بحر الرائق (جزء 3) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحر الرائق (جزء 3) - نسخه متنی

زین العابدین بن ابراهیم ابن نجیم؛ محقق: زکریا عمیرات

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: البحر الرائق
المؤلف: ابن نجيم المصري
الجزء: 3
الوفاة: 970
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق: ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418 - 1997 م
المطبعة:
الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
البحر الرائق
كنز الدقائق
(في فروع الحنفية)
للشيخ الإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود المعروف بحافظ الدين النسفي
المتوفى سنة 710 ه‍
والشرح البحر الرائق
للإمام العلامة الشيخ زين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري الحنفي
المتوفى سنة 910 ه‍
ومعه الحواشي المسماة
منحة الخالق على البحر الرائق
للعلامة الشيخ محمد أمي عابدين بن عمر عابدين بن عبد العزيز المعروف بابن عابدين الدمشقي الحنفي
المتوفى سنة 1252 ه‍
ضبطه وخرج آياته وأحاديثه
الشيخ زكريا عميرات
تنبيه
وضعنا متن كنز الدقائق في أعلى الصفحات، ووضعنا أسفل منه مباشرة نص البحر الرائق
ووضعنا في أسفل الصفحات حواشي الشيخ ابن عابدين
الجزء الثالث
منشورات
محمد على بيضون
دار كتب العلمية
بيروت - لبنان

1
جميع الحقوق محفوظة
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظ لدار الكتب
العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة
أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا أو مجزءا أو تسجيله على أشرطة
كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات
ضوئية إلا بموافقة الناشر خطيا:
الطبعة الأولى
1418 ه‍ - 1997 م‍
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
العنوان: رمل الظريف شارع البحتري بناية ملكارت
تلفون وفاكس: 264398 - 266135 - 602123 (1 961):
صندوق بريد: 9424 - 11 بيروت لبنان

2
بسم الله الرحمن الرحيم
باب الجنايات
لما كانت الجناية من العوارض أخرها. وهي في اللغة ما تجنيه من شر أي تحدثه تسمية
بالمصدر من جنى عليه شرا، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جني
الثمر وهو أخذه من الشجر. وفي الشرع اسم لفعل محرم شرعا، سواء حل بمال أو نفس إلا
أن الفقهاء خصوه بالجناية على الفعل في النفس والأطراف، وخصوا الفعل في المال باسم
الغصب، والمراد هنا خاص وهو ما يكون حرمته بسبب الاحرام أو الحرم، وحاصل الأول
أنه الطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس أو الوجه وإزالة الشعر من البدن وقص الأظفار
والجماع صورة ومعنى أو معنى فقط وترك واجب من واجبات الحج والتعرض للصيد،
وحاصل الثاني التعرض لصيد الحرم وشجره فبدأ بالأول من الأول فقال: (تجب شاة إن طيب
محرم عضوا وإلا تصدق أو خضب رأسه بحناء أو ادهن بزيت) لأن الجناية تتكامل بتكامل
الارتفاق وذلك في العضو الكامل فيترتب عليه كمال الموجب وتتقاصر الجناية فيما دونه
فوجبت الصدقة. وقال محمد: يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل، فإن كان ذلك يبلغ
نصف العضو تجب عليه الصدقة قدر نصف قيمة الشاة، وإن كان يبلغ ربعا يجب عليه الصدقة
قدر ربع قيمة الشاة، وعلى هذا القياس، واختاره الإمام الأسبيجابي مقتصرا عليه من غير نقل
خلاف، ثم ما اختاره أصحاب المتون من أن الكثير هو العضو والقليل ما دونه هو ما صرح به
الإمام محمد عن الإمام في بعض المواضع، وقد أشار في بعض المواضع إلى أن الدم يجب
بالتطيب الكثير والصدقة بالقليل ولم يذكر العضو وما دونه، ففهم من ذلك الفقيه أبو جعفر
الهندواني أن الكثرة تعتبر في نفس الطيب لا في العضو، فلو كان كثيرا مثل كفين من ماء

3
الورد وكف من الغالية والمسك بقدر ما يستكثره الناس فإنه يكون كثيرا وإن كان قليلا في
نفسه والقليل ما يستقله الناس وإن كان في نفسه كثيرا وكف من ماء الورد يكون قليلا.
ووفق بعضهم بين القولين وصححه في المحيط وغيره. وقال في فتح القدير: إن التوفيق هو
التوفيق بأن الطيب إن كان قليلا فالعبرة للعضو لا للطيب، فإن طيب عضوا كاملا لزمه دم،
وإن كان أقل فصدقة، وإن كان الطيب كثيرا فالعبرة للطيب لا للعضو حتى لو طيب به ربع
عضو يلزمه دم وفيما دونه صدقة، ونظيره ما قاله محمد في تقدير النجاسة الكثيرة: اعتبر
المساحة في النجاسة الرقيقة واعتبر الوزن في النجاسة الكثيفة اه‍. ما في المحيط. وحاصله
أن ما في المتون محمول على ما إذا كان الطيب قليلا، أما إذا كان كثيرا فلا اعتبار بالعضو،
ولا يخفى أن ما ذكره محمد من اعتبار العضو صريح، وما ذكره من الكثرة إشارة يمكن حملها
على المصرح به فيتحد القولان ويترجح ما في المتون من اعتبار العضو وهو كالرأس والساق
والفخذ واليد.
وفي المبسوط والمحيط: إذا خضبت المرأة كفها بحناء يجب عليها دم قال: وجعل الكف
عضوا كاملا. وحقيقة التطيب أن يلزق ببدنه أو ثوبه طيبا، وما زاده في فتح القدير من فراشه
فراجع إليهما. والطيب جسم له رائحة طيبة مستلذة كالزعفران والبنفسج والياسمين والغالية
والريحان والورد والورس والعصفر، ولا فرق بين أن يلتزق بثوبه عينه أو رائحته فلذا صرحوا
أنه لو بخر ثوبه بالبخور فتعلق به كثير فعليه دم، وإن كان قليلا فصدقة لأنه انتفاع بالطيب
بخلاف ما إذا دخل بيتا قد أجمر فيه فعلق بثيابه رائحة فلا شئ عليه لأنه غير منتفع بعينه.
ولا بأس أن يجلس في حانوت عطار، ولا فرق أيضا بين أن يقصده أولا ولذا قال في

4
المبسوط: وإن استلم الركن فأصاب فمه أو يده خلوف كثير فعليه دم وإن كان قليلا فصدقة.
وفي المجمع: ونوجبه في الناسي لا الصبي ونعكس في شمه وأكل كثيره موجب له، وفي
قليله صدقة بقدره اه‍. فعلم أن مفهوم شرطه أنه لو شم الطيب فإنه لا يلزمه شئ وإن كان
مكروها كما لو توسد ثوبا مصبوغا بالزعفران، وما ذكره المصنف قاصر على الطيب الملتزق
بالبدن، وأما الملتزق بالثياب فلم يمكن اعتبار العضو فيه فيعتبر فيه كثرة الطيب وقلته وهو
مرجح بقول الهندواني المتقدم فإنه يعم البدن والثوب ولا يجوز له أن يمسك مسكا في طرف
إزاره. وفي فتح القدير: وكان المرجع في الفرق بين القليل والكثير العرف إن كان وإلا فما
يقع عند المبتلى. وما في المجرد إن كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما يطعم نصف
صاع من بر، وإن كان أقل من يوم فصدقة يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في
حد القليل وعلى تقدير الطيب في الثوب بالزمان بخلاف تطييب العضو فإنه لا يعتبر فيه
الزمان حتى لو غسله من ساعته فالدم واجب كما في فتح القدير، ولذا أطلقه في المتن. قيد
بكونه تطيب وهو محرم لأنه لو تطيب قبل الاحرام ثم انتقل بعده من مكان إلى آخر من بدنه
فإنه لا شئ عليه اتفاقا. وإذا وجب الجزاء بالتطيب فلا بد من إزالته من بدنه أو ثوبه لأنه
معصية فلا بد من الاقلاع عنها. وذبح الهدى لا يبيح بقاءه فلو لم يزله بعدما كفر له اختلفوا

5
في وجوب دم آخر لبقائه، وأظهر القولين الوجوب لأن ابتداءه كان محظورا فيكون لبقائه
حكم ابتدائه والرواية توافقه وهي ما في المبتغى عن محمد: إذا مس طيبا كثيرا فأراق له دما
ثم ترك الطيب على حاله يجب عليه لتركه دم آخر، ولا يشبه هذا الذي تطيب قبل أن يحرم ثم
أحرم وترك الطيب لأنه لم يكن محظورا واختاره في المحيط. وفي فتح القدير: وقد علم من
بيانه حكم العضو وما دونه أن ما زاد عليه فهو كالعضو كما صرحوا به. ثم إنما تجب كفارة
واحدة بتطييب كل البدن إذا كان في مجلس واحد فإن كان في مجالس فلكل طيب كفارة كفر
للأول أولا عندهما. وقال محمد: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول. وإن داوى قرحة
بدواء فيه طيب ثم خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى فليس عليه إلا كفارة ما لم تبرأ
الأولى. ولو كان الطيب في أعضاء متفرقة يجمع ذلك، فإن بلغ عضوا كاملا فعليه دم
وإلا فصدقة. وفي المحيط: اكتحل بكحل ليس فيه طيب فلا بأس به، وإن كان فيه طيب
فعليه صدقة إلا أن يكون مرارا كثيرة فدم. والمراد بالمرار المرتان فأكثر كما صرح به قاضيخان
في فتاواه وقال: لو جعل الملح الذي فيه طيب في طعام قد طبخ وتغير وأكله لا شئ عليه
وإن لم يطبخ وريحه يوجد منه يكره ذلك ولا شئ عليه، ولو جعل الزعفران في الملح فإن
كان الزعفران غالبا فعليه كفارة، وإن كان الملح غالبا لا كفارة عليه اه‍.
وأشار بقوله شاة إلى أن سبع البدنة لا يكفي في هذا الباب بخلاف دم الشكر، ولو

6
قال المصنف عضوه بالإضافة كان أولى لما في الفتاوى الظهيرية: وإذا ألبس المحرم محرما أو
حلالا مخيطا أو طيبه بطيب فلا شئ عليه بالاجماع، وكذلك إذا قتل قملة على غيره اه‍.
وقوله: أو خضب رأسه معطوف على طيب. وإنما صرح بالحناء مع دخولها تحت الطيب
لقوله عليه السلام الحناء طيب للاختلاف. وإنما اقتصر على الرأس ولم يذكر اللحية كما
وقع في الأصل ليفيد أن الرأس بانفرادها مضمونة وأن الواو بمعنى أو في عبارة الأصل
بدليل الاقتصار على الرأس في الجامع الصغير. ولما كان مصرحا فيما يأتي بأن تغطية الرأس
موجبة للدم لم يقيد الحناء بأن تكون مائعة، فإن كانت ملبدة ففيه دمان دم للتطييب مطلقا ودم
للتغطية إن دام يوما وليلة وغطى الكل أو الربع، فلو كان التلبيد بغير الحناء لزمه دم أيضا.
والتلبيد أن يأخذ شيئا من الخطمي والآس والصمغ فيجعله في أصول الشعر ليتلبد، وما ذكره
رشيد الدين في مناسكه وحسن أن يلبد رأسه قبل الاحرام مشكل لأنه لا يجوز استصحابه
التغطية الكائنة قبل الاحرام بخلاف الطيب. كذا في فتح القدير. ويشكل عليه ما في
الصحيحين عن ابن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا
ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر. فلا
فرق بين التلبيد والطيب فإن كلا منهما محظور بعد الاحرام. وجاز استصحاب الطيب الكائن
قبل الاحرام بالسنة فكذلك التلبيد قبله بالسنة. وقيد الخضاب بالرأس لأن المحرمة لو خضبت

7
يدها أو كفها فعليها دم إن كان كثيرا فاحشا، وإن كان قليلا فعليها صدقة كما ذكره
الأسبيجابي وغيره بخلاف خضاب الرأس بالحناء فإنه موجب للدم مطلقا. وأما خضاب
اللحية فوقع في الهداية أن كلا من الرأس واللحية مضمون ولم يقل بالدم، وزاد الشارح أن
كلا منهما مضمون بالدم وهو سهو منه لأن اللحية مضمونة بالصدقة كما في معراج الدراية
معزيا للمبسوط، وقيد بالحناء لأنه لو خضب بالوسمة فليس عليه دم ولكن إن خاف أن يقتل
الهوام أطعم شيئا لأن فيه معنى الجناية من هذا الوجه ولكنه غير متكامل فيلزمه الصدقة كما
في المبسوط. والوسمة - بسكون السين وكسرها وهو الأفصح - شجر يخضب بورقه. وفي
الهداية: وعن أبي يوسف إذا خضب رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء
باعتبار أنه يغلف رأسه وهذا صحيح اه‍. يعني ينبغي أن لا يكون فيه خلاف لأن التغطية
موجبة بالاتفاق غير أنها للعلاج فلهذا ذكر الجزاء ولم يذكر الدم. والحناء منون في عبارة
المصنف لأنه فعال لا فعلاء ليمنع صرفه ألف التأنيث.
وقوله: أو ادهن بزيت معطوف على قوله طيب أطلقه فشمل ما إذا كان مطبوخا أو
غير مطبوخ، مطيبا أو غير مطيب، ولم يقيده بالكثير لما علم من تقييده في الطيب لأنه إذا فرق في الطيب بين العضو وما دونه فالزيت أولى لأنه لا خلاف في الطيب، وفي الزيت
الذي ليس بمطيب ولا مطبوخ خلافهما فقالا: يجب فيه صدقة لأن الجناية فيه قاصرة لأنه من
الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا لمعنى قتل الهوام وإزالة الشعث. وقال الإمام: يجب دم لأنه أصل

8
الطيب باعتبار أنه يلقى فيه الأنوار كالورد والبنفسج فيصير نفسه طيبا ولا يخلو عن نوع طيب
ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث. وأراد بالزيت دهن الزيتون والسمسم وهو
المسمى بالشيرج فخرج بقية الادهان كالشحم والسمن، وقيد بالادهان لأنه لو أكله أو داوى
به شقوق رجليه أو أقطر في أذنه لا يجب دم ولا صدقة بخلاف المسك والعنبر والغالية
والكافور ونحوها حيث يلزم الجزاء بالاستعمال على وجه التداوي لكنه يتخير إذا كان لعذر
كما سيأتي، وكذا إذا أكل الكثير من الطيب وهو ما يلتزق بأكثر فمه فعليه الدم. قال في فتح
القدير: وهذه تشهد لعدم اعتبار العضو مطلقا في لزوم الدم بل ذاك إذا لم يبلغ مبلغ الكثرة
في نفسه على ما قدمناه، وقد قدمنا عن قاضيخان أنه لو خلط الطيب بطعام من غير طبخ
فالعبرة للغالب، فإن كان الطيب مغلوبا فلا شئ أصلا، زاد بعضهم إلا أنه يكره إذا كان
رائحته توجد فيه، وإن كان غالبا فهو كالخالص، وهكذا في المحيط وغيره. وقالوا: ولو
خلطه بمشروب وهو غالب ففيه الدم، وإن كان مغلوبا فصدقة إلا أن يشرب مرارا فدم، فإن
كان للتداوي خير. وينبغي أن يسوي بين المأكول والمشروب المخلوط كل منهما بطيب
مغلوب، إما بعدم شئ أصلا كما هو الحكم في المأكول أو بوجوب الصدقة فيهما كما هو
الحكم في المشروب. وما فرق به في المحيط من أن الطيب مما يقصد شربه فإذا خلطه
بمشروب لم يصر تبعا لمشروب. وما فرق به في المحيط من أن الطيب مما يقصد شربه فإذا
خلط بمشروب لم يصر تبعا لمشروب مثله إلا أن يكون المشروب غالبا كما لو خلط اللبن بالماء
فشربه الصبي تثبت حرمة الرضاع إلا أن يكون الماء غالبا بخلاف أكله فإنه ليس مما يقصد
عادة، فإذا خلط بالطعام صار تبعا للطعام وسقط حكمه، ففيه نظر من وجهين: الأول أن
من الطيب ما يقصد أكلا إذا كان من المأكولات للمعنى القائم به وهو الطيبية إما مداواة أو
تنعما منفردا أو مخلوطا كما يقصد شربا. الثاني أن القصد من هذا الباب ليس بشرط لأن

9
الناسي والعامد والجاهل سواء. وذكر الحلبي في مناسكه أني لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر
الغلبة وظهر لي أنه إن وجد في المخالط رائحة الطيب كما قبل الخلط وحس الذوق السليم
بطعمه فيه حسا ظاهرا فهو غالب وإلا فهو مغلوب لأن المناط كثرة الاجزاء. ثم قال: لم
أرهم تعرضوا في هذه المسألة في التفصيل أيضا بين القليل والكثير كما في مسألة أكل الطيب
وحده وأنه بإثباته فيها أيضا لجدير. ويقال: إن كان الطيب غالبا وأكل منه أو شرب كثيرا
فعليه الكفارة وإلا فصدقة، وإن كان مغلوبا وأكل منه أو شرب كثيرا فصدقة وإلا فلا شئ
عليه. ولعل الكثير ما يعده العارف العدل الذي لا يشوبه شره ونحوه كثيرا والقليل ما عداه
ثم قال: ولا شئ في أكل ما يتخذ من الحلواء المبخرة بالعود ونحوه، وإنما يكره إذا كانت
رائحته توجد منه بخلاف الحلواء المسمى بالقاووت المضاف إلى أجزائها الماورد والمسك، فإن
في أكل الكثير دما والقليل صدقة والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأحوال.
قوله: (أو لبس مخيطا أو غطى رأسه يوما وإلا تصدق) معطوف على طيب بيان للثاني
والثالث من النوع الأول، وجمع بينهما لأن الحكم فيهما واحد من حيث التقدير بالزمان، فإن
قوله يوما راجع إلى اللبس والتغطية، وكذا قوله وإلا تصدق أي وإن كان لبس المخيط
وتغطية الرأس أقل من يوم لزمه صدقة لما علم أن كمال العقوبة بكمال الجناية وهو بكمال
الارتفاق وهو بالدوام لأن المقصود من كل منهما دفع الحر والبرد واليوم يشتمل عليهما

10
فوجب الدم والجناية قاصرة فيما دونه فوجبت الصدقة. والتحقيق أن تغطية الرأس من جملة
لبس المخيط فهي جناية واحدة لما سيأتي أنه لو لبس القميص والعمامة يلزمه دم واحد، عللوا
بأن الجناية واحدة. وحقيقة لبس المخيط أن يحصل بواسطة الخياطة اشتمال على البدن
واستمساك فلذا لو ارتدى بالقميص أو اتشح أو ائتزر بالسراويل فلا بأس به لأنه لم يلبسه
لبس المخيط لعدم الاشتمال، وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين ولم
يزره لعدم الاشتمال، أما إذا أدخل يديه أو زره فهو لبس المخيط لوجودهما بخلاف الرداء فإنه
إذا اتزر به لا ينبغي أن يعقده بحبل أو غيره، ومع هذا لو فعل لا شئ عليه لأنه لم يلبسه
لبس المخيط لعدم الاشتمال. أطلق في اللبس فشمل ما إذا أحدث اللبس بعد الاحرام أو
أحرم وهو لابسه فدام على ذلك بخلاف انتفاعه بعد الاحرام بالطيب السابق عليه قبله للنص
ولولاه لأوجبنا فيه أيضا. وشمل ما إذا كان ناسيا أو عامدا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها
فيجب الجزاء على النائم لو غطى إنسان رأسه لأن الارتفاق حصل له وعدم الاختيار أسقط
الاثم عنه كالنائم المنقلب على شئ أتلفه. وشمل ما إذا لبس ثوبا واحدا أو جمع اللباس كله
القميص والعمامة والخفين ولذا لم يقل لبس ثوبا كغيره، وبين المصنف حكم اليوم وما دونه
ولم يذكر حكم الزائد عليه ليفيد أنه كاليوم، فلو لبس المخيط ودام عليه أياما أو كان ينزعه
ليلا ويعاوده نهارا أو عكسه يلزمه دم واحد ما لم يعزم على الترك عند النزع، فإن عزم عليه
ثم لبس تعدد الجزاء كفر للأول أولا وفي الثاني خلاف محمد ولو لبس يوما فأراق دما ثم
داوم على لبسه يوما آخر كان عليه دم آخر بلا خلاف لأن للدوام فيه حكم الابتداء. وفي

11
الفتاوى الظهيرية: وعندي المودع إذا لبس قميص الوديعة بغير إذن المودع فنزعه بالليل للنوم
فسرق القميص في الليل، فإن كان من قصده أن يلبس القميص من الغد لا يعد هذا ترك
الخلاف والعود إلى الوفاق حتى يضمن، وإن كان من قصده أن لا يلبس القميص من الغد
كان هذا ترك الخلاف حتى لا يضمن. فالحاصل أن اللبس شئ واحد ما لم يتركه ويعزم على
الترك اه‍.
واعلم أن ما ذكرناه من إيجاب الجزاء إذا لبس جميع المخيط محله ما إذا لم يتعدد سبب
اللبس فإن تعدد كما إذا اضطر إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فإن لبسهما على موضع الضرورة
فعليه كفارة واحدة يتخير فيها، وإن لبسهما على موضع الضرورة وغيره لزمه كفارتان يتخير
فيما للضرورة فقط. ومن صور تعدد اللبس واتحاده ما إذا كان به مثلا حمى يحتاج إلى اللبس

12
لها ويستغنى عنه في وقت زوالها فإن عليه كفارة واحدة وإن تعدد اللبس ما لم تزل عنه، فإن
زالت وأصابه مرض آخر أو حمى غيرها فعليه كفارتان كفر للأولى أولا خلافا لمحمد في
الثاني. وكذا إذا حصره عدو فاحتاج إلى اللبس للقتال أياما يلبسها إذا خرج إليه وينزعها إذا
رجع فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو، فإن ذهب وجاء عدو غيره لزمه كفارة
أخرى. والأصل في جنس هذه المسائل أنه ينظر إلى اتحاد الجهة واختلافها لا إلى صورة اللبس
كيف كانت، ولو لبس لضرورة فزالت فدام بعدها يوما ويومين فما دام في شك من زوال
الضرورة فليس عليه إلا كفارة واحدة، وإن تيقن زوالها كان عليه كفارة أخرى لا يتخير
فيها. هكذا ذكروا. وذكر الحلبي في مناسكه أن مقتضاه أنه إذا لبس شيئا من المخيط لدفع
برد ثم صار ينزع ويلبس كذلك ثم زال ذلك البرد ثم أصابه برد آخر غير الأول عرف ذلك
بوجه من الوجوه المفيدة لمعرفته فلبس لذلك أنه يجب عليه كفارتان اه‍. وشمل كلامه أيضا ما
إذا لم يجد غير المخيط فلذا قال في المجمع: ولو لم يجد إلا السراويل فلبسه ولم يفتقه نوجبه أي
الدم. وأطلق في التغطية فانصرفت إلى الكامل وهو ما يغطى به عادة كالقلنسوة والعمامة
فخرج ما لا يغطى به عادة كالطست والإجانة والعدل فلا شئ عليه. وعلى هذا يفرع ما في
الظهيرية: ما لو دخل المحرم تحت ستر الكعبة وإن كان يصيب وجهه ورأسه فهو مكروه لا
شئ عليه وإلا فلا بأس به، وظاهر ما في المتون يقتضي أنه لا بد من تغطية جميع الرأس في
لزوم الدم، وما رأيته رواية ولهذا لم يصرحوا بحكم ما دونها وإنما المنقول عن الأصل اعتبار
الربع ومشى عليه كثير واختاره في الظهيرية مقتصرا عليه، وعزاه في الهداية إلى أنه عن أبي
حنيفة، وعن محمد اعتبار الأكثر وهو مروي عن أبي يوسف أيضا كما اعتبر أكثر اليوم في
لزوم الدم، واختاره في فتح القدير من جهة الدراية. فالحاصل أن الربع راجح رواية والأكثر

13
راجح دراية باعتبار أن تكامل الجناية لا يحصل بما دون الأكثر بخلاف حلق ربع الرأس فإنه
معتاد. ويتفرع على هذا ما لو عصب رأسه بعصابة فعلى اعتبار الربع إن أخذت قدره من
الرأس لزمه دم، وإن كان أقل فصدقة. فما في المبسوط والظهيرية من أنه لو عصب رأسه
يوما فعليه صدقة، محمول على ما إذا لم تأخذ قدر الربع أو مفرع على اعتبار الأكثر. وأراد
بالرأس عضوا يحرم تغطيته على المحرم فدخل الوجه، فلو غطى ربعه لزمه دم رجلا كان أو
امرأة، وخرج ما لا يحرم تغطيته فلا شئ عليه لو عصب موضعا آخر من جسده ولو كثر
لكنه يكره من غير عذر كعقد الإزار وتخليل الرداء، ولا بأس بأن يغطي أذنيه وقفاه ومن لحيته
ما هو أسفل من الذقن بخلاف فيه وعارضه وذقنه، ولا بأس بأن يضع يده على أنفه دون
ثوب. وبين المصنف حكم اليوم وما دونه فأفاد أن الليلة كاليوم كما صرح به في غاية البيان
والمحيط لأن الارتفاق الكامل الحاصل في اليوم حاصل في الليلة وأن ما دونها كما دونه.
وأطلق في وجوب الصدقة فيما دون اليوم فشمل الساعة الواحدة وما دونها خلافا لما في
خزانة الأكمل أنه في ساعة واحدة نصف صاع وفي أقل من ساعة قبضة من بر ولما روي عن
محمد أن في لبس بعض اليوم قسطه من الدم كثلث اليوم فيه ثلث الدم وفي نصفه نصفه.
ومن الغريب ما في فتاوى الظهيرية هنا فإن لبس ما لا يحل له لبسه من غير ضرورة أراق
لذلك دما فإن لم يجد صام ثلاثة أيام اه‍. فإن الصوم لا مدخل له في وجوب الجناية بل
يكون الدم في ذمته إلى الميسرة وإنما يدخل الصوم فيما إذا فعل شيئا للعذر كما سيأتي.
قوله: (أو حلق ربع رأسه أو لحيته وإلا تصدق كالحالق أو رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو
محجمة) معطوف على طيب، وقوله أو لحيته بالجر معطوف على رأسه أي حلق ربع
لحيته، وقوله وإلا أي وإن كان حلق أقل من ربع الرأس أو أقل من ربع اللحية يلزمه
صدقة كما يلزم المحرم إذا حلق رأس غيره وقوله أو رقبته وما عطف عليه معطوف على الربع
أي يجب الدم بحلق المحرم رقبته كلها أو بحلق إبطيه أو أحدهما أو بحلق محاجمه. والمحجمة
هنا بالفتح موضع المحجة من العنق، والمحجة بالكسر قارورة الحجام، وكذا المحجم بطرح
الهاء. وقولهم يجب غسل المحاجم يعني مواضع الحجامة من البدن. كذا في المغرب. وإنما

14
كان حلق ربع الرأس أو ربع اللحية موجبا للدم لتكامل الجناية بتكامل الارتفاق لأن بعض
الناس يعتاده بخلاف تطييب ربع العضو فإن الجناية فيه قاصرة، وكذا تغطية ربع الرأس على
قول من اعتبر الأكثر. وإذا حلق أقل من الربع فيهما تقاصرت الجناية فوجبت الصدقة،
واعتبار الربع في الحلق رواية الجامع الصغير اعتمدها المشايخ، وأما رواية الأصل فاعتبار
الثلث. وفي المحيط: وعند أبي حنيفة يجب الدم بحلق الأكثر اه‍. وأراد المصنف بالحلق
الإزالة سواء كان بالموسى أو بغيره، وسواء كان مختارا أولا، فلو أزاله بالنورة أو نتف لحيته
واحترق شعره بخبزة أو مسه بيده فسقط فهو كالحلق كما في المحيط وغيره بخلاف ما إذا
تناثر شعره بالمرض أو النار فلا شئ عليه لأنه ليس للزينة وإنما هو شين. كذا في المحيط
أيضا. وأطلق في وجوب الصدقة فيما إذا حلق أقل من ربع الرأس أو اللحية فشمل ما إذا
بقي شئ بعد الحلق أولا، فكذا لو كان أصلع على ناصيته أقل من ربع الرأس فإنما فيه
صدقة، وكذا لو حلق كل رأسه وما عليه أقل من ربع شعره كما أطلق وجوب الدم بحلق
الربع، فلذا لو كان على رأسه قدر ربع شعره لو كان شعر رأسه كاملا ففيه دم. قال في فتح
القدير: وعلى هذا يجئ مثله فيمن بلغت لحيته الغاية في الخفة وعلم من إيجابه الدم بحلق
أحد الإبطين أو الإبطين أن جناية الحلق واحدة وإن تعددت في البدن، فلذا لو حلق رأسه
ولحيته وإبطيه بل كل بدنه في مجلس واحد فدم واحد بشرطين: الأول أن لا يكون كفر
للأول، فلو أراق دما لحلق رأسه ثم حلق لحيته لزمه آخر. الثاني أن يتحد المجلس فإذا
اختلف المجلس فلكل مجلس موجب جنايته إن تعدد المحل كما ذكرنا، وإن اتحد فدم واحد.

15
وإن اختلف المجلس كما إذا حلق الرأس في مجالس وخالف محمد فيما إذا تعدد المحل فألحقه
بما إذا اتحد، وظاهر قول المصنف وإلا تصدق أن في إزالته لشعر الرأس أو اللحية إذا كان
أقل من الربع نصف صاع ولو كان شعرة واحدة فإنهم قالوا: كل صدقة في الاحرام غير
مقدرة فهي نصف صاع من بر إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة كما أن واجب الدم يتأدى
بالشاة في جميع المواضع إلا في موضعين: من طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء، ومن
جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الطواف فإنه بدنة. كذا في الهداية وغيرها لكن ذكر قاضيخان
في فتاواه أنه إن نتف من رأسه أو من أنفه أو لحيته شعرات فلكل شعرة كف من طعام. وفي
خزانة الأكمل: في خصلة نصف صاع. فظهر بهذا أن في كلام المصنف اشتباها لأنه لم يبين
الصدقة ولم يفصلها.
وأطلق في لزوم الصدقة على الحالق فشمل ما إذا كان محرما، سواء كان المحلوق محرما
أولا أو حلالا والمحلوق رأسه محرم، ولا يرد عليه ما إذا كانا حلالين لأنه ليس بجناية منهما
وكلامه فيما يكون جناية. وإنما لزمه الصدقة فقط لقصور جنايته لأنه ينتفع بإزالة شعر غيره
انتفاعا قليلا بخلاف المحلوق، وإنما صار جناية من الحالق الحلال باعتبار أن شعر المحرم

16
استحق الامن وقد أزاله عنه فكان جانيا. وإذا كان المحلوق رأسه مكرها وجب الدم عليه ولا
رجوع له على الحالق عندنا كذا في المحيط. وظاهر كلامه أنه لا بد من حلق جميع الرقبة
والإبط والمحجمة في لزوم الدم بكل منهم، فلو بقي من الرقبة أو الإبط شئ لا يلزمه دم
وإن كان قليلا ولهذا قال الأسبيجابي: ولو حلق من أحد الإبطين أكثره وجبت الصدقة. فعلى
هذا فما صرح به من المحيط من أن الأكثر من الرقبة كالكل في لزوم الدم وأن الأصل أن كل
عضو له نظير في البدن لا يقوم أكثره مقام كله، وكل عضو لا نظير له في البدن كالرقبة
يقوم أكثره مقام كله. وما في فتاوى قاضيخان من أن في الإبط إذا كان كثير الشعر يعتبر فيه
الربع لوجوب الدم وإلا فالأكثر، ضعيف لأنه لم يقيد أحد حلق ربع غير اللحية والرأس
فليس فيه ارتفاق كامل، ولهذا قال الشارح: ثم الربع من هذه الأعضاء لا يعتبر بالكل لأن
العادة لم تجر في هذه الأعضاء بالاقتصار على البعض فلا يكون حلق البعض ارتفاقا كاملا
حتى لو حلق أكثر الإبط لا يجب عليه إلا صدقة بخلاف الرأس واللحية ا ه‍. فالمذهب ما
في الكتاب من اعتبار الربع في الرأس واللحية والكل في غيرها في لزوم الدم. وأراد بالرقبة
وما عطف عليها ما عدا الرأس واللحية كالصدر والساق والعانة كالرقبة لكن في فتاوى
قاضيخان: وفي حلق العانة دم إن كان الشعر كثيرا ه‍. فشرط كثرة الشعرة فصار الحاصل
أن فيما عدا الرأس واللحية إن حلق عضوا كاملا فعليه دم، وإن كان أقل فعليه صدقة. وفي
المبسوط: ومتى حلق عضوا مقصودا بالحلق فعليه دم، وإن حلق ما ليس بمقصود فصدقة ثم
قال: ومما ليس بمقصود حلق الصدر والساق ورجحه في فتح القدير، ودفع ما في الهداية
من أنه مقصود بطريق التنور بأن القصد إلى حلقهما إنما هو في ضمن غيرهما إذ ليست العادة
تنوير الساق وحده بل تنوير المجموع من الصلب إلى القدم فكان بعض المقصود بالحلق،
فالحق أن يجب كل منهما الصدقة ا ه‍. فعلى هذا فالتقييد بالرقبة وما عطف عليه للاحتراز عن
الصدر والساق بما ليس بمقصود. وأطلق في المحجمة وهو مقيد بما إذا كان الحلق لهذا
الموضع وسيلة إلى الحجامة، فلو حلقها ولم يحتجم لزمه صدقة لأنه غير مقصود كما في فتح

17
القدير. وفي فتح القدير: واعلم أنه يجمع المتفرق في الحلق كما في الطيب وفي الهداية ذكر
في الإبطين الحلق هنا وفي الأصل النتف وهو السنة. وفي النهاية: وأما العانة فالسنة فيها
الحلق لما جاء في الحديث عشر من السنة منها الاستحداد (1) وتفسيره حلق العانة بالحديد.
قوله: (وفي أخذ شاربه حكومة عدل) مخالف لما أفاده أولا بقوله وإلا تصدق فإن
الشارب بعض اللحية وهو إذا كان أقل من الربع ففيه الصدقة ومبني على ضعيف وهو قول
محمد في تطييب بعض العضو حيث قال: يجب بقدره من الدم، وأما المذهب فوجوب
الصدقة. فالحاصل كما في المحيط أن في حلق الشارب ثلاثة أقوال: المذهب وجوب الصدقة
كما ذكره في الكافي للحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد وصححه في غاية البيان
والمبسوط لأنه تبع للحية وهو قليل لأنه عضو صغير، وسواء حلقه كله أو بعضه. والقول
الثاني ما ذكره في الكتاب تبعا لما في الهداية أنه ينظر إلى الشارب كم يكون من ربع اللحية
فيلزمه من الصدقة بقدره حتى لو كان مثل ربع ربعها لزمه ربع قيمة الشاة أو ثمنها فثمنها.
وفي فتح القدير: والواجب أن ينظر إلى نسبة المأخوذ من ربع اللحية معتبرا معها الشارب كما
يفيده ما في المبسوط من كون الشارب طرفا من اللحية هو معها عضوا واحد لا أنه ينسب إلى
ربع اللحية غير معتبر الشارب معها، فعلى هذا إنما يجب ربع قيمة الشاة إذا بلغ المأخوذ من
الشارب ربع المجموع من اللحية مع الشارب لا دونه ا ه‍. القول الثالث لزوم الدم يحلقه لأنه
مقصود بالحلق يفعله الصوفية وغيرهم، وقد ظن صاحب الهداية من تعبير محمد في الجامع
الصغير هنا بالأخذ أن السنة قص الشارب لا حلقه ردا على الطحاوي القائل بسنية الحلق

18
وليس كما ظن لأن محمدا لم يقصد هنا بيان السنة وإنما قصد بيان حكم هذه الجناية بإزالة
الشعر بأي طريق كان، ولهذا ذكر الحلق في الإبط. واختار في الهداية سنية النتف لا الحلق
ولان الاخذ أعم من الحلق لأن الحلق أخذ وليس القص متبادرا من الاخذ والوارد في
الصحيحين أحفوا الشوارب واعفوا اللحى وهو المبالغة في القطع، فبأي شئ حصل
حصل المقصود غير أنه بالحلق بالموسى أيسر منه بالقصة فلذا قال الطحاوي: الحلق أحسن من
القص وقد يكون مثله بسبب بعض الآلات الخاصة بقص الشارب، وأما ذكر القص في
بعض الأحاديث فالمراد منه المبالغة في الاستئصال. وبما قررناه اندفع ما في البدائع من أن
الصحيح أن السنة فيه القص وإعفاء اللحية تركها حتى تكث وتكثر والسنة قدر القبضة فما
زاد قطعه.
قوله: (وفي شارب حلال أو قلم أظفاره طعام) أي يجب طعام على محرم أخذ شارب
حلال أو قلم أظفاره لأن إزالته عن غيره ارتفاق لكنه قاصر فوجبت الصدقة أو لأنه أزال
الامن عن الشعر المستحق له، ثم المصنف تبع صاحب الهداية في جمعه بين الشارب وتقليم
الأظفار في وجوب الطعام ولم يذكر الصدقة، وقد تعقبه في غاية البيان بأنه إن أراد بالطعام

19
ما يعم القليل والكثير فهو غير صحيح بالنسبة إلى تقليم الأظفار لأن المنصوص عليه في
الرواية أن المحرم إذا قص أظافير حلال فإنه يجب عليه صدقة وهي نصف صاع، وإن أراد به
الصدقة التي هي نصف صاع التي هي المراد عند إطلاقهم الصدقة في هذا الباب فلا يصح
أيضا لأن المحرم إذا حلق شاربه وجبت عليه الصدقة، فإذا حلق شارب غيره أطعم ما شاء
كسرة خبز أو كفا من طعام لقصور الجناية، وقد وقع التعبير بإطعام شئ وجوبا للمسألتين
في الجامع الصغير لكنه أتى بمن التبعيضية في تقليم الأظفار فقال في المحرم يأخذ من
شارب الحلال أو يقص من أظفاره يطعم ما شاء، فسلم من الاعتراض فيكون المراد بما شاء
العموم ا ه‍. وأشار في فتح القدير إلى جوابه بأن المنقول في الأصل وكافي الحاكم أن المحرم
إذا حلق رأس حلال تصدق بشئ، وإذا حلق رأس محرم فعليه صدقة، وأن الجواب في قص
الأظفار كالجواب في الحلق ا ه‍. فقوله في غاية البيان أن المحرم إذا قص أظافير حلال
وجبت عليه الصدقة المعينة نصا معارض بالمنصوص عليه في ظاهر الرواية من التصدق بشئ
وهو يعم القليل والكثير بدليل مقابلته بما إذا حلق رأس محرم، فحينئذ المراد بالطعام في عبارة
الهداية ما يعم القليل والكثير وهو صحيح بالنسبة إلى الشارب والأظفار كلها. وبهذا علم أن
التقييد بالحلال ليخرج ما إذا قص المحرم أظافير محرم آخر فإنه يجب عليه الصدقة المعينة،
وظاهر ما في غاية البيان يقتضي أنه إذا حلق شارب غيره محرما كان أو حلالا فإنه يطعم ما
شاء، فليس الحلال قيدا بالنسبة إلى الشارب كما لا يخفى. وعلم أيضا أن قوله فيما مضى
كالحالق فيه اشتباه بالنسبة إلى المحلوق رأسه فإنه إن كان محرما فالتشبيه تام، وإن كان حلالا
فلا يتم لأن الواجب إطعام شئ لا الصدقة المعينة.
قوله: (أو قص أظفار يديه ورجليه بمجلس أو يدا أو رجلا وإلا تصدق كخمسة
متفرقة) معطوف على طيب أول الباب فيلزمه دم بالقص لأنه من المحظورات لما فيه من
قضاء التفث وإزالة ما ينمو من البدن، فإذا قلمها كلها فهو ارتفاق كامل، وكذا إذا قص يدا
أو رجلا إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق، وإن لم يقص يدا كاملة ولا رجلا كاملة فعليه

20
صدقة لتقاصر الجناية. قيد بالمجلس لأنه لو قص الكل في مجالس في كل مجلس عضو لزمه
أربعة دماء لأن الغالب في هذه الكفارة معنى العبادة فيتقيد التداخل باتحاد المجلس كما في آية
السجدة، سواء كفر للأولى أولا، وفي الأول خلاف محمد. وقيد التداخل بكونه من جنس
واحد لأنه لو قلم أظافير يده وحلق ربع رأسه وطيب عضوا فإنه يلزمه لكل جناية دم، سواء
اتحد المجلس أو اختلف اتفاقا. وقيد بكون المحل مختلفا لأنه لو كان متحدا كما إذا حلق
الرأس في أربع مرات فإنه لا تتعدد الكفارة اتفاقا، اتحد المجلس أو اختلف. وفيد بكونها
كفارة في الاحرام لأن كفارة الفطر في رمضان كما إذا أفسد أياما من رمضان تتعدد إن كفر
للأول وإن لم يكفر فكفارة واحدة اتفاقا لأنها شرعت للزجر، فالغالب فيها معنى العقوبة
وهذه شرعت لجبر النقصان. وفي قوله وإلا تصدق اشتباه لأنه يقتضي أن يلزمه صدقة
واحدة فيما إذا لم يقص يدا كاملة أو رجلا كاملة وليس كذلك، بل يلزمه لكل ظفر قصه
نصف صاع من بر حتى لو قص ستة عشر ظفرا من كل عضو أربعة فعليه لكل ظفر طعام
مسكين إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص ما شاء. كذا في المبسوط. وإنما صرح بالخمسة
المتفرقة مع أنها فهمت مما ذكره لدفع قول محمد المنقول في المجمع أن الخمسة المتفرقة كطرف
كامل فيجب دم فأفاد أن في كل ظفر من الخمسة صدقة كما قررناه قوله: (ولا شئ بأخذ
ظفر منكسر) لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من أشجار الحرم. قيد بالانكسار لأنه
لو أصابه أذى في كفه فقص أظافيره فعليه أي الكفارات شاء. كذا في غاية البيان. وأطلقه
فشمل ما إذا كان قد انكسر بعد الاحرام فأخذه أو كان منكسرا قبله فأخذه بعده وهو أولى مما
في الهداية كما لا يخفي، وأولى مما في الخانية من قوله ولو انكسر ظفر المحرم وصار بحال
لا يثبت فأخذه فلا شئ عليه لأن العلة المذكورة تشمل الكل. وفي فتح القدير: وكلما
يفعله العبد المحرم مما فيه الدم عينا أو الصدقة عينا فعليه ذلك إذا عتق لا في الحال ولا يبدل

