساقط من عبارة المغني وهو أولى (قوله: لم تجب مؤنها)
جواب لو (قوله: في الأصح) مقابله يقول مؤنها تجب لعودها إلى الطاعة فإن الاستحقاق زال بخروجها عن الطاعة، فإذا
زال العارض عاد الاستحقاق. اه‍. نهاية (قوله: لخروجها عن قبضته) أي الزوج، وهو علة لعدم وجوب مؤنها. وعبارة
المغني: لانتفاء التسليم والتسلم، إذ لا يحصلان مع الغيبة. اه‍. وهو أولى من عبارتنا (قوله: فلا بد من تجديد تسليم)
أي تسليم نفسها له. وقوله وتسلم: أي منه (قوله: ولا يحصلان) أي التسليم والتسلم. وقوله مع الغيبة: أي غيبة الزوج.
والمراد لا يحصلان بغير الطريق الذي سيذكره (قوله: فالطريق في عود الاستحقاق) أي لها في حال غيبته. وقوله أن
يكتب الحاكم: أي بعد أن ترفع أمرها إليه وتظهر له التسليم. وعبارة فتح الجواد. وإنما يحصل بذلك بأن تبعث وكيلا
لقاضي بلده ليثبت عودها للطاعة عنده أو تثبت هي ذلك عند قاضي بلدها ثم ينهيه إلى قاضي بلده ليعلمه فإذا علم خرج
فورا أو وكل من يذهب إليها ويستلمها وتجب المؤن من حين التسليم، فإن امتنع قدر له مدة يمكن عوده فيها ثم بعدها
يفرض نفقتها في ماله إن كان وإلا اقترض عليه أو أذن لها أن تنفق لترجع. فإن جهل موضعه كتب القاضي لقضاة البلاد
الذين ترد عليهم القوافل من بلده عادة، فإن لم يظهر فرضها من ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها لاحتمال
موته أو طلاقه ويجري ذلك كله فيما لو غاب الزوج عن بلدها وأرادت القرض عليه ابتداء. اه‍ (قوله: فإذا علم) أي
الزوج بعودها إلى الطاعة وعاد إليها من سفره (قوله: أو أرسل الخ) معطوف على عاد أي أو لم يعد ولكن أرسل من
يتسلمها (قوله: أو ترك ذلك) أي العود إليها أو إرسال من يتسلمها. وقوله لغير عذر: خرج به ما إذا منعه من العود أو
التوكيل عذر فلا يعود الاستحقاق ولا يفرض عليه القاضي شيئا لعدم تقصيره (قوله: وقضية الخ) مبتدأ خبره أن النفقة تعود
الخ، وقوله قول الشافعي: أي أن النفقة تجب بالعقد فمقول القول محذوف معلوم مما سبق ومن التعليل الآتي. وقوله
تعود عند عودها للطاعة: أي مطلقا سواء حصل تجديد تسليم وتسلم أم لا. وهذا هو مقابل الأصح المار (قوله: لان
الموجب في القديم الخ) لا يخفي ما في هذا التعليل: إذ هو عين القول القديم فلا يصح أن يؤتى به ويجعل علة لقضيته.
وإذا علمت ذلك فكان الأولى تقديمه على قوله أن النفقة تعود الذي هو خبر عن قضية الخ. وحذف لام الجر مع لفظ في
القديم وجعله مقولا لقول الشافعي في القديم بأن يقول: وقضية قول الشافعي في القديم: ان الموجب، أي للنفقة،
العقد لا التمكين أن النفقة تعود الخ (قوله: وبه قال مالك) أي بمقتضى قول الشافعي القديم قال مالك (قوله: وصرحوا

96
الخ) صنيعه يقتضي أنه تأييد للقضية المذكورة وليس كذلك لان القضية المذكورة مفروضة في النشوز الجلي وهو الخروج
من المنزل، وما صرحوا به مفروض في الخفي وهو الردة، وبينهما فرق، فلا يصح أن يكون تأييدا وساقه في التحفة لأجل
بيان مخالفة النشوز بالردة للنشوز بالخروج عن المسكن وذكره عقب قوله ولا يحصلان مع الغيبة بلفظ، وبه فارق نشوزها
بالردة الخ. اه‍. فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى. وقوله أن نشوزها بالردة، أي الحاصل بسب الردة. وقوله يزول: أي
النشوز فتستحق النفقة من وقته لكن حيث أعلمته به، كما في ع ش، وقوله مطلقا: أي سواء حصل تجديد تسليم وتسلم
بالطريق الذي ذكره أم لا (قوله: لزوال المسقط) أي للنفقة وهو الردة. وكتب الرشيد: قوله: لزوال المسقط أي مع كونها
في قبضته ليفارق نظيره. اه‍. (قوله: وأخذ منه) أي من كون النشوز بالردة يزول بالاسلام مطلقا لزوال المسقط، ووجه
المناسبة بين المأخوذ والمأخوذ منه ان النشوز في كل منهما خفي (قوله: لو نشزت في المنزل) أي نشزت وهي في المنزل
بنوع خفي من أنواع النشوز (قوله: ثم عادت للطاعة) أي بصريح لفظ يدل عليه. وقوله عادت نفقتها: أي مطلقا أيضا
لزوال المسقط وهو منعها نفسها منه (قوله: وهو كذلك الأصح) هذا من جملة كلام الأذرعي فكان ينبغي أن يزيد قبله لفظ
قال. اه‍. رشيدي. قال في التحفة بعده: قال وحاصل ذلك الفرق بين النشوز الجلي والنشوز الخفي. اه‍. ويتجه أن
مراده بعودها للطاعة إرسال إعلامه بذلك، بخلاف نظيره في النشوز الجلي. وإنما قلنا ذلك لان عودها للطاعة من غير
علمه بعيد، كما هو ظاهر، وهل إشهادها عند غيبته وعدم حاكم كإعلامه؟ فيه نظر. وقياس ما مر في نظائره نعم. اه‍.
ومثله في النهاية (قوله: ولو التمست زوجة الخ) هذه مسألة مستقلة، فكان الأولى أن يقول فرع لو الخ. كعادته، وكما في
التحفة. وقوله من القاضي: متعلق بالتمست (قوله: أن يفرض الخ) المصدر المؤول مفعول التمست. وقوله فرضا عليه:
أي على زوجها الغائب (قوله: اشترط) أي في فرض القاضي لها فرضا، وقوله ثبوت النكاح: أي بعدلين، وقوله
وإقامتها: بالرفع عطفا على ثبوت المضاف: أي واشترط أيضا إقامة الزوجة في مسكن الغائب. ويحتمل أنه بالجر عطفا
على المضاف إليه. وقوله وحلفها: بالرفع لا غير معطوف على ثبوت أيضا: أي واشترط حلفها على أنها تستحق النفقة
لكونها قد مكنته ولم تنشز. وقوله وأنها لم تقبض: أي وحلفها على أنها لم تقبض من زوجها الغائب نفقة مدة مستقبلة
وهي مدة الغيبة (قوله: فحينئذ) أي فحين إذ ثبت نكاحها وإقامتها في المنزل وحلفت على ما ذكر يفرض القاضي لها عليه
نفقة المعسر ولو كان ما يفرضه من الدراهم. قال في التحفة بعده: ويظهر أن محل ذلك، أي الفرض المذكور، إن كان له
مال حاضر بالبلد تريد الاخذ منه، وإلا فلا فائدة للفرض إلا أن يقال له فائدة: هي منع المخالف من الحكم بسقوطها
بمضي الزمان، وأيضا فيحتمل ظهور مال له بعد فتأخذ منه من غير احتياج لرفع إليه. اه‍. (قوله: إلا إن ثبت يساره) أي
فيفرض لها نفقة الموسر.
فائدة: تتعلق بالمسألة المذكورة في سم ما نصه. (سئل) شيخنا الشهاب الرملي عن امرأة غاب عنها زوجها وترك
معها أولادا صغارا ولم يترك عندها نفقة ولا أقام لها منفقا وضاعت مصلحتها ومصلحة أولادها وحضرت إلى حاكم شافعي
وأنهت له ذلك وشكت وتضررت وطلبت منه أن يفرض لها ولأولادها على زوجها نفقة، ففرض لهم عن نفقتهم نقدا معينا
في كل يوم وأذن لها في إنفاق ذلك عليها وعلى أولادها أو في الاستدانة عليه عند تعذر الاخذ من ماله والرجوع عليه بذلك
وقبلت ذلك منه، فهل التقدير والفرض صحيح؟ وإذا قدر الزوج لزوجته نظير كسوتها عليه حين العقد نقدا كما يكتب في
وثائق الأنكحة ومضت على ذلك مدة وطالبته بما قدر لها عن تلك المدة وادعت عليه بذلك عند حاكم شافعي واعترف به
وألزمه فهل إلزامه صحيح أم لا؟ وهل إذا مات الزوج وترك زوجته ولم يقدر لها كسوة وأثبتت وسألت الحاكم الشافعي أن

97
يقدر لها عن كسوتها الماضية التي حلفت على استحقاقها نقدا وأجابها لذلك وقدره لها كما تفعله القضاة الآن فهل له ذلك
أو لا؟ وهل ما تفعله القضاة من الفرق للزوجة والأولاد عن النفقة أو الكسوة عند الغيبة أو الحضور نقدا صحيح أو لا.
فأجاب: تقدير الشافعي في المسائل الثلاث صحيح إذ الحاجة داعية إليه، والمصلحة تقتضيه فله فعله ويثاب
عليه، بل قد يجب عليه. اه‍ (قوله: فرع في فسخ النكاح) أي بالاعسار بالمؤن، وقد ترجم الفقهاء له بباب مستقل
والأصل فيه خبر الدارقطني والبيهقي الآتي وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا أعسر الزوج مالا وكسبا لائقا بأقل نفقة أو
كسوة أو مهر وجب قبل وطئ ولم تصبر زوجته فلها الفسخ بالطريق الآتي بيانه، أما لو امتنع من الانفاق وهو موسر أو متوسط
أو معسر لا عن أقل نفقة أو كسوة سواء حضر أو غاب فليس لها الفسخ وإن انقطع خبره على المعتمد الذي عليه النووي
والرافعي (قوله: وشرع) أي الفسخ، وقوله دفعا لضرر المرأة: أي تضررها بعد النفقة أو الكسوة أو المهر (قوله: يجوز
لزوجة الخ) أي ويجوز لها الصبر فهي مخيرة بين الفسخ وبين الصبر (قوله: أي بالغة عاقلة) أي ولو كانت سفيهة فهي
كالرشيدة هنا (قوله: لا لولي غير المكلفة) أي لا يجوز الفسخ لولي غير المكلفة، وكذا ولي المكلفة بالأولى، وعبارة
التحفة والنهاية: لا لولي امرأة حتى صغيرة ومجنونة الخ. اه‍. وإنما لم يجز الفسخ للولي لان الفسخ بذلك يتعلق
بالشهوة والطبع فلا يفوض لغير مستحقه، وإذا لم تجز الفسخ له تكون النفقة في مالها إن كان وإلا فعلى من تلزمه قبل
النكاح وإن كانت تصير دينا على الزوج (قوله: فسخ الخ) فاعل يجوز. وقوله أي زوج: أفاد به أن من نكرة موصوفة.
وقوله أعسر الخ: الحاصل شروط هذه المسألة خمسة تعلم من كلامه: الأول الاعسار فخرج ما إذا امتنع مع عدم
الاعسار، الثاني كونه بالنفقة أو الكسوة أو المسكن أو المهر بشرطه الآتي فخرج ما إذا أعسر بنحو الأدم، الثالث كون
النفقة لها فخرج ما إذا أعسر بنفقة الخادم، الرابع كون الاعسار بنفقة المعسر فخرج ما إذا أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط
مع القدرة على نفقة المعسر، الخامس كون النفقة مستقبلة فخرج ما لو أعسر بالنفقة الماضية (قوله: مالا وكسبا)
منصوبان على التمييز: أي أعسر من جهة المال ومن جهة الكسب فليس عنده مال ولا قدرة على كسب ينفق عليها من
أحدهما (قوله: لائقا به) صفة لكسبا وليس بقيد بل مثل اللائق غيره إذا أراد تحمل المشقة بمباشرته، كما في التحفة،
وقوله حلالا: صفة ثانية وخرج به الحرام فلا أثر لقدرته عليه فلها الفسخ قال في التحفة: وأما قول الماوردي والروياني
الكسب بنحو بيع الخمر كالعدم وبنحو صنعة آلة لهو محرمة له أجرة المثل فلا فسخ لزوجته، وكذا ما يعطاه منجم وكاهن
لأنه عن طيب نفس فهو كالهبة فردوه بأن الوجه أنه لا أجرة لصانع محرم لاطباقهم على أنه لا أجرة لصانع آنية النقد
ونحوها، وما يعطاه نحو النجم إنما يعطاه أجرة لا هبة فلا وجه لما قالاه. اه‍ (قوله: بأقل نفقة) متعلق بأعسر. وقوله
تجب: أي النفقة في المستقبل، والمراد تجب لها بدليل قوله في المفاهيم ولا بنفقة الخادم، وكان الأولى التصريح به لان
ما ذكر هو محترزه (قوله: وهو) أي أقل النفقة مد (قوله: أو أقل كسوة) معطوف على أقل نفقة: أي أو أعسر بأقل كسوة.
وقوله تجب: أي لها في المستقبل كالذي قبله (قوله: كقميص الخ) تمثيل لأقل الكسوة (قوله: بخلاف الخ) مرتبط
بمحذوف يعلم من عبارة الفتح الآتي نقلها تقديره، والمراد بأقل الكسوة ما لا بد منه كقميص الخ بخلاف نحو سراويل
الخ - إلا أن قوله وفرش وما بعده لا يناسب ذكره هنا لأنه ليس من أنواع الكسوة وعبارة فتح الجواد ليس فيها ذلك ونصها مع
الأصل أو عن أقل كسوة وهي كسوة المعسر إذ لا بقاء بدونها غالبا وقيد ابن الصلاح البعض: أي المفهوم من لفظ أقل بما
لا بد منه كخمار وجبة شتاء بخلاف نحو نعل وسراويل واختاره الزركشي وهو متجه. اه‍. بزيادة يسيرة. إذا علمت ذلك
فكان الأولى للشارح أن لا يذكره هنا وأن يزيد ما قدرته. وقوله وفرش الخ: في ع ش ما نصه: وبحث م ر الفسخ بالعجز
عما لا بد منه من الفرش بأن يترتب على عدمه الجلوس والنوم على البلاط والرخام المضر ومن الأواني كالذي يتوقف عليه

98
نحو الشرب. اه‍. سم (قوله: لعدم بقاء الخ) تعليل لجواز الفسخ بالاعسار بأقل النفقة وأقل الكسوة، وقوله بدونهما: أي
أقل النفقة وأقل الكسوة (قوله: فلا فسخ بالاعسار بالأدم) هذا محترز قوله عن أقل نفقة بناء على أن المراد بأقل النفقة ما لا
تقوم النفس بدونه كما أشار إليه الشارح بقوله فيما تقدم وهو مد: أي لا غيره، وقوله وإن لم يسغ القوت: أي بدون الأدم،
فالمتعلق محذوف وقوله ولا بنفقة الخادم قد علمت أن هذا محترز ما قدرته وهو لفظ لها. وقوله ولا بالعجز عن النفقة
الماضية محترز قوله نفقة تجب ومثل العجز عن النفقة الماضية العجز عن الكسوة الماضية أيضا فلا فسخ به.
واعلم: أن ما ذكر من الأدم ونفقة الخادم والنفقة الماضية وإن كان لا يحصل الفسخ بالعجز عنها يصير دينا حتى في
ذمة المعسر لأنها في مقابلة التمكين وقد وجد. وقوله كنفقة الأمس: تمثيل للنفقة الماضية. وقوله وما قبله: أي قبل الأمس
(قوله: لتنزيلها الخ) علة لعدم جواز الفسخ بالعجز عن النفقة الماضية فقط لا كما يفيده صنيعه أنه علة لجميع ما قبله أي
وإنما لم يجز الفسخ بالعجز عنها لأنها منزلة منزلة دين آخر غير النفقة الماضية الكائنة عليه لها وتوضيح ذلك أنها إذا كان
لها دين غير دين النفقة عند زوجها وأعسر به فليس لها الفسخ به، فكذلك دين النفقة الماضية لأنها منزلة منزلته (قوله: أو
أعسر بمسكن) معطوف على أعسر بأقل الخ: أي ويجوز فسخ نكاح من أعسر بمسكن ولم يقل بأقل مسكن كسابقه لعدم
تصور الأقل فيه: إذ الواجب على المعسر مسكن لائق بحالها بخلاف سابقيه، فإن الواجب فيهما ما يليق بحاله يسارا
وإعسارا أو توسطا فيتصور فيهما أقل ووسط وأكثر، وإنما كان لها الفسخ بعجزه عن المسكن لشدة الحاجة إليه كالنفقة،
وخالف بعضهم فجعله كالأدم، وهو ضعيف (قوله: وإن لم يعتادون) غاية في كونها لها الفسخ بالاعسار المسكن: أي لها
الفسخ بذلك وإن لم يعتد أهل محلتها المسكن (قوله: أو أعسر بمهر الخ) معطوف على أعسر بأقل نفقة أيضا: أي
ويجوز لها فسخ نكاح من أعسر بمهر لكن بشروط أربعة مذكورة في كلامه: أن يكون واجبا بتسمية وبدونها، وأني يكون
حالا، وأن لا تقبض منه شيئا، وأن يكون إعساره به قبل وطئها طائعة، فلا فسخ بإعساره بغير الواجب كمفوضة قبل
الفرض، وذلك لأنها إذا فوضت لوليها المهر بأن قالت له زوجني بما شئت فلا يجب على الزوج إلا بعد أن يفرضه على
نفسه أو يفرضه الحاكم عليه، كما تقدم، ولا بغير الحال ولا بعد قبضها منه شيئا ولا بعد الوطئ (قوله: واجب) صفة لمهر
وهو الشرط الأول. وقوله حال: صفة ثانية وهو الشرط الثاني. وقوله لم تقبض منه شيئا: الجملة صفة ثالثة وهو الشرط
الثالث. وقوله حال الخ: هو الشرط الرابع. وقوله به أي بالمهر (قوله: قبل وطئ طائعة) أي قبل وطئها حال كونها طائعة
(قوله: فلها الفسخ) أي إذا أعسر بالمهر بدليل سياق كلامه وليس مرتبطا بجميع ما قبله وأعاده - مع أنه معلوم - لأجل العلة
بعده وهي قوله للعجز الخ (قوله: عن تسليم العوض) هو المهر (قوله: مع بقاء المعوض بحاله) هو البضع، وذلك لان
تلفه إنما هو بالوطئ، فإذا لم يوجد بقي على حاله. والقاعدة أنه إذا لم يسلم أحد العاقدين العوض وكان المعوض باقيا
بعينه رجع فيه مالكه وفسخ العقد (قوله: وخيارها) أي في الفسخ. وقوله حينئذ: أي حين إذا أعسر بالمهر المذكور،
وليس والمراد حينئذ أعسر بأقل النفقة وبأقل الكسوة وبالمسكن وبالمهر فيكون راجعا لجميع ما قبله لأنه غير صحيح: إذ
الفورية خاصة في الخيار بالاعسار بالمهر. وأما ما عداه فسيصرح المؤلف بأنه بعد توفر شروط الفسخ يمهل ثلاثة أيام،
وحينئذ فلا يكون فوريا. وقوله عقب الرفع: قال ع ش: أما الرفع نفسه فليس فوريا، فلو أخرت مدة ثم أرادته مكنت.
والفرق أنه بعد الرفع ساغ لها الفسخ فتأخيرها رضا بإلاعسار وقبل الرفع لم تستحق الفسخ الآن لعدم الرفع المقتضي لاذن
القاضي لاستحقاقها الفسخ. وقوله فوري: قال في شرح الروض: وعلم من كونه على الفور بعد الطلب أنه لا يمهل ثلاثة
أيام ولا دونها وبه صرح الماوردي والروياني. قال الأذرعي: وليس بواضح بل قد يقال بأن الامهال هنا هو أولى لأنها
تتضرر بتأخير النفقة، بخلاف المهر. اه‍. قال سم: وما قاله الأذرعي هو الوجه، والفورية إنما تعتبر بعد الامهال. اه‍

99
(قوله: فيسقط الفسخ) أي خياره فليس لها الخيار بالفسخ إذا أخرته بلا عذر عن الرفع إلى الحاكم أو عن الامهال على ما
قاله الأذرعي، واستوجهه سم، وقوله كجهل مثال للعذر، فإذا جهلت أن الخيار فوري وأخرته عن الرفع المذكور لها
الفسخ بعد ذلك (قوله: ولا فسخ بعد الوطئ) أي طائعة وكان حقه أن يذكره كما ذكره فيما تقدم لأجل أن يلائم التفريع
بعده (قوله: لتلف المعوض) تعليل لعدم جواز الفسخ: يعني ليس لها الفسخ بما ذكر لكون المعوض، وهو البضع، قد
تلف بالوطئ، والعوض، وهو المهر، صار دينا في ذمته بتمكينها له لأنه يشعر برضاها بذمته. والفسخ لا يتصور إلا إذا كان
المعوض باقيا بحاله، والعوض ليس في الذمة، فصار حكمه حينئذ حكم عجز المشتري عن الثمن بعد قبض المبيع وتلفه
(قوله: فلو وطئها مكرهة) محترز طائعة التي قدرتها أو التي ذكرت في كلامه (قوله: فلها الفسخ بعده) أي بعد وطئها
الذي أكرهت عليه لان وجوده كعدمه، وقوله أيضا: أي كقبل الوطئ (قوله: قال بعضهم الخ) مرتبط بقوله ولا فسخ بعد
الوطئ فالاستثناء منه، فكان الأولى تقديمه على قوله ولو وطئها مكرهة. واستوجه في النهاية القول المذكور وقوله له: أي
للزوج وقوله وهي صغيرة: أي والحال أنها صغيرة: أي أو مجنونة. وقوله بغير مصلحة: متعلق بسلمها والمصلحة كأن
كانت تحتاج إلى الانفاق وليس هناك من ينفق عليها فيسلمها له لأجل الانفاق (قوله: فلها الفسخ حينئذ) أي حين إذ
سلمها الولي بغير مصلحة وحبست نفسها عنه عقب بلوغها أو عقب إفاقتها من الجنون، وقوله إن عجز عنه: أي عن المهر
(قوله: ولو بعد الوطئ) الأولى عدم ذكر هذه الغاية لان الاستثناء من قوله ولا فسخ بعد الوطئ، كما علمت (قوله: لان
وجوده) أي الوطئ: وقوله هنا: أي في حالة ما إذا سلمها الولي له بغير مصلحة. وقوله كعدمه: أي الوطئ (قوله: أما إذا
قبضت بعضه) مفهوم قوله لم تقبض منه شيئا (قوله: فلا فسخ لها) أي بعجزه عن بقيته (قوله: على ما أفتى الخ) أي أن
عدم الفسخ مبني على ما أفتى به الخ، وهذا هو المعتمد عند ابن حجر. قال: لان البضع لا يقبل التبعيض فبأداء البعض
يدور الامر بين أن يغلب عليه حكم المقبوض أو حكم غيره، والأول أولى لتشوف الشارع إلى بقاء النكاح. اه‍. وقوله
حكم المقبوض: أي فلا فسخ. وقوله أو حكم غيره: أي فيثبت الفسخ. وقال في التحفة: وفارق جواز الفسخ بالفلس
بعد قبض بعض الثمن بإمكان التشريك فيه دون البضع. اه‍ (قوله: وقال البارزي كالجوهري لها الفسخ) أي لأنه يلزم
على عدم جوازه إجبارها على تسليم نفسها بتسليم بعض الصداق ولو درهما واحدا من صداق هو ألف درهم وهو في غاية
البعد، وقوله واعتمده الأذرعي: أي وقال هو الوجه نقلا ومعنى، واعتمد هذا الخطيب في مغنيه أيضا (قوله: يتحقق
العجز) أي المثبت للفسخ. وقوله عما مر: أي من أقل النفقة وأقل الكسوة والمسكن والمهر (قوله: بغيبة ماله) أي الزوج
(قوله: لمسافة القصر) خرج غيبته لدون مسافة القصر فلا يتحقق العجز بها لأنه في حكم الحاضر فيكلف إحضاره عاجلا
(قوله: فلا يلزمها الصبر) أي فلها الفسخ حالا لتضررها بالانتظار الطويل. قال في شرح الروض: وفرق البغوي بين غيبته
موسرا وغيبة ماله بأنه إذا غاب ماله فالعجز من جهته، وإذا غاب هو موسرا فقدرته حاصلة والتعذر من جهتها. اه‍ (قوله:
إلا إن قال أحضر الخ) أي فيلزمها الصبر، وعبارة شرح المنهج: نعم، لو قال أنا أحضره مدة الامهال فالظاهر إجابته ذكره
الأذرعي وغيره. اه‍. وقوله مدة الامهال: قال في الجمل أي إمهال المعسرين وهي ثلاثة أيام، فإذا لم يحضره فيها أمهل
ثلاثة أخرى، فإذا لم يحضره فيها فسخت ولا يمهل مدة ثالثة. اه‍. شيخنا. اه‍. ثم إن هذا في غير الاعسار بالمهر لأنه

100
ليس فيه إمهال بل الفسخ فيه فوري، كما علمت (قوله: أو بتأجيل دينه الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز
أيضا بتأجيل دينه الذي له على غيره إن كان الاجل بقدر مدة إحضار ماله الغائب بمسافة القصر فما فوق، فإن كان بدون
قدر ذلك فلا يتحقق العجز به (قوله: أو بحلوله الخ) معطوف على بغيبة ماله أي ويتحقق العجز أيضا بحلول الدين مع
كون المدين معسرا، وقوله ولو الزوجة: أي ولو كان المدين الزوجة (قوله: لأنها الخ) تعليل للأخير، وقوله لا تصل
لحقها: أي لكون الزوج ليس عنده إلا الدين الذي على معسر وقوله والمعسر منظر كالعلة لقوله لا تصل لحقها، وإنما كان
منظرا لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (قوله: وبعدم وجدان الخ) معطوف على بغيبة ماله: أي
ويتحقق العجز بعدم وجدان المكتسب من يستعمله لأنه حينئذ في حكم المعسر وقوله إن غلب ذلك: أي إن كان عدم
وجود من يستعمله غالبا لا نادرا: أي وتعذرت النفقة لذلك، كما في حاشية الجمل نقلا عن الروض وشرحه، ونص
عبارته: وإن كانت تحصل البطالة على الجعلاء: أي العملة بأن لم يجدوا من يستعملهم وتعذرت النفقة لذلك وكان ذلك
يقع غالبا لا نادرا جاز لها الفسخ لتضررها. اه‍. وفي النهاية: فلو كان يكتسب في كل يوم ما يفي بثلاثة ثم
يبطل ثلاثة ثم يكتسب ما يفي بها فلا فسخ لعدم مشقة الاستدانة حينئذ فصار كالموسر، ومثله نحو نساج ينسج في الأسبوع ثوبا أجرته
تفي بنفقة الأسبوع، ومن تجمع له أجرة الأسبوع في يوم منه وهي نفي بنفقة جميعه، وليس المراد أنا نصبرها أسبوعا بلا
نفقة، وإنما المراد أنه في حكم واحد نفقتها وينفق مما استدانه لامكان الوفاء. ويعلم من ذلك أنا مع كوننا نمكنها من
مطالبته ونأمره بالاستدانة والانفاق لا نفسخ عليه لو امتنع لما تقرر أنه في حكم الموسر الممتنع. اه‍. (قوله: أو بعروض)
معطوف على بغيبة ماله: أي ويتحقق العجز أيضا بعروض مانع كمرض يمنعه عن الكسب، ولا بد من تقييد ذلك بكونه لا
يتوقع زوال المانع عن قرب، كما يفيده عبارة التحفة والنهاية ونصهما: ولا أثر لعجزه إن رجى برؤه قبل مضي ثلاثة
أيام. اه‍. وفي الروض وشرحه: فلو أبطل من كان يكتسب في الأسبوع نفقة جميعه الكسب أسبوعا لعارض فسخت
لتضررها لا لامتناع له من الكسب فلا تفسخ اه‍. (قوله: فائدة) أي في بيان حكم ما إذا كان عند زوجة الغائب بعض ماله
وكان معسرا بما مر (قوله: من صداق الخ) بيان للدين الحال. وقوله أو غيره: أي غير الصداق كدين نفقة المدة الماضية
أو الحاضرة أو دين آخر غيرها (قوله: وكان عندها) أي زوجة الغائب. وقوله بعض ماله: أي الغائب، (وقوله: وديعة) أي
على سبيل الوديعة والأمانة (قوله: فهل لها) أي لزوجة الغائب. وقوله أن تستقل: أي من غير حاكم. وقوله بأخذه: أي
بعض مال الغائب، وقوله لدينها: أي لأجل دينها الصداق أو غيره، وقوله بلا رفع: هذا هو معنى استقلالها (قوله: ثم) أي
بعد أخذها إياه في مقابلة دينها. وقوله تفسخ به: أي بالاعسار بالنفقة أو نحوها مما مر. وقوله أو لا: أي أو لا تستقل به بل
لا بد من الرفع إلى الحاكم (قوله: بل ترفع الامر إلى القاضي) أي وهو بعد ذلك يأذن لها في أخذه بعد ثبوت دينها عليه
عنده (قوله: لان النظر الخ) علة لعدم جواز استقلالها بالأخذ (قوله: نعم الخ) استدراك من قوله ليس لها الاستقلال الخ.
وقوله إن علمت أنه: أي القاضي. (وقوله: لا يأذن لها) أي في أخذ ما عندها من مال الغائب لدينها (قوله: جاز لها الخ)



(1) سورة البقرة، الآية: 280.
101
جواب إن (قوله: وإذا فرغ المال) أي المودع عندها، والمناسب وإذا أخذت المال في مقابلة مالها عليه (قوله: وأرادت
الفسخ بإعسار الغائب) أي بالنفقة أو بالصداق أو نحوهما (قوله: فإن الخ) أي ففي ذلك تفصيل وهو أنه إن لم يعلم الخ.
وقوله المال: أي الذي كان عندها لزوجها الغائب وأخذته لدينها (قوله: ادعت) أي عند القاضي، وهو جواب إن. وقوله
إعساره: أي بما مر. وقوله وأنه لا مال الخ: أي وادعت أنه لا مال لزوجها الغائب حاضر في البلد، وقوله ولا ترك نفقة:
أي وادعت أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي ببينة أو بإقراره كما سيأتي (قوله: على الأخيرين) أي كونه لا
مال له حاضر وكونه لم يترك لها نفقة (قوله: ناوية الخ) أي لأجل البراءة من الكذب. ومحل هذا إذا ترك لها نفقة فإن لم
يترك لها نفقة أصلا فلا حاجة إليه كما هو ظاهر، وقوله بعدم ترك النفقة: أي وبعدم وجود مال (قوله: وفسخت بشروطه)
أي الفسخ وهي ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليهما (قوله: وإن علم المال) مقابل قوله فإن لم يعلم
المال أحد (قوله: فلا بد من بينة بفراغه) أي فلا بد في فسخها بالاعسار من بينة تشهد بفراغ المال المودع عندها، وقوله
أيضا: أي كما أنه لا بد من بينة على الاعسار ومن حلفها على أنه لا مال له حاضر ولا ترك نفقة مستقبله (قوله: فلا فسخ
الخ) وذلك لانتفاء الاعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلاص حقها في الحاضر بالحاكم بأن يلزمه بالحبس وغيره
وفي الغائب يبعث الحاكم إلى قاضي بلده (قوله: على المعتمد) لا يلائمه التقييد بقوله بعد إن لم ينقطع خبره لأنه
المعتمد عدم الفسخ مطلقا انقطع خبره أو لا، فالصواب إسقاطه (قوله: بامتناع غيره) أي غير من أعسر بأقل النفقة أو أقل
الكسوة أو بالمسكن أو بالصداق بشروطه، وهو صادق بالموسر والمتوسط والمعسر القادر على نفقة المعسرين، فقوله بعد
موسرا أو متوسطا: أي أو معسرا قادرا على ما ذكر (قوله: من الانفاق) متعلق بامتناع: أي فلا فسخ بامتناعه من الانفاق:
أي أو الكسوة أو المسكن أو المهر ومثله امتناع القادر على الكسب من الاكتساب فيجبره الحاكم على الاكتساب (قوله:
حضر أو غاب) الجملة في محل نصب حال من غير: أي حال كون غير المعسر حاضرا في البلد أو غائبا عنها (قوله: إن
لم ينقطع خبره) المعتمد أنه متى امتنع من الانفاق وهو قادر على نفقة المعسرين يمتنع الفسخ مطلقا حضر أو غاب انقطع
خبره أولا. وعبارة شرح م ر: وشمل كلامه من تعذر تحصيلها منه لغيبته وإن طالت وانقطع خبره فقد صرح في الام بأنه لا
فسخ ما دام موسرا وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله: أي ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين أخذا مما يأتي
والمذهب نقل، كما قاله الأذرعي، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى. وإن اختار كثيرون الفسخ، وجزم به الشيخ في شرح
منهجه. اه‍. ومثله في التحفة، وفي ق ل ما نصه: قوله لا فسخ بمنع موسر ولا متوسط سواء حضر أو غاب وإن انقطع
خبره بأن تواصلت القوافل إلى الأماكن التي يظن وصوله إليها ولم تخبر به وإن لم يبلغ العمر الغالب سواء غاب موسرا أو
معسرا أو جهل حاله وإن شهدت بينة بأنه غاب معسرا وهذا ما اعتمده شيخنا. ز ي. وم ر. وقال الأذرعي: إنه نص
الشافعي وما نقل مما يخالف ذلك مردود. نعم: لو شهدت البينة أنه معسر الآن اعتمادا على إعساره السابق على غيبته من
غير أن تصرح بذلك قبلت ولها الفسخ بذلك. وقال شيخ الاسلام في المنهج وغيره وتبعه العلامة الطبلاوي. وغالب
المتأخرين أن لها الفسخ بانقطاع خبره وعزى أيضا لوالد شيخنا م ر في بعض حواشيه وهو غير معتمد له. اه‍ (قوله: فإن
انقطع خبره الخ) مفهوم إن لم ينقطع (قوله: ولا مال له حاضر) أي في البلد، فإن كان له مال حاضر امتنع الفسخ ومثله ما
إذا غاب ماله دون مسافة القصر فيمتنع الفسخ لأنه في حكم الحاضر (قوله: جاز لها الفسخ) جواب إن (قوله: لان تعذر
واجبها) أي الزوجة من النفقة والكسوة ونحوهما مما مر، وهو علة لجواز الفسخ. وقوله بانقطاع خبره: الباء سببية متعلقة
بتعذر (قوله: كتعذره) أي الواجب، والجار والمجرور خبر إن (قوله: كما جزم به) أي بجواز الفسخ عند انقطاع خبره

102
(قوله: وخالفه تلميذه شيخنا) عبارته بعد كلام: فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر
مخالف للمنقول، كما علمت. اه‍. وقد علمت أن م لا مخالف أيضا له (قوله: واختار الخ) هذا قول ثالث أعم مما جزم به
شيخ الاسلام، وهو ضعيف أيضا (قوله: في غائب) أي زوج غائب وهو متعلق باختار، وقوله تعذر تحصيل النفقة: أي
سواء كان التعذر بانقطاع خبره أم لا. ومثل النفقة سائر ما يجب لها: إذ لا فرق بين أنواع ما يجب لها (قوله: الفسخ)
مفعول اختار (قوله: وقواه) أي ما اختاره كثيرون (قوله: وقال) أي ابن الصلاح في فتاويه (قوله: إذا تعذرت النفقة) أي أو
نحوها من كل ما هو واجب لها كما علمت (قوله: لعدم مال حاضر) علة التعذر (قوله: مع عدم إمكان أخذها) أي النفقة،
وقوله منه: أي من الزوج الغائب، وقوله حيث هو: أي في المكان الذي هو مستقر فيه. وقوله بكتاب متعلق بأخذها.
وقوله حكمي: نسبة للحاكم بأن ترفع أمرها لحاكم بلدها ويكتب كتابا لحاكم بلده (قوله: وغيره) أي غير الكتاب
الحكمي (قوله: لكونه لم يعرف الخ) علة لعدم إمكان أخذها منه (قوله: أو عرف) أي موضعه (قوله: ولكن تعذرت
مطالبته) أي لكونه ظالما مثلا (قوله: عرف حاله) أي من تعذر أخذ النفقة منه، وقوله في اليسار والاعسار في بمعنى من
البيانية لحاله، وقوله أو لم يعرف: أي حاله من ذلك (قوله: فلها الفسخ) الجملة جواب إذا (قوله: والافتاء بالفسخ) من
مقول ابن الصلاح. وقوله هو الصحيح: ضعيف (قوله: ونقل شيخنا كلامه) أي كلام ابن الصلاح. وقوله في الشرح
الكبير: هو الامداد (قوله: وقال في آخره) أي وقال شيخنا في آخر كلامه. وقوله وأفتى بما قاله: أي ابن الصلاح (قوله:
إذا لم يكن له) أي لزوجها الغائب. وقوله مال كما سبق: أي حاضر مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو (قوله: لها الفسخ)
جواب إذا (قوله: لقوله تعالى وما جعل الخ) علة لكونها لها الفسخ (قوله: بعثت بالحنيفية) أي بالطريق الحنيفية: أي
المائلة عن سائر الأديان إلى الدين الحق القيم. وقوله السمحة: أي السهلة التي لا يكلف فيها أحد إلا وسعه، وقوله ولان
مدار الفسخ على الاضرار: أي أصل الفسخ مرتب على إضرار الزوجة (قوله: موجود فيها) أي في المرأة، وقوله إذا لم
يكن الخ: قيد في وجود الضرر فيها، وقوله وإن كان موسرا: غاية في وجود الضرر حينئذ (قوله: إذ سر الفسخ الخ)
الأولى حذف هذا والاقتصار على قوله بعد لا سيما الخ لأنه عين قوله ولان مدار الفسخ الخ (قوله: فيكون تعذر الخ) مفرع
على كونها إذا لم يكن له مال كما سبق، وقوله حكمه حكم الاعسار: أي وهو كونه يثبت الفسخ (قوله: وبالجملة) أي
فأقول قولا متلبسا بجملة الكلام وحاصله (قوله: عدم جواز الفسخ كما سبق) أي على الوصف الذي سبق وهو كونه في



(1) سورة الحج، الآية: 78.
103
غائب تعذر تحصيل النفقة منه (قوله: والمختار الجواز) أي جواز الفسخ وهو ضعيف كما علمت (قوله: وجزم) أي ابن
زياد، وقوله في فتيا له أخرى: أي غير هذه الفتيا التي اختار فيها الجواز، وقوله بالجواز: أي جواز الفسخ حينئذ (قوله:
ولا فسخ بإعسار بنفقة الخ) هذا كالتقييد لجواز الفسخ بالاعسار المار فكأنه قال محله إذا ثبت الاعسار وإلا لم يجز الفسخ
(قوله: ونحوها) أي النفقة كالكسوة والمسكن (قوله: قبل ثبوت الخ) الظرف متعلق بمحذوف خبر لا: أي لا فسخ كائن
قبل ثبوت الاعسار (قوله: بإقراره) متعلق بثبوت (قوله: أو بينة) معطوف على إقراره (قوله: تذكر) أي البينة في الشهادة،
وقوله إعساره الآن: أي إذا أرادت البينة تشهد بالاعسار لا بد من أن نقول أنه معسر الآن سواء كانت معتمدة في ذلك على
ما كان من إعساره حال الغيبة أم لا بدليل قوله ويجوز للبينة الخ (قوله: ولا تكفي الخ) المقام للتفريع على قوله تذكر
إعساره الآن: أي فلا تكفي بينة تذكر أنه غاب عنهم وهو معسر وذلك لاحتمال طرو الغنى له بعد غيبته والذي يظهر أن
الاقرار ميل البينة فلا بد من إقراره بأنه معسر الآن. فلو أقر بأنه كان معسرا فلا يكفي للعلة المذكورة (قوله: ويجوز للبينة
الخ) يعني يجوز للبينة الاقدام على الشهادة بإعساره الآن اعتمادا على حالة الزوج التي غاب وهو متلبس بها وهي الاعسار
ويقبلها القاضي وإن علم أنها إنما شهدت معتمدة على ما كان عليه. وقوله أو يسار: الأولى إسقاطه، إذ الكلام في
الاعسار (قوله: ولا تسئل الخ) أي ولا يسأل القاضي البينة إذا شهدت بالاعسار ويقول لها من أين لك أنه معسر الآن؟
(قوله: فلو صرح بمستنده) أي فلو صرح الشاهد بمستنده في شهادته بإعساره الآن وهو استصحاب حالته التي غاب وهو
متلبس بها، والأولى أن يقول فلو صرحت بمستندها بتأنيث الضمير العائد على البينة وقوله بطلت الشهادة في التحفة ما
يقتضي تقييد البطلان بما إذا ذكرته على سبيل الشك لا على سبيل التقوية ونصها بعد كلام: بل لو شهدت بينة أنه غاب
معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي. اه‍. وسيأتي
للشارح مثل هذا في آخر فصل الشهادات نقلا عن ابن أبي الدم وعبارته هناك: وشرط ابن أبي الدم في الشهادات
بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة ومثلها الاستصحاب، ثم اختار، وتبعه السبكي وغيره، أنه إن ذكره تقوية
لعلمه بأن جزم بالشهادة، ثم قال: مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا فلا. اه‍. بحذف (قوله:
عند قاض) متعلق بثبوت (قوله: أو محكم) قال في النهاية: بشرطه. اه‍. وكتب ع ش: قوله بشرطه، أي بأن يكون
مجتهدا ولو مع وجود قاض أو مقلدا وليس في البلد قاضي ضرورة. اه‍ (قوله: فلا بد) أي في صحة الفسخ، وقوله من
الرفع إليه: أي رفع أمرها إلى من ذكر من القاضي أو المحكم، ولا بد أيضا من ثبوت إعساره عنده (قوله: فلا ينفذ) أي
الفسخ منها وهو مفرع على فلا بد الخ. وقوله قبل ذلك: أي قبل الرفع إليه (قوله: ولا يحسب عدتها) أي إذا فسخت
بالشروط المذكورة. وقوله إلا من الفسخ: أي لا من الرفع للقاضي (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة (قوله: فإن فقد
قاض الخ) مفرع في كلامه على عدم جواز الفسخ حتى يثبت إعساره عند قاض أو محكم وقوله بمحلها: أي الزوجة،
والجار والمجرور متعلق بفقد: أي فقد في محلها من ذكر (قوله: أو عجزت عن الرفع الخ) أي أو لم يفقد القاضي أو
المحكم لكن عجزت عن الرفع. وقوله إلى القاضي: أي أو المحكم. ولو قال أو عجزت عن الرفع إليه بالضمير العائد
على من ذكر من القاضي والمحكم لوفى بالمراد وسلم من الاظهار في محل الاضمار، والمراد بالعجز الشرعي لان العجز
الحسي، وهو الفقد، قد ذكره بقوله فإن فقد قاض (قوله: كأن قال الخ) تمثيل للعجز عن الرفع ويمثل أيضا بما إذا فقد

104
الشهود أو غابوا. وقوله لا أفسخ حتى تعطيني مالا قال ع ش: ظاهره وإن قل وقياس ما مر في النكاح من أن شرط جواز
العدول عن القاضي للمحكم غير المجتهد حيث طلب القاضي مالا أن يكون له وقع جريان مثله هنا. اه‍ (قوله: استقلت
بالفسخ) أي بشرط الامهال الآتي وهو جواب إن (قوله: وينفذ) أي الفسخ إذا استقلت به (قوله: ظاهرا) أي بحسب ظاهر
الشرع فلها أن تتزوج بعد انقضاء العدة (قوله: وكذا باطنا) أي ينفذ باطنا: أي بحسب ما بينها وبين الله (قوله: خلافا لمن
قيد) أي النفوذ. وقوله بالأول: هو نفوذه ظاهرا فقط (قوله: لان الفسخ الخ) علة للنفوذ مطلقا ظاهرا وباطنا، وقوله على
أصل صحيح: وهو الاعسار بما مر. وقوله وهو: أي بناؤه على أصل صحيح مستلزم لنفوذه باطنا، ولا ينافيه أن شرط نفوذه
ثبوت الاعسار عند القاضي أو المحكم لان محله إذا لم تعجز عنه (قوله: جزموا بذلك) أي بالنفوذ باطنا ممن جزم به شيخ
الاسلام في شرح الروض ونص عبارته: فإن استقلت بالفسخ لعدم حاكم ومحكم ثم أوجرت عن الرفع نفذ ظاهرا وباطنا
للضرورة. اه‍ (قوله: وفي فتاوى شيخنا ابن زياد الخ) هو مع ما بعده تأييد لما قاله شيخه ابن حجر.
والحاصل: الذي يستفاد من هذه النقول أن محل وجوب الرفع إلى القاضي أو المحكم وثبوت الاعسار عنده عند
الامكان فإن لم يمكن ذلك لفقد القاضي أو المحكم أو لطلبه مالا أو لفقد الشهود أو غيبتهم جاز لها الفسخ بنفسها مع
الاشهاد عليه (قوله: لو عجزت المرأة عن بينة الاعسار) أي لفقدهم أو لغيبتهم (قوله: جاز الخ) جواب لو (قوله: إذا
تعذر القاضي) أي والمحكم (قوله: أو تعذر الاثبات) أي أو لم يتعذر القاضي ولكن تعذر إثبات الاعسار عنده، وقوله
لفقد الخ: علة تعذر الاثبات: أي وإنما تعذر إثبات الاعسار لفقد الشهود أو غيبتهم عن البلد (قوله: فلها أن تشهد
بالفسخ) جواب إذا ومفاد هذا أنه لا بد من الاشهاد ولم يتعرض ابن حجر لذلك ويمكن أن يقال إن عدم تعرضه له لكونه
معلوما لأنه لا بد من الاشهاد على الفسخ (قوله: وتفسخ بنفسها) أي وتستقل بالفسخ بنفسها لتعذر القاضي (قوله: كما
قالوا الخ) أي قياسا على قولهم في المرتهن الخ. وقوله إذا غاب الراهن: وقد حل الاجل وأراد المرتهن استيفاء حقه منه.
(قوله: وتعذر إثبات الرهن) أي لفقد الشهود أو لغيبتهم أو لكون القاضي يطلب مالا (قوله: أن له) أي للمرتهن وهو مقول
القول، وقوله بيع الرهن: أي المرهون، وقوله دون مراجعة قاض: أي من غير أن يراجع المرتهن القاضي (قوله: بل
هذا) أي فسخها بنفسها عند تعذر القاضي أو الشهود، وقوله أهم: أي من بيع المرتهن الرهن عند تعذر ذلك لتضررها
بعدم الفسخ، وقوله أعم وقوعا: أي أكثر وجودا وحصولا (قوله: فإذا توفرت شروط الفسخ من ملازمتها المسكن الخ)
فيه أنه لم يبين فيما تقدم أن شروط الفسخ ملازمتها الخ، وصنيعه يوهم أنه قد تقدم منه ذلك وأيضا هذه ليست شروطا
للفسخ لأنه قد نص على أن شرط الفسخ الاعسار بما مر والاعسار له قيود، وهي: أن يكون بأقل النفقة أو الكسوة أو
المسكن أو المهر، وأن يثبت عند القاضي بإقراره أو بينة، ولو سلم أن شروط النفقة شروط للفسخ بالاعسار بطريق
اللزوم، إذ المراد بالاعسار الاعسار بنحو النفقة، ولا يقال ذلك إلا إذا كان ثابتا عليه وهو لا يثبت عليه إلا بملازمتها
المسكن ونحوه من كل ما لا يسقط النفقة، فكان ينبغي أن ينص عليه بأن يقول: وشرط للفسخ شروط النفقة. ولو قال فإذا
أثبتت إعساره عند القاضي أو المحكم يمهله القاضي ثلاثة أيام ثم يفسخ هو أو يأذن لها فيه ولا يجوز الفسخ إلا بشرط
ملازمتها للمسكن وعدم صدور نشوز منها وحلفها عليها وعلى أن لا مال له حاضر ولا ترك نفقة لكان أولى وأسبك (قوله:

105
وعدم صدور نشوز منها) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص (قوله: وحلفت عليهما) أي على ملازمتها
للمسكن وعدم صدور نشوز منها. وقوله وعلى أن الخ: الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله: أي وحلفت
أن لا مال له حاضر وعلى أنه لم يترك لها نفقة (قوله: وأثبتت الاعسار) أي بإقراره أو ببينة. وقوله بنحو النفقة: متعلق
بالاعسار (قوله: على المعتمد) أي في أن الفسخ إنما يجوز لها بالاعسار (قوله: أو تعذر تحصيلها) جملة فعلية معطوفة
على جملة وأثبتت الاعسار، ويحتمل أن يقرأ تعذر بصيغة المصدر فيكون معطوفا على الاعسار: أي وأثبتت تعذر
تحصيلها. وقوله على المختار: أي في أنه يجوز لها الفسخ إذا غاب وتعذر تحصيل النفقة منه. وهو ضعيف (قوله: يمهل
القاضي الخ) جواب إذا (قوله: أو المحكم) أي أو يمهل المحكم إذا فقد القاضي، وقوله ثلاثة من الأيام، صفة لموصوف
محذوف أي يمهل وجوبا إمهالا ثلاثة أيام بلياليها (قوله: وإن لم يستمهله الزوج) غاية في وجوب إمهال القاضي أو
المحكم المدة المذكورة والسين والتاء للطلب: أي يجب الامهال وإن لم يطلب الزوج من القاضي المهلة (قوله: ولم
يرج الخ) معطوف على الغاية فهو غاية أي يجب الامهال للزوج المدة المذكورة وإن لم يرج الزوج حصول شئ في
المستقبل ينفقه عليها (قوله: ليتحقق إعساره) علة للإمهال (قوله: في فسخ) متعلق بيمهل، وقوله لغير إعساره بمهر:
متعلق بفسخ. وخرج به الفسخ لاعساره بالمهر فإنه لا مهلة فيه، بل يكون على الفور عقب الرفع إلى القاضي، كما صرح
به بقوله فإنه: أي الفسخ بالاعسار بالمهر على الفور، وقد علمت عند قوله وخيارها فوري ما نقله في شرح الروض عن
الأذرعي من أن الفورية ليست بواضحة وأن الامهال فيه أولى لأنه إذا ثبت في الاعسار بالنفقة التي ضررها بتأخيرها أكثر
فليثبت في الاعسار بالمهر بالأولى (قوله: وأفتى شيخنا أنه لا إمهال الخ) أي بل تنجز الفسخ عقب ثبوت الاعسار (قوله:
ثم بعد إمهال الخ) أي ثم بعد مضي مدة الامهال المذكورة (قوله: يفسخ هو) أي ولو بعد رضاها بإعساره. اه‍. فتح
الجواد (قوله: أثناء الرابع) عبارة المنهاج: صبيحة الرابع (قوله: في الرجل) متعلق بمحذوف صفة لخبر: أي الخبر
الوارد، وقوله لا يجد شيئا: الجملة حال من الرجل، وقوله ينفق على امرأته: الجملة صفة لشيئا، وقوله يفرق بينهما،
بدل من لفظ خبر أو عطف بيان له أو مقول لقول محذوف: أي قال عليه السلام فيه يفرق بينهما، وعبارة فتح الجواد:
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يفرق بينهما وهو وإن أعله ابن القطان لكن يعضده
عمل عمر وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم بقضيته. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أعلم أحدا من الصحابة خالفهم،
وصح عن سعيد بن المسيب أن ذلك سنة، قال الشافعي رضي الله عنه: ويشبه أن يكون سنة النبي (ص). اه‍ (قوله:
وقضى) أي حكم وقوله به: أي بالخبر المذكور: أي بمقتضاه (قوله: ولو فسخت بالحاكم على غائب) أي ثبت إعساره
عنده. وقوله لم يبطل: أي الفسخ، وقوله إلا إن ثبت أنها تعلمه: عبارة التحفة.
فرع: حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له بالبلد ما لا يخفى على بينة الاعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك وبأنها
تعلمه وتقدر عليه فحينئذ يبطل الفسخ قاله الغزالي وفي الاحتياج إلى إقامته البينة بعلمها وقدرتها نظر ظاهر لأنه بيان ببينة
الوجود أنه موسر وهو لا يفسخ عليه وإن تعذر تحصيل النفقة منه كما مر. اه‍. ومثله في النهاية، وفي حاشية الجمل ما
نصه: وانظر على قول شيخ الاسلام ومن تبعه لو حضر وادعى أن له مالا بالبلد هل يقبل قوله ويبطل الفسخ أو لا؟. اه‍.

106
(قوله: ويسهل الخ) أي وإنها يسهل عليها أخذ النفقة من المال الذي تعلمه في البلد (قوله: بخلاف نحو الخ) مفهوم
قوله ويسهل عليها أخذ النفقة منه: أي بخلاف ما لو ادعى مالا له في البلد، وعلمت به لكنه لا يسهل عليها أخذ النفقة منه
كعقار وعرض لا يتيسر بيعه فإنه لا يبطل به الفسخ لأنه حينئذ كالعدم. وقوله لا يتيسر بيعه: أي إن احتيج إلى بيعه بأن لم
تف غلته لو أجر بالنفقة كما هو ظاهر. وكتب ع ش: قوله لا يتيسر بيعه، لعل المراد لا يتيسر بيعه بعد مدة قريبة فيكون
كالمال الغائب فوق مسافة القصر. اه‍. (قوله: أو تفسخ هي) معطوف على قوله يفسخ هو. وقوله بإذنه: إنما توقف
فسخها على إذنه لأنه مجتهد فيه كالعنة فلا ينفذ منها قبل ذلك ظاهرا ولا باطنا. وقوله أي القاضي: أي أو المحكم (قوله:
بلفظ فسخت النكاح) متعلق بكل من الفعلين السابقين: أعني قوله: أولا ويفسخ هو، وقوله ثانيا أو تفسخ هي (قوله: فلو
سلم نفقة الرابع) أي قدر عليها ح ل، وهذا مفهوم قيد ملحوظ بعد قوله بإذنه وهو ما لم تسلم لها نفقة الرابع (قوله: فلا
تفسخ الخ) جواب لو، والأولى فيه أن يقول لم تفسخ. وقوله بما مضى: أي من نحو النفقة (قوله: لأنه صار دينا) علة
لعدم الفسخ: أي لا تفسخ بما مضى إذا سلمها نفقة اليوم الرابع لان ما مضى من النفقة صار دينا عليه ولا فسخ بالاعسار
بالدين. قال في شرح المنهج: ولو سلم بعد الثلاث نفقة يوم وموافقا على جعلها ما مضى ففي الفسخ احتمالان في
الشرحين والروضة بلا ترجيح، وفي المطلب الراجح منعه اه‍. (قوله: ولو أعسر) أي من أمهل المدة المذكورة، وقوله
بعد أن سلم نفقة الرابع: متعلق بأعسر، وقوله بنفقة الخامس: متعلق بأعسر أيضا (قوله: بنت على المدة) أي بنت
الزوجة الفسخ على مدة الامهال الماضية بمعنى أنه يعتد بها وتفسخ الآن. وقوله ولم تستأنفها: هو معنى البناء على المدة
المارة أو لازم لها (قوله: وظاهر قولهم) مقول لقول محذوف: أي بنفقة الخامس، وهو ثابت في عبارة التحفة والنهاية،
فلعله في الشرح ساقط من النساخ (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول من أن المفتوحة واسمها وخبرها خبر ظاهر (قوله:
استأنفتها) أي مدة الامهال فلا تفسخ إلا بعد مضي ثلاثة أخرى من بعد اليوم الرابع الذي وقع الانفاق فيه (قوله: هو) أي
الاستئناف الذي هو ظاهر قولهم المذكور محتمل (قوله: ويحتمل أنه الخ) وعليه فتبنى على ما مضى إذا أعسر بنفقة
السادس لان المتخلل أقل من ثلاثة. وقوله إن تخللت ثلاثة: أي فصلت ثلاثة أيام ينفق فيها بين الاعسار الأول الذي
مضت مدة الامهال له وبين الاعسار الثاني.
والحاصل: الضابط على هذا الاحتمال أن يقال أنه متى أنفق ثلاثة متوالية وعجز استأنفت، وإن أنفق دون الثلاثة
بنت على ما قبله (قوله: أو أقل فلا) أي أو تخلل أقل من الثلاثة فلا يجب الاستئناف، بل تبنى وتفسخ حالا: كالمثال
المار (قوله: ولو تبرع رجل بنفقتها لم يلزمها القبول) أي لما فيه من المنة، ومن ثم لو سلمها للزوج وهو سلمها لها لزمها
القبول لانتفاء المنة ثم إن محل عدم لزوم قبول تبرعه إذا لم يكن أصلا للزوج ولا سيدا له فإن كان له أصلا أبا أو جدا وإن
علا لزمها القبول لكن بشرط أن يكون الزوج تحت حجره، وكذلك إن كان سيدا ووجهه في الأول أنه يقدر دخول ما تبرع
به في ملك المؤدي عنه ويكون الولي كأنه وهب وقبل له ووجهه في الثاني أن علقة السيد بقنه أتم من علقة الوالد بولده.
وبحث بعضهم أن تبرع ولد الزوج الذي يلزمه إعفافه كذلك فيلزمها القبول (قوله: بل لها الفسخ) الاضراب انتقالي
(قوله: لها الخ) الجار والمجرور خبر مقدم، وقوله الخروج: مبتدأ مؤخر، وقوله في مدة الامهال: متعلق به (قوله:

107
والرضا بإعساره) أي وفي مدة الرضا بإعساره، وذلك لأنها في حالة إعساره مخيرة بين الفسخ وبين الرضا بإعساره مع عدم
الفسخ، فإذا رضيت لها الخروج في مدة الرضا نهارا، وقوله قهرا عليه: أي بالقهر على زوجها المعسر (قوله: لسؤال
الخ) متعلق بالخروج: أي لها الخروج لأجل طلب نفقة أو اكتسابها، وقوله وإن كان لها: غاية في جواز الخروج لما ذكر:
أي يجوز لها الخروج لما ذكر وإن كان لها مال يكفيها لنفقتها أو أمكن كسبها في بيتها من غير خروج (قوله: وليس لها
منعها) أي من الخروج لما ذكر. قال: في النهاية: والأوجه تقييد ذلك بعدم الريبة، وإلا منعها من الخروج أو خرج
معها. اه‍ ومثله في التحفة (قوله: لان حبسه لها) أي حبس الزوج: أي منعه لها من الخروج وغيره (قوله: إنما هو) أي
الحبس، وقوله في مقابلة إنفاقه عليها: أي فإذا لم يوجد الانفاق فليس له حبسها (قوله: وعليها الخ) أي ويجب عليها
الرجوع إلى مسكنها: أي الذي رضي به الزوج. وقوله ليلا: ظرف متعلق برجوع (قوله: لأنه وقت الإيواء) أي لان الليل
وقت الإيواء: أي السكون والراحة، وهو علة لوجوب الرجوع ليلا: وفي البجيرمي نقلا عن ع ش: ويؤخذ منه أنه لو توقف
تحصيلها: أي الراحة على مبيتها في غير منزله كان لها ذلك. اه‍. وقوله دون العمل: أي ليس الليل وقت العمل والشغل
(قوله: ولها منعه من التمتع) عبارة النهاية ولها منعه من التمتع بها، كما قاله البغوي ورجحه في الروضة، وقال الروياني:
ليس لها ذلك، وحمل الأذرعي وغيره الأول على النهار: أي وقت التحصيل والثاني على الليل وبه صرح في الحاوي
وتبعه ابن الرفعة. انتهت.
ومثله في التحفة (قوله: قال شيخنا وقياسه الخ) خالفه في النهاية وعبارتها: والأوجه عدم سقوط نفقتها مع منعها له
من الاستمتاع زمن التحصيل فإن منعته ذلك في غير مدة التحصيل سقطت زمن المنع اه‍ (قوله: فروع) أي ثلاثة: الأول
قوله لا فسخ الخ، الثاني قوله: ولو زوج أمته الخ الثالث قوله: ولو أعسر الخ (قوله: لا فسخ في غير مهر الخ) أي لا يجوز
لسيد الأمة إذا زوج أمته وأعسر الزوج بغير المهر من النفقة والكسوة والمسكن أن يفسخ النكاح مطلقا ولو كانت غير مكلفة
لان الفسخ بذلك يتعلق بالشهوة والطبع للمرأة لا دخل للسيد فيه، وما يجب لها من ذلك وإن كان ملكا له لكنه في الأصل
لها ويتلقاه السيد من حيث أنها لا تملك أما إذا أعسر بالمهر فله الفسخ به مطلقا لأنه محض حقه لا تعلق للأمة به ولا ضرر
عليها في فواته ولأنه في مقابلة البضع فكان الملك فيه: لسيدها. ويشبه ذلك بما إذا باع عبدا وأفلس المشتري بالثمن
يكون حق الفسخ للبائع لا للمشتري. قال في التحفة: نعم. المبعضة لا بد لمن الفسخ فيها من موافقتها هي والسيد أي
مالك البعض، كما اعتمده الأذرعي، أي بأن يفسخا معا أو يوكل أحدهما الآخر كما هو ظاهر. اه‍. ومثله في النهاية
وشرح المنهج (قوله: وليس له منعها من الفسخ بغيره) أي ليس للسيد إذا أرادت أمته الفسخ بإعساره بغير المهر أن يمنعها
منه لان حق قبضه لها وفي الروض وشرحه: وتستقل الأمة بالفسخ للنفقة كما تفسخ بجبه وعنته ولأنها صاحبة حق في
تناول النفقة، فإذا أرادت الفسخ لم يكن للسيد منعها، ولو كانت الأمة صغيرة أو مجنونة أو اختارت المقام مع الزوج لم
يفسخ السيد لما مر ولان النفقة في الأصل لها ثم يتلقاها السيد لأنها لا تملك فيكون الفسخ لها لا لسيدها. اه‍ (قوله: ولا
الفسخ به الخ) لفظ فسخ يحتمل أن يكون معطوفا على منعها، فهو مرفوع، وضمير به عليه يحتمل عوده على غير المهر،
وهذا هو الملائم والأقرب لما بعده من التقييد والتعليل، ويحتمل عوده على المهر. والمعنى على الأول: وليس للسيد
الفسخ بغير المهر عند رضاها بإعساره أو كونها غير مكلفة وفيه أن هذا عين قوله أولا لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، وعلى
الثاني وليس للسيد الفسخ بالمهر: أي بالاعسار به عند رضاها بإعساره به وهو باطل لان للسيد الفسخ به مطلقا ويحتمل

108
أن يكون معطوفا على الفسخ فهو مجرور ويجري في ضمير به الاحتمالان المذكوران، والمعنى حينئذ وليس للسيد منعها
من الفسخ بغير المهر على أن الضمير يعود عليه أوليس له منعها من الفسخ بالمهر على أن الضمير يعود عليه والأول مكرر
مع ما قبله والثاني باطل لان الفسخ بالمهر يتعلق بالسيد لا غير، وعبارة المنهج مع شرحه: ولا فسخ في غير مهر لسيد أمة
بل له إن كانت غير صبية ومجنونة إلجاؤها إليه بأن يترك واجبها ويقول لها افسخي أو اصبري على الجوع، أو العري دفعا
للضرر عنه. أما في المهر فله الفسخ بالاعسار لأنه محض حقه. اه‍. وعبارة فتح الجواد مع الارشاد: وتفسخ من فيها رق
دون سيدها لنفقة أو كسوة أو مسكن ويفسخ سيد لمهر خاصة لأنه محض حقه وليس له منعها من الفسخ بغيره ولا الفسخ به
عند رضاها أو عدم تكليفها لان النفقة في الأصل لها الخ. اه‍. فأنت ترى المؤلف خلط صدر عبارة المنهج بعجز عبارة
فتح الجواد فأوجب عدم الالتئام في عبارته، فكان عليه أن يسلك مسلك العبارة الأولى أو مسلك العبارة الثانية ويحذف
قوله ولا الفسخ به ويكون التقييد والتعليل بعد مرتبطين بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة (قوله: عند رضاها الخ) متعلق
بقوله ولا فسخ به بناء على احتمال الرفع مع احتمال عود الضمير على غير المهر: أي وليس للسيد الفسخ بغير المهر عند
رضاها بإعصار به أو عدم تكليفها، فإن لم ترض به وكانت مكلفة فهي التي تباشر الفسخ لا السيد أما على بقية
الاحتمالات فهو متعلق بقوله لا فسخ في غير مهر لسيد أمة، ومثله التعليل بعده (قوله: لان النفقة الخ) أي ليس للسيد
الفسخ بغير المهر لان النفقة في الأصل لها وإن كانت تؤول بعد ذلك له من حيث أن الأمة لا تملك شيئا (قوله: بل له
إلجاؤها) أي ليس له الفسخ بغير المهر عند رضاها لكن له إلجاؤها إلى الفسخ لكن محله إذا كانت مكلفة إذ لا ينفذ من
غيرها، وقوله: بأن لا ينفق عليها تصوير للإلجاء، فمعنى الالجاء أن لا ينفق عليها ولا يمونها حتى تفسخ فإذا فسخت أنفق
عليها واستمتع بها أو زوجها على غيره وكفى نفسه مؤنتها (قوله: دفعا للضرر عنه) تعليل لجواز الالجاء له (قوله: ولو
زوج أمته بعبده الخ) مثله ما لو زوج أمته بأصل له يلزمه إعفافه فلا فسخ لها ولا له إذ مؤنتها عليه (قوله: فلا فسخ لها) أي
للأمة. وقوله ولإله: أي للسيد، وقوله إذ مؤنتها: أي الأمة وكذا مؤنة العبد وفي بعض النسخ مؤنتهما فيكون الضمير
عائدا عليهما. وقوله عليه: أي على السيد (قوله: ولو أعسر سيد المستولدة) أي منه. وقوله عن نفقتها: متعلق بأعسر
(قوله: قال أبو زيد أجبر الخ) وقال في النهاية: أجبر على تخليتها للكسب لتنفق منه أو على إيجارها ولا يجبر على عتقها
أو تزويجها ولا بيعها من نفسها فإن عجزت عن الكسب أنفق عليها من بيت المال. قال القمولي: ولو غاب مولاها ولم
يعلم له مال ولا لها كسب ولا كان بيت مال فالرجوع إلى وجه أبي زيد بالتزويج أولى للمصلحة وعدم الضرر. اه‍ (قوله:
فائدة الخ) المناسب تقديم هذه الفائدة وذكرها في شرح قوله فلا فسخ إن لم ينقطع خبره (قوله: لو فقد الزوج قبل
التمكين) أي غاب وانقطع خبره قبل أن تمكنه الزوجة من نفسها. ثم إن هذا يقتضي تقييد الخلاف المار في منقطع الخبر
بالممكنة، وهو أيضا مقتضى كلامه المار: إذ هو مفروض في موسر أو متوسط ممتنع من الانفاق، ولا يقال إنه ممتنع إلا
إذا وجب عليه ولا يجب عليه إلا بعد التمكين (قوله: فظاهر كلامهم أنه لا فسخ) أي قولا واحدا. وانظر لم لم يجر فيه
الخلاف المار في منقطع الخبر بعد التمكين بجامع التضرر في كل وقد مر أن مدار الفسخ على الضرر ولا شك أنه حاصل
لها؟ ويمكن أن يفرق بينهما بأن الفسخ إنما هو للإعسار بالنفقة أو لتعذرها بانقطاع خبره والمفقود قبل التمكين لم تجب
عليه نفقة حتى يقال إنه أعسر بها أو تعذر تحصيل النفقة منه.
فتنبه. (قوله: ومذهب مالك رحمه الله تعالى) في الباجوري: مذهب المالكية إذا غاب الزوج ولم يترك لها مالا تفسخ
عندهم، فلو فعل ذلك مالكي ثم حضر الزوج فللشافعي نقضه، اه‍، بالمعنى (قوله: لا فرق) أي في جواز الفسخ

109
(قوله: إذا تعذرت) أي بغيبته، وقوله وضربت المدة: معطوف على تعذرت النفقة (قوله: وهي) أي المدة. وقوله عنده:
أي عند مالك رضي الله عنه. وقوله للتفحص عنه: علة لضرب المدة المذكورة عنده: أي وتضرب المدة لأجل التفحص
عنه: أي السؤال والتفتيش عنه (قوله: ثم يجوز الفسخ) أي ثم بعد ضرب المدة المذكورة يجوز لها الفسخ عندهم (قوله:
تتمة) أي في بيان حكم مؤن الأقارب: الأصول والفروع. والأصل في وجوبها للأصول قوله تعالى في حق الأبوين *
(وصاحبهما في الدنيا معروفا) * وقوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) * ومن المعروف والاحسان القيام
بكفايتهما عند حاجتهما، وخبر أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه، فكلوا من أموالهم والأجداد والجدات
ملحقون بهما في ذلك. والأصل في وجوبها للفروع قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * إذ إيجاب
الأجرة لارضاع الأولاد يقتضي إيجاب نفقتهم، وقوله عليه الصلاة والسلام لهند خذي ما يكفيك ولدك بالمعروف رواه
الشيخان. وأولاد الأولاد ملحقون بهم (قوله: يجب على موسر) أي من أصل أو فرع، والكلام على التوزيع، فإن كان
الموسر فرعا فيجب عليه الكفاية لاصله، وإن كان أصلا يجب عليه الكفاية لفرعه، وقوله ذكر أو أنثى: تعميم في الموسر
(قوله: ولو بكسب) غاية للموسر، وهي للرد: أي يجب عليه ولو كان يساره بسب قدرته على كسب يليق به، وهذا يفيد
أنه يجب على الأصل اكتساب نفقة فرعه، وهو كذلك إذ كان عاجزا عن الكسب، كما في سم، وعبارته: يجب على
الأصل القادر اكتساب نفقة فرعه العاجز لنحو زمانة كصغر - لا مطلقا - اه‍. وقوله يليق به: ولا بد أن يكون حلالا أيضا.
وعبارة التحفة مع الأصل: ويلزم كسوبا كسبها، أي المؤن، في الأصح إن حل ولاق به وإن لم تجر عادته به لان القدرة
بالكسب كهي بالمال في تحريم الزكاة وغيرها، وإنما لم يلزمه، أي الكسب لوفاء دين لم يعص به لأنه على التراخي،
وهذه فورية ولقلة هذه وانضباطها بخلافه، ولا يجب لأجلها، أي المؤن، سؤال زكاة ولا قبول هبة، فإن فعل وفضل شئ
عما مر أنفق عليه منه. اه‍ (قوله: بما فضل) متعلق بموسر: أي يجب على موسر بما فضل الخ فإن لم يفضل شئ عما
ذكر فلا وجوب لأنه ليس من أهل المواساة، ولقوله (ص) إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل
عن أهلك شئ فلذي قرابتك وقوله عن قوته: أي حاجته من كل ما لا يغنى لمثله عنه كمسكن وملبس وفرش وماء
وضوء. وقوله: وقوت ممونة: أي حاجة من يمونه من زوجته وخادمها وأم ولده. وقوله يومه وليلته: الضمير فيهما يعود على
الانفاق المعلوم من المقام، والظرف متعلق بفضل: أي موسر بما فضل عن قوته وقوت ممونه في يوم الانفاق وليلته: أي
التي تأخرت عنه (قوله: وإن لم يفضل عن دينه) أي يجب عليه ما ذكر وإن لم يكن فاضلا عن دينه (قوله: كفاية الخ)
فاعل يجب، وهو مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى اللام أو من: أي يجب على موسر كفاية لنفقة الخ لقوله عليه
السلام خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ويجب إشباعه شبعا يقدر معه على التردد والتصرف، ولا يجب ما زاد على
ذلك وهو المبالغة في إشباعه، كما لا يكفي سد الرمق، ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته، وقوله: مع أدم ودواء: أي
ومسكن، وعبارة البجيرمي: دخل في الكفاية القوت الأدم والكسوة، وخالف البغوي في الأدم. وتجب الكسوة بما يليق به
لدفع الحاجة والمسكن وأجرة الفصد والحجامة وطبيب وشرب الأدوية ومؤنة الخادم إن احتاج إليه لزمانة أو مرض. اه‍.
ثم إنه يباع لكفاية القريب ما يباع للدين من عقار وغيره كالمسكن والخادم والمركوب ولو احتاجها لأنها مقدمة على وفاء
الدين فبيع فيها ما يباع فيه بالأولى. قال في شرح المنهج: وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما يباع كل يوم جزء بقدر
الحاجة، والثاني لا لأنه يشق، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له، ورجح النووي في نظيره من نفقة



(1) سورة لقمان، الآية: 15.
(2) سورة العنكبوت، الآية: 8.
(3) سورة الطلاق، الآية: 6.
110
العبد الثاني فليرجع هنا. وقال الأذرعي. أنه الصحيح أو الصواب، قال ولا ينبغي قصر ذلك على العقار. اه‍ (قوله:
لأصل) متعلق بكفاية، وكما تجب الكفاية له تجب لقنه المحتاج له وزوجته إن وجب إعفافه بأن احتاج إلى النكاح. وقوله
وإن علا: أي الأصل. وقوله ذكر أو أنثى: أي لا فرق في الأصل بين أن يكون ذكرا أو أنثى (قوله: وفرع) معطوف على
الأصل. وقوله وإن نزل: أي الفرع ولو كان من جهة البنات فشمل ولد الابن وولد البنت وقوله كذلك أي ذكرا أو أنثى.
تنبيه: اقتصاره على الأصل والفرع يخرج غيرهما من سائر الأقارب كالأخ والأخت والعم والعمة، وأوجب أبو
حنيفة رضي الله عنه نفقة كل ذي محرم بشرط اتفاق الدين في غير الابعاض تمسكا بقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل
ذلك) * وأجاب الشافعي، رضي الله عنه، بأن المراد مثل ذلك في نفي المضارة كما قيده ابن عباس، وهو أعلم بكتاب
الله تعالى، أفاده في المغني (قوله: إذا لم يملكاها) أي الكفاية. قال في المنهج وشرحه، وكانا حرين معصومين وعجز
الفرع عن كسب يليق به، ثم قال: وبما ذكر، أي من تقييد الفرع بالعجز والاطلاق في الأصل، علم أنهما لو قدرا على
كسب لائق بهما وجبت لأصل لا فرع لعظم حرمة الأصل الخ. اه‍. وقوله حرين: أي كلا أو بعضا. قال في حاشية
الجمل: فالمبعض تجب عليه نفقه قريبة بتمامها. كما في شرح م ر، خلافا لمن قال يجب عليه بقدر ما فيه من الحرية
ولمن قال لا يجب عليه شئ. وعبارة الخطيب على المنهاج: وأما المبعض فإن كان منفقا فعليه نفقة تامة لتمام ملكه فهو
كحر الكل وقيل بحسب حريته، وإن كان منفقا عليه فتبعض نفقته على القريب والسيد بالنسبة إلى ما فيه من رق
وحرية. اه‍ (قوله: وإن اختلفا دينا) غاية في وجوب الكفاية: أي تجب الكفاية للأصل أو الفرع مطلقا سواء اختلفا في
الدين أو اتفقا، فلا يضر في ذلك اختلاف الدين فيجب على المسلم نفقة الكافر، لكن بشرط العصمة وعكسه لعموم
الأدلة ولوجود الموجب وهو البعضية فإن قيل هلا كان وجوب النفقة كالميراث في اشتراط اتفاق الدين؟ أجيب، بأن
الميراث مبني على الموالاة والمناصرة، ولا موالاة ولا مناصرة عند اختلاف الدين، والنفقة مبنية على الحاجة، وهي
موجودة عند الاتفاق وعند الاختلاف (قوله: لا إن كان أحدهما الخ) مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج: أي تجب
الكفاية لأصل وفرع إن كانا معصومين لا إن كان أحدهما حربيا أو مرتدا وإنما لم تجب كفايتهما لأنها مواساة وهما ليسا من
أهلها لأنه لا حرمة لهما. إذ أمر الشارع بقتلهما (قوله: قال شيخنا في شرح الارشاد ولا إن كان زانيا الخ) عبارته: ويجب
قوام بعض له من أصل أو فرع معصوم لا مرتد وحربي، وكذا زان محصن وتارك الصلاة بشرطه أخذا من التعبير بمعصوم
وقياسا لهما على من قبلهما. اه‍. إذا علمت ذلك فالمؤلف حكى قوله بالمعنى. وقوله بشرطه: أي بشرط عدم عصمته،
وهو أن يكون قد أمره الامام بها واستتابه فلم يتب (قوله: خلافا لما قاله في شرح المنهاج) عبارته: وهل يلحق بهما أي
المرتد والحربي نحو زان محصن بجامع الاهدار أو يفرق بأنهما قادران على عصمة نفسيهما فكان المانع منهما بخلافه
فإن توبته لا تعصمه ويسن له الستر على نفسه وكذا للشهود على ما يأتي فكان من أهل المواساة لعدم مانع قائم به يقدر
على إسقاطه؟ كل محتمل. والثاني أوجه. اه‍. قال ع ش: ومقتضى ما علل به أن مثله، أي الزاني المحصن، قاطع
الطريق بعد بلوغ خبره للامام. اه‍ (قوله: ولا إن بلغ فرع الخ) هذا مفهوم قيد ملحوظ يعلم من عبارة المنهج أيضا وهو،
وعجز الفرع عن كسب يليق به: أي فلا تجب الكفاية على الأصل إن بلغ فرع وترك كسبا له قدرة عليه وكان لائقا به،
بخلاف الأصل تجب له وإن ترك كسبا لاق بمثله لما تقدم ويستثنى من الأول ما لو كان مشتغلا بعلم شرعي ويرجى منه
النجابة والكسب يمنعه فتجب كفايته حينئذ ولا يكلف الكسب. وفي حاشية الجمل: وقع السؤال عما لو حفظ القرآن ثم
نسيه بعد البلوغ وكان الاشتغال بحفظه يمنعه من الكسب هل يكون ذلك كاشتغاله بالعلم أم لا؟ والجواب عنه أن الظاهر
أن يقال فيه إن تعين طريقا بأن تتيسر القراءة في غير أوقات الكسب كان كالإشتغال بالعلم، وإلا فلا. اه‍. وخرج بقوله



(1) سورة البقرة، الآية: 233.
111
بلغ ما إذا لم يبلغ فكفايته تكون على الولي مطلقا ولو كان مكتسبا وترك الكسب اختيارا. نعم: يجوز له أن يحمله على
الاكتساب إذا أطاقه وينفق عليه من كسبه وله إيجاره لذلك ولو لاخذ نفقته الواجبة له عليه (قوله: ولا أثر لقدرة أم أو بنت
على النكاح) أي في وجوب كفايتهما فيجب لهما الكفاية مع القدرة عليه. وفي البجيرمي: قال زي وقدرة الام أو البنت
على النكاح لا تسقط نفقتها وهو واضح في الام، وأما البنت ففيه نظر إذا خطبت وامتنعت لان هذا من باب التكسب
والفرع إذا قدر عليه كلفه إلا أن يقال أن التكسب بذلك يعد عيبا. اه‍ (قوله: لكن تسقط الخ) الأولى حذف أداة
الاستدراك ووضع حرف العطف موضعها. وعبارة التحفة: وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا ما لم
تفسخ لتعذر إيجاب نفقتين. كذا قيل. وفيه نظر: لان نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر فكان القياس اعتباره،
إلا أن يقال إنها بقدرتها عليه مفوتة لحقها، وعليه فمحله في مكلفة فغيرها لا بد من التمكين، وإلا لم تسقط عن الأب فيما
يظهر. اه‍ (قوله: وفيه) أي سقوط نفقتها بالعقد نظر، وهو غير ظاهر على القديم من أنها تجب بالعقد (قوله: لان نفقتها
الخ) علة النظر (قوله: وإن كان الزوج معسرا) غاية لقوله تسقط نفقتها بالعقد: أي تسقط نفقتها به وإن كان الزوج معسرا
لا يملك نفقتها، وقوله: ما لم تفسخ قيد في سقوط نفقتها بذلك مع إعسار الزوج: أي محله ما لم تفسخ النكاح
بالاعسار، فإن فسخت استحقت النفقة على الأصل أو الفرع (قوله: ولا تصير مؤن القريب الخ) أي لا تصير مؤن القريب
الأصل أو الفرع بفوتها بمضي الزمان دينا عليه، بل تسقط بذلك وإن تعدى المنفق بالمنع، وذلك لأنها وجبت لدفع
الحاجة الناجزة مواساة وقد زالت، بخلاف نفقة الزوجة. وفي حاشية الجمل ما نصه: قال بعضهم قد علم من ظاهر
كلامهم المذكور أن في النفقة المذكورة، أي نفقة القريب، شائبة إمتاع من حيث سقوطها بمضي الزمان، وشائبة إباحة
من حيث عدم تصرفه فيها بغير أكله، وشائبة تمليك من حيث ملكه لها بالدفع من غير صيغة وعدم استردادها منه لو أيسر
فيأكلها. اه‍. ق ل. على الجلال. اه‍ (قوله: إلا باقتراض قاض الخ) أي فإنه حينئذ تصير دينا عليه، ويشترط في
اقتراض القاضي أن يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الأصل. وقوله لغيبة: متفق متعلق باقتراض، واللام للتعليل. وقوله أو
منع: أي أو منعه من الانفاق عليه. وقوله صدر منه: أي من المنفق (قوله: لا بإذن منه) أي لا تصير دينا بإذن صادر من
القاضي في الاقتراض وما ذكر هو الذي جرى عليه شيخ الاسلام في شرح المنهج، وقال فيه خلافا لما وقع في الأصل:
أي من صيرورتها دينا بذلك، ونص عبارة الأصل: ولا تصير دينا إلا بفرض قاض أو إذنه في اقتراض. اه‍. قال في
التحفة والنهاية: وبحث أنها لا تصير دينا إلا بعد الاقتراض. اه‍ (قوله: ولو منع الزوج أو القريب الانفاق) أي امتنع من
الانفاق على من يجب عليه الانفاق له (قوله: أخذها المستحق) أي من مال الزوج أو القريب الموسر وعبارة المغني
وللقريب أخذ نفقته من مال قريبه عند امتناعه إن وجد جنسها، وكذا لم يجده في الأصح وله الاستقراض إن لم يجد له مالا
وعجز عن القاضي ويرجع إن أشهد. اه‍. قال في النهاية: والأوجه جريان ذلك في كل منفق (قوله: فرع) الأولى فروع
لأنه ذكر ثلاثة فروع: الأول قوله: من له أب وأم الخ، الثاني قوله: من له أصل وفرع الخ، الثالث قوله: ويجب على أم
الخ (قوله: من له أب) أي وإن علا. وقوله وأم: وإن علت (قوله: فنفقته على الأب) أي ولو كان بالغا استصحابا لما كان
في صغره ولعموم خبر هند السابق (قوله: وقيل هي) أي النفقة عليهما أي على الأب والام معا. وقوله لبالغ: أي عاقل
وإنما وجبت له عليهما لاستوائهما فيه - بخلاف ما إذا كان صغيرا أو مجنونا لتميز الأب بالولاية عليهما (قوله: ومن له
أصل وفرع) أي وهو عاجز. وقوله فعلى الفرع: أي فنفقته على الفرع وإن بعد كأب وابن ابن لان عصوبته أقوى وهو أولى

112
بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته، وقيل إنها على الأصل، وقيل عليهما لاشتراكهما في البعضية (قوله: أو له) أي من أيسر.
وقوله محتاجون من أصول وفروع: أي وغيرهما ممن تلزمه نفقته كزوج وخادمها بدليل قوله بعد ثم زوجته. وعبارة
التحفة: ومن له محتاجون من أصوله وفروعه أو أحدهما مع زوجة وضاق موجوده عن الكل. اه‍ (قوله: قدم نفسه) أي
للحديث إبدأ بنفسك الخ. وقوله ثم زوجته: أي لان نفقتها آكد لأنها لا تسقط بغناها ولا بمضي الزمان، ولأنها وجبت
عوضا والنفقة على القريب مواساة. قال في التحفة: ومر أن مثل الزوجة خادمها وأم ولده. اه‍. وقوله وإن تعددت أي
الزوجة فيقدم المتعدد من الزوجات على بقية الأقارب (قوله: ثم الأقرب فالأقرب) أي ثم قدم الأقرب فالأقرب من أصوله
وفروعه فيقدم الأب على الجد والابن علي
ابن الابن (قوله: نعم لو كان الخ) هذا مفهوم قوله قدم الأقرب فالأقرب: أي
فإن استووا في القرب فالحكم ما ذكره بقوله قدم الخ، فلو ذكره لا على وجه الاستدراك بل على وجه المفهوم لكان أولى.
وقوله: الابن الصغير، ويقدم بالرضيع والمريض على غيره (قوله: ثم الأب) قال في التحفة الأوجه ان الأب المجنون
مستو مع الولد الصغير أو المجنون ويقدم من اختص من أحد مستويين قربا بمرض أو ضعف، كما تقدم، بنت ابن علي
ابن بنت لضعفها وإرثها وأبو أب على أبي أم لارثه وجد أو ابن ابن زمن على الأب أو ابن غير زمن، ولو استوى جمع من
سائر الوجوه وزع ما يجده عليهم إن سد مسدا من كل وإلا أقرع. اه‍. بتصرف (قوله: ثم الولد الكبير) أي العاقل (قوله:
ويجب على أم إرضاع ولدها اللبأ) أي لان الولد لا يعيش بدونه غالبا أو لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا به. قال في التحفة ومع
ذلك لها طلب الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل. اه‍. وفي ع ش: فلو امتنعت من إرضاعه
ومات فالذي ذكره ابن أبي شريف عدم الضمان لأنه لم يحصل منها فعل يحال عليه سبب الهلاك، قياسا على ما لو أمسك
على المضطر واعتمده شيخنا الخ اه‍ (قوله: وهو) أي اللبأ، ويقرأ بالهمزة مع القصر، وقوله اللبن أول الولادة: أي اللبن
النازل أول الولادة، والذي في التحفة والنهاية هو ما ينزل بعد الولادة (قوله: ومدته) أي اللبأ. وقوله يسيرة: أي قليلة
(قوله: وقيل يقدر) أي اللبأ: أي مدته (قوله: وقيل سبعة) أي وقيل يقدر بسبعة أيام، والمعتمد أنه يرجع في قدره إلى
أهل الخبرة (قوله: ثم بعده) أي بعد إرضاع اللبأ. وقوله إن لم توجد: أي للارضاع، وقوله إلا هي: أي الام، وقوله أو
أجنبية: أي أو لم توجد إلا أجنبية (قوله: وجب إرضاعه على من وجدت) أي من الام أو الأجنبية إبقاء وحفظا للطفل
(قوله: ولها) أي للمرضعة منهما. وقوله طلب الأجرة ممن تلزمه مؤنته: عبارة المغني: ولها طلب الأجرة من ماله إن
كان، وإلا فمن تلزمه نفقته. اه‍ (قوله: وإن وجدتا) أي الام والأجنبية. وقوله: لم تجبر الام: على الارضاع، وذلك
لقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * يعني فإن تضايقتم في الارضاع فامتنع الأب من الأجرة والام من فعله
فسترضع له، أي للأب، أخرى ولا تكره الام على إرضاعه ح ل جلال (قوله: خلية كانت) أي الام. وقوله أو في نكاح
أبيه: أي أو كانت في نكاح أبي الطفل (قوله: فإن رغبت) أي الام، وقوله في إرضاعه: أي ولو بأجرة مثله، وقوله فليس
لأبيه منعها: أي من إرضاعه لأنها أشفق على الولد من الأجنبية ولبنها له أصلح وأوفق، وخرج بأبيه غيره كأن كانت منكوحة
غير أبيه فله منعها (قوله: إلا إن طلبت) أي الام فوق أجرة المثل: أي أو تبرعت بإرضاعه أجنبية أو رضيت بأقل من أجرة
المثل دون الام فله منعها من ذلك. وعبارة الروض وشرحه: فلو وجدت متبرعة بإرضاعه نزعه من أمه ودفعه إلى المتبرعة



(1) سورة الطلاق، الآية: 6.
113
لترضعه إن لم تتبرع أمه بالإرضاع لان في تكليفه الأجرة مع المتبرعة إضرارا به، وكالمتبرعة الراضية بدون أجرة المثل إذا
لم ترض الام إلا بها، والراضية بأجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بأكثر منها. ولو ادعى وجودها، أي المتبرعة أو الراضية،
بما ذكر وأنكرت هي صدق بيمينه لأنها تدعي عليه أجرة والأصل عدمها ولأنه يشق عليه إقامة البينة. انتهت (قوله: وعلى
أب أجرة مثل الخ) أي إذا رغبت الام في الارضاع وطلبت أجرة المثل وأجيبت فعلى الأب تلك الأجرة، لكن بشرط أن لا
يوجد متبرع بالإرضاع، فإن وجد نزعه منها حيث لم تتبرع به ودفعه للمتبرع. وكان الاخصر والأسبك للشارح ان يحذف
هذا وما بعده ويزيد عقب قوله إلا إن طلبت فوق أجرة المثل ما زدته أعني أو تبرعت بإرضاعه الخ. تأمل (قوله: وكمتبرع
راض بما رضيت) لعل لفظه دون ساقطة من النساخ قبل ما، والأصل وكمتبرع راض بدون ما رضيت به، وعبارة فتح
الجواد: وكمتبرع راض بدون أجرة المثل إذا لم ترض الام إلا بها أو بدون ما رضيت به وإن كان دونها. اه‍.
مهمة: إذا أرضعت الام بأجرة المثل استحقت النفقة إن لم ينقص إرضاعها تمتعه وإلا فلا، كما لو سافرت لحاجتها
بإذنه فإنه لا نفقة لها، كذا قال الشيخان. قال في التحفة: واعترضهما الأذرعي بأن ذاك فيما إذا لم يصحبها في سفرها وإلا
فلها النفقة وهو هنا مصاحبها فلتستحقها، ويفرق بأن شأن الرضاع أن يشوش التمتع غالبا، فإن وجد ذلك بحيث فات به
كمال التمكين سقطت وإلا فلا فلم ينظروا هنا للمصاحبة. اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.

114
فصل الحضانة
أي في بيان أحكام الحضانة ونفقة الملوك والحضانة، بفتح الحاء، لغة الضم وشرعا ما سيذكره بقوله تربية الخ.
وتثبت لكل من له أهلية من الرجال والنساء، لكن الإناث أليق بها لأنهن بالمحضون أشفق وعلى القيام بها أصبر، وبأمر
التربية أبصر، وإذا نوزع في الأهلية فلا بد من ثبوتها عند الحاكم ومؤنتها في مال المحضون ثم الأب ثم الام ثم هو من
محاويج المسلمين فتكون المؤنة في بيت المال إن انتظم وإلا فعلى مياسير المسلمين (قوله: والأولى بالحضانة) أي
الأحق بها، وهو مبتدأ خبره قوله الآتي أم وما بينهما اعتراض، وإنما كانت أولى لخبر البيهقي إن امرأة قالت
يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء. وإن أباه طلقني، وزعم أنه ينزعه مني
فقال أنت أحق به ما لم تنكحي قال في التحفة والنهاية: نعم يقدم عليها ككل الأقارب زوجة محضون يتأتى وطؤه لها
وزوج محضونة تطيق الوطئ: اه‍.
واعلم: أن المستحق للحضانة إن تمحض إناثا قدم الام ثم أمهاتها ثم أمهات الأب ثم أخت ثم خالة ثم بنت أخت
ثم بنت أخ ثم عمة وقد نظمها بعضهم فقال:
أم فأمها بشرط أن ترث فأمهات والد لقد ورث
أخت فخالة فبنت أخته فبنت أخ يا صاح مع عمته
وإن تمحض ذكورا ثبتت الحضانة لكل قريب وارث ولو غير محرم وترتيبهم كترتيب ولاية النكاح لا الإرث فيقدم
الجد على الأخ هنا، وإن لم يقدم عليه في الإرث، ولا تسلم مشتهاة لغير محرم، بل تسلم لثقة وهو يعينها وإن اجتمع
الذكور والإناث قدمت الام ثم أمهاتها ثم الأب ثم أمهاته ثم الجد لأب ثم أمهاته ثم الأقرب فالأقرب من الحواشي
ذكرا كان أو أنثى، فتقدم الاخوة والأخوات على غيرهما كالخالة والعمة فإن استويا قربا قدمت الأنثى لما تقدم من أن
النساء أبصر وأصبر فتقدم أخت على أخ وبنت أخ على ابن أخ، فإن استويا ذكورة أو أنوثة كأخوين أو بنتين قدم بقرعة
من خرجت قرعته على غيره والخنثى كالذكر هنا. فالأحوال ثلاثة: اجتماع الإناث فقط، اجتماع الذكور فقط،
اجتماعهما، المصنف رحمه الله تعالى اقتصر على الحالة الثالثة، كما سترى ولم يستوفها (قوله: وهي تربية من لا
يستقل) أي بفعل ما يصلحه ويقيه عما يضره كأن يتعهده بغلس جسده وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وغير ذلك،
والمراد بمن لا يستقل من لا يقوم بأموره كصغير ومجنون قال في الروض وشرحه: المحضون كل صغير ومجنون
ومختل وقليل التمييز. وقوله إلى التمييز: أي وتستمر التربية إلى التمييز: قال في التحفة: واختلف في انتهائها في
الصغير فقيل بالبلوغ، وقال الماوردي بالتمييز وما بعده إلى البلوغ كفالة والظاهر أنه خلاف لفظي نعم: يأتي أن ما بعد
التمييز يخالف ما قبله في التخيير وتوابعه. اه‍. وهذا بالنسبة للصغير، وأما المجنون فتستمر تربيته إلى الإفاقة (قوله:
لم يتزوج بآخر) أي بزوج آخر: أي غير أبيه ويشترط فيه أن لا يكون له حق في الحضانة، كعم الطفل وابن عمه،
وإلا فلا تسقط حضانتها بالتزوج عليه وهذا أحد شروط الحضانة المنظومة في قول بعضهم:

115
الحق في الحضانة للجامع تسع شرائط بلا منازع
بلوغه وعقله حريته إسلامه لمسلم عدالته
إقامة سلامة من ضرر كبرص وفقده للبصر
ومرض يدوم مثل الفالج كذا خلوها من التزوج
إلا إذا تزوجت بأهل حضانة وقد رضى بالطفل
وعدم امتناع ذات الدر * من الرضاع بأخذ الاجر
وقوله إقامة: أي في بلد المحضون فلو أراد الحاضن سفرا ولو قصيرا انتقلت الحضانة إلى غيره ممن هو مقيم
في بلده، نعم: إن أراد أحد الأبوين يسفر نقلة من بلد إلى بلد آخر فالأب أولى بحضانته من الام ولا يضر سفره إن أمن
الطريق والمقصد حفظا للنسب لأنه لو ترك مع الام لضاع نسبه ومثل الأب بقية العصبة. وقوله وعدم امتناع الخ: يعني
يشترط إذا كان المحضون رضيعا وكانت الحاضنة ذات لبن أن لا تمتنع من إرضاعه، فإن امتنعت منه سقطت
حضانتها، وقوله لو بأخذ الاجر: يعني: لو رضيت ترضعه بالأجرة ووجدت متبرعة تسقط حضانتها أيضا، فلو شرطية،
وجوابها محذوف (قوله: فأمهاتها) أي الام ويشترط أن يكن وارثات فلا حضانة لغير الوارثات كأم الجدة الفاسدة وهي
أم أبي أم. ومحل الترتيب المذكور ما لم يكن للمحضون بنت، وإلا قدمت في الحضانة عند فقد الام على الجدات
وتقدم أنه إذا كان له زوجة أو زوج يقدمان على سائر الأقارب حتى الأبوين (قوله: وإن علت) إن أعيد الضمير
للأمهات فذكره مستدرك لأنهن جمع مضاف لمعرفة فيعم وإن أعيد للام كان ذكر الأمهات مستدركا فالأولى حذفه
(قوله: فأمهاته) أي الأب ويشترط أيضا أن يكن وارثات فلا حضانة لغيرهن كالجدة الفاسدة المارة (قوله: فأخت) أي
للمحضون ولو كانت لام (قوله: فبنت أخت فبنت أخ) إنما قدمت الأولى على الثانية لأنه إذا اجتمعت الأخت مع الأخ
قدمت الأخت وبنت المقدم مقدمة علي بنت غيره. وقوله فعمة: إنما أخرت عن الخالة لأنها تدلي بذكر والخالة تدلى
بأنثى وما كان مدليا بأنثى يقدم في هذا الباب على المدلي بذكر.
(واعلم) أنه تقدم أخت وخالة وعمة لأبوين عليهن لأب لزيادة قرابتهن ويقدمن إذا كن لأب عليهن إذا كن لام
لقوة الجهة (قوله: والمميز الخ) أفاد به أن الترتيب السابق إنما هو في المحضون غير المميز، وأما المميز فيكون عند
من اختاره ولو على خلاف الترتيب السابق وسن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر
عن الثمان والمدار على التمييز لا على السن. قال ابن الرفعة: ويعتبر في تمييزه أن يعرف أسباب الاختيار، وذلك
موكل إلى نظر الحاكم، وقوله أسباب الاختيار: هي الدين والمحبة وكثرة المال وغير ذلك مما يفضي إلى ميله
لأحدهما (قوله: إن افترق أبواه من النكاح) أي وصلحا للحضانة فخرج بالأول ما إذا لم يفترقا فإنه يكون عندهما
وخرج بالثاني ما إذا لم يصلح إلا أحدهما فإنه يتعين وما إذا لم يصلح واحد منهما فإنها تنتقل الكفالة لمن بعدهما إن
صلح وإلا عين الحاكم وجوبا من يصلح لها. قال سم: وينبغي أن يكون كالافتراق من النكاح ما إذا لم يفترقا منه
لكنهما لا يجتمعان بأن اختلف محلهما وكان كل منهما لا يأتي للآخر لان ذلك في معنى الافتراق من النكاح، وكذا إذا
كان يأتيه لكن أحيانا لا يتأتى فيها القيام بمصالحه. اه‍ (قوله: كان عنده من اختاره منهما) أي للخبر الحسن أنه (ص)
خير غلاما بين أبيه وأمه وإنما يدعى بالغلام المميز، ومثله الغلامة، أي فإن اختار الأب سلم إليه وإن اختار الام
سلم إليها، فإن اختارهما معا أقرع بينهما وسلم لمن خرجت قرعته منهما وله بعد اختيار أحدهما اختيار الآخر لأنه قد
يظهر له الامر على خلاف ما ظنه كأن يظن أن في الأب خيرا فيظهر له أن فيه شرا أو يتغير حال من اختاره أو لا فيحول
إلى من اختاره ثانيا وهكذا حتى إذا تكرر منه ذلك نقل إلى من اختاره ما لم يظهر أن ذلك لقلة تمييزه وإلا ترك عند من
كان عنده قبل التمييز: وكما يقع التخيير بين الأبوين يقع أيضا عند فقد أحدهما بين الذي لم يفقد من الأبوين وبين

116
غيره ممن له الحضانة وعند فقدهما معا يقع بين غيرهما كذلك، فإذا كان المفقود الأب يقع التخيير بين الام والجد إن
وجد فإن لم يوجد وقع التخيير بينها وبين من على حاشية النسب كأخ وعم وإذا فقدت الام وقع التخيير بين الأب
والأخت لغير أب فقط بأن كانت شقيقة أو لام أو بين الأب والخالة إن لم توجد الأخت وإذا فقدا معا وقع بين الأخت أو
الخالة وبقية العصبة على الأوجه. قال في التحفة وظاهر كلامهم أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين. اه‍.
(قوله: ولأب اختير الخ) أي ويجوز لأب اختاره المحضون أن يمنعه من زيارة أمه إن كان أنثى وذلك لتألف الصيانة
وعدم الخروج والام أولى منها بالخروج لزيارتها. قال في التحفة: وإفتاء ابن الصلاح بأن الام إذا طلبتها أرسلت إليها
محمول على معذورة عن الخروج للبنت لنحو تخدر أو مرض أو منع نحو زوج، ويظهر أن محل إلزام ولي البنت
بخروجها للام عند عذرها بناء على ما ذكر حيث لا ريبة في الخروج قوية، وإلا لم يلزمه. اه‍. وقوله لا الذكر: أي
فلا يمنعه من زيارة أمه لئلا يكون ساعيا في العقوق وقطع الرحم، وهو أولى منها بالخروج لأنه ليس بعورة، فإن منعه
حرم عليه (قوله: ولا تمنع الام الخ) يعني لا يمنع الأب المختار الام من زيارة ابنها أو بنتها في بيته بل يمكنها من
دخوله لذلك، وعبارة شرح البهجة: وإذا زارت لا يمنعها الدخول لبيته ويخلى لها حجرة، فإن كان البيت ضيقا خرج
ولا تطيل المكث في بيته وعدم منعها الدخول لازم، كما صرح به الماوردي، فقال: يلزم الأب أن يمكنها من الدخول
ولا يولها على ولدها للنهي عنه، وفي كلام غيره ما يفهم عدم الوجوب، وبه أفتى ابن الصلاح فقال: فإن بخل الأب
بدخولها إلى منزله أخرجها إليها، فإن أبى تعين أن يبعثها إلى الام، فإن امتنع الزوج من إدخالها إلى منزله نظرت إليها
والبنت خارجة وهي داخله ثم نقل عن بعضهم أن الدخول من غير إطالة لغرض الزيارة لا منع منه. انتهت (قوله: على
العادة) أي كيوم من الأسبوع لا في كل يوم. قال في النهاية: إلا أن يكون منزلها قريبا فلا بأس بدخولها كل يوم. اه‍.
قال ع ش: وقد يتوقف في الفرق بين قريبة المنزل وبعيدته، فإن المشقة في حق البعيدة إنما هي على الام. اه‍. قال
الرشيدي: ثم ظهر أن وجهة النظر للعرف، فإن العرف أن قريب المنزل كالجار يتردد كثيرا - بخلاف بعيده. اه‍
(قوله: والام أولى بتمريضهما) أي الابن والبنت لأنها أهدى إليه وأشفق عليهما، وقوله عند الأب: أي في بيت الأب،
وقوله إن رضي: أي الأب بتمريضهما في بيته، وقوله وإلا فعندها: أي وإن لم يرض أن يكون التمريض في بيته فليكن
عندها في بيتها ويعودهما الأب، وليحترز حينئذ في هذه الحالة وفي التي قبلها عن الخلوة المحرمة (قوله: وإن
اختارها ذكر الخ) هذا مقابل قوله ولأب اختير الخ. وكان المناسب في التقابل أن يقول بدل قوله ولأب اختير الخ فإن
اختاره ذكر لم يمنعه من زيارة أمه أو أنثى فله منعها ثم يقول ولا تمنع الام الخ ثم يقول وإن اختارها الخ (قوله: فعندها
ليلا) أي فيكون عند الام المختارة ليلا. وقوله وعنده نهارا أي ويكون عند الأب نهارا، وذلك ليعلمه الأمور الدينية
على ما يليق به وإن لم يكن لائقا بأبيه، فإذا كان أبوه حمارا وهو عاقل حاذق جدا فالذي يليق به أن يكون
عالما مثلا، وإن كان أبوه عالما وهو بليد جدا فالذي يليق به مثلا أن يكون حمارا فيؤدبه بالذي يليق، فمن أدب ولده
صغيرا سر به كبيرا. ويقال: الأدب على الآباء والصلاح على الله تعالى. وما أحسن قول بعضهم:
علم بنيك إن أردت صلاحه لا خير في ولد إذا لم تضرب
أو ما ترى الأقلام حين قصامها إن لم تقط رؤوسها لم تكتب؟
وقال آخر: منن الاله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد
فضع العصا أدبا لهم كي يسلكوا سبل الرشاد ومنهج الأزهاد

117
(قوله: أو اختارتها) أي الام. وقوله أنثى: أي محضونة أنثى (قوله: فعندها أبدا) أي فتكون عند الام ليلا
ونهارا، وذلك لاستواء الزمنين في حقها: إذ الأليق بها سترها ما أمكن (قوله: ويزورها الأب) أي مع الاحتراز عن
الخلوة، وقوله على العادة: في المغنى ما نصه:
(تنبيه) قوله على العادة يقتضي منعه من زيارتها ليلا، وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة والريبة، وظاهر أنها
لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز له دخوله إلا بإذن منه، فإن لم يأذن أخرجتها إليه ليراها ويتفقد حالها ويلاحظها بقيام
تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها، وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذي لا تستقل الام بضبطه فيكونان عند الام
ليلا ونهارا ويزورهما الأب ويلاحظهما بما مر وعليه ضبط المجنون. اه‍. (قوله: ولا يطالب إحضارها عنده) أي
لتألف الصيانة وعدم الخروج كما مر (قوله: ثم إن لم يختر) أي المجنون المميز ذكرا كان أو أنثى، وقوله: واحدا
منهما: أي الأب أو الام (قوله: فالأم أولى) أي من الأب لان الحضانة لها ولم يختر غيرها (قوله: وليس لأحدهما الخ)
يعني إذا كن المحضون رضيعا فليس لأحد الأبوين: أي أو غيرهما ممن له الحضانة عند فقدهما فطمه عن الرضاع
قبل مضي حولين. قال في النهاية: لأنهما تمام مدة الرضاع، فإن تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين إلا إذا كان
الفطام قبلهما أصلح للولد فيجاب طالبه: كفطمه عند حمل الام أو مرضها ولم يوجد غيرها. اه‍. (قوله: ولهما فطمه
الخ) أي تراضيا فلهما فطمه قبل مضي حولين. لقوله تعالى: * (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور) * أي
لأهل الخبرة أن ذلك يضر أو لا فلا جناح عليهما وقوله إن لم يضر: أي الفطم قبلهما بأن اكتفي عن اللبن بالطعام
(قوله: ولأحدهما بعد حولين) أي ولأحدهما فطمه من غير رضا الآخر بعد مضي حولين، وذلك لاستكمال مدة
الرضاع، ولم يقيده بعدم الضرر كالذي قبل نظرا للغالب، إذ لو فرض أن الفطم يضره بعدهما لضعف خلقته أو لشدة
حر أو برد لزم الأب بذل أجرة الرضاع بعدهما حتى يجتزئ بالطعام وتجبر الام على إرضاعه بالأجرة إن لم يوجد
غيرها، أفاده في التحفة (قوله: ولهما الخ) أي وللأبوين الزيادة في الرضاع علي الحولين (قوله: حيث لا ضرر) أي
بالزيادة عليهما فإن حصل ضرر له بالزيادة عليهما فليس لهما ذلك (قوله: لكن أفتى الحناطي) هو بحاء مهملة ونون
معناه الحناط: كخباز، ويقال ومع فاعل وفعال فعل في وهو من صيغ النسب منسوب لبيع الحنطة. قال ابن مالك
ومع فاعل وفعال فعل * في نسب أغنى عن اليا فقبل
لكن زادوا عليه ياء النسب لتأكيد النسبة، قال ابن السمعاني: لعل بعض أجداده كان يبيع الحنطة وهو أبو عبد الله
الحسين له مصنفات كثيرة في الفقه وأصوله، اه‍. ذكره الأسنوي في المهمات اه‍. بجيرمي (قوله: بأنه يسن عدمها)
أي الزيادة اقتصارا على الوارد، وقوله إلا لحاجة: أي فلا يسن عدمها والحاجة كشدة حر أو برد (قوله: ويجب على مالك
الخ) شروع في بيان نفقة المماليك من الأرقاء وغيرهم، وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل، والمناسب تقديمه على
الحضانة (قوله: كفاية رقيقه) أي لان السيد يملك كسبه وتصرفه فيه فتلزمه كفايته، والمعتبر كفايته في نفسه باعتبار حاله
زهادة ورغبة، كما في نفقة القريب، ولا بد من مراعاة حال السيد أيضا يسارا وإعسارا فيجب ما يليق بحاله من رفيع
الجنس وخسيسه (قوله: إلا مكاتبا) أي فلا تجب كفايته على سيده ولو كانت الكتابة فاسدة لاستقلاله بالكسب. نعم: إن
عجز نفسه ولم يفسخ سيده كتابته فعليه كفايته، ومثل المكاتب الأمة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا فلا تجب كفايتها على
السيد (قوله: ولو أعمى الخ) غاية في وجوب كفاية الرقيق: أي تجب كفاية رقيقه ولو لم ينتفع السيد به كأن كان أعمى أو



(1) سورة البقرة، الآية: 233.
118
زمنا: أي أو مستأجرا أو موصى بمنفعته أبدا أو معارا وذلك لخبرة للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا
يطيق، وخبر كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته رواهما مسلم. وقيس بما فيهما ما في معناهما من سائر المؤن
(قوله: ولو غنيا) في هذه الغاية نظر: إذ العبد لا يملك شيئا حتى أنه يتصف بالغني اللهم إلا أن يقال إنه قد يتصور أن
يكون غنيا فيما إذا كان مبعضا وكان بينه وبين سيده مهايأة وملك ببعضه الحر ففي اليوم الذي لسيده تكون كفايته عليه ولو
ملك أموالا كثيرة، أو يقال أن ذلك بحسب الظاهر بأن كان مأذونا له في التجارة، أو يقال أنه جاز على القول القديم بأنه
يملك إذا ملكه سيده، وقوله أو أكولا: أي ولو كان كثير الاكل بحيث يزيد فيه على أمثاله فإنه تجب كفايته (قوله: نفقة
وكسوة) منصوبان على التمييز لقوله كفاية، ومثلهما سائر مؤنة حتى ماء طهارته ولو سفرا وتراب تيممه إن احتاجه (قوله:
من جنس الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنفقة وكسوة. أي نفقة وكسوة كائنين من جنس المعتاد لمثله
من أرقاء البلد.
(والحاصل) تجب كفايته من غالب قوت أرقاء البلد من قمح وشعير وذرة ونحو ذلك، ومن غالب أدمهم من سمن
وزيت ومن غالب كسوتهم من قطن أو صوف ونحو ذلك. فلا يجب أن يكون طعامه من طعام سيده، ولا أن يكون أدمه من
أدم سيده، ولا أن تكون كسوته من كسوة سيده، ولكن يسن ذلك (قوله: ولا يكفي) أي في كسوة الرقيق ساتر العورة لان
فيه إهانة وتحقيرا له (قوله: وإن لم يتأذ به) أي لنحو حر وبرد، وهو غاية لعدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: نعم إن اعتيد)
أي ساتر العورة كبلاد السودان، وهو استدراك من عدم الاكتفاء بساتر العورة (قوله: كفى) أي سائر العورة. وقوله إذ لا
تحقير: علة له، قال في النهاية: فلو كانوا لا يستترون أصلا وجب ستر العورة لحق الله تعالى. ويؤخذ من التعليل أن
الواجب ستر ما بين السرة والركبة. اه‍. قال ع ش: أي ولو أنثى وينبغي أن محله إذا لم يرد إخراجها بحيث تراها
الأجانب، وإلا وجب ستر جميع بدنها. اه‍ (قوله: وعلى السيد) المقام للاضمار ولو حذفه لكان أخصر ويكون قوله بعد
ممن الخ معطوفا على نفقة وكسوة، وقوله ثمن دوائه: مثله سائر المؤن كماء طهارته، كما علمت (قوله: وكسب الرقيق)
مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي وكسب الرقيق يكون ملكا لسيده (قوله: ينفقه منه) أي ينفق عليه من كسبه، وقوله
إن شاء: أي الانفاق منه وإلا فمن غيره (قوله: ويسقط ذلك الخ) أي يسقط ما ذكر من النفقة والكسوة وثمن الدواء وأجرة
الطبيب بمضي الزمان فلا تصير دينا عليه إلا باقتراض القاضي بنفسه أو مأذونه، وقوله كنفقة القريب: أي قياسا على نفقة
القريب بجامع وجوب الكفاية (قوله: ويسن أن يناوله الخ) أي ويسن للسيد أن يعطى رقيقه مما يتنعم هو به، وذلك لخبر
إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه وقوله من
طعام الخ: بيان لما يتنعم به (قوله: والأفضل إجلاسه معه للاكل) أي ليتناول القدر الذي يشتهيه فإن لم يفعل أو امتنع هو
من جلوسه معه توقيرا له فليروغ له في الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة أو لقمتين ثم
يناوله لخبر الصحيحين إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي
حره وعلاجه والمعنى فيه تشوف النفس لما تشاهده وهذا يقطع شهوتها. اه‍. نهاية. وقوله فليروغ: أي يروى. وقوله
أحدكم: مفعول مقدم وخادمه فاعل مؤخر (قوله: ولا يجوز أن يكلفه) أي الرقيق للخبر السابق. وقوله كالدواب: أي كما
لا يجوز أن يكلف الدواب ما ذكر، وقوله عملا لا يطيقه: أي لا يطيق الرقيق الدوام عليه فيحرم عليه أن يكلفه عملا يقدر
عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه، وكذلك الدواب يحرم عليه أن يحملها ما لا تطيق الدوام عليه (قوله: وإن رضي) أي بما
لا يطيقه وهو غاية لعدم الجواز. وقوله إذ يحرم عليه: أي الرقيق وهو علة لمحذوف: أي وإن رضي فلا يعتبر رضاه: إذ

119
يحرم عليه أن يضر نفسه، وعبارة ع ش: وبقي ما لو رغب العبد في الأعمال الشاقة من تلقاء نفسه، فهل يجب على السيد
منعه منها؟ فيه نظر. والأقرب عدم الوجوب لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه، ويحتمل المنع لأنه قد يؤدي إلى ضرر يجر
إلى إتلافه أو مرضه الشديد، وفي ذلك تفويت مالية على السيد بتمكينه فينسب إليه فينزل منزلة ما لو باشر إتلافه. اه‍
(قوله: فإن أبى السيد إلا ذلك) أي تكليفه من العمل على الدوام ما لا يطيقه، وكذا لو حمله على كسب محرم، وقوله بيع
عليه: أي باعه الحاكم قهرا عنه (قوله: إن تعين البيع طريقا) أي في خلاصه بأن لم يمتنع من تكليفه ذلك إلا به (قوله:
وإلا أو جر عليه) أي وإن لم يتعين البيع طريقا أو جر عليه، وفي المغنى ما نصه:
تنبيه: قد علم مما تقرر أن القاضي إنما يبيعه إذا تعذرت إجارته كما ذكره الجرجاني وصاحب التنبيه وإن كان قضية
كلام الروضة وأصلها أن الحاكم يخير بين بيعه وإجارته هذا في غير المستولدة، أما هي فيخليها للكسب أو يؤجرها ولا
يجبر على عتق. اه‍. (قوله: أما في بعض الأوقات) مفهوم قوله على الدوام (قوله: فيجوز أن يكلفه عملا شاقا) قال في
فتح الجواد. ويظهر أن محله إن أمن عاقبة ذلك الشاق بأن لم يخف منه محذور تيمم ولو نادرا وإن كان مآلا. اه‍ (قوله:
ويبع العادة في إراحته الخ) عبارة الروض وشرحه: ويتبع السيد في تكليفه رقيقه ما يطيقه العادة في إراحته في وقت
القيلولة والاستمتاع وفي العمل طرفي النهار ويريحه من العمل، أما الليل إن استعمله نهارا أو النهار إن استعمله ليلا وإن
اعتادوا: أي السادة الخدمة من الأرقاء نهارا مع طرفي الليل لطوله اتبعت عادتهم، وعلى العبد بذل الجهد وترك الكسل
في الخدمة. اه‍. وقوله وقت القيلولة: الأولى كوقت القيلولة (قوله: والاستمتاع) أي وقت الاستمتاع: أي التمتع فيما
إذا كان رقيقه مزوجا (قوله: وله منعه الخ) أي وللسيد أن يمنع رقيقه من صوم التطوع وصلاة التطوع، وعبارة فتح الجواد:
وله منعه من نفل نحو صوم وصلاة بتفصيله السابق في الزوجة على الأوجه. ا ه. وقوله بتفصيله السابق: حاصل التفصيل
الذي ذكره فيها أنه إذا كان الزوج حاضرا وليس به مانع وطئ وكان نحو الصوم نفلا غير راتب فله منعها منه بخلاف ما إذا
كان غائبا أو به مانع كإحرام أو كان نحو الصوم فرضا أو كان نفلا راتبا فليس له في الجميع منعها ولا تسقط المؤن بفعله،
وأنت خبير بأن التفصيل المذكور لا يظهر إلا في الأمة التي يريد الاستمتاع بها. وفي شرح الروض في باب الصوم ما
نصه: والأمة المباحة لسيدها كالزوجة وغير المباحة كأخته والعبد إن تضررا بصوم التطوع لضعف أو غيره لم يجز بغير
إذن، وإلا جاز ذكره في المجموع وغيره. اه‍. (قوله: وعلى مالك الخ) أي ويجب على مالك علف، وهو بسكون اللام
وبفتحها المعلوف، وذلك لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين أنه (ص) قال: دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي
أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض بفتح الخاء وكسرها أي هوامها، وقوله دابته: أي التي لم يرد بيعها ولا
ذبح ما يحل منها، كما في التحفة والنهاية، أما إذا أراد ذلك حالا بأن كان شارعا في البيع في الأولى ومتعاطيا لأسباب
الذبح في الثانية فلا يجب عليه ذلك. وقوله المحترمة: سيذكر محترزها (قوله: ولو كلبا محترما) هو غير العقور، وهو
غاية في الدابة التي يجب على مالكها علفها. وفيها نظر: إذ الكلب لا يملك وإنما تثبت عليه اليد كسائر الاختصاصات:
فلو قال وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم لكان أولى.
واعلم: أن الكلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام عقور وهذا لا خلاف في عدم احترامه وندب قتله وما فيه نفع من اصطياد
أو حراسة، وهذا لا خلاف في احترامه وحرمة قتله وما لا نفع فيه ولا ضرر وهذا فيه خلاف، ومعتمد الرملي فيه أنه محترم
(قوله: وسقيها) عطف على علف أي وعليه سقيها أي وسائر ما ينفعها. قال في النهاية: والواجب علفها وسقيها حتى
تصل لأول الشبع والري دون غايتهما ويجوز غصب العلف لها وغصب الخيط لجراحتها ببدلها إن تعينا ولم يباعا، ثم
قال: ويجب على مالك النحل أن يبقى له من العسل في الكوارة قدر حاجتها إن لم يكفها غيره، وإلا فلا يلزمه ذلك، وإن

120
كان في الشتاء وتعذر خروجها كان المبقى أكثر فإن قام شئ مقام العسل في غذائها لم يتعين العسل، قال الرافعي: وقد
قيل يشوي دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فتأكل منها ويجب على مالك دود القز إما تحصيل ورق التوت ولو بشرائه، وإما
تخليته لاكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة، ويجوز تشميسه عند حصول نوله وإن هلك به كما يجوز ذبح الحيوان. اه‍
(قوله: إن لم تألف الخ) قيد في وجوب العلف عليه والسقي. وقوله الرعي: أي والشرب في طريقها (قوله: ويكفها)
هكذا وجد بالنسخ التي بأيدينا بصورة المجزوم وليس بظاهر، بل الصواب ويكفيها بصورة المرفوع وتكون الواو حالية،
والمعنى هذا إن لم تألف الرعي حال كونه كافيا لها، وقوله وإلا: أي بأن ألفته حال كونه كافيا كفى إرسالها له عن العلف
وقوله والشرب أي إن كان في مرعاها نحو غدير تشرب منه، وإلا لزمه السقي، كما هو ظاهر، وقوله حيث لا مانع: أي من
الرعي والشرب كثلج أو سبع، فإن وجد مانع فلا يكفي إرسالها لذلك (قوله: فإن لم يكفها) أي الدابة المرسلة للرعي
وقوله لزمه: أي المالك وقوله التكميل: أي تكميل كفايتها (قوله: فإن امتنع الخ) عبارة الخطيب: فإن امتنع المالك مما
ذكر وله مال أجبرها الحاكم في الحيوان المأكول على أحد ثلاثة أمور: بيع له أو نحوها مما يزول ضرره به أو علف أو ذبح
وأجبر في غيره على أحد أمرين: بيع أو علف. ويحرم ذبحه لنهي عن ذبح الحيوان إلا لاكله فإن لم يفعل ما أمره الحاكم
به ناب عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، فإن لم يكن له مال باع الحاكم الدابة أو جزءا منها أو إكراها عليه، فإن
تعذر ذلك فعلى بيت المال كفايتها. اه‍. وبها يعلم ما في عبارة الشارح حيث لم يفصل فيها بين من كان له مال ومن لم
يكن له وحيث سكت عن الأمر الثالث: أعني إجباره على العلف وعن حكم غير المأكول (قوله: فإن أبى) أي ما أخبره
الحاكم به من إزالة ملكه أو الذبح (قوله: فعل الحاكم) أي بنفسه أو مأذونه. وقوله الأصلح من ذلك: أي من إزالة الملك
أو الذبح (قوله: ورقيق كدابة في ذلك كله) أي مما يتأتى فيه وهو أنه يجبر السيد على إزالة ملكه عنه إن امتنع من الانفاق
عليه، فإن أبى باعه الحاكم عليه. وأما الذبح فلا يتأتى فيه ولو حذف لفظ التوكيد لكان أولى، بل قوله المذكور يغني عنه
قوله المار في الرقيق فإن أبى السيد إلا ذلك بيع الخ (قوله: ولا يجب علف غير المحترمة) أي غير دابته المحترمة. وانظر
ما مفاد هذه الإضافة؟ لا يقال مفادها الاختصاص لأنا نقول الفواسق لا تثبت عليها يد لاحد بملك ولا باختصاص. تأمل.
شوبري، ويمكن أن يقال الإضافة تأتى لأدنى ملابسة وما هنا كذلك. اه‍. بجيرمي. وجمل، ومن الواضح أنه مع عدم
وجوب العلف عليه يمتنع عليه حبسها حتى تموت جوعا لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: وهي) أي غير المحترمة
الفواسق الخمس، وقد نظمها بعضهم فقال:
خمس فواسق في حل وفي حرم يقتلن بالشرع عمن جاء بالحكم
كلب عقور غراب حية وكذا حدأة فأرة خذ واضح الكلم
وفي البجيرمي ما نصه: قال في المصباح الفسق أصله خروج الشئ على وجه الفساد وسميت هذه الحيوانات
فواسق استعارة وامتهانا لهن لكثرة خبثهن وأذاهن. اه‍. ثم إن عبارة الشارح تقتضي حصر غير المحترم في الفواسق
الخمس لأنها جملة معرفة الطرفين، وليس كذلك: إذ بقي منها أشياء كالدب والنسر ونحوهما، فلو قال كالفواسق،
بالكاف، لكان أولى (قوله: ويحلب مالك الخ) قال في المختار حلب يحلب بالضم حلبا بفتح اللام وسكونها. اه‍.
وقوله ما لا يضر: أي قدرا لا يضر بها، قوله ولا بولدها: أي ولا يضر بولدها: أي لأنه غذاؤه ما في ولد الأمة، بل قال
الأصحاب لو كان لبنها دون غذاء ولدها، وجب عليه تكميل غذائه من غيرها، وإنما يحلب الفاضل عن ريه. اه‍. نهاية
(قوله: وحرم ما ضر أحدهما) أي للنهي الصحيح عنه (قوله: ولو لقلة العلف) في التحفة تخصيص الغاية بما يضر الام،

121
وهو الظاهر: أي ولا يحلب ما يضرها ولو كان الضرر الحاصل لها في الحلب بسبب قلة العلف، وعبارة الخطيب: ولا
يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة علفها ولا ترك الحلب أيضا إذا كان يضرها فإن لم يضرها كره للإضافة اه‍ (قوله:
والظاهر ضبط الضرر) أي الذي يحرم ارتكابه في الحلب وقوله بما يمنع على حذف مضاف: أي بترك ما يمنع أي القدر
الذي يمنع وأخذ ما عداه، وقوله من نمو أمثالهما: أي الولد وأمه، وإذا كان هذا هو ضابط الضرر يكون الواجب حينئذ
عليه ترك القدر الذي ينمو به أمثالهما وأخذ ما عداه (قوله: وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت) انظر ما مرجع الضمائر
البارزة؟ والظاهر أن الثاني والثالث يعودان على الولد المعلوم من المقام، وأما الأول فظاهر السياق أنه يعود على الضرر،
وهو مشكل، إذ ضبطه حينئذ ليس بما يحفظه عن الموت، بل بما لا يحفظه، وإلا لنافاه قوله بعد المفرع عليه فالواجب
الترك له الخ، وعبارة شرح الروض: والواجب في الولد، كما قال الروياني، أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت. قال في
الأصل: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا قال الأذرعي، وهذا التوقف هو الصواب الموافق لكلام الشافعي والأصحاب. اه‍.
ومثله في النهاية ونصها: قال الروياني والمراد أن يترك له ما يقيمه حتى لا يموت. قال الرافعي: وقد يتوقف في الاكتفاء
بهذا الخ. وكتب ع ش قوله وقد يتوقف الخ: فيقال يجب أن يترك له ما ينميه نمو أمثاله. اه‍ (قوله: ويسن أن لا يبالغ
الخ) أي لخبر دع داعي اللبن (قوله: وأن يقص) أي ويسن أن يقص أظفاره: أي لئلا يؤذيها. قال في فتح الجواد:
ويحرم حلبها مع طول ظفره إن آذاها. اه‍ (قوله: ويجوز الحلب إن مات الولد) محط الجواز قوله بأي حيلة كانت، وإلا
فجواز الحلب قد علم من قوله سابقا ويحلب مالك الخ. وقيد ذلك بموت الولد لان الغالب عند موته وذهاب اللبن أو قلته
ما لم يتحايل على خروجه، والعرب يحشون جلده بتراب أو نحوه ويجعلونه أمامها يخيلون لها أنه حي كي لا يذهب لبها
أو يقل (قوله: ويحرم التهريش بين البهائم) أي تسليط بعضها على بعض. قال في القاموس: التهريش التحريك بين
الكلاب، والافساد بين الناس، والمهارشة تحريك بعضها على بعض. اه‍ (قوله: ولا يجب عمارة الخ) لما أنهى الكلام
على حكم ماله روح شرع في بيان حكم ما لا روح له، وحاصل الكلام على ذلك أن ما لا روح له كقناة ودار لا تجب
عمارته لانتفاء حرمة الروح، وهذا إذا كان المالك له رشيد، أما إذا كان غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه وحفظ ثمره
وزرعه، وكذا وكيل وناظر وقف، وإذا لم تجب العمارة لا يكره تركها إلا إذا أدى إلى الخراب فيكره، ويكره أيضا ترك
سقي الزرع والشجر عند الامكان لما فيه من إضاعة المال.
فإن قيل: إضاعة المال تقتضي التحريم.
أجيب: بأن محل الحرمة حيث كانت الإضاعة ناشئة عن فعل كإلقاء متاع في البحر بلا خوف ورمي الدراهم في
الطريق، بخلاف ما إذا كانت ناشئة عن ترك عمل كما هنا فإنها لا تحرم، ولكنها تكره، كما علمت (قوله: بل يكره تركه)
أي التعمير المأخوذ من لفظ عمارة، وفي بعض نسخ الخط تركها، أي العمارة، وهو الأولى الموافق لما في التحفة. وقوله
إلى أن تخرب، بفتح الراء.
فإن قيل: إن العمارة التي يكره تركها لا تكون إلا لدار قد خرجت والغاية تفيد خلافه.
أجيب: بأن الفرض أن الدار التي يكره ترك عمارتها ليست خربة بالكلية، وإنما فيها بعض مواضع خربة تحتاج إلى
إصلاح ولو ترك لخربت بالكلية بحيث تصير لا تصلح للسكنى. وقوله بغير عذر متعلق بترك: أي يكره الترك لها بلا عذر،
أما إذا كان بعذر، كأن لم توجد مؤن العمارة، فلا يكره تركها (قوله: كترك سقي زرع وشجر) أي فإنه يكره (قوله: دون

122
ترك زراعة الأرض وغرسها) أي فلا يكره (قوله: ولا يكره عمارة لحاجة وإن طالت) قال ع ش: بل قد تجب العمارة إن
ترتب على تركها مفسدة بنحو اطلاع الفسقة على حريمه مثلا. قال في النهاية: والزيادة على العمارة خلاف الأولى وربما
قيل بكراهتها، وفي صحيح ابن حبان أن النبي (ص) قال: إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب وفي أبي
داود كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبال يوم القيامة إلا ما أي إلا ما لا بد منه: أي ما لم ينفق بالانفاق في البناء
به مقصدا صالحا كما هو معلوم. اه‍. وقوله مقصدا صالحا: ومنه أن ينتفع بغلته بصرفها في وجوه القرب أو على
عياله. اه‍. ع ش (قوله: والأخبار الدالة الخ) قال في الزواجر: أخرج ابن أبي الدنيا عن عمار بن ياسر قال: إذا رفع
الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين: إلى أين؟ وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: خرج
رسول الله (ص) ونحن معه فرأى قبة مشرفة فقال ما هذه؟ قال أصحابه هذه لفلان، رجل من الأنصار، فسكت وحملها في
نفسه حتى إذ جاء صاحبها رسول الله (ص)، سلم عليه الناس، فأعرض عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب
في وجهه والاعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه قال: والله إني لأنكر رسول الله (ص)، قالوا خرج فرأى قبتك، فرجع
الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله (ص) ذات يوم فلم يرها. قال ما فعلت القبة؟ قالوا شكا
إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما؟ أي إلا مالا بد منه. اه‍. ومن
الاخبار ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يبني بيتا ويقول سنة رسول الله (ص) فإنه لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة
على قصبة، وعن ميسرة قال: ما بنى عيسى عليه السلام بنيانا قط، فقيل له ألا تبني بيتا؟ فقال لا أترك بعدي شيئا من الدنيا
أذكر به. وعن ابن مطيع أنه نظر يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى، ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا، ولولا
ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى حتى ارتفع صوته (قوله: محمولة) خبر الاخبار أي ما فيها
(قوله: على من فعل ذلك) أي ما زاد على سبعة أذرع وقوله للخيلاء: اللام تعليلية متعلقة بفعل: أي فعله لأجل الخيلاء
والتكبر على الناس، أما إذا كان لا لأجل ذلك فلا يمنع من الزيادة المذكورة (قوله: والله سبحانه وتعالى أعلم) أي من كل
ذي علم، قال الله تعالى: * (وفوق كل ذي علم عليم) * أي حتى ينتهي الامر إلى الله سبحانه وتعالى فهو أعلم من كل
ذي علم، وكأن المصنف قصد بذلك التبري من دعوى الأعلمية، ففي باب العلم من صحيح البخاري في قصة موسى مع
الخضر مع نبينا وعليهما الصلاة والسلام ما يقتضي طلب ذلك حيث سئل موسى عن أعلم الناس، فقال أنا، فعتب
الله عليه: إذ لم يرد العلم إليه، أي كأن يقول: الله أعلم، وفي القرآن العظيم: الله أعلم حيث يجعل رسالته
ويسن لمن سئل عما لا يعلم: أن يقول: الله ورسوله أعلم.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام ويكره للانسان أن يدعو على نفسه أو على ولده أو ماله أو خدمه. لخبر مسلم في
آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا
على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيها عطاء فيستجيب له
وأما خبر إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه فضعيف. والله سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة يوسف، الآية: 76.
(2) سورة الأنعام، الآية: 124.
123
باب الجناية
أي في بيان أحكامها: كوجوب القود والدية، والتعبير بها أولى من تعبير بعضهم بالجراح، وذلك لأنه يخرج القتل
بالسحر ونحوه كالخنق، ويخرج إزالة المعاني كالسمع، فيقتضي أن الحكم فيها ليس كالحكم في الجراح، وليس
كذلك، وقد تقدم حكمة تأخير الجنايات عن المعاملات والمناكحات، والمراد بها هنا الجنايات على الأبدان وأما الجناية
على الأموال والاعراض والأنساب وغيرها فستأتي في كتاب الحدود والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * وخبر لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا
بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة وشرع القصاص في الجنايات حفظا
للنفوس لان الجاني إذا علم أنه إذا جنى يقتص منه انكف عن الجناية، فيترتب على ذلك حفظ نفسه ونفس المجني
عليه، كما شرعت الحدود الآتية حفظا للأنساب والعقول والأموال والأديان، ثم إن مذهب أهل السنة والجماعة أن القتل
لا يقطع الاجل، وأن من قتل مات بأجله، خلافا للمعتزلة في قولهم القتل يقطع الاجل متمسكين بخبر إن المقتول يتعلق
بقاتله يوم القيامة ويقول: يا رب ظلمني وقتلني وقطع أجلي وهو متكلم في إسناده، وبتقدير صحته فهو منظور فيه للظاهر
من أنه لو لم يقتل لاحتمل أن يعيش، أو محمول على مقتول سبق في علم الله تعالى أنه لو لم يقتل لكان يعطى أجلا
زائدا. قال صاحب الجوهرة:
وميت بعمره من يقتل وغير هذا باطل لا يقبل
(قوله: من قتل وقطع) بيان للجناية، وقوله وغيرهما: أي كالجرح الذي لا يزهق وإزالة المعاني كالسمع والبصر
ونحوهما (قوله: والقتل ظلما) هو ما كان عمدا بغير حق (قوله: أكبر الكبائر بعد الكفر) أي لخبر سئل (ص) أي الذنب
أعظم عند الله؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قيل ثم أي؟ قال في أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك رواه
الشيخان. وخبر لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وما فيها رواه أبو داود بإسناد صحيح.
واعلم، أن توبة القاتل تصح منه لان الكافر تصح توبته فهذا أولى، لكن لا تصح توبته إلا بتسليم نفسه لورثة القتيل
ليقتصوا منه أو يعفوا عنه على مال ولو غير الدية أو مجانا فإذا تاب توبة صحيحة وسلم نفسه لورثة القتيل راضيا بقضاء الله
تعالى عليه فاقتصوا منه أو عفوا عنه سقط عنه حق الله بالتوبة، وحق الورثة بالقصاص أو بالعفو عنه وأما حق الميت فيبقى
متعلقا بالقاتل لكن الله يعوضه خيرا ويصلح بينهما في الآخرة، فإن لم يتب ولو يقتص منه بقيت عليه الحقوق الثلاثة ثم إذا
أصر على ذلك إلى أن مات فلا يتحتم عذابه بل هو في خطر المشيئة، كسائر أصحاب الكبائر غير الكفر، فإن شاء الله غفر
له وأرضى الخصوم وإن شاء عذبه لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وإن عذبه
لا يخلد في النار. وأما قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * فمحمول على المستحل



(1) سورة البقرة، الآية: 178.
(2) سورة النساء، الآية: 48.
(3) سورة النساء، الآية: 93.
124
لذلك، أو المراد بالخلود فيه: المكث الطويل، فإن الدلائل تظاهرت على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم (قوله:
وبالقود) أي القصاص، وهو متعلق بالفعل الذي بعده. وقوله أو العفو: أي على مال أو مجانا. وقوله لا تبقى مطالبة
أخروية. هذا إذا تاب عند تسليم نفسه للقود أو عند العفو عنه من الورثة توبة صحيحة، وإلا بقيت عليه المطالبة من الله،
كما علمت أن الحقوق ثلاثة: حق الله تعالى، وحق الورثة، وحق المقتول. والحق الأول لا يسقط إلا بتوبة صحيحة
(قوله: والفعل) أي جنس الفعل بدليل الاخبار عنه بثلاثة، والمراد بالفعل ما يشمل القول كشهادة الزور وكالصياح، وقوله
المزهق: أي المخرج للروح وهذا القيد لا مفهوم له لان غير المزهق تأتي فيه الثلاثة الأقسام التي ذكرها، وعبارة شرح
المنهج: هي أي الجناية على البدن سواء كانت مزهقة للروح أو غير مزهقة من قطع نحوه ثلاثة الخ. وقوله ثلاثة: أي ولا
رابع لها، ووجه ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه بأن لم يقصد الجناية أصلا كأن زلقت رجله فوقع على
إنسان فقتله أو قصد الجناية على زيد فأصاب عمرا فهو الخطأ المحض سواء كان بما يقتل غالبا أو لا، وإن قصد عين
المجني عليه فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد المحض، وإن كان بما لا يقتل غالبا فهو شبه العمد. قال ابن رسلان في
زبده:
فعمد محض هو قصد الضارب شخصا بما يقتله في الغالب
والخطأ الرمي لشاخص بلا قصد أصاب بشرا فقتلا
ومشبه العمد بأن يرمي إلى شخص بما في غالب لن يقتلا
(قوله: عمد) أي محض، وقوله وشبه عمد: ويقال لهذا عمد خطأ وخطأ عمد وخطأ شبه عمد وحقيقته مركبة من
شائبة العمد وشائبة الخطأ، وقوله وخطأ أي محض (قوله: لا قصاص إلا في عمد) أي للاجماع (قوله: بخلاف شبهه) أي
العمد فلا قصاص فيه: لخبر إلا أن في قتيل عمد الخطأ، قتيل السوط والعصا مائة من الإبل وقوله والخطأ أي وبخلاف
الخطأ فلا قصاص فيه لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * (قوله: وهو) أي
العمد، وقوله قصد فعل: أي قتل وخرج به ما إذا لم يقصد كأن زلقت رجله فوقع على إنسان فقتله فلا قصاص فيه لأنه
خطأ. وقوله ظلما. الأولى حذفه لأنه سيذكر شروط القصاص كلها ويذكره معها والمراد كونه ظلما من حيث الاتلاف،
فخرج ما إذا قصده بحق كالقتل قودا أو دفعا لصائل أو لباغ أو بغير حق لكن لا من حيث الاتلاف، أي إزهاق الروح، كأن
استحق حز رقبته فقده نصفين فإنه لا قود فيهما بل هو في الأول جائز وفي الثاني وإن كان غير جائز لكنه من حيث العدول
عن الطريق المستحق إلى غيره لا من حيث الاتلاف (قوله: وعين شخص) معطوف على فعل. أي وقصد عين شخص
أي ذاته، وخرج به ما لو قصد إصابة زيد مثلا فأصاب السهم عمرا فلا يلزمه القود لأنه لم يقصد عين المصاب (قوله:
يعني الانسان) أي أن المراد بالشخص الانسان لا ما يشمل الانسان وغير، وقوله إذ لو قصد الخ: تعليل لكون المراد من
الشخص الانسان: أي وإنما كان المراد من الشخص الانسان، لا مطلق شخص، لأنه لو قصد شخصا ظنه ظبية أو نخلة
أو نحوهما فرماه ثم تبين أنه إنسان كان قتله له خطأ لا عمدا لأنه وإن قصد الشخص الذي هو الظبية ولم يقصد الانسان
المصاب وفي هذا التعليل نظر لأنه يقتضي أنه إذا قصد إنسانا عند الرمي وأصاب إنسانا آخر غيره كان عمدا مع أنه خطأ
كما تقدم. إذا علمت ذلك فكان المناسب أن يقيد الانسان المفسر للشخص بالمصاب ويأتي بدل صورة التعليل المذكور
بصورة التفريع بأن يقول فلو قصد شخصا الخ. والصورة المعلل بها خارجة بقوله قصد عين شخص، وذلك لأنه إذا رمى
شخصا على زعم أنه ظبية ثم تبين أن المصاب المرمي إنسان فهو لم يقصد عين المصاب وقت الرمي كالصورة المتقدمة.



(1) سورة النساء، الآية: 92.
125
تأمل (قوله: بما يقتل) متعلق بقصد: أي قصده بما يقتل أي بشئ يقتل في الغالب ولو بالنظر لبعض المحال كغرز الإبرة
في المقتل، وعلم منه بالأولى ما لو قصده بما يقتل قطعا. وخرج به ما لو قصده بما يقتل لا غالبا بأن كان نادرا كغرز إبرة
الخياط بغير مقتل ولم يظهر لها أثر أو لا غالبا ولا نادرا بأن كان على حد سواء كضرب غير متوال في غير مقتل فإنه شبه عمد
ولا قود فيه كما سيصرح به (قوله: جارحا كان) أي الشئ الذي يقتل (قوله: كغرز إبرة الخ) تمثيل للجارح. والمراد
كالإبرة، كما في البجيرمي عن زي إبرة الخياط، أما المسلة التي يخاط بها الظروف، فهي مما يقتل غالبا مطلقا سواء كان
في مقتل أو لا، وقوله بمقتل: مصدر ميمي أريد به المكان، ومثله ما لو غرزها في بدن نحو هرم أو نحيف أو صغير أو كانت
مسمومة وغرزها في كبير، وقوله كدماغ الخ: تمثيل للمقتل، وفي المغني المقتل، بفتح المثناة الفوقية واحد المقاتل،
وهي المواضع التي إذا أصيبت قتلت كعين ودماغ وأصل أذن وحلق وثغرة نحر الخ. اه‍. وقوله وخاصرة: هي ما بين
رأس الورك وآخر ضلع في الجنب، ومثله الخصر والكشح، وقوله وإحليل: وهو مخرج البول من ذكر الانسان واللبن من
الثدي. وقوله ومثانة: هي موضع الولد أو موضع البول. أفاد ذلك كله في القاموس، وقوله وعجان بكسر العين (قوله:
وهو) أي العجان المحل الذي بين الخصية والدبر (قوله: أو لا) أي أو لا يكون جارحا (قوله: كتجويع الخ) تمثيل لما لا
يكون جارحا (قوله: وسحر) أي وكسحر فإذا قتل به اقتص منه وفي التحفة ما نصه ومر قبيل هذا الكتاب أنه لا ضمان على
القاتل بالعين وإن تعمد ونقل الزركشي عن بعض المتأخرين أنه أفتى بأن لولي الدم قتل ولي قتل مورثه بالحال لان فيه
اختيارا كالساحر وحينئذ فينبغي أن يأتي فيه تفصيله اه‍. وفيه نظر، بل الذي يتجه خلافه لان غايته أنه كعائن تعمد وقد
اعتيد منه دائما قتل من تعمد النظر إليه على أن القتل بالحال حقيقة إنما يكون لمهدر لعدم نفوذ حاله في محرم
إجماعا. اه‍. وقوله تفصيله أي الساحر وهو أنه إذا قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فيكون عمدا فيه القود وإن كان
يقتل نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ وفيهما الدية على العاقلة (قوله: وقصدهما) مبتدأ خبره شبه
عمد (قوله: أي الفعل والشخص) تفسير لضمير قصدهما، قال في التحفة والنهاية: وإن لم يقصد عينه. اه‍ (قوله:
بغيره) متعلق بقصد: أي قصدهما بغير الشئ الذي يقتل في الغالب (قوله: شبه عمد) أي يقال له شبه عمد واعترض في
المغني على ضابطه المذكور فقال: يرد على طرده التعزير ونحوه فإنه قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا وليس شبه
عمد بل خطأ وعلى عكسه ما لو قال الشاهدان الراجعان لم نعلم أنه يقتل بقولنا وكانا ممن يخفى عليهما ذلك فحكمه
حكم شبه العمد مع وجوب قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبا. اه‍ (قوله: سواء أقتل كثيرا) تعميم في غير الذي يقتل
في الغالب، وأفاد به أن الكثرة لا تنافي عدم الغلبة وهو كذلك. إذ قد يكون الشئ كثيرا في نفسه وليس بغالب، وقوله أم
نادرا أي أم قتل نادرا لكن بحيث يكون سببا في القتل وينسب إليه القتل عادة لا نحو قلم مما لا ينسب إليه القتل عادة لان
ذلك مصادفة قدر فلا شئ فيه، لا قود ولا دية ولا غيرهما، وقد أفاد الشارح هذا القيد بالتمثيل بقوله بعد كضربة يمكن
عادة الخ (قوله: كضربة الخ) تمثيل للنادر لان الضربة الواحدة يندر القتل بها ولم يمثل للكثير، ومثاله نحو الضرب الكثير
غير المتوالي في غير مقتل كما تقدم وقوله يمكن عادة إحالة الهلاك عليها، كما إذا كانت بنحو سوط (قوله: بخلافها) أي
الضربة وقوله بنحو قلم كثوب أو منديل (قوله: أو مع خفتها) أي أو كانت الضربة بنحو عصا مثلا لكن كانت خفيفة جدا
(قوله: فهدر) أي لا شئ فيها، لا قصاص ولا دية ولا غيرهما (قوله: ولو غرز إبرة الخ) المقام للتفريع. وحاصل مسألة
الإبرة أنه إن غرزها في مقتل أو في بدن نحيف أو صغير فعمد مطلقا وإن لم يكن معه ألم فإن غرزها في غير ذلك كبدن
كبير فإن تألم بذلك فعمد أيضا وإلا فشبه عمد وإن غرزها فيما لا يؤلم كجلدة عقب فهدر لعلمنا بأنه لم يمت به والموت

126
عقبه موافقة قدر، وقد علمت المراد بالإبرة فلا تغفل (قوله: كألية وفخذ) تمثيل لغير المقتل (قوله: وتألم حتى مات) أي
تألم تألما شديدا دام به حتى مات (قوله: وإن لم يظهر أثر) إن شرطية جوابها قوله فشبه عمدا، والأنسب بما قبله وإن لم
يتألم (قوله: ومات حالا) أي أو بعد زمن يسير: أي عرفا فيما يظهر. اه‍. تحفة (قوله: فشبه عمد) قال في التحفة:
كالضرب بسوط خفيف. اه‍ (قوله: ولو حبسه الخ) الأنسب تأخير هذه المسألة وذكرها في التنبيه الآتي لان منع الطعام
والشراب من أسباب الهلاك لا من مباشرته. وقوله كأن أغلق بابا عليه: مثال للحبس، والاغلاق ليس بقيد، بل مثله ما لو
لم يغلقه ووضع عليه حارسا يمنعه من ذلك. وقوله ومنعه الخ: عطف على جملة حبسه قال في النهاية: وخرج بحبسه ما
لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه وإن علم هلاكه به وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام
خوف عطش أو من طلب ذلك: أي وقد جوز إجابته لذلك فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان حيث كان حرا لأنه لم يحدث
فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية. قال الفوراني: وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه، أما الرقيق
فيضمنه باليد. اه‍. وقوله الطعام والشراب: أي معا: وقوله أو أحدهما: أي أو منعه أحدهما، أي الطعام أو الشراب،
ومثل منعه من الطعام أو الشراب منعه من اللباس، كما في المدابغي، وسأنقل لك عبارته (قوله: والطلب لذلك) معطوف
على الطعام والشراب: أي ومنعه الطلب للطعام والشراب (قوله: حتى مات الخ) أي حبسه ومنعه من ذلك إلى أن مات
بالجوع أو بالعطش أو بكليهما (قوله: فإن مضت مدة) أي من ابتداء منعه إلى موته وهو جواب لو، وقوله بموت مثله: أي
المحبوس الممنوع من الطعام والشراب، وقوله فيها: أي في تلك المدة، وقوله جوعا أو عطشا: أي يموت بالجوع
وبالعطش، فهما منصوبان بإسقاط الخافض (قوله: فعمد) أي ففعله المذكور عمد موجب للقود، وقوله لظهور الخ: علة
لكونه عمدا وقوله به: أي بالفعل المذكور من الحبس ومنع الطعام والشراب: أي ولما كان قصد الاهلاك بالفعل المذكور
ظاهرا أحيل الهلاك عليه (قوله: ويختلف ذلك) أي المدة التي يحصل الموت فيها غالبا عند منع الطعام والشراب، وذكر
اسم الإشارة باعتبار تأويلها بالمذكور أو بالزمن، وعبارة شرح المنهج، وتختلف المدة باختلاف حال الممنوع قوة وضعفا
والزمن حرا أو بردا ففقد الماء في الحر ليس كهو في البرد. اه‍ (قوله: باختلاف حال المحبوس) متعلق بيختلف، وقوله
والزمن معطوف على حال: أي وباختلاف الزمن (قوله: قوة) أي وضدها وهو راجع لحال المحبوس، وقوله وحرا: أي
وضده وهو راجع للزمن (قوله: وحد الأطباء الجوع) أي ضبطوا زمنه. وقوله باثنين وسبعين ساعة: أي فلكية وهي ثلاثة
أيام بلياليها. اه‍. رشيدي (قوله: فإن لم تمض المدة المذكورة) أي التي يموت فيها غالبا مثله (قوله: ومات) أي
المحبوس الممنوع من الطعام والشراب مدة لا يموت مثله غالبا فيها (قوله: فإن لم يكن الخ) جواب إن وقوله جوع أو
عطش سابق: أي على الحبس والمنع المذكورين (قوله: فشبه عمد) أي لان ما ذكر لا يقتل غالبا. قال في التحفة
والنهاية: وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها. اه‍ (قوله: فيجب نصف ديته) لا
يصح تفريعه على ما قبله لان شبه العمد يجب فيه دية كاملة كالخطأ، ثم ظهر من عبارة التحفة مع الأصل أن في عبارة
الشارح سقطا من النساخ بعد قوله فشبه عمد وقبل قوله فيجب نصف ديته ونصهما لتعرف ذلك السقط بعده فإن لم يكن به
جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإن كان بعد جوع وعطش سابق وعلم الحابس الحال فعمد لشمول حده السابق له وإلا
يعلم الحال فلا يكون عمدا في الأظهر لأنه لم يقصد الهلاك، ولو أتى بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك

127
بالامرين. اه‍. بتصرف. وقوله بالامرين: هما الجوع أو العطش السابق على الحبس، والجوع أو العطش الواقع بعده
فاعتبر للسابق نصف الدية وللاحق نصفها والواقع من الحابس هو الثاني فوجب عليه النصف. ومثلهما عبارة المدابغي
على الخطيب ونصها: فرع: من حبس آدميا ومنعه الزاد والماء أو عراه فمات فإن كان زمنا يموت فيه غالبا جوعا أو عطشا
أو برد فعمد أو لا يموت فيه، فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد، وإلا فإن حبسه زمنا إذا ضم للأول مات وعلم
سابق جوعه وعطشه فعمد محض وإن جهل وجب نصف دية شبه العمد، فلو أطمعه وسقاه حتى مات ضمنه إن كان عبدا
لا حرا أو أخذ زاده أو ماءه أو ثيابه بمفازة فمات جوعا أو عطشا أو بردا هدر. اه‍ (قوله: تخويفا له) مفعول لأجله: أي
أشار إليه بسكين لأجل أن يخوفه (قوله: فسقطت) أي السكين، وقوله عليه: أي على الانسان المشار إليه، وقوله من غير
قصد متعلق بسقطت. أي سقطت لا بقصد السقوط بأن انفلتت من يده (قوله: إلى أنه عمد) متعلق بمال: أي مال إلى أن
فعله المذكور عمد، فإذا مات وجب القود (قوله: وفيه نظر) أي في كونه عمدا نظر لأنه لم يقصد عينه: أي المشار إليه
المصاب، وقوله بالآلة: أي بسقوطها عليه كما في ع ش وعبارته: قوله لأنه الخ، فيه نظر، فإنه حيث أشار كان قاصدا عينه
بالإشارة. نعم: خصوص الإشارة التي وجدت منه لا تقتل غالبا، وسقوط السكين من يده لم يقصده، ويمكن حمل كلام
الشارح على هذا بأن يقال لم يقصد عينه بسقوط الآلة. اه‍ (قوله: فالوجه أنه غير عمد) أي بل هو شبه عمد لأنه قصد
الفعل، وهو التخويف الذي لا يقتل غالبا (قوله: يجب قصاص بسبب) هو ما يؤثر في تحصيل ما يؤثر في التلف كالاكراه
فإنه يؤثر داعية القتل في المكره، وهذه الداعية تؤثر في التلف، وخرج به الشرط فإنه لا يؤثر في الفعل ولا يحصله بل
يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كحفر بئر مع التردي فيها فإن المفوت هو التخطي جهته والمحصل
هو التردي فيها المتوقف على الحفر، ومن ثم لم يجب فيه قود مطلقا، ثم السبب تارة يكون حسيا كالاكراه، وتارة يكون
عرفيا كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف، وتارة يكون شرعيا كشهادة الزور وقوله كمباشرة الكاف للتنظير: أي نظير
مباشرة القتل فإنه يجب بها القصاص وهي ما أثر في التلف وحصله، فتحصل أن المباشرة ما ذكر وأن السبب ما أثر في
التلف فقط، ولم يحصله ومنه منع الطعام السابق، والشرط ما لا يؤثر فيه ولا يحصله، وتقدم المباشرة على السبب، ثم هو
على الشرط - كما سيذكره (قوله: فيجب) أي القصاص وقوله على مكره، بكسر الراء، أي مكره إنسانا بأن يقتل آخر
معينا سواء كان إماما أو متغلبا، ومنه آمر خيف من سطوته لو خولف فأمره كالاكراه. ويشترط لوجوب القصاص عليه أن
يكون عالما بأن المقتول آدمي سواء علم به المكره، بفتح الراء، أم لا، وشرط لوجوبه على المكره، بفتح الراء، أن
يكون عالما به أيضا سواء علم به المكره بكسر الراء أم لا فلا يتوقف وجوب القصاص على علمهما به معا.
والحاصل: أن المكره والمكره إما أن يكونا عالمين بأن المقتول آدمي أو جاهلين به، أو الأول عالما والثاني جاهلا
أو بالعكس، فيجب القود على كل منهما في الصورة الأولى، وتجب الدية على عاقلتهما في الثانية لأنه خطأ، ويجب
القود على المكره، بكسر الراء، وحده في الثالثة، وعلى عاقلة المكره - بفتحها - نصف الدية، والرابعة بعكس الثالثة.
وقوله بغير حق: خرج به ما إذا أبره الامام آخر على قتل من استحق القتل فلا شئ فيه أصلا (قوله: بأن قال اقتل هذا) أي
إشارة لآدمي علمه، كما علمت، وخرج بقوله هذا المشار به لمعين ما لو قال له اقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها، وما لو قال
له اقتل زيدا أو عمرا فقتلهما أو أحدهما فلا قصاص على المكره - بكسر الراء - لأنه ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به
والمخوف به في الصورة الأولى، فكأنه اختار قتل نفسه ولتفويض تعيين عين المقتول إلى المكره بفتح الراء في الثانية
فصار له اختيار في القتل، فالقود يكون عليه (قوله: وعلى مكره أيضا) أي ويجب القصاص أيضا على مكره، بفتح الراء،

128
لكن بشرط علمه بأن المقتول آدمي، كما علمت. قال في التحفة: وقيد البغوي وجوب القود عليه بما إذا لم يظن أن
الاكراه يبيح الاقدام، وإلا لم يقتل جزما، وأقره جمع لان القصاص يقسط بالشبهة ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا
أمكن خفاء ذلك عليه. اه‍. وإنما وجب القصاص عليه مع أنه مكره لأنه آثر نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كالمضطر
الذي قتل غيره ليأكله فإن عليه الضمان، وقيل لا قصاص عليه لعموم خبر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه (قوله: وعلى من ضيف الخ) أي ويجب القصاص أيضا على من ضيف بمسموم، ومثل التضييف به دس السم في
طعام المقتول، وقوله بمسموم يقتل غالبا: عبارة التحفة: بمسموم يعلم كونه يقتل غالبا فأفادت أنه لا بد من علم المضيف
بذلك فلو لم يعلم به فلا قود، وخرج بقوله غالبا ما إذا كان يقتل لا غالبا ففيه الدية لا القود. وقوله غير مميز: أي صبيا كان
أو مجنونا، وهو مفعول ضيف (قوله: فإن ضيف به) أي بالمسموم الذي يعلم أنه يقتل غالبا، وقوله مميزا: سواء كان بالغا
أم لا (قوله: أو دسه) أي السم. وقوله في طعامه: أي المميز. وخرج به ما لو دسه في طعام نفسه فأكل منه من يعتاد
الدخول له وقتله فإنه هدر. وقوله الغالب أكله منه: أي الذي يغلب أكل المميز من ذلك الطعام. قال سم: هذا القيد وقع
في المنهاج وغيره من كتب الشيخين ولم يذكره الأكثرون وهو تقييد لمحل الخلاف المذكور حتى يتأتى القول بوجوب
القصاص، وإلا فدية شبه العمد واجبة مطلقا، سواء كان الغالب أكله منه أو لا، خلافا لما ذكره كثير من الشراح من إهداره
إذا لم يكن الغالب أكله منه. نبه على ذلك شيخنا الشهاب الرملي. فقول الشارح الآتي فهدر ممنوع. اه‍. (قوله: فأكله
جاهلا) أي بأن فيه سما وخرج به ما لو أكله عالما به ومات فإنه يكون هدرا (قوله: فشبه عمد) لا يخفى أن هذا لا يصدق
عليه حد شبه العمد المتقدم لأنه تقدم أن يكون بما لا يتلف غالبا، إلا أن يكون ذاك مخصوصا بالآلة وهذا في السبب.
تأمل. ح ل. بجيرمي (قوله: فيلزمه ديته) أي دية شبه العمد (قوله: ولا قود) أي على المضيف أو الداس للسم (قوله:
لتناوله الطعام باختياره) هذا هو الفارق بينه وبين غير المميز (قوله: وفي قول قصاص) أي وفي قول يجب قصاص على
المضيف أو الداس للسم (قوله: لتغريره) أي من ذكر من المضيف أو الداس: أي للتغرير الحاصل منه للمميز الآكل فهو
كالاكراه. وفرق بأن في الاكراه إلجاء دون هذا (قوله: وفي قول لا شئ) أي لا قصاص ولا دية (قوله: تغليبا للمباشرة)
قال في النهاية: ورد بأن محل تغليبها حيث اضمحل السبب معها كالممسك مع القاتل، ولا كذلك هنا. اه‍. وقوله
كالممسك مع القاتل: يعني إذا أمسك شخص آخر فجاء آخر وقتله فالقصاص على القاتل لا على الممسك تغليبا
للمباشرة (قوله: وعلى من ألقى) من واقعة على المميز القادر على الحركة، ومفعول ألقى محذوف. والمعنى: يجب
القصاص على مميز قادر على الحركة ألقى غيره وقوله في ماء: أي جار أو راكد، ومثل الماء النار، ولو قال، كما في
المنهج، فيما لا يمكنه التخلص منه لكان أولى، وقوله مغرق: أي لمثله وخرج به ما لو ألقاه في ماء غير مغرق: كماء
منبسط يمكنه الخلاص منه عادة فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فإنه هدر لا ضمان فيه ولا كفارة لأنه المهلك لنفسه،
وقوله لا يمكنه التخلص منه: أي من الغرق فيه كلجة وقت هيجانها. وقوله بعوم: الباء سببية متعلقة بالتخلص. وقوله أو
غيره: أي غير العوم (قوله: وإن التقمه حوت) غاية في وجوب القصاص: أي يجب القصاص على الملقى وإن التقم
الملقى بفتح القاف حوت. وقوله ولو قبل وصوله للماء: أي ولو وقع التقام الحوت له قبل أن يصل الماء (قوله: فإن أمكنه
تخلص) مفهوم قوله لا يمكنه التخلص منه، وقوله ومنعه منه: أي التخلص بذلك، وقوله عارض: أي بعد الالقاء، فإن
كان العارض موجودا عند الالقاء فالقصاص. ح ل. وقوله كموج وريح: تمثيل للعارض. وقوله فهلك: أي الملقى
(قوله: فشبه عمد) أي فالفعل المذكور وهو الالقاء شبه عمد (قوله: ففيه ديته) مفرع على كونه شبه عمد: أي فيلزمه في

129
هلاك من أمكنه التخلص ومنعه منه عارض دية شبه العمد (قوله: وإن أمكنه) أي التخلص، وقوله فتركه الخ: أي فتركه لا
لعارض بل خوفا أو عنادا (قوله: فلا دية) أي على الملقى ولا كفارة عليه أيضا. قال في التحفة والنهاية: لأنه الملك
لنفسه، إذ الأصل عدم الدهشة، ومن ثم لزمته الكفارة. ا ه. وقوله لزمته: أي لزمت من أمكنه التخلص وتركه الكفارة
لقتله نفسه. اه‍. ع ش. (قوله: فرع) الأولى فرعان لأنه ذكرهما الأول قوله لو أمسكه الخ،
الثاني قوله ولا قصاص الخ. (قوله: لو أمسكه شخص الخ) مثله ما لو ألقاه من مكان عال فتلقاه آخر بسيف وقده نصفين أو حفر بئرا فرداه فيها آخر،
فالقصاص على القاد والمردي (قوله: ولو للقتل) أي ولو كان إمساكه لأجل قتله والغاية للرد على الامام مالك
رضي الله عنه القائل أنه إذا أمسكه للقتل يكون القصاص عليهما لأنه شريك. اه‍. بجيرمي وقوله فالقصاص على
القاتل: أي الأهل للضمان أما غير الأهل كمجنون أو سبع ضار أو حية فلا أثر له لأنه كالآلة والقود على الممسك (قوله:
ولا قصاص على من أكره) من واقعة على المكره - بكسر الراء - والفعل مبني للمعلوم، ومفعوله محذوف: أي على الذي
أكره غيره، وقوله على صعود شجرة، أي أو على نزول بئر (قوله: فزلق) أي فصعد الشجرة فزلق وفي المصباح زلقت
القدم زلقا من باب تعب لم تثبت حتى سقطت. اه‍ (قوله: بل هو) أي إكراهه على صعود الشجرة شبه عمد لأنه لا يقصد
به القتل غالبا، وقيل هو عمد فيجب القصاص لتسببه في قتله فأشبه ما لو رماه بسهم (قوله: إن كانت) أي الشجرة، وهو
قيد لكونه شبه عمد، وقوله مما يزلق أي من الشجر الذي يزلق على مثلها في الغالب، وقال سم: المعتمد أنه شبه عمد
وإن لم تزلق غالبا والتقييد بالإزلاق غالبا لأجل الضعيف، وهو أن ذلك عمد. م ر. اه‍ (قوله: وإلا فخطأ) أي وإن لم
تكن مما يزلق على مثلها، فهو خطأ، وسيأتي بيان ما يترتب على الخطأ وشبه العمد (قوله: وعدم قصد أحدهما) أي أو
عدم قصدهما معا: أي الفعل وعين الشخص والمثال الأول من مثاليه يصلح له (قوله: بأن لم يقصد الفعل الخ) تصوير
لعدم قصد أحدهما.
واعلم: أنه يلزم من عدم قصد الفعل عدم قصد الشخص، إذ يستحيل فقد قصد الفعل دون فقد قصد الشخص
وإن كانت عبارته تفيد خلافه (قوله: كأن زلق الخ) تمثيل لعدم قصد الفعل (قوله: أو قصده) أي الفعل فقط ولم يقصد
الشخص (قوله: كأن رمى الخ) تمثيل لقصد الفعل فقط، ومثله من رمى زيدا فأخطأ السهم وأصاب عمرا، أو رمى إنسانا
ظنه شجرة فبان إنسانا فهو خطأ في الصورتين لأنه لم يقصد عين الشخص المصاب، وقوله لهدف: هو الغرض الذي
يرمي إليه، ويسمى بالنيشان. قال في المصباح: الهدف بفتحتين كل شئ عظيم مرتفع، ويطلق أيضا على الغرض. اه‍
(قوله: فخطأ) الأولى حذف الفاء كما حذفها من سابقه لأنه خبر، وهو لا تدخل عليه الفاء إلا بشروط مفقودة هنا (قوله:
ولو وجد بشخص الخ) شروع في بيان حكم الجناية من اثنين، وقد ترجم له في المنهاج بفصل مستقل (قوله: أي حال
كونهما الخ) أفاد أن متعلقة بمحذوف حال من شخصين، وفيه مجئ الحال من النكرة وهو ضعيف، وأفاد أيضا أنها تدل
على الاتحاد في الزمن وفيه خلاف فجوزه ثعلب ومن تبعه ومنعه ابن مالك محتجا بقول إمامنا رضي الله عنه في أن من قال
لزوجتيه إن ولدتما معا فأنتما طالقان أنه لا يشترط في وقوع الطلاق الاقتران بالزمن، وبعضهم حمل قول ابن مالك على ما
إذا لم توجد قرينة فإن وجدت دلت على الاقتران في الزمان والقرينة هنا قد وجدت وهي قوله بعد أو وجدا به مرتبا، وقوله
بأن تقارنا في الإصابة: أي وإن لم يتقارنا في ابتداء الرمي (قوله: فعلان) نائب فاعل وجد، وقوله مزهقان للروح: أي
مخرجان لها (قوله: مذففان) بكسر الفاء المشددة. وقوله: أي مسرعان تفسير لمذففان، إذ التذفيف الاسراع (قوله: كجز

130
للرقبة) أي صادر من أحدهما، وقوله وقد للجثة: أي صادر من الآخر لكن الفعلان وقعا معا (قوله: أولا) أي أو لم يوجد
منهما فعلان مذففان فقول الشارح أي غير مذففين: حل معنى، ولو عبر بما عبرت به لكان أولى (قوله: كقطع عضوين)
أي اشتركا فيهما أو قطع كل واحد عضوا في آن واحد (قوله: أي جرحين) التفسير لا يصلح هنا، فلعله حصل تحريف في
النساخ بإبدال أو بأي، وعبارة التحفة: أو جرحين أو جرح من واحد. اه‍. وهي ظاهرة، والمراد أو جرحا جرحين بأن
اشتركا فيهما أو جرح كل واحد جرحا في بدنه، ويشترط في ذلك أن يكون كل واحد لو انفرد لقتل (قوله: أو جرح من
واحد وعشرة مثلا من آخر) لكن يشترط ما مر أنه لو انفرد جرح الواحد لقتل، وكذا لو انفردت الأجراح العشرة لقتلت
(قوله: فقاتلان) أي فهما قاتلان، فهو خبر لمبتدأ محذوف، والجملة جواب ولو وجد (قوله: فيقتلان) أي بشروط
القصاص الآتية (قوله: إذ رب جرح الخ) علة لكن بالنسبة للصورة الأخيرة: أعني قوله أو جرح من واحد وعشرة من آخر
كما هو ظاهر. وقوله له نكاية: أي تأثير (قوله: فإن ذفف الخ) مفهوم قوله مذففان، وقوله: أحدهما: أي الفعلين. وقوله
فقط: أي دون الفعل الآخر (قوله: فهو) أي الذي ذفف فعله، فالضمير يعود على معلوم وقوله فلا يقتل الآخر: أي الذي
لم يذفف فعله (قوله: وإن شككنا في تذفيف جرحه) أي الآخر الذي لم نوجب قتله والملائم إبدال جرحه بفعله: إذ هو
أعم يصدق بالجرح وبقطع العضو، والغاية المذكورة لعدم قتل الآخر (قوله: لان الأصل عدمه) أي عدم تذفيف جرحه،
وهو تعليل لمحذوف: أي وإنما لم نقتله إذا شككنا في تذفيف جرحه لان الأصل عدمه (قوله: والقود لا يجب بالشك) أي
مع سقوطه بالشبهة. اه‍. نهاية (قوله: أو وجدا) أي الفعلان. وقوله به: أي بالشخص المقتول، وقوله مرتبا: أي بأن لم
يقترنا في الإصابة، وهو مفهوم قوله معا (قوله: فالقاتل الأول) جملة مركبة من مبتدأ وخبر: أي فالقاتل هو الأول، أي
الذي جرحه أولا أو قطع عضوه أولا (قوله: إن أنهاه) أي أوصله بجنايته إلى حركة مذبوح، وحينئذ يعطى حكم الأموات،
وهذا قيد لكون القاتل هو الأول (قوله: بأن لم يبق الخ) تصوير لإنهائه: أي وصوله إلى حركة المذبوح: أي ويتصور
وصوله إلى حركة مذبوح بما إذا لم يبق فيه بسبب الجرح إدراك وإبصار ونطق وحركة، وقوله إختياريات: صفة للأربعة
قبله. قال في التحفة: وأفهم التقييد بالاختيار أنه لا أثر لبقاء الاضطرار فهو معه في حكم الأموات ومنه ما لو قد بطنه
وخرج بعض أحشائه عن محله خروجا يقطع بموته معه فإنه وإن تكلم بمنتظم كطلب من وقع له ذلك ماء فشربه، ثم
قال: هكذا يفعل بالجيران ليس عن رؤية واختيار فلم يمنع الحكم عليه بالموت، بخلاف ما لو بقيت أحشاؤه كلها
بمحلها فإنه في حكم الاحياء لأنه قد يعيش مع ذلك كما هو مشاهد حتى فيمن خرق بعض أمعائه لان بعض المهرة فعل فيه
ما كان سببا للحياة مدة بعد ذلك. اه‍. وفي المغني ما نصه: وإن شك في وصوله إلى حركة مذبوح رجع إلى أهل
الخبرة، كما قال الرافعي، أي وعمل بقول عدلين منهم وحالة المذبوح تسمى حاله اليأس وهي التي لا يصح فيها إسلام
ولا ردة ولا شئ من التصرفات وينتقل فيها ماله لورثته الحاصلين حينئذ لا لمن حدث ولو مات له قريب لم يرثه. اه‍
(قوله: ويعزر الثاني) أي لهتكه حرمة الميت (قوله: وإن جنى الثاني قبل إنهاء الأول إليها) أي إلى حركة المذبوح،
(قوله: وذفف) أي الثاني: أي جرحه (قوله: كحز به) الباء بمعنى اللام أي كحز صادر منه له: أي للمقتول ويحتمل أن
تكون الباء بمعنى من والضمير يعود على الثاني، وقوله بعد جرح: هو بفتح الجيم لأنه مثال للفعل وهو مصدر. أما الأثر
الحاصل بالجرح فهو جرح بالضم. اه‍. ع ش (قوله: فالقاتل الثاني) أي فعليه القصاص لان الجرح الصادر من الأول
إنما يقتل بالسراية وحز الرقبة الصادر من الثاني إنما يقطع أثرها، ولا فرق بين أن يتوقع البرء من الجراحة السابقة أو يتيقن