21
بالصوم قوله: (وإن تطيب أو لبس أو حلق بعذر ذبح شاة أو تصدق بثلاثة أصوع على ستة أو
صام ثلاثة أيام) لقوله تعالى * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو
صدقة أو نسك) * (البقرة: 169) وكلمة أو للتخيير وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا.
والآية نزلت في المعذور وهو كعب بن عجرة الذي أذاه هو أم رأسه فأبيح له الحلق كما في
صحيح البخاري. وهي وإن نزلت في حلق الرأس لكن قيس الطيب واللبس والقص عليه
لوجود الجامع وهو المرض أو الأذى. كذا في غاية البيان. وظاهر النهاية أنه إلحاق له بطريق
الدلالة لأنه في معنى المنصوص عليه وهو الأولى لما عرف في الأصول أن ما ثبت بخلاف
القياس فغيره عليه لا يقاس فهو كإلحاق الأكل والشرب بالجماع في كفارة الفطر في رمضان.
وفسر العذر المبيح كما ذكره قاضيخان في فتاواه بخوف الهلاك من البرد والمرض أو لبس
السلاح للقتال. وهكذا في الظهيرية وفتح القدير، ولعل المراد بالخوف الظن لا مجرد الوهم
فإذا غلب على ظنه هلاكه أو مرضه من البرد جاز له تغطية رأسه مثلا أو ستر بدنه بالمخيط
لكن بشرط أن لا يتعدى موضع الضرورة فيغطى رأسه بالقلنسوة فقط إن اندفعت الضرورة
بها، وحينئذ فلف العمامة عليها حرام موجب للدم أو الصدقة كما قدمناه. وكذا إذا اندفعت
الضرورة بلبس جبة فلبس جبتين فإنه يكون آثما إلا أنه لا دم عليه حيث كان اللبس على
موضع الضرورة إنما يلزمه كفارة مخيرة كما قدمنا. ذكره الإمام ابن أمير حاج الحلبي في
مناسكه فليحفظ هذا فإن كثيرا من المحرمين يغفل عنه كما شاهدناه. فالحاصل أنه لا إثم عليه

22
إذا كان لعذر ويأثم إذا كان لغيره وصرحوا بالحرمة، ولم أر لهم صريحا هل ذبح الدم أو
التصدق مكفر لهذا الاثم مزيل له من غير توبة أو لا بد منها معه. وينبغي أن يكون مبنيا على
الاختلاف في الحدود هل هي كفارات لأهلها أو لا، وهل يخرج الحج عن أن يكون مبرورا
بارتكاب هذه الجناية وإن كفر عنها أولا، الظاهر بحثا لا نقلا أنه لا يخرج والله أعلم بحقيقة
الحال.
وقيد بالعذر لأنه لو فعل شيئا منها لغيره لزمه دم أو صدقة معينة ولا يجزئه غيره كما
صرح به الإمام الأسبيجابي. وبهذا ظهر ضعف ما قدمناه عن الظهيرية من أنه إن لم يقدر على

23
الدم يصوم ثلاثة أيام ولم أره لغيرها. وإنما لم يقيد المصنف ذبح الشاة بالحرم مع أنه مقيد به
اتفاقا لما سنبينه في باب الهدى أن الكل مختص بالحرم، فإن ذبح في غيره لا يجزئه عن الذبح
إلا إذا تصدق بلحمه على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع من حنطة
فإنه يجوز بدلا عن الاطعام. كذا ذكره الأسبيجابي ولا يختص بزمان اتفاقا. وأشار بقوله
ذبح إلى أنه يخرج عن العهدة بالذبح حتى لو هلك المذبوح بعده أو سرق فإنه لا شئ عليه
بخلاف ما إذا سرق وهو حي فإنه يلزمه غيره، ومقتضاه جواز الأكل منه كهدي المتعة
والقران والأضحية لكن الواقع لزوم التصدق بجميع لحمه كما سيأتي في بابه لأنه كفارة.
فالحاصل أن له جهتين: جهة الإراقة وجهة التصدق، فللأولى لا يجب غيره إذا سرق
مذبوحا، وللثانية يتصدق بلحمه ولا يأكل منه. كذا في فتح القدير. وأطلق في التصدق
والصوم فأفاد أن له التصدق في غير الحرم وفيه على غير أهله. قال في المحيط: والتصدق
على فقراء مكة أفضل. وإنما لم يتقيد بالحرم لاطلاق النص بخلاف الذبح لأن النسك في
اللغة الدم المهراق بمكة، ويقال للمذبوح لوجه الله تعالى، ويقال لكل عبادة ومنه قوله تعالى
* (إن صلاتي ونسكي) * (الانعام: 126) كما في المغرب. وأشار المصنف بلفظ التصدق الموافق
للفظ الصدقة المذكورة في الآية إلى أن طعام الإباحة لا يكفي لأن التصدق ينبئ عن التمليك
لقوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة) * (التوبة: 103) وحكى خلافا في المجمع بين أبي
يوسف ومحمد، فعند أبي يوسف تكفي الإباحة، وعند محمد لا بد من التمليك. ورجح في
غاية البيان قول أبي يوسف بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الصدقة بالاطعام هنا فكان ككفارة اليمين.
وتعقبه في فتح القدير بأن الحديث ليس مفسرا لمجمل بل مبين للمراد بالاطعام وهو حديث
مشهور علمت به الأمة فجازت الزيادة به. ثم المذكور في الآية الصدقة وتحقق حقيقتها
بالتمليك فيجب أن يحمل في الحديث الاطعام على الاطعام الذي هو الصدقة وإلا كان
معارضا، وغاية الامر أنه يعتبر بالاسم الأعم انتهى. فالحاصل ترجيح قول محمد رحمه الله
ولهذا قيل إن قول أبي حنيفة رحمه الله كقوله كما في الظهيرية لكن ذكر الأسبيجابي أن أبا

24
حنيفة مع أبي يوسف رحمهما الله. وأفاد المصنف بإطلاقه أن الصوم يجوز متفرقا ومتتابعا كما
صرح به الأسبيجابي. والأصوع على وزن أرجل جمع صاع، وظاهر كلامهم أنه لا بد من
التصدق على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع حتى لو تصدق بالثلاثة على أقل من ستة
أو على أكثر منها بها فإنه لا يجوز لأن العدد منصوص عليه في الحديث، وينبغي على القول
بجواز الإباحة أنه لو غدى مسكينا واحدا وعشاه ستة أيام يجوز أخذا من مسألة الكفارات
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل
قدم النوع السابق على هذا لأنه كالمقدمة له إذ الطيب وإزالة الشعر والظفر مهيجات
للشهوة لما يعطيه من الرائحة والزينة قوله: (ولا شئ عليه إن نظر إلى فرج امرأة بشهوة
فأمنى) لأن المحرم هو الجماع ولم يوجد فصار كما لو تفكر فأمنى، وعلم منه أنه لو احتلم
فأمنى لا شئ عليه بالأولى، وبإطلاقه أنه لا فرق بين زوجته والأجنبية وإن كان محرما قوله:
(وتجب شاة إن قبل أو لمس بشهوة) أطلقه فشمل ما إذا لم ينزل وهو موافق لما في المبسوط
حيث صرح بوجوب الدم وإن لم ينزل، واختاره في الهداية مخالفا لما في الجامع الصغير من
اشتراط الانزال، وصححه قاضي خان في شرحه ليكون جماعا من وجه فإن المحرم هو
الجماع صورة ومعنى أو معنى فقط وهو بالانزال. وعلل في النهاية وغيرها لوجوب الدم
بأن الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث فكان منهيا عنه بسبب الاحرام وبالاقدام عليه
يصير مرتكبا محظور إحرامه، وتعقبهم في فتح القدير بأن الالزام إن كان للنهي فليس كل نهي
يوجب كالرفث، وإن كان للرفث فكذلك إذ أصله الكلام بحضرتهن وليس موجبا شيئا

25
انتهى. وقد يقال: إن إيجاب الدم إنما هو لكونه ارتكب ما هو حرام بسبب الاحرام فقط
وليس ذكر الجماع بحضرة النساء منهيا عنه لأجل الاحرام فقط بل منهي عنه مطلقا وإن كان
في الاحرام أشد، وبهذا يظهر ترجيح إطلاق الكتاب لأن الدواعي محرمة لأجل الاحرام
مطلقا فيجب الدم مطلقا. وإنما لم يفسد الحج بالدواعي مع الانزال كما فسد بها الصوم لأن
فساده تعلق بالجماع حقيقة بالنص والجماع معنى دونه فلم يلحق به، وأما فساد الصوم فمعلق
بقضاء الشهوة وقد وجد. وفي المحيط: محرم عبث بذكره فلا شئ عليه وإن أنزل فعليه دم
لأنه وجد قضاء الشهوة بالمس كما لو مس امرأة فأنزل، ولو أتى بهيمة فأنزل لم يفسد حجه
وعليه دم كما لو جامع فيما دون الفرج، وإن لم ينزل فلا شئ عليه.
قوله: (أو أفسد حجه بجماع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة) معطوف على قبل قبل
أي تجب شاة لما ورد عن الصحابة من الفساد به ووجوب الهدي وأدناه شاة، ويقوم
الشرك في البدنة مقامها كما صرح به في غاية البيان. وما اختاره المصنف من الفساد بالجماع
في الدبر هو أصح الروايتين عن أبي حنيفة كقولهما لكمال الجناية كما في فتح القدير. ومراده
من آدمية، وأما وطئ البهيمة فلا يفسد مطلقا لقصوره. وأطلق في الجماع فشمل ما إذا أنزل
أو لم ينزل، أولج ذكره كله أو بقدر الحشفة. وفي معراج الدراية: ولو استدخلت ذكر الحمار
أو ذكرا مقطوعا يفسد حجها بالاجماع، ولو لف ذكره بخرقة وأدخله إن وجد حرارة الفرج
واللذة يفسد وإلا فلا انتهى. وشمل ما إذا كان عامدا أو ناسيا، عالما أو جاهلا، مختارا أو
مكرها، رجلا أو امرأة، ولا رجوع له على المكره كما ذكره الأسبيجابي. وحكى في فتح
القدير خلافا بين ابن شجاع والقاضي أبي حازم في رجوع المرأة بالدم إذا أكرهها الزوج على
الجماع فقال الأول لا، وقال الثاني نعم، ولم أر قولا في رجوعها بمؤنة حجها. وشمل الحر
والعبد لكن في العبد يلزمه الهدي وقضاء الحج بعد العتق سوى حجة الاسلام، وكل ما

26
يجب فيه المال يؤاخذ به بعد عتقه بخلاف ما فيه الصوم فإنه يؤاخذ به للحال. ولا يجوز إطعام
المولى عنه إلا في الاحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا أعتق فعليه حجة وعمرة.
وشمل الوطئ الحلال والحرام ووطئ المكلف وغيره كما صرح به في المحيط، وصرح
الولوالجي بأن الصبي والمعتوه يفسد حجهما بالجماع لكن لا دم عليهما، وفي مناسك ابن
الضياء: وإذا جامع الصبي حتى فسد حجه لا يلزمه شئ انتهى. وبهذا ظهر ضعف ما في
فتح القدير من قوله: ولو كان الزوج صبيا يجامع مثله فسد حجها دونه، ولو كانت هي صبية
أو مجنونة انعكس الحكم انتهى. فإن هذا حكم تعلق بعين الجماع وبالعذر لا
ينعدم الجماع فلا ينعدم الحكم المتعلق به، وإنما لم يلزمهما حكم الفساد لما فيه من الضرر، ويؤيده أن المفسد
للصلاة والصوم لا فرق فيه بين المكلف وغيره فكذلك الحج. وشمل ما إذا تعدد الجماع فإنه
يلزمه دم واحد إن كان المجلس متحدا، سواء كان لامرأة أو نسوة، أما إذا تعدد المجلس ولم
يقصد به رفض الحجة الفاسدة لزمه دم آخر عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولو نوى بالجماع
الثاني رفض الفاسدة لا يلزمه بالثاني شئ. كذا في فتاوى قاضيخان مع أن نية الرفض باطلة
لأنه لا يخرج عنه إلا بالاعمال لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد وهو تعجيل
الاحلال كانت متحدة فكفاه دم واحد، ولهذا نص في ظاهر الرواية أن المحرم إذا جامع
النساء ورفض إحرامه وأقام يصنع ما يصنعه الحلال من الجماع والطيب وقتل الصيد عليه أن
يعود كما كان حراما ويلزمه دم واحد كما ذكره في المبسوط.

27
قوله: (ويمضي ويقضي ولم يفترقا فيه) أي ويجب المضي في أفعال الحج بعد إفساده
كما يمضي فيه وهو صحيح ويلزمه قضاؤه من قابل، سواء كانت حجة الاسلام أولا، لأنه
قد أدى الافعال مع وصف الفساد، والمستحق عليه أداؤها بوصف الصحة. وفي فتاوى
قاضي خان: ويجتنب في الفاسدة ما يجتنب في الجائزة، وقد ظن بعض أهل عصرنا أن الحج
إذا فسد لا يفسد الاحرام ولهذا قالوا: إن الاحرام باق فيقضي فيه وليس كما ظن بل فسد

28
الاحرام كالحج وقد صرحوا بفساده في مواضع عديدة في هذا الفصل. ومعنى بقائه عدم
الخروج عنه بغير الافعال، ومعنى الافتراق الذي ليس بواجب أن يأخذ كل واحد منهما في
طريق غير طريق صاحبه، وإنما لم يجب لأن الجامع بينهما وهو النكاح قائم فلا معنى
للافتراق قبل الاحرام لإباحة الوقوع، ولا بعده لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة
بسبب لذة صغيرة فيزدادان ندما وتحرزا لكنة مستحب إذا خاف الوقاع كما في المحيط وغيره
قوله: (وبدنة لو بعده ولا فساد) أي يجب بدنة لو جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق ولا
يفسد حجه للحديث من وقف بعرفة فقد تم حجه أي أمن من فساده لبقاء الركن الثاني
وهو الطواف. ووجوب البدنة مروي عن ابن عباس، والأثر فيه كالخبر. أطلقه فشمل ما إذا
جامع مرة أو مرارا إن اتحد المجلس، وأما إذا اختلف فبدنة للأول وشاة للثاني في قولهما.
وقال محمد: إن ذبح للأول فيجب للثاني شاة وإلا فلا. ذكره الأسبيجابي، وعلل له في
المبسوط بأنه دخل إحرامه نقصان بالجماع الأول وبالجماع الثاني صادف إحراما ناقصا فيكفيه
شاة.
قوله: (أو جامع بعد الحلق) معطوف على قوله أول الفصل قبل أي يجب شاة إن
جامع بعد الحلق قبل الطواف لقصور الجناية لوجود الحل الأول بالحلق. ثم اعلم أن أصحاب
المتون على ما ذكره المصنف من التفصيل فيما إذا جامع بعد الوقوف، فإن كان قبل الحلق
فالواجب بدنة، وإن كان بعده فالواجب شاة. ومشى جماعة من المشايخ كصاحب المبسوط
والبدائع والأسبيجابي على وجوب البدنة مطلقا. وقال في فتح القدير: إنه الأوجه لأن إيجابها
ليس إلا بقول ابن عباس والمروي عنه ظاهره فيما بعد الحلق. ثم المعنى يساعده وذلك لأن
وجوبها قبل الحلق ليس إلا للجناية على الاحرام، ومعلوم أن الوطئ ليس جناية عليه إلا
باعتبار تحريمه لاعتبار تحريمه لغيره، فليس الطيب جناية على الاحرام باعتبار تحريمه الجماع
أو الحلق بل باعتبار تحريمه للطيب، وكذا كل جناية على الاحرام ليست جناية عليه إلا باعتبار
تحريمه لها لا لغيرها فيجب أن يستوي ما قبل الحلق وما بعده في حق الوطئ لأن الذي به
كان جناية قبله بعينه ثابت بعده، والزائل لم يكن الوطئ جناية باعتباره لا جرم أن المذكور في
ظاهر الرواية إطلاق لزوم البدنة بعد الوقوف من غير تفصيل بين كونه قبل الحلق أو بعده

29
انتهى. ويرد عليه أنهم اتفقوا أنه لو جامع مرة ثانية بعد الوقوف قبل الحلق فإنه لا يجب بدنة
وإنما تجب شاة مع أن وجوبها للجماع الأول ليس إلا باعتبار حرمته عليه وهو بعينه موجود
في كل جماع أتى به قبل الطواف، فتعين أن ينظر إلى أن البدنة لا تجب إلا إذا كملت الجناية
وكمالها بمصادفتها إحراما كاملا. فالجماع في المرة الثانية صادف إحراما ناقصا فلم تجب
البدنة، وكذا الجماع بعد الحلق صادف إحراما ناقصا لخروجه عنه في حق غير النساء. وهذا
الباب - أعني باب الجنايات على الاحرام - ينظر فيه إلى كمال الجناية وقصورها ليجب الجزاء
بقدره كما تقدم من تطييب العضو وما دونه ومن لبس المخيط يوما أو أقل إلى غير ذلك لا إلى
تحريم الفعل فقط. فالحاصل أن مسائلهم شاهدة بأن الجناية إن كملت تغلظ الجزاء كما في
لبس المخيط يوما أو أقل إلى غير ذلك لا إلى تحريم الفعل فقط وإن قصرت خف الجزاء،
فالأوجه ما في المتون والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المصنف حكم القارن إذا جامع
وحكمه أنه إن كان قبل الوقوف بعرفة وطواف العمرة فسد حجه وعمرته ولزمه دمان
وقضاؤهما وسقط عنه دم القران، وإن كان بعد طواف العمرة أو أكثره قبل الوقوف فسد الحج
فقط ولزمه دمان أيضا وقضاء الحج فقط وسقط عنه دم القران، وإن كان بعد الطواف
والوقوف قبل طواف الزيارة لم يفسدا وعليه بدنة للحج وشاة للعمرة إن كان قبل الحلق
اتفاقا. واختلفوا فيما إذا كان بعد الحلق في موضعين: الأول في وجوب البدنة للحج أو
الشاة وقدمناه. والثاني في وجوب شاة للعمرة، فالذي اختاره صاحب المبسوط والبدائع
والأسبيجابي أنه يجب شاة للعمرة، والذي اختاره الوبري أنه لا يجب شئ لأجل العمرة لأنه
خرج من إحرامها بالحلق. وبقي إحرام الحج في حق النساء واستشكله الشارح بأنه إذا بقي
محرما بالحج فكذا في العمرة ورده في فتح القدير بأن إحرام العمرة لم يعهد بحيث يتحلل منه
بالحلق من غير النساء ويبقى في حقهن، بل إذا حلق بعد أفعالها حل بالنسبة إلى كل ما حرم
عليه وإنما عهد ذلك في إحرام الحج. فإذا ضم إحرام الحج إلى إحرام العمرة استمر كل على
ما عهد له في الشرع فينطوي بالحلق إحرام العمرة بالكلية فالصواب ما عن الوبري ا ه‍.
قوله: (أو في العمرة قبل أن يطوف لها الأكثر وتفسد ويمضي ويقضي) أي لو جامع
في إحرام العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط لزمه شاة وفسدت عمرته كما لو جامع في

30
الحج قبل الوقوف بجامع حصوله قبل إدراك الركن فيهما ويمضي في فاسدها كما يمضي في
صحيحها ويلزمه قضاؤها قوله: (أو بعد طواف الأكثر ولا فساد) أي لو جامع بعد ما طاف
أربعة أشواط لزمه شاة ولا تفسد عمرته لأنه أتى بالركن فصار كالجماع بعد الوقوف. وإنما لم
تجب بدنة كما في الحج إظهارا للتفاوت بين الفرض والسنة. كذا في الهداية وغيرها. وقد
يقال: إنه يتم في حجة الاسلام، أما في غيرها فلا فرق بين الحج والعمرة لأن كلا منهما
نفل قبل الشروع واجب بعده اللهم إلا أن يقال: نفل الحج أقوى من نفل العمرة. والفرق
بينهما بأن الجماع في الحج بعد الوقوف يكون قبل أداء بقية أركان الحج لأنه بقي الطواف
وهو ركن فتغلظت الجناية فتغلظ الجزاء بخلافه بعد طواف الأكثر في العمرة فإنه لم يبق عليه
إلا الواجبات لا يصح لأنه يقتضي وجوب البدنة لو جامع قبل طواف الأكثر وليس كذلك.
وشمل قوله بعد طواف الأكثر ما إذا طاف الباقي وسعى بين الصفا والمروة أولا لكن بشرط
أن يكون قبل الحلق وتركه للعلم به لأن بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية بخلاف إحرام
الحج، ولما بين المصنف حكم المفرد بالحج والمفرد بالعمرة علم منه حكم القارن والمتمتع
قوله: (وجماع الناسي كالعامد) يعني في جميع ما ذكرنا من أحكام الجنايات فيفسد حجه لو
جامع ناسيا قبل الوقوف. وحاصل ما ذكره الأصوليون أن النسيان لا ينافي الوجوب لكمال
العقل وليس عذرا في حقوق العباد. وفي حقوق الله تعالى عذر في سقوط الاثم، أما الحكم
فإن كان مع مذكر ولا داعي إليه كأكل المصلي وجناية المحرم لم يسقط بتقصيره بخلاف سلامه
في القعدة، وإن كان ليس مع مذكر مع داع إليه سقط كأكل الصائم، وإن لم يكن معهما
فكذلك بالأولى كترك الذابح التسمية انتهى. وقد قدمنا أن الجاهل والعالم والمختار والمكره
والنائم والمستيقظ سواء لحصول الارتفاق قوله: (أو طاف للركن محدثا) أي يلزمه شاة لترك
الطهارة لأنه أدخل نقصا في الركن فصار كترك شوط منه. وظاهر كلام غاية البيان أن الدم
واجب اتفاقا، أما على القول بوجوبها وهو الأصح فظاهر، وأما على القول بسنيتها فلانه لا
يمتنع أن تكون سنة ويجب بتركها الكفارة ولهذا قال محمد فيمن أفاض من عرفة قبل الإمام
يجب عليه دم لأنه ترك سنة الدفع ا ه‍. وبهذا علم أن الخلف لفظي لا ثمرة له. وإنما كانت
الطهارة واجبة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها حاضت فقال لها عليه السلام: اقضي ما
يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. رتب منع الطواف على انتفاء الطهارة وهذا حكم
وسبب، وظاهره أن الحكم يتعلق بالسبب فيكون المنع لعدم الطهارة لا لعدم دخول المسجد.

31
وإنما لم يكن شرطا كما قال الشافعي لأنه يلزمه تقييد مطلق القطعي وهو * (وليطوفوا) *
(الحج: 29) بخبر الواحد وهو نسخ عندنا فلا يجوز كما عرف في الأصول. وأما قوله عليه
السلام الطواف بالبيت صلاة فالمراد به التشبيه في الثواب. قيد بالحدث لأنه لو طاف
وعلى ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم فإنه لا يلزمه شئ لكنه يكره لادخال النجاسة
المسجد، ولم ينص في ظاهر الرواية إلا على الثوب والتعليل يفيد عدم الفرق بين الثوب
والبدن. وما في الظهيرية من أن نجاسة الثوب كله فيه الدم لا أصل له في الرواية فلا يعول
عليه. وأشار إلى أنه لو طاف منكشف العورة قدر ما لا تجوز الصلاة معه فإنه يلزمه دم لترك
الواجب وهو ستر العورة كما صرح به في الظهيرية، ودليل الوجوب قوله عليه السلام إلا
لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان بناء على أن خبر الواحد يفيد الوجوب
عندنا. وقيد بالركن وهو الأكثر لأنه لو طاف أقله محدثا ولم يعد وجب عليه لكل شوط
نصف صاع من حنطة إلا إذا بلغت قيمته دما فإنه ينقص منه ما شاء. كذا في غاية البيان.
قوله: (وبدنة لو جنبا ويعيد) أي يجب بدنة لو طاف للركن جنبا. كذا روي عن ابن
عباس. ولان الجناية أغلظ فيجب جبر نقصانها في البدنة إظهارا للتفاوت بينهما والحيض
والنفاس كالجنابة. قيد بالركن وهو الأكثر لأنه لو طاف الأقل جنبا ولم يعد وجب عليه شاة،
فإن أعاده وجبت عليه صدقة لتأخير الأقل من طواف الزيارة لكل شوط نصف صاع. وقوله
ويعيد راجع إلى الطواف محدثا أو جنبا، ولم يذكر صفة الإعادة للاختلاف، وصحح في
الهداية أنها واجبة في الطواف جنبا مستحبة في الطواف محدثا للفحش في الأول والقصور في
الثاني، فإن أعاده فلا دم عليه فيهما مطلقا لجبر النقصان الحاصل بالإعادة إلا أنه إن أعاده وقد

32
طاف جنبا بعد أيام النحر لزمه دم للتأخير عند أبي حنيفة. وبهذا علم أن الواو في قوله
ويعيد بمعنى أو لأن الواجب بمعنى شيئين إما لزوم الشاة أو الإعادة والإعادة هي الأصل
ما دام بمكة ليكون الجابر من جنس المجبور فهي أفضل من الدم، وأما إذا رجع إلى أهله ففي
الحدث الأصغر اتفقوا أن بعث الشاة أفضل من الرجوع، واختلفوا في الحدث الأكبر فاختار
في الهداية أن العود إلى الإعادة أفضل لما ذكرنا، واختار في المحيط أن بعث الدم أفضل لأن
الطواف الأول وقع معتدا به وفيه منفعة للفقراء، وإذا عاد للأول يرجع بإحرام جديد بناء على
أنه حل في حق النساء بطواف الزيارة جنبا وهو آفاقي يريد مكة فلا بد له من إحرام بحج أو
عمرة، فإذا أحرم بعمرة يبدأ بها، فإذا فرغ منها يطوف للزيارة ويلزمه دم لتأخير طواف
الزيارة عن وقته. وفهم الرازي من ذلك أن الطواف الثاني معتد به وأن الأول قد انفسخ،
وذهب الكرخي إلى أن الأول معتبر في فصل الجناية كما في فصل الحدث اتفاقا، وصححه
صاحب الايضاح إذ لا شك في وقع الأول معتدا به حتى حل به النساء، واستدل له بما في

33
الأصل: لو طاف لعمرته محدثا أو جنبا في رمضان وحج من عامه لم يكن متمتعا إن أعاده في
شوال أو لم يعده، وقوله في فتح القدير. وإنما وجب الدم لترك الواجب لأن الواجب
الإعادة في أيام النحر فإذا مضت ترك واجبا، والظاهر أن الخلف لفظي لا ثمرة له لأن الدم
واجب اتفاقا وإن اختلف التخريج قوله: (وصدقة لو محدثا للقدوم) أي يجب عليه صدقة لو
طاف للقدوم محدثا لأنه دخله نقص بترك الطهارة فينجبر بالصدقة إظهارا لدنو رتبته عن
الواجب بإيجاب الله تعالى وهو طواف الزيارة، وأشار إلى أن كل طواف هو تطوع فهو
كذلك. وقيد بالحدث لأنه لو طاف للقدوم جنبا لزمه الإعادة ودم إن لم يعد لأن النقص فيه
متغلظ فتلزمه الإعادة احتياطا. وقال محمد: ليس عليه أن يعيد طواف التحية لأنه سنة وإن
أعاد فهو أفضل. كذا في المحيط وبهذا ظهر بطلان ما في غاية البيان معزيا إلى الأسبيجابي من
أنه لا شئ عليه لو طاف للقاء محدثا أو جنبا لأنه يقتضي عدم وجوب الطهارة للطواف ولان
طواف التطوع إذا شرع فيه صار واجبا بالشروع ثم يدخله النقص بترك الطهارة فيه، غاية الأمر
أن وجوبه ليس بإيجابه تعالى ابتداء فأظهرنا التفاوت في الحط من الدم إلى الصدقة فيما
إذا طافه محدثا، ومن البدنة إلى الشاة فيما إذا طافه جنبا. وظاهر كلامهم يقتضي وجوب
الشاة فيما إذا طاف للتطوع جنبا، وذكر في غاية البيان أنه إن طاف للقدوم محدثا وسعى
ورمل عقبه فهو جائز والأفضل أن يعيدهما عقب طواف الزيارة، وإن طاف له جنبا وسعى
ورمل عقبه فإنه لا يعتد به ويجب عليه السعي عقب طواف الزيارة ويرمل فيه.
قوله: (والصدر) بالجر عطف على القدوم فتجب صدقة لو طاف محدثا، ودم لو جنبا،
فقد سووا بين طواف القدوم وبين طواف الصدر مع أن الأول سنة والثانية واجب. وأجاب

34
عنه في الهداية بأن طواف القدوم يصير واجبا أيضا بالشروع وأقره الشارحون وقد يقال: إن
ما وجب ابتداء قبل الشروع أقوى مما وجب بالشروع فينبغي عدم المساواة. قيد بترك الطهارة
للطواف لأن السعي محدثا أو جنبا لا يوجب شيئا، سواء كان سعي عمرة أو حج، لأنه عبادة
تؤدى لا في المسجد الحرام. والأصل أن كل عبادة تؤدى لا في المسجد في أحكام المناسك
فالطهارة ليست بواجبة لها كالسعي والوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار بخلاف الطواف
فإنه عبادة تؤدى في المسجد فكانت الطهارة واجبة فيه. كذا في الفتاوى الظهيرية قوله: (أو
ترك أقل طواف الركن ولو ترك أكثره بقي محرما) أي يجب دم بترك شوط أو شوطين أو ثلاثة
من طواف الزيارة، ولو ترك أربعة منه فإنه محرم في حق النساء بناء على أن الركن عندنا أكثر
السبعة وهو أربعة أشواط على الصحيح كما قدمناه. وإنما أقيم الأكثر مقام الكل لأن الشرع
أقام الأكثر في الحج مقام الكل في وقوع الامن عن الفوات احتياطا بقوله من وقف بعرفة
فقد تم حجه. وقد قلنا من جامع بعد الوقوف لا يفسد وبعد الرمي لا يفسد بالاجماع، ولو
حلق أكثر الرأس صار متحللا فلما كان الامر على هذا الوجه للتيسير جرينا على هذا الأصل
فأقمنا الأكثر مقام الكل فباب التحلل وما يجري مجراه صيانة لهذه العبادة عن الفوات
وتحقيقا للامر يعني أن الطواف أحد سببي التحلل فلما أقيم الأكثر مقام الكل في أحد السببين
وهو الحلق بالاجماع أقيم في السبب الآخر وهو الطواف أيضا. كذا في النهاية. وتعقبه في
فتح القدير بأن إقامة الأكثر في تمام العبادة إنما هو في حق حكم خاص وهو أمن الفساد
والفوات ليس غير ولذا لم يحكم بأن ترك ما بقي أعني الطواف يتم معه الحج وهو مورد ذلك
النص فلا يلزم جواز إقامة أكثر كل جزء منه مقام تمام ذلك الجزء وترك باقيه كما لم يجز ذلك
في نفس مورد النص أعني الحج فلا ينبغي التعويل على هذا الحكم والله أعلم، بل الذي ندين
به أن لا يجزئ أقل من السبعة ولا يجبر بعضه بشئ غير أنا نستمر معهم في التقرير على

35
أصلهم ا ه‍. وهذا من أبحاثه المخالفة لأهل المذهب قاطبة لكن لم يجب عن تمسكهم بحلق
أكثر الرأس في أنه يفيد التحلل بالاجماع فإقامتنا الأكثر في الطواف لأجل التحلل مستفاد من
دلالة الاجماع المذكور، إنما لزمه الدم بترك الأقل لأنه أدخل نقصا في طوافه فصار كما لو
طافه محدثا، وأشار بالترك إلى أن الدم إنما يجب إذا لم يأت بما تركه، أما إذا أتم الباقي فليس
عليه شئ إن كان الاتمام في أيام النحر، أما بعدها فيلزمه صدقة عند أبي حنيفة لكل شوط
نصف صاع من بر خلافا لهما، فإن رجع إلى أهله بعث شاة لما بقي من طواف الزيارة وشاة
أخرى لترك طواف الصدر. وهذا لأن بعث الشاة لترك الأقل من طواف الزيارة لا يتصور إلا
إذا لم يكن طاف للصدر لأنه إذا طاف للصدر انتقل منه إلى طواف الزيارة ما يكمله ثم ينظر
إلى الباقي من طواف الصدر إن كان أقله لزمه صدقة وإلا فدم. ولو كان طاف للصدر في
آخر أيام التشريق وقد ترك من طواف الزيارة أكثره كمله من الصدر ولزمه دمان في قول أبي
حنيفة: دم لتأخيره ذلك ودم آخر لترك أكثر الصدر، وإن ترك أقله لزمه للتأخير دم وصدقة
للمتروك من الصدر مع ذلك الدم. وجملته كما ذكره الحاكم الشهيد في الكافي أن عليه في
ترك الأقل من طواف الزيادة دما، وفي تأخير الأقل صدقة، وفي ترك الأكثر من طواف
الصدر دم، وفي ترك أقله صدقة. وفي فتح القدير: ومبني هذا النقل ما تقدم من أن طواف
الزيارة ركن عبادة والنية ليست شرطا لكل ركن إلا ما يستقل عبادة بنفسه فشرط له نية أصل
الطواف دون التعيين، فلو طاف في وقته ينوي النذر أو النفل وقع عنه كما لو نوى بالسجدة
من الظهر النفل لغت ووقعت عن الركن وإن توالي الأشواط ليس بشرط لصحة الطواف كمن
خرج من الطواف لتجديد وضوء ثم رجع بنى.

36
قوله: (أو ترك أكثر الصدر أو طافه جنبا وصدقة بترك أقله) أي يجب الدم ولما كان
طواف الصدر واجبا وجب بترك كله أو أكثره دم، وبترك أقله صدقة لكل شوط نصف صاع
من بر تفرقة بين الأكثر والأقل بخلاف الأقل من طواف الزيارة والعمرة حيث يجب دم بتركه
لأنه طواف ركن فكان أقوى من الواجب، وقد قدمنا حكم ما إذا طاف للصدر جنبا لكن في
عبارته قصور حيث لم يبين حكم طواف القدوم جنبا، وعبارة المجمع أولى وهي: وإن طاف
للقدوم أو للصدر محدثا وجبت صدقة، وجنبا دم، فأفاد أنه لا فرق بينهما في الحدثين.
وأشار بالترك إلى أنه لو أتى بما تركه فإنه لا يلزمه شئ مطلقا لأنه ليس بمؤقت، وفي
الهداية ويؤمر بالإعادة ما دام بمكة إقامة للواجب في وقته قوله: (أو طاف للركن محدثا
وللصدر طاهرا في آخر أيام التشريق ودمان لو طاف للركن جنبا) أي تجب شاة في الأولى
وشاتان في الثانية. أما في الأولى فهي بسبب الحدث ولم ينقل طواف الصدر إلى الزيارة لأنه
لا فائدة في النقل لأنه لو نقل يجب عليه الدم لترك طواف الصدر إجماعا إن كان رجع إلى
أهله، سواء طاف للصدر في أيام النحر أو لا. قيد بقوله في آخر أيام التشريق لأنه لو
طاف للصدر في أيام النحر ولم يرجع إلى أهله فإنه ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأن
في النقل فائدة وهو سقوط الدم لأجل الحدث ثم يطوف للصدر ولا شئ عليه بخلاف ما
إذا طاف للصدر في آخر أيام التشريق ولم يرجع إلى أهله حيث لا ينقل عند أبي حنيفة لأنه لا

37
فائدة في النقل لوجوب دم بالتأخير على تقديره خلافا لهما. وأما في الثانية فلان في النقل
فائدة وهي سقوط البدنة فيجب دم لتأخيره عن أيام النحر عنده، ودم لترك طواف الصدر إن
رجع إلى أهله وإن كان بمكة فإنه يطوف للصدر ولا يلزمه إلا دم واحد للتأخير، فإن كان
طاف للصدر في أيام النحر فإنه ينقل إلى طواف الزيارة ثم يطوف للصدر ولا شئ عليه
أصلا. قيد بكون الطواف الثاني للصدر لأنه لو أعاده بعد أيام النحر، فإن كان في الحدث
الأصغر لا يلزمه شئ لأن بعد الإعادة لا يبقى إلا شبهة النقصان، وفي الحدث الأكبر يلزمه
دم عند أبي حنيفة للتأخير. كذا في الهداية. وتعقبه في غاية البيان بأنه سهو لأن الرواية
مسطورة في شرح الطحاوي أنه يلزمه الدم إذا أعاده بعد أيام النحر للتأخير، سواء كان
بسبب الحدث أو الجنابة ا ه‍. وهكذا في المحيط سوى بين الحدثين وهذا قصور نظر من
صاحب الغاية لأن في المسألة ثلاث روايات، فما في الهداية رواية عن أبي حنيفة ذكرها
الإمام الولوالجي في فتاواه وصدر بها واعتمدها، وما في شرح الطحاوي والمحيط رواية
ثانية، وذكر الولوالجي أيضا رواية ثالثة عن أبي حنيفة أن عليه الصدقة في الحدث الأصغر،
ووجهها بأنه أخر الجبر عن وقت الطواف فيبقى نوع نقص لكن نقصان التأخير دون نقصان
ترك القضاء والواجب بترك القضاء هو الدم فكان الواجب بتأخير القضاء هو الصدقة ا ه‍.
قوله: (أو طاف لعمرته وسعى محدثا ولم يعد) أي تجب شاة لتركه الواجب وهو
الطهارة. قيد بقوله ولم يعد لأنه لو أعاد الطواف ظاهرا فإنه لا يلزمه شئ لارتفاع النقصان

38
بالإعادة، ولا يؤمر بالعود إذا رجع إلى أهله لوقوع التحلل بأداء الركن مع الحلق والنقصان
يسير، وما دام بمكة يعيد الطواف لأنه الأصل والأفضل أن يعيد السعي لأنه تبع للطواف،
وإن لم يعده فلا شئ عليه وهو الصحيح لأن الطهارة ليست بشرط في السعي وقد وقع
عقب طواف معتد به وإعادته لجبر النقصان كوجوب الدم لا لانفساخ الأول. ولو قال
المصنف محدثا أو جنبا لكان أولى لأنه لا فرق بين الحدثين في طواف العمرة كما في المحيط
وغيره، والقياس أنه لا يكتفي بالشاة فيما إذا طاف لعمرته جنبا لأن حكم الجناية أغلظ من
الحدث كما في طواف الزيارة لكن اكتفى بها استحسانا لأن طواف الزيارة فوق طواف
العمرة. وإيجاب أغلظ الدماء وهو البدنة في طواف الزيارة كان لمعنيين: وكادة الطواف وغلظ
أمر الجنابة، فإذا وجد أحد المعنيين دون الثاني تعذر إيجاب أغلظ الدماء فاقتصرنا على الشاة.
كذا في غاية البيان. وفي المحيط: ولو طاف القارن طوافين وسعى سعيين محدثا أعاد طواف
العمرة قبل يوم النحر ولا شئ عليه للجبر بجنسه في وقته، فإن لم يعد حتى طلع فجر يوم
النحر لزمه دم لطواف العمرة محدثا وقد فات وقت القضاء ويرمل في طواف الزيارة يوم
النحر ويسعى بعده استحبابا ليحصل الرمل والسعي عقب طواف كامل، وإن لم يعد فلا شئ
عليه لأنه سعى عقب طواف معتد به إذ الحدث الأصغر لا يمنع الاعتداد، وفي الجنابة إن لم
يعد فعليه للسعي وكذا الحائض ا ه‍. فالحاصل أن قولهم إن المعتمر يعيد الطواف محله ما
إذا لم يكن قارنا، أما في القارن إذا دخل يوم النحر فلا إعادة، وعلل له محمد كما نقله ابن
بدار في شرح الجامع الصغير بأنه لو أعاده لانتقضت عمرته لأنه يصير رافضا لها بالوقوف
وقد تأكدت فلا يمكن استدراك النقص بجنسه فيجبر بالدم. قال ابن سماعة فقلت لمحمد:
إنك قلت في الأصل إن القارن لو طاف لها أربعة أشواط وسعى ولم يطف لحجته حتى وقف
إنه يتم طواف العمرة يوم النحر ولا شئ عليه فقد أوجبت الاتمام وما أوجبت الدم. قال
محمد: لأن هناك قدم شيئا على شئ، وهنا الفساد وجد في جميع الطواف فإن لم نجوز
وأبطلنا طوافه لرفضنا عمرته بمنزلة من لم يطف ا ه‍. وقيد بكون طواف العمرة كله محدثا
والأكثر كالكل لأنه لو طاف أقله محدثا وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة إلا إذا
بلغت قيمته دما فينقص منه ما شاء، ولو طاف أقله جنبا وجب عليه دم وتجب الإعادة في

39
الحدثين كما في الظهيرية. وينبغي أن يكون هذا على الضعيف، أما على الصحيح من أن
الإعادة فيما إذا طاف للركن محدثا، إنما هي مستحبة، ففي طواف العمرة أولى. ولم يذكر
المصنف حكم ما إذا ترك الأقل من طواف العمرة وصرح في الظهيرية بلزوم الدم، ولهذا لو
طاف للعمرة في جوف الحجر ولم يعد حتى رجع إلى أهله لزمه دم لأنه ترك من الطواف ربعه
لأن الحجر ربع البيت، وإذا كان ذلك في طواف العمرة ففي طواف الفرض أولى. وأما في
الطواف الواجب إذا دخل في جوف الحجر فإنه ينبغي أن تجب فيه الصدقة. كذا ذكر
الشارح. ولا ينبغي التعبير بينبغي لأن المصنف في المختصر قد صرح بلزوم الصدقة بترك
الأقل من طواف الصدر، وينبغي أن لا فرق بين الطواف الواجب والتطوع في لزوم الصدقة
لما أن الطواف وراء الحطيم واجب في كل طواف. قوله: (أو ترك السعي أو أفاض من عرفات قيل الإمام أو ترك الوقوف بمزدلفة أو رمى
الجمار كلها أو رمى يوم) أي تجب شاة بترك واجب من واجبات الحج وقد ذكرناها كلها في
أول الكتاب. أراد بالترك الترك لغير عذر، أما إذا ترك واجبا لعذر فإنه لا شئ عليه كما
صرح به في البدائع في ترك السعي أنه إن تركه لعذر فلا شئ عليه، وإن بغير عذر لزمه دم
لأن هذا حكم ترك الوجوب في هذا الباب، أصله طواف الصدر حيث سقط عن الحائض
بالحديث، وصرح في الهداية بأن في ترك الوقوف بمزدلفة بغير عذر رد ما لا لعذر، وصرح
الولوالجي في فتاواه بأنه لو سعى راكبا من غير عذر لزمه دم إن لم يعده لأن المشي واجب
وترك الواجب من غير عذر يوجب الدم، ولو أعاده بعد ما حل وجامع لم يلزمه دم لأن
السعي غير مؤقت في نفسه إنما الشرط أن يأتي به بعد الطواف وقد وجد ا ه‍. وكذا لو أتى
به بعد ما رجع إلى أهله وعاد إلى مكة لكنه يعود بإحرام جديد. كذا ذكره الأسبيجابي. وقيد
بتركه لأنه لو ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط نصف صاع إلا أن يبلغ دما فينقص منه ما
شاء وترك أكثره كترك كله، وقد قدمنا أن من الواجبات في السعي الابتداء بالصفا فلو بدأ
بالمروة لزمه دم. وأراد بالإفاضة قبل الإمام الدفع من عرفات قبل غروب الشمس، سواء كان
مع الإمام أو وحده، وسواء كان الإمام أو غيره، لما أن استدامة الوقوف إلى غروب الشمس

40
واجبة حتى لو أبطأ الإمام بالدفع يجوز للناس الدفع قبله. وهذا الواجب إنما هو في حق من
وقف نهارا، أما إن وقف ليلا فلا شئ عليه اتفاقا لأن الجزء الأول من وقوفه اعتبر ركنا
والجزء الثاني اعتبر واجبا. كذا في غاية البيان: فإن دفع قبل الغروب ثم عاد إن عاد بعد
الغروب ففيه روايتان، ظاهر الرواية عدم السقوط والصحيح السقوط لأنه استدرك المتروك.
كذا في غاية البيان. وإن عاد قبل الغروب ففيه اختلاف والقول بالسقوط أظهر خصوصا على
التصحيح السابق بل أولى، وقد قدمنا أن وقت الوقوف بمزدلفة من طلوع الفجر وآخر طلوع
الشمس فالوقوف في غير وقته كتركه. وإنما وجب دم واحد بترك الجمار في الأيام كلها لأن
الجنس متحد كما في الحلق، والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي وهو
الرابع لأنه لم يعرف قربة إلا فيها وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنه فيرميها على التأليف.
ثم بتأخيرها يجب الدم عند أبي حنيفة خلافا لهما، وإن ترك رمي يوم فعليه دم ولو يوم النحر
لأنه نسك تام. قيد برمي يوم لأنه لو ترك إحدى الجمار الثلاث فعليه صدقة لأن الكل نسك
واحد في يوم فكان المتروك أقل فيلزمه لكل حصاة نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو
صاع من شعير إلا أن يبلغ دما فينقص ما شاء إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف بأن يترك
أحد عشر من واحد وعشرين فحينئذ يلزمه الدم لأن للأكثر حكم الكل. وذكر الأسبيجابي أنه
إن أخر رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني لزمه دم، وإن أخر رميها في اليوم الثاني إلى الثالث أو
في اليوم الثالث إلى الرابع ورمى الجمرتين لزمه صدقة لأنها في اليوم الأول كل الرمي في
ذلك اليوم وفي غيره ثلث الرمي فيكون مؤخرا للأقل، ولو لم يرم الجمرتين لزمه دم لتأخير
الأكثر، وعندهما لا شئ عليه للتأخير أصلا.
قوله: (أو أخر الحلق أو طواف الركن) أي تجب شاة بتأخير النسك عن زمانه فإن
الحلق وطواف الزيارة مؤقتان بأيام النحر، فإذا أخرهما عن أيام النحر ترك واجبا فيلزمه دم،
وكذا بتأخير الرمي عن وقته كما قدمناه. وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما لا شئ عليه لحديث
الصحيحين لم أشعر حلقت قبل أن أذبح قال: افعل ولا حرج. وقال آخر: نحرت قبل أن
أرمي قال: افعل ولا حرج. فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم أو أخر إلا قال افعل
ولا حرج. وله أن التأخير عن المكان يوجب الدم فيما إذا جاوز الميقات غير محرم فكذا

41
التأخير عن الزمان قياسا، والجامع كون التأخير نقصانا. والمراد بالحرج المنفي الاثم بدليل أنه
قال لم أشعر فعذرهم لعدم العلم بالمناسك قبل ذلك، وقوله عليه السلام خذوا عني
مناسككم يفيد الوجوب. وعلى هذا الاختلاف إذا قدم نسكا على نسك قال في معراج
الدراية: اعلم أن ما يفعل في أيام النحر أربعة أشياء: الرمي والنحر والحلق والطواف. وهذا
الترتيب واجب عند أبي حنيفة ومالك وأحمد ا ه‍. لاثر ابن مسعود أو ابن عباس: من قدم
نسكا على نسك لزمه دم. وظاهره أنه إذا قدم الطواف على الحلق يلزمه دم عنده. وقد نص
في المعراج في مسألة حلق القارن قبل الذبح أنه إذا قدم الطواف على الحلق لا يلزمه شئ.
فالحاصل أنه إن حلق قبل الرمي لزمه دم مطلقا. وإن ذبح قبل الرمي لزمه دم إن كان قارنا
أو متمتعا لا إن كان مفردا لأن أفعاله ثلاثة. الرمي والحلق والطواف. وأما ذبحه فليس
بواجب فلا يضره تقديمه وتأخيره، وعندهما لا يلزمه شئ بتقديم نسك على نسك للحديث
السابق إلا أنه مسئ. نص عليه في المبسوط قيد بحلق الحج وطوافه لأن حلق العمرة
وطوافها ليسا بمؤقتين بالزمان فلا يلزمه بتأخيرهما شئ وكذا طواف الصدر. وقيد بالطواف
لأنه لا يلزمه بتأخير السعي شئ لعدم توقيته بزمان.
قوله: (أو حلق في الحل) أي تجب شاة بتأخير النسك عن مكانه كما إذا خرج من
الحرم وحلق رأسه، سواء كان الحلق للحج أو العمرة عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو
يوسف: لا شئ عليه لأن النبي عليه السلام وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير

42
الحرم، ولهما القياس على الذبح وبعض الحديبية من الحرم فلعلهم حلقوا فيه مع أن المحصر
لا حلق عليه وإن فعل فحسن كما في المحيط وغيره. وقوله عليه السلام خذوا عني
مناسككم فالحاصل أن الحلق يتوقت بالمكان والزمان عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف لا
يتوقت بهما، وعند محمد يتوقت بالمكان دون الزمان، وعند زفر على عكسه، وهذا الخلاف
في التوقيت في حق التضمين بالدم أما لا يتوقت في حق التحلل بالاتفاق قوله: (ودمان لو
حلق القارن قبل الذبح) أي يجب دمان عند أبي حنيفة بتقديم القارن أو المتمتع الحلق على
الذبح، وعندهما يلزمه دم واحد، وقد نص ضابط المذهب محمد بن الحسن في الجامع الصغير
على أن أحد الدمين دم القران والآخر لتأخير النسك عن وقته، وأن عندهما يلزم دم القران
فقط لكن وقع لكثير من المشايخ اشتباه بسبب ذكر الدمين في باب الجناية فإن الظاهر من
العبارات أن الدمين لأجل الجناية وإلا كان ذكر الدم الواحد كافيا للعلم بدم القران من بابه،
ومنهم صاحب الهداية فإنه قال: فعليه دمان عند أبي حنيفة: دم بالحلق في غير أوانه لأن
أوانه بعد الذبح، ودم لتأخير الذبح عن الحلق. وعندهما يجب دم واحد وهو الأول ولا يجب
بسبب التأخير شئ ا ه‍. فجعل الدمين للجناية فنسبه في غاية البيان إلى التخبيط وإلى
التناقض فإنه جعل في باب القران أحدهما للشكر والآخر للجناية، ونسبه في فتح القدير إلى
أنه سهو من القلم لأنه لو وجب ذلك لزم في كل تقديم نسك على نسك دمان لأنه لا ينفك
عن الامرين ولا قائل به، ولوجب في حلق القارن قبل الذبح ثلاثة دماء في تفريع من يقول
إن إحرام عمرته انتهى بالوقوف، وفي تفريع من لا يراه كما قدمناه خمسة دماء لأنه جناية على
إحرامين والتقديم والتأخير جنايتان ففيهما أربعة دماء ودم القران ا ه‍. وهكذا في النهاية
والعناية ولم أر جوابا عنه، وظهر لي أنه لا تخبيط ولا سهو من صاحب الهداية لما أن في

43
المسألة اختلافا، فما في الهداية مبني على قول بعضهم إنه يلزمه دم بالحلق في غير أوانه،
إجماعا كما صرح به في معراج الدراية وغيرها ويجب دم القران إجماعا. ووقع الاختلاف
بينهم في الدم الثالث فههنا مشى على هذا القول.
وأما قوله قريبا وقالا لا شئ عليه في الوجهين وذكر منه ما إذا حلق قبل الذبح فهو
بناء على أصل الرواية المنقولة في الجامع الصغير عنهما أو معناه لا شئ عليه عندهما بسبب
التأخير، وأما بسبب الجناية فيقولان بوجوب الدم، وبهذا اندفع ما في العناية. وأما التناقض
الذي ذكره صاحب الغاية فممنوع لأن ما ذكره في باب القران من لزوم دم واحد لو حلق
قبل الذبح فإنما هو لمن عجز عن الهدي كما هو صورة المسألة فلم يكن جانيا بالحلق في غير
أوانه لأن الشارع أباح له التحلل بالحلق، وإنما قدم نسكا على نسك فقط فلزمه دم. وأما
ما ذكره هنا من لزوم دمين لو حلق قبل الذبح فإنما هو لكونه جناية لأن الحلق لا يحل له قبل

44
الذبح لقدرته عليه فكان جانيا مؤخرا فلزمه دمان، وأما إلزام أن ذلك يوجب دمين فيما إذا
قدم نسكا على نسك لأنه لا ينفك عن الامرين ولم يقل به أبو حنيفة فممنوع أيضا لأن الحلق
قبل الذبح لا يحل فكان جناية على الاحرام بخلاف الذبح قبل الرمي فإنه ليس بجناية لأنه
مباح مشروع في نفسه، وإنما لم يكن نسكا كاملا إذا قدمه فكيف يوجب دما وليس بجناية
وإنما يجب دم واحد باعتبار التقديم، وبهذا يعلم أنه لو حلق قبل الرمي فهو كما لو حلق قبل
الذبح بالأولى. وأما قوله لوجب ثلاثة دماء فنلتزمه لأنه على هذا القول يلزمه ثلاثة دماء،
دمان للجناية ودم القران. وأما لزوم خمسة دماء فممنوع على كل قول لأن جناية القارن إنما
تكون مضمونة بدمين فيما على المفرد فيه دم. والمفرد لو حلق قبل الذبح لا يلزمه شئ فلا
يتضاعف الغرم على القارن. هكذا أجاب في العناية. وأجاب في غاية البيان بأن التضاعف
على القارن إنما يكون فيما إذا أدخل نقصا في إحرام عمرته، أما فيما لا يوجب نقصا فيه فلا
يجب إلا دم واحد كما قدمناه فإنه قد أتى بركنها وواجبها، ولهذا إذا أفاض القارن قبل الإمام
أو طاف للزيارة جنبا أو محدثا لا يلزمه إلا دم واحد لأنه لا تعلق للعمرة بالوقوف وطواف
الزيارة، وعلى تقدير أن يكون جناية القارن مضمونة بدمين مطلقا فإنه يلزمه أربعة دماء لا
خمسة لأن حلقه قبل أوانه جناية توجب دمين وتقديم النسك على النسك يوجب دما واحدا
ودم القران، ويمكن أن يتعدد دم القران ولا يمكن أن يتعدد دم التقديم باعتبار أنه جناية لأن
الجناية على الحلق قبل أوانه وقد وجب فيها دمان فلا يجب شئ آخر. هذا ما ظهر لي في
توجيه كلام الهداية لكن المذهب خلافه كما قدمناه والله أعلم.

45
فصل
إن قتل محرم صيد أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء لقوله تعالى * (لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم) * (المائدة: 5) الآية. ولحديث أبي قتادة السابق الدال على تحريم الإشارة والامر فألحقت
بالقتل استحسانا باعتبار تفويت الامن وارتكاب محظور إحرامه وليس زيادة على الكتاب بخبر
الواحد لأن الكتاب إنما نص على القتل وتخصيص الشئ بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه.
وحقيقة الصيد حيوان ممتنع متوحش بأصل الخلقة، سواء كان بقوائمه أو بجناحه، فدخل
الظبي المستأنس وإن كانت ذكاته بالذبح. وخرج البعير والشاة إذا استوحشا وإن كانت
ذكاتهما بالعقر لأن المنظور إليه في الصيدية أصل الخلقة وفي الذكاة الامكان وعدمه، وخرج
الكلب والنسور مطلقا، أهليا كان أو وحشيا، وإنما لم يذكر المصنف تعريفه لأنه علم من

46
إباحته بعد ذلك الشاة والبقر وما عطف عليه فعلم أن الصيد هو ما ذكر. ثم هو على نوعين:
بري وبحري. فالبري ما يكون توالده في البر ولا عبرة بالمثوى أي المكان، والمائي ما يكون
توالده في الماء ولو كان مثواه في البر لأن التوالد أصل والكينونة بعد عارض، فكلب الماء
والضفدع مائي. وأطلق قاضيخان في الضفدع وقيده في فتح القدير بالمائي لاخراج الضفدع
البري قال: ومثله السرطان والتمساح والسلحفاة. والمائي حلال للمحرم والبري حرام للآية * (
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * (
المائدة: 96) وهو بعمومه متناول لما يؤكل منه وما لا يؤكل، فيجوز للمحرم اصطياد الكل
وهو الصحيح كما في المحيط والبدائع وغيرهما. وبه يظهر ضعف ما في مناسك الكرماني من
أنه لا يحل إلا ما يؤكل وهو السمك خاصة، فالمراد بالصيد في المختصر صيد البر إلا ما
يستثنيه بعد ذلك من الذئب والغراب والحدأة وبقية السباع. أما الذئب والغراب والحدأة فلا شئ في قتلها أصلا، وأما بقية السباع ففيها تفصيل نذكره، وليس هذا الحكم المذكور هنا
يشملها. وأما بقية الفواسق فليست بصيود فلا حاجة إلى استثنائها. وأطلق في الصيد فشمل ما
يؤكل وما لا يؤكل حتى الخنزير كما في المحيط وفيه: طير البحر لا يحل قتله لأن مبيضه
ومفرخه في الماء ويعيش في البر والبحر فكان صيد البر من وجه فلا يجوز للمحرم. وشمل
الصيد المملوك وغيره فإذا قتل المحرم صيدا مملوكا لزمه قيمتان: قيمة لمالكه وجزاؤه حقا لله
تعالى، كذا ذكره في المحيط في مسألة الهبة. وأطلق في القتل فشمل ما إذا كان عن اضطرار

47
أو اختيار كما سيأتي، وشمل ما إذا كان مباشرة أو بتسبب لكن في المباشرة لا يشترط
التعدي، فلو انقلب نائم على صيد فقتله يجب عليه الجزاء كما في المحيط وغيره، وأما
التسبب فلا بد من التعدي فلو نصب شبكة للصيد أو حفر بئرا للصيد فعطب ضمن لأنه
متعد، ولو نصب فسطاطا لنفسه فتعقل به فمات أو حفر حفيرة للماء أو لحيوان مباح قتله
كالذئب فعطب فيها لا شئ عليه، وكذا لو أرسل كلبه إلى حيوان مباح فأخذ ما يحرم أو
أرسل إلى صيد في الحل وهو حلال فجاوز إلى الحرم فقتل صيدا لا شئ عليه لأنه غير متعد
في السبب بخلاف ما لو رمى إلى فهد في الحل فأصابه في الحرم عليه الجزاء لأنه مباشرة ولا
يشترط فيها التعدي حتى لو رمى إلى صيد فتعدى إلى آخر فقتلهما ضمن قيمتهما، وكذا لو
ضرب بالسهم فوقع على بيض أو فرخ فأتلفهما ضمنهما. وعلى هذا فما في المحيط من أن
أربعة نزلوا بيتا بمكة ثم خرجوا إلى منى فأمروا أحدهم أن يغلق الباب وفيه حمام وغيرها فلما
رجعوا وجدوها ماتت عطشا فعلى كل واحد منهم جزاؤها لأن الآمرين جمع آمر تسببوا بالامر
والمغلق بالاغلاق انتهى. محمول على ما إذا علموا بالطيور في البيت لأنه لا يكون تعديا إلا
به وإلا فلا شئ عليهم لفقد شرط التسبب وأراد بالدلالة الإعانة على قتله، سواء كانت دلالة
حقيقية بالاعدام بمكانه وهو غائب أولا.

48
وشرطوا في وجوب الجزاء على الدال المحرم خمسة شروط، وإن كان آثما مطلقا: أن
يتصل القتل بدلالته فلا شئ على الدال لو لم يقتل المدلول، وإن لا يكون المدلول عالما بمكان
الصيد، وأن يصدقه في الدلالة، وأن يبقى الدال محرما إلى أن يقتله المدلول، وأن لا ينفلت
الصيد لأنه إذا انفلت صار كأنه جرحه ثم اندمل. فتفرع على الشرط الثالث ما في المحيط لو
أخبر المحرم بالصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر فإن كذب الأول لم يكن عليه جزاء، وإن لم
يكذبه ولم يصدقه فعلى كل واحد منهما جزاء كامل لأنه بخبر الأول وقع العلم بمكان الصيد
غالبا، وبالثاني استفاد علم اليقين فكان لكل واحد منهما دلالة على الصيد. وإن أرسل محرم
إلى محرم فقال إن فلانا يقول لك إن في هذا الموضع صيدا فذهب فقتله فعلى الرسول والمرسل
والقاتل الجزاء لأن الدلالة وجدت منهما. وظهر بالشرط الثاني ضعف ما في المحيط معزيا إلى
المنتقى من أنه لو قال خذ أحد هذين وهو يراهما فقتلهما كان على الدال جزاء واحد، وإن
كان لا يراهما فعليه جزاءان ا ه‍. لأنه إذا كان يراهما كان عالما بمكانهما وقد شرطوا عدم
العلم بمكانه ولهذا لم يذكروا هنا الإشارة كما ذكروها في باب الاحرام لأنها خاصة بالحاضر،
وشرط وجوب الجزاء عدم العلم بالمكان. فالحاصل أن الإشارة والدلالة سواء في منع المحرم

49
منهما لكن الدلالة موجبة للجزاء بشروطها. والإشارة لا توجب الجزاء اللهم إلا أن يقال إن
الامر بالأخذ ليس من قبيل الدلالة فيوجب الجزاء مطلقا، ويدل عليه ما في فتح القدير
وغيره: لو أمر المحرم غيره بأخذ صيد فأمر المأمور آخر فالجزاء على الآمر الثاني لأنه لم يمتثل
أمر الأول لأنه لم يأتمر بالامر بخلاف ما لو دل الأول على الصيد وأمره فأمر الثاني ثالثا بالقتل
حيث يجب الجزاء على الثلاثة، وكذا الارسال كما ذكرناه آنفا فقد فرقوا بين الامر المجرد
والامر مع الدلالة. ودخل تحت الإعانة ما ذكره في المحيط: محرم رأى صيدا في موضع لا
يقدر عليه فدله محرم آخر على الطريق إليه أو رأى صيدا دخل غارا فلم يعرف باب الغار فدله
محرم آخر على بابه فذهب إليه فقتله، فعلى الدال الجزاء أيضا لأنه حين دله على الطريق والباب
كأنه دله على الصيد. وكذلك محرم رأى صيدا في موضع لا يقدر عليه إلا أن يرميه بشئ
فدله محرم على قوس ونشاب أو دفع ذلك إليه فرماه فقتله. فعلى كل واحد جزاء كامل ا ه‍.
مع أنه في هذه المسائل مشاهد للصيد فعلم أن الدلالة إذا فقد شرط منها لا يمتنع وجوب
الجزاء بسبب الإعانة. واختلفوا في إعارة السكين أو القوس أو النشاب هل هي إعادة موجبة
للجزاء على المعير، فصريح عبارة الأصل أنه لا جزاء على صاحب السكين وإن كان مكروها
فحمله أكثر المشايخ على ما إذا كان مع القاتل سلاح. أما إذا لم يكن معه ما يقتل به فالجزاء
واجب لأن التمكن بإعارته، وجزم به في المحيط وإليه أشار في السير. وصحح السرخسي
في مبسوطه أنه لا جزاء على المعير على كل حال لأن الإعارة ليست إتلافا حقيقة ولا حكما
بخلاف الدلالة فإنها إتلاف معنى، والظاهر ما عليه الأكثر من التفصيل لما ثبت في صحيح

50
مسلم من حديث أبي قتادة هل أعنتم، ولا شك أن إعارة السكين إعانة عليه. ثم اعلم أن
هذا الجزاء كفارة وبدل عندنا، أما كونه كفارة فلوجود سببها وهو الجناية على الاحرام
بارتكاب محظور إحرامه ولهذا قال * (أو كفارة طعام مساكين) * (المائدة: 95) وأما كونه بدلا
فلوجود سببه وهو إتلاف صيد متقوم ولهذا اعتبرت المماثلة بين المقتول والجزاء، ولهذا ذكر
المصنف آخر الباب أنه لو اجتمع محرمان في قتل صيد تعدد الجزاء لأن الواجب كفارة في حق
الجاني وجب جزاء على فعله وفعل كل واحد جناية على حدة بخلاف الحلالين كما سيأتي. ثم
اعلم أيضا أن الجزاء بتعدد المقتول إلا إذا قصد به التحلل ورفض إحرامه كما صرح به في
الأصل فقال: اصطاد المحرم صيدا كثيرا على قصد الاحلال والرفض لاحرامه فعليه لذلك
كله دم لأنه قاصد إلى تعجيل الاحلال إلى الجناية على الاحرام وتعجيل الاحلال يوجب دما
واحدا كما في المحصر. كذا في المبسوط. وقد يقال: لا يصح القياس لما أن تعجيل الاحلال
في المحصر مشروع بخلافه هنا ولهذا كان قصده باطلا ولا يرتفض به الاحرام فوجوده
وعدمه سواء.
قوله: (وهو قيمة الصيد بتقويم عدلين في مقتله أو أقرب موضع منه فيشتري بها هديا
وذبحه إن بلغت هديا أو طعاما وتصدق به كالفطرة أو صام عن طعام كل مسكين يوما) أي
الحزاء ما ذكر لقوله تعالى * (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذو
اعدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره) * (
المائدة: 95) اطلق المصنف ولم يقيد بالعمد كما في الآية لأنه لا فرق بين الناسي والعامد
كإتلاف الأموال لأن هذا الجزاء ليس كفارة محضة كما قدمنا. والتقييد به في الآية لأجل
الوعيد المذكور في آخرها لا لوجوب الجزاء، لأن الآية نزلت في حق من تعدى كما ذكره
القاضي البيضاوي. وأشار بذكر القيمة فقط إلى أنها المراد بالمثل في الآية وهو المثل معنى لا
المثل صورة ومعنى، وإنما لم يعمل بالكامل كما قال محمد والشافعي فإنهما أوجبا النظير فيما

51
له نظير لأن المعهود في الشرع في القيميات المثل معنى فإنه لو أتلف بقرة لانسان مثلا لا
يلزمه بقرة مثلها اتفاقا لأن المثل معنى مراد بالاجماع فيما لا نظير له وهو مجاز فلا يراد المعنى
الحقيقي وهو المثل صورة ومعنى لعدم جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكذلك في قوله
تعالى * (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194) أريد المثل معنى وهو القيمة،
وأما رد العين فثابت بالسنة أو لما في حملنا على المثل معنى من التعميم لشموله ماله نظير له
وما لا نظير له، وإذا حمل على المثل الكامل كانت الآية قاصرة على ماله نظير. وعلى هذا
فكلمة من النعم بيان لما وهو المقتول لا للمثل. والنعم كما يطلق على الأهلي يطلق على
الوحشي كما قاله أبو عبيدة والأصمعي، وأراد بقيمة الصيد قيمة لحمه. قال الكرماني في
مناسكه: يقوم الصيد لحما عندنا. وقال زفر: يجب قيمته بالغة ما بلغت. وفائدة الخلاف لو
قتل بازيا معلما فعندنا تجب قيمته لحما، وعنده تجب قيمته معلما. وفي الاختيار: وإذا كان
المراد من الجزاء القيمة يقوم العد لأن اللحم لا الحيوان، والمراد أنه يقوم من حيث الذات لا
من حيث الصفة لأنها أمر عارض ولو كانت الصفة بأمر خلقي كما إذا كان طيرا يصوت
فازدادت قيمته لذلك ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان، ورجح في البدائع اعتبارها بخلاف
ما إذا أتلف شيئا مملوكا فإن القيمة تعتبر من حيث الذات والصفات إلا إذا كان الوصف
لمحرم من اللهو كقيمة الديك لنقاره والكبش لنطاحه فإنها لا تعتبر كالجارية المغنية. وليس
مرادهم أنه يقوم لحمه بعد قتله وإنما يقوم وهو حي باعتبار ذاته بدليل أن مالا يؤكل لحمه لا
يصح أن يقوم لحمه بعد قتله إذ ليس له قيمة وإنما يقوم باعتبار جلده وكونه صيدا حيا ينتفع
به، وليس مرادهم إهدار صفة الصيد بالكلية لما أنهم اتفقوا على أنه لو قتل صيدا حسنا مليحا
له زيادة قيمة تجب قيمته على تلك الصفة كما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة كما صرح
به في البدائع. وإنما المراد إهدار ما كان بصنع العباد. وأراد بالعدل من له معرفة وبصارة
بقيمة الصيد لا العدل في باب الشهادة، وقيد بالعدلين لأن العدل الواحد لا يكفي لظاهر

52
النص وصححه في شرح الدرر.
وفي الهداية قالوا: والواحد يكفي والمثنى أولى لأنه أحوط وأبعد من الغلط كما في
حقوق العباد، وقيل يعتبر المثنى ههنا بالنص ا ه‍. وفي فتح القدير: والذين لم يوجبوه حملوا
العدد في الآية على الأولوية لأن المقصود زيادة الاحكام والاتقان، والظاهر الوجوب وقصد
الاحكام والاتقان لا ينافيه بل قد يكون داعيته ا ه‍. وينبغي أن يكتفي بالقاتل إذا كان له
معرفة بالقيمة وأن يحمل ذكر الحكمين على الأولوية على قول من يكتفي بالواحد لكنه يتوقف
على نقل ولم أره. وكلمه أو في قوله أو أقرب المواضع للتوزيع لا للتخيير يعني أن
الحكمين يقومانه في مكان قتله إن كان يباع فيه، وفي أقرب المواضع إلى مكان قتله كالبرية.
ولا بد من اعتبار المكان ومن اعتبار زمان قتله لاختلاف القيم باختلاف الأمكنة والأزمنة.
والضمير في قوله فيشتري راجع إلى القاتل فأفاد أنه بعد تقويم الحكمين الخيار للقاتل بين
الأشياء الثلاثة، ولا خيار للحكمين لأن التخيير شرع رفقا بمن عليه فيكون الخيار إليه كما
في كفارة اليمين، وليس في الآية دلالة على اختيارهما لأن قوله أو كفارة أو عدل بالرفع
عطفا على جزاء وليس منصوبا عطفا على هديا فاقتضى أن لا خيار لهما في الاطعام
والصيام فلزم أن لا خيار لهما في الهدي لعدم القائل بالفصل كما في العناية، أو لأن هديا

53
حال من ضمير به وهي حال مقدرة أي صائرا هديا به. وذلك في نفس الامر بواسطة
الشراء بها أو بغير ذلك، وكون الحال مقدرة كثير. وهو وإن لم يلزم على تقدير المخالف فيها
يلزم على تقديره في وصفها وهو بالغ الكعبة فإنه لا يصح حكمهما بالهدي موصوفا ببلوغه
إلى الكعبة حال حكمهما به على التحقيق، بل المراد يحكمان به مقدرا بلوغه، فلزوم التقدير
ثابت غير أنه يختلف محله على الوجهين. ثم على كل تقدير لا دلالة للآية على أن الاختيار
للحكمين بل الظاهر منها أنه إلى من عليه فإن مرجع ضمير المحذوف من الخبر أو متعلق
المبتدأ إليه أعني ما قررناه من قولنا فالواجب عليه أو فعليه. كذا في فتح القدير. وأشار بقوله
هديا إلى أنه لو اختار الهدي يذبحه إلا بالحرم لصريح قوله بالغ الكعبة مع أن الهدي
ما يهدى من النعم إلى الحرم، وقول الفقهاء لو قال إن فعلت كذا فثوبي هذا هدي أو إن
لبست من غزلك فهو هدي مجاز عن الصدقة بقرينة التقييد بالثوب والغزل والكلام في مطلق
الهدي، فلو ذبحه في الحل لا يجزئه عن الهدي بل عن الاطعام فيشترط أن يعطي لك فقير
قدر قيمة نصف صاع حنطة أو صاع من غيرها إن كانت قيمة اللحم مثل قيمة المقتول وإلا
فيكمل. وأشار بقوله إن بلغت هديا إلى أنه إذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزئ
في الأضحية حتى لو لم تبلغ قيمة المقتول إلا عناقا أو حملا يقوم بالاطعام أو الصوم لا
بالهدي ولا يتصور التكفير بالهدي إلا أن تبلغ قيمته جذعا عظيما من الضأن أو ثنيا من غيره
لأن مطلق الهدي في الشرع ينصرف إلى ما يبلغ ذلك السن لأنه المعهود في إطلاق هدي

54
المتعة والقران والأضحية، وإنما يراد به غير ما ذكرنا مجازا بقرينة التقييد كما قدمناه. وأفاد
بقوله ذبحه إلى أن المراد التقرب إلى الله تعالى بالإراقة، فلهذا لو سرق بعد الذبح أجزأه،
ولو تصدق بالهدي حيا لا يجزئه. وأما التصدق بلحم القربان فواجب عند الامكان، فلو
أتلفه بعد الذبح ضمنه فيتصدق بقيمته ولا ينعدم الاجزاء به. وكذا لو أكل بعضه فإنه يغرم
قيمة ما أكل. ويجوز أن يتصدق بجميع اللحم على مسكين واحد، وكذا ما يغرمه من قيمة
أكله. وأطلق في الطعام والصوم فدل على أنهما يجوزان في الحل والحرم ومتفرقا ومتتابعا
لاطلاق النص فيهما.
وأشار بقوله كالفطرة إلى أنه يطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو
شعير، وليس له أن يطعم واحدا أقل منه، وله أن يطعم أكثر تبرعا حتى لا يحتسب الزيادة
من القيمة كيلا ينتقص عدد المساكين. هكذا ذكره ههنا وقد حققنا في باب صدقة الفطر أنه
يجوز أن يفرق نصف الصاع على مساكين على المذهب وأن القائل بالمنع الكرخي فينبغي أن
يكون كذلك هنا خصوصا، والنص هنا مطلق فيجري على إطلاقه لكن لا يجوز أن يعطي
لمسكين واحد كالفطرة لأن العدد منصوص عليه، وإلى أنه يجوز التصدق على الذمي كالمسلم
كما هو الحكم في المشبه به والمسلم أحب، وإلى أنه لا يجوز أن يتصدق بجزاء الصيد على
أصله وإن علا، وفرعه وإن سفل، وزوجته وزوجها كما هو الحكم في كل صدقة واجبة كما
أسلفناه في باب المصرف. وصرحوا هنا بأنه لا يجوز التصدق بشئ من جزاء الصيد على من
لا تقبل شهادته له، وما ذكرناه أولى لكن يرد على المصنف أن الإباحة تكفي في جزاء الصيد
في الاطعام كالتمليك كما صرح به الإمام الأسبيجابي، ولا يكفي في الفطرة. وأشار أيضا
بقوله كالفطرة إلى أن دفع القيمة جائز فيدفع لكل مسكين قيمة نصف صاع من بر، ولا

55
يجوز النقص عنها كما في العين كما صرحوا به في مسألة ذبح الهدي في الحل فإنه يجزئه
باعتبار القيمة كما قدمناه.
قوله: (ولو فضل أقل من نصف صاع تصدق به أو صام يوما) لأن الواجب عليه
مراعاة المقدار وعدد المساكين وقد عجز عن مراعاة المقدار فسقط، وقدر على مراعاة العدد
فلزمه ما قدر عليه بخلاف كفارة اليمين لأنها مقدرة بإطعام عشرة مساكين، كل مسكين
نصف صاع لا يزيد ولا ينقص. أما القيمة هنا تزيد وتنقص فيخير إن شاء تصدق به على
مسكين وإن شاء صام يوما كاملا لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع. وأشار إلى أن الواجب
لو كان دون طعام مسكين بأن قتل يربوعا أو عصفورا فهو مخير أيضا، وإلى أنه يجوز الجمع
بين الصوم والاطعام بخلاف كفارة اليمين. والفرق أن في كفارة الصيد الصوم أصل
كالاطعام حتى يجوز الصوم مع القدرة على الاطعام فجاز الجمع بينهما وإكمال أحدهما
بالآخر، وأما في كفارة اليمين فالصوم بدل عن التكفير بالمال حتى لا يجوز المصير إليه مع
القدرة على المال فلا يجوز الجمع بين الأصل والبدل للتنافي. وشمل كلامه ما إذا كان هذا
الفاضل من جنس ما فعله أولا حتى لو اختار الهدي وفضل من القيمة ما لا يبلغ هديا فهو
مخير في الفضل أيضا. وعلى هذا لو بلغت قيمته هديين إن شاء ذبحهما، وإن شاء تصدق
بالطعام، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما، وإن شاء ذبح أحدهما وأطعم وصام عما
بقي فيجمع بين الأنواع الثلاثة أو يتصدق بالقيمة من الدراهم أو الدنانير. وذكر الولوالجي
في فتاواه أن المعتبر في الطعام قيمة الصيد، وفي الصوم قيمة الطعام، وهكذا في البدائع
قوله: (وإن جرحه أو قطع عضوه أو نتف شعره ضمن ما نقص) اعتبارا للبعض بالكل كما
في حقوق العباد. أفاد بمقابلة الجرح للقتل المتقدم أنه لم يمت من هذا الجرح لأنه لو مات منه

56
وجب كمال القيمة، فإن غاب ولم يعلم موته ولا حياته فالقياس أن يضمن النقصان للشك
في سبب الكمال كالصيد المملوك إذا جرحه وغاب، والاستحسان أن يلزمه جميع القيمة
احتياطا كمن أخذ صيدا من الحرم ثم أرسله ولا يدري أدخل الحرم أم لا فإنه تجب قيمته لأن
جزاء الصيد يسلك به مسلك العبادة من وجه. كذا في المحيط. وأطلق في ضمانه النقصان
بسبب الجرح فشمل ما إذا برئ منه فإنه لا يسقط الجزاء ببرئه لأن الجزاء يجب بإتلاف جزء
من الصيد، وبالاندمال لا يتبين أن الاتلاف لم يكن بخلاف ما إذا جرح آدميا فاندملت
جراحته فلم يبق لها أثر أنه لا ضمان عليه لأن الضمان هناك إنما يجب لأجل الشين وقد
ارتفع. كذا في البدائع، وفي المحيط خلافه فإنه قال: وإن برئ منه ولم يبق له أثر لا يضمن
لأن سبب الضمان قد زال فيزول الضمان كما في الصيد المملوك ا ه‍. والظاهر الأول لما
تقدم من الفرق بين جزاء الصيد والصيد المملوك في مسألة ما إذا غاب بعد الجرح، وعلى هذا
لو قلع سن ظبي أو نتف ريش صيد فنبت أو ضرب عين صيد فابيضت ثم ذهب البياض فلا
شئ عليه عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف عليه صدقة الألم. وأشار بكون الجراحة جناية
مستقلة إلى أنه لو جرح صيدا فكفر ثم قتله كفر أخرى لأنهما جنايتان، وإلى أنه لو لم يكفر
حتى قتله لزمه كفارة بالقتل ونقصان بالجراحة كما في المحيط. وفي الولوالجية: لو جرح
صيدا ثم كفر عنه ثم مات أجزأته الكفارة التي أداها لأنه أدى بعد وجود سبب الوجوب.
وفي المحيط معزيا إلى الجامع: محرم بعمرة جرح صيدا جرحا لا يستهلكه ثم أضاف إليها
حجة ثم جرحه أيضا فمات من الكل فعليه للعمرة قيمته صحيحا وقيمته للحج وبه الجرح
الأول، ولو حل من العمرة ثم أحرم بالحجة ثم جرحه الثانية فعليه للعمرة قيمته وبه الجرح

57
الثاني وللحج قيمته وبه الجرح الأول، ولو كان حين أحل من العمرة قرن بحجة وعمرة ثم
جرح الصيد فمات ضمن للعمرة القيمة وبه الجرح الثاني، وضمن للقران قيمتين وبه الجرح
الأول، ولو كان الجرح الأول استهلاكا غرم للاحرام الأول قيمته صحيحا وللقران قيمتين
وبه الجرح الأول ا ه‍. وفي مناسك الكرماني: ولو ضرب صيدا فرض وانتقصت قيمته أو
ازدادت ثم مات كان عليه أكثر القيمتين من قيمته وقت الجرح أو وقت الموت.
قوله: (وتجب القيمة بنتف ريشه وقطع قوائمه وحلبه وكسر بيضه وخروج فرخ ميت
به) أما نتف ريشه وقطع قوائمه فلانه فوت عليه الامن بتفويت آلة الامتناع فصار كأنه قتله
فلزمه قيمة كاملة، وأما حلبه فلان اللبن من أجزائه فيكون معتبرا بكله فيجب عليه ضمان ما
أتلف وهو قيمة اللبن، وأما كسر بيضه فلانه أصل الصيد وله عرضية أن يصير صيدا فنزل
منزلة الصيد احتياطا وهو مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما فوجب عليه قيمة
البيض، وأما إذا خرج فرخ ميت بسبب الكسر فالقياس أن لا يغرم سوى قيمة البيضة لأن
حياة الفرخ غير معلوم. وجه الاستحسان أن البيض معد ليخرج منه الفرخ الحي والكسر قبل
أوانه سبب لموته فيحال به عليه احتياطا فتجب قيمته حيا كما صرح به. والريش جمع الريشة
وهو الجناح، والقوائم الأرجل، وأطلق في كسر بيضه. وقيده في الهداية بأن لا يكون فاسدا
لأنه لو كسر بيضة مذرة لا شئ عليه لأن ضمانها ليس لذاتها بل لعرضية الصيد وهو مفقود
في الفاسدة، وبهذا انتفى قول الكرماني: إذا كسر بيضة نعامة مذرة وجب الجزاء لأن لقشرها
قيمة، وإن كانت غيرها نعامة لا يجب شئ، وذلك لأن المحرم بالاحرام ليس منهيا عن
التعرض للقشر بل للصيد فقط وليس للمذرة عرضية الصيدية. كذا في فتح القدير. وفي
البدائع: ولو شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله، ولو أكله أو غيره حلالا كان أو

58
حراما لا يلزمه شئ. وعلل له في المحيط بأنه لا يفتقر إلى الذكاة فلا يصير ميتة، ولهذا يباح
أكل البيض قبل الشئ. وأفاد بمسألة خروج الفرخ أنه لو ضرب بطن ظبية فألقيت جنينا ميتا
فإنه يضمن قيمته حيا، فإن ماتت الام ضمن قيمتها أيضا بخلاف جنين المرأة إذا خرج ميتا لا
يلزم الضارب شيئا لأنه في حكم النفس في جزاء الصيد احتياطا وفي حقوق العباد في حكم
الجزء لأن غرامات الأموال لا تبتنى على الاحتياط. كذا في النهاية. وقيد بقوله به لأنه لو
علم موته بغير الكسر فلا ضمان عليه للفرخ لانعدام الأمانة، ولا للبيض لعدم العرضية،
وإذا ضمن الفرخ لا يجب في البيض شئ لأن ما ضمانه لأجله قد ضمنه. وأشار بخروج
الفرخ إلى أنه لو نفر صيدا عن بيضة ففسد أنه يضمن إحالة للفساد عليه لأنه السبب الظاهر
كما لو أخذ بيضة الصيد فدفنها تحت دجاجة ففسدت، ولو لم تفسد وخرج منها فرخ وطار
فلا شئ عليه.
قوله: (ولا شئ بقتل غراب وحدأة وذئب وحية وعقرب وفأرة وكلب عقور وبعوض
ونمل وبرغوث وقراد وسلحفاة) أما الفواسق وهي السبعة المذكورة هنا فلما في صحيح ا
البخاري خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب
والكلب العقور (1) وزاد في سنن أبي داود الحية والسبع العادي وفي رواية الطحاوي
الذئب فلذا ذكر المصنف سبعة، ومعنى الفسق فيهن خبثهن وكثرة الضرر فيهن، وهو
حديث مشهور فلذا خص به الكتاب القطعي. كذا في النهاية. وأطلق المصنف في نفي شئ
بقتلها فأفاد أنه لا فرق بين أن يكون محرما أو حلالا في الحرم. وأطلق في الغراب فشمل

59
الغراب بأنواعه الثلاثة، وما في الهداية من قوله والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف أو يخلط
لأنه يبتدئ بالأذى، أما العقعق غير مستثنى لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى ففيه نظر
لأنه دائما يقع على دبر الدابة كما في غاية البيان. وسوى المصنف بين الذئب والكلب العقور
وهو رواية الكرخي واختارها في الهداية لأن الذئب يبتدئ بالأذى غالبا والغالب كالمتحقق،
ولأنه ذكر في بعض الروايات، وفرق بينهما الإمام الطحاوي فلم يجعل الذئب من الفواسق.
وأطلق في الفأرة فشملت الأهلية والوحشية. وقيد الكلب بالعقور اتباعا للحديث مع أن
العقور وغيره سواء، أهليا كان أو وحشيا، لأن غير العقور ليس بصيد فلا يجب الجزاء به كما
صرح به قاضيخان في فتاواه، واختاره في الهداية. وفي السنور البري روايتان. ثم اعلم أن
الكلام إنما هو في وجوب الجزاء بقتله. وأما حل القتل فما لا يؤذي لا يحل قتله فالكلب
الأهلي إذا لم يكن مؤذيا لا يحل قتله لأن الامر بقتل الكلاب نسخ فقيد القتل بوجوب الايذاء،
وأما البعوض وما كان مثله من هوام الأرض فلأنها ليست بصيود أصلا وإن كان بعضها
يبتدئ بالأذى كالبرغوث، ودخل الزنبور والسرطان والذباب والبق والقنافذ والخنافس والوزغ
والحلمة وصياح الليل وابن عرس، وينبغي أن يكون العقرب والفأرة من هذا القسم لأن حد
الصيد لا يوجد فيهما. والبعوض من صغار البق الواحدة بعوضة بالهاء واشتقاقها من البعض
لأنها كبعض البقة قال الله تعالى * (مثلا ما بعوضة) * (البقرة: 26) كذا في ضياء الحلوم.
وفيه: الحدأة بكسر الحاء طائره معروف والجمع الحدأ، وأما الحدأة بفتح الحاء فأس ينقر بها
الحجارة لها رأسان. والذئب بالهمزة معروف وجمعه أذوب وأذواب ذاب وذؤبان، قيل
اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه وهو من أسماء الرجال أيضا، ويصغر
ذويب. والسلحفاة بضم الحاء وفتح الفاء واحدة السلاحف من خلق الماء، ويقال أيضا