131
الهلاك بها بعد يوم أو أيام لان له في الحال حياة مستقرة وقد عهد عمر في هذه الحالة وعمل بعهده ووصاياه. اه‍. مغني.
ببعض زيادة (قوله: وعلى الأول) أي ويجب على الجارح الأول، وقوله قصاص العضو: أي إن كان عمدا، وقوله أو
مال: أي إن كان غير عمد (قوله: بحسب الحال) أي من عمد أو ضده على التوزيع المار (قوله: وإن لم يذفف الثاني)
أي لم يسرع جرحه في الهلاك، وهذا مفهوم قوله وذفف أي الثاني. وقوله أيضا: أي كالأول (قوله: ومات المجني) أي
عليه. وقوله بالجنايتين: أي الواقعتين من الأول ومن الثاني مع عدم تذفيفهما (قوله: كأن قطع الخ) تمثيل للجنايتين
اللتين لم تذففا (قوله: فقاتلان) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهما قاتلان فيقتص منهما معا (قوله: لوجود السراية) علة
لثبوت كونهما قاتلين بالجنايتين الصادرتين منهما، وقوله منهما: أي من الجنايتين. قال في المغني بعد العلة المذكورة:
ولا يقال إن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول. اه‍ (قوله: لو اندملت الجراحة) أي برئت. قال المصباح: اندمل
الجرح تراجع إلى البرء. اه‍ (قوله: فإن قال الخ) جواب لو (قوله: إنها) أي الحمى من الجرح (قوله: فالقود) أي يلزم
الجارح (قوله: وإلا فلا ضمان) أي وإن لم يقل عدلا طب أنها من الجرح فلا ضمان: أي فلا يلزمه شئ لا قصاص ولا
غيره من حيث الهلاك، وأما من حيث الجرح فيلزم منه ما ترتب عليه (قوله: وشرط الخ) شروع في بيان شروط الاخذ
الاخذ بالقصاص المتعلقة بالقتل وبالقتيل وبالقاتل، وكان الأولى أن يذكر أولا أركان القود ثم يذكر ما يتعلق بكل من
الشروط كما صنع في المنهج وعبارته: أركان القود في النفس ثلاثة: قتيل وقاتل وقتل، وشرط فيه أي في القتل ما مر أي
من كونه عمدا ظلما، وفي القتيل عصمة ثم قال: وشرط في القاتل أمران: التزام للأحكام ومكافأة حال جناية. اه‍.
(قوله: أي للقصاص في النفس) أي لاخذ القصاص بالنسبة للنفس. وقوله في القتل: متعلق بشرط (قوله: كونه) أي
القتل، (وقوله: عمدا ظلما) خبران عن الكون من جهة النقصان، وقد تقدم أن المراد بكونه ظلما من حيث الاتلاف
(قوله: فلا قود في الخطأ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * وهو وما بعده مفهوم قوله عمدا.
(وقوله: وغير الظلم) مفهوم قوله ظلما (قوله: وفي قتيل عصمة) أي وشرط في قتيل وجود عصمة، قال في التحفة: من
أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق. اه‍ (قوله: بإيمان) أي مع عدم نحو صيال وقطع طريق للخبر الصحيح فإذا
قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (قوله: أو أمان يحقن دمه) أي يحفظه (قوله: بعقد ذمة أو عهد) أي أو
أمان مجرد ولو من الآحاد: كأن يقول شخص أنت تحت أماني أو ضرب الرق عليه لأنه يصير مالا للمسلمين ومالهم في
أمان، ولو قال كعقد، بكاف التمثيل، لشمل الأمان جميع ذلك ودليل أن عقد الذمة أي الجزية يحقن الدم قوله تعالى: *
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون الحق من الذين أوتوا الكتاب
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * ودليل الثاني والثالث قوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك
فأجره) * (قوله: فيهدر الحربي الخ) أي لعدم العصمة في الجميع، ولقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) *، وقوله والمرتد: أي ويهدر المرتد لخبر من بدل دينه فاقتلوه والمراد يهدر في حق معصوم، لا على
مثله، كما يستفاد مما يأتي، والفرق بينه وبين الحربي، حيث أهدر مطلقا، أن المرتد ملتزم للأحكام فعصم على مثله،



(1) سورة النساء، الآية: 92.
(2) سورة التوبة، الآية: 29.
(3) سورة التوبة، الآية: 6.
(4) سورة التوبة، الآية: 5.
132
ولا كذلك الحربي (قوله: وزان محصن) أي ويهدر زان محصن. وقوله قتله مسلم: خرج به ما لو قتله غير المسلم كذمي
غير حربي أو مرتد فإنه يقتل به، أما الحربي، فلا يقتل به، كما سيأتي، قال في التحفة مع الأصل: والزاني المحصن إن
قتله ذمي، والمراد به غير الحربي أو مرتد قتل به: إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه. اه‍.
وقوله: ليس: أي القاتل المسلم. وقوله زانيا محصنا: أي أو نحوه من كل مهدر، كما سيذكره (قوله: سواء الخ) تعميم
في إهدار الزاني المحصن. وقوله ببينة: هي في الزنا أربعة شهود (قوله: أم بإقرار) معطوف على بينة أي أم ثبت زناه
بإقراره بأنه زنى، وقوله لم يرجع عنه: أي عن إقراره فإن رجع عنه قتل قاتله إن علم برجوعه، كما في التحفة (قوله:
الزاني المحصن) فاعل خرج (قوله: فيقتل) أي الزاني المحصن، وقوله به: أي بقتله للزاني المحصن الذي هو مثله
(قوله: ما لم يأمره الامام بقتله) قيد في قوله به، وخرج به ما لو أمره به فلا يقتل به، بل ولا ضمان عليه (قوله:
قوله: ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن) أي القاتل لمثله، وقوله في ذلك: أي كونه يقتل إذا قتل مثله (قوله: كل مهدر) نائب
فاعل يلحق (قوله: كتارك صلاة) أي كسلا بعد أمر الامام له بها وامتناعه منها، وإلا فهو معصوم، ولا عبرة بأمر غير الامام
(قوله: وقاطع طريق متحتم قتله) أي بأن قتل في الطريق من يكافئه (قوله: والحاصل أن المهدر معصوم الخ) أي بشرط
المكافأة فيما سيأتي فلا يرد عليه ما إذا كان القتيل مرتدا والقاتل مسلما زانيا محصنا أو قاطع طريق فإنه سيذكر أن المسلم
ولو مهدرا بنحو زنا لا يقتل بكافر لعدم التكافؤ بينهما في الاسلام. وقوله في الاهدار متعلق بمثله: أي مثله في مطلق
الاهدار (قوله: وإن اختلفا) أي المهدران وقوله في سببه: أي الاهدار أي كتارك صلاة قتل زانيا محصنا (قوله: ويد
السارق) بالنصب عطف على المهدر: أي وأن يد السارق وقوله مهدرة إلا على مثله: أي على سارق مثله فإنها لا تكون
مهدرة عليه فيطالب بها إذا جنى عليها (قوله: سواء المسروق منه وغيره) أي سواء كان ذلك المثل الذي لا تهدر يد
السارق بالنسبة إليه من سرق منه وغيه (قوله: ومن عليه قصاص الخ) أي ومن وجب عله قصاص كائن كغيره ممن ليس
عليه ذلك في العصمة، وقوله في حق غير المستحق: متعلق بما تعلق به الخبر، أما في حق المستحق فليس هو كغيره فلو
قتله المستحق لا يقتل ولو بغير أمر الامام (قوله: فيقتل قاتله) أي من عليه قصاص إذا كان غير المستحق (قوله: ولا
قصاص على حربي) أي ولا دية أيضا إذا قل غيره في حال حرابته (قوله: وإن عصم بعد) أي بعد جنايته بإسلام أو عقد
ذمة. وقوله لعدم التزامه: أي للأحكام وهو علة لكونه لا قصاص عليه لو قتل (قوله: ولما تواتر الخ) علة ثانية لكون
الحربي لا قصاص عليه أيضا (قوله: من عدم الإفادة) بيان لما: أي من عدم أخذ القود ممن أسلم (قوله: كوحشي قاتل
حمزة) أي فإنه عليه الصلاة والسلام لم يقتله لأنه قتل في حال حرابته. نعم: قال له عليه السلام: إن استطعت أن تغيب
عنا وجهك فافعل لأنه عليه الصلاة والسلام حزن على عمه حزنا شديدا، وقد استشهد في أحد رضي الله عنه (قوله:
بخلاف الذمي) مثله المرتد لالتزامه الاحكام، كما مر (قوله: فعليه القود) أي القصاص إذا قتل غيره لالتزامه للأحكام
وقوله وإن أسلم: أي الذمي فالقود يبقى عليه إذ الاسلام يثبته ولا يرفعه (قوله: وشرط في قاتل تكليف) أي وعدم حرابة
أيضا لما تقدم تقريبا أن الحربي لا قود عليه وكان عليه أن يزيد ما ذكر ويؤخر قوله المتقدم ولا قصاص على حربي الخ عنه

133
(قوله: فلا يقتل صبي ولا مجنون) أي لعدم تكليفهما، وقوله حال القتل: هو منصوب بإسقاط الخافض متعلق بكل من
صبي ومجنون (قوله: والمذهب وجوبه) أي القود. قال في النهاية: وفي قول لا وجوب عليه كالمجنون أخذا مما مر في
الطلاق في تصرفه. اه‍ (قوله: على السكران المتعدي) مثله كل من تعدى بإزالة عقله (قوله: فلا قود الخ) مفهوم قوله
المتعدي الخ. وقوله على غير متعد به. أي بتناول المسكر كأن أكره على شرب مسكر أو شرب ما ظنه دواء أو ماء فإذا هو
مسكر. قال ع ش: ويصدق في ذلك وإن قامت قرينة على كذبه للشبهة فيسقط القصاص عنه وتجب الدية. اه‍ (قوله:
ولو قال كنت وقت القتل صبيا الخ) قال في الروض: وإن قامت بينتان بجنونه وعقله تعارضتا. اه‍. قال سم: وينبغي أن
يجري ذلك إذا قامتا بصباه وبلوغه. اه‍. ولو قال أنا صبي الآن وأمكن صدق من غير حلف لان التحليف لاثبات صباه ولو
ثبت لبطلت يمينه ففي تحليفه إبطال لتحليفه، وقوله وأمكن صباه فيه: أي في وقت القتل. وخرج بقوله وأمكن صباه ما إذا
لم يمكن صباه بأن كان عمره نحو عشرين سنة مثلا وكان القتل من قبل بسنة مثلا (قوله: أو مجنونا) أي أو قال كنت وقت
القتل مجنونا، وقوله وعهد جنونه: أي ولو مرة ولو متقطعا، وهو قيد خرج به ما إذا لم يعهد جنونه فلا يصدق (قوله:
فيصدق بيمينه) جواب لو، والضمير يعود على المذكور من مدعي الصبا والجنون. وفي التحفة ما نصه: ولو اتفقا على
زوال عقله وادعى الجنون والولي المسكر صدق القاتل بيمينه، ومثله، كما هو ظاهر ما لو قال زال بما لم أتعد به وقال
الولي بل بما تعديت به. اه‍ (قوله: ومكافأة) معطوف على تكليف: أي وشرط مكافأة (قوله: أي مساواة) أي من المقتول
لقاتله، وقوله حال جناية: أي فلا عبرة بما حدث بعدها، فلو قتل مسلم كافرا لا يقتل به ولو ارتد المسلم بعد لعدم
المساواة حال الجناية (قوله: بأن لا يفضل) فاعله يعود على القاتل، وقوله قتيله: مفعوله، والباء لتصوير المكافأة (قوله:
بإسلام الخ) الأحسن تعلقه بيفضل المنفي: أي بأن لا يفضل القاتل على قتيله بإسلام، فإن فضل عليه به لا يقتل ولا
يفضل عليه بحرية، فإن فضل عليه بها لا يقتل به ولا يفضل عليه بأصالة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل أصلا
والمقتول فرعا فلا يقتل ولا يفضل عليه بسيادة، فإن فضل عليه بها بأن يكون القاتل سيدا والمقتول عبده فلا يقتل به
(قوله: فلا يقتل مسلم الخ) هذا مفهوم قوله بإسلام، وإنما لم يقتل المسلم بالكافر لخبر البخاري ألا لا يقتل مسلم
بكافر وقوله بكافر: أي ولو ذميا، خلافا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال: ويقتل المسلم بالذمي. ووافق الإمام الشافعي رضي الله عنه على عدم قتل المسلم بالكافر مطلقا الامام مالك والإمام أحمد وإسحاق رضي الله عنهم.
وحكي: أنه رفع إلى أبي يوسف مسلم قتل كافرا فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة ألقاها إليه من شاعر يكنى أبا
المضرح وفيها هذه الأبيات:
يا قاتل المسلم بالكافر جرت، وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر
فاسترجعوا وابكوا على دينكم واصطبروا فالاجر للصابر
فأخذ أبو يوسف الرقعة ودخل بها إلى هارون الرشيد فأخبره بالحال وقرأ عليه الرقعة فقال له الرشيد تدارك هذا الامر
بحيلة لئلا يكون منه فتنة، فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة وأداء الجزية فلم يأتوا بها،
فأسقط القود وحكم بالدية، وهذا إذا كان مفضيا إلى استنكار النفوس وانتشار الفتن كان العدول عنه أحق وأصوب.
واعلم: أنه يقتل الذمي أو المعاهد أو المرتد بمثله ولو أسلم القاتل بعد للمكافأة حال الجناية، ويقتل من ذكر

134
بالمسلم أيضا لأنه إذا قتل بمثله فيمن فوقه أولى (قوله: ولا حر بمن فيه رق) هذا مفهوم قول أو حرية: أي ولا يقتل حر
بمن فيه رق لقوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * ولخبر لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني. وحكى الروياني أن
بعض فقهاء خراسان سئل في مجلس أميرها عن قتل الحر بالعبد فقال: أقدم حكاية قبل ذلك: كنت في أيام فقهي ببغداد
قائما ذات ليلة على شاطئ نهر الدجلة إذ سمعت غلاما يترنم ويقول:
خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد
ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل بالعبد
فقال له الأمير حسبك فقد أغنيت عن الدليل، وقوله خذوا بدمي: أي بدله وهو الدية لئلا ينافي قوله بعد ولا تقتلوه.
واعلم: أنه يقتل بالرقيق مطلقا سواء استويا كقنين ومكاتبين أم لا: كأن كان أحدهما قنا والآخر مدبرا أم مكاتبا أم
أم ولد. نعم لا يقتل مكاتب بقنه وإن ساواه رقا أو كان أصله على المعتمد لتمييزه عليه بسيادته، والفضائل لا يقابل بعضها
ببعض (قوله: ولا أصل بفرعه) هذا مفهوم قوله أو أصالة: أي ولا يقتل أصل بقتل فرعه، وإن نزل لخبر: لا يقاد للابن
من أبيه رواه الحاكم وصححه. وبقية الأصول كالأب وبقية الفروع كالابن والمعنى فيه أن الأصل كان سببا في وجود
الفرع فلا يكون الفرع سببا في عدمه، وكما لا يقتل الأصل إذا قتل فرعه كذلك لا يقتل إذا قتل عتيق الفرع أو أمه أو زوجته
ونحوهم من كل ما للفرع فيه حق لأنه إذا لم يقتل بجنايته على الفرع نفسه فلان لا يقتل بجنايته على من له في قتله حق
أولى.
واعلم: أنه أسقط مفهوم قوله أو سيادة فكان عليه أن يزيده بأن يقول ولا سيد برقيقه (قوله: ويقتل الفرع بأصله) أي
بشرط المكافأة في الاسلام والحرية ويستثنى المكاتب إذا قتل أباه وهو يملكه بأن اشتراه أسيرا فإنه لا يعتق عليه فلا يقتل
به كما مر ويقتل المحارم بعضهم ببعض إذ لا تميز (قوله: ويقتل جمع بواحد) أي بقتلهم واحدا لكن بشرط وجود
المكافأة ويجب على كل واحد كفارة (قوله: كأن جرحوه جراحات) أي كأن جرح الجمع واحدا جراحات بمحدد أو
بمثقل. وقوله لها: أي للجراحات، وقوله دخل في الزهوق: أي خروج الروح، وأفاد بهذا أنه لا يشترط أن تكون كل
واحدة من الجراحات تقتل غالبا لو انفردت بل الشرط أن يكون لها دخل في الزهوق. وخرج به ما لو لم يكن لها دخل في
الزهوق بأن كانت خفيفة بحيث لا تؤثر في القتل فلا اعتبار بها ولا شئ على صاحبها (قوله: وإن فحش بعضها) أي
الجراحات، وهو غاية في الجراحات التي توجب القتل للجمع، وقوله أو تفاوتوا في عددها: أي كأن صدر من واحد
جراحة واحدة، ومن آخر أكثر وهكذا، وهو غاية أيضا فيما ذكر (قوله: وإن لم يتواطأوا) أي يتوافقوا على قتله بأن جرح
كل واحد منهم اتفاقا (قوله: وكأن ألقوه) معطوف على قوله كأن جرحوه. قال في التحفة: وكأن ضربوه ضربات وكل قاتلة
لو انفردت أو غير قاتلة وتواطأوا اه‍. وقوله وتوطأوا: راجع لغير القاتلة وإنما لم يعتبروا التواطؤ في الجراحات مطلقا لأنها
لا يقصد بها الهلاك غالبا (قوله: لما روى الشافعي الخ) علة لكون الجمع يقتلون بواحد: أي ولأنه لو لم يجب عليه
الاشتراك لكان كل من أراد قتل شخص استعان بغيره واتخذ الناس ذلك ذريعة لسفك الدماء فوجب القصاص عند
الاشتراك لحقن الدماء (قوله: غيلة) بكسر المعجمة وهي أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، وقوله أي خديعة:
تفسير لها، وقوله بموضع خال: متعلق بقتلوا (قوله: وقال) أي سيدنا عمر. وقوله ولو تمالا: أي اجتمع، وقوله أهل



(1) سورة البقرة، الآية: 178.
135
صنعاء: إنما خصهم لان القاتلين كانوا منهم. بجيرمي (قوله: ولم ينكر عليه) أي ولم ينكر أحد من الصحابة على سيدنا
عمر (قوله: فصار) أي الحكم بقتل جمع بواحد إجماعا (قوله: وللولي العفو عن بعضهم) أي وقتل الباقين، وقوله على
حصته من الدية: أي على أخذ ما يخص ذلك البعض من الدية (قوله: باعتبار عدد الرؤوس) أي فلو كانوا عشرة مثلا وعفا
عن واحد منهم أخذ عشر الدية لأنه هو الذي يخصه لو وزعت الدية عليهم (قوله: دون الجراحات) أي دون اعتبار
الجراحات، وإنما لم تعتبر لان تأثيرها لا ينضبط بل قد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة. هذا في صورة
الجراحات، وأما في صورة الضربات فالمعتبر عددها، لا عدد الرؤوس، فلو كانوا ثلاثة وضرب واحد ضربة وواحد
ضربتين وواحد ثلاثا فعلى الأول سدس الدية وعلى الثاني ثلثها وعلى الثالث نصفها لان مجموع الضربات ست فتوزع
الدية عليهم بنسبة ما لكل من الضربات إلى المجموع. قال في التحفة: وفارقت الضربات الجراحات بأن تلاقى ظاهر
البدن فلا يعظم فيها التفاوت، بخلاف هذه. اه‍ (قوله: ومن قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم) بأن قتلهم دفعة واحدة قتل
بواحد منهم بالقرعة وللباقين الديات من تركته لتعذر القصاص، ولو قتله غير الأول في الأولى وغير من خرجت قرعته في
الثانية عصى ووقع قتله قصاصا وللباقين الديات. قال في النهاية: ولو قتله أولياء القتلى جميعا وقع القتل عنهم موزعا
عليهم فيرجع كل منهم إلى ما يقتضيه التوزيع من الدية، فإن كانوا ثلاثة حصل لكل منهم ثلاث حقه وله ثلثا الدية. اه‍
(قوله: لو تصارعا) أي طرح كل صاحبه على الأرض بشدة فتولد من ذلك قتل أو كسر عضو. قال في القاموس: الصرع
والطرح على الأرض. اه‍ (قوله: ضمن بقود أو دية) أي بحسب الحال من عمد أو غيره (قوله: كل الخ) فاعل ضمن.
وقوله منهما: أي من المتصارعين وقوله ما تولد: مفعول ضمن. وقوله من الصراعة متعلق بتولد: أي يضمن كل ما نشأ في
الآخر من الصراعة، فإذا مات كل منهما أخذت دية كل من تركة الآخر (قوله: لان كلا الخ) تعليل للضمان، وقوله لم
يأذن: أي للآخر، وقوله فيما يؤدي: أي في التصارع الذي يؤدي إلى نحو قتل، وقوله أو تلف عضو: معطوف على نحو
من عطف الخاص على العام (قوله: ويظهر أنه لا أثر الخ) أي لا عبرة بما جرت به العادة من عدم المطالبة فيما تولد من
الصراعة (قوله: بل لا بد في انتفائها) أي المطالبة، وقوله من صريح الاذن: أي بأن يقول كل واحد للآخر صارعني
وأذنت لك في كل ما تقدر عليه مما يؤدي إلى قتلي أو شجي أو نحو ذلك، فإنه حينئذ لا ضمان على كل مما تولد في الآخر
بالصراعة (قوله: تنبيه) أي فيما يوجب القصاص في غير النفس مما يأتي (قوله: يجب قصاص في أعضاء) أي أطراف
وهي خمسة عشر: أذن، عين، جفن، أنف، شفة، لسان، سن، لحى، يد، رجل، حلمة، ذكر، أليان، أنثيان،
شفران، وكما يجب القصاص في الأطراف كذلك يجب في إزالة ما ضبط من المعاني وهو ستة: بصر، سمع، بطش،
ذوق، شم، كلام. أما مالا يضبط منها كالنطق، والصوت، والمضغ، والبطش، والمشي، وقوة الاحبال، والامناء،
والجماع، والعقل فلا قود فيه ويجب أيضا في الموضحة من الجروح، وهي الجراحة التي تصل إلى العظم بعد خرق
الجلدة التي عليه وإن لم ير العظم لصغر الجرح كغرز إبرة وصلت إليه دون غيرها منها: كالحارصة وهي ما شق الجلد
قليلا، والدامية هي التي تشقه وتدميه، والباضعة هي التي تقطع اللحم بعد الجلد، والمتلاحمة وهي التي تغوص في
اللحم ولا تبلغ الجلدة التي بينه وبين العظم، والهاشمة وهي التي تكسر العظم، والمنقلة وهي التي تنقله من محله إلى
محل آخر. وإنما وجب في الموضحة دون غيرها لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها بأن يقاس مثلها طولا وعرضا من عضو

136
الشاج، ويوضح بالموسى ونحوه بخلاف البقية (قوله: حيث أمكن من غير ظلم) أي حيث أمكن القصاص من غير تعد
إلى ما لا يستحق، وذلك بأن يكون العضو الذي قطعه الجاني له مفصل وقطعه من المفصل كمرفق وكوع ومفصل القدم
والركبة أو لم يكن له مفصل لكن له نهايات مضبوطة كالعين والاذن والجفن والمارن والشفة واللسان والذكر والأنثيين، أما
ما لا يمكن القصاص فيه من غير ظلم فلا قصاص فيه ككسر العظام لعدم الوثوق بالمماثلة لأنه لا ينضبط. نعم: إن أمكن
في كسر السن بقول أهل الخبرة وجب كأن يكون أصل الجناية بنحو منشار أو مبرد فتنشر سن الجاني كذلك (قوله: كيد
الخ) تمثيل للاعضاء التي يمكن القصاص فيها من غير تعد (قوله: وأنثيين) أي بيضتين ويشترط لوجوب القصاص فيهما
قطعهما بجلدتيهما، بخلاف قطعهما دون جلدتيهما بأن سلهما منهما مع بقائهما فلا قود فيهما لتعذر الانضباط حينئذ
(قوله: وهو) أي المارن. ما لان من الانف (قوله: ويشترط القصاص الطرف) بفتح الراء، وأما بسكونها فجفن العين.
وقوله والجرح: فيه أنه لم يذكر قصاص الجرح فيما تقدم، فكان الأولى الاقتصار على الأول، وقوله ما شرط للنفس: أي
لقصاص النفس: أي فيقال هنا يشترط في قطع الطرف أن يكون عمدا وظلما ويشترط في المقطوع منه عصمة، ويشترط
في القاطع تكليف ومكافأة بما سبق.
والحاصل: كل من لا يقتل بشخص لا يقطع بقطع طرف ذلك الشخص، فلا يقطع الصبي والمجنون بقطع طرف
غيرهما كما لا يقتلان به، ولا يقطع الوالد بقطع طرف ولده وكما لا يقتل به، ولا يقطع المسلم بقطع طرف الكافر كما لا
يقتل به، ولا يقطع الحر بقطع طرف العبد كما لا يقتل به وهكذا، ويشترط أيضا زيادة على ما تقدم شرطان أحدهما
الاشتراك في الاسم الخاص للطرف المقطوع كاليمني باليمنى واليسرى باليسرى، ويستفاد هذا الشرط من قوله بعد ولا
يؤخذ يمين الخ. ثانيهما أن لا يكون بأحد العضوين نحو شلل فلا تقطع يد أو رجل صحيح بشلاء، ولا تؤخذ عين
صحيحة بحدقة عمياء، ولا لسان ناطق بأخرس لعدم المماثلة (قوله: ولا يؤخذ يمين الخ) هذا مفهوم قيد الاشتراك في
الاسم الخاص الذي طواه ولم يذكره، وكان الأولى ذكره ليرتب عليه ما ذكر (قوله: وأعلى بأسفل) أي ولا يؤخذ طرف أعلى بطرف
أسفل كجفن أعلى بجفن أسفل وكشفة عليا بشفة سفلى (قوله: ولا قصاص في كسر عظم) أي لعدم الوثوق
بالمماثلة فيه لأنه لا ينضبط - كما مر - (قوله: ولو قطعت الخ) عبارة التحفة مع الأصل: وله أي المقطوع بعض ساعده أو
فخذه سواء سبق القطع كسر أم لا كما أفاده كلامه هنا مع قوله الآتي ولو كسر عضده وأبانه قطع أقرب مفصل إلى موضع
الكسر وإن تعدد ذلك المفصل ليستوفي بعض حقه وحكومة الباقي لأنه لم يأخذ عوضا عنه وفيما إذا كسر من الكوع له
التقاط أصابعها وأناملها وإن تعددت المفاصل لعدم قدرته على محل الجناية ومفصل غير ذلك وأفهم قوله أبانه أنه لا بد
في وجوب القود من المفصل بعد الكسر واعتمده البلقيني وغيره، فلو كسر بلا فصل لم يقتص منه بقطع أقرب مفصل.
اه‍. بحذف (قوله: ويقطع جمع) أي أيديهم (قوله: بيد) أي بقطعها (قوله: تحاملوا عليها دفعة) خرج به ما إذا لم
يتحاملوا كذلك بأن تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع واحد من جانب وآخر من جانب حتى التقت الحديدتان فلا
تقطع يد واحد منهما، بل على كل منهما حكومة تليق بجنايته، وقوله بمحدد: أي أو بمثقل كأن أبانوها بضربة اجتمعوا
عليها كما في النفس، وقوله فأبانوها: أي ولو بالقوة شرح م ر: أي كأن صارت معلقة بالجلدة اه‍. ع ش (قوله: ومن
قتل) من واقعة على الجاني والفعل مبني للمعلوم (قوله: بمحدد) أي أو بمثل كحجر (قوله: أو خنق) بكسر النون
مصدرا. اه‍. تحفة ونهاية. وكتب الرشيدي قوله بكسر النون مصدرا: أي ككذب ومضارعه يخنق، بضم النون، كما

137
قاله الجوهري. وجوز فيه الفارابي إسكان النون وتبعه المصنف في تحريره فقال: ويجوز إسكان النون مع فتح الخاء
وكسرها، قال وحكى صاحب المطالع فتح النون وهو شاذ وغلط قوله اقتص الأنسب بما بعده بناؤه للمعلوم وفاعله ضمير
مستتر يعود على المستحق ومتعلقه محذوف أي اقتص المستحق منه بمثله، ويحتمل أن يكون بالبناء للمجهول، وقوله إن
شاء: ضميره يعود على المستحق، ومفعوله محذوف: أي إن شاء المثل فإن شاء السيف اقتص به وإن لم يرض الجاني
لأنه أسهل وأسرع في القتل، وقوله بمثله: نائب فاعل: أي يأخذ منه المستحق القصاص بمثل ما قتل به (قوله: أو بسحر)
معطوف على قوله بمحدد: أي ومن قتل بسحر يقتص منه بالسيف لا غير لتعذر المثل هنا لحرمته، ومثل السحر نحوه من
كل ما يحرم فعله كلواط وخمر فيقتص فيهما بالسيف لا غير، لا يقال إن التجويع والتغريق يحرم فعلهما أيضا، فكيف
يقتص بهما؟ لأنا نقول التجويع ونحوه إنما حرم فعلهما من حيث أنه يؤدي إلى إتلاف النفس والاتلاف هنا مستحق فلا
يمتنع بخلاف نحو الخمر فإنه يحرم من حيث ذاته وإن أمن الاتلاف به. ثم إن محل قتل الساحر بالسحر إذا كان عمدا بأن
قال قتلته بسحري وكان يقتل غالبا فإن كان نادرا فشبه عمد، أو قال أخطأت من اسم غيره له فخطأ فيهما الدية على العاقلة
إن صدقوه وإلا فعليه، وقد تقدم هذا التفصيل أول الباب.
تنبيه: قال في التحفة: تعلم السحر وتعليمه حرامان مفسقان مطلقا على الأصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن
فعل مكفر ولا اعتقاده. ويحرم فعله ويفسق به أيضا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعا فيهما. نعم: سئل الإمام أحمد
عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به وأخذ منه حل فعله لهذا الغرض وفيه نظر، بل لا يصح: إذ إبطاله لا
يتوقف على فعله، بل يكون بالرقي الجائزة ونحوها مما ليس بسحر، وفي حديث حسن النشرة من عمل الشيطان قال
ابن الجوزي هي حل السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر. اه‍: أي فالنشرة التي هي من السحر محرمة وإن
كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر فإنها مباحة كما بينها الأئمة، وذكروا لها كيفيات، وظاهر المنقول
عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر، قال لأنه حينئذ صلاح لا ضرر، لكن خالفه الحسن غيره، وهو الحق،
لأنه داء خبيث من شأن العالم به الطبع على الافساد والاضرار به ففطم الناس عنه رأسا، وبهذا يرد على من اختار حله إذا
تعين لرد قوم يخشى منهم، قال: كما يجوز تعلم الفلسفة المحرمة، وله، أي للسحر، حقيقة عند أهل السنة، ويؤثر نحو
مرض وبغضاء وفرقة. اه‍. (قوله: موجب العمد) بفتح الجيم أي ما يوجبه العمد ويقتضيه، وهو مبتدأ خبره قوله قيد،
وهو بفتح الواو، (قوله: سمي ذلك الخ) أي إنما سمي القصاص بالقود لأنهم، أي المستحقين، يقودون الجاني بحبل
وغيره إلى محل قتله (قوله: والدية) هي شرعا المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها فشملت الأروش
والحكومات. والأصل فيها قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * وخبر الترمذي
الآتي (قوله: عند سقوطه) أي القود عن الجاني. وقوله بعفو: متعلق بسقوط، وقوله عنه أي عن القود أو عن الجاني،
وقوله عليها: أي الدية وذلك بأن يقول المستحق له عفوت عنك على أن تعطيني الدية (قوله: أو بغير عفو) المراد بغيره
موت القاتل بجناية أو غيرها قبل الاقتصاص منه ولا يشمل قتل الوالد ولده فإن الواجب قيد الدية ابتداء والكلام هنا في
سقوط القود بعد ثبوته، وفي ع ش ما يقتضي أن المراد بالغير ما يشمل قتل الوالد ولده وعليه يكون المراد بالسقوط ما
يشمل عدم ثبوته بالكلية: اه‍. بجيرمي ملخصا (قوله: بدل عنه) أي عن القود. قال في شرح المنهج، أي على ما قاله
الدارمي وجزم به الشيخان. والأوجه ما اقتضاه كلام الشافعي والأصحاب، وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بدل ما
جنى عليه، وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة. وليس كذلك. اه‍. (قوله: فلو عفا المستحق) عنه أي عن القود أو
عن الجاني، وقوله مجانا: أي بلا مال. والمراد صرح له بذلك بأن قال له عفوت عنك بلا شئ، وقوله أو مطلقا: أي أو



(1) سورة النساء، الآية: 92.
138
عفا عن عفوا. مطلقا: أي من غير تعرض للدية بأن قال له عفوت عنك وأطلق (قوله: فلا شئ) أي يجب على الجاني
(قوله: وهي) مبتدأ خبره مائة بعير (قوله: لقتل حر) خرج به الرقيق ففيه القيمة بلغت ما بلغت تشبيها له بالدواب بجامع
الملكية. وقوله مسلم: خرج به الكافر ففيه ثلث دية المسلم إن كان كتابيا وثلث خمس ديته إن كان مجوسيا، وقوله
معصوم: أي غير جنين، وخرج غير المعصوم كزان محصن وقاطع طريق ومرتد وتارك صلاة وحربي فلا دية فيه ولا كفارة،
وقيده سم بما إذا لم يكن القاتل مثله، وخرج بما زدته الجنين ففيه الغرة عبد أو أمة (قوله: مائة بعير) أي لان الله تعالى
أوجب في الآية دية وبينها النبي (ص) في كتاب عمرو بن حزم في قوله: في النفس مائة من الإبل رواه النسائي وصححه
ابن حبان، ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الاجماع، وأن أول من سنها مائة عبد المطلب، وقيل غيره. ثم إن محل كونها مائة
إذا صدر القتل من حر ملتزم للأحكام، أما إذا صدر من رقيق فإن كان قنا لغير القتيل أو مكاتبا فالواجب أقل الأمرين من
قيمة القن والدية أو مبعضا وبعضه القن مملوك لغير القتيل، فالواجب من جهة الحرية القدر الذي يناسبها من الدية كنصف
ومن جهة الرقيق أقل الأمرين من قيمة باقيه الرقيق أو الباقي من الدية. أما القن للقتيل فلا يتعلق به شئ. إذ السيد لا
يجب له على قنه شئ أو صدر من غير ملتزم الاحكام كالحربي فلا شئ عليه أصلا، كما مر (قوله: مثلثة) بالنصب حال
من مائة لتخصيصها بالإضافة، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف. أي وهي مثلثة (قوله: في عمد وشبهة) أي في القتل عمدا أو
شبهة، والجار والمجرور متعلق بمثلثة (قوله: أي ثلاثة أقسام) بيان لمعنى كونها مثلثة (قوله: فلا نظر لتفاوتها عددا) أي
بل المدار على كونها تقسم ثلاثة أجزاء وإن كان بعضها أكثر عددا كالقسم الثالث فإن أربعون (قوله: ثلاثون حقة) وهي ما
لها ثلاث سنين، سميت بذلك لأنها استحق أن يطرقها الفحل، أو أن تركب ويحمل عليها (قوله: وثلاثون جذعة) وهي
مالها أربع سنين، سميت بذلك لأنها أجزعت، أي أسقطت مقدم أسنانها (قوله: وأربعون خلفة) قال في المصباح:
الخلفة، بكسر اللام، اسم فاعل يقال خلفت خلفا من باب تعب إذا حملت، فهي خلفة مثل تعبة. اه‍. وعند الجمهور لا
جمع لها من لفظها، بل من معناها وهي مخاض بمعنى الحوامل، وقال ابن سيده تجمع على خلفات، وقوله بقول
خبيرين: متعلق بحامل - يعني أن حملها يثبت بقول عدلين من أهل الخبرة (قوله: ومخمسة) معطوف على مثلثة: أي
خمسة أقسام متساوية وفي العدد لعدم زيادة بعض الأقسام على بعض، وكان الملائم لما قبله أن يأتي بهذا التفسير، وقوله
في خطأ: أي في القتل خطأ والجار والمجرور متعلق بمخمسة (قوله: من بنات مخاض) متعلق بمخمسة أيضا، وبنت
المخاض هي ما لها سنة ودخلت في الثانية (قوله: وبنات لبون) هي ما لها سنتان ودخلت في الثالثة. وقد سبق الكلام في
الزكاة على بيان ما ذكر، وإنما عدته هنا لبعد العهد (قوله: وحقاق وجذاع) لو قال وحقات وجذعات لكان أولى: إذ
المعتبر فيهما الإناث: قال م ر: لان أجزاء الذكور منهما لم يقل به أحد من أصحابنا. اه‍ (قوله: من كل) الجار
والمجرور خبر مقدم وعشرون مبتدأ مؤخر، وضمير منها يعود على المذكورات من بنات المخاض وما بعده (قوله: لخبر
الترمذي) دليل لكونها مثلثة بالنسبة للعمد وشبهه ومخمسة وبالنسبة للخطأ، قال سم: لفظه بالنسبة للعمد من قتل عمدا
رجع إلى أولياء المقتول إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة اه‍.
(قوله: إلا إن وقع الخطأ الخ) استثناء من كونها مخمسة في الخطأ: أي هي مخمسة فيه إلا إن وقع القتل خطأ في حرم
مكة فلا تخمس بل تثلث مطلقا سواء كان القاتل والمقتول فيه أو كان فيه أحدهما بأن كان القاتل فيه والمقتول في الحل أو
بالعكس أو كلاهما بالحل لكن قطع السهم في مروره هواء الحرم. هذا إذا كان المقتول مسلما، فإن كان كافرا فلا تغلظ
ديته بالتثليث لأنه ممنوع من دخول الحرم، واختلف ابن حجر والرملي في تغليظها بما ذكر فيما إذا دخله لضرورة وقتل فيه
فقال الأول تغلظ وقال الثاني لا. قال الخطيب هو الأوجه. (قوله: أو في أشهر حرم) معطوف على في حرم مكة فهو

139
مستثنى أيضا مما تقدم أي وإلا إذا وقع القتل خطأ في الأشهر الحرم. أي في بعضها سواء كان المقتول مسلما أو كافرا
(قوله: ذي القعدة) بدل من أشهر حرم، وهي بفتح القاف على المشهور سمي بذلك لقعودهم عن كالقتال فيه، وقوله ذي
الحجة، بكسر الحاء، على المشهور سمي بذلك لوقوع الحج فيه، وقوله والمحرم، بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء
المفتوحة، سمي بذلك لان أول تحريم القتال كان فيه على ما قيل، وقيل لتحريم الجنة على إبليس فيه، وقوله ورجب:
بالصرف إذا لم يرد به معين كما هنا؟ فإن أريد به معين منع من الصرف، سمي بذلك لان العرب كانت ترجبه: أي
تعظمه. ثم إن عدها على هذا الترتيب وجعلها من سنتين قال في شرح مسلم: هو الصواب، خلافا لمن بدأ بالمحرم
لتكون من سنة واحدة (قوله: أو محرم رحم) معطوف على أشهر حرم، فهو مستثنى أيضا مما تقدم: أي وإلا إذا وقع القتل
خطأ في محرم رحم (قوله: بالإضافة) أي إضافة محرم إلى رحم: أي محرم نشأت محرميته من جهة الرحم: أي القرابة،
واحترز بذلك عن المحرم الذي لم تنشأ محرميته من الرحم بل من الرضاع أو المصاهرة كبنت عم هي أخت من الرضاع أو
أم زوجة فإنه لا تغلظ ديته بالتثليث (قوله: فمثلثة) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهي مثلثة في الثلاثة أقسام (قوله: كما فعله)
أي التثليث فيها (قوله: ولعظم) متعلق بما بعده، وقوله حرمة الثلاثة: أي حرم مكة والأشهر الحرم والمحرم والرحم،
وقوله زجر عنها: أي نهي عن القتل فيها، وقوله بالتغليظ من هذا الوجه: أي وهو التثليث.
واعلم: أن دية العمد مغلظة من ثلاثة وجوه: كونها مثلثة، وكونها معجلة، وكونها على الجاني. ودية الخطأ مخففة
من ثلاثة أوجه: كونها مخمسة، وكونها مؤجلة، وكونها على العاقلة، ودية شبه العمد والخطأ الواقع في الثلاثة المذكورة:
مغلظة من وجه واحد وهو التثليث، ومخففة من وجهين وهما التأجيل وكونها على العاقلة (قوله: ولا يلحق بها) أي بهذه
الثلاثة، والكلام على التوزيع بالنسبة للمجموع: أي ولا يلحق بحرم مكة حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بوجوب
جزاء الصيد فيه دون حرم المدينة ولا الاحرام في غير الحرم لان حرمته عارضة غير مستمرة، ولا يلحق بالأشهر الحرم
رمضان، وإن كان سيد الشهور، لان المتبع في ذلك التوقيف (قوله: ولا أثر لمحرم رضاع ومصاهرة) محترز قوله رحم،
وكذا لا أثر لما لو كان الرحم غير محرم كبنت العم (قوله: وخرج بالخطأ) أي الذي يغلظ فيه إذا وقع في واحد من الثلاثة
المارة، (وقوله: ضداه) العمد وشبهه (قوله: فلا يزيد واجبهما) أي فلا يزاد التغليظ في واجبهما وهو الدية، وقوله بهذه
الثلاثة: أي بوقوعهما في واحد من هذه الثلاثة، (وقوله: اكتفاء بما فيهما من التغليظ) أي والمغلظ لا يغلظ نظير قولهم
المكبر لا يكبر (قوله: وأما دية الأنثى الخ) لم يتقدم له مقابل، وهو متحرز قوله فيما تقدم ذكره، وبين محترزه ولم يبين
محترز بقية القيود، وكان عليه أن يبينها وقد علمتها، (وقوله: فنصف دية الذكر) أي لما روى البيهقي: دية المرأة نصف
دية الرجل وألحق بالأنثى هنا الخنثى لان زيادته عليها مشكوك فيها، ففي قتل المرأة أو الخنثى خطأ عشر بنات مخاض
وعشر بنات لبون وهكذا، وفي قتلها أو قتله عمدا أو شبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة.
تتمة: قال في الاقناع: يدخل التغليظ والتخفيف في دية المرأة والذمي ونحوه ممن له عصمة، وفي قطع الطرف
وفي دية الجرح بالنسبة لدية النفس، ولا يدخل قيمة العبد تغليظ ولا تخفيف، بل الواجب قيمته يوم التلف على قياس
سائر المتقومات، ولا تغليظ في قتل الجنين بالحرم، كما يقتضيه إطلاقهم، وصرح به الشيخ أبو حامد، وإن كان مقتضى
النص خلافه، ولا تغليظ في الحكومات، كما نقله الزركشي عن تصريح الماوردي، وإن كان مقتضى كلام الشيخين
خلافه. اه‍. (قوله: ودية عمد على جان) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده: أي ودية عمد كائنة على الجاني. (وقوله:

140
معجلة) أي حالة بالنصب حال من الضمير المستتر في الخبر، ويحتمل أن يكون بالرفع خبرا والجار والمجرور قبله متعلق
به (قوله: كسائر أبدال المتلفات) أي فإنها معجلة على من أتلفها (قوله: ودية غيره) أي غير العمد، (وقوله: من شبه
الخ) بيان للغير، (وقوله: وإن تثلثت) أي دية الخطأ بأن وقع في المواضع الثلاثة المتقدمة (قوله: على عاقلة) جمع عاقل
على غير قياس سميت بذلك لعقلهم الإبل بفناء دار المستحق، وقيل لتحملهم عن الجاني العقل: أي الدية (قوله:
مؤجلة بثلاث سنين) قال في شرح المنهج: والظاهر تساوي الثلاث في القسمة وأن كل ثلث آخر سنته. اه‍. وما ذكر من
تأجيلها ثلاث سنين محله في حق دية نفس كاملة بإسلام وحرية وذكورة، فإن كانت غير كاملة بأن كان المقتول كافرا
معصوما فتؤجل ديته بسنة أو كان رقيقا، فإن كانت قيمته قدر دية نفس كاملة فتؤجل ثلاث سنين في آخر كل سنة قدر ثلث
الدية، وإن زادت على ذلك يزاد في التأجيل.
والحاصل التأجيل في الرقيق بحسب قيمته ولا يتقدر بثلاث سنين، بل قد يزيد عليها وقد ينقص عنها، أو كان غير
ذكر بأن كان أنثى أو خنثى فديته تؤجل سنتين: يؤخذ في السنة الأولى قدر ثلث دية النفس الكاملة وهو ثلاث وثلاثون
وثلث، وفي السنة الثانية الباقي وهو سدس. (قوله: على الغني منهم) أي من العاقلة، وهو هنا من يملك زائدا على كفاية
ممونه بقية العمر الغالب عشرين دينارا، (وقوله: نصف دينار) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، (وقوله: والمتوسط) أي
وعلى المتوسط منهم ربع دينار، وهو هنا من يملك زائدا على ذلك أقل من عشرين دينارا وفوق ربع دينار، ويعتبر الغني
وغيره آخر السنة (قوله: كل سنة) ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله: أي نصف دينار كائن على الغني في كل
سنة وربع دينار كائن على المتوسط في كل سنة (قوله: فإن لم يفوا) أي العاقلة بالواجب، (وقوله: فمن بيت المال) أي
فيوفي من بيت المال، (وقوله: فإن تعذر) أي بيت المال بأن كان غير منتظم، (وقوله: فعلى الجاني) أي فباقي الدية
يكون على الجاني (قوله: لخبر الصحيحين) دليل على كون دية غير العمد تكون على العاقلة، ولفظ الخبر عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن امرأتين اقتتلتا فحذفت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله (ص) أن دية
جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وفي رواية وأن العقل على عصبتها وفي رواية لأبي داود وبرأ
الولد أي من العقل (قوله: والمعنى في كون الخ) أي والحكمة في ذلك، (وقوله: فيهما) أي شبه العمد والخطأ (قوله:
أن القبائل في الجاهلية) أي قبل الاسلام، (وقوله: كانوا الخ) خبر أن (وقوله: بنصرة الجاني منهم) أي من القبائل،
والمراد كل قبيلة تنصر الجاني. منها (قوله: ويمنعون) أي القبائل، (وقوله: أولياء الدم) أي المستحقين، (وقوله: أخذ
حقهم) أي استيفاء القصاص (قوله: فأبدل الشرع الخ) أي جعل الشرع بدل تلك النصرة والحمية من منعهم أولياء الدم
حقهم بذل المال: أي دفع المال لأولياء الدم (قوله: وخص تحملهم) أي العاقلة للدية، (وقوله: بالخطأ وشبه العمد)
متعلق بخص: أي خص بهما. (وقوله: لأنهما) أي الخطأ وشبه العمد، (وقوله: مما يكثر) أي وقوعه (قوله: فحسنت
إعانته) أي الجاني فيهما. (وقوله: لئلا يتضرر) أي الجاني وهو تعليل لحسن إعانته، (وقوله: بما هو معذور فيه) أي من
الخطأ أو شبهه (قوله: وأجلت الدية عليهم) أي على العاقلة (قوله: رفقا بهم) أي بالعاقلة، وهو علة لجعل الدية مؤجلة
عليهم (قوله: وعاقلة الخ) بيان لضابط العاقلة التي تتحمل الدية (قوله: المجمع على إرثهم) خرج به ذو الأرحام فلا

141
يعقلون إلا إن عدمت عصبات النسب والولاء وبيت المال (قوله: إذا كانوا ذكورا) خرج بهم الإناث والخناثى فلا يعقلن.
نعم: إن بان أن الخنثى ذكر غرم حصته التي أداها غيره. (وقوله: مكلفين) خرج غيرهم من الصبيان والمجانين فلا
يعقلون ويشترط فيهم أيضا الحرية والاتفاق في الدين، فلا يعقل الرقيق، ولو مكاتبا، ولا مسلم عن كافر وعكسه،
(وقوله: غير أصل وفرع) خرج الأصل والفرع فلا يعقلان (قوله: ويقدم منهم) أي من العصبات، (وقوله: الأقرب
فالأقرب) أي فيقدم الاخوة لأبوين ثم لأب ثم يتوهم وإن سفلوا ثم الأعمال لأبوين ثم لأب ثم بنوهم ثم معتق الجاني الذكر
ثم عصبته، إلا أصله وفرعه كأصل الجاني وفرعه ثم معتق المعتق ثم عصبته - إلا الأصل والفرع كما مر - ثم معتق أبي
الجاني ثم عصبته - إلا الأصل والفرع، وهكذا أبدا، ولا يعقل عتيق عن معتقه كما لا يرثه، فإن فقد العاقل ممن ذكر عقل
ذوو الأرحام إن لم ينتظم أمر بيت المال، وإن انتظم عقل فيؤخذ منه قدر الواجب، فإن لم يكن بيت المال فكل الواجب
على الجاني بناء على أن الدية تجب عليه ابتداء ثم تتحملها العاقلة، وهو الأصح (قوله: ولا يعقل الخ) المقام للتفريع
على قوله على الغني الخ، وكان الأولى تقديمه عنده. (وقوله: فقير) هذا مفهوم قوله على الغني والمتوسط. (وقوله: ولو
كسوبا) أي فلا يعتبر كسبه هنا، (وقوله: وامرأة) أي ولا تعقل امرأة، وهذا مفهوم ذكورا، والمناسب أن يأتي فيه وفيما
بعده بصيغة الجمع بأن يقول: ونساء وخناثى وغير مكلفين. (وقوله: وخنثى) هذا مفهوم قوله ذكورا أيضا، (وقوله: غير
مكلف) محترز مكلفين (قوله: ولو عدمت) بالبناء للمفعول: أي فقدت (قوله: في المحل الذي يجب تحصيلها منه) أي
وهو محل الدافع من جان أو عاقلة أو أقرب محل إليه (قوله: حسا) أي فقدت في الحس بأن لم توجد في المحل المذكور
أصلا، (وقوله: أو شرعا) أي أو فقدت في الشرع (قوله: بأن وجدت الخ) وهو وما بعده مثالان للفقد الشرعي، (وقوله:
فيه) أي في المحل الذي يجب تحصيلها منه (قوله: أو بعدت الخ) أي أو وجدت بثمن المثل لكن بعدت عن المحل
الذي يجب تحصيلها منه. (وقوله: وعظمت المؤنة والمشقة) أي في نقلها من المحل الذي هي فيه وضبط الامام عظم
المؤنة بأن يزيد مجموع الامرين من مؤنة إحضارها وما يدفعه في ثمنها في محل الاحضار على قيمتها بمحل الفقد (قوله:
فالواجب قيمتها) هذا إن لم يمهل الدافع، فإن أمهل بأن قال له المستحق أنا أصبر حتى وجد الإبل لزمه امتثاله لأنها
الأصل، فإن أخذت القيمة فوجدت الإبل لم ترد لتشتري الإبل لانفصال الامر بالأخذ. اه‍. بجيرمي (قوله: وقت وجوب
التسليم) أي تسليم الإبل (قوله: من غالب نقد البلد) أي أن القيمة تكون من غالب نقد البلد: أي محل الفقد الواجب
تحصيلها منه. وفي سم ما نصه: هل المراد بالمحل المذكور بلده أو أقرب البلاد إليه حيث فرض فقدها منهما بعد
وجودها فيهما؟ وقد يؤيد الأول أن بلده هي الأصل، ولا معنى لاعتبار غيرها مع وجود شئ فيه. اه‍. (قوله: الواجب
عند عدمها) أي الإبل (قوله: في النفس الكاملة) متعلق بالواجب (قوله: ألف مثقال ذهبا) والمعتبر فيه وفيما بعده
المضروب الخالص. قال في التحفة والنهاية: ولا تغليظ هنا على الأصح. اه‍. ومقابله يقول إن غلظت الدية ولو من
وجه واحد زيد عليها قدر الثلث لأجل التغليظ، ففي الدنانير ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا، وفي الفضة ستة عشر
ألف درهم (قوله: تنبيه) أي في بيان ما يتعلق بقطع الأطراف من وجوب دية كاملة، أو نصفها، أو عشرها، أو نصف العشر
(قوله: وكل عضو مفرد) أي كاللسان والذكر أو حشفته (قوله: فيه جمال ومنفعة) خرج ما لا جمال فيه ولا منفعة كالذكر
الأشل وكلسان الأخرس خلقيا كان الأخرس أو عارضيا، فإن فيه حكومة لان الشرع لم ينص على ما يجب فيه ولم يبينه

142
فوجبت فيه حكومة وهي جزء من الدية نسبته إلى دية النفس كنسبة ما نقص من قيمته بسبب الجناية لو كان رقيقا إليها
سليما، فلو كانت قيمة المجني على يده مثلا لو كان رقيقا عشرة لو لم يجن عليها وصارت بالجناية تسعة فالنقص عشر
فيجب عشر دية النفس وهو عشر من الإبل (قوله: إذا قطعه) أي ذلك العضو (قوله: وجبت فيه) أي في العضو المقطوع،
وهو جواب إذا، وجملة الشرط والجواب خبر كل (قوله: مثل دية الخ) أي في التغليظ وضده والتعجيل وضده، (وقوله:
صاحب العضو) أي المقطوع، (وقوله: إذا قتله) أي خطأ أو شبه عمد (قوله: وكذا كل عضوين) أي ومثل العضو
المقطوع في وجوب دية كاملة كل عضوين من جنس واحد، والمراد كل عضوين فيهما جمال ومنفعة، أما ما لا منفعة
فيهما ولا جمال، كأن يكون فيهما شلل، ففيهما الحكومة كما مر (قوله: ففيهما) أي العضوين المقطوعين الكائنين من
جنس واحد. (وقوله: الدية) أي الكاملة. (قوله: وفي أحدهما) أي العضوين اللذين من جنس واحد. (وقوله: نصفها)
أي الدية (قوله: ففي قطع الاذنين الدية) أي إذا كان القطع من أصلهما بغير إيضاح سواء كان سميعا أم أصم، وذلك لخبر
عمرو بن حزم في الاذن خمسون من الإبل رواه الدارقطني والبيهقي، ولأنهما عضوان فيهما جمال ومنفعة فوجب أن
تكمل فيهما الدية، فإن حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية أرش والجناية في بعض الاذن بقسطه ويقدر بالمساحة، ولو
أيبسهما بالجناية عليهما بحيث لو حركتا لم تتحركا فدية كما لو ضرب يده فشلت، ولو قطع أذنين يابستين بجناية أو غيرها
فحكومة (قوله: ومثلهما العينان) أي ومثل الاذنين العينان أي فتجب فيهما دية كاملة لخبر عمرو بن حزم بذلك، وحكى
ابن المنذر فيهما الاجماع ولأنهما من أعظم الجوارح نفعا فكانتا أولى بإيجاب الدية، وفي كل عين نصفها ولو عين أحول
وهو من في عينيه خلل دون بصره، وعين أعمش وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف رؤيته، وعين أعور وهو ذاهب حس
إحدى العينين مع بقاء بصره في الأخرى، وعين أخفش وهو صغير العين المبصرة وعين أعشى وهو من لا يبصر ليلا،
وعين أجهر وهو من لا يبصر في الشمس لان المنفعة باقية بأعين من ذكر، ومقدار المنفعة لا ينظر إليه (قوله: والشفتان)
أي ومثلهما أيضا الشفتان ففي قطعهما معا دية كاملة، وفي كل شفة نصفها عليا كانت أو سفلى رقيقة أو غليظة صغيرة أو
كبيرة، وإشلالهما كقطعهما، وفي شقهما بلا إبانة حكومة، ولو قطع شفة مشقوقة وجبت ديتها إلا حكومة الشق (قوله:
والكفان بأصبعهما) أي ومثلهما أيضا الكفان مع أصبعهما، وأصبع مفرد مضاف فيعم جميع الأصابع، ففي قطعهما مع
الأصابع دية واحدة فقط لأنهما كالعضو الواحد بدليل قطعهما في السرقة بدليل قوله تعالى: * (فاقطعوا أيديهما) * وفي
قطع إحداهما النصف، ومحل ما ذكر إن قطعت من مفصل الكف وهو الكوع، فإن قطعت من فوق الكف وجب مع دية
الكف حكومة كما مر، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا معها بأن قطعت الأصابع أولى ثم بعد مدة قطعت الكف
فلكل حكمه ففي كل أصبع عشر الدية وفي الكف حكومة (قوله: والقدمان بإصبعهما) أي ومثلهما أيضا القدمان مع
إصبعهما أي أصابعهما ففي قطعهما معها دية واحدة فقط، وخرج بقوله مع أصبعهما ما إذا لم تقطعا مع الأصابع بأن
قطعت الأصابع أولا ثم بعد مدة قطعت القدمان فلكل حكمه، كما مر (قوله: وفي كل أصبع) أي أصلية أما الزائدة ففيها
حكومة وفي كل أنملة من أصابع اليدين أو الرجلين من غير إبهام ثلث العشر لان كل أصبع له ثلاث أنامل إلا الابهام فله
أنملتان ففي أنملته نصفها عملا بقسط واجب الإصبع (قوله: وفي كل سن) أي أصلية تامة مثغورة غير مقلقلة صغيرة كانت
أو كبيرة بيضاء أو سوداء. وخرج بقيد الأصلية الزائدة وهي الخارجة عن سمت الأسنان الأصلية لمخالفة نباتها لها ففيها
حكومة كالإصبع الزائدة، وبقيد التامة ما لو كسر بعض الظاهر منها ففيه قسطه من الأرش، وبقيد المثغورة ما لو قلع سن



(1) سورة المائدة، الآية: 38.
143
صغير أو كبير لم يثغر فينظر فيه: فإن بان فساد المنبت فكالمثغورة وإن لم يتبين الحال حتى مات ففيها الحكومة، وبقيد
غير المقلقلة المقلقلة، أي المتحركة، فإن بطلت منفعتها ففيها الحكومة، وقوله خمس: أي من الإبل وهي نصف
العشر. قال في المنهج وشرحه: ولو قلعت الأسنان كلها وهي اثنان وثلاثون فبحسابه وإن زادت على دية ففيها مائة وستون
بعيرا وإن اتحد الجاني لظاهر خبر عمرو ولو زادت على ثنتين وثلاثين فهل يجب لما زاد حكومة أو لكل سن منه أرش؟
وجهان بلا ترجيح للشيخين، وصحح صاحب الأنوار الأول والقمولي والبلقيني الثاني، وهو الأوجه، اه‍.
تتمة: تجب دية كاملة في ذهاب واحد من المعاني كالسمع والبصر والكلام والذوق والمضغ وغيرها مما تقدم أول
الباب، وتجب أيضا في المارن وهو ما لان من الانف مشتملا على طرفين وحاجز، وفي كل من الثلاثة ثلث الدية، وفي
اللحيين، وهما العظمان تنبت عليهما الأسنان السفلى، فإن زال معهما شئ من الأسنان وجبت ديته أيضا لان كلا منهما
له منفعة مستقلة، وفي الجفون الأربعة، ولو كانت لاعمى، لان فيها جمالا ومنفعة، وتدخل حكومة الأهداب في ديتها ولو
أزال الأهداب فقط وجبت فيها حكومة كسائر الشعر إن فسد منبتها لان الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد
الأصلية وإن لم يفسد منبتها وجبت التعزير فقط، ويجب ثلث الدية في مأمومة وهي الجراحة التي تبلغ خريطة الدماغ ولا
تخرقها، وفي جائفة وهي جراحة تنفذ إلى جوف باطن محيل للغذاء أو الدواء كبطن أو طريق له كصدر وفي ثلث لسان
وثلث كلام وما مر من أحد طرفي الانف أو الحاجز، ويجب ربعها في جفن واحد من جفون العين وفي ربع شئ مما مر
كربع الاذن واللسان، فتحصل أن الواجب في دية غير النفس من الطرف والجرح، والمعنى قد يكون دية كاملة، وقد
يكون نصفها، وقد يكون ثلثها، وقد يكون ربعها، وقد يكون عشرها، وقد يكون نصف عشرها، وقد علمت أمثلتها كلها
فتفطن (قوله: ويثبت القود للورثة الخ) شروع في بيان مستحق القود ومستوفيه (قوله: العصبة) بدل من الورثة وهي كل
من لبس له فروض مقدرة، (وقوله: وذي الفروض) الأولى وذوي، بصيغة الجمع، وهم كل من له فروض مقدرة
كالزوجين والام والأخ من الام (قوله: بحسب إرثهم) متعلق بيثبت: أي يثبت القود لمجموع الورثة بحسب إرثهم: أي
يوزع عليهم بحسب إرثهم كالدية فإنها تثبت لهم بحسب ذلك والقود يثبت لهم بطريق التلقي عن الميت لا ابتداء على
المعتمد فإذا عفي عنه على مال تعلقت به الديون وجهز منه لان ذلك من جملة تركه الميت، وقيل يثبت لهم ابتداء فلا
يوفي الدين من المال الذي عفي عليه على هذا (قوله: ولو مع بعد القرابة) غاية في ثبوته للورثة: أي يثبت القود لهم
بحسب إرثهم مطلقا سواء كان إرثهم ثابتا لهم مع قرابة قريبة أو بعيدة أو مع عدمها رأسا. وعبارة المنهاج مع شرح م ر:
الصحيح ثبوته لكل وارث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم المال، سواء أورث بنسب وإن بعد: كذي رحم إن ورثناه، أم
بسبب كالزوجين والمعتق والامام فيمن لا وارث له مستغرق. انتهت (قوله: كذي رحم) تمثيل لذي القرابة البعدية.
(وقوله: إن ورثناه) أي ذا الرحم، أي بأن فقد أرباب الاستحقاق ولم ينتظم بيت المال (قوله: أو مع عدمها) أي القرابة
(قوله: كأحد الزوجين) تمثيل للورثة العادمة للقرابة (قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا كان المستحق للقود غير كامل أو كان
غائبا (قوله: يحبس الجاني) أي يحبسه الحاكم وجوبا من غير توقف على طلب ولي ولا حضور غائب ضبطا للحق من
عذر مستحقه، وإنما توقف حبس الحامل التي أخر قتلها لأجل الحمل على طلبه للمسامحة فيها رعاية للحمل. كذا في
التحفة. (قوله: إلى كمال الصبي) أي فينتظر حتى يكمل بالبلوغ، ومثله المجنون فينتظر حتى يكمل بالإفاقة، وإنما انتظر
ذلك لان القود للتشفي ولا يحصل باستيفاء غير المستحق له من ولي أو حاكم أو بقية الورثة، فإن كان الصبي والمجنون
فقيرين محتاجين للنفقة جاز لولي المجنون غير الوصي العفو على الدية دون ولي الصبي لان له غاية تنتظر، بخلاف
المجنون، وفي ع ش ما نصه: لو استوفاه أي القود، الصبي في حال صباه فينبغي الاعتداد به، (وقوله: من الورثة) أي
حال كون الصبي من الورثة، (وقوله: بالبلوغ) متعلق بكمال (قوله: وحضور الغائب) معطوف على كمال: أي ويحبس

144
الجاني إلى حضور المستحق للقود الغائب، (وقوله: أو إذنه) أي الغائب لبقية الورثة في أخذ القود (قوله: فلا يخلى
بكفيل) مفرع على قوله يحبس الجاني: أي وإذا كان الجاني يحبس: أي وجوبا فلا يترك مطلقا من غير حبس بضامن،
(وقوله: لأنه) أي الجاني، (وقوله: قد يهرب) بضم العين مضارع هرب بفتحها مثل طلب يطلب، وقوله فيفوت الحق:
مفرع على الهرب (قوله: والكلام الخ) أي والكلام المذكور في الجاني من كونه يحبس إلى كمال الصبي أو حضور
الغائب ولا يخلى بكفيل محله في جان غير قاطع طريق (قوله: أما هو) أي قاطع الطريق (قوله: إذا تحتم قتله) أي بأن
أخذ المال وقتل (قوله: فيقتله الامام) في شرح الروض قاطع الطريق أمره إلى الامام لتحتم قتله، لكن يظهر أن الامام إذا
قتله يكون لنحو الصبي الدية في ماله: أي قاطع الطريق لان قتله لم يقع عن حقه. اه‍. (وقوله: مطلقا) أي سواء كان
المستحق صبيا أم لا غائبا أم لا (قوله: ولا يستوفي القود إلا واحد الخ) أي ويمتنع اجتماعهم على قتل أو نحو قطع ولا
يمكنهم الامام من ذلك لو أرادوه لان فيه تعذيبا، ومن ثم لو كان القود بنحو إغراق جاز اجتماعهم، كما صرح به البلقيني،
اه‍ شرح م ر (قوله: أو من غيرهم) أي أو واحد من غير الورثة، ويتعين الغير في قود نحو طرف، ولا يجوز أن يكون
مستوفيه منهم لأنه ربما بالغ في ترديد الآلة فشدد عليه (قوله: بتراض منهم) أي من الورثة كلهم إذا كان المستوفى واحدا
من غيرهم، (وقوله: أو من باقيهم) أي الورثة إذا كان المستوفي واحدا منهم، فالكلام على سبيل اللف غير المرتب
(قوله: أو بقرعة بينهم) معطوف على بتراض، وما ذكر مختص بما إذا كان المستوفى واحدا منهم: أي ويستوفي القود
واحد منهم بقرعة إذا لم يتراضوا: أي يتفقوا على شئ، وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: وليتفقوا على مستوف له، وإلا
بأن لم يتفقوا على مستوف وقال كل أنا أستوفيه فقرعه يجب على الامام فعلها بينهم فمن خرجت له استوفى بإذن الباقي إذ
له منعه وطلب الاستيفاء بنفسه بأن يقول لا تستوف وأنا أستوفي. انتهت (قوله: ولو بادر الخ) المقام للتفريع: أي فلو
أسرع أحد المستحقين في القتل من غير إذن الباقين (قوله: فلا قصاص عليه) أي على المبادر لان له حقا في قتله في هذه
الحالة. قال في النهاية: نعم لو حكم حاكم بمنعه من المبادرة قتل جزما أو باستقلاله لم يقتل جزما كما لو جهل تحريم
المبادرة. اه‍. ومثله في التحفة (قوله: قبل عفو منه) أي من المبادر بالقتل، (وقوله: أو من غيره) أي أو قبل عفو من غيره
من بقية الورثة (قوله: وإلا فعليه القصاص) أي وإن لم يكن القتل قبل العفو منه أو من غيره بأن كان بعده فيجب على
المبادر من المستحقين القصاص والمستحق له ورثة الجاني الذي بودر بقتله ولبقية ورثة المجني عليه أولا قسط الدية من
تركته لفوات القود بغير اختيارهم (قوله: ولو قتله) أي الجاني من غير إذن المستحقين (قوله: أخذ الورثة) أي ورثة
المجني عليه أولا (قوله: من تركة الجاني) أي لأنه هو القاتل لمورثهم فهو المطالب بالحق (وقوله: لا من الأجنبي) أي لا
توجد من الأجنبي لأنهم ليس لهم حق عليه والحق إنما هو لوارث الجاني. على الأجنبي الذي جنى عليه فإما أن يقتص منه
أو يعفو عنه (قوله: ولا يستوفي الخ) أي لخطره احتياجه إلى النظر لاختلاف العلماء في شروطه. قال في شرح
المنهج: نعم لا يحتاج مالك رقيق في رقيقه إلى الاذن ولا مضطر لاكل من له عليه قود ولا منفردا لا يراه أحد وعجز عن
الاثبات اه‍. (وقوله: إلا بإذن الإمام) ويتعين عليه أن لا يأذن إلا لعارف بالاستيفاء أهل له أما غير العارف أو غير الأهل
كالشيخ والزمن والمرأة فلا يأذن له في الاستيفاء. (وقوله: أو نائبه) أي الذي تناولت ولايته إقامة الحدود عليه اه‍. م ر
(قوله: فإن استقل) أي المستحق. (وقوله: به) أي القود (وقوله: عزر) أي عزره الامام التعزير اللائق به على حسب ما

145
يراه. (قوله تتمة) أي في حكم ما يلقى في البحر إذا أشرفت السفينة على الغرق من جواز الالقاء أو وجوبه. وحاصل
الكلام على ذلك أنه إذا أشرفت سفينة فيها متاع وركاب على غرق وخيف غرقها بما فيها يجوز طرح متاعها عند توهم
النجاة بأن اشتد الامر وقرب اليأس ولم يفد الالقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا
نوع خوف غير قوي حفظا للروح، ويجب طرح ذلك عند ظن النجاة مع قوة الخوف لو لم يطرح، وينبغي للمالك، إذا
تولى، الالقاء بنفسه أو غيره بإذنه العام له تقديم الأخف قيمة من المتاع والحيوان حفظا للمال حسب الامكان، فإن لم يلق
من وجب عليه الالقاء حتى حصل الغرق وهلك به شئ أثم ولا ضمان (قوله: يجب عند هيجان البحر) أي شدة اضطرابه
بسبب كثرة الأمواج فيه وتعرض المؤلف لحالة الوجوب ولم يتعرض لحالة الجواز، وقد علمتها في الحاصل المار (قوله:
وخوف الغرق) أي خوفا قويا بحيث يغلب الهلاك لو لم يطرح وإلا فلا يجب كما علمت (قوله: إلقاء) فاعل يجب (قوله:
من المتاع) بيان لغير الحيوان (قوله: لسلامة الخ) علة لوجوب إلقاء غير حيوان: أي يجب الالقاء لأجل سلامة حيوان
محترم ولو كلبا (قوله: وإلقاء الدواب الخ) معطوف على إلقاء غير الحيوان أي ويجب إلقاء الدواب لأجل سلامة الآدمي
المحترم (قوله: إن تعين) أي إلقاء الدواب بأن لم يمكن في دفع الغرق غيره، فإن أمكن غيره في دفع الغرق لم يجب بل
لا يجوز أفاده في الروض وشرحه. وقوله لدفع الغرق: أي غرق الآدمي المحترم (قوله: وإن لم يأذن المالك) غاية
لوجوب الالقاء في الصورتين: أي يجب إلقاء ما ذكر من المتاع أو الدواب سواء أذن المالك لهما فيه أو لم يأذن لكنه
يضمن الملقى فيما إذا كان بغير الاذن كما سيصرح به، (قوله: أما المهدر) مفهوم محترم الذي هو قيد في الحيوان في
الآدمي (قوله: كحربي) أي وككلب عقور وتارك الصلاة بعد أمر الامام وقاطع الطريق (قوله: فلا يلقى) أي في البحر،
وقوله لأجله. أي المهدر وقوله مال مطلقا: أي سواء كان متاعا أو دواب (قوله: بل ينبغي أن يلقي هو) أي المهدر. قال في
التحفة: ويؤيده بحث الأذرعي أنه لو كان، ثم أسرى وظهر للامام المصلحة في قتلهم بدأ بهم قبل المال اه‍. (وقوله:
بدأ بهم) أي في إلقائهم في البحر قبل المال (قوله: لأجل المال) أي سلامته (قوله: ويحرم إلقاء العبيد للأحرار) أي
لسلامة الأحرار، وكذلك يحرم إلقاء كافر لمسلم وجاهل لعالم متبحر ولو انفرد وغير شريف لشريف لاشتراك الجميع في
أصل التكريم وإن تفاوتوا في الصفات، وحينئذ فيبقون كلهم، فإما أن يغرقوا كلهم، أو يسلموا كلهم (قوله: والدواب
الخ) أي ويحرم إلقاء الدواب لأجل سلامة ما لا روح له من الأمتعة (قوله: ويضمن ما ألقاه) أي من غير الحيوان لأجل
سلامة الحيوان المحترم ومن الدواب لأجل سلامة الآدمي المحترم، ولا ينافي الضمان عدم الاثم في الالقاء لأنه واجب
مطلقا، كما صرح به، لان الاثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان لان من باب خطاب الوضع (قوله: ولو
قال) أي شخص من ركاب السفينة، (وقوله: لآخر) أي شخص آخر غير المالك، (وقوله: ألق الخ) الجملة مقول
القول، وقوله متاع زيد: خرج به ما لو قال له ألق متاعك وعلي ضمانه فألقاه لزم الآمر ضمانه وإن لم يكن له في السفينة
شئ ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فصار كقوله أعتق عبدك عني بكذا فأعتق، بخلاف ما لو
اقتصر على قوله ألق متاعك ففعل فلا ضمان، ويشترط لضمان الآمر شرطان: أن يخاف الغرق، وأن لا يختص مالكه
بفائدة الالقاء بأن يختص بها الملتمس أو أجنبي أو أحدهما مع المالك (قوله: ضمنه الملقى) أي لأنه المباشر للاتلاف.
قال في التحفة: نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الامر لان ذلك آلة له. اه‍.

146
تنبيه: قال في المغني: سكت المصنف عن المضمون أهو المثل ولو صورة كالقرض أو المثل في المثلى والقيمة
في المقوم أو القيمة مطلقا؟ ظاهر كلامهم الأخير، وإن كان الملقى مثليا، ورجحه البلقيني لما في إيجاب المثل من
الاجحاف، وجزم في الكفاية بالوسط، ورجحه الأذرعي، وهو كما قال شيخي أوجه من كلام البلقيني، خلافا لبعض
المتأخرين، وتعتبر قيمة الملقى حيث أوجبناها قبل هيجان البحر إذ لا قيمة له حينئذ. اه‍. بتصرف، وفي الروض وشرحه
ما نصه:
فرع: لو لفظ البحر المتاع الملقى فيه على الساحل وظفرنا به أخذه المالك واسترد الضامن منه عين ما أعطى إن
كان باقيا، وبدله إن كان تالفا ما سوى الأرش الحاصل بالغرق فلا يسترده. اه‍ (قوله: فرع أفتى أبو إسحاق الخ) عبارة
التحفة في فصل عدة الحامل.
فرع: اختلفوا في التسبب لاسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما، والذي يتجه وفاقا لابن
العماد وغيره الحرمة، ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة
بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالامارات، وفي حديث مسلم أنه يكون بعد
اثنتين وأربعين ليلة: أي ابتداؤه كما مر في الرجعة، ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله، كما صرح به كثيرون،
وهو وظاهر. اه‍. والذي رجحه م ر أنه بعد نفخ الروح يحرم مطلقا ويجوز قبله ونص عبارته في باب أمهات الأولاد بعد
كلام. قال الدميري: لا يخفى أن المرأة قد تفعل ذلك بحمل زنا وغيره، ثم هي إما أمة فعلت ذلك بإذن مولاها الواطئ
لها وهي مسألة الفراتي أو بإذنه وليس هو الواطئ وهو صورة لا تخفى، والنقل فيها عزيز، وفي مذهب أبي حنيفة شهير،
ففي فتاوى قاضيخان وغيره أن ذلك يجوز، وقد تكلم الغزالي عليها في الاحياء بكلام متين غير أنه لم يصرح بالتحريم.
اه‍. والراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله. اه‍. (قوله: يحل سقي أمته) الأمة ليس بقيد كما يعلم ذلك
من عبارة التحفة في النكاح ونص عبارته: واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو
إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبي حنيفة الخ. اه‍. (قوله: مطلقا) المراد بالاطلاق هنا
وفيما يأتي ما يشمل العلقة والمضغة وحالة ما بعد نفخ الروح (قوله: وكلام الاحياء يدل على التحريم) أي وليس صريحا
فيه وعبارته بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى: وليس هذا كالإستجهاض والوأد، أي قتل الأطفال، لأنه جناية على
موجود حاصل، فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة
فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا. اه‍. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته.
فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقي أمته لتسقط ولدها ما دام علقة ومضغة وبالغ الحنفية فقال: يجوز
مطلقا، وكلام الاحياء يدل على التحريم مطلقا وهو الأوجه كما مر اه‍. أي في فصل عدة الحامل، وقد علمت عبارته
آنفا.
(قوله: خاتمة) أي في بيان وجوب الكفارة (قوله: تجب الكفارة الخ) أي لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة) *، وخبر واثلة بن الأسقع قال: أتينا إلى النبي (ص) في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال:



(1) سورة النساء، الآية: 92.
147
أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار رواه أبو داود وصححه الحاكم وغيره. وقوله على من قتل:
أي على كل قاتل ولو كان كافرا غير حربي أو صبيا أو مجنونا أو عبدا أو أمة، ولا فرق في القتل بين أن يكون بمباشرة أو
تسبب أو شرط، فدخل فيه شاهد الزور والمكره، بكسر الراء، وحافر بئر عدوانا.
واعلم، أنه لا كفارة في القتل بالحال كأن توجه ولي بحاله إلى شخص فقتله كما أنه لا ضمان فيه بقود ولاية، كما
مر عن التحفة، ولا في القتل بالدعاء كما نقل ذلك عن جماعة من السلف. قال مهران بن ميمون: حدثنا غيلان بن
جرير بن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته
فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد، فقال قتلت رجل فقال لا: ولكنها دعوة وافقت أجلا، ولا في القتل بالعين كما لا ضمان فيه
بالقود ولا بالدية كما مر وإن اعترف به وإن كان ذلك حقا. وينبغي للامام حبس العائن أو أمره بلزوم بيته ويرزقه من بيت
المال ما يكفيه إن كان فقيرا لان ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر من مخالطة الناس. وبندب للعائن أن يدعو
للمعيون بأن يقول له باسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم بارك فيه ولا تضره. أو يقول: حصنتك بالحي
القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنك السوء بألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهكذا ينبغي للانسان إذا
رأى نفسه سليمة وأحواله مستقيمة أن يقول ذلك ولو في نفسه. وكذلك ينبغي للشيخ إذا استكثر تلامذته أو استحسن
حالهم أن يقول ذلك، ومثله الوالد في ولده، وفي الأذكار ما نصه: ذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا
رحمهم الله في كتابه التعليق في المذهب قال: نظر بعض الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما
فاستكثرهم وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أنك عنتهم ولو أنك إذ عنتهم
حصنتهم لم يهلكوا. قال وبأي شئ أحصنهم؟ فأوحى الله تعالى إليه تقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا
ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال المعلق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي،
رحمه الله، إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم حصنهم بهذا المذكور. اه‍. (قوله: من يحرم قتله) أي
من كل نفس معصومة عليه فدخل فيه نفسه لأنها معصومة عليه وعبد نفسه، ودخل أيضا الزاني المحصن ونحوه من كل
مهدر إذا كان هو، أي القاتل، مهدرا مثله لما مر أنه معصوم بالنسبة لمثله. وخرج به الحربي وكل مهدر إذا لم يكن القاتل
مثله وباغ وصائل ومقتص منه قتله المستحق فلا كفارة في قتلهم كما لا ضمان فيهم بقود ولا دية - كما مر - (قوله: خطأ
كان) أي القتل. (وقوله: أو عمدا) أي أو شبه عمد لكن تجب في الخطأ على التراخي وفي العمد وشبهه على الفور
تداركا للإثم (قوله: وهي) أي الكفارة. (وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقبة: أي مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل
أو الكسب (قوله: فإن لم يجد) أي الرقبة بشروطها، والمراد لم يجدها حسا بأن فقدها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن
مثلها أو وجدها بثمنها وعجز عنه، (وقوله: فصيام شهرين) أي فعليه صيام شهرين مع النية. ويشترط فيها ما مر في باب
الصوم من تبييتها وتعيينها بكونها من الكفارة، ولا يشترط نية التتابع على المعتمد، فإن عجز المكفر عن الصيام فلا إطعام
على الأصح. نعم: لو مات أطعم عنه بدلا عن الصوم الواجب - كما علم مما مر في باب الصوم - (وقوله: متتابعين) أي
بأن لا يفصل بين أيام الصوم فاصل فينقطع التتابع بفطر يوم ولو بعذر لا ينافي الصوم كمرض، بخلاف العذر الذي ينافي
كجنون وحيض ونفاس فلا يقطع التتابع.
واعلم أن صوم الفرض من حيث التتابع وعدمه ثلاثة أنواع: الأول ما يجب فيه التتابع وهو صوم رمضان وكفارة
الظهار وكفارة القتل وكفارة الجماع في نهار رمضان عمدا وصوم النذر الذي شرط فيه التتابع، الثاني ما يجب فيه التفريق:
وهو صوم التمتع والقران وفوات النسك وترك الواجب فيه وصوم النذر المشروط فيه التفريق، الثالث ما يجوز فيه الأمران:
وهو قضاء رمضان وكفارة الجماع في النسك وكفارة اليمين وفدية الحلق والصيد والشجر واللبس والتطيب والاحصار
وتقليم الأظفار ودهن غير الرأس أو اللحية في الاحرام وصوم النذر المطلق والله سبحانه وتعالى أعلم.

148
باب في الردة
أي في بيان أحكامها، أعاذنا الله وأحبتنا وجميع المسلمين منها، وإنما ذكر هذا الباب بعدما قبله لأنه جناية مثله،
لكن ما تقدم من أول الجناية إلى هنا متعلق بالنفس وهذا متعلق بالدين، وأخره عما تقدم، وإن كان هذا أهم، لكثرة وقوع
ذلك اه‍. ع ش، وحاصل الكلام على أنواع الردة أنها تنحصر في ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها
يتشعب شعبا كثيرة. فمن الأول: الشك في الله أو في رسالة رسوله أو في شئ من القرآن أو في اليوم الآخر أو في وجود
الجنة أو النار أو في حصول الثواب للمطيع والعقاب للعاصي أو فيما هو مجمع عليه مما هو معلوم من الدين بالضرورة أو
اعتقاد فقد صفة من صفاته تعالى أو تحليل ما هو حرام، ومن الثاني السجود لصنم أو لشمس أو مخلوق آخر، ومن الثالث
قوله لمسلم يا كافر أو يا عديم الدين قاصدا بالأول أن دينه المتلبس به وهو الاسلام كفر، وبالثاني أن ما هو متصف به لا
يسمى دينا، أو قوله لو آخذني الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض والشدة ظلمني، أو قوله أنا أفعل بغير تقدير الله
عند سماعه من يقول فعلك هذا بتقدير الله تعالى، أو قوله لو شهد عندي جميع المسلمين ما قبلتهم استهزاء بهم
وسخرية، أو قوله للمفتي عند إعطائه جواب سؤال استفتاه فيه أي شئ هذا الشرع ويرمي الجواب استخفافا بالشرع، أو
قوله: وقد أمر بحضور مجلس علم أي شئ أعمل بمجلس العلم، أو لعنة الله على كل عالم قاصد الإستخاف إن لم يرد
الاستغراق وإلا لم يشترط الاستخفاف لشموله الأنبياء والملائكة، أو قوله يكون الابعد قوادا إن صليت أو صمت، أو ما
أصبت خيرا منذ صليت، أو الصلاة لا تصلح لي قاصدا بذلك الاستخفاف أو الاستهزاء، أو قول مريض طال مرضه توفني
مسلما أو كافرا إن شئت، أو قول معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين لأنهم يقضون حق معلمي أولادهم لكن إن قصد
الخيرية المطلقة ومما يخشى منه الكفر، والعياذ بالله تعالى، شتم رجل اسمه من أسماء النبي (ص) ذاكرا النبي، والكلام
بكلام الدنيا عند سماع قرآن أو أذان، وقوله للقراء هؤلاء آكلوا الربا، وقوله لصالح وجهه كالخنزير، أو أنا أريد المال سواء
كان من حلال أو حرام.
واعلم: أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك فيجب على أهل العلم أن
يبينوا لهم ذلك لعلهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبط أعمالهم ويخلدون في أعظم العذاب، وأشد العقاب، ومعرفة ذلك
أمر مهم جدا، وذلك لان من لم يعرف الشر يقع فيه وهو لا يدري، وكل شر سببه الجهل، وكل خير سببه العلم، فهو النور
المبين، والجهل بئس القرين، وقد استوفى الكلام على جميع أنواع الردة وبيان المختلف فيه منها والمتفق عليه ابن حجر
في كتابه المسمى بالأعلام بقواطع الاسلام، فمن أراد الإحاطة بجميع ذلك فعليه بالكتاب المذكور (قوله: الردة لغة
الرجوع) أي عن مطلق شئ إلى غيره سواء كان رجوعا عن الاسلام إلى غيره وهو الكفر أو عن شئ آخر إلى غيره
فالمعنى اللغوي أعم من الشرعي كما هو الغالب (قوله: وهي) أي الردة. (وقوله أفحش أنواع الكفر) أي أغلظ من غيرها
من بقية أنواع الكفر وذلك لقوله تعالى: * (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * الآية، وقوله تعالى: * (ومن يبتغ



(1) سورة البقرة، الآية: 217.
149
غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) * ولخبر البخاري من بدل دينه فاقتلوه (وقوله: ويحبط بها العمل) أي الحاصل منه
قبل الردة فكأنه لم يعمل شيئا ويترتب على ذلك وجوب مطالبته به في الآخرة، (وقوله إن اتصلت بالموت) فإن لم تتصل
به بأن أسلم قبله فلا يحبط بها العمل وإنما يحبط بها ثوابه فقط فيدعو له العمل مجردا عن الثواب، ويترتب على ذلك أنه
لا يجب عليه قضاؤه ولا يطالب به في الآخرة (قوله: فلا يجب إعادة الخ) مفرع على مفهوم قوله إن اتصلت بالموت وهو
فإن لم تتصل بالموت فلا يحبط عمله فلا يجب إعادة، ولعله سقط هذا المفهوم من النساخ (قوله: وقال أبو حنيفة تجب)
أي الإعادة لأنها يحبط بها عنده العمل مطلقا ولو لم تتصل بالموت (قوله: وشرعا) معطوف على لغة (قوله: قطع مكلف)
من إضافة المصدر لفاعله، وخرج به الكفر الأصلي فلا يسمى ردة وهي تفارقه في أمور منها أن المرتد لا يقر على ردته فلا
يقبل منه إلا الاسلام، ومنها أنه يلزم بأحكامنا لالتزامه لها بالاسلام، ومنها أنه لا يصح نكاحه، ومنها تحرم ذبيحته ولا
يستقر له ملك ولا يسبى ولا يفادي ولا يمن عليه ولا يرث ولا يورث، بخلاف الكافر الأصلي في جميع ذلك، (قوله:
فتلغو) أي الردة: أي لا يؤاخذ بها (وقوله من صبي ومجنون) أي وسكران غير معتد بسكره (قوله: ومكره عليها) أي وتلغو
من مكره عليها لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) * (قوله: إسلاما) أي دوام إسلام، وهو مفعول قطع،
وخرج به قطع الصلاة ونحوها فلا يسمى ردة (قوله: بكفر) متعلق بقطع، وقوله عزما تمييز محول عن المضاف والأصل
بعزم كفر (قوله: حالا أو مآلا) يعني أن العزم على الكفر يقطع الاسلام سواء عزم أن يكفر حالا أو عزم أن يكفر غدا، ومثل
العزم على التردد فيه فيكفر به أيضا (قوله: فيكفر به حالا) أي فيكفر بعزمه على الكفر في المآل: أي المستقبل حالا
(قوله: أو قولا أو فعلا) معطوفان على عزما فهما منصوبان على التمييز أيضا لان المعطوف على التمييز تمييز وهما محولان
عن المضاف أيضا، والتقدير أو قول كفر أو فعله، وقد علمت بعضا من الأقوال المكفرة والافعال كذلك، ومن الأول أيضا
غير ما تقدم أن يقول الله ثالث ثلاثة، ومن الثاني غير ما تقدم أن يلقى مصحفا وكتب علم شرعي أو ما عليه اسم معظم في
قاذورة ولو طاهرة، وأما ضرب الفقيه مثلا للأولاد الذين يتعلمون منه بألواحهم أو رميهم بها من بعد فقال ع ش: الظاهر أنه
ليس كفرا لأن الظاهر من حال الفقيه أنه لا يريد الاستخفاف بالقرآن. نعم: ينبغي حرمته لاشعاره بعدم التعظيم كما قالوه
فيما لو روح بالكراسة على وجهه (قوله: باعتقاد) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لما قبله، وظاهر عبارته أن
الاعتقاد وما بعده من العناد والاستهزاء مختصان بالقول والفعل وليس كذلك، بل تأتي الثلاثة أيضا في العزم على الكفر،
كما صرح بذلك في التحفة والنهاية فعزمه عليه يكون مع اعتقاد أو عناد أو استهزاء، قال بعضهم لا يظهر الاستهزاء في
العزم. وقوله أي معه: أفاد أن الباء بمعنى مع (قوله: أو مع عناد) أي بأن عر ف أن الحق باطنا وامتنع أن يقر به كأن يقول
الله ثالث ثلاثة، أو يسجد لصنم عنادا لمن يخاصمه مع اعتقاد أن الله واحد، أو أن السجود لا يكون إلا لله (قوله: أو مع
استهزاء) مثل م ر للاستهزاء في القول بما إذا قيل له قلم أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعله وإن كان سنة أو لو جاءني به النبي
ما قبلته ما لم يرد المبالغة في تبعيد نفسه أو يطلق فإن المتبادر منه التبعيد، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا للسبكي
في أنه ليس من التنقيص قول من سئل في شئ لو جاءني جبريل أو النبي ما فعلته. اه‍ (قوله: بخلاف الخ) مقابل قوله
باعتقاد وما معه: أي أن هذه الثلاثة أعني العزم على الكفر، أو قوله أو فعله تقطع الاسلام، ويحصل بها الردة بالاعتقاد أو
العناد أو الاستهزاء. أما إذا لم تقترن بها بل اقترنت بسبق لسان أو حكاية كفر أو غير ذلك فلا تقطع الاسلام ولا يحصل بها
الردة. (وقوله: ما لو اقترن به) ما واقعة على الثلاثة الأول: أعني العزم والقول والفعل، وضمير به يعود عليها. (وقوله:



(1) سورة آل عمران، الآية: 85.
(2) سورة النحل، الآية: 106.
150
كسبق لسان الخ) تمثيل لما يخرجه عن الكفر. (وقوله: أو حكاية كفر) أي كفر غيره كأن يقول قال فلان أنا الله مثلا.
(وقوله: أو خوف) أي كأن يكون في بلاد الكفر وأمروه بالسجود لصنم فسجد له خوفا منهم أن يقتلوه لو لم يسجد، ومثل
ما ذكر من سبق اللسان وما بعده الاجتهاد فيما لم يقم الدليل القاطع على خلافه كاعتقاد المعتزلة عدم رؤية الباري في
الآخرة أو عدم عذاب القبر أو نعيمه فلا يكفرون بذلك لأنه اقترن به اجتهاد (قوله: وكذا قول الولي) أي مثل ما اقترن به ما
يخرجه عن الردة قول الولي في حال غيبته أنا الله فلا يقتل لعدم تكليفه حينئذ. وعبارة المغنى: وخرج بذلك من سبق
لسانه إلى الكفر أو أكره عليه فإنه لا يكون مرتدا، وكذا الكلمات الصادرة من الأولياء في حال غيبتهم، وفي أمالي الشيخ
ابن عبد السلام أن الولي إذا قال أنا الله عزر التعزير الشرعي ولا ينافي الولاية لأنهم غير معصومين، وينافي هذا قول
القشيري من شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما، فكل من كان للشرع عليه اعتراض
فهو مغرور مخادع، فالولي الذي توالت أفعاله على الموافقة، وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق
فتوقف فيه، وقال هذا رجل خفي علي أمره، وأما أقول فيه شيئا، وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو والجنيد وفقهاء
عصره، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط، فإن مات وإلا ضرب ألفا أخري، فإن لم يمت قطعت يداه ورجلاه ثم ضرب
عنقه، ففعل به جميع ذلك لست بقين من ذي الحجة ستة تسع وثلاثمائة والناس مع ذلك يختلفون في أمره، فمنهم من
يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري، تبعا لغيره، على كفر من شك في كفر
طائفة، كابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد، وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم، ولكن كلام هؤلاء
جار على اصطلاحهم: إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره، والمعتقد منهم لمعناه
معتقد لمعنى صحيح، وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يعرف فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار
كافرا. اه‍. وفي شرح الروض بعد كلام: والحق أن هؤلاء، أي الطائفة كابن عربي، مسلمون أخيار وكلامهم جار على
اصطلاحهم كسائر الصوفية وهو حقيقة عندهم في مرادهم وإن افتقر عند غيرهم ممن لو اعتقد ظاهره عنده كفر إلى تأويل:
إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره بالمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح، وقد
نص على ولاية ابن عربي جماعة علماء عارفون بالله منهم الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والشيخ عبد الله اليافعي ولا يقدح
فيه وفي طائفة ظاهر كلامهم المذكور عند غير الصوفية لما قلناه ولأنه قد يصدر عن العارف بالله إذا استغرق في بحر
التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه عبارات تشعر بالحلول والاتحاد
لقصود العبارة عن بيان حاله الذي ترقى إليه وليست في شئ منهما كما قاله العلامة السعد التفتازاني وغيره. اه‍. في
حاشية الأمير علي عبد السلام الناس في التوحيد متفاوتون، فالعامة الاسلامية اقتصروا على علم ظاهر لا إله إلا الله،
ومنهم من ترقى إلى معرفة ما يمكن بالبراهين الفكرية، ومنهم من فتح عليه بأمور وجدانية، ومنهم من ذاق الكل من الله
وإليه فرضي بكل شئ من هذه الحيثية، كما سبقت الإشارة إليه غير مرة، ومنهم من غاب عن المغايرة وطفح في سكره
حيث قال أنا الله، أو ما في الجبة إلا الله، أو ما في الكون إلا الله، فمنهم من عذرهم بذلك، ومنهم من عاقبهم، والكل
على خير إن شاء الله تعالى حيث صح الأصل. اه‍ (قوله: وما وقع) مبتدأ، خبره غير مراد به ظاهره، والمعنى أن ما وقع
في عبارات القوم مما يوهم الكفر كالكلمات المتقدمة غير مراد به ظاهره، بل له معنى صحيح عندهم اصطلحوا عليه
(قوله: كما لا يخفى على الموفقين) أي المنورين البصيرة (قوله: نعم يحرم الخ) استدراك على كون ما وقع من هذه
الطائفة غير مراد ظاهره بل له معنى صحيح عندهم (قوله: مطالعة) فاعل يحرم (قوله: فإنها) أي مطالعة كتبهم، (وقوله:
مزلة قدم) أي موضع زللها، والمراد من طالع كتبهم وهو لا يعرف حقيقة اصطلاحهم يكون ذلك له سببا في زلله وخروجه

151
عن سنن أهل الحق والاستقامة إلى سنن أهل البدع والضلالة (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنها مزلة قدم (قوله: وقول
ابن عبد السلام الخ) عبارة التحفة: وقوله ابن عبد السلام يعزر ولي قال أنا الله ولا ينافي ذلك ولايته لأنه غير معصوم فيه
نظر لأنه إن كان غائبا فهو غير مكلف لا يعزر كما لو أول بمقبول، وإلا فهو كافر، ويمكن حمله على ما إذا شككنا في حاله
فيعزر فطما له ولا يحكم عليه بالكفر لاحتمال عذره ولا بعدم الولاية لأنه غير معصوم. اه‍ (قوله: وذلك) أي المكفر قولا
أو فعلا أو عزما، لكن الأمثلة التي ذكرها بعضها يناسب الأول، وبعضها يناسب الثاني، وبعضها يناسب الثالث فتكون
على التوزيع، (وقوله: كنفي صانع) أي وجوده وهو الله سبحانه وتعالى والذي نفى الصانع الدهرية وهم طائفة يزعمون أن
العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع، ومثله نفي صفة من صفاته الواجبة له تعالى إجماعا كالقدم والبقاء ونكر لفظ
صانع لأنه هو الوارد ففي حديث الطبراني والحاكم اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع (قوله: ونفي نبي) أي نبوته،
والمراد نبي من الأنبياء الذين يجب الايمان بهم تفصيلا، وهم الخمسة والعشرون المذكورون في القرآن وقد نظمهم
بعضهم في قوله:
حتم على كل ذي التكليف معرفة لأنبياء على التفصيل قد علموا
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقي سبعة وهمو
إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
(قوله: أو تكذيبه) أي نبي من الأنبياء، ومثل التكذيب تنقيصه بأي منقص كان: كأن صغر اسمه مريدا تحقيره.
وخرج بتكذيبه الكذب عليه فلا يكون كفرا وإن كان حراما. قال في التحفة: وقول الجويني أن الكذب على نبينا (ص) كفر
بالغ ولده إمام الحرمين في تزييفه وأنه زلة. اه‍ (قوله: وجحد مجمع عليه) أي إنكار ما أجمع على إثباته أو على نفيه
فدخل فيه جميع الواجبات المجمع عليها وجميع المحرمات كذلك، ودخل أيضا القرآن فمن أنكر وجوب شئ من
الواجبات كالصلاة والصوم أو حرمة شئ من المحرمات المجمع عليها كالزنا واللواط وشرب الخمر أو أنكر شيئا من
القرآن، ولو آية، كفر بذلك، وسبب التكفير به - كما في التحفة - أن في إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة تكذيبا
للنبي (ص). (وقوله: معلوم من الدين بالضرورة) أي معلوم من أدلة ديننا علما يشبه الضروري الذي لا يحتاج إلى نظر
واستدلال بحيث استوى في معرفته العامة والخاصة. قال اللقاني:
ومن لمعلوم ضرورة جحد من ديننا يقتل كفرا ليس حد
(قوله: من غير تأويل) متعلق بجحد، أي جحد من غير تأويل: أي أو بتأويل قطعي بالبطلان كجحد أهل اليمامة
وجوب الايمان بعد موته (ص) قائلين أنه لا يجب الايمان إلا في حياته لانقطاع شريعته بموته كبقية الأنبياء فهذا التأويل باطل
قطعا لان شريعته (ص) إلى يوم القيامة، أما ما كان بتأويل غير قطعي البطلان كجحد كفر فرعون وإثبات إيمانه تمسكا بظاهر
قوله تعالى: * (قال آمنت) * الآية فلا يكون مكفرا لوجود تأويل وإن كان فاسدا لان الايمان لا ينفع عند يأس الحياة بأن
وصل لآخر رمق كالغرغرة وإدراك الغرق في الآية من ذلك كما هو واضح لكنه غير قطعي الفساد.
والحاصل كفر فرعون مجمع عليه لما ذكر لكن من جحد ذلك لا يكفر لوجود تأويل ما قال وفي التحفة بعد كلام:
وبما تقرر علم خطأ من كفر القائلين بإسلام فرعون لأنا وإن اعتقدنا بطلان هذا القول لكنه غير ضروري وإن فرض أنه



(1) سورة يونس، الآية: 90.
152
مجمع عليه بناء على أنه لا عبرة بخلاف أولئك إذ لم يعلم أن فيهم من بلغ مرتبة الاجتهاد. اه‍ (قوله: وإن لم يكن فيه
نص) غاية في تكفير جاحد مجمع عليه: أي يكفر به وإن لم يكن لهذا المجمع عليه نص من القرآن أو السنة كالاجماع
السكوتي (قوله: كوجوب الخ) تمثيل للمجمع عليه فإذا جحده كفر. وقوله نحو الصلاة: أي كالصيام والزكاة والحج
(قوله: وتحليل نحو البيع والنكاح) عطف على وجوب: أي وكتحليل الخ: أي فهو مجمع عليه، فمن جحده كفر (قوله:
وندب الرواتب) أي السنن الراتبة: أي فهو مجمع عليه، فمن أنكره كفر، وقوله والعيد: عطف على الرواتب أي وندب
العيد: أي صلاته قال في الاعلام وفي تعليق البغوي من أنكر السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر، والمراد إنكار
مشروعيتها لأنها معلومة من الدين بالضرورة ومنكر هيئة الصلاة زعما منه أنها لم ترد إلا مجملة وهذه الصفات والشروط لم
ترد بنص جلي متواتر يكفر أيضا إجماعا اه‍. (قوله: بخلاف مجمع عليه الخ) محترز قوله معلوم من الدين بالضرورة.
(وقوله: لا يعرفه إلا الخواص) أي دون العوام. قال ع ش: ظاهره وإن علمه ثم أنكره وهو المعتمد. وفي شرح البهجة
لشيخ الاسلام ما يخالفه. اه‍. (قوله: كاستحقاقه بنت الابن السدس) تمثيل للمجمع عليه الذي لا يعرفه إلا الخواص:
أي فمن جحده لا يكفر به (قوله: وكحرمة نكاح المعتدة) أي فمن جحدها لا يكفر. قال ع ش: أي مع اعترافه بأصل
العدة وإلا فإنكار العدة من أصلها كفر لثبوته بالنص وعلمه بالضرورة. اه‍. (قوله: وبخلاف المعذور) محترز قيد
ملحوظ. أي وجحد مجمع عليه من غير عذر وكان الأولى التصريح به (قوله: كمن قرب عهده بالاسلام) تمثيل للمعذور،
ومثله من نشأ ببادية بعيدة عن العلماء (قوله: وسجود لمخلوق) معطوف على نفي صانع: أي وكسجود لمخلوق سواء
كان صنما أو شمسا أو مخلوقا غيرهما فيكفر به لأنه أثبت لله شريكا. قال في الاعلام. سواء كان السجود في دار الحرب
أم في دار الاسلام بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره وما في الحلية عن القاضي عن النص أن المسلم لو
سجد للصنم في دار الحرب لم يحكم بردته ضعيف وواضح أن الكلام في المختار. اه‍. (قوله: اختيارا) خرج المكره
كأن كان في دار الحرب وأكرهوه على السجود لنحو صنم. وقوله من غير خوف: لا حاجة إليه لأنه يغني عنه ما قبله (قوله:
ولو نبيا) أي ولو كان المخلوق نبيا فإنه يكفر بالسجود له (قوله: وإن أنكر الاستحقاق) أي يكفر بالسجود للمخلوق وإن
أنكر استحقاقه له واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة (وقوله: أو لم يطابق الخ) عطفه على ما قبله من عطف العام على
الخاص. قال في الاعلام: وفي المواقف وشرحها من صدق بما جاء به النبي (ص) ومع ذلك سجد للشمس كان غير مؤمن
بالاجماع لان سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق ونحن نحكم بالظاهر، فلذلك حكمنا بعدم إيمانه لأن عدم
السجود لغير الله داخل في حقيقة الايمان حتى لو علم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم واعتقاد الإلهية، بل سجد لها
وقلبه مطمئن بالتصديق لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله وإن أجرى عليه حكم الكافر في الظاهر. اه‍. (قوله: من دخل
دار الحرب) أي من المسلمين (قوله: فسجد) أي من دخل دار الحرب. (وقوله: لصنم) أي أو نحوه كشمس (قوله: أو
تلفظ بكفر) معطوف على سجد لصنم (قوله: ثم ادعى إكراها) خرج به ما إذا لم يدعه فيحكم بكفره مطلقا (قوله: فإن
فعله) أي المذكور من السجود والتلفظ بالكفر، والجملة جواب من (وقوله: في خلوته) أي ليس بين أيديهم) (وقوله: لم
يقبل) أي لان قرينة حاله تكذبه (قوله: أو بين أيديهم) معطوف على الجار والمجرور قبله: أي أو فعله بين أيديهم.
(وقوله: قبل) لان قرينة حاله وهي أسره وكونه بين أيديهم تصدقه (قوله: أو تاجر) معطوف على أسير: أي فإن فعله بين

153
أيديهم وهو تاجر فلا يقبل لأن عدم الأسر يدل على كذبه (قوله: وخرج بالسجود الركوع) أي فلا يكفر به ولكنه يحرم
(قوله: لان صورته) أي الركوع، وهو علة لعدم كفره بالركوع (قوله: بخلاف السجود) أي فإن صورته لا تقع في العادة
لمخلوق (قوله: أن محل الفرق بينهما) أي الركوع والسجود، (وقوله: عند الاطلاق) أي عند عدم قصده شيئا أي أو عند
قصده تعظيمه لكن لا كتعظيم الله. قال البجيرمي: الحاصل أن الانحناء لمخلوق، كما يفعل عند ملاقاة العظماء، حرام
عند الاطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى. اه‍. (قوله: فإنه) أي
من قصد تعظيم مخلوق بالركوع كتعظيم الله (وقوله لا شك في الكفر) أي في كفره. فأل عوض عن الضمير. (وقوله:
حينئذ) أي حين إذ قصد ما ذكر (قوله: وكمشى إلى الكنائس) معطوف على كسجود لمخلوق: أي والمكفر أيضا كمشى
إلى الكنائس حالة كونه متلبسا بزيهم: أي بهيئتهم التي يتلبسون بها كأن يشد على وسطه زنارا وهو خيط غليظ فيه ألوان
يشد في الوسط فوق الثوب أو يخيط فوق الثياب بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونها أو يضع البرنيطة
فيكفر بذلك وأفهم قوله وكمشي إلى الكنائس بزيهم أنه لو فقد أحدهما كأن مشى إلى الكنائس لا بزيهم بل بزي
المسلمين أو تزيا بزيهم من غير مشي إليها لا يكفر، وهو كذلك (قوله: وكإلقاء ما فيه قرآن في مستقذر) أي فيكفر به. قال
في الاعلام: والمراد بالمستقذر النجاسات مطلقا، بل والقذر الطاهر، كما صرح به بعضهم، ثم قال: وكإلقاء المصحف
ونحوه في القذر تلطيخ الكعبة أو غيرها من المساجد بنجس، ولو قيل إن تلطيخ الكعبة بالقذر الطاهر كذلك لم يبعد، إلا
أن كلامهم ربما يأباه. اه‍. وقال في التحفة: وقضية قوله كإلقاء أن الالقاء ليس بشرط وأن مماسة شئ من ذلك بقذر كفر
أيضا، وفي إطلاقه نظر، ولو قيل لا بد من قرينة تدل على الاستهزاء لم يبعد. اه‍. وقال سم: اختلف مشايخنا في مسح
القرآن من لوح المتعلم بالبصاق، فأفتى بعضهم بحرمته مطلقا وبعضهم بحرمته إن بصق على القرآن ثم مسحه، وبحله
إن بصق على نحو خرقة ثم مسح بها. اه‍. وقال ع ش: ما جرت به العادة من البصاق على اللوح لإزالة ما فيه ليس
بكفر، وينبغي عدم حرمته أيضا، ومثله ما جرت العادة به أيضا من مضغ ما عليه قرآن أو نحوه للتبرك به أو لصيانته عن
النجاسة. اه‍. (قوله: قال الروياني أو علم شرعي) قال في الاعلام أيضا: وهل مراد الروياني بالعلوم الشرعية الحديث
والتفسير والفقه وآلاتها كالنحو وغيره وإن لم يكن فيه آثار السلف أو يختص بالحديث والتفسير والفقه؟ الظاهر الاطلاق،
وإن كان بعيد المدرك في ورقة من كتاب نحو مثلا ليس فيها اسم معظم. اه‍. (قوله: ومثله) أي العلم الشرعي، وقوله ما
فيه اسم معظم: أي من أسماء الله أو أسماء الأنبياء أو الملائكة (قوله: وتردد في كفر) عطف على نفي صانع: أي وكتردد
في كفر هل يفعله أم لا؟ فإنه يكفر به حالا. قال في شرح الروض: لان استدامة الإيمال واجبة والتردد ينافيها. اه‍.
فإن قلت: التردد من أي قسم من الأقسام السابقة: هل هو من العزم أو الفعل أو القول؟.
قلت: يحتمل أن يكون من العزم لان المراد به القصد مطلقا سواء كان مع جزم أو مع تردد، ويحتمل أن يكون من
الفعل ويراد به ما يشمل الفعل القلبي، ويحتمل أن يكون من الثالث بأن يراد من التردد التردد اللساني لكن الموافق للقلبي
كما هو ظاهر (قوله: وكتكفير مسلم) أي بأن قال له يا كافر. وقوله لذنبه: أي لأجل ارتكابه ذنبا من الذنوب، وهو ليس
بقيد، بل مثله بالأولى ما إذا كفره من غير ذنب. (وقوله: بلا تأويل) أي فيكفر به إن كفره بلا تأويل للكفر ككفر النعمة
مثلا، وإلا فلا يكفر (قوله: لأنه سمى الاسلام كفرا) علة لمقدر: أي فيكفر من كفر مسلما من غير تأويل لأنه سمى
الاسلام المتلبس به كفرا، وقد صح أنه (ص) قال: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أي رجع بكلمة الكفر (قوله:
وكالرضا بالكفر) أي فيكفر به. قال في الاعلام: ومن المكفرات أيضا أن يرضى بالكفر ولو ضمنا: كأن يسأله كافر يريد

154
الاسلام أن يلقنه كلمة الاسلام فلم يفعل أو يقول له اصبر حتى أفرغ من شغلي أو خطبتي ولو كان خطيبا، وكأن يشير عليه
بأن لا يسلم وإن لم يكن طالبا لاسلام فيما يظهر. اه‍. (قوله: فيكفر في الحال) تفريع على جميع ما مر من نفي صانع
إلى هنا بدليل قوله في كل ما مر. (وقوله: لمنافاته) أي ما مر للاسلام (قوله: وكذا يكفر من أنكر إعجاز القرآن) أي لأنه
مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. (قوله: أو حرفا منه) أي أو أنكر حرفا من القرآن: أي أو آية مجمعا عليها كبسملة
النمل التي في وسطها، أما بسملة الفاتحة فلا يكفر من نفاها منها لعدم الاجماع عليها، ومثله ما لو زاد فيه آية معتقدا أنها
منه فيكفر به.
تنبيه: قال شيخنا الأستاذ العارف بربه المنان سيدنا السيد أحمد بن زيني دحلان في كتابة له في التجويد ما نصه:
قد كفر بعضهم من وقف على نحو قوله تعالى: * (وقالت اليهود) * وابتدأ بقوله: * (عزير ابن الله) * أو * (وقالت
النصارى) * وابتدأ بقوله: * (المسيح ابن الله) * أو وقالت اليهود وابتدأ بقوله: * (يد الله مغلولة) * أو * (ما أنتم
بمصرخي) * وابتدأ بقوله: * (إني كفرت) * والمحققون على أنه لا يطلق القول بالتكفير ولا بالحرمة، بل إن كان
مضطرا وابتدأ بما بعده غير معتقد لمعناه لا يكفر وإن اعتقد معناه كفر مطلقا وقف أم لا، وعليه يحمل كلام من أطلق فإن
وقف متعمدا غير معتقد المعنى حرم ولم يكفر. اه‍. (قوله: أو صحبة أبي بكر) أي أو أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عنه
فيكفر به لثبوتها بالقرآن، وفي إنكارها تكذيب للقرآن، وظاهره أنه لا يكفر بإنكار صحبة غيره. وفي رسالة شيخنا الأستاذ
في فضل أبي بكر رضي الله عنه ما نصه: ومن الآيات الدالة على فضله قوله تعالى: * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا أبو بكر رضي الله عنه، ومن ثم من أنكر
صحبته كفر إجماعا، ولا كذلك إنكار صحبة غيره. اه‍. وفي البجيرمي: قال الشهاب الرملي: لو قال أبو بكر لم يكن من
الصحابة كفر، ولو قال ذلك لغير أبي بكر لم يكفر، وفيه نظر: لان الاجماع منعقد على صحابة غيره، والنص وارد شائع.
قلت: وأقل الدرجات أن يتعدى ذلك إلى عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لان صحابتهم يعرفها الخاص والعام
من النبي (ص)، فنافي صحبة أحدهم مكذب للنبي (ص). اه‍ (قوله: أو قذف عائشة رضي الله عنها) أي وكذلك يكفر من
قذف عائشة لان القرآن نزل ببراءتها، ففي قذفها حماها الله تكذيب للقرآن (قوله: ويكفر في وجه الخ) قال في الاعلام:
وفي وجه حكاه القاضي حسين في تعليقه أنه يلحق بسب النبي (ص) سب الشيخين وعثمان وعلي رضي الله عنهم فقال:
من سب الصحابة فسق ومن سب الشيخين أو الحسنين يكفر أو يفسق وعبارة البغوي: من أنكر خلافة أبي بكر يبدع ولا
يكفر، ومن سب أحدا من الصحابة ولم يستحل يفسق، واختلفوا في كفر من سب الشيخين. قال الزركشي كالسبكي
وينبغي أن يكون الخلاف إذا سبه لأمر خاص به، أما لو سبه لكونه صحابيا فينبغي القطع بتكفيره لان ذلك استخفاف بحق
الصحبة، وفيه تعريض بالنبي (ص)، وقد روى الترمذي أنه (ص): رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر وهكذا
القول في شأن غيرهما من الصحابة. وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: يقول الله تعالى: من آذى لي وليا فقد
آذنته بالحرب - وفي رواية فقد استحل محارمي، ولا شك أنا نتحقق ولاية العشرة، فمن آذى واحدا منهم فقد بارز الله
تعالى بالمحاربة فلو قيل يجب عليه ما يجب على المحارب لم يبعد ولا يلزم هذا في غيرهم إلا من تحققت ولايته بإخبار



(1) سورة البقرة، الآية: 113.
(2) سورة التوبة، الآية: 30.
(3) سورة البقرة، الآية: 113.
(4) سورة التوبة، الآية: 30.
(5) سورة المائدة، الآية: 64.
(6) سورة إبراهيم، الآية: 22.
(7) سورة إبراهيم، الآية: 22.
(8) سورة التوبة، الآية: 40.
155
الصادق. اه‍ (قوله: لا من قال الخ) أي لا يكفر من قال لخصمه وقد أراد الخصم بالله تعالى لا أريد الحلف بالله تعالى
بل بالطلاق أو الاعتاق (قوله: أو قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت ت) أي لا يكفر بذلك ولا يكفر أيضا من قال لمسلم
سلبك الله الايمان أو لكافر لا رزقك الله الايمان لأنه مجرد دعاء عليه بتشديد الامر والعقوبة عليه، ولا إن دخل دار الحرب
وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير، ولا إن صلى بغير وضوء متعمدا أو بنجس أو إلى غير القبلة ولم يستحل ذلك،
ولا إن تمنى حل ما كان حلالا في زمنه قبل تحريمه: كأن تمنى أنه لا يحرم الله الخمر، ولا إن شد الزنار على وسطه أو
وضع قلنسوة المجوس على رأسه أو دخل دار الحرب للتجارة أو لتخليص الأسارى، ولا إن قال النصرانية خير من
المجوسية، ولا إن قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها. صرح بذلك كله في شرح الروض (قوله: تنبيه ينبغي للمفتي) أي
يتعين عليه. (وقوله: أن يحتاط الخ) أي أن يسلك طريق الاحتياط في الافتاء بتكفير أحد، فلا يفتي بذلك إلا بعد الفحص
الشديد واليقين السديد (قوله: لعظم خطره) أي التكفير وذلك لأنه ربما كفر مسلما بلفظ غير مكفر فيكفر، وقوله وغلبة
عدم قصده أي المكفر، وقوله سيما: أي خصوصا من العوام فإنهم يتلفظون بكلمات مكفرة ولا يقصدون معناها (قوله:
وما زال أئمتنا على ذلك) أي على الاحتياط فيه قال في التحفة بعده: بخلاف أئمة الحنفية فإنهم توسعوا بالحكم
بمكفرات كثيرة مع قبولها للتأويل بل مع تبادره منها، ثم رأيت الزركشي قال عن ما توسع به الحنفية أن غالبه في كتب
الفتاوى نقلا عن مشايخهم وكان المتورعون من متأخري الحنفية ينكرون أكثرها ويخالفونهم ويقولون هؤلاء لا يجوز
تقليدهم لأنهم غير معروفين بالاجتهاد ولم يخرجوها على أصل أبي حنيفة لأنه خلاف عقيدته: إذ منها إن معنا أصلا
محققا هو الايمان فلا نرفعه إلا بيقين. فليتنبه لهذا وليحذر ممن يبادر إلى التكفير في هذه المسائل منا ومنهم فيخاف عليه
أن يكفر لأنه كفر مسلما. اه‍. ملخصا.
فائدة: قال الغزالي: من زعم أن له مع الله حالا أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم نحو شرب الخمر وجب قتله، وإن
كان في الحكم بخلوده في النار نظر. وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لان ضرره أكثر. اه‍ (قوله: ويستتاب الخ) شروع
في بيان ما يجب على المرتد والعياذ بالله تعالى بشئ مما مر وحاصل ذلك أنه يجب عليه العود فورا إلى دين الاسلام، ولا
يحصل إلا بالتلفظ بالشهادتين والاقلاع، عما وقعت به الردة والندم على كل ما صدر منه والعزم على أن لا يعود لمثله.
ويجب عليه أيضا قضاء ما فاته من واجبات الشرع في مدة الردة، فإذا فعل ذلك كله حكم عليه بالعود إلى الاسلام لقوله
تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * ولخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم فإن لم
يعد لذلك بنفسه وجب على الامام أو نائبه أن يأمره بذلك فورا بأن يقول له تب وارجع لدين الاسلام وإلا قتلتك. (وقوله
وجوبا) أي استتابة واجبة والفرق بينه وبين تارك الصلاة حيث ندبت استتابته أن جريمة المرتد تقتضي تخليده في النار ولا
كذلك جريمة تارك الصلاة (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المرتد (قوله: لأنه كان محترما بالاسلام) علة للاستتابة.
أي إنما استتيب أولا ولم يقتل من غير استتابة لأنه كان محترما بالاسلام أي ولأنه (ص) أمر في امرأة ارتدت أن يعرض عليها
الاسلام، فإن أسلمت وإلا قتلت (قوله: وربما عرضت له شبهة) كالعلة الثانية للاستتابة: أي ولأنه ربما عرضت له شبهة
اقتضت ردته فيسعى في إزالتها قال في التحفة: بل الغالب أنها، أي الردة، لا تكون عن عبث محض. اه‍. وقال في



(1) سورة الأنفال، الآية: 38.
156
الروض وشرحه، ولو سأل المرتد قبل الاستتابة أو بعدها إزالة شبهة عرضت له نوظر بعد إسلامه لا قبله لأنه الشبهة لا
تنحصر فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء، وهذا ما صححه الغزالي. وفي وجه يناظر أولا لان الحجة مقدمة على
السيف. اه‍ (قوله: ثم إن لم يتب) أي المرتد وقوله بعد الاستتابة: أي طلب التوبة منه (قوله: قتل) أي كفرا لا حدا فلا
يجب غسله ولا تكفينه ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه عنهم بالردة (قوله: أي قتله الحاكم) فلو قتله
غيره عزر لإفتياته على الامام، ومحله إذا كان المرتد حرا، فإن كان رقيقا جاز للسيد قتله في الأصح لأنه ملكه فله فعل ما
يتعلق به من تأديب ونحوه (قوله: بضرب الرقبة) متعلق بقتل: أي قتل بضرب رقبته بسيف. (وقوله لا بغيره) أي غير
ضرب الرقبة بسيف كإحراق وتغريق وذلك لخبر إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (قوله: بلا إمهال) متعلق بكل من قوله
يستتاب. (وقوله: قتل) كما يدل عليه: تفسيره بعد (قوله: لخبر البخاري الخ) دليل للقتل حالا (قوله: فإذ أسلم الخ)
الأولى تقديمه على قوله ثم إن لم يتب الخ لأنه مفرع على الاستتابة: أي فإذا امتثل أمر الامام وتاب بأن عاد إلى الاسلام
صح إسلامه وترك. (وقوله: وإن تكررت ردته) غاية لصحة إسلامه إذا أسلم. (وقوله: لاطلاق النصوص) راجع للغاية:
أي تقبل توبته وإن تكررت منه الردة لاطلاق النصوص كقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد
سلف) * وكخبر فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (قوله: نعم يعزر من تكررت ردته) استدراك من صحة
إسلامه إذا تكررت منه الردة: أي يصح إسلامه مع تكررها لكنه يعزر لزيادة تهاونه بالدين، (وقوله: لا في أول مرة) عطف
على محذوف: أي فيعزر في المرة الثانية والثالثة لا في أول مرة أما فيها فلا يعزر (وقوله: إذا تاب) متعلق بيعزر (قوله:
خلافا لما زعمه جهلة القضاة) أي من تعزيره في أول مرة. وعبارة التحفة: ولا يعزر مرتد تاب على أول مرة خلافا لما
يفعله جهلة القضاة. اه‍. (قوله: تتمة) أي في بيان ما يحصل به الاسلام مطلقا على الكافر الأصلي وعلى المرتد (قوله:
إنما يحصل إسلام الخ) عبارة التحفة ولا بد في الاسلام مطلقا وفي النجاة من الخلود في النار كما حكى عليه الاجماع في
شرح مسلم من التلفظ بالشهادتين الخ (قوله: بالتلفظ بالشهادتين) متعلق بيحصل وإنما توقف صحة الاسلام عليه لان
التصديق القلبي أمر باطني لا اطلاع لنا عليه فجعله الشارع منوطا بالنطق بالشهادتين الذي مدار الاسلام عليه (وقوله: من
الناطق) خرج به الأخرس فلا يطالب بالنطق، بل إذا قامت قرينة على إسلامه كالإشارة كفى في حصول الاسلام (قوله:
فلا يكفي ما بقلبه من الايمان) أي في إجراء أحكام المؤمنين في الدنيا عليه بناء على ن النطق شرط في الايمان أو في
النجاة من النار بناء على أنه شطر منه.
والحاصل: اختلف في النطق بالشهادتين: هل هو شرط في الايمان لأجل إجراء الاحكام عليه أو شطر منه، أي
جزء منه، فذهب إلى الأول محققو الأشاعرة والماتريدية وغيرهم. ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو
مؤمن عند الله غير مؤمن في الاحكام الدنيوية، ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الاحكام الدنيوية
غير مؤمن عند الله، وذهب إلى الثاني قوم محققون كالامام أبي حنيفة وجماعة من الأشاعرة، وعليه فيكون الايمان عند
هؤلاء اسما لعملي القلب واللسان جميعا وهما التصديق والاقرار، ويترتب عليه أن من صدق بقلبه ولم يتفق له الاقرار



(1) سورة الأنفال، الآية: 38.
157
في عمره لا مرة ولا أكثر مع القدرة على ذلك لا يكون مؤمنا لا عندنا ولا عند الله تعالى، وهذا ضعيف. والمعتمد الأول
(قوله: وإن قال به) أي بالاكتفاء بما في قبه من الايمان (قوله: ولو بالعجمية) أي يحصل الاسلام بالتلفظ بالشهادتين،
ولو أتى بهما بالعجمية. (قوله: وإن أحسن العربية: غاية للغاية) وكلاهما للرد (قوله: لا بلغة الخ) أي لا يكفي في
حصول الاسلام الاتيان بهما بلغة لقنها له العارف بتلك اللغة وهو لا يفهم المراد منها (قوله: ثم الاعتراف) عطف على
التلفظ: أي إنما يحصل الاسلام بالتلفظ وبالاعتراف لفظا برسالته (ص) إلى غير العرب. (وقوله ممن ينكرها) حال من
الاعتراف: أي حالة كون الاعتراف المشروط ممن ينكر رسالته إلى غير العرب ويقول إنها خاصة بالعرب (قوله: فيزيد
العيسوي الخ) قال في الأسنى: العيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان في
خلافة المنصور يعتقد أنه (ص) رسول إلى العرب خاصة، وخالف اليهود في أشياء غير ذلك منها أنه حرم الذبائح. اه‍.
(وقوله: محمد رسول) الأولى أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق، لان المزيد الجار والمجرور فقط (قوله:
أو البراءة) ظاهر صنيعه أنه معطوف على محمد رسول الله الخ. ويكون المعنى أو يزيد البراءة من كل الخ، وهو صريح
عبارة الفتح ونصها: نعم العيسوي لا بد في صحة إسلامه أن يقول بعد محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو يبرأ من كل
دين يخالف دين الاسلام. اه‍. (قوله: فيزيدك المشرك الخ) لا يناسب تفريعه على ما قبله، فالأولى الاتيان بواو
الاستئناف بدل الفاء (قوله: وبرجوعه الخ) عطف على قوله بالاعتراف يعني إذا اعتقد مكفرا من المكفرات، فلا بد مع
النطق بالشهادتين مرجوعه عن اعتقاده. قال ع ش: كأن يقول برئت من كذا، فيبرأ منه ظاهرا أما في نفس الامر فالعبرة بما
في نفسه. اه‍. (قوله: ومن جهل القضاة) الجار والمجرور خبر مقدم، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها بعد
مبتدأ مؤخر (قوله: أن من ادعى عليه عندهم) أي عند القضاة، (وقوله: بردة) أي أنكرها. (وقوله: أو جاءهم يطلب
الحكم بإسلامه) أي بعد أن نسبت إليه الردة. (وقوله ويقولون أي القضاة له) أي لمن ادعى عليه بالردة أو جاءهم يطلب
الحكم بإسلامه. (وقوله: تلفظ بما قلت) أي مما نسب إليك من ألفاظ الردة، وهذا مقول يقولون (قوله: وهذا) أي ما
يقولون له غلط فاحش لما يلزم عليه من إعادة لفظ الكفر على لسانه (قوله: فقد قال الشافعي الخ) استدلال على كون ما
يفعله القضاة غلطا فاحشا. (وقوله: إذا ادعى على رجل) أي عندي. (وقوله: لم أكشف عن الحال) أي عن السبب
الذي ارتد به (قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله) في التحفة إسقاط واو العطف وكتب سم عليها هذا النص فيه تصريح
بأن لا يشترط عطف إحدى الشهادتين على الأخرى، ويوافقه قولهم لو أذن كافر غير عيسوي حكم باسلامه بالشهادتين مع
أن الاذان لا عطف على شهادتيه. اه‍. (قوله: ويؤخذ من تكريره) أي الإمام الشافعي رضي الله عنه. (وقوله لفظ
أشهد) مفعول تكرير. وقوله أنه: نائب فاعل يؤخذ. (وقوله: لا بد منه) أي من التكرير. قال سم: ينبغي أن يغني عنه
العطف. اه‍. وفي حاشية العلامة الباجوري على الجوهرة ما نصه: ولا بد من لفظ أشهد وتكريره ولا يشترط أن يأتي
بحرف العطف على ما قاله الزيادي ورجع إليه الرملي آخرا، فلا يكفي إبدال لفظ أشهد بغيره وإن كان مرادفا لما فيه من
معنى التعبد ولا بد من ترتيب الشهادتين وموالاتهما ثم قال: وما تقدم من الشروط مبني على المعتمد في مذهبنا معاشر
الشافعية، وبه قال ابن عرفة من المالكية حيث قال: لا بد أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

158
وخالف الأبي شيخه ابن عرفة فقال: لا يتعين ذلك بل يكفي كل ما يدل على الايمان فلو قال الله واحد ومحمد رسول الله
كفى، ونحوه ما قاله الأبي لبعض من الشافعية وهو العلامة ابن حجر، وللنووي ما يوافقه أيضا، فيكون في المسألة قولان
لأهل كل من المذهبين. قال المصنف في شرحه: وأولهما أولى بالتعويل. اه‍ (قوله: وهو) أي وجوب التكرير (قوله:
في الكفارة) أي في بابها وقوله وغيرها: أي غير الكفارة (قوله: لكن خالف فيه) أي في وجوب التكرير (قوله: وفي
الأحاديث ما يدل لكل) أي من وجوب التكرير وعدمه (قوله: بالايمان بالبعث) متعلق بأمر والبعث عبارة عن احياء الموتى
وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الأجزاء الأصلية وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويندب أيضا أمره
بجميع ما يجب به الايمان من عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير والميزان. والصراط والنار والجنة ونحو ذلك مما
أخبر به نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قوله: ويشترط لنفع الاسلام) أي لكونه منجيا في الدار الآخرة (قوله: مع ما
مر) أي من التلفظ بالشهادتين (قوله: تصديق القلب بوحدانية الله تعالى) أي بأن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ولا بد
أيضا من تصديقه بما يجب له سبحانه وتعالى وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه تفصيلا، ومجموع ذلك واحد وأربعون
عقيدة قد تقدم بيانها أول الكتاب، ثم بعد ذلك تصديقه بأن الله متصف بكل كمال منزه عن شائبة النقصان (قوله: ورسله)
معطوف على وحدانية الله تعالى: أي ويشترط تصديق القلب برسله: أي بأن لله رسلا أرسلهم فضلا منه ورحمة للعباد
ليعلموا الناس الشرائع والاحكام وأنه لا يعلم عددهم إلا الله تعالى لقوله تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم
نقصص عليك) * لكن ما قام الدليل بمعرفتهم تفصيلا يجب تصديق القلب بهم كذلك، وهؤلاء هم الخمسة والعشرون
المذكورون في القرآن، وما قام الدليل بمعرفتهم إجمالا يجب تصديق القلب بهم كذلك، ولا بد من تصديقه بما يجب
لهم عليهم الصلاة والسلام من الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة وبما يستحيل عليهم من أضداد هذه الأربعة، وبما يجوز
في حقهم من الاعراض البشرية التي لا تؤدي إلى النقص في مراتبهم العلية (قوله: وكتبه) معطوف على وحدانية أيضا:
أي ويشترط تصديق القلب بكتبه أي المنزلة من السماء على الأنبياء، والمراد بها ما يشمل الصحف واختلف في عددها
والمشهور أنها مائة وأربعة: المنزل على شيث ستون، وعلى إبراهيم ثلاثون، وعلى موسى قبل التوراة عشرة، والكتب
الأربعة، أعني التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ويشترط أيضا تصديق القلب بملائكته وهم أجسام لطيفة نورانية
لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون شأنهم الطاعات ومسكنهم السماوات * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *
(قوله: واليوم الآخر) أي ويشترط تصديق القلب باليوم الآخر وهو يوم القيامة، وأوله من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى
على الصحيح، وقيل إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وسمي باليوم الآخر لأنه آخر أيام الدنيا بمعنى أنه
متصل بآخر أيام الدنيا لأنه ليس منها حتى يكون آخرها، وسمي بيوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم وقيامهم بين يدي
خالقهم وقيام الحجة لهم وعليهم، ويشترط أيضا تصديق القلب بما يقع فيه من هول الموقف: أي ما ينال الناس فيه من
الشدائد لطول الموقف، قيل ألف سنة - كما في آية السجدة، وقيل خمسين ألف سنة، كما في آية سأل، ولا تنافي لان
العدد لا مفهوم له وهو مختلف باختلاف أحوال الناس فيطول على الكفار ويتوسط على الفساق ويخف على الطائعين حتى
يكون كصلاة ركعتين (قوله: فإن اعتقد هذا) أي ما ذكر من وحدانية الله تعالى والرسل والكتب واليوم الآخر (قوله: ولم
يأت بما مر) أي بالشهادتين (قوله: لم يكن مؤمنا) أي عندنا وعند الله إن قلنا بالشرطية أو عندنا فقط إن قلنا بالشرطية كما



(1) سورة غافر، الآية: 78.
(2) سورة التحريم، الآية: 6.
159
مر، ومحل ما ذكر إذا لم يكن عدم الاتيان بهما عن إباء بأن عرضت عليه الشهادتان فأبى، فإن كان كذلك فهو كافر مطلقا
على القولين (قوله: وإن أتى به) أي بما مر من الشهادتين، (وقوله: بلا اعتقاد) أي لما مر من الوحدانية، وما بعدها
(قوله: ترتب عليه الحكم الدنيوي) أي فهو مؤمن عندنا في الدنيا ويترتب عليه الاحكام الدنيوية في مناكحته وأكل ذبيحته
ومن غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين بعد موته لحديث أمرت أن أحكم بالظاهر، والله يتولى
السرائر وليس مؤمنا عند الله بل هو منافق في الدرك الأسفل من النار: ثبتنا الله على الايمان ورزقنا التمتع بالنظر إلى
وجهه الكريم في الجنان. بجاه سيدنا محمد سيد ولد عدنان. آمين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

160
باب الحدود
أي باب في بيان الحدود أسبابها. والحدود جمع حد، وهو لغة المنع، وشرعا ما ذكر من الجلد أو الرجم ونحو
ذلك من كل عقوبة مقدرة. وسميت بذلك لمنعها من ارتكاب الفواحش. وشرعت حفظا للكليات الستة المنظومة في قول
اللقاني:
وحفظ دين ثم نفس مال نسب ومثلها عقل وعرض قد وجب
فشرع القصاص حفظا للنفس وقتل الردة حفظا للدين، وقد تقدمك وحد الزنا حفظا للنسب، وحد القذف حفظا
للعرض، وحد السرقة حفظا للمال، وحد الشرب حفظا للعقل. وبيان ذلك أنه إذا علم القاتل أنه إذا قتل قتل انكف عن
القتل فكان ذلك سببا لحفظ النفس، وهكذا يقال في الباقي.
واعلم: أن ارتكاب الكبائر لا يسلب الايمان ولا يحبط الطاعات: إذ لو كانت محبطة لذلك للزم أن لا يبقى لبعض
العصاة طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخوله الجنة. قال السبكي: والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة
بلغت مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة القائلين بخلود أهل الكبائر في النار ذكره المناوي (قوله: أولها) أي أول
الحدود وقوله حد الزنا. هو بالقصر لغة حجازية، وبالمد لغة تميمية (قوله: وهو) أي الزنا. وقوله أكبر الكبائر بعد القتل:
أي لقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) * ولاجماع أهل الملل على تحريمه فلم يحل في ملة
قط، ولهذا كان حده أشد الحدود في الجملة (قوله: وقيل هو) أي الزنا (وقوله مقدم عليه) أي على القتل لان فيه جناية
على النسب وعلى العرض. وفي ع ش ما نصه: وفي كلام بعض شراح الجامع الصغير أن أكبر الكبائر الشرك بالله ثم قتل
النفس وأن ما وراء ذلك من السبع الموبقات وغيرها كالزنا لا ترتيب فيه وإنما يقال في كل فرد منه من أكبر الكبائر. اه‍
(قوله: يجلد وجوبا) أي لقوله تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * وقوله: فاجلدوا أمر
وهو للوجوب. وقوله إمام أو نائبه: هذا إذا كان الزاني حرا أو مبعضا، فإن كان رقيقا لا يتحتم فيه الامام، بل يجوز للسيد
أن يحده ولو بغير إذن الإمام كما سيذكره لخبر مسلم إذا زنت أمة أحدكم فليحدها وخبر أبي داود والنسائي أقيموا
الحدود على ما ملكت أيمانكم (قوله: دون غيرهما) أي الامام أو نائبه فلا يستوفي الحد. وقوله خلافا للقفال: أي القائل
بأن لغير الامام أن يستوفيه (قوله: حرا) خرج الرقيق فلا يجلد مائة بل نصفها، كما سيذكره، (وقوله: مكلفا) أي ولو
حكما فشمل السكران المتعدي بسكره. وخرج به الصبي والمجنون والسكران غير المتعدي فلا يجلدون، ولا بد أن
يكون المكلف ملتزما للأحكام. وخرج به الحربي والمستأمن وأن يكون واضح الذكورة وخرج الخنثى المشكل إذا أولج
آلة الذكورة في فرج فلا يحد لان إيلاجه لا يسمى زنا لاحتمال أنوثته وكون هذا عضوا زائدا (قوله: زنى بإيلاج حشفة) أي



(1) سورة الإسراء، الآية: 32.
(2) سورة النور، الآية: 2.
161
إدخال حشفة، ولا بد فيها أن تكون أصلية ومتصلة فخرج إيلاج غير الحشفة كأصبعه أو الحشفة الزائدة، ولو احتمالا، كما
لو اشتبه الأصلي بالزائد أو المنفصلة فلا حد في جميع ما ذكر لأنه لا يسمى زنا (قوله: أو قدرها) أي أو إيلاج قدر
الحشفة، وقوله من فاقدها: خرج به ما لو ثنى ذكره وأدخل قدر الحشفة مع وجودها فلا حد لأنه كإدخال بعض
أصبع. اه‍. بجيرمي (قوله: في فرج الخ) متعلق بإيلاج، ويشترط فيه أن يكون واضحا فلا حد في إيلاج فرج الخنثى
المشكل لأنه لا يسمى زنا لاحتمال كون هذا المحل زائدا وشمل الفرج فرج نفسه كأن أدخل ذكره في دبره فيحد به. قال
البجيرمي: ونقل عن بعض أهل العصر خلافه فاحذره. وقوله آدمي حي: سيأتي محترزهما (قوله: قبل أو دبر) بدل من
فرج ثم يحتمل عدم تنوينهما وإضافتهما إلى ما بعدهما ويحتمل تنوينهما وما بعدهما بدل من آدمي. (وقوله: ذكر أو
أنثى) أي ولو صغيرا فلو أولج مكلف ذكره في فرج صغيرة ولو بنت يوم فإنه يحد كما أن المرأة المكلفة لو أدخلت ذكر
صبي ولو ابن يوم في فرجها فإنها تحد (قوله: مع علم تحريمه) أي الزنا والظرف متعلق بزنا أو بإيلاج، وخرج به الجاهل
بالتحريم فلا يحد بخلاف الجاهل بوجوب الحد مع علمه بالتحريم فإنه يحد (قوله: فلا حد بمفاخذة الخ) محترز قوله
بإيلاج الخ: إذ لا إيلاج في فرج في جميع ذلك، (وقوله: واستمناء) أي تعمد طلب إخراج المني. وقوله: بيد نفسه أو
غير حليلته: فإن كان بيدها فلا حرمة ولا تعزير، وبالأولى عدم وجوب الحد (قوله: بل يعزر فاعل ذلك) أي ما ذكر من
المفاخذة والمساحقة والاستمناء وإنما عزر لحرمته (قوله: ويكره) أي الاستمناء. (وقوله: بنحو يدها) أي حليلته (قوله:
كتمكينها) الإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل: أي كتمكين الزوج إياها من العبث واللعب بذكره فإنه
يكره عليه ذلك (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الاستمناء بيدها وتمكينها من العبث بذكره، وهو علة الكراهة، (وقوله: في
معنى العزل) أي عزل المني عن الحليلة وهو مكروه (قوله: ولا بإيلاج الخ) أي ولا حد بإيلاج في فرج بهيمة أو ميت: أي
لأنه مما ينفر الطبع عنه فلا يحتاج إلى الزجر عنه. قال في شرح الروض: لكن يعزر. اه‍. وهذا محترز قوله آدمي حي
(قوله: ولا يجب ذبح البهيمة المأكولة) أي إذا وطئت (قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي في وجوب ذبحها، وهذا مبني على
وجوب الحد على الفاعل. قال في الروض وشرحه: قال في الأصل، وقيل يحد واطئ البهيمة وعليه فقيل حده قتله
مطلقا وقيل قتله إن كان محصنا وعلى وجوب القتل لا يختص القتل به بل يجب به: أي بالايلاج فيها ذبح البهيمة المأكولة
ولا بإيلاج في دبرها وعليه حمل حديث الترمذي وغيره من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة بخلاف غير المأكولة لما في
قتلها من ضياع المال بالكلية والمأكولة إذا ذبحت يحل أكلها لأنها مذكاة. اه‍. ملخصا. وفي المغنى: اختلفوا في علة
ذلك: أي وجوب ذبح البهيمة عند القائل به فقيل لاحتمال أن تأتي بولد مشوه الخلق فعلى هذا لا تذبح إلا إذا كانت أنثى
وقد أتاها في الفرج، وقيل إن في بقائها تذكارا للفاحشة فيعبر بها وهذا هو الأصح فعلى هذا لا فرق بين الذكر
والأنثى. اه‍ (قوله: وإنما يجلد من ذكر) يصح أن يكون الفعل مبنيا للمعلوم والموصول فاعله وهو واقع على الامام أو
نائبه ومفعوله محذوف: أي وإنما يجلد الامام أو نائبه حرا مكلفا الخ، أو الفاعل ضمير مستتر يعود على الامام أو نائبه
والموصول مفعوله وهو واقع على الحر المكلف الخ. ويصح أن يكون مبنيا للمجهول، والموصول نائب فاعل وهو واقع
على الحر المكلف الخ (قوله: مائة من الجلدات) منصوب على المفعولية المطلقة ليجلد (قوله: ويغرب عاما) أي من
بلد الزنا تنكيلا له وإبعادا من موضع الفاحشة.
واعلم: أن شروط التغريب سبعة: أولها: أن يكون بأمر الإمام أو نائبه فلو تغرب بنفسه لم يحسب، ثانيها: أن
يكون إلى مسافة القصر فأكثر فلا يكفي ما دونها لتواصل الاخبار إليه غالبا فلا يحصل له الايحاش بالبعد عن الأهل
والوطن، ثالثها: أن يكون إلى بلد معين فلا يرسله الامام إرسالا وإذا عين له الامام جهة فليس له أن يختار غيرها،

162
رابعها: أن يكون الطريق والمقصد آمنين، خامسها: أن لا يكون بالبلد الذي يغرب إليه طاعون لأنه يحرم الدخول في
البلد الذي فيه الطاعون والخروج منه لغير حاجة، سادسها: كونها عاما في الحر ونصف عام في الرقيق، سابعها: كون
التغريب عاما أو نصفه ولاء فلا يجوز التفريق لان الايحاش لا يحصل بالمفرق، وذكر المؤلف منها ثلاثة. وفي المغنى
ما نصه:
تنبيه: أفهم عطفه التغريب بالواو أنه لا يشترط الترتيب بينهما: أي بين الجلد والتغريب، فلو قدم التغريب على
الجلد جاز. اه‍ (قوله: ولاء) راجع لكل من قوله مائة من الجلدات. وقوله ويغرب عاما: وإن كان ظاهر العبارة يقتضي
أنه مختص بالثاني، فلو فرق الجلدات فإن دام الألم به لم يضر، وإن زال الألم، فإن كان الماضي خمسين لم يضر أيضا
لأنه حد الرقيق فقد حصل حد في الجملة وإن كان دونها ضر ووجب الاستئناف، أو فرق العام أو نصفه استأنف من أول
العام، وقوله لمسافة القصر: متعلق بيغرب فلا يكفي التغريب لما دون مسافة القصر لأنه في حكم الحضر لتواصل الاخبار
فيها إليه، والمقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن، (وقوله: فأكثر) أي من مسافة القصر: أي على حسب ما يراه
الامام (قوله: إن كان الواطئ أو الموطوءة حرا) الأولى أن يقول إن كان من ذكر من الحر المكلف الذي زنى بإيلاج الخ
بكرا، ثم يقول ومثله في ذلك الموطوءة، وذلك لان اشتراط كون الواطئ حرا قد صرح به، فيلزم بالنسبة إليه التكرار
وهذا قيد للجلد مائة والتغريب عاما (قوله: وهو) أي البكر. (وقوله من لم يطأ أو توطأ في نكاح صحيح) أي بأن وطئ أو
وطئت من غير نكاح أصلا أو بنكاح لكنه فاسد، أما إن وطئ أو وطئت في نكاح صحيح فيرجم لأنه حينئذ محصن (قوله:
لا إن زنى من ظن حل) أي لا يجلد مائة ويغرب عاما إن زنى ظانا حل الزنا لعذره. (وقوله: بأن ادعاه) أي الحل وقوله وقد
قرب الخ خرج به ما إذا ادعاه وهو بين المسلمين فلا تقبل دعواه ويحد. قال ع ش: ويؤخذ من هذا جواب حادثة وقع
السؤال عنها: وهي أن شخصا وطئ جارية زوجته وأحبلها مدعيا جهله وإن ملك له زوجته ملك له وهو، أي الجواب،
عدم قبول ذلك منه وحده وكون الولد رقيقا وعدم خفاء ذلك على مخالطنا. اه‍ (قوله: أو مع تحليل عالم الخ) أي ولا إن
زنى باعتبار مذهبه ولكن وجد عالم يحكم على ذلك الوطئ بأنه حلال وليس بزنا فإنه لا يجلد به ولا يغرب ولا يعاقب عليه
في الآخرة لوجود الشبهة، وقوله يعتد بخلافه: خرج به ما لا يعتد بخلافه كإباحة الشيعة ما فوق الأربع، فإذا وطئ زائدا
عليهن يحد (قوله: لشبهة إباحته) علة لعدم الجلد والتغريب: أي وإنما لم يجلد ويغرب لشبهة إباحة العالم وطأه وهذه
الشبهة تسمى شبهة الطريق: أي المذهب، وأما شبهة الفاعل فهي فيمن وطئ أجنبية ظانا أنها زوجته وشبهة المحل
تكون فيمن وطئ أمة مشتركة وكوطئ الأصل جارية ولده وحد فيهما أيضا. وقد نظم الثلاثة بعضهم في قوله:
اللذ أباح البعض حله فلا * حد به وللطريق استعملا
وشبهة الفاعل كأن أتى * لحرمة يظن حلا مثبتا
ذات اشتراك ألحقن وسمين * هذا الأخير بالمحل فاعلمن
(قوله: وإن لم يقلده) أي العالم، وهو غاية لعدم الجلد والتغريب عند وجود شبهة عالم. (وقوله: الفاعل) أي
الزاني (قوله: كنكاح بلا ولي) مثال لما إذا زنى مع تحليل عالم (قوله: أو بلا شهود) أي وكنكاح بولي وبلا شهود، وقوله
كمذهب مالك: قال في النهاية على ما اشتهر عنه لكن المعروف من مذهبه اعتبارهم في صحة الدخول حيث لم يقع وقت
العقد (قوله: بخلاف الخالي عنهما) أي عن الولي وعن الشهود فإنه يجب فيه الحد لعدم الشبهة ولا نظر لخلاف داود
لعدم الاعتداد به، هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى م ر على أنه يعتد به وأنه شبهة يسقط بها الحد ونص عبارة النهاية أو

163
بلا ولي وشهود كما نقل عن داود، وصرح به المصنف في شرح مسلم لجعله من أمثلة نكاح المتعة الذي لا حد فيه جريانه
مؤقتا بدون ولي وشهود، فإذا انتفى مع وجود التأقيت المقتضي لضعف الشبهة فلان ينتفي مع انتفائه بالأولى. وقد أفتى
بذلك الوالد رحمه الله تعالى. اه‍ (قوله: وكنكاح متعة) معطوف على كنكاح بلا ولي، فهو مثال لما إذا زنى مع تحليل
عالم ونكاح المرأة إلى مدة وهو باطل، لكن لو نكح به شخص لم يحد لشبهة ابن عباس رضي الله عنهما.
واعلم: أن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى
يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه. قال بعض الصحابة رضي الله عنهم:
رأيت رسول الله (ص) قائما بين الركن والباب وهو يقول: أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله
حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وعن إمامنا الشافعي
رضي الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة. وما نقل عن ابن عباس من جوازها رجع عنه فقد قال بعضهم
والله ما فارق ابن عباس الدنيا حتى رجع إلى قول الصحابة في تحريم المتعة. ونقل عنه أنه قام خطيبا يوم عرفة وقال أيها
الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم والخنزير. وقد وقعت مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن
المأمون نادى بإباحة المتعة، فدخل يحيى بن أكثم وهو متغير بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون: ما لي أراك
متغيرا؟ قال لما حدث في الاسلام. قال وما حدث؟ قال النداء بتحليل الزنا. قال المتعة زنا؟ قال نعم المتعة زنا قال ومن
أين لك هذا؟ قال من كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون) * إلى قوله * (والذين هم
لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون) * يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك اليمين؟ قال: لا قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد
ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: فقد صار متجاوزا هذين من العادين، وأما السنة فقد روى الزهري بسند إلى علي بن أبي
طالب رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله (ص) أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت
المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهري قالوا نعم. فقال المأمون أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة.
وقد تقدم معظم ذلك في باب النكاح عند قول المؤلف ولا مع تأقيت، وقد تقدم هناك أيضا تفسير نكاح المتعة بتفسير غير
هذا التفسير الذي ذكرته هناك (قوله: ولو من معتقد تحريمه) أي لا يحد ولو صدر هذا المذكور من النكاح بلا
ولي وبلا شهود أو نكاح المتعة ممن يعتقد تحريمه، وعبارة الروض وشرحه: ويسقط بالشبهة في الجهة، أي الطريق، وهي إباحة
بعض العلماء الوطئ بجهة: كالنكاح بلا ولي - كمذهب أبي حنيفة، أو بلا شهود كمذهب مالك، ونكاح المتعة كمذهب
ابن عباس، ولو اعتقد المولج التحريم في هذه الشبهة نظرا لاختلاف العلماء. اه‍ (قوله: نعم إن حكم حاكم) استدراك
من عدم الحد إذا زنى مع تحليل عالم. (وقوله بإبطال النكاح) أي أو بالتفرقة بينهما ووقع الوطئ بعدم علم الواطئ به،
(وقوله: حد) أي قطعا، (وقوله: لارتفاع الشبهة حينئذ) أي حين إذ حكم الحاكم بإبطال النكاح المختلف فيه. وفي
المغني ما نصه:
تنبيه: محل الخلاف في النكاح المذكور، كما قاله الماوردي، أن لا يقارنه حكم، فإن حكم شافعي ببطلانه حد
قطعا أو حنفي أو مالكي بصحته لم يحد قطعا. اه‍ (قوله: ويحد) أي من ذكر من الحر المكلف الحد المار، وهو مائة
جلدة ويغرب أيضا عاما (قوله: في مستأجرة للزنا بها) أي في وطئ امرأة استأجرها لأجل أن يزني بها (قوله: إذ لا شبهة)



(1) سورة المؤمنون، الآية: 1.
164
أي موجودة وهو تعليل للحد في المستأجرة (قوله: لعدم الاعتداد الخ) أي وإنما انتفت الشبهة في المستأجرة لان عقد
الاستئجار لذلك باطل ولا يعتد بالعقد الباطل في وجه من الوجوه (قوله: وقول أبي حنيفة أنه) أي الاستئجار للزنا.
(وقوله: شبهة) أي فلا يحد به وقوله ينافيه الجملة خبر قول، وكتب سم ما نصه: مما يمنع هذه المنافاة أن الاكراه شبهة
دافعة للحد مع أنه لا يثبت النسب. اه‍. (وقوله: الاجماع على عدم ثبوت النسب بذلك) أي بذلك الاستئجار، والمراد
بذلك الوطئ الحاصل بالاستئجار: أي ولو كان شبهة لثبت النسب به (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن قول الإمام ينافيه
الاجماع الخ، وقوله ضعف مدركه، بضم الميم، مصدر ميمي بمعنى إدراك، والمراد ما يدرك منه الحكم من نحو
دليل. اه‍. بجيرمي. وقوله ولم يراع خلافه: قال في التحفة بعده: هذا ما أورده شارح عليه، وهو لا يتم إلا لو قال إنه
شبهة في إباحة الوطئ، وهو لم يقل بذلك بل بأنه شبهة في درء الحد، فلا يرد عليه ما ذكر وإنما الذي يرد عليه إجماعهم
على أنه لو اشترى حرة فوطئها أو خمرا فشربها حد ولم تعتبر صورة العقد الفاسد. اه‍ (قوله: وكذا في مبيحة) أي وكذا
يحد في وطئ مبيحة: أي إباحة الوطئ، وقوله لان الإباحة الخ: علة للحد، وقوله هنا: أي في الوطئ. (وقوله: لغو) أي
فلا يعتد به (قوله: ومحرمة عليه) بالجر عطف على مبيحة: أي وكذا يحد في وطئ محرمة عليه. وقوله لتوثن: اللام
للأجل متعلقة بمحرمة: أي محرمة عليه لأجل توثن، (وقوله: أو لنحو بينونة كبرى) أي أو محرمة عليه لنحو بينونة كبرى
وهي التي تكون بالطلاق ثلاثا، ويدخل تحت النحو الرضاع والمصاهرة والقرابة (قوله: وإن كان قد تزوجها) غاية لحده
بوطئ المحرمة عليه بما ذكر: أي يحد بوطئها وإن كان عقد عليها لأن العقد ليس بشبهة. وقال الإمام أحمد
وإسحاق:
يقتل ويؤخذ ماله لحديث فيه صححه يحيى بن معين، (وقوله: خلافا لأبي حنيفة) أي في قوله: إن صورة العقد شبهة،
وفي المغني ما نصه.
فروع: لو ادعى الجهل بتحريم الموطوءة بنسب لم يصدق لبعد الجهل بذلك قاله الأذرعي لان الجهل مع ذلك
النسب ولم يظهر لنا كذبه فالظاهر تصديقه أو تحريمها برضاع فقولان أظهرهما، كما قاله الأذرعي، تصديقه إن كان ممن
يخفى عليه ذلك أو بتحريمها بكونها مزوجة لا معتدة وأمكن جهله بذلك صدق بيمينه وحدت هي دونه إن علمت تحريم
ذلك. اه‍. (قوله: أما مجوسية تزوجها الخ) قال في الروض وشرحه: وخرج بالوثنية المجوسية ففيها، كما في الأصل
عن البغوي، أنه يجب الحد وعن الروياني لا يجب للخلاف في صحة نكاحها، وهذا نقله الروياني في التجربة عن
النص. قال الأذرعي والزركشي: فهو المذهب اه‍. وقوله فلا يحد بوطئها: أي المجوسية (قوله: للاختلاف في حل
نكاحها) علة لعدم الحد، وإنما اختلفوا فيه لان المجوس كان لهم كتاب منسوب إلى زرادشت، فلما بدلوه رفع على
الأصح (قوله: ولا يحد بالايلاج في قبل مملوكة له الخ) عبارة الفتح مع الأصل: ولا إن كان مع شبهة في المحل كالإيلاج
في قبل أمة مملوكة له لكنها حرمت عليه بنحو محرمية بنسب أو غيره أو توثن أو تمجس أو إسلام ونحو شركة لغيره فيها،
وكلإيلاج في قبل أمة فرع ولو مستولدة لشبهة الملك فيما عدا الأخيرة وشبهة الاعفاف الواجب له في الجملة فيها، وظاهر
كلامه هنا وجوب الحد بالايلاج في دبر الأخيرتين، وفيه نظر بينته في الأصل (قوله: أو شركة لغيره) أي شركة ثابتة لغير
الواطئ معه في الأمة الموطوءة (قوله: أو توثن أو تمجس) معطوفان على نحو محرمية عطف الخاص على العام: أي أو
حرمت عليه مملوكته بسبب توثن أو تمجس (قوله: ولا بإيلاج في أمة فرع) أي ولا يحد بإيلاج في أمة فرع، وقوله ولو

165
مستولدة: أي ولو كانت أمة فرع مستولدة له (قوله: لشبهة الملك) أي لا يحد في وطئ المذكورات لقيام شبهة الملك في
غير الصورة الأخيرة وهي الايلاج في أمة الفرع (قوله: وشبهة الاعفاف فيها) أي في الصورة الأخيرة: أي لان مال الولد
كله محل لإعفاف الأصل والأمة من جملة مال الولد (قوله: وأما حد ذي رق) أي وتغريبه ففي الكلام اكتفاء، وهو محترز
قوله إن كان حرا. وقوله محصن أو بكر: بدل من ذي رق أو عطف بيان، والمحصن ضد البكر. وقوله ولو
مبعضا: أي ولو كان ذو الرق مبعضا (قوله: فنصف الخ) جواب أما. وقوله وتغريبه: بالجر عطف على حد الحر: أي ونصف تغريبه
(قوله: فيجلد الخ) بيان لنصف حد الحر وتغريبه (قوله: ويحد الرقيق الامام أو السيد) فحده لا يتعين فيه الامام بل للسيد
أن يحده بنفسه للخبر المار: فإن تنازعا قدم الامام (قوله: ويرجم) هو من باب نصر (قوله: بأن يأمر الخ) تصوير لرجم
الامام أو نائبه، فمعنى رجمه أن يأمر الناس الخ. فإسناد الرجم إليه على سبيل المجاز العقلي (قوله: فيرموه) ويسن
لامرأة حفرة إلى صدرها إن لم يثبت زناها بإقرار لئلا تنكشف، بخلاف ما إذا ثبت بالاقرار فلا تسن لها ليمكنها الهرب إن
رجعت (قوله: بحجارة معتدلة) خرج بالمعتدلة الحصيات الخفيفة لئلا يطول تعذيبه والصخرات لئلا تدفعه فيفوت به
التنكيل المقصود، وليس لما يرجم به تقدير لا جنسا ولا عددا فقد تصيب الأحجار مقاتله فيموت سريعا، وقد يبطئ موته
(قوله: وإن كان) أي الزاني محصنا.
واعلم: أن الاحصان لغة المنع. قال تعالى: * (لتحصنكم من بأسكم) * وشرعا عبارة عن البلوغ والعقل والحرية
والوطئ في نكاح صحيح (قوله: حتى يموت) أي يرجم حتى يموت (قوله: إجماعا) روى الشيخان عن عمر رضي الله عنه
أنه خطب فقال: الرجم حق على من زنى إذا كان محصنا، وقال: إن الله بعث محمدا نبيا وأنزل عليه كتابا، وكان فيما
أنزل عليه آية الرجم فتلوناها ووعيناها وهي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. قال
وقد رجم النبي (ص) ورجمنا بعده، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه (قوله: لأنه (ص) رجم ماعزا والغامدية)
أي أمر برجمهما. قال البجيرمي: ظاهرة أن ماعزا زنى بالغامدية، وليس كذلك، بل هو زنى بامرأة وهي زنت برجل آخر.
روى أبو داود والنسائي عن يزيد بن أبي نعيم عن أبيه أبي نعيم قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي هزال فأصاب
جارية من الحي تسمى فاطمة، وقيل غير ذلك، وكانت أمة لأبي هزال، فقال أبو هزال ائت رسول الله (ص) فأخبره بما
صنعت لعله يستغفر لك. فجاء رسول الله (ص) فأخبره بذلك وأقر عنده أربع مرات فأمر برجمه، وقال رسول الله (ص)
لماعز قبل رجمه لو سترته بتوبتك لكان خيرا لك وأما الغامدية فهي امرأة من غامد، حي من الأزد، وفي حديثها: لقد
تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له اه‍. ملخصا.
واعلم أنه يسن للزاني ولكل من ارتكب معصية أن يستر على نفسه: لخبر: من أتى من هذه القاذورات شيئا
فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد رواه الحاكم (قوله: ولا يجلد مع الرجم) محله إذا زنى
بعد الاحصان أما لو زنى قبله ثم زنى بعده فإنه يجب جلده ثم رجمه على الأصح من وجهين في الروضة، وهو المعتمد،
لأنهما عقوبتان مختلفتان فلا يتداخلان لكن يسقط التغريب بالرجم (قوله: وتعرض عليه توبة) أي ويستحب أن تعرض
على الزاني المحصن قبل الرجم توبة لتكون خاتمة أمره (قوله: ويؤمر) أي الزاني المحصن إذا أرادوا رجمه (قوله:



(1) سورة الأنبياء، الآية: 80.
166
ويجاب لشرب) أي إذا طلب عند الرجم ماء يشربه فيجاب له (قوله: ولصلاة ركعتين) أي ويجاب أيضا لصلاة ركعتين إذا
طلبها (قوله: ويعتد بقتله بالسيف) أي فلا يرجم بعده: إذ لا فائدة فيه، وقوله لكن فات الواجب وهو الرجم بالحجارة
(قوله: والمحصن مكلف) أي وإن طرأ تكليفه أثناء الوطئ فاستدامه قيل لا معنى لاشتراط التكليف في الاحصان بعد
اشتراطه في مطلق وجوب الحد، ويرد بأن له معنى هو أن حذفه يوهم أن اشتراطه لوجوب الحد لا لتسميته محصنا فبين
بتكريره أنه شرط فيهما، ويلحق بالمكلف هنا أيضا السكران. اه‍. تحفة وقوله حر أي كله مسلما كان أو كافرا لأنه (ص)
رجم اليهوديين. كما في الصحيحين، زاد أبو داود: وكانا قد أحصنا (قوله: وطئ أو وطئت) أي حال الكمال بالبلوغ
والعقل والحرية فلا بد من وقوعه حال الكمال بما ذكر كما أنه لا بد أن يكون الزنا حال الكمال، فلا يرجم إلا من كان كاملا
في الحالين وإن تخللهما نقص كجنون ورق بخلاف ما لو وطئ وهو ناقص بأن كان صبيا أو مجنونا ثم زنى وهو كامل فلا
يرجم، ولا يرد النائم إذا استدخلت المرأة ذكره من حيث أنه صار محصنا وليس بمكلف عند الفعل لأنا نقول هو مكلف
استصحابا بالحالة قبل النوم والأظهر أن الكامل من رجل أو امرأة يكون محصنا بوطئ ناقص كما لو كانا كاملين (قوله:
بقبل) متعلق بكل من الفعلين قبله والباء مستعملة في التعدية بالنسبة للأول، وفي الظرفية بالنسبة للثاني، والمراد به على
الأول ذكر الواطئ، وعلى الثاني فرج المرأة، ويحتمل جعلها للظرفية مطلقا ويقدر لكل منهما متعلق: أي وطئ بذكر
أصلي في قبل أو وطئت به في قبلها، وخرج بالقبل الدبر فلا يحصل بالوطئ فيه تحصين، كما لا يحصل به تحليل،
(قوله: في نكاح صحيح) أي عقد صحيح، وهو متعلق بكل من الفعلين أيضا. وإنما اعتبر في الاحصان الوطئ في نكاح
صحيح لان به قضي الواطئ الشهوة واستوفى اللذة فحقه أن يمتنع عن الحرام، فإذا وقع فيه غلظ عليه بالرجم (قوله: ولو
في حيض) أي يكون محصنا بالوطئ المذكور، ولو وقع في زمن حيض: أي أو نحوه من كل ما يحرم الوطئ معه حرمة
عارضية كالوطئ في نهار رمضان أو في الاحرام أو في عدة شبهة (قوله: فلا إحصان لصبي أو مجنون) محترز قوله مكلفا
وإنما لم يكونا محصنين لنقصهما فلا يرجمان وإنما يؤدبان إن كان لهما نوع تمييز بما يزجرهما عن الوقوع في الزنا، وقوله
أو قن: أي ولا إحصان لقن فلا يرجم وذلك لأنه على النصف من الحر كما تقدم والرجم لا نصف له، وهذا محترز قوله
حر وقوله وطئ: أي من ذكر من الصبي والمجنون والقن، وقوله في نكاح: أي صحيح (قوله: ولا لمن وطئ في ملك
يمين) أي ولا إحصان لمن وطئ في ملك يمين، وهو محترز قوله في نكاح، وقوله أو نكاح فاسد: محترز قوله صحيح
(قوله: ثم زنى) معطوف على وطئ في نكاح ووطئ في ملك اليمين أي ولا إحصان لصبي أو مجنون أو قن وطئ بمن
زنى ولمن وطئ في ملك اليمين ثم زنى ولا حاجة إليه إذ الكلام في بيان مفاهيم قيود الاحصان (قوله: وأخر وجوبا رجم
الخ) قال في الروض وشرحه: ويؤخر وجوبا حدود الله كقطع السرقة لمرض يرجى زواله وشدة حر وبرد إلى البرء واعتدال
الزمان لئلا يهلك المحدود لان حقوقه تعالى مبنية على المساهلة بخلاف حقوق الآدميين كقصاص وحد قذف فلا تؤخر
لأنها مبنية عن المضايقة، لا الرجم، فلا يؤخر بشئ مما ذكر ولو ثبت زناه بإقرار لان نفسه مستوفاة ويؤخر للحمل وانقضاء
الفطام ولو كان الحمل من زنا، كما في استيفاء القصاص، اه‍. (قوله: لوضع حمل) أي إلى وضعه، وقوله وفطام: أي
وإلى فطم الرضيع، فإذا وضعت ومضت مدة الرضاع رجمت (قوله: لا لمرض الخ) أي لا يؤخر الرجم لأجل مرض،
وقوله يرجى برؤه منه: هو ليس بقيد، بل مثله بالأولى ما لا يرجى برؤه، وذكر في المنهاج قولا أنه إن ثبت بإقراره يؤخر
ندبا، وذلك لأنه بسبيل من الرجوع (قوله: وحر وبرد) معطوفان على مرض: أي ولا يؤخر الرجم لأجل حر وبرد مفرطين
(قوله: نعم يؤخر الجلد الخ) لا معنى للاستدراك: إذ الكلام في الرجم، فالأولى حذف أداة الاستدراك والاتيان بواو