60
سلحفية بالياء، والفأرة بالهمزة واحدة الفأر وجمعه فيران.
قوله: (وبقتل قملة وجرادة تصدق بما شاء) أما وجوب الصدقة بقتل القملة فلأنها
متولدة من النفث الذي على البدن والمحرم ممنوع من إزالته بمنزلة إزالة الشعر حتى لو قتل ما
على الأرض من القمل فإنه لا شئ عليه، أو قتلها من بدن غيره فكذلك كما في الظهيرية
وغيرها. وفي المحيط: ويكره قتل القملة وما تصدق به فهو خير منها. أطلق في قتل القملة
فشمل ما إذا كان مباشرة أو تسببا لكن يشترط في الثاني القصد كما قدمناه فعليه الجزاء لو
وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل كالصيد ولا شئ عليه لو لم يقصد ذلك كما
لو غسل ثوبه فمات القمل. كذا في غاية البيان. وقد علم من كلامه أن القمل كالصيد فأفاد
أن الدلالة موجبة فيها، فلو أشار المحرم إلى قملة على بدنه فقتلها الحلال وجب الجزاء. وعلم
من التعليل أن إلقاء القملة كالقتل لأن الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما صرح
به الأسبيجابي وغيره. وأراد بالقملة القليل منه لأن الكثير منه جزاء قتله صدقة معينة وهي
نصف صاع لا التصدق بما شاء، وظاهر كلام الأسبيجابي أن ما زاد على الثلاث كثير، وكلام
قاضيخان أن العشر فما فوقها كثير، واقتصر شراح الهداية على الأول فكان هو المذهب. وأما
وجوبها بقتل الجرادة فلان الجراد من صيد البر فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة
ويقصده الآخذ. وقال عمر رضي الله عنه: تمرة خير من جرادة فأوجبها على من قتل جرادة

61
كما رواه مالك في الموطأ وتبعه أصحاب المذاهب. أما ما في سنن أبي داود والترمذي عن أبي
هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة أو غزوة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا
نضربه بأسيافنا وقسينا فقال صلى الله عليه وسلم: كلوه فإنه من صيد البحر. فقد أجاب النووي رحمه الله في
شرح المهذب بأن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم وهو بضم الميم وكسر الزاي وفتح
الهاء بينهما، واسمه يزيد بن سفيان. وفي رواية لأبي داود عن أبي رافع عن أبي هريرة قال
البيهقي وغيره: ميمون غير معروف ا ه‍. فليس هنا حديث ثابت فثبت أنه من صيد البر بإيجاب
عمر الجزاء فيه بحضرة الصحابة، وقد روى البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في
الجراد قبضة من طعام. ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل، وينبغي
أن يكون كالقمل ففي الثلاث وما دونها يتصدق بما شاء، وفي الأربع فأكثر يتصدق بنصف
صاع، وفي المحيط: مملوك أصاب جرادة في إحرامه إن صام يوما فقد زاد وإن شاء جمعها حتى
تصير عدة جرادات فيصوم يوما ا ه‍. وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد لما علم أن
العبد لا يكفر إلا بالصوم. ثم أطلق المصنف رحمه الله في الصدقة لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية
مقدارها، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه يطعم في الواحدة كسرة وفي الاثنين أو الثلاثة
قبضة من الطعام، وفي الأكثر نصف صاع. كذا ذكره الأسبيجابي.
قوله: (ولا يجاوز عن شاة بقتل السبع وإن صال لا شئ بقتله بخلاف المضطر) لأن
السبع صيد وليس هو من الفواسق لأنه لا يبتدئ بالأذى حتى لو ابتدأ بالأذى كان منها فلا
يجب بقتله شئ وهو معنى قوله صال أي وثب بخلاف الذئب فإنه من الفواسق لأنه ينتهب

62
الغنم، وأراد بالسبع كل حيوان لا يؤكل لحمه مما ليس من الفواسق السبعة والحشرات، سواء
كان سبعا أولا ولو خنزيرا أو قردا أو فيلا كما في المجمع. والسبع اسم لكل مختطف منتهب
جارح قاتل عاد عادة فإذا وجب الجزاء بقتله لا يجاوز به شاة لأن كثرة قيمته إما لما فيه من
معنى المحاربة وهو خارج عن معنى الصيدية، أو لما فيه من الايذاء وهو لا تقوم له شرعا
فبقي اعتبار الجلد واللحم على تقدير كونه مأكولا وذلك لا يزيد على قيمة الشاة غالبا لأن
لحم الشاة خير من لحم السبع. وقيد بالسبع لأن الجمل إذا صال على إنسان فقتله وجب عليه
قيمته بالغة ما بلغت، والفرق بينهما أن الاذن في مسألة السبع بقتله حاصل من صاحب الحق
وهو الشارع. أما في مسألة الجمل فلم يحصل الاذن من صاحبه، وأورد عليه العبد إذا صال
بالسيف على إنسان فقتله المصول عليه فإنه لا يضمنه مع أنه لا إذن له أيضا من مالكه.
وأجيب بأن العبد مضمون في الأصل حقا لنفسه بالآدمية لا للمولى لأنه مكلف كسائر
المكلفين، ألا ترى أنه لو ارتد أو قتل يقتل وإذا كان مضمونا لنفسه سقط هذا الضمان بمبيح
جاء من قبله وهو المصال به ومالية المولى فيه، إن كانت متقومة مضمونة له نهى تبع لضمان
النفس فيسقط التبع في ضمن سقوط الأصل. أطلق في عدم وجوب شئ إذا صال فشمل
ما إذا أمكنه دفعه بغير سلاح أو لا، وذكر في المحيط أنه إذا أمكنه دفعه بغير السلاح فقتله
فعليه الجزاء، وقيد قاضيخان السبع بكونه غير مملوك لأنه لو كان مملوكا وجبت قيمته بالغة
بلغت يعني عليه قيمتان إذا كان محرما قيمة لمالكه مطلقا وقيمة لله تعالى لا تجاوز قيمة شاة كما
أسلفناه. ومعنى قوله بخلاف المضطر أن المحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد للمخمصة فذبحه
وأكله فإنه يجب الجزاء عليه لأن الاذن مقيد بالكفارة بالنص في قوله تعالى * (فمن كان منكم

63
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) * (البقرة: 196) الآية. فدل على أن الضرورة لا تسقط
الكفارة، وأراد بالشاة هنا أدنى ما يجزئ في الهدية والأضحية وهو الجذع من الضأن قوله:
(وللمحرم ذبح شاة وبقرة وبعير ودجاجة وبط أهلي) لأنها ليست بصيود وعليه إجماع الأمة.
وقيد البط بالأهلي وهو الذي يكون في المساكن والحياض لأنه ألوف بأصل الخلقة احترازا
عن الذي يطير فإنه صيد فيجب الجزاء بقتله. قال الشارح: فينبغي أن تكون الجواميس على
هذا التفصيل فإنه في بلاد السودان وحشي ولا يعرف منه مستأنس عندهم ا ه‍. وفي
المجمع: ولو نزى ظبي على شاة يلحق ولدها بها يعني فلا يجب بقتل الولد جزاء لأن الام
هي الأصل قوله: (وعليه الجزاء بذبح حمام مسرول وظبي مستأنس) لما قدمناه أن العبرة
للتوحش بأصل الخلقة ولا عبرة للعارض والحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه وإن
كان بطئ النهوض والاستئناس عارض، واشتراط ذكاة الاختيار لا يدل على أنه ليس
بصيد لأن ذلك كان للعجز وقد زال بالقدرة عليه، وفي المغرب: حمام مسرول في رجليه
ريش كأنه سروايل. وإنما قيد به مع أن الحكم في الحمام مطلقا كذلك لما أن فيه خلاف
مالك وليفهم غيره بالأولى.
قوله: (ولو ذبح محرم صيدا حرم) أي فهو ميتة لأن الذكاة فعل مشروع وهذا فعل
حرام فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي فأفاد أنه يحرم على المحرم والحلال. وأشار إلى أن
الحلال لو ذبح صيد الحرم فإنه يكون ميتة أيضا كما في غاية البيان. وأطلقه فشمل ما إذا كان
المحرم الذابح مضطرا أو لا، واختلفت العبارات فيما إذا اضطر المحرم هل يذبح الصيد
فيأكله أو يأكل الميتة ففي المبسوط: إنه يتناول من الصيد ويؤدي الجزاء ولا يأكل الميتة في قول
أبي حنيفة وأبي يوسف لأن حرمة الميتة أغلظ لأن حرمة الصيد ترتقع بالخروج من الاحرام أو
الحرم فهي مؤقتة به بخلاف حرمة الميتة فعليه أن يقصد أخف الحرمتين دون أغلظهما،

64
والصيد وإن كان محظور الاحرام لكن عند الضرورة يرتفع الحظر فيقتله ويأكل منه ويؤدي ا
لجزاء ا ه‍. والمراد بالقتل الذبح. وفي فتاوى قاضيخان: المحرم إذا اضطر إلى مينة وصيد
فالميتة أولى من قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف والحسن: يذبح الصيد، ولو كان
الصيد مذبوحا فالصيد أولى عند الكل. ولو وجد لحم صيد آدمي كان ذبح الصيد أولى، ولو
وجد صيدا وكلبا فالكلب أولى لأن في الصيد ارتكاب المحظورين، وعن محمد الصيد أولى
من لحم الخنزير ا ه‍. والذي يظهر ترجيح ما في الفتاوى لما أن في أكل الصيد ارتكاب
حرمتين الاكل والقتل وفي أكل الميتة ارتكاب حرمة واحدة وهي الاكل، وكون الحرمة ترتفع
لا يوجب التخفيف ولهذا قال في المجمع: والميتة أولى من الصيد للمضطر ويجيزه له مكفرا.
وذكر في المحيط أن رواية تقديم الميتة رواية المنتفي، وذكر الشارح أنه لو وجد صيدا حيا
ومال مسلم يأكل الصيد لا مال المسلم لأن الصيد حرام حقا لله تعالى والمال حرام حقا للعبد
فكان الترجيح لحق العبد لافتقاره. وفي فتاوى قاضيخان: وعن بعض أصحابنا من وجد
طعام الغير لا يباح له الميتة، وهكذا عن ابن سماعه وبشر أن الغصب أولى من الميتة وبه أخذ
الطحاوي. وقال الكرخي: هو بالخيار ا ه‍ قوله: (وغرم بأكله لا محرم آخر) للفرق بينهما
وهي أن حرمته على الذابح من جهتين: كونه ميتة وتناوله محظورا إحرامه لأن إحرامه هو
الذي أخرج الصيد عن الحلية والذابح عن الأهلية في حق الذكاة فأضيفت حرمة التناول إلى
إحرامه فوجبت عليه قيمة ما أكله، وأما المحرم الآخر فإنما هي حرام عليه من جهة واحدة
وهو كونه ميتة فلم يتناول محظور إحرامه، ولا شئ عليه بأكل الميتة سوى التوبة والاستغفار،
وبهذا اندفع قولهما بعدم الفرق قياسا على أكل الميتة. أطلقه فشمل ما إذا أكل منه قبل أداء
الجزاء أو بعده لكن إن كان قبله دخل ضمان ما أكل في ضمان الصيد فلا يجب له شئ
بانفراده. وقيد بأكل المحرم لأن الحلال لو ذبح صيدا في الحرم فأدى جزاءه ثم أكل منه لا

65
شئ عليه اتفاقا لأن وجوب الجزاء لفوات إلا من الثابت بالحرم للصيد لا للحمه. وقيد
بأكله أي أكل لحمه لأن مأكول المحرم لو كان بيض، صيد بعد ما كسره وأدى جزاءه لا شئ
عليه اتفاقا كما قدمناه عن المحيط لأن وجوب الجزاء فيه باعتبار أنه أصل الصيد وبعد الكسر
انعدم هذا المعنى. وفي فتح القدير: ويكره بيعه فإن باعه جاز ويجعل ثمنه في الفداء إن شاء،
وكذا شجر الحرم واللبن ا ه‍. وأشار إلى أن مأكوله لو كان لحم جزاء الصيد فإنه يضمن قيمة
ما أكل بالأولى وهو متفق عليه. وقد قدمناه. وأراد بالاكل الانتفاع بلحمه فشمل ما إذا
أطعمه لكلابه فإنه يضمن قيمته. وفي المحيط: محرم وهب لمحرم صيدا فأكله قال أبو حنيفة:
على الآكل ثلاثة أجزية: قيمة للذبح وقيمة للاكل المحظور وقيمة للواهب لأن الهبة كانت
فاسدة وعلى الواهب قيمته. وقال محمد: على الآكل قيمتان قيمة للواهب وقيمة للذبح ولا
شئ للاكل عنده ا ه‍. وهو صريح في لزوم قيمتين على المحرم بقتل الصيد المملوك كما
ذكرناه أول الفصل.
قوله: (وحل له لحم ما صاده حلال وذبحه إن لم يدل عليه وإن لم يأمره بصيده) لحديث
أبي قتادة الثابت في الصحيحين حين اصطاد وهو حلال حمارا وحشيا وأتى به لمن كان محرما
من الصحابة فإنهم لما سألوه عليه السلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت
موجودة أم لا فقال عليه السلام: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا:
لا. فقال: كلوا إذا، فدل على حله للمحرم ولو صاده الحلال لأجله لأنه لو كان من الموانع
أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها. قيد بعدم الدلالة والامر لأنه لو وجد
أحدهما من المحرم للحلال فإنه يحرم على المحرم أكله على ما هو المختار وفيه روايتان، وذكر
الطحاوي تحريمه. وقال الجرجاني: لا يحرم. وغلطه القدوري واعتمد رواية الطحاوي،
وظاهر ما في غاية البيان أن الروايتين في حرمة الصيد على الحلال بدلالة المحرم مع أن ظاهر
الكتب أن الدلالة من المحرم محرمة عليه للصيد لا على الصائد الحلال. ثم اعلم أن عطفهم

66
الامر على الدلالة هنا يفيد أنه غيرها وهو مؤيد لما قدمناه أول الفصل فراجعه قوله: (وبذبح
الحلال صيد الحرم قيمة يتصدق بها لا صوم) أي وتجب قيمة بذبح صيد الحرم ويلزمه التصدق
بها ولا يجزئه الصوم لأن الصيد استحق الامن بسبب الحرم للحديث الصحيح ولا ينفر
صيدها فأفاد حرمة التنفير فالقتل أولى. وانعقد الاجماع على وجوب الجزاء بقتله فيتصدق
بقيمته على الفقراء ولا يجزئه الصوم لأن الضمان فيه باعتبار المحل وهو الصيد فصار كغرامة
الأموال بخلاف المحرم فإن الضمان ثمة جزاء الفعل لاجزاء المحل والصوم يصلح له لأنه
كفارة له ولصريح النص أو عدل ذلك صياما وإنما اقتصر المصنف على نفي الصوم ليفيد أن
الهدي جائز وهو ظاهر الرواية لأنه فعل مثل ما جنى لأن جنايته كانت بالإراقة وقد أتى بمثل
ما فعل، وفي رواية الحسن لا تجزئه الإراقة، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا كانت قيمة المذبوح
قبل الذبح أقل من قيمة الصيد، فعلى ظاهر الرواية تكفيه الإراقة، وعلى رواية الحسن يتصدق
بتمام القيمة، وفيما إذا سرق المذبوح فعلى الظاهر لا يجب أن يقيم غيره مقامه. وعلى رواية
الحسن تجب الإقامة. وإنما قيد بالحلال ليفيد أن حكم المحرم في صيد الحرم كحكم الحلال
بالأولى، والقياس أن يلزمه جزاءان لوجود الجناية في الاحرام والحرم، وفي الاستحسان
يلزمه جزاء واحد لأن حرمة الاحرام أقوى لتحريمه القتل في الحل والحرم فاعتبر الأقوى
وأضيفت الحرمة إليه عند تعذر الجمع بينهما ولهذا وجب الجزاء به لا لنفسه. وأما شجر
الحرم وحشيشه فهما فيه سواء لأنه ليس من محظورات الاحرام، والظاهر أنه قيد احترازي

67
لأن المحرم تلزمه قيمة يخير فيها بين الهدي والاطعام والصوم كما صرح به في النهاية في
صيد المحرم في الحرم. وقيد بذبح الحلال لأنه لو دل إنسانا على صيد الحرم فإنه لا يلزمه
شئ ولو كان المدلول محرما، والفرق بين دلالة المحرم ودلالة الحلال أن المحرم التزم ترك
التعرض بالاحرام فلما دل ترك ما التزمه فضمن كالمودع إذا دل السارق على الوديعة ولا التزام
من الحلال فلا ضمان بها كالأجنبي إذا دل السارق على مال إنسان. والتحقيق أن الضمان على
المحرم جزاء الفعل والدلالة فعل وعلى الحلال في صيد الحرم جزاء المحل، وفي الدلالة لم
يتصل بالمحل شئ وليس مقصوده تقييد الضمان بالذبح فقط لأنه سيصرح آخر الفصل أن
من أخرج ظبية الحرم فإنه يضمنها.
وقال في المحيط: ومن أخرج صيدا من الحرم يرده إلى مأمنه فإن أرسله في الحل ضمنه
لأنه أزال أمنه بالاخراج فما لم يعده إلى مأمنه بإرساله في الحرم لا يبرأ عن الضمان ا ه‍.
فعلم أن المراد بالذبح إتلافه حقيقة أو حكما، ولا فرق في الاتلاف بين المباشرة والتسبب
بشرط أن يكون التسبب عدوانا كما قدمناه في صيد المحرم ولهذا قال في المحيط هنا: ولو
أدخل المحرم بازيا فأرسله فقتل حمام الحرم لم يضمن لأنه أقام واجبا وما قصد الاصطياد فلم
يكن متعديا في السبب بل كان مأمورا به فلا يضمن انتهى. فعلم بهذا أن صيد الحرم يضمن
بالمباشرة وبالتسبب ووضع اليد حتى لو وضع يده على صيد الحرم فتلف بآفة سماوية فإنه
يكون ضامنا كما سيأتي صريحا في الكتاب. والصيد يضمن على المحرم بهذه الثلاثة أيضا
ويزاد عليها رابع وهو الإعانة على قتله حتى لو أحرم وفي يده حقيقة صيد فلم يرسله حتى
هلك بآفة سماوية لزمه جزاؤه كما صرح به في فتح القدير، ولم أر من صرح بحكم جزء
صيد الحرم كبيضه ولبنه ولعله لفهمه من صيد الحرم فإنه لا شك أن الجزء معتبر بالكل. فإذا
كسر بيض صيد الحرم أو جرحه ضمن. ثم رأيت التصريح في المحيط بأن جراحته مضمونة
فقال: حلال جرح صيدا في الحرم فزادت قيمته من شعر أو بدن ثم مات من الجراحة فعليه
ما نقصته الجراحة وقيمته يوم مات وتمام تفاريعه فيه. وأطلق المصنف في صيد الحرم فشمل
ما إذا كان الصيد في الحرم والصائد في الحل أو عكسه وقد صرحوا به. قال في المحيط: ثم
الصيد إنما يصير آمنا بثلاثة أشياء: بإحرام الصائد وبدخول الصيد الحرم وبدخول الصائد في
الحرم، وفي الأخير خلاف زفر ونحن نقول: إن الداخل للحرم يحرم عليه الاصطياد مطلقا
كما يحرم بالاحرام. والعبرة لقوائم الصيد لا لرأسه حتى لو كان بعض قوائمه في الحل

68
ورأسه في الحرم فلا شئ عليه في قتله ولا يشترط أن تكون جميع قوائمه في الحرم حتى لو
كان بعض قوائمه في الحرم وبعضها في الحل وجب الجزاء بقتله لتغليب الخطر على الإباحة،
ولهذا لو كان الصيد ملقى على الأرض في الحل ورأسه في الحرم وجب الجزاء بقتله لأنه ليس
بقائم في الحل وبعضه في الحرم. وبما ذكرنا علم أنه لو رمى إلى صيد من الحل في الحل غير
أن ممر السهم في الحرم فإنه لا شئ عليه، وكذلك حكم الكلب والبازي إذا أرسلهما كما
صرح به الأسبيجابي. وهل المعتبر حالة الرامي أو الإصابة؟ ففي فتاوى قاضيخان: لو رمى
صيدا في الحل فنفر الصيد ووقع السهم في الحرم قال محمد عليه الجزاء في قول أبي حنيفة
فيما أعلم ا ه‍. وذكر في المبسوط مثله في آخر المناسك، وذكر في موضع آخر أنه لا يلزمه
الجزاء لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي ولكن لا يحل تناول ذلك الصيد، وهذه المسألة
المستثناة من أصل أبي حنيفة فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه يعتبر
في حل التناول حالة الإصابة احتياطا لأن الحل يحصل بالذكاة، وإنما يكون ذلك عند
الإصابة وعلى هذا إرسال الكلب ا ه‍. وقد اختلف كلامه لكن ذكر في البدائع أنه لا جزاء

69
عليه قياسا، وفي الاستحسان عليه الجزاء فيحمل الاختلاف على القياس والاستحسان. وفي
فتاوي الولوالجي: لا يجب الجزاء ويكره أكله ا ه‍. وبما ذكرنا علم أن الصيد لو كان على
أغصان شجرة متدلية في الحرم وأصل الشجرة في الحل فإن قتله عليه الجزاء لأن المعتبر في
الصيد مكانه لا أصله، وفي حرمة قطع الشجرة العبرة للأصل لا للأغصان لأن الأغصان تبع
للشجرة وليس الصيد تبعا لها وهكذا في المحيط وغيره. وليس المراد من كون الصيد في
الحرم أن يكون في أرضه لأنه لا يشترط الكون في الأرض لأنه لو كان طائرا في الحرم
وليس في الأرض فإنه من صيد الحرم لأنه دخله وقد قال تعالى * (ومن دخله كان آمنا) * (آل
عمران: 97) وهواء الحرم كالحرم. وأما مسألة ما إذا رمى حلال إلى صيد فأحرم ثم أصابه
أو عكسه فصرحوا في آخر الجنايات بأن المعتبر وقت الرمي.
وهنا فروع لم أرها صريحا في كلام أئمتنا وإن أمكن استخراجها منه منها: لو نفر صيدا
فهلك في حال هربه ونفاره، وينبغي أن يكون ضامنا ولا يخرج عن العهدة حتى يسكن.
ومنها لو صاح على صيد فمات من صياحه يضمن وينبغي أن يقاس على ما إذا صاح على
صبي فمات. ومنها ما لو رمى إلى صيد فنفذ فيه السهم فأصاب صيدا آخر فقتلهما فينبغي أن
يلزمه جزاءان لأن العمد والخطأ في هذا الباب سواء وهم قد صرحوا به في صيد الحرم ومنها
إذا حفر بئرا فهلك فيها صيد الحرم وينبغي أنه إذا كان في ملكه أو موات لا ضمان وإلا
ضمن بناء على أن التسبب يشترط فيه التعدي للماء لا يضمن، وإن كان للاصطياد يضمن.
ومنها لو جرح الحلال صيدا في الحل ثم دخل الصيد الحرم فجرحه فمات منها وينبغي أن
يلزمه قيمته مجروحا كما تقدم في صيد الحرم. ومنها لو أمسك صيدا في الحل وله فرخ في

70
الحرم فمات الفرخ وينبغي أن يكون ضامنا للفرخ لأنه من صيد الحرم وقد تسبب في موته إن
قلنا إن إمساكه عن فرخه معصية. ومنها لو وقف على غصن في الحل وأصل الشجرة في
الحرم ورمى إلى صيد في الحل أو كان الغصن في الحرم والشجرة والصيد في الحل، وينبغي
أن يكون الواقف على الغصن حكمه كحكم الطائر إذا كان على الغصن فلا ضمان في الأولى
وضمن في الثانية، ومنها إذا أدخل شيئا من الجوارح فأتلفت شيئا لا بصنعه وينبغي أنه إن لم
يرسله فأتلف ضمن، وأما إذا أرسله فقد قدمنا عن المحيط عدم الضمان. ومنها لو رأى
حلال جالس في الحرم صيدا في الحل هل يحل له أن يعد وإليه ليقتله في الحل، وقد قدمنا
أن الصيد يصير آمنا بواحد من ثلاثة، وقد يقال لما خرج من الحر لم يبق واحد من الثلاثة
فحل له، ويجاب بأن الكلام في حل سعيه في الحرم مع أن المقصود بالسعي أمن. وفي
الفتاوى الظهيرية وغيرها: ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة أميال، ومن الجانب الثاني اثنا
عشر ميلا، ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا،
هكذا قال الفقيه أبو جعفر، وهذا شئ لا يعرف قياسا وإنما يعرف نقلا. قال الصدر
الشهيد: فيما قاله نظر فإن من الجانب الثاني ميقات العمرة وهو التنعيم وهذا قريب من ثلاثة
أميال ا ه‍. وذكر الإمام النووي في شرح المهذب أن حده من جهة المدينة دون التنعيم على
ثلاثة أميال من مكة، ومن طريق اليمن على سبعة أميال من مكة، ومن طريق الطائف على
عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال، ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطع على سبعة
أميال، ومن طريق الجعرانة في شعب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال، ومن طريق
جدة على عشرة أميال من مكة، وأن عليه علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم
الخليل عليه السلام وكان جبريل يريه مواضعها، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتجديدها ثم عمر ثم
عثمان ثم معاوية رضي الله عنهم وهي إلى الآن بينة وقد جمعها القاضي أبو الفضل النويري
فقال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه

71
وسبعة أميال عراق وطائف * وجدة عشر ثم تسع جعرانه
ومن يمن سبع بتقديم سينها * وقد كملت فاشكر لربك إحسانه
واختلف العلماء في أن مكة مع حرمها هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم عليه
السلام أم كانت قبله كذلك؟ والأصح أنها ما زالت محرمة من حين خلق الله السماوات
والأرض ا ه‍. ثم اعلم أنه ليس للمدينة حرم عندنا فيجوز الاصطياد فيها وقطع أشجارها
وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها صريحة في تحريم المدينة كمكة وأولها
أصحابنا بأن المراد بالتحريم التعظيم، ويرده ما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا تقطع أغصانها ولا يصاد صيدها (1) فهو صريح في أن
لها حرما كمكة فلا يجوز قطع شجرها ولا الاصطياد فيها والأحسن الاستدلال بحديث أنس
الثابت في الصحيحين أنه كان له أخ صغير يقال له أبو عمير وكان له نغير يلعب به فمات
النغير فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ ولو كان للمدينة حرم لكان إرساله
واجبا عليه ولأنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمساكه ولا يمازحه. وأجاب في المحيط عن
الأحاديث الصحيحة في أن لها حرما أنها من أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى لأن الشجر
للمدينة أمر تعم به البلوى وخبر الواحد إذا ورد فيما تعم به البلوى لا يقبل إذ لو كان
صحيحا لاشتهر نقله فيما عم به البلوى ا ه‍. قوله: (ومن دخل الحرم بصيد أرسله) أي
فعليه أن يطلقه لأنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم إذ هو صار من صيد
الحرم فاستحق الامن. أراد به ما إذا دخل به وهو ممسك له بيده الجارحة لأنه سيصرح بأنه
إذا أحرم وفي بيته أو في قفصه صيد لا يرسله فكذلك إذا دخل الحرم ومعه صيد في قفصه
لا في يده لا يرسله لأنه لا فرق بينهما. فالحاصل أن من أحرم وفي يده صيد حقيقة أو دخل
الحرم كذلك وجب إرساله وإن كان في بيته أو قفصه لا يجب إرساله فيهما فنبه بمسألة دخول
الحرم هنا على مسألة المحرم، ونبه بمسألة المحرم الآتية على مسألة الحرم، وعمم الداخل
ليشمل الحلال والمحرم. وليس المراد من إرساله تسييبه لأن تسييب الدابة حرام بل يطلقه على

72
وجه لا يضيع ولا يخرج عن ملكه بهذا الارسال حتى لو خرج إلى الحل فله أن يمسكه، ولو
أخذه إنسان يسترده. وأطلق في الصيد فشمل ما إذا كان من الجوارح أولا، فلو دخل الحرم
ومعه بازي فأرسله فقتل حمام الحرم فإنه لا شئ عليه لأنه فعل ما هو الواجب عليه وقد
قدمناه
. قوله: (فإن باعه رد البيع إن بقي وإن فات فعليه الجزاء) لأن البيع لم يجز لما فيه من
التعرض للصيد وذلك حرام ولزمه الجزاء بفوته لتفويت الامن المستحق. وأشار بقوله رد
البيع إلى أنه فاسد لا باطل. وأطلق في بيعه فشمل ما إذا باعه في الحرم أو بعد ما أخرجه
إلى الحل لأنه صار بالادخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه إلى الحل بعد ذلك. وقيد بكون
الصيد داخل الحرم لأنه لو كان في الحل والمتبايعان في الحرم فإن البيع صحيح عند أبي
حنيفة، ومنعه محمد قياسا على منع رميه من الحرم إلى صيد في الحل كما قدمناه. وفرق الإمام
بأن البيع ليس بتعرض له حسا بل حكما وليس هو بأبلغ من أمره بذبح هذا الصيد بخلاف
ما لو رماه من الحرم للاتصال الحسي. هذا ما ذكر الشارحون وفي المحيط خلافه فإن قال:

73
لو أخرج ظبية من الحرم فباعها أو ذبحها أو أكلها جاز البيع والاكل، ويكره
لأنه مال مملوك لأنه قيام يده على الصيد وهما في الحل يفيد الملك له في الصيد كما لو أثبت اليد عليه ابتداء
إلا أن لله تعالى فيه حقوقا ورده إلى الحرم لكن حق الله تعالى في العين لا يمنع جواز
البيع كبيع مال الذكاة والأضحية ا ه‍. فقوله في المختصر فإن باعه أي الصيد وهو في الحرم لا
مطلقا قوله (ومن أحرم وفي بيته أو قفصه صيد لا يرسله) أي لا يجب إطلاقه لأن الصحابة
كانوا يحرمون وفي بيوتهم صيود ودواجن ولم ينقل عنهم إرسالها وبذلك جرت العادة الفاشية
وهي من إحدى الحجج، ولان الواجب عدم التعرض وهو ليس بمتعرض من جهته لأنه
محفوظ بالبيت والقفص لا به غير أنه في ملكه، ولو أرسله في مفازة فهو على ملكة فلا يعتبر
ببقاء الملك. أطلقه فشمل ما إذا كان القفص في يده لأنه في القفص لا في يده بدليل جواز
أخذ المصحف بغلافه للمحدث، وقيل يلزمه إرساله على وجه لا يضيع بأن يرسله في بيت أو
يودعه عند إنسان بناء على كونه في يده بدليل أنه يصير غاصبا له بغصب القفص. وقيد
بكونه في بيته أو قفصه لأنه لو كان بيده الجارحة لزمه إرساله اتفاقا، فلو هلك وهو في يده
لزمه الجزاء وإن كان مالكا له للجناية على الاحرام بإمساكه. وفي المغرب: شاة داجن ألفت
البيوت. وعن الكرخي: الدواجن خلاف السائمة ا ه‍. فالمراد بالصيد نحو الصقر والشاهين
وبالدواجن نحو الغزالة قوله: (ولو أخذ حلال صيد فأحرم ضمن مرسله) يعني عند الإمام.
وقالا: لا يضمن لأن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر وما على المحسنين من سبيل. وله أنه
ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه والواجب
عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته فإذا قطع يده عنه كان متعديا. قال في

74
الهداية: ونظيره الاختلاف في كسر المعازف ا ه‍. وهو يقتضي أن يفتى بقولهما هنا لأن
الفتوى على قولهما في عدم الضمان بكسر المعازف ا ه‍. وهي آلات اللهو كالطنبور. أطلق
في الارسال فشمل ما إذا أرسله من يده الحقيقية أو الحكمية أي من بيته لكن يضمنه في الثاني
اتفاقا. كذا في شرح ابن الملك للمجمع قوله: (ولو أخذه محرم لا يضمن) أي لا يضمن
مرسله من يده اتفاقا لأنه لم يملكه بالأخذ لأن المحرم لا يملك الصيد بسبب من الأسباب
لأنه محرم عليه فصار كالخمر والخنزير. كذا قالوا: ومقتضاه أنه لو باعه المحرم فبيعه غير
منعقد أصلا، وقد صرح في المحيط بفساد البيع. والمراد من قولهم المحرم لا يملك الصيد
بسبب من الأسباب الاختيارية كالشراء والهبة والصدقة والوصية، وأما السبب الجبري فيملكه
به كما إذا ورث من قريبه صيدا كما صرح به في المحيط. وأشار إلى أنه لو أرسله المحرم
فأخذه حلال ثم حل مرسله فإنه يأخذه مرسله في الصورة الأولى ممن هو في يده لأنه لم يخرج
عن ملكه ولا يأخذه في الثانية لأنه لم يكن مالكا أصلا قوله: (فإن قتله محرم آخر ضمنا
ورجع آخذه على قاتله) لوجود الجناية منهما الآخذ بالأخذ والقاتل بالقتل فلزم كل واحد
منهما جزاء كامل، ورجع الآخذ على القاتل بما غرم لأن أداء الضمان يوجب ثبوت الملك
في المضمون بالأخذ السابق وقد تعذر إظهاره في عين الصيد فأظهرناه في بدله لأنه قائم مقام
الملك في حق الرجوع ببدله كمن غصب مدبرا وقتله إنسان في يده يرجع بما ضمن على
القاتل وإن لم يملك المدبر فكذا هذا، بل أولى لأن المدبر لا يملك بسبب ما والمحرم يملك
الصيد بسبب الإرث كما قدمناه. وإنما قيد بكون القاتل محرما آخر لقوله ضمنا فإن القاتل
لو كان حلالا فإن كان الصيد في الحرم لزمه الجزاء، وإن كان من صيد الحل ضمان عليه
بالقتل لكن يرجع عليه الآخذ بما ضمن، فالرجوع لا فرق فيه بين المحرم والحلال. وفي
المحيط: ولو كان القاتل نصرانيا أو صبيا فلا جزاء عليه لله تعالى ويرجع عليه الآخذ بقيمته
لأنه يلزمه حقوق العباد دون حقوق الله تعالى. وقيد بكون القاتل آدميا فإنه لو قتله بهيمة
إنسان فإن الجزاء على الآخذ وحده ولا رجوع للآخذ على أحد كما ذكره الأسبيجابي. وأطلق
في الرجوع فشمل ما إذا كان الآخذ كفر بالصوم فيرجع الآخذ بالقيمة مطلقا وهو ظاهر ما

75
في النهاية لكن صرح في المحيط عن المنتقى أنه إن كفر بالصوم فلا رجوع له لأنه لم يغرم
شيئا ا ه‍. وجزم به الشارح واختاره في فتح القدير.
قوله: (فإن قطع حشيش الحرم أو شجر غير مملوك ولا مما ينبته الناس ضمن قيمته إلا
فيما جف) لحديث الصحيحين لا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها والخلا بالقصر الحشيش
واختلاؤه قطعه، والعضد قطع الشجر من باب ضرب. كذا في المغرب. وفي فتح القدير:
الخلا هم الرطب من الكلأ والشجر اسم للقائم الذي بحيث ينمو فإذا جف فهو حطب. وقد
ذكر النووي عن أهل اللغة أن العشب والخلا اسم للرطب، والحشيش اسم لليابس، وأن
الفقهاء يطلقون الحشيش على الرطب واليابس مجازا، وسمي الرطب حشيشا باعتبار ما يؤول
إليه ا ه‍. فقد أفاد الحديث أن المحرم هو المنسوب إلى الحرم والنسبة إليه على الكمال عند عدم
النسبة إلى غيره. قيد بكونه غير مملوك لأنه لو قطع ما أنبته الناس فإنه لا يضمن للحرم بل
يضمن قيمته لمالكه، وقيد بقوله مما لا ينبته الناس لأنه لو قطع ما نبت بنفسه وهو من جنس
ما ينبته الناس فإنه لا ضمان عليه لأنه إنما نبت ببذر وقع فيه فصار كما إذا علم أنه أنبته
الناس ولهذا يحل قطع الشجر المثمر لأنه أقيم كونه مثمرا مقام إنبات الناس لأن إنبات الناس
في الغالب للثمر. وقال في المحيط وغيره: ولو نبت شجر أم غيلان بأرض رجل فقطعه آخر
لزمه قيمتان قيمة للشرع وقيمة للمالك كالصيد المملوك في الحرم أو الاحرام ا ه‍. وهي
واردة على المصنف فالمراد من قوله أو شجرا غير مملوك الشجر الذي لم ينبته أحد، سواء
كان مملوكا أولا، ولذا لم يذكر الملك في أكثر الكتب إنما ذكروا ما لم ينبته الناس. فالحاصل
أن النابت في الحرم إما إذخرا وغيره، فالأول سيستثنيه، والثاني على ثلاثة إما أن يجف أو

76
ينكسر أو ليس واحدا منهما، وقد استثنى ما جف أي يبس ويلحق به المنكسر، وأما ما ليس
واحدا منهما فهو على قسمين: إما أن يكون أنبته الناس أو لا، والأول لا شئ فيه سواء كان
من جنس ما ينبته الناس أو لا، والثاني إن كان من جنس ما ينبته الناس فلا شئ عليه وإلا
ففيه الجزاء فما فيه الجزاء هو ما نبت بنفسه وليس من جنس ما أنبته الناس ولا منكسرا ولا
جافا ولا إذخرا. وفي المحيط: ولو قطع شجرة في الحرم فغرم قيمتها ثم غرسها مكانها ثم
نبتت ثم قلعها ثانيا فلا شئ عليه لأنه ملكها بالضمان. وأشار بقوله ضمن قيمته إلى أنه لا
مدخل للصوم هنا كصيد الحرم. وأطلق في القاطع فشمل الحلال والمحرم، وقيد بالقطع لأنه
ليس في المقلوع ضمان. ذكره ابن بندار في شرح الجامع. وأشار بالضمان أيضا إلى أنه يملكه
بأداء الضمان كما في حقوق العباد، ويكره الانتفاع به بعد القطع بيعا وغيره لأنه لو أبيح
ذلك لتطرق الناس إليه ولم يبق فيه شجر. كذا قالوا وهو يدل على أن الكراهة تحريمية. وفي
المحيط: ولو باعه جاز للمشتري الانتفاع به لأن إباحة الانتفاع للقاطع تؤدي إلى استئصال
شجر الحرم وفي حق المشتري لا، لأن تناوله بعد انقطاع النماء ا ه‍. وفي شرح المجمع:
وبخلاف الصيد فإن بيعه لا يجوز وإن أدى قيمته ا ه‍. فالحاصل أن شجر الحرم يملك بأداء
القيمة وصيد الحرم لا يملك أصلا، وأشار بعدم الضمان فيما جف إلى أنه يحل الانتفاع به
لأنه حطب. ثم اعلم أن قولهم لو نبت الشجر بأرض رجل ملكه إنما يتصور على قولهما،
أما على قول أبي حنيفة لا يتصور لأنه لا يتحقق عنده تملك أرض الحرم بل هي سوائب
عنده. كذا في فتح القدير. وأراد بالسوائب الأوقاف وإلا فلا سائبة في الاسلام. وصرح في
الهداية بأن قولهما رواية عن الإمام. وفي غاية البيان قال محمد في أم غيلان نبتت في الحرم
في أرض رجل: ليس لصاحبه قطعه ولو قطعه فعليه لعنة الله تعالى ا ه‍. وقد قدمنا أن العبرة
لأصل الشجرة لا لأغصانها لكن قال في الأجناس: الأغصان تابعة لأصلها وذلك على ثلاثة
أقسام: أحدها أن يكون أصلها في الحرم والأغصان في الحل فعلى قاطع أغصانها القيمة،
والثاني أن يكون أصلها في الحل وأغصانها في الحرم لا ضمان على القاطع في أصلها
وأغصانها، والثالث بعض أصلها في الحل وبعضه في الحرم فعلى القاطع الضمان سواء كان
الغصن من جانب الحل أو من جانب الحرم ا ه‍.