167
العطف في محلها، وقوله لهما: أي لحر وبرد مفرطين إلى اعتدال الوقت (قوله: ولمرض يرجى برؤه منه) أي ويؤخر
الجلد أيضا لمرض يرجى برؤه منه، فإن لم يرج برؤه منه لا يؤخر، ولا تفرق السياط على الأيام وإن احتمل التفريق بل
يضرب في الحال. إذ لا غاية تنتظر لكن لا يضرب بسياط لئلا يهلك، بل يضرب بعثكال، أي عرجون عليه مائة غصن
مرة، فإن كان عليه خمسون غصنا فمرتين، فإن برئ بعد ضربه بذلك أجزأه الضرب به (قوله: أو لكونها حاملا) أي
ويؤخر الجلد لذلك كما يؤخر الرجم (قوله: لان القصد الردع) علة لتأخير الجلد (قوله: ويثبت الزنا بإقرار حقيقي) خرج
الحكمي وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم: كأن ادعى شخص على آخر أنه زنى وأراد تحليفه على أنه لم يزن فنكل
ثم رد اليمين على المدعي فحلف اليمين المردودة فإنها كالاقرار لكن لا يثبت بها الزنا في حق المدعى عليه، وإنما يسقط
بها الحد عن القاذف، وقوله مفصل قال البجيرمي: كأن يقول أدخلت حشفتي فرج فلانة على سبيل الزنا ولا بد أن يذكر
الاحصان أو عدمه. اه‍. وقوله نظير ما في الشهادة: أي من اعتبار التفصيل فيها كما يأتي (قوله: ولو بإشارة أخرس) غاية
في الاقرار: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار بإشارة أخرس، لكن بشرط أن يفهمها كل أحد (قوله: ولو مرة) غاية ثانية
للاقرار أيضا: أي يثبت بالاقرار ولو كان الاقرار مرة وهي للرد (قوله: ولا يشترط الخ) المقام للتفريع، وقوله تكرره: أي
الاقرار أربع مرات، وقوله خلافا لأبي حنيفة: أي وأحمد فإنهما اشترطا أن يكون الاقرار أربعا لحديث ماعز لان كل مرة
قائمة مقام شاهد، وأجاب أئمتنا بأنه (ص) إنما كرره على ماعز في خبره لأنه شك في عقله، ولهذا قال له: أبك جنون؟ ولم
يكرره في الغامدية (قوله: وبينة) معطوف على إقرار: أي ويثبت الزنا أيضا ببينة وهي أربعة شهود لقوله تعالى: * (واللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * (قوله: فصلت الخ) يعني أنه يشترط في البينة أن تفصل
وتفصيلها يكون بذكر المزني بها لاحتمال أن لا حد بوطئها وبذكر الكيفية: أي كيفية ما وجد منه من إدخال الحشفة أو
قدرها لاحتمال إرادة المباشرة فيما دون الفرج بقولها إنه زنى وذكر مكان الوطئ وزمانه لأن المرأة قد تحل في مكان دون
مكان وفي زمان دون زمان، ولو اختلفت البينة في مكانه ووقته بطلب الشهادة (قوله: كإشهد الخ) تمثيل للشهادة
المستكملة للقيود السابقة (قوله: ولو أقر) أي الزاني بالزنا (قوله: ثم رجع عن ذلك) أي عن إقراره (قوله: قبل الشروع)
متعلق برجع. وقوله أو بعده: أي بعد الشروع (قوله: بنحو كذبت الخ) متعلق برجع أيضا (قوله: وإن قال الخ) غاية
لمقدر: أي يقبل رجوعه بذلك وإن قال بعد الرجوع كذبت في رجوعي ولو أخر هذه الغاية عن قوله سقط الحد لكان أولى
للاستغناء به عن تقدير ما ذكر (قوله: أو كنت فأخذت) معطوف على قوله بنحو كذبت فيكون متعلقا بقوله رجع أيضا: أي
أو رجع بقوله كنت فأخذت فظننته زنا وأقررت به (قوله: وإن شهد حاله بكذبه) أي يقبل الرجوع بما ذكر وإن شهد حاله
بكذبه أي في ظنه أن المفاخذة زنا بأن يكون ممن لا يخفى عليه ذلك (قوله: بخلاف ما أقررت به) أي بخلاف قوله بعد
إقراره أنا ما أقررت به فلا يقبل به الرجوع (قوله: لأنه) أي قوله ما أقررت به. وقوله مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به: أي
بإقراره. اه‍. سم (قوله: سقط الحد) جواب لو، فلو قتل بعد سقوطه عنه بالرجوع وجب على قاتله الدية لا القود
لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع، وأفهم قوله سقط الحد أن غيره لا يسقط عنه كمهر من قال زنيت بها مكرهة ثم
رجع عن قوله وهو كذلك كما صرح به في فتح الجواد، وقال: لأنه حق آدمي. وفي سم: لو أقر بالزنا فهل تسقط عدالته
بإقراره بالزنا ثم يعود حكمها برجوعه؟ فيه نظر. اه‍. (قوله: لأنه الخ) علة لسقوط الحد (قوله: عرض لماعز بالرجوع)



(1) سورة النساء، الآية: 15.
168
أي بقوله عليه الصلاة والسلام له: لعلك قبلت. لعلك لمست. أبك جنون (قوله: فلولا أنه لا يفيد) الصواب حذف لا
- كما في التحفة والنهاية - وذلك لان لولا تفيد امتناع الجواب لوجود الشرط فلو كانت لا ثابتة لكان المعنى ثبت امتناع عدم
التعريض لوجود عدم الإفادة، وهو غير مستقيم لان القصد ثبوت الإفادة لا عدمها (قوله: ومن ثم سن الرجوع) أي ومن
أجل أن النبي (ص) عرض لماعز بالرجوع سن لمن أقر بذلك الرجوع عن إقراره ويتوب بينه وبين الله تعالى فإن الله يقبل
توبته إذا أخلص نيته (قوله: وكالزنا في قبول الرجوع عنه) أي عن الاقرار به. وقوله كل حد لله تعالى: أي كل موجب
حد. إذ الذي يقربه ثم يرجع عنه الموجب ويدل له تمثيل الشارح له بعد بقوله كشرب الخ: إذ هو لا يصح تمثيلا للحد
وإنما هو لموجبه (قوله: بالنسبة للقطع) راجع للسرقة أي يقبل الرجوع في السرقة بالنسبة لسقوط الحد عنه وهو القطع،
أما بالنسبة للمال المسروق فلا يقبل رجوعه بل يؤخذ منه. (قوله: وأفهم كلامهم) المناسب وأفهم قولي ولو أقر ثم رجع
لان ما ذكره مفهوم قوله وإن كان هو مفهوم كلامهم أيضا (قوله: أنه) أي الزنا (قوله: لا يتطرق إليه) الضمير عائد على
الزنا، لكن بتقدير مضاف: أي لا يتطرق إلى إثباته بالبينة رجوع (قوله: وهو كذلك) أي ما أفهمه كلامهم من عدم تطرق
الرجوع إليه كذلك (قوله: لكنه) أي الزنا أي حده يتطرق إليه: أي إلى حده السقوط، وقوله بغيره: أي غير الرجوع
(قوله: كدعوى زوجية) أي لمن زنى بها وهو تمثيل لتطرق السقوط بغير الرجوع (قوله: وملك أمة) أي وكدعوى ملك أمة
زنى بها، وقوله وظن كونها حليلة: أي وكدعوى أن هذه الأجنبية التي زنى بها يظن أنها حليلته ففي جميع ما ذكر يسقط عنه
حد الزنا الثابت بالبينة لوجود الشبهة وقد قال عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات (قوله: وثانيها حد القذف) أي
وثاني الحدود حد القذف، والقذف لغة الرمي: يقال قذف النواة أي رماها وشرعا الرمي بالزنا في معرض التعيير: أي في
مقام هو التعيير: أي التوبيخ. وألفاظه ثلاثة: صريح، وكناية، وتعريض. فالأول هو ما اشتهر فيه ولم يحتمل غيره كقوله
لرجل أو امرأة زنيت أو زنيت بفتح التاء وكسرها أو يا زاني، ولا يضر اللحن بالتذكير للمؤنث وعكسه. والثاني هو ما احتمل
القذف واحتمل غيره: كقوله زنأت بالهمز في الجبل أو نحوه فهو كناية لان ظاهره يقتضي الصعود، وكقوله لرجل يا فاجر
يا فاسق يا خبيث ولامرأة يا فاجرة يا خبيثة يا فاسقة وأنت تحبين الخلوة أو الظلمة أو لا تردين يد لامس، فإن نوى به القذف
حد وإلا فلا، وإذا ادعى عليه بأنه أراده وأنكره صدق بيمينه في أنه ما أراده. والثالث هو ما لا يحتمل ظاهره القذف، كقوله
لغيره في خصومة أو غيرها يا ابن الحلال وأنا لست بزان أو ليست أمي بزانية فليس بقذف وإن نواه (قوله: وهو) أي
القذف، وقوله من السبع الموبقات: أي المهلكات من أوبقته الذنوب إذا أهلكته، وهي: السحر، والشرك بالله تعالى،
وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات: أي
الحرائر البريئات (قوله: وحد قاذف الخ) وذلك لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة) * وقوله (ص) لهلال بن أمية حين قذف زوجته بشريك بن سحماء: البينة أو حد في ظهرك،
ولما قال (ص) له ذلك، قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا أينطلق يلتمس البينة؟ فجعل (ص) يكرر ذلك.
فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت آية اللعان (قوله: مكلف)
أي بالغ عاقل، فلا حد على صبي ومجنون لنفي الايذاء بقذفهما لعدم تكليفهما، لكن يعزران إذا كان لهما نوع تمييز،
وقوله مختار: خرج المكره بفتح الراء فلا حد عليه لعدم قصد الايذاء بذلك. وقوله ملتزم للأحكام: أي فلا حد على غير



(1) سورة النور، الآية: 4.
169
الملتزم لها كالحربي. وقوله عالم بالتحريم: خرج الجاهل به لقربه من الاسلام فلا يحد (قوله: محصنا) مفعول قاذف
(قوله: وهو) أي المحصن أي ضابطه. وقوله هنا: أي في حد القذف، واحترز به عن المحصن في حد الزنا فهو غير
المحصن هنا من حيث أن الذي يشترط هنا كالاسلام، والعفة لا يشترط هناك.
والحاصل شروط الاحصان هنا خمسة: الاسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، وعفته عن وطئ يحد به وعن وطئ
محرم مملوكة له وعن وطئ زوجته في دبرها. وشروط الاحصان هناك أي في حد الزنا، البلوغ، والعقل، والحرية،
والوطئ في نكاح صحيح (قوله: مكلف) خرج الصبي والمجنون فلا يحد قاذفهما. وقوله حر: خرج الرقيق فلا يحد قاذفه
لنقصه، وقوله مسلم: خرج الكافر مطلقا فلا يحد قاذفه لما تقدم. وفي البجيرمي: لو نازع القاذف في حرية المقذوف أو
في إسلامه صدق المقذوف بيمينه. اه‍. (وقوله: عفيف الخ) خرج غير العفيف من ذلك فلا يحد قاذفه لما تقدم،
(وقوله: من زنا ووطئ دبر حليلته) أي ومن وطئ مملوكة محرم له، كما في شرح المنهج، فالمعتبر عفته عن هذه الثلاثة
فلا تبطل عفته بغيرها ولو كان حراما: كوطئ زوجته في عدة شبهة لان التحريم عارض يزول، وكوطئ أمة ولده لثبوت
النسب حيث حصل علوق من ذلك الوطئ مع انتفاء الحد، وكوطئ في نكاح فاسد كوطئ منكوحة بلا ولي أو بلا شهود لقوة
الشهبة، وكوطئ زوجته أو أمته في حيض أو نفاس أو إحرام أو نحو ذلك (فرعان) لو زنى مقذوف قبل أن يحد قاذفه سقط
الحد عن قاذفه لان الاحصان لا يتيقن، بل يظن فظهور الزنا يدل على سبق مثله، فكأنه وقت القذف كان غير محصن،
ومن زنى مرة ثم صلح بأن صلح حاله لم يعد محصنا أبدا، ولو لازم العدالة، وصار من أورع خلق الله تعالى وأزهدهم
لان العرض إذا انخرم بالزنا لم يزل خلله بما يطرأ له من العفة.
فإن قيل: قد ورد التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
أجيب: بأن هذا بالنسبة إلى الآخرة (قوله: ثمانين جلدة) مفعول مطلق لحد، وذلك للآية المارة، ولا تصح الزيادة
عليها ومات ضمن بالقسط (قوله: إن كان القاذف حرا) قيد في كون الحد ثمانين جلدة، واستفيد كون الثمانين مخصوصة
بالأحرار من قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * وذلك لاقتضاء أنهم قبل القذف كانت شهادتهم مقبولة فتستلزم
حريتهم. إذ الرقيق لا تقبل شهادته وإن لم يقذف وإنما ردت شهادتهم بالقذف لفسقهم به إذ هو كبيرة كما في آخر الآية
حيث قال * (وأولئك هم الفاسقون) * (قوله: وإلا فأربعين) أي وإن لم يكن القاذف حرا، بل كان رقيقا، فيحد أربعين لأنه
نصف الحر. (قوله: ويحصل القذف الخ) أي ويحصل القذف بلفظ يدل عليه إما صريحا فيه أو كناية، كما تقدم،
وجميع ما ذكره من الصريح ما عدا يا مخنث ويا لوطي فإنهما من الكناية، لان الأول مأخوذ من التخنث، وهو التكسر، فهو
محتمل له وللقذف، والثاني محتمل لإرادة كونه على دين قوم لوط. (وقوله: بزنيت) هو بتاء المخاطب المفتوحة ومثله أو
بلطت (قوله: ومن صريح قذف المرأة أن يقول لابنها من زيد الخ) أي ولو كان منفيا بلعان لكنه قال له ذلك بعد استلحاقه
أما قبله فكناية فيسئل، فإن قال أردت تصديق النافي في نسبة أمه إلى الزنا فقاذف لها، أو أردت أن النافي نفاه أو انتفى
نسبه منه شرعا أو أنه لا يشبهه خلقا أو خلقا صدق بيمينه ويعزر للايذاء اه‍. ش ق (قوله: لا قوله لابنه لست ابني) أي
ليس من صريح قذف المرأة قوله لابنه ما ذكر بل هو من الكناية فيسأل حينئذ فإن قال أردت أنه من زنا فقاذف لامه أو أنه لا
يشبهني خلقا ولا خلقا فيصدق بيمينه، والفرق بين قول الأب لولده ما ذكر وبين قول الأجنبي ما تقدم أن الأب لاحتياجه



(1) سورة النور، الآية: 4.
170
إلى تأديب ولده يحمل ما قاله على التأديب، بخلاف الأجنبي (قوله: ولو قال) أي شخص أبا أو غيره، (وقوله: كان) أي
قوله المذكور، (قوله: قذفا لامه) أي الولد. وعبارة المغني.
فرع: قال في الحاوي في باب اللعان لو قال لابنه أنت ولد زنا كان قاذفا لامه. قال الدميري: وهذه مسألة حسنة
ذكرها ابن الصلاح في فتاويه بحثا من قبل نفسه، وكأنه لم يطلع فيها على نقل وزاد أنه يعزر للمشتوم اه‍. (قوله: ولا
يحد أصل لقذف فرع) أي وإن علا الأصل وسفل الفرع (قوله: بل يعزر) أي الأصل للايذاء الحاصل منه لفرعه. قال في
المغني:
فإن قيل: قد قالوا في الشهادات إن الأصل لا يحبس في وفاء دين فرعه مع أن الحبس تعزير.
أجيب: بأن حبسه للدين قد يطول زمنه فيشق عليه، بخلاف التعزير هنا فإنه قد يحصل بقيام من مجلس ونحوه،
وحيث ثبت فهو لحق الله تعالى لا لحق الولد، وكما لا يحد بقذف ورثة الولد. اه‍. (قوله: كقاذف غير مكلف) أي فإنه لا
يحد بل يعزر، ثم إنه يحتمل تنوين اسم الفاعل وما بعده مجرور صفة له أو منصوب به، ويحتمل عدم تنوينه وما بعده
مجرور بالإضافة لا غير، والمعنى على كل صحيح. إذ التكليف شرط في حد القاذف والمقذوف، فإذا فقد من أحدهما
فلا حد على واحد منهما (قوله: ولو شهد بزنا دون أربعة) أي شهد به رجال أحرار مسلمون كائنون دون أربعة أي أقل من
أربعة فدون ظرف غير متصرف صفة لفاعل محذوف، وهذا هو الصحيح الذي جرى عليه سيبويه والبصريون، وجرى
الكوفيون على أنها من الظروف المتصرفة فعليه هي فاعل شهد (قوله: أو نساء أو عبيد) أي أو شهد به نساء أو عبيد ولو
زادوا على أربعة (قوله: حدوا) أي لأنهم في غير الأولى ليسوا من أهل الشهادة، وحذرا في الأولى من الوقوع في أعراض
الناس بصورة الشهادة ولما في البخاري أن عمر رضي الله عنه حد الثلاثة الذين شهدوا بزنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
ولم يخالفه أحد. قال في التحفة والنهاية: ولهم، أي لما دون الأربعة، تحليفه أنه لم يزن، فإن نكل وحلفوا لم يحدوا.
اه‍. (قوله: ولو تقاذفا) أي صدر من كل منهما قذف لصاحبه، (وقوله: لم يتقاصا) أي لم يسقط حد هذا بقذف الآخر ولا
العكس، بل لكل منهما حد على الآخر، وذلك لان شرط التقاص اتحاد الجنس والصفة وهو متعذر هنا لاختلاف تأثير
الحدين باختلاف البدنين غالبا (قوله: ولقاذف تحليف مقذوفه) أي رجاء أن ينكل المقذوف فيحلف القاذف ويسقط عنه
الحد (قوله: وسقط) أي حد القذف، (وقوله: بعفو) أي عنه كله فلو عفا عن بعضه لم يسقط منه شئ. (وقوله: من
مقذوف) متعلق بمحذوف صفة لعفو: أي عفو صادر من مقذوف (قوله: أو وارثه الحائز) أي أو بعفو صادر من وارث
المقذوف الحائز: أي لجميع التركة وخرج بالحائز غيره كأن عفا بعض الورثة فلا يسقط منه شئ، وذلك لأنه يرث الحد
جميع الورثة الخاصين غير موزع، بل يثبت كله جملة لكل واحد بدلا عن الآخر، فلو عفا بعضهم عن حصته فللباقين
استيفاء جميعه لأنه عار، والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع. وكما يسقط الحد بالعفو يسقط بإقامة البينة على زنا
المقذوف وبإقرار المقذوف به وبإرث القاذف الحد (قوله: ولا يستقل المقذوف الخ) أي بل الذي يستقل به الامام أو
نائبه، فلو استقل به المقذوف لم يقع الموقع ولو كان بإذن الإمام أو القاذف، فإن مات القاذف به قتل المقذوف ما لم يكن
بإذن القاذف وإن لم يمت لم يجلد حتى يبرأ من الألم الأول (قوله: ولزوج قذف زوجته الخ) ظاهره أن له ذلك ويسقط
عنه الحد، وليس كذلك، بل لا يسقط عنه إلا إذا أقام بينة على زناها أو لاعن زوجته.
تنبيه: إعلم أن الفقهاء عقدوا اللعان بابا وذكروه بعد الظهار، والشارح رحمه الله تعالى لم يتعرض له أصلا،
ويناسب ذكر نبذه تتعلق به هنا. وحاصلها أن اللعان شرعا كلمات خمسة جعلت كالحجة للمضطر إلى قذف الزوجة التي

171
لطخت فراشه أو إلى نفي ولد علم أو ظن ظنا مؤكدا أنه ليس منه ظاهرا كأن لم يطأ أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ،
والقذف لنفيه حينئذ واجب وهي أن يقول: إذا قذف زوجته أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من
الزنا وأن يقول الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وذلك لقوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين) * ويحصل باللعان أشياء كانتفاء نسب نفاه به حيث كان ولد لما في الصحيحين أنه (ص) فرق بينهما وألحق
الولد بالمرأة ودرأ الحد عنه الثابت لها بالقذف، وكذا للزاني إن كان قد عينه في قذفه وسماه في لعانه وكتحريم المرأة عليه
مؤبدا لخبر البيهقي اللاعنان لا يجتمعان وكإيجاب الحد عليها إن لم تلاعن فإن لاعنت فلا حد، وذلك لقوله تعالى: *
(ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادة بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين) * وكإنفساخ النكاح ظاهرا وباطنا (قوله: التي علم زناها) أي كأن رآها تزني وكأن أخبره عدد التواتر بزناها،
فإن لم يعلم زناها ولم يظنه ظنا مؤكدا حرم عليه قذفها ولعانها ولو كان هناك ولد لأنه يلحقه بالفراش وقوله وهي في
نكاحه: الجملة حال من زناها: أي علم زناها والحال أنها هي في نكاحه فإن علم زناها وليست هي في نكاحه فليس له أن
يقذفها، فإن قذفها حد وليس له لعان لعدم احتياجه لقذفها حينئذ كالأجنبية (قوله: ولو بظن ظنا مؤكدا) تأمل هذه الغاية
بعد قوله علم زناها والأولى أو ظن بأو العاطفة بدل ولو (قوله: مع قرينة) حال من ظنا أي أو ظنه ظنا مصحوبا بقرينة،
والأولى أن يقول بقرينة بباء التصوير بدل مع المفيدة للمصاحبة، وذلك لان الظن يحصل بالقرينة مع الشيوع لا معها
(قوله: كأن رآها الخ) تمثيل للقرينة، (وقوله: أو رآه) أي أو رأى الأجنبي خارجا من عند زوجته: أي أو رأى رجلا معها
مرارا في محل ريبة أو مرة تحت شعار واحد، وهو ما ولي الجسد من الثياب (قوله: مع شيوع بين الناس) متعلق بالفعلين
قبله، ويحتمل جعله متعلقا بمحذوف صفة لقرينة: أي مع قرينة مصحوبة بشيوع فلا تكفي القرينة وحدها لأنه ربما رأى
الأجنبي دخل عليها لخوف أو سرقة أو نحوها أو دخلت هي على الأجنبي لذلك ولا الشيوع وحده لأنه قد يشيعه عدو لها أو
من طمع فيها ولم يظفر بشئ (قوله: أو مع خبر ثقة) معطوف على قوله مع قرينة، وعبارة التحفة: وكإخبار عدل رواية أو
من اعتقد صدقه له عن معاينة بزناها وليس عدوا لها ولا له ولا للزاني. قال بعضهم: وقد بين كيفية الزنا لئلا يظن ما ليس
بزنا وكإقرارها له به واعتقد صدقها. اه‍. (قوله: أو مع تكرر الخ) معطوف على قوله مع قرينة، أو على قوله أو مع خبر
ثقة، (وقوله: رؤيته) أي الزوج، (وقوله: لهما) أي لزوجته والأجنبي وقوله كذلك: أي في الخلوة أو خارجا من عندها،
(وقوله: مرات) مفعول مطلق مؤكد لقوله تكرر، إذ التعدد يفهم من التكرر (قوله: ووجب نفي الولد) أي فورا، فإن أخر
بلا عذر بطل حقه من النفي فيلحقه الولد، بخلاف ما إذا كان بعذر كأن بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح، أو
كان مريضا أو محبوسا ولم يمكنه إعلام القاضي بذلك أو لم يجد القاضي فأخر حتى يجده فلا يبطل حقه في ذلك إن تعسر عليه الاشهاد
بأنه باق على النفي، وإلا بطل حقه ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن، ولا بد أن يذكر نفي الولد في كلمات
اللعان الخمسة بأن يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا وأن هذا الولد ليس مني أو هذا الولد من
زنا فإن لم يعلم زناها أو يظنه فلا يجوز له قذفها، كما تقدم، ويقتصر على النفي باللحان لجواز كونه من شبهة أو زوج
سابق بأن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين في أن هذا الولد ليس مني، (وقوله: إن تيقن أنه ليس منه) أي أو ظنه ظنا
مؤكدا، وذلك بأن لم يطأها في القبل أو لم تستدخل ماءه المحترم أصلا أو وطئها فيه أو استدخلت ماءه المحترم ولكن
ولدته لدون ستة أشهر من الوطئ ولو لأكثر منها من العقد أو فوق أربع سنين من الوطئ فإن لم يكن يعلم أو يظن أنه ليس منه
حرم عليه النفي والقذف (قوله: وحيث لا ولد ينفيه الخ) هذا مقابل لمقدر: أي ما مر من جواز القذف ووجوب نفي الولد



(1) سورة النور، الآية: 6.
(2) سورة النور، الآية: 8.
172
إذا كان هناك ولد ينفيه، فإن لم يكن هناك ولد فالأولى له أن يستر عليها مع إمساكها أو مع طلاقها فهو مخير في ذلك، فقوله
بعد وأن يطلقها الخ بيان لهذين الحالين، وقوله فإن أحبها أمسكها: في البجيرمي: قال الحلبي فيه تصريح بأن له إمساكها
مع علمه بأنها تأتي الفاحشة. اه‍. (قوله: إذا سب شخص آخر للآخر أن يسبه) أي لخبر أبي داود أن زينب لما سبت
عائشة رضي الله عنها قال لها النبي (ص) سبيها وإذا سبه فقد استوفى حق نفسه، ويبقى على الأول إثم الابتداء لما فيه من
الايذاء، والاثم لحق الله تعالى. قال في التحفة: كذا قاله غير واحد، والذي يتجه أنه لا يبقى عليه إلا الثاني لأنه إذا وقع
الاستيفاء بالسبب المماثل فأي ابتداء يبقى على الأول للثاني حتى يكون عليه إثم؟ وإنما الذي عليه الاثم المتعلق
بحق الله، فإذا مات ولم يتب عوقب عليه إن لم يعف عنه. اه‍. بتصرف. (وقوله: بقدر ما سبه) قال ح ل: أي عددا لا
مثل ما يأتي به الساب لان الذي يأتي به الساب قد يكون كذبا وقذفا وهو لا يسب بنظيره، (وقوله: مما لا كذب فيه ولا
قذف) بيان للقدر الصادر من الثاني فهو متعلق بمحذوف حال منه: أي حال كون هذا القدر الذي يسبه به ليس فيه كذب
ولا قذف وليس بيانا لما الواقعة على السب الصادر من السب الأول، ويدل على ذلك عبارة شرح المنهج ونصها: وإنما
يسبه بما ليس كذبا ولا قذفا. اه‍. وكتب عليها البجيرمي: قوله بما ليس كذبا ولا قذفا وإن كان ما أتى به الأول كذبا
وقذفا، وقد يقال في هذا لم يسبه بقدر ما سبه ح ل. ويدفع بأن المراد قدره عددا لا صفة كما ذكره. اه‍. (قوله: كيا ظالم
ويا أحمق) تمثيل لما لا كذب فيه ولا قذف، وذلك لأنه ليس هنا أحد يكاد ينفك عن ذلك والأحمق هو من يفعل الشئ في
غير موضعه مع علمه بقبحه. وفي المصباح الحمق فساد في العقل.
تنبيه: قال في المغني: يجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه كما قاله الجلال السيوطي في تفسير قوله تعالى: * (لا
يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * قال: بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه: اه‍. ويخفف عن الظالم
بدعاء المظلوم لما رواه أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: بلغني أن الرجل ليظلم مظلمة فلا يزال
المظلوم يشتم الظالم وينقصه حتى يستوفي حقه وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال من دعا على
من ظلمه فقد استنصر وفي كتاب اللطائف للقاضي أبي يوسف أن امرأة من بني إسرائيل كانت صوامة قوامة سرقت لها
امرأة دجاجة فنبت ريش الدجاجة في وجه السارقة وعجزوا عن إزالته عن وجهها، فسألوا عن ذلك بعض علمائهم فقالوا:
لا يزول هذا الريش إلا بدعائها عليها، فلم تزل تكرر ذلك حتى سقط جميع الريش. اه‍. (قوله: وثالثها) أي الحدود
(قوله: حد الشرب) أي شرب كل مسكر، وهو من الكبائر لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * أي
القمار و * (الأنصاب) * أي ما ينصب ليعبد من دون الله * (والأزلام) * أي القداح التي يضرب بها * (رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله
وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * وقوله عليه الصلاة والسلام: لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها،
وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه زاد في رواية: وآكل ثمنها وقوله عليه السلام من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر وقوله عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر وقوله عليه
الصلاة والسلام: إذا تناول العبد كأس الخمر ناداه الايمان: أنشدك بالله أن لا تدخله علي فإني لا أستقر أنا وهو في



(1) سورة النساء، الآية: 148.
(2) سورة المائدة، الآية: 90.
173
موضع واحد، فإن شربه يفر منه مفرة لم يعد إليه أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه وسلب من عقله شيئا لا يرده عليه
إلى يوم القيامة.
واعلم: أن في شربها عشر خصال مذمومة تقع له في الدنيا: أولها إذا شربها يصير بمنزلة المجنون ويصير مضحكة
للصبيان ومذموما عند العقلاء، وإلى هذا أشار ابن الوردي بقوله:
واهجر الخمرة إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل؟
ثانيها: أنها مذهبة للعقل متلفة للمال. ثالثها: أن شربها سبب للعداوة بين الاخوان والأصدقاء. رابعها: أن شربها
يمنع من ذكر الله ومن الصلاة. وخامسها: أن شربها يحمل على الزنا وعلى طلاق امرأته وهو لا يدري. سادسها: أنها
مفتاح كل شر. سابعها أن شربها يؤذي الحفظة الكرام بالرائحة الكريهة. ثامنها: أن شاربها أوجب على نفسه أربعين
جلدة، فإن لم يضرب في الدنيا ضرب في الآخرة بسياط من نار على رؤوس الاشهاد والناس ينظرون إليه والآباء
والأصدقاء. تاسعها: أنه أغلق باب السماء على نفسه فلا ترفع حسناته ولا دعاؤه أربعين يوما. عاشرها: أنه مخاطر بنفسه
لأنه يخاف عليه أن ينزع الايمان منه عند موته. وأما العقوبات التي في الآخرة فلا تحصى: كشرب الحميم، والزقوم،
وفوت الثواب، وغير ذلك.
واعلم: أن الخمرة كان شربها جائزا في صدر الاسلام، ثم حصل التحريم بعد ذلك في السنة الثالثة من الهجرة
بعد أحد، وفي تفسير البغوي ما نصه: وجملة القول على تحريم الخمر أن الله أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة
وهي: * (من ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * فكان المسلمون يشربونها، وهي لهم حلال
يومئذ. ثم إن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار أتوا رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر
والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال، فأنزل الله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع
للناس) * إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا أناسا من أصحاب النبي (ص) وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا
وحضرت صلاة المغرب وتقدم بعضهم ليصلي فقرأ: * (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) * بحذف لا النافية،
فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * فحرم السكر في أوقات
الصلاة. فلما نزلت هذه الآية تركها قوم وقالوا لا خير في شئ يحول بيننا وبين الصلاة، وتركها قوم في أوقات الصلاة
وشربوها في غير أوقاتها حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد صلاة الصبح
فيصحو إذا جاء وقت الظهر. واتخذ عتبان بن مالك طعاما ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد
شوى لهم رأس بعير فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند عتبان وانتسبوا وتناشدوا الاشعار،
فأنشد سعد قصيدة فيها هجو للأنصار وفخر لقومه، فأخر رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة
موضحة، فانطلق سعد إلى رسول الله (ص) وشكا إليه الأنصار فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله
تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * إلى قوله * (فهل أنتم
منتهون) * وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر انتهينا يا رب. اه‍. (قوله: ويجلد) أي بسوط أو
عصا معتدلة أو نعل أو أطراف ثياب لما روى الشيخان أنه (ص) كان يضرب بالجريد والنعال وفي البخاري عن أبي هريرة أنه أتى النبي (ص)
بسكران فأمر بضربه: فمنا من ضرب بيده، ومنا من ضرب بنعله، ومنا من ضرب بثوبه. ويفرق الضارب الضرب على
الأعضاء فلا يجمعه في موضع واحد لأنه قد يؤدي إلى الهلاك، ويجتنب المقاتل، وهي المواضع التي يسرع الضرب فيها
إلى القتل: كالقلب ونقرة النحر والفرج، ويجتنب الوجه أيضا لقوله (ص): إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ولأنه مجمع



(1) سورة النحل، الآية: 67.
(2) سورة البقرة، الآية: 219.
(3) سورة الكافرون، الآية: 2.
(4) سورة النساء، الآية: 43.
174
المحاسن، بخلاف الرأس فلا يجتنبه لأنه مغطى بالعمامة غالبا (قوله: أي الامام أو نائبه) أي أن الذي يستوفي الحد
الامام أو نائبه لا غيرهما (قوله: مكلفا) أي ولو حكما، فدخل السكران المتعدي بسكره، ولا بد أن يكون ملتزما
للأحكام. فخرج الحربي لعدم التزامه لها، والذمي أيضا لأنه لا يلزم بالذمة ما لا يعتقده (قوله: عالما بتحريم الخمر) أي
وبكون ما شربه خمرا (قوله: شرب الخ) الجملة صفة لمكلفا أي مكلفا موصوفا بكونه شرب خمرا، أي أو أكل بأن جمد
الخمر وأكله، بخلاف ما لو احتقن به بأن أدخله دبره أو استعط به بأن أدخله أنفه فلا يحد بذلك لان الحد للزجر ولا حاجة
إليه هنا (وقوله: خمرا) أي صرفا لغير ضرورة وإن قل وإن لم يسكر لقلته وإن كان درديا، وهو ما يبقى في أسفل إنائه
ثخينا، وخرج بالصرف ما لو شربه في ماء استهلك فيه بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح، أو أكل خبزا عجن دقيقه به
أو لحما طبخ به، أو معجونا هو فيه فلا حد بذلك لاستهلاك عين الخمر، بخلاف ما لو شرب مرق اللحم المطبوخ به أو
غمس به أو ثرد فيه فإنه يحد به لبقاء عينه، وخرج بغير ضرورة ما لو غص بلقمة، أي شرق بها، ولم يجد غيره فأساغها به
فلا حد عليه لوجوبها عليه إنقاذا لنفسه من الهلاك، فهذه رخصة واجبة، فلو وجد غيره، ولو بولا، أساغها به، وحرم
إساغتها بالخمر، ولكن لا حد به على المعتمد للشبهة (قوله: وحقيقتها) أي حقيقة الخمر اللغوية ما ذكر، وعليه فإطلاق
الخمر على المسكر من غير عصير العنب مجاز. (وقوله: المسكر من عصير العنب) إنما سمي خمرا لكونه يخمر العقل:
أي يستره (قوله: وإن لم يقذف بالزبد) أي وإن لم يرم به قال في المصباح: الزبد بفتحتين من البحر وغيره كالرغوة اه‍.
(قوله: فتحريم غيرها) أي غير الخمرة المتخذة من عصير العنب كالمتخذة من الأنبذة: (وقوله: قياسي) أي بالقياس
على المتخذ من عصير العنب بجامع الاسكار في كل (قوله: أي بفرض الخ) أي أن كونه قياسا إنما هو على فرض عدم
ورود ما يأتي من خبر الصحيحين وخبره مسلم وقال سم: لا حاجة إليه بناء على جواز القياس مع وجود النص (قوله:
وإلا) أي بأن فرض وروده. (وقوله: فسيعلم منه) أي مما يأتي. (وقوله: أن تحريم الكل) أي ما اتخذ من عصير العنب
وما اتخذ من غيره، والملائم والاخصر في الجواب أن يقول فهو منصوص عليه (قوله: وعند أقلهم) معطوف على قوله
عند أكثر أصحابنا: أي وحقيقتها عند أقلهم كل مسكر وهذا هو ظاهر الأحاديث كحديث كل مسكر خمر، وكل خمر
حرام (قوله: ولكن لا يكفر مستحل المسكر) عبارة النهاية: ولكن لا يكفر مستحل قدر لا يسكر من غيره. اه‍. وكتب
الرشيدي عليها: بخلاف مستحل الكثير منه فإنه يكفر، خلافا لابن حجر. اه‍. (قوله: للخلاف فيه) أي في المسكر من
غير عصير العنب. (وقوله: أي من حيث الجنس) دفع به ما يقال أن الخلاف ليس فيه مطلقا، بل في القليل منه وهو القدر
الذي لا يسكر. وحاصل الدفع أن يقال إن المراد أن الخلاف فيه من حيث جنسه وهو يصدق بالقليل والكثير والمراد
القليل، (وقوله: لحل قليله) أي وهو القدر الذي لا يسكر بدليل قوله بعد أما المسكر الخ (قوله: بخلاف مستحله) أي
المسكر وقوله من عصير العنب متعلق بمحذوف حال من ضمير مستحله. وقوله الصرف: خرج غير الصرف وقد تقدم
الكلام عليه (وقوله: الذي لم يطبخ) أي بخلاف ما لو طبخ على صفة يقول بحلها بتلك الصفة بعض المذاهب. اه‍.
ع ش (قوله: لأنه مجمع عليه ضروري) علة لمحذوف: أي بخلاف مستحله من عصير العنب الخ فيكفر به لأنه مجمع
عليه ضروري: أي لان تحريمه مجمع عليه. وفي مغني الخطيب: ولم يستحسن الامام إطلاق القول بتكفير مستحل
الخمر. قال: وكيف نكفر من خالف الاجماع ونحن لا نكفر من يرد أصله وإنما نبدعه؟ وأول كلام الأصحاب على ما إذا
صدق المجمعين على أن تحريم الخمر ثبت شرعا ثم حلله فإنه رد للشرع. حكاه عن الرافعي. ثم قال: وهذا إن صح

175
فليجر في سائر ما حصل الاجماع على افتراضه فنفاه أو تحريمه فأثبته، وأجاب عنه الزنجاني بأن مستحل الخمر لا نكفره
لأنه خالف الاجماع فقط، بل لأنه خالف ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد (ص) والاجماع والنص عليه. اه‍. (قوله:
وخرج بالقيود المذكورة فيه) أي في جلد من شرب المسكر، وهي كونه مكلفا مختارا عالما بتحريم الخمر شرب لغير
تداو خمرا (قوله: فلا حد على من الخ) أي ولا حرمة أيضا في معظمها (وقوله: بشئ منها) أي من أضدادها (قوله: من
صبي الخ) بيان لشئ (قوله: ومكره) منه المصبوب في حلقه قهرا، ويجب عليه أن يتقايأه بعد زوال الاكراه (قوله:
وجاهل بتحريمه) بخلاف ما لو كان عالما به وجهل وجوب الحد عليه فإنه يجب عليه الحد لأنه كان من حقه حيث علم
الحرمة أن يمتنع عن الشرب فلما شرب مع ذلك غلظ عليه بإيجاب الحد. وقوله أو بكونه خمرا: أي أو جاهل بكونه خمرا
كأن شربه يظنه ماء أو نحوه فلا حد عليه للعذر ويصدق في دعواه الجهل بيمينه (قوله: إن قرب الخ) قيد في عدم حده
بالجهل (قوله: ولا على من شرب لتداو) أي ولا حد على من شرب الخمر للتداوي. (قوله: وإن وجد غيرها) أي غير
الخمر من الطاهرات للشبهة وهو غاية لعدم الحد بشربها للتداوي (قوله: وإن حرم التداوي بها) أي بصرفها، وهو غاية
ثانية لما ذكر، وإنما حرم التداوي بها لأنه (ص) لما سئل عن التداوي به قال إنه ليس بدواء ولكنه داء. وصح خبر إن الله لم
يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وما دل عليه القرآن أن فيها منافع إنما هو قبل تحريمها، وأما بعده فالله سبحانه وتعالى
سلبها منافعها. وخرج بصرفها ما إذا استهلكت في دواء فيجوز التداوي به إذا لم يجد ما يقوم مقامه من الطاهرات
كالتداوي بالنجس غير الخمر كلحم الميتة والبول بالشرط المذكور.
(قوله: فائدة) أي بيان ضابط حرمة شرب الخمر (قوله: كل الخ) مبتدأ خبره حرم قليله الخ (قوله: من خمر) بيان
للشراب، وهي المتخذة من عصير العنب، (وقوله: أو غيرها) أي غير الخمر، وهو المتخذ من نقيع التمر والزبيب وغيره
(قوله: حرم قليله وكثيره) قال في المغني: وخالف الإمام أبو حنيفة في القدر الذي لا يسكر من نقيع التمر والزبيب غيره،
واستند لأحاديث معلولة بين الحفاظ، وأيضا أحاديث التحريم متأخرة فوجب العمل بها. اه‍. (قوله: لخبر الصحيحين)
أي ولخبر أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره وخبر ما أسكر كثيره قليله حرام (قوله: ويحد شاربه وإن لم يسكر) أي
حسما لمادة الفساد كما حرم تقبيل الأجنبية والخلوة بها لافضائه إلى الوطئ المحرم (قوله: أي متعاطيه) تفسير لقوله
شاربه: أي أن المراد بالشارب المتعاطي له سواء كان بالشرب أو غيره، كما في المغني، وعبارته.
تنبيه: المراد بالشارب المتعاطي شربا كان أو غيره، سواء فيه ليتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامدة
ومائعه مطبوخه ونيئه، وسواء أتناوله معتقدا تحريمه أم إباحته على المذهب لضعف أدلة الإباحة. اه‍. (قوله: وخرج
بالشراب ما حرم من الجامدات) أي ما عدا جامد الخمر، أما هو فيحد متعاطيه كما مر (قوله: فلا حد فيها) أي الجامدات
وقوله وإن حرمت: الصواب حذف هذه والاقتصار على ما بعده لان الكلام فيما حرم من الجامدات. تأمل (قوله: بل
التعزير) أي بل فيها التعزير (قوله: ككثير البنج الخ) تمثيل لما حرم من الجامدات (قوله: والحشيشة) أي وككثير
الحشيشة.

176
واعلم: أن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية: منها أنها تورث النسيان
والصداع وفساد العقل والسل والاستسقاء والجذام والبرص وسائر الأمراض وإفشاء السر وإنشاء الشر وذهاب الحياء وعدم
المروءة وغير ذلك، ومن أعظم قبائحها أنها تنسي الشهادة عند الموت، وجميع قبائحها موجود في الأفيون والبنج
ونحوهما. ويزيد الأفيون بأن فيه تغيير الخلقة، كما هو مشاهد من أحوال من يتعاطاه، وما أحسن ما قيل في الحشيشة:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا * يا خسيسا قد عشت شر معيشة
دية العقل بدرة فلماذا * يا سفيها قد بعتها بحشيشة؟
والبدرة كما في القاموس كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف درهم (قوله: ويكره أكل يسير منها)
أي من هذه الثلاثة، والمراد باليسير أن لا يؤثر في العقل، ولو تخديرا وفتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي
القليل مع الكراهة، ولا يحرم، ولكن يجب كتمه على العوام لئلا يتعاطوا كثيره ويعتقدوا أنه قليل، وقوله من غير قصد
المداومة: مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصدها حرم. فانظره (قوله: ويباح) أي أكل ما ذكر من الثلاثة (قوله: لحاجة
التداوي) مطلقا سواء كان كثيرا أم قليلا وإن كان ظاهر عبارته أنه مختص بالقليل. قال في الروض وشرحه.
فرع: مزيل العقل من غير الأشربة كالبنج والحشيشة حرام لازالته العقل لا حد فيه لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو
قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، وله تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متأكل. اه‍. (قوله: أربعين جلدة) مفعول مطلق لقوله
ويجلد: أي يجلده الامام أو نائبه جلدات أربعين، وذهبت الأئمة الثلاثة إلى أنها ثمانون، ويجب توالي الضربات
ليحصل الزجر والتنكيل فلا يجوز أن يفرق على الأيام والساعات لعدم حصول الإيلام المقصود من الحدود، والضابط أنه
إن تخلل زمن يزول فيه الألم الأول لم يكف على الأصح، ويحد الذكر قائما والأنثى جالسة ويجعل عند المرأة محرم أو
امرأة تلف عليها ثيابها إذا انكشفت ويجعل عند الخنثى محرم لا رجل أجنبي ولا امرأة أجنبية، ويكفي الحد المذكور ولو
تعدد الشرب مرارا كثيرة قبل الحد وحديث الامر بقتل الشارب في المرة الرابعة منسوخ بالاجماع (قوله: إن كان حرا)
سيأتي محترزه (قوله: ففي مسلم الخ) دليل على أنها أربعون (قوله: يضرب في الخمر) أي في شربه (قوله: أربعين) أي
في غالب أحواله (ص)، وإلا فقد جلد ثمانين كما في جامع عبد الرزاق. اه‍. ح ل (قوله: فيجلد عشرين جلدة) أي لأنه
حد يتبعض فتنصف على الرقيق كحد الزنا (قوله: وإنما يجلد الامام الخ) دخول على المتن (قوله: إن ثبت) أي شربه
الخمر، وقوله بإقراره أو شهادة رجلين: أي لان كلا من الاقرار وشهادة من ذكر حجة شرعية، ولا يشترط فيهما تفصيل، بل
يكفي الاطلاق في إقراره من شخص بأنه شرب خمرا وفي شهادة بشرب مسكر بأنه شرب فلان خمرا، ولا يحتاج أن يقول
وهو مختار عالم لان الأصل عدم الاكراه والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه، فنزل الاقرار والشهادة عليه (قوله: لا
بريح الخ) أي لا يثبت شرب الخمر بريح خمر وهيئة سكر وقئ لاحتمال أن يكون شرب غالطا أو مكرها، والحد يدرأ
بالشبهة، وكذلك لا يثبت برجل وامرأتين لان البينة ناقصة والأصل براءة الذمة. وكتب سم على قول التحفة وهيئة سكر وما
نصه تقدير هيئة الظاهر أنه غير ضروري. اه‍. (قوله: وحد عثمان) مبتدأ خبره اجتهاد له وقوله
بالقئ متعلق بحد، وقوله اجتهاد له أي لسيدنا عثمان رضي الله عنه: أي فقد أثبت رضي الله عنه الحد لشارب الخمر بالقئ (قوله: ويحد الرقيق



(1) (قوله كما في القاموس الخ) عبارته: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار. اه‍. فتأمل وحرر اه‍. مصححة.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 12
177
أيضا) أي كما يحد بإقراره أو بشهادة رجلين. وقوله بعلم السيد: أي أنه شرب الخمر. وقوله دون غيره: أي غير الرقيق فلا
يحده القاضي بعلمه، والفرق أنه جاز للسيد ذلك لاصلاح ملكه.
تتمة: لا يحد السكران في حال سكره لان المقصود منه الردع والزجر والتنكيل. وذلك لا يحصل مع السكر بل
يؤخر وجوبا إلى إفاقته ليرتدع، فإن حد قبلها ففي الاعتداد به وجهان أصحهما، كما قاله البلقيني، الاعتداد به ولا في
المسجد لخبر أبي داود وغيره: لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث (قوله: جزم صاحب
الاستقصاء) عبارة التحفة.
تنبيه: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائم وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في امتناع إسقائها إياها
للعطش. قال: لأنها تثيره فيهلكها فهو من قبيل إتلاف المال اه‍. والأولى تعليله بأن فيه إضرارا لها وإضرار الحيوان حرام
وإن لم يتلف. قال: والمتجه منع إسقائها لها لا لعطش لأنه من قبيل التمثيل بالحيوان وهو ممتنع، وفي وجه غريب حل
إسقائها للخيل لتزداد حموا أي شدة في جريها، قال: والقياس حل إطعامها نحو حشيش وبنج للجوع، وإن تخدرت،
ويظهر جوازه لآدمي جاع. ولم يجد غير ذلك وإن تخدرت لان المخدر لا يزيد في الجوع. اه‍. (قوله: بحل إسقائها)
أي الخمر، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي إسقاء الشخص إياخا، وقوله للبهائم متعلق
بالمصدر (قوله: وللزركشي احتمال) مبتدأ وخبره وقوله أنها الخ: المصدر المؤول بدل من احتمال أو خبر لمبتدأ
محذوف، وقوله في حرمة إسقائها: أي الخمر، (وقوله: لها) أي للبهائم (قوله: ورابعها) أي ورابع الحدود وقوله قطع
السرقة: هي لغة أخذ الشئ خفية، وشرعا أخذ المال خفية من حرز مثل بشروط. وهي من الكبائر لقوله عليه الصلاة
والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وفي رواية: إذا فعل ذلك
فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه فإن تاب تاب الله تعالى عليه وقوله عليه السلام: لعن الله السارق: يسرق البيضة فتقطع
يده ويسرق الحبل فتقطع يده والمراد بالبيضة بيضة الحديد التي تساوي ربع دينار والمراد بالحبل حبل تساوي قيمته ما
ذكر وإلا نافى ما يأتي من أن شرط القطع في المسروق أن يساوي ربع دينار، وقوله عليه السلام: لا يحل لاحد أن يأخذ
عصا أخيه بغير طيب نفس منه وقوله عليه السلام: إن دم المسلم وعرضه وماله حرام (قوله: ويقطع الخ) أي لقوله
تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * ولما نظم أبو العلاء المعري البيت الذي
شكك به على أهل الشريعة في الفرق بين الدية والقطع في السرقة وهو:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار؟
أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله:
وقاية النفس أغلاها وأرخصها وقاية المال فافهم حكمه الباري
ويروي:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
وقال ابن الجوزي لما سئل عن ذلك: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت: وأركان السرقة الموجبة
للقطع ثلاثة: مسروق وسارق وسرقة. ويشترط في المسروق كونه ربع دينار أو ما قيمته ذلك، وكونه محرزا بحرز مثله،
وألا يكون للسارق فيه ملك، وأن لا يكون له فيه شبهة، ويشترط في السارق: أن يكون بالغا عاقلا مختارا ملتزما للأحكام



(1) سورة المائدة، الآية: 38.
178
عالما بالتحريم وأن لا يكون مأذونا له من المالك (قوله: أي الامام) يعني أن الذي يستوفي القطع في غير الرقيق الامام أو
نائبه فلو فوضه للسارق لم يقع الموقع، بخلاف ما لو فوضه للمسروق منه فيقع الموقع، وإن امتنع من التفويض له مخافة
أن يردد الآلة عليه فيؤدي إلى إهلاكه أو قطعها أحد بلا إذن الإمام عزر لإفتياته وتعديه عليه ولا يضمن شيئا وإن مات
بالسراية لأنها مستحقة وما تولد من قطعها تولد من مستحق. اه‍. ش ق (قوله: وجوبا) أي حال كون القطع وجوبا: أي
واجبا للامر به في الآية السابقة، وهو الوجوب. ويمتنع العفو عنه بعد رفع الامر إليه، وأما ما نقل عن سيدنا معاوية رضي
الله عنه أنه عفا عن سارق حين أنشدته أمه:
يميني أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى نكالا يشينها
فلا خير في الدنيا وكانت خبيثة إذا ما شمالي فارقتها يمينها
فهو مذهب صحابي فلا يرد (قوله: بعد طلب المالك) متعلق بيقطع أي يقطع الامام بعد طلب صاحب المال
للقطع وقوله وثبوت السرقة: أي عنده بما يأتي ولا يقطع قبل ذلك، فلو قطع لا يقع الموقع (قوله: كوع يمين) مفعول
يقطع: أي تقطع يده اليمنى من مفصل الكوع ولو كانت معيبة أو ناقصة، كفاقدة الأصابع أو زائدتها خلقة أو عروضا، وإن
سرق مرارا قبل قطعه لاتحاد السبب، كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكتفي بحد واحد، كما مر، فإن سرق ثانيا بعد قطعه
قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى كذلك، فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن
سرق بعد ذلك عزر، ولا يقتل، كما سيذكره، وقوله بالغ: مجرور بإضافة يمين إليه، ويشترط أيضا أن يكون عاقلا مختارا
ملتزما للأحكام، فلا قطع على صبي ومجنون ومكره وحربي (قوله: سرق الخ) الجملة صفة لبالغ، وقوله: أي أخذ خفية
تفسير ليسرق (قوله: ربع دينار) مفعول سرق: أي سرق ربع دينار أي فصاعدا لخبر مسلم: لا تقطع يد سارق إلا في
ربع دينار فصاعدا.
واعلم: أن العبرة في المضروب من الذهب بالوزن فقط فلاتعتبر فيه القيمة، والعبرة في غير المضروب بالوزن
والقيمة معا فلو كان وزنه دون ربع دينار فلا قطع به، وإن بلغت قيمته ربع دينار كخاتم وزنه دون ربع دينار وبلغ بالصنعة
ربع دينار فأكثر فلا نظر لقيمة الصنعة، ولو كان وزنه ربع دينار فأكثر ولم تبلغ قيمته ذلك فلا قطع به أيضا كربع دينار سبيكة
أو حليا أو نحو ذلك كقراضة الذهب لا يساوي ربعا مضروبا، والعبرة في غير الذهب ولو من الفضة بالقيمة فقط، فلو
سرق من الفضة ما يبلغ قيمته ربع دينار قطع به وإن لم يبلغ وزنه ذلك، وكذا لو سرق شيئا يساوي ذلك حتى المصحف
وكتب العلم الشرعي وما يتعلق به وكتب شعر نافع مباح، وكذا الكتب التي لا يحل الانتفاع بها إن بلغت قيمة ورقها
وجلدها نصابا وإناء النقدين إن بلغ بدون صنعته نصابا إلا إن أخرجه من الحرز ليظهر كسره فلا قطع حينئذ، وكذا كل ما
سلط الشرع على كسره كمزمار وطنبور وصنم وصليب لان إزالة المعصية مطلوبة شرعا فصار شبهة لكن محل ذلك إن
قصد بإخراجه تكسيره فإن قصد السرقة وبلغ مكسره نصابا قطع به لأنه سرق نصابا من حرز مثله كما لو كسره في الحرز ثم
أخرجه وهو يبلغ نصابا فإنه يقطع به كما يقطع بإناء الخمر أو إناء البول إن بلغ نصابا وقصد بإخراجه السرقة، فإن قصد
بإخراجه إراقته فلا قطع لان ذلك مطلوب شرعا ولا قطع فيما لا يتمول كخمر ولو محترمة وخنزير وكلب ولو معلما وجلد
ميتة بلا دبغ لان ما ذكره لا قيمة له. نعم: إن صار الخمر خلا قبل إخراجه من الحرز أو دبغ الجلد قبل ذلك ولو بدبغ
السارق به وكل منهما يساوي نصابا قطع به ويقطع بثوب رث، أي بال، في جيبه تمام نصاب وإن جهله السارق لأنه أخرج
نصابا من حرز مثله بقصد السرقة، والجهل بجنسه لا يؤثر كالجهل بصفته (قوله: أي مثقال) تفسير للدينار، وقوله ذهبا:
تمييز لمثقال (قوله: مضروبا خالصا) حالان من ربع دينار: أي حال كون الربع الذي يقطع به مضروبا، فلا يقطع بما إذا
كان ربع دينار سبيكة ولا يساوي قيمة مضروب كما سيذكره وحال كونه خالصا فلا يقطع بما إذا كان ربعا مغشوشا (قوله:
وإن تحصل من مغشوش) أي أن المعتبر في المسروق أن يكون وزنه ربع دينار خالصا ولو تحصل ذلك من مغشوش

179
مسروق (قوله: أو قيمته) معطوف على ربع دينار: أي أو سرق ما يساوي قيمة ربع دينار من عروض ودراهم، وقوله
بالذهب الخ: الباء بمعنى من وهي متعلقة بمحذوف حال من المضاف إليه العائد على ربع الدينار: أي حال كون ذلك
الربع المعتبر تقويم غيره به من الذهب المضروب الخالص. قال في التحفة: فإن لم تعرف قيمته بالدنانير قوم بالدراهم
ثم هي بالدنانير، فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لأقرب محل إليها فيه ذلك، كما هو قياس نظائره. اه‍. (قوله:
وإن كان الربع لجماعة) أي يقطع به ولو كان لجماعة اتحد حرزهم فلا يشترط في الربع اتحاد المالك (قوله: فلا يقطع
الخ) مفهوم قوله مضروبا. (وقوله: بكونه) أي المسروق ربع دينار، (وقوله: سبيكة) حال من ربع دينار: أي حال كونه
سبيكة: أي غير مضروب، (وقوله: أو حليا) معطوف على ربع دينار: أي أو بكونه حليا، (وقوله: لا يساوي) أي كل من
السبيكة والحلي ربعا مضروبا، والمراد قيمتهما لا تساوي ربع دينار خالصا مضروبا (قوله: من حرز) متعلق بسرق: أي
سرق ذلك من حرز مثله، فلا قطع فيما إذا أخذه من غير حرزه لان المالك مكنه منه بتضييعه، ولذلك قال (ص): لا قطع
في شئ من الماشية إلا فيما أواه المراح أي أو ما يقوم مقامه من حافظ يراها (قوله: أي موضع الخ) تفسير للحرز، وفيه
إشارة إلى أنه اسم مصدر بمعنى اسم المفعول: أي محرز فيه. (وقوله: يحرز فيه) أي يحفظ فيه مثل ذلك المسروق
وقوله عرفا: أي أن المحكم في الحرز العرف لأنه لم يضبط في الشرع ولا في اللغة فرجع فيه إلى العرف، وضبطه
الغزالي بما لا يعد صاحبه مضيعا له (قوله: ولا قطع الخ) مفهوم قيد ملحوظ في كلامه وهو أن لا يكون للسارق فيما سرقه
شبهة، (وقوله: بما للسارق فيه شركة) أي بمسروق فيه شركة وإن قل نصيبه فيه لان له في كل جزء حقا وذلك شبهة،
(وقوله: ولا بملكه) أي ولا قطع بأخذ ملكه من يد غيره ولو بالدعوى بأن ادعى بعد أن سرقه أنه ملكه فلا يقطع به لاحتمال
ما ادعاه فيكون شبهة. وسمى هذا الإمام الشافعي رضي الله عنه السارق الظريف (قوله: وإن تعلق به نحو رهن) غاية
لقوله ولا بملكه: أي لا يقطع بملكه، وإن كان مرهونا أو مؤجرا (قوله: ولو اشترك اثنان) هذا مفهوم مرجع ضمير سرق
وهو البالغ: إذ منطوقة أن الذي تقطع يده هو البالغ الذي سرق ربع دينار ومفهومه أنه إذا كانا بالغان سرقا ربع دينار لا تقطع
يدهما، (وقوله: في إخراج نصاب) هو هنا ربع دينار بخلافه في الزكاة (قوله: لم يقطع واحد منهما) أي من المشتركين،
وذلك لان كل واحد لم يسرق نصابا، والمراد لم يقطع ولا واحد ولو قال لم تقطع يدهما لكان أولى لئلا يوهم أن المراد
نفي قطع واحد فقط فيصدق بإثباته للاثنين مع أنه لا يصح ذلك (قوله: وخرج بسرق ما لو اختلس الخ) الاختلاس أخذ
المال جهرا مع الاعتماد على الهرب والنهب أخذه كذلك مع الاعتماد على القوة الغلبة (قوله: معتمدا الهرب) حال من
فاعل اختلس (قوله: أو انتهب) معطوف على اختلس، وقوله معتمدا القوة: حال أيضا من فاعل انتهب (قوله: فلا يقطع
بهما) أي بالاختلاس والنهب ومثلهما ما لو خان بجحد نحو وديعة. وقوله للخبر الصحيح به: أي الوارد به أي بعدم القطع
في الاختلاس والنهب ولفظه: ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع صححه الترمذي، وقوله ولامكان دفعهم:
الأولى دفعهما، أي المختلس والمنتهب، ولو زاد بعد قوله أو انتهب أو خان لوافق ما في الخبر وناسب جمع الضمير لكن
يبقى عليه أن يجمع الضمير في قوله فلا يقطع بهما. والقصيد بهذا: التعليل بيان الفرق بين السارق وبين غيره ممن ذكره،
وحاصله أن السارق يأخذ المال خفية ولا يتأتى منعه بالسلطان أو غيره وكل من المختلس والمنتهب يأخذ المال جهرة
معاينة فيتأتى منعه بالسلطان أو غيره، والخائن يعطيه المالك المال بنفسه فربما يشهد عليه فيتأتى أخذ حقه منه بالحاكم إذا
خان بعد ذلك، فإن لم يشهد عليه فهو المقصر (قوله: بخلاف السارق) أي فإنه لا يتأتى دفعه بالسلطان لأنه أخذ المال

180
خفية، فلذلك إذا اطلع عليه تقطع يده (قوله: لا حال كون المال مغصوبا) أفاد به أن مغصوبا حال مما قبله وهو ربع
دينار، والمراد بالمال ربع الدينار، ولو عبر به لكان أنسب بما قبله (قوله: فلا يقطع سارقه) أي يد سارق المال
المغصوب. (وقوله: من حرز الغاصب) متعلق بسارقه، ويعلم بالأولى عدم قطع يد سارقه من غير حرز الغاصب (قوله:
وإن لم يعلم) أي السارق (قوله: لان مالكه الخ) علة لعدم قطع يد سارق المال المغصوب: أي لا يقطع لان مالك المال
لم يرض بإحرازه في حرز الغاصب (قوله: أو حال كونه فيه) أفاد به أيضا أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال مما
قبله أيضا وهو ربع دينار (قوله: فلا قطع الخ) مفرع على قوله أو حال كونه في مكان مغصوب. (وقوله: أيضا) أي كما أنه
لا يقطع فيما إذا كان المال المسروق مغصوبا (قوله: لان الغاصب الخ) علة لعدم قطع يد السارق من حرز مغصوب: أي
وإنما لم تقطع يده لان الغاصب للموضع الذي أحرز فيه ماله ممنوع: أي شرعا من أن يحرز فيه ماله (قوله: بخلاف نحو
مستأجر ومعار) أي بخلاف حرز مؤجر أو معار وسرق منه فيقطع السارق منه لان المستأجر والمستعير مستحقان لمنافعه
(قوله: ويختلف الحرز الخ) الأنسب ذكره بعد قوله عرفا (قوله: باختلاس الأموال) إنما اختلف باختلافها لأنه قد يكون
الشئ حرزا في مال دون مال: أي فصحن الدار وصفتها حرز لخسيس آنية، وأما نفيسها فحرزه بيوت الدور وبيوت
الخانات وبيوت الأسواق المنيعة وخزانة وصندوق حرز حلي ونقد ونحوهما نوم بنحو صحراء أو كمسد وشارع على متاع
أو توسده حرز له ورأسه حرز لعمامته وجيبه حرز لما فيه وأصبعه حرز لخاتمه ورجله حرز لمداسه، وقوله والأحوال: أي
ويختلف ذلك باختلاف الأحوال فقد يكون الشئ حرزا في حال دون حال: فالدار المنفصلة عن العمارة حرز في حال
ملاحظة قوي يقظان بها ولو مع فتح الباب أو نائم مع إغلاقه والمتصلة بالعمارة حرز بإغلاق الباب مع ملاحظ ولو نائما أو
ضعيفا ومع غيبته زمن أمن نهارا لا مع فتحه ونومه ليلا أو نهارا ولا مع غيبته زمن خوف ولو نهارا أو زمن أمن ليلا أو والباب
مفتوح فليست حرزا، (وقوله: والأوقات) أي ويختلف ذلك باختلاف الأوقات فقد يكون الشئ حرزا في وقت
دون وقت بحسب صلاح أحوال الناس وفسادها وقوة السلطان وضعفه (قوله: فحرز الثوب) أي النفيس، وهو تفريع على اختلافه
باختلاف الأموال، (وقوله: والنقد) أي ونحوه كاللؤلؤ (قوله: الصندوق المقفل) أي ونحوه من كل موضع حصين خزانة
(قوله: والأمتعة) أي وحرز الأمتعة الدكاكين وقوله وثم حارس: قيد في كون الدكاكين حرزا للأمتعة: أي ويشترط في
كونها حرزا أن يكون عندها حارس يحرسها على العادة، وهذا بالنسبة لليل، أما بالنسبة إلى النهار فيكفي إرخاء نحو
شبكة وشراع لان الجيران والمارة ينظرونها. قال في الروض وشرحه: وإن ضم العطار أو البقال أو نحوهما الأمتعة وربطها
بحبل على باب الحانوت أو أرخى عليها شبكة أو خالف لو حين على باب حانوت فحرزه بذلك بالنهار، ولو نام فيه أو غاب
عنه لان الجيران والمارة ينظرونها، ثم قال: والحانوت المغلق بلا حارس حرز لمتاع البقال في زمن الامن ولو ليلا لا
لمتاع البزاز ليلا. اه‍. (قوله: ونوم بمسجد) مبتدأ خبره حرز له. (وقوله: أو شارع) أي أو صحراء. (وقوله: على متاع)
متعلق بنوم. (وقوله: ولو بتوسدة) أي نومه على المتاع حرز له، سواء كان مفترشا له أو متوسده، أي جاعلا له كالوسادة
التي يوضع عليها الرأس عند النوم. ومحل هذا فيما كان التوسد حرزا له، وإلا كأن توسد كيسا فيه نقد أو جوهر فلا يكون
حرزا له (قوله: لا إن وضعه) أي لا إن كان النائم وضع المتاع بقربه، ومثل النائم الذاهل عنه، والأولى حذف لا وزيادة
الواو، وعبارة الروض: وإن وضع متاعه بقربه في صحراء أو مسجد أو شارع وأعرض عنه كأن ولاه ظهره أو ذهل عنه شاغل
أو نام فليس بمحرز. اه‍. (قوله: بلا ملاحظ) أي حارس، فإن كان هناك ملاحظ قوي ولا زحمة أو كثر الملاحظون ولو
وجدت فهو حرز له فيقطع من سرقة. (وقوله: يمنع) أي ذلك الملاحظ. (وقوله: بقوة) أي يمنعه بسبب قوة، (وقوله: أو

181
استغاثة) أي أو يمنعه بسبب استغاثة: أي طلب من يغيثه على دفع السارق (قوله: أو انقلب) أي النائم عنه: أي عن
متاعه. (وقوله: ولو بقلب السارق) أي سواء كان انقلابه عنه بنفسه أو بقلب السارق فلا قطع به لزوال الحرز قبل أخذه.
قال في النهاية: وأما قول الجويني وابن القطان لو وجد جملا صاحبه نائم عليه فألقاه عنه وهو نائم قطع فمردود، فقد صرح
البغوي بعدمه لأنه قد رفع الحرز ولم يهتكه، وقد علم من كلامهم الفرق بين هتك الحرز ورفعه من أصله. اه‍. (وقوله:
هتك الحرز) أي كما في نقب السارق الجدار. (قوله: ورفعه من أصله) أي إزالته من أصله كما هنا فإن نومه على متاعه
حرز له، فإذا قلبه عنه فقد زال ذلك الحرز (قوله: فليس حرزا له) جواب إن (قوله: ويقطع) أي السارق (قوله: بمال
وقف) التركيب توصيفي، كما يدل عليه تفسيره بعد، ويصح جعله إضافيا على جعل الإضافة من إضافة الموصوف للصفة
(قوله: أي بسرقة مال موقوف على غيره) فإن وقف عليه أو كان هو أحد الموقوف عليهم فلا قطع لأنه مستحق له، وكذلك
لا يقطع لو كان السارق أبا الموقوف عليه أو ابنه للشبهة، ثم أنه لا فرق في القطع بسرقة المال الموقوف على غيره بين أن
يكون الملك فيه لله أو للموقوف عليه أو للواقف (قوله: ومال مسجد) أي ويقطع بسرقة مال مسجد. قال البجيرمي:
ويلحق به ستر الكعبة فيقطع سارقه على المذهب إن خيط عليها لأنه حينئذ محرز، وينبغي أن يكون ستر المنبر كذلك إن
خيط عليه، ولا قطع بسرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد ولو غير قارئ لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقارئ
منه كقناديل الاسراج. اه‍. (قوله: كبابه) تمثيل لمال المسجد، ومثل الباب ما أعد لتحصينه وعمارته وأبهته كالسقوف
والشبابيك (قوله: وقنديل زينة) أي القنديل المعد للزينة، وسيأتي مفهومه (قوله: لا بنحو حصره) أي لا يقطع بسرقة نحو
حصره من كل ما يفرش فيه (قوله: وقناديل تسرج) أي ولا يقطع بسرقة قناديل تسرج فيه (قوله: وهو مسلم) قيد في عدم
القطع: أي محل عدم قطعه بسرقة ما ذكر من الحصر والقناديل إذا كان السارق له مسلما أما إذا كان ذميا فيقطع به. قال
زي: وكذا مسلم لا يستحق الانتفاع بها بأن اختصت بطائفة ليس هو منهم كما هو قضية التعليل. اه‍. (قوله: لأنها) أي
الحصر والقناديل ونحوهما، وهو علة لعدم القطع بسرقة ما ذكر: أي وإنما لم تقطع يده بسرقتها لأنها إنما أعدت للانتفاع
بها، وذلك السارق أحد المستحقين للانتفاع فله شبهة الانتفاع. قال في التحفة: فكان كبيت المال. اه‍. (قوله: ولا
بمال صدقة) معطوف على لا بنحو حصره: أي ولا يقطع بسرقة مال صدقة، (وقوله: أي زكاة) تفسير للصدقة هنا (قوله:
وهو مستحق لها) قيد في عدم قطع السارق من مال الصدقة، أي محل عدم قطعه إذا كان السارق مستحقا لها، (وقوله:
بوصف فقر) الباء سببية متعلقة بمستحق، أي مستحق للصدقة بسبب وجود وصف فقر فيه، (وقوله: غيره) أي غير وصف
الفقر ككونه غازيا أو غارما (قوله: ولو لم يكن الخ) الأولى التفريع بالفاء لان المقام يقتضيه ولو شرطية جوابها قوله قطع،
(وقوله: له) أي للسارق. (وقوله: فيه) أي في مال الصدقة، (وقوله: كغنى الخ) تمثيل للسارق الذي ليس له حق في مال
الصدقة (قوله: وليس غارما) هو على ثلاثة أقسام، كما تقدم في باب الزكاة، والمراد به هنا من استدان دينا لتسكين فتنة
بين طائفتين فيعطى ما يقضى به دينه ولو كان غنيا ترغيبا للناس في هذه المكرمة، (وقوله: لاصلاح ذات البين) أي
لاصلاح الحال الواقع بين القوم، والمراد لتسكين الفتنة الواقعة بين القوم (قوله: قطع) أي الغني: أي يده (قوله: لانتفاء
الشبهة) علة للقطع: أي وإنما قطع لان شبهة الانتفاع منتفية عنه (قوله: ولا بمال مصالح) معطوف أيضا علي بنحو
حصر، أي ولا يقطع بسرقة مال يصرف في مصالح المسلمين كعمارة المساجد وسد الثغور ونحو ذلك (قوله: كبيت
المال) أي الذي لم يفرز لغيره، أما ما أفرز لغيره ممن له سهم مقدر، كذوي القربى، فيقطع به، وعبارة المنهاج مع شرح
م ر: ومن سرق بيت المال وهو مسلم إن أفرز لطائفة ليس هو منهم قطع لانتفاء الشبهة، وإلا بأن لم يفرز فالأصح أنه إن

182
كان له حق في المسروق كمال مصالح ولو غنيا فلا يقطع. اه‍. (قوله: لان له) أي للسارق في بيت المال حقا، وهو علة
لعدم قطع السارق من بيت المال، (وقوله: لان ذلك الخ) علة للعلة، أي وإنما كان له فيه حق وإن كان غنيا لان ذلك قد
يصرف الخ. (وقوله: فينتفع به) أي بما ذكر من المساجد والرباطات، (وقوله: من المسلمين) أفاد به أنه يشترط لعدم
القطع الاسلام، فلو كان ذميا وسرق من مال المصالح قطع به، ولا نظر إلى إنفاق الامام عليه عند الحاجة لأنه إنما ينفق
عليه للضرورة وبشرط الضمان كما في الانفاق على المضطر، وأما انتفاعه بالقناطر والرباطات فللتبعية من حيث أنه قاطن
ببلاد الاسلام، لا لاختصاصه بحق فيه (قوله: ولا بمال بعض) معطوف أيضا على لا بنحو حصر الخ: أي ولا يقطع
بسرقة مال بعض للسارق، (وقوله: من أصل أو فرع) بيان للبعض، وفي هذا البيان نظر. إذ الأصل ليس بعضا من الفرع
ولو عبر كغيره بقوله ولا بمال أصل أو فرع لكان أولى، وعبارة الروض وشرحه: ولا يقطع بمال فرعه وإن سفل وأصله وإن
علا لما بينهما من الاتحاد ولان مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر، ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المال، بخلاف سائر
الأقارب. اه‍. وكما لا يقطع الأصل والفرع بسرقة مال الآخر لا يقطع رقيق كل منهما بسرقة مال الآخر لان القاعدة أن من
لا يقطع بمال لا يقطع به رقيقه (قوله: وسيد) معطوف على بعض: أي ولا يقطع رقيق بسرقة مال سيده لان يده كيده
ولشبهة استحقاقه النفقة في مال سيده ولو مبعضا أو مكاتبا لأنه قد يعجز نفسه فيصير قنا كما كان، ولذلك لا يقطع السيد
بسرقة مال مكاتبه (قوله: لشبهة استحقاق النفقة) تعليل لعدم القطع في المسألتين سرقة مال البعض ومال السيد: أي
وإنما لم تقطع يد السارق من مال البعض أو السيد لوجود الشبهة وهي استحقاق النفقة، (وقوله: في الجملة) أي من
بعض الوجوه، وهو ما إذا كان البعض المنفق عليه فقيرا وما إذا كان الرقيق غير مكاتب لان المكاتب نفقته على نفسه لا
على سيده (قوله: والأظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي لعموم الأدلة وشبهة استحقاقها النفقة والكسوة في ماله لا أثر لها
لأنها مقدرة محدودة، وبه فارقت المبعض والقن وأيضا، فالفرض أنه ليس لها عنده شئ منها، فإن فرض أن لها شيئا من
ذلك حال السرقة وأخذته بقصد الاستيفاء لم تقطع ومقابل الأظهر قولان: الأول لا قطع على واحد من الزوجين للشبهة
لأنها تستحق النفقة وهو يستحق الحجر عليها، الثاني يقطع الزوج دونها لان لها حقوقا في ماله، بخلافه، ومال إلى هذا
الأذرعي. أفاده المغني (قوله: أي بسرقة الخ) أفاد به أن في الكلام مضافين مقدرين بعد الباء الجارة لأجل تصحيح
العبارة، (وقوله: ماله) أي الآخر. (وقوله: المحرز عنه) أي المحفوظ عن السارق بسبب جعله في حرزه (قوله: فإن عاد
الخ) مرتبط بقوله ويقطع، أي الامام كوع يمين بالغ (قوله: بعد قطع يمناه) أي من مفصل الكوع، وخرج به ما لو سرق
قبل قطع يمناه فإنه يكتفي بقطعها، كما علم مما مر، (وقوله: إلى السرقة ثانيا) متعلق بعاد (قوله: فتقطع رجله اليسرى)
أي بعد اندمال يده اليمنى لئلا يفضي التوالي إلى الهلاك، وهكذا يقال فيما بعده. (وقوله: من مفصل الساق والقدم) أي
من المفصل الذي بين الساق والقدم (قوله: فإن عاد ثالثا) أي إلى السرقة بعد قطع رجله اليسرى (قوله: فتقطع يده
اليسرى من كوعها) أي من مفصل كوعها وهو، كما تقدم أول الكتاب الذي يلي إبهام اليد (قوله: فإن عاد رابعا) أي إلى
السرقة بعد قطع يده اليسرى، وقوله فتقطع رجله اليمنى.
واعلم: أنه إنما كان القطع من خلاف لئلا يفوت عليه جنس المنفعة من جهة واحدة فتضعف حركته كما في قطع
الطريق، وقد روى الإمام الشافعي رضي الله عنه بإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال في السارق
إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله وحكمة قطع
اليد والرجل أنهما آلة السرقة، بالأخذ والنقل، ومحل ما ذكر من الترتيب إذا كان له أربع، إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب،

183
أما إذا لم يكن إلا بعض الأربع فيقطع في الأولى ما يقطع في الثانية، بل يقطع في الأولى ما يقطع في الرابعة، بأن لم يكن
له إلا رجل واحدة يمنى لأنه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها (قوله: ثم إن سرق بعد قطع ما ذكر) أي من أعضائه
الأربعة وذلك كأن سرق بفمه أو رأسه (قوله: عزر ولا يقتل) أي على المشهور لأنه لم يبق في نكاله بعدما ذكر إلا التعزير
(قوله: وما روى) مبتدأ خبره منسوخ، (قوله: قتله) أي السارق بعد المرة الرابعة (قوله: أو مؤول) أي وإذا كان غير
منسوخ بالفرض، فهو مؤول بأنه عليه السلام إنما قتله بعد المرة الرابعة لكون السارق استحل السرقة (قوله: بل ضعفه
الخ) ما تقدم من الجواب بالنسخ أو التأويل مبني على تسليم أن المروي عنه (ص) صحيح ثم انتقل عنه إلى الجواب بأن
المروي: لا يحتج به لأنه ضعيف أو منكر (قوله: ومن سرق مرارا الخ) هذا مفهوم تقييد القطع ثانيا وثالثا ورابعا بما إذا
كان العود حصل بعد القطع (قوله: لم يلزمه) أي السارق المتكررة منه السرقة وقوله إلا حد واحد: أي كما لو زنى أو
شرب مرارا فإنه يكتفي فيه بحد واحد (قوله: فتكفي يمينه عن الكل) أي فيكفي قطع يمينه عن كل المرات، (وقوله:
لاتحاد السبب) أي وهو السرقة، (وقوله: فتداخلت) أي الحدود: أي اندرج بعضها في بعض لوجود الحكمة وهي الزجر
ولاتحاد أسبابها، وإنما تعددت الكفارة فيما لو لبس أو تطيب في الاحرام في مجالس مع اتحاد السبب لان فيه حقا لآدمي
لصرفها إليه فلم تتداخل، بخلاف الحد، (قوله: وتثبت السرقة برجلين) هذا بالنسبة للقطع مع المال، أما بالنسبة للمال
فقط فتثبت برجل وامرأتين وبرجل ويمين لكن بعد دعوى المالك أو وكيله المال فلو شهدوا حسبة لم يثبت بشهادتهم أيضا
لان شهادتهم منصبة إلى المال، وشهادة الحسبة بالنسبة إليه غير مقبولة (قوله: كسائر العقوبات) أي فإنها تثبت برجلين.
(وقوله: غير الزنا) أي أما هو فلا يثبت إلا بأربعة، كما تقدم، (قوله: وإقرار من سارق) معطوف على رجلين: أي وتثبت
أيضا بإقرار السارق بالمال الذي سرقه، وقوله بعد دعوى عليه: قيد في الاقرار، فلو أقر به قبل دعوى من المالك عليه ثبت
به المال فقط ولا يثبت به القطع إلا إن طلب المالك ماله (قوله: مع تفصيل) متعلق بتثبت بالنسبة للرجلين وللإقرار (قوله:
بأن تبين الخ) تصوير للتفصيل: أي والتفصيل مصور ببيان السرقة: أي أخذ المال خفية، وذلك لأنه ربما أخذه
بالاختلاس أو النهب فلا قطع وببيان المسروق منه هل هو زيد أو عمرو، وذلك لأنه ربما أن يكون أصلا أو فرعا فلا قطع
بالسرقة منه وببيان قدر المسروق كربع دينار لأنه قد لا يكون نصابا فلا قطع وببيان الحرز كصندوق أو خزانة، وذلك لأنه قد
يكون حرزا للمسروق فلا قطع (قوله: وتثبت السرقة) أي بالنسبة للقطع مع المال، (وقوله: خلافا لما اعتمده جمع) أي
من أنه لا يقطع بها، وعللوه بأن القطع حق لله تعالى وهو لا يثبت باليمين المردودة، وصنيع عبارته يفيد أن معتمد الجمع
المذكور ضعيف عنده، وهو خلاف ما عليه شيخه من اعتماده وعبارته: والمنقول المعتمد لا قطع كما لا يثبت بها حد
الزنا. اه‍. ومثلها النهاية والمغني (قوله: بيمين الخ) متعلق بتثبت. وقوله رد: يحتمل قراءته بصيغة المصدر ويكون
مجرورا بالإضافة وهي من إضافة الموصوف إلى الصفة: أي يمين مردودة ويحتمل قراءته بصيغة الماضي والجملة صفة،
وتذكير الضمير فيه باعتبار الحلف. وقوله من المدعى عليه: متعلق برد وهو السارق، وقوله على المدعي: متعلق أيضا
برد، وهو المسروق منه (قوله: لأنها) أي اليمين المردودة، وهو علة لثبوت السرقة باليمين المردودة (قوله: وقبل رجوع
مقر بالنسبة لقطع) قال سم: ولو أقر بالسرقة ثم رجع ثم كذب رجوعه قال الدارمي لا يقطع، ولو أقر بها ثم أقيمت عليه

184
البينة ثم رجع، قال القاضي سقط عنه القطع على الصحيح لان الثبوت كان بالاقرار. اه‍ (قوله: بخلاف المال) أي
بخلاف الرجوع بالنسبة للمال (قوله: فلا يقبل رجوعه) أي عن إقراره. وقوله فيه: أي في المال، وقوله: لأنه: أي المال
حق آدمي: أي وهو مبني على المشاحة، بخلاف القطع فإنه حق الله وهو مبني على المسامحة (قوله: ومن أقر بعقوبة لله
تعالى) خرج حق الآدمي فلا يحل التعريض بالرجوع عنه وإن لم يفد الرجوع فيه شيئا، ووجهه بأن فيه حملا على محرم
فهو كمتعاطي العقد الفاسد، وقوله أي بموجبها، بكسر الجيم، أي سببها (قوله: كزنا الخ) تمثيل لموجب العقوبة (قوله:
ولو بعد دعوى) غاية في الاقرار: أي ولو كان إقراره بعد دعوى عليه (قوله: فلقاض) الفاء واقعة في جواب من الشرطية
والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله: بعد تعريض الخ: مبتدأ مؤخر (قوله: أي يجوز له) تفسير مراد لقوله فلقاض،
والمراد يجوز له ذلك جوازا مستوي الطرفين، فهو جائز وليس بمندوب، وبما ذكر صح الاستدراك بعد، وأفاد به أنه ليس
المراد بالجواز ما ذكر، بل المراد به الندب، وإنما جاز ذلك له سترا للقبيح ولخبر الترمذي وغيره من ستر مسلما ستره الله
في الدنيا والآخرة (قوله: الاجماع على ندبه) أي التعريض. قال في النهاية: والمعتمد الأول، أي عدم الندب، اه‍
(قوله: وحكاه) أي الاجماع على ندبه (قوله: وقضية تخصيصهم القاضي الخ) يفهم التخصيص من تقديم الجار
والمجرور (قوله: حرمته) أي التعريض، (وقوله: على غيره) أي غير القاضي (قوله: وهو) أي ما اقتضاه التخصيص من
التحريم (قوله: ويحتمل أن غير القاضي الخ) هو من مقول قول شيخه. وقوله أولى: أي بالجواز من القاضي. قال في
النهاية: وهو الأوجه. اه‍ (قوله: لامتناع التلقين عليه) علة للأولوية: أي وإنما كان غير القاضي أولى بالجواز منه لان
القاضي يمتنع عليه أن يلقن الخصم الحجة ولا يمتنع ذلك على غيره، فإذا جاز التعريض من القاضي الذي يمتنع عليه
ذلك فلان يجوز من غيره بالأولى (قوله: تعريض له) أي للمقر: قال في التحفة: إن كان جاهلا بوجوب الحد وقد عذر
على ما في العزيز ولكن توقف الأذرعي، ويؤيد توقفه أن له التعريض لمن علم أن له الرجوع، فكذا لمن علم أن عليه
الحد. اه‍. وقوله برجوع عن الاقرار: متعلق بتعريض: أي تعريض بالرجوع عنه (قوله: أو بالانكار) معطوف على قوله
برجوع: أي أو تعريض بالانكار أي لموجب العقوبة لا للمال. وعبارة التحفة: وأفهم قوله بالرجوع أنه لا يعرض له
بالانكار لأنه فيه حملا على الكذب، كذا قيل، وفيه نظر لما مر في الزنا أن إنكاره بعد الاقرار الرجوع عنه. ثم رأيتهم
صرحوا بأن له التعريض بالانكار وبالرجوع، ويجاب عما علل به بأن تشوف الشارع إلى درء الحدود الغي النظر إلى
تضمن الانكار للكذب على أنه ليس صريحا فيه فخف أمره اه‍. وانظر كيف يصور التعريض بالانكار بموجب الحد؟
ولعل صورة ذلك أن يقول له لعلك ما سرقت، لعلك ما زنيت ويبدأ ذلك بحرف النفي، وعليه فيكون التعريض بالرجوع
أعم منه لأنه لا يختص بحرف النفي (قوله: فيقول الخ) بيان لصور التعريض بالرجوع. وقوله لعلك فأخذت هذا بالنسبة
للتعريض بالرجوع عن الاقرار بالزنا. (وقوله: أو أخذت من غير حرز) أي أو لعلك أخذت من غير حرز، وهذا بالنسبة
للتعريض بالرجوع عن السرقة، (وقوله: أو ما علمته خمرا) أي أو لعلك شربته وأنت لم تعلم بأنه خمر وهذا بالنسبة
للتعريض بالرجوع عن الاقرار بشرب الخمر (قوله: لأنه الخ) علة لجواز التعريض (قوله: عرض لماعز) أي المقر بالزنا
بقوله لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت (قوله: وقال) أي عليه الصلاة والسلام. وقوله ما أخالك، بكسر الهمزة، على
الأفصح، ويفتحها على القياس: أي ما أظنك (قوله: وخرج بالتعريض التصريح) أي بالرجوع أو بالانكار (قوله:

185
كارجع) تمثيل للتصريح بالرجوع. وقوله أو أجحده: تمثيل للتصريح بالانكار (قوله: فيأثم) أي القاضي وقوله به: أي
بالتصريح (قوله: لأنه الخ) علة للإثم به (قوله: ويحرم التعريض عند قيام البينة) أي لما فيه من تكذيب الشهود (قوله:
ويجوز للقاضي أيضا) أي كما يجوز له التعريض لمن أقر الخ (قوله: بالتوقف في حد الله تعالى) أي بالتوقف في أداء
الشهادة فيما يوجب حد الله تعالى كشرب الخمر والزنا وغير ذلك وعبارة المغني وهل للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف
في حدود الله تعالى؟ وجهان، أصحهما في زيادة الروضة نعم إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا. قال الأذرعي: ولم
يصرحوا بأن التصريح لا يجوز أو مكروه، والظاهر أن مرادهم الأول. ا ه (قوله: إن رأى) أي القاضي. (وقوله:
المصلحة في الستر) أي على من اتصف بشئ من هذه القاذورات (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ير المصلحة في الستر فلا
يجوز التعريض لهم بالتوقف (قوله: وبه يعلم) أي بعموم قوله، وإلا فلا الصادق بما يترتب على ذلك من المفسدة كضياع
المسروق ونحوه. وقوله أنه: أي القاضي أو الحال أو الشأن، (وقوله: لا يجوز له) أي للقاضي، (وقوله: التعريض) أي
للشهود في التوقف عند أداء الشهادة، (وقوله: ولا لهم التوقف) أي ولا يجوز للشهود التوقف عن ذلك وإن عرض
القاضي لهم به، (وقوله: وإن ترتب على ذلك) أي على التوقف عن أداء الشهادة فيما يوجب حد الله كالسرقة، (وقوله:
ضياع المسروق) أي المال المسروق، وقوله أو حد الغير: بالرفع عطف على ضياع: أي أو ترتب على ذلك وجوب حد
على الغير كأن شهد ثلاثة بالزنا فيجب على الرابع أن لا يتوقف في الشهادة ولا يجوز للقاضي التعريض له به لئلا يتوجه
على الثلاثة حد القذف.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف للشفاعة في الحد، ثم رأيت المغني نص على ذلك فقال: وأما الشفاعة في الحد فقال
المصنف في شرح مسلم أجمع العلماء على تحريمها بعد بلوغ الامام وأنه يحرم تشفيعه فيه، وأما قبل بلوغ الامام
فأجازها أكثر العلماء إن لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع. اه‍ (قوله: خاتمة في قاطع
الطريق) أي في حكم مانع المرور في الطريق، فالقاطع بمعنى المانع: مأخوذ من القطع بمعنى المنع. وقطع الطريق هو
البروز لاخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرة اعتماد على القوة ويثبت برجلين، لا برجل وامرأتين كالسرقة، ولذلك ذكر عقبها
والأصل فيه قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع
أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) * أي أن يقتلوا إن قتلوا ولم يأخذوا المال، أو يصلبوا مع القتل إن قتلوا
وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال فقط، أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبيل ولم يقتلوا،
ولم يأخذوا المال، كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما بذلك، فحمل كلمة أو: على التنويع، لا
على التخيير (قوله: لو علم الإمام قوما) أي ملتزمين للأحكام مختارين مكلفين ولو حكما. وخرج بالقيود المذكورة أضدادها فليس المتصف بها
أو بشئ منها من حربي ولو معاهدا أو صبي أو مجنون أو مكره قاطع طريق، وقوله يخيفون الطريق: أي المار فيها بسبب
وقوفهم فيها، ولا بد أن يكون لهم شوكة: أي قوة بحيث يقاومون من يبرز إليهم، وخرج بذلك المختلسون لانتفاء الشوكة
فيهم فليسوا بقطاع، بل حكمهم قودا أو ضمانا كحكم غيرهم (قوله: ولم يأخذوا مالا) أي نصاب سرقة فيصدق بما لو
أخذوا دون ذلك ويلزمهم في هذه الصورة مع التعزير رده (قوله: ولا قتلوا نفسا) أي ولم يقتلوا أحدا ممن يمر عليهم



(1) سورة المائدة، الآية: 33.
186
(قوله: عزرهم) أي الامام، وهو جواب لو، (وقوله: وجوبا) أي تعزيرا واجبا عليه (قوله: بحبس) متعلق بعزر،
(وقوله: وغيره) أي غير الحبس بما يراه الامام من ضرب وغيره لارتكابهم معصية لا حد فيها ولا كفارة وللامام ترك ذلك
إذا رآه مصلحة، وإنما وجب التعزير لأجل ردعهم عن هذه الورطة العظيمة (قوله: وإن أخذ القاطع المال) أي نصاب
السرقة، ولا بد أن يكون من حرز مثله ولا شبهة له فيه وإلا فلا قطع كما مر في السرقة، (وقوله ولم يقتل) خرج به ما إذا
قتل وسيذكر حكمه (قوله: قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى) أي وجوبا فلو قطع الامام مع اليد اليمنى الرجل اليمنى
ضمن الرجل بالقود إن كان عامدا، وإلا فبالدية، ولا تجزئ عن قطع اليسرى لمخالفة قوله تعالي: * (من خلاف) *
(قوله: فإن عاد) أي لقطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل أيضا، (وقوله: فرجله اليمنى) أي فتقطع رجله اليمنى ويده
اليسرى (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا ولم يأخذ نصابا قتله الامام حتما، فلو قتل خطأ أو شبه عمد أو لا عدوانا بأن
قتل مرتدا أو زانيا محصنا أو تاركا للصلاة بعد أمر الامام أو من يستحق عليه القصاص فلا يقتل (قوله: وإن عفا الخ) غاية
في قتله (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا كما مر (قوله: وأخذ نصابا) أي نصاب السرقة وهو ربع دينار كما مر. (وقوله:
قتل أي قتله الامام أو نائبه) أي يأمر بذلك. (وقوله: ثم صلب) أي على خشبة أو نحوها. (وقوله: بعد غسله الخ) أي إن
كان مسلما. (وقوله: ثلاثة أيام) أي صلب ثلاثة أيام، ومحله إن لم يتفجر قبلها، فإن تفجر أنزل. وإنما صلب بعد القتل
زيادة في التنكيل وزجرا لغيره ولذلك لا يقام عليه الحد إلا في مكان يشاهده فيه من ينزجر به، وإنما كان ثلاثة أيام ليشتهر
الحال ويتم النكال ولان لها في الشرع اعتبارا في مواضع كثيرة ولا غاية لما زاد عليها، فلذلك لم يعتبر في الشرع غالبا
(قوله: ثم ينزل) أي ثم بعد صلبه ثلاثة أيام على نحو خشبة مثلا ينزل ويدفن (قوله: وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى) أي
ولو زاد على ثلاثة أيام (قوله: وفي قول يصلب حيا) أي لأنه عقوبة فيفعل به حيا. وقوله قليلا: قال في التحفة: الذي
يظهر أن المراد به أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره. اه‍.
واعلم: أن محل قتله وصلبه هو محل محاربته إلا أن لا يمر به من ينزجر به فأقرب محل إليه.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام تسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم قتل وصلب وقطع رجل، وكذا يد بتوبته عن
قطع الطريق قبل القدرة عليه لقوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) *
بخلاف ما لا تخصه، كالقود وضمان المال، فلا يسقط عنه بها أما توبته بعد القدرة عليه فلا يسقط بها شئ من ذلك وإن
صلح عمله لمفهوم الآية، والفرق أن التوبة قبل القدرة لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد، ولا تسقط سائر الحدود
المختصة بالله تعالى كحد زنا وسرقة وشرب خمر بالتوبة لأنه (ص) حد من ظهرت توبته، وقيل تسقط بها قياسا على حد
قاطع الطريق. نعم: تارك الصلاة يسقط حده بها مطلقا، وهذا الخلاف بحسب الظاهر، أما فيما بينه وبين الله فحيث
صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعا، ومن حد لم يعاقب في الآخر على ذلك لحديث: أيما عبد أصاب شيئا مما
نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده كفر الله عنه ذلك الذنب نعم: يعاقب على الاصرار عليه إن لم يتب. والله سبحانه وتعالى
أعلم.



(1) سورة المائدة، الآية: 34.
187
فصل في التعزير
أي في بيان موجبه وما يحصل به، والتعزير لغة التأديب وشرعا تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة، كما يؤخذ من
كلامه، والأصل فيه قبل الاجماع آية * (واللاتي تخافون نشوزهن) * الآية، فأباح الضرب عند المخالفة، فكان فيه تنبيه
على التعزير، وقوله (ص) في سرقة التمر إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال رواه أبو داود والنسائي بمعناه،
وروى البيهقي أن عليا رضي الله عنه سئل عمن قال للرجل يا فاسق يا خبيث؟ فقال يعزر، وهو يفارق الحد من ثلاثة
أوجه: أحدها اختلافه باختلاف الناس، والثاني جواز الشفاعة والعفو عنه بل يستحبان، والثالث التالف به مضمون،
خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، (قوله: ويعزر أي الامام أو نائبه) أي أو السيد أو الأب أو الزوج، كما
سيذكره، (قوله: لمعصية) متعلق بيعزر، واللام تعليلية: أي يعزر لأجل صدور معصية، (وقوله لا حد لها) أي المعصية،
وهو قيد خرج به المعصية التي فيها الحد كالزنا فلا تعزير فيه، (وقوله: ولا كفارة) خرج المعصية التي توجب الكفارة
كالتمتع بالطيب في الاحرام فلا تعزير أيضا فيه (قوله: سواء كانت) أي المعصية وهو تعميم فيها، (وقوله: حقا لله تعالى)
أي كشهادة الزور وموافقة الكفار في أعيادهم ونحوها ومسك الحيات ودخول النار وغير ذلك. (وقوله: أم لآدمي) أي أم
حقا لآدمي، وقوله كمباشرة الخ تمثيل له (قوله: غالبا) راجع لقوله ويعزر ولقوله لمعصية ولقوله لا حد لها ولا كفارة بدليل
كلام الشارح الآتي، فبين محترز التقييد بالغلبة في الثاني بقوله: وقد يشرع التعزير بلا معصية الخ، وفي الأول بقوله:
وقد ينتفي مع انتفاء الحد الخ، وفي الثالث بقوله وقد يجامع التعزير الكفارة الخ (قوله: كمن يكتسب باللهو) أي كالطبل
والنفير. فللامام أن يعزره وإن لم يكن مثله معصية، ومثله الصبي والمجنون إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ العاقل فيعزران
وإن لم يكن فعلهما معصية. (وقوله: الذي لا معصية فيه) يعلم بالأولى التعزير على اكتساب اللهو الذي فيه معصية ولا
حد فيها ولا كفارة كاللعب بالأوتار. قال البجيرمي: ومن ذلك ما جرت به العادة في مصر من اتخاذ من يذكر حكاية
مضحكة وأكثرها أكاذيب فيعزر على ذلك الفعل ولا يستحق ما يأخذ عليه، ويجب رده إلى دافعه وإن وقعت صورة
الاستئجار، لأنه على ذلك الوجه فاسد. اه‍. (قوله: وقد ينتفي) أي التعزير في إرتكار معصية. (قوله: كصغيرة الخ) أي
وكما في قطع شخص أطراف نفسه (قوله: لحديث الخ) دليل لانتفاء التعزير مع انتفاء الحد والكفارة (قوله: أقيلوا ذوي
الخ) أي تجاوزوا عنها ولا تؤاخذوهم عليها. (وقوله: عثراتهم) جمع عثرة، وهي الصغيرة التي لا معصية فيها - كما هو
أحد وجهين - وقيل أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع (قوله: إلا الحدود) أي فلا تقيلوهم فيها (قوله: وفي رواية



(1) سورة النساء، الآية: 34.
188
زلاتهم) أي بدل عثراتهم (قوله: وفسرهم) أي ذوي الهيئات (قوله: بمن ذكر) أي بمن لا يعرف بالشر. وعبارة المغني:
اقتضى كلام المصنف ثلاثة أمور: الأول تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى منه مسائل: الأولى إذا
صدر من ولي لله تعالى صغيرة فإنه لا يعزر - كما قاله ابن عبد السلام - قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط
بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أبو داود، قال الإمام الشافعي رحمه الله
تعالى: والمراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة. ولم يعلقه بالأولياء لان ذلك لا يطلع عليه.
فإن قيل: قد عزر عمر رضي الله عنه غير واحد من مشاهير الصحابة رضي الله عنهم وهم رؤوس الأولياء وسادات
الأمة ولم ينكره أحد؟.
أجيب: بأن ذلك تكرر منه، والكلام هنا في أول زلة زلها مطيع الخ. اه‍.
(قوله: وقيل هم) أي ذوو الهيئات. (وقوله: أصحاب الصغائر) أي مع عدم الاصرار عليها - كما هو ظاهر -
(قوله: وقيل من يندم الخ) أي وقيل هم من يندم على الذنب ويتوب منه، وظاهره أنه لا فرق في الذنب بين أن يكون كبيرة
أو صغيرة، وإلا لساوى هذا القيل ما قبله. (قوله: وكقتل من رآه يزني بأهله) معطوف على قوله كصغيرة: أي فمن رأى
شخصا يزني بأهله: أي وهو محصن فقتله انتفى عنه الحد والكفارة والتعزير لعذره. ومقتضى السياق أن قتله المذكور
معصية، لان الكلام في ارتكاب معصية انتفى فيها التعزير مع انتفاء الحد والكفارة، وهو كذلك. ولا ينافيه قوله بعد:
ويحل قتله باطنا لان ذلك مفروض فيمن ثبت زناه بأربعة. (وقوله: المذكور بعد) مفروض فيمن لم يثبت زناه - كما
ستقف عليه - ويفرق بين من ثبت زناه فلا يجوز قتله بإمكان رفعه للحاكم، وبين من لم يثبت زناه، فلا يجوز قتله بعذره
حيث رآه، يزني بأهله، وعجز عن إثباته. (وقوله: لأجل الحمية) أي ويعذر في ذلك لأجل الحمية: أي إرادة المنع عما
يطلب منه حمايته. وفي المختار: الحمية العار والأنفة. اه‍.
(قوله: ويحل قتله باطنا) الضمير يعود على من رآه يزني بأهله، والعبارة فيها سقط يعلم من عبارة التحفة، ونصها
بعد قوله: وكقتل من رأى الخ: هذا إن ثبت ذلك، وإلا حل له قتله باطنا، وأقيد به ظاهرا. اه‍. (وقوله: هذا إن ثبت
الخ) أي ما ذكر من انتفاء الحد والكفارة والتعزير إن ثبت زناه بأربعة، فإن لم يثبت، حل قتله باطنا، ولكن يؤخذ منه القود
ظاهرا (قوله: وقد يجامع التعزير الكفارة) أي وقد يجامع الحد أيضا، كما لو قطعت يد السارق، وعلقت في عنقه زيادة
في نكاله. وقد تجتمع الثلاثة الحد والكفارة والتعزير: كما لو زنى بأمه في جوف الكعبة في رمضان وهو صائم معتكف
محرم، فإنه يلزمه العتق لافساده صوم يوم من رمضان بالجماع، ويلزمه البدنة لافساده الاحرام بالجماع، ويلزمه الحد
للزنا والتعزير لقطع الرحم وانتهاك البيت. (قوله: كمجامع حليلته في نهار رمضان) أي فيجب فيه التعزير مع الكفارة
والقضاء، ومثله المظاهر فإنه يجب عليه التعزير معها، واليمين الغموس: أي الفاجرة، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها
في النار، أو في الاثم، فيجب فيها ذلك أيضا (قوله: ويحصل التعزير) دخول على المتن (قوله: بضرب غير مبرح) أي
غير شديد مؤلم. قال في المغني: فإن علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح فعن المحققين أنه ليس له فعل
المبرح ولا غيره. قال الرافعي: ويشبه أن يقال يضربه ضربا غير مبرح، إقامة لصورة الواجب. قال في المهمات. وهو
ظاهر. اه‍ (قوله: أو صفع) معطوف على ضرب: أي ويحصل التعزير بصفع (وقوله: وهو) أي الصفع. وقوله بجمع
الكف - بفتح الجيم - أي ضمها مع الأصابع، وليس بقيد، بل مثله بسطها (قوله: أو حبس) معطوف على ضرب: أي

189
ويحصل التعزير بحبس (قوله: حتى عن الجمعة) أي حتى يحبسه عن حضور الجمعة (قوله: أو توبيخ بكلام) أي
ويحصل التعزير بتوبيخ: أي تهديد بكلام، لأنه يفيد الرد والزجر عن الجريمة (قوله: أو تغريب) أي ويحصل التعزير
بتغريب عن بلده إلى مسافة القصر: إذ هو إلى ما دونها ليس بتعزير كما مر في الزنا (قوله: أو إقامة من مجلس) أي
ويحصل التعزير بإقامته من المجلس (قوله: ونحوها) أي ويحصل التعزير بنحو المذكورات، ككشف رأس، وتسويد
وجه، وحلق رأس لمن يكرهه، وإركابه حمارا منكوسا، والدوران به كذلك بين الناس (قوله: مما يراها) بيان لنحوها:
أي من كل عقوبة يراها الخ (وقوله: المعزر) أي الامام أو نائبه. وقوله جنسا وقدرا: منصوبان على التمييز أي من جهة
جنسها وقدرها بحسب ما يراد تأديبا.
والحاصل: أمر التعزير مفوض إليه لانتفاء تقديره شرعا، فيجتهد فيه جنسا، وقدرا، وانفرادا، واجتماعا، فله أن
يجمع بين الأمور المتقدمة، وله أن يقتصر على بعضها، بل له تركه رأسا بالنسبة لحق الله تعالى، لاعراضه (ص) عن جماعة
إستحقوه، كالغال في الغنيمة: أي الخائن فيها، وكلاوي شدقه في حكمه (ص) للزبير رضي الله عنه. ولا يجوز ترك
التعزير إن كان لآدمي، وتجوز الشفاعة فيه، وفي غيره من كل ما ليس بحد، بل تستحب لقوله تعالى: * (من يشفع شفاعة
حسنة يكن له نصيب منها) * ولخبر الصحيحين، عن أبي موسى أن النبي (ص) كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه
وقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.
(قوله: لا بحلق لحية) معطوف على بضرب: أي لا يحصل التعزير بحلق لحية، وصريحه عدم الاجزاء به. قال
سم على المنهج: وليس كذلك، بل يجزئ وإن كان لا يجوز، ونص عبارته: صريح هذا الكلام أن حلق اللحية لا
يجزئ في التعذير لو فعله الامام، وليس كذلك فيما يظهر، والذي رأيته في كلام غيره، أن التعزير لا يجوز بحلق
اللحية، وذلك لا يقتضي عدم الاجزاء، ولعله مراد الشارح. اه‍. (قوله: وظاهره) أي ظاهر منع التعزير بحلق اللحية
حرمة حلقها لأجله (قوله: وهو) أي المنع من التعزير بالحلق المقتضي للتحريم، إنما يتأتى على القول بحرمة الحلق
مطلقا. (وقوله: أما على كراهته الخ) أي أما إن جرينا على القول بكراهة الحلق، فلا وجه لمنع التعزير به. وقال في
النهاية لا يعزر بحلق لحية، وإن قلنا بكراهته وهو الأصح. اه‍ (وقوله: إذا رآه الامام) أي رأى التعزير بحلق اللحية زاجرا
له عن الجريمة، قال في التحفة بعده:
فإن قلت: فيه تمثيل وقد نهينا عن المثلة.
قلت: ممنوع لامكان ملازمته لبيته حتى تعود، فغايته أنه كحبس دون سنة. اه‍.
(قوله: ويجب أن ينقص التعزير الخ) أي لخبر من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين رواه البيهقي.
(وقوله: عن أربعين ضربة) هذا إذا كان التعزير بالضرب، فإن كان بالحبس أو بالتغريب، فيجب أن ينقص عن سنة في
الحر، وفي غيره يجب أن ينقص عن نصف سنة. (قوله: وعزر أب) أي بضرب وغيره وهذا ما بعده كالاستثناء من قوله
ويعزر أي الامام أو نائبه لمعصية الخ. وصرح في المغني بالاستثناء المذكور وعبارته: وقضية كلامه أنه لا يستوفيه: أي
التعزير إلا الامام، واستثنى منه مسائل: الأولى: للأب والام ضرب الصغير والمجنون زجرا لهما عن سئ الأخلاق،



(1) سورة النساء، الآية: 85.
190
وإصلاحا لهما. قال شيخنا: ومثلهما السفيه. وعبارة الدميري: وليس للأب تعزير البالغ وإن كان سفيها على الأصح،
وتبعه ابن شهبة، الثانية: للمعلم أن يؤدب من يتعلم منه، لكن بإذن الولي، الثالثة: للزوج ضرب زوجته لنشوزها، ولما
يتعلق به من حقوقه عليها، وليس له ذلك لحق الله تعالى لأنه لا يتعلق به، الرابعة: للسيد ضرب رقيقه لحقه اه‍. بحذف
(قوله: وألحق به الخ) أي وألحق الرافعي الام بالأب في تعزيرها الصغير. قال ع ش: ظاهره وإن لم تكن وصية، وكان
الأب والجد موجودين، ولعل وجهه أن هذا لكونه ليس تصرفا في المال، بل لمصلحة تعود على المحجور عليه، سومح
فيه ما لم يسامح في غيره. اه‍. (قوله: وإن علت) أي الام فلها أن تعزر (قوله: ومأذونه) معطوف على أب: أي وعزر
مأذون الأب أيضا (قوله: كالمعلم) أي فإذا أذن له الأب بالتعزير فله ذلك ولو كان بالغا، وإذا لم يأذن له فيه، فليس له
ذلك - كما في التحفة والنهاية - وقال في شرح الروض: قال الأذرعي وسكت الخوارزمي وغيره عن هذا التقييد،
والاجماع الفعلي مطرد من غير إذن. اه‍. وشمل المعلم: الشيخ مع الطلبة، فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه
فيما يتعلق بالتعلم. قال البجيرمي: وليس منه ما جر ت به العادة من أن المتعلم إذا توجه عليه حق لغيره يأتي صاحب الحق
للشيخ، ويطلب منه أن يخلصه من المتعلم منه، فإذا طلبه الشيخ منه ولم يوفه فليس له ضربه ولا تأديبه على الامتناع من
توفية الحق، فلو عزره الشيخ بالضرب وغيره حرم عليه ذلك لأنه لا ولاية له عليهم. اه‍. (قوله: صغيرا) مفعول عزر.
(وقوله: وسفيها) أي أو مجنونا (قوله: بإرتكابهما) الباء سببية متعلقة بعزر: أي عزر الأب أو مأذونه، صغيرا أو سفيها
بسبب ارتكابهما ما لا يليق. (وقوله: زجرا لهما الخ) أي منعا لهما عن الاتصاف بذميم الأخلاق: أي وإصلاحا لهما،
وهو علة التعزير (قوله: وللمعلم الخ) مكرر مع قوله كالمعلم وأيضا هذا يقتضي عدم اشتراط الاذن، وما تقدم يقتضي
الاشتراط (قوله: وعزر زوج زوجته لحقه) أي بالنسبة لحق نفسه (وقوله: كنشوزها) تمثيل له: أي فإذا نشزت - أي أو
تركت حقا من الحقوق المتعلقة به - فله تعزيرها على ذلك (قوله: لا لحق الله تعالى) أي لا يعزرها بالنسبة لحق الله
تعالى، ومحله - كما في التحفة والنهاية - ما لم يبطل أو ينقص شيئا من حقه، وإلا كأن شربت خمرا، فحصل نفور منها،
له سبب ذلك، أو نقص تمتعه بها بسبب رائحة الخمر، فله تعزيرها على ذلك (قوله: وقضيته) أي قضية منع تعزيرها لحق
الله تعالى. وقوله أنه لا يضربها على ترك الصلاة: أي لأنها حق الله تعالى (قوله: وأفتى بعضهم) هو ابن البزري (وقوله:
بوجوبه) أي ضربها على ترك الصلاة قال في التحفة: وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة
في أوقاتها وضربها عليها، وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا، بل إن توقف الفعل عليه، ولم
يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه. اه‍. وتقدم الكلام على هذه المسألة في أول الكتاب (قوله: كما قال
شيخنا) أي في فتح الجواد وعبارته: وأفتى بعضهم بوجوبه، والأوجه جوازه - كما بينته مع ما يتعلق به في الأصل - اه‍.
(قوله: وللسيد تعزير رقيقه لحقه وحق الله تعالى) أي لان سلطنته أقوى من غيره ولما مر في الزنا (قوله: وإنما يعزر من
مر) الفعل مبني للمعلوم، وفاعله ما بعده، وهو واقع على الأب ومأذونه والزوج والسيد، ويحمل بناؤه للمجهول وما بعده
نائب فاعل، ويكون واقعا على المحجور والزوجة والرقيق. (وقوله: بضرب) أي إن كان التعزير به (وقوله: غير مبرح)
أي شديد مؤلم كما مر (قوله: فإن لم يفد تعزيره) أي من ذكر. (وقوله: إلا بمبرح) أي بضرب مبرح (قوله: ترك) أي
التعزير رأسا، وهذا بخلاف التعزير الصادر من الامام فإنه يعزر بضرب غير مبرح، وإن لم يفد كما مر عن المغني نقلا عن
الرافعي. وفي فتح الجواد: ويعزر من مر، وإن لم يفد إلا نحو الزوجة إذا لم يفد تعزيره إلا بمبرح فيترك لأنه مهلك، أي

191
قد يؤدي إلى الهلاك، ومنه يؤخذ حد المبرح بأنه ما خشي منه هلاك ولو نادرا. اه‍. (وقوله: وغيره لا يفيد) أي ولان غير
المبرح لا يفيد شيئا فلا حاجة إليه.
(قوله: وسئل شيخنا الخ) تأييد لقوله وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح الخ (قوله: عن عبد مملوك) متعلق بسئل
(قوله: عصى) أي العبد (قوله: وخالف أمره الخ) هذا هو معنى العصيان. فلو قال بأن خالف أمره ولم يخدمه الخ لكان
أولى (قوله: هل لسيده الخ) هذه صورة السؤال (قوله: أن يضربه) أي عبده المذكور (قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس
له أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله: وإذا ضربه) أي العبد العاصي (قوله: ورفع به) أي رفع العبد أو غيره بسبب ضربه
المبرح: أي شكا سيده، فالفعل مبني للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله (قوله: فهل للحاكم أن يمنعه) أي السيد
(قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس للحاكم أن يمنعه عن ذلك (قوله: وإذا منعه الحاكم) أي عن الضرب المبرح، وقوله
مثلا: أي أو نائبه (قوله: ولم يمتنع) أي السيد عن الضرب المبرح (قوله: فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه الخ) لم
يجب عن هذه المسألة بالصراحة، وإن كان يعلم بالمفهوم من قوله أنه يباع عليه: أي يبيعه قهرا عليه، والذي يبيع كذلك
هو الحاكم. ومن المعلوم أن المبيع ملك للسيد، وقيمته كذلك، فيسلمها الحاكم له (قوله: وبماذا يبيعه) أي وإذا أراد
بيعه فبأي شئ يبيع العبد به، فما ركبت مع ذا وجعلتا كلمة واحدة، ويحتمل عدم التركيب، فتكون ما استفهامية، وذا
موصولة بدل من ما والعائد محذوف: أي وبما الذي يبيعه به والأظهر الأول (قوله: بمثل الثمن) بدل من الجار والمجرور
قبله، والقياس ذكر أداة الاستفهام قبله لتضمن المبدل منه معنى همزة الاستفهام عملا بقول ابن مالك:
وبدل المضمن الهمز يلي همزا، كمن ذا؟ أسعيد أم علي؟
(قوله: أو بما قاله المقومون) أي أو يبيعه بما يقوله المقومون: أي للسلع (قوله: أو بما انتهت الخ) أي أو يبيعه بما
انتهت: أو وصلت إليه الرغبات في وقت البيع (قوله: فأجاب) أي العلامة عبد الرحمن بن زياد رحمه الله (قوله: إذا
امتنع الخ) إذا شرطية جوابها جملة فللسيد الخ. (وقوله: الخدمة الواجبة عليه) أي على العبد. (وقوله: أن يضربه على
الامتناع) أي من الخدمة المذكورة. (وقوله: ضربا غير مبرح) مفعول مطلق مبين للنوع. (وقوله: إن أفاد الضرب
المذكور) هو غير المبرح (قوله: وليس له أن يضربه ضربا مبرحا) مقابل قوله فللسيد أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله:
ويمنعه) أي السيد (قوله: من ذلك) أي من الضرب المبرح (قوله: فإن لم يمتنع) أي السيد. (قوله: من الضرب
المذكور) هو المبرح، وفيه إظهار في مقام الاضمار (قوله: فهو) أي السيد: أي حكمه (قوله: كما لو كلفه من العمل ما
لا يطيق) أي كحكم السيد الذي كلف رقيقه من العمل ما لا يطيق، وسيذكره قريبا. (وقوله: بل أولى) أي بل هذا الذي
لم يمتنع من الضرب المذكور، أولى من الذي كلف رقيقه ما ذكر بالحكم الذي سيذكر (قوله: إذا الضرب الخ) علة
للأولية (قوله: بجامع التحريم) أي في كل من الضرب المبرح، ومن التكليف بما لا يطاق، وهذا بيان لوجه الشبه في

192
قوله فهو كما لو كلفه الخ، ولو قدمه على الاضراب وعلته لكان أولى (قوله: أنه يباع عليه) بدل من أنه الأولى وجواب إذا
محذوف يدل عليه هذا البدل. ولو قال وأفتى بأنه يباع عليه مملوكه إذا كلفه الخ لكان أولى (قوله: وهو ما انتهت إليه الخ)
أي ثمن المثل ما انتهت إليه، أي وصلت إليه ووقفت عنده رغبة الراغبين في دفعه لشراء ذلك العبد. (وقوله: الرغبات)
بفتح الغين، جمع رغبة بسكونها، (وقوله: في ذلك الزمان) أي زمان البيع (وقوله: والمكان) أي مكانه، وهو بلد السيد
التي العبد فيها. والله سبحانه وتعالى أعلم.

193
فصل في الصيال
أي في بيان حكمه: أي وفي بيان حكم الختان وإتلاف البهائم. فهذا الفصل معقود لذلك كله - كما ستقف عليه -
وإنما ذكر عقب التعزير لأنه يناسبه في مطلق التعدي. إذ التعزير سببه التعدي على حق الله أو حق عباده.
والأصل في الصيال قبل الاجماع قوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وتسمية
الثاني اعتداء مشاكلة، وإلا فهو جزاء للاعتداء الأول. وخبر البخاري أنصر أخاك ظالما أو مظلوما والصائل ظالم ونصره
منعه من ظلمه وفي مسند الإمام أحمد
بن حنبل رضي الله عنه من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو قادر أن ينصره أذله الله
تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة (قوله: وهو) أي الصيام لغة ما ذكر. وأما شرعا: فهو الوثوب على معصوم بغير
حق. (وقوله: الاستطالة) أي فهو مأخوذ من صال إذا استطال وعطف الوثوب عليها تفسير: أي الهجوم والعدو والقهر
(قوله: يجوز للشخص الخ) أي عند غلبة ظن صياله، فلا يشترط لجواز الدفع تلبس الصائل بصياله حقيقة. (وقوله: دفع
كل صائل) أي ولو آدمية حاملا، فإذا صالت على إنسان، ولم تندفع إلا بقتلها مع حملها، جاز على المعتمد ولا ضمان،
وفرق بينها وبين الجانية حيث يؤخر قتلها بأن المعصية هناك قد انقضت، وهنا موجودة مشاهدة حال دفعها، وهي الصيال،
وكذا يقال في دفع الهرة الحامل إذا صالت على طعام أو نحوه. اه‍. ش ق (قوله: مسلم الخ) تعميم في الصائل،
وسيأتي التعميم في المصول عليه. (قوله: مكلف وغيره) تعميم ثان في الصائل أيضا وغير المكلف كصبي ومجنون
وبهيمة (قوله: على معصوم) متعلق بصائل. وخرج غيره، كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، بعد أمر الامام، فلا يجوز
للشخص دفع الصائل عنهم، وله دفع مسلم عن ذمي، ووالد عن ولده، وسيد عن عبده، لأنهم معصومون (قوله: من
نفس الخ) بيان للمعصوم: أي المصول عليه، وهو كالتعميم: أي لا فرق في المصول عليه بين أن يكون نفسا، أو طرفا،
أو منفعة، أو بضعا، أو غير ذلك. قال في النهاية: فإن وقع صيال على الجميع في زمن واحد ولم يمكن إلا دفع واحد
فواحدة قدم النفس ومن يسري إليها كالجرح فالبضع، فالمال الخطير فالحقير، أو وقع الصيال على صبي يلاط به، أو
امرأة يزني بها، قدم الدفع عنها كما هو أوجه احتمالين، واقتضاه كلامهم، لان حد الزنا مجمع عليه ولما يخشى من
اختلاف الأنساب المنظور له شرعا. اه‍. وقال ابن حجر: في الصورة الأخيرة يقدم الدفع عن الصبي الملوط به، لان
اللواط لا طريق إلى حله. وقال الخطيب: يتخير بينهما التعارض المعنيين (قوله: أو طرف) - بفتحتين - العضو كما مر
(قوله: أو منفعة) إن كان المراد منفعة الطرف، فلا حاجة إلى ذكرها، لأنه يلزم من إبطاله إبطالها - كما قاله سم - وإن كان
المراد منفعة دار، أو دابة مثلا بأن يسكن الأولى، ويركب الثانية، فظاهر ولا يغني عنه ما قبله ولا يقال إن منفعة ما ذكر
داخلة في مال لأنا نقول هي لا تسمى مالا في العرف، وإن قوبلت بمال (قوله: أو بضع) بوزن قفل: أي قبلا كان أو دبرا،



(1) سورة البقرة، الآية: 194.
194
من آدمي أو بهيمة ولو بضع حربية، والدفع عن بعضها لا لاحترامها، بل من باب إزالة المنكر، وإن كان الواطئ لها
حربيا، لان الزنا لم يبح في ملة من الملل. (قوله: مقدماته) أي البضع: أي مقدمات الحال فيه، وهو الوطئ (قوله: أو
مال) معطوف على نفس. (وقوله: وإن لم يتمول) أي يقابل بمال. وقال في شرح المنهج: أو مال وإن قل، واختصاص
كجلد ميتة. اه‍.
واستشكل ذلك بما مر في السرقة من اشتراط نصاب لقطع اليد. وأجيب بأن ما ينزجر به السارق - وهو قطع اليد -
أمر محقق، لا يجوز العدول عنه لنص القرآن، فاشترط له أن يكون المال المسروق محققا، وهو ربع دينار فأكثر، وما
ينزجر به الصائل، كقتل غير محقق، لعدم النص عليه، فيجوز العدول عنه إلى ما دونه، فلم يشترط تقدير المال المصول
عليه.
(وقوله: على ما اقتضاه إطلاقهم) راجع للغاية: أي إن عدم اشتراط التمول في المال، جار على ما اقتضاه إطلاق
الفقهاء المال الذي يجوز الدفع عنه: أي أنهم لم يقيدوه بقليل ولا كثير. قال في التحفة بعده: ويؤيده أن الاختصاص هنا
كالمال مع قولهم: قليل المال خير من كثير الاختصاص، ويحتمل تقييد نحو الضرب بالمتمول. اه‍. (وقوله: تقييد نحو
الضرب) أي تقييد الدفع بنحو الضرب، كالقطع والقتل. (وقوله: بالمتمول) أي بأخذ الصائل متمولا (قوله: كحبة بر)
مثال لغير المتمول (قوله: أو اختصاص) معطوف على نفس، ويصح عطفه على مال، وهكذا كل معطوف بأو يجوز عطفه
على الأول وعلى ما قبله. (وقوله: كجلد ميتة) تمثيل للاختصاص. (قوله: سواء كانت) أي المذكورات من النفس وما
بعدها (قوله: وذلك) أي ما ذكر من جواز دفع الصائل، ثابت للحديث الصحيح (وقوله: أن الخ) بدل من الحديث، أو
عطف بيان له. (وقوله: قتل) بالبناء للمجهول. (وقوله: دون دمه) أي لأجل الدفع عن دمه الخ. قال القرطبي: دون في
الأصل ظرف مكان بمعنى أسفل وتحت، وهو نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى لأجل (قوله: ويلزم
منه) أي من كونه شهيدا إذا قتل، وهذا بيان لوجه دلالة الحديث على جواز دفع الصائل. وحاصله أنه لما جعل المقتول
لأجل الدفع شهيدا دل التزما على أن له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا، كان له القتل والقتال.
(وقوله: أي وما يسري إليهما) أي أو ما يؤدي إلى القتل والقتال. (وقوله: كالجرح) مثال له. (قوله: بل يجب) إضراب
انتقالي. (قوله: إن لم يخف الخ) قيد في وجوب الدفع بالنسبة لنفس الغير وبضعه: أي فإن خاف لا يجب عليه لحرمة
الروح. (وقوله: الدفع) فاعل يجب. (قوله: عن بضع) متعلق بالدفع، ولا فرق فيه بين أن يكون الصائل كافرا أو غيره.
(قوله: ومقدماته) أي البضع كالقبلة والمفاخذة والمعانقة. (قوله: ولو من غير أقاربه) أي يجب الدفع، ولو كان البضع
لغير أقاربه: أي ولو كان لبهيمة. (قوله: ونفس) أي له أو لغيره أو هو معطوف على بضع. (وقوله: ولو
مملوكة) أي ولو كانت النفس المصول عليها مملوكة، فإنه يجب الدفع عنها. (قوله: قصدها) أي النفس. (قوله: أو مسلم غير محقون
الدم) أي غير معصوم الدم بأن كان مهدرا. (قوله: كزان محصن الخ) تمثيل لغير محقون الدم. (قوله: وقاطع طريق
تحتم قتله) أي بأن أخذ المال وقتل. (قوله: فيحرم الاستسلام لهم) أي للكافر والبهيمة وغير محقون الدم، وذلك لان
الاستسلام للكافر فيه ذل ديني، والبهيمة تذبح لاستبقاء الآدمي، فلا وجه للاستسلام لها. وغير المعصوم كذلك. (قوله:
فإن قصدها) أي النفس له أو لغيره. (قوله: لم يجب الدفع) أي دفع المسلم الصائل عن النفس. (قوله: بل يجوز

195
الاستسلام) ومحله إذا لم يكن المصول عليه ملكا توحد في ملكه، أو عالما توحد في زمانه وكان في بقائه مصلحة عامة،
وإلا فيجب الدفع عنه، ولا يجوز الاستسلام. (قوله: بل يسن) أي الاستسلام (وقوله: للامر به) أي في خبر كن خير
ابني آدم - أي قابيل وهابيل - وخيرهما المقتول - وهو هابيل - لكونه استسلم للقاتل ولم يدفع عن نفسه ولذا استسلم
سيدنا عثمان رضي الله عنه وقال لعبيده - وكانوا أربعمائة - من ألقى منكم سلاحه فهو حر. (قوله: ولا يجب الدفع عن
مال) حله ما لم يتعلق به حق، كرهن وإجارة، وإلا وجب الدفع عنه. (وقوله: لا روح فيه) خرج ما فيه روح كبهيمة،
فإنه يجب الدفع عنها لكن بشرط أن يقصد الصائل إتلافها، وأن لا يخاف الدافع على نفسه. (وقوله: لنفسه) متعلق
بمحذوف صفة لمال، ومفهومه أنه إذا كان لغيره يجب الدفع عنه مطلقا، وليس كذلك بل لا يجب إلا إذا كان مال
محجوره أو وديعة تحت يده، أو وقفا. نعم: جرى الغزالي على وجوب الدفع عن مال الغير مطلقا إن أمكنه من غير مشقة
بدن، أو خسران مال، أو نقص جاه، فيمكن أن يكون الشارح تبعه في ذلك. تأمل. (قوله: وليدفع) أي الشخص
المصول عليه، وهو شروع في بيان كيفية الدفع. (وقوله: الصائل) مفعوله. (وقوله: المعصوم) سيأتي محترزه. (قوله:
بالأخف فالأخف) أي من الأنواع التي يتأتى الدفع بها. (قوله: إن أمكن) أي الدفع بالأخف وسيأتي محترزه. (قوله:
كهرب فزجر الخ) بيان للأخف على الترتيب: أي فيبدأ بالهر ب لأنه أخف من غيره، فإذا لم يندفع به فبالزجر بالكلام: أي
نهيه به فإذا لم يندفع به فبالإستغاثة، أو التحصن من الصائل بحصن يستتر فيه، فإذا لم يندفع به
بالضرب، فإذا لم يندفع به فبقطع عضو من أعضائه، فإذا لم يندفع به بالقتل ولا قود عليه ولا دية ولا كفارة. ومحل وجوب الترتيب بين الزجر
والاستغاثة إن ترتب على الاستغاثة ضرر أقوى من الضرر المترتب على الزجر، كأن يترتب عليه إمساك حاكم جائر، وإلا
فلا ترتيب بينهما. وظاهر المنهاج عدم الترتيب بينهما مطلقا. (قوله: لان ذلك الخ) علة لوجوب الدفع بالأخف فالأخف:
أي وإنما وجب الدفع بذلك لأنه إنما جوز للضرورة. (قوله: ولا ضرورة للأثقل) أي الأشد ضررا. (قوله: مع إمكان
الأخف) أي مع إمكان الدفع بالأخف. (قوله: فمتى خالف) أي المصول عليه الترتيب المذكور. (قوله: وعدل إلى رتبة)
أي أشد. (قوله: مع إمكان الاكتفاء) أي الدفع. (وقوله: بدونها) أي الرتبة المعدول إليها. (قوله: ضمن بالقود وغيره)
أي كالدية والكفارة. وقيمة البهيمة والرقيق. (قوله: نعم الخ) استدراك من وجوب البدء بالأخف فالأخف المقتضي
لوجوب الترتيب. (وقوله: بينهما) أي بين الصائل والدافع. (قوله: واشتد الامر عن الضبط) أي خرج الامر: أي أمر
الدافع عن ضبطه بالترتيب السابق (قوله: مراعاة الترتيب) جواب لو، ولو اختلفا في ذلك صدق الدافع. (قوله: أيضا) لا
محل لها هنا، ويمكن أن يلتمس لها محل من الاستدراك المذكور: أي أن محل رعاية الترتيب في الفاحشة، كما أن
محلها في غير حالة التحام القتال. (قوله: فلو رآه الخ) مفرع على مفهوم في غير الفاحشة: أي أما فيها فتسقط رعاية
الترتيب، فلو رآه الخ. وفاعل رأى يعود على الدافع، ومفعوله يعود على الصائل. (قوله: فله) أي الدافع أن يبدأه في
الدفع بالقتل، ويسقط الترتيب. (قوله: وإن اندفع بدونه) غاية في جواز بدئه بالقتل: أي له ذلك وإن اندفع المولج في
أجنبية بدون القتل. قال سم: كلام الشيخين مصرح بخلاف هذا، وعبارة العباب كالروض، وأصله: فإن اندفع بغير
القتل فقتله، فالقود إن لم يكن محصنا. اه‍. ولهذا قال شيخنا الشهاب الرملي: المعتمد خلاف ما قاله الماوردي
والروياني وأنه يجب الترتيب حتى في الفاحشة. اه‍. (قوله: لأنه) أي المولج في أجنبية. (وقوله: في كل لحظة مواقع)
أي مجامع لها. (وقوله: لا يستدرك) السين والتاء زائدتان، والمراد لا يدرك: أي لا يحصل منعه من الوقاع بالأناة بوزن

196
قناة: أي بالتأني والتراخي، يعني أن اللحظة التي يدفع فيها بالأخف فالأخف هو مواقع فيها، والقصد منعه منه رأسا، ولا
يكون ذلك إلا بالقتل، وفيه أن العلة المذكورة لا تظهر إلا بالنسبة لما إذا لم يندفع عن الوقاع إلا بالقتل، أما بالنسبة لما إذا
كان يندفع بغيره فلا تظهر، لأنه لا يصدق عليه أنه في كل لحظة مواقع لا يحصل منعه منه بالأناة، لأنه قد انكف بغيره عن
الوقاع. (قوله: قاله) أي ما ذكر من البدء بالقتل. (قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد. (وقوله: وهو) أي ما قاله
الماوردي الخ من بدئه بالقتل. (وقوله: في المحصن) أي بأن كان بالغا عاقلا واطئا في نكاح صحيح كما مر، وإنما كان
ما ذكر ظاهرا فيه لاستحقاقه القتل بفعله هذه الفاحشة. (قوله: أما غيره) أي غير المحصن. (قوله: فالمتجه أنه لا يجوز
قتله إلا إن أدى الخ) أي فإن لم يؤد الدفع بغير القتل إلى ما ذكر، لم يجز الدفع بالقتل، وهذا يفيد أنه قد ينكف عن الوقاع
بغير القتل. (قوله: وإذا لم يمكن الخ) محترز قوله وإن أمكن (وقوله: أما إذا كان الصائل الخ) محترز قوله المعصوم،
فهو جار على اللف غير المرتب.
(قوله: فرع) مناسبة ذكره هنا من حيث وجوب الدفع، وإلا فليس فيه صيال إلا أن يقال أن مرتكب المنكر صائل
مجازا على الشرع من حيث عدم امتثاله له. (قوله: يجب الدفع عن منكر) أي ولو أدى إلى القتل، ولا ضمان عليه بل
يثاب على ذلك. وعبارة التحفة: قال الامام ولا يختص الخلاف بالصائل، بل من أقدم على محرم، فهل للآحاد منعه
حتى بالقتل؟ قال الأصوليون لا، وقال الفقهاء نعم. قال الرافعي وهو المنقول، حتى قالوا لمن علم شرب خمر، أو ضرب
طنبور في بيت شخص، أن يهجم عليه ويزيل ذلك، فإن أبوا قاتلهم، فإن قتلهم فلا ضمان عليه، ويثاب على ذلك.
وظاهر أن محل ذلك: ما لم يخش فتنة من وال جائر، لان التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع. اه‍.
ومثله في النهاية والروض وشرحه. (قوله: ولو للقاتل) أي ولو كان الحيوان ملكا للقاتل، فله منعه من قتله لحرمة الروح.
وخرج بالقتل التذكية، فليس له منعه منها إن كان مما يذكى وكان ملكا للمذكي - كما هو ظاهر - (قوله: ووجب ختان
الخ) مناسبة ذكره هنا من حيث أن من تعدى بختان الصبي أو المجنون من غير إذن الولي، وهلك المختون ضمنه، كما أن
من تعدى في دفع الصائل بعدم الترتيب في المراتب السابقة يضمن أيضا. (وقوله: للمرأة والرجل) خرج الخنثى فلا
يجب ختنه بل لا يجوز على ما في الروضة والمجموع لان الجرح مع الاشكال ممنوع. (قوله: حيث لم يولدا مختونين)
أي فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان.
فائدة: روي أن نبينا (ص) ولد مختونا - كثلاثة عشر نبيا - وقد نظمهم المسعودي في قوله:
وإن ترد المولود من غير قلفة بحسن ختان نعمة وتفضلا
من الأنبياء الطاهرين فهاكم ثلاثة عشر باتفاق أولي العلا
فآدم شيث ثم نوح بنيه شعيب للوط في الحقيقة قد تلا
وموسى وهود ثم صالح بعده ويوسف زكرياء فافهم لتفضلا
وحنظلة يحيى سليمان مكملا لعدتهم في الخلف جاء لمن تلا



(1) سورة النحل، الآية: 123.
197
ختاما لجمع الأنبياء محمد عليهم سلام الله مسكا ومندلا
والمندل: اسم لعود البخور، وغلب غير آدم عليه، وإلا فهو لم يولد. انتهى. ع ش.
(قوله: لقوله تعالى الخ) دليل لوجوب الختان. (وقوله: أن اتبع ملة إبراهيم) يعني أن الذي لم يوح إليك فيه
شئ، وكان في ملة إبراهيم فاتبعه، وحينئذ يكون اتباعه فيه بوحي من عند الله تعالى، لا أنه تابع له فيه بلا وحي. اه‍.
بجيرمي. (قوله: ومنها) أي ومن ملة إبراهيم الختان: أي بوجوبه كما في المهذب، فدل على المدعي، واندفع ما يقال
لم يعلم أن الختن عنده واجب أو مندوب، والامر بالاتباع يشملهما. اه‍. بجيرمي. (قوله: اختتن) أي إبراهيم بالقدوم،
اسم موضع، وقيل آلة للنجار. (وقوله: وهو ابن ثمانين سنة) وقيل وهو ابن مائة وعشرين، والأول أصح. وقد يحمل
الأول على حسبانه من النبوة، والثاني من الولادة. (قوله: وقيل واجب الخ) أي الختان واجب الخ. (قوله: ونقل) أي
هذا القيل (قوله: ببلوغ وعقل) متعلقان بل يجب. (قوله: إذ لا تكليف قبلهما) أي قبل البلوغ والعقل، وهو علة لوجوب
الختان بما ذكر. (قوله: فيجب) أي الختن بعدهما: أي البلوغ والعقل فورا. قال في التحفة: إلا إن خيف عليه منه
فيؤخر، حتى يغلب على الظن سلامته منه، ويأمره به حينئذ الامام، فإن امتنع أجبره ولا يضمنه إن مات إلا أن يفعله به في
شدة حر أو برد فيلزمه نصف ضمانه. ولو بلغ مجنونا لم يجب ختانه. اه‍. (قوله: وبحث الزركشي الخ) عبارة فتح
الجواد: وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز توقفت صحة صلاته عليه لضيق القلفة، وعدم إمكان غسل ما تحتها من
النجاسة فيه نظر، لأنه لم يخاطب بوجوب الغسل حتى يلزم وليه ذلك. اه‍. (قوله: فالواجب الخ) شروع في بيان كيفية
الختن. (قوله: في ختان) الأولى في ختن، لأنه المصدر وهو الفعل، وأما الختان فهو موضع القطع. (قوله: قطع ما
يغطي حشفته) أي وهو القلفة - بضم القاف - قال ع ش: وينبغي أنها إذا نبتت بعد ذلك لا تجب إزالتها لحصول الفرض
بما فعل أولا. اه‍. (قوله: حتى تنكشف) أي الحشفة كلها. (قوله: والمرأة الخ) أي والواجب في ختان المرأة قطع جزء
يقع عليه اسم الختان وتقليله أفضل لخبر أبي داود وغيره أنه (ص) قال للخاتنة: أشمي ولا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب
للبعل أي لزيادته في لذة الجماع، وفي رواية: أسرى للوجه أي أكثر لمائه ودمه. (قوله: من اللحمة) متعلق بقطع.
(قوله: فوق ثقبة البول) حال من اللحمة: أي حال كونها فوق ثقبة البول وهو توكيد لما قبله. (قوله: تشبه) أي اللحمة
الكائنة فوق ما ذكر. (قوله: عرف الديك) - بضم العين - اللحمة الحمراء التي في رأسه (قوله: وتسمى) أي اللحمة
المذكورة (قوله: ونقل الأردبيلي) هو بهزة مفتوحة، وراء ساكنة، ثم دال مفتوحة، وباء مكسورة، صاحب الأنوار.
(قوله: ولو الخ) جملة الشرط، والجواب مفعول نقل. أي نقل هذا اللفظ. (قوله: كان) أي الذي يراد ختنه. (وقوله:
ضعيف الخلقة) خبر كان. (قوله: بحيث الخ) تصوير لضعيف الخلقة، أي أنه مصور بحالة هي أنه لو ختن لخيف عليه
الهلاك. (قوله: لم يختن) جواب لو الأولى، فلو خولف وختن، ضمنه من ختنه بالقود أو بالمال بشرطهما من المكافأة في
القود والعصمة في المال كما مر. ومن ختن مطيقا فمات، لم يضمنه إن كان وليا أو مأذونه، فإن كان أجنبيا ضمنه لتعديه
بالمهلك كذا في شرح المنهج. (قوله: إلا أن يغلب على الظن سلامته) أي فإنه يختن (قوله: ويندب تعجيله سابع الخ)
أي لأنه (ص) ختن الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم سابعهما ويكره قبل السابع، ولا يحسب من السبعة، يوم
ولادته، لأنه كلما أخر قوي عليه. وبه فارق العقيقة، حيث حسب فيها يوم الولادة من السبعة، ولأنها بر فندب الاسراع

198
إليه. (قوله: فإن أخر) أي الختن عنه: أي سابع يوم الولادة. (قوله: ففي الأربعين) أي فيختن في الأربعين من الولادة.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يختن في الأربعين، فيختن في السنة السابعة. قال ع ش: وبعدها ينبغي وجوبه على الولي إن
توقفت صحة الصلاة عليه. اه‍. وهو مؤيد لبحث الزركشي السابق. (قوله: لأنها) أي السنة السابعة وقت أمر الصبي
بالصلاة. (قوله: لم يختن) أي بعد موته في الأصح. (قوله: ويسن إظهار الخ) قال في التحفة بعده: كذا نقله جمع منا
عن ابن الحاج المالكي، وسكتوا عليه، وفيه نظر، لان مثل هذا إنما يثبت بدليل ورد عنه (ص)، فإن أريد أن ذلك أمر
استحساني لم يناسبه الجزم بسنيته، وظاهر كلامهم في الولائم، أن الاظهار سنة فيهما، إلا أن يقال لا يلزم من ندب وليمة
الختان إظهاره في المرأة. اه‍. (قوله: وأما مؤنة الختان) أي من أجرة الخاتن وشراء أدوية وغير ذلك. (قوله: ففي مال
المختون) أي لأنه لمصلحته. (قوله: ثم على الخ) أي ثم إن لم يكن عنده مال، فهي واجبة على من تلزمه مؤنته. (قوله:
ويجب أيضا) أي كما يجب الختان. (قوله: قطع سرة المولود) الأولى سر - بحذف التاء - لان السرة لا تقطع. إذ هي
الموضع الذي يقطع منه السر، والمخاطب بقطعها الولي إن حضر، وإلا فمن علم به عينا تارة، وكفاية أخرى، كإرضاعه
لأنه واجب فوري لا يقبل التأخير. فإن فرط فلم يحكم القطع أو نحو الربط الآتي ضمن. (وقوله: بعد ولادته) أي عقبها.
(قوله: بعد نحو ربطها) متعلق بقطع (قوله: لتوقف الخ) علة لوجوب القطع بعد نحو الربط. (وقوله: عليه) أي على
القطع المذكور (قوله: وحرم تثقيب أنف مطلقا) أي لصبي أو صبية. وعبارة التحفة: ويظهر في خرق الانف بحلقة تعمل
فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقا، لأنه لا زينة في ذلك يغتفر لأجلها إلا عند فرقة قليلة، ولا عبرة بها مع العرف العام،
بخلاف ما في الآذان فإنه زينة للنساء في كل محل. اه‍. قال ع ش: ومع حرمة ذلك فلا يحرم على من فعل به ذلك وضع
الخزام للزينة، ولا النظر إليه. اه‍. (قوله: وأذن صبي) أي وحرم تثقيب أذن الصبي، والأولى لصبي: إذ لفظ أذن من
المتن فهو منون. (قوله: قطعا) صريح في أنه لا خلاف في حرمته، وليس كذلك، لان العلامة الرملي استوجه الجواز
مطلقا في الصبي والصبية - كما يعلم من عبارته فلتراجع - (قوله: وصبية على الأوجه) أي وحرم تثقيب أذن صبية على
الأوجه. (قوله: لتعليق الخ) متعلق بتثقيب. (وقوله: الحلق) جمع حلقة (قوله: كما صرح به الخ) أي كما صرح بتحريم
تثقيب الاذن في الصبي والصبية الغزالي وغيره. (قوله: لأنه) أي التثقيب، وهو تعليل للحرمة. (قوله: لم تدع إليه حاجة)
أي لم تدع إلى ذلك الإيلام حاجة. (قوله: وجوزه) أي التثقيب في خصوص الاذن مطلقا للصبي والصبية، وليس راجعا
لتثقيب الانف أيضا، كما قد يتبادر من كلامه. (قوله: واستدل) أي الزركشي. (قوله: بما في حديث أم زرع).
إعلم، أن هذا الحديث أفرده الأئمة بالتصنيف، وله ألقاب كثيرة أشهرها ما ذكره. وله أيضا طرق كثيرة بعضها
موقوف، وبعضها مرفوع، والمرفوع - كما في رواية عبد الله بن مصعب - عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل
علي رسول الله (ص) فقال: يا عائشة: كنت لك كأبي زرع لام زرع. فقلت: يا رسول الله: وما حديث أبي زرع وأم زرع؟
قال: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، فقالت الأولى: زوجي لحم
جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أثير خبره إني أخاف أن لا
أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أو أطلق، وإن أسكت أعلق. قالت الرابعة:
زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل

199
عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. قالت
السابعة: زوجي عياياء أو غياياء طباقاء كل داء، له داء شجك، أو فلك أو جمع كلالك. قالت الثامنة: زوجي المس مس
أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن
صوت المزهر أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملا من
شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي. وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس
ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبي زرع. فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها
فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبه؟ وتشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟
طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا
تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين
يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي
نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شئ أعطانيه ما بلغ أصغر
آنية أبي زرع: قالت عائشة رضي الله عنها: فقال لي رسول الله (ص): كنت لك كأبي زرع لام زرع وحيث سقنا الحديث
بتمامه، فلنتمم الفائدة بشرح كلماته بالاختصار تبركا بذلك. فقوله في الحديث قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث،
أي كلحم الجمل شديد الهزال في الرداءة. وقوله: على رأس جبل أي كائن ذلك اللحم على رأس جبل. وقوله: لا سهل
فيرتقي أي ليس ذلك الجبل سهلا فيصعد إليه. وقوله: ولا سمين أي ذلك اللحم فينتقل إلى البيوت. والكلام على اللف
غير المرتب. والمقصود من ذلك: المبالغة في تكبره، وسوء خلقه مع كونه مكروها رديئا. وقوله: قالت الثانية زوجي لا
أثير خبره: أي لا أظهره. قوله: إني أخاف أن لا أذره أي لا أترك عدم ترك الخبر بأن أذكره والمقصود أنها تريد أن لا تذكر
خبره، لأنها تخاف الشقاق والفراق وضياع العيال، لأنها إن تذكره تذكر عجره وبجره: أي سائر عيوبه الظاهرة والخفية.
وقوله: قالت الثالثة: زوجي العشنق - بعين مهملة وشين معجمة مفتوحتين ونون مفتوحة مشددة - وهو الطويل المستكره
في طوله النحيف. قوله: إن أنطق أطلق أي إن أنطق بعيوبه تفصيلا يطلقني لسوء خلقه، ولا أحب الطلاق لحاجتي إليه.
(وقوله: وإن أسكت أعلق) أي وإن أسكت عن عيوبه يصيرني معلقة، وهي المرأة التي لا هي مزوجة بزوج ينفع، ولا
مطلقة تتوقع أن تتزوج. وقوله: وقالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، أي في الاعتدال وعدم الأذى وسهولة أمره - كما بينته
بقولها بعد لا حر ولا قر - أي لا ذو حرارة مفرطة، ولا ذو قر بفتح القاف، أي برودة. وبقولها: لا مخالفة ولا سآمة) أي لا
ذو مخافة ولا ذو سآمة. (وقوله: وقالت الخامسة زوجي إن دخل فهد) أي فهو كالفهد بفتح الفاء والهاء، وفي الوثوب علي
لإرادة الجماع، أو في النوم والتمرد، فهو يحتمل المدح والذم. وقوله: وإن خرج أسد: أي فهو كالأسد أي في فضل قوته
وشجاعته، أو في غضبه وسفهه فيحتمل أيضا المدح والذم. (وقوله: ولا يسأل عما عهد) أي علم في بيته من مطعم
ومشرب وغيرهما، إما تكرما وإما تكاسلا، فهو محتمل أيضا للمدح والدم. وقوله: وقالت السادسة: زوجي إن أكل لف
- بتشديد الفاء - أي كثر وخلط صنوف الطعام، ومرادها أنه إن أكل لم يبق شئ للعيال، وأكل الطعام بالاستقلال.
(وقوله: وإن شرب اشتف) أي شرب الشفافة بضم الشين، وهي بقية الماء في قعر الاناء. (وقوله: وإن اضطجع التف)
أي وإن اضطجع التف في ثيابه وتغطى بلحاف منفردا في ناحية وحده، ولا يباشرها فلا نفع فيه. (وقوله: ولا يولج الكف
ليعلم البث) أي ولا يدخل يده تحت ثيابها عند مرضها ليعلم الحزن والمرض. والمراد لا شفقة عنده عليها حتى في حال
مرضها فكأنه أجنبي. (وقوله: وقالت السابعة: زوجي عياياء) بفتح العين المهملة وتحتيتين بينهما ألف وهو من الإبل
الذي عيى من الضراب، ومرادها أنه عنين لا يقدر على الجماع. (وقوله: أو غياياء) بفتح الغين المعجمة وتحتيتين
كالذي قبله: أي ذو غي وهو الضلالة أو الخيبة. (وقوله: طباقاء بفتح أوله ممدودا) أي أحمق تنطبق عليه الأمور فلا
يهتدي لها. (وقوله: كل داء له دواء) أي كل داء يعرف في الناس فهو داء له. والمراد أنه اجتمع فيه سائر العيوب

200
والمصائب. وقوله: شجك بتشديد الجيم وكسر الكاف أي جرحك إن ضربك. وقوله: أو فلك - بتشديد اللام وكسر
الكاف أيضا - بمعنى كسرك. (وقوله: أو جمع كلا) أي من الجرح والكسر لك. والمراد أنه ضروب لها، فإن ضربها
شجها أو كسر عظمها، أو جمع الشج والكسر، لسوء عشرته مع الأهل. (وقوله: وقالت الثامنة: زوجي المس مس
أرنب) أي كمس الأرنب في اللين والنعومة. (وقوله: والريح ريح زرنب) أي وريحه كريح الزرنب، وهو نوع من النبات
طيب الرائحة. (وقوله: قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد) أي شريف الذكر، ظاهر الصيت. وقوله: طويل النجاد
- بكسر النون - حمائل السيف، وطولها يستلزم طول القامة، وهو المراد. وقوله: عظيم الرماد، أي عظيم الكرم والجود
على سبيل الكناية. (وقوله: قريب البيت من الناد) أي قريب المنزل من النادي الذي هو مجتمع القوم. (وقوله: وقالت
العاشرة: زوجي مالك) أي اسمه مالك. وقوله: وما مالك؟ استفهام تعظيم وتفخيم، فكأنها قالت: مالك شئ عظيم،
لا يعرف لعظمته، فهو خير مما يثنى عليه به. وقوله: مالك خير من ذلك: أي من كل زوج سبق ذكره. وقوله: له إبل
كثيرات المبارك: جمع مبرك، وهو محل بروك البعير. وقوله: قليلات المسارح: جمع مسرح، وهو محل تسريح
الماشية، والمراد أنه لاستعداده للضيفان يتركها باركة بفناء بيته كثيرا، ولا يوجههما للرعي إلا قليلا، حتى إذا نزل به
ضيف كانت حاضرة عنده، ليسرع إليه بلبنها أو لحمها. وقوله: إذا سمعت صوت المزهر - بكسر الميم - أي العود الذي
يضرب به عند الغناء. وقوله: أيقن أنهن هوالك أي منحورات للضيف. وقوله: قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع، وما
أبو زرع؟ الاستفهام للتعظيم. وقوله: أناس من حلي أذني: أي ملا أذني من الحلى، وهذا هو محل استدلال الزركشي،
ونظر في التحفة في الاستدلال به، بأن وجود الحلي فيهما لا يدل على حل ذلك التخريق السابق. وقوله: وملا من شحم
عضدي: المراد وجعلني سمينة بالتربية في التنعم، وخصت العضدين بالذكر، لأنهما إذا سمنا يسمن سائر الجسد.
وقوله: وبجحني فبجحت إلى نفسي: أي فرحني وعظمني، ففرحت وعظمت إلى نفسي. وقوله: وجدني في أهل غنيمة
بالتصغير: أي في أهل غنم قليل. وقوله: بشق - بفتح الشين - اسم موضع: وقوله: فجعلني في أهل صهيل وأطيط
ودائس ومنق: أي فحملني إلى أهل خيل ذات صهيل، وإبل ذات أطيط، وبقر تدوس الزرع، ومنق ينق الحب وينظفه،
وقوله: فعنده أقول فلا أقبح: أي فأتكلم عنده بأي كلام فلا ينسبني إلى القبح، لكرامتي عليه ولحسن كلامي لديه.
وقوله: وأرقد فأتصبح: أي فأنام إلى أن يدخل الصباح، ولا يوقظني لخدمته. وقوله: وأشرب فأتقمح: أي أروى وأدع
الماء لكثرته عنده، مع قلته عند غيره. وقوله: أم أبي زرع: لما مدحت أبا زرع، انتقلت إلى مدح أمه. وقوله، فما أم أبي
زرع؟ استفهام تعظيم وتفخيم. وقوله: عكومها رداح: بضم العين والكاف، وفتح الراء والدال، أي أعدالها عظيمة
ثقيلة، وقوله: وبيتها فساح - بفتح الفاء - أي واسع. وقوله: ابن أبي زرع: لما مدحت أبا زرع وأمه، انتقلت إلى مدح
ابنه. وقوله: مضجعه كمسل شطبة: أي محل اضطجاعه - وهو الجنب - كشطبة مسلولة من جريد النخل. والمراد أنه في
غاية اللطافة. وقوله: وتشبعه ذراع الجفرة: فيه إشارة إلى قلة أكله. وقوله: بنت أبي زرع. لما مدحت أبا زرع وأمه وابنه،
انتقلت إلى مدح بنته. وقوله: طوع أبيها وطوع أمها: أي هي مطيعة لهما بارة بهما. وقوله: وملئ كسائها أي مالئة
لكسائها لضخامتها وسمنها، وهذا ممدوح في النساء. وقوله: وغيظ جارتها: المراد منها ضرتها، وإنما أغاظتها لغيرتها
منها بسبب مزيد جمالها وحسنها. وقوله: جارية أبي زرع: لما مدحت من تقدم، انتقلت إلى مدح جاريته. وقوله: لا
تبث حديثنا تبثيثا أي لا تنشر كلمنا الذي نتكلم به فيما بيننا نشرا، لديانتها. وقوله: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: أي لا تنقل
طعامنا نقلا لأمانتها وصيانتها. وقوله: ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تجعل بيتنا مملوءا من القمامة والكناسة، حتى يصير
كأنه عش الطائر، بل تصلحه وتنظفه لشطارتها. وقوله: قالت - أي أم زرع - خرج أبو زرع: أي من البيت لسفر والأوطاب
تمخض، بالبناء للمجهول، أي أسقية اللبن تحرك لاستخراج الزبد من اللبن. وقوله: فلقي: أي أبو زرع في سفره.
وقوله: يلعبان من تحت خصرها برمانتين: المراد أنها ذات كفل عظيم، بحيث إذا استلقت، يصير تحت وسطها فجوة
يجري فيها الرمان، فيلعب ولداها برمي الرمانتين. وقوله: فطلقني ونكحها: أي فبسبب ذلك طلقني وتزوج علي.
وقوله: رجلا سريا: أي شريفا. وقوله: ركب شريا: بفتح الشين وتشديد الياء: أي فرسنا. وقوله: وأخذ خطيا - بتشديد

201
الطاء المكسورة - أي رمحا. وقوله: وأراح علي نعما ثريا: أي أدخل علي نعما كثيرة. وقوله: وأعطاني من كل رائحة
زوجا: أي أعطاني من كل بهيمة اثنين اثنين. وقوله، وقال كلي أم زرع: أي وقال لي ذلك الرجل الذي تزوجته، كلي ما
تشائين يا أم زرع. وقوله: وميري أهلك أي أعطيهم الميرة: أي الطعام. وقوله: فلو جمعت كل شئ الخ تعني أن جميع
ما أعطاها، لا يساوي أصغر شئ حقير مما لأبي زرع. وفي ذلك إشارة إلى قولهم:
ما الحب إلا للحبيب الأول
ولذلك كانت السنة تزوج البكر. (وقوله: كنت لك كأبي زرع لام زرع) أي في الألفة والعطاء - لا في الفرقة
والخلاء - فالتشبيه ليس من كل وجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: أنه لا بأس به) أي أن تثقيب الاذن لا بأس به مطلقا. (قوله: لأنهم) أي العرب (وقوله: كانوا يفعلونه) أي
التثقيب (وقوله: فلم ينكر عليهم الخ) هذا هو محل الاستدلال، وفيه نظر، لان التثقيب سبق في الجاهلية، وسكوت
النبي (ص) لا يدل على حله. وزعم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع لا يجدي هنا، لأنه ليس فيه تأخير ذلك، إلا لو
سئل عن حكم التثقيب، أو رأى من يفعله، أو بلغه ذلك، فهذا هو وقت الحاجة. وأما شئ وقع وانقضى، ولم يعلم هل
فعل بعد أو لا، فلا حاجة ماسة لبيانه، نعم لو كان نقل أنهم استمروا على فعله بعد الاسلام، ولم ينكر عليهم
رسول الله (ص)، لصلح الاستدلال به، ولم يثبت ذلك - كما نقله في التحفة عن الغزالي ونصها - نعم، صرح الغزالي
وغيره بحرمة تثقيب أذن الصبي أو الصبية، لأنه إيلام لم تدع إليه حاجة. قال الغزالي: إلا إن يثبت فيه من جهة النقل
رخصه ولم تبلغنا، وكأنه أشار بذلك إلى رد ما قيل مما جرى عليه قاضيخان من الحنفية في فتاويه إلى آخر الشرح.
(قوله: وفي الرعاية) اسم كتاب. (قوله: يجوز) أي التثقيب في الاذن (قوله: لغرض الزينة) أي بتعليق الحلي. (قوله:
ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج) عبارته.
والحاصل: أن الذي يتمشى على القواعد حرمة ذلك في الصبي مطلقا، لأنه لا حاجة له فيه يغتفر لأجلها ذلك
التعذيب، ولا نظر لما يتوهم أنه زينة في حقه ما دام صغيرا، لان الحق أنه لا زينة فيه بالنسبة إليه، وبفرضه هو عرف
خاص ولا يعتد به إلا في الصبية لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا، وقد جوز (ص) اللعب لهن للمصلحة،
فكذا هذا. وأيضا جوز الأئمة لوليها صرف مالها فيما يتعلق بزينتها، لبسا وغيره، مما يدعو الأزواج إلى خطبتها، وإن
ترتب عليه فوات مال لا في مقابل، تقديما لمصلحتها المذكورة، فكذا هنا ينبغي أن يغتفر هذا التعذيب لأجل ذلك. على
أنه تعذيب سهل محتمل، وتبرأ منه سريعا، فلم يكن في تجويزه لتلك المصلحة مفسدة بوجه. فتأمل ذلك فإنه
مهم. اه‍. (قوله: لما عرف أنه) أي التثقيب في الاذن زينة. والمراد أنه سبب في الزينة الحاصلة بتعليق الحلي، وإلا
فنفس التثقيب لا يعد زينة. (قوله: قديما وحديثا) أي جاهلية وإسلاما.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم ما تتلفه البهائم. (قوله: من كان مع دابة) أي سواء كان مالكها، أو مستعيرها، أو
مستأجرها، أو غاصبها، أو وديعها، أو مرتهنها، وسواء كان من ذكر راكبها، أو سائقها، أو قائدها. وإذا اجتمع الثلاثة

202
- أعني الراكب والسائق والقائد - فيختص الضمان بالراكب على الأرجح من وجهين، ولو كان أعمى ثانيهما يكون
الضمان أثلاثا، وخص ع ش كون الضمان على الراكب على الأرجح، بما إذا كان الزمام بيده، وإلا فالضمان على من
الزمام بيده. ولو اجتمع سائق وقائد دون راكب، فالضمان عليهما نصفين، ولو كان عليها راكبان فالضمان على المقدم
منهما، لان سيرها منسوب إليه، وقيل عليهما لان اليد لهما. نعم، إن لم ينسب إلى المقدم فعل، كصغير ومريض لا
حركة له، وجب الضمان على المؤخر وهو الرديف وحده، لان فعلها حينئذ منسوب إليه، وكذا لو كان المقدم غير ملتزم
للأحكام كحربي. هذا إن كانا على ظهرها، فإن كان في جنبيها متحاذيين، كأن كانا في محارة أو شقدف فالضمان
عليهما. فلو ركب في الوسط ثالث، اختص الضمان به عند العلامة الرملي، وعند غيره الضمان على الثلاثة. (وقوله:
يضمن الخ) أي غالبا، ومن غير الغالب قد لا يضمن، كأن أركب أجنبي صبيا أو مجنونا بغير إذن الولي، فأتلفت شيئا
فالضمان على الأجنبي، وكأن نخسها إنسان بغير إذن راكبها، فرمحت فأتلفت شيئا، فالضمان على الناخس. فلو كان
بإذنه فالضمان عليه، وكأن ند بعيره، أو انفلتت دابته من يده، فأفسدت شيئا، فلا ضمان عليه لغلبتها له حينئذ، وكأن
كانت الدواب مع راع فهاجت ريح، وأظلم النهار فتفرقت منه، وأتلفت زرعا مثلا، فلا ضمان على الراعي في الأظهر
للغلبة، بخلاف ما لو تفرقت لنومه، فأتلفت شيئا فإنه يضمنه لتفريطه. (وقوله: ما أتلفته ليلا ونهارا) قال في المنهج
وشرحه: أي أو ما تلف ببولها أو روثها أو ركضها ولو معتادا بطريق، لان الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة - كما في
الجناح والروشن - وهذا ما جزم به في الروضة، وأصلها في باب محرمات الاحرام، وهو المنقول عن نص الام
والأصحاب، وجزم به في المجموع، وفيه احتمال للامام بعدم الضمان، لان الطريق لا تخلو منه، والمنع منها لا سبيل
إليه، وعلى هذا الاحتمال جرى الأصل، كالروضة وأصلها هنا. اه‍. (وقوله: وعلى هذا الاحتمال الخ) اعتمده أيضا في
النهاية والتحفة، ومحل الضمان فيما أتلفته الدابة إذا لم يقصر صاحبه، فإن قصر كأن وضعه بطريق، أو عرضه لها، فلا
ضمان لتفريطه، فهو المضيع لماله. (قوله: وإن كانت وحدها) أي وإن كانت الدابة سائرة وحدها: أي وقد أرسلها في
الصحراء، على الأصح في الروضة. وقال الرافعي: إنه الوجه. أما لو أرسلها في البلد، فيضمن مطلقا لمخالفته العادة.
قال في التحفة: وقضيته أن العادة لو اطردت به - أي بإرسالها في البلد - أدير الحكم عليها أيضا كالصحراء، إلا أن يفرق
بغلبة ضرر المرسلة بالبلد، فلم تقو فيها العادة على عدم الضمان. ويؤيده قول الرافعي: إن الدابة في البلد تراقب ولا
ترسل وحدها. اه‍. (وقوله: لم يضمن صاحبها الخ) أي للحديث الصحيح بذلك، الموافق للعادة في حفظ نحو الزرع
نهارا، وحفظ الدابة ليلا، ومن ثم لو جرت عادة بلد بعكس ذلك، انعكس الحكم، أو بحفظها فيهما - أي ليلا ونهارا -
ضمن فيهما - كما بحثه البلقيني - وقياسه أنها لو جرت بعدمه فيهما لم يضمن فيهما اه‍. تحفة. (قوله: إلا أن يفرط في
ربطها) أي أن الضمان عليه فيما أتلفته ليلا، إلا إذا لم يفرط في ربطها، بأن أحكمه وأغلق الباب واحتاط على العادة،
فخرجت ليلا لنحو حلها، أو فتح لص للباب، فإنه لا ضمان عليه حينئذ لعدم تقصيره. (قوله: وإتلاف نحو هرة) دخل فيه
الطير والنحل، فقولهم لا ضمان بإرسال الطير والنحل، محمول على غير العادي الذي عهد إتلافه. سم. وقال: ق ل
على الجلال: إنه لا ضمان مطلقا، كما قاله شيخنا ز ي و خ ط، وخالفهما شيخنا م ر اه‍. بجيرمي. (وقوله: عهد
إتلافها) أي الهرة، والأولى إتلافه بتذكير الضمير، والمراد عهد ذلك منه مرتين أو ثلاثا. وقيل يكتفي بمرة. وخرج به التي
لم يعهد ذلك منها، فلا ضمان فيه على الأصح، لان العادة جرت بحفظ الطعام عنها لا ربطها. (وقوله: ضمن) - بفتح
الضاد وتشديد الميم المفتوحة - وضميره المستتر يعود على المبتدأ وهو إتلاف، والجملة خبره. (وقوله: مالكها) أي نحو
الهرة، والأولى أيضا أن يكون مالكه بتذكير الضمير. ولو قال كما في شرح المنهج مضمن لذي اليد لكان أولى، لايهامه
تخصيص ذلك بالمالك، وليس كذلك إذ المستعير والمستأجر ونحوهما كالمالك. (وقوله: إن قصر في ربطه) أي نحو

203
الهرة، لان هذا ينبغي أن يربط، ويكفى شره، وخرج به ما إذا أحكم ربطه وأغلق الباب واحتاط على العادة، فانحل من
رباطه، أو فتح لص الباب، فخرج وأتلف فلا ضمان. (قوله: وتدفع الهرة الضارية) أي المفترسة التي عهد منها ذلك.
(وقوله: على نحو طير) متعلق بمحذوف صفة: أي الضارية الجانية على نحو طير. وسيأتي محترزه. (قوله: كصائل)
متعلق بتدفع (وقوله: برعاية الترتيب السابق) متعلق أيضا بتدفع: أي تدفع بالأخف فالأخف، كما في الصائل. ولو أخر
قوله كصائل عنه لكان أنسب. (قوله: ولا تقتل ضارية ساكنة) أي لا يجوز قتلها حال كونها ساكنة غير جانية على شئ.
(وقوله: خلافا لجمع) أي قالوا إنها تقتل، إلحاقا لها بالفواسق الخمس المأمور بقتلها، فلا يعصمها الاقتناء ووضع اليد
عليها.
تتمة: لو كان بداره كلب عقور، أو دابة جموح، ودخلها شخص بإذنه ولم يعلمه بالحال، فعضه الكلب، أو
جمحته الدابة، ضمنه ولو كان الداخل بصيرا، فإن دخل بلا إذنه، أو أعلمه، فلا ضمان لأنه المتسبب في هلاك نفسه،
وكذا لو كان ما ذكر خارجا عن داره، ولو كان بجانب بابها، فلا ضمان لان ذلك ظاهر يمكن الاحتراز عنه. والله سبحانه
وتعالى أعلم.

204
باب الجهاد
أي باب في بيان أحكام الجهاد: أي القتال في سبيل الله مأخوذ من المجاهدة، وهي المقاتلة في سبيل الله.
واعلم، أنه ورد في الجهاد من الآيات والاخبار ما يطول ذكره ويتعذر حصره، فمن الأول قوله تعالى: * (كتب
عليكم القتال وهو كره لكم) * وقوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * وقوله تعالى: *
(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * وقوله تعالى: * (أذن الذين
يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير) * وقوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) * الآية.
ومن الثاني قوله (ص): جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم وقوله عليه السلام: اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله،
فواق ناقة وجبت له الجنة. والفواق ما بين الحلبتين، وقوله عليه السلام: إن في الجنة مائة درجة
أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض وقوله عليه السلام: ما اغبرت قدما عبد
في سبيل الله فتمسه النار. وقوله عليه السلام: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى، حتى يعود اللبن في الضرع،
ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا. وقوله عليه السلام: من رمى بسهم في سبيل الله كان
له كعدل محرر وقوله عليه السلام: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه
وبوله في ميزانه يوم القيامة. يعني حسنات.
وقد ورد في فضل الشهادة أيضا شئ كثير: فمن ذلك قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله) * وقوله تعالى: * (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل
أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * وقوله (ص): إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن
يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الايمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع
الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين،
ويشفع في سبعين من أقاربه.
واعلم، أنه ينبغي لكل مسلم أن ينوي الجهاد في سبيل الله، ويحدث نفسه به حتى يسلم من الوعيد الوارد في ترك
ذلك، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شبهة من النفاق وينبغي
الاكثار من سؤال الشهادة. قال عليه الصلاة والسلام: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات
على فراشه. نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالشهادة وبالحسنى وزيادة.



(1) سورة البقرة، الآية: 216.
(2) سورة البقرة، الآية: 193.
(3) سورة التوبة، الآية: 5.
(4) سورة الحج، الآية: 39.
(5) سورة التوبة، الآية: 111.
(6) سورة آل عمران، الآية: 169.
(7) سورة محمد، الآية: 4.
205
(قوله: هو) أي الجهاد فرض كفاية، أما كونه فرضا فبالإجماع. وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى: * (لا يستوي
القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم
وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى) * ففاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى وهي
الجنة، والعاصي لا يوعد بها. ولا يفاضل بين مأجور ومأزور. وقال تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * أي
ومكثت طائفة * (ليتفقهوا) * أي الماكثون * (في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فحثهم على أن تنفر طائفة فقط.
فدل ذلك على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين. (قوله: كل عام) أي لفعله (ص) إياه كل عام منذ أمر به، وكإحياء
الكعبة فإنه فرض كفاية في كل عام. (وقوله: ولو مرة) أي ولو فعل في كل عام مرة، فإنه يكفي، والمرة في الجهاد هي
أقله. وعبارة المغني: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى: * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو
مرتين) *. قال مجاهد: نزلت في الجهاد، ولان الجزية تجب بدلا عنه، وهي واجبة في كل سنة، فكذا بدلها، فإن زاد
على مرة فهو أفضل. وتحصل الكفاية بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار، مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد
الامراء، أو بأن يدخل الامام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد: إذ
المقصود بالقتال إنما هو الهداية، وما سواها من الشهادة. وأما قتل الكفار فليس بمقصود، حتى لو أمكن الهداية بإقامة
الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد. اه‍. بحذف. ثم إن محل الاكتفاء فيه بمرة إذا لم يحتج إلى زيادة، احتيج إليها،
زيد بقدر الحاجة. (قوله: إذا كان الخ) قيد لكونه فرض كفاية: أي أنه فرض كفاية في كل عام إذا كان الكفار حالين في
بلادهم لم ينتقلوا عنها. (قوله: ويتعين) أي الجهاد، أي يكون فرض عين، والملائم أن يقول وفرض عين الخ. (وقوله:
إذا دخلوا بلادنا) أي بلدة من بلاد المسلمين ومثل البلدة القرية وغيرها. (قوله: كما يأتي) أي في المتن في قوله وإن
دخلوا بلدة لنا تعين الخ. (قوله: وحكم فرض الكفاية) أي مطلقا جهادا كان أو غيره. (قوله: أنه إذا فعله من فيهم كفاية)
أي لمقاومة الكفار، وإن لم يكونوا من أهل فرض الجهاد، كالصبيان والمجانين والنساء، وذلك لأنه أقوى نكاية في الكفار
(وقوله: سقط الحرج) أي الاثم (وقوله: عنه) أي عن الفاعل إن كان من أهله. (وقوله: وعن الباقين) أي الذين لم
يفعلوا الجهاد لحصول الكفاية بفعل من فيه كفاية (قوله: ويأثم الخ) داخل في حكم فرض الكفاية. (وقوله: من لا عذر
له من المسلمين) فإن كان به عذر فلا يأثم. (وقوله: إن تركوه) أي كلهم. (وقوله: وإن جهلوا) أي يأثمون بالترك، وإن
كانوا جاهلين بفرضية الجهاد عليهم. قال في التحفة: أي وقد قصروا في جهلهم به، أخذا من قولهم لتقصيرهم، كما لو
تأخر تجهيز ميت بقرية: أي ممن تقضي العادة بتعهده، فإنه يأثم وإن جهل موته، لتقصيرهم بعدم البحث عنه. اه‍.
(قوله: وفروضها) أي الكفاية كثيرة، ولما كان شأن فروض الكفاية مهما لكثرتها وخفائها، ذكر جملة منها هنا. (قوله:
كقيام بحجج دينية) أي وقيام بحل مشكلة في الدين، وإنما كان ما ذكر من فروض الكفايات لتندفع الشبهات، وتصفو
الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين، ومعضلات الملحدين، ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام،
المبنية على الحكميات والإلهيات. ومن ثم قال الامام: لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام، لما أوجبنا
التشاغل به، وربما نهينا عنه - أي كما جاء عن الأئمة كالشافعي، بل جعله أقبح مما عدا الشرك. فأما الآن - وقد ثارت
البدع ولا سبيل إلى تركها تلتطم - فلا بد من إعداد ما يدعي به إلى المسلك الحق، وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة
المعقول، وحل الشبهة من فروض الكفايات، وأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزالته،



(1) سورة النساء، الآية: 95.
(2) سورة التوبة، الآية: 122.
(3) سورة التوبة، الآية: 122.
206
حتى تستقيم عقيدته. اه‍. تحفة. (قوله: وهي البراهين الخ) أي أن الحجج هي البراهين الدالة على إثبات الصانع
سبحانه وتعالى، وإثبات ما يجب له سبحانه وتعالى من الصفات المتقدم بيانها في أول الكتاب، وإثبات ما يستحيل عليه
منها. (قوله: وعلى إثبات النبوات) أي والبراهين الدالة على إثبات ما يتعلق بالأنبياء مما يجب لهم من الصفات،
ويستحيل عليهم منها. (قوله: وما ورد به الشرع) أي من كل ما أخبر به الشارع (ص) من البعث، والنشور، والحساب،
والعقاب، ودخول الجنة، وغير ذلك. (قوله: وعلوم شرعية) أي وكقيام بعلوم شرعية، فهو معطوف على بحجج.
(وقوله: كتفسير الخ) تمثيل لها. (وقوله: زائد) صفة لفقه: أي وفرض الكفاية منه القيام بالزائد على ما لا بد منه، أما
القيام بما لا بد منه فهو فرض عين. (قوله: وما يتعلق بها) معطوف على علوم شرعية، وليس معطوفا على تفسير الخ.
لافادته أنه من العلوم الشرعية مع أنه ليس منها. والمراد بما يتعلق بالعلوم الشرعية، ما تتوقف عليه من علوم العربية،
وأصول الفقه، وعلم الحساب، المضطر إليه في المواريث والأقارير والوصايا، فتجب الإحاطة بذلك كله لشدة الحاجة
إليه. (قوله: بحيث يصلح للقضاء والافتاء) مرتبط بعلوم شرعية، والباء لتصوير القيام بها، الذي هو فرض كفاية: أي
ويتصور القيام بها المسقط للحرج، بأن يتلبس بحالة هي أن يصلح للقضاء أو الافتاء. قال في النهاية: وإنما يتوجه فرض
الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفي ولو فاسقا، غير أنه لا يسقط به لعدم قبول فتواه، ويسقط بالعبد
والمرأة في أوجه الوجهين. وبقوله غير بليد مع قول المصنف رحمه الله تعالى كابن الصلاح، أن الاجتهاد المطلق انقطع
من نحو ثلاثمائة سنة، يعلم أنه لا إثم على الناس اليوم بتعطيل هذا الفرض، وهو بلوغ درجة الاجتهاد المطلق، لان
الناس صاروا كلهم بلداء بالنسبة إليها. أي إلى درجة الاجتهاد. اه‍. ومثله في التحفة. (قوله: للحاجة إليهما) أي إلى
القضاء والافتاء، وهو علة لتصوير القيام بها بما ذكر. (قوله: ودفع ضرر معصوم) يصح عطفه على قيام، أي وكدفع ضرر
الخ، ويصح عطفه على حجج: أي وكالقيام بدفع. قال في النهاية: هل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسد الرمق أم
الكفاية؟ قولان أصحهما ثانيهما، فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن، على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف.
ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما، كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، - كما هو واضح. اه‍. (وقوله:
معصوم) خرج غيره كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، فلا يجب دفع ضررهم. (قوله: من مسلم الخ) بيان للمعصوم.
(قوله: جائع) صفة لمعصوم. (وقوله: لم يصل لحالة الاضطرار) أما إذا وصل إليها فيجب إطعامه على كل من علم به،
ولو لم يزد ما عنده عن كفاية سنة، وإن كان يحتاجه عن قرب. (قوله: أو عار) معطوف على جائع. (قوله: أو نحوهما)
أي نحو الجائع والعاري كمريض. (قوله: والمخاطب به) أي بدفع الضرر عمن ذكر. (قوله: بما زاد) متعلق بموسر.
(قوله: عند اختلاف الخ) متعلق بالمخاطب: أي أن المخاطب بدفع الضرر الموسر عند عدم انتظام بيت المال، وعدم
وفاء الزكاة، أو نحوها بكفايته، فإن لم يختل ما ذكر، أو وقت الزكاة بها، لا يكون الموسر هو المخاطب به، بل يكون دفع
ضرره من بيت المال أو من الزكاة. (وقوله: وعدم وفاء زكاة) أي أو نذر أو وقف أو وصية، بسد حاجات المحتاجين.
(قوله: وأمر بمعروف) أي وكأمر بمعروف أو قيام بأمر الخ، فهو بالجر معطوف على قيام أو على حجج كما تقدم.
واعلم أنه ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الآيات والاخبار شئ كثير لا يكاد يحصر، فمن الأول
قوله تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) * ومن



(1) سورة آل عمران، الآية: 104.
207
الثاني قوله عليه السلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف
الايمان وفي رواية أخرى: ليس وراء ذلك - يعني الانكار بالقلب - من الايمان مثقال ذرة وقوله عليه الصلاة والسلام:
ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
(قوله: أي واجبات الخ) تفسير للمعروف: أي أن المراد به شيئان واجبان، الشرع والكف عن محرماته. (وقوله:
فشمل) أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تفريع على تفسيره المعروف بما ذكر. وبيان ذلك أنه إذا أريد
بالمعروف ما يشمل الكف عن المحرم، وأريد من الامر الامر اللغوي، وهو الطلب سواء عبر عنه بصيغة الامر
الاصطلاحي، أو بصيغة النهي، صدق ذلك بالنهي عن المنكر. إذ هو طلب الكف عن المحرم. والقصد من ذلك كله
دفع ما يرد على اقتصاره على الامر بالمعروف، من أن مقتضاه أن النهي عن المنكر، ليس من فروض الكفاية، مع أنه
منها. وحاصل الجواب أن عبارته صادقة به أيضا، فلا إيراد. (قوله: لكن محله) أي محل وجوب الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر. (وقوله: مجمع عليه) صفة لكل من واجب ومن حرام، والمجمع عليه منهما هو ما علم وجوبه بالنسبة
للأول، وتحريمه بالنسبة للثاني من الدين بالضرورة. والأول: كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، والثاني: كالزنا
واللواط وشرب الخمر. وخرج بالمجمع عليه المختلف فيه منهما، فليس القيام به من فروض الكفاية، فلا يأمر الشافعي
الحنفي بالبسملة في الفاتحة، كما أنه لا ينهى المالكي عن استعمال الماء القليل الواقع فيه نجاسة لم تغيره، ولا يرد حد
الشافعي حنفيا شرب نبيذا يري إباحته لضعف أدلته، ولان العبرة بعد الرفع للقاضي باعتقاده فقط. (قوله: أو في اعتقاد
الفاعل) معطوف على مجمع عليه: أي أو واجب أو حرام في اعتقاد الفاعل، فله أن يأمر به أو ينهى عنه، وإن كان على
خلاف اعتقاده. قال في النهاية: ولا ينكر العالم مختلفا فيه، حتى يعلم من فاعله اعتقاد تحريمه له حال ارتكابه،
لاحتمال أنه حينئذ قلد القائل بحله أو أنه جاهل بحرمته، أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح، فلا يحل الانكار
عليه. اه‍. (قوله: والمخاطب به) أي بالامر بالمعروف الشامل للنهي عن المنكر (قوله: لم يخف الخ) قال في الروض
وشرحه: ولا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لخوف منهما على نفسه أو ماله أو عضوه أو بضعه، أو لخوف
مفسدة على غيره أكثر من مفسدة المنكر الواقع، أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا. اه‍. (قوله: وإن
علم عادة الخ) غاية لقوله والخاطب به كل مكلف: أي هو مخاطب بما ذكر، وإن علم عادة أن أمره أو نهيه لا يفيد المأمور
أو المنهي شيئا. قال في الروض وشرحه: ولا يختص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسموع القول، بل عليه - أي
على كل مكلف - أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا يسقط ذلك عن المكلف
بهذا العلم، لعموم خبر: من رأى منكم الخ، ولا يشترط في الآمر والناهي كونه ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل
عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر. اه‍. (قوله: بأن يغيره) تصوير للنهي عن المنكر
المندرج تحت الامر بالمعروف. وعبارة فتح الجواد بعد قوله والمخاطب به الخ: فعليه إنكاره حينئذ بأن يغيره الخ. اه‍.
(قوله: بكل طريق أمكنه) أي بكل شئ ممكن له يزيل به المنكر. (وقوله: من يد الخ) بيان للطريق (وقوله: فاستغاثة
بالغير) أي يستغيث بغيره لأجل أن يعينه على إزالة المنكر. (قوله: فإن عجز) أي عن تغيير بيده الخ. (وقوله: أنكره
بقلبه) قال في التحفة.
تنبيه: ظاهر كلامهم أن الأمر والنهي بالقلب من فروض الكفاية، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه أنه فرض عين، لان
المراد منهما به الكراهة والانكار به، وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين. فتأمله فإنه مهم نفيس. اه‍.

208
(قوله: وليس لأحد البحث الخ) قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية.
واعلم، أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة، حتى ينكرها إذا رآها، بل ذلك محرم لقوله
تعالى: * (ولا تجسسوا) * ولقول النبي عليه السلام: من يتتبع عورة أخيه يتتبع الله عورته الحديث، وإنما الواجب هو
الامر بالمعروف عندما ترى التاركين له في حال تركهم، والانكار للمنكر كذلك، فاعلم هذه الجملة فإنا رأينا كثيرا من
الناس يغلطون فيها. ومن المهم أن لا تصدق ولا تقبل كل ما ينقل إليك من أفعال الناس وأقوالهم المنكرة، حتى تشاهد
ذلك بنفسك أو ينقله إليك مؤمن تقي لا يجازف ولا يقول إلا الحق، وذلك لان حسن الظن بالمسلمين أمر لازم، وقد
كثرت بلاغات الناس بعضهم على بعض، وعم التساهل في ذلك، وقلت المبالاة، وارتفعت الأمانة، وصار المشكور عند
الناس من وافقهم على أنفسهم - وإن كان غير مستقيم لله - والمذموم عندهم من خالفهم - وإن كان عبدا صالحا - فتراهم
يمدحون من لا يستأهل المدح لموافقته إياهم، وسكوته على باطلهم، ويذمون من يخالفهم وينصحهم في دينهم. هذا
حال الأكثر إلا من عصم الله، فوجب الاحتراز والتحفظ والاحتياط في جميع الأمور، فإن الزمان مفتون، وأهله عن الحق
ناكبون، إلا من شاء الله منهم - وهم الأقلون - اه‍ (قوله: والتجسس) هو البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين
وعوراتهم، فحينئذ عطفه على البحث مرادف. (قوله: واقتحام الدور) أي الدخول فيها من غير إذن صاحبها. (قوله:
بالظنون) متعلق بكل من المصادر السابقة. (قوله: نعم الخ) استدراك من قوله ليس لأحد الخ. لأنه يوهم أنه ليس له
ذلك، ولو أخبره ثقة بشخص اختفى بمنكر الخ، مع أنه ليس كذلك، فدفع هذا الايهام بالاستدراك المذكور. (قوله:
بمن اختفى بمنكر الخ) أي لإرادة فعل منكر لا يتدارك لو فعل كالقتل والزنا، فإنه لا يمكن تداركهما بعد حصولهما،
بخلاف ما يتدارك كالغصب والسرقة فلا يلزمه فيه ذلك، فإنه يمكن تدارك المغصوب بعد غصبه، والمسروق بعد سرقته.
(قوله: لزمه ذلك) أي ما ذكر من البحث والتجسس واقتحام الدور. (قوله: ولو توفق الانكار) أي للمنكر: أي إزالته.
(وقوله: على الرفع للسلطان) متعلق بتوقف. (قوله: لم يجب) أي الرفع إلى السلطان. (قوله: لما فيه) أي في الرفع.
(وقوله: من هتك حرمة) أي من كشف وفضيحة حرمة المرتكب، وقد أمرنا بسترها ما أمكن. (وقوله: وتغريم مال) أي
تغريم السلطان المرتكب مالا، وهذا إن كان المنكر الذي ارتكبه فيه تغريم ماله، أو كان السلطان جائرا يأخذ مالا نكالا.
(قوله: وله) أي لابن القشيري، (وقوله: احتمال بوجوبه) أي الرفع للسلطان. (وقوله: إذا لم ينزجر) أي مرتكب المنكر
إلا بالرفع إليه (قوله: وهو) أي هذا الاحتمال الأوجه. (قوله: صريح فيه) أي في هذا الاحتمال.
تتمة: يجب على الامام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كانا لا يختصان بالمحتسب،
فيتعين عليه الامر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد وإن قلنا إنها سنة.
فإن قيل: قال الامام: معظم الفقهاء على أن الامر بالمعروف في المستحب مستحب، وهنا مستحب.
أجيب: بأن محله في غير المستحب، ولا يقاس بالوالي غيره، ولهذا لو أمر الامام بصلاة الاستسقاء أو صومه صار
واجبا، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه، ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم. اه‍. مغني.
(قوله: وتحمل شهادة) أي وكتحمل شهادة أو قيام بتحمل شهادة فيجري عليه ما مر من العطف على قيام، أو على
حجج، فهو من فروض الكفاية. (قوله: على أهل له) أي للتحمل: أي بأن يكون مكلفا حرا ذا مروءة وعدالة. (قوله:



(1) سورة الحجرات، الآية: 12.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 14
209
حضر إليه) أي إلى الأهل الذي يجب عليه التحمل. (قوله: أو طلبه) أي أو طلب المشهود عليه الأهل الذي يريد
التحمل. (وقوله: إن عذر بعذر جمعة) قيد في كون التحمل يجب بالطلب: أي محل وجوبه عليه بالطلب إن عذر: أي
الطالب المشهود عليه، فإن لم يعذر لا يجب التحمل بالطلب. وعبارة المغني: وتحمل الشهادة إن حضر المشهود عليه،
فإن دعا الشاهد المتحمل، لم يجب عليه إلا إن دعاه قاض أو معذور بمرض أو نحوه. اه‍. (قوله: وأدائها) أي وكأداء
الشهادة والقيام بأداء الشهادة فهو من فروض الكفاية. (وقوله: إن كان أكثر من نصاب) قيد في كونه فرض كفاية: أي
محل كون الأداء فرض كفاية على المتحمل إن كان أكثر من نصاب. والنصاب في الشهود يختلف، ففي نحو الزنا أربعة،
وفي الأموال والعقود رجلان، أو رجل وامرأتان، ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان. وهكذا وسيذكر
ذلك في باب الشهادة. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن المتحمل أكثر من نصاب، بل كان نصابا فقط، فيكون الأداء
فرض عين. قال في المغني.
تنبيه: التحمل يفارق الأداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس، والأداء على من تحمل دون غيره. قاله
الماوردي في باب الشهادة: وفرض الأداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * اه‍. (قوله:
وكإحياء الخ) عطف على قوله كقيام. وانظر لم أعاد العامل؟ والأولى عدم ذكره لكون المعطوفات على نسق واحد،
فإحياء الكعبة - أي قصدها بالنسك من جمع - يحصل بهم للشعار فرض كفاية كل عام. (وقوله: بحج وعمرة) فلا يكفي
إحياؤها بأحدهما، ولا بغيرهما كالصلاة والاعتكاف.
تنبيه: قاله في المغني: ولا يشترط في القائمين بهذا الفرض قدر مخصوص، بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض
المكلفين. قاله في المجموع. قال الأسنوي: ويتجه اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار اه‍. ونوزع في ذلك.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين المتطوع بالحج، لان إحياء الكعبة بالحج من فروض الكفايات فكل، وقد
يجيئون كل سنة للحج، فهم يحيون الكعبة، فمن كان عليه فرض الاسلام حصل ما أتى به سقوط فرضه، ومن لم يكن
عليه فرض الاسلام كان قائما بفرض الكفاية فلا يتصور حج التطوع؟.
أجيب: بأن هنا جهتين من حيثيتين: جهة التطوع من حيث أنه ليس عليه فرض الاسلام، وجهة فرض الكفاية من
حيث الامر بإحياء الكعبة، فيصح أن يقال هو تطوع من حيث أنه ليس فرض عين، وأن يقال فرض كفاية من حيث
الاحياء، وبأن وجوب الاحياء لا يستلزم كون العبادة فرضا، لان الواجب المتعين قد يسقط بالمندوب، كاللمعة المغفلة
في الوضوء تغسل في الثانية أو الثالثة، والجلوس بين السجدتين بجلسة الاستراحة. وإذا سقط الواجب المتعين بفعل
المندوب، ففرض الكفاية أولى. ولهذا تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي. ولو قيل يتصور ذلك في العبيد
والصبيان والمجانين لكان وجيها. اه‍.
(قوله: وتشييع جنازة) أي وكتشييع جنازة، فهو فرض كفاية، ومثله غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه. (قوله:
ورد سلام) أي وكرد سلام، أي جوابه، فهو فرض كفاية إذا كان المسلم مسلما مميزا غير متحلل به من صلاة، أما كونه
فرضا فلقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما كونه كفاية فلخبر: يجزئ عن الجماعة إذا
مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم. (وقوله: مسنون) صفة السلام، وخرج به غير المسنون
مما سيذكره في قوله ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ فلا يجب رده. (قوله: عن جمع) عن بمعنى على، وهي
ومجرورها متعلق بسلام: أي أن رد السلام الكائن على جماعة فرض كفاية عليهم، إذا قام به واحد منهم سقط الحرج عن



(1) سورة البقرة، الآية: 283.
(2) سورة النساء، الآية: 86.
210
الباقين. (قوله: أي اثنين فأكثر) ولا بد أن يكونوا مكلفين، أو سكارى لهم نوع تمييز سمعوه. (قوله: ويختص) أي الرد
بالثواب. (قوله: فإن ردوا كلهم) أي كل المسلم عليهم. (وقوله: ولو مرتبا) أي ولو كان ردهم مرتبا، وليس في آن
واحد. (قوله: أثيبوا) أي كلهم. (وقوله: ثواب الفرض) أي فرض الكفاية. (قوله: كالمصلين على الجنازة) أي فإنهم
يثابون كلهم ثواب الفرض.
فإن قلت: لم لم يسقط الفرض برد الصبي بخلاف نظيره في الجنازة؟.
قلت: لان القصد ثم الدعاء، وهو منه أقرب للإجابة، والقصد هنا الامن، وهو ليس من أهله.
(قوله: ولو سلم جمع مرتبون) أي أو دفعة. (قوله: فرد مرة) أي فأجابهم بجواب واحد. (وقوله: قاصدا
جميعهم) أي قاصدا الرد على جميعهم: (وقوله: وكذا لو أطلق) أي لم يقصد شيئا. وخرج بذلك ما إذا قصد الابتداء
فلا يسقط به الفرض. (قوله: أجزأه) أي الرد عن الجميع. (قوله: ما لم يحصل فصل ضار) أي بين السلام والجواب،
فإن حصل فصل ضار فلا يجزئه، وفيه أنه كيف يتصور عدم وجود فصل ضار بالنسبة لغير السلام الأخير المتصل
بالجواب، إذا كان المسلمون كثيرا، وسلم واحد بعد واحد كما هو فرض المسألة. ثم رأيت في المغني ما يؤيد الاشكال
ونص عبارته: وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة أو متفرقين، وهو كما قاله بعض المتأخرين
ظاهر فيما إذا سلموا دفعة واحدة، أما لو سلموا واحدا بعد واحد، وكانوا كثيرين، فلا يحصل الرد لكلهم: إذ قد مر أن
شرط حصول الواجب، أن يقع متصلا بالابتداء. اه‍. (قوله: سلام امرأة على امرأة) أي فإنه مسنون. (قوله: أو نحو
محرم) بالجر عطف على امرأة: أي سلامها على نحو محرم، والأولى حذف لفظ نحو، لان ما اندرج تحته صرح به بعد.
(قوله: أو سيد أو زوج) أي أو سلامها على زوج أو سيد. (قوله: وكذا على أجنبي) أي وكذا دخل في المسنون، سلامها
على رجل أجنبي، والحال أنها عجوز لا تشتهي. (قوله: ويلزمها) أي المرأة. (وقوله: في هذه الصورة) أي صورة كونها
عجوزا لا تشتهي. (وقوله: رد سلام الرجل) أي إذا سلم الرجل عليها وهي عجوز لا تشتهي، لزمها أن ترد عليه، لان
سلامه عليها مسنون كسلامها عليه.
(أما مشتهاة الخ) مفهوم قوله لا تشتهي.
والحاصل: يحرم الرد عند اختلاف الجنس بشروط أربعة: كون الأنثى وحدها، وكونها مشتهاة، وكون الرجل
وحده، وانتفاء المحرمية ونحوها: كالزوجية. (قوله: ومثله) أي ومثل الرد في حرمته منها ابتداؤه منها، فإنها حرام.
(قوله: ويكره رد سلامها) أي يكره على الأجنبي أن يرد سلام المشتهاة. (وقوله: ومثله) أي الرد في الكراهة، ابتداء
السلام منه عليها. (قوله: والفرق) أي بين ابتدائها وردها حيث حرما، وبين رده وابتدائه حيث كرها. (وقوله: أن ردها)
أي الأجنبية المشتهاة على الأجنبي. (وقوله: وابتداءها) أي ابتداء السلام منها عليه. (وقوله: يطمعه لطمعه فيها أكثر)
في بعض نسخ الخط إسقاط لفظة لطمعه، وهو الصواب الموافق لما في التحفة، وإلا لزم تعليل الشئ بنفسه. والمراد
أن كلا من ردها سلام الأجنبي، أو ابتدائها بالسلام عليه، يطمع ذلك الأجنبي فيها طمعا أكثر من طمعه فيها الحاصل برده
عليها، أو ابتدائها به. (قوله: بخلاف ابتدائه ورده) أي فلا يطمعه كل منهما فيها أكثر. (قوله: قاله شيخنا) أي قال ما ذكر

211
من قوله ودخل في قولي مسنون، لا الفرق فقط، وإن كان هو ظاهر عبارته كما يعلم من الوقوف على عبارة شيخه في
التحفة. (قوله: ولو سلم) أي أجنبي. (وقوله: على جمع نسوة) التركيب إضافي أو توصيفي. (قوله: وجب الخ) جواب
لو، (وقوله: رد إحداهن) فلو رددن كلهن جاز وأثبن ثواب الفرض، فالتقييد بإحداهن ليس بمتعين. قال في المغني: ولا
يكره أي الرد على جمع نسوة أو عجوز، لانتفاء خوف الفتنة، بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه. اه‍.
(قوله: إذ لا يخشى فتنة حينئذ) أي حين إذ كن جمعا، وهو علة وجوب الرد. (قوله: وخرج بقولي عن جمع الواحد) أي
المسلم عليه الواحد. (وقوله: فالرد فرض عين عليه) أي جواب السلام يكون فرض عين عليه، لكن إن كان مكلفا.
(قوله: ولو كان المسلم الخ) غاية في كونه فرض عين. (قوله: ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت) أي فلا تسقط
سنية الابتداء إلا برفع الصوت، ولا تسقط فرضية الرد إلا بذلك أيضا. (وقوله: بقدر ما يحصل به السماع) أي أنه يرفع
كل من المبتدئ والراد صوته بقدر ما يحصل به سماع كل للآخر سماعا محققا، ولو بالنسبة لثقيل السمع.
قال في الأذكار: وأقل السلام الذي يصير به مسلما مؤديا سنة السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه،
فإن لم يسمعه، لم يكن آتيا بالسلام، فلا يجب الرد عليه. وأقل ما يسقط به فرض رد السلام، أن يرفع صوته بحيث
يسمعه المسلم، فإن لم يسمعه، لم يسقط عنه فرض الرد. ذكرهما المتولي وغيره.
قلت: والمستحب أن يرفع صوته رفعا يسمعه به المسلم عليه، أو عليهم سماعا محققا، وإذا تشكك في أنه
يسمعهم زاد في رفعه واحتاط. واستثنى ما إذا سلم على إيقاظ عندهم نيام، فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع
الايقاظ ولا يستيقظ النيام. اه‍.
(قوله: نعم الخ) إستدراك على اشتراط حصول السماع المحقق. (وقوله: إن مر الخ) فاعل مر يعود على
المسلم، وكذلك ضمير يبلغه، وباقي الضمائر يعود على المسلم عليه. والمعنى: إذا سلم شخص وهو مار بسرعة على
آخر، وبعد عنه بحيث أنه إذا رد عليه، لم يبلغ المسلم صوته يجب على ذلك الآخر المسلم عليه، أن يرفع صوته طاقته،
ولا يجب عليه أن يسعى خلفه، سواء بلغه صوته أم لا. (قوله: ويجب اتصال الرد بالسلام) أي الصادر من المسلم نفسه،
أو من المبلغ، فالاتصال في كل شئ بحسبه. فلا يعترض. ويقال أن ذاك ظاهر فيما لو كان السلام حصل من المسلم
مشافهة، أما إذا كان بالتبليغ، فلا يتصور: أي فلو فصل بينهما كلام أجنبي، أو سكوت طويل، لم يسقط به الفرض.
(قوله: كإتصال قبول الخ) أي نظير وجوب اتصال قبول البيع بإيجابه. (قوله: ولا بأس بتقديم عليك الخ) أي بأن يقول
فيه كما سيأتي، وعليك وعليه السلام، فالفصل بعليك غير مضر، لأنه ليس بأجنبي، أو هو مستثنى، كما عبر به بعضهم.
(قوله: وحيث زالت الفورية) أي في الرد، أي لم يحصل رد فورا، والأنسب بما قبله أن يقول وحيث لم يحصل
الاتصال. (وقوله: فلا قضاء) أي فلا يقضى الرد، بل يفوت عليه ويأثم بذلك. قال سم: ويؤيد عدم القضاء، أو يصرح
به، قول الأذكار: فصل قال الإمام أبو محمد القاضي حسين، والإمام أبو الحسن الواحدي وغيرهما: ويشترط أن يكون
الجواب على الفور، فإن أخره ثم رد، لم يعد جوابا، وكان آثما بترك الرد. اه‍. فقوله لم يعد جوابا وكان آثما الخ:
يقتضي ذلك، إذ لو كان يقضى، لم يقل بترك الرد: كأن يقول بتأخير الرد. اه‍. (قوله: خلافا لما يوهمه كلام الروياني)
أي من أنه يقضى إذا زالت الفورية. (قوله: ويجب في الرد على الأصم الخ) به يعلم الفرق بين ثقيل السمع وبينه.

212
(قوله: أن يجمع) أي الراد ليحصل الافهام، ويسقط عنه فرض الجواب. (وقوله: بين اللفظ والإشارة) أي بنحو اليد.
ويغني عن الإشارة علمه بأن الأصم فهم بقرينة الحال، والنظر إلى فهمه الرد عليه. كذا في شرح الروض. (قوله: ولا
يلزمه الرد الخ) أي ولا يلزم الأصم الرد على من سلم عليه، إلا أن جمع له من سلم عليه بين اللفظ والإشارة. قال في
الروض وشرحه. وتجزئ إشارة الأخرس ابتداء وردا، لان إشارته قائمة مقام العبارة. (قوله: وابتداؤه أي السلام) يؤخذ
من قوله ابتداؤه، أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به. نعم: يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا، وعذر به أنه لا يفوت الابتداء
به فيجب جوابه. اه‍. تحفة. (قوله: عند إقباله) أي على شخص مسلم. (وقوله: أو انصرافه) أي عنه: أي إذا أراد أن
ينصرف عنه، يسن للمنصرف ابتداء السلام عليه. (قوله: على مسلم) متعلق بالسلام. وخرج به الكافر، فلا يسن السلام
عليه، بل يحرم - كما سيذكره - (قوله: غير نحو فاسق أو مبتدع) سيأتي محترزهما. (قوله: حتى الصبي المميز) غاية في
المسلم: أي يسن السلام عليه، ولو كان صبيا مميزا. (قوله: وإن ظن عدم الرد) غاية في سنية ابتداء السلام على مسلم.
فلو أخرها عن قوله سنة لكان أولى (قوله: سنة) قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضا والابتداء سنة، لان أصل السلام أمان
ودعاء بالسلامة، وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر، يجب أن يكون الآخر آمنا منه، فلا يجوز لاحد إذا سلم عليه غيره أن
يسكت عنه لئلا يخافه. اه‍.
واعلم: أن أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقد قال سبحانه وتعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا
فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) *. وقال تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو
ردوها) *. وقال تعالى: * (فقالوا سلاما قال سلام) *.
وأما السنة ففي الصحيحين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله (ص):
أي الاسلام خير؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعر ف. وفيهما أيضا عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم
على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام
عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه رحمة الله. وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا
رسول الله (ص) بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء
السلام، وإبرار القسم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): لا تدخلوا الجنة
حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
(قوله: عينا للواحد) حال من سنة: أي حال كون السنة عينا: أي سنة عين من الواحد. (قوله: وكفاية للجماعة)
أي وسنة كفاية إذا كان من جماعة، فإذا فعله واحد منهم، فقد أدى المطلوب وسقط الطلب به عن الباقين. قال ابن رسلان
في زبده:
والسنة المثاب من قد فعله ولم يعاقب امرؤ إن أهمله
ومنه مسنون على الكفاية كالبدء بالسلام من جماعة
(قوله: كالتسمية للاكل) أي فإنها سنة عين من الواحد، وكفاية من الجماعة. (قوله: لخبر الخ) دليل على سنية
ابتداء السلام: أي وإنما كان سنة لخبر: إن أولى الناس بالله - أي برحمته، أو بدخول جنته - أي من بدأهم بالسلام.



(1) سورة النور، الآية: 61.
(2) سورة النساء، الآية: 86.
(3) سورة الذاريات، الآية: 25.
213
(قوله: وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل) أي من الرد، وإن كان واجبا. (قوله: كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره)
أي مع أن الابراء سنة، والانظار واجب. (قوله: وصيغة ابتدائه السلام عليكم) أي وصيغة رده: وعلكيم السلام، أو سلام
ولو ترك الواو جاز - وإن كان ذكرها أفضل - فإن عكس فيهما، بأن قال في الابتداء عليكم السلام، وقال في الرد السلام
عليكم، جاز وكفى. فإن قال في الرد وعليكم وسكت عن السلام لم يجز: إذ ليس فيه تعرض للسلام. (قوله: وكذا
عليكم السلام) أي وكذلك يكفي في صيغة الابتداء عليكم السلام بتقديم الخبر. (قوله: أو سلام) معطوف على لفظ
السلام: أي وكذا يكفي عليكم سلام، بالتنكير وتقديم الخبر. (قوله: لكنه مكروه) أي لكن الاتيان في الابتداء بعليكم
السلام، أو عليكم سلام مكروه، فضمير لكنه يعود على ما بعد، وكذا لا على قوله أو سلام فقط. وعبارة النهاية: ويجزئ
مع الكراهة عليكم السلام، ويجب فيه الرد، وكعليكم السلام عليكم سلام. اه‍. (وقوله: للنهي عنه) أي في خبر
الترمذي وغيره. (قوله: ومع ذلك) أي مع كونه مكروها. (وقوله: يجب الرد فيه) أي في هذا المكروه. (قوله: بخلاف
وعليكم السلام) أي فإنه لا يجب فيه الرد، لأنه لا يصلح لابتداء السلام، لتقدم واو العطف. (قوله: والأفضل في الابتداء
والرد الخ) قال النووي في الأذكار: إعلم أن الأفضل أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير
الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله
وعليكم. وممن نص على أن الأفضل في المبتدئ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الامام أقضى القضاة أبو
الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والإمام أبو سعيد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة
وغيرهما. ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:
جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس. فقال النبي (ص) عشر. ثم جاء آخر فقال:
السلام عليكم ورحمة الله، فرده عليه فجلس، فقال عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد
عليه فجلس، فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن. وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة
على هذا: قال: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، وقال: هكذا تكون
الفضائل. اه‍. (قوله: حتى في الواحد) أي يأتي المبتدئ بصيغة الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويأتي الراد
بذلك أيضا، ولو كان المسلم عليه واحدا. (وقوله: لأجل الملائكة) أي نظرا لمن معه من الملائكة. قال ابن العربي:
إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلمت على أحد في الطريق، فقلت السلام عليكم، فأحضر في
قلبك كل عبد صالح لله في الأرض والسماء، وميت وحي، فإن من في ذلك المقام يرد عليك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا
روح مطهر، يبلغه سلامك إلا ويرد عليك، وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح، ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيم في
جلاله المشتغل به، فأنت قد سلمت عليه في هذا الشمول، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك، وكفى بهذا شرفا لك حيث
يسلم عليك الحق. فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه، حتى ينوب الله عن الكل في الرد عليك. اه‍. مناوي.
(قوله: وزيادة الخ) أي والأفضل زيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، لما تقدم آنفا عن النووي، ولما روي عن أنس
رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي (ص) يرعى دواب أصحابه فيقول السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي (ص)
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقيل يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من

214
أصحابك. قال وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا. (قوله: ولا يكفي الافراد للجماعة) أي ولا
يكفي الافراد في السلام على الجماعة فلا يجب عليهم الرد. (قوله: ولو سلم كل) أي من اثنين تلاقيا. (قوله: فإن ترتبا)
أي السلامان بأن تقدم أحدهما على الآخر. (وقوله: كان الثاني جوابا) أي كان السلام الثاني كافيا في الرد: أي إن قصد
به الرد أو أطلق أو شرك أخذا مما بعده. (وقوله: ما لم يقصد) أي المسلم الثاني به: أي بسلامه الابتداء وحده، فإن
قصده وحده لم يكف عن الجواب، فيجب عليه رد السلام على من سلم عليه أولا. (قوله: وإلا لزم كلا الرد) أي وإن لم
يترتبا، بأن وقع سلامهما دفعة واحدة، لزم كلا منهما أن يرد سلام الآخر. (قوله: يسن إرسال السلام) أي برسول أو
بكتاب. (وقوله: للغائب) أي الذي يشرع له السلام عليه لو كان حاضرا بأن يكون مسلما غير نحو فاسق أو مبتدع (قوله:
ويلزم الرسول التبليغ) أي ولو بعد مدة طويلة، بأن نسي ذلك ثم تذكره لأنه أمانة. اه‍. ع ش (قوله: لأنه) أي السلام
المرسل أمانة. (قوله: ويجب أداؤها) أي الأمانة. قال بعضهم: والظاهر أنه لا يلزم المبلغ قصد محل الغائب، بل إذا
اجتمع به وذكر بلغه. اه‍. ونظر فيه في التحفة، وقال: بل الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا
عليه، لان أداء الأمانة ما أمكن واجب. اه‍. (قوله: ومحله) أي ومحل لزوم التبليغ عليه. (وقوله: ما إذا رضي) أي لفظا
والأولى حذف لفظ ما والاقتصار على ما بعده. (وقوله: بتحمل تلك الأمانة) أي وهي السلام المرسل للغائب. (قوله:
أما لو ردها) أي تلك الأمانة (وقوله: فلا) أي فلا يلزمه التبليغ. (قوله: وكذا إن سكت) أي وكذا لا يلزمه التبليغ إن سكت
ولم يردها لفظا. قال في التحفة بعده أخذا من قولهم لا ينسب لساكت قول، وكما لو جعلت بين يديه وديعة فسكت.
ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه. اه‍. (قوله: وقال بعضهم الخ) عبارة التحفة: ثم رأيت
بعضهم قال: قالوا يجب على الموصى به تبليغه ومحله الخ. اه‍. فالشارح تصرف فيها حتى جعل قوله ومحله الخ من
كلامه وأنه تابع فيه لشيخه مع أنه من مقول البعض، كما يعلم من آخر عبارة التحفة. (وقوله: يجب على الموصى به
تبليغه) يعني إذا أوصى شخص آخر أن يبلغ سلامه على زيد مثلا بعد موته، فيجب على ذلك الشخص الموصى - بفتح
الصاد - بالسلام التبليغ. (قوله: ومحله) أي ومحل وجوب التبليغ على الوصي. (وقوله: إن قبل الوصية) أي لأنه يبعد
تكليفه الوجوب بمجرد الوصية. (وقوله: يدل على التحمل) أي تحمل أمانة السلام. (قوله: ويلزم المرسل إليه الرد
فورا) أي إن أتى الرسول بصيغة معتبرة، كأن قال له فلان يقول لك السلام عليك، أو أتى المرسل بها، كأن قال السلام
على فلان فبلغه عني، فقال الرسول له: زيد يسلم عليك.
والحاصل، لا بد في وجوب الرد، من صيغة شرعية من المرسل أو الرسول، بخلاف ما إذا لم توجد من واحد
منهما، كأن قال المرسل سلم لي على فلان، فقال الرسول لفلان زيد يسلم عليك، فلا يجب الرد.
(قوله: وبه الخ) معطوف على باللفظ: أي ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ أو بالكتابة، فيما إذا أرسل له السلام
في كتاب فيلزم الرد إما باللفظ أو بالكتابة. (قوله: ويندب الرد) أي في ضمن رده على المرسل، كما يعلم من التفريع
بقوله فيقول الخ. (قوله: والبداءة به) أي ويندب البداءة بالمبلغ في صيغة رد السلام. (قوله: فيقول الخ) بيان لكيفية

215
صيغة الرد على المبلغ، مع البداءة به وعلى المرسل: أي فيقول المرسل إليه في الرد عليهما، وعليك وعليه السلام.
(قوله: للخبر المشهور فيه) أي في ندب الرد على المبلغ مع البداءة به، وذلك الخبر هو ما رواه أبو داود في سننه، عن
غالب القطان عن رجل قال له: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله (ص) فقال: ائته فأقرئه السلام،
فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام، فقال عليك السلام وعلى أبيك السلام. (قوله: ندب البداءة بالمرسل) أي بأن يقول
وعليه وعليك السلام. (قوله: ويحرم أن يبدأ به) أي بالسلام ذميا، وذلك للنهي عنه في خبر مسلم، فإن بان من سلم عليه
معتقدا أنه مسلم ذميا، استحب له أن يسترد سلامه، بأن يقول له رد علي سلامي. والغرض من ذلك أن يوحشه، ويظهر له
أنه ليس بينهما ألفة. وروي أن ابن عمر سلم على رجل، فقيل له إنه يهودي فتبعه، وقال له: رد علي سلامي. قال النووي
في الأذكار: روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى
بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه. وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس
رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم. وروينا في صحيح البخاري، عن
ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل وعليك.
ثم قال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام، بأن يقول هداك الله، وأنعم الله صباحك.
قلت: هذا الذي قاله أبو سعيد لا بأس به إذا احتاج إليه، وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئا، فإن
ذلك بسط له وإيناس، وإظهار صورة مودة، ونحن مأمورون بالاغلاظ عليهم، ومنهيون عن ودهم فلا نظهره. والله
أعلم. اه‍.
(قوله: ويستثنيه) أي الذمي وجوبا إن كان ذلك الذمي مع مسلم. قال النووي في الأذكار أيضا: إذا مر على جماعة
فيهم مسلمون، أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم عليهم، ويقصد المسلمين أو المسلم. روينا في صحيحي البخاري
ومسلم، عن أسامة رضي الله عنه أن النبي (ص) مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان
واليهود، فسلم عليهم النبي (ص). اه‍. (قوله: ويسن لمن دخل الخ) قال في الروض وشرحه: ومن دخل داره فليسلم
ندبا على أهله، لخبر أنس أنه (ص) قال له: يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهلك رواه
الترمذي، وقال حسن صحيح، أو دخل موضعا خاليا عن الناس فليقل ندبا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. لما
روى مالك في موطئه، أنه بلغني أنه يستحب ذلك، وقال تعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله
مباركة طيبة) * وليقل ندبا قبل دخوله، بسم الله، ويدعو بما أحب، ثم يسلم بعد دخوله لخبر أبي داود، إذا ولج الرجل
بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المدخل. بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، ثم يسلم
على أهله. اه‍. (قوله: ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ) أي للنهي عنه، ولان مكالمته بعيدة عن المروءة
والأدب، ولا يندب أيضا على من في الحمام. قال الرافعي: لأنه بيت الشيطان، ولاشتغاله بالغسل. اه‍. (وقوله: بول)
مضاف إليه لفظ حاجة، والإضافة فيه للبيان. (قوله: ولا على شارب) أي ولا يندب على شارب: أي في فمه جرعة ماء
على قياس ما بعده. (وقوله: لشغله) أي المذكور من الشارب والآكل، بما في فيه من الماء واللقمة. (قوله: ولا على
فاسق) أي ولا يندب السلام على فاسق. قال الامام النووي في الأذكار: وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب
منه، فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء. فإن اضطر إلى السلام على



(1) سورة النور، الآية: 61.
216
الظلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة على دينه أو دنياه أو غيرهما، إن لم يسلم عليهم. قال الإمام أبو بكر بن
العربي: قال العلماء يسلم وينوي أن السلام من أسماء الله تعالى: المعنى الله عليكم رقيب. اه‍. (قوله: بل يسن تركه)
أي ترك السلام فيثاب عليه. (وقوله: على مجاهر بفسقه) حال من ضمير تركه، أو متعلق بنفس الضمير، بناء على القول
بجواز ذلك إذا عاد على ما يجوز التعلق به. (قوله: ومرتكب ذنب عظيم) الذي يظهر أنه معطوف على مجاهر، ومثله ما
بعده. ثم رأيت العلامة الرشيدي صرح به مستدلا بعبارة التحفة المماثلة لعبارة شارحنا. فتحصل أن هؤلاء لا يسن ابتداء
السلام عليهم. ويسن تركه بحيث يثاب عليه، وما عداهم من مرتكب ذنب غير عظيم، وهو مخف لا يسن السلام عليه
فقط، وأما تركه فليس بسنة، بل هو مباح. (قوله: إلا لعذر) يحتمل ارتباطه بقوله ولا على فاسق، ويحتمل ارتباطه بقوله
بل يسن تركه. قال ع ش: ومن العذر خوفه أن يقطع نفقته. (قوله: أو خوف مفسدة) عطف على عذر من عطف الخاص
على العام. إذ العذر شامل لخوف المفسدة. (قوله: ولا على مصل الخ) أي ولا يندب السلام على مصل الخ.
والحاصل، ضابط من لا يندب السلام عليه كل شخص مشغول بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها. كذا في
شرح الروض.
(قوله: ولا رد عليهم) أي ولا رد واجب عليهم: أي على قاضي الحاجة ومن بعده، لان من لا يستحب السلام
عليه لا يلزمه رده لو سلم عليه، إلا ما استثنى. (قوله: إلا مستمع الخطيب) أي إذا سلم عليه. (وقوله: فإنه يجب عليه
ذلك) أي الرد. أي مع أن السلام عليه مكروه، وقيل لا يجب عليه الرد، لتقصير المسلم عليه. وعبارة المغني: وإذا سلم
على حاضر الخطبة وقلنا بالجديد لا يحرم عليهم الكلام، ففي الرد ثلاثة أوجه: أصحها عند البغوي وجوب الرد،
وصححه البلقيني، والثاني استحبابه، والثالث جوازه. اه‍. (قوله: بل يكره الرد لقاضي الحاجة الخ) أي لأنه يسن لهم
عدم الكلام مطلقا. (قوله: ويسن) أي الرد للآكل المتقدم، وهو الذي سلم عليه واللقمة بفمه. (وقوله: وإن كانت
اللقمة بفيه) أي يسن للآكل المذكور الرد سواء كانت اللقمة باقية بفمه أو لا. (قوله: نعم: يسن الخ) استثناء من الآكل،
وهو في الحقيقة مفهوم التقييد بقوله سابقا في فمه اللقمة، فإنه يفهم منه أنه إذا لم تكن في فمه يندب السلام عليه، وإذا
ندب وجب رده. وعبارة المغني: واستثنى الامام من الآكل، ما إذا سلم عليه بعد الابتلاع. وقبل وضع لقمة أخرى،
فيسن السلام عليه، ويجب عليه الرد، وكذا من في محل نزع الثياب في الحمام - كما جرى عليه الزركشي وغيره - اه‍.
(قوله: ويسن الرد لمن في الحمام) الاخصر حذف قوله: ويسن الرد. ويكون قوله ولمن الخ معطوفا على للآكل وهو
الأولى أيضا، ليكون قوله باللفظ مرتبطا برد الآكل أيضا. (قوله: وملب) أي ويسن الرد لملب. قال النووي: والملبي
يكره أن يسلم عليه، لأنه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه، رد السلام باللفظ. نص عليه الشافعي وأصحابنا. اه‍.
(قوله: ولمصل الخ) أي ويسن الرد لمن سلم عليه وهو في الصلاة أو الاذان أو الإقامة بالإشارة بالرأس أو باليد أو بغير
ذلك. قال النووي في الأذكار: وأما المصلي فيحرم عليه أن يقول وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان
عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال عليه السلام - بلفظ الغيبة - لم تبطل
صلاته، لأنه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة، ولا يتلفظ بشئ، وإن رد بعد الفراغ من
الصلاة فلا بأس. وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لان ذلك يسير لا يبطل الاذان ولا يخل به. اه‍. وما
جرى عليه الشارح في الاذان من رده بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ خلاف ما ذكر. (قوله: بالإشارة) متعلق بما تعلق به.

217
(قوله: لمصل الخ) أي ويسن الرد بالإشارة لمصل الخ. (قوله: وإلا فبعد الفراغ) أي وإن لم يرد من ذكر من المصلي
والمؤذن والمقيم بالإشارة، فليرد بعد الفراغ: أي من الصلاة أو الاذان أو الإقامة. وما ذكر من سنية الرد بالإشارة أو بعد
الفراغ هو الأوجه. وقيل يجب بعد الفراغ. وعبارة المغني: ولو سلم على المؤذن لم يجب حتى يفرغ. وهل الإجابة بعد
الفراغ واجبة أو مندوبة؟ لم يصر جوابه. والأوجه - كما قال البلقيني - أنه لا يجب. اه‍. (قوله: أي إن قرب الفصل) أي
بين السلام والرد: قال ع ش: بأن لا يقطع القبول عن الايجاب في البيع. اه‍. (قوله: ولا يجب) أي الرد. (وقوله:
عليهم) أي على الآكل، ومن في الحمام ومن بعده. وقد نظم الجلال السيوطي المسائل التي لا يجب فيها الرد فقال:
رد السلام واجب إلا على من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب أو قراءة أو أدعية أو ذكر أو في خطبة أو تلبية
أو في قضاء حاجة الانسان أو في إقامة أو الاذان
أو سلم الطفل أو السكران أو شابة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم أو حالة الجماع أو تحاكم
أو كان في حمام أو مجنونا فواحد من بعده عشرونا
وقوله: أو شابة يقرأ بتخفيف الباء للضرورة.
(قوله: ويسن عند التلاقي) أي في طريق. وخرج بالتلاقي ما إذا كان القوم جلوسا، أو وقوفا، أو مضجعين، وورد
عليهم غيرهم، فالوارد يبدأ بالسلام مطلقا سواء كان صغيرا أو كبيرا، قليلا أو كثيرا. (قوله: سلام صغير الخ) فلو عكس،
بأن سلم الكبير على الصغير، أو الواقف على الماشي، أو الماشي على الراكب، لم يكره، وإن كان خلاف السنة
(وقوله: وماش على واقف) أي أو جالس أو مضطجع. (وقوله: وراكب عليهم) أي ويسن سلام راكب على كبير وماش
وواقف، ولو كان الراكب صغيرا. (قوله: وقليلين على كثيرين) أي ويسن سلام قليلين على كثيرين. قال في شرح
الروض: فلو تلاقى قليل ماش، وكثير راكب، تعارضا. اه‍. (وقوله: تعارضا) أي فلا أولوية لأحدهما على الآخر.
(قوله: وحتى الظهر) أي عند السلام. (وقوله: مكروه) أي لخبر: أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو
صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم رواه الترمذي. ولا يغتر
بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح، أو غيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله (ص)،
قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) *. وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق
الهدي ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومحل كراهة التقبيل، إذا لم يكن لنحو
صلاح، أما إذا كان لذلك فلا يكره - بل يندب - كما سينص عليه قريبا. (قوله: وقال كثيرون حرام) أي خصوصا إن
وصل إلى حد الركوع (قوله: وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس) معتمد (قوله: وتقبيل الخ) معطوف على الانحناء:
أي وأفتى بكراهة تقبيل الخ، ومحلها في غير تقبيل الأمرد الحسن الوجه، أما هو فيحرم بكل حال - سواء قدم من سفر أم
لا - والمعانقة كالتقبيل، بل أولى. (وقوله: لا سيما لنحو غني) أي خصوصا إذا كان لنحو غني. ودخل تحت نحو: ذو



(1) سورة الحشر، الآية: 7.
218
ثروة وشوكة ووجاهة. (وقوله: لحديث الخ) تعليل لكراهة التقبيل لنحو غني. (وقوله: من تواضع) أي من أظهر
التواضع، سواء كان بتقبيل أو قيام، أو غير ذلك. (قوله: ويندب ذلك) أي التقبيل: قال الامام النووي في الأذكار: إذا
أراد تقبيل غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه، أو علمه، أو شرفه، وصيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل
يستحب. وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة. وقال
المتولي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام. روينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله عنه - وكان في وفد عبد
القيس - قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي (ص) ورجله، ثم قال: وأما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه،
وقبلة غير خده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة فسنة، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره
من صغار الأطفال على هذا الوجه، وأما التقبيل بالشهوة فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه
بالشهوة حرام اتفاقا: على القريب والأجنبي. اه‍. (قوله: ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة) أي إكراما وبرا واحتراما
له لا رياءا. (وقوله: من نحو صلاح) بيان للفضيلة. (وقوله: أو ولادة) أي ويسن القيام لمن له ولادة: كأب أو أم.
(وقوله: أو ولاية) أي ولاية حكم: كأمير وقاض. (قوله: مصحوبة بصيانة) قال ع ش: راجع للجميع. اه‍. والمراد
بالصيانة: العفة والعدالة، ومفهومها أنه لو كان كل ممن ذكر ليس فيه صيانة، بأن كان فاسقا أو ظالما، فلا يسن له القيام
(قوله: أو لمن يرجى خيره) أي ويسن القيام لمن يترقب خيره، قال السيد عمر البصري: لعل المراد الخير الأخروي
- كالمعلم - حتى لا ينافي الحديث المار. اه‍. (وقوله: أو يخشى شره) أي يخاف شره لو لم يقم له. (قوله: ويحرم
على الرجل أن يحب الخ) أي للحديث الحسن من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليتبوأ مقعده من النار. (قوله:
ويسن تقبيل الخ) أي لما روي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله (ص) في بيتي،
فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي (ص) يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن. (قوله: كتشميت عاطس) أي
فهو سنة عندنا، واختلف أصحاب مالك في وجوبه: فقال القاضي عبد الوهاب هو سنة، ويجزئ تشميت واحد من
الجماعة، كمذهبنا، وقال ابن مزين يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي اه‍. أذكار. (قوله: بالغ) سيذكر
مقابله. (قوله: حمد الله تعالى) قيد وسيذكر محترزه، ولا بد أيضا أن لا يزيد عطاسه على ثلاث، وأن لا يكون بسبب،
وإلا فلا يسن التشميت. (قوله: بيرحمك الله) أي أن التشميت يكون بيرحمك الله، أو ربك، أو بيرحمكم الله، أو
رحمكم الله. (قوله: وصغير مميز) معطوف على بالغ، وهو مفهومه: أي وكتشميت صغير مميز، ولم يقيد في التحفة
والنهاية الصغير بكونه مميزا، ولعل ما جرى عليه الشارح هو الظاهر، لان التشميت لا يسن إلا بعد الحمد، وإذا كان غير
مميز فلا يتصور منه حمد. (وقوله: بنحو أصلحك الله) أي تشميت الصغير يكون بما يناسبه، كأصلحك الله، أو أنشأك
الله إنشاء صالحا، أو بارك الله فيك، ولم يفرق النووي في الأذكار بين ما يشمت به الكبير والصغير. (قوله: فإنه) أي
التشميت سنة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس
أحدكم وحمد الله تعالى، كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا
تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان. قال العلماء: والحكمة في ذلك أن
العطاس سببه محمود، وهو خفة الجسم التي تكون لقلة الاخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعف
الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك. (قوله: على الكفاية إن سمع جماعة) أي العطاس والحمد عقبه، فالمفعول

219
محذوف. فإذا شمت واحد سقط الطلب عن الباقين، لكم الأفضل أن يشمته كل واحد منهم، للحديث المتقدم. (قوله:
وسنة عين إن سمع واحد) قال في الأذكار. فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه
دون غيره.
وحكى ابن العربي خلافا في تشميت الذي لم يسمع الحمد، إذا سمع تشميت صاحبه، فقيل يشمته لأنه عرف
عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا لأنه لم يسمعه. اه‍.
(قوله: إذا حمد الله الخ) أعاده لأجل بيان اشتراط العقبية، وبيان أن الحمد سنة عين للعاطس. ولو قال أولا حمد
الله عقب عطاسه بأن الخ، ثم قال بعد قوله فإنه سنة عين كالحمد للعاطس، فإنه يسن الخ لكان أخصر وأسبك. (وقوله:
عقب عطاسه) لم يقيد به في التحفة والنهاية وشرح الروض والأذكار فليراجع. (قوله: بأن لم الخ) تصوير للعقبية.
(وقوله: بينهما) أي العطاس والحمد. (وقوله: فوق الخ) أي مقدار فوق الخ. فلفظ فوق صفة لموصوف محذوف هو
الفاعل، أو لفظ فوق هي الفاعل لأنها من الظروف المتصرفة. (قوله: فإنه يسن له) أي للعاطس عينا (وقوله: أن يقول
عقبه) أي العطاس وذلك لحديث: إذا عطس أحدكم فليحمد الله تعالى. (قوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله،
الحمد لله رب العالمين. (وقوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل حال، وذلك
لحديث: من عطس أو تجشى فقال: الحمد لله على كل حال، رفع الله عنه سبعين داء، أهونها الجذام.
فائدة: من قال بعد العطاس عقب حمدا لله: اللهم ارزقني مالا يكفيني، وبيتا يأويني، واحفظ علي عقلي وديني،
واكفني شر من يؤذيني: أعطاه الله سؤاله. اه‍. بجيرمي.
(قوله: من لم يحمده) أي أو قال لفظا آخر غير الحمد. (وقوله: عقبه) الأولى إسقاطه لأنه ليس داخلا في المخرج
بالحمد، أو يقول وخرج بقولي عقبه ما إذا لم يحمده عقبه. (قوله: فلا يسن التشميت له) أي للعاطس الذي لم يحمد الله
تعالى عقبه. (قوله: فإن شك) أي شخص في أن العاطس حمد أو لا. (قوله: قال) أي الشاك. (وقوله: يرحم الله من
حمده) أي ولا يقول رحمك الله بالخطاب. (قوله: ويسن تذكيره الحمد) أي ويسن تذكير من عطس، ولم يحمد الله
تعالى الحمد، لأنه إعانة على معروف، ولما روي من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص - أي وجع الضرس -
واللوص - أي وجع الاذن - والعلوص - وهو وجع البطن - ونظمها بعضهم فقال:
من يبتدي عاطسا بالحمد يأمن من شوس ولوص وعلوص، كذا وردا
(قوله: وعند توالي العطاس يشمته لثلاث) أي لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص)
يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث. قال النووي في
الأذكار: واختلف العلماء فيه - أي في المزكوم - فقال ابن العربي المالكي قيل يقال له في الثانية إنك مزكوم، وقيل يقال
له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والأصح أنه في الثالثة. قال والمعنى فيه، أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لان هذا
الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس.
فإن قيل: فإذا كان مرضا فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لأنه أحق بالدعاء من غيره.
فالجواب: أنه يستحب أن يدعى له، لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة
ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت. اه‍.

220
(قوله: ويسر به) أي بالحمد المصلي. قال في الأذكار: إذا عطس في صلاته، يستحب أن يقول الحمد لله ويسمع
نفسه، هذا مذهبنا. ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدها، هذا، واختاره ابن العربي، والثاني: يحمد في نفسه،
والثالث: قاله سحنون، لا يحمد جهرا ولا في نفسه. اه‍. (قوله: ويحمد في نفسه الخ) أي يجري ألفاظ الحمد في قلبه
في غير أن يتلفظ بها إن كان العاطس مشغولا ببول ونحوه كغائط. وبالتفسير المذكور حصل الفرق بينه وبين الحمد سرا
وحاصله أن معنى الحمد سرا، أن يتكلم به بحيث يسمع نفسه، ومعنى الحمد في نفسه إجراؤه على قلبه من غير أن يتكلم
به، ويثاب على هذا الحمد. وليس لنا ذكر يثاب عليه من غير لفظ إلا هذا - كما تقدم أول الكتاب في آداب داخل
الخلاء -. (قوله: ويشترط رفع) أي رفع الصوت. (وقوله: بكل) أي من الحمد والتشميت. (وقوله: بحيث يسمعه
صاحبه) أي بحيث يسمع أحدهما الآخر، فالحمد يرفع صوته بالحمد بحيث يسمعه المشمت، والمشمت يرفع صوته
بالتشميت، بحيث يسمعه الحامد. (قوله: ويسن للعاطس وضع شئ على وجهه وخفض صوته ما أمكنه) أي لما روي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض - أو غض - بها
صوته. وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل يكره رفع الصوت بالتثاؤب
والعطاس. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: التثاؤب الرفيع والعطشة الشديدة من
الشيطان. (قوله: وإجابة مشمته) أي ويسن للعاطس أن يجيب مشمته: أي من قال له يرحمك الله. (وقوله: بنحو الخ)
متعلق بإجابة. (قوله: للامر به) الأولى بها: أي بإجابة المشمت، وذلك في قوله (ص): إذا عطس أحدكم فليقل
الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم. أي
شأنكم. (قوله: ويسن للمتثائت الخ) أي للحديث المتقدم. (قوله: وستر فيه الخ) أي ويسن له ستر فمه عند التثاؤب:
لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن
الشيطان يدخل. (وقوله: ولو في الصلاة) أي ولو كان التثاؤب في الصلاة، ولا ينافيه ما تقدم في باب الصلاة، من أنه
يكره للمصلي وضع يده على فمه، لان محله إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه. (وقوله: بيده اليسرى) متعلق بستر.
(قوله: ويسن إجابة الداعي) أي المنادي له. (وقوله: بلبيك) بأن يقول له لبيك فقط، أو لبيك وسعديك. ويسن أيضا أن
يرحب بالقادم عليه، بأن يقول له مرحبا، وأن يدعو لمن أحسن إليه، بأن يقول جزاك الله خيرا، أو حفظك الله ونحوهما،
للاخبار المشهورة بذلك.
(قوله: والجهاد فرض كفاية الخ) شروع في بيان شروط الجهاد الذي هو فرض كفاية، أما الذي هو فرض عين،
فلا تشترط فيه هذه الشروط كما سيذكره. (قوله: على كل مسلم) أي فلا جهاد على كافر ولو ذميا، لقوله تعالى * (يا أيها
الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فخاطب به المؤمنين دون غيرهم، ولان الذمي إنما بذل الجزية لنذب
عنه، لا ليذب عنا. (قوله: مكلف) أي بالغ عاقل ولو حكما، فدخل السكران المتعدي، فلا جهاد على صبي لان
النبي (ص) رد ابن عمر يوم أحد - وكان إذ ذاك ابن أربع عشرة سنة - وأجازه يوم الخندق، وكان إذ ذاك ابن خمس عشرة
سنة، ولا على مجنون لقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء) * الآية، قيل هم المجانين لضعف عقولهم، وقيل الصبيان
لضعف أبدانهم (قوله: لرفع القلم عن غيرهما) أي عن غير البالغ والعاقل. (قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، فلا جهاد



(1) سورة التوبة، الآية: 123.
(2) سورة التوبة، الآية: 91.
221
على امرأة وخنثى مشكل لضعفهما غالبا، ولقوله تعالى: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) *. ولفظ المؤمنين
ينصرف للرجال دون النساء، ولخبر البيهقي وغيره: عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟
قال: نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة. وتسمية الحج جهادا لكونه مشتملا على مجاهدة النفس بالتعب
والمشقة. (قوله: لضعف المرأة عنه) أي عن الجهاد، ومثلها الخنثى. (قوله: حر) أي كله. (قوله: فلا يجب على ذي
رق) أي ذكرا كان أو أنثى (وقوله: ولو مكاتبا) أي أو مدبرا. (قوله: وإن أذن له سيده) أي فلا يجب عليه، ولو أمره به فلا
يجب عليه امتثال أمره لان الجهاد ليس من الاستخدام المستحق للسيد، فإن الملك لا يقتضي التعريض للهلاك. نعم:
للسيد استصحاب غير المكاتب معه في الجهاد للخدمة. (قوله: لنقصه) أي ذي الرق أي ولقوله تعالى: * (وتجاهدون في
سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) *. ولا مال للرقيق، ولا نفس له يملكها، فلم يشمله الخطاب. (قوله: مستطيع) أي
للجهاد بأن يكون صحيحا واجدا ما يكفيه ذهابا وإيابا، فاضلا عن مؤنة من تلزمه مؤنته كذلك.
والحاصل، الاستطاعة المعتبرة في الحج معتبرة هنا، ما عدا أمن الطريق، فليس معتبرا هنا وإن اعتبر في الحج،
فلو كان الطريق مخوفا من كفار، أو لصوص مسلمين، لا يمتنع الجهاد. لان مبناه على ارتكاب المخاوف، فيحتمل فيه ما
لا يحتمل في الحج.
(قوله: له) أي للمستطيع (وقوله: سلاح) أي يصلح لقتال العدو. (قوله: فلا يجب) أي الجهاد على غير
مستطيع، وذلك لقوله تعالى: * (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج) *. (قوله:
كأقطع) أي لليدين أو الرجلين أو الواحدة منهما. (قوله: وفاقد معظم أصابع يده) أي أو أشل معظمها، وإنما لم يجب
الجهاد مع ذلك، لان المقصود منه البطش والنكاية، وهو مفقود فيهما. وخرج بمعظم فقد الأقل. وبقوله أصابع يده فقد
معظم أصابع رجليه فلا أثر فيهما، لامكان البطش والنكاية بذلك. (قوله: ومن به عرج بين) أي ولو في رجل واحدة.
وخرج بالبين العرج اليسير الذي لا يمنع المشي، فإنه لا يؤثر. (قوله: أو مرض تعظم مشقته) أي بأن كان يمنعه من
الركوب والقتال إلا بمشقة شديدة، بحيث لا تحتمل عادة، كحمى مطبقه، بخلاف المرض الذي لا يمنعه عن ذلك،
كصداع خفيف، ووجع ضرس، وحمى خفيفة، فإنه لا يؤثر. (قوله: وكعادم مؤن) أي لنفسه. (وقوله: ومركوب) أي
وكعادم مركوب حسا أو شرعا. (وقوله: في سفر قصر) قيد في المركوب، فهو ليس بشرط، إلا إن كان السفر سفر قصر،
فإن كان دونه لم يشترط إن كان قادرا على المشي، وإلا اشترط. (قوله: فاضل ذلك) نعت لكل من قوله مؤن، وقوله
مركوب، واسم الإشارة يعود عليه أيضا. والمعنى وكعادم المؤن المركوب الفاضلين على مؤنة من تلزمه مؤنته، وذلك
صادق بأن لا يوجد أصلا وأوجدا، لكن غير فاضلين عن ذلك لأن النفي المأخوذ من عادم يصح تسليطه على المقيد والقيد
معا، أو على القيد فقط. (قوله: ولا على من لبس له سلاح) أي ولا يجب الجهاد على من ليس عنده سلاح (قوله: لان
عادم ذلك الخ) علة لعدم وجوبه على من ليس عنده سلاح: أي وإنما لم يجب لان عادم السلاح لا تحصل به النصرة على
العدو. (قوله: وحرم على مدين) أي ولو والدا. (قوله: موسر) أي بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس فيما يظهر،
ويلحق بالمدين وليه. (وقوله: عليه) أي الموسر. (وقوله: دين حال) سيذكر محترزه. (قوله: لم يوكل الخ) أي فإن وكل



(1) سورة الأنفال، الآية: 65.
(2) سورة الصف، الآية: 11.
(3) سورة الفتح، الآية: 17.
222
من يؤديه عنه من ماله الحاضر، فلا يحرم السفر، لكن بشرط أن تثبت الوكالة، ويعلم الدائن بالوكيل. (قوله: سفر) فاعل
حرم. (وقوله: بالجهاد) متعلق بسفر. (قوله: وغيره) أي وغير الجهاد، كحج وتجارة. (قوله: وإن قصر) أي السفر. قال
في التحفة: يظهر ضبط القصير هنا بما ضبطوه به في التنفل على الدابة، وهو ميل أو نحوه، وحينئذ. فليتنبه لذلك، فإن
التساهل يقع فيه كثيرا. اه‍. (قوله: وإن لم يكن مخوفا) غاية في الحرمة: أي يحرم السفر وإن لم يكن مخوفا بأن كان
آمنا. (قوله: أو كان لطلب علم) غاية ثانية. أي يحرم وإن كان لأجل طلب العلم، ولا حاجة لهذه الغاية، لاندراج طلب
العلم في قوله أو غيره. (قوله: رعاية لحق الغير) علة للحرمة: أي وإنما حرم السفر رعاية وحفظا وتقديما للدين الذي هو
حق الغير. وقال في شرح المنهج: تقديما لفرض العين على غيره. اه‍. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل رعاية حق
الغير، ورد في صحيح مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين. أي فلا يكفره، لكونه حق الغير. (قوله:
بلا إذن غريم) أي دائن، والجار والمجرور متعلق بحرم أو بسفر: أي فإن كان بإذنه فلا يحرم لرضاه بإسقاط حقه. قال في
النهاية والتحفة: نعم لا يتعرض للشهادة، بل يقف وسط الصف، أو حاشيته، حفظا للدين. اه‍. (قوله: وهو من أهل
الاذن) أي والحال أن ذلك الغريم من أهل الاذن: أي والرضا بأن كان مكلفا رشيدا، فلو لم يكن من أهل الاذن، حرم
السفر مطلقا ولو أذن، ولا يجوز لوليه أن يأذن في السفر. ولو أذن فإذنه لاغ لا يتعد به. (قوله: ولو كان الغريم ذميا الخ)
غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن الغريم، ولو كان ذلك الغريم ذميا، أو كان رهن وثيق في الدين، أو
ضامن موسر. (قوله: قال الأسنوي الخ) حاصل ما استفيد من نقل ما ذكر أن بعضهم اشترط لجواز السفر بالاذن، أن
يكون ذلك الاذن لفظا، وأن السكوت غير كاف، وبعضهم لم يشترط ذلك، وقال متى لم يحصل منع باللفظ، جاز السفر
مطلقا - سواء حصل بإذن اللفظ أو لا -. (قوله: معتمدا) حال من فاعل قال، (وقوله: في ذلك) أي في أن السكوت ليس
بكاف. (وقوله: على ما فهم) بالبناء للمجهول. (وقوله: هنا) أي في باب الجهاد. (قوله: والبندنيجي) بباء مفتوحة،
فنون ساكنة، فدال مفتوحة، فنون مكسورة. (قوله: والقزويني) بقاف مفتوحة، وزاي ساكنة. (قوله: لا بد في الحرمة)
أي حرمة السفر. (قوله: من التصريح بالمنع) أي منع الغريم السفر. (قوله: ونقله) أي نقل ما قاله هؤلاء من أنه لا بد من
التصريح. (قوله: إن كان معسرا) مفهوم قوله موسرا. (قوله: أو كان الدين مؤجلا) أي ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه
إن كان الدين مؤجلا، لأنه لا مطالبة لمستحقيه الآن. نعم: له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله. (وقوله: إن قرب
حلوله) غاية لعدم الحرمة. (وقوله: بشرط الخ) تقييد للغاية. (وقوله: لما يحل له فيه القصر) أي
لمكان يحل له: أي للمسافر القصر كخارج السور العمران. (وقوله: وهو مؤجل) أي والحال أن الدين باق على تأجيله، فإن حل قبل وصوله
لما يحل له القصر منه، حرم السفر ومنع منه، لأنه حينئذ في البلد. (قوله: وحرم السفر لجهاد الخ) السفر ليس بقيد
بالنسبة للجهاد، لأنه يحرم الجهاد بلا إذن من الأصل مطلقا - سواء وجد سفر أم لا - وذلك لان بره فرض عين، ولقوله (ص)
لمن استأذنه في الجهاد، وقد أخبره أنهما أي الوالدين له، ففيهما فجاهد، وصح ألك والدة؟ قال: نعم. قال انطلق
فأكرمها، فإن الجنة تحت رجليها. (قوله: بلا إذن أصل) متعلق بحرم أو بالسفر. (قوله: مسلم) خرج الكافر، فلا يحرم

223
الجهاد بلا إذنه، لأنه لا يجب استئذانه، لاتهامه بمنعه له حمية لدينه، وإن كان عدوا للمقاتلين. (قوله: أب وأم) بدل من
أصل. (قوله: وإن عليا) أي الأب والام، وكان القياس وإن علوا - بالواو - لأنه واوي، يقال علا
يعلو، ثم رأيت إن علا جاء بالواو والياء، فيقال في مضارعه يعلو ويعلى. وعليه فما هنا على إحدى اللغتين. اه‍. ع ش. بزيادة. (قوله: ولو
أذن من هو أقرب منه) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن من أحد الأصول، وإن أذن له أصل أقرب من
المانع، كأن منعه جده وأذن له أبوه. (قوله: وكذا يحرم الخ) أي كما أنه يحرم السفر للجهاد وحج التطوع بلا إذن أصل،
يحرم السفر للتجارة بلا إذنه. (وقوله: لم تغلب فيه السلامة) ظاهره أنه قيد حتى في السفر القصير. وعبارة المغني
صريحة في كونه قيدا في الطويل، أما القصير فيجوز مطلقا ونصها.
تنبيه: سكت المصنف عن حكم السفر المباح كالتجارة، وحكمه أنه إن كان
قصيرا فلا منع منه بحال، وإن كان طويلا، فإن غلب الخوف فكالجهاد، وإلا جاز على الصحيح بلا استئذان. والوالد الكافر في هذه الاسفار كالمسلم ما
عدا الجهاد - كما مر. اه‍.
(قوله: لا سفر لتعلم فرض) قال في النهاية، ومثله كل واجب عيني وإن كان وقته متسعا، لكن يتجه منعهما له من
خروج لحجة الاسلام قبل خروج قافلة أهل بلده: أي وقته عادة لو أرادوه، لعدم مخاطبته بالوجوب إلى الآن. اه‍.
(قوله: ولو كفاية) أي ولو كان الفرض كفاية، من علم شرعي، كطلب درجة الفتوى أو آلة له، كطلب نحو أو صرف أو
منطق. (قوله: فلا يحرم) أي السفر لما ذكر، لكن بشرط أن يكون أمنا أو قل خطره، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما
يريده، أو رجا بقرينة زيادة فراغ، أو إرشاد أستاذ، وأن يكون رشيدا، وأن لا يكون أمرد جميلا، إلا أن يكون معه محرم
يأمن على نفسه. (وقوله: عليه) أي الفرع. (وقوله: وإن لم يأذن) أصله غاية في عدم الحرمة. (قوله: وإن دخلوا الخ)
المناسب تقديم هذا على قوله وحرم سفر الخ، لأنه مرتبط بقوله والجهاد فرض كفاية، وذكره في المنهج مفهوم قيد ذكره
لقوله الجهاد فرض كفاية، وذلك القيد هو قوله والكفار ببلادهم. وكان الأولى للشارح أن يذكر القيد المذكور بعد قوله
والجهاد فرض كفاية، وقبل قوله على كل مكلف الخ، كما صنع في المنهج، وكما صنع هو نفسه أول الباب فانظره. ثم
إن الدخول ليس بقيد، فمثله ما لو صار بينهم وبين البلدة دون مسافة القصر. (وقوله: بلدة) مثل البلدة القرية. (وقوله:
لنا) أي المسلمين، ومثل كونها لنا كونها للذميين. ولو زاد الشارح لفظة مثلا بعد قوله بلدة، وقوله لنا لكان أولى. (قوله:
تعين الخ) جواب إن (وقوله: على أهلها) أي البلدة التي لنا أو للذميين. (قوله: أي يتعين الخ) تفسير مراد لتعين الجهاد.
(قوله: الدفع بما أمكنهم) أي بأي شئ أطاقوه، ولو بحجارة أو عصا. (قوله: وللدفع مرتبتان الخ) القصد من هذا بيان
كيفية الدفع، وأن فيها تفصيلا. (قوله: أن يحتمل الحال اجتماعهم) أي يمكن اجتماعهم، بأن لم يهجم عليهم العدو.
(وقوله: وتأهبهم للحرب) أي استعدادهم له. (قوله: فوجب الدفع) الفاء للتفريع، والأولى التعبير بالمضارع: أي ففي
هذه المرتبة يجب الدفع مطلقا من غير تقييد بشئ. (وقوله: على كل منهم) أي على كل واحد واحد من أهل البلد،
وممن دون مسافة القصر. (وقوله: بما يقدر عليه) متعلق بالدفع الواجب عليه. (قوله: حتى على الخ) أي يجب الدفع
حتى على من لا يلزمه الجهاد. (قوله: نحو فقير الخ) تمثيل لمن لا يلزمه الجهاد. (قوله: بلا إذن ممن مر) أي من الأصل
ورب الدين والسيد: أي والزوج، وإن لم يتقدم له ذكر. (قوله: ويغتفر ذلك) أي عدم وجود الاذن في هؤلاء. (وقوله:

224
لهذا الخطب العظيم) أي لهذا الامر العظيم الذي هو دخول الكفار في بلاد المسلمين. (وقوله: الذي لا سبيل لإهماله)
أي تركه، أي هذا الخطب. (قوله: وثانيتهما) أي ثانية المرتبتين أن يغشاهم الكفار: أي يهجموا عليهم ويحيطوا بهم.
(قوله: ولا يتمكنون) أي المسلمون. (وقوله: من اجتماع) أي اجتماعهم. (وقوله: وتأهب) أي تأهبهم للقتال. (قوله:
فمن قصده كافر الخ) الفاء للتفريع على المرتبة الثانية: أي ففي هذه المرتبة الثانية كل من قصده الخ. (وقوله: وعلم أنه)
أي من قصده الخ، ومثل العلم غلبة الظن. وسيأتي محترزه في الفروع. (وقوله: يقتل إن أخذه) أي أخذه الكافر (قوله:
فعليه الخ) أي فيجب على من قصده كافر، والجملة جواب من. (قوله: وإن كان ممن لا جهاد عليه) غاية في الوجوب،
وهو بعيد بالنسبة للصبي. (قوله: لامتناع الاستسلام لكافر) أي لأنه ذل ديني. (قوله: فروع الخ) الأسبك والاخصر أن
يحذف لفظة فروع وما بعدها إلى قوله ولو أسروا الخ ويذكر مفهوم قوله قبل الفروع، وعلم أنه يقتل إن أخذه بأن يقول فإن
لم يعلم أنه يقتل، بأن جوز أسرا وقتلا الخ، ثم يقول بعد ذلك ولو أسروا الخ. (قوله: وجوز أسرا) أي من غير قتل.
(وقوله: وقتلا) الواو بمعنى أو: أي أو جوز قتلا: أي بعد الأسر. (قوله: فله قتال الخ) أي فيجوز له إذا جوز الأسر، وجوز
القتل، أن يقاتل، ويجوز له أن يستسلم لهم. (قوله: إن علم الخ) قيد في الاستسلام: أي محل جوازه له، إن علم أو ظن
ظنا قويا، أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل يقينا. (قوله: وأمنت المرأة الخ) أي وإن أمنت المرأة التي قصدها كافر فعل
الفاحشة فيها إن أسرت. (قوله: وإلا تعين) أي وإن لم يعلم أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل، ولم تأمن المرأة فعل
الفاحشة فيها تعين الجهاد، ولا يجوز الاستسلام، لأنه حينئذ ذل ديني. (قوله: فمن علم أو ظن الخ) هذا مفهوم قوله
وجوز أسرا وقتلا، لان مفهومه أنه إن لم يجوز ذلك، بل تيقن أو غلب على ظنه أنه إن أخذ قتل، امتنع عليه الاستسلام.
(قوله: كما مر آنفا) أي قبيل الفروع في قوله فمن قصده كافر الخ. (قوله: ولو أسروا) أي الكفار. (وقوله: يجب
النهوض إليهم) أي وجوبا عينيا كدخولهم دار نابل هذا أولى: إذ حرمة المسلم أعظم. (قوله: على كل قادر) متعلق
بالنهوض أو بل يجب: أي يجب النهوض على كل قادر، أي ولو كان قنا. (قوله: لخلاصه) اللام تعليلية متعلقة بل يجب: أي
يجب النهوض لأجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفار. (قوله: إن رجى) أي الخلاص ولو على ندور، فإن لم
يرج خلاصه، تركناه للضرورة. (قوله: ولو قال لكافر الخ) عبارة التحفة: ويسن للامام - بل وكل موسر - عند العجز عن
خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر الخ. اه‍. وهي أولى بالزيادة التي زادها قبل قوله فمن الخ. (قوله: لزمه) أي لزم
من قال للكافر ما ذكر المال له. (قوله: ولا يرجع) أي الدافع للكافر ذلك المال. (وقوله: به) أي المال. (قوله: إلا إن
أذن الخ) أي إلا إن أذن الأسير له في أن يفديه بمال، بأن قال له افدني بمال، فحينئذ يرجع على الأسير به. (وقوله: وإن
لم يشترط له الرجوع) غاية في الرجوع على الأسير إذا أذن: أي يرجع عليه إذا أذن له في المفاداة، وإن لم يقل وترجع به
علي. ففاعل يشترط يعود على الأسير، وضمير له يعود على القائل للكافر ما تقدم. (قوله: وتعين) أي الجهاد. (قوله:
وإن كان في أهلهم) الأولى في أهلها: أي البلدة التي دخلوها، ثم وجدت ذلك في بعض نسخ الخط. (قوله: لأنهم في

225
حكمهم) أي لان من كان دون مسافة القصر، في حكم أهل البلدة التي دخلوها. (قوله: وكذا من كان الخ) أي وكذا
يتعين الجهاد على من كان على مسافة القصر. (وقوله: إن لم يكف أهلها) أي البلدة التي دخلوها (وقوله: ومن يليهم)
أي ومن يلي أهل البلدة التي دخلوها، وهم من على دون مسافة القصر. (قوله: فيصير) أي الجهاد. (وقوله: فرض عين
في حق من قرب) أي وهم من على دون مسافة القصر. (قوله: وفرض كفاية) بالنصب معطوف على فرض عين: أي
ويصير فرض كفاية. (وقوله: في حق من بعد) أي وهم من على مسافة القصر، ولا يظهر تفريع هذا على ما قبله إلا لو زاد
بعد قوله وكذا على من كان على مسافة القصر بقدر الكفاية، فيفهم منه حينئذ أنه لا يلزم جميعهم الخروج، بل يكفي في
سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية. ولعل في كلامه سقطا من الناسخ وهو ما ذكر. (قوله: وحرم على من هو
من أهل فرض الجهاد) خرج من هو ليس من أهله كمريض وامرأة، فلا حرمة عليه بانصرافه. (وقوله: انصراف عن
صف) خرج به ما لو لقي مسلم مشركين، فإنه يجوز انصرافه عنهما، وإن طلبهما ولم يطلباه. (قوله: بعد التلاقي) أي
تلاقي الصفين فإن كان قبله فلا يحرم (قوله: وإن غلب على ظنه الخ) غاية في الحرمة، أي يحرم الانصراف وإن غلب
على ظنه أنه إذا ثبت في الصف قتل. وكتب سم. على قول التحفة وإن غلب على ظنه إلى آخره ما نصه: إلا فيما يأتي
قريبا عن بعضهم. اه‍. (وقوله: إلا فيما يأتي الخ) سيذكره المؤلف أيضا بقوله وجزم بعضهم الخ (قوله: لعده الخ) أي
ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) * (وقوله: الفرار من الزحف) أي
الفرار من الصف، لأجل زحف الكفار إلى جهة صف المسلمين. (وقوله: من السبع الموبقات) أي المهلكات. وقد
تقدم بيانها غير مرة. (قوله: ولو ذهب سلاحه الخ) مثله ما لو مات مركوبه وأمكنه الجهاد راجلا، فيمتنع عليه الانصراف.
(قوله: على تناقض فيه) أي على تناقض في عدم جواز الانصراف، وقع في كلامهم (قوله: وجزم بعضهم بأنه) أي الحال
والشأن. (وقوله: إذا غلب ظن الهلاك بالثبات) بثباته في الصف. (وقوله: من غير نكاية فيهم) أي من غير أن يحصل منه
نكاية: أي قتل وإثخان في الكفار. قال في المصباح: نكيت في العدو أنكى، والاسم النكاية إذا قتلت وأثخنت. اه‍.
بحذف. (وقوله: وجب الفرار) أي لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *. (قوله: إذا لم يزيدوا الخ) متعلق
بحرم: أي حرم الانصراف إذا لم يزيدوا على مثلينا. وعبارة المنهج: إن قاومناهم. اه‍. وقال في شرحه: وإن زادوا على
مثلينا، كمائة أقوياء عن مائتين وواحد ضعفاء، ثم قال: وخرج ما إذا لم نقاومهم، وإن لم يزيدوا على مثلينا، فيجوز
الانصراف، كمائة ضعفاء عن مائتين إلا واحدا أقوياء. اه‍. وهي أولى لان العبرة بالمقاومة لا بالعدد، ولا ينافي ذلك
الآية، فإنها ينظر فيها للمعنى، وهو المقاومة المأخوذة من قوله صابرة، وعبارة التحفة: وإنما يراعي العدد عند تقارب
الأوصاف، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه، ولا براكب وماش، بل الضابط - كما قاله الزركشي
كالبلقيني - أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم، ويرجون الظفر بهم، أو
من الضعف ما لا يقاومونهم. اه‍. (قوله: للآية) هي قوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن
منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله. والله مع الصابرين) *. وهي خبر بمعنى
الامر: أي لتصبر مائة لمائتين. (قوله: وحكمة الخ) أي الحكمة في كوننا مأمورين بالصبر على مقاتلة ضعفنا من الكفار،



(1) سورة الأنفال، الآية: 15.
(2) سورة البقرة، الآية: 195.
(3) سورة الأنفال، الآية: 66.
226
أن المسلمين يقاتلون على إحدى الحسنيين: إما الفوز بالشهادة إن قتلوا، وإما الفوز والظفر بالغنيمة مع حصول الاجر إن
لم يقتلوا. وأما الكفار فإنما يقاتلون على الفوز والظفر بالدنيا فقط، فكان الحاصل للمسلمين بسبب الجهاد ضعف ما هو
حاصل للكفار، فوجب عليهم أن يصبروا على ملاقاة ضعفهم من الكفار. (قوله: أما إذا زادوا الخ) مفهوم قوله إذا لم
يزيدوا على مثلينا. (وقوله: كمائتين وواحد عن مائة) قد علمت أن العبرة بالمقاومة وعدمها، لا بالعدد. فلا تغفل.
(قوله: فيجوز الانصراف) أي عن الصف (وقوله: مطلقا) أي غلب على الظن الهلاك أم لا، بلغوا اثني عشر ألفا أم لا.
(قوله: وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا) أي زادوا على مثلينا أم لا. (وقوله: إذا بلغ الخ) قيد في الحرمة.
(قوله: لخبر الخ) علة للحرمة. (وقوله: لن يغلب) بالبناء للمجهول ونائب فاعله ما بعده. (وقوله: من قلة متعلق به) أي
لن يغلب جيش جيشا بلغ اثني عشر ألفا من أجل قلته، بل هو إذا بلغ هذا المقدار فهو كثير ولا يعد قليلا، فيفهم الخبر
حينئذ أنه لا يجوز الانصراف لأنهم كثير. (قوله: وبه خصت الآية) أي وبهذا الخبر خصت الآية السابقة المقتضية أن
المسلمين إنما يقاتلون الضعف ولو زادوا على اثني عشر ألفا، فيقال أن محل ذلك ما لم يبلغ المسلمون هذا المقدار، فإن
بلغوه قاتلوا مطلقا ولو زاد الكفار على ضعفهم. (قوله: أن الغالب على هذا العدد) أي الذي في الحديث. (وقوله:
الظفر) أي بالاعداد ولو زاد الكفار على ضعفهم. (قوله: فلا تعرض فيه) أي في الحديث، وهذا هو محط الجواب.
(قوله: كما هو) أي كون المراد منه ما ذكر واضح. (قوله: وإنما يحرم الانصراف) أعاده لأجل الاستثناء بعده وإلا فهو
مصرح به فيما قبل. ولو قال ومحل حرمة الانصراف إذا لم يكن متحرفا الخ، لكان أولى وأخصر. (وقوله: إن قاومناهم)
المناسب لعبارته أن يقول إن لم يزيدوا على مثلينا. (قوله: إلا متحرفا لقتال الخ) استثناء من عموم الأحوال: أي يحرم
انصراف المسلم عن الصف في جميع الأحوال، إلا في حالة كونه متحرفا لقتال: أي مائلا عن محله ومنتقلا عنه، لأجل
مصلحة القتال، بأن كان قصد به الانتقال لمكان أرفع من مكانه، أو أصوب منه، ليكمن من العدو، أو في حالة كونه
متحيزا: أي ذاهبا إلى فئة من المسلمين يستنجد بها: أي يستنصر بها على العدو فلا يحرم. (قوله: ولو بعيدة) أي ولو
كانت الفئة التي قصدها بعيدة. (قوله: ويرق الخ) شروع في بيان ما يفعل بالأسرى. (وقوله: ذراري) جمع ذرية وهم
الصغار. قال في المصباح: الذرية فعلية من الذر وهم الصغار، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على ذراري، وقد
أطلقت الذرية على الآباء مجازا. اه‍. (قوله: وعبيدهم) أي ويرق عبيدهم. قال في شرح المنهج: والمراد برق العبيد
استمراره لا تجديده. اه‍. وقيل أن الرق الذي فيهم يزول بالأسر، ويخلفه رق آخر لنا، ومثلهم المبعضون بالنسبة
لبعضهم الرقيق، ويأتي في بعضهم الحر التخير بين المن والفداء والاسترقاق، لا القتل تغليبا لحقن الدم. (وقوله: ولو
مسلمين) غاية في رق العبيد، أي يرق عبيدهم ولو كانوا مسلمين كاملين. (قوله: بأسر) متعلق بيرق، والمراد به
الاستيلاء والقهر. (قوله: كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر) الكاف للتنظير في كون الحربي إذا قهر حربيا آخر استرقه
بذلك. (قوله: أي يصيرون الخ) تفسير مراد لارقاق الذراري والعبيد بالأسر. (قوله: ويكونون) أي الذين استرقوا
بالأسر. (وقوله: كسائر أموال الغنيمة) أي فيخمسون الخمس لأهله والباقي للغانمين، لأنه (ص) كان يقسم السبي كما

227
يقسم المال. (قوله: ودخل في الذراري الخ) في دخول المجانين والنسوان البالغين نظر: إلا أن يكون على سبيل
المجاز، بأن يراد بالذراري، كل من ينتمي للكفار ممن تجب مؤنته عليهم. (قوله: ولا حد) أي لازم. (قوله: إن وطئ
غانم) أي واحد من الغانمين. (قوله: أو أبوه) أي أو أبو الغانم. (وقوله: أو سيده) أي سيد الغانم (وقوله: أمة) مفعول
وطئ. (قوله: في الغنيمة) الجار والمجرور صفة لامة، أي أمة كائنة في الغنيمة التي غنمها المسلمون. (قوله: ولو قبل
اختيار التملك) غاية لعدم الحد: أي لا يحد، ولو قبل أن تدخل في ملكه، والدخول فيه يكون باختيار التملك: بأن يقول
اخترت نصيبي ذلك لان الملك في الغنيمة إنما يحصل بعد اختيار كل التملك لنصيبه. (قوله: لان فيها شبهة ملك) علة
لعدم الحد: أي وإنما لم يحد بوطئ أمة الغنيمة، لان فيها شبهة الملك. (قوله: ويعزر عالم بالتحريم) أي يعزره الامام
بما يراه: أي ويلزمه المهر للشبهة، كوطئ الأب جارية ابنه، فإن أحبلها لم يثبت الاستيلاد وإن كان موسرا لعدم الملك،
ولزمه أرش الولادة لحصة غيره. كذا في شرح الروض. (قوله: لا جاهل به) أي لا يعزر جاهل بالتحريم، لكن بشرط أن
يكون معذورا بأن قرب الخ. (قوله: فرع الخ) لما ذكر أن ذراري الكفار يسترقون بالأصل، فرع على ذلك أنه يحكم
عليهم بالاسلام تبعا للمسلمين الذين أسروهم، وذكر في ضمن ذلك تبعيتهم فيه أيضا لاحد الأصول. (قوله: يحكم
بإسلام غير بالغ) أي ذكرا كان أو أنثى أو خنثى والمجنون البالغ كالصغير، سواء بلغ مجنونا أو بلغ عاقلا ثم جن على
الأصح. (قوله: ظاهرا وباطنا) وقد يحكم عليه بالاسلام ظاهرا فقط، كما لو وجد لقيط في دار الاسلام، أو في دار كفار
وفيها مسلم، فإنه يحكم عليه تبعا للدار، والفرق بين من يحكم عليه بالاسلام ظاهرا وباطنا وبين من يحكم عليه به ظاهرا
فقط، أنه في الأول لو وصف الكفر بعد بلوغه يصير مرتدا فيستتاب، فإن تاب ترك وإلا قتل، وفي الثاني يتبين أنه كافر
أصلي وليس مرتدا. (قوله: إما تبعا للسابي المسلم) أي ولو كان غير مكلف، ويشترط لتبعيته له أن يكون منفرد عن
أبويه، بحيث لا يكون معه أحدهما في جيش واحد غنيمة واحدة، فإن لم يكن كذلك فلا يتبع السابي له، بل يتبع أحد
أبويه، لان تبعية الأصل أقوى من تبعية الفرع. (قوله: ولو شاركه كافر) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا للسابي المسلم،
ولو شاركه في السبي كافر تغليبا لجانب المسلم. (قوله: وإما تبعا لاحد أصوله) أي من جهة الأب أو الام وإن لم يكونوا
وارثين وإن بعدوا.
فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي الحكم على جميع الأطفال بالاسلام، بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة السلام.
أجيب: بأن الكلام في جد ينسب إليه بحيث يعرف به.
(قوله: وإن كان إسلاما قبل علوقه) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا وإن كان إسلام أحد أصوله قبل علوقه: أي قبل
أن تعلق به أمه أي تحمل، وفيه أنه لا معنى لهذه الغاية وذلك لأنه إن أسلم أحد أصوله قبل العلوق أو عنده، فقد انعقد
الحمل مسلما بالاجماع. ولا يقال أنه حكم بالاسلام فيه تبعا، وإن أسلم بعد العلوق، فالحكم بالاسلام يكون على
الحمل لا على الصبي - كما صرح به الباجوري - وعبارته: ومثل الصبي الحمل في إسلامه بإسلام أحد أبويه أو أحد
أصوله: وصورة ذلك أن تحمل به أمه في حال كفر أبويه وسائر أصوله، ثم يسلم أحد أبويه أو أحد أصوله قبل انفصاله، أو
بعده وقبل تمييزه أو بعده وقبل بلوغه، أما لو كان أحد أبويه أو أحد أصوله مسلما وقت علوقه فقد انعقد مسلما بالاجماع،
ولا يضر ما يطرأ بعد ذلك من ردة أحد أبويه أو أحد أصوله. اه‍.
تنبيه: خرج بقوله تبعا في الصورتين إسلامه استقلالا، كأن نطق بالشهادتين فلا يعتد به، وذلك لان نطقه

228
بالشهادتين إما خبر أو إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة. وأما إسلام سيدنا
علي رضي الله عنه فقد اختلف في وقته، فقيل إنه كان بالغا حين أسلم - كما نقله القاضي أبو الطيب عن الامام - وقيل إنه
أسلم قبل بلوغه - وعليه الأكثرون - وأجاب عنه البيهقي بأن الاحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة. قال
السبكي: وهو الصحيح. (قوله: فلو أقر أحدهما) أي المحكوم عليه بالاسلام تبعا للسابي، أو المحكوم عليه به تبعا
لاحد الأصول، (وقوله: فهو مرتد من الآن) أي من وقت إقراره بالكفر، لا كافر أصلي، وحينئذ يستتاب، فإن تاب ترك،
وإلا قتل - كما مر -. (قوله: ولا إمام أو أمير) أي أمير جيش. (قوله: خيار في أسير كامل) أي من الكفار الأصليين: أما
إذا كان من المرتدين، فلا خيار فيه بل يطالبه الامام أو الأمير بالاسلام فقط. (قوله: ببلوغ الخ) متعلق بكامل: أي أن
كماله يكون ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، فإن لم يكمل بما ذكر بأن كان صبيا، أو مجنونا، أو أنثى، أو خنثى، أو رقيقا،
فلا خيار فيه، بل يسترق بمجرد الأسر فقط، كما مر. (قوله: بين أربع خصال) متعلق بخيار: أي هو مخير بين أربع
خصال، وهذا بالنسبة لغير المبعضين، أما هم فيتخير فيهم الامام بين ثلاثة أشياء فقط، كما مر. (قوله: من قتل الخ) بيان
للأربع الخصال، ثم إن محل القتل إذا كان فيه إخماد شوكة الكفار وإعزاز المسلمين وإظهار قوتهم. (وقوله: بضرب
الرقبة لا غير) أي لا بتحريق وتغريق ولا بغير ذلك من أنواع القتل. (قوله: ومن عليه) أي إنعام عليه، وهو معطوف على
قتل. (وقوله: بتخلية سبيله) متعلق بمن: أي من عليه بتخلية سبيله بفكه وإطلاقه من الأسر من غير مقابل، ويفعل ذلك
الامام إذا كان فيه إظهار عز المسلمين. (قوله: وفداء) معطوف على قتل أيضا - وهو بكسر الفاء مع المد أو بفتحها مع
القصر - (وقوله: بأسرى منا) أي برد أسرى من المسلمين إلينا، ومثلهم الذميون. والمراد يدفع لهم أسراهم، ويدفعون
إلينا أسرانا. (قوله: أو مال) معطوف على أسرى: أي أو فداء بأخذ مال منهم سواء كان من مالهم أو من مالنا تحت
أيديهم. (قوله: فيخمس) أي المال الذي نأخذه كبقية أموال الغنيمة. (قوله: أو بنحو سلاحنا) معطوف على بأسرى،
أي أو فداء بأخذ نحو سلاحنا الذي أخذوه منا. (قوله: ويفادي سلاحهم بأسرانا) يعني نعطيهم سلاحهم الذي أخذناه
منهم برد أسرانا إلينا. (قوله: لا بمال) أي لا يفادى سلاحهم الذي أخذناه بدفع مال إلينا. قال في التحفة: إلا إن ظهرت
فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا: أي ولو ظهرت مصلحة فيه،
بأن ذلك فيه إعانتهم ابتداء من الآحاد، فلم ينظر فيه لمصلحة، وهذا أمر في الدوام يتعلق بالامام، فجاز أن ينظر فيه إلى
مصلحة. اه‍. بزيادة. (قوله: وإسترقاق) معطوف على قتل أي ومن إسترقاق: أي ضرب الرق ولو لوثني أو عربي، أو
بعض شخص إذا رآه مصلحة، ولا يسري الرق إلى باقيه على الأصح فيكون مبعضا. (قوله: فيفعل الخ) مفرع على قوله
ولامام خيار الخ. وأشار به إلى أن التعبير بالخيار فيه مسامحة، لأنه إنما يكون عند استواء الخصال. (قوله: الاحظ
للمسلمين) أي الأصلح والأنفع للمسلمين: أي وللاسلام، وذلك لان حظ المسلمين ما يعود إليهم من الغنائم وحفظ
مهجهم، ففي الاسترقاق والفداء حظ للمسلمين، وفي المن والقتل حظ للاسلام. هذا إن ظهر له الاحظ، فإن لم يظهر له
حبسهم حتى يظهر له الاحظ فيفعله، لآنه أمر راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي، فيؤخر لظهور الصواب.
تنبيه: قال في التحفة: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الامام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أولا، ولا إلى أن
اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا؟ والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه. أما الأول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له
بالاجتهاد أنها الاحظ. ثم ظهر له به أن الاحظ غيرها، فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لان الغانمين وأهل
الخمس ملكوا بمجرد ضرب الرق، فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن،
وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك، فهنا أولى، لان هذا محض حق الله تعالى، وذاك

229
فيه شائبة حق آدمي، أو فداء، أو من، لم يعمل بالثاني لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب، كما لو اجتهد
الحاكم وحكم، ولا ينقض حكمه باجتهاد بان، نعم، إن كان اختياره أحدهما: لسبب ثم زال ذلك السبب، وتعينت
المصلحة في الثاني عمل بقضيته، وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد، بل بما يشبه النصر لزوال موجب الأول بالكلية. وأما
الثاني فهو أن الاسترقاق لا بد فيه من لفظ يدل عليه، ولا يكفي فيه مجرد الفعل بالاستخدام، لأنه لا يستلزمه، وكذا
الفداء، نعم، يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الامام له من غير لفظ، بخلاف الخصلتين الأخيرتين لحصولهما بمجرد
الفعل اه‍. (وقوله: أما الأول) أي أما التفصيل في الأول، وهو كونه لو اختار خصلة له الرجوع أولا. (وقوله: وأما
الثاني) أي وأما التفصيل في الثاني وهو كون اختياره هل يتوقف على لفظ أم لا؟
(قوله: ومن قتل أسيرا الخ) قال في الاقناع.
تنبيه: لا يقتل من ذكر: أي النساء والصبيان والمجانين والعبيد للنهي عن قتل النساء والصبيان والباقي في
معناهما، فإن قتلهم الامام ولو لشرهم وقوتهم، ضمن قيمتهم للغانمين كسائر أموال الغنيمة وقوله: فإن قتلهم الامام: مثل
الامام غيره، وهذا في قتل الناقصين. أما قتل الكاملين، فإن كان بعد اختيار الإمام القتل أو قبله، فلا ضمان إلا لتعزير،
وإن كان بعد اختيار الإمام للفداء. فإن كان بعد قبضه الفداء، وقبل وصول الكافر لمأمنه ضمن بالدية، ويأخذ الامام منها
قدر للفداء والباقي لورثته، وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان. وأما إن كان القتل بعد المن، فإن كان قبل وصوله
لمأمنه، ضمن بالدية لورثته. وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان اه‍. بجيرمي.
(قوله: أو كاملا) أي أو قتل أسيرا كاملا، وكماله بما مر. (وقوله: قبل التخيير فيه) متعلق بقتل المقدر: أي قتله
قبل أن يختار الامام فيه شيئا من الخصال الأربع. ومفهومه أنه إذا كان بعد التخيير لا شئ عليه أصلا، لا تعزير ولا غيره،
مع أنه ليس كذلك بل فيه تفصيل يعلم من عبارة البجيرمي المارة آنفا. (وقوله: عزر) أي القاتل وهو جواب أن المقدرة
مع شرطها (قوله: وإسلام كافر كامل) خرج الناقص فلا يعتد بإسلامه إلا تبعا وسيذكر حكمه. (قوله: بعد أسر) أي وقبل
اختيار الإمام فيه شيئا، فإن كان بعد اختيار الإمام فيه خصلة من الخصال، تعينت ما عدا القتل اه‍. بجيرمي. (قوله:
يعصم دمه من القتل) الجملة خبر إسلام. (قوله: لخبر الخ) دليل على عصمة دم من أسلم الخ. (قوله: حتى يشهدوا أن
لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله، أو يقال أن لا إله إلا الله صارت علما على الشهادتين. اه‍. ز ي (قوله: فإذا
قالوها) أي كلمة التوحيد. (قوله: وأموالهم) فيه أن الأموال لا تعصم بإسلامه بعد الأسر، فمحل الاستدلال قوله
دماءهم، وكان الأولى ذكر هذا الخبر بعد قوله وإسلامه قبله يعصم دما ومالا اه‍. بجيرمي (قوله: إلا بحقها) أي بحق
الدماء والأموال والأنساب التي تقتضي جواز قتلهم وأخذ أموالهم. اه‍. ع ش. وذلك كالقود والزكاة. (قوله: ولم يذكر
هنا) أي ولم يذكر المصنف هنا: أي في إسلامه بعد الأسر، كما ذكره بعد في قوله وإسلامه قبله، وكان حق التعبير أن
يقول: ولم أذكر بهمزة التكلم إلا أن يقال أنه ارتكب التجريد. (قوله: وماله) مفعول يذكر. (قوله: لأنه) أي الاسلام بعد
الأسر (وقوله: لا يعصمه) أي المال، لان المقدور عليه بعده غنيمة. (قوله: إذا اختار الامام رقه) قال الرشيدي: قضية
هذا القيد أنه إذا اختار غير الرق يعصم ماله، وانظره مع قوله الآتي ومن حقها - أي الأموال - أن ماله المقدور عليه بعد
الأسر غنيمة، ولم أر هذا القيد في غير كلامه، وكلام التحفة. اه‍. (قوله: ولا صغار أولاده) معطوف على قوله وماله:
أي ولم يذكر هنا صغار أولاده. (قوله: للعلم بإسلامه الخ) عبارة التحفة للعلم بإسلامهم تبعا له من كلامه الآتي: إذ
التقيد فيه بقبل الظفر، لإفادة عموم العصمة، ثم بخلافها هنا لما ذكر في المال، وأما صغار أولاده فالملحظ في الصورتين

230
واحد وزعم المخالفة بين ما هنا. وثم وأن عموم ذلك مقيد بهذا، فلا يتبعونه في إسلامه بعد الظفر، ولا يعصمون به عن
الرق ليس في محله لتصريحهم بتبعيتهم له قبل الظفر، فبعده كذلك. اه‍. فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من
العبارة المذكورة. (وقوله: تبعا له) أي لاصله الذي أسلم. (قوله: وإن كانوا الخ) غاية في التبعية: أي يتبعونه في
الاسلام، وإن كانوا بدار الحرب. (وقوله: أو أرقاء) أي أو كانوا أرقاء، بأن سباهم مسلمون، أو قهرهم حربيون. (قوله:
وإذا تبعوه) أي الأصل الذي أسلم. (وقوله: وهم أحرار) أي والحال أنهم، أي صغار أولاده أحرار. (قوله: لم يرقوا)
جواب إذا. (قوله: لامتناع طرو الرق الخ) علة لعدم إسترقاقهم. (وقوله: على من قارن إسلامه حريته) أي على
الشخص الذي قارن إسلامه حريته. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل امتناع طرو الطرق على من ذكر. (وقوله: أجمعوا
على أن الحر المسلم) خرج الرقيق المسلم، فيسبي ويسترق إذا كان للحربيين كما تقدم. (وقوله: لا يسبي) أي لا يؤسر.
(وقوله: ولا يسترق) عطف لازم على ملزوم، لأنه يلزم من عدم صحة سبيه عدم صحة استرقاقه. (قوله: أو أرقاء)
معطوف على أحرار: أي وإذا تبعوه في الاسلام وهم أرقاء، لم ينقض رقهم: أي فلا يعصمهم إسلام أبيهم من الرق، لان
أمرهم تابع لساداتهم، لأنهم من أموالهم. (قوله: ومن ثم) يعني ومن أجل أن الرق لا ينقض بطرو إسلامهم تبعا لأبيهم،
بل يستمر رقهم مع الاسلام. (وقوله: ثم حكم بإسلامه) أي ذلك الصغير (وقوله: تبعا لاصله) أي أصل ذلك الصغير بأن
أسلم أحد أصوله. (وقوله: جاز سببه واسترقاقه) أي صح سبي ذلك الصغير واسترقاقه: أي لأنه رقيق لحربي، ولم
ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقه أي لأنه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق
الحربي يجوز سبيه واسترقاقته ولو كان مسلما. (قوله: ويبقى الخيار الخ) مرتبط بالمتن يعني أن إسلامه إنما يعصمه من
القتل فقط، ويبقى الخيار في باقي الخصال، كما أن من عجز عن الاعتاق في كفارة اليمين يبقى خياره في الباقي من
خصالها. (وقوله: من المن الخ) بيان لباقي الخصال (قوله: ومحل جواز المفاداة الخ) قال ع ش: ينبغي أن
مثله: أي الفداء المن بالأولى مع إرادته الإقامة بدار الحرب. اه‍. (قوله: إن كان له ثم) أي في دار الكفر عشيرة: أي جماعة يأمن
معها على نفسه وماله، فإن لم يكن له ثم عشيرة كما ذكر، لا تجوز مفاداته ومثلها المن. (قوله: وإسلامه قبله) هذا مفهوم
قوله: وإسلام كافر بعد أسر. (قوله: أي قبل أسر) أي أسر الامام أو أمير الجيش، (وقوله: بوضع أيدينا عليه) متعلق
بأسر. (قوله: يعصم دما الخ) الجملة خبر إسلامه. (قوله: أي نفسا الخ) أشار بهذا التفسير إلى أنه ليس المراد بالدم
سفكه بالقتل، كالدم المتقدم فيمن أسلم بعد الأسر، بل المراد به النفس. والمراد عصمتها من القتل ومن غيره كالرق
(فقوله: عن كل ما مر) أي من الخصال السابقة من القتل والرق والمفاداة. (قوله: ومالا) أي ويعصم مالا: أي من غنمه.
(قوله: بدارنا أو دراهم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا كائنا بدار المسلمين، أو بدار الكفار.
(قوله: وكذا فرعه الحر الصغير) أي وكذا يعصم إسلامه فرعه الحر الصغير، لتبعيته له في الاسلام. وقيد بالحر. لان
الرقيق يسبى ويسترق ولا يمنعه الاسلام كما علمت (وقوله: الصغير) خرج الكبير فلا يعصمه إسلام أصله. (وقوله:
والمجنون عند السبي) أي وكذا يعصم ولده المجنون عند الأسر. ولو طرأ جنونه بعد البلوغ كما مر. ومثل الصبي
والمجنون الحمل، ة فيعصمه إسلام أبينه، لأنه يتبعه في الاسلام كما مر. نعم، إن سبيت أمه قبل إسلام أبيه، ثبت رقه

231
بسبي الام مع الحكم بإسلامه تبعا لأبيه، ولكن لا يبطل إسلامه رقه كالمنفصل. (وقوله: عن الاسترقاق) متعلق بيعصم
المقدر بعد كذا. (قوله: لا زوجته) يعني أن إسلام الكافر لا يعص زوجته عن الاسترقاق ولو كانت حاملا لاستقلالها.
فإن قيل: إذا عقد الكافر الجزية، عصم زوجته الموجودة حين عقد الجزية عن استرقاقها، فكان الاسلام أولى
بذلك.
(أجيب) بأن الزوجة تستقل بالاسلام، فلا تجعل فيه تابعة، لان ما يمكن استقلال الشخص به لا يجعل فيه تابعا
لغيره، ولا تستقل ببذل الجزية فتجعل فيه تابعة، لان ما لا يمكن استقلال الشخص به يجعل فيه تابعا لغيره.
(قوله: فإذا سبيت) أي زوجته. (وقوله: ولو بعد الدخول) غاية لقوله انقطع نكاحه: أي ينقطع النكاح، ولو كان
السبي حصل بعد الدخول بها، وهي للرد على القائل بأنه إن كان السبي بعد الدخول بها انتظرت العدة، فلعلها تعتق فيها
فيدوم النكاح كالردة. (قوله: انقطع نكاحه حالا) أي انفسخ نكاحه حالا: أي حال السبي، وذلك لامتناع إمساك الأمة
الكافرة في نكاح المسلم، كما يمتنع ابتداء نكاحها. (قوله: وإذا سبي زوجان أو أحدهما) أي وكانا حرين، أو أحدهما
حرا فقط، ورق بأن كان غير مكلف، أو أرقه الامام بأن كان مكلفا. أما لو كانا رقيقين، سواء سبيا أم أحدهما، فلا ينقطع
نكاحهما: إذ لم يحدث رق، وإنما انتقل الملك من شخص إلى آخر، وذلك لا يقطع النكاح، كالبيع والهبة. (قوله:
انفسخ النكاح بينهما) محله في سبي زوج صغير أو مجنون أو مكلف اختار الامام رقه، فإن من عليه، أو فادى به، استمر
نكاحه حيث لم يحكم برق زوجته، بأن سبي وحده وبقيت بدار الحرب. (قوله: لما في خبر مسلم الخ) دليل لانفساخ
النكاح بينهما إذا سبيا أو أحدهما. (قوله: أنهم) أي الصحابة، وهو بيان لما في خبر مسلم. (قوله: يوم أوطاس) بفتح
الهمزة كما في المختار. وقال ق ل: هو بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين. اه‍. (قوله: من
وطئ المسبيات المتزوجات) أي اللائي كن متزوجات قبل السبي. (قوله: والمحصنات) أي وحرمت عليكم
المحصنات، فهو معطوف على ما قبله في الآية. (قوله: فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات) أي واستثنى منهم من
سبي منهن، فأحل نكاحهن، وهذا يدل على أنه ينفسخ بالسبي النكاح، وإلا لم يحل نكاحهن.
(قوله: فرع) الأولى فرعان. (قوله: لو ادعى أسير) أي كامل إذ الدعوى لا تسمع إلا منه، وإنما ادعى ذلك لأجل
أن لا يصح سبيه، فلا يصح استرقاقه. (قوله: قد أرق) أي قد اختار الامام رقه، ومفهومه أنه إذا ادعاه قبل أن يرق يقبل
حتى بالنسبة للرق فانظره. (قوله: لم يقبل في الرق) أي لم يقبل ما ادعاه بالنسبة للرق، فيستدام الرق الذي اختاره الامام
فيه، أما بالنسبة للقتل والمفاداة فيقبل. (قوله: ويجعل مسلما الآن) أي ويحكم بإسلامه من وقت دعواه ذلك. (قوله:
ويثبت الخ) هذا كالتقييد لقوله لم يقبل: أي أن محل عدم قبوله إذا لم يثبت إسلامه الذي ادعاه بالبينة، فإن ثبت بها،
وهي رجل وامرأتان، قبلت فلا يصح أسره ولا استرقاقه ولا غير ذلك. (قوله: ولو ادعى أسير أنه مسلم) تأمله، فإن كان
المراد أنه ادعى إسلامه قبل أسره، فهو عين ما قبله: وإن كان المراد بعد أسره، فانظر لم فصل فيه بقوله فإن أخذ من دارنا
الخ. ولم يفصل فيما إذا ادعى أنه أسلم قبل الأسر؟ والظاهر أن المراد الأول، وقصده بيان تقييد قوله فيما تقدم، لم يقبل



(1) سورة النساء، الآية: 24.
232
في الرق المقتضي قبوله بالنسبة لغير الرق. (قوله: ويجعل مسلما من الآن) بما إذا أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من
دارهم فلا يقبل مطلقا، ولا يحكم عليه بالاسلام، لكن كان المناسب والاخصر في التعبير، حيث كان هذا هو المراد، أن
يقول بعد قوله ويجعل مسلما من الآن إن أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من دارهم فلا. وفيه أن هذا يقتضي أنهم يجوز
قتلهم إذا أخذناهم من ديارهم، ولو قالوا: نحن مسلمون فانظره. ثم رأيت ع ش بحث في ذلك واختار استفسارهم.
وعبارته.
فرع: لو أسر نفر فقالوا: نحن مسلمون أو أهل ذمة، صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الاسلام. وإن وجدوا في
دار الحرب لم يصدقوا. جزم به الرافعي في آخر الباب. اه‍. سم على منهج. وقضية عدم تصديقهم جواز قتلهم مع
قولهم نحن مسلمون، وقد يقال، القياس إستفسارهم، فإن نطقوا بالشهادتين تركوا، وإلا قتلوا الخ. اه‍.
(قوله: وإذا أرق الحربي) بالبناء للمجهول: أي وإذا أرق الامام أو أمير الجيش الحربي. (قوله: وعليه دين
لمسلم أو ذمي) مثل من عليه دين، من له الدين، فإذا أرق، فإن كان دينه على مسلم أو ذمي لم يسقط، وإن كان على
حربي سقط.
والحاصل، صور لمقام ستة، لأنه إذا أرق من عليه الدين، إما أن يكون دينه لمسلم أو ذمي أو حربي، وإذا أرق من
له الدين، إما أن يكون من عليه الدين مسلما أو ذميا أو حربيا. ولا يسقط في هذه الصور كلها، إلا دين حربي على مثله
إذا أرق أحدهما.
(قوله: لم يسقط) أي الدين، فيقضي من ماله إن غنم بعد رقه، وإن زال ملكه عنه بالرق قياسا للرق على الموت،
فإن غنم قبل رقه أو معه لم يقض منه، فإن لم يكن له مال، أو لم يقض منه، بقي في ذمته إلى أن يعتق فيطالب به. اه‍.
شرح المنهج. (قوله: وسقط) أي الدين إن كان لحربي مفهوم قوله: لمسلم أو ذمي. والفرق بين الحربي وغيره، أن مال
الأول غير محترم، بخلاف الثاني. (قوله: ولو اقترض حربي من حربي) أي أو كان له عليه دين معاوضة كصداق.
(قوله: أو غيره) بالجر معطوف على حربي المجرور بمن: أي أو اقترض حربي من غير الحربي، من مسلم أو ذمي أو
معاهد أو مستأمن. (قوله: أو اشترى) أي الحربي. (وقوله: منه) أي حربي آخر. (قوله: ثم أسلما) أي الحربيان معا أو
مرتبا، أو أعطيا الجزية، أو أخذا أمانا. وعبارة المنهج: ثم عصم أحدهما بإسلام أو أمان مع الآخر أو دونه. اه‍. (قوله:
لم يسقط) أي الدين الملتزم بعقد القرض أو الشراء. (قوله: لالتزامه) أي الدين، وهو علة لعدم السقوط. (وقوله: بعقد
صحيح) أي وهو القرض أو البيع. (قوله: ولو أتلف) مفهوم قوله: إقترض أو اشترى المقتضي وجود عقد: إذ الاتلاف لا
عقد فيه. (وقوله: على حربي) ليس بقيد كما يفهم من قوله الآتي، ولو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه. (قوله:
فأسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا. (قوله: أو أسلم المتلف) في شرح الروض وكإسلامهما إسلام أحدهما، وتقييد
الأصل بإسلام المتلف لبيان محل الخلاف. اه‍. (قوله: فلا ضمان) أي على المتلف. (قوله: لأنه) أي المتلف لم
يلتزم: أي في ذمته شيئا بعقد. (وقوله: حتى يستدام حكمه) أي حكم الملتزم بالعقد، وهو الضمان. وأفهم التعليل
المذكور أن ما اقترضه المسلم أو الذمي من الحربي يستحق المطالبة به، وإن لم يسلم لالتزامه بعقد. أفاده ع ش.
(قوله: ولان الحربي الخ) معطوف على لأنه لم يلتزم الخ. (قوله: فأولى مال الحربي) أي فمال الحربي المتلف أولى

233
بعدم الضمان. (قوله: لو قهر حربي دائنه) أي لو قهر حربي مديون دائنه الحربي. (وقوله: أو سيده) أي أو قهر عبد
حربي سيده الحربي. (وقوله: أو زوجة) أي أو قهر حربي زوجه، أي زوجته فإطلاق الزوج بلا تاء على المرأة هو
القياس. ومثله ما لو قهرت امرأة زوجها. (قوله: ملكه) أي ملك القاهر المقهور. (وقوله: وارتفع الدين) أي سقط
بالنسبة للصورة الأولى. (قوله: والرق) أي وارتفع الرق بالنسبة للصورة الثانية. (قوله: والنكاح) أي وارتفع النكاح
بالنسبة للصورة الثالثة. (قوله: وإن كان المقهور كاملا) أي ملكه وارتفع ما ذكر، وإن كان المقهور كاملا ببلوغ وعقل
وحرية وذكورة. قال في شرح الروض: قال الامام: ولم يعتبروا في القهر قصد الملك، وعندي لا بد منه، فقد يكون
للاستخدام أو غيره. اه‍. (قوله: وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور) أي وكذا يملكه إن كان القاهر ولدا للمقهور، أو
والدا له. فمراده بالبعض ما يشمل الأصل والفرع، وإن كان في إطلاقه على الأصل تسمح. (قوله: ولكن ليس للقاهر)
أي الأصل أو الفرع. (قوله: بيع مقهوره البعض) أي الأصل أو الفرع. (قوله: لعتقه عليه) أي بعد ثبوت الملك بالقهر
يعتق عليه. (قوله: خلافا للسمهودي) مقتضى السياق أنه يخالف في عدم جواز البيع. (قوله: مهمة) أي تتعلق بما يسبى
من بلاد الروم ونحوها.
وحاصل الكلام على ذلك أنه إن كان حرا مسلما، فلا يصح سبيه، ولا استرقاقه كما مر، وإن كان كافرا، فإن علم
أن السابي له كافر صح سبيه واسترقاقه وجاز شراؤه وسائر التصرفات فيه، أو علم أنه مسلم سباه باختلاس أو نهب أو غير
ذلك، فإن علم أن الامام خمسه كسائر أموال الغنيمة، أو قال كل من أخذ شيئا فهو له. فكذلك يصح شراؤه وسائر
التصرفات قطعا. وإن علم أنه لم يخمسه، أو لم يقل ذلك، فلا يصح شراؤه ولا سائر التصرفات قطعا. ووقع الخلاف
فيما إذا احتمل أن السابي كافر، واحتمل أنه مسلم، والمعتمد أنه يصح شراؤه للاحتمال الأول.
(قوله: في السراري) جمع سرية. (وقوله: والأرقاء) معطوف على ما قبله، من عطف العام على الخاص.
(قوله: المجلوبين) أي المأخوذين. (قوله: من الروم والهند) أي ونحوهما، كالترك والسودان. (قوله: وحاصل معتمد
مذهبنا فيهم) أي في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند. (قوله: إن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم
تقسم) أي بأن علم أنه غنيمة تخمست وقسمت أو جهل ذلك. (قوله: يحل شراؤه) أي من لم يعلم كونه غنيمة، لم
تتخمس ولم تقسم. (قوله: وسائر التصرفات فيه) أي ويحل فيه سائر التصرفات، كالهبة والعتق والرهن والإجارة.
(قوله: لاحتمال الخ) علة لحل ذلك: أي وإنما حل شراؤه، لاحتمال أن الذي أسره حربي أو ذمي. (قوله: فإنه لا
يخمس عليه) علة للعلة: أي وإنما حل شراؤه إذا احتمل أن سابيه حربي أو ذمي، لان مأسور الحربي أو الذمي لا يخمسه
الامام عليه، بل يستقل به، لكونه ليس غنيمة للمسلمين. (قوله: وهذا) أي كون الآسر له حربيا أو ذميا، كثير لا نادر.
(قوله: فإن تحقق أن آخذه مسلم) أي وأنه لم يخمسه الامام ولم يقسمه. وهذا مفهوم قوله من لم يعلم كونه الخ. (وقوله:
بنحو سرقة) متعلق بآخذه. (قوله: لم يجز شراؤه) أي لأنه غنيمة للمسلمين، وهي لا تملك إلا بعد التخميس والقسمة.
(قوله: أنه لا يخمس عليه) أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من الوجه الضعيف، أو عطف بيان. (قوله: فقول جمع

234
الخ) مبتدأ خبره جملة يتعين حمله الخ، وهذا جواب شرط مقدر تقديره. وإذا علمت أن حاصل معتمد مذهبنا ما ذكر من
التفصيل فقول جمع الخ. (قوله: ظاهر الخ) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، والجملة مقول القول. وفي التحفة تظاهر
بصيغة الماضي بمعنى اتفق. (وقوله: على منع وطئ السراري) أي على حرمة ذلك لعدم صحة شرائهن. (قوله: إلا أن
ينصب الخ) أي إلا أن يولي الامام من يقسم الغنائم، فإن ولي فلا منع. (وقوله: ولا حيف) أي ولا جور وظلم موجود
في القسمة، بأن يعطى كل ذي حق حقه، أما إذا وجد حيف، بأن أعطى بعض الغانمين وحرم الباقين، فيمتنع وطؤهن.
(قوله: يتعين حمله) أي القول المذكور. (وقوله: على ما علم) أي تيقن أن الغانم له: أي للمذكور من السراري
المسلمون. (قوله: وإنه لم يسبق) أي وعلم أنه لم يسبق الخ. (قوله: من أخذ شيئا فهو له) فاعل يسبق. أي لم يسبق من
أميرهم هذا اللفظ. (قوله: لجوازه) أي لجواز أن يسبق من الأمير المذكور ذلك: أي صحته عند الأئمة الثلاثة. وعبارة
المؤلف في آخر باب الزكاة: ولا يصح شرط الامام من أخذ شيئا فهو له، وفي قول يصح وعليه الأئمة الثلاثة. اه‍. وإذا
جاز قول الأمير المذكور، جاز الاخذ بقوله - كما في الرشيدي - وعبارته: إذ بقوله المذكور كل من أخذ شيئا اختص به،
أي عند الأئمة الثلاثة، لا عند الشافعي، إلا في قول ضعيف له. اه‍. وإذا جاز الاخذ بقول الأمير، لصحته عند الأئمة
الثلاثة، فيصح وطئ السراري، ويبطل قول جمع ظاهر الكتاب الخ، إلا أن يحمل على ما ذكره المؤلف. (قوله: وفي
قول الشافعي) معطوف عل عند الأئمة الثلاثة، أي ولجوازه في قول ضعيف للشافعي. (قوله: بل زعم التاج الفزاري
الخ) وعليه فيحمل وطئ السراري مطلقا لصحة شرائهن. (قوله: وله أن يحرم الخ) معطوف على اسم إن وخبرها: أي
وزعم الفزاري أن للامام أن يحرم الخ. (قوله: لكن رده) أي ما زعمه التاج الفزاري. (وقوله: المصنف) أي النووي.
(وقوله: بأنه) متعلق برده. (قوله: وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس) أي والمخلص لمن وقع في يده شئ من
الغنائم التي لم تخمس يقينا، بشراء أو هبة أو وصية، أن يدفعه لمستحقه إن كان معلوما، ثم بعد ذلك إن شاء اشتراه منه
بعقد جديد، ويحل وطؤه حينئذ. (قوله: وإلا فللقاضي) أي وإن لم يعلم المستحق: أي ولم ييأس منه بدليل التشبيه
الآتي، فيرده للقاضي ليحفظه عنده حتى يعلم المستحق فيعطيه له. (قوله: كالمال الضائع) الكاف للتنظير: أي أن هذه
الغنائم التي لم تخمس، نظير المال الضائع في أنه يدفع للقاضي ليحفظه عنده. (قوله: أي الذي الخ) بيان لقيد المال
الضائع، ومثله في القيد المذكور من وقع بيده من الغنائم. (قوله: وإلا) أي بأن وقع اليأس من مالكه، كأن ملك بيت
المال، وعلى قياسه يقال هنا إذا وقع اليأس من مستحق الغنيمة، يكون ملكا لبيت المال. (قوله: فلمن له فيه الخ) تفريع
على كونه لبيت المال: أي وإذا صار ملكا له، فلكل من كان له في بيت المال حق الظفر به: أي بالمال الضائع الذي أيس
من مالكه. (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن من كان له حق في بيت المال له الظفر به، كان المعتمد فيمن وصل له
شئ: أي أعطي شيئا يستحقه من بيت المال حل أخذه، وإن كان بقية المستحقين مظلومين. (وقوله: كما مر) يعني في
كلام التحفة في كتاب قسم الفئ والغنيمة، وعبارته هناك.
فائدة: منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال. ففي الاحياء قيل: لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا
لأنه مشترك ولا يدري حصته منه، وهذا غلو. وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم. وقيل كفاية سنة. وقيل ما يعطى إذا كان قدر

235
حقه، والباقون مظلومون. وهذا هو القياس لان المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا
يستحقه وارثه. اه‍. وخالفه ابن عبد السلام فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الاسلام، ومال المجانين والأيتام. وما
ذكره الغزالي أوجه مما ذكره ابن عبد السلام. اه‍. بحذف.
(قوله: نعم الورع الخ) مرتبط بقوله يحل شراؤه في أول المبحث: يعني أنه إذا لم يعلم كونه غنيمة لم تخمس،
يحل شراؤه وسائر التصرفات، لكن الورع لمريد التسري الخ. ويحتمل أن يكون مرتبطا بقوله قريبا حل له أخذه. ويدل
للأول صنيع النهاية، وقوله المؤلف بعد أن يشتري ثانيا. إذ هو يدل على أنه وقع الشراء منه أولا، وفي صورة حل الاخذ
ليس فيه شراء أصلا. (وقوله: أن يشتري ثانيا) أي بثمن ثان غير الذي اشترى به أولا. ويشترط أن يكون ثمن مثلها. اه‍.
ع ش. (وقوله: واليأس) بالرفع عطف على عدم التخميس: أي ولان الغالب اليأس من معرفة مالكها: أي السراري
(قوله: فيكون) أي الذي لم يخمس، وأيس من معرفة مالكه. (وقوله: ملكا لبيت المال) أي ككل ما أيس من معرفة
مالكه. اه‍. رشيدي.
(قوله: تتمة) أي في ذكر مسائل تتعلق بالهدنة، وهي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة مجانا أو
بعوض، لا على سبيل الجزية، وهي جائزة لا واجبة. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) *
الآية، وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *. وأركانها ثلاثة. الأول العاقد: وهو الامام أو نائبه إن كانت الهدنة
للكفار مطلقا، أو لأهل إقليم كالروم والهند، لان فيها خطرا عظيما بترك الجهاد فاختصت بهما، فإن كانت لبعض كفار
إقليم، جاز أن يكون الوالي، وأن يكون الامام، وإنما يعقدها من ذكر لمصلحة، كضعفنا بقلة عدد وأهبة، وكرجاء
إسلام، أو بذل جزية، أو إعانتهم لنا، أو كفهم عن الإعانة علينا. الثاني المدة: وهي أربعة أشهر فأقل إن كان بنا قوة،
وعشر سنين فأقل إن كان بنا ضعف. فمتى زادت المدة على أربعة أشهر في الحالة الأولى، أو على عشر سنين في الحالة
الثانية، بطل العقد في الزائد، وصح في الجائز تفريقا للصفقة، فإن لم يذكر في عقد الهدنة مدة أصلا بطل مطلقا، لأنه
يقتضي التأبيد. الثالثة الصيغة: وهي كهادنتكم أو وادعتكم مثلا على ترك القتال مدة كذا. وإذا صحت الهدنة وجب علينا
الكف عنهم وفاء بالعهد حتى تنقضي مدتها، أو ينقضوها هم بتصريح منهم بنقضها أو بقتالنا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا
عمدا. (قوله: يعتق رقيق حربي) هو تركيب إضافي، والمراد قنه مطلقا ولو مستولدة أو مكاتبا. (وقوله: إذا هرب) أي من
سيده الحربي. (وقوله: ثم أسلم) أي بعد الهرب. (وقوله: ولو بعد الهدنة) أي ولو وقع الاسلام بعد الهدنة، فإنه يعتق
عليه، لان الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض. قال في الروض وشرحه: ولو هاجر قبل الهدنة أو بعدها ثم أسلم
عتق، لأنه إذا جاء قاهرا لسيده ملك نفسه بالقهر فيعتق، أو أسلم ثم هاجر قبل الهدنة، فكذا يعتق لوقوع قهره حال
الإباحة، أو بعدها فلا يعتق لان أموالهم محظورة حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء. اه‍. (قوله: أو أسلم ثم هرب
قبلها) أي الهدنة. (وقوله: وإن لم يهاجر إلينا) غاية لعتقه بما ذكر: أي يعتق عليه بما ذكر، وإن لم يهاجر: أي يأت إلى
المسلمين. (قوله: لا عكسه) أي لا يعتق في عكس المذكور. (قوله: بأن أسلم الخ) تصوير للعكس. (قوله: ثم هرب)
أي بعد الاسلام. (قوله: فلا يعتق) أي على سيده الحربي، لان أموالهم محظورة علينا حينئذ، فلا يملكها المسلم
بالاستيلاء - كما تقدم -. (قوله: لكن لا يرد إلى سيده) إستدراك من عدم عتقه حينئذ، دفع به ما يتوهم منه من تمكين
السيد منه. (قوله: فإن لم يعتقه الخ) مقابل لمحذوف، أي فإن عتقه أو باعه عن مسلم فذاك واضح، وإن لم يعتقه ولم



(1) سورة التوبة، الآية: 1.
(2) سورة الأنفال، الآية: 61.
236
يبعه عليه باعه الامام على مسلم، أو دفع له قيمته من بيت المال وأعتقه عن كافة المسلمين، والولاء يكون لهم جميعا.
(قوله: وإن أتانا بعد الهدنة) فاعل الفعل قوله بعد حر ذكر مكلف. (وقوله: وشرط رد من جاء منهم إلينا) الجملة حالية:
أي والحال أنهم شرطوا علينا في عقد الهدنة أن نرد إليهم من جاء منهم إلينا. (قوله: مسلما) حال من فاعل جاء، أو من
فاعل أتانا، وهو قوله حر، ولو رفعه وجعله صفة رابعة لكان أولى. (قوله: فإن لم تكن الخ) جواب إن أتانا:
أي وإن أتانا، من ذكر مسلما ففيه تفصيل، فإن لم تكن له عشيرة: أي جماعة ثم، أي في بلاد أهل الحرب تحميه، فلا يجوز رده
إليهم. وإن كان له ثم عشيرة تحميه رد إليهم بطلبهم إياه، فإن طلبه غير عشيرته لم يرد، وإن كان يحميه إلا أن يقدر
المطلوب على قهر الطالب والهرب منه فيرد إليه، وعليه حمل رد النبي (ص) أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان، فقتل
أحدهما في الطريق، وهرب منه الآخر. (قوله: بالتخلية بينه وبين طالبه) تصوير للرد، فمعنى رده إليهم أن يخلي بينه
وبين طالبه. (قوله: بلا إجبار الخ) أي أنه يخلي بينه وبين طالبه من غير أن نجبره على الرجوع مع طالبه، لحرمة إجبار
المسلم على إقامته بدار الحرب، ولا يلزم المطلوب الرجوع مع طالبه، بل لا يجوز له إن خشي فتنة، وذلك لأنه لم
يلتزمه، إذ العاقد غيره، ولهذا لم ينكر (ص) على أبي بصير امتناعه ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له
سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت أفاده في التحفة. (قوله: وكذا لا يرد الخ) أي كما أنه لا يرد من ليس له
ثم عشيرة تحميه، كذلك لا يرد صبي ومجنون، وهو مفهوم قوله مكلف. (وقوله: وصفا الاسلام أم لا) أي نطقا
بالشهادتين أم لا، وإنما قال وصفا ولم يقل أسلما لعدم صحة الاسلام منهما. (قوله: وامرأة) أي
وكذا لا ترد امرأة: أي لئلا يطأها زوجها أو يتزوجها حربي. (وقوله: وخنثى) أي وكذا لا يرد خنثى وهما مفهوم قوله
ذكر، وبقي عليه مفهوم قوله حر، وهو الرقيق، فلا يرد أيضا، لأنه جاء مسلما مراغما لسيده، وتقدم بيان كونه يعتق عليه أم لا. (قوله: أي لا يجوز
ردهم) تفسير مراد لقوله وكذا لا يرد الخ، أفاد به حكمه وهو عدم الجواز. (قوله: لضعفهم) علة لعدم جواز ذلك: أي لا
يجوز لضعفهم. أي الصبي والمجنون والمرأة والخنثى. قال في التحفة. فإن كمل الصبي أو المجنون واختيارهم مكناه
منهم. اه‍. (قوله: ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد) أي وهرب منا إليهم وقد شرطوا علينا أن لا يردوا من جاءهم مرتدا
آمنا. قال في المنهج وشرحه: ولو شرط عليهم في الهدنة رد مرتد جاءهم منا، لزمهم الوفاء به عملا بالشرط سواء كان
رجلا أم امرأة، حرا أو رقيقا، فإن أبوا فناقضوا العهد لمخالفتهم الشرط، وجاز شرط عدم رده: أي مرتد جاءهم منا، ولو
امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده، لأنه (ص) شرط ذلك في مهادنة قريش، ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق، فإن عاد إلينا رددنا
لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة. اه‍. (قوله: دون الحر
المرتد) أي إذا ذهب إليهم فلا يلزمهم شئ فيه. إذ لا قيمة للحر.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام، العقود التي تفيد الكفار الامن ثلاثة: الهدنة، والأمان، والجزية. وقد علمت ما
يتعلق بالهدنة، وأنها تختص بالامام أو نائبه. وأما الأمان فلا يختص به، بل يجوز لكل مسلم مختار غير صبي ومجنون
وأسير، ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها أمان جماعة من أهل الحرب محصورين قبل أسر، وذلك لقوله تعالى: * (وإن أحد
من المشركين استجارك فأجره) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم - أي يتحملها ويعقدها
مع الكفار أدناهم - فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وخرج بمسلم



(1) سورة التوبة، الآية: 6.
237
الكافر، فلا يصح أمانه لأنهم متهم، وبمختار المكره، وبما بعده الصبي والمجنون والأسير، فلا يصح أمانهم. وخرج
بالمحصورين غيرهم. وضابطه أن يؤدي الأمان إلى إبطال الجهاد في تلك الناحية، فلا يصح من الآحاد حينئذ أمان،
لابطاله شعار الدين وأعظم مكاسب المسلمين، وإنما ينعقد الأمان بإيجاب صريح: كأمنتك، وأجرتك، ولا تخف، ولا
بأس عليك، أو كناية نحوكن كيف شئت. ومنها الكتابة، وبقبول للأمان ولو بما يشعر به كترك القتال. ويدخل في الأمان
للحربي بدارنا، ماله وأهله من ولده الصغير والمجنون وزوجته إن كان بدارنا، وكذا ما معه من مال غيره إن كان المؤمن له
الامام. فإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما يحتاجه من ماله إلا بشرط دخولهما، وكذا يدخلان فيه إن كانا بدارهم، وشرط
دخولهما إمام لا غيره. وأما الجزية فتختص بالامام أو نائبه كالهدنة، وهي لغة اسم لخراج مجعول على أهل الذمة،
وشرعا مال يلتزمه كافر بعقد مخصوص. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون) * وما رواه البخاري من أنه (ص) أخذها من مجوس هجر وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وما رواه أبو داود
من أخذه لها من أهل نجران. وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها بالعقد والصغار فيها بالتزام أحكامنا التي يعتقدونها
كحرمة زنا وسرقة، بخلاف التي لا يعتقدونها كحرمة شرب مسكر، ونكاح مجوسي محارم، فإنهم لا يلتزمونها، لأنه لا
يلزمهم الانقياد إلا للأحكام التي يعتقدونها. وأركانها خمسة: عاقد، ومعقود له، ومكان، ومال، وصيغة. وشرط فيها ما
مر في البيع من نحو اتصال الايجاب بالقبول، وهي إيجابا كأقررتكم، أو أذنت في إقامتكم بدارنا على أن تلتزموا كذا
وتنقادوا لحكمنا، وقبولا كقبلنا ورضينا. وشرط في العقاد كونه إماما أو نائبه، فلا يصح عقدها من غيره لأنها من الأمور
الكلية، فيحتاج إلى نظر واجتهاد، وشرط في المعقود له كونه متمسكا بكتاب كتوراة وإنجيل وزبور حرا ذكرا غير صبي
ومجنون. وشرط في المكان قبوله للتقرير، فيمنع كافر ولو ذميا إقامة بالحجاز، وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها
كالطائف لمكة، وخيبر للمدينة. وشرط في المال عند قوتنا كونه دينارا فأكثر كل سنة عن كل واحد، لقوله (ص) لمعاذ لما
بعثه إلى اليمن: خذ من كل حالم - أي محتلم - دينارا رواه أبو داود وغيره. ويسن للامام أن يشاحح غير الفقير عند
العقد في قدر ما يعقد به، بأن يقول للمتوسط لا أعقد إلا بدارين، وللموسر لا أعقد إلا بأربعة دنانير. ويسن للامام أيضا
أن يشرط عليهم الضيافة لمن يمر عليهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم. ويتضمن عقد الجزية أربعة أشياء: أحدها:
أن يؤدوا الجزية بالذلة والصغار. ثانيها: أن تجري عليهم أحكام المسلمين فيضمنون ما يتلفونه عليهم من نفس ومال.
ثالثها: أن لا يذكروا الاسلام إلا بخير. رابعها: أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين، كرفع بناء لهم علي بناء جار
مسلم، وكإيوائهم من يطلع على عورات المسلمين، وكدلالتهم أهل الحرب على عورة لنا، وكدعائهم مسلما للكفر،
وكزنا ذمي بمسلمة، فإن فعلوا ذلك انتقض عهدهم. ويجب على الامام إذا اختلطوا بنا أن يأمرهم بلبس الغيار، وهو تغير
اللباس، بأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه، وشد الزنار - وهو خيط غليظ يشد في الوسط فوق الثياب -
وبغير ذلك مما هو مذكور في المطولات. والله سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة التوبة، الآية: 29.
238
باب القضاء
أي في بيان أحكام القضاء: من كونه فرض كفاية، أو فرض عين، أو مندوبا، أو مكروها، أو حراما. وما يتعلق
بذلك من شروط القاضي. وإنما أخر إلى هنا لأنه لا يجري في جميع ما قبله. من معاملات وغيرها.
(قوله: أي الحكم بين الناس) أي المترتب على الولاية، وهذا معنى القضاء شرعا: أما لغة: فهو إحكام الشئ
بكسر الهمزة: أي إتقانه وإمضاؤه، أي تنفيذه، وله معنى أيضا عند المتكلمين وهو إيجاد الله الأشياء مع زيادة الاحكام
والاتقان عند الماتريدية منهم، أو إرادة الله الأشياء في الأزل على ما هي عليه فيما لا يزال عند الأشاعرة منهم. (قوله:
والأصل فيه) أي والدليل عليه قبل الاجماع. (قوله: قوله تعالى) أي وقوله تعالى: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم
بين الناس) *. (قوله: وأن احكم بينهم) أي اقض بينهم. (قوله: وأخبار) أي والأصل فيه أخبار. (قوله: وفي رواية
بدل الأولى) أي قوله فله أجران. (وقوله: فله عشرة أجور) لا ينافي هذا الرواية الأولى لان الاخبار بالقليل لا ينفي
الكثير، ولجواز أنه أعلم أولا بالأجرين فأخبر بهما، ثم بالعشرة فأخبر بها. (قوله: أجمع المسلمون على أن هذا) أي ما
في خبر الصحيحين من كون المصيب له أجران، أو عشرة أجور، والمخطئ له أجر واحد. (قوله: في حاكم الخ) أي
مفروض في حاكم عالم مجتهد. (قوله: أما غيره) أي أما حاكم غير العالم المجتهد. (قوله: فآثم بجميع أحكامه) أي
لأنه لا يجوز له الحكم حينئذ. (قوله: وإن وافق الصواب) غاية في إثمه بذلك. قال في التحفة بعد الغاية: وأحكامه كلها
مردودة لان إصابته اتفاقية. اه‍. وعبارة المغني مثلها ونصها: ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لان إصابته اتفاقية
ليست عن أصل شرعي. اه‍. وإذا علمت ما ذكر تعلم أن في عبارته سقطا من النساخ، وهو المعلل بالعلة التي ذكرها:
أعني لان إصابته إتفاقية. وقوله في التحفة وأحكامه كلها مردودة: محله كما سيأتي، وكما في الرشيدي. ما لم يولد ذو
شوكة، وإلا فلا تكون مردودة. (قوله: وصح خبر القضاة ثلاثة الخ).
يحكى أنه كانت القضاة في بني إسرائيل ثلاثة، فمات أحدهم، فولي مكانه غيره، ثم قضوا ما شاء الله أن يقضوا،
ثم بعث الله لهم ملكا يمتحنهم، فوجد رجلا يسقي بقرة على ماء، وخلفها عجلة، فدعاها الملك وهو راكب فرسا،
فتبعتها العجلة فتخاصما، فقالا: بيننا القاضي، فجاءا إلى القاضي الأول فدفع إليه الملك درة كانت معه، وقال له احكم



(1) سورة المائدة، الآية: 49.
(2) سورة المائدة، الآية: 42.
(3) سورة النساء، الآية: 105.
239
بأن العجلة لي. قال بماذا أحكم؟ قال: أرسل الفرس والبقرة والعجلة، فإن تبعت الفرس فهي لي. فأرسلها فتبعت
الفرس فحكم بها له، وأتيا القاضي الثاني فحكم كذلك، وأخذ درة. وأما القاضي الثالث فدفع له الملك درة وقال له:
احكم بيننا. فقال له: إني حائض. فقال الملك: سبحان الله: أيحيض الذكر؟ فقال له القاضي: سبحان الله أتلد الفرس
بقرة؟ وحكم بها لصاحبها. اه‍. فشني على الأربعين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: من ولي
قضاء المسلمين ثم غلب عدله جوره فله الجنة، وإن غلب جوره عدله فله النار أخرجه أبو داود. وقال عليه السلام: عج
حجر إلى الله تعالى وقال: إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في أس كنيف، فقال أما ترضى إن عدلت بك
عن مجالس القضاة؟ رواه ابن عساكر. ولذلك امتنع الأكابر من قبول القضاء لما عرض عليهم: كابن عمر رضي الله
عنهما، فإنه امتنع منه لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء، وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور،
فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله فمات في اليوم الثالث، وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء
الشرق والغرب، وامتنع منه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه.
وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير ابن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء، فهرب منه، فختم على
دوره نحوا من عشرين كما قيل فيه:
وطينوا الباب على أبي علي عشرين يوما ليلي فما ولي
وقال بعض القضاة:
وليت القضاء وليت القضا * لم يك شيئا توليته
فأوقعني في القضاء القضا * وما كنت قدما تمنيته
وقال آخر:
فيا ليتني لم أكن قاضيا * ويا ليتها كانت القاضية
(قوله: وفسر الأول) أي فسر النبي (ص) الأول، فالمفسر هو النبي، كما تدل عليه عبارة الخطيب ونصها: وقد روى
الأربعة والبيهقي والحاكم أن النبي (ص) قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة.
فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل.
(قوله: والأخيران) بكسر الخاء: أي وفسر الأخيران: أي فسرهما النبي (ص) - كما علمت -. (قوله: وما جاء في التحذير
عنه) أي وما ورد عن النبي (ص) في التحذير عن القضاء. (قوله: فقد ذبح بغير سكين) هو كناية عن هلاكه بسبب القضاء.
(قوله: محمول) خبر ما جاء الخ. (وقوله: على عظم الخطر فيه) أي في القضاء: أي فينبغي ترك الدخول فيه. (قوله:
أو على من يكره له القضاء) فيه أن الكراهة لا توجب هذا الوعيد الشديد. اه‍. بجيرمي. وفي المغني ما نصه: وورد من
الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة، ولا شك أنه - أي القضاء - منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، ولكنه خطر والسلامة فيه
بعيدة، إلا إن عصمه الله تعالى. وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت
المقدس: أن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي، فإن كنت تبرئ
فنعما لك، وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار. فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب؟. اه‍. (قوله:
وهو) مبتدأ خبره فرض كفاية. (قوله: أي قبول الخ) تفسير للضمير الواقع مبتدأ. (وقوله: من متعددين صالحين له) أي

240
القضاء. (قوله: فرض كفاية) أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) *. وأما كونه على الكفاية، فلانه
أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وهما على الكفاية. وقد بعث النبي (ص) عليا إلى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله بعثتني
أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء؟ فضرب النبي (ص) صدره وقال: اللهم اهده وثبت لسانه. قال: فوالذي فلق
الحبة، وبرأ النسمة، ما شككت في قضاء بين اثنين. واستخلف النبي (ص) عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا، وقلد
معاذا قضاء اليمن، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة، فلو كان القضاء فرض عين لم يكف واحد.
أفاده في المغني. (قوله: في الناحية) هي مسافة العدوي دون ما زاد. (قوله: بل أسنى الخ) أي بل القضاء أسنى: أي
أفضل فروض الكفايات، وذلك للاجماع مع الاضطرار إليه، لان طباع البشر مجبولة على التظالم، وقل من ينصف من
نفسه. والامام الأعظم مشتغل بما هو أهم منه، فوجب من يقوم به، وكان أسنى فروض الكفاية. (قوله: فإن امتنع
الصالحون له) أي للقضاء. (وقوله: منه) متعلق بامتنع، فالضمير يعود على القضاء أيضا. (وقوله: أثموا) أي وأجبر
الامام أحدهم. (قوله: أما تولية الخ) مقابل قوله هو: أي قبوله. وعبارة المغني: وخرج بقبول التولية إيقاعها للقاضي من
الامام فإنها فرض عين عليه. اه‍. (قوله: في إقليم) أي كالهند وجاوى والحجاز. (قوله: ففرض عين عليه) أي على
الامام، ويتعين على قاضي الإقليم أن يولي تحته فيما عجز عنه. (قوله: ثم على ذي شوكة) أي ثم هو فرض عين على ذي
شوكة إن لم يوجد الامام. (قوله: ولا يجوز إخلاء الخ) والمخاطب بذلك الامام أو من فوض إليه الامام الاستخلاف:
كقاضي الإقليم. (وقوله: مسافة العدوي) هي التي خرج منها بكرة - أي من طلوع الفجر - لبلد الحاكم رجع إليها يومه
بعد فراغ زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة وتعديلها. والعبرة بسير الأثقال لأنه منضبط.
(وقوله: عن قاض) أي أو خليفته. (قوله: فرع لا بد من تولية من الامام أو مأذونه الخ) فيه أن هذا عين قوله أولا أما تولية
الامام أو نائبه ففرض عين الخ، فكان الأسبك والاخصر أن يقول بعد قوله ثم على ذي شوكة، ثم على أهل الحل والعقد
الخ. وبعد قوله معارضا للباقين يأتي بقوله أولا، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوي عن قاض، ثم يأتي بقوله ومن صريح
التولية الخ.
واعلم أنه يشترط في التولية أن تكون للصالح للقضاء، فإن لم يكن صالحا له لم تصح توليته، ويأثم المولي - بكسر
اللام - والمولى - بفتحها - ولا ينفذ حكمه، وإن أصاب فيه إلا للضرورة، بأن ولي سلطان ذو شوكة مسلما فاسقا، فينفذ
قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس - كما سيذكره - روى البيهقي والحاكم: من استعمل عاملا على المسلمين،
وهو يعلم أن غيره أفضل منه - وفي رواية رجلا على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه - فقد خان الله ورسوله
والمؤمنين.
(قوله: فإن فقد الامام فتولية) يقرأ بالجر: أي فلا بد من تولية. (وقوله: أهل الحل والعقد) أي حل الأمور وعقدها
من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم. (قوله: أو بعضهم) أي بعض أهل الحل والعقد، ولو كان واحدا لكن مع
رضا الباقين. (قوله: ولو ولاه) أي الصالح للقضاء. (وقوله: أهل جانب من البلد) أي من أهل الحل والعقد. (قوله:
صح) أي ما ذكر من التولية، ولو قال صحت بتاء التأنيث لكان أولى. (وقوله: فيه) أي في ذلك الجانب. (وقوله: دون



(1) سورة النساء، الآية: 135.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 16
241
الآخر) أي دون الجانب الآخر من البلد، فلا تصح التولية بالنسبة إليه، لكن محله إن لم يرض به أهله إلا صحت. (قوله:
ومن صريح التولية الخ) مرتبط بمحذوف، أي ويشترط في صحة التولية الصيغة من إيجاب وقبول، ومن صريح التولية أي
إيجابا بتوليتك، أو قلدتك القضاء. (قوله: ومن كنايتها) أي التولية. (قوله: عليك فيه) متعلقان بكل من عولت
واعتمدت. (قوله: ويشترط القبول) أي من المولى بفتح اللام. (وقوله: لفظا) أي بأن يقول قبلت ذلك أو توليته. (قوله:
وكذا فورا الخ) أي وكذا يشترط أن يكون فورا فيما إذا كان المولى - بفتح اللام - حاضرا. (قوله: وعند بلوغ الخبر في
غيره) أي ويشترط أن يكون القبول عند بلوغ خبر التولية بكتاب أو برسول فيما إذا كان غير حاضر. (قوله: وقال جمع
محققون الخ) معتمد. قال سم: لا يعتبر القبول لفظا، بل يكفي فيه الشروع بالفعل كالوكيل - كما أفتى بذلك شيخنا
الشهاب الرملي - نعم: يرتد بالرد. اه‍. (قوله: ومن تعين في ناحية) أي للقضاء بأن لم يوجد في ناحيته أي بلده، ومن
على دون مسافة العدوي صالح له غيره. (قوله: لزمه قبوله) أي القضاء للحاجة إليه. (قوله: وكذا طلبه) أي وكذا يلزمه
طلبه القضاء إن تعين له. وفي المغني ما نصه:
تنبيه: محل وجوب الطلب إذا ظن الإجابة - كما بحثه الأذرعي - فإن تحقق أو غلب على ظنه عدمها لما علم من
فساد الزمان وأئمته لم يلزمه، فإن عرض عليه لزمه القبول، فإن امتنع عصى، وللامام إجباره على الأصح، لان الناس
مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر، فإن قيل أنه بامتناعه حينئذ يصير فاسقا، ويحمل
قولهم يجبر على أنه يؤمر بالتوبة أولا، فإذا تاب أجبر: أجيب بأنه لا يفسق بذلك، لأنه لا يمتنع غالبا إلا متأولا للتحذيرات
الواردة في الباب، واستشعاره من نفسه العجز، وعدم اعتماده على نفسه الامارة بالسوء، وكيف يفسق من امتنع متأولا
تأويلا سائغا أداه اجتهاده إليه؟ وأن المنجي له من عذاب الله وسخطه له، عدم التلبس بهذا الامر. اه‍. (قوله: ولو ببذل
مال) أي إن قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة. (قوله: وإن خاف من نفسه الميل) أي يلزمه القبول والطلب وإن خاف
من نفسه الجور والظلم، وإذا تولاه احترز عنه كسائر فروض الأعيان. (قوله: فإن لم يتعين فيها) أي في ناحيته بأن وجد
من يصلح له غيره. (قوله: كره للمفضول القبول والطلب) وذلك لما روي، عن عبد الرحمن بن سمرة أنه قال له
النبي (ص): لا تسأل الامارة. ومحل كراهة ما ذكر حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع في الناس، أو أقرب إلى
القلوب، أو أقوى في القيام في الحق، أو ألزم لمجلس الحكم، وإلا جاز له القبول والطلب من غير كراهة. (قوله: إن لم
يمتنع الأفضل) فإن امتنع فهو كالمعدوم، ولا يكره للمفضول ذلك. (قوله: ويحرم طلبه) أي القضاء، قال في الروض
وشرحه: وإن كان هناك قاض، فإن كان غير مستحق للقضاء فكالمعدوم، وإن كان مستحقا له، فطلب عزله، حرام وإن
كان مفضولا، فإن فعل - أي عزل وولى غيره - نفذ للضرورة: أي عندها وأما عند تمهد الأصول الشرعية فلا ينفذ، صرح
به الأصل فيما إذا بذل مال لذلك، والظاهر أنه بدونه كذلك. اه‍. (قوله: بعزل صالح له) أي للقضاء، فإن كان غير
صالح له فلا يحرم طلبه بعزله، بل يسن ولو ببذل المال.
واعلم أن الذي تحصل من كلامه أن قبول القضاء تعتريه الاحكام الخمس - ما عدا الإباحة - فيجب إذا تعين في
الناحية، ويندب إن لم يتعين، وكان أفضل من غير، ويكره إن كان مفضولا ولم يمتنع الأفضل، ويحرم بعزل صالح ولو
مفضولا. (قوله: وشرط قاض) هو مفرد مضاف فيعم (قوله: كونه أهلا الخ) فيه إحالة على مجهول، إلا أن يقال أيتكل في
ذلك على شهرته. (وقوله: للشهادات كلها) أي لسائر أنواعها، إذ هي تتنوع بحسب المشهود به إلى سبعة أنواع، كما

242
سيأتي بيانيا في بابها. (قوله: بأن يكون مسلما) قال الماوردي: وما جرت به عادة الولاة من نصب رجل من أهل الذمة
فتقليد رياسة وزعامة: أي سيادة لا تقليد حكم وقضاء. اه‍. (قوله: مكلفا) أي بالغا عاقلا. (قوله: حرا) أي كله.
(قوله: ذكرا) أي يقينا. (قوله: عدلا) العدالة لغة التوسط، وشرعا ملكة في النفس، تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل
المباحة - كما تقدم. (قوله: سميعا) إنما اشترط السمع فيه، لان الأصم لا يفرق بين إقرار، وإنكار، وإنشاء، وإخبار.
(وقوله: ولو بالصياح) غاية في كونه سميعا: أي ولو كان لا يسمع إلا بالصياح في أذنيه فإنه يكفي ولا يضر إلا الصمم
الشديد، بحيث لا يسمع أصلا. (قوله: بصيرا) أي ولو بإحدى عينيه، ولو كان يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط.
قاله الأذرعي. وخالفه الرملي ومن تبعه فيمن يبصر ليلا فقط، فقال يكفي كونه يبصر ليلا فقط، كما يكفي كونه يبصر نهارا
فقط.
فائدة: البصر قوة في العين تدرك به المحسوسات، كما أن البصيرة قوة في القلب تدرك بها المعقولات، فالبصيرة
للقلب بمنزلة البصر للعين. (قوله: فلا يولى من ليس كذلك) أي من ليس مستكملا للشروط المذكورة، بأن يكون كافرا،
أو صبيا، أو مجنونا أطبق جنونه أولا، أو رقيقا كله أو بعضه، أو أنثى، أو خنثى، أو فاسقا، أو أصم، أو أعمى، فلا يصح
توليتهم لنقصهم. (قوله: ولا أعمى) فيه أنه مندرج في قوله من ليس كذلك فلأي شئ أفرده. (قوله: وهو من يرى الخ)
عبارة التحفة: فلا يولى أعمى ومن يرى الشبح الخ. اه‍. فلعل لفظه هو: زائدة من النساخ. (قوله: الشبح) أي الجسم.
(وقوله: ولا يميز الصورة) أي ولا يميز صورة ذلك الشبح، هل هي صورة زيد أو عمرو، أو غير ذلك؟ (قوله: وإن
قربت) أي لا يميزها مطلقا مع القرب ومع البعد. (قوله: بخلاف من يميزها إذا قربت) أي الصورة فإنه يصح توليته.
(قوله: بحيث يعرفها) تصوير لتمييزه إياها. والمراد بحيث يعرف أنها صورة زيد مثلا. (قوله: ولو بتكلف الخ) أي ولو
كانت معرفتها بتكلف ومزيد تأمل، فإنه يصح توليته. (قوله: وإن عجز عن قراءة المكتوب) أي فإنه يصح توليته. (قوله:
واختير صحة ولاية الأعمى) أي واختار بعضهم صحة ولاية الأعمى مستدلا بأنه (ص): استخلف ابن أم مكتوم على
الصلاة وغيرها من أمور المدينة رواه الطبراني. وأجاب المانعون ولايته باحتمال أنه استخلفه في الأمور العامة من
الحراسة وما يتعلق بها، لا في خصوص الحكم الذي الكلام فيه. (قوله: كافيا للقيام بمنصب القضاء) أي بأن يكون ذا
يقظة تامة، وقوة على تنفيذ الحق بحيث لا يؤتى من غفلة: أي لا يصاب في الحكم، بأن يحكم بخلاف الحق من أجل
غفلته، ولا يخدع من غرة: أي لا يخدع عن الحق بسبب غرور شخص له. قال في المغني: وفسر بعضهم الكفاية اللائقة
بالقضاء، بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا. فإن كثيرا من الناس يكون عالما
دينا، ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة، فيطمع في جانبه بسبب ذلك. اه‍. (قوله: فلا يولى مغفل) هو الذي
لا يضبط الأمور بأن يكون مختل النظر والفكر، لكبر أو مرض أو غير ذلك. (قوله: ومختل نظر) أي فكر، وعطفه على ما
قبله من عطف التفسير. (وقوله: بكبر أو مرض) الباء سببية متعلق بكل من مغفل ومختل نظر. (قوله: مجتهدا) أي
اجتهادا مطلقا لأنه المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق، وبدليل بيانه الآتي، والاجتهاد في الأصل بدل المجهود في طلب
المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة. وخرج به مجتهد المذهب،
وهو من يستنبط الاحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى، وهو من يقدر على الترجيح في الأقوال كالرافعي
والنووي، والمقلد الصرف وهو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه والترجيح بين الأقوال. (قوله: فلا يصح تولية
جاهل) أي بالأحكام الشرعية. (قوله: ومقلد) أي ولا يصح تولية مقلد لامام من الأئمة الأربعة. (قوله: وإن حفظ الخ)

243
غاية في عدم صحة تولية المقلد. (قوله: لعجزه عن إدراك غوامضه) أي مسائل مذهب إمامه الصعبة. قال في التحفة
بعده: وتقرير أدلته إذ لا يحيط بهما إلا مجتهد مطلق. اه‍. وقال في النهاية: المقلد هو من حفظ مذهب إمامه، لكنه غير
عارف بغوامضه، وقاصر عن تقرير أدلته، لأنه لا يصلح للفتوى، فالقضاء أولى. اه‍. (قوله: والمجتهد) أي المطلق.
(قوله: من يعرف بأحكام القرآن) الباء زائدة. وفي الكلام حذف مضافين: أي من يعرف أنواع محال الاحكام، ليتمكن
من استنباطها منها، ويقدر على الترجيح فيها عند تعارض الأدلة. (قوله: من العام الخ) بيان للمضاف الأول من المضافين
اللذين قدرتهما، وليس بيانا للأحكام في كلامه، كما يفيده صنيعه: إذ العام ليس حكما، وإنما هو محل له، والعام لفظ
يستغرق الصالح له من غير حصر كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *. والخاص بخلافه كقوله عليه الصلاة
والسلام: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر. والمجمل ما لم تتضح دلالته كقوله تعالى: * (وآتوا
الزكاة) *. وقوله: * (خذ من أموالهم صدقة) *. لأنه لم يعلم منها قدر الواجب، والمبين هو ما اتضحت دلالته،
والمطلق ما دل على الماهية بلا قيد كآية الظهار. والمقيد ما دل على الماهية بقيد كآية القتل. والنص ما دل دلالة قطعية،
والظاهر ما دل دلالة ظنية. قال في جمع الجوامع: المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو نص إن أفاد معنى لا
يحتمل غيره كزيد، وظاهر إن احتمل غيره مرجوحا كأسد. اه‍. والناسخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *. والمنسوخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم
متاعا إلى الحول) *. والمحكم كقوله تعالى: * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * فهذه نص في أنه لا يماثله
شئ في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والمتشابه كقوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) *. (قوله:
وبأحكام السنة) معطوف على بأحكام القرآن. والمراد أن يعرف أنواع محال الاحكام من السنة أيضا - كما تقدم - والسنة
هي الأحاديث الشريفة، وهي كل ما نسب للنبي (ص) من الأقوال والافعال والهم والتقرير، كأن فعل بعض الصحابة شيئا أو
قال شيئا بحضرة النبي (ص) وأقره عليه. (قوله: من المتواتر الخ) بيان لما قدرته أيضا وليس بيانا لنفس الاحكام - كما
مر -. (قوله: وهو) أي المتواتر ما تعددت طرقه، بأن رواه جمع عن جمع يؤمن من تواطؤهم على الكذب. قال
البجيرمي: المتواتر ما ترويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جماعة كذلك في جميع الطبقات، والآحاد ما
يرويه واحد عن واحد أو أكثر ولم يبلغوا عدد التواتر. اه‍. (قوله: والآحاد) بالجر عطف على المتواتر، (قوله: وهو) أي
الآحاد: أي حديثهم. (وقوله: باتصال رواته) أي المصور باتصال رواته، فالباء للتصوير، وكان الملائم لما قبله، أي
يأتي به في صورة التعريف بأن يقول وهو ما اتصلت رواته الخ. (قوله: ويسمى) أي المتصل باتصال الخ المرفوع (قوله:
أو إلى الصحابي) معطوف على قوله إليه: أي أو باتصال رواته إلى الصحابي ولم يرفع إلى النبي (ص). (قوله: ويسمى)
أي المتصل إلى الصحابي الموقوف. (قوله: والمرسل) بالجر أيضا عطف على المتواتر. (وقوله: وهو قول التابعي
الخ) أي فهو ما سقط منه الصحابي، كما قال في البيقونية:
ومرسل منه الصحابي سقط



(1) سورة محمد، الآية: 33.
(2) سورة النور، الآية: 56.
(3) سورة التوبة، الآية: 103.
(4) سورة البقرة، الآية: 234.
(5) سورة البقرة، الآية: 240.
(6) سورة الشورى، الآية: 11.
(7) سورة طه، الآية: 5.
244
وهذا اصطلاح المحدثين. وأما اصطلاح الفقهاء والأصوليين، فهو ما سقط من سنده راو أو أكثر، سواء كان من أوله
أو من آخره أم بينهما. وعبارة ق ل في حاشية شرح الورقات، وأما اصطلاح المحدثين: فالمرسل ما سقط منه الصحابي،
وما وقف على الصحابي موقوف، وما وقف على التابعي مقطوع، وما سقط منه راو منقطع، أو راويان فمنقطع من موضعين
إن كان بغير اتصال، وإلا فمعضل، وما سقط أوله معلق، وما أسند إلى النبي (ص) مرفوع. اه‍.
(قوله: أو بحال الرواة) معطوف على بأحكام القرآن، وأو بمعنى الواو: أي ويعرف بحال الرواة لأنه يتوصل به إلى
تقرير الاحكام. (قوله: قوة وضعفا) منصوبان على التمييز: أي من جهة القوة ومن جهة الضعف. (قوله: وما تواتر
ناقلوه) أي بلغوا عدد التواتر، وهو مستأنف. (قوله: وأجمع السلف) عبارة التحفة: نعم ما تواتر ناقلوه، أو أجمع السلف
على قبوله لا يبحث عن عدالة ناقليه. اه‍. فعليه تكون الواو بمعنى أو. (قوله: وله الخ) أي للمجتهد الاكتفاء بتعديل
إمام لراوي الحديث: أي قوله أنه عدل. (وقوله: عرف) أي المجتهد. (وقوله: صحة مذهبه) أي الامام. (قوله: في
الجرح والتعديل) أي جرح الرواة وتعديلهم: أي بيان أنهم عدول أو غير عدول. (قوله: ويقدم عند التعارض الخ) بيان
لكيفية الترجيح عند تعارض الأدلة. (قوله: والناسخ والمتصل والقوي) أي وتقدم هذه الثلاثة على مقابلها، وهو
المنسوخ والمنقطع والضعيف. (قوله: ولا تنحصر الاحكام الخ) قال في النهاية: ولا ينحصر ذلك في خمسمائة آية، ولا
خمسمائة حديث، للاستنباط في الأولى من القصص والمواعظ وغيرهما أيضا، ولان المشاهدة قاضية ببطلانه في الثاني.
فإن أراد القائل بالحصر في ذلك بالنسبة للأحاديث الصحيحة السالمة من الطعن في سند أو نحوه، أو الاحكام الخفية
الاجتهادية، كان له نوع قرب على أن قول ابن الجوزي أنها ثلاثة آلاف ونحوه، مردود بأن غالب الأحاديث لا تكاد تخلو
عن حكم، أو أدب شرعي، أو سياسة دينية، ويكفي اعتماده فيها على أصل مصحح عنده يجمع غالب أحاديث الاحكام
كسنن أبي داود: أي مع معرفة اصطلاحه، وما للناس فيه من نقل ورد. اه‍. (قوله: خلافا لزاعمهما) أي زاعم انحصار
الاحكام في خمسمائة آية وخمسمائة حديث. (قوله: وبالقياس) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بالقياس.
(وقوله: بأنواعه) أي القياس، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله. (قوله: من الجلي الخ) بيان للأنواع
الثلاثة. (قوله: وهو) أي الجلي. (قوله: ما يقطع فيه بنفي الفارق) أي بين المقيس والمقيس عليه. (قوله: كقياس
ضرب الولد على تأفيفه) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) *. ومثله قياس من فوق الذرة بها في
قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *. (قوله: أو المساوي) معطوف على الجلي. (قوله: وهو) أي
المساوي. (وقوله: ما يبعد فيه انتفاء الفارق) الصواب وجود الفارق. وعبارة التحفة: وهو ما يبعد فيه الفارق. اه‍. وهي
ظاهرة. (قوله: كقياس إحراق مال اليتيم على أكله) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) *. (قوله: أو الأدون) معطوف على الجلي أيضا. (قوله: وهو ما لا يبعد فيه انتفاء



(1) سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) سورة الزلزلة، الآية: 7.
(3) سورة النساء، الآية: 10.
245
الفارق) عبارة التحفة: وهو مالا يبعد فيه ذلك: أي وجود الفارق، وهي الصواب. (قوله: كقياس الذرة على البر) الذي
في التحفة والنهاية: كقياس التفاح على البر بجامع الطعم، وهو أولى: إذ قياس الذرة على البر من القياس المساوي،
لأنه يبعد فيه وجود الفارق بينهما، إذ القصد منهما واحد، وهو الاقتيات، بخلاف قياس التفاح على البر، فإنه لا يبعد فيه
وجود الفارق، بل هو قريب، إذ القصد من التفاح التفكه والتلذذ - بخلاف البر فالقصد منه الاقتيات -. (قوله: وبلسان
العرب) معطوف على بأحكام القرآن أيضا: أي وبأن يعرف بلسان العرب: أي كلامهم لغة ونحوا وصرفا وغيرها، لأنه لا
بد منها في فهم الكتاب والسنة. إذ بها يعرف عموم اللفظ وخصوصه، وإطلاقه وتقييده، وإجماله وبيانه، وصيغ الأمر والنهي، والخبر والاستفهام والأسماء والافعال والحروف. (قوله: وبأقوال العلماء) معطوف على بأحكام القرآن: أي
وبأن يعرف بأقوال العلماء اجتماعا واختلافا، لئلا يخالفهم في اجتهاده. (قوله: ولو فيما يتكلم فيه فقط) أي يكفي معرفة
الأقوال ولو في المسألة التي يتكلم فيها، فلا يشترط أن يعرف أقوال العلماء في كل مسألة، بل في المسألة التي يريد النظر
فيها، بأن يعلم أن قوله فيها لا يخالف إجماعا. (قوله: اجتماع ذلك كله) أي معرفته أحكام القرآن والسنة والقياس ولسان
العرب وأقوال العلماء. (قوله: إنما شرط للمجتهد المطلق) أي وقد فقد من بعد الخمسمائة بحسب ما يظهر لنا، فلا
ينافي أنه في نفس الامر يوجد، وأقله قطب الغوث، فإنه لا يكون إلا مجتهدا. اه‍. بجيرمي. وفي المغني ما نصه: قال
ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد، إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال إن العصر
خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن العلماء يرغبون عنه. وهذا ظاهر لا شك
فيه. اه‍. (قوله: أما مقيد) هو صادق بمجتهد المذهب، وبمجتهد الفتوى، وبالمقلد الصرف. (قوله: لا يعدو مذهب
إمام خاص) أي لا يتجاوزه. (وقوله: فليس عليه الخ) جواب أما. (قوله: وليراع فيها) أي في قواعد إمامه: أي بأن يقدم
الخاص منها على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر وهكذا. (قوله: في قوانين الشرع) أي قواعده.
(قوله: فإنه مع المجتهد الخ) أي فإن المقيد الذي لا يعدو قواعد إمامه بالنسبة لامامه المجتهد، كالمجتهد بالنسبة
لنصوص الشرع، فقواعد إمامه في حقه كنصوص الشرع في حق إمامه. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه مع المجتهد
الخ. (وقوله: لم يكن له عدول عن نص إمامه) أي لا يجوز له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ للمجتهد أن يعدل
عن نص الشرع. (قوله: فإن ولى سلطان) أي مطلقا ذا شوكة كان أم لا: بأن حبس أو أسر ولم يخلع، فإن أحكامه تنفذ.
(قوله: ولو كافرا) لم يذكر هذه الغاية في التحفة، ولا في النهاية، ولاغيرهما، وهي مشكلة. إذ السلطان يشترط فيه أن
يكون مسلما، وأما الكافر فلا تصح سلطنته، ولا تنعقد إمامته. ولو تغلب، ولو أخرها عن قوله أو ذو شوكة، وجعلها غاية
له، لأنه ممكن أن يكون كافرا، أو عن قوله غير أهل، وجعلها غاية له، وتكون بالنسبة للثاني للرد على الأذرعي القائل
بعدم نفوذ تولية الكافر القضاء، لكان أولى. تأمل. (قوله: أو ذو شوكة غيره) أي غير السلطان. (قوله: في بلد) متعلق
بمحذوف حال: أي حال كون ذي الشوكة في بلد، أي ناحية. (وقوله: بأن انحصرت قوتها) أي البلدة فيه، أي ذي
الشوكة، والباء لتصوير كونه له شوكة في بلده. وعبارة التحفة والنهاية: بأن يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها، ولم
يرجعوا إلا إليه. اه‍. (قوله: غير أهل) مفعول ولى. (قوله: كمقلد الخ) تمثيل لغير الأهل. (قوله: أي مع علمه) أي

246
المولي - بكسر اللام - سلطانا أو ذا شوكة. (وقوله: بنحو فسقه) أي المولى - بفتح اللام -. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم
يعلم به. (وقوله: ولو علم فسقه لم يوله) الواو للحال: أي والحال أنه لو كان يعلم بفسقه لم يوله. (وقوله: فالظاهر الخ)
جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية (وقوله: كما جزم به شيخنا) أي في فتح الجواد. (قوله: وكذا لو زاد الخ) أي
وكذا لا ينفذ حكمه لو زاد فسقه، بأن كان يشرب الخمر في الجمعة مرة، فصار يشرب على خلاف العادة. (قوله: أو
ارتكب مفسقا آخر) أي بأن كان يزني فصار يزني ويشرب الخمر. (قوله: على تردد فيه) أي فيما بعد كذا ممن زاد فسقه
، أو ارتكب مفسقا آخر. (قوله: وجزم بعضهم بنفوذ توليته) أي الفاسق مطلقا. (وقوله: وإن ولاه غير عالم بفسقه) هذا هو
الفارق بين ما جزم به بعضهم وبين ما ذكره قبل. (قوله: وكعبد الخ) معطوف على قوله كمقلد. (قوله: نفذ ما فعله) أي
المولى سلطانا، أو ذا شوكة. (قوله: من التولية) بيان لما. (قوله: وإن كان الخ) غاية في نفوذ التولية:
أي تنفذ التولية وإن كان هناك: أي في الناحية المولى عليها غير الأهل مجتهد عدل. (قوله: على المعتمد) متعلق بنفذ. (قوله: فينفذ
قضاء) مفرع على نفوذ التولية. (قوله: للضرورة) قال البلقيني يستفاد من ذلك، أنه لو زالت شوكة من ولاه بموت أو
نحوه، انعزل لزوال الضرورة، وأنه لو أخذ شيئا من بيت المال على ولاية القضاء، أو جوامك في نظر الأوقاف، استرد
منه، لان قضاءه إنما نفذ للضرورة، ولا كذلك المال. اه‍. بجيرمي. (قوله: وإن نازع كثيرون فيما ذكر) أي في نفوذ
قضاء من ولاه للضرورة إذا كان فاسقا. (وقوله: وأطالوا) أي في النزاع. (وقوله: وصوبه الزركشي) أي وقال أنه لا
ضرورة إليه، بخلاف المقلد. قال في التحفة بعده وهو عجيب، فإن الفرض أن الامام أو ذو الشوكة هو الذي ولاه عالما
بفسقه، بل أو غير عالم به على ما جزم به بعضهم، فكيف حينئذ يفرع إلى عدم تنفيذ أحكامه المترتب عليه من الفتن ما لا
يتدارك خرقه، وقد أجمعت الأمة - كما قاله الأذرعي - على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة، وأحكام من ولوه؟ اه‍. (قوله:
وما ذكر في المقلد الخ) أي ما ذكر في المقلد من أنه إذا ولاه سلطان، أو ذو شوكة، تنفذ توليته محله إن كان ثم مجتهد،
وإلا نفذت ولو من غير ذي شوكة. ولا يخفى ما في عبارة شيخه المذكورة. إذ قوله سلطان صادق بذي الشوكة وغيره - كما
صرح به هو -. وإذا كان كذلك فلا معنى للتقييد الذي ذكره بل لا يتأتى. نعم، يصير للتقييد المذكور معنى لو أبقى عبارة
المنهاج على حالها، وهي فإن تعذر جمع هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقا، أو مقلدا، نفذ قضاؤه للضرورة.
ففيها تخصيص التولية بذي الشوكة، وحينئذ فيصح قوله، وما ذكر محله الخ. ثم رأيت الرشيدي اعترض على قول النهاية
المضاهي لقول شيخه المذكور بما نصه: قوله: وما ذكر في المقلد محله الخ، هذا إنما يتأتى لو أبقى المتن على ظاهره
الموافق لكلام غيره، وأما بعد أن حوله إلى ما مر، فلا موقع لهذا هناك. وحاصل المراد - كما يؤخذ من كلامهم - أن
السلطان إذا ولى قاضيا بالشوكة، نفذت توليته مطلقا - سواء كان هناك أهل للقضاء أم لا - وإن ولاه لا بالشركة، أو ولاه
قاضي القضاة كذلك، فيشترط في صحة توليته فقد أهل للقضاء. انتهى. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن هناك مجتهد
نفذت تولية المقلد، ولو صدرت من غير ذي شوكة، كسلطان محبوس أو مأسور ولم يخلع كما مر. (قوله: وكذا الفاسق)
أي ومثل المقلد فيما ذكر من التفصيل الفاسق. (قوله: فإن كان هناك عدل الخ) تصريح بما علم من التشبيه. (قوله:
اشترطت شوكة) أي في المولي (ص) بكسر اللام -. (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن هناك عدل، فلا تشترط الشوكة.