77
قوله: (وحرم رعى حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر) لاطلاق الحديث ولا يختلي
خلاها لأنه لا فرق بين القطع بالمناجل والمشافر. والمنجل ما يحصد به الزرع، والمشفر للبعير
كالحجلة من الفرس والشفة من الانسان. وجوز أبو يوسف رعيه لمكان الحرج في حق
الزائرين والمقيمين، وأجابا بمنع الحرج لأن الحمل من الحل متيسر ولئن كان فيه حرج فلا
يعتبر لأن الحرج إنما يعتبر في موضع لا نص عليه وأما مع النص بخلافه فلا. وأما الإذخر
فهو نبت معروف بمكة وقد استثناه عليه الصلاة والسلام بالتماس العباس كما عرف في
الصحيح، وذكر في البدائع ثلاثة أوجه: الأول أنه عليه الصلاة والسلام كان في قلبه هذا
الاستثناء إلا أن العباس سبقه فأظهر النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ما كان في قلبه. الثاني يحتمل أن الله
تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلا مكة إلا ما يستثنيه العباس وذلك غير ممتنع. الثالث يحتمل
أنه عليه الصلاة والسلام عمم المنع فلما سأله العباس جاءه جبريل برخصة الإذخر فاستثناه،
وهو استثناء صورة تخصيص معنى والتخصيص المتراخي عن العام نسخ عندنا، والنسخ قبل
التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا ا ه‍. وقيد بالحشيش لأن الكماة من
الحرم يجوز أخذها لأنها ليست من نبات الأرض وإنما هي مودعة فيها ولأنها لا تنمو ولا
تبقى فأشبهت اليابس من النبات. وأشار المصنف بذكر صيد الحرم وشجره وحشيشه إلى أنه
لا بأس بإخراج حجارة الحرم وترابه إلى الحل لأنه يجوز استعماله في الحرم ففي الحل أولى.
كذا في المحيط وغيره. وكذلك يجوز نقل ماء زمزم إلى سائر البلاد للعلة المذكورة، وأما ثياب
الكعبة فنقل أئمتنا أنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها لكن الواقع الآن أن الإمام أذن في إعطائها
لبني شيبه عند التجديد وللإمام ذلك، فأئمتنا إنما منعوا من بيعها لأنها مال بيت المال ولا

78
شك أن التصرف فيه للإمام فحيث جعله عطاء لقوم مخصوصين فإن البيع جائز. وهكذا
اختاره الإمام النووي في شرح المهذب فقال: إن الامر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض
مصارف بيت المال بيعا وعطاء لما رواه الأزرقي أن عمر رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت
كل سنة فيقسمها على الحاج، ولأنه لو لم يجز التصرف في كسوتها لتلفت بطول الزمان قال
ابن عباس وعائشة: تباع كسوتها ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل. ولا بأس
أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب وغيرهما. ثم قال النووي: لا يجوز أخذ
شئ من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره، ومن أخذ شيئا منه لزمه رده إليها فإن أراد التبرك
أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه ا ه‍.
قوله: (وكل شئ على المفرد به دم فعلى القارن دمان) أي دم لحجته ودم لعمرته لأنه
محرم بإحرامين عندنا على ما قدمناه وقد جنى عليهما وليس إحرام الحج أقوى من إحرام
العمرة حتى يستتبعه كما قلنا في المحرم إذا قتل صيد الحرم أنه يلزمه جزاء واحد للاحرام لأنه
أقوى لأن الاحرامين سواء لأنه يحرم بكل واحد منهما ما يحرم بالآخر، والتفاوت إنما هو في
أداء الافعال. والتحقيق أن التعدد إنما هو بسبب إدخال النقص على العبادتين بسب الجناية،
وأراد بوجوب الدم على المفرد ما كان بسبب الجناية على الاحرام بفعل شئ من محظوراته لا
مطلقا فإن المفرد إذا ترك واجبا من واجبات الحج لزمه دم، وإذا تركه القارن لا يتعدد الدم
عليه لأنه ليس جناية على الاحرام. وأراد بالدم الكفارة سواء كانت دما أو صدقة، فإذا فعل
القارن ما يلزم المفرد به صدقة لزمه صدقتان كما صرح به الولوالجي في فتاواه. وسواء كانت
كفارة جناية أو كفارة ضرورة، فإذا لبس أو غطى رأسه للضرورة تعددت الكفارة. وأراد
بالقارن من كان محرما بإحرامين قارنا كان أو متمتعا ساق الهدي فإنا قدمنا أن المتمتع إذا ساق
الهدي لا يخرج عن إحرام العمرة إلا بالحلق يوم النحر، وسيأتي في باب إضافة الاحرام إلى

79
الاحرام أن من جمع بين حجتين وجنى جناية قبل الشروع في الأعمال فإنه يلزمه دمان عند
أبي حنيفة لأنه محرم بإحرامين كالقارن. وأطلق في لزوم الدمين فشمل ما إذا كان قبل الوقوف
بعرفة أو بعده، ولا خلاف فيما قبله، وأما فيما بعده فقد قدمنا اختلاف المشايخ في أن إحرام
العمرة في حق القارن ينتهي بالوقوف أولا، فمن قال بانتهائه لا يقول بالتعدد، ومن قال
ببقائه قال به. وذكر شيخ الاسلام أن وجوب الدمين على القارن إذا كانت الجناية قبل الوقوف
في الجماع وغيره، أما بعد الوقوف ففي الجماع يجب دمان، وفي سائر المحظورات دم واحد ا
ه‍. وقد قدمنا أن المذهب بقاء إحرام عمرة القارن بعد الطواف إلى الحلق فيلزمه بالجناية بعد
الوقوف دمان، سواء كان جماعا أو قتل صيد أو غيرهما، وقدمنا أن الصواب أنه ينتهي بالحلق
حتى في حق النساء حتى لو جامع القارن بعد الحلق لا يلزمه لأجل العمرة شئ، فما في
الأجناس كما نقله في غاية البيان من أن القارن إذا قتل صيدا بعد الوقوف يلزمه دم واحد
ففرع على قول من قال بانتهاء إحرام العمرة بالوقوف وقد علمت ضعفه قوله: (إلا أن يجاوز
الميقات غير محرم) استثناء منقطع لأنه ليس داخلا فيما قبله لأن صدر الكلام إنما هو فيما لزم
المفرد بسبب الجناية على إحرامه والمجاوز بغير إحرام لم يكن محرما ليخرج لأنه يلزمه دم،
سواء أحرم بعد ذلك بحج أو عمرة أو بهما أو لم يحرم أصلا فلا حاجة إلى استثنائه في
كلامهم لكن على تقدير أن يحرم بعد المجاوزة فقد أدخل نقصا في إحرامه وهو ترك جزء منه
بين الميقات والموضع الذي أحرم فيه، فتوهم زفر أنه إذا أحرم قارنا أنه أدخل هذا النقص على
الاحرامين فأوجب دمين. وقلنا: إن الواجب عليه عند دخول الميقات أحد النسكين فإذا
جاوزه بغير إحرام ثم أحرم بهما فقد أدخل النقص على ما لزمه وهو أحدهما فلزمه جزاء
واحد. وأورد في غاية البيان على اقتصارهم في الاستثناء على هذه المسألة مسائل منها: أن
القارن إذا أفاض قبل الإمام يجب عليه دم واحد كالمفرد. ومنها إذا طاف طواف الزيارة جنبا
أو محدثا وقد رجع إلى أهله يجب عليه دم واحد. ومنها أن القارن إذا وقف بعرفة ثم قتل
صيدا فعليه قيمة واحدة كما في الأجناس. ومنها إذا حلق قبل أن يذبح فإنه يلزمه دم واحد.
ومنها أن القارن إذا قطع شجر الحرم فإنه يلزمه قيمة واحدة كالمفرد ا ه‍. فالحاصل أن

80
المستثنى عدة مسائل لا مسألة واحدة، والتحقيق أنه لا استثناء أصلا. أما مسألة الكتاب فقد
قدمنا أنه استثناء منقطع، وأما مسألة الإفاضة فإنما وجب دم بسبب ترك واجب من واجبات
الحج وليس هو جناية على الاحرام كما قدمناه، ولا خصوصية لهذا الواجب بل كل واجب
من واجبات الخ فإنه لا تعلق للعمرة به. وأما مسألة الطواف جنبا فإنما وجب دم واحد لترك
واجب من واجبات الطواف لا للجناية على الاحرام، ولهذا لو طاف جنبا وهو غير محرم فإنه
يلزمه دم وإن كان الدم متنوعا إلى بدنة وشاة نظرا إلى كمال الجناية وخفتها. وأما مسألة قتل
الصيد بعد الوقوف فالمذهب لزوم دمين، وما في الأجناس ضعيف كما قدمناه. وأما مسألة
الحلق قبل الذبح فإنه لا يلزم المفرد به شئ لأن الذبح ليس بواجب عليه، وهم إنما أوجبوا
التعدد على القارن فيما يلزم المفرد به كفارة وليس على المفرد به شئ فلا يتعدد الدم على
القارن. وأما مسألة قطع شجر الحرم فهو من باب الغرامات لا تعلق للاحرام به بخلاف صيد
الحرم إذا قتله القارن فإنه يلزمه قيمتان كما صرح به الأسبيجابي وغيره لأنها جناية على
الاحرام وهو متعدد كما قدمنا أن أقوى الحرمتين تستتبع أدناهما والاحرام أقوى فكان وجوب
القيمة بسبب الاحرام فقط لا بسبب الحرم، وإنما ينظر إلى الحرم إذا كان القاتل حلالا والله
سبحانه الموفق. وذكر في النهاية صورة يجب فيها القارن دمان لأجل المجاوزة وهي ما إذا
جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة فأحرم بعمرة ولم يعد إلى الحل محرما وهي غير واردة عليهم
لأن أحد الدمين للمجاوزة وهو الأول والثاني لتركه ميقات العمرة لأنه لما دخل مكة التحق
بأهلها وميقاتهم في العمرة الحل.
قوله: (ولو قتل المحرمان صيدا تعدد الجزاء ولو حلالان لا) أي لا يتعدد الجزاء بقتل
صيد الحرم لما قدمنا أن الضمان في حق المحرم جزاء الفعل وهو متعدد وفي صيد الحرم جزاء
المحل وهو ليس بمتعدد كرجلين قتلا رجلا خطأ يجب عليهما دية واحدة لأنها بدل المحل،
وعلى كل واحد منهما كفارة لأنها جزاء الفعل. أشار المصنف إلى أنه لو اشترك محرم وحلال
في قتل صيد الحرم فعلى المحرم جميع القيمة وعلى الحلال نصفها لما أن الضمان يتبعض في
حق الحلال، وإلى أنه لو كانوا أكثر من اثنين في صيد الحرم قسم الضمان على عددهم، وإني
أنه لو اشترك مع الحلال من لا يجب عليه الجزاء من كافر أو صبي وجب على الحلال بقدر ما
يخصه من القيمة إذا قسمت على العدد. وفي الجامع الكبير: لو أخذ حلال صيد الحرم فقتله
نصراني أو صبي أو بهيمة في يده فعلى الحلال قيمته ولا شئ على النصراني والصبي، ويرجع
الحلال بما ضمن عليهما لأنه لولا قتلهما لتمكن الحلال من إرساله. وذكر الأسبيجابي أنه لو

81
اشترك حلال ومفرد وقارن في قتل صيد الحرم فعلى الحلال ثلث الجزاء، وعلى المفرد جزاء
كامل، وعلى القارن جزاءان ا ه‍. ولم يبين المصنف الجزاء الذي يجب على الحلالين بقتل صيد
الحرم مع أن فيه تفصيلا وهو أنهما إن ضرباه ضربة واحدة فمات كان على كل واحد منهما
نصف قيمته صحيحا، وإن ضربه كل واحد منهما ضربة فإن وقعا معا فإنه يجب على كل
واحد منهما ما نقصته جراحته، ثم يجب على كل واحد منهما نصف قيمته مجروحا بجراحتين
لأن عند اتحاد فعلهما جميع الصيد صار متلفا بفعلهما فضمن كل نصف الجزاء، وعند
الاختلاف الجزء الذي تلف بضربة كل هو المختص بإتلافه فعليه جزاؤه والباقي متلف بفعلهما
فعليهما ضمانه. وإن كان الضارب له حلالا ومحرما كذلك ضمن كل واحد ما نقصته
جراحته ثم يضمن الحلال نصف قيمته مضروبا بالضربتين، وعلى المحرم قيمته مضروبا
بالضربتين ولو لم يقعا معا بأن جرحه الحلال أولا ثم ثنى المحرم ضمن الحلال ما انتقص
بجرحه صحيحا ونصف قيمته وبه الجراحتان لأن النقصان حصل بالجرح وهو صحيح
والهلاك حصل بأثر الفعل وهو منقوص بالجراحتين وعلى المحرم قيمته وبه الجرح الأول لأنه
حين جرح كان منقوصا بالجرح الأول. ولو قطع حلال يد صيد ثم فقأ محرم عينه ثم جرحه
قارن فمات فعلى الحلال قيمته كاملة لأنه استهلكه معنى وهو صحيح لأنه فوت عليه جنس
المنفعة، وعلى الثاني قيمته وبه الجرح الأول لأنه استهلكه معنى، وعلى القارن قيمتان وبه
الجنايات لأنه أتلفه حقيقة بأثر الفعل وهو منقوص بهما، وتمام تفاريعه في المحيط قوله:
(ويبطل بيع المحرم صيد أو شراؤه) لأن بيعه حيا تعرض للصيد بفوات الامن وبيعه بعد ما
قتله بيع ميتة. كذا علله في الهداية. والظاهر من الصيد هو الحي، وأما الميتة فمعلوم بطلان
بيعها. وأشار إلى أنه لو هلك في يد المشتري فإنه لا ضمان عليه للبائع إذا كان اصطاده البائع
وهو محرم لأنه لم يملكه. وإن كان قد اصطاده وهو حلال ثم أحرم فباعه فإن المشتري يضمن
له قيمته، وأما الجزاء فعلى كل واحد جزاء كامل لأن البائع جنى بالبيع والمشتري بالشراء

82
والاخذ. وإنما كان البيع باطلا ولم يكن فاسدا لأن الصيد في حق المحرم محرم العين بقوله
تعالى * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * (المائدة: 96) أضاف التحريم إلى العين فأفاد
سقوط التقوم في حقه كالخمر في حق المسلم. وحاصله إخراج العين عن المحلية لسائر
التصرفات فيكون التصرف فيها عبثا فيكون قبيحا لعينه فيبطل، سواء كانا محرمين أو أحدهما،
ولهذا أطلقه المصنف فإنه أفاد أن بيع المحرم باطل ولو كان المشتري حلالا، وأن شراء باطل
وإن كان البائع حلالا. وأما الجزاء فإنما يكون على المحرم حتى لو كان البائع حلالا والمشتري
محرم لزم المشتري فقط، وعلى هذا كل تصرف فإن وهب صيدا فإن كانا محرمين لزم كل واحد
جزاء، وإن كان أحدهما محرما لزمه فقط ولو تبايعا صيدا في الحل ثم أحرما أو أحدهما ثم
وجد المشتري به عيبا رجع بالنقصان وليس له الرد. وعلى هذا لو غصب حلال صيد حلال
ثم أحرم الغاصب والصيد في يده لزمه إرساله وضمان قيمته للمغصوب منه، فلو لم يفعل
ودفعه إلى المغصوب منه حتى برئ من الضمان له كان عليه الجزاء وقد أساء وهذا لغز، يقال
غاصب يجب عليه عدم الرد بل إذا فعل يجب به الضمان. فلو أحرم المغصوب منه ثم دفعه
إليه فعلى كل واحد منهما الجزاء.
قوله: (ومن أخرج ظبية الحرم فولدت فاتا ضمنهما فإن أدى جزاءها فولدت لا يضمن
الولد) لأن الصيد بعد الاخراج من الحرم بقي مستحق إلا من شرعا ولهذا وجب رده إلى
مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد، فإن أدى جزاءها ثم ولدت ليس عليه جزاء
الولد لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة لأن وصول الخلف كوصول الأصل، ولهذا يملكها
الذي أخرجها بعد أداء الجزاء، ولهذا لو ذبحها لم تكن ميتة لكنه مكروه - كذا قالوا - وقد
بحث فيه المحقق في فتح القدير فقال: والذي يقتضيه النظر أن أداء الجزاء إن كان حال
القدرة على إعادة مأمنها بالرد إلى المأمن لا يقع كفارة ولا يحل بعده التعرض له بل حرمة
التعرض إليها قائمة، وإن كان حال العجز عنه بأن هربت في الحل بعد ما أخرجها إليه خرج
به عن عهدتها فلا يضمن ما يحدث بعد التكفير من أولادها وله أن يصطادها، وهذا لأن

83
المتوجه قبل العجز عن تأمينها إنما هو خطاب الرد إلى المأمن ولا يزال متوجها ما كان قادرا
لأن سقوط الامر إنما هو بفعل المأمور به ما لم يعجز ولم يوجه، فإذا عجز توجد خطاب
الجزاء، وقد صرح بأن الاخذ ليس سببا للضمان بل القتل بالنص فالتكفير قبله واقع قبل
السبب فلا يقع إلا نفلا، فإذا ماتت بعد أداء هذا الجزاء لزم الجزاء لأنه الآن تعلق خطاب
الجزاء. هذا الذي أدين الله به وأقول: يكره اصطيادها إذا أدى الجزاء بعد الهرب ثم ظفر بها
بشبهة كون دوام العجز شرط إجزاء الكفارة إلا إذا اصطادها ليردها إلى الحرم ا ه‍. وقد
يقال: إنه لا يخلو إما أن يكون المخرج محرما أو حلالا، فإن كان محرما فلا شك أن سبب
الضمان قد وجد وهو التعرض للصيد فإن الآية وإن أفادت حرمة القتل أفادت السنة حرمة
التعرض قتلا أو غيره، ولهذا وجب الضمان بالدلالة وليست قتلا وقد صرحوا كما قدمناه
بأن المحرم إذا جرح صيدا فكفر ثم مات فإنه لا يلزمه كفارة أخرى لأنه أدى بعد السبب
وليس قتلا، وإن كان المخرج حلالا فالنص الحديثي أفاد حرمة التنفير كما قدمناه بقوله ولا
ينفر صيدها ولم يخص القتل. والمراد من التنفير التعرض له فإنه حرام كالقتل وإن كان لا
يجب عليه بالدلالة شئ فإذا أخرجها فقد اتصل فعله بها فوجد سبب الضمان فجاز التكفير،
فإذا أدى الجزاء ملكها ملكا خبيثا ولهذا قالوا: يكره أكلها. وهي عند إطلاقهم منصرفة إلى
الكراهة التحريمية فدل أنه يجب ردها إلى الحرم بعد أداء الجزاء، ولو كان القتل عينا سببا
للجزاء لم يجب الجزاء بإخراجها وعدم قدرته على ردها إلى الحرم بهربها، فالظاهر ما ذهب إليه
أئمتنا. وأشار المصنف رحمه الله تعالى بحكم الزيادة المنفصلة إلى الزيادة المتصلة كالسمن
والشعر فإن أخرج حلال ظبية الحرم فازدادت قيمتها من بدن أو شعر ثم ماتت، فإن لم يؤد
جزاءها قبل موتها فالزيادة مضمونة، وإن أدى جزاءها قبل موتها فهي غير مضمونة لأنه انعدم
أثر الفعل بالتكفير حتى لو أنشأ الفعل فيها لم يضمن. ولو أخرجها من الحرم فباعها
أو ذبحها أو أكلها جاز البيع والاكل ويكره، وحكم الزيادة عند المشتري قبل التكفير وبعده على ما
ذكرناه قبل الشراء. كذا في المحيط. وهو كما قدمناه يفيد أن الاخراج من الحرم لما كان سببا
للضمان كان سببا للملك ولو لم يؤد الجزاء. والظبية الأنثى من الظباء والله سبحانه وتعالى
الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

84
باب مجاوزة الميقات بغير إحرام
وصله بما قبله لأنه جناية أيضا لكن ما سبق جناية بعد الاحرام وهذه قبله. والميقات
مشترك بين الزمان والمكان بخلاف الوقت فإنه خاص بالزمان، والمراد به هنا الميقات المكاني
بدليل المجاوزة، وقد قدمنا أنه لا يجوز مجاوزة آخر المواقيت إلا محرما، فإذا جاوزه بلا إحرام
لزمه دم أحد النسكين إما حج أو عمرة لأن مجاوزة الميقات بنية دخول الحرم بمنزلة إيجاب
الاحرام على نفسه. ولو قال لله علي أن أحرم لزمه إما حج أو عمرة، فكذلك إذا وجب
بالفعل كما إذا افتتح صلاة التطوع ثم أفسدها وجب عليه قضاء ركعتين كما لو أوجبها
بالقول قوله: (من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد محرما ملبيا أو جاوز ثم أحرم بعمرة ثم
أفسد وقضى بطل الدم) أي من جاوز آخر المواقيت بغير إحرام ثم عاد إليه وهو محرم ولبى
فيه فقد سقط عنه الدم الذي لزمه بالمجاوزة بغير إحرام لأن قد تدارك ما فاته. أطلق الاحرام
فشمل إحرام الحج فرضا كان أو نفلا وإحرام العمرة. وأشار إلى أنه لو عاد بغير إحرام ثم
أحرم منه فإنه يسقط الدم بالأولى لأنه أنشأ التلبية الواجبة عند ابتداء الاحرام، ولهذا كان
السقوط متفقا عليه. وقيد بكونه ملبيا في الميقات لأنه لو عاد محرما ولم يلب في الميقات فإنه
لا يسقط الدم عنه وهو قول الإمام لأنه لا يكون متداركا لما فاته إلا بها، وعندهما يسقط الدم
مطلقا كما لو أحرم من دوبرة أهله ومر بالمواقيت ساكتا فإنه لا شئ عليه اتفاقا. وجوابه أن
الاحرام من دوبرة أهله هو العزيمة وقد أتى به فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه
قضاء حقه بإنشاء التلبية. وأشار إلى أنه لو عاد محرما ولم يلب فيه لكن لبى بعدما جاوزه ثم
رجع ومر به ساكتا فإنه يسقط عنه بالأولى لأنه فوق الواجب عليه في تعظيم البيت. وأطلق
في العود فشمل ما إذا عاد إلى الميقات الذي جاوزه غير محرم أو إلى غيره أقرب أو أبعد لأن
المواقيت كلها سواء في حق الاحرام، والأولى أن يحرم من وقته. كذا في المحيط. وقيدنا
بكونه جاوز آخر المواقيت لما قدمناه في باب الاحرام أنه لا يجب إلا عند آخرها، ويجوز
مجاوزة ميقاته بغير إحرام إذا كان بعده ميقات آخر. وترك المصنف قيدا لابد منه وهو أن
يكون العود إلى الميقات قبل الشروع في الأعمال، فلو عاد إليه بعد ما طاف شوطا لا يسقط

85
عنه الدم اتفاقا، وكذا بعد الوقوف بعرفة من غير طواف لأن ما شرع فيه وقع معتدا به فلا يعود
إلى حكم الابتداء بالعود إلى الميقات، وما في الهداية من التقييد باستلام الحجر مع الطواف
فليس احترازيا بل الطواف يؤكد الدم من غير استلام كما نبه عليه في العناية، ولم يذكر المصنف
أن العود أفضل أو تركه. وفي المحيط: إن خاف فوت الحج إذا عاد فإنه لا يعود ويمضي في
إحرامه، وإن لم يخف فوته عاد لأن الحج فرض والاحرام من الميقات واجب وترك الواجب
أهون من ترك الفرض اه‍. فاستفيد منه أنه لا تفصيل في العمرة وأنه يعود لأنها لا تفوت
أصلا. وبما قررناه علم أنه لا حاجة إلى قوله أو جاوز ثم أحرم إلى آخره لدخوله تحت قوله
ثم عاد محرما ملبيا لأنه لا فرق كما علمت بين إحرام الحج والعمرة أداء أو قضاء وإن كان
أفردها لأجل أن زفر يخالف فيها فهو مخالف أيضا فيما قبلها خصوصا أنه موهم غير المراد فإنه لم
يشترط العود إلى الميقات في القضاء ولا بد منه للسقوط. وقيد بالعمرة وليس احترازيا بل إذا
فسد الحج ثم قضاه بأن عاد إلى الميقات فالحكم كذلك من سقوط الدم.

86
قوله: (فلو دخل كوفي البستان لحاجة له دخول مكة بغير إحرام ووقته البستان) لأنه لم
يقصد أولا دخول مكة وإنما قصد البستان فصار بمنزلة أهله حين دخله وللبستاني أن يدخل
مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له. والمراد بقوله ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين
الحرم قالوا: وهذه حيلة الآفاقي إذا أراد أن يدخل مكة بغير إحرام فينوي أن يدخل خليصا
مثلا فله مجاوزة رابغ الذي هو ميقات الشامي والمصري المحاذي للجحفة ولم أر أن هذا القصد
لا بد منه حين خروجه من بيته أولا، والذي يظهر هو الأول فإنه لا شك أن الآفاقي يريد
دخول الحل الذي بين الميقات والحرم وليس ذلك كافيا فلا بد من وجود قصد مكان
مخصوص من الحل الداخل الميقات حين يخرج من بيته وإلا فالظاهر قول أبي يوسف أنه إذا
نوى إقامة خمسة عشر يوما في البستان فله دخول مكة بلا إحرام وإلا فلا، لكن ظاهر المذهب
الاطلاق.

87
قوله: (ومن دخل مكة بلا إحرام ثم حج عما عليه في عامة ذلك صح عن دخول مكة
بلا إحرام وإن تحولت السنة لا) لأنه تلافي المتروك في وقته لأن الواجب عليه تعظيم هذه
البقعة بالاحرام كما إذا أتاها بحجة الاسلام في الابتداء بخلاف ما إذا تحولت السنة لأنه صار
دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور فإنه يتأدى بصوم رمضان
من هذه السنة دون العام الثاني. فإن قلت: سلمنا أن الحجة بتحول السنة تصير دينا ولكن لا
نسلم أن العمرة تصير دينا لأنها غير مؤقتة قلت: لا شك أن العمرة يكره تركها إلى آخر أيام
النحر والتشريق فإذا أخرها إلى وقت يكره صار كالمفوت لها فصارت دينا. كذا في غاية
البيان. وفي فتح القدير: ولقائل أن يقول لافرق بين سنة المجاوزة وسنة أخرى فإن مقتضى
الدليل إذا دخلها بلا إحرام ليس إلا وجوب الاحرام بأحد النسكين فقط ففي أي وقت فعل
ذلك يقع أداء إذ الدليل لم يوجب ذلك في سنة معينة ليصير بفواتها دينا يقضى، فهما أحرم
من الميقات بنسك عليه تأدى هذا الواجب في ضمنه، وعلى هذا إذا تكرر الدخول بلا إحرام
منه ينبغي أن لا يحتاج إلى التعيين وإن كانت أسبابا متعددة الاشخاص دون النوع كما قلنا
فيمن عليه يومان من رمضان ينوي مجرد قضاء ما عليه ولم يعين الأول ولا غيره جاز، وكذا
لو كانا من رمضانين على الأصح، وكذا نقول إذا رجع مرارا فأحرم كل مرة بنسك حتى أتى
على عدد دخلاته خرج عن عهدة ما عليه اه‍. يشير إلى رد ما ذكره الأسبيجابي من أنه لو
جاوز الميقات قاصدا مكة بلا إحرام مرارا فإنه يجب عليه لكل مرة إما حجة أو عمرة، ولو
خرج من عامة ذلك لي الميقات فأحرم بحجة الاسلام أو غيرها فإنه يسقط عنه ما وجب عنه
لأجل المجاوزة الأخيرة ولا يسقط عنه ما وجب لأجل مجاوزته قبلها لأن الواجب قبل
الأخيرة صار دينا فلا يسقط إلا بتعيين النية اه‍. وأطلق المصنف الحج فشمل حجة الاسلام
والحجة المنذورة ويلحق به العمرة المنذورة، فلو قال ثم أحرم عما عليه في عامة ذلك لكان
أولى ليشمل كل إحرام واجب حجا أو عمرة، أداء أو قضاء أو في المحيط: وإذا جاوز العبد

88
الميقات بغير إحرام ثم أذن له مولاه أن يحرم فأحرم لزمه دم الوقت إذا أعتق لأنه من أهل الاحرام
فلزمه الاحرام من الميقات، وأما الكافر إذا دخل مكة بغير إحرام ثم أسلم فإنه لا
يلزمه شئ كالصبي إذا جاوزه بغير إحرام ثم بلغ لعدم أهلية الوجوب. ثم اعلم أنه لا
خصوصية للآفاقي في وجوب الدم بترك الاحرام من الميقات، بل المكي كذلك حتى لو أحرم
المكي بالعمرة من الحرم فإنه يلزمه دم كما صرح به في المحيط، وكذا لو أحرم المكي من الحل
بالحج فإنه يلزمه دم، وتتأتى التفاريع المتقدمة في الآفاقي من عوده محرما ملبيا والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
باب إضافة الاحرام إلى الاحرام
لما كان ذلك جناية في بعض الصور أو رده عقيب الجنايات قوله: (مكي طاف شوطا
لعمرة فأحرم بحج رفضه وعليه حج وعمرة ودم لرفضه فلو مضى عليهما صح وعليه دم) بيان
لحكم الجمع بين الحج والعمرة من المكي فإنه كما قدمناه منهي عن الجمع بينهما، فإذا أدخل
إحرام الحج على إحرام العمرة بعد الشروع فيها فقد ارتكب المنهي فوجب عليه الخروج عنه

89
فقالا: رفض العمرة أولى لأنها أدنى حالا وأقل أعمالا وأيسر قضاء لكونها غير مؤقتة. وقال
الإمام الأعظم: رفض الحج أولى. ولهذا قال في المختصر رفضه أي الحج لأن إحرام
العمرة قد تأكد بأداء شئ من أعمالها وإحرام الحج لم يتأكد ورفض غير المتأكد أيسر، ولان
في رفض العمرة والحالة هذه إبطال العمل وفي رفض الحج امتناعا عنه. قيد بالمكي لأن
الآفاقي إذا أحرم بالحج بعد فعل أقل أشواط العمرة كان قارنا بلا إساءة كما لو لم يطف أصلا
وإن كان بعد فعل الأكثر كان متمتعا إن كان في أشهر الحج. وقيد بالشوط وأراد به أقل
الأشواط ولو ثلاثة لأنه لو أتى بالأكثر ففي الهداية وشروحها أنه يرفض الحج بلا خلاف لأن
للأكثر حكم الكل فيتعذر رفضها. وفي المبسوط: إنه لا يرفض واحدا منهما كما لو فرغ منها
وعليه دم لمكان النقص بالجمع بينهما فلذا لا يأكل منه، وجعله الأسبيجابي ظاهر الرواية،
ونقل عن أبي يوسف أن رفض الحج أفضل واختاره الفقيه أبو الليث وقاضيخان في فتاواه ثم
قال: ويمضي في عمرته ثم يقضي الحجة من عامة ذلك إن بقي وقته اه‍. ولم يذكر في ظاهر
الرواية أنه إذا رفض الحج يلزمه دم وقضاء عمرة مع الحج كما أوجبه أبو حنيفة فيما لو طاف
الأقل. كذا ذكره الأسبيجابي. ولو لم يطف للعمرة أصلا فإنه يرفضها اتفاقا ويقضيها وعليه
دم لرفضها كما لو قرن المكي فإنه يرفض العمرة ويمضي في الحج. وأطلق في الطواف
فشمل ما إذا كان في أشهر الحج أو لا كما في المبسوط، وأشار إلى أنه لو أحرم أولا بالحج
وطاف له شوطا ثم أحرم بالعمرة فإنه يرفضها اتفاقا ويقضيها وعليه دم لرفضها كما لو لم
يطف، وسيأتي أنه إن مضى عليهما وجب عليه دم. وقد ظهر بما قررناه أولا أن رفض الحج
في مسألة الكتاب إنما هو مستحب وليس بواجب حتى إذا رفض العمرة صح، ولهذا قال
في الهداية: وعليه دم بالرفض أيهما رفضه لأنه تحلل قبل أوانه لتعذر المضي فيه فكان في
معنى المحصر إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة لأنه
في معنى فائت الحج اه‍. ولم يذكر بماذا يكون رافضا وينبغي أن يكون الرفض بالفعل بأن
يحلق مثلا بعد الفراغ من أعمال العمرة، ولا يكتفى بالقول أو بالنية لأنه جعله في الهداية
تحللا وهو لا يكون إلا بفعل شئ من محظورات الاحرام. وقال الولوالجي في فتاواه:
وتحليل الرجل لامرأته أن ينهاها ويصنع بها أدنى ما يحرم عليه بالاحرام ولا يكون التحليل
بالنهي ولا بقوله قد حللتك لأن التحليل شرع بالفعل دون القول اه‍. بخلاف ما إذا أحرم
بحجتين فإن رفض أحدهما بشروعه في الأعمال على ظاهر الرواية كما سيأتي من غير تحليل
لأنه لا يمكن المضي فيهما وهنا يمكن المضي فيهما فإنه إن مضى عليهما أجزأه لأنه أدى
أفعالهما كما التزمهما غير أنه منهي عنه والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا،
وعليه دم لجمعه بينهما لأنه تمكن النقص في عمله لارتكابه المنهي عنه، وهو في حق المكي
دم جبر، وفي حق الآفاقي دم شكر. وأطلق في قوله وعليه حجة وعمرة ودم وهو كذلك

90
في وجوب الدم، وأما في وجوب العمرة فمقيد بما إذا لم يحج من سنته، أما إذا حج من
سنته فلا عمرة عليه لأن وجوب العمرة مع الحج إنما هو لكونه في معنى فائت الحج، وإذا
حج من سنته فليس في معناه كالمحصر إذا تحلل ثم حج في تلك السنة لا تجب العمرة عليه
بخلاف ما إذا تحولت السنة. ووقع في نسخة الزيلعي الشارح أنه أبدل العمرة بالدم فقال:
إذا حج من سنته ينبغي أن لا يجب عليه الدم. وهو سبق قلم كما لا يخفى. والرفض الترك
وهو من بابي طلب وضرب. كذا في المغرب.
قوله: (ومن أحرم بحج ثم بآخر يوم النحر فإن حلق في الأول لزمه الآخر ولا دم وإلا لزم
وعليه دم قصر أو لا ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى لزمه دم) بيان للجمع بين
إحرامين لشيئين متحدين، وصرح في الهداية بأنه بدعة، وإفراط في غاية البيان فقال: إن الجمع
بين الاحرامين لحجتين أو لعمرتين حرام لأنه بدعة اه‍. وهو سهو لما في المحيط: والجمع بين
إحرامي الحج لا يكره في ظاهر الرواية لأن في العمرة إنما كره الجمع بين الاحرامين لأنه يصير
جامعا بينهما في الفعل لأنه يؤديهما في سنة واحدة، وفي الحج لا يصير جامعا بينهما في الأداء
في سنة واحدة فلا يكره اه‍. فإذا أحرم بحجة ووقف بعرفات ثم أحرم بأخرى يوم النحر فإن
الثانية تلزمه مطلقا لامكان الأداء لأن الاحرام الثاني إنما يرتفض لتعذر الأداء ولا تعذر هنا في
الأداء لأن إحرامه انصرف إلى حجة في السنة القابلة، فإن كان الاحرام الثاني بعد الحلق للأول فلا
دم عليه لأنه أحرم بالثانية بعد التحلل من الأولى فلم يكن جامعا، وإن كان قبل الحلق لزمه دم عند
أبي حنيفة مطلقا لأنه إن حلق للأولى فقد جنى على إحرام الثانية، وإن كان نسكا في إحرام الأولى
وإن لم يحلق فقد أخر النسك عن وقته وهما يخصان الوجوب بما إذا حلق لأنهما لا يوجبان بالتأخير
شيئا. وبهذا علم أن المراد بالتقصير في قوله قصر أولا الحلق وإنما اختاره اتباعا للجامع الصغير
كما في غاية البيان، أو ليصير الحكم جاريا في المرأة لأن التقصير عام في الرجل والمرأة كما في

91
العناية. وإنما لزم الدم فيما إذا أحرم بعمرة بعد أفعال الأولى قبل الحلق لأنه جمع بينهما، وقد تقدم
أنه مكروه في العمرتين دون الحجتين فلذا فرق في المختصر بين الحج والعمرة فأوجب في العمرة
دما للجمع بين العمرتين ولم يوجبه في الحج لأنه لو أوجبه لأوجب دمين فيما إذا أحرم بالثاني قبل
الحلق للأول دم لما ذكرناه سابقا ودم للجمع، وبه قال بعض المشايخ اتباعا لرواية الأصل، وما في
المختصر اتباع للجامع الصغير فإنه أوجب دما واحدا للحج، وقد علمت فيما سبق عن المحيط أن
الفرق بينهما ظاهر الرواية، وتعقبه في فتح القدير بأنه لا يتم لأن كونه يتمكن من أداء العمرة
الثانية لا يوجب الجمع فعلا فاستويا، فالأوجه أنه ليس فيه إلا رواية الوجوب اه‍. وقيد بكونه
أحرم للثاني يوم النحر لأنه لو أحرم بالثاني بعرفات ليلا أو نهارا رفض الثانية وعليه دم للرفض،
وعمرة وحجة من قابل عندهما لأنه كفائت الحج، وعند محمد لا يصح التزامه الثانية. ثم عند أبي
يوسف ارتفض كما انعقد، وعند أبي حنيفة ارتفض بوقوفه بعرفة. كذا في المحيط وهو ظاهر فيما
إذا أحرم بالثاني يوم عرفة أو ليلة النحر ولم يكن وقف نهارا، وأما إذا أحرم ليلة النحر بعدما وقف
نهارا فينبغي أن يرتفض عند أبي حنيفة بالوقوف بالمزدلفة لا بعرفة لأنه سابق وسبب الترك إنما
يكون متأخرا. وقيد بتراخي إحرام الثانية عن الأول لأنه إن أحرم بهما معا أو على التعاقب لزماه
عندهما، وعند محمد في المعية يلزمه إحداهما وفي التعاقب الأولى فقط، وإذا لزماه عندهما
ارتفضت إحداهما ويثبت حكم الرفض. واختلفا في وقت الرفض، فعند أبي يوسف عقب
صيرورته محرما بلا مهلة، وعند أبي حنيفة إذا شرع في الأعمال، وقيل إذا توجه سائرا، ونص في

92
المبسوط على أنه ظاهر الرواية لأنه لا تنافي بين الاحرامين وإنما التنافي بين الأداءين. وثمرة
الاختلاف فيما إذا جنى قبل الشروع فعليه دمان للجناية على إحرامين، ولو قتل صيدا لزمه قيمتان
ودم عند أبي يوسف لارتفاض إحداهما قبلها، وإذا رفض إحداهما ألزمه دم للرفض ويمضي في
الأخرى ويقضي حجة وعمرة لأجل التي رفضها. وإذا أحصر قبل أن يصير إلى مكة بعث بهديين
عند الإمام، وبواحد عندهما، أما عند أبي يوسف فلانه صار رافضا لإحداهما، وأما عند محمد
فلانه لم يلزمه إلا أحدهما، فإذا لم يحج في تلك السنة لزمه عمرتان وحجتان لأنه فاته حجتان في
هذه السنة. وقيد بكون إحرام العمرة الثانية بعد الفراغ من العمرة الأولى إلا التقصير لأنه لو كان
بعد التقصير فلا شئ عليه، وإن كانا معا أو على التعاقب فالحكم كما تقدم في الحجتين من
لزومهما عندهما خلافا لمحمد، ومن ارتفاع أحدهما بالشروع في عمل الأخرى عند الإمام خلافا
لأبي يوسف ووجوب القضاء ودم للرفض وإن كان قبل الفراغ بعد ما طاف للأولى شوطا رفض
الثانية وعليه دم الرفض والقضاء، وكذا لو طاف الكل قبل أن يسعى، فإن كان فرغ إلا الحلق لم
يرفض شيئا وعليه دم الجمع وهي مسألة المختصر، فإن حلق للأولى لزمه دم آخر للجناية على
الثانية، ولو كان جامع في الأول قبل أن يطوف فأفسدها ثم أدخل الثانية يرفضها ويمضي في
الأولى حتى يتمها لأن الفاسد معتبر بالصحيح في وجوب الاتمام. وإن نوى رفض الأولى والعمل
في الثانية لم يكن عليه إلا الأولى، ومن أحرم لا ينوي شيئا فطاف ثلاثة فأقل ثم أهل بعمرة رفضها
لأن الأولى تعينت عمرة حين أخذ في الطواف فحين أهل بعمرة أخرى صار جامعا بين عمرتين
فلهذا يرفض الثانية.
قوله: (ومن أحرم يحج ثم بعمرة ثم وقف بعرفات فقد رفض عمرته وإن توجه إليها لا)
أي لا يصير رافضا لأنه يصير قارنا بالجمع بين الحج والعمرة لأنه مشروع في حق الآفاقي
والكلام فيه لكنه مسئ بتقديم إحرام الحج على إحرام العمرة كما قدمناه في بابه، وقد تعذر
عليه أداء العمرة بالوقوف إذ هي مبنية على الحج غير مشروعة، وقد تقدم الفرق بين الوقوف
والتوجه. وإنما قلنا إن العمرة تحتمل الرفض لما روي عن عائشة قالت: خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: وامشطي رأسك وارفضي عمرتك. والمراد بقوله ثم

93
بعمرة أنه أحرم بالعمرة ولم يأت بأكثر أشواطها حتى وقف بعرفات فالاتيان بالأقل كالعدم
قوله: (فلو طاف للحج ثم أحرم بعمرة ومضى عليهما يجب دم) يعني لجمعه بينهما لأن الجمع
بينهما مشروع فصح الاحرام بهما، وأراد بهذا الطواف طواف القدوم وهو سنة فإن لم يأت بما
هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، فلهذا لو مضى عليهما جاز ولزمه دم
للجمع وهو دم كفارة وجبر حتى لا يأكل منه لأنه خالف السنة في هذا الجمع، وصححه في
الهداية. وقول المصنف: (وتدب رفضها) أي العمرة يدل على أنه دم شكر وهو دم القران كما
اختاره شمس الأئمة السرخسي، فإن محمدا قال في الجامع الصغير: وأحب إلي أن يرفض
العمرة. فدل على أنه دم شكر فإنه لم يبين أفعال العمرة على أفعال الحج لأن ما أتى به إنما هو
سنة فيمكنه بناء أفعال الحج على أفعال العمرة فلا موجب للجبر. واختاره في فتح القدير وقواه
بأن طواف القدوم ليس من سنن نفس الحج بل هو سنة قدوم المسجد الحرام كركعتي التحية
لغيره من المساجد، ولذا سقط بطواف آخر من مشروعات الوقت وأطال الكلام فيه. قيد
بالطواف بأنه لو لم يطف لم يستحب رفضها فإذا رفضها يقضيها لصحة الشروع فيها وعليه دم
لرفضها قوله: (وإن أهل بعمرة يوم النحر لزمته ولزمه الرفض والدم والقضاء) لصحة الشروع
مع الكراهة التحريمية فلزمت للأول ولزم الترك تخلصا من الاثم، وإن رفضها لزمه دم للتحلل
منها بغير أفعالها، ووجب القضاء لأنه ثمرة اللزوم. وأراد بيوم النحر اليوم الذي تكره العمرة
فيه وهو يوم النحر وأيام التشريق، وأطلقه فشمل ما إذا كان قبل الحلق أو بعده قبل طواف
الزيارة أو بعده، واختاره في الهداية وصححه الشارح لأنه بعد الحلق والطواف بقي عليه من
واجبات الحج كالرمي وطواف الصدر وسنة المبيت، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا
فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج بلا ريب وهو مكروه قوله: (فإن مضى عليها صح
ويجب دم) لأن الكراهة لمعنى في غيرها وهو كونه مشغولا بأداء بقية أفعال الحج في هذه الأيام
فيجب تخليص الوقت له تعظيما وهو لا يعدم المشروعية لكن يلزمه الدم كفارة للجمع بين
الاحرامين أو للجمع بين الافعال الباقية فهو دم جبر لا يؤكل منه كالأول قوله: (ومن فاته الحج
فأحرم بعمرة أو حجة رفضها) لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه

94
إحرام العمرة فيصير جامعا بين العمرتين من حيث الافعال فلزمه الرفض كما لو أحرم بهما أو
جامعا بين حجتين إحراما فعليه أن يرفض الثانية كما لو أحرم بحجتين ولزمه القضاء لصحة
الشروع ودم للرفض بالتحلل قبل أوانه، وقد شبهوا فائت الحج بالمسبوق فإنه مقتد تحريمة حتى
لا يجوز اقتداء الغير به، ومنفرد أداء حتى تلزمه القراءة والله تعالى أعلم.
باب الاحصار
هو والفوات من العوارض النادرة فأخرهما وقدم الاحصار لأنه وقع له عليه السلام
دون الفوات. واختلف في معناه اللغوي، فقيل الاحصار للمرض والحصر للعدو وعليه
فقوله تعالى * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى) * (البقرة: 196) لبيان حكم المرض وألحق به
الحصر بالعدو دلالة بالأولى لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه مع
المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب. والأكثر على أن الاحصار هو المنع، سواء كان من خوف
أو مرض أو عجز أو عدو، واختاره في الكشاف. وفي المغرب: الحصر المنع من باب طلب
يقال أحصر الحاج إذا منعه خوف أو مرض من الوصول لاتمام حجته أو عمرته، وإذا منعه
سلطان أو مانع قاهر في حبس أو مدينة قيل حصر. هذا هو المشهور. وفي الشريعة هو منع
الوقوف والطواف. قوله: (لمن أحصر بعدو أو مرض أن يبعث شاة تذبح عنه فيتحلل) لما
تلونا من الآية. وأفاد بذكر اللام دون على أنه لو صبر ورجع إلى أهله بغير تحلل إلى أن
يزول الخوف فإنه جائز، فإن أدرك الحج وإلا تحلل بالعمرة، فالتحلل بذبح الهدي إنما هو
للضرورة حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه كما ذكره الشارح، فما وقع في المبسوط من التعبير
به على في غير محله. وأشار بذكر العدو والمرض إلى كل منع فيكون محصرا بهلاك النفقة
وموت محرم المرأة أو زوجها في الطريق. وشرط في التجنيس عدم القدرة على المشي فيما إذا
سرقت النفقة فإن قدر عليه فليس بمحصر. وعلله في المبسوط بأنه لا يبعد أن لا يلزمه المشي
في الابتداء ويلزمه بعد الشروع كما لا تلزمه حجة التطوع ابتداء ويلزمه الاتمام إذا شرع فيها.