247
(قوله: كما يفيد ذلك) أي التفصيل المذكور. (قوله: الحق الخ) مقول قول ابن الرفعة. (قوله: والأوجه أن قاضي
الضرورة يقضي بعلمه) أي يحكم بما علمه إن شاء: كأن يدعي شخص على شخص بمال، وقد رآه القاضي أقرضه إياه
أو سمعه يقر به، فله أن يحكم عليه بما علمه ويثبت المال عنده. (قوله: ويحفظ مال اليتيم) أي وله أن يحفظ مال اليتيم.
(قوله: ويكتب لقاض آخر) أي وله أن يكتب لقاض آخر، فيما إذا ادعى عنده على غائب بمال مثلا، وثبت عنده بالبينة،
فله أن يكتب إلى قاضي بلد الغائب ليستوفي له من مال الغائب الحاضر عنده. (قوله: خلافا للحضرمي) أي الشيخ
إسماعيل الحضرمي في قوله ليس لقاضي الضرورة أن يحكم بعلمه الخ. (قوله: يلزمه بيان مستنده) أي إذا سئل عنه كما
أفصح به في التحفة، وسيأتي أيضا، والمراد بمستند ما استنده إليه من بينة، أو نكول، أو نحو ذلك. اه‍. رشيدي.
وذلك كأن يقول مثلا، ثبت عندي بالبينة أن المال المدعى به عندك، وحكمت عليك به. (قوله: ولا يقبل قوله حكمت
بكذا الخ) قال في التحفة: وكأنه لضعف ولايته، ثم قال: ومحله إن لم يمنع موليه من طلب بيان مستنده اه‍. (وقوله:
من غير بيان مستنده فيه) أي فيما حكم به. (قوله: ولو طلب الخصم) أي المدعى عليه. (قوله: تبيين الشهود) أي عينهم
كزيد وعمرو مثلا. (قوله: لزم القاضي) أي الفاسق، والمقام للاضمار. فلو قال لزمه لكان أولى. (قوله: وإلا) أي وإن
لم يبينهم لم ينفذ حكمه. (قوله: يندب للامام) أي أو نائبه. (قوله: أن يأذن الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر نائب
فاعل يندب: أي يندب له إذنه للقاضي المولى - بفتح اللام - في الاستخلاف ليكون أسهل له، وأقرب لفصل
الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة، فبان نهاه الامام عنه لم يستخلف استخلافا عاما لعدم رضاه بنظر غيره، فإن
كان ما فوض له أكثر مما يمكنه القيام به، اقتصر على المتمكن وترك الاستخلاف. أما الاستخلاف الخاص كتحليف
وسماع بينة، فقطع القفال بجوازه للضرورة إلا أن ينص على المنع منه. أفاده م ر. (قوله: وإن أطلق التولية) أي بأن لم
يأذن له في الاستخلاف ولم ينهه عنه. (وقوله: استخلف فيما لا يقدر عليه) أي فيما عجز عنه لحاجته إليه. (وقوله: لا
غيره) أي لا يستخلف في غيره ما لا يقدر عليه، وهو المقدور عليه، لان قرينة الحال تقتضي عدم الاستخلاف فيه.
(وقوله: في الأصح) مقابله يقول يستخلف مطلقا فيما عجز عنه وغيره.
تنبيه: يشترط في الخليفة ما شرط في القاضي من كونه أهلا للشهادات كلها ومجتهدا، إلا إن استخلف في أمر
خاص كسماع بينة وتحليف، فيكفي علمه بما يتعلق به من شروط البينة والتحليف، ويحكم الخليفة باجتهاده أو باجتهاد
مقلده - بفتح اللام - إن كان مقلدا، ولا يجوز أن يشرط عليه أن يحكم بخلاف اجتهاده أو اجتهاد مقلده - بفتح اللام - لأنه
يعتقد بطلانه، والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق. (قوله: مهمة) أي في بيان كون القاضي يحكم باجتهاده إن كان
مجتهدا، أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا. (قوله: يحكم القاضي) أي أو خليفته كما مر. (قوله: باجتهاده) أي بما أداه إليه
اجتهاده من المسائل. (قوله: إن كان مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا. (قوله: أو اجتهاد مقلده)
أي أو يحكم باجتهاد مقلده، أي إمامه فهو بفتح اللام. (وقوله: إن كان) أي القاضي. (وقوله: مقلدا) بكسر اللام (قوله: وقضية كلام الشيخين الخ)
أقره سم (قوله: وقال الماوردي وغيره يجوز) أي الحكم بغير مذهب مقلده - بفتح اللام - (قوله: وجمع ابن عبد السلام

248
والأذرعي) أي بين قضية كلام الشيخين وقول الماوردي. (وقوله: بحمل الأول) أي قضية كلام الشيخين. (قوله: وهو)
أي من لم ينته لما ذكر. (قوله: المقلد الصرف) أي المحض، وبينه بقوله بعد الذي لم يتأهل للنظر: أي أن المقلد
الصرف هو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه، والترجيح بين الأقوال. (قوله: والثاني الخ) أي وحمل الثاني، وهو
قول الماوردي. (وقوله: على من له أهلية لذلك) أي للنظر والترجيح. قال في التحفة بعده: ومنع ذلك الحسباني من
جهة أن العرف جرى بأن تولية المقلد مشروطة بأن يحكم بمذهب مقلده، وهو متجه - سواء الأهل لما ذكر وغيره - لا سيما
إن قال له في عقد التولية على عادة من تقدمك، لأنه لم يعتد لمقلد حكم بغير مذهب إمامه. اه‍. (قوله: ونقل ابن الرفعة
الخ) مؤيد لكلام الشيخين. (قوله: وقال الغزالي لا ينقض) عبارة التحفة: وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم
النقض، بناء على أن للمقلد تقليد من شاء، وجزم به في جمع الجوامع. قال الأذرعي: بعيد، والوجه - بل الصواب - سد
هذا الباب من أصله، لما يلزم عليه من المفاسد التي لا تحصى. اه‍. وقال غيره المفتي على مذهب الشافعي: لا يجوز
له الافتاء بمذهب غيره ولا ينفذ منه: أي لو قضى به لتحكيم أو تولية لما تقرر عن ابن الصلاح. نعم، إن انتقل لمذهب
آخر بشرطه وتبحر فيه، جاز له الافتاء به. اه‍. (قوله: وتبعه الرافعي) أي تبع الغزالي الرافعي في قوله لا ينقض.
(وقوله: بحثا) أي أنه بحث ذلك من غير نص. (قوله: وشيخنا في بعض كتبه) أي وتبعه شيخنا في بعض كتبه.
(قوله: فائدة) أي في بيان التقليد. وحاصل الكلام عليه أن التقليد هو الاخذ والعمل بقول المجتهد من غير معرفة
دليله، ولا يحتاج إلى التلفظ به، بل متى استشعر العامل أن عمله موافق لقول إمام فقد قلده، وله شروط ستة: الأول: أن
يكون مذهب المقلد - بفتح اللام - مدونا. الثاني: حفظ المقلد - بكسر اللام - شروط المقلد - بفتح اللام - في تلك
المسألة. الثالث: أن لا يكون التقليد مما ينقض فيه قضاء القاضي. الرابع: أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب
بالأسهل، وإلا فتنحل ربقة التكليف من عنقه. قال ابن حجر: ومن ثم كان الأوجه أن يفسق به، وقال الرملي الأوجه أنه لا
يفسق وإن أثم به. الخامس: أن لا يعمل بقول في مسألة ثم يعمل بضده في عينها، كأن أخذ نحو دار بشفعة الجوار تقليدا
لأبي حنيفة، ثم باعها ثم اشتراها فاستحق واحد مثله بشفعة الجوار، فأراد أن يقلد الإمام الشافعي ليدفعها، فإنه لا يجوز.
السادس: أن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة، لا يقول كل من الامامين بها، وزاد بعضهم شرطا
سابعا: وهو أنه يلزم المقلد اعتقاد أرجحية أو مساواة مقلده للغير. وقال في التحفة: الذي رجحه الشيخان جواز تقليد
المفضول مع وجوه الفاضل، وزاد بعضهم أيضا شرطا ثامنا: وهو أنه لا بد في صحة التقليد أن يكون صاحب المذهب
حيا، وهو مردود بما اتفق عليه الشيخان وغيرهما من جواز تقليد الميت وقالا - وهو الصحيح - قال في التحفة: ومن أدى
عبادة اختلف في صحتها من غير تقليد للقائل بالصحة، لزمه إعادتها إذا علم بفسادها حال تلبسه بها، لكونه عابثا حينئذ،
أما من لم يعلم بفسادها حال تلبسه بها، كمن مس فرجه مثلا، فنسيه أو جهل التحريم وقد عذر به، فله تقليد الإمام أبي
حنيفة رضي الله عنه في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده له عند الصلاة. اه‍. بالمعنى.
(وقوله: فله تقليد الإمام أبي حنيفة) قال سم وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل. اه‍. (قوله: إذا تمسك العامي)
مثله غيره من العلماء الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد كما ذكره سم عند قول التحفة قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي
لا مذهب له الخ. فانظره إن شئت. (قوله: لزمه التمذهب) أي المشي والجري على مذهب معين من المذاهب الأربعة.

249
(قوله: لا غيرها) أي غير المذاهب الأربعة، وهذا إن لم يدون مذهبه، فإن دون جاز كما في التحفة ونصها: يجوز تقليد
كل من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته،
فالاجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة، يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك. اه‍. (قوله: ثم له) أي ثم
يجوز له الخ.
قال ابن الجمال: (إعلم) أن الأصح من كلام المتأخرين - كالشيخ ابن حجر وغيره - أنه يجوز الانتقال من مذهب
إلى مذهب من المذاهب المدونة ولو بمجرد التشهي، سواء انتقل دواما أو في بعض الحادثة، وإن أفتى أو حكم وعمل
بخلافه ما لم يلزم منه التلفيق. اه‍. (قوله: وإن عمل بالأول) أي بالمذهب الأول كمذهب الشافعي. (قوله: الانتقال
إلى غيره) أي غير الأول بالكلية: كأن ينتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما. (قوله: أو في
المسائل) أي أو الانتقال في بعض مسائل لغير مذهبه. (وقوله: بشرط الخ) مرتبط به: أي يجوز له أن يقلد في بعض
المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص. (قوله: بأن يأخذ الخ) تصوير لتتبع الرخص. (قوله: فيفسق به) أي بتتبع الرخص،
وهذا ما جرى عليه ابن حجر. أما ما جرى عليه الرملي فلا يفسق به، ولكنه يأثم، كما مر. (قوله: وفي الخادم الخ) هذا
كالتقييد لما قبله، فكأنه قال محل اشتراط عدم تتبع الرخص فيمن لم يبتل بالوسواس، أما هو فيجوز له ذلك. (وقوله:
عن بعض المحتاطين) أي الذين يأخذون بالأحوط في أعمالهم. (قوله: لئلا يزداد) أي الوسواس، وهو علة الأولوية،
(وقوله: فيخرج) بالنصب عطف على يزداد: أي فيخرج بسبب زيادة الوسواس عن الشرع مثلا، وابتلى بالوسواس في
النية في الوضوء، أو بقراءة الفاتحة خلف الامام، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة، فله أن يترك النية
ويقلد الامام أبا حنيفة فيه فإنها سنة عنده، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الامام، حتى يذهب عنه الوسواس. (قوله:
ولضده) أي والأولى لضد من ابتلي بالوسواس، وهو الذي لم يبتل به. (قوله: الاخذ بالأثقل) أي بالأشد. (قوله: لئلا
يخرج عن الإباحة) أي عن لمباح لو لم يأخذ بالأثقل. (قوله: وأن لا يلفق الخ) معطوف على قوله أن لا يتتبع الرخص:
أي وبشرط أن لا يلفق: أي يجمع بين قولين. (قوله: يتولد الخ) أي ينشأ من القولين اللذين لفق بينهما حقيقة واحدة
متركبة، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب، في صلاة واحدة، فلا يصح تقليده المذكور،
لأنه لفق فيه بين قولين نشأ منهما حقيقة واحدة، وهي الصلاة لا يقول بصحتها كلا الامامين. (قوله: وفي فتاوى شيخنا
الخ) مؤيد لاشتراط عدم التلفيق. (قوله: لزمه أن يجري على قضية مذهبه) أي على ما يقتضيه مذهب ذلك الامام الذي
قلده في تلك المسألة. (وقوله: وجميع ما يتعلق بها) أي بتلك المسألة: أي من استكمال شروطها، ومراعاة
مصححاتها، واجتناب مبطلاتها. (قوله: فيلزم من انحرف الخ) تعبيره بالماضي فيه وفيما بعده لا يلائم قوله بعد أن
يمسح الخ، فإنه للاستقبال وانحرف وصلى للمضي، فلا بد من ارتكاب تأويل في الأول، بأن يجعل بمعنى المضارع، أو
في الثاني بأن يجعل بمعنى الماضي: أي فيلزم الشافعي الذي قصده أن ينحرف عن عين القبلة، ويصلي إلى جهتها
مقلدا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه أن تكون طهارته على مذهبه، بأن يكون يمسح في الوضوء قدر الناصية، وأن لا
يسيل منه دم بعد الوضوء، فإنه ناقض له عنده، أو فيلزم الشافعي الذي انحرف وصلى إلى الجهة مقلدا للامام أبي حنيفة

250
في ذلك أنه كان قد مسح الخ. (وقوله: وأن لا يسيل الخ) معطوف على أن يمسح، (قوله: وما أشبه ذلك) أي ما ذكر من
مسح قدر الناصية وعدم سيلان الدم، والمشبه لذلك فعل كل ما هو شرط لصحة الصلاة عند الامام أبي حنيفة رضي الله
عنه، وترك كل ما هو مبطل لها عنده. (قوله: وإلا) أي بأن لم يمسح قدر الناصية، أو سال منه دم بعد الوضوء، كانت
صلاته باطلة. (قوله: فليتفطن لذلك) أي للشرط المذكور. (قوله: ووافقه) أي الشيخ ابن حجر. (قوله: وزاد) أي
العلامة عبد الله أبو مخرمة. (قوله: قد صرح بهذا الشرط) أي وهو أن من قلد إماما في مسألة لزمه الجريان على قضية
مذهبه فيها. (قوله: وقال شيخنا المحقق ابن زياد الخ) فيه مخالفة لابن حجر ومن وافقه فيما إذا كان التركيب من
قضيتين. (قوله: إن الذي فهمناه من أمثلتهم) أي التي يجوز فيها التقليد والتي لا يجوز. (قوله: إن التركيب القادح) أي
المضر في التقليد. (قوله: إنما يمتنع) صوابه إنما يوجد. (قوله: إذا كان) أي التركيب وقع في قضية واحدة، كالطهارة أو
الصلاة. (قوله: فمن أمثلتهم) أي للتقليد المضر (قوله: إذا توضأ ولمس) أي الأجنبية. (قوله: تقليدا لأبي حنيفة) أي
في عدم نقض الوضوء باللمس. (قوله: واقتصد تقليدا للشافعي) أي في عدم نقض الوضوء بذلك. (قوله: ثم صلى) أي
بذلك الوضوء. (قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي وأبي حنيفة. (وقوله: على بطلان ذلك) أي الوضوء لانتقاضه
باللمس عند الشافعي، وبخروج الدم عند أبي حنيفة. (قوله: وكذلك) أي مثل هذا المثال في البطلان. (وقوله: إذا
توضأ ومس) أي فرجه. (وقوله: تقليدا للامام مالك) أي في عدم نقض الوضوء. (وقوله: ولم يدلك) أي لم يتبع الامام
مالكا في الدلك، بل تبع الإمام الشافعي في عدمه. (قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء المجرد عن الدلك. (قوله:
لاتفاق الامامين) أي الشافعي ومالك. (وقوله: على بطلان طهارته) أي لأنه مس وهو مبطل عند الشافعي، ولم يدلك وهو
مبطل عند الامام مالك. (قوله: بخلاف ما إذا كان التركيب) أي الناشئ من التلفيق بين قولين. (وقوله: من قضيتين) أي
حاصلا من قضيتين: أي كالطهارة والصلاة مثلا. (قوله: فالذي يظهر أن ذلك) أي التركيب من قضيتين. (قوله: غير
قادح في التقليد) أي غير مضر له. (قوله: كما إذا توضأ الخ) تمثيل لما إذا كان التركيب حاصلا من قضيتين (قوله: ومسح
بعض رأسه) أي أقل من الناصية تقليدا للامام الشافعي فيه. (قوله: ثم صلى إلى الجهة) أي لا إلى عين الكعبة. (وقوله:
تقليدا لأبي حنيفة) أي في قوله بصحة الصلاة إلى جهة الكعبة. (قوله: فالذي يظهر الخ) الجملة جواب إذا. (وقوله:
صحة صلاته) خبر الذي (قوله: لان الامامين) أي الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما. (وقوله: لم يتفقا على بطلان
طهارته) إذ هي صحيحة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. (قوله: فإن الخلاف فيها بحاله) أي فإن الخلاف بين

251
الامامين باق بحاله في تلك الطهارة، فهي صحيحة على مذهب الشافعي، وباطلة على مذهب أبي حنيفة. (قوله: لا
يقال اتفقا على بطلان صلاته) أي لفقد شرطها عند الشافعي، وهو استقبال العين وفقد شرطها عند أبي حنيفة وهو مسح
قدر ربع الرأس. (قوله: لأنا نقول الخ) علة النفي. (قوله: من التركيب في قضيتين) أي الحاصل في قضيتين، وهما
الطهارة والصلاة، كما مر. (قوله: والذي فهمناه) أي من أمثلتهم. (وقوله: أنه) أي التركيب الواقع في قضيتين.
(وقوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر ومؤثر فيه. (قوله: ومثله) أي مثل هذا المثال في التركيب من قضيتين.
(قوله: في أن العورة السوأتان) أي القبل والدبر، فالواجب عند الإمام أحمد
سترهما فقط. (قوله: وكان) فعل ماض،
واسمها يعود على المقلد للإمام أحمد: أي وكان المقلد للإمام أحمد في قدر العورة ترك المضمضة مقلدا للامام
الشافعي. (قوله: والاستنشاق) الواو بمعنى أو (قوله: الذي يقول الخ) الأولى في التعبير أن يقول التي يقول الإمام أحمد
بوجوبها: أي الثلاثة وهو المضمضة، والاستنشاق، والبسملة. (قوله: فالذي يظهر الخ) جواب إذا (قوله: إذا قلده) أي
قلد الإمام أحمد
. (قوله: لأنهما) أي الإمام أحمد
والإمام الشافعي، وهو تعليل لظهور صحة صلاته فيما ذكر. (وقوله:
لم يتفقا على بطلان طهارته) أي لان الشافعي يقول بصحتها، والإمام أحمد يقول ببطلانها. (وقوله: التي هي) أي
الطهارة. (وقوله: قضية واحدة) أي هي التي يضر فيها التركيب. (قوله: ولا يقدح في ذلك) أي في التقليد المذكور.
(قوله: فإنه) أي فإن البطلان المتفق عليه. (وقوله: تركيب من قضيتين) هما ستر العورة والطهارة. (قوله: وهو) أي
التركيب من قضيتين غير قادح في التقليد. (قوله: وقد رأيت في فتاوي البلقيني الخ) مؤيدا لما تقدم.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاستفتاء. (قوله: يلزم محتاجا) أي إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية.
(وقوله: إستفتاء عالم عرف أهليته) عبارة الروض وشرحه: يجب على المستفتي عند حدوث مسألة، أن يستفتي من عرف
علمه وعدالته، ولو بإخبار ثقة عارف، أو بإستفاضة لذلك، وإلا بأن لم يعرفهما بحث عن ذلك - يعني عن علمه - بسؤال
الناس، فلا يجوز له إستفتاء من انتسب إلى ذلك وانتصب للتدريس وغيره من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه.
وقضية كلامه أنه يبحث عن عدالته أيضا، والمشهور كما في الأصل خلافه، وبه يشعر قوله فلو خفيت عليه عدالته الباطنة
اكتفى بالعدالة الظاهرة، لان الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة. اه‍ (قوله: ثم إن وجد) أي المحتاج. (وقوله:
مفتيين) مفعول وجد، وهو هنا بمعنى أصاب، فلا يطلب إلا مفعولا واحدا. (قوله: فإن اعتقد أحدهما أعلم الخ) قال في
الروض: ويعمل - أي المستفتي - بفتوى عالم مع وجود أعلم منه جهله. قال في شرحه: بخلاف ما إذا علمه بأن اعتقده
أعلم - كما صرح به بعد - فلا يلزمه البحث عن الأعلم إذا جهل اختصاص أحدهما بزيادة علم، ثم قال في الروض: فإن
اختلفا - أي المفتيان - جوابا وصفة ولا نص قدم الأعلم، وكذا إذا اعتقد أحدهما أعلم أو
أورع، قدم من اعتقده أعلم أو أورع، ويقدم الأعلم على الأورع. اه‍. بزيادة من شرحه. (قوله: قال في
الروضة ليس لمفت وعامل الخ) قال في التحفة بعد أن نقل ما ذكر: ونقل ابن الصلاح الاجماع فيه، لكن حمله بعضهم على المفتي والقاضي، لما مر من جواز

252
تقليد غير الأئمة الأربعة بشرطه، وفيه نظر. لأنه صرح بمساواة العامل للمفتي في ذلك، فالوجه حمله على عامل متأهل
للنظر في الدليل وعلم الراجح من غيره. اه‍. وقال في الفوائد وابن الجمال في فتح المجيد.
(اعلم) أن القولين أو الوجهين أو الطريقين إذا كانا لواحد ولم يرجح أحدهما، فللمقلد أن يعمل لنفسه بأيهما شاء
إذا لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له، فلا يجوز له العمل إلا بالتتبع والترجيح، فإن رجح أحدهما فالفتوى والحكم
بالراجح مطلقا، والمرجوح منهما إذا رجحه بعض أهل الترجيح يجوز تقليده للعمل فقط، سواء كان المقلد أهلا للنظر
والترجيح أم لا. وإن لم يرجح فيمتنع تقليده على الأهل لا على غيره، وإذا كان الوجهان والطريقان لاثنين، ولم يرجح
أحدهما ثالث يجوز تقليد كل منهما في الافتاء والقضاء أيضا إذا لم يكن المقلد أهلا، ويجوز لعمل نفسه فقط إذا كان
التقليد من المتأهل، لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الأهل، وإن رجح أحدهما ثالث، فالفتوى بالراجح لتقويته
بالترجيحين - سواء كان المفتي أهلا أم لا - والمرجوح منهما يجوز تقليده لعمل النفس فقط، ولو من المتأهل للتضمن
المذكور. هذا هو الحق الصريح الذي لا محيد عنه، لأنه المنقول والمعتمد عند جمهور المتأخرين. اه‍. من تذكرة
الاخوان المشتملة على مصطلحات التحفة وغيرها.
(قوله: أن يعتمد أحدهما) أي الوجهين أو القولين، وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم ليس. (قوله: بلا نظر فيه)
أي بلا تأمل وتفكر في ذلك الاحد الذي يريد أن يعتمده. (قوله: بلا خلاف) أي ليس له ذلك بلا خلاف، وقد علمت أن
محله إذا كان أهلا للنظر والترجيح. (قوله: بل يبحث عن أرجحهما) أي الوجهين أو القولين. (قوله: بنحو تأخره) متعلق
بأرجحهما، وهو بيان المقتضي للأرجحية، فتأخر أحد القولين أو الوجهين أو قوة دليله أو نحو ذلك يقتضي الأرجحية.
(قوله: وإن كانا) أي القولان أو الوجهان لمتبحر واحد، وهو غاية لكونه يبحث عن الأرجح بما ذكر (قوله: ويجوز تحكيم
اثنين) أي غير حد وتعزير لله تعالى، أما هما فلا يجوز فيهما التحكيم. إذ لا طالب لهما معين. (قوله: ولو من غير
خصومة) غاية في جواز التحكيم: أي يجوز مطلقا سواء كان في خصومة، كأن حكم خصمان ثالثا، أو في غير خصومة،
كأن حكم اثنان في نكاح ثالثا. (قوله: كما في النكاح) أي لفاقدة ولي خاص بنسب أو معتق، وهو تمثيل للتحكيم في غير
الخصومة. (قوله: رجلا) مفعول تحكيم المضاف إلى فاعله. (قوله: أهلا لقضاء) صفة لرجلا. (قوله: أي من له أهلية
القضاء المختلفة) تفسير للمراد من الأهل للقضاء، وتقدم ضابط من له أهلية ما ذكر، وهو من له قدرة على استنباط
الاحكام من الكتاب والسنة والقياس والاجماع. (قوله: لا في خصوص تلك الواقعة) أي ليس المراد به من كان أهلا
للقضاء في تلك المسألة الحادثة فقط (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بأن الشرط وجود الأهلية في خصوص تلك الواقعة لا
مطلقا. (قوله: ولو مع وجود قاض أهل) غاية في جواز تحكيم رجل أهل: أي يجوز تحكيم الأهل، ولو مع وجود قاض
أهل في تلك البلدة. (قوله: خلافا للروضة) أي القائلة بعدم جواز التحكيم مع وجوده. (قوله: أما غير الأهل) مفهوم
قوله أهلا. (قوله: أي مع وجود الأهل) أنظر ما المراد بالأهل: هل هو خصوص القاضي، أو ما يعمه وغيره؟ والظاهر أن
المراد الأول، وإلا بأن كان المراد الثاني نافذ الغاية بعد: أعني قوله وإن كان ثم مجتهد. (قوله: وإلا مجاز) أي وإن لم
يوجد قاض أهل على ما مر، بأن لم يوجد قاض أصلا، أو وجد لكنه غير أهل، جاز تحكيم غير الأهل، وهو ضعيف، كما
يفيده الاستدراك بعد. (قوله: ولو في النكاح) أي ولو كان التحكيم في النكاح فإنه يجوز. (قوله: وإن كان ثم مجتهد)
أي غير قاض. (قوله: كما جزم به) أي بما ذكر من عدم جواز تحكيم غير الأهل مع وجود الأهل، وجواز تحكيمه مع عدم

253
وجوده، وفيه أنه لم يجزم بهذا شيخه، وإنما ذكره وأحاله على ما مر منه في النكاح، من أنه لا يجوز مع وجود الحاكم،
ونض عبارته هنا وأما غير الأهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الأهل - وإلا جاز، ولو في النكاح على ما مر فيه. اه‍.
وقوله: على ما مر: أي في باب النكاح. ونص عبارته هناك: نعم لو لم يكن لها ولي، جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها
إلى مجتهد عدل، فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد، أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض،
فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل، كما حررته في شرح الارشاد. اه‍. (قوله: لكن الذي أفتاه) أي أفتى به شيخه
ابن حجر، وعبارته تفيد أن هذا هو ما جزم به في فتاويه مع أنه جزم به في غيرها - كما يعلم من عبارته في باب النكاح - ثم
إن هذا هو الذي جزم به في النهاية أيضا ونصها: نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض، ولو قاضي
ضرورة. اه‍. ونقله سم وأقره فهو المعتمد. (وقوله: ولو غير أهل) أي ولو كان القاضي غير أهل. قال البجيرمي:
فيمتنع التحكيم الآن لوجود القضاة ولو قضاة ضرورة، كما نقله زي عن م ر، إلا إذا كان القاضي يأخذ مالا له وقع، فيجوز
التحكيم حينئذ كما قاله ح ل. اه‍. (قوله: ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا) أي سواء فقد القاضي أم لا. (قوله: ولا
يفيد حكم المحكم) أي لا ينفع ويؤثر. (وقوله: إلا برضاهما) أي الخصمين من قبل الحكم، ويشترط استمراره إلى
انتهائه. قال في التحفة: نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه، لم يؤثر عدم رضا
خصمه، لان المحكم نائبه. (وقوله: به) أي بالحكم الذي يستحكم به. (وقوله: لفظا) أي بأن يقولا له حكمناك لتحكم
بيننا، ورضينا بحكمك. (وقوله: لا سكوتا) أي فلا يكفي (قوله: فيعتبر رضا الزوجين معا) قال ع ش أي فلا يكتفي
بالرضا من ولي المرأة والزوج، بل الرضا إنما يكون بين الزوجين حيث كانت الولاية للقاضي. اه‍. (قوله: نعم الخ)
إستدراك من اعتبار رضا الزوجين: أي باللفظ. (قوله: ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي) هذا كالتقييد لما تقدم، فكأنه
قال محل جواز التحكيم في النكاح إذا لم يكن الولي غائبا بأن كان مفقودا بالكلية. (قوله: ولو إلى مسافة القصر) أي لا
يجوز التحكيم مع غيبة الولي، ولو كانت غيبته إلى مسافة القصر (قوله: إن كان ثم) أي في البلدة التي يراد التحكيم فيها.
(قوله: خلافا لابن العماد) أي القائل بجوازه عند غيبته ولو كان هناك قاض (قوله: لأنه) أي القاضي وهي علة لعدم جواز
التحكيم حين إذ غاب الولي. (قوله: بخلاف المحكم) أي فإنه لا ينوب عن الغائب، فلا يجوز تحكيمه مع وجود
الغائب. (قوله: ويجوز له) أي للمحكم أن يحكم بعلمه كقاضي الضرورة كما مر. (وقوله: على الأوجه) أي عند ابن
حجر، وأما عند م ر فالأوجه عدم الجواز قال: لانحطاط رتبته عن القاضي. (قوله: وينعزل القاضي الخ) شروع فيما
يقتضي انعزال القاضي وما يذكر معه. وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل. (قوله: ببلوغ خبر العزل) أي الصادر من الامام
بأخذ الأسباب الآتية. (قوله: ولو من عدل) أي ولو كان بلغه الخبر، أي وصل إليه من عدل واحد فإنه ينعزل به. وعبارة
التحفة وبحث الأذرعي الاكتفاء في العزل بخبر واحد مقبول الرواية، والقياس ما قاله الزركشي أنه لا بد من عدلي الشهادة
أو الاستفاضة كالتولية، لا يقال يتعين على من علم عزله أو ظنه أن يعمل باطنا بمقتضى علمه أو ظنه كما هو قياس نظائره،
لأنا نقول إنما يتجه ذلك إن قلنا بعزله باطنا قبل أن يبلغه خبره، وقد تقرر أن الوجه خلافه. اه‍. وإذا علمتها تعلم أن
المؤلف وافق الأذرعي في الاكتفاء بالواحد، وخالف شيخه. (قوله: وينعزل نائبه) أي نائب القاضي الذي عزل، ولو
قاضي الإقليم، لان القصد بالاستنابة المعاونة، وقد زالت ولايته فطلبت المعاونة. (قوله: في عام) متعلق بنائبه،
أي نائبه في أمر عام، كأن أنابه في كل الاحكام. (وقوله: أو خاص) أي أمر خاص كسماع شهادة في حادثة معينة على ميت أو

254
غائب. (قوله: بأن يبلغه) أي النائب، والجار والمجرور متعلق بينعزل، أي ينعزل النائب ببلوغه خبر عزل مستخلفه له،
وإضافة عزل إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله. (قوله: أو الامام الخ) بالجر عطف على مستخلفه: أي أو يبلغه خبر
عزل الامام لمستخلفه. قال في شرح الروض: قال البلقيني: ولو بلغه الخبر ولم يبلغه نوابه لا ينعزلون حتى يبلغهم
الخبر، وتبقى ولاية أصلهم مستمرة حكما، وإن لم ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على سد الوظيفة. قال: ولو بلغ
النائب قبل أصله فالقياس أنه لا ينعزل وينفذ حكمه حتى يبلغ الأصل. اه‍. (قوله: إن أذن الخ) أي ومحل انعزاله ببلوغه
خبر عزل الامام لمستخلفه إن كان الامام أذن له أن يستخلف عن نفسه، بأن قال الامام له: وليتك القضاء واستخلف عن
نفسك، أو أطلق بأن قال له: استخلف، ولم يقل له عن نفسك ولا عني. ومثل ذلك ما إذا لم يأذن له في الاستخلاف.
(قوله: لا حال كون النائب الخ) أي ولا إن كان قيما ليتيم، أو وقف، فلا ينعزل بانعزال القاضي لئلا تختل مصالحهما.
(قوله: بأن قال) أي الامام (قوله: فلا ينعزل) أي النائب بذلك: أي بانعزال القاضي، وذلك لأنه خليفة الامام، والقاضي
إنما هو سفير في التولية. (قوله: وإنما انعزل الخ) دخول على المتن. (قوله: لا قبل بلوغه ذلك) أي لا ينعزل كل من
القاضي ونائبه قبل بلوغ خبر العزل. (قوله: لعظم الخ) تعليل لكون العزل إنما يثبت بعد بلوغ الخبر لا قبله. (وقوله: في
نقض أقضيته) أي في رد أقضيته الصادرة منه بعد العزل في الواقع وقبل أن يعلم به. (وقوله: لو انعزل) أي لو حكم عليه
بالانعزال قبل بلوغ الخبر. (قوله: بخلاف الوكيل الخ) أي لان من شأنه عدم عظم الضرر في نقض تصرفاته. (قوله:
فإنه) أي الوكيل، سواء كان وكيلا عن صاحب المال مثلا، أو عن وكيل صاحب المال، بأن أذن له في أن يوكل عن نفسه
أو أطلق. (وقوله: من حين العزل) أي عزل الموكل صاحب المال له، أو عزل صاحب المال لموكله. (قوله: ومن علم
عزله الخ) كالاستثناء من عدم انعزاله قبل بلوغ خبره، فكأنه قال: ومحل عدم ثبوت انعزاله بالنسبة لمن لم يعلم به. أما
بالنسبة له فيثبت، ولا ينفذ حكمه لعلمه أنه غير حاكم باطنا. قال في التحفة بعد نقله ما ذكر عن الماوردي: وإنما يتجه إن
صح ما قاله أنه غير حاكم باطنا على ما اقتضاه إطلاقهم أنه قبل أن يبلغه خبر عزله باق على ولايته ظاهرا وباطنا، فلا يصح
ما قاله. ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من لا ولي لها مثلا، لم يلزم الزوج باطنا ولا ظاهرا
انعزالها؟. اه‍. (قوله: إلا أن يرضى الخ) أي فينفذ حكمه فيه. (وقوله: فيما يجوز التحكيم فيه) أي وهو ما كان غير حد
وتعزير لله تعالى، كما مر. (قوله: وينعزل أيضا) أي كما أنه ينعزل ببلوغه خبر العزل. (قوله: كل منهما) أي القاضي
ونائبه. (قوله: بأحد أمور) متعلق بينعزل. (قوله: عزل نفسه) بدل من أحد أمور بالنسبة للشرح، ومعطوف على خبره
بالنسبة للمتن، ومحله ما لم يتعين، وإلا فلا ينفذ عزله لنفسه كما سيذكره. (قوله: وجنون وإغماء) معطوفان على عزل
نفسه. (قوله: وإن قل زمنهما) أي الجنون والاغماء. قال في فتح الجواد: كما اقتضاه إطلاقهم، لكن مر في نحو الشركة
أنه لا انعزال به، إلا إن كان زمنه بقدر ما بين صلاتين، فيحتمل أن يقال هنا بذلك، ويحتمل الفرق بأنه يحتاط هنا ما لا
يحتاط به، ثم ولعل هذا أقرب اه‍. وقوله: ولعل الخ: جرى عليه في التحفة، وعبارتها: ولو لحظة - خلافا
للشارح -. اه‍. (قوله: وفسق) إنما لم ينعزل الامام الأعظم به، لما فيه من اضطراب الأمور وحدوث الفتن. (قوله: أي
ينعزل بفسق) يقرأ بالتنوين، وفاعل للفعل من لم يعلم. (قوله: حال توليته) ظرف متعلق بيعلم المنفي: أي لم يعلم موليه

255
حال توليته إياه بفسقه الأصلي، أو علم به لكنه لم يعلم بما زاد عليه حال التولية أيضا، فإن علم موليه بذلك حالها، فلا
ينعزل به، لما تقدم أنه إذا ولى سلطان أو ذو شوكة غير أهل، نفذ قضاؤه للضرورة، وكلامه صريح في أن فسقه أو ما زاد
عليه لم يطرأ بعد التولية، بل هو موجود حال التولية، إلا أنه لم يعلم موليه به، وكلام غيره صريح في أنه طارئ بعد
التولية. ولو أبقى المتن على ظاهره لكان يمكن حمله عليه، بخلافه بعد أن فصل فيه بين علم موليه به وعدم علمه به حال
التولية، فلا يمكن حمله عليه لأنه لم يكن موجودا إذ ذاك حتى يفصل فيه بما ذكر. (قوله: وإذا زالت هذه الأحوال) أي
الجنون والاغماء والفسق. (وقوله: لم تعد ولايته) أي لم ترجع له إلا بتولية جديدة من الامام، لان ما بطل لا يعود إلا
بتجديد عقده. (وقوله: في الأصح) مقابله يقول تعود من غير تولية جديدة، قياسا على الأب إذا جن ثم أفاق، أو فسق ثم
تاب، فإنه تعود له الولاية على موليه بعد ذلك. (قوله: ويجوز للامام عزل قاض) أي لما روى أبو داود أنه (ص): عزل
إماما صلى بقوم بصق في القبلة، وقال: لا يصلي بهم بعدها أبدا. وإذا جاز هذا في إمام الصلاة، جاز في القاضي بل
أولى، إلا أن يكون متعينا فلا يجوز له عزله. ولو عزل لم ينعزل. اه‍. شرح الروض. (قوله: لم يتعين) أي للقضاء بأن
وجد من يصلح للقضاء غيره. (قوله: بظهور خلل) متعلق بعزل (وقوله: لا يقتضي انعزاله) الجملة صفة لخلل: أي خلل
موصوف بكونه غير مقتض لانعزاله، فإن اقتضاه لم يحتج إلى عزل الامام له، لانعزاله بنفس ذلك الخلل المقتضي له،
وهو كالفسق والجنون إلى آخر ما تقدم (قوله: ككثرة الخ) تمثيل للخلل الذي لا يقتضي انعزاله. (وقوله: الشكاوي) أي
من الرعية بسبب تضررها منه. (وقوله: فيه) أي في القاضي. (قوله: وبأفضل منه) معطوف على بظهور خلل، أي
ويجوز عزله بوجود أفضل منه، وإن لم يظهر فيه خلل، رعاية للأصلح للمسلمين، ولا يجب العزل لذلك، وإن قلنا إن
ولاية المفضول لا تنعقد مع وجود الفاضل، لان الغرض حدوث الأفضل بعد الولاية، فلم يقدح فيها أفاده في التحفة.
(قوله: وبمصلحة) معطوف أيضا على بظهور خلل: أي ويجوز عزله بسبب وجود مصلحة في العزل، كتسكين فتنة، ولو
لم يعزل يخاف من حدوثها. (وقوله: سواء أعزله بمثله أم بدونه) أي سواء عزله بذلك مع وجود مثله يوليه في مكانه أم
دونه، فالباء بمعنى مع، وهي مضافة لمحذوف (قوله: وإن لم يكن شئ من ذلك) أي من المذكور من ظهور خلل،
ووجود أفضل منه، وظهور مصلحة. (وقوله: لم يجز عزله لأنه عبث) أي وتصرف الامام يصان عنه. (وقوله: ولكن ينفذ
العزل) أي مع إثم المولى والمتولي بذلا لطاعة السلطان. قال في النهاية: وهذا في الامر العام، أما الوظائف الخاصة
كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وطب ونحوها، فلا تنعزل أربابها بالعزل من غير سبب - كما أفتى به جمع متأخرون - وهو
المعتمد. ومحل ذلك حيث لم يكن في شرط الواقف ما يقتضي خلاف ذلك. اه‍. وقوله: خلاف ذلك) أي وهو العزل
من غير سبب بأن قال الواقف، وللناظر عزله وتولية آخر من غير سبب. (قوله: أما إذا تعين الخ) مفهوم قوله لم يتعين.
(قوله: بأن لم يكن ثم) أي في تلك الناحية من يصلح للقضاء غيره. (قوله: فيحرم الخ) جواب أما. (قوله: ولا ينفذ) أي
عزله. (قوله: وكذا عزله لنفسه حينئذ) أي وكذا يحرم عزله لنفسه مع عدم نفوذه حين إذ تعين للقضاء. (قوله: بخلافه في
غير هذه الحالة) أي بخلاف عزله لنفسه في غير حالة التعيين. (قوله: فينفذ عزله لنفسه) أي ولا يحرم، وهو تفريع على
قوله بخلافه الخ. (وقوله: وإن لم يعلم موليه) غاية في النفوذ. (قوله: ولا ينعزل قاض) أي ولو قاضي ضرورة إذا لم
يوجد مجتهد صالح، أما مع وجوده، فإن رجى توليه انعزل، وإلا فلا فائدة في انعزاله. ع ن. اه‍. بجيرمي. ومثل
القاضي - في عدم انعزاله - الأمير، والمحتسب، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وما أشبه ذلك. (قوله: ولا بانعزاله)

256
أي الامام الأعظم بسبب كفره، أو عزله لنفسه. (قوله: لعظم شدة الخ) إضافة عظم إلى ما بعده للبيان: أي لعظم، هو
شدة الضرر. وفي التحفة والنهاية: لعظم الضرر فقط، بدون زيادة شدة، وهو الأولى. (وقوله: بتعطيل الحوادث) الباء
سببية متعلقة بعظم: أي إن عظم الضرر حاصل بسبب تعطيل الحوادث: أي الاحكام لو انعزل القاضي بانعزال الامام أو
بموته. (قوله: فينعزل نوابه) أي القاضي. (وقوله: بموته) أي القاضي: أي أو بانعزاله بما مر، كما مر. (قوله: ولا
يقبل) أي إلا ببينة. (وقوله: قول متول في غير محل ولايته) أي ولو على أهل محل ولايته. زي. (قوله: وهو) أي غير
محل ولايته. (وقوله: خارج عمله) أي تصرفه. قال في التحفة: لا خارج مجلسه - خلافا لمن وهم فيه - إلا أن يريد أن
موليه قيد ولايته بذلك المجلس. اه‍. (قوله: حكمت بكذا) مقول القول، سواء أقالها على وجه الاقرار، أو على وجه
الانشاء. (قوله: لأنه) أي المتولي في غير محل ولايته. (وقوله: لا يملك إنشاء الحكم حينئذ) أي حين إذ كان في غير
محل ولايته. (قوله: فلا ينفذ إقراره به) أي بالحكم في غير محل ولايته. (قوله: من ظاهر كلامهم) أي الفقهاء. (قوله:
أنه الخ) المصدر المنسبك مفعول أخذ. (قوله: لم يتناول) أي توليه المفهوم من ولى، أو حكمه المعلوم من المقام
(وقوله: مزارعها) أي البلد. (وقوله: وبساتينها) عطف خاص على عام. (قوله: فلو زوج) أي القاضي، وهو تفريع
على قوله لم يتناول الخ. (وقوله: وهو) أي القاضي. (وقوله: بأحدهما) أي المزارع، أو البساتين. (قوله: من هي
بالبلد) مفعول زوج. (قوله: أو عكسه) أي بأن زوج من هو في البلد من كانت في أحدهما. (قوله: لم يصح) أي
التزوج، وهو جواب لو. (قوله: قيل وفيه نظر) أي وفيما أخذه الزركشي من ظاهر كلامهم: أي في إطلاقه نظر. (قوله:
والنظر واضح) وجهه أنه قد يقتضي العرف تبعية المزارع أو البساتين للبلد، فلا يصح إطلاق القول بعد نفوذ حكمه فيهما
حينئذ. (قوله: بل الذي يتجه الخ) حاصله أنه إن اطرد عرف بالتبعية نفذ حكمه فيهما، وإلا فلا ينفذ، وإن لم يطرد عرف
لا بتبعية ولا غيرها اقتصر على ما نص عليه فلا يتجاوزه. (قوله: بتبعية) أي تبعية المزارع والبساتين للبلد. (وقوله: أو
عدمها) أي التبعية (قوله: فذلك) أي واضح: أي فيعمل بما جرت به العادة. (قوله: وإلا) أي وهن لم تعلم عادة لا بتبعية
ولا غيرها. (وقوله: اتجه ما ذكره) أي الزركشي من أنه إذا ولى ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها. (قوله: اقتصارا الخ)
علة لاتجه ما ذكره: أي وإنما اتجه ما ذكره إن علمت عادة بتبعية أو عدمها، اقتصارا على المحل الذي نص الامام عليه
في الولاية، وهو هنا البلد فيقتصر عليها، ولا يتجاوز حكمه غيرها من البساتين والمزارع. (قوله: أنه الخ) الجملة مقول
قول المنهاج: أي أن القاضي بالنسبة لغير محل ولايته كائن كمعزول. (قوله: أنه لا ينفذ الخ) المصدر المنسبك مفعول
افهم. (وقوله: فيه) أي في غير محل ولايته. (وقوله: تصرف) فاعل ينفذ (وقوله: استباحه بالولاية) الجملة صلة لتصرف
أي تصرف موصوف بكونه استباحة بسبب الولاية. (قوله: كإيجار وقف) مثال للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ
فيه إن كان في غير محل ولايته. (وقوله: نظره للقاضي) أي النظر على ذلك الوقف كائن للقاضي. (قوله: وبيع مال الخ)
معطوف على إيجار وقف: أي وكبيع مال يتيم وتقرير أحد في وظيفة، وهما مثالان أيضا للتصرف الذي يستبيحه بالولاية،
ولا ينفذ منه إن كان في غير محل ولايته. (قوله: قال شيخنا وهو) أي ما أفهمه قول المنهاج ظاهر. وقال بعده: كتزويج
من ليست بولايته، وظاهر هطا أنه لا يصح استخلافه قبل وصوله لمحل ولايته من يحكم بها، فإفتاء بعضهم بصحته

257
بعيد. اه‍. (قوله: كما لا يقبل قول معزول) أي قاض معزول، والكاف للتنظير. (قوله: بعد انعزاله) متعلق بقول.
(قوله: ومحكم) معطوف على معزول: أي وكما لا يقبل قول محكم بعد مفارقة المجلس الذي وقع الحكم فيه. (قوله:
حكمت بكذا) مقول لقول كل من المعزول والمحكم. (قوله: لأنه) أي المذكور من المعزول والمحكم، ولو قال لأنهما
لكان أولى. (قوله: حينئذ) أي حين إذ صدر القول المذكور بعد الانعزال وبعد مفارقة مجلس الحكم. (قوله: فلا يقبل
إقراره) أي بعد الانعزال وبعد المفارقة المذكورة. (وقوله: به) أي بالحكم. (قوله: ولا يقبل أيضا) أي كما لا يقبل
حكمهما حينئذ. (قوله: شهادة كل منهما) أي من المعزول والمحكم، ومثلهما المتولي في غير محل ولايته. ولو قال
شهادة من ذكر ليشمل الجميع لكان أولى. (وقوله: بحكمه) خرج به ما لو شهد أن فلانا أقر في مجلسه بكذا فيقبل.
(قوله: لأنه) أي كلا منهما. (وقوله: يشهد بفعل نفسه) أي فعل نفسه: أي والشهادة على ذلك غير صحيحة. قال في
التحفة: وفارق المرضعة بأن فعلها غير مقصود بالاثبات، مع أن شهادتها لا تتضمن تزكية نفسها، بخلاف الحاكم
فيهما. اه‍. (قوله: إلا إن شهد الخ) استثناء من عدم قبول شهادته على فعل نفسه: أي لا يقبل ذلك إلا إن شهد كل
منهما بحكم حاكم، ولم يضفه لنفسه بأن قال أشهد أنه حاكم حكم بهذا، أو ثبت هذا عند حاكم ولا يعلم القاضي الذي
حصلت الدعوى عنده أن هذا الحكم حكم الشاهد الذي شهد به فتقبل شهادته، لأنه لم يشهد على فعل نفسه ظاهرا،
واحتمال المبطل لا أثر له. (وقوله: إن لم يكن فاسقا) قيد في قبول الشهادة من المذكور. وخرج به ما إذا كان فاسقا فلا
تقبل شهادته، لانتفاء شرط الشهادة. (قوله: فإن علم القاضي) أي المشهود عنده، وهو مفهوم قوله ولا يعلم الخ.
(وقوله: أنه) أي الحكم الذي شهد به. (وقوله: حكمه) أي الشاهد. (قوله: لم تقبل شهادته) جواب إن. قال في
التحفة: وقد يشكل عليه ما في فتاوى البغوي، اشترى شيئا فغصبه منه غاصب فادعى عليه به وشهد له البائع بالملك
مطلقا قبلت شهادته، وإن علم القاضي أنه البائع له، كمن رأى عينا في يد شخص يتصرف فيها تصرف الملاك، له أن
يشهد له بالملك مطلقا، وإن علم القاضي أنه يشهد بظاهر اليد فيقبله، وإن كان لو صرح به لم يقبل. ثم رأيت الغزي نظر
في مسألة البيع، وقد يجاب بأن التهمة في مسألة الحكم أقوى، لان الانسان مجبول على ترويج حكمه ما أمكنه، بخلاف
المسألتين الأخيرتين اه‍. (قوله: كما لو صرح به) أي بأنه حكمه عند أداء الشهادة، فلا تقبل شهادته. (قوله: ويقبل
قوله) أي القاضي. (وقوله: بمحل حكمه) أي ولايته، وهو وما بعده متعلقان بلفظ قوله: ويحتمل أن يكونا متعلقين
بمحذوف حال من ضمير قوله: أي ويقبل قول القاضي حال كونه كائنا في محل ولايته، وحال كونه قبل عزله. (وقوله:
حكمت بكذا) مقول القول. (قوله: وإن قال بعلمي) غاية في القبول: أي يقبل قوله ما ذكر وإن قال حكمت بعلمي: أي
لا ببينة ولا إقرار. (قوله: لقدرته على الانشاء حينئذ) أي حين إذ كان في محل ولايته وقبل العزل. (قوله: حتى لو قال)
حتى تفريعية، أي فلو قال القاضي. (وقوله: على سبيل الحكم) أي لا على سبيل الاخبار. (وقوله: نساء هذه القرية)
مبتدأ خبره طوالق. (قوله: أي المحصورات) عبارة التحفة: وبحث الأذرعي أن محله - أي قبول قوله المذكور - في
المحصورات، وإلا فهو كاذب مجازف، وفي قاض مجتهد ولو في مذهب إمامه. قال: ولا ريب عندي في عدم نفوذه من
جاهل أو فاسق. اه‍. (قوله: قبل) جواب لو. (قوله: إن كان الخ) قيد في القبول، أي محل قبول قول القاضي ما ذكر إن
كان مجتهدا. (وقوله: ولو في مذهب إمامه) أي ولو كان مجتهدا في مذهب إمامه فإنه يكفي، ولا يشترط أن يكون
مجتهدا مطلقا. (قوله: ولا يجوز لقاض أن يتبع) يقرأ بتشديد التاء، وأصله يتتبع بتاءين فأدغم أحدهما في الآخر. وعبارة

258
الفتح: أن يتتبع بالفك من غير إدغام، وقد عقد في الروض وشرحه لهذه المسألة فصلا فقال: فصل في جواز تتبع القاضي
حكم من قبله من القضاة الصالحين. للقضاء وجهان: أحدهما نعم، واختاره الشيخ أبو حامد، وثانيهما المنع، لأن الظاهر
منه السداد، وبه جزم المحاملي، وصححه الفارقي، وعزاه الماوردي إلى جمهور البصريين، واقتضاه كلام
الأصل في الباب الآتي، فإن تظلم شخص من معزول أو نائبه، سأله عما يريد منه، ولا يسارع إلى إحضاره فقد يقصد
إبتذاله، فإن ادعى بأن ذكر أنه يدعي معاملة، أو إتلاف مال، أو عينا أخذها بغصب أو نحوه، أحضره وفصل خصومته منه
كغيره. وكذا لو ادعى عليه رشوة بتثليث الراء. أو حكما بعبدين مثلا، أي بشهادة عبدين أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته،
وإن لم يتعرض للاخذ، أي أخذ المال المحكوم به منه، فإن أقام على المعزول بعد الدعوى عليه بينة، أو أقر المعزول
حكم عليه، وإلا صدق بيمينه، كسائر الامناء إذا ادعى عليهم خيانة، ولعموم خبر: البينة على المدعي واليمين على من
أنكر الخ. اه‍. (قوله: وليسو القاضي الخ) لما فرغ من شروط القاضي، شرع في الامر المطلوب منه وفي المحرم
عليه، وبدأ بالأول فقال: وليسو الخ. (قوله: بين الخصمين) أي وإن وكلا، فلا يرفع الموكل على الخصم لان الدعوى
متعلقة به أيضا، بدليل أنه إذا وجبت يمين وجب تحليفه، وكثير يوكل خلاصا من ورطة التسوية بينه وبين خصمه، وهو
جهل قبيح (قوله: في إكرامهما) متعلق بيسو: أي وليسو في إكرام الخصمين: أي بسائر وجوه الاكرام، وفي الكلام
اكتفاء، أي وفي عدم إكرامهما، كطلاقة وجه وضدها، وقيام وضده ونظر إليهما وضده، وهكذا. (قوله: وإن اختلفا
شرفا) أي فضيلة، وهو غاية للتسوية، ومحله ما لم يختلفا بالاسلام والكفر، وإلا فيجب أن يميز المسلم على الكافر في
سائر وجوه الاكرام: كأن يجلس المسلم أقرب إليه، كما جلس سيدنا علي رضي الله عنه بجنب شريح في خصومة له مع
يهودي، وقال له لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، لكني سمعت النبي (ص) يقول: لا تساووهم في
المجالس. رواه البيهقي. (قوله: وجواب سلامهما) معطوف هو وما بعده على إكرامهما، من عطف الخاص على
العام. وعبارة المنهج: وليسو بين الخصمين في الاكرام، كقيام، ودخول، واستماع، وطلاقة وجه الخ. اه‍. وهي أولى
من عبارة المؤلف. (قوله: والنظر إليهما) أي وليسو في النظر إلى الخصمين، فلا ينظر لأحدهما دون الآخر، لئلا ينكسر
قلب الآخر. (قوله: والاستماع للكلام) أي وليسو في استماع كلامهما، فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر لما مر.
(قوله: وطلاقة الوجه) أي وليسو في طلاقة الوجه، أي إظهار الفرح لهما، فلا يخص أحدهما بطلاقة الوجه لما مر.
(قوله: والقيام) أي وليسو بينهما في القيام لهما، فلا يقوم لأحدهما دون الآخر لما مر، فلو قام لأحدهما ولم يعلم أنه في
خصومة، ينبغي أن يقوم للآخر، أو يعتذر بأنه لم يعلم أنه جاء في خصومة. (قوله: فلا يخص أحدهما) أي الخصمين،
وهو تفريع على قوله وليسو الخ. (وقوله: بشئ مما ذكر) أي من جواب السلام، والنظر والاستماع للكلام، وطلاقة
الوجه، والقيام. (قوله: ولو سلم الخ) الأولى التفريع بالفاء. (وقوله: أحدهما) أي الخصمين. (وقوله: انتظر) أي
القاضي الآخر: أي سلامه، فيجيبهما معا. وفي البجيرمي: قال بعضهم إن ما ذكر هنا يخالف ما سبق في السير من أن
ابتداء السلام سنة كفاية من جمع، فإذا حضر جمع وسلم أحدهم كفى عن الباقين. اه‍. (قوله: ويغتفر طول الفصل)
أي بين الرد وسلام الأول. (وقوله: للضرورة) أي وهي المحافظة على التسوية. (قوله: أو قال له سلم) واغتفر هذا
التكلم بأجنبي ولم يكن قاطعا للرد لضرورة التسوية أيضا. قال زي: فلو لم يسلم ترك جواب الأول محافظة على
التسوية. اه‍. قال البجيرمي. وفيه أنه يلزم عليه ترك واجب لتحصيل واجب، فما المرجح إلا أن يقال المرجح الاحتياط
للمحافظة على التسوية. اه‍. (قوله: ولا يمزح الخ) معطوف على (قوله: فلا يخص أحدهما) أي ولا يمزح القاضي مع

259
أحد الخصمين، لئلا ينكسر قلب الآخر ويتضرر به. وتخصيص المزح بكونه مع أحد الخصمين ليس بقيد، بل مثله
بالأولى، ما إذا كان مع الخصمين، كما صرح به في الروض وشرحه ونصهما: وليقبل عليهما بقلبه، وعليه السكينة بلا
مزح معهما أو مع أحدهما، ولا نهر، ولا صياح عليهما ما لم يتركا أدبا، فإن تركا أدبا نهرهما وصاح عليهما. ويندب أن
يجلسا بين يديه ليتميزا. وليكون استماعه لك منهما أسهل، وإذا جلسا تقاربا، إلا أن يكونا رجلا وامرأة غير محرم
فيتباعدان. اه‍. (قوله: وإن شرف الخ) غاية لقوله لا يخص الخ: أي لا يخص أحدهما بذلك، وإن شرف بعلم أو حرية
أو نحوهما، وكان الأولى تقديمه على قوله ولو سلم أحدهما الخ. (قوله: والأولى أن يجلسهما) أي الخصمين بين يديه
لما مر آنفا. ولو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز، لكنه خلاف الأولى. (قوله: فرع) الأولى فروع (قوله:
لو ازدحم مدعون) أي في مجلس الحكم وقد جاءوا مترتبين، وعرف السابق بدليل قوله بعد، فإن استووا أو جهل سابق.
(قوله: قدم الأسبق فالأسبق) أي المسلم، أما الكافر فيقدم عليه المسلم المسبوق. قال في التحفة: والعبرة بسبق
المدعي، لأنه ذو الحق، وبحث البلقيني أنه لو جاء مدع وحده ثم مدع مع خصمه ثم خصم الأول قدم من جاء مع
خصمه. (قوله: كمفت ومدرس) أي في فرض العين أو الكفاية، أما في غير الفرض كالعروض، وزيادة التبحر، على ما
يشترط في الاجتهاد المطلق، فالتقدم بالمشيئة والاختيار. (قوله: فيقدمان) أي المفتي والمدرس. ومفعول الفعل
محذوف: أي يقدمان من جاء يستفتي أو يتعلم. (وقوله: بسبق) متعلقان بيقدمان، وهذا إن كان ثم سبق، وعرف السابق
بدليل ما بعد. (قوله: فإن استووا) أي في مجيئهم عند القاضي، أو المفتي، أو المدرس، فهو مرتبط بالجميع ولو تمم
الكلام على ما يتعلق بالقاضي ثم قال كمفت ومدرس لكان أولى. (وقوله: أو جهل سابق) أي جهل من جاء أولا إليهم.
(وقوله: أقرع) أي بينهم، إذ لا مرجح لأحدهم على الآخر، وحينئذ يقدم من خرجت قرعته. قال في الروض وشرحه:
فإن كثروا وعسر الاقراع، كتب الرقاع أو كتب فيها أسماءهم وصبت بين يدي القاضي، ليأخذها واحدة واحدة، ويدعى
من خرج اسمه في كل مرة، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءهم يوم قضائه ليعرف ترتبهم، ولو قدم الأسبق غيره على
نفسه جاز، ولا يقدم سابق وقارع: أي من خرجت قرعته إلا بدعوى واحدة، وإن اتحد المدعى عليه دفعا للضرر عن
الباقين، فإن كان له دعوى أخرى، إنتظر فراغهم، أو حضر في مجلس آخر. ويستحب له عند اجتماع الخصوم عند
تقديم مسافرين مستوفزين، أي متهيئين للسفر وخائفين من انقطاعهم عن رفقتهم إن تأخروا عن المقيمين، لئلا يتضرروا
بالتخلف. وتقديم نساء طلبا لسترهن. ولو كان المسافرون والنساء مدعى عليهم، فإنه يستحب تقديمهم بدعاويهم إن
كانت خفيفة، بحيث لا تضر بالمقيمين في الأولى، وبالرجال في الثانية اضطرارا بينا، ويقدم المسافر على المرأة المقيمة
صرح به في الأنوار. اه‍. بحذف. (قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد ونص عبارته مع الأصل: كمفت ومدرس في
فرض عين أو كفاية، فيقدمان وجوبا بسبق إلى مجلسهما ولو قبل حضورهما قياسا على ما مر في القاضي، فإن استووا، أو
جهل سابق فبقرعة بفتوى أو درس واحد، نعم: إن ظهر له جواب المسبوق فقط، قدمه. بحثه الأذرعي ويأتي في تقديم
سفر: أي مسافرين ونساء ما مر، أما في غير الفرض، قال بعضهم كالعروض، فالتقديم بمشيئة المفتي أو المدرس،
وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر بل أولى. اه‍. وإذا تأملتها تعلم أن عبارة شارحنا مختصرة
منها، إلا أنه أخل في الاختصار من حيث أنه لم يستوف الكلام على القاضي أولا، ومن حيث أنه أطلق في المفتي
والمدرس، ومن حيث أن قوله وظاهر أن طالب فرض الخ، يوهم ارتباطه بالقاضي كالمفتي والمدرس مع أنه مرتبط
بالأخيرين فقط. (قوله: ويستحب كون مجلسه الخ) ويستحب أيضا له أن يأتي المجلس راكبا ويسلم على الناس يمينا
وشمالا، وأن يجلس على مرتفع كدكة وكرسي، ليسهل عليه النظر إلى الناس، ويسهل عليهم المطالبة بين يديه، وأن

260
يتميز عن غيره بفرش كمرتبة ووسادة وطيلسان وعمامة، وإن كان زاهدا متواضعا ليعرفه الناس، وليكون أهيب للخصوم
وأرفق به، وأن يستقبل القبلة في جلوسه، لأنها أشرف الجهات، وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والسداد، والأولى أن
يقول كما قال النبي (ص) فيما روته أم سلمة: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو
أظلم، أو أجهل أو يجهل علي. وكان الشعبي يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي. اللهم
أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق، ولا أقضي إلا بالعدل. وأن يشاور الامناء
والفقهاء عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الأدلة، قال تعالى لنبيه (ص): * (وشاورهم في الامر) * قال الحسن البصري
كان (ص) مستغنيا عن المشاورة، ولكن أراد الله أن تكون سنة للحكام. وخرج بقولنا عند اختلاف وجوه النظر وتعارض
الأدلة الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي، فلا حاجة للمشاورة فيه. وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لأنه
عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان
حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه. وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر
صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا. ثم بعد فراغه من النظر في حال المحبوسين، ينظر في حال
الأوصياء، فمن ادعى منهم وصاية أثبتها عنده ببينة ثم يبحث عن حاله وتصرفه فيها، فمن وجده عدلا قويا أقره، ومن
وجده فاسقا أو شك في عدالته، نزع المال منه ووضعه عند عدل. ومن وجده عدلا ضعيفا قواه بمعين يضمه إليه. ثم بعد
ذلك ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجير. ثم في الوقف العام والمال والضال واللقطة، ويستحب أيضا أن
يتخذ كاتبا للحاجة إليه، فإن القاضي قد لا يحسن الكتابة، وإن أحسنها فلا يتفرغ لها غالبا، ويشترط في الكاتب أن يكون
عدلا لئلا يخون فيما يكتبه، حرا ذكرا عارفا بكتابة محاضر وسجلات وكتب حكمية، ليعلم كيفية ما يكتبه. والمحاضر
جمع محضر، وهو ما يكتب فيه حضر فلان وادعى على فلان بكذا، إلى آخر ما يقع من الخصمين من غير حكم،
والسجلات جمع سجل، وهو ما يسجل فيه الحكم بعد الدعوى، ويحفظ في بيت القاضي، والكتب الحكمية هي
المعروفة الآن بالحجج، وهو ما يكتب فيه ذلك ويكتب القاضي عليه خطه، ثم يعطى للخصم، وأن يتخذ له مترجمين
يترجمان له كلام من لا يعرف لغته من خصم أو شاهد، وإن كان ثقيل السمع اتخذ مسمعين أيضا، بشرط أن يكون كل من
المترجمين والمسمعين من أهل الشهادة، وأن يتخذ سجنا واسعا للتعزيز وأداء الحق، وأجرته على المسجون لشغله له،
وأجرة السجان على صاحب الحق. ودرة - بكسر الدال وفتح الراء المشددة - للتأديب بها، وأول من اتخذها سيدنا عمر
رضي الله عنه، وكانت من نعل سيدنا رسول الله (ص)، وكانت أهيب من سيف الحجاج، وما ضرب بها أحدا على ذنب
وعاد إليه، بل يتوب منه. (قوله: ويكره أن يتخذ المسجد الخ) أي بلا عذر، فإن وجد عذر كشدة حر، أو برد، أو ريح، أو
مطر، فلا يكره. (قوله: صونا له) أي حفظا للمسجد. (وقوله: من اللغط وارتفاع الأصوات) أي الواقعين بمجلس
القضاء عادة وعطف ارتفاع الأصوات على اللغط من عطف التفسير. (قوله: نعم إن اتفق عند جلوسه فيه) أي في
المسجد لصلاة أو غيرها. (وقوله: قضية الخ) فاعل اتفق. (قوله: فلا بأس بفصلها) أي القضية: أي أو فصلهما - أي
القضيتين - أي فلا يكره ذلك في المسجد، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه (ص) وعن خلفائه من القضاء في المسجد. ثم إن
جلس في المسجد مع الكراهة أو دونها، منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما. ولا يدخلونه
جميعا بل يقعدون خارجه، وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين. (قوله: وحرم قبوله الخ) شروع فيما يحرم على
القاضي، وهو الهدية وما في معناها كالضيافة، والهبة، والعارية، إن كانت المنفعة تقابل بأجرة، كسكنى دار، وركوب
دابة، بخلاف التي لا تقابل بأجرة كقطع بسكين، وغربلة بغربال، وكالصدقة، والزكاة على ما سيأتي فيهما. (قوله: أي
القاضي) خرج به المفتي والواعظ ومعلم القرآن، فلا يحرم عليهم قبول الهدية. إذ ليس لهم رتبة الالزام، لكن ينبغي لهم



(1) سورة آل عمران، الآية: 159.
261
التنزه عن ذلك. (قوله: هدية) يقرأ يغير تنوين، لأنه مضاف إلى ما بعده، وهو مفعول المصدر المضاف إلى فاعله.
(وقوله: من لا عادة له بها) أي بالهدية: أي بإهدائها للقاضي. والجار والمجرور متعلق بعادة ومثله الظرف بعده. (قوله:
أو كان الخ) الجملة معطوفة على جملة لا عادة له بها: أي وحرم قبول هدية من له عادة بها الخ. (قوله: لكنه) أي من له
عادة الهدية. (وقوله: زاد في القدر) أي قدر الهدية، كأن كانت عادته قبل الولاية إهداء عشرة مثلا، فزاد عليها بعدها.
(وقوله: أي الوصف) أي كأن كانت عادته قبلها إهداء ثوب كتاب، فأهدى له بعدها ثوب حرير. واختلف هل يحرم في
صورة الزيادة قبول الجميع أو الشئ الزائد فقط، وينبغي أن يقال - كما في الذخائر - إن لم تتميز الزيادة بجنس أو قدر،
حرم قبول الجميع إن كان للزيادة وقع، فإن لم يكن لها وقع، فلا عبرة بها. وإن تميزت بجنس أو قدر حرم قبول الزيادة
فقط، ولا يحرم قبول الأصل. (قوله: إن كان الخ) قيد في حرمة قبوله هدية من ذكر: أي محل حرمة ذلك إن كان القاضي
حالا في محل ولايته، سواء كان المهدي من أهل محل ولايته أم لم يكن من محل ولايته ودخل بها في محلها، وكذا لو
أرسلها مع رسول ولم يدخل بها، فيحرم قبولها على الراجح عند بعضهم كما سيذكره. (قوله: وهدية) بالنصب معطوف
على هدية: أي وحرم قبوله هدية من له خصومة عنده حاضرة. (قوله: أو من أحس منه) معطوف على من له خصومة: أي
وحرم قبوله هدية من ليس له عنده خصومة حاضرة، ولكنه أحس واستشعر منه بأنه يخاصم. (قوله: وإن اعتادها الخ)
غاية في الصورتين: أي يحرم قبوله هدية من له خصومة أو من سيخاصم، وإن اعتاد القاضي الهدية منه قبل ولايته: أي
وإن كان في غير محل ولايته، فيحرم عليه أيضا قبولها. (قوله: لأنها الخ) علة لحرمة القبول في جميع الصور. (وقوله:
في الأخيرة) مراده بها من له خصومة وما عطف عليه. (وقوله: تدعو إلى الميل إليه) أي إلى المهدي المذكور، فيقدمه
على خصمه وربما يحكم له بغير الحق. (وقوله: وفي الأولى) مراده بها من لا عادة له بها وما عطف عليه. (وقوله:
سببها) أي الهدية والولاية. روى الشيخان، عن أبي حميد الساعدي: ما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من
عملكم وهذا أهدي إلي؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم
منها شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه. إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن
كانت شاة جاء بها تيعر. فقد بلغت: أي حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم. (قوله: وقد صحت الأخبار الصحيحة
بتحريم هدايا العمال) منها قوله عليه السلام: هدايا العمال - وفي رواية الامراء - غلول بضم الغين واللام - وهو
الخيانة، والمراد أنه إذا أهدى العامل للامام أو نائبه شيئا فقبله فهو خيانة منه للمسلمين، فلا يختص به دونهم. ومنها ما
رواه أبو يعلى: هدايا العمال حرام كلها، وإنما حل له (ص) قبول الهدية لأنه معصوم، فهو من خصوصياته. روى
الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: كان يقبل الهدية ويثيب عليها بخلاف غيره من الحكام وولاة الأمور، فإنه رشوة،
فيحرم عليهم خوفا من الزيغ عن الشرع والميل مع الهوى. أفاده البجيرمي. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن لا عادة له، بأن
كان له عادة، لان نفي النفي إثبات. (وقوله: أنه يهدى) بالبناء للمعلوم، وضميره مع الذي قبله يرجع للمهدي، وضمير
إليه يرجع للقاضي. (قوله: ولو مرة) أي ولو كان الاهداء إليه مرة واحدة، فإنه لا يحرم. (قوله: أو كان في غير محل
ولايته) معطوف على مدخول لو المقدر، أي ولو كان القاضي في غير محل ولايته فإنه لا يحرم، والأولى أن يأتي في الغاية
بما هو مستبعد، بأن يقول أو كان في محل ولايته. (قوله: أو لم يزد) الأولى التعبير بالواو، لأنه مع ما بعده قيد فيمن كان
له عادة، يعني وإن كانت له عادة ولم يزد عليها، ولم تكن له خصومة الخ جاز قبولها، سواء كان للقاضي في محل ولايته
أم لا.

262
والحاصل أن من له خصومة في الحال. أو مترقبة، يحرم قبول هديته، ولو كان القاضي في غير محل ولايته، وإن
اعتادها قبل ولايته، وأما غير من له خصومة، فإن لم يكن للمهدي عادة بالهدية، أو له عادة وزاد عليها قدرا وصفة، حرم
قبول هديته أيضا إذا كان القاضي في محل ولايته، فإن كان للمهدي عادة بالهدية، ولم يزد عليها قدرا وصفة، لم يحرم
عليه قبولها، سواء كان القاضي في محل ولايته أو غيرها.
(قوله: جاز قبوله) جواب أن المدغمة في لا النافية. (قوله: ولو جهزها الخ) يعني لو أرسل المهدي هدية مع
رسوله إلى القاضي، والحال أنه ليس له محاكمة، أي خصومة، ففي جواز القبول وجهان، وفيه أن هذه الصورة داخلة
تحت قوله وحرم قبوله هدية من لا عادة الخ. إذ هو صادق بما إذا جاء بها إلى القاضي أو أرسلها إليه ولم يجئ بنفسه،
ففي كلامه تدافع، إذ ما سبق يقتضي الحرمة بالاتفاق، وهذا يقتضيها مع وجود الخلاف. ويمكن أن يجاب بأن ما سبق
محمول على ما إذا جاء صاحبها بها فلا تدافع. وعبارة التحفة في شرح قول المصنف حرم عليه قبولها، وسواء كان
المهدي من أهل عمله أم من غيره، وقد حملها إليه لأنه صار في عمله، فلو جهزها له مع رسول وليس له محاكمة فوجهان
الخ. اه‍. وهي ظاهرة. فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى. (قوله: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة) أي حرمة قبول
القاضي للهدية في الصورة المذكورة. (قوله: وعلم مما مر) أي من قوله إن كان في محله المجعول، قيد الحرمة قبول
هدية من لا عادة له، أو من له عادة لكن زاد عليها. (قوله: أنه) أي القاضي لا يحرم عليه قبولها: أي الهدية ممن لا عادة له
بها، أو زاد عليها. (قوله: في غير عمله) أي حال كون القاضي في غير محل ولايته، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف
حال من ضمير أنه. (قوله: وإن كان المهدى الخ) غاية في عدم حرمة قبوله إذا كان في غير محل ولايته. (قوله: ما لم
يستشعر الخ) قيد في عدم الحرمة: أي محل عدم الحرمة إذا لم يستشعر القاضي بأن الهدية مقدمة لخصومة ستقع من
المهدي، فإن استشعر ذلك حرم قبولها. (قوله: ولو أهدى له) أي للقاضي. (وقوله: بعد الحكم) أي للمهدي. (قوله:
حرم القبول أيضا) أي كما يحرم قبل الحكم. (قوله: إن كان) أي ما أهدي له، وهو قيد في الحرمة. (وقوله: مجازاة له)
أي بقصد أنه مجازاة: أي في مقابلة الحكم (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقصد أنه مجازاة له، فلا يحرم قبوله. (قوله:
كذا أطلقه) أي ما ذكر من التفصيل بين الحرمة إن قصدت المجازاة وعدمها إن لم تقصد. (قوله: ويتعين حمله) أي ما
أطلقه بعض الشراح. (وقوله: على مهد معتاد الخ) أي فإن لم يكن معتادا حرم القبول مطلقا، سواء قصدت المجازاة أو
لا. (قوله: حيث حرم القبول أو الاخذ) عبارة فتح الجواد: والاخذ بالواو وهي أولى، ولو اقتصر على الأول لكان أولى.
(قوله: لم يملك) أي القاضي. (وقوله: ما أخذه) أي من المهدي. (قوله: فيرده) أي يرد القاضي ما أخذه. (وقوله:
لمالكه) أي المال المأخوذ. (قوله: إن وجد) أي المالك. (قوله: وإلا) أي وإن لم يوجد المالك. (وقوله: فلبيت المال)
أي فيرده في بيت المال. (قوله: وكالهدية الهبة) أي في الحرمة بقيودها المارة، من كونه ليس له عادة قبل الولاية، أو له
عادة وزادت، مع كون القاضي فيهما في محل ولايته، ووجود خصومة مطلقا، وجدت عادة أم لا، كان في محل ولايته أم
لا. وفي عدم الحرمة إن انتفت قيودها. (قوله: والضيافة) أي كالهدية، هذا يفيد أن الضيافة غير الوليمة، وهو كذلك. إذ
الضيافة تختص بالطعام الذي يصنع للنازل عنده، والوليمة مختصة بالطعام الذي ينادى عليه، لكن رأيت في المصباح
عرف الوليمة بتعريف شامل للضيافة. وعبارته: الوليمة اسم لكل طعام يتخذ لجمع. اه‍. وعليه فتكون الضيافة من أفراد

263
الوليمة، ويكون بينه وبين قوله الآتي، ويكره حضور الوليمة تدافع. إذ هو هنا أطلق أن الضيافة كالهدية، وفيما سيأتي
فصل تفصيلا غير التفصيل المذكور في الهدية. (قوله: وكذا الصدقة) أي ومثل الهدية في التفصيل المذكور بين الحرمة
بالقيود المارة وعدمها بانتفائها الصدقة. (قوله: وجوز له السبكي الخ) الفرق بين ما قاله السبكي وبين ما مر، أن السبكي
أطلق الجواز فيما إذا لم يكن له عادة، ولم يقيده بما إذا لم يكن في محل ولايته، بخلاف ما مر فإنه مقيد بذلك. (وقوله:
ولا عادة) بالأولى ما إذا كان له عادة. (قوله: وخصه) أي خص السبكي جواز القبول ممن لا خصومة له ولا عادة في
تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أن هذا المتصدق عليه هو القاضي: أي ولم يعرف القاضي عين المتصدق، كما يدل
لذلك عبارة تفسيره ونصها - كما في الرشيدي - إن لم يكن المتصدق عارفا بأنه القاضي، ولا القاضي عارفا بعينه فلا شك
في الجواز. انتهت. وكما صرح به الشارح في باب الوقف (قوله: وبحث غيره) أي غير السبكي. (وقوله: القطع) أي
الجزم بحل أخذه: أي القاضي الزكاة. (قوله: وينبغي تقييده) أي الحل. (وقوله: بما ذكر) أي بما إذا لم تكن هناك
خصومة ولا عادة ولم يكن المزكي ممن يعرف القاضي: أي ولا القاضي يعرفه. (قوله: وتردد السبكي في الوقف عليه)
أي على القاضي. (وقوله: من أهل عمله) الجار والمجرور حال من الوقف: أي حال كونه صادرا من أهل عمله. (قوله:
والذي يتجه فيه) أي في الوقف على القاضي. (وقوله: في النذر) أي على القاضي (قوله: أنه) يصح عود الضمير على
القاضي، ويصح عوده على الواقف أو الناذر المأخوذين من الوقف والنذر. (وقوله: إن عينه) الضمير المستتر يعود على
الواقف أو الناذر، والبارز يعود على القاضي. (وقوله: باسمه متعلق بعينه) أي عينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على فلان
القاضي، أو نذرت هذا عليه. وخرج به ما إذا لم يعينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على من يتولى القضاء في هذه البلدة،
أو نذرت عليه أو على السادة، وكان القاضي منهم، فإنه يصح لأنه لم يقصده بعينه حال الوقف. (قوله: وشرطنا القبول)
أي قلنا إن القبول من الموقوف عليه والمنذر له شرط. قال ع ش: وهو معتمد في الوقف دون النذور. اه‍. فإن لم نقل إنه
شرط فلا يكونان كالهدية. (قوله: كان) أي المذكور من الموقوف والمنذور. (وقوله: كالهدية له) أي للقاضي فيحرم
عليه قبوله، وعليه حينئذ يكون الوقف من منقطع الأول، فيكون باطلا. (قوله: ويصح إبراؤه) أي القاضي. (وقوله: عن
دينه) أي الدين الذي عليه. (قوله: إذ لا يشترط فيه) أي في الابراء قبول، وهو تعليل لصحة إبراء القاضي من الدين الذي
عليه. (قوله: ويكره للقاضي حضور الوليمة) المراد بها ما يشمل وليمة العرس وغيرها، ولا ينافي هذا أن وليمة العرس
إجابتها واجبة، لان محله في غير القاضي، أما هو فلا تجب عليه كما تقدم في بابها. (قوله: التي خص بها) أي بالوليمة
وحده. (قوله: وقال جمع يحرم) أي فيما إذا خص بها وحده. قال في شرح الروض: قال الأذرعي، وما ذكر من كراهة
حضوره لها فيما إذا اتخذت له، أخذه الرافعي من التهذيب، والذي اقتضاه كلام الجمهور أن ذلك كالهدية، وهو ما أورده
الفوراني والامام والغزالي. اه‍. (قوله: أو مع جماعة آخرين) معطوف على قوله وحده: أي خص بها مع جماعة آخرين
غيره. (قوله: ولم يعتد ذلك) أي تخصيصه بها وحده أو مع آخرين قبل الولاية، فإن اعتيد ذلك قبلها فله حضوره، ولا
يكره. (قوله: بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا) أي ولو يقصد بها أيضا في عموم الأغنياء، كما في فتح الجواد فإنه لا
يكره ولا يحرم، بل تسن الإجابة حينئذ. (قوله: كما لو اتخذت) أي الوليمة وهو تمثيل لما إذا لم يقصد بها القاضي
خصوصا. (قوله: وهو منهم) الجملة حالية: أي والحال أن القاضي من جملة الجيران أو العلماء.

264
واعلم أن محل هذا التفصيل إن كانت الوليمة لغير خصم، فإن كانت له حرم عليه الحضور مطلقا، سواء كانت
خاصة له أو عامة، كما في الروض وشرحه، وعبارتهما: وليس له حضور وليمة أحد الخصمين حال الخصومة، ولا
حضور وليتهما ولو في غير محل ولايته، لخوف الميل، ويجيب غيرهما استحبابا إن عم المولم النداء لها. ولم يقطعه
كثرة الولائم عن الحكم، بخلاف ما إذا قطعته عنه، فيتركها في حق الجميع، وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه بها
قبل الولاية، ويكره له حضور وليمة اتخذت له خاصة أو للأغنياء ودعي فيهم، بخلاف ما لو اتخذت للجيران أو العلماء.
اه‍. (قوله: ويجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح) يعني إذا أهدى الزوج لغير القاضي من ولي المرأة
المخطوبة، أو وكيلها، أو هي نفسها لأجل تزوجه عليها، جاز قبول الهدية منه، وتقدم للشارح في باب الهبة وباب
الصداق أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها، فرد قبل العقد رجع على من أقبضه، وعلله ابن
حجر بأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم الخطبة، ولم تتم إذ يفهم منه جواز قبولها،
وعدم رجوعه بعد العقد. (قوله: إن لم يشترط) أي غير القاضي على الزوج بأنه لا يزوجه بنته مثلا إلا بمال، فإن اشترط
ذلك حرم قبوله. قال في التحفة في أواخر باب الهبة. وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الاخذ، ولم
يملكه، قال الغزالي إجماعا. وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال، كتزويج بنته. اه‍. (قوله: وكذا
القاضي) أي وكذلك يجوز له ما أهدي إليه بسبب النكاح، بأن كان هو ولي المخطوبة. (قوله: حيث جاز له الحضور)
أنظره فإن الكلام فيما يدفع إليه على سبيل الهدية، وليس في ذلك حضور وليمة حتى يشترط ذلك. تأمل. (قوله: ولم
يشترط) أي القاضي على الزوج أنه لا يزوج مثلا إلا بمال أو نحوه. (وقوله: ولا طلب) أي القاضي منه ذلك، فإن اشترط
أو طلب، حرم عليه القبول. إذ لا يقابل ذلك بمال. (قوله: وفيه نظر) أي في قوله بجواز أخذ القاضي الهدية مطلقا نظر.
ووجهه أن القاضي لا يجوز له أخذ الهدية إلا إذا اعتيد ذلك، ولم يزد على العادة، ولم تكن خصومة، كما تقدم لا مطلقا،
فالنظر بالنسبة للقاضي فقط من جهة إطلاقه فيه جواز الاخذ. (قوله: ويجوز لمن لا رزق) أي لقاض لا رزق له، وهو
بفتح الراء اسم للفعل، وبكسرها اسم للأثر، وهو ما سيق إليك. والمراد هنا الثاني. (قوله: ولا في غيره) أي غير بيت
المال كمن مياسير المسلمين. (قوله: وهو غير متعين للقضاء) أي والحال أن هذا القاضي الذي لا رزق له فيما ذكر غير
متعين للقضاء، بأن وجد من يصلح للقضاء غيره، وما ذكر قيد في جواز أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة. وخرج به ما إذا
تعين للقضاء، فيحرم عليه ذلك، وهذا مبني على الضعيف أن الواجب العيني لا يقابل بأجرة، والأصح أنه يقابل بأجرة،
فالمتعين كتعليم الفاتحة له أن يمتنع منه إلا بأجرة، وكذلك المتعين للقضاء له أن يمتنع من الحكم إلا بأجرة، لكن إن كان
مما يقابل بأجرة كما نبه على ذلك في فتح الجواد، وعبارته: ولمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين
للقضاء، وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق، على ما قاله جمع، وهو أقرب للمنقول،
لكن في استثناء المتعين والعمل يقابل بأجرة مخالفة لقولهم لا يلزم المتعين تعليم الفاتحة إلا بأجرة، لان الأصح جواز
أخذها على الواجب العيني، كما لا يجب بذل طعام للمضطر إلا بالتزام البدل، فلعل ذلك التقييد على مقابل الأصح.
اه‍. (قوله: وكان عمله) أي عمل من لا رزق له مما يقابل بأجرة، فإن كان مما لا يقابل بأجرة، فليس له أن يقول لا أحكم
بينكما إلا بأجرة، ويحرم عليه قبولها ولا يملكها، وتقدم للشارح في باب الإجارة أنه نقل عن شيخه ابن زياد حرمة أخذ
القاضي الأجرة على مجرد تلقين الايجاب. إذ لا كلفة في ذلك. (قوله: وقال آخرون يحرم) أي قوله ما ذكر، وإذا حرم
ذلك حرم قبولها ولا يملكها لو أعطيت له. (قوله: وهو) أي القول بالحرمة الأحوط. (قوله: لكن الأول) هو القول
بالجواز أقرب: أي إلى المنقول.

265
تنبيه: قال في المغني: قبول الرشوة حرام، وهو ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك
لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه. لان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن
كان بغير حق، فأخذ المال في مقابلته حرام. أو بحق فلا يجوز توقيفه على المال إن كان له رزق في بيت المال، وروي:
أن القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر واختلف في تأويله فقيل: إذا أخذها
مستحلا، وقيل أراد أن ذلك طريق وسبب موصل إليه، كما قال بعض السلف، المعاصي بريد الكفر. اه‍. (قوله:
ونقض القاضي لخ) شروع فيما ينقض حكم الحاكم، وقد ترجم له في الروض بفصل مستقل، وعبارته مع شرحه:
فصل: فيما ينقض من قضائه أي القاضي. ولنقدم عليه قواعد فنقول: المعتمد فيما يقضي به القاضي، ويفتي به المفتي
الكتاب والسنة والاجماع، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى
أحدهما، وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لأنه غير معصوم عن الخطأ، فأشبه التابعي، ولان غيره
يساويه في أدلة الاجتهاد فلا يكون قوله حجة على غيره، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر. وإذا تقرر أنه ليس
بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين، فلا يكون قول واحد منهم حجة. نعم: إن لم يكن
للقياس فيه مجال فهو حجة، كما نص عليه الشافعي في اختلاف الحديث فقال: روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى
في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه.
فالظاهر أنه فعله توقيفا اه‍. فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه، فإجماع خفي في حقه، فلا يجوز له كغيره
مخالفة الاجماع، فإن خالفوه فليس بإجماع ولا حجة، فإن سكتوا بأن لم يصرحوا بموافقته ولا بمخالفته، أو لم ينقل
سكوت ولا قول، فحجة سواء كان القول مجرد فتوى أم حكما من إمام أو قاض، لأنهم لو خالفوه لإعترضوا عليه، هذا إن
انقرضوا، وإلا فلا يكون حجة لاحتمال أن يخالفوه لأمر يبدو لهم. والقياس جلي وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين
الأصل والفرع، أو بعد تأثيره. وغير جلي وهو ما لا يقطع فيه بذلك، والحق كائن مع أحد المجتهدين في الفروع. قال
صاحب الأنوار: وفي الأصول والآخر مخطئ مأجور لقصده الصواب. ولخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأصاب
فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر اه‍. بحذف. (قوله: حكما لنفسه أو غيره) أي حكما صدر من نفسه أو صدر من
غيره، لكن إذا صدر من غيره ونقضه، سئل عن مستنده. وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده، محله إذا لم يكن حكمه
نقضا، ومحله أيضا كما مر إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا. (قوله: إن كان الخ) قيد في النقض: أي محل كون الحكم
ينقض إن بان مخالفا للنص. (وقوله: كتاب أو سنة) بدل من قوله نص أو عطف بيان له، وهذا إن كان القاضي مجتهدا.
(قوله: أو نص مقلده). أي أو كان بخلاف نص مقلده - بفتح اللام - وهذا إن كان مقلدا، لما تقدم أن نص المقلد بالنسبة
للمقلد كنص الشارع بالنسبة للمجتهد المطلق. (قوله: أو قياس جلي) عطف على نص: أي أو كان بخلاف قياس
جلي، والمراد به غير الخفي فيشمل المساوي. وخرج به ما إذا كان بخلاف قياس خفي، فلا ينقض الحكم به. وعبارة
الروض وشرحه. فإن بان له الخطأ بقياس خفي رجحه: أي رآه أرجح مما حكم به، إعتمده مستقبلا: أي فيما يستقبل من
أخوات الحادثة، ولا ينقض به حكما، لان الظنون المتقاربة لا استقرار لها، فلو نقض ببعض لما استمر حكم ولشق الامر
على الناس، وعن عمر رضي الله عنه أنه شرك الشقيق في المشركة بعد حكمه بحرمانه، ولم ينقض الأول وقال: ذاك على
ما قضينا وهذا على ما نقضي. اه‍. (قوله: وهو) أي القياس الجلي. (قوله: ما قطع فيه بإلحاق الفرع) أي المقيس
للأصل: أي المقيس عليه، وذلك كإلحاق الضرب بالتفيف في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وكإلحاق ما فوق
الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * كما تقدم أول الباب. (قوله: أو إجماع) عطف على نص،



(1) سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) سورة الزلزلة، الآية: 7.
266
أي أو كان ذلك الحكم بخلاف الاجماع. (قوله: ومنه) أي ومن خلاف الاجماع ما خالف شرط الواقف، فمن حكم
بخلافه نقض. (قوله: وما خالف الخ) أي والحكم الذي خالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف للاجماع: أي فينقض.
(قوله: أو بمرجوح) عطف على قوله بخلاف نص: أي أو كان ذلك الحكم بقول مرجوح من مذهب إمامه. (قوله: فيظهر
الخ) مرتبط بقوله ونقض، وهو كالتفسير له: أي فالمراد من نقضه إظهار بطلانه، لأنه باطل من أصله. وليس المراد به
بطلان نفسه، لايهامه أنه كان صحيحا ثم بطل. (وقوله: ما ذكر) أي من النص والقياس والاجماع. (قوله: وإن لم يرفع
إليه) غاية في إظهار البطلان والفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على الامر المخالف لما ذكر، وضمير إليه يعود
على القاضي: أي يظهر القاضي البطلان مطلقا سواء رفع الخصمان الامر المخالف لما ذكر إليه أم لا. قال في المغني:
وعلى القاضي إعلام الخصمين بصورة الحال. قال الماوردي: ويجب على القاضي أن يسجل بالنقض كما يسجل
بالحكم، ليكون التسجيل الثاني مبطلا للأول، كما صار الثاني ناقضا للحكم الأول، فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم
يلزمه الاسجال بالنقض، وإن كان الاسجال به أولى. اه‍. (قوله: بنحو نقضته) متعلق بيظهر: أي يظهر البطلان بصيغة
تدل عليه كنقضته وأبطلته وفسخته. قال في التحفة: إجماعا في مخالف الاجماع وقياسا في غيره.
(قوله: تنبيه) أي في بيان عدم جواز الحكم بخلاف الراجح. (قوله: بالاجماع) مفعول نقل. (قوله: على أنه)
ضميره للحال والشأن. والجار والمجرور متعلق بالاجماع. (وقوله: بخلاف الراجح) متعلق بالحكم. (وقوله: في
المذهب) متعلق بالراجح: أي لا يجوز للقاضي أن يحكم بخلاف الراجح في مذهبه، وهو المرجوح. (قوله: وصرح
السبكي بذلك) أي بعدم الجواز. (قوله: وأطال) أي السبكي الكلام على ذلك. (قوله: وجعل ذلك) أي الحكم بخلاف
الراجح في المذهب. (وقوله: من الحكم) بخلاف ما أنزل الله تعالى. قال في التحفة: وبه يعلم أن مراد الأولين بعدم
الجواز عدم الاعتداد به فيجب نقضه، وقال فيها أيضا: قال ابن الصلاح وتبعوه، وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا
رجح قولا ولو مرجوحا في مذهبه بدليل جيد، وليس له أن يحكم بشاذ أو غريب في مذهبه، إلا إن ترجح عنده، ولم يشرط
عليه التزام مذهب باللفظ أو العرف، كقوله على قاعدة من تقدمه. اه‍. (قوله: لان الله تعالى الخ) تعليل لجعل الحكم
بخلاف الراجح من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى. (قوله: أنه) أي والد الجلال. (وقوله: نقض) أي حكمه. (قوله:
وقضيته) أي الافتاء بنقض الحكم. (قوله: والحالة هذه) أي حالة كون الحكم كائنا بغير الصحيح من مذهبه. (وقوله:
أنه) أي الحال والشأن. (وقوله: لا فرق) أي في نقض الحكم بغير الصحيح. (وقوله: بين أن يعضده) أي يقويه،
وضميره يعود على غير الصحيح، والمقابل محذوف: أي أولا.
(قوله: تنبيه ثان) أي في بيان المعتمد في المذهب. (قوله: ما اتفق عليه الشيخان) أي النووي والرافعي، ومحله

267
ما لم يتفق المتأخرون على أن ما اتفقا عليه سهو أو غلط. (قوله: فما جزم به النووي) يعني إذا اختلف كلام النووي
والرافعي، فالمعتمد ما جزم به النووي.
واعلم أنه إذا اختلفت كتب النووي، فالمتبحر لا يتقيد بشئ منها في الاعتماد عليه، وأما غيره فيعتمد منها المتأخر
الذي يكون تتبعه فيه لكلام الأصحاب أكثر، فالمجموع فالتحقيق فالتنقيح فالروضة فالمنهاج، وما اتفق عليه الأكثر من
كتبه مقدم على ما اتفق عليه الأقل منها، وما ذكر في بابه مقدم على ما ذكر في غيره غالبا فيهما. قاله ابن حجر وتبعه ابن
علان وغيره.
(قوله: فالرافعي) أي فما جزم به الرافعي إن لم يجزم النووي بشئ. (قوله: فما رجحه الخ) أي فإن اختلفا ولم
يجزما بشئ، فالمعتمد من كلامهما ما رجحه أكثر الفقهاء، ثم ما رجحه أعلمهم، ثم ما رجحه أورعهم. (قوله: قال
شيخنا هذا) أي ما ذكر من كون المعتمد فيما ذكر ما اتفق عليه الشيخان الخ. (وقوله:
ما أطبق) أي أجمع واتفق. (قوله: والذي أوصى الخ) أي وهذا هو الذي أوصى به الخ. فاسم الموصول معطوف على ما قبله.
واعلم أنه إذا اختلف كلام المتأخرين عن الشيخين - كشيخ الاسلام وتلامذته - فقد ذهب علماء مصر إلى اعتماد ما
قاله الشيخ محمد الرملي، خصوصا في نهايته، لأنها قرئت على المؤلف إلى آخرها في أربعمائة من العلماء فنقدوها
وصححوها. وذهب علماء حضرموت وأكثر اليمن والحجاز إلى أن المعتمد ما قاله الشيخ أحمد بن حجر في كتبه، بل في
تحفته لما فيها من الإحاطة بنصوص الامام مع مزيد تتبع المؤلف فيها، ولقراءة المحققين لها عليه الذين لا يحصون، ثم
إذا لم يتعرضا بشئ فيفتي بكلام شيخ الاسلام، ثم بكلام الخطيب، ثم بكلام الزيادي، ثم بكلام ابن قاسم، ثم بكلام
عميرة، ثم بكلام ع ش، ثم بكلام الحلبي، ثم بكلام الشوبري، ثم بكلام العناني، ما لم يخالفوا أصول المذهب.
كقولهم لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها، وقد تقدم في خطبة الكتاب ما هو أبسط مما
هنا، فارجع إليه إن شئت.
(قوله: وقال السمهودي الخ) تأييد لما قبله. (قوله: ولا يقضي القاضي) أي أو نائبه. (قوله: أي لا يجوز الخ)
تفسير للمراد من نفي القضاء بخلاف العلم. (قوله: بخلاف علمه) أي بالشئ المخالف لعلمه. قال بعضهم: الصواب
التعبير بما يعلم خلافه، فإن من يقضي بشهادة من لا يعلم صدقهما ولا كذبهما قاض بخلاف علمه وهو نافذ اتفاقا. اه‍.
ورده في التحفة بقوله: وهو عجيب فإنه فرضه فيمن لا يعلم صدقا ولا كذبا فكيف يصح أن يقال إن هذا قضى بخلاف
علمه حتى يرد على المتن؟ فالصواب صحة عبارته. اه‍. قال في المغني: وقوله ولا يقضي بخلاف علمه يندرج فيه
حكمه بخلاف عقيدته. قال البلقيني: وهذا يمكن أن يدعى فيه اتفاق العلماء، لان الحكم إنما يبرم من حاكم بما
يعتقده. اه‍. (قوله: وإن قامت به) أي بخلاف علمه بينة، وفي هذه الحالة لا يقضي بعلمه، كما لا يقضي بالبينة،
للتعارض بينهما، فيعرض عن القضية بالكلية. (قوله: كما إذا شهدت) أي البينة. (وقوله: برق الخ) الألفاظ الثلاثة تقرأ
من غير تنوين لاضافتها إلى لفظ من الواقعة اسما موصولا. (وقوله: يعلم) أي القاضي. (وقوله: حريته) راجع لما إذا
شهدت البينة برقه. (وقوله: أو بينونتها) أي أو يعلم بينونتها، وهو راجع لما إذا شهدت بالنكاح، أي ببقائه ولم تبن منه.

268
(وقوله: أو عدم ملكه) أي أو يعلم عدم ملكه لهذا العبد مثلا، وهو راجع لما إذا شهدت بملكه له، فالكلام على التوزيع
مع اللف والنشر المرتب. (قوله: لأنه قاطع) أي جازم وهو علة لعدم جواز قضائه، بخلاف علمه فيما إذا قامت به بينة.
(وقوله: به) أي بما شهدت به البينة. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان مخالفا لعلمه. (وقوله: والحكم بالباطل محرم)
من تتمة العلة. (قوله: ويقضي أي القاضي الخ) أي يجوز له ذلك. (وقوله: ولو قاضي ضرورة) هكذا في التحفة وقيده
في النهاية بما إذا كان مجتهدا. (قوله: بعلمه) متعلق بيقضي. قال في شرح الروض: لأنه يقضي بالبينة، وهي إنما تفيده
ظنا، فبالعلم أولى، لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الام، فلو رام البينة نفيا للريبة كان أحسن. قاله الغزالي في
خلاصته. اه‍. (قوله: إن شاء) أي القضاء بعلمه. (قوله: أي بظنه المؤكد) تفسير للعلم، والأوجه كما في سم تفسيره
بما يشمل العلم والظن. إذ قد يحصل له حقيقة العلم أو الظن لا تفسيره بخصوص الظن لخروج العلم به. (قوله: الذي
الخ) صفة لظنه. (وقوله: يجوز) - بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة -. (وقوله: له) أي للقاضي. (وقوله:
له الشهادة) مفعول يجوز. (قوله: مستندا) أي معتمدا، وهو حال من ضمير له. (وقوله: إليه) أي إلى ظنه المؤكد.
(قوله: وإن استفاده) أي العلم، وهو غاية للقضاء بعلمه. يعني أنه يقضي بعلمه مطلقا، سواء استفاده قبل الولاية أم
بعدها، وسواء أيضا أكان في الواقعة بينة أم لا. (قوله: نعم لا يقضي به) أي بعلمه، إستدراك من جواز قضاء القاضي
بعلمه: أي يجوز له ذلك إلا في الحدود والتعازير. (قوله: لندب الستر) أي مع سقوطها بالشبهة. (وقوله: في أسبابها)
أي الحدود والتعزير، وتلك الأسباب هي الزنا وشرب الخمر والسرقة. قال في التحفة: نعم من ظهر منه في مجلس
حكمه ما يوجب تعزيرا عزره، وإن كان قضاء بالعلم. قال جمع متأخرون: وقد يحكم بعلمه في حد الله تعالى، كما إذا
علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة. فيقضي عليه بموجب ذلك. قال البلقيني: وكما إذا اعترف في مجلس الحكم
بموجب حد ولم يرجع عنه، فيقضي فيه بعلمه، وإن كان إقراره سرا لخبر: فإن اعترفت فارجمها ولم يقيد بحضرة
الناس، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رؤوس الاشهاد، نحو ردة وشرب خمر. اه‍. (قوله: أما حدود
الآدميين) أي الحدود المتعلقة بحقوق الآدميين. (قوله: فيقضي فيها) أي في حدود الآدميين. (وقوله: به) أي بعلمه.
(قوله: سواء المال الخ) لا يصلح أن يكون تعميما للحدود. إذ هي عقوبات مقدرة كما مر، والمال ليس منها، ولو قال
فيما تقدم أما حقوق الآدميين فيقضي الخ لكان أولى. إذ هي شاملة للمال وللحدود (قوله: وإذا حكم) أي القاضي.
(قوله: لا بد أن يصرح بمستنده) أي بما استند إليه، وهو هنا علمه. (قوله: فيقول الخ) تمثيل للحكم بالعلم مع التصريح
بمستنده. (قوله: فإن ترك أحد هذين اللفظين) أي التركيبين وهما قوله علمت الخ.
وقوله وقضيت أو حكمت الخ. (وقوله: لم ينفذ حكمه) جواب إن. (قوله: ولا يقضي لنفسه) أي لا يجوز له أن يقضي لنفسه من غيره للتهمة، فلو قضى
لم ينفذ، كما لا ينفذ سماعه شهادة لنفسه، وإنما جاز له تعزير من أساء أدبه عليه في حكمه، كحكمت علي بالجور، لئلا
يستخف ويستهان فلا يسمع حكمه. وخرج بقوله لنفسه القضاء عليها فيجوز، وهل هو إقرار أو حكم؟ وجهان المعتمد
عند ابن حجر الثاني، وعند م ر الأول. قال الخطيب في مغنيه: واستثنى البلقيني صورا تتضمن حكمه فيها لنفسه وتنفذ.
الأولى: أن يحكم لمحجوره بالوصية، وإن تضمن حكمه إستيلاءه على المال المحكوم به وتصرفه فيه. الثانية: الأوقاف
التي شرط النظر فيها للحاكم، أو صار فيها النظر إليه بطريق العموم، لانقراض ناظرها الخاص له الحكم بصحتها، وإن
تضمن الحكم إستيلاءه عليه وتصرفه فيه. الثالثة: للامام الحكم بانتقال ملك إلى بيت المال، وإن كان فيه استيلاؤه عليه

269
بجهة الإمامة، وللقاضي الحكم به أيضا، وإن كان يصرف إليه في جامكية ونحوها. اه‍. بتصرف، ومثله في التحفة
والنهاية. (قوله: ولا لبعض) أي ولا يقضي لبعض من أصله أو فرعه للتهمة أيضا. (قوله: ولا لشريكه في المشترك) أي
ولا يقضي لشريكه في المال المشترك للتهمة أيضا. قال البلقيني: ويستثنى من ذلك ما إذا حكم بشاهد وبيمين الشريك،
فإنه يجوز لان المنصوص أنه لا يشاركه في هذه الصورة قال: ولم أر من تعرض لذلك. ولا يقضي أيضا لرقيقه للتهمة ولو
مكاتبا، واستثنى البلقيني منه أيضا الحكم بجناية عليه قبل رقه، بأن جنى ملتزم على ذمي، ثم حارب وأرق فإنه يجوز،
قال: ويوقف ما ثبت له حينئذ إلى عتقه، فإن مات قنا صار فيئا. وفي المغني ما نصه: قد يوهم اقتصار المصنف على منع
الحكم لمن ذكر جوازه على العدو، وهو وجه اختاره الماوردي. والمشهور في المذهب أنه لا يجوز حكمه عليه ويجوز أن
يحكم له. اه‍. (قوله: ويقضي لكل منهم) أي من القاضي نفسه والبعض والشريك. (وقوله: غيره) أي غير القاضي
الذي أراد الحكم لنفسه أو لهؤلاء. (وقوله: من إمام الخ) بيان لذلك الغير. (قوله: قاض آخر) أي غير هذا القاضي الذي
أراد القضاء لنفسه أو لهؤلاء. (قوله: ولو نائبا عنه) أي ولو كان القاضي الآخر نائبا عن القاضي المذكور. (قوله: دفعا
للتهمة) علة لكونه يقضي له من ذكر. (قوله: ولو رأى قاض الخ) أي أو شهد شاهدان أنك حكمت أو شهدت بما في هذه
الورقة. (قوله: وكذا شاهد) أي وكذلك مثل القاضي الشاهد: أي رأى ورقة فيها شهادته. (قوله: ورقة) مفعول رأى.
(وقوله: فيها حكمه) أي في تلك الورقة مكتوب فيها حكمه، وهذا بالنسبة للقاضي. (وقوله: أو شهادته) أي أو فيها
شهادته، وهذا بالنسبة للشاهد. (قوله: لم يعمل) أي من ذكر من الحاكم أو الشاهد. (وقوله: به) أي بمضمون ما في
الورقة من الحكم أو الشهادة. وفي البجيرمي: وأشعر كلامه بجواز العمل به لغيره وهو كذلك، فلو شهدا عند غيره بأن
فلانا حكم بكذا، لزمه تنفيذه، إلا إن قامت بينة بأن الأول أنكر حكمه، وكذبهما زي وكلامه قاصر على ما إذا شهد
بالحكم. اه‍. (قوله: في إمضاء الخ) فيه أن هذا هو معنى العمل به المنفي، فلو قال بأن يمضيه ويكون تصويرا للعمل
لكان أولى وأخصر. وفي التحفة والنهاية إسقاطه وهو أولى. (قوله: حتى يتذكر ما حكم أو شهد به) أي تفصيلا، كما في
التحفة، ونصها: حتى يتذكر الواقعة بتفصيلها. اه‍. وبدليل قوله بعد، ولا يكفي الخ. (قوله: لامكان التزوير) هذا
يناسب جعله علة لما زدته، وهو عدم العمل بشهادة شاهدين عليه بما ذكر. (وقوله: ومشابهة الخط) أي ولامكان مشابهة
الخط، وهذا يناسب جعله علة لما ذكره، وهو عدم العمل بالورقة المكتوب فيها الحكم أو الشهادة. وقولي أو لا يناسب
الخ، يعلم منه أنه يصح جعله علة أيضا لما ذكره، ويكون المراد بالتزوير، التزوير في الخط. فتنبه. (قوله: ولا يكفي
تذكره) أي القاضي أو الشاهد. (وقوله: أن هذا) أي المكتوب خطه. (وقوله: فقط) أي من غير أن يتذكر الواقعة
تفصيلا، وهذا مقابل لما زدته أولا بقولي: أي تفصيلا. (قوله: وفيهما وجه) انظر ما مرجع الضمير؟ فإن كان الحكم
والشهادة بمضمون ما في الورقة فغير مناسب لما بعده، لأنه ينحل المعنى، وفي الحكم والشهادة وجه إن كان الحكم
والشهادة الخ، وفي ذلك ركاكة لا تخفى، وإن كان الورقة المكتوب فيها الحكم، والورقة المكتوب فيها الشهادة فلا معنى
له أصلا، ثم ظهر الأول، وأنه ارتكب الاظهار في مقام الاضمار في قوله بعد أن كان الحكم والشهادة، فكان عليه أن يقول
إن كانا بألف التثنية. تأمل. (قوله: مصونة عندهما) أي محفوظة عند القاضي وعند الشاهد. (قوله: ووثق
بأنه) أي ووثق كل من القاضي والشاهدين بأن ما في الورقة خطه. (قوله: ولم يداخله فيه) أي في كونه خطه. (قوله: ريبة) أي شك.
(قوله: أنه يعمل) بدل من قوله وجه، أو عطف بيان له. قال في التحفة والنهاية: والأصح عدم الفرق لاحتمال الريبة.
اه‍. (وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة. (قوله: وله الخ) الجار والمجرور خبر مقدم. (وقوله: حلف) مبتدأ مؤخر،

270
وهو مستأنف. (قوله: حلف) يشمل اليمين المردودة واليمين التي معها شاهد. اه‍. بجيرمي. (قوله: على استحقاق) لو
قال كما في المنهج على ما له به تعلق كاستحقاق الخ، لكان أولى. (قوله: أو أدائه لغيره) عطف على استحقاق: أي ولو
حلف على أداء الحق الذي عليه لغيره. (قوله: اعتمادا الخ) هو منصوب على الحال على تأويله باسم الفاعل: أي له أن
يحلف على ذلك حال كونه معتمدا على ما ذكر. قال في التحفة: ودليل حل الحلف بالظن حلف عمر رضي الله عنه بين
يدي النبي (ص) أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه مع أنه غيره عند الأكثرين، وإنما قال إن يكنه فلن تسلط عليه.
اه‍. (وقوله: على إخبار عدل) متعلق بإعتمادا: أي إخباره باستحقاق الحق أو أدائه. (قوله: وعلى خط نفسه) معطوف
على إخبار عدل. (وقوله: على المعتمد) مرتبط بالمعطوف. أي وله الحلف اعتمادا على خط نفسه على المعتمد،
وفارق القضاء والشهادة السابقين، حيث لا يجوز فيهما الاعتماد على الخط بأن اليمين تتعلق به، والحكم والشهادة
يتعلقان بغيره. (قوله: وعلى خط مأذونه) أي واعتمادا على خط مأذونه: أي رقيقه المأذون له في التجارة مثلا، فإذا وجد
سيده ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان دينا كذا ثمن كذا، أو إني أديت عنك ما عليك من الدين، جاز له أن يحلف
اعتمادا على خطه. (وقوله: ووكيله) معطوف على مأذونه، أي واعتمادا على خط وكيله: أي في بيع ماله، ولو في
الذمة، أو قضاء الديون التي عليه، فإذا وجد موكله ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين
عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط. (قوله: وشريكه) معطوف على مأذونه أيضا: أي واعتمادا على خط
شريكه: أي المأذون له في بيع المال المشترك، ولو في الذمة، وأداء الديون، فإذا وجد شريكه ورقة مكتوبا فيها إن لك
عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط. (قوله: ومورثه) معطوف أيضا
على مأذونه، أي واعتمادا على خط مورثه، فإذا وجد الوارث ورقة مكتوبا فيها بخط مورثه، أن لي عند فلان كذا، أو أني
أديت الدين الذي كان علي، جاز له أن يحلف اعتمادا على الخط المذكور. (قوله: إن وثق) أي الشخص. (وقوله:
بأمانته) أي من ذكر من مأذونه، وما بعده باعتبار الشرح، أو مورثه فقط باعتبار المتن. (قوله: بأن علم) أي الحالف وهو
تصوير للوثوق بأمانته. (وقوله: أنه) أي من ذكر من مأذونه وما بعده، أو المورث فقط على نسق ما قبله. (وقوله: لا
يتساهل في شئ من حقوق الناس) ضابط ذلك أنه لو وجد في التذكرة لفلان على كذا سمحت نفسه بدفعه، ولم يحلف
على نفيه. (قوله: اعتضادا بالقرينة) علة للحلف، أي له أن يحلف اعتضادا، أي اعتمادا على القرينة، وهي خط مأذونه
وما بعده، وفيه أن هذه العلة هي عين قوله اعتمادا على خط الخ.
تتمة: له رواية الحديث اعتمادا على خط كتبه هو أو غيره، محفوظ عنده أو عند غيره، متضمن ذلك الخط أنه قرأ
البخاري مثلا على الشيخ الفلاني أو أنه سمعه منه أو أنه أجازه عليه، وإن لم يتذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة، لان باب
الرواية أوسع، وعلى ذلك عمل السلف والخلف، ولو رأى خط شيخه بالاذن له في الرواية وعرفه، جاز له الاعتماد عليه
أيضا.
(قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا خالف الظاهر الباطن: أي حقيقة الامر. (قوله: والقضاء) أي الحكم الذي يستفيده
القاضي بالولاية فيما باطن الامر فيه، بخلاف ظاهره. (وقوله: الحاصل على أصل كاذب) أي المرتب على أصل كاذب،
مثل شهادة الزور. (قوله: ينفذ طاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع. (وقوله: لا باطنا) أي لا ينفذ في الباطن: أي فيما بينه
وبين الله، لقوله (ص): إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع
منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار. وقوله ألحن: قال ع ش: أي أقدر

271
. وقال الرشيدي: أي أبلغ وأعلم، والأول أنسب. (قوله: فلا يحل) أي ذلك الحكم حراما، كأن أثبت بشاهدي زور
نكاحه بامرأة. (وقوله: ولا عكسه) أي ولا يحرم حلالا، كأن ادعى عليه بأنه طلق زوجته بذلك، فلا تحرم عليه باطنا،
ويحل له وطؤها إن أمكن، لكنه يكره للتهمة، ويبقى التوارث بينهما لا النفقة للحيلولة، ولو نكحها آخر فوطئها جاهلا
بالحال فشبهة، وتحرم على الأول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين فكذا في الأشبه عند الشيخين.
اه‍. (قوله: فلو حكم الخ) تفريع على الأول: أعني فلا يحل حراما. (قوله: بظاهر العدالة) بدل من بشاهدي زور. ولو
قال كما في شرح الرملي ظاهرهما العدالة لكان أولى. (قوله: لم يحصل الخ) جواب لو. (قوله: سواء المال والنكاح)
تعميم في عدم حصول الحل باطنا فيما حكم به بشاهدي زور. (قوله: أما المرتب) أي أما القضاء المرتب، وهو مقابل
قوله والقضاء الحاصل الخ. (وقوله: على أصل صادق) وهو ما لم يكن بشهادة الزور. (قوله: فينفذ القضاء فيه) أي في
المرتب على أصل صادق. (وقوله: باطنا أيضا) أي كما ينفذ ظاهرا. (وقوله: قطعا) هذا إن كان في محل اتفاق
المجتهدين، مثل وجوب صوم رمضان بشاهدين، وإلا بأن كان في محل اختلافهم فينفذ على الأصح، مثل وجوب صومه
بواحد، ومثل شفعة الجوار. (قوله: وجاء في الخبر) أي ورد فيه، وساقه دليلا على قوله ينفذ ظاهرا لا باطنا. (وقوله:
أمرت أن أحكم الخ) أي أمرني الله أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. قال في التحفة جزم الحافظ العراقي بأن هذا
الخبر لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره، ولعله من حيث نسبة هذا اللفظ بخصوصه إليه (ص)، أما معناه فهو صحيح
منسوب إليه (ص) أخذا من قول المصنف في شرح مسلم في خبر: إني أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
معناه أني أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال (ص). اه‍. (قوله: ويلزم المرأة الخ) أي يجب عليها ما
ذكر، فلو سلمت نفسها مع القدرة على ما ذكر أثمت به. (قوله: الهرب) أي من المدعي عليها بما ذكر. (وقوله: بل
والقتل) أي بل يلزمها أن تقتله ولو بسم. ومحله إن لم يندفع بغيره. (وقوله: إن قدرت عليه) أي على المذكور من الهرب
والقتل. (قوله: كالصائل على البضع) أي فإنها يلزمها دفعه ولو بالقتل. (قوله: ولا نظر لكونه) أي الواطئ: أي يلزمها
ما ذكر ولا تنظر لكونه يعتقد الإباحة. (قوله: يعتقد الإباحة) أي إباحة الوطئ بالحكم كأن يكون حنيفا. وعبارة المغني.
فإن قيل: فلعله ممن يرى الإباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله؟
أجيب: بأن المسوغ للدفع والموجب له إنتهاج الفرج المحرم بغير طريق شرعي، وإن كان الطالب لا إثم عليه،
كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة، فإنه يجوز لها دفعه بل يجب. اه‍.
(قوله: فإن أكرهت) أي على الوطئ، بأن لم تقدر على الهرب ولا على قتله فلا إثم عليها بوطئه إياها. قال في
التحفة: ولا يخالف هذا قولهم الاكراه لا يبيح الزنا لشبهة، سبق الحكم على أن بعضهم قيد عدم الاثم بما إذا ربطت
، حتى لم يبق لها حركة، لكن فيه نظر: إذ لو كان هذا مرادا لم يفرقوا بين ما هنا والاكراه على الزنا، لان محل حرمته حيث
لم تربط كذلك. اه‍. (قوله: والقضاء على غائب) شروع في بيان جواز القضاء لحاضر على غائب. والأصل فيه
قوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها وهو غائب، ولو كان فتوى لقال لها لك أن
تأخذي، أو لا بأس عليك، أو نحوه ولم يقل خذي. وقول عمر رضي الله عنه في خطبته: من كان له على الأسيفع - بالفاء
المكسورة - دين فليأتنا غدا، فإنا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه - وكان غائبا. (قوله: عن البلد) أي فوق مسافة العدوي.
اه‍. بجيرمي. (قوله: وإن كان) أي ذلك الغائب المدعى عليه. (وقوله: في غير عمله) أي في غير محل ولاية القاضي.

272
(قوله: أو عن المجلس) أي أو غائب عن مجلس الحكم. (وقوله: بتوار) متعلق بغائب المقدر: أي أو غائب عن
المجلس بتوار: أي اختفاء خوفا. (وقوله: أو تعزز) أي امتناع من الحضور لا خوفا بل تغلبا. (قوله: جائز) أي لما
تقدم، ولاتفاقهم على سماع البينة عليه، فالحكم مثلها، ولان الغيبة ليست بأعظم من الصغر، والموت في العجز عن
الدفع عن الغائب، فإذا جاز الحكم على الصغير والميت، فليجز على الغائب أيضا. (قوله: في غير عقوبة الله تعالى) أي
في كل شئ سوى عقوبة الله تعالى، أما هي فلا يقضى عليه بها لبنائها على المساهلة. (قوله: إن كان لمدع حجة) قيد
في جواز القضاء على الغائب: أي يجوز القضاء عليه بشرط أن يكون لمدع حجة: أي وقد علمها الحاكم وقت الدعوى،
على ما دل عليه كلامهم، وإن اعترضه البلقيني، وجوز سماعها إذا حدث بعدها علم البينة أو تحملها، كذا في التحفة.
والمراد بالحجة هنا ما يشمل الشاهد واليمين فيما يقضي فيه بهما، وعلم الحاكم، وظاهر كلامه أنه إذا لم تكن حجة
سمعت دعواه، ولكن لا يحكم القاضي بها على غائب، وليس كذلك فلا تسمع له دعوى أصلا حينئذ، فكان الأولى
للشارح أن يدخل على المتن بقوله: وإنما تسمع دعواه، ويقضي بها على الغائب إن كان لمدع حجة. (قوله: ولم يقل
هو الخ) سيأتي محترزه. (قوله: بل ادعى) أي طالب الحق على المدعى عليه الغائب. (وقوله: جحوده) أي للحق
المدعى به. وفي المغني ما نصه:
تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا. وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب، فلا
خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود، وإقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده. قاله الامام والغزالي. اه‍.
(قوله: وأنه يلزمه الخ) أي وادعى أن الغائب على المدعى عليه يلزمه تسليمه المدعى به الآن، وأنه مطالبه به، فلو
لم يذكر في الدعوى ما ذكر، بأن قال لي عليه كذا فقط، فلا تسمع دعواه، إذ من شروطها أن يتعلق بها إلزام ومطالبة في
الحال. ويشترط أيضا لها بيان المدعى به وقدره ونوعه ووصفه كما سيأتي. (قوله: فإن قال) أي المدعي هو: أي الغالب
مقر، وهذا محترز قوله ولم يقل هو مقر. (قوله: وأنا أقيم الحجة الخ) أي فيكون قد ثبت الحق عليه بالحجة. قال في
التحفة: ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر خلافا للبلقيني: أي حيث قال إن مخافة إنكاره مبتوعة لسماع الدعوى. (وقوله:
استظهارا) أي طلبا لظهور الحق. (قوله: أو ليكتب) معطوف على استظهارا، أي أن إقامة الحجة إما لأجل استظهار
الحق، أو لأجل أن يكتب الخ. ويصح عطفه على مخافة: أي لأجل المخافة، أو لأجل أن يكتب الخ. (وقوله: بها) أي
بالحجة: أي بثبوت الحق بها. (قوله: لم تسمع حجته) جواب إن، قال في التحفة إلا أن يقول وهو ممتنع فإنها تسمع.
وقال في النهاية: لا تسمع ولو قال قال. اه‍. (قوله: لتصريحه) أي المدعى. (وقوله: بالمنافي لسماعها) أي وهو
الاقرار، وذلك لأنها لا تقام على مقر. (قوله: إذ لا فائدة فيها) أي الحجة، وهو علة المنافاة. (قوله: نعم الخ) استدراك
على عدم سماع الدعوى من المقر. (قوله: لا ليكتب القاضي به) أي بثبوت الدين بالبينة. (قوله: بل ليوفيه منه) أي أقام
البينة ليوفي القاضي دينه من ماله الحاضر. (قوله: فتسمع) أي البينة وهو جواب لو. (قوله: وإن قال هو مقر) الأولى
حذفه إذ الاستدراك مرتب على قوله هو مقر. (قوله: وتسمع أيضا) أي كما تسمع إذا ادعى جحوده. (وقوله: إن أطلق)
أي لم يدع جحودا ولا إقرارا، وإنما سمعت في هذه الحالة لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى إثبات الحق،
فيجعل غيبته كسكوته. (قوله: ووجب إن كانت الخ) أي ولم يكن للغائب وكيل حاضر. (وقوله: بدين) أي له على

273
الغائب. (وقوله: أو عين) أي أودعها عنده، أو أعاره إياها، أو نحو ذلك. (وقوله: أو بصحة عقد) معطوف على بدين،
أي أو كانت الدعوى عليه بصحة عقد، كأن ادعى على الغائب أنه اشترى هذا العبد منه بشراء صحيح، وأنكر هو ذلك.
(وقوله: أو إبراء) أي أو كانت الدعوى عليه بإبراء، أي بأن الغائب أبرأ الحاضر من الدين الذي له عليه وأنكره. (قوله:
كأن أحال الخ) تمثيل للابراء، ولا يتصور بغير ما ذكر، لان الدعوى على الغائب بإسقاط حق لا تسمع، وعبارة المغني:
ولا تسمع الدعوى والبينة على الغائب بإسقاط حق له، لان الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق. قال
ابن الصلاح وطريقه في ذلك أن يدعي على إنسان أن رب الدين أحاله به، فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة،
ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه، فتسمع الدعوى بذلك والبينة. اه‍. (قوله: فادعى) أي المدين الحاضر. (وقوله: أبرأه) أي أبرأه
الغائب إياه، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول. ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر
لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: تحليفه) فاعل وجب. (وقوله: أي المدعي) تفسير للضمير، وأفاد به أن الإضافة من
إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي تحليف الحاكم إياه، وهو غير متعين، بل يصح أن تكون من إضافة
المصدر لفاعله وحذف المفعول. (قوله: يمين الاستظهار) هي التي لم يثبت بها حق، وإنما وجبت احتياطا. قال في
التحفة: ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين ولا ترتد بالرد، لأنها ليست مكملة للحجة، وإنما هي شرط للحكم. اه‍.
(قوله: وإن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا) قيد به في شرح المنهج أيضا، ونقل البجيرمي عن ز ي أن المعتمد أنه
يجب تحليفه، وإن كان متواريا أو متعززا. (قوله: بعد إقامة الخ) متعلق بتحليفه: أي تحليفه بعد إقامة البينة: أي وبعد
تعديلها. (قوله: أن الحق) أي على أن الحق، وهو متعلق بكل من بينة ومن تحليفه. (قوله: في الصورة الأولى) هي ما
إذا كانت الدعوى بدين. (وقوله: ثابت في ذمته) أي الغائب. (وقوله: إلى الآن) أي إلى وقت الدعوى عليه. (قوله:
احتياطا الخ) علة لوجوب التحليف: أي وجب تحليفه بذلك احتياطا للغائب المحكوم عليه. (قوله: لأنه الخ) علة
للعلة. (وقوله: لربما ادعى) أي الغائب بشئ يبرئه كأداء وإبراء. (قوله: ويشترط مع ذلك) أي مع قوله في الحلف أن
الحق ثابت في ذمته. (وقوله: أن يقول أنه الخ) أي لأنه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه. (قوله: وأنه لا
يعلم الخ) أي ويلزمه أيضا أن يقول أنه الخ. قال في التحفة: بناء على الأصح أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب
تحليف المدعي على ذلك أجيب. اه‍. (وقوله: قادحا) أي في الشهادة مطلقا، أو بالنسبة للغائب. (وقوله: كفسق
وعداوة) تمثيل للقادح في الشهادة. (قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج وظاهر الخ) فيه أن هذا لا يظهر بعد تقييده فيما
سبق بقوله في الصورة الأولى، إذ يعلم منه أنه في غيرها لا يحلف بما ذكر. (وقوله: أن هذا) أي ما في المتن فقط، وهو
أن الحق ثابت في ذمته، وأما ما زاده عليه وهو أنه يلزمه الخ، فيأتي في جميع الصور. (وقوله: في الدعوى بعين) أي
ادعى أنه جعلها وديعة عنده، أو استعارها منه، أو نحو ذلك كما تقدم. (قوله: على ما يليق بها) أي كأن يقول ادعى عليه
بالثوب مثلا وهو باق تحت يده، ويلزمه تسليمه إلي، والعين باقية. (قوله: وكذا نحو الابراء) أي وكذلك لا يأتي ما ذكر
في الدعوى بنحو إبراء كعتق وطلاق وبيع، بل يحلف فيه على ما يليق به، كأن يقول في الابراء أنه أبرأني، وأنه لا يستحق
في ذمتي شيئا، وكأن يقول في العتق أن سيده أعتقه، وفي الطلاق أن زوجها طلقها، وفي البيع أنه باعني إياه بيعا
صحيحا. (قوله: أما لو كان الغائب الخ) مفهوم قوله إن لم يكن الغائب الخ. (قوله: فيقضي) أي القاضي. (وقوله:

274
عليهما) أي على المتواري والمتعزز. (وقوله: لتقصيرهما) أي بسبب التواري والتعزز. (قوله: قال بعضهم الخ) عبارة
التحفة: أما إذا كان له وكيل حاضر، فهل يتوقف التحليف إلى طلبه؟ وجهان، وقضية كلامهما توقفه عليه، واعتمده ابن
الرفعة واستشكله في التوشيح بأنه إذا كان له وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم تجب يمين جزما، وفيه نظر، لان
العبرة في الخصومات في نحو اليمين بالموكل لا الوكيل، فهو قضاء على غائب بالنسبة لليمين، ويؤيد ذلك قول البلقيني
للقاضي سماع الدعوى على غائب وإن حضر وكيله، لوجود الغيبة المسوغة للحكم عليه، والقضاء إنما يقع عليه، أي في
الحقيقة، أو بالنسبة لليمين. فالحاصل أن الدعوى إن سمعت على الوكيل توجه الحكم إليه دون موكله لا بالنسبة لليمين،
احتياطا لحق الموكل، وإن لم تسمع عليه توجه الحكم إلى الغائب من كل وجه في اليمين وغيرها. اه‍. (قوله: كما لو
ادعى شخص على نحو صبي) أي كمجنون، والكاف للتنظير في وجوب الحلف على المدعي. وفي المغني ما نصه: لا
تنافي بين ما ذكر هنا وما ذكر في كتاب الدعوى والقسامة، من أن شرط المدعى عليه أن يكون مكلفا ملتزما للأحكام، فلا
تصح الدعوى على صبي ومجنون، لان محل ذلك عند حضور وليهما، فتكون الدعوى على الولي، أما عند غيبته
فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة ويحتاج معها إلى اليمين. اه‍. (وقوله: لا ولي
له) قال في التحفة أو له ولي ولم يطلب، فلا تتوقف اليمين على طلبه. اه‍. ومثله في النهاية. (قوله: وميت) معطوف
على صبي، أي وكما لو ادعى على ميت. (قوله: ليس له وارث خاص حاضر) أي بأن كان له وارث غير خاص، أو له
وارث خاص، لكنه غير حاضر في البلد. (قوله: فإنه) أي المدعي على نحو الصبي والميت. (وقوله: يحلف) أي بعد
إقامة البينة بما ادعاه وتعديلها، وإلا فلا تسمع دعواه. (قوله: لما مر) أي احتياطا للمحكوم عليه الصبي أو الميت.
(قوله: أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص الخ) هذا خلاف ما جرى عليه شيخه من أن وجوب الحلف لا يتوقف على طلب
الولي إذا وجد بالنسبة للدعوى على الصبي والمجنون، كما يعلم من عبارته المارة، ويتوقف على طلب الوارث الخاص
إذا وجد بالنسبة للميت، وقال: الفرق بينه وبين الولي واضح. وجرى أيضا على ذلك في النهاية، وكتب ع ش على قول
النهاية، والفرق واضح ما نصه: وهو - أي الفرق - أن الحق في هذه يتعلق بالتركة التي هي للوارث، فتركه لطلب اليمين
إسقاط لحقه، بخلاف الولي فإنه إنما يتصرف على الصبي بالمصلحة. اه‍. والمؤلف تبع شيخ الاسلام فيما ذكر كما
يعلم من عبارة شرح المنهج والأسنى، ونص الثاني: فإن كان للميت وارث خاص، اعتبر في الحلف طلب الوارث، لان
الحق له في التركة، ومثله ما لو كان للصبي نائب خاص. الخ. اه‍. (قوله: اعتبر في وجوب التحليف) أي على
المدعي. (وقوله: طلبه) أي طلب من ذكر من الولي والوارث التحليف من المدعي، فالإضافة من إضافة المصدر
لفاعله، وحذف مفعوله، ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: فإن سكت) أي من
ذكر من الوارث الخاص والولي. (وقوله: عن طلبها) أي اليمين المعلومة من السياق. (وقوله: لجهل) أي بأنه يعتبر في
وجوب اليمين طلبها. (وقوله: عرفه الحاكم) أي بين له أن لك أن تحلفه (وقوله: ثم إن الخ) أي ثم بعد التعريف إن لم
يطلب منه اليمين، حكم عليه الحاكم بدون يمين. (قوله: لو ادعى وكيل الغائب) أي إلى مسافة يجوز القضاء فيها على
الغائب، بأن كان فوق مسافة العدوي، أو في غير ولاية الحاكم وإن قربت. أفاده في التحفة. (وقوله: على غائب) أي
إلى ما ذكر أيضا. (قوله: أو نحو صبي) بالجر معطوف على غائب: أي أو ادعى وكيل الغائب على نحو صبي كمجنون.
(قوله: أو ميت) أي أو ادعى على ميت: أي وإن لم يرثه إلا بيت المال. اه‍. تحفة. (قوله: فلا تحليف) أي واجب على
الوكيل. (قوله: بل يحكم) أي الحاكم. (وقوله: بالبينة) أي التي أقامها الوكيل المدعي، ويعطى حينئذ المال المدعى به

275
إن كان للمدعى عليه هناك مال. (قوله: لان الوكيل الخ) تعليل لعدم تحليف الوكيل. (وقوله: لا يتصور حلفه على
استحقاقه) أي لا يمكن أن يحلف الوكيل على استحقاقه للحق الذي ادعى به، لأنه ليس له وإنما هو للموكل. (قوله: ولا
على أن موكله يستحقه) أي ولا يتصور أن يحلف على أن موكله يستحقه: إذ يحتمل أن موكله أبرأه، ولو حلف فلا يستحق
الموكل شيئا، إذ لا يثبت للشخص الحق بيمين غيره. (قوله: ولو وقف الامر الخ) من تتمة التعليل: أي ولأنه لو وقف
الامر الخ. (وقوله: إلى حضور الموكل) أي من المحل الذي هو فيه وكان بعيدا أو قريبا، وكان في غير ولاية الحاكم،
وإلا بأن كان في محل قريب وهو بولاية القاضي، فلا بد من حضوره وتحليفه يمين الاستظهار، إذ لا مشقة عليه في
الحضور حينئذ، بخلاف ما لو بعد، أو كان بغير ولاية الحاكم كذا في التحفة. ومثل حضور الموكل في عدم وقوف الامر
إليه بلوغ الصبي، وإفاقة المجنون، وقيام نائب عن الميت، فلا يوقف الامر إلى ذلك. (قوله: ولو حضر الغائب) أي
المدعى عليه (وقوله: وقال) أي بعد الدعوى عليه من وكيل الغائب بدين له عليه. (وقوله: أبرأني موكلك) مقول القول.
(وقوله: أو وفيته) أي أو قال وفيته. (وقوله: فأخر) فعل أمر، والمخالف الوكيل (وقوله: إلى حضوره) أي الموكل.
(وقوله: ليحلف) أي لأجل أن يحلف لي بأنه ما أبرأني: أي ما وفيته. (قوله: لم يجب) جواب لو: أي لم يجب ذلك
الغائب الذي حضر إلى ما طلبه من التأخير. (قوله: وأمر بالتسليم له) أي أمر القاضي ذلك الغائب الذي حضر بتسليم
الحق للوكيل. (قوله: ثم يثبت الابراء) أي ثم بعد تسليم الحق يمكن من إثبات الابراء، أو التوفية ويأخذ حقه. (وقوله:
بعد) مبني على الضم: أي بعد حضور الموكل. (وقوله: إن كان الخ) قيد في الاثبات. (وقوله: له) أي للغائب الذي قد
حضر. (وقوله: به) أي بالابراء، وكذا التوفية. (وقوله: حجة) أي بينة. (قوله: لأنه لو وقف الخ) علة لعدم إجابته.
(قوله: نعم له) أي للغائب الذي قد حضر وادعى عليه بالدين، وهو استدراك على كونه لم يجب فيما يطلبه. (وقوله: إذا
ادعى عليه) أي الوكيل. (وقوله: علمه) أي الوكيل وهو مفعول ادعى. (وقوله: بنحو الابراء) متعلق بعلمه، ونحو الابراء
التوفية. (وقوله: أنه لا يعلم الخ) المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحليف، أي له تحليفه بعدم
علمه بأن الموكل أبرأه. (وقوله: مثلا) أي أو وفاه الدين. (قوله: لصحة هذه الدعوى) علة لكونه له تحليف الوكيل بما
ذكر، أي وإنما كان له ذلك لصحة هذه الدعوى، وهي علمه بنحو إبراء، لأنه لو أقر بمضمونها بطلت وكالته. قال في
المغني.
فإن قيل: هذا يخالف ما سبق من أن الوكيل لا يحلف.
وأجيب: بأنه لا يلزم من تحليفه هنا تحليفه ثم لان تحليفه هنا إنما جاء من جهة دعوى صحيحة يقتضي اعترافه
بمضمونها سقوط مطالبته، لخروجه باعترافه بها من الوكالة في الخصومة - بخلاف يمين الاستظهار - فإن حاصله أن المال
ثابت في ذمة الغائب أو الميت، وثبوته في ذمة من ذكر لا يتأتى من الوكيل. اه‍.
تنبيه: قال في التحفة: يكفي في دعوى الوكيل مصادقة الخصم له على الوكالة إن كان القصد إثبات الحق لا
تسلمه، لأنه وإن ثبت عليه لا يلزمه الدفع إلا على وجه مبرر، ولا يبرأ إلا بعد ثبوت الوكالة. اه‍.
(قوله: وإذا ثبت عند حاكم مال) أي بأن أقام المدعي الحجة عليه وحلف يمين الاستظهار كما تقدم. (قوله:

276
وحكم به) أي بثبوت المال عنده على ذلك الغائب، وهو قيد خرج به ما إذا ثبت عنده ولكنه لم يحكم به، فلا يقضيه منه.
(قوله: وله) أي للغائب أو الميت. (وقوله: مال حاضر في عمله) أي في محل عمل القاضي وولايته. (قوله: أو دين
الخ) معطوف على له مال حاضر: أي أو كان له دين ثابت على حاضر في محل عمله. قال في النهاية: ولا يعارضه قولهم
لا تسمع الدعوى بالدين على غريم الغريم، إذ هو محمول على ما إذا كان الغريم حاضرا أو غائبا ولم يكن دينه ثابتا على
غريم الغريم، فليس له الدعوى لاثباته. اه‍. ومثله في التحفة. (قوله: قضاه) أي الدين. (وقوله: منه) أي من المال
الحاضر أو الدين. (قوله: إذا طلبه المدعي) أي إذا طلب المدعى قضاء حقه من الحاكم. وخرج به ما إذا لم يطلبه، فلا
يقضيه الحاكم منه. (قوله: لان الحاكم يقوم مقامه) أي الغائب، وهو تعليل لكون الحاكم يقضيه من مال الغائب
الحاضر. وعبارة المغني: لأنه حق وجب عليه تعذر وفاؤه من جهة من هو عليه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان حاضرا
فامتنع. اه‍. (قوله: ولو باع قاض) أي أو نائبه (قوله: في دينه) أي في قضاء الدين الذي عليه. (قوله: فقدم) أي وصل
ذلك الغائب إلى بلد البيع. (قوله: وأبطل الدين) أي أبطل إثباته في ذمته. (وقوله: بإثبات إيفائه) أي أدائه لدائنه،
والجار والمجرور متعلق بأبطل. (قوله: أو بنحو فسق شاهد) أي أو أبطله بدعواه فسق الشاهد، ونحوه من كل ما يبطل
الشهادة. (قوله: استرد) أي القاضي. (وقوله: ما أخذه) أي الخصم من القاضي. (قوله: وبطل البيع) أي بيع القاضي
مال الغائب (وقوله: للدين) أي لأجله، والجار والمجرور متعلق بالبيع. (قوله: خلافا للروياني) أي القائل بعدم بطلان
البيع، وعدم استرداد ما أخذه الخصم (قوله: وإلا يكن الخ) الأولى أن يقول وإلا بأن لم يكن له مال. (وقوله: في عمله)
أي محل عمل القاضي. (قوله: ولم يحكم) الواو بمعنى أو، ولو في عبر بها كما في التحفة لكان أولى، وهو مفهوم قوله
وحكم به. (قوله: فإن الخ) جواب إن المدغمة في لا النافية. (وقوله: سأل المدعي) أي طلب من قاضي بلد الحاضر.
(قوله: إنهاء الحال) أي تبليغ الامر الواقع عند قاضي بلد الحاضر من سماع بينة أو حكم. (قوله: إلى قاضي) متعلق
بإنهاء. (قوله: أجابه) أي أجاب القاضي المدعي لما سأله إياه. (قوله: وإن كان المكتوب إليه) الأولى وإن كان المنهي
إليه سواء كتب إليه أم لا: إذ الكتابة غير شرط، وهذا يجري في جمع ما يأتي (قوله: مسارعة الخ) تعليل لوجوب الإجابة.
(وقوله: بقضاء حقه) أي حق المدعي من ذلك الغائب. (قوله: فينهي) أي قاضي بلد الحاضر. وهو تفريع على قوله
أجابه. (وقوله: إليه) أي قاضي بلد الغائب. (قوله: سماع بينته) أي أنه سمع بينته المدعي. (قوله: ثم إن عدلها) أي
عدل قاضي بلد الحاضر البينة: أي أثبت عدالتها. (وقوله: لم يحتج المكتوب إليه) أي القاضي المكتوب إليه. (وقوله:
إلى تعديلها) أي إثبات عدالتها عنده. (قوله: وإلا احتاج إليه) أي وإن لم يعدلها قاضي بلد الحاضر، احتاج القاضي
المنهي إليه إلى تعديلها (قوله: ليحكم) أي قاضي بلد الغائب، والجار والمجرور متعلق بينهي. (وقوله: بها) أي بالبينة
التي سمعها قاضي بلد الحاضر. (قوله: ثم يستوفي) أي قاضي بلد الغائب المنهي إليه من المدعى عليه الكائن في بلدته
الحق. (قوله: وخرج بها) أي بالبينة. (وقوله: علمه) أي القاضي بما ادعى به المدعي. (قوله: فلا يكتب به) أي بعلمه
ليحكم به المكتوب إليه. (قوله: لأنه) أي القاضي إذا كتب بعلمه، يكون شاهدا لا قاضيا، وعبارة شرح الروض: لأنه ما
لم يحكم به هو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة. اه‍. وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة وخرج بها علمه
ما نصه: قد يقال إن حكم بعلمه فظاهر إنهاء الحكم المستند إلى العلم، وإلا فهو شاهد حينئذ. ولعل ما في العدة محمول
على الثاني، وكلام السرخسي على الأول. وأما قول البلقيني لان علمه الخ. فإطلاقه محل تأمل، لأنه إنما يكون كالبينة

277
بالنسبة إليه، لا بالنسبة لقاض. ألا ترى أنه لو كان القاضي الآخر حاضرا فقال له قاض: أنا أعلم هذا الامر يجوز له
الحكم بمجرد قوله؟ فليتأمل. اه‍. (قوله: ذكره) أي ما ذكر من عدم كتابة علمه إلى قاضي بلد الغائب. (وقوله: في
العدة) بضم العين، اسم كتاب للقاضي شريح. (قوله: وخالفه السرخسي) أي خالف صاحب العدة السرخسي، فأحاز
الكتابة بالعلم. وعبارة شرح الروض. وفي أمالي السرخسي جوازه، ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم،
لان إخباره عن علمه كإخباره عن قيام البينة. اه‍. والسرخسي وجدته مضبوطا بالقلم - بفتح السين والراء وسكون الخاء
وكسر السين بعدها -. (قوله: لان علمه) أي القاضي. (وقوله: كقيام البينة) أي عنده: أي والاخبار به جائز، فليكن
الاخبار بعلمه كذلك. (قوله: وله) أي لقاضي بلد الحاضر. (قوله: أن يكتب) أي إلى قاضي بلد الغائب. (وقوله:
سماع شاهد واحد) أي أنه يسمع شهادة شاهد واحد. (وقوله: ليسمع الخ) اللام تعليلية متعلقة بيجوز مقدرا قبل قوله له
الخ أن: أي ويجوز له أن يكتب بذلك لأجل أن يسمع القاضي المكتوب إليه شاهدا آخر غير هذا الشاهد. (قوله: أو
يحلفه) بالنصب معطوف على ليسمع: أي أو يحلفه فيما إذا كانت الدعوى على شئ يثبت بشاهد ويمين. (قوله:
ويحكم) بالنصب معطوف على ليسمع أو يحلف، والفاعل يعود على المكتوب إليه. (وقوله: له) أي للمدعي. (قوله:
أو ينهى إليه) معطوف على فينهى إليه سماع بينته. (وقوله: حكما) أي ينهى إليه أنى حكمت لفلان على فلان بكذا
وكذا. (وقوله: إن حكم) قيد في إنهاء الحكم. (قوله: ليستوفي) أي قاضي بلد الغائب الحق من المدعى عليه، وهو علة
لانهاء الحكم. (قوله: لان الحاجة الخ) تعليل للانهاء بسماع البينة أو بالحكم. (وقوله: إلى ذلك) أي الإنهاء. (قوله:
والانهاء أن يشهد الخ) أي والانهاء فسروه بأن يشهد قاضي بلد الحاضر ذكرين عدلين بما جرى عنده من سماع بينة أو
حكم، ليؤدياه عند قاضي بلد الغائب، وهذان الشاهدان غير الشاهدين على إثبات الحق، ولو لم يشهدهما القاضي،
ولكن أنشأ الحكم بحضورهما فلهما أن يشهدا عليه، وإن لم يشهدهما. (قوله: ولا يكفي) أي في الإنهاء غير رجلين.
(قوله: ولو في مال) أي ولو كان الإنهاء في إثبات مال، أو هلال رمضان، لما علمت أن شهود الإنهاء غير شهود الاثبات.
(قوله: ويستحب كتاب) أي مع الاشهاد. (وقوله: به) أي بما جرى عنده من ثبوت للحق أو حكم.
وحاصل صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. حضر عندنا عافاني الله وإياك فلان، وادعى لفلان الغائب
المقيم في بلدك بالشئ الفلاني، وأقام عليه شاهدين، وحلفت المدعي يمين الاستظهار وحكمت له بالمال، فاستوفه
أنت منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا. هذا إذا حكم عليه. فإن لم يحكم عليه، قال بعد قوله وحلفت المدعي يمين
الاستظهار، فاحكم عليه واستوف الحق منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا. ويسن ختمه بعد قراءته على الشاهدين
بحضرته ويقول: أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما سمعتما، ويضعان خطهما فيه. ولا يكفيه أن يقول أشهدكما أن هذا
خطي، أو أن ما فيه حكمي، ويندب أن يدفع للشاهدين نسخة أخرى بلا ختم ليطالعاها ويتذاكرا عند الحاجة، فإن أنكر
الغائب بعد إحضاره أن المال المذكور فيه عليه، شهد عليه الشاهد أن عند قاضي بلده بحكم القاضي الكاتب، فإن قال
ليس المكتوب اسمي صدق بيمينه، لأنه أخبر بنفسه والأصل براءة ذمته. هذا إن لم يعرف به، فإن عرف به لم يصدق.
فإن قال لست الخصل حكم قاضي بلده عليه إن ثبت أن المكتوب اسمه بإقرار أو بينة، ولا يلتفت إلى إنكاره أنه اسمه
حينئذ إذا لم يكن ثم من يشاركه فيه، وهو معاصر للمدعي يمكن معاملته له، بأن لم يكن ثم من يشاركه فيه أصلا، أو كان
ولم يعاصر المدعي، أو لم تمكن معاملته، لأن الظاهر أنه المحكوم عليه حينئذ، فإن كان هناك من يشاركه فيه وعاصر
المدعي وأمكنت معاملته له، بعث المكتوب إليه للكاتب أنه يطلب من الشهود زيادة تمييز للمشهود عليه، ويكتبها وينهيها

278
ثانيا، فإن لم يجد زيادة تمييز وقف الامر حتى ينكشف الحال. فعلم من ذلك أنه يعتبر مع المعاصرة إمكان المعاملة كما
صرح به الجرجاني والبندنيجي وغيرهما أفاد ذلك كله في الاقناع وحواشيه.
(قوله: يذكر) أي القاضي فيه، أي الكتاب (وقوله: ما يتميز به المحكوم عليه) أي الغائب المحكوم عليه، أي أو
المشهود عليه. وعبارة المنهج وشرحه: ما يميز الخصمين الغائب وذا الحق. اه‍. (قوله: من اسم) بيان لما. (وقوله:
أو نسب) أي أو صفة أو حلية. (قوله: وأسماء الشهود) أي على ما في الكتاب، وأما شهود الحق فلا يحتاج إلى ذكر
أسمائهم إن كان قد حكم، فإن لم يحكم احتيج إلى ذكرهم إن لم يعدلهم قاضي بلد الحاضر، وإلا فله ترك ذلك. كذا
في المنهج وشرحه. (قوله: وتاريخه) أي يذكر تاريخ الكتاب.
تتمة: لو شافه القاضي وهو في محل عمله قاضي بلد الغائب بحكمه، بأن حضر قاضي بلد الغائب إلى بلد الحاكم
وشافهه بذلك، أمضاه ونفذه إذا رجع إلى محل ولايته، بخلاف ما لو شافه القاضي، وهو في غير محل عمله قاضي بلد
الغائب، فلا يمضيه كمال، قاله الامام والغزالي. ولو قال قاضي بلد الحاضر وهو في طرف محل ولايته، حكمت بكذا
لفلان على فلان الذي ببلدك، أمضاه ونفذه أيضا، لأنه أبلغ من الشهادة والكتاب، وهو حينئذ قضاء بعلمه.
(قوله: والانهاء بالحكم) العبارة فيها قلب، والأصل والحكم المنهي ولو بلا كتاب. (قوله: يمضي) أي ينفذ.
(قوله: وسماع البينة) بالجر معطوف على بالحكم: أي والانهاء بسماع البينة. وفي العبارة قلب أيضا: أي وسماع البينة
المنهي. (قوله: لا يقبل إلا فوق مسافة العدوي) أي لا يقيل الإنهاء بالسماع إلا إذا كان بين القاضيين فوق مسافة
العدوي. والفرق بينه وبين الإنهاء بالحكم أنه لم يتم الامر في سماع البينة مع سهولة إحضارها في القرب دون البعد،
فلذلك قبل في البعد دون القرب، وفي إنهاء الحكم قد تم الامر فلم يبق إلا الاستيفاء، فلذلك قبل مطلقا. (قوله: إذ
يسهل) أي على قاضي بلد الغائب. (وقوله: إحضارها) أي البينة. (وقوله: مع القرب) أي بأن تكون المسافة
مسافة العدوي فما دونها. (قوله: وهي) أي مسافة العدوي. (وقوله: التي يرجع منها) الجار والمجرور متعلق بما بعده.
(وقوله: مبكر) أي خارج من محله قبيل طلوع الشمس، وقيل عقب طلوع الفجر. (وقوله: إلى محله) متعلق بيرجع،
وهو إظهار في مقام الاضمار. (وقوله: ليلا) أي أوائله. والمعنى أن مسافة العدوي هي التي يرجع أول الليل إلى محله
من خرج منه إلى بلد الحاكم قبيل طلوع الشمس، وتعبيره بقوله ليلا لا ينافي تعبيرهم بقولهم يومه، لان أوائل الليل كالنهار
كما في النهاية. وعبارة الخطيب. ومسافة العدوي ما يرجع منها مبكر إلى محله يومه المعتدل. اه‍. قال البجيرمي عليه:
والمعنى أن يذهب إليها ويرجع يومه المعتدل. اه‍. وسميت بذلك لان القاضي يعدي من طلب إحضار خصمه منها: أي
يعينه على إحضاره. (قوله: فلو تعسر الخ) تفريع على التعليل، أعني إذ يسهل الخ. وعبارة التحفة: وأخذ في المطلب
من التعليل المذكور أنه لو تعسر الخ. اه‍. ولو صنع المؤلف كصنيعه لكان أولى. (وقوله: مع القرب) أي قرب المسافة
بين القاضيين. (وقوله: بنحو مرض) متعلق بتعسر: أي تعسر إحضار البينة له بسبب مرض أو نحوه، كخوف الطريق.
(وقوله: قبل الإنهاء) جملة فعلية واقعة جوابا للو. (قوله: قال القاضي) مقول القول جملة لو حضر الغريم. (وقوله:
وأقروه) أي الفقهاء في قوله المذكور. (قوله: لو حضر الغريم) أي غريم المدعي في البلد التي هو فيها. (قوله: وامتنع)
أي الغريم. (قوله: من بيع ماله الغائب) أي عن البلد التي حضر فيها. (وقوله: لوفاء دينه) متعلق ببيع: أي امتنع من
البيع لأجل وفاء الدين الذي عليه. (وقوله: به) أي بماله الغائب: أي بثمنه إذا بيع، وهو متعلق بوفاء. (قوله: عند

279
الطلب) أي طلب المدعي حقه منه، والظرف متعلق بامتنع. (قوله: ساغ للقاضي) أي جاز لقاضي بلد المدعي بيعه،
وهو جواب لو. (وقوله: لقضاء الدين) أي لأجل قضاء الدين من ثمنه. (قوله: وإن لم يكن المال بمحل ولايته) أي
القاضي، وهو غاية في جواز البيع. ويتصور بيعه حينئذ بما إذا كان المشتري من أهل بلد القاضي، وقدر أي المال
الغائب، وبما إذا حضر مشتر من بلد المال الغائب واشتراه منه، أو له وكيل في الشراء عنه. (قوله: وكذا إن غاب بمحل
ولايته) أي وكذلك يسوغ للقاضي بيع المال الغائب إن غاب الغريم الذي هو مالكه، لكن في محل ولايته. (قوله: كما
ذكره) أي ما بعد وكذا. (قوله: وقالا) أي السبكي والغزي (قوله: بخلاف ما لو كان) أي الغريم الذي هو المالك في غير
محل ولايته، أي فإنه لا يسوغ للقاضي بيع ماله الغائب. ويؤخذ من قوله بعد ومنعه إذا خرجا عنها تقييد عدم جواز البيع
بما إذا كان المال أيضا في غير محل ولايته. (قوله: لأنه الخ) تعليل لما تضمنه قوله بخلاف ما لو الخ. (قوله: لا يمكن
نيابته) أي القاضي. (وقوله: عنه) أي عن الغريم الغائب. (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته. قال في
التحفة بعد ما ذكر: ونوزعا بتصريح الغزالي كإمامه واقتضاه كلام الرافعي وغيره بأنه لا فرق في العقار المقضي به بين كونه
بمحل ولاية القاضي الكاتب وغيرها قال الامام.
فإن قيل: كيف يقضي ببقعة ليست في محل ولايته؟
قلنا هذا غفلة عن حقيقة القضاء على الغائب، فكما أنه يقضي على من ليس بمحل ولايته ففيما ليس فيه كذلك،
وعن هذا قال العلماء بحقائق القضاء، قاض في قرية ينقذ قضاؤه في دائرة الآفاق، ويقضي على أهل الدنيا، ثم إذا ساغ
القضاء على غائب فالقضاء بالدار الغائبة قضاء على غالب، والدار مقضي بها. اه‍. ثم قال: وقد اعتمد بعضهم كلام
السبكي والغزي فارقا بين إنهاء القاضي إلى قاضي بلد المال، فيجوز مطلقا، وبين بيعه للمال فلا يجوز إلا إن كان
أحدهما في محل عمله، فقال ما حاصله. قال ابن قاضي شهبة: وإنما يمتنع البيع إذا غاب هو وماله عن محل ولايته: أي
فينهيه إلى حاكم بلد هو فيها أو ماله كما ذكره الأئمة، ولا يجوز أن يبيع إذا خرجا عنها وقول بعضهم يجوز سهو. اه‍.
(قوله وحاصل كلامهما) أي السبكي والغزي. (قوله: جواز البيع) أي بيع القاضي مال الغائب بمحل ولايته.
(قوله: إذا كان هو) أي الغريم. (قوله: ومنعه) أي البيع. (وقوله: إذا خرجا) أي الغريم وماله معا. (وقوله: عنها) أي
عن محل ولاية القاضي. (قوله: لو غاب إنسان الخ) أي غاب إنسان عن بلده من غير أن يجعل له وكيلا فيها. (وقوله:
وله) أي للانسان الغائب. (وقوله: مال حاضر) أي في البلد. (قوله: فأنهى) بالبناء للمجهول، والجار والمجرور بعده
نائب فاعله، والأصل فأنهى شخص من أهل محلته ما ذكر. قال ع ش: وينبغي وجوب ذلك على سبيل الكفاية في حق
أهل محلته. اه‍. (قوله: أنه) أي المال الحاضر أو الحاكم، فالضمير يصلح عوده على كل منهما. (وقوله: إن لم يبعه)
الضمير المستتر يعود على الحاكم، والبارز يعود على المال. (قوله: اختل معظمه) أي فسد معظم المال. (قوله: لزمه
بيعه) أي لزم الحاكم بيع المال: أي وحفظ ثمنه عنده. (قوله: إن تعين) أي البيع طريقا: أي سببا لسلامته، فإن لم يتعين
لم يلزمه بيعه، بل يبقيه أو يقرضه أو يؤجره. قال في الروض وشرحه: وللقاضي إقراض مال الغائب من ثقة ليحفظه
بالذمة: أي فيها، وله بيع حيوان لخوف هلاكه، ونحوه كغصبه، سواء فيه مال اليتيم الغائب وغيره، وله تأجيره - أي
إجارته - إن أمن عليه، لان المنافع تفوت بمضي الوقت. ومال من لا يرجى معرفته له بيعه وصرفه، أي صرف ثمنه في

280
المصالح، وله حفظه. اه‍. بحذف: وقوله: وللقاضي قضيته جواز ما ذكر عليه لا وجوبه، فهو خلاف ما ذكره الشارح.
وفي فتاوي القفال ما يقتضي الجواز أيضا، ونصه: للقاضي بيع مال الغائب بنفسه، أو قيمه، إذا احتاج إلى نفقة، وكذا إذا
خاف فوته، أو كان الصلاح في بيعه، ولا يأخذ له بالشفعة، وإذا قدم لم ينقض بيع الحاكم ولا إيجاره. اه‍. (قوله: وقد
صرح الأصحاب الخ) الغرض من سياقه تقوية ما ذكره وإفادة أن فيه تفصيلا. (قوله: إنما يتسلط على أموال الغائبين) أي
إنما يتصرف فيها ببيع ونحوه. (قوله: إذا أشرفت على الضياع) أي قربت من الفساد. (قوله: أو مست الحاجة إليها) أي
ألجأت الحاجة إلى أموالهم. (وقوله: في استيفاء حقوق) متعلق بالحاجة، وفي بمعنى اللام: أي ألجأت الحاجة إلى
أموالهم لقضاء الحقوق التي ثبتت عليهم منها. (قوله: وقالوا) أي الأصحاب (قوله: ثم في الضياع) أي فيما يؤول إلى
الضياع لو لم يتصرف فيه، إذ التفصيل ليس في الضياع نفسه، وإلا لما صح قوله بعد وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع
(قوله: فإن امتدت) أي طالت. (وقوله: الغيبة) أي غيبة مالك المال. (قوله: وعسرت المراجعة) أي مراجعة الحاكم
لصاحب المال في شأنه. (قوله: قبل وقوع الضياع) متعلق بالمراجعة. (قوله: ساغ التصرف) أي جاز للحاكم التصرف
فيه ببيع ونحوه. وقضيته عدم الوجوب إلا أن يقال المراد به ما قابل الامتناع، فيصدق بالوجوب وهو المراد. (قوله: وليس
من الضياع) أي المسوغ للتصرف فيه. (وقوله: اختلال) أي فساد في المال. (وقوله: لتلف المعظم) أي معظم المال.
(وقوله: ولم يكن) أي الاختلال ساريا، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من عطف أحد المتلازمين على الآخر. إذ يلزم
من عدم سريانه عدم تأديته لتلف المعظم وبالعكس. (قوله: لامتناع الخ) علة لمقدر مرتب على قوله وليس من الضياع
الخ: أي وإذا كان ليس من الضياع الاختلال المذكور، فلا يبيعه الحاكم لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة، وهذا
ما يخالف ما مر عن فتاوى القفال من أنه إذا كان الصلاح في بيعه فله ذلك. (قوله: والاختلال المؤدي الخ) هو مفهوم قوله
لا يؤدي الخ. وفي أخذه مفهومه، ولم يؤخذ مفهوم ما بعده، أعني ولم يكن ساريا الخ يؤيد ما قررته عليه، والمعنى أن
الاختلال المقتضي لتلف معظم المال يعد ضياعا فيسوغ للامام التصرف فيه قبله. (قوله: نعم الخ) إستدراك على
التفصيل في الضياع: أي أن التفصيل المذكور محله في غير الحيوان، أما هو فمتى ما حصل اختلال فيه تصرف فيه
مطلقا، ولو لم يؤد اختلاله إلى تلفه. (وقوله: لحرمة الروح) أي حفظا لحرمة الروح، وهو علة البيع. (وقوله: ولأنه) أي
الحيوان، وهو معطوف على العلة قبله. (وقوله: يباع) أي يبيعه الحاكم عليه. ومحله إن تعين البيع، وإلا بأن أمكن
تدارك الضياع بالإجارة اكتفي بها، ويقتصر على أقل زمن يحتاج إليه كما مر. (وقوله: على مالكه) أي قهرا عن مالكه، أو
نيابة عنه، فعلى بمعنى عن، وهي متعلقة بمحذوف. (قوله: بحضرته) متعلق بيباع: أي يباع بحضرة مالكه. (وقوله: إذا
لم ينفق عليه) أي إذا لم ينفق المالك على الحيوان. (قوله: ولو نهى الخ) معطوف على العلة قبله أيضا، فهو علة لبيع
الحيوان. أي ولأنه لو نهى المالك عن التصرف فيه، امتنع التصرف فيه إلا في الحيوان، فلا يمتنع حفظا للروح. (قوله:
يحبس الحاكم) أي أو نائبه. (وقوله: الآبق) أي الرقيق الهارب من سيده، وهو مفعول يحبس. (قوله: إذا وجده) أي
وجد الحاكم الآبق. (قوله: انتظارا لسيده) حال على تأويله باسم الفاعل: أي يحبسه حال كونه منتظرا لسيده. أو مفعول

281
مطلق لفعل محذوف: أي وينتظر سيده انتظارا. (قوله: فإن أبطأ سيده) أي تراخى في طلب عبده. (قوله: باعه الحاكم)
أي أو يؤجره إن أمن عليه. (قوله: فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن) أي وليس له فسخ البيع، لان ما صدر من الامام كان
نيابة شرعية عنه.
تتمة: في القسمة وهي تمييز بعض الانصباء من بعض. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر
القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *. فكان يجب إعطاء المذكورين شيئا من التركات في صدر
الاسلام، ثم نسخ الوجوب وبقي الندب، وأخبار كخبر الصحيحين: كان رسول الله (ص) يقسم الغنائم بين أربابها.
والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشريكين أو الشركاء من التصرف في نصيبه استقلالا، ويتخلص من سوء
المشاركة، واختلاف الأيدي. وأركانها ثلاثة: قاسم ومقسوم ومقسوم له، ويشترط في القاسم المنصوب من جهة الامام
أهلية الشهادات، وعلمه بالقسمة وكونه عفيفا عن الطمع، حتى لا يرتشي ولا يخون، فإن لم يكن منصوبا من جهة الامام
بل تراضى عليه الشريكان أو الشركاء ولم يحكموه في القسمة، لم يشترط فيه إلا التكليف، فإن حكموه، اشترط فيه ما
اشترط في منصوب الامام.
واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع:
أحدها: القسمة بالنظر للاجزاء المتساوية، كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الانصباء كيلا في مكيل
ووزنا في موزون، وتسمى هذه القسمة قسمة المتشابهات، لان الاجزاء فيها متشابهة قيمة وصورة وقسمة الافراز، لكونها
أفرزت لكل من الشركاء نصيبه.
ثانيها: القسمة بالتعديل: أي التقويم بأن تعدل السهام بالقيمة، كقسمة أرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو
قرب ماء، أو بسبب ما فيها. كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، وتكون الأرض بينهما نصفين، ويساوي قيمة ثلث الأرض
مثلا قيمة ثلثيها.
وثالثا: القسمة بالرد وهي التي يحتاج فيها الرد أحد الشريكين للآخر مالا أجنبيا، كأن يكون في أحد جانبي الأرض
المشتركة بئر، أو شجر مثلا لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه بالقسمة قسط قيمة البئر أو الشجر. فلو كانت قيمة كل من
البئر أو الشجر مثلا ألفا رد الاخذ لذلك الجانب الذي فيه البئر أو الشجر خمسمائة، لأنها نصف الألف.
والنوع الأول من أنواع القسمة الثلاثة إقرار للحق: أي يتبين به أن ما خرج لكل هو الذي ملكه لا يبيع، والنوعان
الآخران بيع لكن لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول، بل يقوم الرضا مقامهما. ويشترط للقسمة الواقعة بالتراضي في
الأنواع الثلاثة رضا بها بعد خروج القرعة إن حكموا بالقرعة، كأن يقولوا رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة
بخلاف القسمة بالاجبار، وهو لا يكون إلا في قسمة الافراز والتعديل دون الرد، فلا يدخلها إجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا
قبل القرعة ولا بعدها. فإن لم يحكموا بالقرعة كأن اتفقوا على أن يأخذ أحدهم هذا القسم والآخر ذاك القسم، وهكذا
بتراضيهم كما يقع كثيرا، فلا حاجة إلى رضا آخر، والله سبحانه تعالى أعلم.