95
وجعل في المحيط ما في التجنيس قول محمد. وقال أبو يوسف: إن قدر على المشي في الحال
وخاف أن يعجز جاز له التحلل، ومن الاحصار ما إذا أحرمت المرأة بغير زوج أو محرم فلا
تحل إلا بالدم لأن المنع الشرعي آكد من المنع الحسي، ومنه ما إذا أحرمت للتطوع بغير إذن
الزوج لكن للزوج أن يحللها بغير الهدي بأن يصنع بها أدنى ما يحرم على المحرم كقص ظفر.
واختلفوا في كراهة تحليلها بالجماع وذكر القولين في المحيط من غير ترجيح، وينبغي ترجيح
الكراهة لتصريحهم بالكراهة في إجازة نكاح الفضولي بالجماع ودواعيه وعليه هدي الاحصار
وقضاء حجة وعمرة إن لم تحج في هذه السنة وإلا فالحج كاف، ولا تحتاج إلى نية القضاء لأنه
لزمها حجة هذه السنة وأنها متعينة فلا تفتقر إلى النية المتعينة. ومنه ما إذا أحرم العبد بغير إذن
مولاه وللمولى أن يحلله بغير هدي وعلى العبد هدي وقضاء حجة وعمرة بعد العتق، وإن
أحرم بإذنه كره له أن يحلله وصح لأن اللزوم لم يظهر في حق السيد لأن منافعه مملوكة للسيد
وبالاذن صار معيرا منافعه وللمعير أن يسترد ما أعار بخلاف المنكوحة إذا أحرمت بإذن الزوج
فإنه ليس له أن يحللها لأن منافعها مملوكة لها حقيقة، وإنما للزوج فيها حق وقد أسقط حقه
بالاذن، وأما إذا أحرم العبد بأذن المولى ثم أحصر بعدو أو مرض اختلفوا، فاختار في المحيط
وفتاوى قاضيخان أنه لا يجب دم الاحصار على المولى وإنما يجب على العبد بعد الاعتاق.
واختار الأسبيجابي وجوبه على المولى بمنزلة النفقة، وذكر القولين في معراج الدراية، وينبغي
ترجيح الأول لما أنه عارض لم يلتزمه المولى بخلاف النفقة. وإنما كان الواجب الشاة لأن
المنصوص عليه هو ما استيسر من الهدي وأدناه شاة، وليس المراد به بعث الشاة بعينها لأن

96
ذلك قد يتعذر بل له أن يبعث بقيمتها حتى يشتري بها شاة فتذبح في الحرم. وأفاد
باقتصاره على بعث الشاة أنه لو لم يجد ما يذبح لا يقوم الصوم أو الاطعام مقامه بل يبقى
محرما إلى أن يجد أو يطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق كما في الخانية وغيرها. وأفاد
بالفاء التي للتعقيب في قوله فيتحلل إلى أنه لا يتحلل إلا بالذبح ولهذا قالوا: إنه يواعد
من يبعثه بأن يذبحها في يوم معين، فلو ظن أنه ذبح هديه ففعل ما يفعله الحلال ثم ظهر
أنه لم يذبح كان عليه ما على الذي ارتكب محظورات إحرامه لبقاء إحرامه. كذا في النهاية.
وأفاد بذكر التحلل بعد الذبح إلى أنه لا حلق عليه ولا تقصير وهو قول أبي حنيفة ومحمد
وإن حلق فحسن. وقال أبو يوسف: عليه أن يحلق وإن لم يحلق فلا شئ عليه. وأطلقه
في الهداية فشمل ما إذا أحصر في الحل أو الحرم، وقيده المصنف في الكافي بما إذا
أحصر في الحل، أما إذا أحصر في الحرم فيحلق اتفاقا. وينبغي أن لا خلاف فإنهما قالا
بأنه حسن، وهو قال باستحبابه ولم يقل بوجوبه بدليل أنه قال: وإن لم يفعل فلا شئ عليه
كما في الخبازية ومعراج الدراية قوله: (ولو قارنا بعث دمين) أي لو كان المحصر قارنا فإنه
يبعث دما لعمرته ودما لحجته لأنه محرم بهما. أطلقه فأفاد أنه لا يحتاج إلى تعيين الذي
للعمرة والذي للحج كما في المبسوط، وأفاد أنه لو بعث بهدي واحد ليتحلل عن أحدهما
ويبقى في الآخر لم يتحلل عن واحد منهما لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في حالة
واحدة، فلو تحلل عن أحدهما دون الآخر يكون فيه تغيير للمشروع، ولو بعث بثمن هديين
فلم يوجد بذلك بمكة إلا هدي واحد فذبح عنه فإنه لا يتحلل لا عنهما ولا عن أحدهما.
وأشار إلى أنه لو أحرم بعمرتين أو بحجتين ثم أحصر قبل السير فإنه يتحلل بذبح هديين
في الحرم بخلاف ما إذا أحصر بع السير فإنه يصير رافضا لأحدهما به كما قدمناه في
الباب السابق. وأشار بالاكتفاء بالبعث في المفرد والقارن إلى أنه إذا بعث الهدي إن شار
رجع وإن شاء أقام إذ لا فائدة في الإقامة قوله: (ويتوقت بالحرم لا بيوم النحر) يعني
فيجوز ذبحه في أي وقت شاء لاطلاق قوله تعالى * (فما استيسر من الهدي) * (البقرة:
196) من غير تقييد بالزمان. وأما تقييده بالمكان فبقوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى
يبلغ الهدى محله) * (البقرة: 196) أي مكانه وهو الحرم فكان حجة عليهما في قياس الزمان
على المكان، فلو ذبح في الحل فحل على ظن الذبح في الحرم فهو محرم كما كان، ولا يحل

97
حتى يذبح في الحرم وعليه الدم لتناول محظورات إحرامه. كذا ذكره الأسبيجابي. أطلقه
فشمل إحرام الحج وإحرام العمرة لكن لا خلاف أن المحصر بالعمرة لا يتوقت ذبحه
باليوم، وفي المحيط جعل المواعدة المتقدمة إنما يحتاج إليها على قول أبي حنيفة لأن دم
الاحصار عنده لا يتوقت باليوم فلا يصير وقت الاحلال معلوما للمحصر من غير مواعدة
ولا يحتاج إليها عندهما لأن دم الاحصار موقت عندهما بيوم النحر فكان وقت الاحلال
معلوما اه‍. وفيه نظر، لأنه موقت عندهما بأيام النحر لا باليوم الأول فيحتاج إلى المواعدة
لتعيين اليوم الأول أو الثاني أو الثالث، وقد يقال يمكنه الصبر إلى مضي الأيام الثلاثة فلا
يحتاج إليها قوله: (وعلى المحصر بالحج إن تحلل حجة وعمرة وعلى المعتمر عمرة وعلى
القارن حجة وعمرتان) بيان لحكم المحصر المآلي فإن له حكمين حاليا ومآليا، فما تقدم من
بعث الشاة حكم الحالي والقضاء إذا تحلل وزال الاحصار حكمه المآلي، فإن كان مفردا
بالحج فإن حج من سنته فإن لا يلزمه شئ وإلا لزمه قضاؤها وعمرة أخرى لأنه فائت
الحج. أطلقه فشمل ما إذا كان الحج فرضا أو نفلا شرع فيه، وشمل ما إذا قرن في القضاء
أو أفردهما فإنه مخير لأنه التزم الأصل لا الوصف. وأما نية القضاء فإن كان بحج نفل
وتحولت السنة فهي شرط، وإن كان بحجة الاسلام فلا ينوي القضاء بل حجة الاسلام.
وإنما لزم القارن عمرة ثانية لأنه فائت الحج فلذا لو حج من سنته وأتى بهما فإنه لا يلزمه
عمرة أخرى. وأطلقه أيضا فأفاد أن له في القضاء القران وإفراد كل واحد من الثلاثة لما
قدمناه. هكذا صرحوا به هنا، وممن صرح به صاحب المبسوط والمحيط والولوالجي والمحقق
ابن الهمام، ويرد عليه ما قالوه في هذا الباب من أنه إذا زال الاحصار إنما لم يجب عليه أن
يأتي بالعمرة التي وجبت عليه بالشروع في القران لأنه غير قادر على أدائها على الوجه الذي
التزمه، وهو أن تكون أفعال الحج مرتبة عليها وبفوات الحج يفوت ذلك فإن هذا يقتضي أن
ليس له الافراد وأن القران واجب في القضاء ويناقضه ما قالوه في باب الفوات من أن القارن
إذا فاته الحج أدى عمرته من سنته وأدى الحج من سنة أخرى لأنها لا تفوت، ولا شك أن
المحصر فائت الحج إذا لم يدركه في سنته، والحق هو الأول لأن بالشروع التزم أصل القربة لا

98
صفتها وهو القران كما لو شرع في التطوع قائما لا يلزمه القيام عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
قوله: (فإن بعث ثم زال الاحصار وقدر على الهدى والحج توجه وإلا لا) أي إن لم يقدر
عليهما لا يلزمه التوجه وهي رباعية، فإن قدر عليهما لزمه التوجه إلى الحج وليس له التحلل
بالهدي لأنه بدل عن إدراك الحج وقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود من البدل، وإن
لم يقدر عليهما لا يلزمه التوجه وهو ظاهر، وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة جاز لأنه هو
الأصل في التحلل وفيه فائدة وهو سقوط العمرة في القضاء وإن كان قارنا فله أن يأتي
بالعمرة لما قدمناه من أنه مخير بين القران والافراد في القضاء. والثالث أن يدرك الهدي دون
الحج فيتحلل، والرابع عكسه فيتحلل أيضا صيانة لما له عن الضياع والأفضل التوجه. وذكر
في الهداية أن هذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج لأن دم الاحصار عندهما
يتوقت بيوم النحر فمن يدرك الحج يدرك الهدي، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة، وفي
المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق لعدم توقت الدم بيوم النحر. وذكر في الجوهرة أنه يستقيم
على الاجماع كما إذا أحصر بعرفة وأمرهم بالذبح قبل طلوع الفجر يوم النحر فزال الاحصار
قبل الفجر بحيث يدرك الحج دون الهدي لأن الذبح بمنى اه‍. وجوابه أن الاحصار بعرفة
ليس بإحصار لما سيأتي، فلو أحصر بمكان قريب من عرفة لاستقام. وفي المحيط: لو بعث
المحصر هديا ثم زال الاحصار وحدث آخر ونوى أن يكون عن الثاني جاز وحل به، وإن لم
ينو حتى نحر لم يجز كمن وكل في كفارة يمين فكفر الموكل ثم حنث في يمين آخر فنوى أن
يكون ما في يد الوكيل كفارة الثانية فإنه يجوز، وإن لم ينو حتى تصدق المأمور لا. وكذا لو
بعث هديا جزاء صيد ثم أحصر فنوى أن يكون للاحصار، ولو قلد بدنة وأوجبها تطوعا ثم
أحصر فنوى أن يكون لاحصاره جاز وعليه بدنة مكان ما أوجب. وقال أبو يوسف: لا
يجزئه إلا عن التطوع لأنها صارت كالوقف وخرجت عن ملكه عنده فلا يملك صرفها إلى غير
تلك الجهة اه‍. قوله: (ولا إحصار بعدما وقف بعرفة) لأنه لا يتصور الفوات بعده فأمن منه،

99
وإنما تحقق الاحصار في العمرة وإن كانت لا تفوت للزوم الضرر بامتداد الاحرام فوق ما
التزمه، وأما المحصر في الحج بعد الوقوف فيمكنه التحلل بالحلق يوم النحر في غير النساء
فلا ضرورة إلى التحلل بالدم. ثم إن دام الاحصار حتى مضت أيام التشريق فعليه لترك
الوقوف بالمزدلفة دم، ولترك الجمار دم، ولتأخير الحلق دم، ولتأخير الطواف دم في قول أبي
حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: ليس عليه لتأخير الحلق والطواف شئ. كذا في الكافي
للحاكم الشهيد، وقد قدمنا عن البدائع وغيره أن واجب الحج إذا تركه بعذر لا شئ عليه
حتى لو ترك الوقوف بالمزدلفة خوف الزحام لا شئ عليه كما لا شئ على الحائض بترك
طواف الصدر فلا شك أن الاحصار عذر فلا شئ عليه بترك الواجبات للعذر مع أنه منقول
في الحاكم كما رأيت وهو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية. وقد ظهر لي
أن كلامهم هنا محمول على الاحصار بسبب العدو لا مطلقا فإنه إذا كان بالمرض فهو سماوي
يكون عذرا في ترك الواجبات، وإن كان من قبل العباد فإنه لا يكون عذرا في إسقاط حق
الله تعالى كما قالوه في باب التيمم أن العدو إذا أسروا حتى صلى بالتيمم فإنه يعيدها بالوضوء
إذا أطلق لأنه من قبل العباد. ثم اختلفوا في تحلل المحصر بعد الوقوف، قيل لا يتحلل في
مكانه ويدل عليه عبارة الأصل حيث قال: وهو حرام كما هو حتى يطوف الزيارة. وهو يدل
على تأخير الحلق على أن يفعله في الحرم. وقيل يتحلل في مكانه ويدل عليه عبارة الجامع
الصغير حيث قال: وهو محرم على النساء حتى يطوف طواف الزيارة. قال العتابي: وهو
الأظهر. كذا في غاية البيان قوله: (ومن منع بمكة عن الركنين فهو محصر وإلا لا) أي وإن
قدر على أحدهما فليس بمحصر لأنه إذا منع عنهما في الحرم فقد تعذر عليه الاتمام فصار كما
إذا أحصر في الحل، وإذا قدر على الطواف فلان فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في
التحلل، وأما إن قدر على الوقوف فلما بينا. وقد قيل في المسألة خلاف بين أبي حنيفة وأبي

100
يوسف، والصحيح ما تقدم من التفصيل. كذا في النهاية. وهو إشارة إلى رد ما في المحيط
حيث جعل ما في المختصر من التفصيل رواية النوادر وأن ظاهر الرواية أن الاحصار بمكة
عنهما ليس بإحصار لأنه نادر ولا عبرة به.
باب الفوات
قوله (من فاته الحج بفوت الوقوف بعرفة فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل بلا دم)
بيان لأحكام أربعة: الأول أن فوات الحج لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة بمضي وقته.
الثاني أنه إذا فاته يجب عليه أن يخرج منه بأفعال العمرة. الثالث لزوم القضاء سواء كان ما
شرع فيه حجة الاسلام أو نذرا أو تطوعا، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها
الاجماع. والرابع عدم لزوم الدم لحديث الدارقطني المفيد لذلك لكنه ضعيف لكن تعددت
طرقه فصار حسنا. وأشار بقوله فليحل بعمرة إلى وجوبها كما صرح به في البدائع، وإلى
أنه يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر، وإلى أن إحرامه لا ينقلب إحرام عمرة بل يخرج عن
إحرام الحج بأفعال العمرة وهو قولهما خلافا لأبي يوسف، ويشهد لهما أن القارن إذا فاته

101
الحج أدى عمرته لأنها لا تفوت ثم أتى بعمرة أخرى لفوات الحج ثم يحلق ولا دم عليه لأنه
للجمع بين النسكين ولم يوجد، فلو انقلب إحرامه عمرة لصار جامعا بين إحرام عمرتين
وأدائهما في وقت واحد وهو لا يجوز، ويشهد لهما أنه لو مكث حراما حتى دخل أشهر الحج
من قابل فتحلل بعمل العمرة ثم حج من عامة ذلك لم يكن متمتعا، فلو انقلب إحرامه
عمرة كان متمتعا كمن أحرم للعمرة في رمضان فطاف لها في شوال. كذا في المبسوط.
ويشهد لأبي يوسف أن فائت الحج لو أقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الاحرام
لا يجزئه من حجته، فلو بقي أصل إحرامه لأجزأه. وأجاب عنه في المبسوط بأنه وإن بقي
الأصل لكن تعين عليه الخروج بأعمال العمرة فلا يبطل هذا التعيين بتحول السنة مع أن
إحرامه انعقد لآداء الحج في السنة الأولى، فلو صح آداء الحج به في السنة الثانية تغير موجب
ذلك العقد بفعله وليس إليه تغيير موجب عقد الاحرام. وذكر في المحيط أن فائدة الخلاف
تظهر فيما إذا فاته الحج فأهل بحجة أخرى غير الأولى صحت وبرفض الأخرى عند أبي
حنيفة وعند محمد لا تصح، وعند أبي يوسف يمضي في الأخرى لأن عنده إحرام الأولى
انقلب للعمرة وهذا محرم بالعمرة وقد أضاف إليها حجة، وعنده لما بقي إحرامه فإذا أحرم
بحجة أخرى يرفضها لئلا يكون جامعا بين إحرامي حج وعليه دم وعمرة وحجتان من قابل.
فإن كان نوى بالثانية قضاء الفائتة فهي هي وعليه القضاء لأنه باق في إحرام الحج، فإذا نوى
به القضاء يصير ناويا للاحرام القائم فلا تصح نيته ولا يصير محرما بإحرام آخر. وأطلق في
فوت الحج فشمل الحج الفاسد والصحيح، فلو أهل بحج ثم أفسده بالجماع قبل الوقوف ثم
فاته الحج فعليه دم للجماع ويحل بالعمرة لأن الفاسد معتبر بالصحيح، وكذا لو انعقد فاسدا
كما إذا أحرم مجامعا فإنه ملحق بالصحيح. وقول صاحب الهداية لأن الاحرام بعد ما انعقد
صحيحا لا يخرج عنه إلا بأداء أحد النسكين، محمول على اللازم للاحتراز عن غير اللازم
ليخرج به العبد والزوجة إذا أحرما بغير إذن لا ما قابل الصحيح وهو الفاسد وليخرج به ما
إذا أدخل حجة على عمرة أو على عمرة فإنه ليس بلازم، ولذا وجب الرفض ولا يرد عليه
المحصر فإن إحرامه لازم مع أنه يخرج عنه بغير الافعال لأنه عارض لا بطريق الوضع قوله:
(ولا فوت لعمرة) لعدم توقيتها بالاجماع قوله: (وهي طواف وسعي) أي أفعال العمرة طواف
بالبيت سبعة أشواط وسعي بين الصفا والمروة. وليس مراده بيان ماهيتها لأن ركنها الطواف

102
فقط. وأما السعي فواجب. وإنما لم يصرح بوجوبه فيها للعلم به من الحج لأن السعي فيه
واجب ففي العمرة أولى. ولم يذكر الاحرام لأنه شرط في النسكين حجا كان أو عمرة، ولم
يذكر الحلق لأنه محل مخرج منها وهو من واجباتها كما في فتاوى قاضيخان. وهي في اللغة
بمعنى الزيارة، يقال اعتمر فلان فلانا إذا زاره. وفي المغرب: إن أصلها القصد إلى مكان
عامر ثم غلب على القصد إلى مكان مخصوص.
قوله: (وتصح في السنة وتكره يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق) لما قدمنا أنها لا
تتوقت. وقد اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر: في ذي القعدة إلا الذي اعتمر مع حجته كما في صحيح
البخاري، ثم المراد بالأربعة إحرامه بهن، فأما ما تم له منها فثلاث: الأولى عمرة الحديبية
سنة ست فأحصر بها فنحر الهدي بها وحلق هو وأصحابه ورجع إلى المدينة. الثانية عمرة
القضاء في العام المقبل وهي قضاء عن الحديبية. هذا مذهب أبي حنيفة، وذهب مالك إلى أنها
مستأنفة لا قضاء عنها، وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه،
وعدم نقل أنه عليه السلام أمر الذين كانوا معه بالقضاء لا يفيد بل المفيد له نقل العدم لا عدم
النقل. نعم هو مما يؤنس به في عدم الوقوع لأن الظاهر أنه لو كان لنقل لكن ذلك إنما يعتبر
لو لم يكن من الثابت ما يوجب القضاء في مثله على العموم فيجب الحكم بعلمهم به وقضائها
من غير تعيين طريق علمي. الثالثة عمرته التي قرن مع حجته على قولنا أو التي تمتع بها إلى
الحج على قول القائلين أنه حج متمتعا، أو التي اعتمرها في سفره ذلك على قول القائلين بأنه
أفرد واعتمر. ولا عبرة بالقول الرابع الرابعة عمرته من الجعرانة. كذا في فتح القدير. وأطلق
في المختصر الكراهة فانصرفت الكراهة إلى كراهة التحريم لأنها المحمل عند إطلاقها، ويدل
عليه ما عن عائشة رضي الله عنها قالت: حلت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم
عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك. وعن ابن عباس أنها خمسة، وذكر ثلاثة أيام التشريق.
وأطلق في كراهتها يوم عرفة فشمل ما قبل الزوال وما بعده وهو المذهب خلافا لما عن أبي
يوسف أنها لا تكره قبل الزوال، وأفاد بالاقتصار على الخمسة لأنها لا تكره في أشهر الحج
وهو الصحيح عند أهل العلم كما في غاية البيان، ولا فرق بين المكي والآفاقي، واختلفوا
في فضل أوقاتها فبالنظر إلى فعله عليه السلام فأشهر الحج أفضل، وبالنظر إلى قوله فرمضان

103
أفضل للحديث الصحيح عمرة في رمضان تعدل حجة (1). وقد وقع في الينابيع هنا غلط
فاجتنبه وهو أنه قال: تكره العمرة في خمسة أيام وذكر منها يوم الفطر بدل يوم عرفة كما نبه
عليه في غاية السروجي. وفي فتاوى قاضيخان تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن ا ه‍.
وهو تقييد حسن وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى وأن يلحق
المتمتع بالقارن.
قوله: (وهي سنة) أي العمرة سنة مؤكدة وهو الصحيح في المذهب، وقيل بوجوبها
وصححه في الجوهرة واختاره في البدائع وقال: إنه مذهب أصحابنا. ومنهم من أطلق اسم
السنة وهذا لا ينافي الوجوب ا ه‍. والظاهر من الرواية ما في المختصر فإن محمدا نص في
كتاب الحجر أن العمرة تطوع وليس بينهما كبير فرق كما قدمناه مرارا. واستدل لها في غاية
البيان بما رواه الترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال:
لا، وأن تعتمروا هو أفضل. وأما قوله تعالى * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 196)
فالاتمام بعد الشروع ولا كلام لنافيه لأن الشروع ملزم وكلامنا فيما قبل الشروع. والمراد أنها
سنة في العمرة مرة واحدة فمن أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي
عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل. هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل لأن ذلك أمر
يرجع إلى الحج لا العمرة. فالحاصل أن من أراد الاتيان بالعمرة على وجه أفضل فيها ففي
رمضان أو الحج على وجه أفضل فبأن يقرن معه عمرة، ثم اعلم أن للعمرة معنى لغويا

104
ومعنى شرعيا وسببا وركنا وشرائط وجوب وشرائط صحة وواجبات وسننا وآدابا ومفسدا
كالحج، وقد بينا معناها وركنها وواجباتها. وأما سببها فالبيت، وشرائط وجوبها وصحتها ما
هو شرائط الحج إلا الوقت، وأما سننها وآدابها فما هو سنن الحج وآدابه إلى الفراغ من
السعي، وأما مفسدها فالجماع قبل طواف الأكثر من السبعة. كذا في البدائع وغيره. وقد
قدمنا أنه ليس لها طواف الصدر. وقال الحسن بن زياد: يجب عليه.
باب الحج عن الغير
لما كان الحج عن الغير كالتبع أخره، والأصل فيه أن الانسان له أن يجعل ثواب عمله
لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة قرآن أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة أو غير ذلك
عند أصحابنا للكتاب والسنة. أما الكتاب فلقوله تعالى * (وقل رب ارحمهما كما ربياني
صغيرا) * (الاسراء: 24) وإخباره تعالى عن ملائكته بقوله * (ويستغفرون للذين آمنوا) * (غافر:
7) وساق عبارتهم بقوله تعالى * (ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك) * إلى قوله * (وقهم السيئات) * (غافر: 9) وأما السنة فأحاديث كثيرة منها ما في
الصحيحين حين ضحى بالكبشين فجعل أحدهما عن أمته وهو مشهور تجوز الزيادة به على
الكتاب. ومنها ما رواه أبو داود اقرؤوا على موتاكم سورة يس (1). وحينئذ فتعين. أن لا
يكون قوله تعالى * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * (النجم: 39) عى ظاهره وفيه تأويلات
أقربها ما اختاره المحقق ابن الهمام أنها مقيدة بما يهبه العامل يعني ليس للانسان من سعي
غيره نصيب إلا إذا وهبه له فحينئذ يكون له، وأما قوله عليه السلام لا يصوم أحد عن أحد
ولا يصلي أحد عن أحد (2) فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فإن من صام
أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والاحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل

105
السنة والجماعة. كذا في البدائع. وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو
حيا، والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه، ثم بعد ذلك
يجعل ثوابه لغيره لاطلاق كلامه، ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته

106
للمعطى، وينبغي أن لا يصح ذلك. وظاهر إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق بين الفر ض والنفل،
فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب
لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته ولم أره منقولا قوله: (النيابة تجري في العبادات المالية عند
العجز والقدرة ولم تجز في البدنية بحال وفي المركب منهما تجري عند العجز فقط) بيان
لانقسام العبادة إلى ثلاثة أقسام: مالية محضة كالزكاة وصدقة الفطر والاعتاق والاطعام
والكسوة في الكفارات والعشر والنفقات، سواء كانت عبادة محضة أو عبادة فيها معنى المؤنة
أو مؤنة فيها معنى العبادة كما عرف في الأصول. وبدنية محضة كالصلاة والصوم والاعتكاف
وقراءة القرآن والأذكار والجهاد. ومركبة من البدن والمال كالحج. والأصل فيه أن المقصود من
التكاليف الابتلاء والمشقة وهي في البدنية بإتعاب النفس والجوارح بالافعال المخصوصة،
وبفعل نائبه لا تتحقق المشقة على نفسه فلم تجز النيابة مطلقا لا عند العجز ولا عند القدرة،
وفي المالية بتنقيص المال المحبوب للنفس بإيصاله إلى الفقير وهو موجود بفعل النائب. وكان
مقتضى القياس أن لا تجري النيابة في الحج لتضمنه للمشقتين البدنية والمالية والأولى لا يكتفى
فيها بالنائب لكنه تعالى رخص في إسقاطه بتحمل المشقة الأخرى أعني إخراج المال عند
العجز المستمر إلى الموت رحمة وفضلا بأن تدفع نفقة الحج إلى من يحج عنه بخلاف حالة
القدرة لم يعذر لأن تركه فيها ليس إلا بمجرد إيثار رحمة نفسه على أمر ربه، وهو بهذا يستحق

107
العقاب لا التخفيف في طريق الاسقاط. وإذا جازت النيابة في المالية مطلقا فالعبرة لنية
الموكل لا لنية الوكيل، وسواء نوى الموكل وقت الدفع إلى الوكيل أو وقت دفع الوكيل إلى
الفقراء أو فيما بينهما، ولهذا قال في الفتاوى الظهيرية من فصل مصارف الزكاة: رجل دفع
إلى رجل دراهم ليتصدق بها على الفقراء تطوعا فلم يتصدق المأمور حتى نوى الآمر عن الزكاة
من غير أن يتلفظ به، ثم تصدق المأمور جاز عن الزكاة، وكذا لو أمره أن يعتق عبدا تطوعا
نوى الآمر عن الكفارة قبل إعتاق المأمور عن التطوع ا ه‍. ولهذا لا تعتبر أهليه النائب حتى
لو وكل المسلم ذميا في دفع الزكاة جاز كما في كشف الاسرار شرح أصول فخر الاسلام.
قوله: (والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت) أي الشرط في جواز النيابة في المركب
عجز المستنيب عجزا مستمرا إلى موته لأن الحج فرض العمر فحيث تعلق به خطابه لقيام
مشروط وجب عليه أن يقوم بنفسه في أول سني الامكان، فإذا أخر أثم وتقرر القيام بنفسه
في ذمته في مدة عمره، وإن كان غير متصف بالشروط، فإذا عجز عن ذلك في مدة عمره
رخص له الاستنابة رحمة وفضلا فحيث قدر عليه وقتا من عمره بعد ما استنابه فيه لعجز لحقه
ظهر انتفاء شرط الرخصة. ثم ظاهر ما في المختصر أنه لا فرق بين أن يكون المرض يرجى
زواله أو لا يرجى زواله كالزمانة والعمى، فلو أحج الزمن أو الأعمى ثم صح وأبصر لزمه
أن يحج بنفسه، وبسبب هذا صرح المحقق في فتح القدير به وليس بصحيح، بل الحق
التفصيل، فإن كان مرضا يرجى زواله فأحج فالامر مراعى، فإن استمر العجز إلى الموت
سقط الفرض عنه وإلا فلا. وإن كان مرضا لا يرجى زواله كالعمى فأحج غيره سقط الفرض
عنه، سواء استمر ذلك العذر أو زال. صرح به في المحيط وفتاوى قاضيخان والمبسوط،
وصرح في معراج الدراية بأنه إذا حج الأعمى غيره ثم زال العمى لا يبطل الاحجاج ا ه‍.
وقيد بالعجز الدائم لأنه لو أحج وهو صحيح ثم عجز واستمر لا يجزئه لفقد الشرط،
ويشكل عليه ما في التجنيس وفتاوى قاضيخان وغيرهما أنه لو قال لله علي ثلاثون حجة
فأحج ثلاثين نفسا في سنة واحدة إن مات قبل أن يجئ وقت الحج جاز عن الكل لأنه لم
تعرف قدرته بنفسه عند مجئ وقت الحج، وإن جاء وقت الحج وهو يقدر بطلبت حجته لأنه

108
يقدر بنفسه عليها فانعدم الشرط فيها وعلى هذا كل سنة تجئ ا ه‍. وينبغي أن يراد بوقت
الحج وقت الوقوف بعرفة يعني إن جاء يوم عرفة وهو ميت أجزأه الكل، وإن كان حيا بطلت
واحدة وتوقف الامر في الباقي. وليس المراد بوقت الحج أشهر الحج لأن الاحجاج يكون في
أشهر الحج فلا يتأتى التفصيل، وإن كان المكان بعيدا فأحج قبل الأشهر فهو قاصر الإفادة
عما إذا كان قريبا فأحج في الأشهر الحرم فالأولى ما قلناه. ووجه إشكاله على ما سبق أن
وقت الاحجاج كان صحيحا فإذا مات قبل وقته أجزأه، وقد تقدم أنه إذا أحج وهو صحيح
ثم عجز لا يجزئه، ودفعه بأن المراد بعجزه بعد الاحجاج العجز بعد فراغ النائب عن الحج بأن
كان وقت الوقوف صحيحا فلا مخالفة كما لا يخفى. وعلى هذا المرأة إذا لم تجد محرما لا تخرج
إلى الحج إلى أن تبلغ الوقت الذي تعجز عن الحج فحينئذ تبعث من يحج عنها، أما قبل ذلك
فلا يجوز لتوهم وجود المحرم، فإن بعثت رجلا، إن دام عدم المحرم إلا أن ماتت فذلك جائز
كالمريض إذا أحج عنه رجلا ودام المرض إلى أن مات. وأطلق في العجز فشمل ما إذا كان
سماويا أو بصنع العباد فلو أحج وهو في السجن فإذا مات فيه أجزأه وإن خلص منه لا.
وإن أحج لعدو بينه وبين مكة إن أقام العدو على الطريق حتى مات أجزأه وإن لم يقم لا
يجزئه. كذا في التجنيس. وذكر في البدائع: وأما شرائط جواز النيابة فمنها أن يكون
المحجوج عنه عاجزا عن الأداء بنفسه وله مال فلا يجوز إحجاج الصحيح غنيا كان أو فقيرا،
لأن المال من شرائط الوجوب. ومنها العجز المستدام إلى الموت. ومنها الامر بالحج فلا يجوز
حج الغير عنه بغير أمره إلا الوارث يحج عن مورثه فإنه يجزئه إن شاء الله تعالى لوجود الامر
دلالة. ومنها نية المحجوج عنه عند الاحرام. ومنها أن يكون حد المأمور بمال المحجوج عنه
فإن تطوع الحاج عنه بمال نفسه لم يجز عنه حتى يحج بماله، وكذا إذا أوصى أن يحج بماله
فمات فتطوع عنه وارثه بمال نفسه لأن الفرض تعلق بماله، فإذا لم يحج بماله لم يسقط عنه
الفرض. ومنها الحج راكبا حتى لو أمره بالحج فحج ماشيا يضمن النفقة ويحج عنه راكبا لأن

109
المفروض عليه هو الحج راكبا فينصرف مطلق الامر بالحج إليه، فإذا حج ماشيا فقد خالف
فيضمن ا ه‍. وفي فتح القدير: واعلم أن شرط الاجزاء كون أكثر النفقة من مال الآمر، فإن
أنفق الأكثر أو الكل من مال نفسه وفي المال المدفوع إليه وفاء بحجه رجع به فيه إذ قد يبتلى
بالانفاق من مال نفسه لبعث الحاجة ولا يكون المال حاضرا فيجوز ذلك كالوصي والوكيل
يشتري لليتيم ويعطي الثمن من مال نفسه فإنه يرجع به في مال اليتيم ا ه‍. وبهذا علم أن
اشتراطهم أن تكون النفقة من مال الآمر للاحتراز عن التبرع لا مطلقا.
قوله: (وإنما شرط عجز المنوب للحج الفرض لا النفل) لجواز الإبانة مع القدرة في
حج النفل لأن المقصود منه الثواب فإذا كان له تركه أصلا فله تحمل مشقة المال بالأولى.
أطلقه فشمل حجة الاسلام والحجة المنذورة، وأشار به إلى أنه لو أحج عنه وهو صحيح حجة
الاسلام أو كان مريضا ثم صح بطل وصف الفرضية لفقد شرطه وهو العجز وبقي أصل
الحج تطوعا للآمر لا أنه فاسد أصلا. صرح به الأسبيجابي والسرخسي وعلاء الدين البخاري
في الكشف ولم يحكوا فيه خلافا، فعلى هذا بين الصلاة والحج فرق على قول محمد فإنه يقول
فيها إذا بطل وصفها بطل أصلها ولم ينقل عنه في الحج في ذلك لما أن باب الحج أوسع فلهذا
يمضي في فساده كما يمضي في صحيحه. وأشار المصنف بجريان النيابة في الحج عند العجز
في الفرض ومطلقا في النفل أن أصل الحج يقع للآمر لحديث الخثعمية وهي أسماء بنت
عميس من المهاجرات وهو أنها قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده
أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم. متفق عليه. فقد أطلق
كونه عنه وقولهما أفأحج عنه فيه روايتان فتح الهمزة وضم الحاء أي أنا أحرم عنه بنفسي
وأؤدي الافعال. وهذا هو المشهور من الرواية. وروي بضم الهمزة وكسر الحاء أي آمر أحد
أن يحج عنه. ذكره الهندي في شرح المغني وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا كما في الهداية،
وظاهر المذهب كما في المبسوط وهو الصحيح كما في كثير من الكتب. وذهب عامة
المتأخرين كما في الكشف إلى أن الحج يقع عن المأمور وللآمر ثواب النفقة قالوا: وهو رواية
عن محمد. وهو اختلاف لا ثمرة له لأنهم اتفقوا أن الفرض يسقط عن الآمر ولا يسقط عن
المأمور وأنه لا بد من أن ينويه عن الآمر وهو دليل المذهب، وأنه يشترط أهلية النائب لصحة
الافعال حتى لو أمر ذميا لا يجوز وهو دليل الضعيف، ولم أر من صرح بالثمرة. وقد يقال

110
إنها تظهر فيمن حلف أن لا يحج فعلى المذهب إذا حج عن غيره لا يحنث، وعلى الضعيف
يحنث إلا أن يقال إن العرف أنه قد حج وإن وقع عن غيره فيحنث اتفاقا.
قوله: (ومن حج عن آمريه ضمن النفقة) لأن كل واحد منهما أمره بأن يخلص النفقة له
من غير اشتراك ولا يمكنه إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية فيقع عن المأمور نفلا، ولا يجزئه

111
عن حجة الاسلام ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما لأنه صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه.
أطلق في الآمرين فشمل الأبوين وسيأتي إخراجهما، وقيد بالامر بهما لأنه لو أحرم عنهما
بغير أمرهما فله أن يجعله عن أحدهما لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أولهما فبقي على
خياره بعد وقوعه سببا لثوابه، وأشار بالضمان إلى أنه لا يمكنه بأن يجعله عن أحدهما بعد
ذلك، وقيد بكونه أحرم عنهما معا لأنه لو أحرم عن أحدهما غير عين فالامر موقوف، فإن
عين أحدهما قبل الطواف والوقوف انصرف إليه وإلا انصرف إلى نفسه، ولا يكون مخالفا
بمجرد الاحرام المذكور لأن كلا أمره بحجة وأحدهما صالح لكل منهما صادق عليه ولا منافاة
بين العام والخاص، ولا يمكن أن يصير للمأمور لأنه نص على إخراجها عن نفسه بجعلها
لاحد الآمرين فلا ينصرف إليه إلا إذا وجد أحد الامرين اللذين ذكرناهما ولم يتحقق بعد،
فإذا شرع في الأعمال قبل التعيين تعينت له لأن الأعمال لا تقع لغير معين ثم ليس في وسعه
أن يحولها إلى غيره وإنما جعل له الشرع ذلك إلى الثواب، ولولا الشرع لم يحكم به في الثواب
أيضا. ولو أحرم بحجة من غير تعيين فإنه يصح التعيين بعده لأحدهما بالأولى، وذكر في
الكافي أنه ينبغي أن يكون مجمعا عليه لعدم المخالفة. ولو أحرم مبهما من غير تعيين ما أحرم

112
به لآمر معين فإنه يجوز بلا خلاف وهو أظهر من الكل فصور الابهام أربعة: في واحدة يكون
مخالفا وهي مسألة الكتاب منطوقا. وفي الثلاثة لا يكون مخالفا وهي أن يكون الابهام إما في
الآمر أو في النسك أو فيهما، ولو أهل المأمور بالحج بحجتين أحداهما عن نفسه والأخرى
عن الآمر ثم رفض التي أهل بها عن نفسه تكون الباقية عن الآمر كأنه أهل بها وحدها.
وأشار المصنف إلى أن المأمور في كل موضع يصير مخالفا فإنه يضمن النفقة، فمنها ما إذا أمره
بالافراد بحجة أو عمرة فقرن فهو ضامن للنفقة عنده خلافا لهما، ومنها ما إذا أمره بالحج
فاعتمر ثم حج من مكة لأنه مأمور بحج ميقاتي وما أتى به مكي بخلاف ما إذا أمره بالعمرة
فاعتمر ثم حج عن نفسه لم يكن مخالفا والنفقة في مدة إقامته للحج في ماله لأنه أقام في
منفعة نفسه بخلاف ما إذا حج أولا ثم اعتمر للآمر فإنه يكون مخالفا لأنه جعل المسافة للحج
وأنه لم يؤمر به وإن كانت الحجة أفضل من العمرة لأنه خلاف من حيث الجنس كالوكيل
بالبيع بألف درهم إذا باع بألف دينار. كذا في المحيط.
وفي فتح القدير: والحاج عن غيره إن شاء قال لبيك عن فلان وإن شاء اكتفى بالنية
عنه، وليس للمأمور أن يأمر غيره بما أمر به عن الآمر وإن مرض في الطريق إلا أن يكون
وقت الدفع قيل له اصنع ما شئت، فحينئذ له أن يأمر غيره به وإن كان صحيحا، فلو أحج
رجلا فحج ثم أقام بمكة جاز لأن الفرض صار مؤدى والأفضل أن يحج ثم يعود إلى أهله
ا ه‍. ثم اعلم أن النفقة ما يكفيه لذهابه وإيابه وأنه لا يخلو إما أن يكون المحجوج عنه حيا أو