(1) سورة النساء، الآية: 8.
282
باب الدعوى والبينات
ذكرهما عقب القضاء لكونهما لا يقعان إلا عند قاض أو محكم. وأفرد الدعوى لان حقيقتها واحدة وإن اختلف
المدعى به، وجمع البينات لاختلاف أنواعها، لأنها إما رجل رجلان أو أربع نسوة كما سيأتي.
(قوله: الدعوى لغة الطلب) منه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * أي يطلبون. (قوله: وألفها للتأنيث) أي كألف
حبلى، وقد تؤنث بالتاء، فيقال دعوة، وتجمع على دعوات، كسجدة وسجدات، لكن المشهور أن الدعوة بالتاء تكون
للدعوة إلى الطعام. (قوله: وشرعا) عطف على لغة. (وقوله: إخبار عن وجوب حق) أي ثبوت حق على غيره، وهذا
يشمل الشهادة، فالأولى أن يزيد لفظ له بأن يقول عن وجوب حق له: أي للمخبر لتخرج الشهادة. (وقوله: عند حاكم)
قال في التحفة: وكأنهم إنما لم يذكروا المحكم هنا مع ذكرهم له فيما بعد، لان التعريف للدعوى حيث أطلقت، وهي لا
يتبادر منها إلا ذلك. اه‍. (قوله: وجمعها الخ) الأولى تقديمه على قوله، وشرعا كما في التحفة، لان الجمع المذكور
للدعوى بالمعنى اللغوي لا المعنى الشرعي، لأنه حقيقة واحدة لا تعدد فيها، كما تقدم قريبا. (وقوله: بفتح الواو
وكسرها) قال ابن مالك:
وبالفعالي والفعالى جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا
(قوله: كفتاوى) أي فإنه بفتح الواو وكسرها. (قوله: والبينة الشهود) الأولى والبينات جمع بينة، وهي الشهود،
لأنه ذكرها في الترجمة كذلك. (قوله: سموا) أي الشهود. (وقوله: بها) أي بالبينة. (قوله: لان بهم يتبين الحق) أي
يظهر، واسم أن ضمير الشأن محذوف. (قوله: وجمعوا) أي البينات، والأولى وجمعت، أي البينة على بينات (قوله:
لاختلاف أنواعهم) أي البينات، والأولى لاختلاف أنواعها. أي البينة. واختلاف الأنواع يكون بحسب اختلاف المدعى
به، كما سيذكره في فصل الشهادات. (قوله: والأصل فيها خبر الصحيحين) عبارة التحفة: والأصل فيها قوله تعالى: *
(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * الآية وخبر الصحيحين الخ. اه‍. (قوله: ولو يعطى الناس الخ) أي لو كان
كل من ادعى شيئا عند الحاكم يعطاه بمجرد دعواه بلا بينة، لادعى أناس الخ، ولكن لا يعطون بدعواهم بلا بينة فلم
يدعوا الخ. (قوله: دماء رجال وأموالهم) قدم الدماء مع أن الدعوى بالمال أكثر، لان الدماء أول ما تقع فيه المطالبة،
ويفصل فيها بين المتخاصمين يوم القيامة. (قوله: ولكن الخ) هي وإن لم تأت لفظا على قانونها من وقوعها بين نفي
وإثبات، لكنها جارية عليه تقديرا. لان لو تفيد النفي، إذ المعنى لا يعطي الناس بدعواهم المجردة ولكن باليمين، وهي



(1) سورة يس، الآية: 57.
(2) سورة النور، الآية: 48.
283
على المدعى عليه، إلا في اللعان والقسامة إذا اقترن بدعوى الدم لوث، فاليمين في جانب المدعي فيهما. (قوله: وفي
رواية) أي للبيهقي وذكرها بعد ما تقدم لان فيها زيادة فائدة، وهي أن البينة على المدعي. (قوله: البينة على المدعي
واليمين على من أنكر) إنما جعلت البينة على الأول، واليمين على الثاني. لان جانب الأول ضعيف لدعواه خلاف
الأصل، والبينة حجة قوية لبعدها عن التهمة. وجانب الثاني قوي لموافقته للأصل في البراءة، واليمين حجة ضعيفة
لقربها من التهمة، فجعل القوي في جانب الضعيف والضعيف في جانب القوي. (قوله: المدعي الخ) لما كانت
الدعوى تتضمن مدعيا ومدعى عليه، شرع في بيانهما، فقال المدعي الخ. (قوله: من خالف قوله الظاهر) وقيل هو من
لو سكت لترك، والمدعى عليه من لو سكت لم يترك. قال في التحفة: واستشكل أي التعريف الأول للمدعي بأن الوديع
إذا ادعى الرد أو التلف يخالف قوله الظاهر، مع أن القول قوله. ورد بأنه يدعي أمرا ظاهرا، هو بقاؤه على الأمانة، ويرده
ما في الروضة وغيرها أن الامناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون، لأنهم يدعون الرد مثلا، وهو خلاف الظاهر،
لكن اكتفى منهم باليمين لأنهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك. اه‍. (قوله: وهو) أي الظاهر. (وقوله: براءة الذمة) أي
ذمة المدعى عليه مما ادعاه المدعي. فلو أسلم الزوج والزوجة قبل الدخول ثم قال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق، وقالت
الزوجة بل أسلمنا مرتبا فلا نكاح. فهو مدع لان إسلامهما معا خلاف الظاهر، وهي مدعى عليها لموافقتها الظاهر،
فتحلف هي ويرتفع النكاح. وفي البجيرمي: وقضية هذا أن القول قول الزوجة، والمعتمد خلافه، وهو أن القول قول
الزوج، لان الأصل بقاء النكاح، ولا يرتفع إلا بيقين. اه‍. بالمعنى. (قوله: والمدعى عليه من وافقه أي الظاهر) أي أن
ضابط المدعى عليه من وافق قوله الظاهر، وتقدم ضابط آخر له غير هذا. (قوله: وشرطهما) أي المدعي والمدعى عليه.
(وقوله: تكليف) قال سم أنظره مع قوله في أول باب القضاء على الغائب. والقياس سماعها على ميت وصغير، ومع قول
المتن ويجريان في دعوى على صبي ومجنون. اه‍. بتصرف. وقصده الاعتراض على اشتراط التكليف بالنسبة للمدعى
عليه، مع أن ما تقدم في القضاء على الغالب يقتضي عدم الاشتراط. ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية:
والمدعى عليه المتصف بما مر ما نصه: أي الذي من جملته التكلف، ولعل مراده المدعى عليه الذي تجري فيه جميع الأحكام التي من جملتها الجواب والحلف، وإلا فنحو الصبي يدعى عليه لكن لإقامة البينة. اه‍. (قوله: والتزام
للأحكام) أي أحكام المسلمين. قال في فتح الجواد: كذمي لا حربي ومعاهد ومستأمن. نعم، تسمع دعوى الأخيرين
على مثلهما وذمي مسلم، بل قد تصح دعوى الحربي كما بينته في الأصل. اه‍. وقوله في الأول: قال فيه بل الحربي
نفسه تصح دعواه في بعض الصور، لما مر في الأمان أن الأسير لو اشترى منه شيئا شراء صحيحا لزمه أن يبعث إليه ثمنه،
أو فاسدا فعينه، فحينئذ تصح دعواه ذلك، وكذلك تصح دعواه فيما لو دخل حربيان دارنا بأمان فقتل أحدهما الآخر، فإذا
قدم وارث المقتول أو سيده، سمعت دعواه على قاتله. اه‍. (قوله: فليس الحربي ملتزما للأحكام) أي فلا تصح
الدعوى منه وعليه. قال سم: وقد تسمع دعوى الحربي. اه‍. أي في بعض الصور كما تقدم آنفا. (قوله: بخلاف
الذمي) أي فإنه ملتزم لها، فتسمع الدعوى منه وعليه. (قوله: ثم إن كانت الدعوى) أي المدعى به، فهي مصدر بمعنى
اسم المفعول، وإلا لما صح الاخبار عنها بقوله قودا الخ. (وقوله: قودا الخ) والحاصل أنه إن كان المدعى به عقوبة
لآدمي، وجب رفعها للحاكم، ولا يستقل صاحب الحق باستيفائها. وإن كان عقوبة لله فلا تسمع فيها دعوى، لانتفاء حق
المدعي فيها، فالطريق في إثباتها شهادة الحسبة. وإن كان عينا أو دينا ففيه تفصيل سيذكره الشارح، وإن كان منفعة، فإن
كانت واردة على العين فهي كالعين، فله استيفاؤها منها بنفسه إن لم يخش من ذلك ضررا، ولا فلا بد من الرفع إلى
الحاكم، وإن كانت واردة على الذمة فهي كالدين، فإن كانت على غير ممتنع طالبه بها، ولا يأخذ شيئا من ماله بغير

284
مطالبة. وإن كانت على ممتنع وقدر على تحصيلها بأخذ شئ من ماله فله ذلك بشرطه. قال الرشيدي: وضابط ما تشترط
فيه الدعوى عند من ذكر كل ما لا تقبل فيه شهادة الحسبة وليس بمال. اه‍. (قوله: وجب رفعها) أي الدعوى بما ذكر،
فالضمير يعود على الدعوى بالمعنى المصدري لا بمعنى اسم المفعول. (وقوله: إلى القاضي) ومثله أمير أو نحوه ممن
يرجي الخلاص على يده، والمقصود عدم الاستقلال عميرة. اه‍. بجيرمي. (قوله: ولا يجوز للمستحق الاستقلال
باستيفائها) أي الدعوى، بمعنى المدعى به، فلو خالف واستقبل وقعت الموقع، وإن أثم باستقلاله. اه‍. ع ش. (قوله:
وكذا سائر العقود الخ) أي ومثل القود وحد القذف والتعزير في وجوب الرفع إلى القاضي وعدم جواز الاستقلال في
استيفائه سائر العقود والفسوخ. قال سم: لعله في غير العقوبة كالنكاح والرجعة، باعتبار الظاهر فقط، حتى لو عامل من
ادعى زوجيتها أو رجعيتها معاملة الزوجة جاز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، إذا كان صادقا فليراجع. اه‍. (قوله:
كالنكاح) راجع للعقود، أي فلو ادعى زوجية امرأة فلا بد في ثبوتها من الرفع إلى الحاكم. (قوله: والرجعة) أي فيما إذا
ادعى بها بعد انقضاء العدة: أي ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجعها قبلها، وإلا بأن ادعى بها قبل انقضاء العدة فلا
حاجة للدعوى والرفع للحاكم، لأنه قادر على إنشائها. اه‍. بجيرمي. وهي راجعة للعقود. (قوله: وعيب النكاح) أي
العيب الذي يثبت فسخ النكاح، فهو راجع للفسوخ، فليس للزوج أو الزوجة الاستقلال بفسخ النكاح بالعيب، بل لا بد
من الرفع إلى الحاكم. (قوله: والبيع) يحتمل أنه معطوف على النكاح المضاف إليه عيب: أي وعيب البيع: أي الذي
يثبت به فسخ البيع، فيكون راجعا للفسوخ، ويحتمل أنه معطوف على النكاح الأول: أي وكالبيع فيكون راجعا للعقود.
(قوله: واستثنى الماوردي) أي من عدم جواز الاستقلال باستيفاء حد القذف أو التعزير. (وقوله: من بعد عن السلطان)
أي أو قرب منه وخاف من الرفع إليه عدم التمكن من إثبات حقه، أو غرم دراهم فله استيفاء حقه حيث لم يطلع عليه من
يثبت بقوله وأمن الفتنة. اه‍. ع ش. (قوله: فله استيفاء الخ) أي ومع ذلك إذا بلغ الامام فله تعزيره لإفتياته عليه.
(وقوله: حد قذف أو تعزير) أي فقط فلا يستوفي القود. وقال ابن عبد السلام في آخر قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى
ينبغي أن لا يمنع من القود، ولا سيما إذا عجز عن إثباته. اه‍. (وقوله: ينبغي أن لا يمنع) أي شرعا. فيجوز له ذلك
باطنا. (قوله: وله أي للشخص) مراده به الدائن، بدليل قوله بعد من مال مدين له. فكلامه قاصر على الدين، وكان
الأولى أن يذكر كغيره العين أيضا فيقول: وله بلا فتنة أخذ عين ماله استقلالا ممن هي تحت يده، وأخذ ما هو له من مال
مدين مماطل الخ. (قوله: بلا خوف فتنة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المصدر بعده: أي له أخذ ماله حال
كون الآخذ كائنا بلا فتنة. (قوله: عليه أو على غيره) أي أنه لا فرق في خوف الفتنة بين أن تقع على الآخذ نفسه أو على
غيره. (قوله: أخذ ماله) بكسر اللام: أي حقه الذي في ذمة المدين، والمراد جنس حقه كما سيذكره. ويصح قراءته بفتح
اللام، أي الشئ الذي هو ثابت له في ذمة المدين. (قوله: استقلالا) أي من غير رفع للحاكم. (قوله: للضرورة) تعليل
لجواز الاخذ استقلالا: أي وإنما جاز له الاخذ كذلك لوجود الضرورة. قال ح ل: وهي المؤنة ومشقة الرفع إلى
الحاكم. اه‍. وإذا كان المراد بالضرورة ما ذكر كان مكررا مع قوله الآتي، ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وحينئذ
فالأولى حذف هذا التعليل اكتفاء عنه بما سيأتي. (قوله: من مال مدين) متعلق بأخذ. (وقوله: له) متعلق بمدين،
وضميره يعود على الاخذ، أي مدين للآخذ. (قوله: مقر مماطل) أي موعد له بالوفاء مرة بعد أخرى. قال في المصباح:
مطله بدينه مطلا، إذا سوقه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى. اه‍. (وقوله: به) أي بالدين. (قوله: أو جاحد له) أي منكر
للدين، وهو مقابل قوله مقر. (قوله: أو متوار) أي مختف بعد حلول الأجل خوفا أن يطالبه الدائن. (قوله: أو متعزز) أي
ممتنع من أدائه اعتمادا على القوة والغلبة. قال في المصباح: عز يعز، أي اشتد كناية عن الانفة وتعزز: أي تقوى. اه‍.

285
ولو قال كما في المنهج على ممتنع من أدائه مقرا كان أو جاحدا، لكان أخصر وأنسب بقوله الآتي ولو كان الدين على غير
ممتنع من الأداء طالبه الخ. (قوله: وإن كان على الجاحد الخ) غاية لجواز الاخذ. (قوله: أو رجا) أي
الدائن إقراره: أي المدين الجاحد. (وقوله: لو رفعه للقاضي) أي رفع دعواه عليه للقاضي. (قوله: لاذنه الخ) علة لجواز الاخذ. (قوله:
أن تأخذ) أي من مال أبي سفيان. والمصدر المنسبك منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بإذنه. (قوله: ولان في الرفع
للقاضي مشقة ومؤنة) أي في الجملة، وإلا فقد لا تكون مشقة ولا مؤنة فيه. (قوله: وإنما يجوز له) أي للدائن الظافر.
(وقوله: من جنس حقه) أي الذي مطله به أو جحده إياه. (قوله: ثم عند تعذر جنسه) أي بأن لم يوجد. (قوله: يأخذ
غيره) أي له أن يأخذ غير جنس حقه ولو أمة. ومحله إذا كان الغريم مصدقا أنه ملكه. فلو كان منكرا ذلك لم يجز له أخذه
وجها واحدا، كما في النهاية والتحفة. (قوله: ويتعين في أخذ غير الجنس) أي غير جنس حقه. (وقوله: تقديم النقد
على غيره) أي تقديم النقد، أي في الاخذ ليشتري به ما هو من جنس حقه. (قوله: ثم إن كان المأخوذ) أي المال الذي
أخذه الظافر. (قوله: يتملكه) أي بلفظ يدل على كتملكت. قال في التحفة: وظاهره كالروضة والشرحين أنه لا يملكه
بمجرد الاخذ، لكن قال جمع يملكه بمجرده، واعتمده الأسنوي وغيره. لان الشارع أذن له في قبضه فكان كإقباض
الحاكم له، وهو متجه. اه‍. (قوله: ويتصرف) أي الآخذ. (وقوله: فيه) أي في المأخوذ. (قوله: فإن كان) أي
المأخوذ. (وقوله: من غير جنسه) أي جنس حقه قال في التحفة: أو منه وهو بصفة أرفع. اه‍. (قوله: فيبيعه) أي ولا
يتملكه من غير بيع، وإن كان قدر حقه. (قوله: بنفسه) متعلق ببيع، أي ببيعه بنفسه: أي استقلالا من غير رفع للحاكم
كما يستقل بالأخذ. (قوله: لا لنفسه) أي لا يبيعه على نفسه اتفاقا. (قوله: ولا لمحجوره) قال في التحفة بعده كما هو
ظاهر. (قوله: لامتناع الخ) تعليل لعدم جواز البيع على نفسه أو محجوره. (وقوله: تولي الطرفين) أي الايجاب
والقبول. (قوله: وللتهمة) تعليل ثان. (قوله: هذا) أي محل كونه ببيعه بنفسه للغير. (قوله: وإن لم يتيسر علم القاضي
به) أي لم يسهل علم القاضي بحق الظافر الكائن تحت يد الغير. (وقوله: لعدم الخ) تعليل لعدم تيسر ذلك. (وقوله:
علمه) أي القاضي. (وقوله: لا بينة) أي موجودة تشهد بالحال. (وقوله: أو مع أحدهما) أي أو تيسر علم القاضي مع
العلم أو البينة، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة. وعبارة فتح الجواد: وباع الظافر بغير جنس حقه ولو بوكليه، ما ظفر به
حيث لم يعلم القاضي الحال ولم يكن له بينة، لتقصير المدين بامتناعه، وليس له تملكه، فإن علم القاضي لم يبع إلا
بإذنه، وكذا لو كان له بينة. ومحله كما بحثه البلقيني في الأول وقياسه الثاني حيث لا مشقة ومؤنة فوق العادة. وإلا
استقل. اه‍. وهي ظاهرة. (قوله: لكنه) أي الرفع للقاضي يحتاج إلى مؤنة ومشقة. (قوله: وإلا) أي بأن تيسر علم
القاضي، أو وجدت بينة مع وجود المشقة، أو مع وجود المؤنة. (وقوله: اشترط إذنه) أي إذن القاضي في البيع. وعبارة
شرح الروض: فإن اطلع عليه القاضي لم يبعه إلا بإذنه. قال البلقيني: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة فوق العادة،
وإلا فلا يبعد أن يستقل بالبيع كما يستقل بأخذ الجنس وغيره. اه‍. (قوله: ولا ببيعه) أي غير جنس حقه. (وقوله: إلا
بنقد البلد) أي الغالب. (قوله: ثم إن كان جنس حقه تملكه).
واعلم أن هذا من المتن في غالب النسخ، فبمقتضاه يكون اسم كان يعود على المأخوذ، ولكن الشارح تصرف فيه

286
وجعله عائدا على نقد البلد. ويوجد في بعض نسخ الخط أنه من الشارح، وعليه فعود الضمير على نقد البلد ظاهر.
(قوله: تملكه) يأتي فيه ما تقدم. (قوله: وإلا اشترى) أي وإن لم يكن نقد البلد من جنس حقه، اشترى به جنس
حقه. قال في التحفة: لا بصفة أرفع. اه‍. (قوله: وملكه) أي ما اشتراه بنقد البلد الذي ليس من جنس حقه، وظاهره أنه
يملكه بمجرد الشراء، وهو كذلك كما في التحفة. (قوله: ولو كان المدين الخ) لو شرطية جوابها قوله لم يأخذ إلا قدر
حصته. (قوله: أو ميتا) أي أو كان المدين ميتا. (وقوله: وعليه دين) أي وعلى الميت دين آخر لشخص آخر. (قوله: لم
يأخذ) أي الظافر بحقه. (وقوله: إلا قدر حصته بالمضاربة) أي قدر ما يخصه من أموال المحجور عليه أو الميت بعد
المقاسمة، وتقسيطها على أرباب الديون. (قوله: إن علمها) أي قدر حصته، وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من
المضاف إليه. (قوله: وإلا احتاط) أي وإن لم يعلم قدر حصته احتاط. قال ع ش: أي فيأخذ ما تيقن إن أخذه لا يزيد
على ما يخصه. اه‍. (قوله: وله) أي للشخص الدائن. (وقوله: الاخذ) أي ظفرا. (وقوله: من مال غريم غريمه) أي
كأن يكون لزيد على عمرو دين، ولعمرو على بكر مثله. فلزيد أن يأخذ من بكر ماله على عمرو، ويلزمه حينئذ أن يعلم
الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا، وإن أخذ كان هو الظالم، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم إذ لا فائدة فيه، ومن ثم لو خشي
أن الغريم يأخذ منه ظلما، لزمه فيما يظهر إعلامه. (قوله: وإن لم يظفر) أي الدائن الذي هو زيد في المثال. (وقوله:
بمال الغريم) أي غريم الدائن وهو بكر في المثال، فإن ظفر به لم يجز له الاخذ من مال غريم الغريم. (قوله: وجحد
غريم الغريم) يعني وكان غريم الغريم الذي هو بكر جاحدا لغريمه الذي هو عمرو، فلو كان مقرا له غير ممتنع من الأداء
لم يجز لزيد أن يأخذ منه شيئا. (قوله: جاز له) أي للآخذ بنفسه، فلو وكل بذلك أجنبيا لم يجز، فإن فعل ضمن
المباشر. قال في التحفة: ولو قيل بجواز الاستعانة به لعاجز عن نحو الكسر بالكلية لم يبعد. (قوله: كسر باب أو قفل
ونقب جدار) أي بشرط أن لا يكون ما ذكر مرهونا أو مؤجرا، ولا المحجور عليه حجر فلس. (وقوله: للمدين) متعلق
بمحذوف صفة لكل من باب وقفل وجدار. ويشترط فيه أن لا يكون صبيا أو مجنونا أو غائبا، فلا يؤخذ من مالهم إن ترتب
عليه كسر أو نقب لعذرهم، خصوصا الغائب. وإن لم يترتب على الاخذ ما ذكر جاز، وبعضهم منع الاخذ من مالهم
مطلقا. وعبارة النهاية: ويمتنع نحو النقب في غير متعد لنحو صغر. قال الأذرعي وفي غائب معذور وإن جاز الاخذ. اه‍.
(قوله: إن تعين) أي المذكور من الكسر والنقب، فإن لم يتعين ذلك لم يجز. فلو فعل ضمن. (قوله: وإن كان معه بينة)
أي يجوز له الكسر والنقب وإن كان بينة معه تشهد بالحق الذي له. قال في التحفة: وإن كان الذي له تافه القيمة، أو
اختصاصا، كما بحثه الأذرعي. اه‍. (قوله: فلا يضمنه) مفرع على جواز الكسر والنقب، وضميره يعود على المذكور
من الباب والقفل والجدار. (قوله: كالصائل) أي فإنه لو تعذر دفعه إلا بإتلاف ماله جاز، ولا يضمن. وعبارة التحفة: ولا
يضمن ما فوته، كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه. اه‍. (قوله: وإن خاف فتنة الخ) محترز قوله بلا خوف فتنة.
(وقوله: أي مفسدة) تفسير لقوله فتنة. (قوله: تفضي إلى الحرم) أي تؤدي تلك المفسدة إلى ارتكاب حرام. (وقوله:
كأخذ ماله) أي مال الآخذ الدائن لو اطلع عليه، وهو مثال للمفسدة التي تفضي إلى محرم. إذ أخذ مال الدائن حرام.
(قوله: وجب الرفع) جواب إن. (قوله: أو نحوه) أي كنائبه ومحكم وذوي شوكة. (قوله: لتمكنه) أي الدائن، وهو
تعليل لوجوب الرفع للقاضي (وقوله: من الخلاص به) أي من خلاص حقه من المدين بالقاضي. (قوله: ولو كان الدين

287
على غير ممتنع) أي على مقر غير ممتنع من الأداء، وهذا مفهوم قوله مماطل الخ. (قوله: طالبه) أي طالب الدائن مدينه
غير الممتنع. (قوله: فلا يحل أخذ شئ) أي من مال غير الممتنع من غير مطالبة. (وقوله: له) يصح تعلقه بالفعل،
ويصح بالمصدر. (قوله: لان له) أي للمدين غير الممتنع. (وقوله: الدفع من أي ماله شاء) أي بخلاف ما لو استقل
بالأخذ، فربما يأخذ شيئا لا تسمح نفس المدين به. (قوله: فإن أخذ) أي الدائن شيئا من مال غير الممتنع من أدائه.
(قوله: لزمه) أي الدائن الآخذ. (وقوله: رده) أي للمدين. (قوله: وضمنه) أي ضمان المغصوب إن تلف. (قوله: ما
لم يوجد الخ) قيد للزوم الرد والضمان. (وقوله: شرط التقاص) وهو أن يكون الذي أخذه مثل الذي له عند المدين جنسا
وقدرا وصفة. قال في المصباح: قاصصته مقاصة وقصاصا، من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك، فجعلت
الدين في مقابلة الدين. اه‍.
(قوله: فرع) الأولى فرعان لأنه ذكرهما، الأول: قوله له الاستيفاء الخ. والثاني: قوله وله جحد الخ. (قوله: له)
أي للدائن المعلوم من السياق. (وقوله: استيفاء) الحاصل صورة المسألة أن لعمرو مثلا مائتي ريال على بكر، وإحدى
المائتين عليها بينة والأخرى ليس عليها ذلك، فأدى بكر المائة التي عليها البينة من غير إطلاعها على الأداء، وأنكر المائة
التي بلا بينة، فلعمرو أن يدعي عليه بالمائة الأولى بدل الثانية، ويقيم البينة على ذلك، وإن كان قد أداها في الواقع
للضرورة. (قوله: جاحد له) أي جاحد ذلك الآخر لذلك الدين. (قوله: بشهود) متعلق باستيفاء (وقوله: دين آخر له) أي
للدائن (وقوله: عليه) أي على المدين الجاحد. (وقوله: قضى من غير علمهم) أي قضى ذلك الدين الآخر من غير علم
الشهود به. (قوله: وله جحد من جحده) يعني إذا كان لزيد مائة ريال على عمرو ولعمرو على زيد كذلك وليس عليهما
بينة، فأنكر عمرو الدين الذي عليه لزيد، فيجوز لزيد حينئذ أن يجحده أيضا. (قوله: مثل ماله) أي للجاحد. (وقوله:
عليه) أي على الدائن الأول. (قوله: فيحصل التقاص) أي فكل منهما يجعل الدين في ذمته في مقابلة الدين الذي في ذمة
الآخر. (قوله: فإن كان له) أي لمن يسوغ له الجحد. (وقوله: دون ما للآخر عليه) بأن تكون له خمسون ريالا وللجاحد
عنده مائة ريال مثلا. (وقوله: جحد) جواب إن. (وقوله: من حقه) أي حق الجاحد. (وقوله: بقدره) أي بقدر حق
نفسه، وهو في المثال المذكور خمسون ريالا. (قوله: وشرط للدعوى الخ) إعلم أنه يشترط لصحة كل دعوى سواء كانت
بدم أم بغيره، كغصب وسرقة وإتلاف مال ستة شروط: الأول أن تكون مفصلة بأن يفصل المدعي ما يدعيه، وتفصيله
يختلف باختلاف المدعى به. ففي دعوى الدم يكون التفصيل بذكر قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد، إفرادا أو شركة. وفي
دعوى نقد يكون بذكر جنسه ونوعه وقدره. وفي دعوى عين تنضبط بالصفات، كحيوان وحبوب يكون بوصفها بصفات
السلم. وفي دعوى عقار يكون بذكر جهة وبلد وسكة وحدود أربعة. وفي دعوى النكاح على حرة يكون بذكر شروطه
ورضاها إن كانت غير مجبرة، وعلى أمة يكون بما ذكر ويزيد عليه ذكر خوف العنت وفقد مهر حرة. الشرط الثاني: أن
تكون ملزمة للمدعى عليه، فلا تسمع دعوى هبة شئ أو بيعه أو الاقرار به حتى يقول وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع
أو المقر التسليم إلي. وذلك لاحتمال أن يقول الواهب، لكنك لم تقبضها بإذني، فلا يلزمه شئ. ولاحتمال أن يكون
للبائع حق الحبس، أو يكون المقر به ليس في يد المقر، فلا يلزمه التسليم إليه. الشرط الثالث: أن يعين المدعى عليه،
فلو قال قتله أحد هؤلاء لم تسمع دعواه، لابهام المدعى عليه. الشرط الرابع: أن لا تناقضها دعوى أخرى، فلو ادعى
على واحد انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر شركة فيه أو انفرادا به لم تسمع دعواه الثانية، لان الأولى تكذبها، ولا يمكن

288
من العود إلى الأولى لان الثانية تكذبها. الشرط الخامس: أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه مكلفا، ومثله
السكران. الشرط السادس: أن يكون كل منهما ملتزما للأحكام وقد نظم بعضهم هذه الشروط بقوله:
لكل دعوى شروط ستة جمعت تفصيلها مع إلزام وتعيين
أن لا تناقضها دعوى تغايرها تكليف كل ونقي الحرب للدين
وكلها تؤخذ من كلامه ما عدا التعين بعضها صراحة وبعضها ضمنا.
(قوله: حتى تسمع) أي تلك الدعوى، أي يسمعها القاضي. (وقوله: وتحوج إلى جواب) أي تحوج الخصم إلى
أن يجيب صاحب الدعوى. (قوله: بنقد) متعلق بالدعوى. (وقوله: خالص أو مغشوش) تعميم في النقد. (قوله: أو
دين) معطوف على نقد: أي وشرط للدعوى بدين. (قوله: مثلي) أي ذلك الدين، كإردب حب مسلم فيه أو مقترض.
(وقوله: أو متقوم) هو بكسر الواو معطوف على مثلي، وذلك كعبد مسلم فيه أو مقترض. (قوله: ذكر جنس) نائب فاعل
شرط، والمراد بالجنس هنا ما كثرت أفراده واختلفت صفاته لا الجنس المنطقي - كما هو ظاهر - قال في فتح الجواد: وقد
يغني النوع عنه. (قوله: من ذهب أو فضة) بيان للجنس. (قوله: ونوع) معطوف على جنس: أي وشرط ذكر نوع كأشرفي
أو ظاهري وكريال مجيدي، أو فرنساوي كجنيه فرنساوي أو مجيدي وهكذا. (قوله: وصحة وتكسر) معطوف أيضا
على جنس: أي وشرط ذكر صحة وتكسر. (وقوله: إن اختلف بهما) أي بالصحة والتكسر غرض. وعبارة الروض
وشرحه: وكذا بيان صحة وتكسر نقدان أثرا في قيمته بأن اختلفت قيمته بهما، أما إذا لم تختلف قيمة النقد بالصحة
والتكسر فلا يحتاج إلى بيانها اه‍. بحذف. (قوله: وقدر) معطوف على جنس أيضا: أي وشرط ذكر قدر كعشرة. (قوله:
كمائة درهم الخ) مثال للمستجمع للقيود ما عدا ما قبل الأخير فلم يذكره، وكان حقه أن يذكره. وعبارة شرح الروض:
كمائة درهم فضة ظاهرية، صحاح أو مكسرة. اه‍. (وقوله: أشرفية) نسبة للسلطان الأشرف. (قوله: أطالبه بها الآن)
زائد على القيود السابقة، وهو ساقط من عبارة المنهج وشرح الروض، فكان الأولى إسقاطه هنا، وإن كان هو لا بد منه لما
علمت أن من شروط الدعوى الالزام في الحال. (قوله: لان شرط الخ) علة لاشتراط ما ذكر في الدعوى بنقد أو دين: أي
وإنما شرط للدعوى بنقد أو دين، ذكر ما ذكر لان شرط الدعوى أن تكون معلومة، وهي لا تعلم إلا بذكر ذلك في المدعى
به. (قوله: وما علم الخ) هو في معنى الاستدراك على اشتراط القدر، فكان الأولى زيادة أداة الاستدراك كما في شرح
الروض. (قوله: ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش) قال في التحفة: بناء على الأصح أنه مثلي، فقول البلقيني يجب
فيه مطلقا ممنوع. اه‍. وكتب سم قوله بناء على الأصح الخ. ما نصه: قضيته اعتبار ذكر القيمة في الدين المتقوم لكن
عبر في المنهج وشرحه بقوله: ومتى ادعى نقدا أو دينا مثليا أو متقوما وجب ذكر جنس ونوع وقدر وصفة. اه‍. ولم
يتعرض لاعتبار ذكر القيمة -. (قوله: ولا تسمع دعوى) أي على المفلس. (وقوله: دائن مفلس) تركيب إضافي.
(وقوله: ثبت فلسه) أي عند القاضي. (قوله: أنه وجد مالا) المصدر المنسبك من أن واسمها وخبرها منصوب بنزع
الخافض، وهو متعلق بدعوى. والمعنى لا تسمع دعوى دائن على مفلس بأن المفلس تحصل عنده مال. (وقوله: حتى
يبين) أي الدائن المدعى. (وقوله: سببه) أي سبب وجود المال عنده. (قوله: كإرث الخ) تمثيل للسبب. (قوله:
وقدره) بالنصب معطوف على سببه، أي وحتى يبين قدر المال الذي وجد عنده، فإن لم يبين سببه وقدره لا تسمع دعواه
عليه. أما في الأول فالظاهر عدم وجود مال عنده. وأما في الثاني فلان المال يطلق على أقل متمول فلربما أنه وجد مالا

289
كما قال المدعي، إلا أنه لا يقع الموقع فلا فائدة في سماع الدعوى. (قوله: وفي الدعوى بعين) معطوف على للدعوى
بنقد، أي وشرط في الدعوى بعين، والمراد بها غير النقد، أما هو فقد تقدم ذكره. آنفا. (قوله: تنضبط بالصفات) خرج
به العين التي لا تنضبط بالصفات كالجواهر، فالمعتبر فيها ذكر القيمة. فيقول جوهرة قيمتها كذا. (قوله: كحبوب
وحيوان) تمثيل للعين التي تنضبط بالصفات، ومثل بمثالين إشارة إلى أن لا فرق في العين بين أن تكون من المثليات
كالمثال الأول، أو من المتقومات كالمثال الثاني. (قوله: ذكر صفة نائب) فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعين.
وأفهم إطلاقه اشتراط ذكر الصفة في المتقوم، وهو كذلك عند حجر. وعند م ر يجب في المثلي، ويندب في المتقوم مع
وجوب ذكر القيمة فيه. (قوله: بأن يصفها) أي العين المدعى بها. (وقوله: بصفات سلم) أي لأنها لا تتميز التميز الكامل
إلا بها، وذلك بأن يذكر في الرقيق نوعه كحبشي أو رومي، وذكورته أو أنوثته، وقده طولا أو قصرا، ولونه كأبيض. ويذكر
في الثوب الجنس كقطن أو كتاب أو حرير، والنوع كقطن عراقي، والطول والعرض وهكذا. وقد تقدم تفصيل ذلك في
باب السلم. (قوله: ولا يجب ذكر القيمة) أي قيمة العين اكتفاء بذكر صفات السلم. (قوله: فإن تلفت العين الخ) مقابل
لمحذوف، أي هذا إن بقيت العين، فإن تلفت الخ. ومثل التالفة ما إذا غابت عن البلد، فيجب ذكر القيمة في المتقوم،
ولا يجب ذكر الصفات كما صرح بذلك في التحفة في فصل في غيبة المحكوم به، ونص عبارتها مع الأصل: ويبالغ
وجوبا المدعي في الوصف للمثلي، ويذكر القيمة في المتقوم وجوبا، إذ لا يصير معلوما إلا بها، أما ذكر قيمة المثلي
والمبالغة في وصف المتقوم فمندوبان كما جريا عليه هنا. وقولهما في الدعاوي يجب وصف العين بصفات السلم دون
قيمتها مثلية كانت أو متقومة، محمول على عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم. اه‍. (قوله: وجب ذكر
القيمة مع الجنس) أي ولا يجب ذكر بقية الصفات، لان القيمة هي الواجبة عند التلف، فلا حاجة لذكر شئ من الصفات
معها. (قوله: (قوله: وفي الدعوى بعقار) معطوف على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بعقار. (وقوله: ذكر
جهة) نائب فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعقار، والجهة كالحجاز أو الشام. (وقوله: ومحلة) أي وذكر محلة،
- وهي بفتحتين وتشديد اللام المفتوحة - المعبر عنها بالحارة. (وقوله: وحدود أربعة) أي وذكر حدود أربعة وهي
- الشرق والغرب والشام واليمن -، وبقي عليه ذكر البلد والسكة، أي الزقاق، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته. وعبارة
الروض وشرحه: ويبين في دعوى العقار الناحية والبلدة والمحلة والسكة والحدود الأربعة، وأنه في يمنة داخل السكة أو
يسرته أو صدرها ذكره البلقيني ولا حاجة لذكر القيمة. اه‍. (قوله: فلا يكفي ذكر ثلاثة منها) أي من الحدود. (وقوله: إذا
لم يعلم) أي العقار، وهو قيد في عدم الاكتفاء بذلك. (قوله: فإن علم بواحد منها) أي من الحدود الأربعة. (وقوله:
كفى) أي ذكر ذلك الواحد. (قوله: بل لو أغنت شهرته) أي العقار، كأن وضع له اسم لا يشاركه فيه غيره، كدار الندوة
بمكة. (وقوله: عن تحديده) أي بالحدود الأربعة. (وقوله: لم يجب) أي التحديد. (قوله: وفي الدعوى بنكاح)
معطوف أيضا على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بنكاح. (وقوله: على امرأة) متعلق بالدعوى، وهي ليست
بقيد، بل مثلها الرجل، فلو ادعت زوجية رجل وذكرت ما يأتي من الصحة وشروط النكاح، فأنكر فحلفت اليمين
المردودة، ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له إصابتها، لان إنكار النكاح ليس بطلاق، قاله الماوردي. وحل إصابتها
يكون ظاهرا لا باطنا إن صدق في الانكار. (قوله: ذكر صحته) أي النكاح، وهو نائب فاعل شرط المقدر أيضا. (وقوله:
وشروطه) أي النكاح، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، ويصفهم بالعدالة، ويصف المرأة بالرضا
إن كانت غير مجبرة. قال في شرح الروض: ولا يشترط تعيين الولي والشاهدين، ولا التعرض لعدم الموانع، لان الأصل

290
عدمها ولكثرتها. اه‍. وإنما شرط الجمع بين ذكر الصحة وذكر الشرط مع أن كل واحد منهما يستلزم الآخر احتياطا في
النكاح. (قوله: من نحو ولي الخ) بيان للشروط، ودخل تحت نحو السيد الذي يلي نكاح الأمة. (وقوله: عدول) صفة
لكل من ولي وشاهدين. (قوله: ورضاها) معطوف على نحو ولي من عطف الخاص على لعام، ولو قال كرضاها تمثيلا
لنحو ما ذكر لكان أولى. (وقوله: إن شرط) أي الرضا. (وقوله: بأن كانت غير مجبرة) تصوير لشرط الرضا. قال في
التحفة: أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل لمزوجها من أب أو جد، أو لعلمها به إن ادعى عليها. اه‍.
(وقوله: بل لمزوجها الخ) أي بل يتعرض له أو لما بعده بأن يقول نكحتها من أبيها أو جدها، أو هي عالمة به. (قوله: فلا
يكفي فيه) أي في دعوى النكاح، وذكر الضمير مع أن المرجع مؤنث لاكتسابه التذكير من المضاف إليه. (وقوله:
الاطلاق) أي بأن لم يتعرض للشروط، وقيل يكفي ذلك، ويكون التعرض لذلك مستحبا، كما اكتفى به في دعوى
استحقاق المال، فإنه لا يشترط فيه ذكر السبب بلا خلاف، ولأنه ينصرف إلى النكاح الشرعي، وهو ما وجدت فيه
الشروط. اه‍. نهاية.
تنبيه: يستثنى من عدم الاكتفاء بالاطلاق على المعتمد أنكحة الكفار، فيكفي في الدعوى بها أن يقول هذه
زوجتي، وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الاسلام ذكر ما يقتضي تقريره. وأفاده المغني.
(قوله: فإن كانت الزوجة أمة وجب) أي زيادة على ما مر. (وقوله: ذكر العجز الخ) أي ذكر ما يبيح له نكاح الأمة
من الشروط التي ذكرها، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، وإني عاجز عن مهر حرة، وخائف
العنت، وليس تحتي زوجة حرة. (قوله: وفي الدعوى بعقد مالي) معطوف على للدعوى بنقد أيضا: أي وشرط في
الدعوى بعقد مالي، أي يتعلق بالمال. (وقوله: كبيع وهبة) تمثيل له. (وقوله: ذكر صحته) أي العقد وهو نائب فاعل
شرط المقدر كالذي قبله. (قوله: ولا يحتاج إلى تفصيل) أي ولا يحتاج العقد المالي: أي الدعوى به إلى تفصيل بذكر
شروطه، بل يكفي فيه الاطلاق، وقيل يشترط فيه ذلك كأن يقول بعته إياه بيعا صحيحا بثمن معلوم، ونحن جائزا التصرف
وتفرقنا عن تراض. (قوله: كما في النكاح) تمثيل للمنفي، فإنه يحتاج فيه إلى التفصيل كما مر. (وقوله: لأنه) أي
النكاح، وهو علة لكون النكاح يحتاج فيه إلى التفصيل. (وقوله: أحوط حكما منه) أي من العقد المالي، وكان المناسب
في العلة أن يقول: لأنه دون النكاح في الاحتياط. (قوله: وتلغو الدعوى بتناقض) أي بوجود تناقض: أي مناقض لها،
وذلك كأن يدعي شخص على إنسان أنه قتل مورثه وحده، ثم يدعي ثانيا ويقول قتله آخر وحده أو مع الأول، فلا تسمع
الثانية لمناقضتها الأولى، ولا يمكنه الرجوع إلى الأولى لمناقضتها الثانية. ومحل إلغاء ما ذكر إذا لم يحصل إقرار من
المدعى عليه حينئذ، فيؤاخذ مدعى عليه مقر صدقه المدعي في إقراره بمضمون الأولى أو الثانية لان الحق لا يعدوهما،
وغلط المدعي في الأخرى محتمل. (قوله: فلا يطلب الخ) تفريع على إلغائها. (قوله: كشهادة) أي كإلغاء شهادة
خالفت الدعوى، فالكاف للتنظير. (قوله: كأن ادعى الخ) تمثيل لالغاء الشهادة، ولم يمثل لالغاء الدعوى وقد علمته.
(وقوله: بسبب) أي كإرث مثلا. (قوله: فذكر الشاهد سببا آخر) أي كهبة. (قوله: فلا تسمع) أي الشهادة (قوله:
لمنافاتها) أي الشهادة. (وقوله: الدعوى) مفعول المصدر، أو منصوب بإسقاط الخافض. (قوله: وقضيته) أي التعليل.
(وقوله: أنه) أي الشاهد. (وقوله: لو أعادها) أي الشهادة. (وقوله: قبلت) أي الشهادة. قال في التحفة: وينبغي تقييده
بمشهور بالديانة إعتيد، نحو سبق لسان أو نسيان. اه‍. (قوله: وبه صرح الخ) أي وبقبول الشهادة المعادة، صرح الشيخ

291
إسماعيل الحضرمي. (قوله: ولا تبطل الدعوى بقوله) أي المدعي. (وقوله: شهودي فسقة الخ) الجملة مقول القول.
وخرج بالدعوى نفس البينة، فتبطل بقوله المذكور ولا تقبل. قال في الروض وشرحه: ومن كذب شهوده سقطت بينته
لتكذيبه لها لا دعواه، لاحتمال كونه محقا فيها، والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون، وفي مثله قال الله تعالى: *
(والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *. اه‍. (قوله: فله إقامة الخ) مفرع على عدم بطلان
الدعوى: أي وإذا لم تبطل الدعوى فله إقامة بينة أخرى: أي غير بينته الأولى، أما هي فلا تقبل ثانيا ما لم تحصل توبة
وتمضي مدة الاستبراء، وإلا قبلت - كما في البجيرمي - نقلا عن سم. ونص عبارته: ولو قال شهودي فسقة أو عبيد ثم
جاء بعد، فإن مضت مدة استبراء أو عتق قبلت شهادتهم. وإلا فلا. اه‍. (قوله: والحلف) هكذا في التحفة. وانظر ما
المراد به؟ فإن كان المراد أن له إقامة البينة مع الحلف فانظر لأي شئ يحلف؟ وإن كان المراد أن له إقامة البينة وله
الحلف بمعنى أنه مخير بينهما فلا يصح إذ لا يقبل منه حلف فقط، وإن كان المراد به حلف النكول بأن قال القاضي
للخصم بعد عجز المدعي عن الاتيان بالبينة أحلف، فأبى الخصم ذلك صح، ولكنه بعيد من كلامه. فتأمل. (قوله:
ومن قامت عليه بينة) أي شهدت عليه بينة. (قوله: بحق) أي بثبوت حق عنده، والجار والمجرور متعلق بقامت. (قوله:
ليس له) أي لمن قامت عليه البينة. (وقوله: تحليف المدعي) أي على من قامت عليه البينة بحق. (وقوله: على
استحقاق ما ادعاه) متعلق بتحليف. (وقوله: بحق) هو ضد الباطل، وهو متعلق باستحقاق: أي ليس لمن قامت عليه
البينة أن يحلف المدعي بأن ما ادعى به عليه يستحقه بحق. (قوله: لأنه) أي التحليف، وهو علة لقوله ليس له الخ.
(وقوله: تكليف حجة) هي اليمين، وهي حجة في الجملة. (وقوله: بعد حجة) هي البينة. (قوله: فهو الخ) أي تحليف
المدعي مع إقامة البينة كالطعن في الشهود، أي القدح فيهم، وهو ممتنع فكذلك التحليف بعد إقامة البينة. ممتنع، وهذا
تعليل ثان لقوله ليس الخ. وعبارة النهاية: لأنه كالطعن في الشهود، ولظاهر قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين) *.
اه‍. (قوله: نعم له تحليف الخ) استثناء من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا
إن ادعى المدين أنه معسر وأقام بينة على إعساره، فللدائن تحليفه بأنه ليس عنده مال، لاحتمال أن يكون له مال باطنا.
(قوله: بإعساره) تنازعه كل من تحليف والبينة. (قوله: لجواز الخ) علة لكون الدائن له أن يحلف المدين. (وقوله: مالا
لا باطنا) أي لم تطلع عليه البينة. (قوله: ولو ادعى الخ) هذا استثناء أيضا من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال
يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى الخصم بعد إقامة البينة عليه أنه أدى الدائن حقه وأن الدائن أبرأه منه أو غير
ذلك، فله أن يحلفه على نفي ما ادعاه. (قوله: خصمه) أي خصم الدائن، وهو المدين. (قوله: مسقطا له) أي للحق.
(قوله: كأداء الخ) تمثيل للمسقط. (وقوله: له) أي للحق، وكذا ضمير منه بعد. وفي المغني ما نصه: يستثني من إطلاق
المصنف الأداء ما لو قال الأجير على الحج قد حججت، فإنه يقبل قوله ولا يلزمه بينة ولا يمين. قاله الدبيلي. اه‍.
(قوله: أو شرائه) بالجر عطف على أدائه: أي وكشرائه: أي الحق منه: أي من المدعي، وذلك بأن يدعي عليه بعبد مثلا
في ذمته ويقيم البينة على ذلك، فيقول الخصم قد اشتريته منك. (قوله: فيحلف) يصح قراءته بالبناء للمجهول، فيكون
بضم الياء وفتح الحاء وتشديد اللام المفتوحة، وضميره يعود على الدائن المدعى عليه بالأداء ونحوه. ويصح قراءته
بالبناء للمعلوم، فيكون بفتح الياء وسكون الحاء وكسر اللام. والمناسب الأول. (وقوله: على نفي ما ادعاه الخصم) أي



(1) سورة المنافقون، الآية: 1.
(2) سورة البقرة، الآية: 282.
292
بأن يقول والله ما تأديت منه الحق ولا أبرأته ولا بعته عليه. (قوله: لاحتمال ما يدعيه) تعليل لكونه يحلف، ومحل تحليفه
على نفي ذلك إن ادعى الخصم ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه، وإلا فلا يلتفت لدعواه كذا في
شرح المنهج. (قوله: وكذا لو ادعى الخ) أي وكذلك يحلف على نفي ما ادعاه لو ادعى الخ وهو مستثنى مما مر أيضا.
(وقوله: علمه) مفعول ادعى، وضميره يعود على من ادعى عليه بحق دائنا أو غيره. (وقوله: بفسق شاهده) أي الذي
أقامه شاهدا على حقه، وهو مفرد مضاف فيعم فيشمل الشاهدين. (وقوله: أو كذبه) أي أو علمه بكذبه، فهو بالجر
معطوف على بفسق. وعبارة الروض وشرحه: وإن ادعى علمه بفسق الشهود أو كذبهم، فله تحليفه أنه لا يعلم ذلك لأنه
لو أقر به لنفعه، وكذا إن ادعى عليه بكل ما لو أقر به لنفعه، كأن ادعى إقراره له بكذا: أي بالمدعي به الخ. اه‍. (قوله:
ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يجوز تحليف القاضي ولا الشهود، وإن كان ينفع
الخصم تكذيبهما أنفسهما لما مر أن منصبهما يأبى التحليف. اه‍. (قوله: ادعى) أي الخصم. (وقوله: كذبه) أي
الشاهد في شهادته، أو القاضي في حكمه. وعبارة متن المنهاج: ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد
أنه لم يكذب. اه‍. (قوله: لأنه) أي توجه الحلف عليهما، وهو علة لقوله ولا يتوجه. (وقوله: يؤدي إلى فساد عام) أي
وهو ضياع حقوق الناس، وذلك لان التحليف كالطعن في الشهادة أو في الحكم، وليس هناك أحد يرضى الطعن في
شهادته أو في حكمه، فإذا علم الشاهد أو القاضي أنه يحلف، امتنع الأول من الشهادة والثاني من الحكم، فيؤدي ذلك
إلى ضياع حقوق الناس، وهذا فساد عام. هذا ما ظهر في معنى الفساد العام. (قوله: ولو نكل) أي مقسم البينة من
الحلف، وهو مرتبط بالصور الثلاث: أعني قوله: نعم له تحليف الخ. وقوله: لو ادعى خصمه الخ. وقوله: وكذا لو ادعى
الخ. ومقيم البينة في الصورة الأولى المدين المعسر، وفي الصورتين الباقيتين المدعي بحق دائنا كان أو غيره. (قوله:
حلف المدعى عليه) أي اليمين المردودة، والمدعى عليه في الصورة الأولى الدائن، وذلك لان المدين يدعي بأنه معسر
فطلب الدائن منه اليمين ونكل منها، فيحلف الدائن حينئذ اليمين المردودة، ولا تسمع بينة الاعسار. وفي الصورتين
الباقيتين من عليه الحق. (وقوله: بطلت الشهادة) أي بالاعسار في الصورة الأولى، وبثبوت الحق في ذمة المدين في
الصورتين الباقيتين. (قوله: وإذا طلب الامهال) أي من القاضي. (قوله: من قامت عليه البينة) من اسم موصول فاعل
طلب، والجملة بعده صلة الموصول. (قوله: أمهله القاضي) أي أمهل من طلب منه الامهال. (قوله: لكن بكفيل) أي
لكن يمهله بشرط أن يأتي بكفيل عليه يحضره إذا هرب. (قوله: وإلا) أي وإن لم يأت بكفيل. (وقوله: فبالترسيم عليه)
أي فيمهله مع الترسيم عليه: أي المحافظة عليه من طرف القاضي. (قوله: إن خيف هربه) راجع لأصل الاستدراك كما
في الرشيدي. (قوله: ثلاثة) مفعول في لأمهل، أو نائب عن المفعول المطلق: أي إمهالا ثلاثة أيام. (قوله: ليأتي) أي
من طلب الامهال، وهو علة طلبه إياه. أي طلب الامهال لأجل أن يأتي الخ. (وقوله: بدافع) أي بينة دافع، فهو على
حذف مضاف، إذ المأتي به البينة لا الدافع الذي بينه بقوله من نحو أداء أو إبراء، ويجب استفساره الدافع إن لم يفسره
وكان جاهلا لأنه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا، بخلاف ما إذا كان عارفا. (قوله: ومكن من سفره) أي إن احتاج في إثباته
إليه. (وقوله: ليحضره) أي الدافع: أي بينته كما علمت. (قوله: إن لم تزل المدة) أي مدة السفر، وهو قيد لتمكينه من
السفر. (وقوله: على الثلاثة) أي التي هي مدة الامهال، فإن كانت تزيد عليها لا يمكن منه. وفي البجيرمي:
فرع: لو قال لي بينة في المكان الفلاني والامر يزيد على الثلاثة فمفهوم كلامهم عدم الامهال، فلو قضى عليه ثم
أحضرها بعد الثلاثة أو قبلها سمعت. عميرة شوبري. اه‍.

293
(قوله: لأنها) أي الثلاث لا يعظم الضرر فيها، وهو تعليل لكونه يمهل ثلاثة من الأيام. قال في التحفة: ولو أحضر
بعد الثلاث شهود الدافع، أو شاهدا واحدا، أمهل ثلاثا أخرى للتعديل أو التكميل، كما صرح به الماوردي، لكن ضعفه
البلقيني. ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل، أو أثنائها أمهل
بقيتها. اه‍. (وقوله: ولو عين جهة) أي للدفع، كأداء أو إبراء. (قوله: ولو ادعى) أي شخص. (وقوله: رق) مفعول
ادعى. (قوله: مجهول النسب) خرج به ما إذا علم نسبه، فلا تسمع دعوى الرق عليه أصلا. (قوله: فقال) أي البالغ
العاقل المدعى عليه في الرق. (قوله: أنا حر أصالة) أي لا يضرب علي الرق أصلا. وفي سم وقع السؤال عما لو كانت
أمه رقيقة وقال أنا حر الأصل، فهل يقبل قوله بيمينه أيضا، لاحتمال حرية الأصل مع ذلك بنحو وطئ شبهة يقتضي
الحرية. أو لا بد من بينة لان الولد يتبع أمه في الرق، فالأصل في ولد الرقيقة هو الرق، وفيه نظر. ولعل الأوجه الثاني،
وبه أفتى م ر متكررا، ويؤيده تعليلهم بموافقة الأصل وهو الحرية، إذ لا يقال في ولد الرقيقة أن الأصل فيه الحرية. اه‍.
(قوله: ولم يكن) أي المدعى عليه بالرق. (وقوله: قد أقر له) أي لمدعي الرق، أي أو لغيره. وعبارة شرح الروض ولم
يسبق منه إقرار برق اه‍. وهي أولى. (وقوله: قبل) أي قبل قوله أنا حر أصالة. وخرج به ما لو أقر بالرق ثم ادعى حرية
الأصل فلا تسمع دعواه بها، كما صرح به في التحفة قبيل باب الجعالة. وفي شرح الروض وخرج ما لو قال أنا عبد فلان،
فالمصدق السيد لاعتراف العبد بالرق، وأنه مال ثبتت عليه اليد، واليد عليه للسيد فلا تنتقل بدعواه. اه‍. (وقوله: وهو
رشيد) الجملة الحالية، أي لم يكن قد أقر به في حال كونه رشيدا، وفي التقييد به خلاف. ولذلك قال في التحفة: وهو
رشيد على ما مر قبيل الجعالة، ونص عبارته هناك، وإن أقر به أي الرق، وهو المكلف. وعن ابن عبد السلام ما يقتضي
اعتبار رشده أيضا، وظاهر كلامهم خلافه. اه‍. وكتب سم قوله اعتبار رشده قد يؤيده أنه إقرار بمال وشرطه الرشد، اللهم
إلا أن يمنع أن الاقرار بالرق ليس من الاقرار بالمال، وإن ترتب عليه المال. اه‍. (قوله: حلف) أي مدعي الحرية.
(قوله: فيصدق بيمينه) أي إن لم يأت مدعي الرق ببينة، وإلا قدمت. (قوله: وإن استخدمه) أي إستخدم مدعي الرق
مدعي الحرية، وهو غاية لتصديق الثاني بيمينه. (قوله: قبل إنكاره) أي إنكار مدعي الحرية الرق، وهو لا مفهوم له كما
هو ظاهر. (قوله: أو تداولته الأيدي) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي وإن تداولته الأيدي: أي استعملته الأيدي
بأن صار ينتقل من يد إلى يد أخرى على سبيل الاستخدام، أو الإجارة، أو البيع. (قوله: لموافقته الأصل) تعليل لقوله
فيصدق بيمينه، وعبارة شرح الروض: صدق بيمينه وإن تداولته الأيدي وسبق من مدعي رقه قرينة تدل على الرق ظاهرا،
كاستخدام وإجارة قبل بلوغه لان اليد والتصرف إنما يدلان على الملك فيما هو مال في نفسه، وهذا بخلافه لان الأصل
الحرية. اه‍. (قوله: وهو) أي الأصل الحرية. (قوله: ومن ثم) أي من أجل أن الأصل الحرية. (وقوله: قدمت بينة
الرق) أي البينة المثبتة للرق. (وقوله: على بينة الحرية) أي البينة المثبتة للحرية. (قوله: لان الأولى الخ) علة للمعلل
مع علته: أي وإنما قدمت بينة الرق لكون الأصل الحرية، لان مع بينة الرق زيادة علم: أي علم بينة الحرية، وبيان ذلك
أن بينة الحرية إنما علمت بالأصل فقط وهو الحرية، وبينة الرق علمت به وبطرو الرق عليها فعلمها يزيد على علم الأولى
بذلك. (وقوله: بنقلها عن الأصل) الضمير يعود على البينة، والباء سببية متعلقة بزيادة: أي وإنما كان معها زيادة علم
بسبب انتقالها عن الأصل الذي هو الحرية، وشهادتها بخلافه وهو الرق الذي يطرأ غالبا على الحرية. (قوله: وخرج
بقولي أصالة) أي من قوله أنا حر أصالة. (قوله: ما لو قال) أي مدعي الحرية الرق. (وقوله: أعتقتني الخ) مقول القول.
(قوله: فلا يصدق إلا ببينة) أي لا يصدق مدعي العتق إلا ببينة يقيمها عليه، لان الأصل عدمه. (قوله: وإذا ثبتت حريته

294
الأصلية) مثله ما لو ثبتت حريته العارضة بالعتق بالبينة، فيرجع المشتري على بائعه. (قوله: بقوله) أي بقوله أنا حر
أصالة: أي مع اليمين كما هو ظاهر. (قوله: رجع الخ) جواب إذا. (قوله: وإن أقر) أي المشتري له. أي للبائع بالملك
وهو غاية للرجوع بالثمن. (قوله: لأنه) أي المشتري المقر وهو علة لمقدر: أي فلا يضر إقراره لأنه الخ. (وقوله: بناه)
أي الملك. (وقوله: على ظاهر اليد) أي على ظاهر كونه تحت يده وتصرفه، فإن الذي يظهر من ذلك أنه ملكه. (قوله:
أو ادعى) معطوف على مدخول لو، فهي مسلطة عليه أيضا، أي ولو ادعى شخص رق صبي أو مجنون. (وقوله: كبير)
صفة لمجنون. (قوله: ليس) أي من ذكر من الصبي والمجنون. (وقوله: في يده) أي في قبضته وتصرفه. والضمير يعود
على مدعي الرق. (قوله: وكذبه) أي كذب المدعي صاحب اليد: أي بأن قال له أنه ليس برقيق، وهذا إذا كان في يد غيره، وإلا فقد يكون ليس في يد
أحد والحكم واحد. (قوله: لم يصدق) أي مدعي الرق. (قوله: من بينة) هو مع ما بعده
بيان للحجة. (وقوله: أو يمين مردودة) أي من صاحب اليد. (قوله: لان الأصل عدم الملك) أي ولا يترك هذا الأصل إلا
بحجة. (قوله: فلو كان الصبي بيده) أي مدعي الرق. (وقوله: وصدقه صاحب اليد) إظهار في مقام الاضمار، وهو
محترز قوله وكذبه صاحب اليد. (قوله: حلف) أي مدعي الرق، أي يحكم له به باليمين. (قوله: لخطر شأن الحرية)
تعليل للحلف. (قوله: ما لم يعرف لقطه) أي يحلف ويصدق به ما لم يعلم لقط صاحب اليد له، فالضمير يعود على
صاحب اليد مطلقا، سواء كان هو مدعي الرق أم لا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، ويصح أن يعود على المدعى
عليه بالرق، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل. (قوله: ولا أثر لانكاره) أي المدعى عليه بالرق إذا
بلغ. نعم: إن أتى ببينة صدق بها. (قوله: فإن عرف لقطه) محترز قوله ما لم يعرف لقطه. (قوله: لم يصدق) أي من
ادعى الرق سواء كان هو الملتقط أو من كان تحت يده كما مر. (وقوله: إلا ببينة) أي لان اللقيط محكوم عليه بالحرية
ظاهرا فلا يزال عنها إلا بمستند قوي وهو البينة. (قوله: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل) قال في النهاية: إلا إن كان بعضه
حالا وادعى بجميعه ليطالبه بما حل سمعت. اه‍. (قوله: إذ لم يتعلق بها) أي بدعوى الدين المؤجل. (وقوله: إلزام
ومطالبة في الحال) أي ومن شرط الدعوى كما تقدم أن تكون ملزمة المدعى عليه بالمدعى به في الحال. (قوله ويسمع
قول البائع المبيع وقف الخ) أي إذا باع عينا ثم ادعى الوقفية وأن البيع باطل، سمعت دعواه. والمراد بسماعها بالنسبة
لتحليف الخصم أنه باعه وهي ملكه. وفائدة ذلك أنه ربما ينكل فيحلف البائع بأنها ليست ملكا وإنما هي وقف، ويبطل
البيع وهذا إن لم يكن عنده بينة، وإلا عمل بها، ولا تحليف كما هو ظاهر. (قوله: وكذا ببينة) لعل الباء زائدة من
النساخ: أي وكذا تسمع بينة أيضا إن وجدت. (وقوله: إن لم يصرح حال الخ) قيد لقوله وكذا ببينة: أي وكذا تسمع إن
لم يصرح البائع حال البائع بأنها ملكه بأن اقتصر على البيع ولم يذكر شيئا. (قوله: وإلا سمعت الخ) أي وإلا لم يصرح،
بأن صرح حال البيع بأنها ملكه ثم ادعى الوقفية سمعت دعواه فقط، أي ولم تسمع بينته، ولو قال وإلا لم تسمع بينته
وسمعت دعواه الخ لكان أنسب. (وقوله: لتحليف الخ) هذا ثمرة سماع دعواه: أي سمعت دعواه لأجل تحليف الخصم
أنه باعه والمبيع ملك له لا وقف، فإن حلف استمر البيع على صحته، وإلا بأن نكل حلف البائع وبطل البيع وثبتت
الوقفية، وما ذكرته من الحل المذكور هو مقتضى صنيعه كالتحفة، ويؤيده عبارة الأنوار ونصها: ولو ادعى البائع أنه وقف
قال القفال: لا تسمع بينته والتقييد بها يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه، وقال العراقيون تسمع إذا لم يصرح بأنه ملكه

295
بل اقتصر على البيع. اه‍. وقوله تسمع: أي البينة. وجرى في الروض وشرحه على أنه إذا لم يصرح بأنها ملكه سمعت
دعواه وبينته، وإذا صرح بذلك لم تسمع دعواه، ولا بينته وعبارتهما: ولو ادعى البائع وقفها ولم يكن قال حين البيع هي
ملكي سمعت دعواه للتحليف وبينته وإلا: أي وإن قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته، وتقييد سماع دعواه بكونه لم يقبل
ذلك من زيادته أخذا من المسألة الآتية، وظاهر أن محل عدم سماعها فيهما إذا لم يذكر تأويلا. ولو قال البائع للمشتري
منه بعتك وأنا لا أملكها والآن قد ملكتها، ولم يكن قال حين البيع هي ملكي، سمعت دعواه وبينته. فإن لم يكن له بينة
حلف المشتري أنه باعه إياها وهي ملكه، وإن كان قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته. اه‍. وقوله إذا لم يذكر تأويلا: أي
لقوله أولا هي ملكي، ثم قوله ثانيا هي وقف، فإن ذكر تأويلا سمعت دعواه وبينته، والتأويل مثل أن يبيعه ظانا أنها ملكه
لكونه ورثها لم يعلم أن مورثه أوقفها، ثم يتبين له بعد البيع أنه قد وقفها فتسمع دعواه الوقفية وبينتها، والله سبحانه وتعالى
أعلم.

296
فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به
لما أنهى الكلام على بيان كيفية الدعوى شرع في بيان كيفية الجواب وما يكفي منه وما لا يكفي. والجواب شيئان:
إما إقرار أو إنكار. (وقوله: وما يتعلق به) أي بالجواب، وهو اليمين أو النكول.
(قوله: إذا أقر المدعى عليه) أي بالحق للمدعي، أي وكان ممن يصح إقراره. (قوله: ثبت الحق) أي عليه
للمدعي. (وقوله: بلا حكم) أي من غير افتقار لحكم بخلاف ما إذا ثبت بالبينة فيفتقر إليه، لان قبولها يفتقر إلى نظر
واجتهاد. (قوله: وإن سكت) أي المدعى عليه. (وقوله: عن الجواب) أي للدعوى الصحيحة، وهو عارف أو جاهل،
أو حصلت له دهشة، وأعلم أو نبه فلم يمتثل. وإعلامه أو تنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب. (قوله: وأمره
القاضي به) أي بالجواب بأن يقول له أجبه. (قوله: وإن لم يسأل المدعي) غاية في أمر القاشي له به: أي يأمره بذلك وإن
لم يطلب المدعي من القاضي ذلك. (قوله: فإن سكت) أي فإن استمر على السكوت عن الجواب بعد أمر القاضي
فكمنكر: أي فحكمه كحكم المنكر للمدعى به. (وقوله: فتعرض عليه اليمين) بيان لذلك الحكم. قال في الروض
وشرحه: ويستحب عرضها - أي اليمين - على الناكل ثلاثا وعرضها على ساكت عنها آكد من عرضها على الناكل. اه‍.
(قوله: فإن سكت) المراد به هنا السكوت عن الحلف بعد أن عرض عليه، وليس المراد السكوت عن الجواب، وإلا كان
مكررا مع قوله أولا فإن سكت فكمنكر. (وقوله: أيضا) أي كما أنه سكت أولا عن الجواب. (قوله: ولم يظهر سببه) أي
سبب السكوت من جهل أو دهشة، والفعل يقرأ بالبناء للمعلوم وما بعد فاعله. (قوله: فنأكل) أي فكنأكل: أي ممتنع عن
الحلف. قال في الروض وشرحه: والسكوت عن الحلف بعد الاستحلاف لا لدهش ونحوه كغباوة نكول، كما أن
السكوت عن الجواب في الابتداء إنكار هذا مع الحكم به: أي بالنكول ليرتب عليه رد اليمين بخلاف ما لو صرح
بالنكول، فإنه يردها وإن لم يحكم به، وبخلاف السكوت لدهش أو نحوه ليس نكولا، وليس للقاضي أن يحكم بأنه
نكول. اه‍. (قوله: فيحلف المدعي) أي اليمين المردودة ويثبت بها الحق، وهو تفريع على قوله فنأكل. (قوله: وإن
أنكر الخ) مقابل قوله وإن سكت، وهو دخول أيضا على قوله فإن ادعى الخ. (قوله: اشترط) أي لصحة إنكاره. (وقوله:
إنكار ما ادعي عليه) أي به فالعائد على ما محذوف. (وقوله: وأجزائه معطوف على ما) أي وإنكار أجزاء ما ادعى عليه
به. (وقوله: إن تجزأ) أي إن كان له أجزاء كالعشرة الآتية. (قوله: فإن ادعى الخ) تفريع على قوله وإن أنكر اشترط الخ.
(قوله: لم يكف في الجواب) أي على سبيل الانكار. (وقوله: لا تلزمني العشرة) فاعل يكفي قصد لفظه: أي لم يكف
هذا اللفظ. (وقوله: حتى يقول ولا بعضها) أي فإذا قال ذلك مع قوله أولا لا تلزمني العشرة كفى في الجواب. (قوله:
وكذا يحلف) أي ومثل الجواب المذكور يكون الحلف، فلا يكفي أن يحلف على العشرة حتى يقول ولا بعضها. (قوله:

297
إن توجهت اليمين عليه) أي بأن لم توجد بينة من المدعي. (قوله: لان مدعيها الخ) علة لعدم الاكتفاء في الجواب وفي
الحلف بقوله لا تلزمني العشرة حتى الخ. (وقوله: لكل جزء منها) أي من العشرة. (قوله: فلا بد أن يطابق الخ) أي وإنما
يطابقانها إن نفى المدعى عليه كل جزء منها. (وقوله: دعواه) أي دعوى المدعي. (قوله: فإن حلف) أي المدعى عليه
على نفي العشرة بأن قال والله ليس له عندي عشرة دراهم. (قوله: واقتصر عليه) أي على نفي العشرة ولم يزد عليها لفظ
ولا بعضها. (وقوله: فنأكل) أي فهو نأكل. (وقوله: عما دونها) أي عن الحلف عما دون العشرة، وفي هذه العبارة بعض
إجمال، لأنه لا يكون ناكلا بمجرد حلفه على نفي العشرة، بل لا بد بعد هذا الحلف أن يقول له القاضي هذا غير كاف قل
ولا بعضها، فإن لم يحلف كذلك فنأكل عما دونها. (قوله: فيحلف المدعي الخ) أي من غير تجديد دعوى، وهو تفريع
على النكول عما دونها: أي وإذا كان ناكلا عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة، ويأخذ ما حلف
عليه، وهو الجزء الذي دون العشرة وإن قل. (قوله: لان النكول عن اليمين) عبارة التحفة. لما يأتي أن النكول مع اليمين
كالاقرار. اه‍. فلعل عن في كلامه بمعنى مع، وإلا فمجرد النكول ليس كالاقرار. (قوله: أو ادعى مالا) عطف على قوله
ادعى عليه عشرة. (قوله: مضافا لسبب) أي متعلقا بسبب كالقرض والايداع. (قوله: كفاه في الجواب لا تستحق الخ)
أي كفاه في الجواب أن يقول ما ذكر. ولا يشترط فيه التعرض لسبب كأن يقول لم تقرضني شيئا. (وقوله: أو لا يلزمني الخ)
معطوف على قوله لا تستحق الخ: أي وكفاه في الجواب لا يلزمني الخ. (قوله: ولو اعترف الخ) أتى به في شرح المنهج
في ضمن تعليل ذكره للاكتفاء في الجواب بلا يستحق علي شيئا الخ. ونص عبارته: لان المدعي قد يكون صادقا
ويعرض ما يسقط المدعي به. ولو اعترف به وادعى مسقطا، طولب بالبينة وقد يعجز عنها، فدعت الحاجة إلى قبول
الجواب المطلق. اه‍. ومثله في التحفة والنهاية والمغني، وعبارة الأخير بعد قول المنهاج كفاه في الجواب الخ. ولا
يشترط التعرض لنفي تلك الجهة، لان المدعي قد يكون صادقا في الاقراض وغيره، وعرض ما أسقط الحق من أداء أو
إبراء، فلو نفى السبب كذب. أو اعترف وادعى المسقط طولب ببينة قد يعجز عنها، فقبل الاطلاق للضرورة. اه‍. وإذا
علمت ذلك فلعل في عبارته سقطا من النساخ وهو قوله لان المدعي إلى قوله ولو اعترف. (وقوله: به) أي بالمدعي به
وادعى مسقطا: أي من أداء أو إبراء. (وقوله: طولب بالبينة) أي على ذلك المسقط: أي وهو قد يعجز عنها. (قوله: ولو
ادعى عليه وديعة الخ) هذا كالاستثناء من الاكتفاء في جواب دعوى ما أضيف للسبب بقوله لا يلزمني تسليم شئ إليك.
(وقوله: فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم الخ) أي لأنه لا يلزمه في الوديعة تسليم، وإنما يلزمه التخلية. (قوله:
بل لا تستحق علي شيئا) أي بل الذي يكفي في الجواب أن يقول له لا تستحق علي شيئا، ومثله في الاكتفاء به أن يقول
هلكت الوديعة، أو رددتها، أو ينكرها من أصلها، وعبارة المغني. فالجواب الصحيح أن ينكر الايداع، أو يقول لا
تستحق علي شيئا، أو هلكت الوديعة، أو رددتها. اه‍. (قوله: ويحلف الخ) مرتبط بجميع ما قبله. (وقوله: كما أجاب)
أي فإن أجاب بالاطلاق كقوله لا تستحق علي شيئا، حلف عليه كذلك. (وقوله: ليطابق الخ) علة لكون الحلف يكون
على وفق الجواب، وعبارة المنهاج مع المغني: ويحلف المدعى عليه على حسب جوابه هذا، أو على نفي السبب، ولا
يكلف التعرض لنفيه، فإن تبرع وأجاب بنفس السبب المذكور كقوله في صورة القرض السابقة ما أقرضني كذا حلف
عليه، أي على نفي السبب كذلك ليطابق اليمين الانكار.

298
تنبيه: قضية كلامه أنه إذا أجاب بالاطلاق ليس له الحلف على نفي السبب، وليس مرادا بل لو حلف على نفيه بعد
الجواب المطلق جاز اه‍. بحذف.
(قوله: ولو ادعى) أي شخص. (وقوله: عليه) أي على شخص آخر. (قوله: فأنكر) أي المدعى عليه المال
المدعى به. (قوله: وطلب منه اليمين) أي وطلب المدعي من المدعى عليه اليمين عل نفي المدعى به. (قوله: فقال)
أي المدعى عليه. (قوله: وأعطى المال) أي وأعطيك المال الذي ادعيت به من غير حلف. (قوله: لم يلزمه قبوله) أي
لم يلزم المدعي أن يقبل المال. قال ع ش: ومفهومه جواز القبول. ويدل عليه قوله وله تحليفه الخ. قال في التحفة وكذا
لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين، فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا
حلف المدعي. اه‍. (قوله: وله تحليفه) أي وللمدعي تحليف المدعى عليه على نفي ما ادعى به عليه، لأنه لا يأمن من
أن يدعي عليه بما دفعه بعد.
تنبيه: يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه، فتطالب القضاة المدعي بالاثبات لفهمهم أن ذلك
جواب صحيح، وفيه نظر ظاهر. إذ طلب الاثبات لا يستلزم اعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفي منه بذلك، بل يلزم
بالتصريح بالاقرار أو الانكار، ويقع أيضا كثيرا أن المدعى عليه بعد الدعوى عليه، يقول ما بقيت أتحاكم عندك، أو ما
بقيت أدعي عندك، والوجه أنه يجعل بذلك منكرا ناكلا فيحلف المدعي ويستحق - كذا في التحفة وسم -. (قوله: لو
ادعى عليه عينا) أي كائنة تحت يد المدعى عليه، ولا فرق في العين بين أن تكون عقارا أو عبدا أو غيرهما. (قوله: فقال)
أي المدعى عليه ليست: أي تلك العين لي: أي واقتصر على ذلك. (قوله: أو هي لرجل الخ) عبارة المنهج وشرحه: أو
أضافها لمن يتعذر مخاصمته كهي لمن لا أعرفه الخ. (قوله: أو لابني الطفل) أي أو هي لابني الطفل، أي أو المجنون أو
السفيه سواء زاد على ذلك أنها ملكه، أو وقف عليه أم لا، كما هو ظاهر. اه‍. تحفة. (قوله: أو وقف الخ) أي أو قال هي
وقف على الفقراء، أو مسجد كذا. (وقوله: وهو) أي المدعى عليه ناظر فيه، أي ناظر على الوقف على المسجد أو
الفقراء. قال ح ل: فإن كان الناظر غيره انصرفت الخصومة عنه إلى الناظر. اه‍. (قوله: فالأصح الخ) جواب لو.
(وقوله: أنه) أي الحال والشأن. (وقوله: لا تنصرف الخصومة عنه) أي عن المدعى عليه، وذلك لان ما صدر منه بالنسبة
للأولين ليس بمؤثر، ولأنه لم يقر في البقية لذي يد يمكن نصب الخصومة معه. (وقوله: ولا تنزع العين منه) أي لأن الظاهر
أن ما في يده ملكه، أو مستحقه، وما صدر عنه ليس بمزيل. (قوله: بل يحلفه المدعي) أي يطلب منه الحلف.
(وقوله: أنه لا الخ) أي على أنه لا يلزمه أن يسلم للمدعي العين المدعى بها. (قوله: رجاء الخ) علة لقوله يحلفه: أي
وإنما يحلفه رجاء أن يقر: أي بالعين المدعى بها. (وقوله: أو ينكل) معطوف على يقر: أي ورجاء أن ينكل، أي عن
اليمين، وهو بضم الكاف من باب دخل. (قوله: فيحلف) أي المدعي يمين الرد، وهو راجع لقوله ينكل. (وقوله:
وتثبت الخ) راجع لكل من الاقرار والنكول مع الحلف. (وقوله: له) أي للمدعي (قوله: في الأولين) هما قوله ليست
لي، وقوله هي لرجل لا أعرفه. (قوله: والبدل للحيلولة) أي ويثبت له البدل للحيلولة في البقية: أي قوله هي لابني
الطفل، أو وقف على الفقراء، أو مسجد كذا، وذلك البدل هو القيمة وإن كانت العين مثلية، كما في ع ش. وفي
البجيرمي ما نصه. (قوله: والبدل للحيلولة) فيه بحث، لان اليمين المردودة مفيدة لانتزاع العين في المسائل كلها، لان
الفرض أن الخصومة لا تنصرف عنه. نعم، إن قلنا بانصراف الخصومة في مسألة المحجور والوقف كما ذهب إليه
الغزالي، وكذا في الأولين على وجه كان له التحليف لتغريم البدل. فما قاله شرح المنهج هنا وهم منشؤة انتقال النظر من

299
حالة إلى حالة عميرة. سم. وعبارة شرح الروض فيحلف المدعي وتثبت له. اه‍. ولم يزد وهو صريح في ثبوت العين
في جميع الصور. اه‍. (قوله: أو يقيم المدعي) معطوف على قوله بل يحلفه، فالمدعي مخير بين تحليفه المدعى عليه
وبين إقامته البينة، وإذا أقامها يقضي له بالعين. (قوله: ولو أصر المدعى عليه الخ) هذا قد علم من قوله سابقا، فإن
سكت أيضا فنأكل فلا حاجة إلى إعادته هنا، ويمكن أن يقال أنه أعاده لأجل تقييد النكول بكونه بعد حكم القاضي به.
(قوله: إن حكم القاضي بنكوله) زاد في شرح المنهج بعده: أو قال للمدعي إحلف بعد عرض اليمين عليه، أن المدعى
عليه. اه‍. وكتب البجيرمي قوله إن حكم الخ: أي فلا يصير ناكلا بمجرد السكوت، بل لا بد من الحكم بالنكول، أو
يقول للمدعي إحلف. اه‍. وقد تقدم عن شرح الروض مثله وزيادة. (قوله: وإذا ادعيا أي اثنان الخ) شروع في بيان
تعارض البينتين، وكان المناسب للمؤلف أن يفرده كغيره بفصل مستقل. (قوله: أي كل منهما) أشار به إلى أنه ليس المراد
أنهما ادعياها جميعا على أنها شركة بينهما، بل المراد أن كلا ادعى ذلك الشئ لنفسه على حدته. (وقوله: شيئا) مفعول
ادعيا، والمراد بالشئ هنا العين كما عبر بها في المنهاج. (قوله: في يد ثالث) الجار والمجرور صفة لشيئا: أي شيئا
كائنا في يد ثالث. (قوله: لم يسنده الخ) الجملة صفة لثالث: أي ثالث موصوف بكونه لم
يسند ذلك الشئ. أي لم يضفه: أو يقر به لواحد من المدعيين. (قوله: قبل البينة) أي قبل إتيان ذلك الاحد ببينته. (وقوله: ولا بعدها) أي ولم
يسنده بعد الاتيان بالبينة إلى أحدهما. (قوله: وأقاما الخ) أي أقام كل واحد من المدعيين بينة تثبت دعواه، سواء كانتا
مطلقتي التاريخ أو متفقتيه، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة. كما في شرح الروض. (وقوله: به) الباء بمعنى على
متعلقة بأقاما. والضمير يعود على الشئ المدعى به. (قوله: سقطتا) أي البينتان، ويحلف الثالث المدعى عليه حينئذ
لكل منهما يمينا لخبر: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. ويكون المدعى به له، وأما خبر الحاكم: أن
رجلين اختصما إلى رسول الله (ص) في بعير فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فجعله النبي (ص) بينهما. فأجيب عنه بأنه
يحتمل أن البعير كان بيدهما، فأبطل البينتين وقسمه بينهما. (قوله: لتعارضهما) أي
البينتين. (وقوله: ولا مرجح) أي والحال أنه لا مرجح موجود لاحد البينتين على الأخرى. قال في النهاية: أي فأشبه الدليلين إذا تعارضا بلا ترجيح. اه‍.
(قوله: فكان كما لا بينة) أي فكان الشئ المدعى به عند التعارض للبينتين، كالذي لا بينة عليه أصلا. وعبارة التحفة:
فكأن لا بينة. اه‍. (قوله: فإن أقر ذو اليد) أي وهو المدعى عليه، وهذا مفهوم قوله لم يسنده الخ، والملائم له أن يقول:
فإن أسنده ذو اليد الخ. (وقوله: لأحدهما) قال سم: فلو أقر بأنها لهما فهل تجعل بينهما. اه‍. وفي ش ق أنها تجعل
بينهما. (وقوله: قبل البينة) متعلق بأقر: أي أقر قبل قيام بينته. (وقوله: أو بعدها) أي البينة: أي قيامها. (وقوله:
رجحت بينته) أي بينة ذلك الاحد المقر له لاعتضادها بالاقرار، فيعمل حينئذ بمقتضاها. (قوله: أو ادعيا شيئا بيدهما) أي
كأن كان فراشا جالسين عليه، أو جملا راكبين عليه، أو دارا ساكنين فيها. (قوله: وأقاما بينتين) أي أقام كل واحد منهما
بينة بأن هذا الشئ كله له. (قوله: فهو لهما) أي فذلك الشئ يبقى تحت يدهما كما كان أولا للتعارض، وكلامه يقتضي
أنه لا يحتاج السابق منهما إلى إعادة البينة، وليس مرادا، بل الذي أقام البينة أولا يحتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده،
لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف، فإن لم يفعل كان الجميع لصاحب البينة المتأخرة - كما في البجيرمي - هذا
إذا شهدت كل بينة بجميع الشئ كما علمت، فإن شهدت بينة كل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه، فلا
تعارض. لان البينتين لم يتواردا على محل واحد فيحكم القاضي لكل واحد منهما بما في يده، لكن لا من جهة التساقط
ولا الترجيح باليد، بل من جهة الترجيح بالبينة. (قوله: إذ ليس أحدهما الخ) تعليل لكون الشئ يجعل لهما بقيام كل بينة

300
على مدعاه. (قوله: أما إذا الخ) صنيعه يقتضي أن حكم هذه المسألة مخالف لحكم ما إذا كان بيدهما، وليس كذلك،
بل هو مثله كما يفيده قوله فيجعل بينهما مع قوله أولا فهو لهما، وعبارة المنهج: أو بيدهما أو لا بيد أحد. اه‍. وكان
الأولى أن يصنع كصنيعه. (وقوله: لم يكن بيد أحد) قال سم: كأن كان عقارا أو متاعا ملقى في طريق وليس المدعيان
عنده. اه‍. (قوله: وشهدت بينة كل له بالكل) أي وشهدت بينة كل من المدعيين له بكل ذلك الشئ. قال سم: وكذا
بالبعض بالأولى بل لا تعارض حينئذ بينهما. اه‍. (قوله: فيجعل بينهما) جواب أما: أي فيجعل الشئ المدعى به بين
المدعيين، أي للتعارض، فليس أحدهما أولى به من الآخر كما إذا كان بيدهما معا. (قوله: ومحل التساقط إذا وقع
تعارض) أي كما في الصور السابقة. (وقوله: حيث لم يتيمز أحدهما) الضمير للمدعيين: أي حيث لم يتميز بينة
أحدهما. (وقوله: بمرجح) متعلق بيتميز. (قوله: وإلا) أي بأن تميز أحدهما بمرجح. (وقوله: قدم) أي ذلك الاحد
المتميز بما ذكر. (قوله: وهو) أي ذلك المرجح. (وقوله: بيان نقل الملك) أي من أحد المتداعيين للآخر، كأن قالت
إحداهما هذه الدار ملك زيد، وقال الأخرى هذه ملك عمرو تملكها من زيد، فتقدم الثانية لأنها بينت انتقال الملك.
(قوله: ثم اليد فيه للمدعي) أي ثم المرجح أيضا كون اليد على المدعى به ثابتة للمدعي. (وقوله: أو لمن أقر له به) أي
أو كون اليد لمن أقر للمدعي بالمدعى به، كأن يكون في يد ثالث وأقر به لاحد المدعيين، والأنسب والأولى أن يقول ثم
إقرار المدعى عليه به لأحدهما، لان الغرض بيان المرجح، والمرجح هنا الاقرار المذكور لا كون اليد لمن أقر الخ.
(وقوله: أو انتقل له منه) أي أو كون اليد لمن انتقل المدعى به منه لاحد المدعيين: كأن قالت إحدى البينتين هي ملك
لزيد إشتراها من عمرو واقتصرت على ذلك، وقالت الأخرى هي ملك لبكر إشتراها من خالد وهي في يده، قدمت
الثانية. (قوله: ثم شاهدان) معطوف على بيان: أي ثم المرجح أيضا شاهدان. (وقوله: مثلا) أي أو شاهد وامرأتان كما
سيأتي. (وقوله: على شاهد ويمين) متعلق بمحذوف: أي ويرجح الشاهدان على شاهد ويمين. (قوله: ثم سبق ملك
أحدهما) معطوف أيضا على بيان: أي ثم المرجح أيضا سبق ملك أحد المدعيين: أي سبق تاريخه، وقد صرح به في
التحفة. (وقوله: بذكر زمن) أي متقدم، وهو متعلق بمقدر: أي أو يعلم ذلك السبق بذكر زمن متقدم على الزمن الذي
ذكرته البينة الأخرى، كأن نقول إحدى البينتين ونشهد أنه ملكه من منذ سنة، وتقول الأخرى من منذ شهر، فتقدم الأولى
- كما سيأتي -. (قوله: أو بيان) بالجر عطف على ذكر: أي ويعلم سبق تاريخ الملك أيضا، ببيان أن الشئ المدعى به
ولد في ملك أحدهما، كأن شهدت إحدى البينتين أن هذه الدابة ملكه أنها ولدت في ملكه، وشهدت الأخرى بأنها ملك
فلان واقتصرت على ذلك، فتقدم الأولى على الثانية. (قوله: ثم بذكر) الباء زائدة، ومدخولها معطوف على بيان الأول:
أي ثم المرجح أيضا ذكر سبب الملك كشراء، أو هبة، أو وصية، أو إرث، وفيه أن بيان سبب الملك يستلزم بيان نقل
الملك، وإذا كان كذلك فهو يغني عنه، (قوله: أو ادعيا) أي اثنان. (قوله: بيد أحدهما) الجار والمجرور متعلق
بمحذوف صفة لشيئا: أي شيئا كائنا بيد أحد المتداعيين. (قوله: تصرفا أو إمساكا) بيان لمعنى اليد: أي أن المراد باليد
الحكمية كالتصرف، أو الحسية كالامساك. (قوله: قدمت بينته) أي ذلك الاحد الذي ذلك الشئ المدعى به تحت يده.
(قوله: من غير يمين) أي من ذلك الاحد الذي العين تحت يده. (قوله: وإن تأخر تاريخها) غاية في التقديم: أي قدمت
وإن تأخر تاريخها، أي عن تاريخ بينة غير ذي اليد ويسمى الخارج. قال البجيرمي: ومحله إذا لم تسند انتقال الملك عن
شخص واحد، وإلا قدمت بينة الخارج إن كانت أسبق تاريخا، كما ذكره في القوت عن فتاوى البغوي وغيرها، واعتمده
الشهاب الرملي. اه‍. وسيذكره الشارح أيضا في قوله ولو ادعى في عيون بيد غيره أنه اشتراها الخ. (قوله: أو كانت

301
شاهدا ويمينا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي قدمت بينة صاحب اليد وإن كانت شاهدا ويمينا، وبينة الخارج
شاهدين. (قوله: أو لم تبين سبب الملك) معطوف على الغاية أيضا فهو غاية: أي قدمت بينة صاحب اليد. وإن لم تبين
سبب الملك: أي وبينته بينة الخارج. (وقوله: من شراء وغيره) بيان لسبب الملك. (قوله: ترجيحا الخ) علة لتقديم بينة
صاحب اليد. (وقوله: بيده) الباء سببية متعلق بترجيحا. (قوله: ويسمى) أي صاحب اليد الداخل. (قوله: وإن حكم
بالأولى الخ) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد. وانظر ما المراد بالأولى، فإن كان بينة الداخل نافاه قوله بعد هذا: إن
أقامها بعد بينة الخارج الخ، وإن كان المراد بينة الخارج فلا منافاة، لكن يرد عليه أن الأولى في كلامه بينة الداخل لا
الخارج. ولعلها سرت له من عبارة التحفة المستقيمة، لان الأولى فيها بينة الخارج ونصها مع الأصل. ولو كانت بيده فأقام
غيره بها بينة وأقام هو بينة، قدم صاحب اليد ويسمى الداخل، وإن حكم بالأولى قبل قيام الثانية. اه‍. (وقوله: أو بينت
بينة الخارج سبب ملكه) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد: أي قدمت وإن بينت بينة الخارج سبب الملك، وفيه أن هذه
الغاية يغني عنها الغاية الثالثة. أعني أو لم تبين سبب الملك، لان معناها كما تقدم قدمت بينة صاحب اليد مطلقا سواء
بينت سبب الملك أم لا، مع كون بينة الخارج بينت ذلك. (قوله: نعم، لو شهدت الخ) استثناء من المتن، أعني قوله
قدمت بينته: أي صاحب اليد، فكأنه قال تقدم بينة صاحب اليد على بينة الخارج إن كان معها زيادة علم، وإلا قدمت هي
على بينة صاحب اليد. (وقوله: بأنه) أي غير صاحب اليد. (وقوله: اشتراه منه) أي من صاحب اليد. (وقوله: أو من
بائعه) معطوف على الجار والمجرور قبله، وضميره يعود على صاحب اليد: أي أو اشتراه من البائع على صاحب اليد،
لكن لا بد من تقييد هذا بتقديم شرائه على شراء صاحب اليد، حتى يكون شراء صاحب اليد باطلا لأنه اشتراه من الذي لا
يملك. وسيذكر الشارح هذه المسألة بقوله ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين، فأقام الداخل
بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة، قدمت بينة الخارج لأنها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد وقد زال ملكه
عنه. (وقوله: مثلا) راجع لقوله اشتراه: أي أو غصبها ذلك الداخل، أي أو البائع عليه: أي شهدت بينة الخارج بأن
الداخل أو البائع عليه غصبها منه. (قوله: قدمت) أي بينة الخارج. (وقوله: لبطلان اليد) أي يد المدعي. (وقوله:
حينئذ) أي حين إذ أقام الخارج البينة بأنه اشتراه الخ. (قوله: ولو أقام الخارج) أي غير صاحب اليد. (قوله: بأن
الداخل) أي صاحب اليد. (وقوله: أقر له) أي للخارج. (قوله: قدمت) أي بينة الخارج. (قوله: ولم تنفعه) أي
الداخل. (وقوله: بينته بالملك) أي بينة الداخل التي شهدت بالملك لان بينة الاقرار معها زيادة علم بانتقال الملك من
المقر للمقر له. (قوله: إلا إن ذكرت الخ) أي بأن قالت بينة الداخل نشهد أن هذا مالكه وهبه له فلان المقر له، فتقبل
حينئذ وتنفعه، لان معها زيادة بانتقال الملك من المقر له للمقر. (وقوله: من المقر له) أي وهو الخارج. (وقوله: إليه)
أي إلى الداخل وهو المقر. (قوله: هذا إن أقامها الخ) اسم الإشارة يعود على تقديم بينة صاحب اليد: أي محل تقديمها
إن أقامها بعد قيام بينة الخارج، ولو قبل تعديلها. (قوله: بخلاف ما لو أقامها قبلها) أي بخلاف ما لو أقام صاحب اليد
بينته قبل بينة الخارج فلا يعتد بها، فإذا أقام الخارج بينته استحق نزع العين منه، فيحتاج حينئذ إلى إقامة البينة لتدفع بينة
الخارج. (قوله: لأنها) أي بينة صاحب اليد وهو تعليل لمحذوف: أي فلا يعتد بها لأنها الخ. (وقوله: إنما تسمع بعدها)
أي بعد بينة الخارج. (قوله: لان الأصل الخ) علة للعلة. (وقوله: في جانبه) أي الداخل، وذلك لأنه مدعى عليه، وهو
الذي يكون من جهته اليمين. (قوله: فلا يعدل عنها) أي اليمين. (وقوله: ما دامت كافية) أي وهي كافية ما دام الخارج

302
لم يقم بينته. اه‍. بجيرمي. (قوله: فروع) أي ثلاثة. الأول: قوله لو أزيلت الخ، الثاني: قوله ولو تداعيا دابة الخ،
الثالث: قوله ولو اختلف الزوجان. (قوله: لو أزيلت يده) أي الداخل والمراد أزيل المال من تحت يده: إما حسا بأن
سلم المال لخصمه، وإما حكما بأن حكم عليه به فقط. (وقوله: ببينة) الباء سببية متعلقة بأزيلت: أي أزيلت بسبب بينة
أقامها الخارج وحكم له بها القاضي. (قوله: ثم أقام) أي الداخل الذي أزيلت يده. (وقوله: بينة بملكه) أي بينة تشهد
بأن هذا المال المزال من تحت يده ملك له من قبل الإزالة. (وقوله: مستندا) حال من فاعل أقام: أي أقامها حال كونه
مستندا: أي مضيفا ملكه إلى ما قبل الإزالة، أي مع استدامته إلى وقت الدعوى، ويصح أن يكون حالا من ملكه، ويكون
بالبناء للمفعول: أي بملكه حال كونه مستندا، أي مضافا إلى ذلك، قال في التحفة: وخرج بمستندا الخ شهادتها بملك
غير مستند فلا تسمع. اه‍. (قوله: واعتذر) أي الداخل: أي اعتذر من عدم إقامتها عند إرادة الإزالة. قال في شرح
المنهج: واشتراط الاعتذار ذكره الأصل كالروضة وأصلها. قال البلقيني: وعندي أنه ليس بشرط، والعذر إنما يطلب إذا
ظهر من صاحبه ما يخالفه، كمسألة المرابحة، قال الولي العراقي بعد نقله ذلك: ولهذا لم يتعرض له الحاوي. اه‍.
ويجاب بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحب ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره، فاحتيط بذلك ليسهل نقض
الحكم. اه‍. (وقوله: كمسألة المرابحة) أي كما لو قال: اشتريت هذا بمائة، وباعه مرابحة بمائة وعشرة، ثم قال
غلطت من ثمن متاع إلى آخر وإنما اشتريته بمائة وعشرة. ع ش. فقوله غلطت هذا هو العذر. اه‍. بجيرمي. (وقوله:
بغيبة شهوده) المقام للاضمار، فلو قال بغيبتها: أي البينة التي أقامها بعد لكان أولى. (وقوله: أو جهله بهم) معطوف
على غيبة. أي أو اعتذر بجهله للشهود. قال في التحفة: أي أو بقبولهم. اه‍. (قوله: سمعت) أي بينة الداخل، وقيل لا
تسمع، فلا ينقض القضاء. وإلى هذا ذهب القاضي حسين، ونقل عن الهروي أنه قال: أشكلت على هذه المسألة نيفا
وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي فيها ثم استقر فيها على أنه لا ينقض. اه‍. مغني.
(قوله: إذا لم تزل) أي يد الداخل. (وقوله: إلا لعدم الحجة) أي وقت الإزالة. (قوله: وقد ظهرت) أي الحج بعد
الإزالة. (قوله: فينقض القضاء) أي يبطل الحكم بإزالة العين من تحت يد الداخل وإثباتها للخارج، وتردد بعض النقد
إلى الداخل. (قوله: لكن لو قال الخارج الخ) إستدراك على قوله سمعت وقدمت: أي تسمع بينة الداخل بعد إزالة العين
من تحت يده ما لم تشهد بينة الخارج بأن الإزالة حصلت بسبب شراء الخارج منه، وأنكر الداخل ذلك، فإن شهدت بينة
الخارج بما ذكر قدمت على بينة الداخل، وهذا الاستدراك لا حاجة إليه هنا، لأنه يغني عنه الاستدراك الأول. أعني قوله
نعم لو شهدت الخ، فالأولى والاخصر إسقاطه. (قوله: لزيادة علم بينته) أي الخارج. (وقوله: بانتقال الملك) متعلق
بزيادة، والمراد بالاخبار بانتقال الملك. (قوله: وكذا قدمت بينته) أي الخارج: أي لتبين بطلان يد الداخل. (وقوله:
وشهدت) أي بينة الخارج. (وقوله: أنه) أي الشئ. (وقوله: ملكه) أي الخارج. (وقوله: وإنما أودعه الخ) فاعل
الافعال الثلاثة يعود على الخارج، وضمير البارز يعود على الشئ. (وقوله: للداخل) تنازعه كل من الافعال الثلاثة.
(قوله: أو أنه الخ) عطف على أنه ملكه: أي أو شهدت بينة الخارج أن الداخل غصب ذلك الشئ. (وقوله: أو بائعه)
بالنصب عطف على اسم إن، وضميره يعود على الداخل. (وقوله: منه متعلق بغصبه) أي غصبه هو أو البائع عليه من
الخارج. (قوله: وأطلقت بينة الداخل) أي بأن قالت هو ملكه، واقتصرت على ذلك. (قوله: ولو تداعيا) أي شخصان.
(قوله: لأحدهما) أي المتداعيين. (وقوله: متاع فيها) في بمعنى على بالنسبة للدابة، وعلى حقيقتها بالنسبة للبقية،

303
وعبارة المغني: ولو تداعيا بعيرا لأحدهما عليه متاع، فالقول قول صاحب المتاع بيمينه لانفراده بالانتفاع، بخلاف ما لو
تداعيا عبدا لأحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد، لان كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه، والمنفعة في لبس
الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يد له. ولو تداعيا جارية حاملا واتفقا على أن الحمل لأحدهما. قال البغوي: فهي
لصاحب الحمل. اه‍. (قوله: أو الحمل) أي أو لأحدهما الحمل أو الزرع، والأول بالنسبة للدابة. والثاني بالنسبة
للأرض. (قوله: قدمت بينته) أي ذلك الاحد الذي له المتاع أو الحمل أو الزرع. أي باتفاقهما أو ببينة. (قوله: على
البينة الخ) متعلق بقدمت: أي قدمت على البينة التي تشهد للآخر بالملك المطلق، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو
الأرض أو الدار ملك، ولم تتعرض لشئ آخر. (قوله: لانفراده) أي ذلك الاحد المذكور، وهو علة لتقديم بينته.
(وقوله: بالانتفاع) أي بالدابة، لان متاعه عليها، وبالأرض، لان زرعه فيها. وبالدار لان متاعه فيها. (قوله: فاليد له) أي
للمنفرد بالانتفاع. (قوله: فإن اختص المتاع ببيت) أي من الدار (قوله: فاليد له فيه) أي في البيت الذي فيه المتاع.
(وقوله: فقط) أي وليس له اليد في بيت غير الذي فيه المتاع. (قوله: ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت) أي فقال
الزوج هي ملكي، وقال الزوجة هي ملكي. (قوله: ولو بعد الفرقة) أي ولو حصل الاختلاف بعد فراقهما بطلاق أو غيره.
(قوله: ولا بينة) أي لأحدهما موجودة. (قوله: ولا اختصاص لأحدهما بيد) أي ككونه في خزانة له، أو صندوق مفتاحه
بيده. (قوله: فلكل) أي من الزوجين تحليف الآخر: أي على دعواه. (قوله: فإذا حلفا) أي الزوجان. (قوله: جعل) أي
المدعى به. والأولى جعلت: أي الأمتعة، ومثله يقال في الافعال بعده. (وقوله: بينهما) أي الزوجين، أي نصفين.
(قوله: وإن صلح لأحدهما) إن غائية، وإن كان ظاهر صنيعه أنها شرطية جوابها قوله قضى الخ. ويدل على ما قالته عبارة
النهاية، ومثلها عبارة عميرة في حواشي البهجة ونصها. قال الشافعي رضي الله عنه: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت،
فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له، ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه، أن هذا المتاع
إن كان في أيديهما معا فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه، فإن حلفا جميعا فهو بينهما نصفين، وإن حلف أحدهما
فقط قضى له به - سواء اختلفا في دوام النكاح أم بعده - واختلاف وارثهما كهما، وسواء ما يصلح للزوج - كالسيف
والمنطقة - وللزوجة - كالخلخال والغزل، وغيرهما كالدراهم - أو لا يصلح لهما: كالمصحف وهما أميان، وتاج الملوك
وهما عاميان. وقال أبو حنيفة: إن كان في يدهما حسا فهو لهما، وإن كان في يدهما حكما فما يصلح للرجل فللزوج
، وما يصلح للأنثى فللزوجة، والذي يصلح لهما يكون لهما، وعند أحمد ومالك قريب من ذلك. واحتج الشافعي رضي
الله عنه بأنا لو استعملنا الظنون لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرا ودباغا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له، وفيما لو
تنازع موسر ومعسر في لؤلؤ أن نجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون. اه‍. (قوله: أو حلف أحدهما) أي الزوجين
دون الآخر. (قوله: قضى له) أي قضى ذلك المدعى به لذلك الاحد. والفعل المذكور يجعل جوابا لان مقدرة قبل قوله
حلف أحدهما، أي وإن حلف أحدهما قضى له، وذلك ليوافق ما قررته آنفا من جعل إن غائية لا شرطية. (قوله: كما لو
اختص باليد وحلف) هذا مفهوم قوله ولا اختصاص لأحدهما بيد، آي كما لو اختص أحدهما بوضع اليد عليه فإنه يقضي
له به، لكن بعد الحلف عليه. (قوله: وترجح البينة) أي مطلقا سواء كانت للداخل أو للخارج. (وقوله: بتاريخ سابق)
أي على تاريخ البينة الأخرى. (قوله: فلو شهدت الخ) تفريع على ترجح البينة بالتاريخ السابق. (قوله: في عين) متعلق
بالمتنازعين. (قوله: بيدهما الخ) متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيدهما، أو يد ثالث، أو لا بيد أحد. وخرج
بذلك ما إذا كانت بيد أحدهما فتقدم، ولو تأخر تاريخها كما تقدم، وكما سيأتي في قوله وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ

304
الخ. (قوله: بملك) متعلق بشهدت. (قوله: من سنة) متعلق بملك: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة. (وقوله: إلى
الآن) متعلق بملك أيضا: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة إلى الآن: أي أنه مستمر إلى الآن، ولا بد من ذكر هذا لما
سيأتي قريبا أنه لو شهدت بينة بملك أمس، ولم تتعرض للحال لم تسمع. (قوله: وشهدت بينة أخرى) أي غير هذه
البينة. (وقوله: للآخر) أي لاحد المتنازعين الآخر. (وقوله: بملك) متعلق بشهدت. (وقوله: لها) أي للعين المدعى
بها. (وقوله: من أكثر الخ) هو الجار والمجرور بعده متعلقان بملك أيضا كالذي قبله. (وقوله: كسنتين) تمثيل للأكثر
من سنة. (قوله: فترجح الخ) جواب لو. (قوله: لأنها) أي بينة ذي الأكثر. (وقوله: أثبتت الملك) أي ملك العين
للمدعي بها. (وقوله: في وقت) متعلق بأثبتت. (وقوله: لا تعارضها فيه الأخرى) الجملة صفة لوقت. أي وقت موصوف
بكونه لا تعارض بينة ذي الأكثر فيه البينة الأخرى، وذلك الوقت هو السنة الأولى. وعبارة التحفة لأنها أثبتت الملك في
وقت لا تعارضها فيه الأخرى، وفي وقت تعارضها فيه، فيتساقطان في محل التعارض، ويعمل بصاحبة الأكثر فيما لا
تعارض فيه، والأصل في كل ثابت دوامه. اه‍. (قوله: ولصاحب التاريخ السابق) أي على صاحب التاريخ المتأخر.
(وقوله: أجرة) أي لما أثبت له. (وقوله: وزيادة حادثة) أي كولد وثمرة حدثا في المدعى به. (قوله: من يوم ملكه
بالشهادة) قال ع ش: أي وهو الوقت الذي أرخت به البينة، لا من وقت الحكم فقط. اه‍. (قوله: لأنها) الأولى لأنهما:
أي الأجرة والزيادة. (قوله: وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ) أي لصاحب البينة التي تأخر تاريخها. (وقوله: يد) أي
تصرفا أو حكما كما مر. (قوله: لم يعلم أنها عادية) الجملة صفة ليد، أي يد موصوفة بكونها لم يعلم أن تلك اليد عادية،
أي متعدية في جعل العين تحتها بغصب أو بشراء ما لا يملك. (قوله: قدمت) أي متأخرة التاريخ. قال في التحفة: ذكرتا
- أي البينتان أو إحداهما - الانتقال لمن تشهد له من معين أم لا، وإن اتحد ذلك المعين، لتساوي البينتين في إثبات
الملك حالا، فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق وهي أقوى. اه‍. (قوله: ولو ادعى الخ) المقام للتفريع،
فلو قال فلو، بفاء التفريع لكان أولى. (وقوله: بيد غيره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيد
غيره. (وقوله: أنه اشتراها الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بادعى: أي ادعى فيها بأنه
اشتراها من زيد من منذ سنتين. (وقوله: فأقام الداخل) أي الذي اليد له. (قوله: قدمت بينة الخارج) قال في التحفة:
نعم يؤخذ مما يأتي في مسألة تعويض الزوجة أنه لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه، وإلا بقيت
بيد من هي بيده. اه‍. (قوله: لأنها) أي بينة الخارج. (قوله: بشرائه) الباء سببية متعلقة بعادية. (وقوله: ما زال ملكه)
ما اسم موصول مفعول المصدر: أي بشرائه الشئ الذي زال ملك زيد عنه. قال في التحفة والنهاية: ولا نظر لاحتمال أن
زيدا استردها ثم باعها للآخر، لان هذا خلاف الأصل والظاهر. اه‍. (قوله: ولو اتحد تاريخهما الخ) مقابل قوله بتاريخ
سابق، وهذا قد علم من قوله أو ادعيا شيئا بيد أحدهما قدمت بينته وإن تأخر تاريخها، ففي كلامه شبه التكرار. (وقوله:
أو أطلقتا) أي في الشهادة ولم تتعرضا للتاريخ. (وقوله: أو إحداهما) أي أو أطلقت إحداهما: أي وأرخت الأخرى.
(وقوله: قدم ذو اليد) أي كما أنه يقدم لو اختلف التاريخ، لكن بشرط أن لا يعلم أن يده عادية كما مر. (قوله: ولو شهدت
بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال) أي بأن قالت نشهد أن هذا ملك فلان أمس، ولم تقل إلى الآن، وهذا محترز التقييد
بقوله إلى الآن. (قوله: لم تسمع) أي البينة وهو جواب لو. وفي المغني ما نصه.

305
تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف عدم السماع مسائل. الأولى: ما لو ادعى رق شخص بيده وادعى آخر أنه كان له
أمس وأنه أعتقه، وأقام بذلك بينة قبلت، لان المقصود منها إثبات العتق، وذكر الملك السابق وقع تبعا. الثانية: ما لو
شهدت أن هذا المملوك وضعته أمه في ملكه، أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه، ولم تتعرض لملك الولد والثمرة في
الحال فإنها تسمع. الثالثة: إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه، أو أن هذا الطير من بيضه، أو الآجر من طينه. الرابعة: إذا
شهدت أنها ملكه بالأمس ورثها. قال العمراني حكم بها على الأصح، وذكر أن الربيع والمزني نقلا ذلك. الخامسة: إذا
شهدت أنها ملكه بالأمس اشتراها من المدعى عليه بالأمس، أو أقر له بها المدعى عليه بالأمس ولم تتعرض للحال قبلت.
السادسة: لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها، ولم يقولوا وهي الآن ملك المدعي قبلت على ما
يفهم من كلام الجمهور. اه‍. بحذف.
(قوله: كما لا تسمع دعواه بذلك) أي بالملك أمس من غير تعرض للحال. (قوله: حتى تقول الخ) مرتبط بقوله لم
تسمع: أي لم تسمع البينة حتى تقول الخ، أي فإذا قالت ما ذكر سمعت. (وقوله: ولم يزل ملكه) أي لم ينقل ملكه عنه،
فهو من زال يزول التامة. وليس في هذا شهادة بنفي محض حتى يقول إنها غير مقبولة. (قوله: أو لا نعلم الخ) معطوف
على قوله: ولم يزل ملكه: أي أو تقول لا نعلم مزيلا لملكه. (قوله: أو تبين الخ) بالنصب عطف على تقول: أي أو حتى
تبين سببه، أي الملك. (قوله: كأن تقول الخ) تمثيل لتبيين السبب. (وقوله: من خصمه) أي وهو المدعى عليه. (قوله:
أو أقر) أي الخصم. (وقوله: له) أي للمدعي. (وقوله: به) أي بالشراء. (وقوله: أمس) متعلق بكل من اشترى وأقر.
(قوله: لان دعوى الملك الخ) علة لقوله لم تسمع، ولا حاجة إليها للاستغناء عنها بقوله سابقا، كما لا تسمع دعواه
بذلك، إذ هو في معنى العلة. وفي التحفة الاقتصار على الثاني. وفي شرح المنهج: الاقتصار على الأول. (قوله: فكذا
البينة) أي لا تسمع. (قوله: ولو قال من بيده عين الخ) هذه الصورة من مفاهيم قوله سابقا لم يعلم أنها عادية. (قوله:
وأقام به) أي بالشراء من منذ شهر. (قوله: فقالت زوجة البائع) أي الذي هو فلان المتقدم. (وقوله: هي) أي تلك العين
التي اشتريتها أنت ملكي. (وقوله: تعوضتها منه) أي أخذتها منه بعوض بطريق الشراء أو الهبة. (وقوله: من منذ شهرين)
متعلق بتعوضتها. (قوله: وأقامت به) أي بالملك أو بالتعويض من منذ شهرين (قوله: فإن ثبت) أي ببينة أو بإقرار
المشتري. (وقوله: أنها) أي العين. (وقوله: حكم بها لها) أي حكم بالعين للزوجة، لان يد الداخل عادية بشرائه ممن
لا يملك كما مر. (قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يثبت أنها بيد الزوج حال التعويض، بقيت العين بيد من هي بيده الآن.
قال في النهاية: كذا قيل، والأوجه تقدم بينتها: أي الزوجة مطلقا، لاتفاقهما على أن أصل الانتقال من زيد، فعمل
بأسبقهما تاريخا. اه‍. (قوله: وترجح) أي البينة. (وقوله: بشاهدين) الباء للتصوير، وهي متعلق بمحذوف حال من
نائب فاعل ترجح: أي وترجح البينة حال كونها مصورة بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، أو أربع نسوة. وعبارة المنهج:
ويرجح - بالياء التحتية - وعليها فنائب الفاعل يعود على أحد المدعيين، وهي ظاهرة. (وقوله: فيما يقبل) أي يقبل النسوة
فيه، وهو ما يظهر للنساء غالبا كولادة وحيض. (قوله: على شاهد مع يمين) متعلق بترجح، ومحله في غير بينة الداخل،
كما يعلم مما مر. (قوله: للاجماع الخ) علة الترجيح. وعبارة شرح المنهج، لان ذلك حجة بالاجماع، وأبعد عن تهمة
الحالف بالكذب في يمينه. اه‍. (وقوله: قبول من ذكر) أي من الشاهدين، أو الشاهد والمرأتين، أو الأربع نسوة.
(قوله: لا ترجح) أي البينة. (قوله: بزيادة نحو عدالة الخ) لفظ عدالة، يقرأ من غير تنوين، لأنه مضاف إلى شهود، أو

306
إلى نظيره. ومثله لفظ عدد. ودخل تحت نحو عدالة بقية الصفات المعتبرة في الشاهد كمروءة وإبصار وسمع وعقل.
(وقوله: شهود فيه) إظهار في مقام الاضمار أورث ركة في العبارة، فلو قال لا بزيادة نحو عدالتها، أو عددها لكان أولى.
(قوله: بل تتعارضان) أي البينتان، ومحل التعارض ما لم تبلغ زيادة إحداهما عدد التواتر، وإلا رجحت لإفادتها حينئذ
العلم الضروري، وهو لا يعارض. أفاده في التحفة والنهاية. (قوله: لان الخ) علة لقوله لا ترجح. (وقوله: ما قدره
الشرع) أي الامر الذي قدره وحده الشارع، كعدد الشهود هنا. (وقوله: لا يختلف بالزيادة) أي عددا وصفة كما مر.
(وقوله: والنقص) أي عن تلك الزيادة لا عن الذي قدره الشارع، لأنه مضر كما هو ظاهر. (قوله: ولا برجلين) أي ولا
ترجح برجلين الخ. أي لكمال الحجة في الطرفين. (قوله: ولا بينة مؤرخة) أي ولا ترجح بينة مؤرخة، وهي المقيدة
بزمن (قوله: على بينة) متعلقة بترجح المقدر بعد لا النافية (وقوله: مطلقة) - بكسر اللام - اسم فاعل من أطلق، وقد بينها
بقوله لم تتعرض لزمن الملك. (قوله: حيث الخ) متعلق بترجح المقدر: أي لا ترجح البينة المؤرخة على البينة المطلقة،
بل هما سواء حيث لا يد لأحدهما، بأن كانت لهما معا، أو لا لاحد، أو لثالث غيرهما، أما إذا كانت اليد لأحدهما،
فترجح بينة صاحبها وإن كانت مطلقة، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من أن المؤرخة ترجح إذا كان اليد لأحدهما، سواء
كانت بينته هي المؤرخة أو المطلقة. (قوله: واستويا) أي المتداعيان. (وقوله: في أن لكل شاهدين) فإن لم يستويا في
ذلك بأن كان مع أحدهما شاهد ويمين، ومع الآخر شاهدان، قدم الثاني، سواء كانت بينته مطلقة أم مؤرخة كما مر.
(قوله: ولم تبين الثانية) أي البينة الثانية سبب الملك كشراء أو إرث كما مر، فإن بينت ذلك قدمت على غيرها مطلقا.
(قوله: فتتعارضان) مفرع على عدم ترجيح إحداهما على الأخرى المقتضي للاستواء. قال في النهاية: ومجرد التاريخ
غير مرجح، لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأول. اه‍. (قوله: نعم لو شهدت الخ) أي وقد
أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى كما هو الفرض، وصرح به في شرح الروض، فهو إستدراك على قوله: ولا مؤرخة على
مطلقة كما قاله س ل. اه‍. بجيرمي. وقوله: وصرح به في شرح الروض: وعبارته مع الأصل: والمؤرخة كالمطلقة فلا
تقدم عليها بل تساويها، لان المطلقة قد تثبت الملك قبل ذلك التاريخ. نعم: لو شهدت إحداهما بالحق والأخرى
بالابراء، وأطلقت إحداهما وأرخت الأخرى، قدمت بينة الابراء لأنها إنما تكون بعد الوجوب. اه‍. (قوله: لأنها) أي
بينة الابراء. وعبارة التحفة: لأنه إنما يكون بعد الوجوب. اه‍. فذكر الضمير وهو أولى لعوده على الابراء. (وقوله: بعد
الوجوب) أي وجوب الدين. أي ثبوته. أي فيكون مع بينة الابراء زيادة علم. (وقوله: والأصل عدم تعدد الدين) من تتمة
التعليل، وأتى به لدفع ما يقال إنه ربما استدان منه دينا آخر فتسمع بينته. (قوله: لو شهدت بينة الخ) هذه الصورة والتي
بعدها كالاستدراك من قوله والأصل عدم تعدد الدين. (وقوله: يجب ألفان) أي لاحتمال حدوث ألف ثانية عليه، لم
تطلع عليه البينة الأولى. (قوله: ولو أثبت) أي أحدهما. (وقوله: إقرار زيد له) أي
لذلك الاحد. (وقوله: بدين) أي على زيد لذلك الاحد. (قوله: فأثبت زيد إقراره) أي ذلك الاحد المدعي. (وقوله: بأنه لا شئ له) أي لذلك الاحد.
(وقوله: عليه) أي على زيد. (قوله: لم يؤثر) أي إثبات زيد إقرار ذلك الاحد بأنه لا شئ له عليه. (قوله: لاحتمال
حدوث الدين بعد) أي بعد إقرار ذلك الاحد بما ذكر. قال في التحفة: ولان الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل. اه‍.
وقوله: المحتمل أي لهذا الدين ولغيره.

307
(قوله: فروع) أي خمسة. (قوله: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة) أي لو ادعى شخص أن هذه الدابة، أو هذه
الشجرة ملكه، وأقام بينة تشهد بذلك. (وقوله: من غير تعرض الخ) متعلق بمحذوف، هو متعلق الجار والمجرور
قبله: أي أقام بينة تشهد بذلك من غير أن تتعرض لملك سابق بالتاريخ، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الشجرة ملك
فلان، واقتصرت على ذلك. (قوله: لم يستحق) أي مقيم البينة. (وقوله: ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا) إنما لم
يستحقهما لأنهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها. ولان البينة لا تثبت الملك بل تظهره، فكفى تقدمه
عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة. اه‍ تحفة. (قوله: عند الشهادة) متعلق بكل من ظاهرة
ومنفصلا. (قوله: ويستحق) أي مقيم البينة. (قوله: غير الظاهر) صفة للثمر: أي الثمر غير البارز المؤبر. (قوله:
عندها) متعلق بمحذوف صفة لكل من الحمل والثمر: أي الموجودين عندها: أي الشهادة. (قوله: تبعا للام) أي
بالنسبة للحمل. (وقوله: والأصل) أي بالنسبة للثمر. قال في التحفة: ولا عبرة باحتمال كون ذلك الغير مالك الام
والشجر بنحو وصية، لأنه خلاف الأصل. اه‍. (قوله: فإذا تعرضت الخ) مقابل قوله: من غير تعرض لملك.
(وقوله: سابق على حدوث ما ذكر) أي الثمرة الظاهرة والولد المنفصل، وذلك بأن قالت نشهد أن هذه الدابة، أو
الشجرة ملك فلان من منذ سنة، فحينئذ كل ما يحدث في هذه السنة يكون ملكا للمشهود له. وعبارة المغني: فإن
تعرضت لوقت مخصوص ادعاه المشهود له فما يحصل من النتاج والثمرة له، وإن تقدم على وقت أداء الشهادة.
(قوله: فيستحق) أي يستحق مالك الدابة أو الشجرة ما ذكر من الولد المنفصل، أو الثمرة الظاهرة، ولو قال فيستحقهما
بضمير التثنية العائد على الولد والثمرة لكان أولى. (قوله: ولو اشترى شيئا) أي وأقبض ثمنه. (قوله: فأخذ منه) أي
فأخذ ذلك الشئ من المشتري بأن ادعى شخص فيه بأنه ملكه، وأقام بينة عليه وأخذه منه. (وقوله: بحجة) أي ولو
مطلقة عن تقييد الاستحقاق بوقت الشراء أو غيره. (وقوله: غير إقرار) سيأتي محترزه. (قوله: رجع على بائعه) أي
رجع المشتري على بائعه بما دفعه له. قال البجيرمي: محل الرجوع ما لم يكن يعلم عند البيع أنه لا يملكه، كأن
تحقق أنه سارقه، أو غاصبه، وإلا لم يرجع عليه بما دفعه له، لأنه في مقابلة تسليمه إياه، وقد حصل أيضا. فلما علم
أنه لا يملكه كان كأنه متبرع بما أعطاه له. اه‍. (وقوله: الذي لم يصدقه) هذه الصلة جرت على غير من هي له، لان
الضمير المستتر يعود على المشتري، والبارز يعود على الذي، فكان حقه أن يبرز الضمير، والمعنى للمشتري أن
يرجع على بائعه بشرط أن لا يصدقه في أن المدعى به ملكه، فإن صدقه في أنه ملكه، وأن المدعي كاذب في دعواه
لم يرجع عليه بشئ، لاعترافه بأن الظالم غيره وهو المدعي. قال في النهاية: نعم لو كان تصديقه له اعتمادا على
ظاهر يده، أو كان ذلك في حال الخصومة، لم يمنع رجوعه حيث ادعى ذلك، لعذره حينئذ. اه‍. (قوله: ولا أقام
الخ) معطوف على صلة الموصول، والفاعل ضمير يعود على البائع الواقع عليه اسم الموصول، فالصلة بالنسبة له
جرت على من هي له: أي رجع على بائعه الذي لم يقم بينة بأنه اشتراه من المدعى به ثم باعه، فإن أقام بينة على ذلك
بعد أن حكم به للمدعي وأخذ من المشتري، فلا يرجع على بائعه بشئ إذ الظالم غيره وهو المدعي. (قوله: ولو بعد
الحكم الخ) غاية في إقامة البينة، فهي راجعة للمنفى (قوله: بالثمن) متعلق برجع: أي رجع على بائعه بالثمن الذي
دفعه له. (قوله: بخلاف ما لو أخذ الخ) مفهوم قوله غير إقرار: أي بخلاف ما لو أخذ ذلك الشئ من المشتري بإقراره
أنه ملك للمدعي فإنه لا يرجع على بائعه بشئ، لان إقراره للغير لا يكون حجة على البائع، ولا ملزما له أن يرجع
عليه. (قوله: أو بحلف الخ) معطوف على بإقراره: أي وبخلاف ما لو أخذ منه بحلف المدعي اليمين المردودة من

308
المشتري، بدليل قوله بعد نكوله، فإن المراد به بعد نكول المشتري عن اليمين، بأن قال المدعي له: إحلف أن هذا
الذي اشتريته ليس ملكي، فينكل فيحلف المدعي ويأخذ حقه، ولا يرجع المشتري على البائع، لأنه يعتقد أن هذا
البيع ملكه وأن المدعي غير محق. (قوله: ولو اشترى) أي شخص، وهذه المسألة قد تقدمت في باب الدعوى بأبسط
مما هنا. (وقوله: قنا) أي رقيقا، ذكرا كان أو أنثى. (قوله: وأقر) أي المشتري بأنه قن. (قوله: ثم ادعى) أي القن.
(وقوله: بحرية الأصل) أي بأنه حر أصالة. (قوله: وحكم له) أي لمدعي الحرية. (وقوله: بها) أي بالحرية. (قوله:
رجع) أي المشتري. (وقوله: بثمنه) أي الرقيق. (وقوله: على بائعه) متعلق برجع. (قوله: ولم يضر) أي في الرجوع
بالثمن. (وقوله: اعترافه) أي المشتري. (وقوله: برقه) أي ما اشتراه. (وقوله: لأنه) أي المشتري، وهو علة لعدم
الضرر. (وقوله: معتمد فيه) أي في اعترافه بالرق. (وقوله: على الظاهر) أي ظاهر اليد. (قوله: ولو ادعى شراء
عين) أي ادعى الملكية وبين السبب. (قوله: بملك مطلق) أي لم تبين فيه السبب. (قوله: قبلت) أي البينة. (قوله:
لأنها شهدت بالمقصود) أي وهو الملك، وأما السبب فهو تابع له. (قوله: ولا تناقض) أي والحال أنه لا تناقض بين
الدعوى والشهادة موجودة. (قوله: على الأصح) متعلق بقبلت. وعبارة التحفة: وفي الأنوار عن فتاوى القفال لو ادعى
شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، لكن رد بأن الصحيح أنها لا تسمع حتى تصرح له بالشراء، وفيه نظر بل
الأوجه الأول الخ. اه‍. (قوله: وكذا) متعلق بلم يضر بعد الواقع جواب لو: أي لم يضر كذا: أي كما لو ادعى شراء
عين الخ. وعدم الضرر فيه لم يصرح به، وإنما يفهم من قوله قبلت. (وقوله: ملكا مطلقا) أي لم يذكر سببه.
(وقوله: فشهدت) أي البينة. (وقوله: له) أي لمدعي الملك المطلق. (وقوله: به) أي بالملك. (وقوله: مع سببه)
أي مع ذكر سبب الملك. (قوله: لم يضر) أي ما زادته البينة من السبب. قال في التحفة: لان سببه تابع له، وهو
المقصود، وقد وافقت البينة فيه الدعوى. نعم: لا يكون ذكرهم السبب مرجحا لأنهم ذكروه قبل الدعوى به، فإن أعاد
دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك، رجحت حينئذ. اه‍. (قوله: وإن ذكر) أي المدعي. (وقوله: سببا) أي للملك
كشراء. (وقوله: وهم) أي وذكرهم: أي الشهود. (وقوله: سببا آخر) أي كإرث. (قوله: ضر ذلك) أي ذكرهم
السبب الآخر في شهادتهم. (قوله: للتناقض الخ) قال في التحفة: ويفرق بين هذا وما لو قال له علي ألف من ثمن
عبد، فقال المقر له لا بل من ثمن دار، بأنه يغتفر في الاقرار ما لا يغتفر في الشهادة المشترط فيها المطابقة للدعوى لا
فيه: أي الاقرار. اه‍. (قوله: لو باع) أي شخص. (قوله: ثم قامت الخ) أي ثم بعد البيع قامت بينة حسية، وهي
التي تشهد قبل الاستشهاد، سواء سبقها دعوى أم لا، وهي مأخوذة من احتسب بكذا أجرا عند الله، اعتده ينوي به
وجه الله تعالى. (قوله: إن أباه) أي أبى البائع. (قوله: وقفها) أي الدار المبيعة. (وقوله: عليه) أي على البائع
(قوله: ثم على أولاده) أي ثم من بعده تكون وقفا على أولاده. ولا بد أن تكون موقوفة من بعدهم على جهة عامة
كالفقراء لتصح شهادة الحسبة، لما سيأتي في الشارح أنها لا تصح إلا في حق مؤكد لله كطلاق، وعتق، ووقف لنحو
جهة عامة الخ. (قوله: إنتزعت) أي الدار. وهو جواب لو. (قوله: ورجع) أي المشتري. (قوله: ويصرف له) أي
للبائع: أي الذي وقفت الدار عليه. (قوله: من الغلة) أي غلة الدار مثلا: أي أجرتها، وهو بيان لما حصل. (قوله:

309
إن صدق البائع الشهود) أي في الوقفية. (قوله: وإلا) أي وإن لم يصدقهم. (وقوله: وقفت) أي الغلة، أي تبقى
موقوفة ولا تصرف على أحد. (قوله: فإن مات مصرا) أي على عدم تصديقهم. (وقوله: صرفت) أي الغلة. وانظر
حينئذ هل يبطل الوقف أو لا؟ مقتضى قوله لأقرب الناس إلى الواقف يؤيد الأول، وإلا لقال صرفت إلى أولاد البائع من
بعده، لأنهم مذكورون في صيغة الواقف، وأيضا قولهم في باب الوقف يشترط القبول من الموقوف عليه المعين، وإلا
بطل حقه. وبطل أصل الوقف إن كان عدم القبول من البطن الأول يؤيده. وعبارة المنهاج مع التحفة هناك: والأصح
أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله إن تأهل، وإلا فقبول وليه عقب الايجاب، أو بلوغ الخبر. ولو رد الموقوف عليه
المعين بطل بحقه منه. وخرج بحقه أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الأول بطل عليهما، أو من بعده فكمنقطع
الوسط. اه‍. بحذف. (قوله: بل تجب) أي الشهادة. (قوله: إن انحصر الامر فيه) أي في الشاهد، بأن لم يوجد
غيره. (قوله: بملك) متعلق بالشهادة. (قوله: استصحابا) حال من مقدر: أي تجوز الشهادة للشخص حال كونه
مستصحبا الخ. (وقوله: لما سبق) أي لسبب سبق الشهادة: أي وجد قبلها. (وقوله: من إرث) بيان لما. (وقوله:
وغيرهما) أي غير الإرث والشراء كهبة. (قوله: اعتمادا على الاستصحاب) هو عين قوله استصحابا، فأولى إسقاطه.
(قوله: لان الأصل البقاء) أي بقاء الملك، وهو علة للعلة. (قوله: وللحاجة لذلك) أي للاعتماد على الاستصحاب
في أداء الشهادة، وذلك لأنه لا يمكن استمرار الشاهد مع صاحبه دائما لا يفارقه لحظة، لأنه متى فارقه أمكن زوال
ملكه عنه، فتعذرت عليه الشهادة. (قوله: وإلا) أي وإن لم تجز الشهادة اعتمادا على الاستصحاب. (وقوله:
لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة) أي لأنه يقال فيها يحتمل زوال ملكه عنها. (قوله: ومحله) أي محل قبول
الشهادة اعتمادا على ما ذكر. (وقوله: لم يصرح) أي الشاهد في الشهادة بأنه اعتمد الاستصحاب، بأن يقول أشهد
أنه ملك له الآن، اعتمادا على ما سبق من أنه ورثه أو اشتراه. (قوله: وإلا) أي بأن صرح بذلك. (وقوله: لم تسمع)
أي الشهادة، قال في النهاية: لكن يتجه حمله على ما إذا ذكره على وجه الريبة والتردد، فإن ذكره لحكاية حال، أو
تقوية قبلت معه. اه‍. (قوله: ولو ادعيا الخ) المسألة الأولى قد تقدمت. (قوله: أي كل من اثنين) أي ادعى كل
واحد من اثنين. (قوله: فإن أقر) أي الثالث، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة، حلف لكل منهما يمينا وترك في يده.
(وقوله: به) أي بذلك الشئ. (قوله: سلم) أي ذلك الشئ. (وقوله: إليه) أي إلى الاحد المقر له. (قوله: وللآخر
تحليفه) أي وللمدعي الثاني تحليف المقر بأن هذا الشئ ليس ملكه. قال في النهاية: إذ لو أقر به له أيضا غرم له
بدله. اه‍. (قوله: وإن ادعيا شيئا على ثالث) أي أنكرهما، وإنما عدل عن قوله في المتن بيد ثالث إلى ما قال ليشمل
ما إذا لم يكن في يد البائع، كما ستأتي الإشارة إليه. (قوله: وأقام كل منهما) أي من المدعيين. (وقوله: أنه اشتراه
منه) أي وهو يملكه إن كان المبيع بغير يده، وإلا لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي. (قوله: وسلم ثمنه) قيد به لأجل قوله
بعد: ويرجعان عليه بالثمن. (قوله: فإن اختلف تاريخهما) أي كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب،
والأخرى أنه اشتراه في شعبان. (قوله: حكم للأسبق منهما) أي من البينتين. قال سم: ويلزم المدعى عليه للآخر
دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه، كما هو ظاهر. وكلام الروض صريح فيه. اه‍. (قوله: لان معها) أي مع

310
البينة التي هي أسبق تاريخا. (وقوله: زيادة علم) أي بثبوت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى. قال في
التحفة: ولان الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه. ولا نظر لاحتمال عوده إليه لأنه خلاف الأصل، بل
والظاهر. اه‍. (قوله: وإلا يختلف تاريخهما) أي البينتين معا، وهو صادق بثلاث صور: بأن لا يوجد تاريخ أصلا
منهما، وذلك بأن أطلقتا، وبما إذا وجد تاريخ من إحداهما، وبما إذا وجد منهما ولكنه متحد، وقد بينها بقوله بأن
أطلقتا الخ (قوله: سقطتا) أي البينتان. (قوله: لاستحالة أعمالهما) أي لاستحالة العمل بهما لتعارضهما. (قوله: ثم
إن أقر الخ) أي ثم بعد سقوطهما إن أقر المدعى عليه بأنه باع كلا منهما، أو أحدهما. فالحكم واضح وهو أنه في
الأولى يثبت البيع لأحدهما، ويرجع الآخر عليه بالثمن الذي سلمه له، لبطلان البيع بالنسبة له، وفي الثانية كذلك
يثبت البيع للمقر له، ويرجع الآخر عليه بالثمن. (قوله: وإلا) أي وإن لم يقر. (وقوله: حلف لكل منهما) أي بأنه ما
باعه. (قوله: ويرجعان عليه بالثمن) قال في شرح الروض: إذ لا تعارض فيه، لان بينة كل منهما شهدت بتوفية
الثمن، وإنما وقع التعارض في الدار لامتناع كونها ملكا لكل منهما في وقت واحد، فسقطتا فيها دون الثمن. اه‍.
ومحل رجوعهما عليه بالثمن ما لم تتعرض البينة لقبض المبيع، وإلا فلا يرجعان عليه به لتقرر العقد بالقبض، وليس
على البائع عهدة ما يحدث بعده. (قوله: ولو قال كل منهما الخ) هذه عكس المسألة السابقة، لان تلك في مشتريين
وبائع، وهذه في بائعين ومشتر، ومقصودهما الثمن وفي تلك العين. (قوله: والمبيع الخ) أي والحال أن المبيع في يد
المدعى عليه. (قوله: بعتكه بكذا وهو ملكي) مقول القول. قال سم: وانظر لو قال وهو في يدي هل يكفي كما قد
يدل عليه ما في التنبيه الآتي؟ اه‍. (قوله: وإلا) أي وإن لم يقل هو ملكي لم تسمع الدعوى. (قوله: فأنكر) أي
المدعى عليه الشراء منهما. (قوله: وأما) أي مدعيا البيع. (قوله: بما قالاه) أي من البيع عليه. (قوله: فإن اتحد
تاريخهما سقطتا) أي لامتناع كون العين ملكا لكل منهما في وقت واحد، فيحلف لكل منهما يمينا كما لو لم يكن
بينة، وتبقى له العين ولا يلزمه شئ. (قوله: وإن اختلف) أي تاريخهما. مثله ما لو أطلقتا، أو أطلقت إحداهما
وأرخت الأخرى. (قوله: لزمه الثمنان) أي لان التنافي غير معلوم والجمع ممكن، لكن يشترط أن يكون بينهما زمان
يمكن فيه العقد الأول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني ثم العقد الثاني، فلو عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه
ذلك لم يلزم الثمنان، ويحلف حينئذ لكل. اه‍. نهاية. (قوله: ولو قال الخ) شروع في حكم ما لو اختلف مؤجر
الدار مثلا والمستأجر في قدر ما استؤجر كالمثال المذكور. ومثله ما لو اختلفا في قدر الاجر، كأن قال أجرتك البيت
بعشرة، فقال: بل أجرتنيه بخمسة. أو فيهما معا، كأن قال أجرتك البيت بخمسة، فقال بل أجرتني جميع الدار
بثلاثة. (قوله: وأقاما بينتين) أي أطلقتا، أو إحداهما، أو اتحد تاريخهما، وكذا إذا اختلف تاريخهما، واتفقا على أنه
لم يجر إلا عقد واحد. اه‍. تحفة. (قوله: تساقطتا) أي البينتان، لتناقضهما في كيفية العقد الواحد. قال في شرح
الروض: ويفارق هذا ما لو شهدت بينة بألف وأخرى بألفين، حيث ثبتت الألفان بأنهما لا يتنافيان، لان الشهادة بالألف
لا تنفي الألفين، وهنا العقد واحد. اه‍. (قوله: ثم يفسخ العقد) أي عقد الإجارة، ويسلم المكتري أجرة مثل ما
سكن في الدار. (قوله: لا يكفي في الدعوى كالشهادة الخ) عبارة الروض وشرحه: ويشترط في دعوى المشتري من

311
غير ذي اليد أن يقول المدعي: اشتريتها منه وهي ملكه، أو تسلمتها منه، أو سلمها إلي، كالشهادة يشترط فيها أن
يقول الشاهد إشتراها من فلان وهي ملكه، أو إشتراها أو تسلمها منه أو سلمها إليه لا في دعوى الشراء من ذي، يد،
فلا يشترط فيها ذلك، بل يكفي ذكر اليد، لان اليد تدل على الملك. اه‍. (قوله: إذا كان) أي البائع غير ذي يد بأن
كان المبيع في يد شخص آخر غير البائع. (قوله: أو مع ذكر الخ) عطف على قوله مع ذكر ملك البائع: أي أو إلا مع
ذكر اليد فيكفي ذلك، لان اليد تدل على الملك كما مر. (قوله: إذا كانت اليد له) أي للبائع. (وقوله: ونزعت منه
تعديا) فيه أنه يكون حينئذ غير ذي يد، فيقال حينئذ ما الفرق بين هذه الصورة والتي قبلها؟ ويمكن أن يفرق بينهما
بحمل قوله في الصورة الأولى غير ذي يد على ما إذا لم يكن تحت يده أصلا، بأن ورثه من أبيه ولم يستلمه من وكيله
أو من وصيه، وحمل ما هنا على ما إذا دخل تحت يده ولكن انتزع منه. ولو أسقطه - كما في شرح الروض - لكان
أولى. (قوله: ولو ادعوا الخ) هذه المسألة ذكروها في باب الشهادة. (قوله: مالا) مفعول ادعوا. (وقوله: عينا الخ)
تعميم في المال. (قوله: لمورثهم) متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا ملكا لمورثهم. (قوله: وأقاموا شاهدا) أي
بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم. اه‍. نهاية. (قوله: وحلف معه بعضهم) أي وحلف مع الشاهد الذي
أقاموه بعض الورثة. قال في شرح الروض: فإذا حلفوا كلهم ثبت الملك له وصار تركة تقضى منها ديونه
ووصاياه. اه‍. (قوله: على استحقاق مورثه الكل) أي المال، ولا يقتصر على قدر حصته، لأنه إنما يثبت الملك
لمورثه. وكذا لو حلفوا كلهم لما ذكر. (قوله: أخذ نصيبه) قال في شرح الروض: ويقضي من نصيبه قسطه من الذين
والوصية لا الجميع. اه‍. (قوله: ولا يشارك) بالبناء للمجهول. (وقوله: فيه) نائب فاعله، وضميره يعود على نصيبه
الذي أخذه. (قوله: من جهة البقية) أي بقية الورثة. (قوله: لان الحجة تمت الخ) علة عدم المشاركة. (وقوله: في
حقه) أي الحالف. (قوله: وغيره) أي ولان غير الحالف قادر عليها، أي الحجة. (وقوله: بالحلف) متعلق بقادر.
(قوله: وأن يمين الانسان الخ) علة ثالثة لعدم المشاركة. (وقوله: لا يعطى بها) أي بيمين الانسان. (وقوله: غيره)
أي غير الانسان صاحب اليمين. (قوله: فلو كان الخ) مرتب على محذوف تقديره: ويبطل حق كامل لم يحلف بنكوله
إن حضر في البلد، وكان قد شرع في الخصومة أو شعر بها، فلو كان بعض الورثة صبيا الخ. (قوله: حلف إذا بلغ)
راجع للصبي. (وقوله: أو حضر) راجع للغائب. (قوله: وأخذ) أي وأخذ كل منهما. (وقوله: نصيبه) أي حصته
(قوله: بلا إعادة دعوى وشهادة) أي لأنهما وجدا أولا من الكامل خلافة عن الميت. (قوله: ولو أقر) أي شخص بدين
لميت. (قوله: فأخذ بعض ورثته) أي الميت من ذلك الدين المقر به. (قوله: ولو بغير دعوى) غاية في الاخذ.
(وقوله: ولا إذن من حاكم) أي في الاخذ. (قوله: فللبقية) أي بقية الورثة. (وقوله: مشاركته) أي مشاركة بعض
الورثة في القدر الذي أخذه. (قوله: ولو أخذ أحد شركائه) أي الشخص (وقوله: في دار متعلق بشركاء) أي شركائه
في نفس الدار. (وقوله: أو منفعتها) معطوف على في الدار: أي أو شركائه في منفعة الدار، بأن كان موصى بها
لجماعة. (قوله: ما يخصه) مفعول أخذ. (وقوله: من أجرتها) بيان لما. (قوله: لم يشاركه فيه) أي فيما أخذه مما
يخصه من أجرتها. (قوله: بقية الورثة) صوابه بقية الشركاء، كما في بعض نسخ الخط. والله سبحانه وتعالى أعلم.

312
فصل في الشهادات
شروع في القسم الثاني من ترجمة الباب السابق، وهو البينات. وإنما أفرده بفصل مستقل لطول الكلام على
القسم الأول وهو الدعاوي، ولان الباب ما اشتمل على فصول، فلا يقال إنه في الباب السابق ترجم للبينات ولم
يذكرها فيه.
(قوله: جمع شهادة) وإنما جمعها لتنوعها كما مر بيانه والأصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (ولا
تكتموا الشهادة) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) *. وقوله تعالى: * (واستشهدوا
شهيدين من رجالكم) *. وأخبار كخبر الصحيحين: ليس لك إلا شاهداك أو يمينه. أي ليس لك يا مدعي في
إثبات الحق على خصمك إلا شاهداك، وليس لك في فصل الخصومة بينك وبينه عند عدم البينة إلا يمينه، وكخبر
البيهقي والحاكم وصحح إسناده أنه (ص): سئل عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال نعم. فقال: على
مثلها فاشهد أو دع. وقوله: على مثلها الخ: المراد إن كنت تعلم الشئ الذي تريد الشهادة به مثل الشمس فاشهد
به، وإن كنت لا تعلمه مثلها فاترك الشهادة به.
وأركانها خمسة: شاهد ومشهود به ومشهود عليه ومشهود له وصيغة. وكلها تعلم من كلامه.
(قوله: وهي) أي الشهادة شرعا ما ذكر. وأما لغة فمعناها الاطلاع والمعاينة كما في المصباح. (وقوله: إخبار
الشخص الخ) عرفها بعضهم بأنها إخبار عن الشئ بلفظ خاص، وهو أولى لشموله لنحو هلال رمضان، بخلاف تعريف
الشارح. (قوله: بحق على غيره) أي لغيره. (قوله: بلفظ خاص) أي على وجه خاص، بأن تكون عند قاض
بشرطه. اه‍. رشيدي والمراد باللفظ الخاص لفظ أشهد لا غير، فلا يكفي إبداله بغيره ولو كان أبلغ، لان فيه نوع تعبد.
(قوله: الشهادة الخ) شروع في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود، وما لا يعتبر فيه ذلك. (وقوله: لرمضان)
أي وتوابعه كتعجيل زكاة الفطر في اليوم الأول، ودخول شوال، وصلاة التراويح. (قوله: أي لثبوته) أي رمضان، وأفاد
بهذا التفسير أن الشهادة ليست لنفس رمضان، وإنما هي لاثباته. (قوله: بالنسبة للصوم فقط) أي لا بالنسبة لحلول أجل أو
لوقوع طلاق، كما مر في باب الصوم. (قوله: رجل) خبر عن الشهادة، ولا بد من تقدير مضاف في الأول أو الثاني
ليتطابق المبتدأ والخبر، وذلك لان الشهادة ليست عين الرجل: إذ هي اسم معنى، وهو جثة. وتقديره في الأول ذو
الشهادة لرمضان رجل، وفي الثاني الشهادة لرمضان شهادة رجل، ويصح أن يكون رجل فاعلا لفعل محذوف مع متعلقه،
والتقدير يكفي فيها رجل، وهذا أقعد من جهة المعنى إلا أنه يرد عليه أن حذف العامل لا يجوز إلا مع القرينة، ولا قرينة



(1) سورة البقرة، الآية: 283.
(2) سورة الطلاق، الآية: 2.
(3) سورة البقرة، الآية: 282.
313
هنا، إلا أن يدعي المقام، ومثل ذلك يجري في جميع ما يأتي. (قوله: لا امرأة وخنثى) أي فلا يثبت بهما هلال رمضان
لنقصهما. (قوله: ولزنا ولواط) معطوفان على قوله لرمضان: أي والشهادة لزنا ولواط: أي وإتيان بهيمة أو ميتة. (قوله:
أربعة من الرجال) أي لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *.
ولان الزنا أقبح الفواحش، وإن كان القتل أغلظ منه على الأصح، فغلظت الشهادة فيه سترا من الله تعالى على عباده،
واشتراط الأربعة فيهما إنما هو بالنسبة لاثبات الحد أو التعزيز، أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه
فيثبت برجلين، وقد يشكل على ثبوت ما ذكر بهما ما مر في باب حد القذف من أن شهادة ما دون الأربعة بالزنا تفسقهم
وتوجب حدهم، فكيف يتصور هذا. وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر، فقولهما
بقصد الخ ينفي عنهما الحد والفسق، لأنهما صرحا بما ينفي أن يكون قصدهما إلحاق العار به الذي هو موجب حد
القذف. (قوله: يشهدون الخ) بيان لكيفية الشهادة بالزنا واللواط. (قوله: أنهم) أي الأربعة. (وقوله: رأوه) أي الزاني أو
اللائط. (قوله: مكلفا مختارا) حالان من فاعل أدخل. (قوله: حشفته) أي أو قدرها من مقطوعها، وهو مفعول أدخل.
(قوله: في فرجها) متعلق بأدخل، ولا بد من تعيينها كهذه، أو فلانة. (وقوله: بالزنا) متعلق بأدخل: أي على وجه الزنا،
ولا بد من ذكر ذلك أو ما يفيد معناه، كأن يقول على وجه محرم. (قوله: لا يشترط ذكر زمان ومكان) أي زمان الزنا
ومكانه. (قوله: إلا إن ذكره) أي المذكور من الزمان والمكان. (وقوله: أحدهم) أي أحد الشهود الأربعة. (قوله: فيجب
سؤال الباقين) أي عن الزمان والمكان. (قوله: لاحتمال) علة للوجوب. (وقوله: وقوع تناقض) أي إذا سئلوا عنهما.
وذلك كأن تذكر بقية الشهود زمانا أو مكانا غير الذي ذكره الشاهد الأول، كأن يقول أحد الشهود رأيته زنى أول النهار في
المكان الفلاني، ويقول الباقون رأيناه زنى آخر النهار في المكان الفلاني غير المكان الأول، فهذا تناقض وخلف وقع
بينهم، وهو يسقط الشهادة أو يبطلها. (قوله: ولا ذكر رأينا الخ) أي ولا يشترط ذكر رأيناه أدخل حشفته في فرجها كدخول
المرود في المكحلة، والمرود - بكسر الميم - الميل. (قوله: بل يسن) أي ذكر رأيناه كالمرود في المكحلة. (قوله:
ويكفي للاقرار به) أي الزنا: أي وما ألحق به من اللواط، وإتيان البهيمة والميتة. (وقوله: اثنان) أي شهادة اثنين.
(وقوله: كغيره) أي كغير الاقرار بالزنا من الأقارير، فإنه يكفي فيها اثنان. (قوله: ولمال) معطوف على لرمضان أيضا:
أي والشهادة لمال (قوله: عينا كان) أي ذلك لمال كدار وثوب (وقوله: أو منفعة) أي لدار ونحوها. (قوله: وما قصد به
مال) أي وللشئ الذي قصد منه مال. (قوله: من عقد) بيان لما. (وقوله: مالي) أي متعلق بالمال (قوله: أو حق مالي)
أي متعلق بالمال، ولم يمثل له إلا بمثال واحد وهو الخيار. (قوله: كبيع) تمثيل للعقد المالي. (قوله: وحوالة) معطوف
على بيع، عطف الخاص على العام، ومثله جميع الأمثلة الآتية ما عدا الخيار فإنها للعقد إذ هي بيع دين بدين فهي تمثيل
أيضا للعقد المالي. (قوله: وضمان) هو مثال للعقد المالي أيضا. وفي حواشي شرح المنهج جعله مثالا للحق المالي
وليس كذلك: إذ هو عقد. (قوله: ووقف) هو مثال أيضا للعقد المالي: أي الذي قصد منه المال. وفي حاشية الباجوري
جعله من الحق المالي وليس كذلك، إذ هو عقد أيضا. وكتب البجيرمي على قول الخطيب: تنبيه من هذا الضرب الوقف
ما نصه، لان المقصود منه فوائده أو أجرته وهي مال. وصورة المسألة، أن شخصا ادعى ملكا تضمن وقفية، كأن قال هذه
الدار كانت لأبي ووقفها علي. وأنت غاصب لها، وأقام شاهدا وحلف معه، حكم له بالملك، ثم تصير وقفا بإقراره، وإن



(1) سورة النور، الآية: 4.
314
كان الوقف لا يثبت بشاهد ويمين. قاله في البحر. م. ر. اه‍. (قوله: وقرض) هو وجميع ما بعده ما عدا الخيار من العقد
المالي، أما الخيار فمن الحق المالي كما علمت، ومثله جناية توجب مالا. وجعل البجيرمي الاجل أيضا من الحق
المالي، وفيه نظر لأنه لا بد أن يكون مصرحا به في العقد، فهو من متعلقات العقد لا الحق. (قوله: رجلان الخ) خبر
المبتدأ المقدر قبل قوله لمال: أي والشهادة لمال وما قصد به مال يكفي فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين،
وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * أي إن لم ترغبوا في إقامة الرجلين، وليس المراد أنه لا
يكفي الرجل والمرأتان إلا عند تعذر الرجلين، بدليل الاجماع على خلافه ولعموم البلوى بالمعاملات ونحوها، فوسع في
طرق إثباتها، واستثنى في التحفة من الاكتفاء بشهادة من ذكر: الشركة والقراض، والكفالة. وقال: أما هي فلا بد فيها من
رجلين ما لم يرد في الأولين إثبات حصة من الربح. اه‍. (قوله: ولا يثبت شئ بإمرأتين ويمين) أي ولو فيما يثبت
بشهادة النساء منفردات، وذلك لعدم ورود ذلك ولضعفهما. وإنما قام المرأتان مقام الرجل في الرجل والمرأتين لوروده.
(قوله: ولغير ذلك) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لغير ذلك المذكور من رمضان وما بعده. (وقوله: أي ما
ليس بمال ولا يقصد منه مال) تفسير لغير ذلك، لا لاسم الإشارة كما هو ظاهر. وكان عليه أن يزيد وما ليس برمضان ولا
زنا، لأنهما من جملة المذكور قبل. (قوله: من عقوبة لله تعالى) بيان لما، وهو على حذف مضاف: أي من موجب عقوبة
كشرب وسرقة، لان الشهادة له لا لها. (وقوله: كحد شرب) أي شرب خمر، وهو تمثيل للعقوبة. (قوله: وسرقة) أي
وحد سرقة. (قوله: أو لآدمي) معطوف على لله. أي أو عقوبة لآدمي، وهو على حذف مضاف أيضا كالذي قبله: أي
موجب عقوبة لآدمي. (قوله: كقود) أي قصاص، وهو تمثيل لعقوبة الآدمي (قوله: ومنع أرث) عطف على قود المجعول
مثالا لعقوبة الآدمي، وهو يفيد أنه مثال لها أيضا. وفيه نظر إلا أن يراد من العقوبة مطلق أذية، حسية كانت أو معنوية.
تأمل. (قوله: بأن ادعى الخ) تصوير لمنع الإرث. (قوله: ولما يظهر للرجال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة
لما يظهر للرجال الخ. (وقوله: غالبا) أي في غالب الأحوال، وقد لا يظهر على سبيل الندور، فقد يتفق أن الرجل يطلق
زوجته من غير حضور رجال، بل بحضور النساء، ومع ذلك فلا عبرة بهن. (قوله: كنكاح) قال سم نقلا عن ابن العماد:
يجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات، ولا يكفي الضبط بيوم العقد، فلا يكفي أن النكاح عقد يوم
الجمعة مثلا، بل لا بد أن يزيدوا على ذلك بعد الشمس مثلا بلحظة أو لحظتين، أو قبل العصر أو المغرب كذلك. لان
النكاح يتعلق به لحاق الولد لستة أشهر ولحظتين من حين العقد، فعليهم ضبط التاريخ بذلك لحق النسب. وهذا مما
يغفل عنه في الشهادة بالنكاح. اه‍. وفي المغني.
(تنبيه) يستثنى من النكاح ما لو ادعت أنه نكحها وطلقها، وطلبت شطر الصداق، أو أنها زوجة فلان الميت،
وطلبت الإرث فيثبت ما ادعته برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، وإن لم يثبت النكاح بذلك، لان مقصودها المال. ومن
الطلاق ما لو كان بعضو وادعاه الزوج فإنه يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهدين ويمين. اه‍.
(قوله: ورجعة) ذكرها مبني على القول باشتراط الاشهاد فيه، والمعتمد خلافه، فلا تحتاج إلى إشهاد رأسا فضلا
عن اشتراط الرجلين فيها. (قوله: وطلاق) أي بعوض أو غيره إن ادعته الزوجة. فإن ادعاه الزوج بعوض يثبت بشاهد
ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهد ويمين. زي. وفيه أن الطلاق ثبت بإقراره، والثابت بالرجل واليمين إنما هو



(1) سورة البقرة، الآية: 282.
315
العوض. اه‍. بجيرمي. (قوله: وقراض ووكالة) محل اشتراط الرجلين فيهما. وفي الوصاية وفي الشركة إن أريد
عقودها والولاية فيها. فإن أريد إثبات الجعل في الوكالة والوصاية، وإثبات حصته من المال في الشركة، وحصته من
الربح فيها وفي القراض، قبل فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين، لان المقصود منها المال حينئذ. وقد تقدم
التنبيه على بعض ذلك. (قوله: ووديعة أي ادعى مالكها غصب ذي اليد لها، وذو اليد أنها وديعة، فلا بد من شاهدين،
لان المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له، وعدم الضمان يترتب على ذلك. اه‍. تحفة. (قوله: ووصاية) أي فالشهادة
للوصاية: أي بأن فلانا وصى فلانا، لا بد فيها من رجلين لقوله تعالى: * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين
الوصية اثنان) * الخ. (قوله: ورؤية هلال غير رمضان) أي أما رؤية هلال رمضان فتثبت بواحد كما تقدم. والراجح عند
غير شيخ الاسلام وابن حجر: أن رؤية هلال غير رمضان تثبت بواحد بالنسبة للعبادة كرؤية هلال رمضان، فتقبل شهادة
الواحد بهلال شوال للاحرام بالحج، وصوم ستة أيام من شوال، وبهلال ذي الحجة للوقوف، وللصوم في عشره، ما عدا
يوم العيد، وبهلال رجب للصوم فيه، وبهلال شعبان لذلك، حتى لو نذر صوم شهر فشهد واحد بهلاله وجب. (قوله:
وشهادة على شهادة) أي بأن يشهد اثنان على شهادة كل من الشاهدين، بنحو قرض لغيبتهما مثلا. (قوله: وإقرار بما لا
يثبت إلا برجلين) وهو ما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وما بعده. ولو قال وإقرار بها: أي بهذه المذكورات لكان أولى، ومثل
الاقرار بذلك الاقرار بما لا يثبت إلا بأربعة رجال كالزنا كما مر، أما الاقرار بما يثبت بهما، أو برجل ويمين، مما مر من
المال، أو ما يقصد به مال، فيكفي فيه ذلك أيضا كما صرح به في الروض. وعبارته: الضرب الثالث المال، وما المقصود
منه المال كالأعيان والديون والعقود المالية، وكذا الاقرار به يثبت برجلين، أو رجل وامرأتين. اه‍. فقوله وكذا الاقرار به:
هو محل الاستشهاد. (قوله: لا رجل وامرأتان) أي ولا رجل ويمين. (قوله: لما روى مالك الخ) أي ولأنه تعالى نص في
الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين، وصح به الخبر في النكاح. اه‍. تحفة. (وقوله: مضت السنة) أي استقرت
بأنه، أي على أنه الخ. أو حكمت، ونسبة الحكم إليها مجاز، والسنة الطريقة: أي شريعة النبي (ص)، وهي الأحكام الشرعية لا مقابل الفرض. اه‍. ش ق. (قوله: وقيس بالمذكورات) أي في الخبر، وهي الحدود والنكاح والطلاق.
(وقوله: غيرها) أي المذكورات، نائب فاعل قيس. (قوله: مما يشاركها في المعنى) أي وهو كل ما ليس بمال، ولا هو
المقصود منه. ولا نظر لرجوع الوصاية والوكالة للمال، لان القصد منهما إثبات الولاية لا المال. اه‍. تحفة. (قوله: ولما
يظهر للنساء) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة للحق الذي يظهر للنساء. (وقوله: غالبا) أي في غالب
الأحوال، وقد يظهر للرجال على سبيل الندور. (قوله: كولادة) أي ادعتها وأنكرها الرجل، فتثبت بهن. قال في التحفة:
إذا ثبتت الولادة للنساء ثبت النسب، والإرث تبعا. لان كلا منهما لازم شرعا للمشهود به لا ينفك عنه، ويؤخذ من ثبوت
الإرث فيما ذكر ثبوت حياة المولود، وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة، لتوقف الإرث عليها، أعني الحياة، فلم
يمكن ثبوته قبل ثبوتها، أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود، فظاهر أنهن لا يقبلن، لان الحياة من حيث هي مما
يطلع عليه الرجل غالبا. اه‍. بحذف. (قوله: وحيض) أي ادعته لأجل العدة فأنكر. وفي البجيرمي ما نصه: قوله
وحيض - هو صريح في إمكان البينة عليه، وبه صرح النووي في أصل الروضة، ونقله في فتاويه عن ابن الصباغ، وصوبه
بعضهم خلافا لما في الروضة، كأصلها في كتاب الطلاق من تعذر إقامة البينة عليه. ورجح بعضهم ما هنا، وحمل في



(1) سورة المائدة، الآية: 106.
316
الطلاق من التعذر على التعسر. اه‍. وإنما كان متعسرا. لان الدم وإن شوهد احتمل أنه استحاضة. (قوله: وبكارة) أي
فيما إذا شرطت في العقد وادعى زوجها أنه وجدها ثيبا وأراد الفسخ، وأنكرت ذلك وادعت أنها بكر إلى الآن وأقامت أربع
نسوة على دعواها فيقبلن. (وقوله: وثيابة) في بعض نسخ الخط وثيوبة - بالواو - وهي ضد البكارة، وصورتها أن يكون قد
طلقها وادعى أنه طلقها وهي بكر لتشطير المهر عليه، فادعت أنها ثيب بوطئه لها ليستقر المهر كله لها وأقامت أربع نسوة
على ذلك فيقبلن. (قوله: ورضاع) أي إذا كان من الثدي، أما إذا كان من إناء فلا يقبلن فيه، لان ذلك يطلع عليه الرجال
غالبا. نعم: يقبلن في أن هذا اللبن الذي في هذا الاناء من هذه المرأة، لان الرجال لا يطلعون عليه غالبا. (قوله: وعيب
امرأة) أي كرتق، وقرن، وجرح على فرجها، حرة كانت أو أمة. (وقوله: تحت ثيابها) المراد به ما لا يطلع عليه الرجال
غالبا. وخرج به عيب الوجه واليد من الحرة، فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين، وكذا ما يبدو عند مهنة الأمة إذا
قصد به فسخ النكاح مثلا، أما إذا قصد به الرد في العيب، فيثبت برجل وامرأتين، وشاهد ويمين: لان القصد منه حينئذ
المال. لا يقال كون هذا مما يطلع عليه الرجال غالبا، إنما يظهر على القول بحل النظر إلى ذلك لا على المعتمد من
تحريمه، لأنا نقول الوجه والكفان يطلع عليهما الرجال غالبا. وإن قلنا بتحريم النظر لهما لأنه جائز لمحارمها وزوجها بل
للأجنبي لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة. (قوله: أربع من النساء) خبر عن الشهادة المقدرة قبل قوله ولم يظهر الخ.
(واعلم) أن ما قبلت فيه شهادة النساء على فعله، لا تقبل شهادتهن على الاقرار به، لأنه مما يطلع عليه الرجال
غالبا بالسماع كسائر الأقارير.
(قوله أو رجلان الخ)..
(واعلم) أن قبول شهادة من ذكر معلوم بالأولى، لأنه إذا قبلت شهادتهن منفردات قبلت شهادة الرجلين، والرجل
والمرأتين بالأولى.
(قوله: لما روى الخ) دليل للاكتفاء بشهادة الأربع النسوة فيما لا يظهر للنساء غالبا. (قوله: من ولادة الخ) بيان
لما. (وقوله: وعيوبهن) أي كالرتق وما بعده مما مر. (قوله: وقيس بذلك) أي بالمذكور في الحديث من الولادة
والعيوب. (وقوله: غيره) أي غير المذكور في الحديث مما هو في معناه من كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كالحيض وما
بعده مما مر. (قوله: ولا يثبت ذلك) أي ما يظهر للنساء غالبا برجل ويمين، لأنها حجة ضعيفة. وعيوب النساء ونحوها
مما في معناها أمور مخطرة تحتاج إلى حجة قوية. (قوله: وسئل الخ) الغرض من إيراد ما ذكر، بيان أن البلوغ قد يثبت
بالنسوة تبعا لما يقبلن فيه، وإن كان استقلالا لا يثبت إلا برجلين. (قوله: أن فلانة يتيمة) يحتمل أن هذا علم عليها،
ويحتمل الوصف. (قوله: ولدت) بالبناء للمجهول. (وقوله: شهر مولده) أي مولد فلان الذي شهد رجلان ببلوغه ست
عشرة سنة. (وقوله: أو قبله) أي أو ولدت قبل شهر مولده. (وقوله: أو بعده) أي أو بعد شهر مولده. (وقوله: بشهر)
متعلق بولدت المقدر. وقوله: مثلا) أي أو بشهرين. (قوله: فهل يجوز تزويجها) أي فيما إذا توقف على إذنها بأن لم
يكن لها ولي مجبر. (قوله: اعتمادا على قولهن) أي في ثبوت الولادة. (قوله: أو لا يجوز) أي تزويجها. (قوله: إلا بعد

317
ثبوت بلوغ نفسها) أي إلا بعد أن تثبت بلوغها بنفسها برجلين. (قوله: نعم يثبت ضمنا) أي تبعا للولادة (وقوله: من
شهدن) بنون النسوة. (قوله: كما يثبت النسب) أي تبعا للولادة، كما تقدم في عبارة التحفة. (قوله: فيجوز تزويجها
الخ) مفرع على ثبوت البلوغ بولادتها. (قوله: لو أقامت شاهدا الخ) أي إذا ادعت دخوله عليها ليستقر المهر كلها، وأنكر
الزوج ليتشطر المهر، فأقامت شاهدا على أنه أقر بأنه دخل عليها، كفى حلفها مع ذلك الشاهد. لان القصد المال وما كان
القصد منه ذلك يكفي فيه شاهد ويمين كما مر. (وقوله: ويثبت المهر) أي كله بذلك. (قوله: أو أقامه الخ) أي إذا ادعى
دخوله عليها لتثبت العدة إذا طلقها، والرجعة إذا كان رجعيا، وأنكرته هي لئلا يكون عليها عدة، ولا تثبت له الرجعة، لان
الطلاق قبل الوطئ لا عدة فيه ولا رجعة. وأقام شاهدا على إقرارها بالدخول فلا يكون الحلف معه، لأنه ليس القصد المال
بل العدة والرجعة، وما كان كذلك لا بد فيه من رجلين كما مر. (قوله: وشرط في شاهد الخ) شروع في بيان شروط
الشاهد، وذكر منها هنا خمسة شروط، وسيذكر ثلاثة وهي عدم التهمة، والابصار والسمع في المبصرات والمسموعات،
وسيذكر محترزات الجميع، وبقي عليه في الشروط الاسلام والنطق، والرشد، فلا تقبل الشهادة من كافر ولو على مثله،
لأنه أخس الفساق، ولقوله تعالى: * (واستشهدوا شاهدين من رجالكم) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) *. والكافر ليس من رجالنا وليس بعدل، وأما خبر: لا تقبل شهادة أهل دين على غيرهم إلا المسلمون فإنهم
عدول على أنفسهم وعلى غيرهم فضعيف، وأما قوله تعالى: * (أو آخران من غيركم) * فمعناه من غير عشيرتكم، أو
منسوخ بقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. ولا من أخرس وإن فهم إشارته كل أحد فلا يعتد بشهادته بها، كما لا
يحنث فيما لو حلف لا يتكلم ولا تبطل صلاته بها، فهي لاغية في هذه الأبواب الثلاثة، ومعتبرة في غيرها، ولا من
محجور عليه بسفه لنقصه.
(واعلم) أن هذه الشروط يعتبر وجودها في الشاهد عند التحمل، والأداء في النكاح لتوقف صحته على الشهود،
وعند الأداء فقط في غيره، فيجوز أن يتحملها وهو غير كامل، ثم يؤديها وهو كامل.
(قوله: فلا تقبل من صبي) أي لقوله تعالى: * (من رجالكم) *. والصبي ليس من رجالنا فلا تقبل شهادته ولو
لمثله أو عليه، خلافا للامام مالك رضي الله عنه حيث قبل شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجراحات ما لم يتفرقوا.
(وقوله: ومجنون) أي فلا تقبل شهادته بالاجماع. (قوله: ولا ممن به رق) أي ولا تقبل الشهادة ممن فيه رق كسائر
الولايات، إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير، وهو نوع ولاية. ولأنه مشغول بخدمة سيده فلا يتفرغ لتحمل الشهادة ولا
لأدائها. اه‍. شرح الروض. (قوله: ولا من غير ذي مروءة) أي ولا تقبل الشهادة من غير صاحب مروءة، وهي - بضم
الميم - لغة: الاستقامة، وشرعا ما سيذكره. (قوله: لأنه) أي غير صاحب مروءة، لا حياء له.
(قوله: ومن لا حياء له يقول ما شاء) أي لقوله (ص): إذا لم تستح فاصنع ما شئت. (قوله: وهي) أي المروءة شرعا، ومعناها لغة ما تقدم.
(وقوله: توقي الأدناس) أي التحرز من كل دنس، أي خسيس لا إثم فيه. أو فيه إثم كسرقة لقمة. (وقوله: عرفا) راجع



(1) سورة البقرة، الآية: 282.
(2) سورة الطلاق، الآية: 2.
(3) سورة المائدة، الآية: 106.
318
للأدناس، فالمراد من الدنس، ما يعد في العرب دنسا، فهو لا ينضبط، بل يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال
والأماكن. وعبارة المنهاج: والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه. قال في المغني: لأن الأمور العرفية قلما
تنضبط، بل تختلف باختلاف الاشخاص والأزمنة والبلدان، وهي بخلاف العدالة فإنها لا تختلف بإلاختلاف
الاشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف. وقيل المروءة التحرز. عما يسخر
منه ويضحك به. وقيل هي أن يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس، وقيل غير ذلك. اه‍. وقوله: وقيل غير
ذلك، منه: المروءة ترك ما يزري بمتعاطيه لكونه غير لائق به عرفا، وهذه التعاريف متقاربة من جنة المعنى.
(واعلم) أنه يجوز تعاطي خارم المروءة، إلا إذا تعينت عليه الشهادة فيحرم عليه تعبه. وقد فقدت المروءة الآن إلا
من القليل من الناس. وما أحسن ما قيل فيها:
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة؟
فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا؟
(قوله: فيسقطها) أي المروءة. (وقوله: الأكل والشرب في السوق) أي ونحوه من كل مكان لا يعتاد فيه ذلك،
فالسوق ليس بقيد. ومحل إسقاطهما للمروءة حيث لا عذر، وإلا كأن غلبه جوع أو عطش واضطر إلى ذلك فيه، أو كان
صائما وقصد المبادرة لسنة الفطر فلا يسقطانها، ومحله أيضا كما في النهاية فيما إذا أكل أو شرب خارج الحانوت، أما لو
أكل داخل الحانوت وكان مستترا فيه، بحيث لا ينظره غيره ممن هو خارجه، فلا يضره ذلك ولم يرتض. هذا في التحفة
ونصها: قال البلقيني أو أكل داخل حانوت مستترا ونظر فيه غيره، وهو الحق فيمن لا يليق به ذلك. اه‍. (قوله: والمشي
الخ) بالرفع معطوف على الاكل: أي ويسقطها المشي في السوق حال كونه كاشفا ما ذكر، والمشي ليس بقيد. (وقوله:
أو بدونه) أي غير العورة، أما كشف العورة فحرام. (قوله: لغير سوقي) متعلق بكل من الأكل والشرب والمشي، فإن
صدرت هذه الثلاثة من السوقي فلا تسقط مرؤته. (قوله: وقبلة الحليلة الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها
أيضا قبلة الحليلة، زوجة كانت أو أمة بحضرة الناس. وفي المغني ما نصه: قال البلقيني: والمراد بالناس الذين يستحيي
منهم في ذلك، وبالتقبيل الذي يستحيي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها، فإن
ذلك لا يعد من ترك المروءة. وأما تقبيل الرأس ونحوه فلايخل بالمروءة. اه‍. بتصرف. ولا يرد على إسقاط القبلة لها
تقبيل ابن عمر رضي الله عنهما أمته التي وقعت في سهمه، لأنه كان تقبيل إستحسان لإغاظة الكفار لا تمتع، أو كان بيانا
للجواز، ومثل القبلة في إسقاط المروءة وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه. (قوله: وإكثار الخ) بالرفع
أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها إكثار ما يضحك من الحكايات بين الناس، ومحله إن قصد ضحك الجالسين، فإن
لم يقصده لكون ذلك طبعه لم يعد خارما للمروءة، كما وقع ذلك لبعض الصحابة، وفي الصحيح، من تكلم بالكلمة
يضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار سبعين خريفا. (قوله: أو لعب شطرنج) بالجر عطف على ما يضحك: أي
وإكثار لعب شطرنج بحيث يشغله عن مهماته، والكلام إذا خلا عن المال، وإلا فحرام كما سيذكره. (قوله: أو رقص) هو
بالجر أيضا عطف على ما: أي وإكثار رقص والكلام أيضا حيث لم يكن تكسر، وإلا فهو حرام. (قوله: بخلاف قليل
الثلاثة) أي ما يضحك ولعب شطرنج والرقص فإنه لا يسقطها، ومما يسقطها أيضا إكثار الغناء - بكسر الغين - والمد، أو
استماعه. ويسقطها أيضا حرفة دنيئة كحجم وكنس زبل ودبغ ممن لا تليق به لاشعارها بالخسة، بخلافها ممن تليق به،
وإن لم تكن حرفة آبائه فلا يسقطها. (قوله: ولا من فاسق) عطف على قوله من صبي: أي ولا تقبل الشهادة من فاسق
لقوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، وهو ليس بعدل. (قوله: واختار جمع الخ) قال في التحفة: رده ابن

319
عبد السلام بأن مصلحته: أي المشهود له يعارضها مفسدة المشهود عليه. (وقوله: قضى الحاكم بشهادة الأمثل فالأمثل)
أنظر ما المراد به؟ ولعله الأخف فسقا. (قوله: والعدالة الخ) هي لغة التوسط، وشرعا ما ذكره وهو اجتناب الكبائر
والإصرار على الصغائر. وقيل هي ملكة في النفس تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة. (قوله: باجتناب كل كبيرة)
أي بالتباعد عنها والترك لها، وعبارته من عموم السلب، فتفيد أنه متى ارتكب كبيرة انتفت عنه العدالة. (قوله: كالقتل
الخ) أفادت كاف التمثيل مع الضابط الآتي أن الكبائر أشياء كثيرة. قال في المغني: قال ابن عباس هي إلى السبعين
أقرب. وقال سعيد بن جبير أنها إلى السبعمائة أقرب. اه‍. وقد نظم بعضهم جملة منها فقال:
إذا رمت تعداد الكبائر آخذا عن المصطفى والصحب كي تبلغ الغرف
فشرك وقتل ثم سحر مع الربا فظلم اليتامى والفرار إذا زحف
عقوق وإلحاد وتبديل هجرة وسكر ومن يزني ويسرق أو قذف
وزور وتقذير ببول نميمة غلول ويأس أو من المكر لم يخف
وإضرار موص منع ماء ونحلة ونسيان قرآن كذا سبه السلف
وسوء ظنون والذي وعده أتى بنار ولعن أو عذاب فخذ ووف
وقوله: منع ماء: أي عن ابن السبيل. وقوله: ونحلة: أي مهر، ويروى وفحله، أي ومنع فحله. وفي الزواجر
أخرج البزار بسند فيه ضعف: أكبر الكبائر: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، ومنع فضل الماء، ومنع الفحل.
(قوله: واليمين الغموس) بفتح المعجمة: أي الفاجرة، وهي التي يبطل بها حق، أو يثبت بها باطل. وسميت
بذلك لأنها تغمس الحالف في الاثم في الدنيا، وفي النار في الأخرى. قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على مال
امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان. وقال عليه السلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله
له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك. (قوله:
والفرار من الزحف) أي الانصراف من الصف لزحف الكفار على المسلمين، وتقدم الكلام عليه في مبحث الجهاد،
فارجع إليه إن شئت. (وقوله: بلا عذر) أما إذا كان لعذر كمرض، وكالانصراف من الصف لأجل أن يكمن في موضع ثم
يهجم فلا يحرم. (قوله: وعقوق الوالدين) أي ولو كافرين وهو الظاهر، وإن وقع في بعض الأحاديث التقييد بالمسلمين
لأن الظاهر أنه جري على الغالب. ومعنى عقوقهما أن يؤذيهما أذى ليس بالهين، ومنه التأفيف. قال رسول الله (ص): من
عق والديه فقد عصى الله ورسوله، وأنه إذا وضع في قبره ضمه القبر حتى تختلف أضلاعه، وأشد الناس عذابا في جهنم
عاق لوالديه، والزاني، والمشرك بالله سبحانه وتعالى. وروي: أن رجلا شكا إلى رسول الله (ص) أباه، وأنه يأخذ ماله.
فدعاه فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من
مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله. فبكى رسول الله (ص) وقال: ما من حجر ولا
مدر يسمع بهذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك. وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال: لم لم تكن سيئة الخلق
حين حملتك تسعة أشهر؟ قال إنها سيئة الخلق. قال لم لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال: إنها سيئة الخلق.
قال لم لم تكن كذلك حين سهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها؟ قال لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها
على عنقي. قال: ما جازيتها. وقال عليه السلام: إياكم وعقوق الوالدين، فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام،
ولا يجد ريحها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء. إن الكبرياء لله رب العالمين. اه‍. بجيرمي.
(قوله: وغصب قدر ربع دينار) أما غصب ما دونه فهو من الصغائر. قال في الروض وشرحه: وغصب مال لخبر مسلم:

320
من اقتطع شبرا من أرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين. وقيده جماعة بما يبلغ قيمة ربع مثقال كما
يقطع به في السرقة. وخرج بغصب المال غصب غيره كغصب كلب فصغيرة. اه‍. (قوله: وتفويت مكتوبة) أي فهو من
الكبائر، لقوله تعالى إخبارا عن أصحاب الجحيم: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم
المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين ولما روي أن: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله. ومثل تفويت
الصلاة تعمدا، تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه من غير عذر كسفر أو مرض، لقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف
أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا إلا من تاب) *. قال ابن مسعود رضي الله عنهما: ليس معنى
أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين: هو أن لا يصلي الظهر حتى
تأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي
الفجر إلى طلوع الشمس. فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغي، وهو واد في جهنم بعيد قعره،
شديد عقابه. (قوله: وتأخير زكاة) مثله بالأولى تركها بالكلية. (وقوله: عدوانا) أي عمدا، وهو راجع لكل من تفويت
الصلاة، وتأخير الزكاة. وخرج به ما إذا كان تفويت الصلاة لعذر كنسيان، أو نوم، أو كان تأخير الزكاة لعذر كأن لم يحضر
المستحق لها وقت وجوبها، فلا حرمة في ذلك مطلقا. (قوله: ونميمة) هي نقل الكلام على وجه الافساد، سواء قصد
الافساد أم لا، وسواء نقله لمن تكلم به فيه أو نقله إلى غيره، كأبيه وابنه مثلا، وحصل الافساد. والمراد بالافساد ضرر لا
يحتمل. ونقل الكلام ليس قيدا بل نقل الإشارة والفعل كذلك، وسواء نقله بكلام أو إشارة أو كتابة. اه‍. بجيرمي. وإنما
كانت من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيها، فقد روى الشيخان: لا يدخل الجنة قتات أي نمام. وروى أحمد
والنسائي: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا نمام. (قوله: وغيرها) أي وغير المذكورات. (قوله: من كل
جريمة الخ) بيان للغير، وهذا حد للكبيرة، واعترض بشموله صغائر الخسة كسرقة لقمة، لأنها جريمة: أي معصية تؤذن
بقلة إكتراث: أي اعتناء مرتكبها بالدين، وبرقة الديانة: أي ضعفها، لكن مع شموله لذلك مع أولى من حدها بأنها هي
التي توجب الحد، لان أكثرها لا حد فيه، ومن حدها بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة، لان كثيرا مما عدوه كبائر
ليس فيه ذلك كالظهار، وأكل لحم الخنزير وكثيرا مما عدوه صغائر فيه ذلك كالغيبة.
(واعلم) أن للعلماء أقاويل كثرة في حد الكبيرة، فمنها ما تقدم، ومنها قول ابن الصلاح في فتاويه: قال الجلال
البلقيني وهو الذي اختاره: الكبيرة كل ذنب عظم عظما يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيما على
الاطلاق، ولها أمارات منها إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليه بالعذاب بالنار، ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف
فاعلها بالفسق، ومنها اللعن. اه‍. ومنها قول البارزي في تفسيره التحقيق: أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص
كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في
دينه. اه‍. وقد استوعبها الشيخ ابن حجر في كتابه المسمى بالزواجر على اقتراف الكبائر وقال فيه: واعلم أن كل ما سبق
من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه. اه‍.
(قوله: واجتناب إصرار على صغيرة) معطوف على اجتناب كل كبيرة. والإصرار هو أن يمضي زمن تمكنه فيه التوبة ولم
يتب، وقيل بأن يرتكبها ثلاث مرات من غير توبة، وقال عميرة الاصرار قيل: هو الدوام على نوع واحد منها، والأرجح أنه
الاكثار من نوع أو أنواع. قاله الرافعي: لكنه في باب العضل قال: إن المداومة على النوع الواحد كبيرة، وبه صرح
الغزالي في الاحياء، قال الزركشي والحق أن الاصرار الذي تصير به الصغيرة كبيرة، إما تكرارها بالفعل وهو الذي تكلم
عليه الرافعي، وإما تكرارها في الحكم وهو العزم عليها قبل تكفيرها وهو الذي تكلم فيه ابن الرفعة. وتفسيره بالعزم فسر
به الماوردي قوله تعالى: * (ولم يصروا على ما فعلوا) *. وإنما يكون العزم إصرارا بعد الفعل وقبل التوبة. اه‍. وفي



(1) سورة المدثر، الآية: 42.
(2) سورة مريم، الآية: 59.
(3) سورة آل عمران، الآية: 135.
321
الاحياء أن الصغيرة قد تكبر بغير الاصرار كاستصغار الذنب، والسرور به، وعدم المبالاة، والغفلة عن كونه يسبب الشقاوة
والتهاون بحكم الله، والاغترار بستر الله تعالى وحلمه، وأن يكون عالما يقتدى به ونحو ذلك. اه‍. بجيرمي. (قوله: أو
صغائر) أي من نوع واحد أو أنواع. (قوله: بأن لا تغلب طاعاته صغائره) الذي يظهر أن الباء بمعنى مع، وهي متعلقة
بإصرار المنفي. والمعنى أن العدالة تتحقق باجتناب الاصرار المصاحب لعدم غلبة طاعاته معاصيه، بأن استويا أو غلبت
المعاصي، أما الاصرار المصاحب لغلبة الطاعات فتحقق العدالة بدون اجتنابه - كما سيصرح به - ورأيت لسيد عمر
البصري كتب على قول التحفة، بأن لا تغلب الخ ما نصه: كذا في النهاية، وفي هامش أصله بخط تلميذه عبد الرؤوف ما
نصه: الظاهر أن لا زائدة، وفيه نظر لأن الظاهر أن مراد الشارح تفسير الاصرار المراد للمصنف، وحينئذ فيتعين إثبات لا،
وأما حذف لا فإنما يتأتى لو كان المراد تفسير اجتناب الاصرار، وليس مرادا. اه‍. وهو يفيد أن الباء تصوير لمراد
المصنف من الاصرار وهو بعيد، ويدل على ما ذكرته قول التحفة: قيل عطف الاصرار من عطف الخاص على العام، لما
تقرر أنه ليس المراد مطلقه، بل مع غلبة الصغائر أو مساواتها للطاعات الخ. اه‍. وقوله: بل مع الخ مع محل الاستدلال.
(قوله: فمتى ارتكب الخ) تفريع على مجموع قوله باجتناب كل كبيرة، واجتناب إصرار على صغيرة الخ المفيد للاطلاق
في جانب الكبيرة، والتقييد في جانب الصغيرة. (وقوله: مطلقا) أي سواء غلبت طاعاته صغائرة أم لا. (قوله: أو
صغيرة) أي ومتى ارتكبت صغيرة أو صغائر. (وقوله: داوم عليها) أي أصر عليها أم لا. (وقوله: خلافا لمن فرق) أي بين
المداومة: أي الاصرار وعدمها، والظاهر أن هذا الفارق يقول إن المداومة عليها تسقط الشهادة مطلقا - غلبت معاصيه أم
لا - كالكبيرة، كما يدل على ذلك عبارة الروض وشرحه ونصهما: فالاصرار على الصغائر ولو على نوع منها يسقط
الشهادة، بشرط ذكره في قوله: قال الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا، وعكسه فاسق. اه‍. فيؤخذ من قوله
بشرط الخ أن خلاف الجمهور لا يقولون به. تأمل. (قوله: فإن غلبت الخ) جواب متى المقدرة قبل قوله: أو صغيرة. قال
في النهاية: ويتجه ضبط الغلبة بالعد من جانبي الطاعة والمعصية من غير نظر، لكثرة الثواب في الأولى، وعقاب في
الثانية، لان ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه. اه‍. وكتب ع ش: قوله من جانبي الطاعة والمعصية - أي بأن يقابل
كل طاعة بكل معصية في جميع الأيام، حتى لو غلبت الطاعات على المعاصي في بعض الأيام، وغلبت المعاصي في
باقيها، بحيث لو قوبلت جملة المعاصي بجملة الطاعات كانت المعاصي أكثر لم يكن عدلا. اه‍. وقوله: من غير نظر
لكثرة الخ: معناه أن الحسنة تقابل بسيئة لا بعشر سيئات. وعبارة ق ل: ومعنى غلبتها مقابلة الفرد بالفرد من غير نظر إلى
المضاعفة. اه‍: قال في النهاية: ومعلوم أن كل صغيرة تاب منها مرتكبها لا تدخل في العد، لإذهاب التوبة الصحيحة
أثرها رأسا. اه‍. (قوله: والصغيرة الخ) هي كل ذنب ليس بكبيرة، قال في الزواجر:
(واعلم) أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الأستاذ أبو
إسحاق الأسفرايني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين في الارشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن
فورك عن الأشاعرة واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة ولبعضها كبيرة
بالإضافة إلى ما هو أكبر منها. ثم قال: وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، ولا خلاف بين
الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية والاطلاق، لاجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة،
ومنها ما لا يقدح في العدلة، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة نظرا إلى عظمة الله
تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عز وجل عن تسمية معصيته صغيرة، لأنها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة، أي كبيرة. ولم
ينظر الجمهور إلى ذلك لأنه معلوم، بل قسموها إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق

322
والعصيان) *. فجعلها رتبا ثلاثة، وسمى بعض المعاصي فسوقا دون بعض، وقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم
والفواحش إلا اللمم) *. الآية، وسيأتي في الحديث الصحيح الكبائر سبع - وفي رواية تسع - وفي الحديث الصحيح
أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم
يسغ ذلك، ولان ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة، علم أن قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم) *. صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر
والصغائر. وقد عرف من مدارك الشرع. اه‍. (قوله: كنظر الأجنبية) أي لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كتحمل
الشهادة، أو إستشفاء، فلا يحرم. (قوله: ووطئ رجعية) أي من قبل الرجعة. (قوله: وهجر المسلم فوق ثلاث) أي من
الأيام بلا سبب يقتضي ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في فصل القسم والنشوز. (قوله: ولبس رجل ثوب حرير) أي لغير
حاجة. أما إذا كان لحاجة كجرب وقمل، فلا يحرم كما مر في باب الجمعة. (قوله: وكذب لا حد فيه) عبارة الروض
وشرحه: وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وقد لا يكون صغيرة، كأن كذب في شعره بمدح وإطراء. وأمكن حمله على المبالغة
فإنه جائز، لان غرض الشاعر إظهار الصنعة لا التحقيق كما سيأتي ذلك. وخرج بنفي الحد والضرر ما لو وجدا أو أحدهما
مع الكذب فيصير كبيرة، لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الأنبياء، وقد لا يكون، بل
الموافق لتعريف الكبيرة بأنها المعصية الموجبة للحد أنه ليس كبيرة مطلقا. اه‍. (قوله: ولعن) عده ابن حجر في الزواجر
من الكبائر إن كان لمسلم، ونصها: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الانسان في لعن أو شتم والديه وإن لم
يسبهما، ولعنه مسلما من الكبائر. اه‍. واللعن معناه الطرد والبعد من رحمة الله ومحل حرمته إن كان لمعين ولو فاسقا، أو
كافرا حيا أو ميتا، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أنه ختم له بالاسلام - بخلاف من علم أنه ختم له على غير الاسلام
كفرعون، وأبي جهل، وأبي لهب - ويجوز إجماعا لعن غير المعين بالشخص بل بالوصف، كلعنة الله على الكاذبين أو
الظالمين، وقد ورد في النهي عنه شئ كثيرة: فمن ذلك قوله عليه السلام: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.
قيل: وكيف يلعنهما؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. وقوله عليه السلام: إن العبد إذا
لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا
وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت على الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت على قائلها وقوله عليه السلام: ليس
المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي. أي المتكلم بالفحش والكلام القبيح. ومر عليه السلام بأبي بكر
رضي الله عنه وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين؟ كلا ورب الكعبة، فأعتقه أبو بكر رضي الله
عنه يومئذ، ثم جاء لرسول الله (ص) فقال: لا أعود. ولعن رجل بعيره فقال له عليه السلام: لا تتبعنا على بعير ملعون. وقال
عليه السلام: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة. وصرخ ديك قرب النبي (ص) فقال رجل: اللهم العنه، فقال عليه السلام:
مه فإنه يدعو إلى الصلاة. ولدغت برغوث رجلا فلعنها، فقال عليه السلام: لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الأنبياء لصلاة
الصبح. وفي حديث: لا تسبوها فنعمت الدابة، فإنها أيقظتكم لذكر الله وقد قيل فيها شعر:
لا تشتموا البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري
فبره شرب دم فاسد * وغوثه الايقاظ للفجر
ولعن الرجل الريح فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعلن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة



(1) سورة الحجرات، الآية: 7.
(2) سورة النجم، الآية: 32.
(3) سورة النساء، الآية: 31.
323
عليه. (وقوله: ولو لبهيمة أو كافر) أي فإنه يحرم. قال في الزواجر: واستفيد من هذه الأحاديث أن لعن الدواب حرام،
وبه صرح أئمتنا، والظاهر أنه صغيرة ثم قال: ثم رأيت بعضهم صرح بأن لعن الدابة والذمي المعين كبيرة، وقيد حرمة
لعن المسلم بغير سبب شرعي وفيه نظر، والذي ينجه ما مر من أن لعن الدواب صغيرة، وأما الذمي فيحتمل أنه كبيرة
لاستوائه مع المسلم في حرمة إيذائه، وأما تقييده فغير صحيح، إذ ليس لنا غرض شرعي يجوز لعن المسلم أصلا. اه‍.
(قوله: وبيع معيب بلا ذكر عيب) أي للمشتري فإنه حرام من الصغائر، ومحلها إذا علم البائع بالعيب، وإلا فلا حرمة كما
هو ظاهر. (قوله: وبيع رقيق مسلم لكافر) أي فإنه حرام، ولا يصح كما تقدم في باب البيع لما في ذلك من الاذلال
للمسلم، ولقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * نعم يصح فيما إذا كان يعتق عليه كما إذا كان
المبيع أصلا أو فرعا للمشتري الكافر، لأنه يستعقب العتق فلا إذلال، ويحرم أيضا بيع المصحف لكافر، ولا يصح كما
تقدم لما فيه من الإهانة. (قوله: ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه) أي فإنها حرام إستقبالا وإستدبارا، لكن بشرط أن
يكون في صحراء بدون ساتر، أو في بناء غير معد لقضاء الحاجة. وذلك لخبر: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا
تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا وقد تقدم هذا في أول الكتاب. (قوله: وكشف العورة في الخلوة عبثا)
أي من غير حاجة فهو حرام حينئذ، فإن كان لحاجة كإغتسال لم يحرم - كما تقدم أول الكتاب في شروط الصلاة -.
(قوله: ولعب بنرد) هو المعروف عند الناس بالطاولة، وفي مسلم: من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير
ودمه. وفارق الشطرنج حيث يكره إن خلا عن المال بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح، ففيه تصحيح الفكر
ونوع من التدبير، ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق. قال العلامة الهمام ابن نباتة في
شرحه لرسالة ابن زيدون: وقد وضع النرد لأردشير من ولد ساسان، وهو أول الفرس الثانية تنبيها على أنه لا حيلة للانسان
مع القضاء والقدر، وهو أول من لعب به، فقيل نردشير، وقيل أنه هو الذي وضعه. وشبه به تقلب الدنيا بأهلها، فجعل
بيوت النرد اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة، وعدد كلابها ثلاثون بعدد أيام الشهور، وجعل الفصين مثالا للقضاء والقدر
وتلقيبهما بأهل الدنيا، وأن الانسان يلعبه فيبلغ بإسعاف القدر ما يريده، وأن اللاعب غير الفطن يتأتى له ما يتأتى للفطن
إذا أسعفه القدر. فعارضهم الهند بالشطرنج. (قوله: وغيبة وسكوت عليها) عبارة الروض وشرحه: وغيبة للمسر فسقه
واستماعها بخلاف المعلن لا تحرم غيبته بما أعلن به كما مر في النكاح، وبخلاف غير الفاسق فينبغي أن تكون غيبته
كبيرة، وجرى عليه المصنف كأصله في الوقوع في أهل العلم وحملة القرآن كما مر، وعلى ذلك يحمل ما ورد فيها من
الوعيد الشديد في الكتاب والسنة، وما نقله القرطبي من الاجماع على أنها كبيرة، وهذا التفصيل أحسن من إطلاق
صاحب العدة أنها صغيرة، وإن نقله الأصل عنه وأقره وجرى عليه المصنف. وقوله: واستماعها أخص من قول الأصل،
والسكوت عليها لأنه قد يعلمها ولا يسمعها. اه‍. (قوله: ونقل بعضهم) مبتدأ خبره قوله محمول الخ. (قوله: الاجماع
على أنها) أي الغيبة كبيرة. (وقوله: لما فيها من الوعيد الشديد) علة لكونها كبيرة، ومما ورد فيها قوله عليه السلام: من
قذفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال. رواه الطبراني وغيره. وردغة بسكون الدال وفتحها. عصارة أهل النار.
وقوله عليه السلام: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون صدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل:
قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. وقوله عليه السلام في حجة الوداع: إن دماءكم
وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ومن أربى الربا إستطالة المرء في عرض
أخيه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي (ص): حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة -
فقال عليه السلام: قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. أي لأنتنته وغيرت ريحه. وجاء رجل إلى النبي (ص) وأخبره



(1) سورة النساء، الآية: 141.
324
أن فتاتين ظلتا صائمتين فأعرض عنه أربع مرات وهو يكرر عليه ذلك، ثم قال: إنهما لم يصوما. وكيف صام من ظل هذا
اليوم يأكل لحوم الناس؟ اذهب فمرهما إن كانتا صائمتين فلتتقيآ، فرجع إليهما وأخبرهما فقاءت كل واحدة علقة من دم،
فرجع إليه (ص) فأخبره فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار. وفي رواية: فقال لإحداهما قيئي،
فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم
عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست
إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس. (قوله: محمول على غيبة أهل العلم وحملت القرآن) أي لشدة
إحترامهم. (قوله: لعموم البلوى بها) أي وإنما حمل الاجماع على ذلك ولم يبق على إطلاقه لعموم البلوى بالغيبة،
فيحصل حرج عظيم لو لم يحمل عليه. (قوله: وهي) أي الغيبة، وهو بيان لحدها، وقد بينها عليه السلام في قوله: هل
تدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكرهه. قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن
كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. قال في الزواجر: وذكر الأخ في الحديث كالآية للعطف والتذكير
بالسبب الباعث على أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر، لأنه أشرف وأعظم حرمة. اه‍. (وقوله: ذكرك) المراد بالذكر
التعرض بالايذاء بدليل الغاية بعده. (وقوله: ولو بنحو إشارة) دخل تحت نحو الغمز والكتابة والتعرض، كأن يذكر عنده
غيره فيقول الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء، أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب ذلك
الغير، ومثله كل ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته، بل قال الغزالي إن هذا أعظم لأنه أبلغ من التصريح
والتفهيم وأنكى للقلب. (قوله: غيرك) مفعول ذكر المضاف لفاعله، والمراد به لغير ما يعم المسلم والذمي.
وسئل: الغزالي رحمه الله تعالى عن غيبة الكافر. فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاثة علل: الايذاء،
وتنقيص ما خلقه الله تعالى، وتضييع الوقت بما لا يعني. والأولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف
الأولى. وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الايذاء، لان الشرع عصم دمه وعرضه وماله، وأما الحربي فليس
بمحرم على الأولى، ويكره على الثانية والثالثة. وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم.
(وقوله: المحصور المعين) لو اقتصر على القيد الثاني لكان أولى، لأنه يفيد مفاد الأول وزيادة. وخرج بذلك غير
المعين كأن يذم البخلاء، أو المتكبرين، أو المرائين، ويتعرض لهم بالتنقيص من غير تعيين أحد منهم، فهذا لا يعد
غيبة. (قوله: بما يكره) متعلق بذكرك: أي أن تذكره بشئ يكرهه سواء كان في بدنه كقصير وأسود وغير ذلك، أو في
نسبه كأبوه إسكافي، أو في خلقه كسئ الخلق عاجز ضعيف، أو في فعله الديني ككذاب، أو متهاون بالصلاة، أو لا
يحسنها، أو الدنيوي كقليل الأدب، أو لا يرى لاحد حقا على نفسه، أو كثير الاكل أو النوم، أو في ثوبه كطويل الذيل
وقصيره ووسخه، أو في داره كضيقة، أو قليلة المنافع، أو دابته كجموح، أو ولده كقليل التربية، أو زوجته ككثيرة
الخروج، أو عجوز، أو تحكم عليه، أو قليلة النظافة، أو في خادمه كأبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه.
واعلم: أن أصل الغيبة الحرمة، وقد تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها. وينحصر في ستة أسباب،
وقد تقدم الكلام عليها، لكن يحسن ذكرها هاهنا أيضا، وهي التظلم، فلمن ظلم - بالبناء للمجهول - أن يشكو لمن يظن
أن له قدرة على إزالة ظلم أو تخفيفه والاستعانة على تغيير منكر يذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا
فازجره، أو أعني علي زجره ومنعه منه، والاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني فلان فهل يجوز له؟ ما طريقي في الخلاص منه
أو تحصيل حقي منه؟ أو نحو ذلك. وتحذير المسلمين من الشر ونصحهم كجرح الرواة والشهود والتجاهر بالفسق،
فيجوز ذكر المتجاهر بما تجاهر به دون غيره، والتعريف بنحو لقب كالأعمش والأصم.
وتنبيه: البواعث على الغيبة كثيرة، وهي عامة وخاصة، فالعامة كتشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبه، وكموافقة
الاخوان ومجاملتهم بالاسترسال معهم بما هم فيه، أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر إستثقلوه ونفروا عنه،

325
ويظن لجهله أن هذا من المجاملة في الصحبة، بل وقد يغضب لغضبهم إظهارا للجاهلية في السراء والضراء، فيخوض
معهم في ذكر المساوي والعيوب فيهلك. والخاصة كالتعجب من فعل غيره منكرا كأن يقول ما أعجب ما رأيت من فلان،
أو عجيب من فلان كيف يحب أمته وهي قبيحة، أو كيف يقرأ على فلان الجاهل وهكذا. يتعين عليك معرفة علاج
الغيبة، وهو بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته، وأنها تحبط حسناتك، وبأن تنظر في باعثها فتقطعه
من أصله، إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها. ومما ينفعك في ذلك أن تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها
لتدخل في قوله عليه السلام: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. وما أحسن قول بعضهم:
لعمرك إن في ذنبي لشغلا * لنفسي عن ذنوب بني أمية
على ربي حسابهم إليه * تناهى علم ذلك لا إليه
وليس بضائري ما قد أتوه * إذا ما الله أصلح ما لديه
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض إخوانه: أوصيك بستة أشياء: إن أردت أن تقع في أحد وتذمه فذم
نفسك، فإنك لا تعلم أحدا أكثر عيوبا منها، وإن أردت أن تعادي أحدا فعاد البطن، فليس لك عدو أعدى منها، وإن
أردت أن تحمد أحدا، فاحمد الله فليس أحد أكثر منه منة عليك وألطف بك منه، وإن أردت أن تترك شيئا، فاترك الدنيا
فإنك إن تركتها فإنك محمود وإلا تركتك وأنت مذموم، وإن أردت أن تستعد لشئ، فاستعد للموت فإنك إن لم تستعد له
حل بك الخسران والندامة، وإن أردت أن تطلب شيئا، فاطلب الآخرة فلست تنالها إلا بأن تطلبها. اللهم بصرنا بعيوب
أنفسنا عن عيوب غيرنا يا كريم.
(قوله: واللعب) مبتدأ خبره مكروه. قال في شرح الروض: واحتج لإباحة اللعب به بأن الأصل الإباحة، وبأن فيه
تدابير الحروب. وللكراهة بأن فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي، وبأن عليا رضي الله عنه مر بقوم يلعبون به فقال: ما
هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ اه‍. (قوله: إن لم يكن فيه) أي في اللعب بالشطرنج، وهو قيد في الكراهة.
(وقوله: شرط مال من الجانبين) أي جانب اللاعبين: أي بأن يشرط كل واحد منهما على الآخر مالا إن غلب. (وقوله:
أو أحدهما) أي وإن لم يكن فيه شرط مال من أحد اللاعبين بأن يخرج مالا ليبذله إن غلب - بالبناء للمجهول - ويمسكه إن
غلب، وليس له على الآخر شئ. (قوله: أو تفويت صلاة) معطوف على شرط مال: أي وإن لم يكن فيه تفويت لصلاة:
أي عن أدائها في الوقت. (وقوله: ولو بنسيان) أي سواء كان تفويته لها عمدا، أو نسيانا، نشأ عن الاشتغال باللعب به.
قال في الزواجر:
فإن قلت: لو استغرقه اللعب به حتى أخرج الصلاة عن وقتها غير متعمد لذلك، فما وجه تأثيمه مع أنه الآن غافل،
والغافل غير مكلف فيستحيل تأثيمه؟
قلت: محل عدم تكليف الناسي والغافل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره، وإلا كان مكلفا آثما.
أما في الغفلة فلما صرحوا به في الشطرنج من أنه لا يعذر بإستغراقه في اللعب به حتى خرج وقت الصلاة، وهو لا يشعر
لما تقرر أن هذه الغفلة نشأت عن تقصيره بمزيد إكبابه وملازمته على هذا المكروه حتى ضيع بسببه الواجب عليه، وأما في
الجهل فلما صرحوا به من أنه لو مات إنسان فمضت عليه مدة ولم يجهز ولا صلي عليه، أثم جاره وإن لم يعلم بموته، لان
تركه البحث عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصير شديد، فلم يبعد القول بعصيانه. اه‍.
(قوله: أو لعب) الأولى قراءته بصيغة الفعل، وهو مع فاعله معطوف على مدخول يكن: أي وإن لم يكن لعب به
مع معتقد تحريمه كحنفي ومالكي. (قوله: وإلا) أي بأن كان فيه شرط مال من الجانبين، أو من أحدهما، أو كان فيه

326
تفويت صلاة، أو كان لعب به مع معتقد تحريمه. (وقوله: فحرام) وجه الحرمة في الصورة الأولى أن فيها اشتراط المال
من الجانبين وهو قمار، وفي الثانية أن فيها اشتراط مال من أحدهما، وهو وإن كان ليس بقمار عقد مسابقة فاسدة لأنه على
غير آلة قتال، وتعاطي العقود الفاسدة حرام. وفي الثالثة تأخير الصلاة عن وقتها. وفي الرابعة إعانة على محرم. (قوله:
ويحمل ما جاء في ذمه) أي لعب الشطرنج المقتضي للحرمة. (وقوله: من الأحاديث والآثار) من ذلك ما روي عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام - النرد والشطرنج وما كان من
اللهو - فلا تسلموا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب واحد منهم
يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب: اجتمعت على جيفة فأكلت منها
حتى ملأت بطونها ثم تفرقت. وروي عنه (ص) أنه قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب
الشاه - يعني صاحب الشطرنج - ألا تراه يقول: قتلته والله، مات والله، افتراء وكذبا على الله؟ قال علي كرم الله وجهه: الشطرنج ميسر
الأعاجم. ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لان يمس أحدكم
جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها، ثم قال: والله لغير هذا خلقتم. وقال أيضا رضي الله عنه: صاحب الشطرنج أكثر
الناس كذبا، يقول أحدهم قتلت وما قتل، ومات وما مات. (قوله: على ما ذكر) أي من شرط مال من الجانبين، أو
أحدهما، أو تفويت الصلاة، أو لعب مع معتقد تحريمه. (قوله: وتسقط مروءة الخ) مكرر مع قوله فيما تقدم وإكثار ما
يضحك بينهم، أو لعب شطرنج الخ فلا حاجة إليه. (قوله: وهو) أي لعب الشطرنج. (وقوله: حرام) عند الأئمة الثلاثة،
وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم. وإنما قالوا بالحرمة للأحاديث الكثيرة التي جاءت في ذمه. قال
في التحفة: لكن قال الحافظ لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن، وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا
يحصى من التابعين ومن بعدهم، وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه. اه‍. (وقوله: مطلقا) أي وجد شرط
مال أم لا، كان هناك تفويت صلاة عن قوتها أم لا. (قوله: ولا تقبل الشهادة من مغفل) محترز قوله وتيقظ. (وقوله:
ومختل نظر) أي ناقص عقل لا يضبط الأمور، وعطفه على ما قبله من عطف المرادف. (قوله: ولا أصم الخ) أي ولا تقبل
الشهادة من أصم في مشهود به يسمع، ولا من أعمى في مشهود به يبصر. (قوله: كما يأتي) أي عند قوله وشرط لشهادة
بفعل إبصار، وبقول هو وسمع، ومراده بهذا الاعتذار عن عدم اشتراط السمع والبصر هنا. (قوله: ومن التيقظ الخ)
المناسب تقديمه وذكره بعد قوله وتيقظ. (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن من التيقظ ضبط ألفاظ الخ. (وقوله: لا تجوز
الشهادة بالمعنى) أي فلو كانت صيغة البيع مثلا من البائع بعت ومن المشتري اشتريت، فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال
أشهد أن البائع قال بعت والمشتري قال اشتريت، بخلاف ما لو قال: أشهد أن هذا اشترى هذا من هذا، فلا يكفي. فتنبه
له. فإنه يغلط فيه كثيرا. اه‍. ع ش. (قوله: نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام) قال في
التحفة: كما يشير لذلك قولهم: لو قال شاهد وكله، أو قال: قال وكلته، وقال الآخر فوض إليه، أو أنابه قبل، أو قال واحد
قال: وكلت وقال الآخر قال: فوضت إليه، لم يقبلا لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكان الفرض أنهما اتفقا على
اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة. ويجري ذلك في قول أحدهما، قال القاضي ثبت
عندي طلاق فلانة، والآخر قال: ثبت عندي طلاق هذه، وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا. اه‍. (قوله: وشرط في الشاهد
أيضا) أي كما اشترط فيه التكليف، وما بعده من الشروط المارة. (وقوله: عدم تهمة) هي بضم ففتح، وإنما اشترط
عدمها لخبر: لا تجوز شهادة ذي الظنة، ولا ذي الحنة. والظنة - بكسر الظاء وتشديد النون المفتوحة - التهمة، والحنة

327
- بكسر الحاء وفتح النون المخففة - العداوة. قال في التحفة: ويضر حدوثها - أي التهمة - قبل الحكم لا بعده، فلو شهد
لأخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه، فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا، وكذا لو شهد بقتل فلان لأخيه الذي له ابن ثم
مات وورثه، فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض، أو قبله لم يحكم له. اه‍. (قوله: بجر نفع الخ) الباء للتصوير متعلقة
بمحذوف صفة لتهمة: أي تهمة مصورة بجر نفع إلى الشاهد: أي بتحصيل نفع إليه. (وقوله: أو إلى من لا تقبل شهادته
له) أي أو بجر نفع إلى شخص، لا تقبل شهادة ذلك الشخص لذلك الشاهد، كأن يكون أصله أو فرعه. (قوله: أو دفع
ضر) معطوف على بجر نفع: يعني أن التهمة تتصور أيضا بدفع ضر. (وقوله: عنه) ضميره راجع للأحد الدائر بين
المذكورين: أي الشاهد ومن لا تقبل شهادته له. (وقوله: بها) أي بالشهادة، وهو متعلق بكل من جر نفع ودفع ضر.
(قوله: فترد الشهادة لرقيقه) مفرع على مفهوم الشرط: أي فإذا وجدت التهمة ردت الشهادة كشهادة السيد لرقيقه، لأنها
تجر نفعا إلى السيد. ومحله إن شهد له بالمال، فإن شهد أن فلانا قذفه قبلت، إذ لا فائدة تعود عليه حينئذ. (قوله: ولو
مكاتبا) غاية في رد الشهادة لرقيقه: أي ترد له ولو كان مكاتبا لأنه ملكه، فله علقة بماله بدليل منعه له من بعض
التصرفات، ولأنه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز - كما في التحفة -. (قوله: ولغريم الخ) معطوف على لرقيقه: أي وترد
الشهادة لغريم للشاهد قد مات وصورته - كما في البجيرمي - أن يدعي وارث الميت المدين بدين للميت على آخر،
ويقيم الوارث المذكور دائن الميت يشهد مع آخر للميت بدينه، فلا تصح شهادة الدائن للميت للتهمة، لأنه إذا أثبت
بشهادته للغريم الميت شيئا فقد أثبت لنفسه المطالب به لأجل وفاء دينه، ومثله غريم المحجور عليه بفلس، فلا تقبل
شهادته له لذلك. (قوله: وإن لم تستغرق الخ) غاية في رد شهادته للغريم. (وقوله: تركته) أي الغريم، وهو مفعول
مقدم. (وقوله: الديون) فاعل مؤخر. (قوله: بخلاف شهادته لغريمه الموسر) أي الحي. (وقوله: وكذا المعسر) أي
الحي. فقوله قبل موته، راجع لكل منهما، وهو محترز قوله قد مات. وعبارة التحفة: بخلاف غريمه الحي ولو معسرا،
لم يحجر عليه لتعلق الحق بذمته. وجعله في شرح المنهج مفهوم شئ آخر، وعبارته مع المنهج: وترد شهادته لرقيقه
وغريم له مات أو حجر عليه بفلس، بخلاف حجر السفه والمرض، وبخلاف شهادته لغريمه الموسر، وكذا المعسر قبل
موته، والحجر عليه لتعلق الحق حينئذ بذمته لا بعين أمواله. اه‍. بحذف. فقوله: وبخلاف شهادته لغريمه الخ مفهوم
قوله: أو حجر عليه بفلس، لان مفهومه صادق بصورتين بما إذا كان موسرا فإنه لا حجر عليه، وبما إذا كان معسرا ولم
يحجر عليه، وفي كلتيهما تقبل الشهادة. (قوله: وترد لبعضه) أي وترد شهادة الأصل لفرعه وبالعكس، ولو بالرشد أو
التزكية لأنه بعضه، فكأنه شهد لنفسه فوجدت التهمة. (قوله: من أصل الخ) بيان للمراد من البعض: أي أن المراد به ما
يشمل الأصل والفرع. (قوله: لا ترد الشهادة عليه) أي على بعضه. قال في التحفة: ومحله حيث لا عداوة بينهما وإلا
فوجهان، والذي يتجه منهما عدم القبول أخذا مما مر أن الأب لا يلي بنته إذا كان بينهما عداوة ظاهرة. ثم رأيت صاحب
الأنوار جزم به. اه‍. (قوله: أي لا على أحدهما بشئ) أي لا ترد الشهادة على أحدهما: أي الأصل والفرع بشئ، وأفاد
بهذا التفسير أن مرجع ضمير عليه الاحد الدائر، والأولى كما أشرت إليه إرجاعه للبعض، وهو صادق بذلك الاحد،
والاخصر حذف لفظ لا. (وقوله: إذ لا تهمة) أي موجودة، وهو علة لعدم رد الشهادة عليه. (قوله: ولا على أبيه) أي ولا
ترد شهادة البعض على أبيه. والمراد بالبعض الجنس فيشمل الاثنين، إذ شرط صحة الشهادة به رجلان، وكذا يقال فيما
يأتي. وعبارة متن المنهاج: وكذا تقبل شهادتهما على أبيهما بطلاق ضرة أمهما أو قذفها في الأظهر. قال في التحفة:
لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به. اه‍. (قوله: طلاقا)
مفعول مطلق لطلاق. (وقوله: بائنا) هو ما يكون بالثلاث أو بالخلع. (قوله: وأمه تحته) أي وأم الشهد تحت أبيه، وهو

328
ليس بقيد، وإنما أتى به لان التهمة إنما تتوهم حينئذ. (قوله: إما رجعي) مقابل قوله بائنا. (وقوله: فتقبل قطعا) لم يذكر
في الصورة السابقة ما يفيد الخلاف حتى يجزم هنا بالقبول، فكان الأولى أن يزيد في الصورة السابقة ما يفيده، وهو في
الأظهر كما في المنهاج. (قوله: هذا كله) أي ما ذكر ممن عدم رد الشهادة على أبيه بطلاق الضرة بائنا في الأظهر، وعدم
رده قطعا إذا كان رجعيا. (وقوله: في شهادة حسبة) أي بأن شهد ولداه عليه من غير تقدم دعوى. (قوله: أو بعد دعوى
الضرة) أي أن زوجها طلقها، وأقامت ولديه يشهدان به عليه. (قوله: فإن ادعاه الأب الخ) أي فإن ادعى الطلاق الأب في
زمن سابق لاسقاط نفقة ماضية، وأقام بعضه يشهد بذلك لم تقبل شهادته، لأنها في الحقيقة شهادة للأب لا عليه، فالتهمة
موجودة. قال في المغني: ولكن تحصل الفرقة بدعواه الخلع كما مر في بابه. اه‍. (قوله: وكذا لو ادعته أمه) أي وكذلك
لا تقبل شهادة بعضه لو ادعت أمه طلاق ضرتها. وإقامته يشهد بذلك للتهمة. (قوله: لو ادعى الفرع على آخر بدين
لموكله) أي في استيفائه من ذلك الآخر. (قوله: فأنكر) أي المدين أن عليه دينا للموكل. (قوله: فشهد به) أي بالدين.
(وقوله: أبو الوكيل) أي الذي هو الفرع، والمراد شهد مع غيره. (قوله: قبل) أي أبو الوكيل، والأولى قبلت: أي
شهادته. (قوله: وإن كان فيه الخ) الواو للحال، وأن صلة، وضمير فيه يعود على قبول شهادته، أي تقبل شهادته والحال
أن في قبولها تصديق ابنه. قال في التحفة والنهاية: لضعف التهمة جدا. اه‍. (قوله: وتقبل شهادة كل الخ) أي لانتفاء
التهمة. (وقوله: من الزوجين) محل القبول فيهما ما لم يشهد الزوج بزنا زوجته، أو أن فلانا قذفها، وإلا فلا تقبل على
الراجح. (وقوله: للآخر) متعلق بتقبل، والمراد الآخر من الزوجين، والأخوين، والصديقين، فتقبل شهادة الزوج
لزوجته وبالعكس: أي لان الحاصل بينهما عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة، كما لو شهد الأجير للمستأجر
وعكسه وتقبل شهادة الأخ لأخيه، وكذا بقية الحواشي، والصديق لصديقه، وهو من صدق في ودادك بأن يهمه ما
أهمك. قال سم: وقليل ذلك: أي في زمانه، ونادر في زماننا، وذلك لضعف التهمة لأنهما لا يتهمان تهمة الأصل
والفرع. أفاده المغني. (قوله: وترد الشهادة بما هو محل تصرفه) يعني وترد شهادة مأذون له في التصرف، كوكيل وولي
ووصي في الشئ الذي هو محل تصرفه، وهو المال مثلا. (قوله: كأن وكل أو أوصى) يقرآن بالبناء للمجهول، وفيه
نائب فاعلهما، وضميره يعود على ما هو محل تصرفه، وهو تمثيل لكون الشهادة تكون فيما هو محل التصرف. وفي
العيارة حذف: أي ثم ادعى فيه فشهد كل من الوكيل أو الوصي بثبوته للموكل أو لليتيم: مثلا وإيضاحه أن يكون المالك
قد وكله في بيع شئ مثلا، ثم ادعى شخص أنه ملكه فشهد هو - أي الوكيل - بأنه ملك موكله أو أوصاه على يتيم. ثم
ادعى آخر ببعض مال اليتيم فشهد هو - أي الوصي - بأنه ملك اليتيم فترد شهادة من ذكر للتهمة. (قوله: لأنه) الضمير يعود
على معلوم من المقام، وهو المأذون له في التصرف - وكيلا كان أو وصيا - وهو علة لرد الشهادة فيما هو محل تصرفه.
(وقوله: يثبت بشهادته) أي بثبوت المال لموكله أو اليتيم. (وقوله: ولاية) أي سلطنة لنفسه على المشهود به. أي فالتهمة
موجودة في حقه. (قوله: نعم لو شهد الخ) استدراك على رد شهادة من ذكر فيما ذكر، وعبارة شرح الرملي: فإن عزل
الوكيل نفسه ولم يخص في الخصومة قبلت، أو بعدها - أي الخصومة - فلا وإن طال الفصل. اه‍. (وقوله: بعد عزله)
أي عزل الولي له بالنسبة للوكيل، أو عزل القاضي له بالنسبة للوصي. (قوله: ولم يكن خاصم) أي ولم يكن من ذكر
خاصم المدعي لمال موكله، أو اليتيم قبل العزل، فإن خاصم ثم عزل لم تقبل. (قوله: قبلت) أي شهادته، وهو جواب
لو. (قوله: وكذا لا تقبل شهادة وديع) أي بأن الوديعة ملك للمودع. (وقوله: مرتهن لراهنه) أي ولا تقبل شهادة مرتهن،

329
أي بأن الرهن ملك للراهن عنده. (قوله: لتهمة بقاء يدهما) أي إستدامة يدهما: أي الوديع والمرتهن على الوديعة
والرهن، والتهمة تبطل الشهادة. (قوله: أما ما ليس الخ) أي أما الشئ الذي ليس وكيلا فيه، أو وصيا فيه، فتقبل شهادة
الوكيل أو الوصي. وعبارة المغني: وأفهم كلامه كغيره القطع بقبول شهادة الوكيل لموكله بما ليس وكيلا فيه، ولكن حكى
الماوردي فيه وجهين وأصحهما الصحة. اه‍. (قوله: ومن حيل شهادة الوكيل) أي من المحيل المصححة لشهادة
الوكيل. (قوله: ما لو باع) أي الوكيل شيئا ولم يقبض ثمنه. (قوله: فأنكر المشتري الثمن) أي بأن ادعى أداءه إليه.
(قوله: أو اشترى) أي الوكيل شيئا. (قوله: فادعى أجنبي بالمبيع) أي بأنه ملكه. (قوله: فله) أي للوكيل. (وقوله: أن
يشهد لموكله بأن الخ) راجع للصورة الأولى، أعني صورة ما لو باع الوكيل الخ. (وقوله: له) أي للموكل. (وقوله: عليه)
أي المشتري. (وقوله: كذا) أي الثمن. (وقوله: أو بأن هذا الخ) راجع للصورة الثانية: أعني صورة ما إذا اشترى الخ،
فهو على اللف والنشر المرتب. (وقوله: ملكه) أي أو أن يشهد بأن هذا البيع الذي ادعاه الأجنبي ملك الموكل. (قوله:
إن جاز له أن يشهد به للبائع) أي محل جواز شهادته بأن هذا ملك موكله، إن جاز للوكيل أن يشهد به للبائع لو فرض أنه
استشهد عليه، بأن يعلم أنه ملك له حقيقة. (قوله: ولا يذكر) أي في الشهادة أنه وكيل، فإن ذكر ذلك لا تقبل شهادته.
(قوله: وصوب الأذرعي حله) أي ما ذكر من شهادة الوكيل بما ذكر. قال في التحفة بعده: ثم توقف - أي الأذرعي - فيه
لحمله الحاكم على الحكم بما لو عرف حقيقته لم يحكم به. ويجاب بأنه لا أثر لذلك، لان القصد وصول المستحق
لحقه. اه‍. (وقوله: باطنا) أي بينه وبين الله بمعنى أنه لا يعاقبه على ذلك. (قوله: لان في توصلا للحق) علة الحل
باطنا: أي وإنما حل له أن يشهد بما تقدم لان فيه إيصال الحق للمستحق. (وقوله: بطريق مباح) الذي يظهر أنه متعلق
بتوصلا، وأن المراد بالطريق المباح هي شهادته بما ذكر لعلمه أن المشهود به ملك حقيقة للمشهود له، وإذا كان كذلك
يكون من قبيل الاظهار في مقام الاضمار، لان التقدير وإنما جازت الشهادة بما ذكر لان فيها توصلا للحق بها. (قوله:
وكذا لا تقبل ببراءة الخ) أي وكما لا تقبل شهادة الوكيل أو الوصي فيما هو محل التصرف فيه، لا تقبل الشهادة ببراءة الذي
ضمنه الشاهد، أو أصله، أو فرعه، أو رقيقه. فالضمان لا فرق فيه بين أن يكون من الشاهد نفسه، أو من أصل الشاهد، أو
من فرع الشاهد، أو من رقيقه، فالشاهد في الأول هو الضامن، وفيما عداه غيره. لان الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق
والشاهد غير ذلك ببراءة الذي ضمنه من الدين الذي عليه، ومثلها الأداء. (وقوله: لأنه) أي الشاهد الضامن هو، أو
أصله، أو فرعه، أو عبده. (وقوله: يدفع به) الأولى بها: أي بشهادته كما في التحفة. (وقوله: الغرم عن نفسه) وذلك
لأنه لو لم يؤد المضمون الدين الذي عليه فالمطالب به الضامن: أي فالتهمة موجودة. (وقوله: أو عمن الخ) معطوف على
عن نفسه، ومن واقعة على الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق. (وقوله: لا تقبل شهادته) الضمير يعود على من، وضمير
له يعود على الشاهد، والتقدير: أو لأنه يدفع الغرم عن أصله أو فرعه أو رقيقه الذين لا تقبل شهادته له لو أشهدهم، أي
فالتهمة موجودة. (قوله: وترد الشهادة من عدو على عدوه) أي لحديث: لا تقبل شهادة ذي غمر على أخيه. رواه أبو
داود وابن ماجة بإسناد حسن، والغمر - بكسر الغين - الغل والحقد لما في ذلك من التهمة. (قوله: عداوة دنيوية) خرج به
الدينية: أي المتعلقة بالدين، كشهادة مسلم على كافر فتقبل، ولا بد أن تكون ظاهرة لان الباطنة لا يطلع عليها إلا علام
الغيوب. وفي معجم الطبراني أن النبي (ص) قال: سيأتي قوم في آخر الزمان إخوان العلانية أعداء السريرة. قيل
لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام: أي شئ كان أشد عليك مما مر بك؟ قال شماتة الأعداء. وكان النبي (ص) يستعيذ

330
بالله منها. فنسأل الله سبحانه وتعالى العافية من ذلك. (وقوله: لا له) أي لا ترد الشهادة لعدوه إذ لا تهمة حينئذ. وما
أحسن ما قيل:
ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الأعداء
(قوله: وهو) أي عدو الشخص. (وقوله: من يحزن الخ) عبارة المنهاج: وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال
نعمته، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته. اه‍. وهو بمعنى ما ذكره المؤلف. (وقوله: وعكسه) هو من يفرح بحزنه.
(قوله: فلو عادى الخ) مرتب على محذوف، يعلم من عبارة التحفة ونصها: وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما،
فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه. اه‍. ومثلها عبارة النهاية والخطيب،
ونص الثاني: وقد تكون العداوة من الجانبين، وقد تكون من أحدهما، فيختص برد شهادته على الآخر. ولو عادى من
يستشهد عليه وبالغ في خصامه ولم يجبه ثم شهد عليه لم ترد شهادته لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى ردها. اه‍. (وقوله: من
يريد الخ) من واقعة على الشاهد، وهو المعادي - بفتح الدال -. (وقوله: أن يشهد عليه) فاعل يشهد يعود على من وهو
العائد، وضمير عليه يعود على المشهود عليه الذي هو المعادي - بكسر الدال - والمعنى أن هذا المشهود عليه عادى
الشاهد، فهذه العداوة لا تمنع شهادة الشاهد عليه، وإلا اتخذ الناس العداوة المذكورة ذريعة ووصلة لرد الشهادة عليه.
(قوله: وبالغ) أي المشهود عليه. (وقوله: في خصومته) أي الشاهد. (قوله: فلم يجبه) أي لم يجب الشاهد من بالغ في
الخصومة. (قوله: قبلت شهادته) أي هذا الذي خوصم وعودي. (وقوله: عليه) أي على المشهود عليه الذي هو المعادي
والمخاصم. (قوله: قبولها) أي الشهادة. (وقوله: من ولد العدو) أي فلو شهد ولد عدوه عليه قبلت. ومثل الولد الأصل
كما في المغني نص عبارته: وخرج بالعدو أصله وفرعه فتقبل شهادتهما إذ لا مانع بينهما وبين المشهود عليه. اه‍.
(قوله: ويوجه) أي قبول شهادة ولد العدو. (وقوله: بأنه لا يلزم من عداوة الخ) قال في التحفة: وزعم أنه أبلغ في
العداوة من أبيه، وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه، وإن كان الأصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في
حياته ليس في محله، لان الكلام في ولد عدو لم يعلم حاله، وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه لاطلاقه. أما
معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح. اه‍. (قوله: أن من قذف آخر) أي قبل الشهادة كما في النهاية. (قوله:
لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة القاذف على المقذوف، ولا المقذوف على القاذف، لان كلا عدو
للآخر. (قوله: وإن لم الخ) غاية في عدم قبول شهادة كل. (وقوله: حده) أي القاذف. (قوله: وكذا الخ) أي من قذف
آخر في عدم قبول شهادة كل من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله. (وقوله: فلا تقبل شهادة أحدهما على
الآخر) أي لا تقبل شهادة المدعي بقطع الطريق على آخر، ولا شهادة الآخر عليه للعداوة بينهما. (قوله: قال شيخنا
يؤخذ من ذلك) أنظر من أين يؤخذ؟ فإنه لا يلزم من عدم قبول الشهادة في القذف ودعوى قطع الطريق عدم قبولها في كل
فسق. ولعل في العبارة سقطا هو المأخوذ منه ذلك يعلم من عبارة التحفة ونصها: بعد نقله حاصل كلام الروضة الخ:
ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر، لأنه نسبه فيهما إلى الفسق، وهذه النسبة تقتضي العدالة عرفا، وإن صدق ورد
المقذوف والمدعى عليه كذلك، لان نسبته للزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه،

331
وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر الخ. اه‍. فقوله: وحينئذ يؤخذ من ذلك: أي من توجيه عدم قبول الشهادة في
صورة القذف، وصورة قطع الطريق، بحصول العداوة بينهما بسبب ذلك. (قوله: اقتضى وقوع عداوة) الجملة في محل
جر صفة لفسق، وذلك كشرب الخمر ونحوه. (قوله: نعم يتردد النظر) أي في قبول الشهادة من أحدهما على الآخر،
وعدم قبولها. (قوله: فيمن اغتاب الخ) متعلق بيتردد، أو بالنظر. (قوله: يجوز له غيبته به) يصح قراءة يجوز - بفتح الياء
وبضم الجيم المخففة وسكون الواو - وغيبته بعده فاعله، ويصح قراءته بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة -
وغيبته مفعوله، والفاعل ضمير يعود على مفسق، وعلى كل الجملة صفة لمفسق: أي مفسق موصوف بكونه يجوز لمن
اغتاب غيبته به. (قوله: وإن أثبت الخ) غاية في تردد النظر. (وقوله: السبب المجوز لذلك) أي للغيبة، وذلك السبب
كالتجاهر به أو كظلمه له.
واعلم: أن المؤلف اقتصر في النقل من عبارة شيخه على تردد النظر فيما ذكر، ولم يذكر ما انحط رأيه عليه، فكان
عليه أن يذكره لأنه من تتميم عبارته، ونصها بعد قوله وإن أثبت السبب المجوز لذلك: وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع
- أي قطع الطريق - من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر، وإن أثبت المدعي دعواه أنه هنا كذلك، وعليه فيفرق بين
مسألة القطع ومسألة الغيبة، بأن المعنى المجوز للغيبة، وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب، فجوز له الشارع
الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد، وهو أن ذلك الامر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة، وذلك جائز وقوعه من
كل منهما، فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر. اه‍. ببعض تصرف.
(قوله: فرع تقبل شهادة الخ) عبارة الروض وشرحه.
فرع: تقبل شهادة أهل البدع كمنكري صفات الله، وخلقه أفعال عباده، وجواز رؤيته يوم القيامة، لاعتقادهم أنهم
مصيبون في ذلك لما قام عندهم، إلا الخطابية وهم أصحاب الخطاب الأسدي الكوفي كان يقول بإلهية جعفر الصادق ثم
ادعى الإلهية لنفسه، فلا تقبل شهادتهم لمثلهم وإن علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا لتجويزهم الشهادة لمن صدقوه
في دعواه، أي لأنهم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول: لي على فلان كذا، فيصدقه بيمين أو غيرها،
ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب، إذ الكذب عندهم كفر، وإلا منكري العلم لله تعالى بالمعدوم والجزئيات، ومنكري
حدوث العالم، والبعث والحشر للأجسام، فلا تقبل شهادتهم لكفرهم لانكارهم ما علم مجئ الرسول به ضرورة، لا من
قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية، وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة، لا الخروج عن الملة، بدليل أنهم لم يلحقوهم
بالكفار في الإرث والأنكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها. فلو قال الخطابي في شهادته رأيت أو سمعت، قبلت شهادته
له لتصريحه بالمعاينة، وتقبل شهادة من يسب الصحابة والسلف، لأنه يقوله اعتقادا لا عداوة وعنادا، فلا نكفر متأولا بما
له وجه محتمل. نعم، قاذف عائشة رضي الله عنها كافر، فلا تقبل شهادته لأنه كذب الله تعالى في أنها محصنة قال الله
تعالى: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات) * الآية. وقذف سائر المحصنات يوجب رد الشهادة فقذفها
أولى. اه‍. بالحرف.
(قوله: لا نكفره ببدعته) خرج من نكفره ببدعته كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر، فلا تقبل شهادته كما
مر. (قوله: وإن سب الصحابة) غاية في قبول الشهادة من المبتدع أي تقبل الشهادة من المبتدع وإن كان يسب الصحابة.



(1) سورة النور، الآية: 23.
332
وعبارة المغني. تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره، وهو المرجح في زيادة الروضة، قال
بخلاف من قذف عائشة رضي الله عنها فإنه كافر، أي لأنه كذب الله تعالى، وقال السبكي في الحلبيات في تكفير من سب
الشيخين وجهان لأصحابنا، فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة،
ولا يغلط فيقال شهادته مقبوله. اه‍. فجعل ما رجحه في الروضة غلطا. قال الأذرعي: وهو كما قال، ونقل عن جمع
التصريح به، وأن الماوردي قال: من سب الصحابة، أو لعنهم، أو كفرهم، فهو فاسق مردود الشهادة. اه‍. وقوله: وهو
المرجح في زيادة الروضة جزم به في التحفة والنهاية.
(قوله: وادعى السبكي والأذرعي) عبارة التحفة وإن ادعى بزيادة إن الغائية. (وقوله: أنه غلط) أي أن قبول
الشهادة ممن يسب الصحابة غلط. (قوله: وترد) أي الشهادة من مبادر بشهادته. (قوله: قبل أن يسألها) بالبناء
للمجهول. أي قبل أن يطلب منه أداؤها. (قوله: ولو بعد الدعوى) غاية في الرد: أي ترد منه مطلقا، سواء بادر بها قبل
الدعوى أم بعدها. قال في المغني: وترد قبل الدعوى جزما وكذا بعدها، وقبل أن يستشهد، على الأصح للتهمة، ولخبر
الصحيحين أن النبي (ص) قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يشهدون ولا
يستشهدون. فإن ذلك في مقام الذم لهم. وأما خبر مسلم: ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها
فمحمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة. اه‍. (قوله: لأنه) أي المبادر بالشهادة منهم. اه‍. قوله: نعم لو أعادها)
أي الشهادة، وهذا استثناء من رد شهادة المبادر، فكأنه قال: ترد إلا إن أعادها. (وقوله: في المجلس) أي الذي شهد فيه
أولا مبادرة، وانظر هل هو قيد أو لا؟ (وقوله: بعد الاستشهاد) أي بعد طلب الشهادة منه. (قوله: قبلت) أي الشهادة
المعادة وهو جواب لو. (قوله: إلا في شهادة حسبة) استثناء من عدم صحة شهادة المبادر والحسبة مأخوذة من الاحتساب،
وهو طلب الاجر كما مر. (قوله: وهي) أي شهادة الحسبة. (قوله: فتقبل) أي شهادة الحسبة. (قوله: قبل الاستشهاد)
أي قبل طلب أداء الشهادة منه. (قوله: ولو بلا دعوى) أي تقبل ولو من غير سبق دعوى. قال الرشيدي: وقضية الغاية أنها
قد تقع بعد الدعوى وتكون شهادة حسبه. وليس كذلك فقد صرح الأذرعي وغيره أنها بعد الدعوى لا تكون حسبة. اه‍.
(قوله: في حق مؤكد لله) متعلق بقول الشارح فتقبل الخ. وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى وفيما
له فيه حق مؤكد. اه‍. ومثلها عبارة المنهج والمراد بالأول. أعني حقوق الله تعالى ما كان متمحضا لله تعالى كالصلاة
والصوم والحدود، وبالثاني أعني ما له فيه حق مؤكد، ما كان فيه حق لآدمي وحق لله، لكن المغلب الثاني كالطلاق رجعيا
كان أو بائنا، لان المغلب فيه حق الله. وكالعتق والاستيلاد والوصية والوقف لجهة عامة ونحو ذلك، فلعل في عبارته
سقطا، أو يقال إن المراد بالحق المؤكد ما يشمل المتمحض لله وغيره. (قوله: وهو ما لا يتأثر الخ) أي أن الحق المؤكد
لله هو ما لا يتأثر برضا الآدمي: أي لا يتغير ولا يرتفع برضاه، مثلا لو اتفق الزوجان وتراضيا على ارتفاع الطلاق، فإنه لا
يرتفع ولا أثر لرضاهما. (قوله: كطلاق) تمثيل للحق المؤكد لله. (وقوله: رجعي) صفة لطلاق. (وقوله: أو بائن) أي ولو
خلعا. لكن بالنسبة للفراق دون المال، بأن يشهد بذلك ليمنع من مخالفة ما يترتب عليه. (قوله: وعتق وإستيلاد) عبارة
الروض وشرحه. وكالعتق والاستيلاد لا في عقدي التدبير والكتابة، وفارقهما الاستيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة
بخلافهما، ولا في شراء القريب الذي يعتق به وإن تضمن العتق، لكون الشهادة على الملك. والعتق تبع وليس كالخلع،
لان المال فيه تابع، وفي الشراء مقصود فإثباته دون المال محال. اه‍. (قوله: ونسب) إنما كان حقا مؤكدا لله، لان الله

333
أكد الأنساب ومنع قطعها. (قوله: وعفو عن قود) إنما كان حقا لله أيضا لان فيه إحياء نفس، وهو حق لله. (قوله: وبقاء
عدة) إنما كان حقا لله أيضا لأنه يترتب على الشهادة به صيانة الفرج عن استباحته، وتمتع الأزواج به، وهي حق لله تعالى.
(قوله: وانقضائها) أي العدة، أي فيما إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا أراد أن يراجعها، فشهدوا بانقضاء العدة. وإنما كان
حقا لله لما يترتب على الشهادة من صيانة الفرج من تمتع زوجها به من غير طريق شرعي. (قوله: لنحو جهة عامة) متعلق
بكل من الوصية والوقف: وعبارة الروض وشرحه: وفي الوصية والوقف إذا عمت جهتهما ولو أخرت الجهة العامة،
فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ثم على الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد
شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها، قبلت شهادتهما. لان آخره وقف على الفقراء، لا إن خص جهتهما فلا تقبل
فيهما لتعلقهما بحظوظ خاصة. اه‍. (قوله: وحق لمسجد) أي وحق مستحق للمسجد بوصية أو وقف، فإذا شهد اثنان
بأن هذا الدار وقف على المسجد، قبلت شهادتهما. (قوله: إنما تسمع شهادة الحسبة الخ) قال في المغني: وكيفية
شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون، نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه، فإن ابتدأوا
قالوا فلان زنى فهم قذفة. اه‍. (قوله: عند الحاجة إليها) أي إلى شهادة الحسبة. (قوله: فلو شهد الخ) تفريع على
مفهوم قوله: عند الحاجة إليها. (قوله: لم يكف) أي قولهما المذكور في شهادة الحسبة. (وقوله: حتى يقولا الخ) غاية
لعدم الاكتفاء: أي لا يكفي ذلك حتى يقولا إن فلانا الذي أعتق عبده يسترقه، أو أن فلانا أخو فلانة من الرضاع يريد
التزوج بها، فإذا قال ذلك اكتفى به في شهادة السحبة لوجود الحاجة، وهي الاسترقاق أو التزوج. (قوله: وخرج بقولي
في حق الله تعالى) هذا مما يؤيد أن في العبارة سقطا. (قوله: حق الآدمي) أي المتحمض له. (قوله: فلا تقبل فيه شهادة
الحسبة) قال في المغني: لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده به بعد الدعوى. اه‍. (قوله:
وتقبل في حد الزنا الخ) أي لأنها محض حق لله تعالى، وكان الأولى أن يذكره بعد قوله كطلاق الخ ويسبكه به. (قوله:
وتقبل الشهادة من فاسق بعد توبة) أي في غير الشهادة المعادة، أما هي بأن شهد وهو فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعادها
فإنها لا تقبل هذه المعادة منه. (قوله: حاصلة) أي التوبة. (وقوله: قبل الغرغرة) أي معاينة سكرات الموت، أما بعدها
فلا تقبل، وذلك لان من وصل إلى تلك الحالة أيس من الحياة فتوبته إنما هي لعلمه باستحالة عوده إلى ما فعل. (قوله:
وطلوع الشمس الخ) معطوف على الغرغرة: أي وقبل طلوعها من مغربها، أما بعده فلا تقبل توبته: ونقل عن ابن العربي
في شرح المصابيح أنه قال: اختلف أهل السنة في أن عدم قبول توبة المذنب وإنما الكافر هل هو عام حتى لا يقبل إيمان
أحد ولا توبته بعد طلوع الشمس من مغربها إلى يوم القيامة، أو هو مختص بمن شاهد طلوعها من المغرب وهو مميز، فأما
من يولد بعد طلوعها من المغرب أو ولد قبله ولم يكن مميزا فصار مميزا ولم يشاهد الطلوع، فيقبل إيمانه وتوبته، وهذا هو
الأصح فليراجع. اه‍. بجيرمي. وفي الروض وشرحه: تجب التوبة من المعصية على الفور بالاتفاق، وتصح من ذنب
دون ذنب، وإن تكررت توبته وتكرر منه العود إلى الذنب، ولا تبطل توبته به، بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول،
وإن كانت توبته من القتل الموجب للقود صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه ليقتص منه، ومنعه القصاص
حينئذ عن مستحقه معصية جديدة لا تقدح في التوبة بل تقتضي توبته منه، ولا يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكر الذنب،
وقيل يجب لان تركه حينئذ استهانة بالذنب الأول يمنع ذلك، وسقوط الذنب بالتوبة مظنون لا مقطوع به، وسقوطه

334
بالاسلام مع الندم مقطوع به وثابت بالاجماع، وإنما كان توبة الكافر مقطوعا بها لان الايمان لا يجامع الكفر، والمعصية
قد تجامع التوبة. اه‍. ببعض. تصرف.
واعلم: أنه ورد في فضائل التوبة من الآيات والأحاديث شئ كثير، فمن ذلك قوله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا
أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) *. وقوله تعالى: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات، وكان الله غفورا رحيما) *. وقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط
يده بالنهار ليتوب مسئ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم، وقال عليه السلام: إن من قبل المغرب
لبابا مسيرة عرضه أربعون عاما - أو سبعون سنة - فتحه الله عز وجل للتوبة يوم خلق السماوات والأرض، فلا يغلقه حتى
تطلع الشمس منه. رواه الترمذي وصححه. اللهم اجعلنا من التائبين يا كريم.
(قوله: وهي) أي التوبة ندم، وعبارته تقتضي أنها هي الندم بالشروط الآتية، وهو الموافق لحديث: التوبة
الندم. (وقوله: من حيث أنها معصية) عبارة الزواجر: وإنما يعتد به: أي بالندم إن كان على ما فاته من رعاية حق الله
تعالى ووقوعه في الذنب حياء من الله تعالى وأسفا على عدم رعاية حقه، فلو ندم لحظ دنيوي كعار، أو ضياع مال، أو
تعب بدن، أو لكون مقتوله ولده، لم يعتبر كما ذكره أصحابنا الأصوليون، وكلام أصحابنا الفقهاء ناطق بذلك، وإنما لم
يصرحوا به لان التوبة عبادة، وهي لا تكون إلا لله تعالى، فلا يعتد بها إن كان لغرض آخر، وإن قيل من خصائص التوبة
أنه لا سبيل للشيطان عليها لأنها باطنة فلا تحتاج إلى الاخلاص لتكون مقبولة، ولا يدخلها العجب والرياء، ولا مطمع
للخصماء فيها. اه‍. (قوله: لا لخوف عقاب الخ) أي إن كان الندم من حيث خوف عقاب لو اطلع عليه، أو كان من
حيث غرامة مال عليه، فإنه لا يعتبر فيهما ولا يعد تائبا. (قوله: بشرط إقلاع عنها) أي عن المعصية. (وقوله: حالا) أي
بأن يتركها من غير مهلة. (وقوله: إن كان متلبسا) أي بالمعصية. (وقوله: أو مصرا على معاودتها) الظاهر أن هذا يغني
عنه قوله فيما سيأتي وعزم أن لا يعود، إذ بوجود هذا ينتفي الاصرار على معاودتها تأمل. (قوله: ومن الاقلاع رد
المغصوب) لا حاجة إلى هذا لاندراجه في قوله. وخروج عن ظلامة آدمي الذي هو ثمرة الاقلاع، وسيصرح به هناك.
(قوله: وعزم أن لا يعود إليها معطوف على إقلاع: أي وبشرط العزم على أن لا يعود إلى المعصية. قال في التحفة:
ومحله إن تصور منه، وإلا كمجبوب تعذر زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق. اه‍. (قوله: وخروج عن
ظلامة آدمي) معطوف على إقلاع أيضا: أي وبشرط خروج عن ظلامة آدمي. وعبارة التحفة في الدخول على هذا، ثم
صرح بما يفهمه الاقلاع للاعتناء به فقال: ورد ظلامة آدمي، يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه، مالا كانت أو عرضا
نحو قود وحد قذف إلى تعلقت به، سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة، وكذا نحو كفارة
وجبت فورا. اه‍. (قوله: من مال) بيان للظلامة. (وقوله: أو غيره) كالعرض. (قوله: فيؤدي الخ) أي من عليه ظلامة
وأراد التوبة، وهذا هو معنى الخروج عن الظلامة. (قوله: ويرد المغصوب إن بقي) أي إن كان باقيا بعينه. (قوله: وبدله)
أي أو يرد بدله إن كان قد تلف. (وقوله: لمستحقه) متعلق بيرد. (قوله: ويمكن الخ) أي ويمكن التائب الذي عليه ظلامة
مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء، بأن يأتي إليه ويقول له أنا الذي قتلت أو قذفت ولزمني موجبهما، فإن شئت
فاستوف وإن شئت فاعف. (قوله: أو يبرئه منه المستحق) الظاهر أنه معطوف على مقدر، أي فبعد التمكين يستوفيه منه



(1) سورة النور، الآية: 31.
(2) سورة الفرقان، الآية: 70.
335
المستحق أو يبرئه منه، فهو مخير في ذلك. (قوله: للخبر الصحيح) دليل اشتراط الخروج عن ظلامة آدمي. وعبارة
الزواجر: والأصل في توقف التوبة على الخروج من حق الآدمي عند الامكان قوله (ص): من كان لأخيه الخ، ثم قال كذا
أورده، الزركشي عن مسلم. والذي في صحيحه كما مر: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا
متاع. قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك
دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم
فطرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه الترمذي ورواه البخاري بلفظ: من كانت عنده مظلمة فليستحلله منها، فإنه
ليس هناك دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.
ورواه الترمذي بمعناه. وقال في أوله: رحم الله عبدا كانت لأخيه مظلمة في عرض أو مال فجاء فاستحله. اه‍. (قوله:
من كانت لأخيه عنده مظلمة) قال في القاموس: المظلمة - بكسر اللام - وكثمامة ما يظلمه الرجل. اه‍. وقوله: وكثمامة،
أي وهو ظلامة. (قوله: في عرض) أي من عرض، ففي بمعنى من البيانية. (قوله: فليستحله اليوم) أي في الدنيا.
(وقوله: قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي ينفع، وهو يوم القيامة. (قوله: فإن كان له) أي لمن كانت عنده مظلمة.
(وقوله: عمل) أي صالح. (قوله: يؤخذ منه) أي من عمله. (قوله: وإلا) أي وإن لم يكن له عمل: أي صالح. (قوله:
أخذ من سيئات صاحبه) أي الذي له المظلمة. (قوله: فحمل عليه) أي طرح عليه قال في التحفة: ثم تحميله للسيئات
يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به، فإذا
أخذ من سيئات الدائن وحمل على المدين لم يعاقب به. وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير. اه‍.
(قوله: وشمل العمل) أي في الحديث. (وقوله: الصوم) أي فيؤخذ ثوابه ويعطى للمظلوم. (قوله: خلافا لمن استثناه)
عبارة التحفة. فمن استثناه فقد وهم. اه‍. (قوله: فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه) عبارة الروض وشرحه:
فإن لم يكن مستحق، أو انقطع خبره، سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق به على الفقراء ونوى الغرم له إن وجده، أو
يتركها عنده. قال الأسنوي: ولا يتعين التصدق بها بل هو مخير بين وجوه المصالح كلها، والمعسر ينوي الغرم إذا قدر،
بل يلزمه التكسب لإيفاء ما عليه إن عصى به لتصح توبته، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصى بالاستدانة كما
تقتضيه ظواهر السنة الصحيحة، وإلا فالظاهر أنه لا مطالبة فيها إذ لا معصية منه، والرجاء في الله تعويض الخصم. اه‍.
بحذف. (قوله: فإن تعذر) أي القاضي الثقة، أي الأمين بأن لم يوجد أو وجد ولكنه غير ثقة. (قوله: صرفها) أي
الظلامة. (قوله: فيما شاء) أي في الوجه الذي شاءه من هي تحت يده. (وقوله: من المصالح) بيان لما. (قوله: عند
انقطاع خبره) الظاهر أن ضميره يعود على المستحق ولا حاجة إليه، إذ الكلام مفروض في أنه متعذر، وتعذره يكون بعدم
وجوده، أو بانقطاع خبره. (قوله: بنية الغرم) متعلق بصرفها. (وقوله: له) أي للمستحق. (قوله: إذا وجده) أي
المستحق. (قوله: فإن أعسر) أي فإن كان من عنده المظلمة معسرا. (قوله: عزم على الأداء) أي أداء الظلامة وإعطائها
للمستحق لها. (وقوله: إذا أيسر) متعلق بالأداء. (قوله: فإن مات) أي المعسر. (وقوله: قبله) أي قبل الأداء. (قوله:
انقطع الطلب عنه في الآخرة) أي لا يطالبه بها مستحقها في الآخرة. (قوله: فالمرجو الخ) معطوف على جملة انقطع،
والأولى التعبير بالواو، أي انقطع عنه الطلب، والذي يرجى من فضل الله أن يعوض المستحق في حقه. (قوله: ويشترط
أيضا) أي كما اشترط ما مر لصحة التوبة. (وقوله: عن إخراج صلاة أو صوم عن وقتهما) أي بأن ترك الصلاة في وقتها، أو

336
الصوم في وقته. (وقوله: قضاؤهما) أي الصلاة والصوم. وعبارة الزواجر: الحادي عشر: أي من شروط التوبة التدارك
فيما إذا كانت المعصية بترك عبادة، ففي ترك نحو الصلاة والصوم تتوقف صحة توبته على قضائها لوجوبها عليه فورا،
وفسقه بتركه كما مر، فإن لم يعرف مقدار ما عليه من الصلوات مثلا. قال الغزالي: تحرى وقضى ما تحقق أنه تركه من
حين بلوغه. اه‍ (قوله: وإن كثر) أي القضاء عما فاته، فيشترط لصحة التوبة فعل جميع ما عليه من الصلوات أو الصيام.
(قوله: وعن القذف) معطوف على عن إخراج الخ. أي ويشترط أيضا في صحة التوبة عن القذف الخ. (وقوله: أن يقول
القاذف الخ) وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هذا القول يكون في أي زمن يقال لمن. شوبري انتهى. وفي الزواجر: أنه
يقوله بين يدي المستحل منه كالمقذوف. انتهى. قال سم: ولو علم أنه لو أعلم مستحق القذف ترتب على ذلك فتنة،
فالوجه أنه لا يجب عليه إعلامه، ويكفيه الندم، والعزم على عدم العود، والاقلاع. اه‍. (قوله: قذفي باطل) قيل المراد
بهذا أن القذف من حيث هو باطل، لا خصوص قوله: إذ قد يكون صادقا، ولذا رد الجمهور على الإصطخري اشتراطه
أن يقول كذبت فيما قذفته. انتهى. (قوله: وعن الغيبة الخ) معطوف أيضا على عن إخراج الخ: أي ويشترط في صحة
التوبة أن يستحلها الخ. وعبارة الزواجر: ولو بلغت الغيبة المغتاب، أو قلنا أنها كالقود والقذف لا تتوقف على بلوغ،
فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعذر لغيبته الشاسعة استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل
الورثة. ذكره الحناطي وغيره. وأقرهم في الروضة. قال فيها: وأفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم
والاستغفار له. وجزم به الصباغ حيث قال: إنما يحتاج لاستحلال المغتاب إذا علم لما داخله من الضرر والغم، بخلاف
ما إذا لم يعلم فلا فائدة في إعلامه لتأذيه، فليتب فإذا تاب أغناه عن ذلك. نعم: هن كان تنقصه عند قوم رجع إليهم
وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة. اه‍. (قوله: ولم يتعذر) أي الاستحلال. (وقوله: بموت) أي للمغتاب (وقوله: أو
غيبة طويلة) أي له أيضا. (قوله: وإلا) أي بأن لم تبلغه أو تعذر الاستحلال منه، كفى الندم. (قوله: والاستغفار له) أي
للمغتاب. وعبارة غيره كالروض وشرحه: ويستغفر الله تعالى من الغيبة. اه‍. ويمكن الجمع بأن يقال يستغفر لنفسه من
المعصية الصادرة منه وهي الغيبة، ويستغفر للمغتاب في مقابلة غيبته له، وذلك بأن يقول: اللهم اغفر لنا وله، ثم رأيته
مصرحا به في فتح الجواد. وعبارته: فإن تعذر أو تعسر لغيبته البعيدة، استغفر له ولنفسه مع ندمه. ويظهر أن الاستغفار له
هنا شرط ليكون في مقابلة تأذيه ببلوغ الخبر له. اه‍. قال سم: فإن استغفر الله ثم بلغته فهل يكفي الاستغفار أم لا؟
والأوجه أنه يكفي. اه‍. (قوله: كالحاسد) أي فإنه يكفي فيه الندم والاستغفار للمحسود، هذا ما يقتضيه صنيعه، وعبارة
التحفة والنهاية: وكذا يكفي الندم والاقلاع عن الحسد. اه‍. وعبارة الروض وشرحه: ويستغفر الله من الحسد، وهو أن
يتمنى زوال نعمة غيره، ويسر ببليته. وعبارة الأصل: والحسد كالغيبة وهي أفيد، ولا يخبر صاحبه: أي لا يلزمه إخبار
المحسود. قال في الروضة: بل لا يسن، ولو قيل يكره لم يبعد. اه‍. وقوله: وهي أفيد. قال سم: وكأن وجه الأفيدية
أنها تفيد أيضا أنه إذا علم المحسود لا بد من إستحلاله. اه‍. (قوله: واشترط جمع متقدمون أنه) أي الحال والشأن.
(وقوله: لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار) أي لنفسه. (وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر في صحة التوبة.
(قوله: وقال بعضهم يتوقف في التوبة الخ) أي يحتاج في صحة التوبة من الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم
يخف فتنة. (وقوله: وإلا) أي بأن خيف فتنة. (وقوله: فليتضرع الخ) أي فلا يتوقف على الاستحلال، بل يكفي التضرع
إلى الله تعالى في إرضاء الخصم عنه. (قوله: وجعل بعضهم الخ) قال في الزواجر، بعد كلام: وقضية ما ذكره - أي
الغزالي - من اشتراط الاستحلال في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به، أن الزنا واللواط فيهما حق

337
للآدمي، فتتوقف التوبة منهما على إستحلال أقارب المزني بها، أو الملوط به، وعلى إستحلال زوج المزني بها. هذا إن
لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائهم عنه. ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار، أي عار
بالأقارب، وتلطيخ فراش الزوج، فوجب إستحلالهم حيث لا عذر.
فإن قلت: ينافي ذلك جعل بعضهم من الذنوب التي لا يتعلق بها حق آدمي وطئ الأجنبية فيما دون الفرج وتقبيلها
من الصغائر، والزنا وشرب الخمر من الكبائر، وهذا صريح في أن الزنا ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال.
قلت: هذا لا يقاوم به كلام الغزالي، لا سيما وقد قال الأذرعي عنه أنه في غاية الحسن والتحقيق، فالعبرة بما دل
عليه دون غيره. اه‍. (
قوله: فلا يحتاج) أي الزنا وهو تفريع على أنه ليس فيه حق آدمي. (وقوله: إلى الاستحلال) أي استحلال زوج
المزني بها. (قوله: والأوجه الأول) أي ما قاله بعضهم من أنه يتوقف في التوبة من الزنا على الاستحلال. (قوله: ويسن
للزاني الخ) أي لقوله عليه السلام: من ابتلي منكم بشئ من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله تعالى. (قوله: الستر
على نفسه) نائب فاعل يسن. (قوله: بأن لا يظهرها) أي المعصية، وهو تصوير للستر المسنون. (قوله: ليحد أو يعزر)
علة الاظهار المنفي، فهو إذا أظهرها يحد أو يعزر، ويكون خلاف السنة. وإذا لم يظهرها لا يحد ولا يعزر، ويكون
مسنونا. (قوله: لا أن يتحدث بها) معطوف على أن لا يظهرها. والمعنى عليه: يصور الستر بعدم إظهارها، ولا يصور
بالتحدث بالمعصية الخ، وهذا أمر معلوم فلا فائدة في نفيه. وعبارة التحفة: لا أن لا يتحدث بها، بزيادة لا النافية بعد
أن، وهي ظاهرة، وذلك لان معناها أن الستر المسنون لا يصور بعدم التحدث بها تفكها أو مجاهرة، إذ يفيد حينئذ أن عدم
التحدث بها سنة، وأن التحدث خلاف السنة فقط، مع أنه حرام قطعا. إذا علمت ذلك فلعل في العبارة إسقاط لفظ لا من
النساخ. تأمل. (وقوله: تفكها) أي استلذاذا بالمعصية. (وقوله: أو مجاهرة) أي أو لأجل التجاهر بها. (قوله: فإن هذا)
أي التحدث بالمعصية تفكها أو مجاهرة، حرام قطعا. وخرج بالتحدث لذلك التحدث لا لذلك، بل ليستوفى منه الحد
الذي أوجبته المعصية، فهو ليس بحرام، بلا خلاف السنة فقط كما علمت. (قوله: وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك)
أي من المعاصي. (وقوله: الرجوع عن إقراره به) قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد - أي
لله - أن يأتي الامام ليقيمه عليه لفوات الستر، لان المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته،
فيسن له ذلك، أما حد الآدمي، أو القود له، أو تعزيره، فيجب الاقرار به ليستوفى منه. ويسن لشاهد الأول الستر ما لم ير
المصلحة في الاظهار، ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير، وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الأداء، وأثم
بتركه. وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية، بل لا بد معه من التوبة. اه‍. (وقوله: لان المراد بالظهور هنا) أي في
قوله: يسن لمن ظهر عليه الخ. قال سم: فقال في شرح الروض: قال ابن الرفعة: والمراد به - أي بالظهور - الشهادة.
قال: وألحق به ابن الصباغ ما إذا اشتهر بين الناس. اه‍. (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته في الزواجر. وفي الجواهر: لو
مات المستحق واستحقه وارث بعد وارث، فمن يستحقه في الآخرة. أربعة أوجه: الأول آخر الورثة، ورابعها إن طالبه
صاحبه به فجحده به وحلف فهو له، وإلا انتقل إلى ورثته. وادعى القاضي أنه لو حلف عليه يكون للأول. وقال النسائي:
لو استحق الوفاء وارث بعد وارث، فإن كان المستحق ادعاه وحلف. قال في الكفاية: فالطلب في الآخرة لصاحب الحق
بلا خلاف، أو لم يحلف فوجوه، في الكفاية أصحها ما نسبه الرافعي للحناطي كذلك، والثاني للكل، والثالث للأخير
ولمن فوقه ثواب المنع. قال الرافعي: وإذا دفع لآخر الورثة خرج عن مظلمة الكل، إلا فيما سوف وماطل. اه‍.
ملخصا. وقوله: ثواب المنع: أي من وفاء ما يستحقه. (قوله: وله) أي لمن مات. (وقوله: دين) أي على غيره.

338
(وقوله: لم يستوفه) أي لم يستوف ذلك الميت الدين ممن هو عليه. (قوله: يكون هو) أي من مات لا ورثته. (وقوله:
المطالب به) - بكسر اللام - اسم فاعل. (وقوله: على الأصح) مقابله يعلم من العبارة المارة. (قوله: وبعد استبراء سنة)
معطوف على قوله بعد توبة: أي تقبل الشهادة من فاسق بعد توبة وبعد استبراء سنة. قال في المغني: واستثني من اشتراط
ذلك صور منها: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلم نفسه للحد، لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح.
قاله الماوردي، والروياني. ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال، ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه
الرافعي عن البغوي، ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء، بل
تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة، ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف، إذا فسق ثم تاب، عادت ولايته
من غير استبراء. اه‍. (قوله: من حين الخ) من ابتدائية متعلقة بمحذوف صفة لسنة: أي بسنة مبتدأة، من حين توبة
فاسق. (وقوله: ظهر فسقه) قيد في كون قبول التوبة يكون بعد استبراء سنة. وخرج به ما إذا خفي فسقه وأقر به ليقام عليه
الحد، فتقبل شهادته عقب توبته كما مر آنفا. (قوله: لأنها) أي التوبة قلبية، وهو علة لاشتراط الاستبراء. (قوله: وهو
متهم الخ) من تتمة العلة. أي والفاسق الذي ظهر فسقه متهم: أي في إظهار توبته. (وقوله: لقبول الخ) هذا سبب
التهمة: أي وإنما كان متهما في إظهارها، لأنه يقال: ربما أنه إنما أظهرها لأجل أن تقبل شهادته وتعود ولايته. وعبارة
التحفة: وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته، فاعتبر ذلك لتقوى دعواه. اه‍. وقال عميرة: وجه ذلك - أي
اشتراط الاستبراء - التحذير من أن يتخذ الفساق مجرد التوبة ذريعة إلى ترويج أقوالهم. اه‍. (قوله: فاعتبر ذلك أي
الاستبراء بسنة. (وقوله: لتقوي دعواه) أي للتوبة. (قوله: وإنما قدرها) أي مدة الاستبراء. (وقوله: سنة) الأصح أنها
تقريبية لا تحديدية، فيغتفر مثل خمسة أيام لا ما زاد عليها. اه‍. بجيرمي. (قوله: لان للفصول الأربعة) هي الشتاء
والربيع والصيف والخريف. (قوله: في تهييج النفوس) أي تحريكها واشتياقها، وهو متعلق بقوله بعد أثرا بينا. (قوله:
بشهواتها) الباء بمعنى اللام متعلقة بتهييج: أي تهييج النفوس لشهواتها. وعبارة شرح الروض: لان لمضيها - أي السنة
المشتملة على الفصول الأربعة - أثرا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة.
اه‍. والمراد أن لكل فصل من الفصول الأربعة تأثيرا في تحريك النفس لما تشتهيه وتعتاده، فإن لم تتحرك نفسه لذلك
فيها حتى مضت دل على حسن توبته وارتفعت التهمة عنه. (قوله: فإذا مضت) أي الفصول الأربعة. (قوله: وهو على
حاله) أي وهو باق على حاله بعد التوبة. (قوله: أشعر ذلك) أي مضي الفصول وهو باق على حاله. (قوله: وكذا لا بد في
التوبة الخ) عبارة المغني تنبيه اقتصار المصنف كالرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى
استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء. قال البلقيني: وله وجه فإن خارم المروءة صار
باعتياده سجية له فلا بد من اختبار حاله. وذكر في المطلب: أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة، سواء كانت
قذفا أم لا، كالغيبة والنميمة وشهادة الزور. اه‍. (وقوله: من خارم المروءة) متعلق بالتوبة. (وقوله: الاستبراء) لعل لفظ
من سقط من النساخ: أي لا بد من الاستبراء.
(قوله: فروع) أي ثلاثة. الأول: قوله لا يقدح في الشهادة الخ، والثاني: قوله ولا توقفه الخ، والثالث: قوله ولا
قوله الخ، وعدها في التحفة فرعا واحدا. (قوله: لا يقدح في الشهادة) أي لا يؤثر فيها. (وقوله: جهله) أي الشاهد.

339
(وقوله: بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يؤديهما) أي ولم يقصر في العلم - كما في النهاية - فإن قصر فيه لم تقبل
شهادته، لان تركه من الكبائر كما في التحفة. ونصها: وينبغي أن يكون من الكبائر ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو
فرض عين عليه، لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية. نعم: مر أنه لو اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة أو
الوضوء فرض أو بعضها فرض، ولم يقصد بفرض معين النفلية صح وحينئذ فهل ترك تعلم ما ذكر كبيرة أيضا أو لا؟ للنظر فيه مجال،
والوجه أنه غير كبيرة، لصحة عباداته مع تركه. وأما إفتاء شيخنا بأن من لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو
الصلاة لا تقبل شهادته. فيتعين حمله على غير هذين القسمين، لئلا يلزم على ذلك تفسيق العوام وعدم قبول شهادة أحد
منهم، وهو خلاف الاجماع الفعلي، بل صرح أئمتنا بقبول شهادة العامة، كما يعلم مما يأتي قبيل شهادة الحسبة على أن
كثيرين من المتفقهة يجهلون كثيرا من شروط نحو الوضوء. اه‍. (قوله: ولا توقفه في المشهود به) معطوف على جهله
بفروض الخ: أي ولا يقدح في الشهادة تردد الشاهد في المشهود به، كأن قال أشهد أن على فلان مائة أو تسعين مترددا
في ذلك. (قوله: إن عاد) أي الشاهد، وهو قيد لعدم القدح في توقفه. (قوله: وجزم به) أي بالمشهود به. (قوله: فيعيد
الشهادة) أي من أولها، ولا يكفي اقتصاره على جزمه بالمشهود به. (قوله: ولا قوله الخ) معطوف على قوله جهله أيضا:
أي ولا يقدح في الشهادة قول الشاهد قبل أن تصدر منه هذه الشهادة، لا شهادة لي في هذا الشئ. (قوله: إن قال الخ)
قيد لعدم القدح في الشهادة بقوله المذكور. (وقوله: نسيت) أي الشهادة، فقلت لا شهادة لي، ثم تذكرتها وشهدت.
(قوله: أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله) أي لا شهادة لي، بأن مضى زمن يمكن فيه إيقاعه. (قوله: وقد اشتهرت
ديانته) أي من قال لا شهادة لي، ثم شهد، ومفهومه أنه إذا لم تشتهر ديانته يكون قوله المذكور قادحا في شهادته. (قوله:
ولا يلزم الخ) كلام مستأنف. وعبارة التحفة: وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم كما بأصله،
ويندب له استفساره. اه‍. (وقوله: إستفساره) - أي الشاهد - أي طلب تفسير الشهادة، وتفصيلها بأن يسأله عن وقت
تحملها وعن مكانه. (قوله: إن اشتهر ضبطه وديانته) قيد في عدم لزوم استفساره. (قوله: بل يسن) أي الاستفسار.
(قوله: كتفرقة الشهود) أي فإنها تسن عند أداء الشهادة، بأن يستشهد القاضي كل واحد على حدته. (قوله: وإلا الخ) أي
وإن لم يشتهر ضبطه وديانته، لزم القاضي أن يستفسره. وعبارة المغني: قال الامام: والاستفصال عند استشعار القاضي
غفلة في الشهود حتم، وكذا إن رابه أمر. وإذا استفصلهم ولم يفصلوا بحث عن أحوالهم، فإن تبين له أنهم غير مغفلين
قضى بشهادتهم المطلقة. قال: ومعظم شهادة العوام يشوبها غرة وسهو وجهل، وإن كانوا عدولا فيتعين الاستفصال كما
ذكرنا، وليس الاستفصال مذكورا في نفسه، وإنما الغرض تبيين تثبتهم في الشهادة. اه‍. وتعقب كلام الامام المذكور
في التحفة فقال فيها والوجه ما أشرت إليه آنفا أنه إن اشتهر ضبطه وديانته لم يلزمه استفساره، وإلا لزمه. اه‍. (قوله:
وشرط لشهادة بفعل) أي زيادة على الشروط المتقدمة التي ذكرها. (قوله: كزنا الخ) تمثيل للفعل. (قوله: وولادة) قال
في التحفة: وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الام. اه‍. وقوله: محمول الخ. وذلك لان
النسب يكفي فيه الاستفاضة. (قوله: إبصار الخ) نائب فاعل شرط: أي شرط إبصار لذلك الفعل مع إبصار فاعله
لحصول اليقين به. قال تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *. وللخبر السابق: على مثلها - أي الشمس -
فاشهد. (قوله: فلا يكفي فيه) أي في الفعل، أي الشهادة به. (وقوله: السماع من الغير) أي بحصول ذلك الفعل بأن
يسمع أن فلانا زنى بفلانة، فلا يجوز له أن يشهد بالسماع المذكور. (قوله: ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين) أي لأنهما



(1) سورة الزخرف، الآية: 86.
340
هتكا حرمة أنفسهما. (وقوله: لتحمل شهادة) علة الجواز: أي يجوز النظر لأجل التحمل، فإن كان لغيره فسقوا وردت
شهادتهم. وعبارة الخطيب: وإنما نقبل شهادتهم بالزنا إذا قالوا: حانت منا إلتفاتة فرأينا، أو تعمدنا النظر لإقامة الشهادة.
قال الماوردي: فإن قالوا تعمدنا لغير الشهادة فسقوا وردت شهادتهم. اه‍. (قوله: وكذا امرأة الخ) أي وكذلك يجوز
تعمد نظر فرج امرأة تلد. (وقوله: لأجلها) أي لأجل تحمل الشهادة. وأنث الضمير العائد على مذكر لاكتسابه التأنيث من
المضاف إليه. (قوله: ولشهادة بقول) معطوف على لشهادة بفعل: أي وشرط لشهادة بقول (قوله: كعقد الخ) تمثيل
للقول (قوله: هو) نائب فاعل شرط المقدر. (قوله: وسمع) معطوف على الضمير. (قوله: لقائله) هو وما بعده متعلقان
بإبصار المجعول تفسيرا للضمير، والأولى أن يذكرهما بعد قوله: أي إبصار، ويقدر لسمع متعلقا يناسبه: أي سمع
لقوله. وعبارة المنهاج مع التحفة: والأقوال كعقد، وفسخ وإقرار، يشترط سمعها وإبصار قائلها حال صدورها منه، ولو
من وراء نحو زجاج فيها يظهر، ثم رأيت غير واحد قالوا: تكفي الشهادة عليها من وراء ثوب خفيف يشف على أحد وجهين
كما اقتضاه ما صححه الرافعي في نقاب المرأة الرقيق. اه‍. (وقوله: حال صدوره) أي القول (قوله: فلا يقبل الخ)
تفريع على مفهوم شرط القول. (وقوله: أصم لا يسمع شيئا) تفريع على مفهوم شرطه وشرط ما قبله وهو الفعل: أي فلا
يقبل في القول أي الشهادة به أصم لا يسمع شيئا: أي وأما الفعل فيقبل لحصول العلم بالمشاهدة، كما صرح به في
المنهاج. (قوله: ولا أعمى في مرئي) أي ولا يقبل شهادة أعمي في مرئي، وهو الفعل مع فاعله بالنسبة للأول، وقائل
القول بالنسبة للثاني، ومثل الأعمى من يدرك الاشخاص ولا يميز بينها. ويستثنى من ذلك صور تقبل شهادة الأعمى فيها
على الفعل، والقول منها ما إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة، أو دبر صبي مثلا، فأمسكهما ولزمهما حتى شهد
عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد، فيقبل شهادته لان هذا أبلغ من الرؤية، ومنها في الغصب والاتلاف فيما لو
جلس الأعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الأعمى في تلك الحالة مع البساط وتعلق بهما حتى شهد
عند الحاكم بما عرفه لتقبل شهادته، ومنها ما إذا أقر شخص في إذنه بنحو طلاق، أو عتق، أو مال لرجل معروف الاسم
والنسب، فمسكه حتى شهد عليه عند قاض فتقبل شهادته، ومنها ما إذا كان عماه بعد تحمله الشهادة، والمشهود له
والمشهود عليه معروفا الاسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم به، ومنها ما يثبت بالاستفاضة والشيوع من جمع كثير
يؤمن تواطؤهم على الكذب، مثل الموت والنسب والعتق مما سيأتي قريبا، فتقبل شهادته فيه. (قوله: لانسداد طرق
التمييز) أي المعرفة، وهو تعليل لعدم قبول شهادة الأعمى: أي وإنما لم تقبل لانسداد طرق التمييز عليه. (وقوله: مع
اشتباه الأصوات) أي فقد يحاكي الانسان صوت غيره فيشتبه صوته به، فلذلك لا تقبل شهادته حتى على زوجته اعتمادا
على صوتها كغيرها، خلافا لما بحثه الأذرعي من قبول شهادته عليها اعتمادا على ذلك، وإنما جوزوا له وطأها اعتمادا
على صوتها للضرورة، ولان الوطئ يجوز بالظن بخلاف الشهادة فلا تجوز إلا بالعلم واليقين، كما يفيده الخبر السابق
وهو: على مثلها فاشهد.
تنبيه: العمى هو فقد البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا ليخرج الجماد، وهو ليس بضار في الدين، بل المضر
إنما هو عمى البصيرة - وهو الجهل - بدليل: * (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *. وضمير
فإنها للقصة. وما أحسن قول أبي العباس المرسي.
يقولون الضرير فقلت كلا * بل والله أبصر من بصير
سواد العين زار بياض قلبي * ليجتمعا على فهم الأمور



(1) سورة الحج، الآية: 46.
341
ولما عمي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنشد:
إن يأخذ الله من عيني نورهما فإن قلبي مضئ ما به ضرر
أرى بقلبي دنياي وآخرتي والقلب يدرك ما لا يدرك البصر
(قوله: ولا يكفي سماع شاهد الخ) لو حذف الفعل وجعل ما بعده معطوفا على قوله: ولا أعمى لكان أخصر
وأولى، لان هذا مفرع أيضا على مفهوم اشتراط الابصار. (وقوله: من وراء حجاب) يصح جعل من اسما موصولا،
وتكون مفعول سماع: أي ولا يكفي سماعه من كان وراء حجاب ويصح جعلها جارة، وهي متعلقة بمحذوف لشاهد: أي
كائن من وراء حجاب، والمراد بالحجاب غير الشفاف. أما هو كزجاج فيكفي كما مر. (قوله: وإن علم) أي الشاهد.
(وقوله: صوته) أي المشهود عليه. (قوله: لان ما أمكن إدراكه الخ) أي لان ما أمكن معرفته يقينا بإحدى الحواس كالبصر
هنا لا يعمل فيه بغلبة الظن الحاصلة بغيره كالسمع، وبما قررته اندفع ما يقال إن السمع من الحواس والصوت يدرك به،
فالعلة غير صحيحة. وحاصل الدفع أن السمع وإن سلم أنه من الحواس إلا أنه لا يحصل به الادراك، أي المعرفة يقينا،
بل يفيد غلبة الظن فقط لجواز اشتباه الأصوات، والذي يفيد الادراك يقينا هنا هو البصر، فإذا أمكن به لا يجوز العمل
بخلافه. والحواس الظاهرة خمس. السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فلو أدرك الأعمى شيئا بالشم وما بعده من
الحواس جاز أن يشهد به لحصول الادراك به يقينا، فإذا اختلف المتبايعان في مرارة المبيع، أو حموضته، أو تغير رائحته،
أو حرارته، أو برودته، جازت شهادة الأعمى به. (قوله: نعم لو علمه الخ) استثناء من عدم الاكتفاء بسماع شاهد من وراء
حجاب: أي لا يكتفي بذلك إلا إن عرف الشاهد أن هذا المشهود عليه القائل بكذا مثلا هو في البيت وحده، وعرف أن
الصوت خرج من هذا البيت الذي فيه المشهود عليه وحده، فإنه يكتفي بسماع صوته، ويجوز اعتماده وإن لم يره لحصول
اليقين بما ذكر. (قوله: وكذا لو علم الخ) أي وكذا يجوز للشاهد اعتماد الصوت ويكتفي به في سماع الشهادة لم علم
اثنين كائنين ببيت وحدهما لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان. (قوله: وعلم الموجب) بكسر الجيم. (وقوله: منهما) أي
من الاثنين، وهو متعلق بالموجب. (وقوله: من القابل) متعلق بعلم على تضمينه معنى ميز. (وقوله: لعلمه بمالك
المبيع) علة لعلمه الموجب من القابل: أي أن معرفته الموجب من القابل لكونه يعلم من قبل بمالك المبيع. وعبارة
المغني: وما حكاه الروياني عن الأصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه اثنان فقط، فسمع معاقدتهما بالبيع وغيره، كفى
من غير رؤية زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل. قال الأذرعي: وقضية كلامه أنه لو عرف هذا من هذا أنه
يصح التحمل، ويتصور ذلك بأن يعرف أن المبيع ملك أحدهما، كما لو كان الشاهد يسكن بيتا أو نحوه لأحدهما، أو كان
جاره، فسمع أحدهما يقول بعني بيتك الذي يسكنه فلان الشاهد أو الذي في جواره، أو علم أن القابل في زاوية
والموجب في أخرى، أو كان كل واحد منهما في بيت بمفرده والشاهد جالس بين البيتين وغير ذلك. اه‍. (قوله: أو نحو
ذلك) أي نحو مالك المبيع، وهو القابل. (قوله: فله) أي للعالم بما ذكر، وهذه نتيجة التشبيه بقوله وكذا. (قوله: ولا
يصح تحمل شهادة على منتقبة) أي على نفسها أو على نكاحها، كما يعلم ذلك من قوله قال جمع الخ، والمنتقبة بنون ثم
تاء هي التي غطت وجهها بالنقاب. قال في المغني:
تنبيه: مراد المصنف والأصحاب بأنه لا يصح التحمل على المنتقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على عرفة صوتها، أما
لو شهد اثنان أن امرأة منتقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي قد حضرت وأقرت يوم كذا هي

342
هذه، ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان بن فلان أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان
ثبت الحق. اه‍. ومثله في التحفة والنهاية.
(قوله: كما لا يتحمل بصير في ظلمة) أي كما لا يتحمل الشهادة، وهو في ظلمة لا يرى القائل. وقوله: اعتمادا
عليه) أي على الصوت. (قوله: نعم لو سمعها الخ) عبارة التحفة والنهاية: وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها
الخ. اه‍. وهي أولى من الاستدراك، وضمير سمعها يعود على المنتقبة. والمراد سمع قولها، إذ السماع لا يتعلق
بذكر من الشهادة عليها، ولو قال جازت - أي الشهادة عليها - لكان أولى. (قوله: كالأعمى)
أي في أنه إن سمع من يقر لشخص بشئ فتعلق به حتى وصل إلى القاضي، فإنه يجوز كما مر. (قوله: بشرط أن تكشف
الخ) فيه أن هذا شرط للحكم لا للشهادة التي الكلام فيها، ثم رأيت الرشيدي كتب على قوله النهاية: بشرط أن يكشف
نقابها الخ. ما نصه: هذا شرط للعمل بالشهادة كما لا يخفى. اه‍. (قوله: وقال جمع الخ) قال سم: إذا رأى الشاهدان
وجهها عند العقد صح وإن لم يره القاضي العاقد، لأنه ليس بحاكم بالنكاح ولا شاهد، كما لو زوج ولي النسب، موليته
التي لم يرها قط، بل يشترط رؤية الشاهدين وجهها في انعقاد النكاح كما مال إليه كلام الشارح في باب النكاح خلاف ما
نقله هنا عن الجمع المذكور. اه‍. وقوله: كما مال الخ: صرح به البجيرمي فقال: قال حجر: يجوز العقد عليها مع عدم
رؤيتها ومعرفتها باسمها ونسبها بأن يشهدا على وقوع العقد بين الزوجين. اه‍. (وقوله: اسما ونسبا) أي بأن يستفيض أنها
فلانة بنت فلان. (وقوله: وصورة) الواو بمعنى أو، وقد عبر بها في التحفة والنهاية، وهو أولى. (قوله: وله أي للشخص
الخ) شروع فيما يجوز فيه الشهادة اعتمادا على الاستفاضة، وذكر منه ستة أشياء وهي: النسب والعتق والوقف والموت
والنكاح والملك، وبقي مما يثبت بها أشياء وهي: القضاء والجرح والتعديل والرشد والإرث واستحقاق الزكاة والرضاع
وعزل القاضي وتضرر الزوجة والاسلام والكفر والسفه والحمل والولادة والوصايا والحرية والقسامة والغصب. وقد نظمها
المناوي في قوله:
ففي الست والعشرين تكفي استفاضة وتثبت سمعا دون علم بأصله
ففي الكفر والتجريح مع عزل حاكم وفي سفه أو ضد ذلك كله
وفي العتق والأوقاف والزكوات مع نكاح وإرث والرضاع وعسره
وإيصائه مع نسبة وولادة وموت وحمل والمضر بأهله
وأشربة ثم القسامة والولا وحرية والملك مع طول فعله
وإنما ثبتت هذه الأمور بالاستفاضة لان بها أمور مؤيدة، فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست
الحاجة إلى ثبوتها بالاستفاضة. ولا شك أحد أن السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبويها زوج النبي (ص)، وأن السيدة
فاطمة رضي الله عنها بنت النبي (ص)، ولا مستند لذلك إلا السماع. (قوله: بلا معارض) سيذكر محترزه. (قوله: شهادة
على نسب) أي وإن لم يعرف عين المنسوب إليه. (قوله: ولو من أم أو قبيلة) من بمعنى اللام: أي أنه لا فرق في الشهادة
بالنسب بين أن يكون المنسوب إليه أبا أو أما أو جدا أو قبيلة، وذلك بأن يقول أشهد أن هذا ابن فلان أو فلانة، أو من قبيلة
كذا، وفائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى القبيلة، استحقاق المنسوب إليها من وقف كائن عليها مثلا. (قوله: وعتق) معطوف
على نسب: أي وله شهادة على عتق بما سيذكره. (قوله: ووقف) معطوف أيضا على نسب: أي وله شهادة على وقف بما
سيذكره، وهذا بالنظر لاصله، أما بالنظر لشروطه فقال النووي في فتاويه، لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل

343
إن كانت وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية، أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة
الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها. اه‍. والأوجه حمل هذا على ما أفتى به ابن الصلاح شيخه من أن
الشروط إن شهد بها منفردة لم يثبت بها، وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت، لأنه يرجع حاصله إلى بيان كيفية
الوقف. اه‍. مغني. (قوله: وموت) إنما اكتفى فيه بالاستفاضة لان أسبابه كثيرة منها ما يخفى ومنها ما يظهر، وقد يعسر
الاطلاع عليها فاقتضت الحاجة أن يعتمد فيه الاستفاضة. (قوله: ونكاح) واعلم أنه حيث ثبت بالاستفاضة لا يثبت
الصداق المدعى به بها، بل يرجع لمهر المثل. (قوله: وملك) أي مطلق. أما المقيد بسبب فإن كان مما يثبت سببه
بالاستفاضة كالإرث فكذلك، وإن كان مما لا يثبت سببه بها فلا. (قوله: بتسامع) متعلق بشهادة. (قوله: أي استفاضة)
تفسير للتسامع. وفي البجيرمي: نقلا عن الدميري ما نصه: والفرق بين الخبر المستفيض والخبر المتواتر أن المتواتر هو
الذي بلغت روايته مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب، والمستفيض الذي لا ينتهي إلى ذلك، بل أفاد الامن من
التواطء على الكذب. والامن معناه الوثوق، وذلك بالظن المؤكد. اه‍. (قوله: من جمع) متعلق بتسامع (قوله: أي
تواطؤهم عليه) أي يؤمن تواطؤهم على الكذب. (قوله: لكثرتهم) علة الامن. (قوله: فيقع الخ) تفريع على كونهم يؤمن
منهم ذلك. (قوله: ولا يشترط حريتهم) أي الجمع المسموع منهم: أي ولا عدالتهم فيكفي فيهم أن يكونوا نساء وأرقاء
وفسقة. (قوله: ولا يكفي) أي في الشهادة بالاستفاضة. (وقوله: أن يقول) أي الشاهد. (وقوله: سمعت الناس يقولون
كذا) مقول القول، وإنما لم يكف قوله المذكور لأنه يحدث ريبة في شهادته، لأنه يشعر بعدم جزمه بالشهادة مع أنه لا بد
من الجزم بها كأن يقول أشهد بموت فلان، أو أن فلانا ابن فلان، أو أن هذا الشئ ملك فلان، أو أن فلانا عتيق فلان.
(قوله: وله) أي للشخص. (قوله: على ملك) هذا مكرر على قوله السابق وملك، فالصواب الاقتصار على هذا كما في
المنهج فإنه اقتصر عليه. (وقوله: به) معلق بالشهادة. (قوله: ممن ذكر) أي من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب.
(قوله: أو بيد وتصرف الخ) معطوف على قوله به: أي وله الشهادة على ملك اعتمادا على اليد مع التصرف فيه تصرف
الملاك، كما أن له الشهادة اعتمادا على الاستفاضة. وعبارة الروض وشرحه: من رأى رجلا يتصرف في شئ متميزا عن
أمثاله كالدار والعبد واستفاض في الناس أنه ملكه جاز أن يشهد له به وإن لم يعرف سببه، ولم تطل المدة. وكذا يجوز
ذلك انضم إلى اليد تصرف مدة طويلة ولو بغير استفاضة، لان امتداد اليد والتصرف بلا منازع يغلب على الظن الملك.
اه‍. (قوله: كالسكنى الخ) تمثيل لكونه تحت اليد مع التصرف. (وقوله: والبناء) الواو فيه وفيما بعده بمعنى أو. إذ كل
واحد منها على حدته كاف، كما صرح به في التحفة. (وقوله: والبيع) المراد والفسخ بعده وإلا فالبيع يزيل الملك،
فكيف يشهد له بالملك. (قوله: مده طويلة) متعلق بتصرف، وإنما جازت الشهادة بالملك حينئذ، لان امتداد الأيدي
والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك. (وقوله: عرفا) أي أن المعتبر في طول المدة العرف.
قال الشيخان: ولا يكفي التصرف مرة. قال الأذرعي بل ومرتين بل ومرارا في مجلس واحد أو أيام قليلة. (قوله: فلا
تكفي الشهادة بمجرد اليد) أي لا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد اليد: أي من غير تصرف ويعلم من هذا أن
المراد باليد فيما مر اليد الحسية لا الحكمية، وهو كونه تحت تصرفه وسلطنته، وإلا لما صح قوله المذكور. (قوله: لأنها)
أي اليد. (وقوله: لا تستلزمه) أي الملك، وذلك لان اليد عليه قد تكون بطريق الإجارة أو العارية. (قوله: ولا بمجرد
التصرف) أي ولا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد التصرف: أي من غير يد (قوله: لأنه) أي التصرف المجرد.
(وقوله: قد يكون بنيابة) أي وكالة وقد يكون بغصب. (قوله: ولا تصرف بمدة قصيرة) عبارة شرح المنهج: ولا بهما،

344
أي اليد والتصرف معا بدون التصرف المذكور، كأن تصرف مرة أو تصرف مدة قصيرة، لان ذلك لا يحصل الظن. اه‍.
(قوله: نعم إن انضم الخ) إستدراك على اشتراط المدة الطويلة، فهو مرتبط بالمتن. (وقوله: استفاضة) أن الملك له،
أي شيوع أن الملك لهذا المتصرف. (قوله: جازت الشهادة به) أي بالملك، وذلك لأنه إذا جازت بمجرد الاستفاضة
فلان تجوز بها مع التصرف أولى. (قوله: ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك) أي ما ذكر من اليد والتصرف سنين، بل لا
بد من المدة الطويلة فيهما عرفا أو الاستفاضة. (قوله: واستثنوا من ذلك) أي من جواز الشهادة باليد، والتصرف في المدة
الطويلة. (قوله: فلا تجوز الخ) أي فليس لمن رأى صغيرا في يد من يستخدمه ويأمره وينهاه مدة طويلة أن يشهد له
بملكه، وهذا خلاف ما يستفاد من عبارة شرح الروض المارة. (قوله: إلا إن انضم لذلك) أي لليد والتصرف. (وقوله:
السماع من ذي اليد أنه له) أي بأن قال هو عبدي مثلا، ولا بد أيضا من السماع من الناس كما يستفاد من التحفة والنهاية
وعبارتهما: إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد ومن الناس. اه‍. قال ع ش: أي فلا يكفي السماع من ذي اليد من
غير سماع من الناس ولا عكسه. اه‍. (قوله: للاحتياط في الحرية) تعليل لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد
والتصرف. وكتب الرشيدي على قول النهاية للاحتياط للحرية ما نصه: يؤخذ منه أن صورة المسألة أن النزاع مع الرقيق
في الرق والحرية، أما لو كان بين السيد وبين آخر يدعي الملك فظاهر أنه تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف مدة
طويلة، هكذا ظهر فليراجع. اه‍. (قوله: وكثرة استخدام الأحرار) علة ثانية لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد
والتصرف: أي وإنما لم يجز ذلك لكثرة استخدام الأحرار: أي فلا يدلان على الملكية. (قوله: واستصحاب) مرتبط
بالمتن فهو معطوف على الضمير من به والتقدير: وله الشهادة على ملك باستصحاب لما سبق، وكان الأولى أن يذكره بعد
قوله: مدة طويلة عرفا، ويعبر بأو، ويدل على ذلك عبارة المنهج ونصها: وله بلا معارض شهادة بملك به، أي بالتسامع
ممن ذكر أو بيد، وتصرف تصرف ملاك كسكنى وهدم وبناء وبيع مدة طويلة عرفا، أو باستصحاب لما سبق الخ. اه‍.
بزيادة من شرحه. وهذه المسألة قد تقدمت في الشرح قبيل فصل الشهادات، وعبارته هناك.
فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة، استصحابا لما سبق من إرث وشراء
وغيرهما اعتمادا على الاستصحاب، لان الأصل البقاء، وللحاجة لذلك، وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا
تطاول الزمن، ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الأكثرين. اه‍.
(قوله: من نحو إرث الخ) بيان لما سبق. (قوله: وإن احتمل زواله) أي الملك، وهو غاية لجواز الشهادة
بالاستصحاب لما سبق. (قوله: للحاجة الخ) علة لجواز الشهادة بالملك بالاستصحاب: أي بالاعتماد عليه. (وقوله:
إلى ذلك) أي إلى الشهادة اعتمادا على الاستصحاب. (قوله: ولان الأصل الخ) علة ثانية للجواز. (قوله: وشرط ابن
أبي الدم الخ) عبارة شرح الروض: ولا يذكر من غير سؤال الحاكم مستند شهادته من تسامع، أو رؤية، أو تصرف، فلو
ذكره بأن قال أشهد بالتسامع، بأن هذا ملك زيد، أو أشهد أنه ملكه لأبي رأيته يتصرف فيه مدة طويلة، لم يقبل على
الأصح، لان ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة، ويوافقه ما سيأتي في الدعاوي من أنه لو صرح في شهادته بالملك بأنه
يعتمد الاستصحاب لم تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم. اه‍. (قوله:
ومثلها) أي ومثل الاستفاضة الاستصحاب، فلا يجوز أن يصرح بأنه مستنده في الشهادة. (قوله: ثم اختار) أي ابن أبي

345
الدم. (قوله: أنه) أي الشاهد. (وقوله: إن ذكره) أي المستند، والمصدر المؤول من أن ومعموليها مفعول اختار.
(وقوله: تقوية لعلمه) عبارة شرح الرملي: والأوجه أنه إن ذكره على وجه الريبة والتردد بطلت لتقوية كلام أو حكاية حال
قبلت. اه‍. (قوله: بأن الخ) تصوير لكون ذكره على سبيل التقوية. (وقوله: جزم بالشهادة) أي بأن قال أشهد أن هذا
ملك فلان، ولم يصرح فيها بالمستند. (قوله: ثم قال) أي بعد جزمه بالشهادة بتراخ. قال ما ذكر كما يفيده حرف
العطف. (قوله: وإلا) أي وإن لم يذكره تقوية لعلمه، وإنما ذكره على سبيل التردد. (وقوله: كأن قال شهدت
بالاستفاضة) أي بأن صرح بالمستند مقرونا بالشهادة لا متأخرا عنها. (قوله: فلا) أي فلا تسمع شهادته، وهو جواب إن
المدغمة في لا النافية. (قوله: خلافا للرافعي) أي القائل بأنه لا يضر ذكر المستند مطلقا. وعبارة التحفة: بل كلام
الرافعي يقتضي أنه لا يضر ذكرها: أي الاستفاضة مطلقا حيث قال في شاهد الجرح يقول: سمعت الناس يقولون فيه
كذا، لكن الذي صرحوا به هنا أن ذلك لا يكفي لأنه قد يعلم خلاف ما سمع، وعليه فيوجه الاكتفاء بذلك في الجرح بأنه
مفيد في المقصود منه من عدم ظن العدالة، ولا كذلك هنا. اه‍. (قوله: واحترز) يقرأ بصيغة المضارع المبدوء بهمزة
المتكلم بدليل قوله بقولي، ويصح قراءته بصيغة الماضي مبنيا للمجهول. (وقوله: بلا معارض) أي للتسامع الذي هو
مستند الشهادة. (قوله: عما إذا كان في النسب) أي في نسبة النسب إلى فلان. (وقوله: مثلا) أدخل به ما بعده من العتق
والوقف والموت وما بعدها. (وقوله: طعن من بعض الناس) قال في التحفة: كذا أطلقوه ويظهر أنه لا بد من طعن لم تقم
قرينة على كذب قائله. اه‍. ومثل الطعن إنكار المنسوب إليه. (قوله: لم تجز الشهادة بالتسامع) المناسب التفريع بأن
يقول فإنه لا تجوز الشهادة بالتسامع. (وقوله: لوجود معارض) أي وهو الطعن أو إنكار المنسوب إليه. (قوله: يتعين على
المؤدي الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة أول الباب، أو تأخيرها إلى آخره. (قوله: فلا يكفي مرادفه) أي مرادف أشهد.
(قوله: لأنه) أي لفظ أشهد: أي ولما مر أول الباب من أن فيه نوع تعبد. (وقوله: أبلغ في الظهور) أي من غيره. (قوله:
ولو عرف الشاهد السبب) أي للملك. (وقوله: كالاقرار) أي إقرار شخص بأن هذا العبد مثلا ملك فلان. (قوله: هل له
أن يشهد بالاستحقاق) أي استحقاق الملك اعتمادا على السبب. (قوله: وجهان) أي قيل له ذلك، وقيل ليس له ذلك.
(وقوله: أشهرهما) أي الوجهين. (وقوله: لا أي لا يشهد بالاستحقاق) قال في التحفة: لأنه قد يظن ما ليس بسبب سببا،
ولان وظيفته نقل ما سمعه أو رآه، ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه، لا ترتيب الاحكام على أسبابها. اه‍. (قوله:
وقال ابن الصباغ كغيره تسمع) أي الشهادة بالاستحقاق، والملائم في المقابلة أن يقول يشهد بالاستحقاق وتسمع.
(قوله: وهو) أي سماعها. (وقوله: مقتضى كلام الشيخين.) قال في النهاية: وهو الأوجه. اه‍. قال في التحفة بعده:
ولك أن تجمع بحمل الأول على من يثق بعلمه، والثاني على من يوثق بعلمه، ثم أطال الكلام على ذلك فانظره إن
شئت. (قوله: وتقبل شهادة على شهادة) أي لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. فهو شامل للشهادة
على أصل الحق، وللشهادة على الشهادة وللحاجة إليها، لان الأصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم الأداء فيشد عليها



(1) سورة الطلاق، الآية: 2.
346
كسائر الحقوق. (قوله: مقبول الخ) مجرور بإضافة شهادة التي في المتن إليه، وفيه حذف التنوين منه، والأولى إبقاؤه
وزيادة من الجارة قبل قوله: مقبول. (وقوله: شهادته) نائب فاعل مقبول: أي تقبل شهادة على شهادة من قبلت شهادته،
وخرج به مردودها كفاسق ورقيق وعدو، فلا يصح تحمل شهادته لعدم الفائدة فيه. (قوله: في غير عقوبة لله) متعلق
بتقبل. (قوله: مالا كان) أي غير العقوبة. ولا فرق في المال بين أن يكون فيه حق لآدمي وحق لله كالزكاة ووقف المساجد
والجهات العامة، أو متمحضا لآدمي كالديون. (قوله: أو غيره) أي غير مال. (قوله: كعقد الخ) تمثيل لغير المال.
(قوله: ووقف على مسجد أو جهة عامة) أي أو على شخص معين. (قوله: وقود وقذف) أي وكقود وقذف، فهما
معطوفان على عقد. (قوله: بخلاف عقوبة لله تعالى) أي موجبها، إذ منع الشهادة على الشهادة إنما يكون فيه، وأما
الشهادة على الشهادة في أصل العقوبة فلا تمنع كما في البجيرمي ونص عبارته: والمراد بمنع الشهادة على الشهادة في
عقوبة الله منع إثباتها، فلو شهدا على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا قبلت. اه‍. ومثل عقوبة الله إحصان من ثبت زناه
بأن أنكر كونه محصنا فشهدت بينة بإحصانه لأجل رجمه، فلا تقبل الشهادة على هذه الشهادة. (قوله: كحد زنا الخ)
تمثيل لعقوبة الله تعالى. (قوله: وإنما يجوز التحمل بشروط الخ) أي أربعة: الأول: تعسر أداء الأصل الشهادة. الثاني:
الاسترعاء بأن يلتمس الأصل من الفرع رعاية الشهادة وحفظها. الثالث: تبيين الفرع عند الأداء جهة التحمل: الرابع:
تسمية الفرع إياه. ثم إنه لا يخفى أن هذه الشروط ما عدا الاسترعاء لقبول القاضي الشهادة على الشهادة لا لجواز
التحمل، فلو أبقى المتن على حاله، ولم يزد قوله وإنما يجوز التحمل، أو قال وإنما تقبل بدل يجوز التحمل لكان أولى.
وعبارة متن المنهاج: وشرط قبولها تعسر أو تعذر الأصل بموت أو عمى الخ. اه‍. ومثلها عبارة المنهج. (قوله: تعسر
الخ) بدل من شروط. (وقوله: أداء أصل) أي للشهادة، والمراد بالأصل من تحمل الشهادة على أصل الحق والفرع من
تحمل الشهادة على شهادته. (قوله: بغيبة) متعلق بتعسر، والباء سببية: أي أن تعسره يكون بسبب غيبة الأصل. (وقوله:
فوق مسافة العدوي) قد تقدم بيانها غير مرة. وخرج بفوق مسافة العدوي ما إذا كانت غيبة الأصل إلى مسافة العدوي أو
دونها، فلا تقبل الشهادة على الشهادة لأنها إنما قبلت فيما إذا كانت الغيبة فوق مسافة العدوي للضرورة ولا ضرورة
حينئذ. (قوله: أو خوف الخ) عطف على غيبة، فهو من أسباب التعسر فهو يكون بالغيبة، ويكون بخوف الأصل الحبس
من غريم لو أدى الشهادة بنفسه عند القاضي. (وقوله: وهو معسر) أي والحال أن ذلك الأصل معسر ليس عنده ما يفي به
دين الغريم، فإن كان موسرا لا تقبل الشهادة على شهادته. (قوله: أو مرض) معطوف أيضا على غيبة، فهو من أسباب
التعسر أيضا والمراد بالمرض غير الاغماء، أما هو فينتظر لقرب زواله. (قوله: يشق معه حضوره) أي مشقة ظاهرة بأن
يجوز ترك الجمعة. ومثل المرض المذكور سائر الاعذار المرخصة لترك الجمعة، لان جميعها يقتضي تعسر الحضور،
ومحله كما قال الشيخان في الاعذار الخاصة بالأصل، فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل. (قوله: وكذا
بتعذره) لو قال وكذا تعذره بإسقاط الباء لكان أولى، والمراد أن مثل تعسر أداء الأصل تعذره. (وقوله: بموت) أي للأصل
بعد أن تحمل الرفع الشهادة عنه. (وقوله: أو جنون) أي له بعد ما ذكر أيضا. (قوله: وباسترعائه) الأولى حذف الباء،
لأنه معطوف على تعسر، فهو من جملة الشروط. ثم رأيت في بعض نسخ الخط بشرط تعسر الخ بصيغة المفرد، فعليه
تكون الباء ظاهرة، وتكون هي ومدخولها معطوفين على بشرط.
واعلم: أن مثل الاسترعاء ما إذا سمعه يشهد عند قاض أو محكم، فله أن يتحمل الشهادة عنه وإن لم يسترعه، لأنه

347
إنما يشهد عند من ذكر بعد تحقق الوجوب، وما إذا بين الأصل سبب الوجوب، كأن قال أشهد أن لفلان على فلان كذا من
ثمن مبيع أو قرض، فلمن سمعه أيضا أن يتحمل الشهادة عنه وإن لم يسترعه أيضا، لانتفاء احتمال الوعد في التساهل مع
الاسناد إلى السبب. وقد صرح بما ذكرته في متن المنهاج ونص عبارته مع التحفة: وتحملها الذي يعتد به إنما يحصل
بأحد ثلاثة أمور: إما بأن يسترعيه الأصل فيقول أنا شاهد بكذا، فلا يكفي أنا عالم ونحوه، وأشهدك، أو
أشهدتك، أو اشهد على شهادتي، أو بأن يسمعه يشهد بما يريد أن يتحمله عنه عند قاض أو محكم، قال البلقيني: أو نحو أمير. أو بأن
يبين السبب كأن يقول ولو عند غير حاكم: أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره، لان إسناده للسبب يمنع
احتمال التساهل فلم يحتج لاذنه أيضا. اه‍. بحذف. (قوله: أي التماسه) تفسير للاسترعاء، وأشار به إلى أن السين
والتاء في استرعائه للطلب. (وقوله: منه) أي من مريد تحمل الشهادة عنه، وهو الفرع. (قوله: رعاية شهادته) أي
تحفظها، وهو مفعول استرعاء. (وقوله: وضبطها) العطف للتفسير. (قوله: حتى يؤديها) أي الفرع. (وقوله: عنه) أي
عن الأصل. (قوله: لان الشهادة الخ) تعليل لاشتراط الاسترعاء: أي وإنما اشترط لان الشهادة على الشهادة نيابة: أي
فالفرع نائب عن الأصل فيها. (قوله: فاعتبر فيها) أي في الشهادة على الشهادة لكونها نيابة. (وقوله: إذن المنوب عنه)
أي وهو الأصل. (قوله: أو ما يقوم مقامه) أي الاذن مما ذكرته لك عند قوله وباسترعائه. (قوله: فيقول) أي المسترعي
الذي هو الأصل، وهو بيان لصفة الاسترعاء. (قوله: فلا يكفي أنا عالم به) أي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند
القاضي، لما تقدم أنه يتعين على المؤدي حروف الشهادة. (قوله: وأشهدك أو أشهدتك أو اشهد) أتى بأفعال ثلاثة:
الأول مضارع، والثاني ماض، والثالث أمر، إشارة إلى أنه يجوز التعبير بأي واحد منها. (وقوله: على شهادتي) متعلق
بالافعال الثلاثة، ومثل ذلك ما لو قاله: إذا استشهدت على شهادتي بكذا، فقد أذنت لك أن تشهد.
تنبيه: لو استرعى الأصل شخصا معينا للشهادة، يجوز لمن سمعه الشهادة على شهادته، وإن لم يسترعه هو
بخصوصه، كما صرح به في التحفة.
(قوله: فلو أهمل الأصل لفظ الشهادة) أي لم يعبر به، بل عبر بمرادفه كأعلمك أو أخبرك، وهذا تفريع على إيثاره
التعبير في الافعال الثلاثة بحروف الشهادة. (قوله: فلا يكفي) أي في التحمل، وهذا جواب لو. (قوله: كما لا يكفي
ذلك) أي قوله أخبرك أو أعلمك. (قوله: ولا يكفي في التحمل) أي للشهادة. (وقوله: سماع قوله الخ) أي سماع
شخص يريد التحمل. قول شخص آخر لفلان على فلان كذا الخ. أي ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض
الاخبار، كأشهد بأن لفلان على فلان كذا، وإنما لم يكف سماع هذه الألفاظ لأنه مع كونه لم يأت في بعضها بلفظ
الشهادة، قد يريد أن لفلان على فلان ذلك من جهة وعد وعده إياه، ويشير بكلمة على الخ. إلى أن مكارم الأخلاق
تقتضي الوفاء، وقد يتساهل بإطلاق لفظ الشهادة لغرض صحيح كحمله على الاعطاء، أو فاسد كأن كان غرضه شهادة
الفرع على أصله، فإذا آل الامر إلى الشهادة تأخر عنها. أفاده في شرح المنهج. (قوله: وبتبيين فرع) معطوف أيضا على
تعسر، فالأولى حذف الباء كما تقدم. وعبارة المنهاج: وليبين الفرع عند الأداء جهة التحمل، فإن لم يبين ووثق القاضي
بعلمه فلا بأس. اه‍. (وقوله: جهة تحمل) أي طريقه، وهو أحد الأمور الثلاثة المتقدمة، وهي الاسترعاء، أو سماعه
يشهد عند حاكم، أو سماعه يبين سبب الشهادة. (قوله: كأشهد الخ) أي كقول الفرع: أشهد بصيغة المضارع أن فلانا

348
شهد بكذا. (وقوله: وأشهدني على شهادته) يقول هذا إن استرعاه الأصل. (قوله: أو سمعته) معطوف على قوله
وأشهدني على شهادته، وهذا يقوله إن لم يسترعه زيادة على قوله: أشهد أن فلانا شهد بكذا، وبقي عليه بيان سبب
الملك كأن يقول أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع مثلا. (قوله: فإذا لم يبين) أي الفرع.
(وقوله: جهة التحمل) هي الأمور الثلاثة المار بيانها آنفا. (قوله: ووثق الحاكم بعلمه) أي علم الفرع بشروط التحمل:
أي ووثق القاضي بأن الفرع عالم بشروط التحمل. (قوله: لم يجب البيان) جواب إذ. قال في التحفة: إذ لا محذور:
نعم: يسن له استفصاله. اه‍. (قوله: فيكفي الخ) تفريع على عدم وجوب تبيين جهة التحمل. (قوله: لحصول
الغرض) أي بهذه الشهادة المجردة عن البيان، وذلك الغرض هو إثبات الحق. (قوله: بتسميته) معطوف على تعسر
أيضا، فالأولى حذف الباء كما مر، والإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله، وإياه مفعوله. وعبارة الروض وشرحه:
فصل: يشترط تسمية الأصول وتعريفهم من الفروع إذ لا بد من معرفة عدالتهم، ولا تعرف عدالتهم ما لم يعرفوا وليتمكن
الخصم من جرحهم إذا عرفوا، فلا يكفي قول الفرع: أشهدني عدل أو نحوه، لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه،
ولأنه يسد باب الجرح على الخصم: أي لو لم يسمه. اه‍. (قوله: تسمية) مفعول مطلق لتسميته. (وقوله: تميزه) أي
تميز تلك التسمية الأصل عن غيره. (قوله: وإن كان) أي الأصل، وهو غاية لاشتراط التسمية. (قوله: لتعرف عدالته) أي
الأصل، وهو تعليل لاشتراط تسميته: أي وإنما اشترطت ليعرف القاضي عدالته: أي أو ضدها. وعبارة التحفة ليعرف
القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم. اه‍. (قوله: فإن لم يسمه) أي لم يسم الفرع الأصل. (قوله: لم
يكف) أي في التحمل، فلا يقبل الحاكم منه ذلك. (قوله: لان الحاكم الخ) علة لعدم الاكتفاء به. (وقوله: قد يعرف
جرحه) أي جرح الأصل. (وقوله: لو سماه) أي سمى الفرع الأصل للحاكم. (قوله: وفي وجوب تسمية قاض) الإضافة
من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي وفي وجوب تسمية الفرع أصلا قاضيا عند قاض آخر أو محكم.
وعبارة المغني.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو كان الأصل قاضيا، كما لو قال: أشهدني قاض من قضاة مصر، أو القاضي الذي
بها، ولم يسمه الخ. اه‍.
(وقوله: شهد) أي الفرع. (وقوله: عليه) أي القاضي، والمراد على شهادته كما هو الفرض. (قوله: وجهان)
مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، وفيه أنه لا معنى لكون الوجهين في الوجوب، فلا بد من تقدير الواو مع ما عطفت: أي
وفي وجوبها وعدمه وجهان. قال سم: عبارة القوت بخلاف ما لو قال: أشهدني قاض من قضاة بغداد، أو القاضي الذي
ببغداد، ولم يسمه وليس بها قاض سواه، على نفسه في مجلس حكمه بكذا، فهل تسمع فيه؟ وجهان، والفرق أن
القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد، بخلاف شاهد الأصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق، فلا بد من
تعيينه لينظر في أمره وعدالته، والصواب في وقتنا تعيين القاضي لما لا يخفى. اه‍. (قوله: وصوب الأذرعي الوجوب)
أي وجوب التسمية. (قوله: ولو حدث الخ) مرتب على شرط مقدر، وهو أن لا يخرج الأصل عن صحة شهادته فإن
حدث الخ، والمراد حدوث ما ذكر قبل الحكم، فإن كان بعده لم يؤثر. (قوله: عداوة) أي بينه وبين المشهود عليه.
(وقوله: أو فسق) أي أو تكذيب الأصل للفرع، كأن قال لا أعلم أني تحملت الشهادة أو نسيت ذلك. (قوله: لم يشهد

349
الفرع) أي لم تقبل شهادته. (قوله: فلو زالت هذه الموانع) أي من الأصل. (قوله: احتيج إلى تحمل جديد) أي بعد
مضي مدة الاستبراء التي هي سنة لتحقق زوالها. اه‍. ع ش.
(قوله: فرع لا يصح تحمل النسوة الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يتحمل نساء شهادة مطلقا - أي سواء كانت
الأصول، أو بعضهم نساء أم لا، وسواء كانت الشهادة بالولادة والرضاع أم لا - لان شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل لا ما
شهد به الأصل، ونفس الشهادة ليست بمال، ويطلع عليها الرجال غالبا. اه‍. (قوله: ولو على مثلهن) أي شهادة
مثلهن. (وقوله: في نحو ولادة) متعلق بالمضاف المقدر. ونحو الولادة كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كحيض وبكارة.
(قوله: لان الشهادة) أي على الشهادة. (وقوله: مما يطلع عليه الرجال) أي وما يطلع عليه الرجال لا تقبل فيه النسوة.
(قوله: ويكفي فرعان لأصلين) أي يكفي شهادة فرعين على شهادة أصلين معا بأن يقولا: نشهد أن زيدا وعمرا شهدا
بكذا وأشهدانا على شهادتهما، وذلك لأنهما شهدا على قول اثنين، فهو كما لو شهدا على مقرين. (قوله: أي لكل
منهما) دفع بهذا التفسير ما يوهمه ظاهر المتن من أن الفرعين يوزعان على الأصلين، فيشهد واحد لهذا وواحد لهذا، مع
أنه لا يكفي ذلك، بل لا بد من شهادة مجموع الفرعين لكل واحد من الأصلين. (قوله: فلا يشترط لكل منهما فرعان) أي
فلا يشترط أن يكون لكل أصل فرعان غير فرعي الآخر يتحملان شهادته، بل يكفي فرعان فقط يتحملان عنهما معا.
(قوله: ولا تكفي شهادة واحد الخ) أي وإن أوهمه المتن، لولا تفسير الشارح بقوله: أي لكل منهما كما علمت. (قوله:
ولا واحد على واحد في هلال رمضان) أي ولا يكفي تحمل واحد شهادة واحد في هلال رمضان وإن كان الهلال يثبت بواحد، لان الفرع لا يثبت
بشهادته الحق، بل يثبت بها شهادة الحق، وهي لا بد فيها من رجلين، كما تقدم.
(قوله: فرع) أي في رجوع الشهود عن شهادتهم. (قوله: لو رجعوا) أي الشهود كلهم، أي أو من يكمل النصاب
به، والمراد بالرجوع التصريح به فيقول: رجعت عن شهادتي، ومثله: شهادتي باطلة، أو لا شهادة لي فيه. فلو قال:
أبطلت شهادتي، أو فسختها، أو رددتها، هل يكون رجوعا؟ فيه وجهان: قال في التحفة: ويتجه أنه غير رجوع، إذ لا
قدرة له على إنشاء إبطالها. اه‍. (قوله: عن الشهادة) أي التي أدوها بين يدي الحكم. (قوله: قبل الحكم) أي
بشهادتهم ولو بعد ثبوتها، بناء على الأصح أنه ليس بحكم مطلقا. (قوله: منع الحكم) جواب لو، والفعل مبني للمعلوم،
والفاعل ضمير مستتر يعود على الرجوع المأخوذ من رجعوا، والحكم مفعوله: أي منع رجوعهم الحكم بهذه الشهادة،
والمراد أن الحاكم يمتنع عليه أن يحكم بهذه الشهادة. قال في المغني: وإن أعادوها، سواء كانت في عقوبة أو في
غيرها، لان الحاكم لا يدري أصدقوا في الأول أو في الثاني، فينتفي ظن الصدق، وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في
الشهادة، أو في الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور، ولو
رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف، وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعيير وكان حقهما التثبت، وكما لو رجعوا عنها
بعد الحكم. اه‍. (قوله: أو بعده) معطوف على قبله: أي أو رجعوا بعد الحكم. (وقوله: لم ينقض) أي ذلك الحكم
لجواز كذبهم في الرجوع، ويجب استيفاء ما ترتب على الحكم إن كان غير عقوبة، فإن كان عقوبة ولو آدمي كزنا، وقود،
وحد قذف، لم تستوف لأنها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة، هذا إن رجعوا قبل استيفائها، فإن رجعوا بعد استيفائها بقتل
أو رجم، أو جلد مات منه، أو قطع بجناية أو سرقة، وقالوا تعمدنا شهادة الزور، اقتص منهم مماثلة، أو أخذت منهم دية
مغلظة موزعة على عدد رؤوسهم، فإن قالوا أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم تكون في مالهم لا

350
على عاقلة، لان إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم تصدقهم. (قوله: ولو شهدوا) قال في التحفة: إعادة ضمير الخ على
الاثنين سائغ. اه‍. (قوله: بطلاق بائن) أي بخلع أو ثلاث، وخرج به الرجعي فلا غرم فيه عليهم، إذ لم يفوتوا شيئا،
فإن لم يراجع حتى انقضت العدة غرموا كما في البائن. (قوله: أو رضاع محرم) بكسر الراء المشددة، وهو - كما تقدم في
بابه - خمس رضعات متفرقات. (قوله: وفرق القاضي الخ) قال في النهاية: وما بحثه البلقيني من عدم الاكتفاء بالتفريق،
بل لا بد من القضاء بالتحريم، ويترتب عليه التفريق، لأنه قد يقضي به من غير حكم كما في النكاح الفاسد: رد بأن
تصرف الحاكم في أمر رفع إليه وطلب منه فصله حكم منه. اه‍. (قوله: فرجعوا عن شهادتهم) أي بعد التفريق. (قوله:
دام الفراق) أي في الظاهر إن لم يكن باطن الامر فيه كظاهره كما هو واضح فليراجع. اه‍. رشيدي. قال في المغني:
تنبيه: قوله دام الفراق لا يأتي في الطلاق البائن ونحوه بخلافه في الرضاع واللعان، فلو عبر بدل دام بنفذ، أو بقول
الروضة لم يرتفع الفراق كان أولى. اه‍.
(قوله: لان قولهما) أي الشاهدين، وهو علة دوام الفراق. (قوله: محتمل) أي صدقه وكذبه. (قوله: والقضاء) أي
قضاء القاضي. (وقوله: لا يرد بمحتمل) أي بقول محتمل صدقا وكذبا. (قوله: ويجب على الشهود) أي الذين رجعوا
عن شهادتهم. (قوله: حيث لم يصدقهم الزوج) أي في شهادتهم بما ذكر من الطلاق والرضاع، فإن صدقهم بأن قال
إنهم محقون في شهادتهم بما ذكر، فلا يجب عليهم له شئ. ومحله أيضا حيث لم يكن الزوج قنا كله، فإن كان كذلك
فلا يجب عليهم له شئ لأنه لا يملك شيئا، ولا يجب عليهم شئ أيضا لمالكه لأنه لا تعلق له بزوجة عبده، فلو كان
مبعضا وجب له عليهم قسط الحرية. كذلك في التحفة، واستظهر في المغني إلحاق ذلك بالاكساب فيكون لسيده كله
فيما إذا كان قنا، وبعضه فيما إذا كان مبعضا. (قوله: مهر مثل) أي ساوى المسمى في العقد أو لا. (قوله: ولو قبل وطئ)
أي ولو وقع الفراق قبل الوطئ، والغاية للرد على القائل بوجوب نصفه فقط حينئذ لأنه الذي فوتاه. (قوله: أو بعد إبراء
الخ) معطوف على قبل وطئ: أي يجب عليهم ذلك ولو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر. (قوله: لأنه) أي مهر المثل،
وهو علة لوجوب مهر المثل مطلقا ولو قبل الوطئ أو بعد الابراء. (وقوله: الذي فوتوه عليه) اسم الموصول صفة للبضع،
وضمير فوتوه المنصوب يعود عليه: وضمير عليه يعود على الزوج: أي لان مهر المثل بدل البضع الذي فوته الشهود على
الزوج. (وقوله: بالشهادة) أي بسببها، فالباء سببية متعلقة بفوتوه. (قوله: إلا إن ثبت) أي ببينة أو إقرار أو علم قاض.
وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو شهدا بطلاق وفرق بينهما فرجع فقامت بينة أو ثبت بحجة أخرى أنه لا نكاح بينهما كأن
ثبت أنه كان بينهما رضاع محرم، أو أنها بانت من قبل، فلا غرم عليهما إذ لم يفوتا عليه شيئا، فإن غرما قبل البينة
إستردا. اه‍. (قوله: بنحو رضاع) أي بسبب نحو رضاع، وهو متعلق بما تعلق به خبر لا. (قوله: فلا غرم) أي عليهما
للزوج، والملائم لما قبله أن يقول فلا يجب عليهم مهر المثل. (قوله: إذ لم يفوتوا الخ) علة لعدم الغرم. (قوله: ولو
رجع) أي بعد الحكم. (وقوله: شهود مال) أي عين ولو أم ولد شهدا بعتقها، أو دين. (قوله: غرموا الخ) أي لأنهم حالوا
بينه وبين ماله، ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع، لم يغرموا كما قاله الماوردي واعتمده البلقيني. اه‍.
تحفة. (وقوله: البدل) أي وهو القيمة في المتقوم، والمثل في المثلي، واختلف في القيمة فقيل: تعتبر وقت الحكم لأنه
المفوت حقيقة، وقيل: وقت الشهادة لأنها السبب، وقيل: أكثر ما كانت من وقت الحكم إلى وقت الرجوع، واعتمد في
التحفة بالنسبة للشاهد الثاني، وبالنسبة للحاكم فيما إذا رجع عن حكمه الأول. (قوله: بعد غرمه) أي بعد دفع المحكوم

351
عليه المال للمدعي، والظرف متعلق بغرموا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويصح العكس،
وعليه يكون الضمير عائدا على المال. (قوله: لا قبله) أي لا يغرمون له قبل أن يغرم هو للمدعي. (قوله: وإن قالوا
أخطأنا) أي غلطنا في شهادتنا، وهو غاية لغرمهم للمحكوم عليه البدل. (قوله: موزعا الخ) حال من مفعول غرموا وهو
البدل: أي غرموه حال كونه موزعا عليهم، أو من فاعله وهو الواو: أي غرموا حال كونهم موزعا عليهم البدل بالسوية، ولا
فرق في ذلك بين أن يرجعوا معا أو مرتبين.
تنبيه: محل ما تقدم فيما إذا رجعوا كلهم، فإن رجع بعضهم، فإن كان الباقي نصابا فلا غرم على الراجع لقيام
الحجة بمن بقي، وإن كان دون نصاب فعلى الراجع نصف البدل يغرمه للمحكوم عليه. وحمله أيضا فيما إذا اتحد نوع
الشهود، فإن اختلف كأن شهد رجل وامرأتان فيما يثبت بهم ثم رجعوا فعليه نصف وعليهما نصف لأنهما كرجل واحد، أو
شهد رجل وأربع نسوة فيما يثبت بمحضهن كرضاع ونحوه فعليه ثلث وعليهن ثلثان لما تقرر أن كل ثنتين برجل.
(قوله: تتمة الخ) المناسب ذكر حاصل ما فيها عند قوله فيما تقدم. قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة
بالمعنى. اه‍. (قوله: لو شهد واحد بإقراره الخ) أي بأن قال أشهد أن زيدا مثلا أقر عندي بأنه وكل عمرا في كذا وكذا.
(قوله: وآخر بأنه الخ) عبارة التحفة: وآخر بإقراره بأنه أذن الخ، بزيادة لفظ إقراره. ومثله في النهاية، فلعله ساقط من
النساخ. (قوله: لفقت الشهادتان) أي جمع بينهما وعمل بهما، والمراد بالشهادتين قوله: شهد بأنه وكله في كذا بلفظ
الوكالة. وقوله: شهد آخر بأنه أذن له الخ. بمعناها. (قوله: لان النقل بالمعنى) أي نقل الشهادة بمعنى اللفظ الصادر من
المشهود عليه كنقلها باللفظ، والمراد بالنقل التعبير بذلك. قال في التحفة: ويتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز
التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير. اه‍. ومثله في النهاية. (قوله: بخلاف ما لو شهد واحد
بأنه قال الخ) عبارة التحفة: أو قال واحد قال وكلت، وقال الآخر قال فوضت إليه، لم يقبلا. لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا
للآخر، وكأن الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة. ثم قال: ويؤيد
قولي: وكان الفرض إلى آخره قولهم: لو شهد له واحد ببيع وآخر بالاقرار به لم يلفقا. فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به
الآخر قبل، لأنه يجوز أن يحضر الامرين، فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته. فتأمله. اه‍. (قوله: أو شهد واحد باستيفاء
الدين) أي بأن قال أشهد أن فلانا أوفى فلانا دينه. (قوله: والآخر بالابراء منه) أي بأن قال: أشهد أن فلانا أبرأه فلان من
الدين. (قوله: فلا يلفقان) أي الشهادتان لما علمته في المثال الأول، ولعدم التساوي في كل وجه في المثال الثاني، إذ
استيفاء الدين أعم من الابراء. (قوله: لو شهد واحد ببيع) أي بأن قال: أشهد أن فلانا باع عبده مثلا على فلان. (قوله:
والآخر بإقرار به) أي وشهد الآخر بالاقرار بالبيع بأن قال: أشهد أن فلانا أقر بأنه باع عبده على فلان. (قوله: أو واحد
بملك ما ادعاه) أي أو شهد واحد بأن هذا العبد مثلا ملك فلان المدعي به. (قوله: وآخر بإقرار الداخل به) أي وشهد
آخر بإقرار الداخل: أي من هو تحت يده بالملك للمدعي. (قوله: لم تلفق شهادتهما) أي لعدم تساويهما في
الصورتين. (قوله: فلو رجع أحدهما) أي عن شهادته التي تخالف شهادة الآخر. (قوله: قبل) جواب لو. (قوله: لأنه
يجوز أن يحضر الامرين) أي الامر الذي شهد به أولا ورجع عنه، والامر الثاني الذي رجع إليه. (قوله: ومن ادعى ألفين)

352
أي على آخر. (وقوله: وأطلق) أي لم يبين السبب. (قوله: فشهد له واحد) أي. بما ادعاه من الألفين. (وقوله: وأطلق)
أي كالمدعي. (قوله: وآخر أنه من قرض) أي وشهد آخر أن ما ادعاه من الألفين ثبت عليه قرضا: أي ونحوه، والمراد أنه
بين السبب لم يطلق. (قوله: ثبت) أي ما ادعاه بهذه الشهادة، لان شهادة الثاني المقيدة لا تنافي شهادة الأول المطلقة،
فلم يحصل تخالف. (قوله: أو فشهد له الخ) أي أو ادعى ألفين وأطلق، فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وشهد له الآخر
بألف قرضا، لم تلفق الشهادتان لتنافيهما من جهة السبب. (قوله: وله) أي للمدعي بالألفين. (وقوله: الحلف مع كل
منهما) أي من الشاهدين، وتثبت له الألفان حينئذ. (قوله: ولو شهد واحد بالاقرار) أي إقرار المدعى عليه بالملك مثلا
للمدعي. (قوله وآخر بالاستفاضة) أي وشهد آخر بالملك بالاستفاضة، أي بالشيوع. (وقوله: حيث تقبل) أي
الاستفاضة بأن كانت من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وكانت في ملك مطلق، أو وقف، أو عتق، إلى آخر ما مر.
(قوله: لفقا) أي الشهادتان وثبت بهما الحق للمدعي. (قوله: عن رجلين) متعلق بسئل. (قوله: سمع أحدهما) أي أحد
الرجلين. (وقوله: تطليق شخص ثلاثا) أي تطليق شخص زوجته بالثلاث. (قوله: والآخر الاقرار به) أي وسمع الرجل
الآخر الاقرار به: أي بالطلاق ثلاثا. (قوله: فهل يلفقان) أي الشهادتان ويقع الطلاق. (قوله: أو لا) أي أو لا يلفقان فلا
يقع الطلاق. (قوله: فأجاب) أي الشيخ عطية. (وقوله: بأنه) أي الحال والشأن. (قوله: يجب على سامعي) بصيغة
التثنية، وحذفت منه النون لاضافته إلى ما بعده. (قوله: أن يشهدا عليه) أي على المسموع منه ذلك. (وقوله: بتا) أي
جزما. (قوله: ولا يتعرضا الخ) بيان لمعنى قوله بتا. (قوله: وليس هذا) أي قبول شهادتهما. (وقوله: من تلفيق الشهادة
من كل وجه) أي لفظا ومعنى. (قوله: بل صورة الخ) لو أتى به على صورة العلة وقال: لان صورة الخ لكان أولى.
(وقوله: واحدة) أي وهي قوله طلقتها ثلاثا. والفرق بينهما معنى، لان الاقرار إخبار عما مضى، والانشاء حصول في
الحال. (وقوله: في الجملة) أي في غالب الأحوال، وقد تختلف الصورة كما لو قال لوليها زوجها، فهذا إقرار بالطلاق
كما مر في بابه، وليست صورته كصورة إنشائه. (قوله: والحكم) أي على المدعى عليه بالطلاق، وهذا من تتمة الدليل
على أن هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه. (وقوله: يثبت بذلك) أي بصدور صورة الطلاق منه. (وقوله: كيف كان) أي
على أي حالة وجد ذلك، سواء كان بقصد الانشاء أو بقصد الاقرار. (قوله: وللقاضي عليه) أي بل يجب. (وقوله:
سماعها) أي الشهادة الصادرة منهما وإن اختلفت معنى والله سبحانه وتعالى أعلم.