113
ميتا، فإن كان حيا فإنه يعطيه بقدر ما يكفيه كما ذكرنا، فإن أعطاه زائدا على كفايته فلا يحل
للمأمور ما زاد بل يجب عليه رده إلى صاحبه إلا إذا قال وكلتك أن تهب الفضل من نفسك
وتقبضه لنفسك، فإن كان على موت قال والباقي مني لك وصية، وإن كان قد أوصى بأن
يحج عنه ثم مات، فإما أن يعين قدرا أو لا، فإن عين قدرا اتبع ما عينه حتى لا يجوز النقص
عنه إذا كان يخرج من الثلث كما سيأتي تفصيله قريبا في مسألة الوصية، ولهذا قال في
المحيط: رجل مات وترك ابنين وأوصى بأن يحج عنه بثلاثمائة وترك تسعمائة فأنكر أحدهما
وأقر الآخر. وأخذ كل واحد منهما نصف المال، ثم إن المقر دفع مائة وخمسين يحج بها عن
الميت، ثم أقر الآخر إن أحج يأمر القاضي يأخذ المقر من الجاحد خمسة وسبعين درهما لأنه
جاز الحج عن الميت بمائة وخمسين وبقي مائة وخمسون ميراثا لهما فيكون لكل واحد نصفه،
وإن أحج بغير أمر القاضي فإنه يحج مرة أخرى بثلاثمائة لأنه لم يجز الحج عن الميت لأنه أمره
بثلاثمائة ا ه‍. ومع التعيين المذكور لا يحل للمأمور المذكور ما فضل بل يرده على ورثته،
ولهذا قالوا: لو أوصى بأن يعطى بعيره هذا رجلا ليحج عنه فدفع إلى رجل فأكراه الرجل
فأنفق الكراء على نفسه في الطريق وحج ماشيا جاز عن الميت استحسانا وإن خالف أمره.
وصححه في المحيط. وقال أصحاب الفتاوى: هو المختار لأنه لما ملك أن يملك رقبتها بالبيع
ويحج بالثمن استحسانا هو المختار فلان يملك أن يملك منفعتها بالإجارة ويحج ببدل المنفعة
كان أولى لأنه لو لم يظهر في الآخرة أنه يملك ذلك يكون الكراء له لأنه غاصب والحج له
فيتضرر الميت ثم يرد البعير إلى ورثة الميت لأنه ملك المورث اه‍. وهذه المسألة خرجت عن
الأصل للضرورة فإن الأصل أن المأمور بالحج راكبا إذا حج ماشيا فإنه يكون مخالفا وإن لم
يعين الموصي قدرا فإن الورثة يحجون عنه من الثلث بقدر الكفاية. ولهذا قال الولوالجي في
فتاواه: رجل مات وأوصى أن يحج عنه ولم يقدر فيه مالا، فالوصي إن أعطى إلى رجل ليحج
عنه في محمل احتاج إلى ألف ومائتين، وإن حج راكبا لا في محمل يكفيه الألف وكل ذلك
يخرج من الثلث يجب أقلهما لأنه هو المتيقن ا ه‍. فالحاصل أن المأمور لا يكون مالكا لما أخذه
من النفقة بل يتصرف فيه على ملك المحجوج عنه حيا كان أو ميتا، معينا كان القدر أو غير
معين، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط المتقدم. سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من
الزاد كما صرح به في الفتاوى الظهيرية، وينبغي أن تكون كذلك الحجة المشروطة من جهة
الواقف كما شرط سليمان باشا بوقفه بمصر قدرا معينا لمن يحج عنه كل سنة فإنه يتبع شرطه،
ولا يحل للمأمور ما فضل منه بل يجب رده إلى الوقف.
وهذا كله إذا أوصى بأن يحج عنه، أما إذا قال أحجوا فلانا حجة ولم يقل عني ولم يسم

114
كم يعطي فإنه يعطي قدر ما يحج به ويكون ملكا له وإن شاء حج به وإن شاء لم يحج وهو وصية
كما في المبسوط وغيره. فإذا عرف ذلك فللمأمور بالحج أن ينفق على نفسه بالمعروف ذاهبا وآيبا
ومقيما من غير تبذير ولا تقتير في طعامه وشرابه وثيابه وركوبه وما لا بد له منه من محمل وقربة
وأدوات السفر، فلو توطن بمكة بعد الفراغ فإن كان لانتظار القافلة فنفقته في مال الميت وإلا
فمن مال نفسه. وما ذكره أكثر المشايخ من أنه إذا توطن خمسة عشر يوما فنفقته عليه، فمحمول
على ما إذا كان لغير عذر وهو عدم خروج القافلة، وكذا ما ذكره بعضهم من اعتبار الثلاث.
وإذا صارت النفقة عليه بعد خروجها ثم بدا له أن يرجع رجعت نفقته في مال الميت لأنه كان
استحق نفقة الرجوع. في مال الميت وهو كالناشزة، إذا عادت إلى المنزل والمضارب إذا أقام في
بلد أو بلدة أخرى خمسة عشر يوما لحاجة نفسه. وفي البدائع: هذا إذا لم يتخذ مكة دارا، فإما
إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة بلا خلاف. وإن أقام بها من غير نية الإقامة قالوا: إن
كانت الإقامة معتادة لم تسقط، وإن زاد على المعتاد سقطت، ولو تعجل إلى مكة فهي في مال
نفسه إلى أن يدخل عشر ذي الحجة فتصير في مال الآمر. ولو سلك طريقا أبعد من المعتاد إن
كان مما سلكه الناس ففي مال الآمر وإلا ففي ماله، وله أن ينفق على نفسه نفقة مثله من طعام
ومنه اللحم والكسوة ومنه ثوابا إحرامه وأجرة من يخدمه إن كان ممن يخدم، وليس له أن ينفق ما
فيه ترفيه كدهن السراج والادهان والتداوي والاحتجام وأجرة الحمام والحلاق إلا أن يوسع
عليه. واختار في المحيط والخانية أن يعطي أجرة الحمام والحارس، وصرح الولوالجي بأنه
المختار وقالوا: له أن يشتري حمارا يركبه. وذكر الولوالجي بأنه مكروه والجمل أفضل لأن النفقة
فيه أكثر. وليس له أن يدعو أحدا إلى طعامه ولا يتصدق به ولا يقرض أحدا ولا يصرف
الدراهم بالدنانير ولا يشتري بها ماء لوضوئه، ولو أتجر في المال ثم حج بمثله فالأصح أنها عن
الميت. ويتصدق بالربح كما لو خلطها بدراهمه حتى صار ضامنا ثم حج بمثلها. وله أن يخلط
الدراهم للنفقة مع الرفقة للعرف. كذا في المحيط.
قوله: (ودم الاحصار على الآمر ودم القران ودم الجناية عل المأمور) لأن الآمر هو الذي
أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه. وأراد من الآمر المحجوج عنه فشمل الميت فإن دم
الاحصار من ماله ثم قيل هو من ثلث ماله لأنه صلة كالزكاة وغيرها، وقيل من جميع المال
لأنه وجب حقا للمأمور فصار دينا. كذا في الهداية. وإذا تحلل المأمور المحصر بذبح الهدي
فعليه الحج من قابل بمال نفسه ولا يكون ضامنا للنفقة كفائت الحج لعدم المخالفة، وعليه

115
الحج من قابل بمال نفسه. كذا قالوا: ولم يصرحوا بأنه في الاحصار والفوات إذا قضى الحج
هل يكون عن الآمر أو يقع للمأمور: وإذا كان للآمر فهل يجبر على الحج من قابل بمال
نفسه. وإنما وجب دم القران على المأمور باعتبار أنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع
بين النسكين والمأمور هو المختص بهذه النعمة لأن حقيقة الفعل منه وإن كان الحج يقع عن
الآمر لأنه وقوع شرعي، ووجوب دم الشكر مسبب عن الفعل الحقيقي الصادر من المأمور.
وأطلق في القران فشمل ما إذا أمره واحد بالقران فقرن، أو أمره واحد بالحج وآخر بالعمرة
وأذنا له في القران، وبقي صورتان يكون بالقران فيهما مخالفا: إحداهما ما إذا لم يأذنا له
بالقران فقرن عنهما ضمن نفقتهما. الثانية ما إذا أمره الحج مفردا فقرن فإنه يكون ضامنا
للنفقة لا لأن الافراد أفضل من القران بل لأنه أمره بإفراد سفر له وقد خالف، وفي الثانية
خلافهما، هما يقولان هو خلاف إلى خير، وهو يقول إنه لم يأمره بالعمرة ولا ولاية لاحد في
إيقاع نسك عن غيره بغير أمره فصار كما لو أمره بالافراد فتمتع فإنه يكون مخالفا اتفاقا.

116
وأراد بالقران دم الجمع بين النسكين قرانا كان أو تمتعا كما صرح به غاية البيان لكن بالاذن
المتقدم. وأطلق في دم الجناية فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد ودم الحلق ودم لبس المخيط
والطيب ودم المجاوزة بغير إحرام، وإنما وجب على المأمور وحده باعتبار أنه تعلق بجنايته
لكن في الجناية بالجماع تفصيل إن كان قبل الوقوف ضمن جميع النفقة لأنه صار مخالفا
بالافساد، وإن بعده فلا ضمان والدم على المأمور على كل حال. وإذا فسد حجه لزمه الحج
من قابل بمال نفسه وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر. ولو أتم الحج إلا طواف
الزيارة فرجع ولم يطفه فهو حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ويقضي ما بقي عليه لأنه جان
في هذه الصورة، أما لو مات بعد الوقوف قبل الطواف جاز عن الآمر لأنه أدى الركن
الأعظم. كذا قالوا، وقد قدمنا في أول كتاب الحج فيه بحثا وأعظمية أمرها إنما هو للأمن
من الافساد بعده لا لأنه يكفي فيجب على الآمر الاحجاج. وفي فتح القدير: وأما دم رفض
النسك ولا يتحقق ذلك إذا تحقق إلا في مال الحاج ولا يبعد لو فرض أنه أمره بحجتين معا
ففعل حتى ارتفضت إحداهما كونه على الآمر ولم أره والله سبحانه أعلم ا ه‍. ولو اختلف
المأمور والورثة أو الوصي فقال وقد أنفق من مال الميت منعت من الحج وكذبه الآخر لا
يصدق ويضمن إلا أن يكون أمرا ظاهرا يشهد على صدقه لأن سبب الضمان قد ظهر فلا
يصدق في دفعه إلا بظاهر يدل على صدقه. ولو اختلفا فقال حججت وكذبه الآمر كان القول
للمأمور مع يمينه لأنه يدعي الخروج عن عهدة ما هو أمانة في يده ولا تقبل بينة الوارث أو
الوصي أنه كان يوم النحر بالبلد لأنها شهادة على النفي إلا أن يقيما على إقراره أنه لم يحج، أما
لو كان الحاج مديونا للميت أمره أن يحج بماله عليه، وباقي المسألة بحالها فإنه لا يصدق إلا
ببينة لأنه يدعي قضاء الدين. هكذا في كثير من الكتب. وفي خزانة الأكمل: القول له مع
يمينه إلا أن يكون للورثة مطالب بدين الميت فإنه لا يصدق في حق غريم الميت إلا بالحجة
والقواعد تشهد للأول فكان عليه المعول.

117
قوله: (فإن مات في طريقه يحج عنه من منزله بثلث ما بقي) هذه العبارة تحتمل شيئين:
الأول أن يكون فاعل مات المأمور بالحج فمعنى المسألة أن الوصي إذا أحج رجلا عن الميت
فمات الرجل في الطريق فإنه يحج عن الميت الموصي من منزله بثلث ما بقي من المال كله،
وعلى هذا الوجه اقتصر الشارحون مع ما فيه من التعقيد في الضمائر فإن ضمير مات يرجع
إلى المأمور، وضمير عنه ومنزله يرجع إلى الموصي. الثاني أن يكون فاعل مات هو
الموصي فيتحد مرجع الضمائر وهو صحيح فإنه إذا مات بعدما خرج حاجا وأوصى بالحج
فإنه يحج عنه من منزله بثلث تركته، ويصدق عليه أنه بثلث ما بقي أي بعد الانفاق في
الطريق. فالحاصل أن الآمر إما أن يكون حيا وقت الاحجاج أو ميتا، فإن كان حيا ومات
المأمور في الطريق فإنه يحج إنسانا آخر من منزله على كل حال لأنه حي يرجع إليه، ولهذا لو
أمر إنسانا بأن يحج عنه ودفع له مالا فلم تبلغ النفقة من بلده لم يحج عنه من حيث تبلغ
كالميت لأنه يمكن الرجوع إليه فيحصل الاستدراك بخلاف الميت. كذا في الولوالجية. وإن
كان ميتا وأوصى بأن بحج عنه فلا يخلو إما أن يكون قدم خرج حاجا بنفسه ومات في
الطريق أو لا، وفي كل منهما لا يخلو إما أن أطلق الوصية أو عين المال والمكان، فإن أوصى
بأن يحج عنه وأطلق يحج عنه من ثلث ماله لأنه بمنزلة التبرعات، فإن بلغ ثلثه أن يحج عنه
من بلده وجب الاحجاج من بلده لأن الواجب عليه الحج من بلده الذي يسكنه، وكذا إن
خرج لغير الحج ومات في الطريق وأوصى. وأما إذا خرج للحج ومات في الطريق وأوصى
فإنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة. وقالا: يحج من حيث مات. وعلى هذا الخلاف المأمور
في الحج إذا مات في الطريق فإنه يحج عن الموصي من منزله بثلث ما بقي من التركة، وكذا
لو مات الثاني أو الثالث إلى أن لا يبقى شئ يمكن أن يحج بثلثه عند أبي حنيفة. وإن كان

118
للموصي أوطان حج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة لأنه متيقن به، وإن لم يكن له وطن فمن
حيث مات. فلو مات مكي بالكوفة وأوصى بحجة حج عنه من مكة وإن أوصى بالقران قرن
من الكوفة لأنه لا يصح من مكة، فإن أحج عنه الوصي من غير وطنه مع ما يمكن الاحجاج
من وطنه من ثلث ماله فإن الوصي يكون ضامنا ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا إلا إذا
كان المكان الذي أحج منه قريبا إلى وطنه من حيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل،
فحينئذ لا يكون ضامنا مخالفا. هذا كله إن بلغ ثلث ماله، فإن لم يبلغ الاحجاج من بلده حج
عنه من بلده حج عنه من حيث يبلغ استحسانا، وإن بلغ الثلث أن يحج عنه راكبا فأحج عنه
ماشيا لم يجز، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده قال محمد: يحج عنه من حيث بلغ راكبا. وعن
أبي حنيفة أنه مخير بين أن يحج عنه من بلده ماشيا أو راكبا من حيث تبلغ. هذا إذا أطلق،
وأما إذا عين مكانا اتبع لأن الاحجاج لا يجب بدون الوصية فيجب بمقدارها. وهذا كله إذا
كان الثلث يكفي لحجة واحدة، فإن كان يكفي لحجج فهو على ثلاثة أقسام: إما أن يعين
حجة واحدة أو يطلق أو يطلق أو يعين في كل سنة حجة، ففي الأول يحج عنه واحدة وما
فضل فهو لورثته، وفي الثاني خير الوصي إن شاء أحج عنه في كل سنة حجة وإن شاء أحج
عنه في سنة واحدة حججا وهو الأفضل لأنه تعجيل تنفيذ الوصية لأنه ربما هلك المال، وفي
الثالث كالثاني ولم يذكر في الأصل لأن شرط التفريق لا يفيد فصار كالاطلاق كما لو أمر
الموصي رجلا بالحج في هذه السنة فأخره المأمور إلى القابل فإنه يجوز عن الميت، ولا يضمن
النفقة لأن ذكر السنة للاستعجال لا للتقييد. ولو أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله أو أطلق
فهلكت النفقة في يد المأمور، قال أبو حنيفة: يحج عنه بثلث ماله. وقال أبو يوسف: بما
بقي من ثلث ماله. وأبطله محمد.
وهذا كله إذا لم يعين الموصي قدرا فإن عين قدرا من المال فإن بلغ ذلك أن يحج عنه من
بلده وجب وإلا فمن حيث يبلغ ولو عين أكثر من الثلث يحج عنه بالثلث من حيث يبلغ
بخلاف الوصية بشراء عبد بأكثر من الثلث وإعتاقه عنه فإنها باطلة لأن في العتق لا يجوز
النقصان عن المسمى. كذا في المحيط وغيره. وذكر الولوالجي في فتاواه: لو أوصى بأن يحج
عنه من ثلث ماله ولم يقل حجة حج عنه من جميع الثلث لأنه أوصى بصرف جميع الثلث إلى
الحج لأن كلمة من للتمييز عن أصل المال. ولو دفع الوصي الدراهم إلى رجل ليحج عن
الميت فأراد أن يسترد كان له ذلك ما لم يحرم لأن المال أمانة في يده، فإن استرده فنفقته إلى

119
بلده على من تكون إن استرد بخيانة ظهرت منه فالنفقة في ماله خاصة، وإن استرد لا بخيانة
ولا تهمة فالنفقة على الوصي في ماله خاصة، وإن استرد لضعف رأي فيه أو لجهله بأمور
المناسك فأراد الدفع إلى أصلح منه فنفقته في مال الميت لأنه استرد لمنفعة الميت اه‍. وفي فتح
القدير: لو أوصى أن يحج عنه ولم يزد على ذلك كان للوصي أن يحج بنفسه إلا أن يكون
وارثا، وإن دفعه إلى وارث ليحج فإنه لا يجوز إلا أن تجيز الورثة وهم كبار لأن هذا كالتبرع
بالمال فلا يصح للوارث إلا بإجازة الباقين، ولو قال الميت للوصي ادفع المال لمن يحج عني لم
يجز له أن يحج بنفسه مطلقا. وفي الظهيرية: ولو كان ثلث ماله قدر ما لا يمكن الاحجاج
عنه بطلت الوصية. وفي التجنيس: رجل أوصى بأن يحج عنه فحج عنه ابنه ليرجع في
التركة فإنه يجوز كالدين إذا قضاه من مال نفسه، ولو حج على أن لا يرجع فإنه لا يجوز عن
الميت لأنه لم يصحل مقصود الميت وهو ثواب الانفاق، وعلى هذا الزكاة والكفارة، ومثله لو
قضى عنه دينه متطوعا جاز لأن الحج عن الكبير العاجز بغير أمره لا يجوز وقضاء الدين بغير
أمره في حالة الحياة يجوز، فكذا بعد الموت رجل مات وعليه حجة الاسلام فحج عنه رجل
بإذنه ولم ينو فرضا ولا نفلا فإنه يجوز عن حجة الاسلام، ولو نوى تطوعا لا يجوز عن حجة
الاسلام اه‍. وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد: لو قال حجوا من ثلثي حجتين يكتفي
بواحدة والباقي للورثة إن فضل اه‍. وهو مشكل على ما تقدم من المحيط والولوالجية وهو
مبني على الفرق بين أن يوصي من الثلث وبين أن يوصي بجميع الثلث. وذكر في آخر
العمدة من الوصايا: لو أوصى بأن يحج عنه بالألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه
ليرجع ليس له ذلك لأن الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا
يبدل اه‍. وفي العدة: امرأة تركت مهرها على الزوج ليحج بها وحج بها فعليه المهر لأنه
بمنزلة الرشوة وهي حرام اه‍. وذكر الأسبيجابي أنه لا يجوز الاستئجار على الحج ولا على
شئ من الطاعات، فلو استؤجر على الحج ودفع إليه الاجر فحج عن الميت فإنه يجوز عن

120
الميت وله من الاجر مقدار نفقة الطريق في الذهاب والمجئ ويرد الفضل على الورثة لأنه لا
يجوز الاستئجار عليه، ولا يحل له أن يأخذ الفضل لنفسه إلا إذا تبرع الورثة به وهم من أهل
التبرع، أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج. وقال بعض مشايخنا: لا تجوز هذه الوصية لأن
الموصى له مجهول إلا أن الأول أصح لأن الموصى له يصير معروفا بالحج كما لو أوصى بشراء
عبد بغير عينه ويعتق ويعطى له مائة درهم فإنها جائزة. وقال بعضهم: لا تجوز اه‍. وأراد
المصنف بموته في الطريق موته قبل الوقوف بعرفة ولو كان بمكة. وفي المحيط: ولو دفع إلى
رجل مالا ليحج به عنه فأهل يحجه ثم مات الآمر فللورثة أن يأخذوا ما بقي من المال معه
ويضمنونه ما أنفق منه بعد موته ولا يشبه الورثة الآمر في هذا لأن نفقة الحج كنفقة ذوي
الأرحام فتبطل بالموت ويرجع المال إلى الورثة اه‍.
قوله: (ومن أهل بحج عن أبويه فعين صح) لأنه جعل الثواب للغير وهو لا يحصل إلا

121
بعد الأداء فالنية قبله لهما لغو، فإذا فرغ وجعله لأحدهما أولهما فإنه يجوز بخلاف ما إذا أهل
عن آمريه ثم عين لما تقدم أنه صار مخالفا. وبهذا علم أن التعيين بعد الابهام ليس بشرط وإنما
ذكره ليعلم منه حكم عدم التعيين بالأولى لأنه بعد أن جعله لهما يملك صرفه عن أحدهما
فلان يبقيه لهما أولى. وبهذا علم أن الأجنبي كالوارث في هذا فإن من تبرع عن أجنبيين
بالحج فهو كالولد عن الأبوين لأن المجعول إنما هو الثواب فله أن يجعله لمن شاء. وعلم
أيضا أنه في الوارث المتبرع من غير وصية، أما إذا أوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج
فقد قدمنا أنه لا يجوز. وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالاحجاج عنه رجلا
فقد قال أبو حنيفة: يجزئه إن شاء الله تعالى لحديث الخثعمية فإنه شبهه بدين العباد وفيه لو
قضى الوارث من غير وصية يجزئه فكذا هذا. وفي المبسوط: فإن قيل فقد أطلق أبو حنيفة
الجواب في كثير من الأحكام الثابتة بخبر الواحد ولم يقيده بالمشيئة قلنا: إن خبر الواحد
يوجب العمل فيما طريقه العمل فأطلق الجواب فيه، فأما سقوط حجة الاسلام عن الميت
بأداء الورثة طريقه العلم فإنه أمر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواب بالاستثناء اه‍. وذكر
الولوالجي أن قوله إن شاء الله تعالى على القبول لا على الجواز لأنه شبهه بقضاء الدين، ومن
تبرع بقضاء دين رجل كان صاحب الدين بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل فكذا في باب
الحج اه‍. ثم اعلم أن حج الولد عن والده ووالدته مندوب للأحاديث كما في فتح القدير،
ثم المصنف رحمه الله تعالى لم يقيد الحاج عن الغير بشئ ليفيد أنه يجوز إحجاج الضرورة وهو

122
الذي لم يحج أولا عن نفسه لكنه مكروه كما صرحوا به. واختار في فتح القدير أنها كراهة
تحريم للنهي الوارد في ذلك. وفي البدائع: يكره إحجاج المرأة والعبد والصرورة والأفضل
إحجاج الحر العالم بالمناسك الذي حج عن نفسه، وهو يدل على أنها كراهة تنزيه وإلا قال:
ويجب إحجاج الحر إلى آخره والحق أنها تنزيهية على الآمر تحريمية على الصرورة المأمور الذي
اجتمعت فيه شروط الحج ولم يحج عن نفسه لأنه آثم بالتأخير والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب وإليه المرجع والمآب

123
باب الهدي
هو في اللغة ما يهدى إلى الحرم من شاة أو بقرة أو بعير، الواحد هدية كما يقال جدي
في جدية السرج. ويقال هدي بالتشديد على فعيل الواحدة هدية كمطية ومطي ومطايا. كذا
في المغرب قوله: (أدناه شاة وهو إبل وبقر وغنم) يفيد أن له أعلى وهو كذلك فإنه الأفضل
الإبل والأدنى الشاة والبقر وسط. وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما ما استيسر من الهدي
بالشاة، وأراد بالإبل والبقر والغنم بيان أنواع ما يهدى إلى الحرم، فالهدي لغة وشرعا واحد
لا أن تلك الأنواع تسمى هديا من غير إهداء إلى الحرم، وحينئذ فإطلاق الهدي على غير
الأنواع الثلاثة في كلام الفقهاء في باب الايمان والنذور مجاز. ثم الواحد من النعم يكون
هديا بجعله صريحا هديا أو دلالة، وهي إما بالنية أو بسوق بدنة إلى مكة وإن لم ينو استحسانا
لأن نية الهدي ثابتة عرفا لأن سوق البدنة إلى مكة في العرف يكون للهدي لا للركوب
والتجارة. كذا في المحيط. وأراد به السوق بعد التقليد لا مجرد السوق، وأفاد ببيان الأدنى
أنه لو قال لله علي أن أهدي ولا نية له فإنه يلزمه شاة لأنها الأقل، وإن عين شيئا لزمه،
فإن كان مما يراق دمه ففيه ثلاث روايات: في رواية أبي سليمان يجوز أن يهدي بقيمته لأن
إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى وما أوجبه الله تعالى في جزاء الصيد يتأدى بالقيمة فكذا ما
أوجبه العبد، وفي رواية أبي حفص أجزأه أن يهدي مثله لأنه في معناه، وفي رواية ابن
سماعة لا يجوز أن يهدي قيمته لأنه أوجب شيئين: الإراقة والتصدق، فلا يجوز الاقتصار على
التصدق كما في هدي المتعة والقران بخلاف جزاء الصيد لأنه كما أوجب الهدي أوجب غيره
وهو الاطعام، وهنا الناذر ما أوجب إلا الهدي فتعين. ولو بعث بقيمته فاشترى بمكة مثله
وذبحه جاز. قال الحاكم في المختصر: ويحتمل أن يكون هذا تأويل رواية أبي سليمان. ومن
نذر شاة فأهدى جزورا فقد أحسن وليس هذا من القيمة لثبوت الإراقة في البدل الاعلى
كالأصل وقالوا: إذا قال لله علي أن أهدي شاتين فأهدي شاة تساوي شاتين قيمة لم يجزه وهي
مرجحة لرواية ابن سماعة فكان هو المذهب. وإن كان المنذور شيئا لا يراق دمه فإن كان

124
منقولا تصدق بعينه أو بقيمته، وإن كان عقارا تصدق بقيمته، ولا يتعين التصدق به في الحرم
ولا على فقراء مكة لأن الهدي فيه مجاز عن التصدق. ثم اعلم أنه إذا ألحق بلفظ الهدي ما
يبطله لا يلزمه شئ كما لو قال هذه الشاة هدي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام عند أبي حنيفة
لأن اسم الهدي إنما يوجب باعتبار اضمار مكة بدلالة العرف، فإذا صرح بالحرم أو المسجد
تعذر هذا الاضمار إذ قد صرح بمراده.
قوله: (وما جاز في الضحايا جاز في الهدايا) يعني فيجوز الثني من الإبل والبقر
والغنم ولا يجوز الجذع إلا من الضأن لأنه قربة تعلقت بإراقة الدم كالأضحية فيتخصصان
بمحل واحد. والثني من الغنم ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم
له خمس. واختلف في الجذع من الضأن فجزم في المبسوط أنه ابن سبعة أشهر عند الفقهاء
وستة في اللغة. وفي غاية البيان: إنه ما تم له ثمانية أشهر وشرط أن يكون عظيم الجثة، أما
إن كان صغيرا فلا بد من تمام السنة. وأفاد أنه يجوز الاشتراك في بدنه كما في الأضحية
بشرط إرادة الكل القربة وإن اختلفت أجناسهم من دم متعة وإحصار وجزاء صيد وغير
ذلك، ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب بأن اشتري بدنة لمتعة مثلا ناويا إن يشترك
فيها ستة أو يشتريها بغير نية الهدي ثم يشترك فيه ستة ينووا الهدي أو يشتروها معا في
الابتداء وهو الأفضل. وأما إذا اشتراها للهدي من غير نية الشركة ليس له الاشتراك فيها لأنه
يصير بيعا لأنها كلها صارت واجبة بعضها بإيجاب الشرع وما زاد بإيجابه، وإذا كان أحد
الشركاء كافرا أو مريدا اللحم دون الهدي لم يجزهم، وإذا مات أحد الشركاء فرضى وارثه أن
ينحرها عن الميت معهم أجزأهم استحسانا لأن المقصود هو التصدق، وأي الشركاء نحرها
يوم النحر أجزأ الكل، وأشار إلى أنه لا بد من السلامة عن العيوب كما في الأضحية فهو
مطرد منعكس أي فما لا يجوز في الضحايا لا يجوز في الهدايا، فعبارة الهداية أولى وهي:

125
ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاز في الضحايا فإنه لا يلزم من الاطراد الانعكاس، ألا ترى إلى
قولهم وما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة لم يلزم انعكاسه
لفساده لجواز جعل المنافع المختلفة أجرة لا ثمنا قوله: (والشاة تجوز في كل شئ إلا في
طواف الركن جنبا ووطئ بعد الوقوف) يعني أن كل موضع ذكر فيه الدم من كتاب الحج
تجزئ فيه الشاة إلا فيما ذكره، وليس مراده التعميم فإن من نذر بدنة أو جزورا لا تجزئه الشاة
وإنما لزمت البدنة فيما إذا طاف جنبا لأن الجنابة أغلظ فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا
للتفاوت بين الأصغر والأكبر. ويلحق به ما إذا طافت حائضا أو نفساء وليس موضعا ثالثا
كما في فتح القدير، لأن المعنى الموجب للتغليظ واحد ووجبت في الجماع بعد الوقوف لأنه
أعلى أنواع الارتفاقات فيتغلظ موجبه. وأطلق فشمل ما بعد الحلق وقد أسلفنا فيه اختلافا،
والراجح وجوب الشاة بعده، فالمراد هنا الوطئ بعد الوقوف قبل الحلق والطواف.
قوله: (ويأكل من هدى التطوع والمتعة والقران فقط) أي يجوز له الاكل ويستحب
للاتباع الفعلي الثابت في حجة الوداع على ما رواه مسلم من أنه عليه السلام نحر ثلاثا وستين
بدنة بيده ونحر علي ما بقي من المائة، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت
فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ولأنه دم النسك فيجوز منه الاكل كالأضحية. وأشار
بكلمة من إلى أنه يأكل البعض منه، والمستحب أن يفعل كما في الأضحية وهو أن يتصدق
بالثلث ويطعم الأغنياء الثلث ويأكل ويدخر الثلث. وأفاد بقوله هدي التطوع أنه بلغ
الحرم، أما إذا ذبحه قبل بلوغه فليس بهدي فلم يدخل تحت عبارته ليحتاج إلى الاستثناء فلهذا
لا يأكل منه. والفرق بينهما إنه إذا بلغ الحرم فالقربة فيه بالإراقة وقد حصلت والاكل بعد

126
حصولها، وإذا لم يبلغ فهي بالتصدق والاكل ينافيه. وأفاد بقوله فقط أنه لا يجوز الاكل من
بقية الهدايا كدماء الكفارات كلها والنذور وهدي الاحصار، وكذا ما ليس بهدي كالتطوع إذا
لم يبلغ الحرم، وكذا لا يجوز للأغنياء لأن دم النذر دم صدقة، وكذا دم الكفارات لأنه وجب
تكفيرا للذنب، وكذا دم الاحصار لوجود التحلل والخروج من الاحرام قبل أوانه. قال في
البدائع: وكل دم يجوز له أن يأكل منه لا يجب عليه التصدق بلحمه بعد الذبح لأنه لو وجب
عليه التصدق به لما جاز له أكله لما فيه من إبطال حق الفقراء، وكل دم لا يجوز له الاكل منه
يجب عليه التصدق بعد الذبح لأنه إذا لم يجزأ كله ولا يتصدق به يؤدي إلى إضاعة المال. ولو
هلك المذبوح بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين لأنه لا صنع له في الهلاك، وإن استهلكه
بعد الذبح فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته فيتصدق بها لأنه تعلق به حق
الفقراء فبالاستهلاك تعدي على حقهم، وإن كان مما لا يجب التصدق به لا يضمن شيئا. ولو
باع اللحم جاز بيعه في النوعين لأن ملكه قائم إلا أن فيما لا يجوز له أكله ويجب عليه
التصدق به يتصدق بثمنه لأنه ثمن مبيع واجب التصدق اه‍. وهكذا نقله عنه في فتح القدير
باختصار مع أنه قدم أنه ليس له بيع شئ من لحوم الهدايا وإن كان مما يجوز له الاكل منه،
فإن باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منه فعليه أن يتصدق بقيمته اه‍. وقد يقال في التوفيق

127
بينهما إنه إن باع مما لا يجوز أكله وجب التصدق بالثمن ولا ينظر إلى القيمة، وإن باع مما لا
يجوز له أكله وجب التصدق بالقيمة ولا ينظر إلى الثمن، وأن المراد بالجواز في كلام البدائع
الصحة لا الحل. وفي فتح القدير: ولو أكل مما لا يحل له الاكل منه ضمن ما أكل، وبه قال
الشافعي وأحمد. وقال مالك: لو أكل لقمة ضمن كله.
قوله: (وخص ذبح هدى المتعة والقران بيوم النحر فقط والكل بالحرم لا بفقيره) بيان
لكون الهدي موقتا بالمكان، سواء كان دم شكر أو جناية لما تقدم أنه اسم لما يهدى من النعم
إلى الحرم. وأما توقيته بالزمان فمخصوص بهدي المتعة والقران، وأما بقية الهدايا فلا تتقيد
بزمان. وأفاد أن هدي التطوع إذا بلغ الحرم لا يتقيد بزمان وهو الصحيح، وإن كان ذبحه يوم
النحر أفضل كما ذكره الشارح خلافا للقدوري. وأراد المصنف بيوم النحر وقته وهو الأيام
الثلاثة، وأراد بالاختصاص الاختصاص من حيث الوجوب على قول أبي حنيفة وإلا لو ذبح
بعد أيام النحر أجزأ إلا أنه تارك للواجب وقبلها لا يجزئ بالاجماع، وعلى قولهما كذلك في
القبلية وكونه فيها هو السنة عندهما حتى لو ذبح بعد التحلل بالحلق لا شئ عليه، وعنده
عليه دم. ودخل تحت قوله والكل بالحرم الهدي المنذور بخلاف البدنة المنذورة فإنها لا
تتقيد بالحرم عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا يجوز ذبحها في غير الحرم قياسا على
الهدي المنذور والفرق ظاهر. واتفقوا على أنه لو نذر نحر جزور أو بقرة فإنه لا يتقيد بالحرم،
ولو نذر بدنة من شعائر الله أو نوى أن تنحر بمكة تقيد بالحرم اتفاقا. كذا في المحيط. وقوله
لا بفقيره بيان لجواز التصدق على فقراء غير الحرم بلحم الهدي لاطلاق الدلائل لكن
التصدق على فقراء مكة أفضل كما في البدائع معزيا إلى الأصل قوله: (ولا يجب التعريف
بالهدى) لأن الهدي ينبئ عن النقل إلى مكان التقرب بإراقة الدم فيه لا عن التعريف فلا يجب
وهو الذهاب به إلى عرفات أو التشهير بالتقليد والاشعار ولم يذكر استحبابه لأن فيه تفصيلا،
فما كان دم شكر استحب تعريفه، وما كان دم كفارة استحب إخفاؤه وستره لأن سببها
الجناية كقضاء الصلاة يستحب إخفاؤه، ولم يذكر المصنف سنن الذبح والنحر هنا لما سيصرح

128
به في باب الذبائح والأضحية قوله: (ويتصدق بجلاله وخطامه ولم يعط أجرة الجزار منه) أي
الهدي. والجلال جمع الجل وهو ما يلبس على الدابة، والخطام هو الزمام وهو ما يجعل في
أنف البعير لحديث البخاري مرفوعا أن عليا رضي الله عنه أمره عليه السلام أن يقوم على بدنه
وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئا. وهي بضم الجيم
كراء عمل الجزار. وأفاد أنه إن أعطاه منها أجرته ضمنه لاتلاف اللحم أو معاوضته. وقيد
بالاجر لأنه لو تصدق بشئ من لحمها عليه سوى أجرته جاز لأنه أهل للصدقة عليه قوله:
(ولا بركبه بلا ضرورة) لأنه جعله خالصا لوجه الله تعالى فلا ينتفع بشئ منه. وصرح في
المحيط بأن ركوبه لغير حاجة حرام، وينبغي أن يكون مكروها كراهة تحريم لأن الدليل ليس
قطعيا. وأشار إلى أنه لا يحمل عليها أيضا وإلى أنه لو ركبها أو حمل عليها فنقصت فعليه
ضمان ما نقص ويتصدق به على الفقراء دون الأغنياء لأن جواز الانتفاع بها للأغنياء معلق
ببلوغ المحل. وأطلقه فشمل ما يجوز الاكل منه وما لا يجوز، وإنما جاز له حالة الضرورة لما
رواه صاحب السنن مرفوعا اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا وفي الصحيح
اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة حين رآه مضطرا إلى ركوبها. وفي جامع الترمذي ويحك
أو ويلك. وفي البدائع: ويحك كلمة ترحم وويلك كلمة تهدد. وعلل الإمام الناصحي في
الجمع بين وقفي هلال والخصاف بأن البدنة باقية على ملك صاحبها فيجوز الانتفاع بها عند
الضرورة، ولهذا لو مات قبل أن تبلغ كانت ميراثا اه‍. وظاهر كلامهم أنها إن نقصت بركوبه
لضرورة فإنه لا ضمان عليه.
قوله: (ولا يحلبه) أي الهدي لأنه جزؤه فلا يجوز له ولا لغيره من الأغنياء فإن حلبه

129
وانتفع به أو دفع إلى الغني ضمنه لوجود التعدي منه كما لو فعل ذلك بوبره أو صوفه. وفي
المحيط: ضمن قيمته فجعل اللبن قيميا. وفي غاية البيان: ضمن مثله أو قيمته وإن لم ينتفع
به بعد الحلب تصدق به على الفقراء. وأشار إلى أنها لو ولدت فإنه يتصدق به أو يذبحه معها
فإن استهلكه ضمن قيمته، وإن باعه تصدق بثمنه، وإن اشترى بها هديا فحسن قوله:
(وينضح ضرعها بالنقاخ) أي يرش بالماء البارد حتى يتقلص. والنقاخ بالنون المضمومة والقاف
والخاء المعجمة الماء العذب الذي ينقخ الفؤاد ببرده. كذا في الصحاح والمغرب. وفي المصباح
المنير: ينضح من بابي ضرب ونفع، فعلى هذا تكسر ضاده وتفتح. قالوا: هذا إذا كان قريبا
من وقت الذبح، وإن كان بعيدا يحلبها ويتصدق بلبنها كيلا يضربها ذلك: (وإن عطب واجب
أو تعيب أقام غيره مقامه والمعيب له) لأن الواجب في الذمة فلا يسقط عنه حتى يذبح في
محله. والمراد بالعطب هنا الهلاك وهو من باب علم فهو كما لو عزل دراهم الزكاة فهلكت
قبل الصرف إلى الفقراء فإنه يلزمه إخراجها ثانيا. والمراد من العيب هنا ما يكون مانعا من
الأضحية فهو كهلاكه. وإنما كان المعيب له لأنه عينه إلى جهة وقد بطلت فبقي على ملكه.
وهل يدخل تحت الواجب هنا ما لو نذر شاة معينة فهلكت فإنه يلزمه غيرها أو لا لكون
الواجب في العين لا في الذمة قوله: (ولو تطوعا نحره وصبغ نعله بدمه وضرب به صفحته
ولم يأكله غني) أي ولو كان المعطوب أو المتعيب تطوعا نحره وصبغ قلادته بدمه، فالمراد من
العطب هنا القرب من الهلاك لا الهلاك. وفائدة هذا الفعل أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل
منه الفقراء دون الأغنياء، وهذا لأن الاذن في تناوله معلق بشرط بلوغه محله فينبغي أي لا
يحل قبل ذلك أصلا إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يتركه لحما للسباع وفيه نوع
تقرب والتقرب هو المقصود قوله: (وتقلد بدنة التطوع والمتعة والقران فقط) لأنه دم نسك وفي
التقليد إظهاره وتشهيره فيليق به. وأفاد بقوله فقط أنه لا يقلد دم الاحصار ولا دم الجنايات
لأن سببها الجناية والستر أليق بها ودم الاحصار جابر فيلحق بجنسها، ولو قلده لا يضره.
كذا في المبسوط. وقيد بالبدنة لأنه لا يسن تقليد الشاة ولا تقلد عادة. ودخل تحت التطوع
المنذور لأنه لما كان بإيجاب العبد كان تطوعا أي ليس بإيجاب الشارع ابتداء فلذا ذكر في
المحيط أنه يقلد دم النذر لأنه دم نسك وعبادة. فإن قلت: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد هدايا
الاحصار قلت: جوابه أنه كان قلدها للمتعة فلما أحصر بقيت كما كانت فبعثت إلى مكة على

130
حالها. كذا في غاية البيان. ولم يذكر وقت التقليد لأن فيه تفصيلا فإن بعثه يقلده من بلده
وإن كان معه فمن حيث يحرم هو السنة.
مسائل منثورة ثابتة في بعض النسخ دون بعض وقد جرت عادة المصنفين أنهم
يذكرون في آخر الكتاب ما شذ وندر من المسائل في الأبواب السالفة في فصل على حدة
تكثيرا للفوائد ويقولون في أوله مسائل منثورة أو مسائل متفرقة أو مسائل شتى أو
مسائل لم تدخل في الأبواب أو فروع قوله: (ولو شهدوا بوقوفهم قبل يومه تقبل وبعده
لا) أي لو شهدوا بعدما وقف الناس بعرفة أنهم وقفوا يوم التروية قبلت شهادتهم، ولو
شهدوا أنهم وقفوا يوم النحر لا تقبل. والقياس أن لا يجزئهم اعتبارا بما إذا وقفوا يوم
التروية، وهذا لأنه عبادة تختص بزمان ومكان فلا تقع عبادة دونهما. وقد ذكر في الهداية
للاستحسان وجهين: الأول أنها لا تقبل لكونها على النفي. الثاني أنها تقبل لكن لا يستلزم
عدم صحة الوقوف لأن هذا النوع من الاشتباه مما يغلب ولا يمكن التحرز عنه فلو لم يحكم
بالجواز بعد الاجتهاد لزم الحرج الشديد المنفي شرعا وهو حكمة قوله عليه السلام
وعرفتكم يوم تعرفون أي وقت الوقوف بعرفة عند الله تعالى اليوم الذي يقف فيه الناس
عن اجتهاد ورأي أنه يوم عرفة. وذكر في معراج الدراية أن الوجه الثاني هو الأصح
ورجحه في فتح القدير بدفع الأول لأنها قامت على الاثبات حقيقة وهو رؤية الهلال في
ليلة قبل رؤية أهل الموقف فليست شهادة على النفي، وإذا كانت هذه الشهادة لا يثبت بها
عدم صحة الوقوف فلا فائدة في سماعها للإمام فلا يسمعها لأن سماعها يشهرها بين عامة
الناس من أهل الموقف فيكثر القيل والقال وتثور الفتنة وتتكدر قلوب المسلمين بالشك في
صحة حجهم بعد طول عنائهم، فإذا جاؤوا ليشهدوا يقول لهم انصرفوا فلا تسمع هذه
الشهادة قد تم حج الناس. وكذا حج الشهود، ولو وقفوا وحدهم لم يجزهم وعليهم إعادة
الوقوف مع الإمام للحديث السابق، وكذا إذا أخر الإمام الوقوف بمعنى يسوغ فيه
الاجتهاد لم يجز وقوف من وقف قبله. واستشكل المحقق في فتح القدير تصوير قبول
الشهادة في المسألة الأولى لأنه لا شك أن وقوفهم يوم التروية على أنه التاسع لا يعارضه