353
(قوله: خاتمة في الايمان) أي في بيان أحكامها. وإنما ذكرها عقب الدعوى والبينات لان الايمان قد تحتاج لتقدم
دعوى، والفقهاء يذكرونها قبل القضاء، لان القاضي قد يحتاج إلى اليمين من الخصوم فلا يقضي إلا بعدها. فلكل
وجهة. والايمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وهي في اللغة اليد اليمنى. وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا حلفوا
وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه. وقيل القوة، ومنه قوله تعالى: * (لأخذنا منه باليمين) *. أي بالقوة. وعليه فتسمية
الحلف به لأنه يقوي على الحنث أو عدمه، وعلى الأول جرى م ر في النهاية، وعلى الثاني جرى ابن حجر في التحفة.
وفي الشرع تحقيق أمر محتمل باسم من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته، ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا
في العادة كحلفه ليدخلن الدار، أو ممتنعا فيها كحلفه ليقتلن الميت، أو ليقتلن زيدا بعد موته. والمراد بتحقيق ذلك،
التزام تحقيقه وإيجابه على نفسه، والتصميم على تحصيلة، وإثبات أنه لا بد منه وأنه لا سعة في تركه. وليس المراد به
جعله محققا حاصلا، لان ذلك غير لازم. والمراد بالامر النسبة الكلامية: كما إذا قلت: زيد قائم، فعورضت فيه فقلت:
والله إنه قائم تحقيقا لذلك، والمراد بالمحتمل، المحتمل عقلا، فيدخل فيه المحال العادي. وخرج بتحقيق أمر: لغو
اليمين الآتي، وبالمحتمل المراد به هنا غيره وهو الواجب فقط: كقوله والله لأموتن، فليس بيمين لامتناع الحنث فيه: أي
مخالفة المحلوف عليه، فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى والأصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. أي قصدتموها بدليل آية أخرى وهي: * (ولكن يؤاخذكم
بما كسبت قلوبكم) *. وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *. الآية. وأخبار منها أنه (ص)
كان يحلف: لا، ومقلب القلوب. رواه البخاري، ومنها قوله عليه السلام: والله لأغزون قريشا - ثلاث مرات ثم قال
في الثالثة: إن شاء الله. رواه أبو داود. وقد أمره الله بالحلف على تصديق ما أمر به في ثلاثة مواضع من القرآن: في يونس
في قوله تعالى: * (قل إي وربي إنه لحق) *. وفي سبأ في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى
وربي لتأتينكم) *. وفي التغابن في قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن) *.
وأركانها: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه. وشرط في الأول التكليف والاختيار والنطق والقصد، فلا تنعقد
يمين الصبي والمجنون والمكره ويمين اللغو. وفي الثاني أن يكون اسما من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته على ما
سيأتي. وفي الثالث أن لا يكون واجبا بأن يكون محتملا عقلا ولو كان مستحيلا عادة كما علمت.
واعلم: أن الايمان نوعان: واقعة في خصومة، وواقعة في غيرها. فالتي تقع فيها إما أن تكون لدفع وهي يمين
المنكر للحق بأن قال: لي عليك كذا، فأنكر وحلف لدفع مطالبة المدعي بالحق، وإما أن تكون للاستحقاق وهي
خمسة: اللعان: فالحالف يستحق بحلفه حد زوجته لزناها إن لم تحلف هي. والقسامة: فالمستحق يحلف ويستحق
الدية. واليمين مع الشاهد في الأموال: أي ما يؤول إليها. واليمين المردودة على المدعي بعد النكول. واليمين مع



(1) سورة الحاقة، الآية: 45.
(2) سورة المائدة، الآية: 89.
(3) سورة البقرة، الآية: 225.
(4) سورة آل عمران، الآية: 77.
(5) سورة يونس، الآية: 53.
(6) سورة سبأ، الآية: 3.
(7) سورة التغابن، الآية: 7.
354
الشاهدين. والتي تقع في غير الخصومة ثلاثة أقسام: اثنان لا ينعقدان وهما: لغو اليمين، ويمين المكره - بفتح الراء -
وواحد ينعقد، وهو يمين المكلف المختار القاصد في غير واجب.
واعلم: أيضا أن الفقهاء يجمعون النذر مع الايمان في كتاب واحد لما بينهما من المناسبة، وهي أن بعض أقسام
النذر فيه كفارة يمين، والمؤلف رحمه الله تعالى خالفهم، وذكره في أواخر باب الحج عقب مبحث الأضحية، وله وجه
أيضا كما نبهنا عليه هناك، وهو أن بعض أقسام الحج قد يكون منذورا وكذلك الأضحية، فناسب أن يستوفي الكلام على
النذر هناك.
(قوله: لا ينعقد اليمين إلا الخ) انعقادها بهذين النوعين من حيث الحنث المرتب عليه الكفارة، أما من حيث وقوع
المحلوف عليه فلا ينحصر فيهما بل يحصل بغيرهما أيضا، كالحلف بالعتق والطلاق المعلقين على شئ كقوله: إن
دخلت الدار فأنت طالق، أو فعبدي حر. وأما قولهم الطلاق والعتق لا يحلف بهما، فمعناه أنهما لا يكونان مقسما بهما
كقوله: والطلاق، أو والعتق لا أفعل كذا. (وقوله: باسم) المراد بالاسم ما دل على الذات فقط كالله، أو على الذات
والمعنى كالخالق، وبالصفة ما دلت على المعنى فقط كعظمته. (وقوله: خاص بالله تعالى) أي بأن لا يطلق على غيره
كالله، وكرب العالمين، ومالك يوم الدين، وكالحي الذي لا يموت، وكمن نفسي بيده - أي بقدرته يصرفها كيف يشاء -
والذي أعبده أو أسجد له. فلا فرق بين المشتق وغيره، ولا بين أن يكون من الأسماء الحسنى أو لا، ولا بين أن يكون من
الأسماء المضافة أو لا.
واعلم: أن أسماءه تعالى ثلاثة أنواع، كما يعلم من عبارة المنهاج: ما لا يحتمل غير الله تعالى وهو ما ذكر، وما
يحتمل غيره والغالب إطلاقه عليه تعالى كالرحيم والخالق والرازق، وما يستعمل فيه وفي غيره على حد سواء كالموجود
والعالم والقسم الأول لا تقبل فيه إرادة غير الله تعالى لأنه لا يحتمل غيره، إذ الفرض أنه مختص بالله تعالى، وأما إذا قال
أردت به غير اليمين كأن قال: بالله لا أفعل كذا، وقال: أردت أتبرك بالله تعالى أو أستعين بالله، فإنه يقبل منه لان التورية
نافعة كما سيصرح به ما لم تكن بحضرة القاضي المستحلف له، وإلا فلا تنفعه. قال في فتح الجواد خلافا لما توهمه
عبارة المنهاج: أي من عدم قبول ذلك منه على أنه قيل إنها سبق قلم. اه‍. ونص عبارة المنهاج: لا تنعقد اليمين إلا
بذات الله تعالى أو صفة له كقوله: والله ورب العالمين، والحي الذي لا يموت، ومن نفسي بيده، وكل اسم مختص به.
ولا يقبل قوله: لم أرد به اليمين. اه‍. والقسم الثاني: تنعقد به اليمين ما لم يرد به غير الله بأن أراده، أو أطلق لانصرافه
عند الاطلاق إليه تعالى لكونه غالبا فيه، فإن أراد به غيره لم تنعقد اليمين لأنه يطلق على غيره: كرحيم القلب، وخالق
الإفك، ورازق الجيش، ورب الإبل، فيقبل هنا إرادة غيره تعالى كما يقبل إرادة غير اليمين. والقسم الثالث: تنعقد به
اليمين إن أراده تعالى بخلاف ما إذا أراد به غيره، أو أطلق لأنه لما أطلق عليه وعلى غيره سواء أشبه الكنايات فلا يكون
يمينا إلا بالنية.
(قوله: أو صفة من صفاته) أي الذاتية كما في التحفة والنهاية وشرح التحرير، وكتب الرشيدي ما نصه: قوله:
الذاتية. أخرج الفعلية كالخلق والرزق فلا تنعقد بها - كما صرح به الرافعي - وأخرج السلبية ككونه ليس بجسم ولا جوهر
ولا عرض، لكن بحث الزركشي الانعقاد بهذه لأنها قديمة متعلقة به تعالى. اه‍. وكتب ش ق ما نصه: ليس المراد بها
- أي بالذاتية - خصوص صفات المعاني السبعة المذكورة في الكلام، بل المراد ما يشملها وغيرها من كل ما قام بالذات
كالعظمة. ومثلها الصفات السلبية على المعتمد كعدم الجسمية، وكالقدم، والبقاء، وكذا الإضافية كالأزلية، والقبلية
للعالم، بخلاف الصفات الفعلية كالخلق والرزق والاحياء والإماتة، فلا ينعقد بها اليمين وإن نوى، خلافا
للحنفية. اه‍. قال في شرح الروض: والفرق بين صفتي الذات والفعل أن الأولى ما استحقه في الأزل، والثانية ما
استحقه فيما لا يزال دون الأزل يقال علم في الأزل، ولا يقال رزق في الأزل إلا توسعا. اه‍. (قوله: كوالله) هو وما بعده

355
إلى قوله وخالق الخلق أمثلة للاسم. (وقوله: ولو قال وكلام الخ) أمثلة للصفة، ولو حذف لفظ لو وعطف ما بعدها على
ما قبلها لكان أولى.
تنبيه: اللحن هنا لا يؤثر في الانعقاد، فلو رفع الاسم الداخل عليه واو القسم، أو نصبه، أو سكنه، انعقد به
اليمين. كما في المغني وشرح المنهج.
(قوله: وكلام الله) أي أو مشيئته وعلمه وقدرته وعزته وعظمته وكبريائه وحقه إن لم يرد بالحق العبادات - وبالعلم
والقدرة المعلوم والمقدور - وبالبقية ظهور آثارها الظاهرة وهي قهر الجبابرة في العظمة والكبرياء، وعجز المخلوقات عن
إيصال مكروه إليه تعالى في العزة، فإن أراد ذلك فليس بيمين. (قوله: فيمين) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو يمين ومحله
إن أراد بذلك كله الصفة القديمة، فإن أراد غيرها بأن أراد بالكلام الألفاظ التي نقرؤها، وبكتاب الله المكتوب من
النقوش، وبالقرآن المقروء من الألفاظ التي نقرؤها أو الخطبة، وبالتوراة والإنجيل الألفاظ التي تقرأ، فليس ذلك بيمين.
(قوله: وكذا والمصحف) أي وكذلك يكون يمينا إذا حلف بالمصحف. (قوله: إن لم ينو الخ) فإن نوى ذلك فليس
بيمين. (قوله: وإن قال وربي) أي بالإضافة، فإن قال والرب بالألف واللام فهو يمين صريحا، لأنه لا يستعمل في غير
الله تعالى. (قوله: وكان عرفهم) أي عرف أهل بلدة الحالف. (قوله: فكناية) أي فإن نوى به اليمين انعقد، وإلا فلا.
(قوله: وإلا) أي بأن لم يكن في عرفهم ذلك. (وقوله: فيمين ظاهرا) أي صريحا فينعقد به اليمين من غير نية. (قوله:
إن لم يرد غير الله) قيد في كون الحلف بوربي ينعقد به اليمين. وخرج به ما إذا أراد به غير الله فإنه لا يكون يمينا لأنه يصح
إطلاقه على غير الله تعالى ولو لم يكن في عرف بلده ذلك الاطلاق. (قوله: ولا ينعقد) أي اليمين بمعنى الحلف
والأولى، فلا ينعقد بفاء التفريع، لان المقام له، إذ هو مفهوم حصر انعقاد اليمين في القسمين السابقين. والمعنى: إذا
حلف بغير الله لا تنعقد يمينه، ولو شرك في حلفه بين ما يصح الحلف به وغيره كوالله والكعبة فالوجه انعقاد اليمين إن قصد
الحلف بكل أو أطلق. وكذا لو قصد الحلف بالمجموع، لان جزء هذا المجموع يصح الحلف به، فالمجموع الذي
جزؤه كذلك يصح الحلف به. كذا في سم (قوله: كالنبي) أي بأن يقول والنبي، أو وحق النبي لأفعلن كذا. وينبغي
للحالف أن لا يتساهل في الحلف بالنبي (ص) لكونه غير موجب للكفارة، سيما إذا حلف على نية أن لا يفعل، فإن ذلك قد
يجر إلى الكفر لعدم تعظيمه لرسول الله (ص) والاستخفاف به. (قوله: للنهي الصحيح الخ) أي في خبر: إن الله ينهاكم
أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليلحف بالله أو ليصمت. (وقوله: وللامر بالحلف بالله) أي في الخبر السابق في
قوله: فمن كان حالفا الخ، وهو محل الدلالة على النهي عن الحلف بالكعبة، أو النبي، أو نحوهما. ولا يرد على ذلك أنه
ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لأنه على حذف مضاف: أي ورب الشمس
مثلا. أو أن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك. (قوله: فقد كفر) في
رواية فقد أشرك. (قوله: وحملوه) أي خبر الحاكم المذكور. (قوله: على ما إذا قصد) أي الحالف. (وقوله: تعظيمه)
أي غير الله. (قوله: فإن لم يقصد ذلك) أي تعظيمه كتعظيم الله تعالى. (قوله: أثم الخ) أي فهو حرام، ولا يكفر به.
(قوله: أي تبعا لنص الشافعي) قال في النهاية: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية. اه‍. (قوله: كذا قاله الخ) أي
قال أنه يأثم بذلك عند أكثر العلماء تبعا للنص. (قوله: والذي الخ) مبتدأ خبره الكراهة: أي كراهة الحلف بغير الله مع

356
عدم قصد ما مر. (قوله: وهو المعتمد) أي القول بالكراهة المعتمد. وفي التحفة قال ابن الصلاح، يكره بما له حرمة
شرعا كالنبي، ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق. وذكر الماوردي أن للمحتسب التحليف بالطلاق دون القاضي، بل يعزله
الامام إن فعله. وفي خبر ضعيف: ما حلف بالطلاق مؤمن، ولا استحلف به إلا منافق. اه‍. (قوله: وإن كان الخ)
غاية في كون القول بالكراهة هو المعتمد. (قوله: قال بعضهم وهو) أي القول بالاثم. (قوله: لقصد غالبهم) أي
الحالفين بغير الله (وقوله: إعظام المخلوق به) أي باليمين. (وقوله: ومضاهاته) أي المخلوق: أي مشابهته لله. وفيه
أنهم إن قصدوا المضاهاة يكفرون لاثباتهم الشركة ولا يأثمون فقط. فتأمل. (قوله: تعالى الله) أي تنزه الله وتباعد.
(وقوله: عن ذلك) أي عن كون أحد يضاهيه، أو يعظم كتعظيمه. (وقوله: علوا) أي تعاليا، فوضع اسم المصدر في
موضع المصدر مثل: * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) *. (وقوله: كبيرا) صفة لعلوا، وفيها تمام المبالغة في النزاهة.
(قوله: وإذا حلف بما ينعقد به اليمين) أي مما مر في كلامه من اسم خاص به تعالى أو صفة من صفاته. (وقوله: ثم قال
لم أرد به اليمين لم يقبل) وهذه العبارة مساوية لعبارة المنهاج، وقد علمت عن فتح الجواد أنه قيل إنها سبق قلم، وكذلك
قاله شيخ الاسلام ونص عبارة المنهج مع شرحه له: إلا أن يريد به غير اليمين فليس بيمين، فيقبل منه ذلك - كما في
الروضة وأصلها - ثم قال: فقول الأصل ولا يقبل قوله، لم أرد به اليمين مؤول أو سبق قلم. اه‍. (قوله: ولو قال بعد
يمينه إن شاء الله) مثل الاثبات النفي، كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين كما مر في باب
الطلاق. (قوله: وقصد اللفظ الخ) فيه أنه لا يشترط قصد اللفظ قبل فراغ اليمين، بل الشرط قبله قصد الاستثناء. أي
التعليق. وعبارة الروض وشرحه: ويشترط التلفظ بالاستثناء وقصده قبل فراغ اليمين واتصاله بها. اه‍. (قوله: واتصل
الاستثناء بها) أي باليمين اتصالا عرفيا لا حقيقيا، لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت. (قوله: لم
تنعقد اليمين) جواب لو، وإنما لم تنعقد لعدم العلم بوقوع المعلق عليه، لان مشيئته تعالى وما ألحق بها غير معلومة لنا،
وقيل تنعقد لكن مع عدم المؤاخذة بها. (قوله: فلا حنث ولا كفارة) تفريع على عدم انعقاد اليمين. (قوله: وإن لم يتلفظ
بالاستثناء) أي أو تلفظ به ولكن لم يقصد الاستثناء بأن سبق لسانه إليه، أو قصد التبرك، أو أن كل شئ بمشيئة الله، أو لم
يعلم هل قصد التعليق أم لا، أو أطلق. (قوله: لم يندفع الخ) جواب إن. (وقوله: الحنث) بكسر الحاء: أي إثم حلف
اليمين بفعل المحلوف عليه كأن قال والله لا أكلم زيدا فكلمه. قال في القاموس: الحنث - بالكسر - الاثم والحلف في
اليمين، والميل من باطل إلى حق وعكسه. اه‍. وقال في المصباح: حنث في يمينه يحنث حنثا إذا لم يف بموجبها فهو
حانث، وحنثته - بالتشديد - جعلته حانثا، والحنث الذنب، وتحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث. قال ابن فارس:
والتحنث التعبد. ومنه: كان (ص) يتحنث في غار حرام. اه‍. (قوله: بل يدين) - بضم ياء المضارعة وفتح الدال
وتشديد الياء المفتوحة -: أي يعمل باطنا بما نواه وقصده، فإن قصد قبل فراغ اليمين الاستثناء لم تنعقد باطنا وإن لم
يقصد ذلك انعقدت. (قوله: ولو قال لغيره أقسمت عليك) أي أو أقسم عليك. وفي البجيرمي: لو حذف لفظ عليك
فيمين لا يجري فيها تفصيل. اه‍. (قوله: أو أسألك بالله) قال ع ش: وكذا لو قال بالله لا تفعلن كذا من غير ذكر



(1) سورة نوح، الآية: 17.
357
المتعلق. اه‍. (قوله: وأراد يمين نفسه) أي فقط بأن أراد تحقيق هذا الامر المحتمل، فإذا حلف شخص على آخر أنه
يأكل فالاكل أمر محتمل، فإذا أراد تحقيقه وأنه لا بد من الاكل كان يمينا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد
يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله، فلا يكون يمينا لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب. اه‍. بجيرمي. (قوله:
ومتى لم يقصد يمين نفسه) إظهار في مقام الاضمار، فلو قال ومتى لم يردها لكان أولى. (قوله: بل الشفاعة) أي بل قصد
الشفاعة بالله أن يفعل المخاطب كذا. (وقوله: أو يمين المخاطب) أي جعل المخاطب حالفا بالله تعالى. (وقوله: أو
أطلق) أي لم يقصد يمين نفسه ولا يمين المخاطب، ويحمل في هذه الحالة على الشفاعة: أي جعلت الله شفيعا عندك
في فعل كذا. (قوله: فلا تنعقد) أي اليمين. (قوله: لأنه لم يحلف هو) أي القائل ذلك ولا المخاطب.
واعلم أن اللفظ الذي ينعقد به اليمين إما أن يكون صريحا - والمراد به هنا ما يحصل الانعقاد عند الاطلاق - وذلك
كما في القسمين الأولين المارين: أعني ما كان بمختص بالله من اسم، أو صفة له، وما كان إطلاقه عليه غالبا، وإما أن
يكون كناية وهي ما ليس كذلك، فلا ينعقد بها اليمين إلا بالنية، وذلك كأن يأتي بالجلالة مع حذف حرف القسم نحو: الله
- بتثليب الهاء أو تسكينها - لأفعلن كذا. ونحو لعمر الله، أو على عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو أمانته، أو كفالته لأفعلن
كذا. ونحو أشهد، أو شهدت بالله لقد كان الامر كذا. ونحو عزمت، أو أعزم بالله لأفعلن كذا. أو عليك لتفعلن كذا،
ونحو ذلك كالألفاظ التي تطلق على المولى وعلى غيره على حد سواء كالموجود والعالم والحكيم. واختلف في بله
- بتشديد اللام وحذف الألف - فقال في التحفة هي لغو وإن نوى بها اليمين، لأن هذه كلمة غير الجلالة إذ هي الرطوبة.
وقال في النهاية هي يمين إن نواها - خلافا لجمع ذهبوا إلى أنها لغو -. وفي البجيرمي: وبقي ما لو قال: والله بحذف
الألف بعد اللام هل يتوقف الانعقاد على نيتها أو لا؟ ويظهر الآن الثاني لعدم الاشتراك في اللفظ بين الاسم الكريم
وغيره، بخلاف البله فإنها مشتركة بين الحلف بالله وبلة الرطوبة، وبقي أيضا ما لو حذف الهاء من لفظ الجلالة وقال
باللا، أو واللا هل هي يمين أو لا؟ فيه نظر. والأقرب الثاني لأنها بدون الهاء ليست من أسمائه ولا صفاته، ويحتمل الانعقاد
عند نية اليمين، ويحتمل على أنه حذف الهاء ترخيما والترخيم جائز في غير المنادى على قلة. اه‍. (قوله: ويكره رد
السائل بالله تعالى) لخبر من سأل بالله تعالى فأعطوه. وفي الزواجر: أخرج الطبراني وغيره: ألا أحدثكم عن الخضر؟
قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو يمشي ذات يوم في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي
بارك الله فيك. فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شئ أعطيكه. فقال المسكين: أسألك بوجه
الله لما تصدقت علي فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك. فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شئ
أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني. فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم. أقول: لقد سألتني بأمر عظيم. إما أني لا
أخيبك بوجه ربي، بعني. قال: فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في
شئ. فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بعمل. قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف. قال:
ليس يشق علي. قال: قم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم - فخرج الرجل لبعض حاجته ثم
انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة. قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. ثم عرض للرجل سفر، فقال:
إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة. قال: أوصني بعمل. قال: إني أكره أن أشق عليك. قال: ليس يشق
علي. قال: فاضرب من اللبن لبيتي حق أقدم عليك. قال: فمر الرجل لسفره. قال: فرجع وقد شيد بناءه. قال: أسألك
بوجه الله ما سببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في هذه العبودية. فقال الخضر: سأحدثك من
أنا: أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي
فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلده ولا لحم له يتقعقع. فقال الرجل: آمنت

358
بالله. شققت عليك يا نبي اللهم أعلم. قال: لا بأس. أحسنت وأتقنت. فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله،
أحكم في أهله ومالي بما شئت، أو اختر فأخلي سبيلك. قال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي. فخلى سبيله. فقال
الخضر: الحمد لله الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها. اه‍. (قوله: أو بوجهه) أي وجه الله: كأن يقول أسألك
بوجه الله لتفعلن كذا. (قوله: في غير المكروه) متعلق برد، وهو على حذف مضاف: أي في سؤال غير المكروه، أما
سؤال المكروه فلا يكره رده، ومثله المحرم بالأولى، وذلك لما أخرجه الطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله (ص) يقول: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا
بضم فسكون - قال في الزواجر: أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام
قبيح. اه‍. (قوله: وكذا السؤال بذلك) أي وكذا يكره السؤال بالله أو بوجهه لحديث: لا يسئل بوجه الله إلا الجنة.
(قوله: ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني) أي أو مستحل الخمر، أو الزنا، أو أنا برئ من الاسلام، أو من
الله، أو من رسوله، ونحو ذلك. (قوله: فليس) أي قوله المذكور بيمين، وهو جواب لو. (قوله: لانتفاء الخ) علة عدم
انعقاد قوله المذكور يمينا. (قوله: ولا كفارة) أي عليه. (قوله: وإن حنث) أي بأن فعل المحلوف عليه. (قوله: نعم
يحرم ذلك) أي قوله ما ذكر لأنه معصية، والتلفظ بها حرام. (قوله: بل إن قصد الخ) الصواب حذف لفظ بل ولفظ حرم،
لأنه قيد لقوله ولا يكفر. (وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد شيئا. (قوله: ويلزمه التوبة) أي لأنه حرام، والتوبة واجبة من كل
معصية. ولا ينافي ذلك قوله بعد: سن له أن يستغفر الله، لان ذلك باللسان وهو ليس بواجب. (قوله: فإن علق) أي قصد
تعليق التهود ونحوه مما مر على فعل ذلك (وقوله: أو أراد الرضا بذلك) أي بالتهود ونحوه. (وقوله: إن فعل) أي المعلق
عليه. (وقوله: كفر حالا) أي لان فيه رضا بالكفر وهو كفر كما مر في باب الردة. قال في المغني: فإن لم يعرف قصده
لموت أو لغيبة وتعذرت مراجعته، ففي المهمات القياس تكفيره إذا عرى عن القرائن الحاملة على غيره، لان اللفظ
بوضعه يقتضيه، وكلام الأذكار يقتضي خلافه. اه‍. والأوجه ما في الأذكار. اه‍. وقوله: والأوجه الخ. قال في التحفة
هو الصواب. (قوله: وحيث لم يكفر) أي بأن قصد تبعيد نفسه أو أطلق. (قوله: سن له أن يستغفر الله) أي باللفظ، وإلا
فالتوبة واجبة كما صرح به آنفا بقوله ويلزمه التوبة، وذلك كأن يقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه، وهي أكمل من غيرها. (قوله: ويقول الخ) أي وسن له أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال في
التحفة: وحذفهم أشهد هنا لا يدل على عدم وجوبه في الاسلام الحقيقي لأنه يغتفر فيما هو للاحتياط، ما لا يغتفر في
غيره، على أنه لو قيل الأولى أن يأتي هنا بلفظ أشهد فيهما، لم يبعد لأنه إسلام إجماعا، بخلافه مع حذفه. اه‍. (قوله:
وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك) أي قوله لا إله إلا الله الخ. أي لخبر الصحيحين: من حلف باللات والعزى فليقل لا
إله إلا الله. ورده الجمهور بأن الامر فيه محمول على الندب. (قوله: ومن سبق لسانه الخ) عبارة الروض وشرحه: ومن
حلف بلا قصد، بأن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد، كقوله في حالة غضب، أو لجاج، أو صلة كلام، لا والله تارة، وبلى والله تارة
أخرى، أو سبق لسانه بأن حلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره فلغو: أي فهو لغو يمين، إذ لا يقصد
بذلك تحقيق اليمين ولقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * ولخبر: لغو اليمين: لا والله،
وبلى والله. رواه أبو داود وابن حبان وصححه. فلو جمع بين لا والله وبلى والله في كلام واحد، قال الماوردي الأولى لغو، والثانية



(1) سورة البقرة، الآية: 225.
359
منعقدة لأنها استدراك مقصود منه. اه‍. وقوله: قال الماوردي الخ. قال في التحفة: هو ظاهر إن علم أنه قصدها. وكذا
إن شك، لأن الظاهر أنه قصدها، أما إذا علم أنه لم يقصدها فواضح أنه لغو. اه‍. وقال في المغني: وجعل صاحب
الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: والله لا تقوم، وهو مما تعم به البلوى. اه‍. وهو
ظاهر إن لم يقصد اليمين فإن قصدهم كانت يمينا كما نبه عليه في التحفة والنهاية. (قوله: بلا قصد) لا حاجة إليه بعد قوله
سبق لسانه كما نبه عليه في المغني وعبارته:
تنبيه: لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه. اه‍.
(قوله: كلا والله وبلى والله) أي كقوله ذلك. (وقوله: في نحو غضب) متعلق بقوله المقدر. (قوله: لم ينعقد) أي
اليمين بذلك، وهو جواب من. (قوله: والحلف مكروه) أي لقوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) * أي
نصبا لها بأن تكثروا منها لتصدقوا، ولخبر: إنما الحلف حنث أو ندم، رواه ابن حبان في صحيحه، ولأنه ربما يعجز عن
الوفاء فيما حلف عليه. قال حرملة: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط.
تنبيه: كان الأولى للمؤلف أن يزيد بعد قوله مكروه لفظ في الجملة، وذلك لان من اليمين ما هو معصية كما سيأتي
في كلامه، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب. كأن توقف عليها فعل مندوب أو ترك مكروه، ومنها ما هو واجب فيما
إذا توقف عليها فعل واجب، أو ترك حرام.
(قوله: إلا في بيعة الجهاد الخ) لو قال كغيره إلا في طاعة كبيعة الجهاد الخ. لكان أولى، إذ عبارته تفيد الحصر في
هذه الثلاثة مع أنه ليس كذلك، بل مثلها كل طاعة من فعل واجب، أو ترك حرام، أو فعل مندوب، فلا كراهة في الحلف
في جميع ذلك. ومثل في شرح الروض للبيعة على الجهاد بقوله عليه الصلاة والسلام: والله لأغزون قريشا الحديث
المار. وقوله والحث على الخير: أي كقوله والله إن لم تثبت لتندم. (قوله: والصادق في الدعوى) الملائم لما قبله أن
يقول: وفي الدعوى الصادقة: أي عند حاكم. ولا تكره اليمين أيضا فيما إذا دعت حاجة إليها كتوكيد كلام كقوله (ص):
فوالله لا يمل الله حتى تملوا أي لا يترك ثوابكم حتى تتركوا العمل، أو تعظيم أمر كقوله عليه السلام: والله لو تعلمون ما
أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. (قوله: ولو حلف الخ) هذا إشارة إلى استثناء رابع، فكأنه قال: وتكره إلا إن حلف
على ارتكاب معصية فتحرم. (وقوله: ولزمه حنث الخ) تلخص من كلامه أن الحنث تارة يجب كما في هذه الصورة،
وتارة يندب كما ذكره بقوله: أو ترك مستحب، أو فعل مكروه. وتارة يكون خلاف الأولى كما ذكره بقوله: أو على ترك مباح
أو فعله. وبقي عليه الكراهة، وذلك كما إذا حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، والتحريم كما إذا حلف على فعل
واجب، أو ترك حرام، فيحرم عليه الحنث بترك واجب أو فعل حرام. فتحصل أن الحنث تعتريه أحكام خمسة ولا تعتريه
الإباحة، لأنه في صورة المباح يكون خلاف الأولى، وبضد ما قيل في الحنث يقال في البر، فحيث وجب الحنث حرم
البر، وحيث حرم الحنث وجب البر، وحيث ندب الحنث كره البر، وحيث كره الحنث ندب البر. اه‍. بجيرمي. بتصرف
(وقوله: عصى) أي بالحلف، واستثنى بالبلقيني من الصورة الأولى: أعني ترك الواجب مسألتين، الأولى: الواجب الذي
يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به، فإنه يمكن سقوطه بالعفو. الثانية: الواجب على الكفاية، كما لو حلف لا يصلي
على فلان الميت حيث لم تتعين عليه، فإنه لا يعصي بهذا الحلف. اه‍. مغني. (وقوله: ولزمه حنث وكفارة) أي لان
الإقامة على هذه الحالة معصية، ولخبر الصحيحين: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير.
ولكيفر عن يمينه. وإنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه، وإلا فلا، كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا



(1) سورة البقرة، الآية: 224.
360
بأن يعطيها من صداقها، أو يقرضها ثم يبرئها، لان الغرض حاصل مع بقاء التعظيم. اه‍. شرح المنهج: وقوله: بأن
يعطيها من صداقها: أي مع كون النفقة باقية في ذمته، والأولى ويمثل بنفقة القريب لأنها تسقط بمضي الزمان. اه‍.
بجيرمي. (قوله: أو ترك الخ) بالجر عطف على ترك واجب أن قوله مستحب: أي كسنة الظهر. (وقوله: أو فعل الخ)
عطف على ترك أيضا. (وقوله: مكروه) أي كالتفات في الصلاة. (قوله: سن حنثه وعليه كفارة) أي لان اليمين والإقامة
عليه مكروهان، ولآية: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله
وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) *. وسبب نزولها أن الصديق رضي الله عنه حلف أن لا
ينفق على مسطح بعدما قال لعائشة: ما هي بريئة منه فأنزل الله: * (ولا يأتل أولو الفضل) * الآية، فقال: بلى والله إني
لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجريه عليه من النفقة.
ظريفة: يحكى أن ابن المقري منع النفقة عن ولده لما رآه غير مستقيم فكتب إليه ولده:
تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه
فإن أمر الإفك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه
فأجابه بقوله:
قد يمنع المضطر من ميتة * إذا عصى بالسير في طرقه
لأنه يقوى على توبة توجب * إيصالا 0 إلى رزقه
لو لم يتب مسطح من ذنبه * ما عوتب الصديق في حقه
(قوله: أو على ترك مباح أو فعله) معطوفان على في ترك واجب، أي أو حلف على ذلك. (وقوله: كدخول دار
الخ) مثال للمباح.
تنبيه: أختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا، ولا يلبس ناعما، فقيل مكروه لقوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) *
الآية، وقيل طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش، وقيل يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم
وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة، وهذا كما قال الرافعي الصواب.
(قوله: فالأفضل ترك الحنث) وقيل الأفضل له الحنث ليستنفع الفقراء بالكفارة. قال الأذرعي ويشبه أن محل
الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير، فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديقه، فالأفضل
الحنث قطعا. وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك. وكذا حكم الاكل واللبس. اه‍. مغني (قوله: إبقاء لتعظيم
الاسم) أي المحلوف به، أي ولقوله تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *.
تنبيهات: من حلف أن لا يفعل شيئا ككونه لا يزوج موليته، أو لا يطلق امرأته، أو لا يعتق عبده، أو لا يضرب
غلامه، فأمر غيره بفعله ففعله وكيله ولو مع حضوره لم يحنث، لأنه حلف على فعله ولم يفعل، إلا أن يريد الحالف
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهو أن لا يفعله هو ولا غيره فيحنث بفعل وكيله فيما ذكر عملا بإرادته، فإن فعل
الشئ الذي حلف عليه بنفسه عامدا عالما مختارا حنث، بخلاف ما لو كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا يحنث حينئذ.
ومن الفعل جاهلا أن يدخل دار الا يعرف أنها المحلوف عليها، أو يسلم على زيد في ظلمة ولا يعرف أنه زيد وهو حالف



(1) سورة النور، الآية: 22.
(2) سورة الأعراف، الآية: 32.
(3) سورة النحل، الآية: 91.
361
أنه لا يسلم عليه. ومن حلف لا يبيع هذا العبد، أو لا يشتري هذا الثوب، فوهبه في الأولى، أو وهب له في الثانية، لم
يحنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه. ومن حلف لا يبيع ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد الحلف
بالوكالة السابقة، ففي فتاوي القاضي حسين: أنه لا يحنث، لأنه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل. وقياسه أنه لو حلف على
زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه، وكان قد أذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين، فخرجت إليه بعد اليمين لم
يحنث. ومن حلف لا يعتق عبده فكاتبه وعتق بالأداء لم يحنث، كما نقله الشيخان عن ابن القطان وأقراه. ومن حلف لا
يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ حنث، لأنه يسمى أكلا عرفا، والايمان مبنية على العرف. بخلاف ما لو حلف
بالطلاق أنه لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ فإنه لا يحنث، لأنه لا يسمى أكلا لغة، والطلاق مبني على اللغة. ولو
حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر لم يحنث. ومن حلف لا يكتب بهذا القلم فكسر بريته وبراه برية جديدة
وكتب به لم يحنث. ومن حلف لا يتغدى، أو لا يتعشى، أو لا يتسحر، فلا يحنث في الأول إلا بأكله قبل الزوال، لان
وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال. ولا يحنث في الثاني إلا بأكله بعد الزوال، لان وقت العشاء من الزوال إلى
نصف الليل. ولا يحنث في الثالث إلا بأكله بعد نصف الليل، لان وقت السحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر. ومن
حلف لا يفارق غريمه حتى يوفيه حقه، فهرب غريمه منه لم يحنث ولو تمكن من اتباعه، بل ولو أذن له في الهرب، لأنه لم
يفارقه هو. ومن حلف لا يدخل الدار، حنث بدخوله داخل بابها حتى دهليزها، ولو برجل واحدة معتمدا عليها فقط، لا
بصعوف سطح من خارج الدار، ولو محوطا بأن يكون له درج يصعد عليها له من خارجها. وإذا حلف الأمير مثلا لا
يضرب زيدا فأمر الجلاد فضربه لم يحنث، أو حلف لا يبني بيته فأمر البناء ببنائه فبناه فكذلك لا يحنث، أو حلف أن لا
يحلق رأسه فأمر حلاقا فحلقه لم يحنث - كما جرى عليه ابن المقري - لعدم فعله، وقيل يحنث للعرف. ومطلق الحلف
على العقود ينزل على الصحيح منها فلا يحنث بالفاسد، ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله: كأن حلف لا يبيع الخمر، ولا
المستولدة، ثم أتى بصورة البيع، فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث، وإن أطلق فلا. وكذلك الحلف
على العبادات كالصلاة والصوم ينزل على الصحيح منهما، فلا يحنث بالفاسد منهما إلا الحج، فإنه يحنث بالفاسد. ولو
حلف لا يصلي لم يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة عرفا. ومن حلف ليثني على الله أحسن الثناء، أو أعظمه،
أو أجله، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو بأجل التحاميد فليقل: الحمد لله حمدا يوافي
نعمه، ويكافئ مزيده. أو حلف ليصلين على النبي (ص) بأفضل الصلاة عليه، فليصل بالصلاة الإبراهيمية التي في
التشهد. وهنا فروع كثيرة تركناها خوف الإطالة.
(قوله: فرع الخ) الأولى فروع، لأنه ذكر أربعة الأول: قوله يسن تغليظ الخ، الثاني: قوله ويعتبر في الحلف الخ،
الثالث: قوله واليمين يقطع الخصومة الخ، الرابع: قوله واليمين المردودة الخ.
واعلم أن ما ذكر يذكره الفقهاء في باب الدعوى، وهو الأنسب وإن كان لذكره هنا وجه أيضا، وهو أن الكلام في
الايمان وأنها قد تقع في خصومة كما مر.
(وقوله: تغليظ يمين الخ) إنما سن ذلك لان اليمين إنما وضعت للزجر عن التعدي، فغلظت مبالغة وتأكيدا للردع
فيما هو متأكد في نظر الشرع، وهو ما سيذكره من النكاح الخ. (وقوله: من المدعي) أي صادرة منه فيما إذا كان المدعى
به يثبت بيمين وشاهد، أو في يمين الرد. (وقوله: والمدعى عليه) أي وتغليظ يمين صادرة من المدعى عليه فيما إذا لم
يكن عند المدعي بينة. (قوله: وإن لم يطلبه) أي التغليظ، وهو غاية في سنية التغليظ: أي يسن وإن لم يطلبه الخصم.
قال في التحفة: بل وإن أسقطه كما قاله القاضي. اه‍. (قوله: في نكاح الخ) أي في دعوى ذلك، والجار والمجرور
متعلق بمحذوف صفة ليمين: أي يمين واقعة في دعوى الخ. ويحتمل أن في بمعنى على، والجار والمجرور متعلق

362
بيمين، ولا حاجة إلى تقدير مضاف: أي يمين على نكاح وطلاق الخ. (وقوله: ووكالة) أي ولو في درهم. اه‍. تحفة.
(قوله: وفي مال) معطوف على نكاح. (وقوله: بلغ عشرين دينارا) أي أو ما قيمته ذلك.
تنبيه: كان حقه أن يزيد ولعان كما في التحفة، لان قوله الآتي وصعودهما عليه أولى لا يظهر إلا في الزوجين
المتلاعنين، لأنهما هما اللذان يصعدان على المنبر.
(قوله: لا فيما دون ذلك) أي لا يسن تغليظ اليمين فيما دون عشرين دينارا. (قوله: لأنه) أي ما دون ذلك.
(وقوله: حقير في نظر الشرع) أي فلم يعتن فيه بتغليظ اليمين. (قوله: نعم الخ) إستدراك على عدم سنية التغليظ فيما
دون ذلك. (وقوله: لو رآه الحاكم) المفعول الثاني محذوف: أي رأى التغليظ أصلح فيما دون ذلك. (وقوله: لنحو
جراءة الحالف) أي على اليمين، واللام للتعليل، وهي متعلقة برأي، أو بمفعوله الثاني المحذوف. (وقوله: فعله) أي
فعل الحاكم التغليظ في اليمين. (قوله: وهو) أي الزمان الذي يحصل به التغليظ. (وقوله: بعد العصر) أي لان اليمين
الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة لخبر الصحيحين: عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا
يزكيهم ولهم عذاب أليم - وعد منهم رجلا حلف على يمين كاذبة بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلم. (قوله:
وعصر الجمعة أولى) أي من عصر غير الجمعة، لان يومها أشرف الأسبوع، وساعة الإجابة فيها بعد عصرها. (قوله:
وبالمكان) معطوف على بالزمان: أي والتغليظ يكون بالمكان أيضا. (قوله: وهو) أي المكان الذي يحصل التغليظ به.
(وقوله: للمسلمين عند المنبر) الظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجار والمجرور قبله متعلق بما تعلق به هذا
الخبر: أي وذلك المكان كائن عند المنبر بالنسبة للمسلمين: أي أما بالنسبة لغيرهم إذا ترافعوا إلينا فبيعة - بكسر الباء -
وهي معبد النصارى، أو كنيسة وهي معبد اليهود، أو بيت نار مجوس لا بيت أصنام وثني دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا
إلينا، فلا يحلف فيه، لأنه لا أصل له في الحرمة والتعظيم، بل في مجلس الحكم. وعبارة الخطيب في باب اللعان: فإن
كان في غير المساجد الثلاثة فيكون في الجامع على المنبر كما صححه صاحب الكافي، لان الجامع هو المعظم من تلك
البلدة والمنبر أولى، فإن كان في المسجد الحرام فبين الركن الذي فيه الحجر الأسود وبين مقام إبراهيم عليه الصلاة
والسلام، ويسمى ما بينهما بالحطيم. فإن قيل: لا شئ في مكة أشرف من البيت. أجيب: بأن عدولهم عنه صيانة له عن
ذلك. وإن كان في مسجد المدينة فعلى المنبر - كما في الام والمختصر - لقوله (ص): ومن حلف على منبري هذا يمينا
آثما تبوأ مقعده من النار. وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة لأنها أشرف بقاعه لأنها قبلة الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام. وفي ابن حنبل أنها من الجنة. اه‍. ومحل ذلك في غير المرأة الحائض، أو النفساء، أو المتحيرة، أما هي فعند
باب الجامع لتحريم مكثها فيه. (قوله: وصعودهما) أي الزوجين عند اللعان - كما علمت - وعبارة فتح الجواد مع
الأصل: ورقي كل منهما عند لعانه عليه - أي المنبر - بطيبة شرفها الله، وبغيرها أيضا أولى - وإن قل القوم. اه‍. (وقوله:
عليه) أي على المنبر. (قوله: وبزيادة الخ) معطوف على بالزمان: أي ويكون التغليظ بزيادة الأسماء والصفات، كأن
يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، هذا إن كان الحالف
مسلما، فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي
أنزل الإنجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره. ولا يجوز للقاضي أن يحلف أحدا بطلاق أو
عتق أو نذر. ومتى بلغ الامام أن القاضي يستحلف الناس بذلك عزله، كما قاله الشافعي رضي الله عنه. وقال ابن
عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك. اه‍. (قوله: ويسن أن يقرأ الخ) عبارة غيره: ومن

363
التغليظ أن يوضع المصحف في حجره ويطلع له سورة براءة، ويقال له ضع يدك على ذلك ويقرأ قوله تعالى: * (إن الذين
يشترون) * الآية. اه‍. (قوله: ولو اقتصر) أي الحالف. (وقوله: كفى) أي في الحلف. (قوله: ويعتبر) أي يعتمد.
(وقوله: في الحلف) أي بالله تعالى لأنه المراد عند الاطلاق. (قوله: نية الحاكم) أي وعقيدته. ومثل الحاكم نائبه، أو
المحكم، أو المنصوب للمظالم، وغيرهم من كل من له ولاية التحليف، وإنما اعتبرت نيته دون نية الحالف لخبر مسلم:
اليمين على نية المستحلف. وحمل على الحاكم لأنه الذي له ولاية الاستحلاف، ولأنه لو اعتبرت نية الحالف لضاعت
الحقوق. (وقوله: المستحلف) أي لمن توجه عليه الحلف. (قوله: فلا يدفع إثم اليمين الخ) مفرع على اعتبار نية
الحاكم: أي وإذا كان المعتبر نية الحاكم لا نية الحالف، فلو حلف وورى في حلفه، أو تأول، أو استثنى، فلا ينفعه ذلك
ولا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة، لكن بشروط أربعة تستفاد من كلامه، وهي أن يكون ذلك الحلف عند القاضي أو
المحكم، فلو حلف عند المدعي فقط نفعه ذلك، وأن يطلب منه القاضي أو المحكم الحلف، فلو حلف قبل طلبه منه
نفعه ذلك. وأن لا يكون التحليف بالطلاق أو العتق، فإن كان بهما نفعه أيضا ذلك، وأن لا يكون الحالف محقا وإلا
نفعه. (وقوله: بنحو تورية) هي قصد مجاز اللفظ لا حقيقته، كأن ادعى عليه ثوبا وأنكر فحلفه القاضي فقال: والله لا
يستحق علي وثوبا، وأراد بالثوب الرجوع لأنه من ثاب إذا رجع، وهذا مجاز مهجور. أو كأن ادعى عليه درهما فأنكر
فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي درهما، ونوى الحديقة لأنه - كما في القاموس - يطلق عليها. (وقوله:
كاستثناء) تمثيل لنحو التورية. قال البجيرمي: كأن كان له عليه خمسة فادعى عليه عشرة وأقام شاهدا واحدا على العشرة
وحلف مع الشاهد أن له عليه عشرة وقال إلا خمسة سرا. اه‍. أي فقوله إلا خمسة لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة. ومثل
الاستثناء التأويل، وهو اعتقاد خلاف نية القاضي بأن ادعى عليه دينارا قيمة متلف فأنكر فقال له القاضي: قل والله لا
يستحق علي دينارا، فقال له ذلك ونوى ثمن مبيع ونوى القاضي قيمة المتلف، أو قصد بالدينار اسم رجل. (وقوله: لا
يسمعه الحاكم) الجملة صفة لاستثناء، وضمير يسمعه يعود عليه. وهذا القيد زاده لأجل أن يكون الاستثناء من نحو
التورية لا للاحتراز، لأنه لو أسمعه للحاكم لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة أيضا، بل يعزره الحاكم كما في النهاية
ونصها: وخرج بحيث لا يسمعه ما لو سمعه فيعزره ويعيد اليمين: اه‍. (قوله: إن لم يظلمه خصمه) قيد في عدم دفع إثم
اليمين الفاجرة بذلك. (وقوله: أما من ظلمه خصمه الخ) محترز القيد المذكور. (قوله: كأن ادعى على معسر الخ) وكأن
يدعي على شخص أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه وسأله رده وهو إنما أخذه في دين له عليه، فأجابه بنفي الاستحقاق، فقال
المدعي للقاضي: حلفه أنه ما أخذ من مالي شيئا بغير إذني، وكان القاضي يرى إجابته لذلك، فحلف المدعى عليه أنه ما
أخذ شيئا من ماله بغير إذنه، ونوى بغير استحقاق فإنه ينفعه ذلك ولا إثم عليه. (قوله: أي تسليمه
الآن) أي ونوى تسليمه الآن لكونه معسرا. (قوله: فتنفعه التورية والتأويل) أي ولا يأثم بهما، والملائم لما قبله في الجواب أن يقول فلا إثم عليه
بهما. (قوله: لان خصمه ظالم) علة لكونه تنفعه التورية والتأويل حين إذ كان مظلوما. (وقوله: إن علم) أي أن المدين
معسر. (وقوله: أو مخطئ) معطوف على ظالم: أي أو أن خصمه مخطئ إن جهل ذلك. (قوله: فلو حلف إنسان الخ)
مرتب على ما يستفاد من قوله المار المستحلف، وهو اشتراط طلب الحاكم الحلف. إذ السين والتاء فيه للطلب كما في



(1) سورة آل عمران، الآية: 77.
(2) سورة آل عمران، الآية: 77.
364
التحفة. (وقوله: ابتداء) أي من غير أن يطلب منه أحد الحلف. (وقوله: أو حلفه غير الحاكم) أي كالمدعي. (قوله:
اعتبر نية الحالف) أي اعتمدت نيته فيعمل بها. (قوله: ونفعته التورية) أي فيتخلص بيمينه الموري فيها من استمرار
الخصومة. (قوله: وإن كانت) أي التورية حراما. (وقوله: حيث الخ) قيد في الحرمة. (قوله: واليمين يقطع الخصومة
الخ) أي يفيد قطع ذلك: أي قطع المطالبة بالحق. (وقوله: لا الحق) أي لا يقطع الحق: أي لا يفيد قطع الحق المدعى
به، وذلك للخبر الصحيح أنه (ص): أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه. أي كأنه علم كذبه - كما رواه الإمام أحمد
.
(قوله: فلا تبرأ الخ) مفرع على قوله إلا الحق. (وقوله: إن كان) أي الحالف كاذبا. (قوله: فلو حلفه) أي حلف الحاكم
المدعى عليه عند عدم البينة. (قوله: ثم أقام) أي ثم بعد حلفه أقام المدعى بينة: أي أو شاهدا واحدا ليحلف معه.
(قوله: حكم بها) أي بالبينة، ولغت يمين المدعى عليه لما علمت أنها لا تفيد البراءة من حق، وإنما تفيد قطع الخصومة
فقط. (قوله: كما لو أقر الخصم) أي بالحق للمدعي، فإنه يثبت بإقراره. (وقوله: بعد حلفه) أي بعدم الحق في ذمته
مثلا. (قوله: والنكول الخ) لا يخفى أنه غير مرتبط بما قبله، فكان الصواب أن يؤخره عنه قوله: بعد النكول الخ. وعبارة
المنهاج: وإذا نكل حلف المدعي وقضى له، ولا يقضي له بنكوله، والنكول أن يقول أنا نأكل، أو يقول له القاضي إحلف
فيقول لا أحلف. اه‍. (قوله: واليمين) مبتدأ خبره قوله كإقرار الخ. (وقوله: المردودة) أي من المدعى عليه، أو
القاضي على المدعي. (قوله: وهي) أي اليمين المردودة. (وقوله: بعد النكول) أي نكول المدعى عليه من اليمين.
(قوله: كإقرار المدعى عليه) ينبني على ذلك أنه لا يحتاج لحكم حاكم بعدها بالحق، ولا تسمع بعدها دعوى بمسقط
كأداء أو إبراء، لان الاقرار من المدعى عليه لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا يقبل الرجوع عنه، بخلاف ما لو جعلت كالبينة
فإنه يحتاج لذلك لاحتمال التزوير. وتسمع الدعوى بما ذكر لعدم إقرار المدعى عليه. اه‍ ش ق. (قوله: فلو أقام
المدعى عليه) هو بصيغة اسم المفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور. (وقوله: بعدها) أي اليمين المردودة. (وقوله:
بينة) مفعول أقام. (وقوله: بأداء أو إبراء) أي أو نحوهما من المسقطات. (وقوله:
لم تسمع) أي البينة. (وقوله: لتكذيبه) أي المدعى عليه، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله. (وقوله: لها) أي للبينة، والأولى إياها، لان المصدر
متعد بنفسه. (وقوله: بإقراره) أي التنزيل لأنه لم يحصل إقرار بالفعل، وإنما حلف المدعي بعد النكول وهو كالاقرار.
(قوله: وقال الشيخان في محل) أي في موضع آخر من كتبهما غير ما ذكراه هنا: أي في باب الدعوى. (قوله: وصحح
الأسنوي الأول) أي عدم السماع. (قوله: والبلقيني الثاني) أي وصحح البلقيني الثاني، أي السماع. (قوله: وقال
شيخنا الخ) عبارة التحفة: وصحح الأسنوي الأول، والبلقيني الثاني وبسط الكلام عليه، وتبعه الزركشي فصوبه لأنه
إقرار تقديري لا تحقيقي فلا تكذيب فيه. واعترض بأن ظاهر كلام الشيخين تفريع السماع على الضعيف أنها كالبينة:
وهو متجه، فالمعتمد ما في المتن الخ. اه‍. (وقوله: وهو) أي الاعتراض متجه. (وقوله: فالمعتمد ما في المتن) أي
من عدم سماعها.
(قوله: فرع) أي في بيان صفة كفارة اليمين واختصت من بين الكفارات بأنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء. ومعنى
كونها مخيرة ابتداء أنه يخبر المكفر فيها بين الاعتاق والاطعام والكسوة في ابتدائها، كما قال المؤلف: يتخير في كفارة

365
اليمين بين الخ، ومعنى كونها مرتبة انتهاء أنه لا ينتقل إلى الخصلة الرابعة التي هي الصوم إلا إذا عجز عن الخصال الثلاثة
كما قال، فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام، والراجح في سبب وجوبها عند الجمهور اليمين والحنث معا،
وللمكفر في غير صوم تقديمها على أحد سببيها كالزكاة، وليس له ذلك في الصوم لأنه عبادة بدنية، وهي لا تقدم على
وقت وجوبها بلا حاجة، بخلاف ما إذا كان ب‍ حاجة كما في الجمع بين الصلاتين تقديما. (قوله: يتخير) أي المكفر،
ويشترط فيه أن يكون حرا رشيدا، فإن كان رقيقا ولو مكاتبا فلا يتخير بين الثلاثة المذكورة، بل عليه الصوم فقط، لأنه لا
يملك، أو يملك ملكا ضعيفا. فلو كفر عنه سيده بغير إذنه لم يجز، وكذا بالصوم أيضا، ويجزئ بعد موته بالإطعام
والكسوة لأنه لا رق بعد الموت: وله في المكاتب أن يكفر عنه بهما بإذنه، كما أن للمكاتب أن يكفر بهما بإذن سيده. وإن
كان سفيها أو مفلسا فليس له التكفير إلا بالصوم. والكافر يخير بين الثلاثة ولا ينتقل عنها إلى الصوم إلا إذا عجز عنها.
وحينئذ يستقر الصوم في ذمته، ولا يصوم بالفعل إلا إذا أسلم. فلو أيسر بعد ذلك لم يلزمه الرجوع إلى غير الصوم من
الخصال الثلاث. (قوله: في كفارة اليمين) قد نظمها ابن رسلان في زبده بقوله:
كفارة اليمين عتق رقبة مؤمنة سليمة من معيبه
أو عشرة تمسكنوا قد أدى من غالب الأقوات مدا مدا
أو كسوة بما يسمى كسوه ثوبا قباء أو ردا أو فروة
وعاجز صام ثلاثا كالرقيق والأفضل الولاء وجاز التفريق
(قوله: بين عتق رقبة) هو عندنا أفضل من الاطعام ولو في زمن الغلاء، والمراد بالعتق الاعتاق، ولو عبر به لكان
أولى ليخرج ما لو اشترى من يعتق عليه بقصد العتق عن الكفارة كأصله وفرعه، فإنه لا يجزئه عنها لأنه مستحق العتق
بجهة القرابة، فلا ينصرف عنها إلى الكفارة. وعلم من ذلك أنه يشترط أن لا تكون الرقبة مستحقة للعتق بجهة أخرى غير
الكفارة فتخرج أم الولد، فلا يجوز إعتاقها عن الكفارة لأنها مستحقة للعتق بجهة أخرى. (وقوله: كاملة) أي فلا يجزئ
عتق نصف رقبة وإطعام خمسة أو كسوتهم، وكذلك لا يجزئ إطعام خمسة وكسوة خمسة. (وقوله: مؤمنة) أي قبل
العتق فلا تجزئ الكفارة ولا المؤمنة مع العتق. والمراد بالايمان فيها الاسلام، إذ المدار في إجراء الاحكام إنما هو
الاسلام، وأما الايمان بمعنى التصديق فأمر باطني لا اطلاع لنا عليه. (قوله: بلا عيب الخ) أي ويشترط أن تكون سليمة
من العيوب، لان المقصود من العتق تكميل حال الرقيق ليترفع لوظائف الأحرار، ولا يتفرغ لها إلا إن استقل بكفاية نفسه،
وإلا صار كلا، أي ثقلا على نفسه وعلى غيره، ولا يستقل بكفاية نفسه إلا السليم ولو بحسب الأصل، والظاهر، فيجزئ
صغير ولو ابن يوم، لان الأصل والظاهر من حاله السلامة، ومريض يرجى برؤه، فإن لم يبرأ تبين عدم الاجزاء على
الأصح. ولا يجزئ زمن، ولا هرم عاجز، ولا فاقد رجل أو خنصر وبنصر من يد، أو فاقد أنملتين من غيرهما، ولا فاقد
أنملة إبهام لتعطل منفعة اليد بذلك، بخلاف فاقد أنملة غير إبهام، أو أنملتين من الخنصر أو البنصر. وأما من كل منهما
فيضر، ويجزئ مقطوع الخنصر من يد والبنصر من يد أخرى. (قوله: يخل بالعمل) أي يضر بالعمل إضرارا بينا لكونه
عظيما بخلاف غير البين لكونه يسيرا، فيجزئ فاقد الانف، أو الاذنين، أو أصابع الرجلين، بخلاف فاقد أصابع اليدين.
ويجزئ الأخرس إذا كان له إشارة مفهمة، وفهم إشارة غيره، والأصم وهو فاقد السمع، والأعور الذي لم يضعف عورة
بصر عينه السليمة، والأعرج الذي يمكنه تتابع المشي بأن يكون عرجه يسيرا، والأقرع وهو الذي لا نبات برأسه. (وقوله:
أو الكسب) أو بمعنى الواو، والعطف للتفسير أو مرادف. (قوله: ولو نحو غائب) أي ولو كانت الرقبة غائبة، أو نحوها
كمرهونة ومغصوبة فإنه يجزئ إعتاقها. (وقوله: علمت حياته) أي نحو الغائب ولو بعد الاعتاق. (قوله: أو إطعام)
الأولى التعبير بالواو، لان مدخولها معطوف على مدخول بين وهي لا تدخل إلا على متعدد، والمراد بالإطعام التمليك،

366
وإنما عبر به اقتداء بالآية الشريفة وهي: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية، فلا يكفي أن يصنع لهم طعاما يغديهم
به أو يعشيهم. (وقوله: عشرة مساكين) لو ملكهم جملة الامداد كفى، كما لو ملكهم عشرة أثواب جملة فإنه يكفي،
بخلاف ما لو ملكهم ثوبا كبيرا يكفي العشرة، فلا يكفي وإن اقتسموه بعد ذلك، نعم لو قطعه عشرة قطع وأعطاه لهم كفى
بشرط أن تسمى كل قطعة كسوة. (قوله: كل مسكين مد) أي كل مسكين يعطى مدا، فلا يكفي دون مد لواحد منهم. ولو
أعطى العشرة أمداد لاحد عشر مسكينا لم يكف، لان كل واحد أخذ دون مد. (وقوله: حب) ليس بقيد، بل الضابط أن
يكون من جنس الفطرة بأن يكون من غالب قوت البلد من الأقوات المفصلة هناك. (وقوله: من غالب قوت البلد) أي بلد
المكفر إن كفر عن نفسه، فإن كفر عنه غيره فالعبرة بغالب قوت بلد المكفر عنه. (قوله: أو كسوتهم) يقال فيه ما تقدم،
والضمير يعود على العشرة مساكين، والمراد يدفع المكفر لكل واحد منهم ما يطلق عليه كسوة، وقد علمت أنه يجزئ أن
يدفع للعشرة مساكين عشرة أثواب جملة، ثم يقتسموها بينهم، بخلاف ما لو دفع ثوبا كبيرا وإن اقتسموه بعد ذلك، إلا إن
قطعه عشرة قطع بالشرط المتقدم. (وقوله: بما يسمى كسوة) أي بشئ يسمى كسوة مما يعتاد لبسه. (وقوله: كقميص)
لا يشترط فيه أن يكون صالحا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه
جديدا. فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته ولو كان مغسولا أو متنجسا، لكن يجب عليه أن يعلمهم بنجاسته، بخلاف
نجس العين فلا يجزئ، وبخلاف ما ذهبت قوته وهو الثوب البالي فلا يجزئ لضعف النفع به. (قوله: أو إزار) أو رداء
أو عمامة، وإن قلت كذراع. (قوله: لا خف) أي ونحوه من كل ما لا يسمى كسوة كقفازين ومنطقة - وهي ما يشد به
الوسط - وخاتم وتكة وتبان: وهو سروال صغير بقدر شبر لا يبلغ الركبة بل يغطي السوأتين كما يلبسه الملاحون، ودرع من
نحو حديد، ونعل وجورب وقلنسوة - وهي ما يغطى بها الرأس - وعرقية - وهي الطاقية المعروفة. وقول شيخ الاسلام في
شرح منهجه بأجزائها، محمول على أن المراد بها شئ آخر كالعراقة التي تجعل تحت البرذعة أو السرج، وهذا الحمل
وإن كان بعيدا أولى من إبقائه على ظاهره المخالف لكلام الأصحاب. ومما يبعد هذا الحمل المذكور كون العراقة
المذكورة لا تسمى كسوة للآدميين بل للدواب وقد قال تعالى: * (أو كسوتهم) * ولم يقل أو كسوة دوابهم. (قوله: فإن
عجز عن الثلاثة) أي عن كل واحد من الثلاثة، والمراد بالعجز ما يشمل الحسي، كأن لم يجد شيئا من الثلاثة رأسا،
والشرعي بأن وجد ذلك ولكن لم يملك ثمنه، أو ملكه ولكن يحتاج إليه لمؤنة نفسه أو ممونه، وليس من العجز الشرعي
وجود شئ من الثلاثة بأكثر من ثمن مثله كما في التيمم، بل يصبر إلى أن يجده بثمن مثله، وكذلك ليس منه ما لو غاب
ماله إلى مسافة القصر فيصير إلى أن يحضر ماله ويكفر به. (قوله: لزمه صوم ثلاثة أيام) أي بنية الكفارة، ويشترط تبييتها.
(قوله: ولا يجب تتابعها) أي لاطلاق الآية وهي: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) *. (قوله: خلافا لكثيرين) أي قالوا
بوجوب التتابع، واحتجوا بذلك بقراءة ابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات، والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل
بها، ولذلك أوجبوا قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى بقراءة: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) * مع كونها
قراءة شاذة، وأجاب الأولون بأن قراءة متتابعات نسخت تلاوة وحكما فلا يستدل بها، بخلاف آية السرقة فإنها نسخت
تلاوة لا حكما، والله سبحانه وتعالى أعلم.



(1) سورة المائدة، الآية: 89.
(2) سورة المائدة، الآية: 89.
(3) سورة البقرة، الآية: 196.
(4) سورة المائدة، الآية: 38.
367
باب في الاعتاق
هو لغة: السبق والاستقلال مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل. فكأن العبد إذا
فك من الرق تخلص واستقل وسبق غيره ممن لم يعتق. وشرعا: إزالة الرق عن آدمي كما سيذكره.
واعلم: أنه قد قام الاجماع على أن العتق بالقول قربة سواء المنجز والمعلق، وأما تعليقه فليس قربة إن قصد به
حث أو منع أو تحقيق خبر: كإن دخلت الدار فأنت حر، أو إن لم تسافر فأنت حر، أو إن لم يكن الخبر الذي أخبرتكم به
حقا فعبدي حر، فإن لم يقصد به ذلك كان قربة نحو: إن طلعت الشمس فأنت حر. وأما العتق بالفعل وهو الاستيلاد
فليس قربه لأنه متعلق بقضاء أو طار، إلا إن قصد به حصول عتق أو ولد فيكون قربة - والعتق بالقول من الشرائع القديمة
بدليل عتق ذي الكراع الحميري ثمانية آلاف، وكان ذلك في الجاهلية. وعتق أبي لهب ثويبة لما بشرته بولادة النبي (ص).
وأما العتق بالفعل فهو من خصوصيات هذه الأمة.
وأركانه ثلاثة: معتق وعتيق وصيغة. ويشترط في المعتق أن يكون حرا كله مختارا مطلق التصرف. وشرط في
العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع ذلك الحق بيعه بأن لم يتعلق به حق أصلا، أو تعلق به حق جائز كالمعار، أو
تعلق به حق لازم هو عتق كالمستولدة، أو تعلق به حق لازم غير عتق لا يمنع بيعه كالمؤجر، بخلاف ما تعلق به حق لازم
غير عتق يمنع بيعه كالمرهون فإن فيه تفصيلا: وهو أنه ينفذ من الموسر ولا ينفذ من المعسر. وشرط في الصيغة لفظ يشعر
بالعتق، أو إشارة أخرس، أو كتابة بنية. وهذه الأركان ما عدا العتيق مصرح بها في كلامه، وأما العتيق فمعلوم من كلامه
ضمنا. (قوله: هو) أي الاعتاق شرعا. (وقوله: إزالة الخ) المراد بالإزالة ما يشمل الزوال فدخل فيه العتق بالبعضية
وبالسراية، والعتق بالفعل، وهو الاستيلاد، وذلك لأنه ذكر ذلك كله في هذا الباب. (وقوله: عن الآدمي) خرج به غير
الآدمي كالطير والبهيمة، فلا يصح عتقهما لأنه كتسييب السوائب وهو حرام. نعم: لو أرسل مأكولا بقصد إباحته لمن
يأخذه لم يحرم، ولمن يأخذه أكله فقط، وليس له إطعام غيره منه على المعتمد كالضيف، فإنه لا يجوز له إطعام غيره لأنه
إنما أبيح له أكله دون غيره. (قوله: والأصل فيه) أي والدليل على مشروعية الاعتاق. (وقوله: قوله تعالى: * (فك
رقبة) *) أي من الرق أي وقوله تعالى: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * أي بالاسلام * (وأنعمت عليه) * أي بالعتق
كما قاله المفسرون. (قوله: وخبر الصحيحين) معطوف على قوله تعالى، أي والأصل فيه خبر الصحيحين. (وقوله:
أنه (ص) الخ) بدل من خبر الصحيحين. (وقوله: من أعتق رقبة) المراد بالرقبة الذات على سبيل المجاز المرسل، وإنما
عبر عنها بالرقبة لان الرق كالغل في الرقبة، فإن السيد يحبسه به كما يحبس الدابة بالحبل في رقبتها، فإذا أعتقه
فقد أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته. (وقوله: مؤمنة) التقييد به للغالب فلا مفهوم له. (وقوله: وفي رواية امرأ مسلما) أي



(1) سورة البلد، الآية: 13.
(2) سورة البلد، الآية: 13.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 37.
368
بدل قوله رقبة مؤمنة. (وقوله: حتى الفرج بالفرج) نص على ذلك لان ذنبه أقبح وأفحش، أو لأنه قد يختلف من المعتق،
والعتيق كعتق الرجل أمة، وكعتق المرأة رجلا. (قوله: وعتق الذكر أفضل) عبارة التحفة قبله: وصح خبر: أيما امرئ
مسلم أعتق لله امرأ مسلما كان فكا له من النار، وأيما امرء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكا له من النار. وبه يعلم
أن عتق الذكر أفضل: أي من عتق الأنثى. اه‍. (قوله: وروي أن عبد الرحمن الخ) عبارة التحفة قبله: ويسن الاستكثار
منه كما جرى عليه أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأكثر من بلغنا عنه ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله
عنه، فإنه جاء أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة، وعن غيره أنه أعتق في يوم واحد ثمانية آلاف عبد. اه‍. ويروى أن النبي (ص)
أعتق ثلاثة وستين نسمة وعاش ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتقت عائشة تسعا
وستين، وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرا، وأعتق العباس سبعين، وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين. (قوله:
وختمنا) أي الكتاب. (وقوله: كالأصحاب) أي أصحاب الإمام. (قوله: تفاؤلا) أي رجاء أن الله يعتقه من النار، وأيضا
ليناسب الختام الافتتاح، فالافتتاح بالعبادات، والختام بالعتق الذي هو أفضل القربات، وبين العبادة والقربة تناسب
واضح. (قوله: صح عتق) أي إعتاق. (وقوله: مطلق تصرف) أي من يجوز له أن يتصرف تصرفا مطلقا، بأن يكون بالغا
عاقلا رشيدا. (وقوله: له ولاية) أي على الرقيق بطريق الملكية، أو بطريق النيابة، ولا بد أن يكون حرا كامل الحرية،
وأن يكون مختار، فلا يصح من المكاتب والمبعض، ومن المكره بغير حق، أما إذا كان بحق فيصح كما لو اشترى العبد
بشرط العتق ثم امتنع من الاعتاق، فإذا أكرهه الحاكم عليه حينئذ صح لأنه إكراه بحق. (قوله: ولو كافرا) غاية في مطلق
التصرف: أي يصح العتق منه ولو كان كافرا. قال الشرقاوي: فيخفف عنه من عذاب غير الكفر بسببه. اه‍. (قوله: فلا
يصح) أي الاعتاق، وهو مفهوم القيود المندرجة تحت قوله: مطلق تصرف: أعني البلوغ والعقل والرشد، وإنما لم يصح
منهم لعدم صحة تصرفهم. (قوله: ومحجور بسفه) محل عدم صحة اعتاقه إذا كان بالقول المنجز، أما إذا كان بالفعل،
أو كان معلقا فينفذ منه. (وقوله: أو فلس) أي أو محجور عليه بفلس، ومحل عدم صحة إعتاقه أيضا إذا كان بالفعل أو
بالقول المنجز، أما إذا كان بالقول المعلق كالتدبير فيصح منه. أفاده البجيرمي. (قوله: ولا من غير مالك الخ) مفهوم قوله
له ولاية: أي ولا يصح العتق من غير مالك للعبد. (وقوله: بغير نيابة) أي من المالك، أما بالنيابة منه فيصح. (قوله:
بنحو أعتقتك الخ) الملائم لقوله بعد وبكناية أن يقول هنا بصريح عتق نحو أعتقتك الخ، وهذا شروع في بيان الركن
الثالث وهي الصيغة.
وحاصل الكلام عليها أنها تنقسم إلى صريح في العتق وإلى كناية فيه، والأول هو ما لا يحتمل غير العتق، وذلك
كمشتق تحرير وإعتاق وفك رقبة. كقوله أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو أعتقتك، أو أنت
فكيك الرقبة، أو مفكوك الرقبة، أو فككت رقبتك. ولو قال أعتقك الله، أو الله أعتقك، كان صريحا أيضا للقاعدة أن كل
ما استقل به الانسان إذا أسنده لله كان صريحا، وما لا يستقل به الانسان كالبيع إذا أسنده لله كان كناية. وقد نظمها بعضهم
في قوله:
ما فيه الاستقلال بالانشاء وكان مسندا لذي الآلاء
فهو صريح ضده كناية * فكن لذا الضابط ذا دراية
وحكم الصريح أنه لا يحتاج إلى نية الايقاع، لأنه لا يفهم منه غير العتق عند الاطلاق، فهو قوي في نفسه فلم
يحتج لتقويته بالنية. نعم: لو قال لمن اسمها حرة يا حرة ولم يقصد العتق بأن قصد النداء، أو أطلق لم تعتق. والثاني ما

369
احتمل العتق وغيره، وذلك كقول السيد لعبده: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان لي عليك، أو لا سبيل لي عليك، أو لا
خدمة لي عليك، أو أنت سائبة، أو أنت مولاي، أو أنت سيدي، أو أزلت ملكي أو حكمي عنك، ونحو ذلك مما هو
صريح أو كناية في الطلاق أو الظهار، لكن فيما هو صالح للعتق، بخلاف ما ليس بصالح له كقوله لعبده: إعتد، أو
استبرئ رحمك. وقوله لامته أنا منك طالق، فلا يقع به العتق وإن نواه. وحكم ما كان بالكناية أنه يقع به العتق إن نواه
وإن احتفت به قرينة، فلا تكفي عن النية، ويكفي قرن النية بجزء من الصيغة المركبة من المبتدأ والخبر مثلا - كما في
الطلاق بالكناية.
(قوله: كفككتك الخ) تمثيل لنحو أعتقتك. (قوله: وبكناية) معطوف على نحو الخ. (وقوله: مع نية) أي للعتق،
وذلك لاحتمال اللفظ غير العتق. (قوله: كلا ملك الخ) أي لكوني أعتقتك، ويحتمل لكوني بعتك. (وقوله: لي عليك)
مرتبط بكل من قوله لا ملك وقوله لا سبيل. (قوله: أو أزلت ملكي عنك) أي بالعتق، ويحتمل البيع. (قوله: وأنت
مولاي) إنما كان كناية لاشتراكه بين المعتق والعتيق، قال الشاعر:
وهل يتساوى سادة وعبيدهم على أن أسماء الجميع موالي
(قوله: وكذا يا سيدي) أي وكذلك هو كناية. (وقوله: على المرجح) أي عند غير القاضي والغزالي. وعبارة
المغني.
تنبيه: لو قال لعبده يا سيدي، هل هو كناية أو لا؟ وجهان رجح الامام أنه كناية، وجرى عليه ابن المقري، وهو
الظاهر. ورجح القاضي والغزالي أنه لغو لأنه من السؤدد، وتدبير المنزل، وليس فيه ما يقتضي العتق. اه‍. وفي التحفة:
وهل أنت سيدي كذلك، أو يقطع فيه بأنه كناية؟ كل محتمل. اه‍.
(قوله: وقوله) أي المالك مخاطبا لعبده في المثال الأول، ومخاطبا لغيره في بقية الأمثلة. (وقوله: إعتاق) أي
صريحا كما يدل عليه قوله بعد: أو يا ابني كناية، وهو خبر عن قوله أنت الخ. (قوله: إن أمكن من حيث السن) أي إن
أمكن أن يكون الرقيق ابنه، أو بنته، أو أباه، أو أمه، من حيث السن. قال ع ش: وإلا أي وإن لم يمكن ذلك كان لغوا.
اه‍. (قوله: وإن عرف نسبه) أي نسب الرقيق لغير المدعي. (قوله: مؤاخذة له بإقراره) تعليل لكون قوله المذكور
إعتاقا: أي يعتق عليه به، وإن عرف نسبه لغيره مؤاخذة له بإقراره، قال ع ش: أي فيعتق ظاهرا لا باطنا. وينبغي أن محله
حيث قصد به الشفقة والحنو، فلو أطلق عتق ظاهرا وباطنا. اه‍. (قوله: أو يا ابني الخ) الأولى التعبير بالواو كما في
التحفة: أي وقوله: يا ابني بالنداء كناية. (قوله: فلا يعتق في النداء) الأولى الاضمار بأن يقول: فلا يعتق فيه، أي في
قوله يا ابني. (وقوله: إلا إن قصد به العتق) أي فإنه يعتق عليه. (وقوله: لاختصاصه) أي النداء، وهو علة لعدم العتق ألا
بالقصد (قوله: كما صرح به) أي بالمذكور كله من قوله أنت ابني الخ، لكن قوله: فلا يعتق في النداء الخ في شرح
الارشاد لا في التحفة، ونص عبارة الأول: ويعتق أيضا بقوله أنت ابني، أو أنت بنتي، أو أنا أبوك، فيما يظهر إذا كان ذلك
خطابا لممكن، كونه قنه لصغر سنه، وإن لم ينو بذلك عتقه. أو كان بالغا وكذبه في أنه ابنه وعرف كذب السيد فيه، لكون
القن معروف النسب من غير مؤاخذة له بإقراره، ويؤخذ من ذلك أن عتقه بذلك إنما هو في الظاهر دون الباطن إن لم يكن
فيه ابنه، وهو محتمل، والأوجه كما بينته في الأصل أن ما ذكر لا يجري في النداء، بل لا يعتق به إلا إن قصد به العتق
لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثيرا للملاطفة وحسن العشرة. اه‍. (قوله: وليس من لفظ الاقرار به) أي بالعتق.

370
(وقوله: لا عتق لعبد فلان) الذي يظهر أن اللام الأولى لام الابتداء، ومدخولها فعل مضارع. واللام الثانية زائدة،
ومدخولها مفعوله. (وقوله: لأنه لا يصلح موضوعه الخ) علة لكون اللفظ المذكور ليس إقرارا بالعتق: أي وإنما لم يكن
إقرارا به لان موضوعه: أي لفظ أعتق لا يصلح لاقرار به، ولا لإنشائه، بل هو للوعد به، إذ صيغة الاستقبال تفيد ذلك،
وأنت خبير بأن قياس قولهم في البيع أن صيغة المضارع كناية فيه لاحتمالها الوعد والانشاء أن يكون هنا كذلك فليراجع.
(قوله: ولو بعوض) غاية لقوله صح عتق الخ. (وقوله: أي معه) أفاد به أن الباء بمعنى مع: أي يصح العتق بما ذكر ولو مع
عوض: أي ملتزم في ذمة الرقيق يؤديه بعد العتق، فلا يصح أن يكون معينا كهذا الثوب، إذ لا ملك له قبل العتق. (قوله:
فلو قال) أي السيد لعبده. (وقوله: أعتقتك على ألف) أي في ذمتك تؤديني إياها بعد العتق كما عرفت. (قوله: أو بعتك
نفسك بألف) عبارة المنهاج مع شرح ابن حجر، ولو قال بعتك نفسك بألف في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق،
فقال: اشتريت، فالمذهب صحة البيع كالكتابة، بل أولى لان هذا ألزم وأسرع، ويعتق في الحال وعليه ألف عملا
بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه. وخرج بقوله بألف قوله بهذا فلا يصح لأنه لا يملكه، والولاء للسيد
لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع. اه‍. (قوله: فقبل) أي العبد. (وقوله: فورا) قيد لأنه بيع في المعنى، وهو يشترط فيه
الفورية بين الايجاب والقبول كما تقدم. (قوله: عتق) أي العبد.
واعلم: أن عتق يستعمل لازما كما هنا، ويستعمل متعديا كما في قولك عتقت عبدي، وقد تدخل عليه الهمزة
فيقال أعتق وهو حينئذ متعد لا غير.
(قوله: ولزمه الألف) أي لزم الرقيق أداء الألف التي التزمها في ذمته للسيد. قال في التحفة ولا حط هنا لضعف
شبهه بالكتابة. اه‍. (وقوله: في الصورتين) أي قوله: أعتقتك على ألف، وقوله: بعتك نفسك بألف. (قوله: والولاء
للسيد) أي لعموم خبر الصحيحين: إنما الولاء لمن أعتق. (وقوله: فيهما) أي في الصورتين. (قوله: ولو أعتق حاملا)
شمل إطلاقه ما لو قال لها أنت حرة بعد موتي، فإنها تعتق مع حملها على الأصح، ولو عتقت بعد خروج بعض الولد منها،
سري إليه العتق كما في الروضة، وأصلها في باب العدد. (قوله: مملوكة له) أي للمعتق. (وقوله: هي) توكيد للضمير
المستتر. (وقوله: وحملها) بالرفع معطوف على الضمير المستتر، وساغ ذلك لوجود شرطه وهو الفصل بالضمير
المنفصل. كما قال ابن مالك:
وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما الخ
(قوله: تبعها) أي ما لم يكن في مرض الموت، ولم يحتملهما الثلث، فإن كان كذلك فإن الحمل لا يتبعها، كما
نقله سم عن البرلسي. اه‍. بجيرمي. (قوله: وإن استثناه) أي استثنى الحمل في صيغة العتق بأن قال: عتقتك دون
حملك، فإنه يتبعها فيه. ولقوة العتق لم يبطل بالاستثناء، بخلافه في البيع كما مر. (قوله: لأنه) أي الحمل، وهو علة
للتبعية: أي وإنما تبعها فيه لأنه كالجزء منها، فعتقه بالتبعية لا بالسراية، لان السراية إنما تكون في الأشقاص كالربع لا
في الاشخاص. (قوله: ولو أعتق الحمل) أي فقط. (وقوله: عتق إن نفخت فيه الروح) أي لأنه يشترط في العتيق أن
يكون آدميا. قال في المغني، تنبيه: محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح، فإن لم تنفخ فيه الروح كمضغة كأن قال
أعتقت مضغتك فهو لغو. اه‍. (وقوله: دونها) أي دون الأمة الحامل: أي فلا تتبعه في العتق، لان الأصل لا يتبع الفرع.

371
(قوله: ولو كانت لرجل الخ) مفهوم قوله مملوكة له هي وحملها. (وقوله: بنحو وصية) تصوير لكون الحمل يكون
لشخص وأمة لآخر: أي يتصور ذلك بما إذا أوصى شخص بالحمل لشخص غير الوارث ومات فيكون الحمل ملكا
للموصى له، والام للوارث. واندرج تحت نحو الوصية الوقف. (قوله: لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) أي لأنه لا استتباع
مع اختلاف المالكين، ولا تتأتى السراية لما مر أن السراية إنما تكون في الأشقاص لا في الاشخاص. (قوله: أو أعتق
مشتركا) شروع في العتق بالسراية. (وقوله: بينه) أي المعتق. (وقوله: وبين غيره) هو الشريك. (قوله: أي
كله) أي أعتق كل المشترك بأن قال له أنت حر. (قوله: أو أعتق نصيبه) أي أو لم يعتقه كله بل أعتق نصيبه: أي حصته من العبد
المشترك بأن قال نصيبي منك حر، أو نصفك حر، وهو يملك نصفه. (قوله: عتق نصيبه) أي فقط، وهو جواب لو المقدرة
قبل قوله: أعتق مشتركا. (وقوله: مطلقا) أي موسرا كان أو معسرا في صورة عتقه كله، وفي صورة عتقه نصيبه فقط،
وذلك لأنه يملك التصرف فيه. (قوله: وسرى الاعتاق الخ) أي لخبر الصحيحين: من أعتق شركا له في عبد وكان له
مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق.
(قوله: من موسر) المراد به هنا الموسر بنصيب شريكه فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس من قوت ممونه يومه وليلته،
ومن سكنى يومه، ومن دست ثوب يليق به - كما مر - اه‍. بجيرمي. (وقوله: لا معسر) أي لا يسري الاعتاق من معسر
بنصيب شريكه، فيبقى الباقي بعد الاعتاق رقيقا للشريك. (قوله: لما أيسر به) متعلق بسرى، أي سرى لما أيسر بقيمته.
(وقوله: من نصيب الخ) بيان لما. (قوله: ولا يمنع السراية دين) أي لو كان المعتق مدينا فلا يمنع الدين المستغرق
لجميع ما عنده السراية، لأنه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه، ولهذا لو اشترى عبدا وأعتقه نفذ. (وقوله: بدون حجر)
أي لا يمنع الدين السراية عليه إذا كان غير محجور عليه، فإن كان محجورا عليه منع السراية. ويشترط أن يكون الحجر
بفلس، أما إذا كان بسفه فلا يمنع كما في المغني. وعبارته بعد قول الأصل: ولا يمنع السراية دين مستغرق.
تنبيه: هذا إذا كان من يسري عليه غير محجور عليه، فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ثم
وجدت حال الحجر فلا سراية، وفي نظيره في حجر السفه يعتق عليه. والفرق أن المفلس لو نفذنا عتقه أضررنا بالغرماء
بخلاف السفيه. اه‍.
(قوله: وإستيلاد) مبتدأ خبره جملة يسري. (وقوله: الموسر) بالجر صفة لاحد الشريكين. وخرج به المعسر فلا
يسري إستيلاده، وينعقد الولد مبعضا لا حرا. (وقوله: كالعتق) أي كسريانه كما مر. (قوله: وعليه قيمة نصيب شريكه)
هذا مرتبط بصورة الاعتاق وصورة الاستيلاد، فضمير عليه يعود على المذكور من المعتق والمستولد: يعني أنه يسري
الاعتاق إلى ما أيسر به، وعليه قيمة نصيب شريكه. ويسري الاستيلاد إلى حصة شريكه، وعليه قيمة ذلك. قال
البجيرمي: وهو يفيد أن الواجب قيمة ما أيسر به لا حصة ذلك من قيمة الجميع، فإذا أيسر بحصة شريكه كلها، فالواجب
قيمة النصف لا نصف القيمة. عميرة. سم. والمراد بقيمة النصف قيمته منفردا عن النصف الآخر، والمراد بنصف القيمة
نصف قيمة جميعه بأن يقوم جميعه. اه‍. (قوله: وحصته من مهر المثل) هذا مرتبط بالصورة الثانية فقط. أي وعليه
لشريكه حصته من مهر المثل. وعبارة المنهج مع شرحه: وعليه لشريكه في المستولدة حصته ومن مهر مثل مع أرش بكارة
إن كانت بكرا، هذا إن تأخر الانزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا فلا يلزمه حصة مهر، لان الموجب له تغييب
الحشفة في ملك غيره وهو منتف. اه‍. وقوله: مع أرش بكارة: أي مع حصته من أرش بكارة، وينبغي أن محله إن تأخر

372
الانزال عن إزالتها كما هو الغالب، وإلا فلا يجب لها أرش. ولعله لم ينبه عليه لبعد العلوق من الانزال قبل زوال البكارة.
اه‍. بجيرمي. (قوله: لا قيمة الولد) أي ليس عليه لشريكه قيمة الولد، وذلك لان أمه صارت أم ولد حالا فيكون العلوق
في ملك الوالد فلا تجب القيمة. (وقوله: أي حصته) أفاد به أن هنا مضافا مقدرا بين المتضايفين هو ما ذكر: أي لا قيمة
حصة الشريك من الولد، ولو قال من أول الأمر لا قيمة حصة الولد لكان أخصر. (قوله: ولا يسري التدبير) يعني إذا دبر
أحد الشريكين نصيبه من العبد كأن قال: إن مت فنصيبي منك حر، فلا يسري التدبير لنصيب شريكه لأنه ليس إتلافا،
بدليل جواز بيع المدبر، فبموت السيد يعتق ما دبره فقط، لان الميت معسر، ومثل التدبير المعلق عتقه بصفة.
واعلم: أنه يشترط للسراية أمور: أحدها: اليسار كما علم مما مر. ثانيها: أن يتسبب في إعتاقه باختياره ولو بنائبه،
كشرائه جزء أصله أو فرعه فإنه يسري إلى الباقي لأنه تسبب فيه باختياره، وإن عتق عليه قهرا في هذا المثال، بخلاف ما لو
ورث جزء أصله أو فرعه، فإن يعتق عليه ذلك الجزء ولا يسري إلى الباقي، لان سبيل السراية سبيل ضمان المتلفات، ولم
يوجد منه إتلاف، ولا قصد. ثالثها: أن يكون المحل قابلا للنقل، من شخص إلى آخر، فلا سراية في نصيب حكم
بالاستيلاد فيه بأن استولد الأمة أحد الشريكين وهو معسر، فيحكم بالاستيلاد في نصيبه فقط، فإذا أعتق الآخر نصيبه عتق
فقط، ولا سراية إلى الحصة الموقوفة، أو المنذور إعتاقها. رابعها: أن يعتق نصيبه فقط، أو جميعه، فيعتق بذلك نصيبه
ثم يسري العتق إلى نصيب شريكه، فلو أعتق نصيب شريكه لغا لأنه لا ملك ولا تبعية.
(قوله: ولا ملك الخ) شروع في الملك بالبعضية، والمراد بالملك ما يشمل القهري كالإرث، والاختياري
كالشراء والهبة والوصية. (وقوله: شخص) أي حر كله، ولو كان غير رشيد: كصبي ومجنون وسفيه، خلافا لقول
المنهاج: إذا ملك أهل تبرع الخ، فتقييده بأهل التبرع غير معتبر كما نبه عليه في شرح المنهج. (قوله: من أصل أو فرع)
أي من النسب، أما من الرضاع فإنه لا يعتق عليه. (وقوله: وإن بعد) أي لا فرق في كل من الأصل أو الفرع بين أن يبعد
أو يقرب من المشتري مثلا. ولا فرق أيضا بين أن يتحد الدين أو يختلف، وذلك لأنه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من
ذكر. (قوله: عتق عليه) أي على مالكه بشرط أن يكون حرا كله - كما علمت - فيخرج المكاتب والمبعض، فلو ملك كل
واحد منهما أصله أو فرعه فلا يعتق عليه لتضمنه الولاء، وهما ليسا من أهله، وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته، لأنه أهل
للولاء حينئذ لانقطاع، الرق عنه بالموت، لأنه لا رق بعد الموت. (قوله: لخبر مسلم) هو قوله (ص): لن يجزي ولد
والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه. وقوله: فيعتقه: بالرفع وضميره المستتر يعود على الشراء: أي يعتقه نفس
الشراء، وليس المراد أن الولد يعتقه بإنشائه العتق، وهذا الخبر دليل لعتق الأصل على الفرع، ويدل له أيضا قول الله
تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق. ويدل لعتق الفرع على
الأصل قوله تعالى: * (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) *.
وقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) * فدل ذلك على نفي اجتماع العبدية والولدية.
(قوله: وخرج بالبعض غيره) أي من سائر الأقارب كالاخوة والأعمام، فإنهم لا يعتقون بالملك لأنه لم يرد فيهم نص،
وأما خبر: من ملك ذا رحم فقد عتق عليه فضعيف، بل قال النسائي إنه منكر. (قوله: فلا يعتق) أي غير البعض بملك،
بل حكمه حكم الأجنبي.
واعلم: أنه لا يصح شراء الولي لصبي أو مجنون أو سفيه من يعتق عليه، لأنه إنما يتصرف بالمصلحة، ولا مصلحة
له في ذلك لأنه يعتق عليه، وفي تضييع مال عليه، وأما لو وهب لمن ذكر من يعتق له، أو وصى له به، فإن لم تلزمه نفقته



(1) سورة الإسراء، الآية: 24.
(2) سورة مريم، الآية: 93.
(3) الأنبياء، الآية: 26.
373
كأن كان معسرا، أو فرعه الموهوب له كسوبا فعلى الولي قبوله، ويعتق على المولى لانتفاء الضرر عنه. وحصول الكمال
لاصله أو فرعه وإن لزمته نفقته، فليس للولي قبوله، ولا يصح لو قبل، لحصول الضرر للمولى.
(قوله: ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي الخ) شروع في بيان أحكام التدبير من كون المدبر يعتق بعد وفاة سيده من
ثلث ماله، وجواز بيعه في حياته وغير ذلك، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة، والتدبير لغة النظر في العواقب والتأمل
فيها، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: التدبير نصف المعيشة. وشرعا: تعليق المالك عتق رقيقه بموته وسمي بذلك
لان السيد دبر نفسه في الدنيا باستخدام الرقيق، وفي الآخرة بعتقه. والأصل فيه قبل الاجماع خبر الصحيحين: أن رجلا
دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي (ص) في دين كان عليه. فتقريره (ص) له حيث لم ينكر عليه يدل على جوازه، ولا
ينافي ذلك بيعه لان ذلك يدل على جواز الرجوع عنه بالبيع ونحوه.
وأركانه ثلاثة مدبر وهو المالك، ومدبر - بفتح الباء - وهو الرقيق، وصيغة، وكلها تعلم من كلامه، ضمنا. وشرط
في الأول: بلوغ وعقل واختيار، فلا يصح من صبي ومجنون ومكره، ويصح من سفيه ومفلس ومبعض وسكران لأنه
مكلف حكما، وكافر ولو حربيا، وأما المرتد فتدبيره موقوف، فإن أسلم بانت صحته، وإن مات مرتدا بان بطلانه.
وللحربي حمل مدبره الكافر الأصلي إلى دار الحرب بخلاف المسلم والمرتد، لبقاء علقة الاسلام فيه وشرط في الثاني
كونه غير أم ولد، فلا يصح تدبير أم الولد لأنها تستحق العتق بجهة أخرى أقوى من التدبير، فإنها تعتق من رأس المال،
والمدبر يعتق من الثلث. وشرط في الثالث: وهو الصيغة لفظ يشعر بالتدبير، أو كتابة بالنية، أو إشارة أخرس مفهمة.
واللفظ إما صريح وهو ما لا يحتمل غير التدبير كقوله: إذا مت فأنت حر كما سيذكره، وكقوله: دبرتك، أو أنت مدبر، وإن
لم يقل بعد موتي، وإما كناية وهي ما يحتمل التدبير وغيره كخليت سبيلك، أو حبستك بعد موتي فيهما، وكقوله إذا مت
فأنت حرام، أو مسيب.
(قوله: أو أعتقتك بعد موتي) أي أو حررتك، أو أنت حر بعد موتي، ولا بد من التلفظ ببعد موتي وإلا عتق حالا.
(قوله: وكذا إذا مت) أي ومثل أنت حر بعد موتي الخ إذا مت فأنت حرام أو مسيب، لكن في هاتين الصورتين لا بد من نية
التدبير لأنهما من الكناية، كما أفاده بقوله مع نية. (قوله: فهو مدبر) جواب من إن كانت شرطية، وخبرها إن كانت
موصولة. (قوله: يعتق بعد وفاته الخ) أي وحكم المدبر أنه يعتق كله بعد وفاة السيد من ثلث ماله، وإن وقع التدبير في
الصحة. ومحل كونه يعتق كله إن خرج كله من الثلث، فإن لم يخرج كله من الثلث عتق منه بقدر ما خرج من الثلث
كالنصف إن لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فإنا أجازوا عتق كله، والحيلة في عتق الجميع وإن لم يخرج من الثلث، وإن
لم يكن هناك مال سواه أن يقول في حال صحته: إن مرضت فهذا الرقيق حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة فهو حر
قبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم عتق من رأس المال، ولا سبيل لاحد عليه، لكن ليس هذا من التدبير
كما هو ظاهر. (وقوله: بعد الدين) أي محل كونه يعتق من الثلث بعد وفاء الدين، فإن استغرق الدين التركة لا يعتق منه
شئ. (قوله: وبطل أي التدبير بنحو بيع) أي من كل مزيل للملك كالوقف والهبة المقبوضة، وجعله صداقا، وبطل
بإيلاد لمدبرته أيضا، لأنه أقوى من التدبير، بدليل أنه لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين. (قوله: فلا يعود) أي إلى
التدبير. (وقوله: وإن ملكه) لا معنى للغاية، فلو حذف الواو وجعله قيدا لما قبله لكان أولى. وعبارة متن المنهاج: فلو
باعه ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب. اه‍. وإنما لم يعد التدبير حينئذ، لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يعد.
(قوله: ويصح بيعه) أي المدبر، لأنه (ص) باع المدبر كما مر في حديث الصحيحين السابق. ويشترط أن يكون البائع له
جائز التصرف، وخرج غيره كالسفيه، فإنه لا يصح بيعه وإن صح تدبيره، ومثل البيع سائر التصرفات فتصح منه فيه، ولعل
الشارح اقتصر على البيع لأنه الوارد في الحديث، ويقاس غيره عليه. (قوله: لا برجوع الخ) أي لا يبطل التدبير بالرجوع

374
عن التدبير لفظا كسائر التعليقات. (قوله: ولا بإنكار للتدبير) أي ولا يبطل أيضا بإنكاره التدبير، فليس إنكاره رجوعا
عنه، كما أن إنكار الردة ليس إسلاما، وإنكار الطلاق ليس رجعة، ولا يبطل التدبير أيضا بردة السيد، ولا بردة المدبر،
صيانة لحق المدبر عن الضياع، فيعتق بموت السيد وإن كانا مرتدين. (قوله: ويجوز له وطئ المدبرة) أي للسيد أن يطأ
مدبرته لبقاء ملكه فيها كالمستولدة، مع أنه لم يتعلق بها حق لازم. ولا يكون وطؤه لها رجوعا عن التدبير لأنه قد يؤدي إلى
العلوق المحصل لمقصود التدبير وهو عتقها، بخلاف نحو البيع. فإن أولدها بطل تدبيره كما مر. (قوله: ولو ولدت
مدبرة ولدا) أي حملت به بعد التدبير. (وقوله: من نكاح) بأن زوجها سيدها. (قوله: لا يثبت للولد حكم التدبير) أي
لأنه عقد يقبل الرفع، فلا يسري للولد الحادث بعده كالرهن، بخلاف الاستيلاد. وفي سم ما نصه: قال في شرح
الارشاد: وقيل يلحقه التدبير، ونقله في الشرح الصغير عن ترجيح الأكثرين، وبه قال الأئمة الثلاثة، وانتصر له الزركشي
بأنه قياس تبع الولد للام في نذر الهدي والأضحية. ويرد بأن النذر لازم فيقوى على الاستتباع الحادث بخلاف التدبير
فإنه جائز فلم يقو على ذلك. اه‍. (قوله: فلو كانت حاملا الخ) مفرع على مفهوم قوله ولدت. وعبارة التحفة: وخرج
بولدت ما لو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما. اه‍. قال سم: حاصل المسألة أنها إذا كانت حاملا في أحد
الوقتين وقت التدبير ووقت الموت دون الآخر أو فيهما معا تبعها الولد، وإلا فلا. اه‍. (قوله: ولو دبر حاملا) أي يملكها
هي وحملها، سواء كان حملها من زنا أو من زوج، ويعرف وجوده عند التدبير بوضعه لدون ستة شهر منه، فإن وضعته
لأكثر من أربع سنين لم يتبعها، وإن ولدته لما بينهما، فإن كان لها زوج يفترشها فلا يتبعها، وإن كانت ليست كذلك تبعها.
أفاده البجيرمي نقلا عن زي. (قوله: إن لم يستثنه) أي إن لم يستثن السيد الحمل عند تدبير الام، بأن قال لها أنت مدبرة،
فإن استثناه بأن قال لها أنت مدبرة دون حملك، لم يتبعها في التدبير. ويفرق بينه وبين ما مر في العتق بقوته وضعف
التدبير. ومحل ذلك إن ولدته قبل موت السيد وإلا تبعها، لان الحرة لا تلد إلا حرا: أي غالبا. أفاده في التحفة. (قوله:
وإن انفصل الخ) غاية لثبوت التدبير له: أي يثبت التدبير للحمل تبعا، سواء انفصل قبل موت سيدها أم لا. (قوله: لا إن
أبطل الخ) أي لا يثبت التدبير للحمل إن أبطل السيد تدبيرها قبل انفصاله. كأن باعها، أو وهبها، أو جعلها صداقا.
وخرج بقبل انفصاله ما لو أبطل تدبيرها بعد انفصاله، فإنه لا يبطل تدبيره. ولو بطل تدبيرها قبل انفصاله فإنه لا يبطل تدبيره
أيضا إن عاش، وهو نادر. (قوله: والمدبر كعبد في حياة السيد) يعني أن حكم المدبر في حال حياة السيد حكم العبد
القن، فتكون أكسابه التي اكتسبها في حال حياته للسيد بخلاف التي اكتسبها بعد موته. (قوله: ويصح تدبير مكاتب
وعكسه) أي كتابة المدبر فيصير فيهما مدبرا مكاتبا، ويعتق بالأسبق من موت السيد، أو أداء النجوم. (قوله: كما يصح
تعليق عتق مكاتب) أي وعكسه وهو كتابة المعلق عتقه بصفة، ويعتق في ذلك بالأسبق من وجود الصفة المعلق عليها، أو
أداء النجوم. (قوله: ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه) أي في المال الذي وجد تحت يده. (وقوله: وقال كسبته الخ)
أي واختلف هو والوارث فقال المدبر: كسبته بعد الموت فهو ملكي، وقال الوارث: بل كسبته قبله فهو ملكي، لان
الاكساب الحاصلة منه حال حياة السيد لسيده، فإذا مات انتقلت للوارث. (قوله: لان اليد له) علة لتصديق المدبر: أي
وإذا كان كذلك فيرجع بيده، وكذلك تقدم بينته على بينة الوارث إذا أقاما بينتين لاعتضاد بينته بيده، وهذا بخلاف ما لو
ادعت المدبرة أنها ولدت بعد موت السيد فيكون حرا، وادعى الوارث أنها ولدته قبله فيكون رقيقا، فإن القول قول الوارث
بيمينه، لأنها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد، والفرض أنها حملت به بعد التدبير حتى يظهر الاختلاف المذكور،

375
لأنها لو كانت حاملا به حين التدبير كان مدبرا تبعا لها كما مر. (قوله: الكتابة الخ) شروع في بيان أحكام الكتابة
كاستحبابها إذا سألها العبد وكان أمينا مكتسبا، ولزومها من جهة السيد، وجوازها من جهة المكاتب. وقد أفردها الفقهاء
بترجمة مستقلة. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم
فيهم خيرا) *. أي أمانة وكسبا، كما فسره الشافعي رضي الله عنه بذلك. وخبر: من أعان غارما، أو غازيا، أو مكاتبا
في فك رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وخبر: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. رواه أبو داود وغيره.
والحاجة داعية إليها لان السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا، والعبد لا يتشمر للكسب تشمره إذا علق عتقه بالتحصيل
والأداء، ولفظها إسلامي لم يعرف في الجاهلية.
وأركانها أربعة: مكاتب - بكسر التاء الفوقية - وهو السيد، ومكاتب - بفتح التاء - وهو الرقيق، وعوض، وصيغة.
وشرط في الأول كونه مختارا أهل تبرع وولاء، لان الكتابة تبرع وآيلة للولاء، فتصح من كافر أصلي وسكران، لا من مكره، ولا من
صبي ومجنون، ومحجور سفه أو فلس، ولا من أوليائهم، ولا من مبعض ومكاتب وإن أذن له سيده لأنهما
ليسا أهلا للولاء، ولا من مرتد لان ملكه موقوف، والعقود لا توقف على الجديد. وشرط الثاني اختيار وتكليف، وأن لا
يتعلق به حق لازم، بخلاف المكره والصبي والمجنون كسائر عقودهم، ومن تعلق به حق لازم لأنه إما معرض للبيع
كالمرهون، والكتابة تمنع منه. أو مستحق المنفعة كالمؤجر فلا يتفرع لاكتساب ما يوفي به النجوم. وشرط في الثالث أن
يكون مالا معلوما ولو منفعة في الذمة مؤجلا إلى أجل معلوم منجما بنجمين فأكثر. وشرط في الرابع - وهو الصيغة - أن
يكون لفظا يشعر بالكتابة، أو كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة. واللفظ إما إيجاب كقوله: كاتبتك، أو أنت مكاتب على
دينارين تدفعهما إلي في شهرين، فإذا أديتهما إلي فأنت حر، وإما قبول كقول العبد قبلت ذلك. وسيذكر المؤلف بعض
هذه الأركان معنونا عنه بلفظ الشرط، وبقيتها تؤخذ من كلامه ضمنا.
(قوله: شرعا عقد الخ) أي وأما لغة: فهي الضم والجمع، وسمي المعنى الشرعي بها لان فيه ضم نجم إلى نجم،
وللعرف الجاري بكتابة ما تضمنه العقد في كتاب. (قوله: بلفظها) أي الكتابة. (قوله: معلق) بالجر صفة لعتق. (وقوله:
بمال) أي بأدائه. (قوله: منجم بنجمين) أي مؤقتا بوقتين، ويطلق النجم على القدر الذي يؤدي في وقت معين. (قوله:
وهي) أي الكتابة. (وقوله: سنة) أي بالشروط الآتية. (قوله: لا واجبة) صرح به مع علمه مما قبله توطئة للغاية بعده.
(قوله: وإن طلبها الرقيق) غاية لعدم الوجوب لا للسنية، وهي للرد على من قال بوجوبها إذا طلبها الرقيق تمسكا بقوله
تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) * الآية، فحمل الامر على الوجوب، والجمهور حملوه
على الندب قياسا على التدبير وشراء القريب الذي يعتق عليه ونحو ذلك، فلا تجب الكتابة وإن سألها الرقيق لئلا يتعطل
أثر الملك وتستحكم المماليك على الملاك. (قوله: كالتدبير) أي قياسا على التدبير في عدم وجوبه: أي ونحوه مما مر
آنفا. (قوله: بطلب الخ) ذكر للسنية قيودا ثلاثة: وهي الطلب، والأمانة، والاكتساب، فإن فقد واحد منها كانت مباحة
كما سيذكره. وقال بعضهم: الطلب ليس قيدا للاستحباب وإنما هو قيد لتأكدها، فإن لم يطلبها فهي مسنونة من غير
تأكد، بخلاف الشرطين فهما للاستحباب، فإن فقد أحدهما كانت مباحة. (وقوله: عبد) المراد به الرقيق ولو أنثى.
(وقوله: أمين) أي فيما يكسبه بحيث لا يضيعه في معصية، فالمدار على كونه لا يضيع المال وإن لم يكن عدلا في دينه
لترك صلاة ونحوها، وإنما اعتبرت الأمانة في ذلك لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق. (وقوله: مكتسب بما يفي مؤنته
ونجومه) أي قادر على كسب ما يفي بذلك، وإنما اعتبرت القدرة على ذلك ليوثق بتحصيل النجوم. (قوله: وشرط في



(1) سورة النور، الآية: 33.
376
صحتها) أي الكتابة. (وقوله: لفظ) أي أو إشارة أخرس مفهمة، أو كتابة مع النية كما مر. واللفظ إما صريح أو كناية كما
تقدم، فمن الصريح ما ذكره بقوله كاتبتك الخ. ومن الكناية قوله كاتبتك على كذا واقتصر عليه، فإن نوى بذلك الكتابة
صحت وإلا فلا. وإنما كان منها لاحتمال اللفظ لكتابة الخراج، وللكتابة التي الكلام فيها. (قوله: إيجابا) حال من لفظ،
أي حال كون اللفظ المذكور إيجابا الخ، أو خبر لكان مقدرة مع اسمها: أي كان ذلك اللفظ إيجابا وهو ما صدر من
السيد. وسيذكر مقابله. (قوله: ككاتبتك) لا بد من إضافته إلى الجملة، فلو قال: كاتبت يدك مثلا، لم تصح. اه‍.
بجيرمي. (قوله: على كذا) أي على أن تعطيني كذا. (قوله: منجما) أي مؤقتا بوقتين فأكثر - كما سيأتي في كلامه - وهو
حال من لفظ كذا. (قوله: مع قوله الخ) أي ولا بد أن ينضم إلى اللفظ المذكور قوله: إذا أديته الخ، والمراد بالقول ما
يشمل قول النفس، إذ نية ذلك كافية كما صرح به في المنهاج ونصه: ولو ترك لفظ التعليق، أي قوله إذا أديته فأنت حر،
ونواه جاز ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية على المذهب. اه‍. وإنما اشترط انضمام ذلك لفظا أو نية إلى قوله كاتبتك
ونحوه، لان لفظ الكتابة يصلح لهذا ويصلح للمخارجة، فاحتيج لتميزها بالضميمة المذكورة. قال في التحفة: والتعبير
بالأداء للغالب من وجود الأداء في الكتابة، وإلا فيكفي - كما قال جمع - أن يقول: فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت
حر. (قوله: وقبولا) عطف على إيجابا، ولا بد أن يكون فورا، وبه تتم الصيغة، فلا تصح الكتابة بدونه كسائر العقود.
وإنما لم يكف الأداء بلا قبول كالاعطاء في الخلع لان هذا أشبع بالبيع من ذلك، ويكفي استيجاب وإيجاب، ككاتبني
على كذا فيقول: كاتبتك. (قوله: كقبلت ذلك) أي كقول المكاتب قبلت ذلك، فلو قبل أجنبي الكتابة من السيد ليؤدي
عن العبد النجوم لم تصح، لمخالفته موضع الباب. (قوله: وشرط فيها) أي في صحتها. (قوله: من دين الخ) بيان
للعوض، ولا فرق فيه بين أن يكون نقدا أو عرضا. وخرج بالدين العين فلا تصح الكتابة عليها، لأنه لا يملك الأعيان
حتى يورد العقد عليها. (قوله: أو منفعة) لو قال كما في المنهاج والمنهج: ولو منفعة لكان أولى، إذ المراد بالمنفعة
المتعلقة بالذمة كأن يقول له: كاتبتك علي بناء دارين في ذمتك في شهرين وهي دين، أما المنفعة المتعلقة بعين من
الأعيان كأن كاتبه على منفعة دابتين معينتين لزيد يدفعهما له في شهرين، فلا تصح الكتابة عليها، إذ منفعة العين مثل
العين، وهي لا تصح الكتابة عليها كما علمت. نعم: المنفعة المتعلقة بين المكاتب تصح الكتابة عليها بشرطين: أن
تتصل المنفعة المذكورة، كالخدمة والخياطة بالعقد، وأن تكون مع ضميمة شئ آخر إليها كدينار، ككاتبتك على أن
تخدمني شهرا من الآن، أو تخيط لي ثوبا بنفسك وعلى دينار تأتي به بعد انقضاء الشهر، أو نصفه. فلو أجل المنفعة لم
تصح لان الأعيان لا تقبل التأجيل فكذلك منافعها. وكذلك لا تصلح إن لم تكن مع الضميمة المذكورة، لعدم تعدد النجم
الذي هو شرط في صحة الكتابة، ولو اقتصر على خدمة شهرين وصرح بأن كل شهر نجم لم يصح أيضا، لأنهما نجم
واحد ولا ضميمة، ولو فرق بينهما كرجب ورمضان كان أولى بعدم الصحة، لأنه يشترط في المنفعة المذكورة اتصالها
بالعقد كما علمت. (قوله: مؤجل) صفة لعوض، أي عوض مؤجل إلى أجل معلوم، فلا تصح الكتابة بالحال، لان
الكتابة عقد خالف القياس في وضعه واتبع فيه سنن السلف. والمأثور عن الصحابة فمن بعدهم قولا وفعلا إنما هو
التأجيل، ولم يعقدها أحد منهم حالة، ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الأغراض، خصوصا وفيه تعجيل عتقه.
واختار ابن عبد السلام والروياني في حليته جواز الحلول، وهو مذهب الامامين مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما.
فإن قيل: لو اقتصر المصنف على الاجل لاغنى عن الدينية، فإن الأعيان لا تقبل التأجيل.
أجيب: بأن دلالة الالتزام لا يكتفي بها في المخاطبات، وهذان وصفان مقصودان. اه‍. ونظر في التحفة في
الجواب المذكور بأن دلالة المؤجل على الدين من دلالة التضمن لا الالتزام، لان مفهوم المؤجل شرعا دين تأخر وفاؤه،
فهو مركب من شيئين. ودلالة التضمن يكتفي بها في المخاطبات. وأجاب بجواب آخر غيره، نظر فيه سم فانظره.

377
(قوله: ليحصله) أي ذلك العوض وهو علة لاشتراط التأجيل. (وقوله: ويؤديه) أي بعد تحصيله لسيده. (قوله:
منجم بنجمين فأكثر) صفة ثانية لعوض: أي عوض مؤقت بوقتين فأكثر، فالمراد بالنجم هنا الوقت، وسمي بذلك لان
العرب كانت لا تعرف الحساب، وكانوا يبنون أمورهم على طلوع النجم، فيقول أحدهم: إذا طلع النجم أديت حقك
ونحو ذلك، فسميت الأوقات نجوما لذلك. ويطلق النجم أيضا على المؤدي في الوقت كما مر. قال في المغني: تنبيه:
قضية إطلاقه أنها تصح بنجمين قصيرين ولو في مال كثير، وهو كذلك لامكان القدرة عليه، كالسلم إلى معسر في مال كثير
إلى أجل قصير. اه‍. (قوله: كما جرى عليه أكثر الصحابة) الكاف للتعليل: أي وإنما اشترط أن يكون منجما بنجمين
فأكثر، لأنه هو الذي جرى عليه أكثر الصحابة، أي ومن بعدهم، فلو كفى نجم لفعلوه، لأنهم كانوا يبادرون إلى القربات
والطاعات ما أمكن، ولان الكتابة عقد إرفاق، ومن تتمة الارفاق التنجيم بنجمين فأكثر. (قوله: ولو في مبعض) غاية في
اشتراط التأجيل، والتنجيم بنجمين يعني أنه يشترط ما ذكر في صحة الكتابة ولو بالنسبة لمبعض كوتب كتابة صحيحة فيما
رق منه وهو قادر على أداء العوض في الحال، أو دون نجمين، لما علمت من أن الكتابة عقد خالف القياس الخ. (قوله:
مع بيان قدره) صفة ثالثة لعوض، أي عوض مصحوب ببيان قدره: أي ويشترط لصحة الكتابة أن يبين قدر العوض.
(وقوله: وصفته) أي ومع بيان صفة العوض: أي وجنسه ونوعه، وذلك لأنه عوض في الذمة، فاشترط فيه بيان ذلك كدين
السلم. قال في التحفة: نعم، الأوجه أنه يكفي نادر الوجود. اه‍. وفي الروض: هل يشترط بيان موضع التسليم للنجوم
أو لا؟ فيه الخلاف المذكور في السلم. قال في شرحه: قضيته ترجيح الأول إن وقع العقد بموضع لا يصلح لتسليمها، أو
يصلح له، ولحملها مؤنة. وبه جزم القاضي وغيره. اه‍. (قوله: وعدد النجوم) أي وبيان عدد النجوم كشهرين أو ثلاثة.
(قوله: وقسط كل نجم) أي وبيان ما يؤديه في كل نجم من العوض لسيده كخمسة، أو عشرة. (قوله: ولزم سيدا) مثله
وارثه ولو تعدد السيد واتحد المكاتب وجب الحط. (قوله: في كتابة صحيحة) خرج بها الكتابة الفاسدة فلا حط فيها لان
المغلب فيها التعليق بالصفة، وهي لا توجد إلا إن أدى ما كاتبه عليه، فلو حط عنه منه شيئا لم توجد الصفة فلا يعتق.
(قوله: قبل عتق) فإن أخر الحط عنه أثم وكان قضاء. وعبارة التحفة مع الأصل: والأصح أن وقت وجوبه قبل العتق، أي
يدخل وقت أدائه بالعقد ويتضيق إذا بقي من النجم الأخير قدر ما يفي به من مال الكتابة لما مر أنه ليس القصد به إلا الإعانة
على العتق، فإن لم يؤد قبله، أدى بعده وكان قضاء. اه‍. (قوله: حط متمول) فاعل لزم، أي لزمه حط متمول وإن قل
كشئ من جنس النجوم قيمته درهم نحاس، ولو كان المالك متعددا. ويقوم مقام الحط أن يدفع السيد جزءا معلوما من
جنس مال الكتابة، أو من غيره برضاه، ولكن الحط أولى من الدفع، لان الإعانة على العتق بالحط محققة وبالدفع
موهومة، لأنه قد يصرف المدفوع من جهة أخرى. وإذا مات السيد وقام مقامه وارثه في الحط قدمه على مؤن التجهيز.
(قوله: لقوله تعالى) دليل للزوم الحط، ووجه الدلالة أن آتوهم أمر، والامر للوجوب. ولم يقم دليل على حمل الايتاء
على الاستحباب، فيعمل بما اقتضاه الظاهر. واستثنى من وجوب الايتاء ما لو كاتبه في مرض موته، والثلث لا يحتمل أكثر
من قيمته، وما لو كاتبه على منفعته، وما لو أبرأه من النجوم، أو باعه من نفسه، أو أعتقه ولو بعوض، فلا يجب شئ في
ذلك. (قوله: فسر الايتاء بما ذكر لان الخ) أي فسر المفسرون الايتاء في الآية بالحط، مع أن المتبادر منه الدفع، لان
القصد الخ. وفيه أن المفسرين لم يقتصروا في تفسير الايتاء على الحط، بل فسروه به وبالدفع، فكان على المؤلف أن
يزيد لفظ: أو دفعه بعد قوله حط متمول، ويكون المراد بقوله بما ذكر: أي بالحط والدفع. ثم رأيت في المنهج ذكر



(1) سورة النور، الآية: 33.
378
الزيادة المذكورة. وقال في شرحه: وفسر الايتاء بما ذكر لان القصد الخ. وكتب البجيرمي ما نصه: قوله وفسر الخ. أي
وإنما فسر الايتاء بما يشمل الحط وإن كان المتبادر منه الدفع، لان القصد الخ. اه‍. وهو الظاهر الموافق لما في
التفاسير. ولعل تلك الزيادة سقطت من النساخ. فتنبه. (قوله: وكونه) أي الذي يقصد حطه. (وقوله: ربعا فسبعا أولى)
عبارة المغني مع الأصل: ويستحب الربع، أي حط قدر ربع مال الكتابة إن سمح به السيد، وإلا فالسبع. روى حط الربع
النسائي وغيره عن علي. وروي عنه رفعه إلى النبي (ص)، وروى حط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال
البلقيني: بقي بينهما حط السدس. رواه البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسد. اه‍. (قوله: ولا يفسخها) أي الكتابة
الصحيحة، لأنها لازمة من جهته لكونها عقدت لحظ مكاتبه، وهو تخليصه من الرق لا لحظ نفسه، أما الكتابة الفاسدة،
وهي ما اختلت صحتها بفساد شرط، كشرط أن يبيعه كذا، أو كتابة بعض رقيق، أو فساد عوض مقصود كخمر، أو فساد
أجل كنجم واحد، فللسيد أن يفسخها كالمكاتب لأنها جائزة من جهتهما. وأما الكتابة الباطلة، وهي ما اختلت صحتها
باختلال ركن من أركانها، ككون أحد العاقدين صبيا، أو مجنونا، أو مكرها أو عقدت بغير مقصود كدم فهي ملغاة.
واعلم: أن الفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في الكتابة، فيفرقون بينهما، وكذلك في الحج والعارية والخلع.
واعلم: أنها كما لا يجوز للسيد أن يفسخها، لا تنفسخ أيضا بالجنون والاغماء والحجر، سواء كان ذلك من السيد
أو من المكاتب، لان اللازم من أحد الطرفين لا ينفسخ بشئ من ذلك كالرهن، ويقوم ولي السيد مقامه في قبضه، ويقوم
الحاكم مقام المكاتب في أدائه إن وجد له مالا، ولم يأخذ السيد استقلالا، وثبتت الكتابة، وحل النجم، وحلف السيد
على استحقاقه ورأي أن له مصلحة في الحرية، فإن استقل السيد بالقبض، عتق لحصول القبض، المستحق. وإن رأى
الحاكم أنه يضيع إذا أفاق لم يؤد عنه - كما قاله الغزالي - قال الشيخان: وهذا حسن، وإن لم يجد له مالا مكن السيد من
التعجيز والفسخ. فإذا فسخ عاد المكاتب قنا له وعليه مؤنته، فإن أفاق أو ارتفع الحجر وظهر له مال، كأن حصله قبل فسخ
السيد، دفعه الحاكم إلى السيد، ونقض تعجيزه وفسخه وحكم بعتقه.
(قوله: إلا إن عجز الخ) استثناء من قوله ولا يفسخها. (قوله: عن أداء) متعلق بعجز. (قوله: عند المحل) متعلق
بأداء - وهو بكسر الحاء -: أي وقت الحلول، ولو استمهل المكاتب سيده لعجزه عند المحل، سن إمهاله مساعدة له في
تحصيل النجوم ليحصل العتق، أو استمهله لبيع عرض وجب إمهاله، أو لاحضار ماله من دون مسافة القصر وجب إمهاله
أيضا لأنه كالحاضر، بخلاف ما لو كان فوق ذلك، فلا يجب إمهاله لطول المدة، وله أن لا يزيد في مدة الامهال على
ثلاثة أيام، ولو كان لكساد سلعته، لأنها المدة المغتفرة شرعا، فليس له الفسخ فيها، وله الفسخ فيما زاد عليها. (قوله:
لنجم) متعلق بأداء أيضا (وقوله: أو بعضه) أي بعض النجم، ومحله في غير الواجب في الايتاء، فإن عجز عن بعضه
الواجب في الايتاء فليس للسيد الفسخ، ولا يحصل التقاص فيه، لان للسيد أن يدفع غيره. (قوله: أو امتنع عنه عند
ذلك) أي وإلا إن امتنع المكاتب عن الأداء عند المحل فللسيد أن يفسخها. (وقوله: مع القدرة عليه) أي على الأداء،
وامتناع العبد عن الأداء حينئذ جائز، لان الكتابة جائزة من جهته كما سيأتي. (قوله: أو غاب عند ذلك) أي أو إلا إن غاب
المكاتب عند المحل. (قوله: وإن حضر ماله أو كانت الخ) غايتان لجواز فسخ السيد إذا غاب المكاتب: أي للسيد
فسخها إذا غاب وإن حضر ماله، أو كانت غيبته دون مسافة القصر. (قوله: فله فسخها الخ) مفرع على الصور الثلاث:
أي وإذا عجز المكاتب، أو امتنع، أو غاب، فللسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، أو بحاكم. وقيده البلقيني بما إذا لم يأذن له
السيد في السفر وينظره إلى حضوره، وإلا فليس له الفسخ. (قوله: متى شاء) أي الفسخ، ومنه يعلم أنه لا بد من الفسخ،

379
ولا يحصل بمجرد التعجيز. (قوله: وليس للحاكم الأداء الخ) أي بل يمكن السيد من الفسخ لان المكاتب ربما عجز
نفسه أو امتنع من الأداء لو حضر. (وقوله: الغائب) صفة للمكاتب. (قوله: وله) أي للمكاتب فسخ: أي لأنها جائز من
جهته خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه في قوله أنها لازمة من جهته أيضا. (قوله: كالرهن بالنسبة للمرتهن) أي فإنه جائز
من جهته. (قوله: فله) أي للمكاتب. (وقوله: ترك الأداء) أي أداء النجوم. (وقوله: والفسخ) بالرفع عطف على ترك.
(وقوله: وإن كان معه وفاء) أي له ذلك مطلقا، سواء كان معه ما يوفي به النجوم أم لا، لجوازها من جهته كما علمت.
(قوله: وحرم عليه) أي على السيد المكاتب - بكسر التاء -. (وقوله: تمتع) أي مطلقا، ولو بالنظر لأنها كالأجنبية.
(قوله: لاختلال ملكه) أي لضعف ملكه فيها. (قوله: ويجب بوطئه لها مهر) أي وإن طاوعته لشبهة الملك. اه‍. شرح
المنهج. وقوله: لشبهة الملك: دفع لما قد يقال إذا طاوعته كانت زانية، فكيف لها المهر، وحاصله أن لها شبهة دافعة
للزنا وهي الملك. اه‍. بجيرمي قال ع ش: ولا يتكرر المهر بتكرر الوطئ إلا إذا وطئ بعد أداء المهر. اه‍. (قوله:
لاحد) أي لا يجب عليه حد بوطئه لها، وإن علم التحريم وأعتقده لأنها ملكه. نعم، يعزر من علم التحريم منهما.
(قوله: والولد حر) أي وإذا أحبلها وولدت منه يكون الولد حرا، لأنها علقت به وهي في ملكه. قال في المنهج وشرحه:
ولا يجب عليه قيمتها لانعقاده حرا وصارت بالولد مستولدة مكاتبة، فإن عجزت عتقت بموت السيد. اه‍. (قوله: وله أي
للمكاتب) بفتح التاء. (وقوله: شراء إماء) أي توسعا له في طريق الاكتساب. (قوله: لا تزوج) أي ليس له أن يتزوج لما
فيه من المؤن، ولأنه عبد ما بقي عليه درهم. وليس للمكاتبة أيضا أن تتزوج خوفا من موتها بالطلق فيفوت حق السيد.
(قوله: إلا بإذن سيده) أي فله التزوج حينئذ. (قوله: ولا تسر ولو بإذنه) أي لا يجوز له التسري مطلقا، سواء كان أذن
سيده له فيه أم لا، لضعف ملكه، وخوفا من هلاك الجارية بالطلق لو حبلت، فمنعه من الوطئ كمنع الراهن من وطئ
المرهونة، فإن خالف ووطئ فلا حد عليه لأنه ملكه، والولد منه يلحقه ويتبعه رقا وعتقا، فإن عتق هو عتق ولده، وإلا رق
وصار للسيد، ولا تصير الأمة به أم ولد، لانعقاده رقيقا مملوكا لأبيه. (قوله: يعني لا يجوز له وطئ مملوكته) أي وإن لم
ينزل، وإنما حمل التسري على مطلق الوطئ لان حقيقة التسري ليست مرادة هنا، وذلك لأنه يعتبر فيها أمران: حجب
الأمة عن أعين الناس، وإنزاله فيها، وهما ليسا بشرط هنا. أفاده في النهاية. (قوله: وما وقع للشيخين) مبتدأ خبره مبني.
(وقوله: في موضع) أي من كتبهما. (وقوله: مما يقتضي الخ) بيان لما. (وقوله: جوازه) أي الوطئ. (وقوله: بالاذن)
أي بإذن السيد. (قوله: أن القن الخ) بدل من الضعيف، أو عطف بيان له. (وقوله: يملك بتمليك السيد) له وجه بناء
جواز وطئ الكاتب لامته على ملك الرقيق بتمليك السيد له أن الملك يستلزم جواز وطئه للأمة التي ملكها سيده له، وإذا
كان الرقيق يجوز وطؤه على هذا الوجه فالمكاتب من باب أولى، لان له ملكا في الجملة. (قوله: قال شيخنا) أي في
التحفة. (وقوله: ويظهر أنه) أي المكاتب. (وقوله: ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ) أي لان من حام حول الحمى
يوشك أن يقع فيه. (وقوله: أيضا) أي كما لا يجوز له الوطئ. (قوله: ويجوز للمكاتب بيع الخ) الحاصل يجوز للمكاتب
التصرف فيما فيه تنمية المال كالبيع والشراء والإجارة، لا فيما فيه نقصه واستهلاكه كالهبة والصدقة والهدية، ولا فيما فيه
خطر كقرض وبيع نسيئة وإن استوثق برهن أو كفيل، إلا بإذن السيد. (قوله: لا هبة وصدقة) أي لا يجوز له ذلك. نعم،
ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله، وعدم بيعه له إهداؤه لغيره.

380
(قوله: فرع) الأولى فرعان لذكره لهما: الأول: قوله لو قال السيد الخ، والثاني: قوله ولو قال كاتبتك الخ. (قوله:
لو قال السيد الخ) أي لو ادعى السيد على المكاتب بعد قبضه نجوم الكتابة أنك فسخت عقد الكتابة قبل أن تؤديني
المال، فأنكر المكاتب ذلك، فإن أقام السيد بينة على ما ادعاه سمعت وإلا صدق المكاتب بيمينه. (قوله: كنت) بتاء
المخاطب. (وقوله: فسخت) أي قبل قبض المال. (قوله: فأنكر المكاتب) أي أصل الفسخ، أو كونه قبل قبض المال
منه. (قوله: صدق) أي المكاتب بيمينه إن لم يأت السيد بالبينة. (قوله: لان الأصل عدم الفسخ) لو قال لان الأصل عدم
ما ادعاه السيد لكان أولى، ليشمل الصورة الثانية وهي ما إذا أنكر كونه قبل قبض المال. (قوله: وعلى السيد البينة) أي
على ما ادعاه، فإن أقامها سمعت وفسخت الكتابة، وبقي العبد على رقه. (قوله: ولو قال) أي السيد للمكاتب. (قوله:
وأنا صبي) في المنهاج والمنهج إسقاطه والاقتصار على قوله. كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، وهو الأولى ليلائم
قوله بعد إن عرف له ذلك، إذ هو إنما يظهر فيهما. (قوله: أو محجور علي) أي بسفه، تحفة ونهاية. (قوله: فأنكر
المكاتب) أي ما ادعاه السيد وقال له: بل كاتبتني وأنت بالغ عاقل رشيد. (قوله: حلف السيد) أي وصدق بحلفه. (قوله:
إن عرف له ذلك) أي ما ادعاه من الجنون والحجر، وذلك لقوة جانبه حينئذ لكون الأصل بقاءه، ومن ثم صدقناه مع كونه
مدعيا للفساد على خلاف القاعدة، وهو مخالف لما ذكروه في النكاح من أنه لو زوج بنته ثم قال: كنت محجورا علي، أو
مجنونا يوم زوجتها، لم يصدق وإن عرف له ذلك. وفرق بأن الحق ثم تعلق بثالث وهو الزوج بخلافه هنا. (قوله: وإلا
فالمكاتب) أي وإن لم يعرف للسيد ما ادعاه، فيحلف المكاتب ويصدق بحلفه. (وقوله: لان الأصل عدم ما ادعاه السيد)
أي ولضعف جانبه بفقد القرينة. (قوله: إذا أحبل الخ) شروع في الاعتاق بالفعل، وهو الاستيلاد. وقد أفرده الفقهاء
بترجمة مستقلة. وختم كتابه به لان العتق فيه يعقب الموت الذي هو خاتمة أمر العبد في الدنيا، وهو قربة في حق من قصد
به حصول ولد وما يترتب عليه من العتق وغيره من القربات - كما تقدم - واختلف فيه هل هو أقوى من العتق باللفظ، أو
العتق باللفظ أقوى منه؟ ذهب ابن حجر إلى الأول، وعلله بنفوذه من المجنون والمحجور عليه بسفه، وذهب م ر إلى
الثاني وعلله بأن اللفظ ينفذ قطعا بخلافه بالاستيلاد لجواز أن تموت المستولدة أو لا، وبأنه مجمع عليه، بخلاف
الاستيلاد. والأصل فيه أنه (ص) قال في مارية أم إبراهيم لما ولدت أعتقها ولدها: أي أثبت لها حق الحرية. رواه الحاكم،
وقال أنه صحيح الاسناد. وخبر: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه. أي بعد آخر جزء من حياته. رواه ابن
ماجة والحاكم وصحح إسناده، وخبر الصحيحين: عن أبي موسى قلنا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما
ترى في العزل، أي الانزال خارج الفرج؟ فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا. ما من نسمة كائنة أو مقدرة إلى يوم القيامة إلا
وهي كائنة، أي موجودة. ففي قولهم ونحب أثمانهن دليل على أن بيعهن بالاستيلاد ممتنع. واستشهد البيهقي لامتناع
بيعها بقول عائشة رضي الله عنها: لم يترك رسول الله (ص) دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة. قال: ففيه دلالة على أنه
لم يترك أم إبراهيم رقيقة، وأنها عتقت بعد موته. وقد استنبط سيدنا عمر رضي الله عنه امتناع بيع أم الولد من قوله تعالى: *
(فعل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * فقال وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم؟
وكتب إلى الآفاق لا تباع أم امرئ منكم، فإنه قطيعة، وأنه لا يحل. رواه البيهقي مطولا.
تنبيه: آثر التعبير بإذا على التعبير بأن لان أن تختص بالمشكوك والموهوم والنادر، بخلاف إذا فإنها للمتيقن
والمظنون. ولا شك أن إحبال الإماء كثير مظنون بل متيقن، ونظيره قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * الخ.
وقوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) *. فخص الوضوء بإذا لتكرره وكثرة أسبابه، والجنابة بأن لندرتها. أفادته في التحفة.



(1) سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الآية: 22.
(2) سورة المائدة، الآية: 6.
(3) المائدة، الآية: 6.
381
(قوله: حر) أي كله أو بعضه، فينفذ إيلاد المبعض في أمته التي ملكها ببعضه الحر. لا يقال إنه لا يصح إعتاقه لأنه
ليس أهلا للولاء، لأنا نقول لا رق بعد الموت، فبموته الذي يحصل به عتق أم ولده ينتفي كونه ليس أهلا للولاء، ومن ثم
صح تدبيره. ويشترط فيه أن يكون بالغا، فلا ينفذ إيلاد الصبي وإن لحقه الولد عند إمكان كونه منه، لان النسب يكفي فيه
الامكان احتياطا له، ومع ذلك لا يحكم ببلوغه، لان الأصل عدمه، وبذلك يلغز فيقال لنا أب غير بالغ. ولا يشترط أن
يكون عاقلا مختارا، وينفذ إيلاد المجنون والسفيه، بخلاف المفلس فلا ينفذ إيلاده على المعتمد، لأنه كالراهن
المعسر، خلافا للبلقيني في اعتماده نفوذه. وخرج بالحر المكاتب فلا ينفذ إيلاده، فلو مات لا تعتق بموته أمته ولا ولدها،
ولو مات حرا بأن أدى نجوم الكتابة قبل الموت. كذا في المغني. (قوله: أمته) أي ولو تقديرا، كأن وطئ الأصل أمة
فرعه التي لم يستولدها فيقدر دخولها في ملك الأصل قبيل العلوق، ومثلها أمة مكاتبه أو مكاتبة ولده. ويشترط فيها
شرطان: الأول: أن تكون مملوكة للسيد حال علوقها منه، الثاني: أن لا يتعلق بها حق لازم للغير، فخرجت المرهونة إذا
أولدها الراهن المعسر بغير إذن المرتهن، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المرتهن فرعه - كما بحثه بعضهم - فإن انفك الرهن
نفذ في الأصح، وخرجت الجانية المتعلق برقبتها مال إذا أولدها مالكها المعسر، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المجني عليه
فرع مالكها. (قوله: أي من له فيها ملك) تفسير مراد للأمة، وهو يشمل الأمة المشتركة فينفذ استيلاده في نصيبه، ويسري
إلى نصيب شريكه إن أيسر بقيمته، وإلا فلا يسري كما تقدم. (وقوله: وإن قل) أي ملكه الحاصل فيها كسدس. (قوله:
ولو كانت مزجة) غاية في الأمة. ولو أخرها عن قوله عتقت بموته وجعلها غاية له لكان أولى. (قوله: أو محرمة) هي بضم
الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، عطف على مزوجة من عطف العام على الخاص: أي ولو كانت محرمة عليه
بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو فرض صوم، أو اعتكاف، أو لكونه قبل استبرائها، أو لكونها محرما له بنسب أو
رضاع أو مصاهرة، أو معتمدة، أو مجوسية، أو مرتدة. (قوله: لا إن أحبل الخ) فاعل الفعل وارث، ولفظ أمة مضاف إلى
تركة، وهي مضافة إلى مدين. والمراد به المورث، أي لا تعتق بالموت إن أحبل وارث معسر أمة مورث مدين، لتعلق حق
الغرماء بها، وقد تقدم أنه يشترط فيها أن لا يتعلق بها حق لازم للغير. (قوله: فولدت) معطوف على أحبل: أي أحبلها
فولدت. قال في التحفة: أي في حياة السيد أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الأوجه كما رجحه
بعضهم أنها تعتق إلى حين الموت فتملك كسبها بعده. اه‍. (وقوله: تعتق الخ) أي يتبين عتقها من حين الموت، وقيل
تعتق من حين الولادة. (وقوله: حيا أو ميتا) أي بشرط أن ينفصل جميعه، فإن انفصل بعضه ولم ينفصل باقيه لم تعتق إلا
بتمام انفصاله، ولو ولدت أحد توأمين عتقت وإن لم ينزل الآخر. (قوله: أو مضغة) معطوف على حيا: أي أو ولدت
مضغة. (وقوله: مصورة) أي فيها صورة آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل، ويعتبر أربع منهن، أو رجلان، أو رجل
وامرأتان - بخلاف ما لم يكن فيها صورة آدمي، وإن قلن لو بقيت لتخططت -. (قوله: عتقت) جواب إذا. (وقوله:
بموته) أي ولو بقتلها له، وهذا مستثنى من قوله من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه، لتشوف الشارع إلى العتق.
وفي البجيرمي: قال الشوبري.
(فإن قيل) إذا كانت الولاية هي الموجبة للعتق فلم وقف على موت السيد؟.
قيل: لان لها حقا بالولادة وللسيد حقا بالملك، وفي تعجيل عتقها بالولادة إبطال لحقه من الكسب والاستمتاع،
ففي تعليقه بموت السيد حفظ للحقين فكان أولى. اه‍.
(قوله: من رأس المال) متعلق بعتق: أي عتقها يحسب من رأس المال لا من الثلث سواء استولدها في الصحة أو
المرض، أو نجز عتقها في مرض موته، ولا نظر إلى ما فوته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته، لان الاستيلاد

382
كالاتلاف بالاكل واللبس وغير ذلك من اللذات، وبالقياس على من تزوج امرأة بمهر مثلها في مرض موته. (قوله: مقدما
الخ) حال من العتق: أي ويحسب العتق من رأس المال حال كونه مقدما على قضاء الديون ولو لله تعالى كالكفارة، ولو
على نفوذ الوصايا، ولو لجهة عامة كالفقراء. (قوله: وإن حبلت في مرض موته) غاية في حسبان العتق من رأس المال
وتقديمه على الديون والوصايا: أي يحسب من رأس المال، ويقدم على الديون والوصايا، وإن حبلت في مرض موته،
وإن أوصى بها من الثلث لما مر وتلغو وصيته. (قوله: كولدها) أي المستولدة، والكاف للتنظير في العتق من رأس المال
وتقديمه على الديون والوصايا. (وقوله: الحاصل) أي من غير السيد، أما الحاصل منه فإنه ينعقد حرا. (قوله: بنكاح)
متعلق بالحاصل. (وقوله: بعد وضعها) متعلق بالحاصل. وخرج به ولدها الحاصل من غير سيدها قبل أن تضع ولدا
لسيدها، فإنه لا يعتق من رأس المال بموت السيد، بل يكون رقيقا يتصرف فيه بما شاء من التصرفات، لحدوثه قبل
استحقاق الحرية للام. (قوله: ولدا للسيد) مفعول وضعها. (قوله: فإنه يعتق من رأس المال) أي فإنه يكون مملوكا
للسيد ويعتق من رأس المال بموته، لسريان الاستيلاد إليه: أي ويقدم على الديون والوصايا. (قوله: وإن ماتت الخ) غاية
في كونه يعتق من رأس المال: أي يعتق من رأس المال وإن ماتت أمته قبل موت السيد، لأنه حق استحقه في حياة أمه فلا
يسقط بموتها. ولو أعتق السيد مستولدته قبل موته لم يعتق ولدها تبعا لها، فإذا مات السيد بعد ذلك عتق بموته. (قوله:
وله وطئ أم ولد) أي وللسيد أن يطأ أم ولده. (وقوله: إجماعا) أي ولخبر الدارقطني: أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهبن
ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة. ومحل جواز وطئها إذا لم يقم بها مانع ككونها محرما، أو
مسلمة وهو كافر، أو موطوءة أبيه ونحو ذلك. (قوله: واستخدامها) معطوف على وطئ: أي وله استخدامها، أي طلب
الخدمة بجميع أنواعها لأنها كالقنة في جميع الأحكام ما لم تكن مكاتبة، وإلا امتنع الاستخدام وغيره مما ذكر معه.
(قوله: وإجارتها) معطوف أيضا على وطئ: أي وله إجارتها: أي لغيرها، أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح، لان الشخص
لا يملك منفعة نفسه بعقد. وهل لها أن تستعير نفسها من سيدها؟ قياس ما قالوه في الحر أنه لو أجر نفسه وسلمها ثم
استعارها جاز أنه هنا كذلك، ولو مات السيد بعد أن أجرها، انفسخت الإجارة. (قوله: وكذا تزويجها بغير إذنها) إنما
فصله عما قبله لان فيه خلافا، والأصح ما ذكره: أي وكذلك للسيد أن يزوجها جبرا بغير إذنها على الأصح، لبقاء ملكه
عليها وعلى منافعها، إلا إن كان السيد كافرا وهي مسلمة فلا يزوجها هو، بل يزوجها الحاكم لأنه لا ولاية للكافر على
المسلمة. (قوله: لا تمليكها لغيره) أي لا يجوز للسيد أن يملكها لغيره لأنها لا تقبل النقل، وما رواه أبو داود عن جابر
رضي الله عنه قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي (ص) حي لا نرى بذلك بأسا أجيب عنه بأنه منسوخ على فرض
اطلاع النبي (ص) على ذلك مع كونه قبل النهي، أو أنه منسوب إلى النبي (ص) استدلالا واجتهادا، أي من جابر حيث غلب
على ظنه أن النبي (ص) اطلع عليه وأقره. فيقدم عليه ما نسب إليه (ص) قولا ونصا وهو نهيه (ص) عن بيع أمهات الأولاد في
خبر الدارقطني السابق، وهو وإن كان نفيا لفظا لكنه نهي معنى. (قوله: فيحرم ذلك) أي تمليكها لغير. ببيع أو هبة.
(قوله: وكذا رهنها) أي وكذا لا يصح رهنها لما فيه من التسليط على بيعها. (قوله: كولدها التابع لها) أي بأن كان من غير
السيد كما مر. (وقوله: في العتق بموت السيد) متعلق بالتابع لها. (قوله: فلا يصح تمليكه) أي ولدها التابع لها، أي ولا
رهنه، ويصح استخدامه وإجارته وإعارته وإجباره على النكاح إن كان أنثى لا إن كان ذكرا.
والحاصل: يمتنع على السيد التصرف فيه بما يمتنع فيها، ويجوز له التصرف فيه بما يجوز فيها ما عدا الوطئ.
(وقوله: من غيره) أي على غيره أو لغيره، فمن بمعنى على أو اللام. (وقوله: كالأم) أي أمه، فإنه لا يصح

383
تمليكها لغيره كما صرح به فيما قبل. (قوله: بل لو حكم به) أي بالتمليك، أي صحته في الام وولدها التابع لها.
(وقوله: نقض) أي لمخالفته الاجماع، وما وقع الخلاف بين أهل القرن الأول فقد انقطع وانعقد الاجماع على منع
التمليك. (قوله: وتصح كتابتها) أي أم الولد لما علمت من بقاء ملكه عليها. (قوله: وبيعها من نفسها) أي ويصح على
نفسها لأنه عقد عتاقة، وكبيعها من نفسها هبتها لها وقرضها لنفسها، ويجب عليها في صورة القرض رد مثلها الصوري وهو
جارية مثلها، فالبيع لها ليس بقيد. (قوله: ولو ادعى ورثة سيدها) أي على المستولدة. (وقوله: مالا له) أي لسيدها.
(قوله: بيدها قبل موته) أي كائنا ذلك المال تحت يدها من قبل موت السيد. (قوله: فادعت تلفه) أي فأقرت به وادعت أنه
تلف قبل الموت. (قوله: صدقت بيمينها) أي لان يدها عليه قبل الموت يد أمانة. (قوله: فإن ادعت تلفه بعده) أي بعد
الموت. (قوله: لم تصدق فيه) أي في التلف، لان يدها عليه حينئذ يد ضمان، لأنه ملك الغير وهي حرة. اه‍. تحفة.
(قوله: فيمن أقر بوطئ أمته) مفهومة أنه إذا أنكر لا تصدق. (قوله: فادعت الخ) أي وأنكر هو ما ادعته: (وقوله: أسقطت
منه ما تصير به أم ولد) أي كمضغة تصورت. (قوله: بأنها تصدق) متعلق بأفتى. قال في النهاية: وفي فروع ابن القطان:
لو قالت الأمة التي وطئها السيد ألقيت سقطا صرت به أم ولد، فأنكر السيد إلقاءها ذلك، فمن المصدق، وجهان: قال
الأذرعي: الظاهر أن القول قول السيد لان الأصل معه، لا سيما إذا أنكر الاسقاط والعلوق مطلقا. وفيما إذا اعترف
بالحمل احتمال، والأقرب تصديقه أيضا إلا أن تمضي مدة لا يبقى الحمل منتسبا إليها. اه‍. (قوله: إن أمكن ذلك) أي
سقوط حمل منها تصير به أم ولد، بأن أسقطته بعد مضي مائة وعشرين يوما من الوطئ. (قوله: بيمينها) متعلق بتصدق.
(قوله: فإذا مات عتقت) أي فإذا صدقناها بيمينها ومات السيد عتقت بموته.
(قوله: أعتقنا الله تعالى) هذه الجملة دعائية، فهي خبرية لفظا إنشائية معنى. ثم أنه يحتمل أن الشارح قصد نفسه
فقط مع تعظيمها إظهارا لتعظيم الله له حيث أهله للعلم، فيكون من باب التحدث بالنعمة.
قال الله تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) *. ولا ينافيه أن مقام الدعاء يقتضي الذلة والخضوع، لان الشخص إذا نظر لنفسه احتقرها بالنسبة لعظمة
الله تعالى، وإذا نظر لتعظيم الله له عظمها. ويحتمل أنه أراد به نفسه وإخوانه المسلمين، وهو أولى لان الدعاء مع التعميم
أقرب إلى القبول، وجميع ما ذكر يجري في الجملتين بعد. ثم إن المراد بالعتق هنا الخلاص، فمعنى أعتقنا الله خلصنا
الله، وليس المراد حقيقته التي هي إزالة الملك عن الآدمي، فيكون في الكلام استعارة تبعية، وتقريرها أن تقول شبه
تخليص الله له من النار بمعنى العتق بجامع إزالة الضرر وحصول النفع في كل، واستعير العتق من معناه الأصلي لتخليص
الله له من النار. ولا تخفى مناسبة هذا الدعاء هنا على بصير، وفيه إشارة إلى أنه خلص من تأليف هذا الشرح المبارك
العميم النفع ففيه من المحسنات البديعية براعة المقطع. وتسمى حسن الختام، وهي الاتيان في أواخر حسن ابتدائي به أرجو الكلام نظما أو
نثرا بما يدل على التمام كقول بعضهم
التلخص من نار الجحيم وهذا حسن مختتمي
(قوله: من النار) هي جرم لطيف نوري علوي، وهي في الأصل اسم لبعيدة القعر - كما في القاموس - والمراد بها
دار العذاب بجميع طبقاتها السبع التي أعلاها جهنم وتحتها لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية،



(1) سورة الضحى، الآية: 11.
384
وباب كل من داخل الأخرى. أعاذنا الله والمسلمين منها. (قوله: وحشرنا في زمرة المقربين) الحشر بمعنى الجمع،
وفي بمعنى مع، وزمرة - بضم الزاي - بمعنى جماعة. ويحتمل أن المراد بالحشر الدخول، وفي باقية على معناها. وعلى
كل فإضافة زمرة لما بعد للبيان. والمعنى على الأول: وجمعنا مع جماعة هي المقربون من الأنبياء والصديقين والشهداء
والصالحين المذكورين في آية: * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * الخ. وعلى الثاني: أدخلنا فيهم، والمراد جمعنا
معهم في دار السلام أو أدخلنا فيهم، وذلك لنستمتع في الجنة برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في
الدرجات العلى بالنسبة إلى غيرهم، ولذلك سبب وهو محبتهم واقتفاء آثارهم، لما أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم
في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال:
يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي، وأنك لأحب إلي من ولدي، وأني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي
فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا
أراك. فلم يرد عليه النبي (ص) حتى نزل جبريل بقوله تعالى: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *. وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل
النبي (ص) عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله. فقال: أنت مع
من أحببت. قال أنس فأنا أحب النبي (ص) وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم. والمراد بالمعية في الحديث المذكور
وفي الآية التردد للزيارة والحضور للتأنس بهم، مع أن مقر كل منهم الدرجات التي أعدها الله لهم، وليس المراد أنهم
يكونون في درجة واحدة، لأنه يقتضي استواء الفاضل والمفضول في الدرجة، وليس كذلك، بل يكون كل في درجة.
ولكن يتمكن من رؤية غيره والتردد إليه. اللهم امنحنا حبهم، واحشرنا في زمرتهم آمين. (وقوله: الأخيار) جميع خير -
بشد الياء وتخفيفها - كأموات جمع ميت - مشددا ومخففا -، وهم الذين اختارهم الله واصطفاهم. (وقوله: الأبرار)
جمع بر، أو بار من البر وهو الاحسان، يقال بره يبره - بفتح الباء وضمها - فهو بر وبار، وذكر بعضهم أن جمع البار: بررة،
وجمع البر أبرار، والمراد بهم الأولياء والعباد والزهاد، وقيل المراد بهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم سموا أبرارا لأنهم
بروا الآباء والأبناء والبنات، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقا، فالبر بالآباء والأمهات الاحسان إليهم
وإلانة الجانب لهم، والبر بالأبناء والبنات أن لا يفعل فيهم ما يكون العقوق. (قوله: وأسكننا الفردوس) أي جعل سكنانا
الفردوس، وهو أفضل الجنان وأوسعها كما تقدم سببا في أول الكتاب، ولا بد من تقدير مضاف قبل الفردوس: أي قربه أو
جواره، لأنه خاص بالمصطفى (ص) كما في شرح منظومة أسماء أهل بدر. (قوله: من دار القرار) أي دار استقرار المؤمنين
وثباتهم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف حال من الفردوس: أي حال كونه بعض دار القرار الذي هو الجنة، وهو يفيد أنها
متعددة: أي تحتها أنواع، وهو الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أيضا أول الكتاب، واستدل لذلك
بحديث رواه عن النبي (ص) أنه قال: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد،
وجنة الفردوس، وجنة النعيم. وذهب بعضهم إلى أنها واحدة، والأسماء كلها صادقة عليها، إذ يصدق عليها جنة عدن
أي إقامة، ودار السلام لسلامتهم فيها من كل خوف وحزن، ودار لخلودهم فيها وهكذا، وعليه فمن بيانية، أي الفردوس
الذي هو دار القرار. (قوله: ومن علي) يطلق المن على الانعام والاحسان ابتداء من غير حساب، ومنه قوله تعالى: * (لقد
من الله على المؤمنين) * الآية. ويطلق على تعداد النعم كقولك: فعلت مع فلان كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: * (لا
تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) *. وهو حرام إلا من الله والنبي والأصل والشيخ. والمراد به هنا الأول وإن كان الثاني
يصح إطلاقه على الله: أي أنعم علي وأحسن إلي تفضلا منه لا وجوبا عليه. وفي تعبيره هنا بعلي وتعبيره فيما قبله بنا دليل



(1) سورة مريم، الآية: 58.
(2) سورة النساء، الآية: 69.
(3) سورة آل عمران، الآية: 164.
(4) سورة البقرة، الآية: 264.
385
على أن المراد بمدلولها الاحتمال الثاني من الاحتمالين المارين عند قوله أعتقنا الله. (وقوله: في هذا التأليف) أي الذي
هو الشرح مع الأصل إذ كلاهما له. (وقوله: وغيره) أي غير هذا التأليف من بقية مؤلفاته. (وقوله: بقبوله) الأولى
بقبولهما بضمير التثنية العائد على هذا التأليف وغيره، وإن كان يصح إرادة المذكور، ومثله يقال في الضمائر بعد. (قوله:
وعموم النفع به) مطعوف على قبوله، وإضافة عموم إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف: أي ومن علي بالنفع العام
به: أي إيصال الثواب بسببه لان النفع إيصال الخير للغير. (قوله: وبالاخلاص فيه) معطوف على قبوله أيضا: أي ومن
علي بالاخلاص فيه: أي من الأمور التي تعوقه عن القبول كالرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة.
(واعلم) أن مراتب الاخلاص ثلاث: الأولى: أن تعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب، الثانية: أن تعبده
لتتشرف بعبادته والنسبة إليه، والثالثة: أن تعبد الله لذاته لا لطمع في جنته ولا لهرب من ناره - وهي أعلاها - لأنها مرتبة
الصديقين، ولذلك قالت رابعة العدوية رضي الله عنها:
كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا
أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا
ليس لي في الجنان والنار حظ * أنا لا أبتغي بحبي بديلا
وكلامه صادق بكل من المراتب الثلاث، لكن بقطع النظر عن التعليل بعد، أما بالنظر إليه فيكون خاصا بالمرتبة
الأولى.
(قوله: ليكون) أي ما ذكر من هذا التأليف وغيره، والمراد جزاؤه وهو علة طلبه من الله أن يمن عليه في هذا التأليف
وغيره بالقبول الخ. (وقوله: ذخيرة) أي ذخرا، وهو ما أعددته لوقت الحاجة من الشئ النفيس، والمراد به هنا جزاء هذا
التأليف وغيره على سبيل المجاز، فشبه جزاء هذا التأليف بالشئ النفيس المدخر إلى وقت الحاجة بجامع الانتفاع بكل.
(قوله: إذا جاءت الطامة) هي اسم من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تطم كل شئ: أي تعلوه لعظم هولها.
(قوله: وسببا) معطوف على ذخيرة، والسبب في الأصل الحبل قال تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * ثم أطلق
على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الأمور، فيكون مجازا بالاستعارة إن جعلت العلاقة المشابهة في التوصل في كل. أو
مجازا مرسلا إن جعلت علاقته الاطلاق والتقييد. (قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في الآخرة. (وقوله:
والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين، وللطائعين والعاصين. قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب:
ورحمتي وسعت كل شئ. أي عمت وشملت كل شئ من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص
إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: إن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية:
غلبت غضبي وأما في الآخرة فقال: فسأكتبها للذين يتقون الخ. اه‍.
الحاصل رحمة الله تعم البر والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.
(واعلم) أنه ينبغي لكل شخص أن يرحم أخاه عملا بحديث: الراحمون يرحمهم الرحمن. قال كعب الأحبار:
مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله؟ ومما يعزى
لابن حجر رحمه الله تعال كما تقدم أول الكتاب:
إرحم هديت جميع الخلق إنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما



(1) سورة الحج، الآية: 15.
386
وله أيضا:
إرحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله
الراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله
اللهم يا رحمن ارحمنا، واجعلنا من الراحمين بجاه سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.
(قوله: الحمد لله الخ) لما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمده على ابتدائه، فكأنه قال: الحمد لله
الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه. واختار الجملة الاسمية لإفادتها الدوام المناسب للمقام. (وقوله:
حمدا) مفعول مطلق منصوب بمثله، وهو الحمد الواقع مبتدأ. (وقوله: يوافي نعمه) أي يقابلها بحيث يكون بقدرها، فلا
تقع نعمة إلا مقابلة بهذا الحمد، بحيث يكون الحمد بإزاء جميع النعم، وهذا على سبيل المبالغة بحسب ما ترجاه، وإلا
فكل نعمة تحتاج إلى حمد مستقل. (وقوله: ويكافئ) بهمزة في آخره بمعنى يساوي. (وقوله: مزيده) مصدر ميمي،
والضمير لله تعالى: أي يساوي الحمد ما زاده تعالى من النعم. والمعنى أن المؤلف ترجى أن يكون الحمد الذي أتى به
موفيا بحق النعم الحاصلة بالفعل، ومساويا بما يزيده منها في المستقبل.
واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد: إن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب علمني
المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدا
يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين:
الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب، استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء.
(قوله: وصلى الله وسلم الخ) أي اللهم صل وسلم، فهي جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وأتى بالفعلين بصيغة
الماضي رجاءا التحقق حصول المسؤول. وقد تقدم الكلام على الصلاة والسلام في خطبة الكتاب فارجع إليه إن شئت.
(وقوله: أفضل صلاة) نائب عن المفعول المطلق لصلى: أي صلى الله عليه صلاة موصوفة بكونها أفضل الصلوات
الصادرة منك على خلقك، أو الصادرة منهم على الأنبياء والمرسلين. (وقوله: وأكمل سلام) نائب عن المفعول المطلق
أيضا لقوله وسلم: أي وسلم عليه سلاما موصوفا بكونه أكمل السلام: أي التحية الصادرة منك على خلقك، أو من
خلقك على الأنبياء والمرسلين. (قوله: على أشرف مخلوقاته) متعلق بكل من صلى وسلم، أي صلى الله وسلم على
أفضل المخلوقات، أي على الاطلاق كما قال صاحب الجوهرة:
وأفضل الخلق على الاطلاق نبينا فمل عن الشقاق
(وقوله: محمد) بالجر بدل من أشرف، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على أنه مفعول لفعل
محذوف. (قوله: وآله) معطوف على أشرف، والضمير يعود على محمد: أي وصلى الله وسلم على آل محمد، أي
أتباعه، ولو عصاة لان المقام مقام دعاء. والعاصي أحوج إلى الدعاء من غيره. (قوله: وأصحابه) معطوف على أشرف،
والضمير يعود على سيدنا محمد: أي وصلى الله وسلم على أصحابه، وهو جمع صاحب، والمراد به صاحب النبي (ص)،
وهو من اجتمع بنبينا (ص) اجتماعا متعارفا مؤمنا به، ولو أعمى وغير مميز.
فإن قلت: لم قدم الآل على الأصحاب مع أن فيهم من هو أشرف الأنام بعد المصطفى (ص) وهو أبو بكر.
فالجواب أن الصلاة على الآل ثبتت بالنص في قوله (ص) قولوا: اللهم صل على محمد وآله الحديث، وعلى
الصحب بالقياس على الآل، فاقتضى ذلك التقدم.

387
(قوله: وأزواجه) معطوف أيضا على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد، أي وصلى الله على أزواجه، وهو
جمع زوج يقال للرجل والمرأة، ويقال للمرأة أيضا زوجة. والمراد هنا نساؤه (ص) الطاهرات المطهرات اللاتي اختارهن
الله تعالى لنبيه وخيرة خلقه ورضيهن أزواجا له في الدنيا والآخرة حتى استحققن أن يصلي عليهن مع (ص)، وأنزل الله في
شأنهن ما أنزل من إيتائهن أجورهن مرتين، وكونهن لسن كأحد من النساء: اه‍. شرح الدلائل للفاسي. (قوله: عدد
الخ) منصوب على النيابة عن المصدر لصلى وسلم: أي صلى وسلم صلاة وسلاما عددهما مساو لعدد ما ذكر. (وقوله:
معلوماته) أي الله سبحانه وتعالى: أي ما تعلق به علم الله تعالى من الواجبات والجائزات والمستحيلات. (قوله: ومداد
كلماته) أي الله، قال في شرح الدلائل. مداد - بكسر الميم - وهو ما يكثر به ويزاد، قال في المشارق: أي قدرها. وقال
السيوطي في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير: أي مثل عددها. وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة بمعيار كيل، أو
وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب لان الكلام لا يدخل في الكيل،
والوزن بل في العدد. اه‍. (قوله: وحسبنا الله) أي كافينا الله، فحسب بمعنى كافي، فهو بمعنى اسم الفاعل، وهو خبر
مقدم، والله مبتدأ مؤخر. وقيل إن حسب اسم فعل بمعنى يكفي والله فاعله، والمعنى على الأول الله كافينا، وعلى الثاني
يكفينا الله. قال الله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *. فمنى اكتفى بالله كفاه، وأعطاه سؤاله ومناه، وكشف
همه، وأزال غمه، كيف لا ومن التجأ إلى ملك من الملوك حفظه وسلك به أحسن السلوك؟ فالأولى بذلك من يحتسب
رب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين. (قوله: ونعم الوكيل) أي الله، فالمخصوص بالمدح محذوف، والجملة
معطوفة على جملة حسبنا الله، من عطف الانشاء على الانشاء، إن جعلنا جملة حسبنا الله لانشاء الاحتساب، فإن
جعلناها للاخبار كان من عطف الانشاء على الخبر، وفي جوازه خلاف، والأكثرون على منعه. ولذلك قال بعضهم:
وعطفك الإنشا على الاخبار وعكسه فيه خلاف جاري
فابن الصلاح وابن مالك أبوا * جوازه فيه وبالجل اقتدوا
وجوزته فرقة قليلة * وسيبويه وارتضى دليله
ثم إن وكيل فعيل بمعنى مفعول، وقيل إنه بمعنى فاعل. والمعنى على الأول: ونعم الموكول إليه الامر، لان عباده
وكلوا أمورهم إليه، واعتمدوا في حوائجهم عليه. والمعنى على الثاني: ونعم القائم على خلقه بما يصلحهم، فوكل أمور
عباده إلى نفسه وقام بها فرزقهم وقضى حوائجهم ومنحهم كل خير ودفع عنهم كل ضير. للهم اجعلنا من المعتمدين
عليك، المفوضين جميع أمورنا إليك. (قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول عن معصية الله إلا بطاعة الله، ولا
قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله. (وقوله: العلي) أي الرفيع فوق خلقه وليس فوقه شئ، فالمراد به علو قدر ومنزلة
، وقيل العلي بالملك والسلطنة والقهر، فلا أعلى منه أحد. (وقوله: العظيم) أي شأنه وقدره.
واعلم أنه جاء في فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم شئ كثير، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن
عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله (ص): أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فإنها كنز من كنوز الجنة، وفيها شفاء من تسعة وتسعين داء، أيسرها الهم. وفي رواية: أكثروا من ذكر لا حول ولا قوة إلا
بالله فإنها تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من الضرر أدناها الهم. ومن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله (ص): من أبطأ عليه رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم. وفي رواية البخاري ومسلم: أنها كنز من كنوز الجنة. ومن ذلك ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده إلى
رسول الله (ص) أنه قال: من قال في كل يوم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة لم يصبه الفقر أبدا. ومن ذلك



(1) سورة الطلاق، الآية: 3.
388
ما روي: أن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أسر المشركون ابنا له يسمى سالما فأتى رسول الله (ص) فقال:
يا رسول الله أسر ابني، وشكى إليه الفاقة، فقال عليه الصلاة والسلام ما أمسى عند آل محمد الأمد، فاتق الله واصبر،
وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ففعل، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل
عنها العدو فاستاقها. وفي الفشني على الأربعين النووية: ومن الأدعية المستجابة أنه إذا دخل بالشخص أمر ضيق،
يطبق أصابع يده اليمنى ثم يفتحها بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم لك الحمد، ومنك الفرج، وإليك
المشتكى، وبك المستعان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهي فائدة عظيمة. اه‍. وبالجملة فلا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم لها تأثير عظيم في طرد الشياطين والجن، وفي جلب الرزق والغنى، والشفاء وتحصيل القوة، ودفع
العجز، وغير ذلك.
(قوله: يقول المؤلف الخ) هذه الجملة يحتمل أن تكون من المؤلف، ويكون جاريا على طريقة الالتفات، إذ حقه
أن يقول أقول كما في قول ابن مالك في أول ألفيته:
قال محمد هو ابن مالك
ويحتمل أن تكون من بعض الطلبة أدخلها على قول المؤلف فرغت الخ، والأول أقرب. (قوله: عفا الله عنه الخ)
جملة دعائية. (قوله: فرغت الخ) الجملة مقول القول. (قوله: ضحوة) ظرف متعلق بفرغت، وهي بفتح الضاد وسكون
الحاء، مثل قرية، والجمع ضحى: مثل قرى. اسم للوقت، وهو من ارتفاع الشمس كرمح إلى الزوال. (قوله: الرابع
والعشرين) بدل من يوم الجمعة. (وقوله: من شهر رمضان) متعلق بمحذوف حال من الرابع والعشرين: أي حال كون
الرابع والعشرين كائنا من شهر رمضان وفي المصباح: أن رجب الشهر مصروف، وإن أريد به معين، وأما باقي الشهور
فجمادي ممنوع لألف التأنيث وشعبان ورمضان للعلمية والزيادة، والباقي مصروف. اه‍. (قوله: المعظم) صفة لشهر
رمضان. (وقوله: قدره) نائب فاعله. (قوله: سنة الخ) متعلق بمحذوف حال من شهر رمضان: أي حال كونه كائنا في
سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة من هجرة النبي (ص) (قوله: وأرجو الله) الرجاء بالمد تعلق القلب بمرغوب فيه مع الاخذ في
الأسباب، فإن لم يكن معه أخذ في الأسباب فطمع وهو مذموم، وأما الرجا بالقصر فهو الناحية. والأول هو المراد هنا.
والمعنى أطلب وأؤمل أملا من الله أن يقبل هذا الشرح الخ، وإنما أعاد طلب ما ذكر مع أنه قد طلبه أولا بقوله أعتقنا الله
الخ، لان الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء كما جاء في الحديث. (وقوله: سبحانه وتعالى) لما ذكر الاسم
الكريم ناسب أن يأتي بما ذكر، لأنه يطلب من العبد أنه متى ذكر المولى أتى بما يدل على تنزيهه عما لا يليق به. ومعنى
سبحانه: تنزهه عن كل ما لا يليق بجلاله، ومعنى تعالى: تباعد وارتبع عما يقوله الظالمون من اتخاذ الولد، أو الشريك،
أو نحو ذلك. (قوله: أن يقبله) أي هذا الشرح والمصدر المؤول من أن والفعل مفعول أرجو. (قوله: وأن يعم النفع به)
أي وأرجو الله أن يعم النفع بهذا الشرح. وقد أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا،
وشاما ويمنا، وذلك لأنه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه ونفعنا بتراب أقدامه
آمين. (قوله: ويرزقنا) بالنصب عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يرزقنا الاخلاص في هذا الشرح. وقد تقدم الكلام
عليه آنفا. (قوله: ويعيذنا به) بالنصب أيضا على يقبله: أي وأرجو الله أن يجيرنا: أي ينقذنا بسبب هذا الشرح من
الهاوية: أي نار جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها. (قوله: ويدخلنا به الخ) بالنصب أيضا عطف على يقبله: أي وأرجو
الله أن يدخلنا بسببه في جنة عالية: أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الأمكنة، أو عالية القدر، لان فيها ما تشتهيه
الأنفس وتلذ الأعين. لا حرمنا الله والمسلمين منها. (قوله: وأن يرحم الخ) أي وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرحم الخ:

389
وهذا دعاء من المؤلف لمن نظر الخ. (قوله: نظر بعين الانصاف إليه) أي نظر بعين العدل إلى هذا الشرح. وفي الكلام
استعارة بالكناية حيث شبه العدل بإنسان ذي عين، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو عين، وفيه تنبيه على
أن من نظر إليه بعين الجور لا يدخل في دعاء المؤلف المذكور، وأنه لا اعتداد به. (قوله: ووقف الخ) معطوف على
نظر: أي ورحم الله امرأ وقف على خطأ في شرحي هذا فأطلعني عليه، وهذا تواضع من المؤلف رحمه الله تعالى، حيث
اعترف بأن شرحه هذا لم يأمن عدم وقوع الخطأ فيه. (قوله: أو أصلحه) أي أصلح ذلك الخطأ، وهذا إذن من المؤلف
لمن يكون أهلا أن يصلح ذلك الخطأ. والمراد بالاصلاح أن يكتب على الهامش لعله كذا، أو الصواب كذا. وليس
المراد أن يغير ما في الشرح على الحقيقة ويكتب بدله، لان ذلك لا يجوز، فإنه لو فتح باب ذلك لأدى إلى عدم الوثوق
بشئ من كتب المؤلفين، وذلك لان كل من طالع وظهر له شئ غير ما هو مقرر في الكتاب غيره إلى غيره، ويجئ من
بعده ويفعل مثل فعله، وهكذا فحينئذ لا يوثق بنسبة شئ إلى المؤلفين، لاحتمال أن ما وجد مثبتا في كلامهم يكون من
إصلاح بعض من وقف على كتبهم. قاله ع ش في كتابته على خطبة النهاية، وقال أيضا فيها: ليس كل اعتراض سائغا من
المعترض، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الأبشيطي وعبارته: لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال
خمسة شروط، وإلا فهو آثم مع رد إعتراضه عليه: كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه، وكونه يعلم أن ما
أخذه من كلام شخص معروف، وكونه مستحضرا لذلك الكلام، وكونه قاصدا للصواب فقط، وكون ما اعترضه لم يوجد
له وجه في التأويل إلى الصواب. اه‍. أقول وقد يتوقف في الشرط الأول، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره
بمراحل ما لا يجريه على لسان الأفضل. اه‍.
واعلم أنه لا بد في الاصلاح من التأمل وإمعان النظر، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة. وما أحسن ما قاله
الأخضري في نظم المنطق:
وأصلح الفساد بالتأمل وإن بديهة فلا تبدل
إذ قيل كم مزيف صحيحا * لأجل كون فهمه قبيحا
(قوله الحمد لله الخ) أي الثناء بالجميل مستحق لله رب العالمين. وحمد ثانيا تنبيها إلى أنه ينبغي الاكثار من
الحمد، إذ نعم الله على عبده في كل لحظة لا تنقطع، وليكون شاكرا ربه على إلهامه للحمد الأول، لان إلهامه إياه نعمة
تحتاج إلى الشكر عليها، وأيضا فيه إشارة إلى القبول، لان ختم الدعاء به علامة على إجابته. (قوله: اللهم صل وسلم)
لما أعاد الحمد لله ناسب أن يعيد الصلاة والسلام على رسول الله تبركا بهما ولقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي لا
أذكر إلا وتذكر معي يا محمد، وإشارة إلى القبول لان ختم الدعاء بهما علامة على إجابته. (وقوله: كلما ذكرك وذكره
الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون) هذه رواية، ويروى أيضا: كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون،
بذكر الذكر مرة في جانب الذاكرين ومرة في جانب الغافلين. وهذه الرواية الثانية سمع فيها احتمالات أربع. الأول: ما
ذكر من كونه بكاف الخطاب في الأول وهاء الغيبة في الثانية، الاحتمال الثاني: عكس هذا، وهو بهاء الغيبة في الأول
وكاف الخطاب في الثاني، الاحتمال الثالث بكاف الخطاب فيهما، الاحتمال الرابع: بهاء الغيبة فيهما. والاحتمال الأول
منها أولى لان الذاكرين لله أكثر من الغافلين عنه، والغافلين عن النبي (ص) أكثر من الذاكرين له، إذ المؤمنون بالنسبة
للكافرين كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وذكر الأكثر من جانب الله والأكثر في جانب النبي (ص) أبلغ في كثرة الصلاة



(1) سورة الشرح، الآية: 4.
390
عليه (ص). ثم أنه يحتمل أن يكون المراد من الذكر القلبي وهو الاستحضار، ويحتمل أن يكون المراد منه اللساني،
والمراد بالغفلة على الأول النسيان، وعلى الثاني السكوت كما يؤخذ من شرح الدلائل.
واعلم: أن أول من صلى بهذه الصيغة الإمام الشافعي رضي الله عنه. قال محمد بن عبد الحكم: رأيت الشافعي
رضي الله عنه في المنام فقلت له: ما فعل الله بك يا إمام؟ قال رحمني وغفر لي وزفت إلي الجنة كما تزف العروس.
فقلت: بماذا بلغت هذا الحال؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على رسول الله (ص)، قال، وقلت: كيف تلك
الصلاة؟ قال: اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت أخذت
الرسالة ونظرت فوجدت الامر كما رأيت. وقال بعض الصالحين: رأيت النبي (ص) فقلت: يا رسول الله ما جزاء الشافعي
عندك حيث قال في كتاب الرسالة وصلى الله على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال
(ص)، جزاؤه عندي أنه لا يوقف للحساب. واختلف هل يحصل للمصلي بنحو هذه الصيغة ثواب صلوات بقدر هذا
العدد، أو يحصل له ثواب صلاة واحدة لكنه أعظم من ثواب الصلاة المجردة عن ذلك؟ قولان. والمحققون على الثاني.
(قوله: وعلينا) معطوف على سيدنا محمد: أي وصل وسلم علينا، والضمير للمتكلم وحده، أو هو مع غيره من
جميع المسلمين. ففيه احتمالان، والثاني أولى كما تقدم. (وقوله: معهم) ظرف متعلق بكل من الفعلين المقدرين،
والإضافة لأدنى ملابسة، أي صل وسلم علينا مع صلاتك وسلامك عليهم: أي النبي (ص) وآله وأصحابه فتحصل لنا
الصلاة تبعا لهم.
واعلم: أن هذه الصلاة المفروغ منها قد احتوت على الصلاة على غير النبي (ص)، وقد اختلف في ذلك. والمعتمد
أنها إن كانت على سبيل التبعية كما هنا فهي جائزة، وإلا فممنوعة. واختلف في المنع هل هو من باب التحريم، أو كراهة
التنزيه، أو خلاف الأولى؟ والصحيح الذي عليه الأكثرون الثاني لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ويستحب
الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار. وأما قول بعض العلماء أن
الترضي خاص بالصحابة ويقال في غيرهم رحمه الله تعالى، فليس كما قال، بل الصحيح الذي عليه الجمهور
استحبابه. اه‍. ملخصا من شرح الدلائل.
(قوله: برحمتك الخ) الجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره، وارحمنا برحمتك، ويحتمل أن
يكون متعلقا بكل من صل وسلم: أي صل وسلم على من ذكر برحمتك: أي بفضلك الواسع لا بالوجوب عليك، فيكون
فيه إشارة إلى ما في الصحيح: سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. ويحتمل أن تكون الباء للقسم: أي وأقسم عليك في تنجيز ما سألته بحق
رحمتك التي وسعت كل شئ ولذا طمع فيها إبليس حيث لا يفيده الطمع. وقد ورد في الحديث عن سلمان
رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله (ص): إن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة
طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير
بعضها على بعض، حتى أن الفرس لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى هذه
الرحمة إلى التسعة والتسعين، فأكملها مائة رحمة فيرحم بها عباده. (وقوله: يا أرحم الراحمين) أي بعباده، فإنه تعالى
أرحم بالعبد من نفسه، وأشفق عليه من والديه، ولذا أحب توبته ورجوعه إليه، قال (ص): لله أشد فرحا بتوبة عبده من
أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة. رواه الشيخان. وفي الحديث: إن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم
الراحمين، فمن قالها ثلاثا، قال له الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل. رواه الحاكم عن أبي أمامة.
ويا أرحم الراحمين كنز من كنوز الجنة. ومن دعا به ألف مرة في جوف الليل لأي حاجة كانت من الحاجات الدنيوية

391
والأخروية قضى الله حاجته. اللهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اقض حوائجنا الدنيوية،
والأخروية، ووفقنا لاصلاح النية، بجاه سيدنا محمد خير البرية، وأهل بيته ذوي النفوس الزكية.
وهذا آخر ما يسر الله جمعه من حاشية فتح المعين بشرح قرة العين، وكان ذلك يوم الأربعاء بعد صلاة العصر
السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة ألف ومائتين وثمانية وتسعين، على يد مؤلفها راجي العفو والغفران من ربه
ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا. وقد جاءت بحمد الله حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل حاسد
وواشي، تقر بها أعين الناظرين، ويشفي بها صدور المتصدرين، وتنزل من القلوب منزلة الجنان، ومن العيون منزلة
الانسان. كيف وقد بذلت الجهد في توشيحها وترشيحها، وصرفت الوسع في تهذيبها وتنقيحها، مع أني أبدي الاعتذار،
لذوي الفضل والاقتدار، وأقول: قل أن يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات، مع عدم تأهلي
لذلك، وقصور باعي من الوصول لما هنالك، ومع ضيق الوقت وكثرة الاشغال، وتوالي الهموم على الاتصال، وترادف
القواطع، وتتابع الموانع، وعدم الكتب التي ينبغي أن تراجع في مثل هذا الشأن. وأرجو منهم إن رأوا خللا، أو عاينوا
زللا، أن يصلحوه بعد التأمل بإحسان، ولا يستغرب هذا من الانسان، خصوصا وقد قيل الانسان محل النسيان:
وما سمي الانسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب
ولله در ابن الوردي حيث يقول:
فالناس لم يصنفوا في العلم لكي يصيروا هدفا للذم
ما صنفوا إلا رجاء الاجر والدعوات وجميل الذكر
لكن فديت جسدا بلا حسد * ولا يضيع الله حقا لاحد
والله عند قوم كل قائل * وذو الحجا من نفسه في شاغل
فإذا ظفرت أيها الطالب بمسألة فاخمة فادع لي بحسن الخاتمة، وإذا ظفرت بعثرة فادع لي بالتجاوز والمغفرة.
وأتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأسأله من فضله العميم، متوسلا بنبيه الكريم، أن ينفع بها كما نفع بأصلها الخاص
والعام، ويقبلها بفضله كما أنعم بالاتمام، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وسببا للفوز بجنات النعيم. وأن يطهر
ظواهرنا بامتثال أوامر واجتناب نواهيه. وأن يخلص سرائرنا من شوائب الأغيار والشيطان ودواعيه، وأن يتفضل علينا
بالسعادة التي لا يلحقها زوال، وأن يذيقنا لذة الوصال بمشاهدة الكبير المتعال، وأن يلحقنا بالذين هم في رياض الجنة
يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون، وبالحور العين
يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون: * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها
ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا
يعملون) *. فنالوا بذلك السعادة الأبدية، وكانوا بلذائذ المشاهدة هم الواصلون. والصلاة والسلام على الواسطة
العظمى لنا في كل نعمة، وعلى آله وأصحابه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه وأخوانه ومحبيه ومشايخه والمسلمين أجمعين قد تم تحرير هذه الحاشية
المباركة إن شاء الله تعالى، يوم الاثنين المبارك بعد ظهر الثالث والعشرين من شهر شوال المعظم، قدره سنة ثلاثمائة
وألف 0031 من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف، (ص)، وجاء لله الحمد على أتم حال، وأحسن منوال، وذلك
بواسطة حبيبه المصطفى (ص)، وشيخي وأستاذي مربي الطالبين. ناشر شريعة سيد المرسلين. ورئيس العلماء
والمدرسين. ومفتي الأنام ببلد الله الأمين، مولانا العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان. وبواسطة بقية



(1) سورة الواقعة، الآية 17 - 24.
392
أشياخي الكرام. بدور الظلام. أطال الله في أعمارهم وأدام النفع بهم آمين. اللهم إنا نسألك بالطاهر النسب، الكريم
الحسب، خير العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أن تمحو من صحائفنا ما زل به البنان، أو
أخل به البيان، وأن تتقبل منا ما سطرنا، وأن تجعله حجة لنا لا حجة علينا، حتى نتمنى أننا ما كتبنا وما قرأنا، اللهم يا
محول الأحوال حول حالنا إلى أحسن حال، بحولك وقوتك يا عزيز يا متعال. اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها، ومن
العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الاحسان
أتمه، ومن الانعام أعمه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أنفعه، اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم اختم بالسعادة
آجالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا، واصبب سجال عفوك
على ذنوبنا، ومن علينا بإصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا، وثبتنا على
نهج الاستقامة. وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة، وخفف عنا ثقل الأوزار، وارزقنا عيش الأبرار، واكفنا
واصرف عنا شر الأشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وإخواننا وعشيرتنا وأصحابنا وأحبابنا من النار،
برحمتك يا عزيز يا غفار يا ستار يا حليم يا جبار، يا الله يا الله يا الله يا رحيم، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله
على خاتم الولاية النبوية الإرسالية، وعلى آله وأصحابه أرباب العناية الإلهية، وسلم تسليما. والحمد لله أولا وآخرا،
باطنا وظاهرا، والحمد لله مستغرق المحامد كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم
المولى ونعم النصير، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين.

393
/ 1