131
شهادة من شهد أنه الثامن لأن اعتقاد الثامن إنما يكون بناء على أن أول ذي الحجة ثبت
بإكمال عدة ذي القعدة واعتقاده التاسع بناء على أنه رؤي قبل الثلاثين من ذي القعدة، فهذه
شهادة على الاثبات والقائلون أنه الثامن حاصل ما عندهم نفي محض وهو أنهم لم يروه ليلة
الثلاثين من ذي القعدة ورآه الذين شهدوا فهي شهادة لا معارض لها اه‍. فحاصله أن
الشهادة على خلاف ما وقف الناس لا يثبت بها شئ مطلقا، سواء كان قبله أو بعده.
وهو إنما يتم أن لو انحصر التصوير فيما ذكره بل صورته لو وقف الإمام بالناس ظنا منه أنه
يوم التاسع من غير أن يثبت عنده رؤية الهلال فشهد قوم أنه اليوم الثامن فقد تبين خطأ ظنه
والتدارك ممكن فهي شهادة لا معارض لها. ولهذا قال في المحيط: لو وقفوا يوم التروية على
ظن أنه يوم عرفة لم يجزهم. وبهذا التقرير علم أن المسألة تحتاج إلى تفصيل ولا بدع فيه بل هو
متعين. وقد بقي هنا مسألة ثالثة وهي ما إذا شهدوا يوم التروية والناس بمنى أن هذا اليوم
يوم عرفة ينظر، فإن أمكن الإمام أن يقف مع الناس أو أكثرهم نهارا قبلت شهادتهم قياسا
واستحسانا للتمكن من الوقوف، فإن لم يقفوا عشية فاتهم الحج، وإن أمكنه أن يقف معهم
ليلا لا نهارا فكذلك استحسانا، وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثرهم لا تقبل شهادتهم
ويأمرهم أن يقفوا من الغد استحسانا، والشهود في هذا كغيرهم كما قدمناه. وفي الفتاوى
الظهيرية: ولا ينبغي للإمام أن يقبل في هذا شهادة الواحد والاثنين ونحو ذلك قوله: (ولو
ترك الجمرة الأولى في اليوم الثاني رمى الثلاث أو الأولى فقط) بيان لكون الترتيب في الجمار
الثلاث في اليوم الثاني ليس بشرط ولا واجب وإنما هو سنة ولهذا قدم قوله رمى الثلاث
لمراعاة الترتيب المسنون لأن كل جمرة قربة قائمة بنفسها لا تعلق لها بغيرها وليس بعضها تابعا
لبعض بخلاف السعي قبل الطواف أو الطواف قبل الوقوف فإنه شرع مرتبا على وجه اللزوم
فلم يدخل وقته، ولولا ورود النص في قضاء الفوائت بالترتيب قلنا لا يلزم فيها أيضا لأن
كل صلاة عبادة مستقله، وبخلاف البداءة بالمروة لأن البداءة من الصفا ثبت بالنص وهو قوله
عليه السلام ابدؤوا بما بدأ الله به بصيغة الامر بخلاف الترتيب في الجمار الثلاث فإنه ثبت
بالفعل وهو لا يفيد أكثر من السنة.
قوله: (ومن أوجب حجا ماشيا لا يركب حتى يطوف للركن) أي بأن نذر الحج ماشيا
وفيه إشارة إلى وجوب المشي لأن عبارة المختصر عبارة الجامع الصغير وهي كلام المجتهد
أعني أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه على ما نقله محمد عنه فيه وهو إخبار المجتهد وإخباره

132
معتبر بإخبار الشرع لأنه نائبه في بيان الأحكام كما في المعراج. وفي الأصل أي المبسوط:
لمحمد أيضا خيره بين الركوب والمشي، وعن أبي حنيفة أنه كره المشي فيكون الركوب أفضل.
وصحح ما في الجامع الصغير قاضيخان في شرحه واختاره فخر الاسلام معللا بأنه التزم
القربة بصفة الكمال. وإنما قلنا إن المشي أكمل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حج ماشيا
كتب له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم. قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: واحدة
بسبعمائة. وإنما رخص الشرع في الركوب دفعا للحرج. قال في غاية البيان: ولا يرد عليه
ما أورد في النوازل عن أبي حنيفة أن الحج راكبا أفضل لأن ذلك لمعنى آخر وهو أن المشي
يسئ خلقه وربما يقع في المنازعة والجدال المنهي عنه وإلا فالاجر على قدر التعب والتعب
في المشي أكثر اه‍. لا يقال لا نظير للمشي في الواجبات ومن شرط صحة النذر أن يكون
من جنس المنذور واجبا لأنا نقول: بل له نظير وهو مشي المكي الذي لا يجد الراحلة وهو
قادر على المشئ فإنه يجب عليه أن يحج ماشيا ونفس الطواف أيضا، ولم يذكر المصنف محل
وجوب ابتداء المشي لأن محمدا رحمه الله لم يذكره فلذا اختلف المشايخ فيه على ثلاثة أقوال:
قيل من بيته وهو الأصح كذا في فتح القدير وغيره لأنه المراد عرفا، وقيل من الميقات، وقيل
من أي موضع يحرم منه واختاره فخر الاسلام والإمام العتابي وصححه في غاية البيان لأنه
نذر بالحج والحج ابتداؤه الاحرام وانتهاؤه طواف الزيارة فيلزمه بقدر ما التزم. ولا عبرة
بالعرف مع وجود اللفظ بخلاف الوصية بالحج فإنه يحج عنه من بيته لأن الوصية تنصرف إلى
الفرض في الأصل، ولهذا يحج عنه راكبا لا ماشيا والمعول عليه هو التصحيح الأول، ويدل
عليه من الرواية ما عن أبي حنيفة لو أن بغداديا قال إن كلمت فلانا فعلي أن أحج ماشيا فلقيه
بالكوفة فكلمه فعليه أن يمشي من بغداد. وقوله لا عبرة بالعرف مع وجود اللفظ ممنوع بل
المعتبر في النذور والايمان العرف لا اللفظ كما عرف في محله. وفي فتح القدير: ولو أحرم
من بيته فالاتفاق على أن يمشي من بيته وإنما ينتهي وجوب المشي بطواف الزيارة لأن به
ينتهي الاحرام، وأما طواف الصدر فللتوديع وليس بأصل في الحج حتى لا يجب على من لا
يودع. وأفاد بقوله لا يركب أنه لو ركب لزمه الجزاء لترك الواجب فإذا ترك في الكل أو
في الأكثر يلزمه الدم، وفي الأقل يلزمه التصدق بقدره من قيمة الشاة الوسط، ومقتضى
الأصل أن لا يخرج عن عهدة النذر إذا ركب كما لو نذر الصوم متتابعا فقطع التتابع ولكن
ثبت ذلك نصا في الحج فوجب العمل به وهو ما عن ابن عباس أن أخت عقبة نذرت أن
تحج ماشية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي دما. رواه أبو داود. وهو محمول على

133
عجزها عن المشي بدليل الرواية الأخرى وأنها لا تطيق. وأطلق في الايجاب فشمل ما إذا
كان منجزا أو معلقا وما إذا قال لله علي أو علي حجة ماشيا، ولو قال علي المشي إلى
بيت الله الحرام ولم يذكر حجا ولا عمرة لزمه أحد النسكين استحسانا، فإن جعله عمرة
مشى حتى يحلق إلا إذا نوى به المشي إلى مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس أو مسجد
من المساجد فإنه لا يلزمه شئ. وقوله على المشي إلى مكة أو الكعبة كقوله إلى
بيت الله ولو قال علي المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام فإنه لا شئ عليه عند أبي
حنيفة لعدم العرف بالتزام النسك به. وقالا: يلزمه النسك احتياطا. واتفقوا على أنه لا
لزوم لو قال إلى الصفا أو المروة أو مقام إبراهيم أو إلى أستار الكعبة أو باب ها أو ميزابها
أو عرفات أو المزدلفة أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكر مك ان المشي غيره كقوله علي الذهاب
إلى بيت الله أو الخروج. ثم الحج المنذور يسقط بحجة الاسلام عند أبي حنيفة خلافا
لمحمد، فإذا نذر الحج ولم يكن حج ثم حج وأطلق كان عن حجة الاسلام وسقط عنه
ما التزمه بالنذر لأن نذره منصرف إليه، وإن كان قد حج ثم نذر ثم حج فلا بد من
تعيين الحج عن النذر وإلا وقع تطوعا كما حرره في فتح القدير. ومن نذر أن يحج في
سنة كذا فحج قبلها جاز عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وقول أبي يوسف أقيس بما
قدمناه في نذر الصوم.
قوله: (ولو اشترى محرمة حللها وجامعها) لأن منافعها مستحقة للمولى فيجوز له
تحليلها بغير هدي غير أن البائع يكره تحليله لا خلاف الوعد حيث وجد منه الاذن والمشتري
لم يوجد منه الاذن فلا يكره تحليله. قيد بكونها محرمة لأنها لو كانت منكوحة فليس للمشتري
فسخ النكاح لأنه قائم مقام البائع وهو ليس له الفسخ بعد الاذن. وأطلق في إحرامها فشمل
ما إذا كان بإذن البائع أولا. وأشار بعطف الجماع على التحليل إلى أنه يحللها بغير الجماع
كقص ظفر وشعر وهو أولى من التحليل بالجماع لأنه أعظم محظورات الاحرام حتى تعلق به
الفساد فلا يفعله تعظيما لأمر الحج، ولا يقع التحليل بقوله حللتك بل بفعله أو بفعلها
بأمره كالامتشاط بأمره. وأشار إلى أن للمشتري أن يحلل العبد المحرم لما قد مناه، وإذا كان له
منعهما وتحليلهما ليس له الرد بالعيب. وإلى أن الحرة لو أحرمت بحج نفل ثم تزوجت
فللزوج أن يحللها عندنا بخلاف ما إذا أحرمت بالفرض فليس له أن يحللها إن كان لها محرم،
فإن لم يكن لها فله منعها، فإن أحرمت فهي محصرة لحق الشرع فلذا إذا أراد الزوج تحليلها لا
تتحلل إلا بالهدي بخلاف ما إذا أحرمت بنفل بلا إذن له أن يحللها، ولا يتأخر تحليله إياها
إلى ذبح الهدي كما قدمناه في باب الاحصار. ولو أذن لامرأته في حج النفل فليس له أن
يرجع فيه لملكها منافعها، وكذا المكاتبة بخلاف الأمة. وفي فتح القدير: ولو جامع زوجته أو

134
أمته المحرمة ولا يعلم بإحرامها لم يكن تحليلا وفسد حجها، وإن علمه كان تحليلا. ولو
حللها ثم بدا له أن يأذن لها فأذن لها فأحرمت بالحج ولو بعد ما جامعها من عامها ذلك لم
يكن عليها عمرة ولا نية القضاء ولو أذن لها بعد مضي السنة كان عليها عمرة مع الحج، ولو
حللها فأحرمت فحللها فأحرمت هكذا مرارا ثم حجت من عامها أجزأها عن كل التحللات
بتلك الحجة الواحدة ولم لم تحج إلا من قابل كان عليها لكل تحليل عمرة والله سبحانه وتعالى
أعلم.

135
كتاب النكاح
ذكره بعد العبادات لأنه أقرب إليها حتى كان الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل
العبادات. وقدم على الجهاد لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية وأمر المناسبة سهل.
واختلف في معناه لغة على أربعة أقوال: فقيل مشترك بين الوطئ والعقد وهو ظاهر ما في
الصحاح فإنه قال: النكاح الوطئ، وقد يكون العقد تقول نكحتها ونكحت هي أي تزوجت
وهي ناكح في بني فلان أي ذات زوج، والمراد بالمشترك اللفظي. وقيل حقيقة في العقد مجاز
في الوطئ، ونسبه الأصوليون إلى الشافعي في بحث متى أمكن العمل بالحقيقة سقط المجاز.
وقيل بالعكس وعليه مشايخنا صرحوا به كما في فتح القدير، وجزم به في المغرب، وذكر
الأصوليون أن ثمرة الاختلاف بيننا وبين الشافعي تظهر في حرمة موطوءة الأب من الزنا
أخذا من قوله تعالى * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * فلما كان حقيقة
في العقد عنده لم تحرم موطوءته من الزنا، ولما كان حقيقة في الوطئ عندنا الشامل للوطئ
الحلال والحرام حرمت عندنا وحرمت معقودة الأب بغير وطئ بالاجماع. وتفرع على أصلنا ما لو
قال لامرأته إن نكحتك فأنت طالق فإنه للوطئ، فلو أبانها ثم تزوجها لم يحنث. ولا يرد علينا
ما لو قال لأجنبية ذلك فإنه للعقد لتعذر الوطئ شرعا فكانت حقيقة مهجورة كما في الكشف.
ولذا لو قال ذلك لمن لا تحل له أبدا بأن قال إن نكحتك فعبدي حر انصرف إلى النكاح الفساد
كما في المحيط.، وقيل حقيقة في الضم صرح به مشايخنا أيضا لكن قال في فتح القدير: إنه لا
منافاة بين كلامهم لأن الوطئ من أفراد الضم والموضوع للأعم حقيقة في كل من أفراده

136
كإنسان في زيد فهو من قبيل المشترك المعنوي إلى آخر ما ذكره وهو مردود، فإن الوطئ مغاير
للضم ولذا قال في المغرب: وقولهم النكاح الضم مجاز كإطلاقه على العقد إلا أن إطلاقه على
الضم من باب تسمية المسبب باسم السبب، وإطلاقه على العقد بالعكس. ومما يدل على
مغايرة القولين أن صاحب المحيط ذكر أنه حقيقة في الضم الشامل للوطئ والعقد باعتبار ضم
الايجاب إلى القبول فهو حقيقة في العقد أيضا، وعلى القول الثالث مجاز فيه. وصحح في
المجتبى ما في المغرب كما في التبيين، ورجح في غاية البيان الأول بأن الأصل في الكلام
الحقيقة والمشترك مستعمل في الموضوع الأصلي دون المجاز ا ه‍. وهو غفلة عما في الأصول
فإن الأصح أنه إذا دار لفظ بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى لأنه أبلغ وأغلب، والاشتراك
يخل بالتفاهم ويحتاج إلى قرينتين كما ذكره النسفي في شرح المنار. وقال في البدائع: إنه الحق
والمتحقق الاستعمال في كل من هذه المعاني الثلاثة لكن الشأن في تعيين المعنى الحقيقي له.
وأما معناه شرعا ففي فتح القدير: حيث أطلق في الكتاب والسنة مجردا عن القرائن فهو
للوطئ فقد تساوى المعنى اللغوي والشرعي ولذا قال قاضيخان: إنه في اللغة والشرع حقيقة
في الوطئ مجاز في العقد. وأما ما ذكره المصنف وغيره من أنه اسم للعقد الخاص فهو معناه
في اصطلاح الفقهاء ولذا قال في المجتبى: إنه في عرف الفقهاء العقد. فقول من قال إنه في
الشرع اسم للعقد الخاص كما في التبيين محمول على أن المراد أنه في عرف الفقهاء وهم أهل
الشرع فلا مخالفة. وسبب مشروعيته مع أن الأصل في النكاح الخطر وإباحته للضرورة كما
في الكشف تعلق بقاء العالم به المقدر في العلم الأزلي على الوجه الأكمل وإلا فيمكن بقاء

137
النوع بالوطئ على غير الوجه المشروع لكنه مستلزم للتظالم والسفك وضياع الأنساب بخلافه
على الوجه المشروع.
وشرطه نوعان: عام في تنفيذ كل تصرف دائر بين النفع والضرر، وخاص. فالأول
الأهلية بالعقل والبلوغ. قال في فتح القدير: وينبغي أن يزاد في الولي لا في الزوج والزوجة
ولا في متولي العقد فإن تزويج الصغير والصغيرة جائز، وتوكيل الصبي الذي يعقل العقد
ويقصده جائز في البيع عندنا فصحته هنا أولى لأنه محض سفير، وأما الحرية فشرط النفاذ
بلا إذن أحد ا ه‍. وضم الزيلعي الحرية إلى العقل والبلوغ في الشرط العالم، والتحقيق أن
التمييز شرط في متولي العقد للانعقاد أصيلا كان أو لم يكن، فلم ينعقد النكاح بمباشرة
المجنون والصبي الذي لا يقعل. وأما البلوغ والحرية فشرط النفاذ في متولي العقد لنفسه لا
لغيره فتوقف عقد الصبي العاقل والعبد على إجازة الولي والمولى. وأما المحلية فقال في فتح
القدير: إنها من الشروط العامة وتختلف بحسب الأشياء والأحكام كمحلية المبيع للبيع والأنثى
للنكاح ا ه‍. والأولى أن يقال: إن محلية الأنثى المحققة من بنات آدم ليست من المحرمات.
وفي العناية: محله امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي فخرج الذكر للذكر والخنثى مطلقا
والجنية للإنسي وما كان من النساء محرما على التأبيد كالمحارم ولذا قال في التبيين من كتاب
الخنثى: لو زوجه أبوه أو مولاه امرأة أو رجلا لا يحكم بصحته حتى يتبين حاله أنه رجل أو
امرأة، فإذا ظهر أنه خلاف ما زوج به تبين أن العقد كان صحيحا وإلا فباطل لعدم مصادفة
المحل، وكذا إذا زوج الخنثى من خنثى آخر لا يحكم بصحة النكاح حتى يظهر أن أحدهما
ذكر والآخر أنثى ا ه‍. وفي القنية: لا يجوز التزويج بجنية، وأجازه الحسن البصري بشهود،
وذكر أهل الأصول أن النهي عن نكاح المحارم مجاز عن النفي فكان نسخا لعدم محله. وصرح
كثير من الفقهاء بعدم محلية المحارم للنكاح. وجزم به في غاية البيان لكن يشكل عليه إسقاط
أبي حنيفة الحد عمن وطئ محرمه بعد العقد عليها فإنها إذا لم تكن محلا لمن تبق شبهة بالعقد.
والجواب أنها لم تخرج عن المحلية للنكاح أصلا بدليل حل تزوجها لمن لم يكن محرما لها، فأبو
حنيفة نظر إلى هذا، وهما نظرا إلى خروجها عن المحلية بالنسبة إلى الواطئ وهو الظاهر فلذا
قال في الخلاصة: الفتوى على قولهما وسيأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى. والثاني -

138
أعني الشرط الخاص للانعقاد - سماع اثنين بوصف خاص للايجاب والقبول. زاد
في المحيط وكون المرأة من المحللات وقد علمت ما فيه. وركنه الايجاب والقبول حقيقة أو حكما
كاللفظ القائم مقامهما من متولي الطرفين شرعا. وحكمه حل استمتاع كل منهما بالآخر على
الوجه المأذون فيه شرعا، وحرمة المصاهرة وملك كل واحد منهما بعض الأشياء على الآخر
مما سيرد عليك. كذا في فتح القدير.
وقد ذكر أحكامه في البدائع في فصل على حدة فقال: منها حل الوطئ لا في الحيض
والنفاس والاحرام وفي الظهار قبل التكفير. ووجوبه قضاء مرة واحدة وديانة فيما زاد
عليها، وقيل يجب قضاء أيضا. ومنها حل النظر والمس من رأسها إلى قدمها إلا لمانع، ومنها
ملك المنفعة وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا، ومنها ملك
الحبس والقيد وهو صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز، ومنها وجوب المهر عليه، ومنها
وجوب النفقة والكسوة، ومنها حرمة المصاهرة، ومنها الإرث من الجانبين، ومنها وجوب
العدل بين النساء في حقوقهن، ومنها وجوب طاعته عليها إذا دعاها إلى الفراش، ومنها
ولاية تأديبها إذا لم تطعه بأن نشزت، ومنها استحباب معاشرتها بالمعروف وعليه حمل الامر في
قوله تعالى * (وعاشروهن بالمعروف) * (النساء: 19) وهو مستحب لها أيضا والمعاشرة
بالمعروف الاحسان قولا وفعلا وخلقا إلى آخر ما في البدائع. ومن أحكامه أن لا يصح تعليقه
بالشرط لكن قال في التتمة: تزوج امرأة إن شاءت أو قال إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة
مشيئته في المجلس فالنكاح جائز لأن المشيئة، إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة
كما قالوا في السلم إذا أبطل الخيار في المجلس جاز السلم، ولو بدأ الزوج فقال تزوجتك إن
شئت ثم قبلت المرأة من غير شرط تم النكاح ولا يحتاج إلى إبطال المشيئة بعد ذلك، ولو قال
تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم، فإن كان فلان حاضرا فقال قد رضيت جاز
النكاح استحسانا، وإن كان غير حاضر لم يجز، وليس هذا كقوله قد تزوجتك ولفلان الرضا
لأن هذا قول قد وجب وشرط خيار، والأول لم يوجب وجعل الايجاب مخاطرة. ولو قال
تزوجتك اليوم على أن لك المشيئة اليوم إلى الليل فالنكاح جائز والشرط باطل كشرط الخيار
ا ه‍. هكذا في البزازية لكن قال قبله: لو قالت زوجت نفسي منك إن رضي أبي لا يصح
لأنه علقه بالخطر ا ه‍. وقياس ما تقدم أن الأب إن كان حاضرا في المجلس ورضي الجواز.

139
ثم رأيته في الظهيرية وفي البزازية: خطب بنت رجل لابنه فقال أبوها زوجتها قبلك من فلان
فكذبه أبو الابن فقال إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها من ابنك وقبل أبو الابن ثم
علم كذبه. انعقد لأن التعليق بالوجود تحقيق ا ه‍. وفي المجتبى: زوجت نفسي منك بعد
انقضاء عدتي فقبل لا يصح كالتعليق، وإضافته إلى وقت لا يصح وصفته فرض وواجب
وسنة وحرام ومكروه ومباح. أما الأول فبأن يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج بحيث لا
يمكنه الاحتراز عنه إلا به لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا.، وأما الثاني
فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة إذ ليس الخوف مطلقا مستلزما بلوغه إلى عدم التمكن. وبه
يحصل التوفيق بين قول من عبر بالافتراض وبين من عبر بالوجوب، وكل من هذين القسمين
مشروط بشرطين: الأول ملك المهر والنفقة فليس من خافه إذا كان عاجزا عنهما آثما بتركه
كما في البدائع. الثاني عدم خوف الجور فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج
وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني فلا افتراض بل مكروه كما أفاده في فتح القدير. ولعله
لأن الجور معصية متعلقة بالعباد والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى، وحق العبد مقدم عند
التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى. وأما الثالث فعند الاعتدال وسيأتي بيانه. وأما الرابع
فبأن يخاف الجور بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه لأنه إنما شرع لمصلحة من تحصين النفس
وتحصيل الثواب وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد. وأما
الخامس فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة وهي كراهة تحريم، ومن أطلق الكراهة عند خوف
الجور فراده القسم الثاني من القسمين. وأما السادس فبأن يخاف العجز عن الايفاء بمواجبه.
كذا في المجتبى يعني في المستقبل. وأما محاسنه فكثيرة ودلائله شهيرة.
قوله: (هو عقد يرد على ملك المتعة قصدا) أي النكاح عند الفقهاء. والمراد بالعقد

140
مطلقا نكاحا كان أو غيره مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر، سواء كان باللفظين
المشهورين من زوجت وتزوجت أو غيرهما مما سيذكر، أو كلام الواحد القائم مقامهما
أعني متولي الطرفين. وقول الورشكي إنه معنى يحل المحل فيتغير به حال المحل
وزوجت وتزوجت آلة انعقاده، إطلاق له على حكمه فإن المعنى الذي يتغير به حال المحل من الحل
والحرمة هو حكم العقد، وقد صرح بإخراج اللفظين عن مسماه، وهو اصطلاح آخر غير
مشهور. كذا في فتح القدير. وملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطئ كما في الكشف.
ومعنى وروده عليه إفادته له شرعا، فلو قال يفيد ملك المتعة أو يثبت به ملك المتعة قصدا
لكان أظهر، والمراد أنه عقد يفيد حكمه بحسب وضع الشرع. والمراد بالملك الحل لا الملك

141
الشرعي لأن المنكوحة لو وطئت بشبهة فمهرها لها، ولو ملك الانتفاع ببضعها حقيقة لكان
بدله له. وذكر في البدائع أن من أحكامه ملك المتعة وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها
وسائر أعضائها استمتاعا أو ملك الذات والنفس في حق التمتع على اختلاف مشايخنا في
ذلك. واحترز بقوله قصدا عما يفيد الحل ضمنا كما إذا ثبت في ضمن ملك الرقبة كشراء
الجارية للتسري فإنه موضوع شرعا لملك الرقبة وملك المتعة ثابت ضمنا وإن قصده المشتري،
وإنما لم يكن ملك المتعة مقصودا لملك الرقبة في الشراء أو نحوه لتخلفه عنه في شراء محرمه
نسبا ورضاعا والأمة المجوسية قوله: (وهو سنة وعند التوقان واجب) بيان لصفته، أما الأول
فالمراد به السنة المؤكدة على الأصح وهو محمل من أطلق الاستحباب وكثيرا ما يتساهل في
إطلاق المستحب على السنة. كذا في فتح القدير. وصرح في المحيط أيضا بأنها مؤكدة
ومقتضاه الاثم لو لم يتزوج لأن الصحيح أن ترك المؤكدة مؤثم كما علم في الصلاة. وأفاد
بذكر وجوبه حالة التوقان أن محل الأول حالة الاعتدال كما في المجمع والمراد بها حالة القدرة
على الوطئ والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك الفرائض والسنن، فلو لم
يقدر على واحد من الثلاثة أو خاف واحدا من الثلاثة فليس معتدلا فلا يكون سنة في حقه
كما أفاده في البدائع. ودليل السنية حالة الاعتدال الاقتداء بحاله صلى الله عليه وسلم في نفسه ورده على من
أراد من أمته التخلي للعبادة كما في الصحيحين ردا بليغا بقوله فمن رغب عن سنتي فليس
مني كما أوضحه في فتح القدير. والتوقان مصدر تاقت نفسه إلى كذا إذا اشتاقت من باب
طلب. كذا في المغرب. والمراد به أن يخاف منه الوقوع في الزنا لو لم يتزوج إذ لا يلزم من
الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور. وأراد بالواجب اللازم فيشمل الفرض والواجب
الاصطلاحي فإنا قدمنا أنه فرض وواجب. ولم يذكر أنه حرام أو مكروه كما في المجمع لأن
الجور حرام بالنسبة إلى كل شخص وليس هو مختصا بالنكاح حتى يجعل من أحكامه وصفته.

142
والجور الظلم يقال جار أي ظلم. وأفاد بالسنية أن الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل
العبادات ولذا قال في المجمع: وتفضله على التخلي للنوافل. واستدل له في البدائع بوجوه:
الأول أن السنن مقدمة على النوافل بالاجماع. الثاني أنه أوعد على ترك السنة ولا وعيد على
ترك النوافل. الثالث أنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل
كان يزيد عليه، ولو كان التخلي للنوافل أفضل لفعله. وإذا ثبت أفضليته في حقه ثبتت في
حق أمته لأن الأصل في الشرائع هو العموم والخصوص بدليل. والرابع أنه سبب موصل إلى
ما هو مفضل على النوافل لأنه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة ولصيانة نفسها عن الهلاك
بالنفقة والسكنى واللباس ولحصول الولد الموحد. وأما مدحه تعالى يحيى عليه السلام بكونه
سيدا وحصورا وهو من لا يأتي النساء مع القدرة فهو في شريعتهم لا في شريعتنا ا ه‍.
وأشار المصنف بكونه سنة أو واجبا إلى استحباب مباشرة عقد النكاح في المسجد لكونه
عبادة، وصرحوا باستحبابه يوم الجمعة، واختلفوا في كراهية الزفاف والمختار أنه لا يكره إلا
إذا اشتمل على مفسدة دينية. وروى الترمذي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنوا
هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف (1) كذا في فتح القدير. وفي
الذخيرة: ضرب الدف في العرس مختلف فيه ومحله ما لا جلاجل له أما ماله جلاجل
فمكروه، وكذا اختلفوا في الغناء في العرس والوليمة فمنهم من قال بعدم كراهته كضرب
الدف ا ه‍. وفي فتاوى العلامي: من أراد أن يتزوج ندب له أن يستدين له فإن الله تعالى
ضامن له الأداء فلا يخاف الفقر إذا كان من نيته التحصين والتعفف، ويتزوج امرأة صالحة
معروفة النسب والحسب والديانة فإن العرق نزاع، ويجتنب المرأة الحسناء في منبت السوء،
ولا يتزوج امرأة لحسبها وعزها ومالها وجمالها فإن تزوجها لذلك لا يزداد به إلا ذلا وفقرا
ودناءة. ويتزوج من هي فوقه في الخلق والأدب والورع والجمال ودونه في العز والحرفة
والحسب والمال والسن والقامة فإن ذلك أيسر من الحقارة والفتنة. ويختار أيسر النساء خطبة
ومؤنة. ونكاح البكر أحسن للحديث عليكم بالابكار فإنهم أعذب أفواها وأنقى أرحاما
وأرض باليسير (2) ولا يتزوج طويلة مهزولة ولا قصيرة ذميمة، ولا مكثرة ولا سيئة الخلق
ولا ذات الولد ولا مسنة للحديث سوداء ولود خير من حسناء عقيم ولا يتزوج الأمة مع
طول الحرة ولا حرة بغير إذن وليها لعدم الجواز عند البعض. ولا زانية. والمرأة تختار الزوج
الدين الحسن الجواد الموسر ولا تتزوج فاسقا، ولا يزوج ابنته الشابة شيخا كبيرا ولا رجلا
ذميما ويزوجها كفؤا، فإذا خطبها الكفؤ لا يؤخرها، وهو كل مسلم تقي. وتحلية البنات

143
بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة، ونظره إلى مخطوبته قبل النكاح سنة فإنه داعية
للألفة. ولا يخطب مخطوبة غيره لأنه جفاء وخيانة، وتمامه في الفصل الخامس والثلاثين منها.
وفي المجتبى: يستحب أن يكون النكاح ظاهرا وأن يكون قبله خطبة وأن يكون عقده في يوم
الجمعة وأن يتولى عقده ولي رشيد وأن يكون بشهود عدول منها.
قوله: (وينعقد بإيجاب وقبول وضعا للمضي أو أحدهما) أي ينعقد النكاح أي ذلك
العقد الخاص ينعقد بالايجاب والقبول حتى يتم حقيقة في الوجود. والانعقاد هو ارتباط أحد
الكلامين بالآخر على وجه يسمى باعتباره عقدا شرعا ويستعقب الأحكام بالشرائط الآتية.
كذا قرره الكمال هنا. وقرر في كتاب البيع ما يفيد أن المراد هنا من الانعقاد الثبوت وأن
الضمير يعود إلى النكاح باعتبار حكمه، فالمعنى يثبت حكم النكاح بالايجاب والقبول.
ومقصوده في البابين تحقيق أن الايجاب مع القبول عين العقد لا غيره كما يفهم من ظاهر
العبارة. والحق أن العقد مجموع ثلاثة: الايجاب والقبول والارتباط الشرعي، فلم يكن
الايجاب والقبول عين العقد لأن جزء الشئ ليس عينه وسيأتي تمامه في البيع إن شاء الله
تعالى. والايجاب لغة الاثبات، واصطلاحا هنا اللفظ الصادر أولا من أحد المتخاطبين مع
صلاحية اللفظ لذلك، رجلا كان وامرأة. والقبول اللفظ الصادر ثانيا من أحدهما الصالح
لذلك مطلقا، فما وقع في المعراج وغيره من أنه لو قدم القبول على الايجاب بأن قال تزوجت
ابنتك فقال زوجتكها فإنه ينعقد غير صحيح إذ لا يتصور تقديمه، بل قوله تزوجت ابنتك
إيجاب والثاني قبول. وهل يكون القبول بالفعل كالقبول باللفظ كما في البيع؟ قال في
البزازية: أجاب صاحب البداية في امرأة زوجت نفسها بألف من رجل عند الشهود فلم يقل
الزوج شيئا لكن أعطاها المهر في المجلس أنه يكون قبولا. وأنكره صاحب المحيط وقال: لا
ما لم يقل بلسانه قبلت بخلاف البيع لأنه ينعقد بالتعاطي، والنكاح لخطره لا ينعقد حتى
يتوقف على الشهود بخلاف إجازة نكاح الفضولي بالفعل لوجود القول ثمة ا ه‍. وهل يكون
القبول بالطلاق؟ قال في الخانية من تعليق الطلاق: امرأة قالت لأجنبي زوجت نفسي منك
فقال الرجل فأنت طالق طلقت، ولو قال أنت طالق لا تطلق، ولا يكون هذا الكلام قبولا
للنكاح لأن هذا الكلام إخبار أما في المسألة الأولى جعل طلاقها جزاء لنكاحها وطلاقها لا
يكون جزاء لنكاحها إلا بالقبول فيكون كلامه قبولا للنكاح ثم يقع الطلاق بعده ا ه‍. فقد
ساوى النكاح البيع فإنه لو قال بعتك هذا العبد بكذا فقال فهو حر عتق، ولو قال بدون الفاء
لا وهذا بخلاف الاقرار. قال في البزازية: قالت أنا امرأتك فقال لها أنت طالق يكون إقرارا

144
بالنكاح وتطلق هي لاقتضائه النكاح وضعا، ولو قال ما أنت لي بزوجة وأنت طالق لا يكون
إقرارا لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد بالطلاق حقيقته ا ه‍. أطلق في
اللفظين فشمل اللفظين حكما وهو اللفظ الصادر من متولي الطرفين شرعا، وشمل ما ليس بعربي من الألفاظ
وما لم يذكر معهما المفعولان أو أحدهما بعد دلالة المقام والمقدمات لأن الحذف لدليل كائن في
كل لسان. وإنما اختير لفظ الماضي لأن واضع اللغة لم يضع للانشاء لفظا خاصا وإنما عرف
الانشاء بالشرع، واختيار لفظ الماضي لدلالته على التحقيق والثبوت دون المستقبل. وقوله أو
أحدهما بيان لانعقاده بلفظين: أحدهما ماض والآخر مستقبل كقوله زوجني ابنتك فقال
زوجتك وهو صريح في أن المستقبل إيجاب، وقد صرح به قاضيخان في فتاواه حيث قال:
ولفظه الامر في النكاح إيجاب، وكذا الطلاق والخلع والكفالة والهبة إلى آخر ما ذكره، وكذا
في الخلاصة.
وذهب صاحب الهداية والمجمع إلى أن الامر ليس بإيجاب وإنما هو توكيل، وقوله
زوجتك قائم مقام اللفظين بخلافه في البيع لما عرف أن الواحد في النكاح يتولى الطرفين
بخلاف البيع وهو توكيل ضمني فلا ينافيه اقتصاره على المجلس، فقد علمت اختلاف المشايخ
في أن الامر إيجاب أو توكيل فما في المختصر على أحد القولين فاندفع ما اعترض به منلا
خسر ومن أن صاحب الكنز خالف الكتب فلم يتنبه لما في الهداية، فالمعترض غفل عن القول
الآخر حفظ شيئا وغابت عنه أشياء مع أن الراجح كونه إيجابا لأن الايجاب ليس إلا اللفظ
المفيد، قصد تحقيق المعنى أولا، وهو صادق على لفظة الامر فليكن إيجابا، ويستغنى عما أورد
أنه توكيل من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس. كذا رجحه الكمال، لكن يرد عليه ما
لو قال الوكيل بالنكاح هب ابنتك لفلان فقال الأب وهبت فإنه لا ينعقد النكاح ما لم يقل
الوكيل بعده قبلت. كذا في الخلاصة معللا بأن الوكيل لا يملك التوكيل ولم يذكر خلافا.
وفي الظهيرية: لو قال هب ابنتك لابني فقال وهبت لم يصح ما لم يقل أبو الصغير قبلت.

145
وفي التتمة: لو قال هب ابنتك لفلان فقال الأب وهبت ما لم يقل الوكيل قبلت لا يصح،
وإذا قال قبلت فإن قال لفلان صح النكاح للموكل، وإن قال مطلقا قبلت يجب أن يصح
أيضا للموكل، وهذا يدل على أن من قال بعد ما جرى بينهما كلام بعت هذا العبد بألف
درهم وقال الآخر اشتريت يصح وإن لم يقل البائع بعت منك ا ه‍. وما في الظهيرية مشكل
لأن للأب أن يوكل في نكاح ابنه فلو كان الامر إيجابا لم يتوقف على القبول إلا أن يقال إنه
مفرع على القول بأنه توكيل لا إيجاب، وحينئذ تظهر ثمرة الاختلاف بين القولين لكنه متوقف
على النقل. وصرح في فتح القدير بأنه على أن الامر توكيل يكون تمام العقد بالمجيب وعلى
القول بأن الامر إيجاب يكون تمام العقد قائما بهما ا ه‍. فعلى هذا لا يشترط سماع الشاهدين
للامر على القول الأول لأنه لا يشترط الاشهاد على التوكيل ويشترط على القول الثاني كما لا
يخفى، وظاهر ما في المعراج أن زوجني وإن كان توكيلا لكن لما لم يعمل زوجت بدونه نزل
منزلة شطر العقد، فعلى هذا يشترط سماع الشاهدين للفظة الامر أيضا على القول بأنها توكيل

146
أيضا. ثم رأيت في الفتاوى الظهيرية ما يدل على أنه لا يشترط سماع الشهود للفظ الامر قال
في النكاح بالكتابة سواء قال زوجي نفسك مني فبلغها الكتاب فقالت زوجت أو كتب
تزوجتك وبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منك لكن في الوجه الأول لا يشترط إعلامها
الشهود، وفي الوجه الثاني يشترط ا ه‍. وإنما جعل الامر إيجابا في النكاح على أحد القولين
ولم يجعل في البيع إيجابا اتفاقا لأنه لا مساومة في النكاح لأنه لا يكون إلا بعد مقدمات
ومراجعات غالبا فكان للتحقيق بخلاف البيع لا يتقدمه ما ذكر فكان الامر فيه للمساومة كما
ذكره الكمال في البيوع، وبه اندفع ما ذكره في النكاح كمالا يخفى. هذا مع أن المصنف لم
يصرح بالمستقبل وإنما ذكر أنه ينعقد بلفظين أحدهما ماض وسكت عن الآخر لشموله الحال
والمستقبل ومنه الامر وقد علمته، وأما المضارع فإن كان مبدوءا بالهمزة نحو أتزوجك فتقول
زوجته نفسي فإنه ينعقد. علله في المحيط بأنه وإن كان حقيقة في الاستقبال إلا أنه يحتمل
الحال كما في كلمة الشهادة وقد أراد به التحقيق والحال لا المساومة بدلالة الخطبة والمقدمات
بخلاف البيع ا ه‍. ولا حاجة إليه لأن الأصح أن المضارع موضوع للحال وعليه تتفرع
الأحكام كما في قوله كل مملوك أملكه فهو حر فإنه يعتق ما في ملكه في الحال لا ما يملكه
بعد إلا بالنية لما ذكرنا. وإن كان مبدوءا بالتاء نحو تزوجني بنتك فقال فعلت ينعقد به إن لم
يقصد به الاستيعاد لأنه يتحقق فيه هذا الاحتمال بخلاف الأول لأنه لا يستخبر نفسه عن
الوعد، وإذا كان المقصود هو المعنى لا اللفظ لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال كما ذكره
الأسبيجابي لو قال هل أعطيتنها فقال أعطيتك إن كان المجلس للوعد فوعد وإن كان للعقد
فنكاح. وفي فتح القدير: والانعقاد بقوله أنا متزوجك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء
بالهمزة سواء. وشمل كلام المصنف ما في النوازل لو قال زوجيني نفسك فقالت بالسمع

147
والطاعة، وما إذا قال كوني امرأتي فقبلت كما في فتح القدير. وفي الظهيرية: لو قال أبو
الصغيرة لأبي الصغير زوجت ابنتي ولم يزد عليه شيئا فقال أبو الصغير قبلت يقع النكاح للأب
هو الصحيح. ويجب أن يحتاط فيه فيقول قبلت لابني. وهذه المسألة تدل على أن من قال
لآخر بعد ما جرى بينهما مقدمات البيع بعت هذا العبد وقال الآخر اشتريت يصح وإن لم
يقل بعت منك والخلع على هذا ا ه‍.
ولم يذكر المصنف شرائط الايجاب والقبول فمنها اتحاد المجلس إذا كان الشخصان
حاضرين فلو اختلف المجلس لم ينعقد، فلو أوجب أحدهما فقام الآخر أو اشتغل بعمل آخر
بطل الايجاب لأن شرط الارتباط اتحاد الزمان فجعل المجلس جامعا تيسيرا. وأما الفور فليس
من شرطه فلو عقدا وهما يمشيان ويسيران على الدابة لا يجوز، وإن كانا على سفينة سائرة جاز
وسيأتي تمامه في البيع إن شاء الله تعالى. ومنها أن لا يخالف القبول الايجاب فلو أوجب بكذا
فقال قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا يصح وإن كان المال فيه تبعا كما في الظهيرية بخلاف ما
لو قالت زوجت نفسي منك بألف فقال قبلت بألفين فإن يصح والمهر ألف إلا إن قبلت
الزيادة في المجلس فهو ألفان على المفتي به كما في التجنيس، وبخلاف ما لو قال تزوجتك
بألف فقالت قبلت بخمسمائة فإنه صحيح ويجعل كأنها قبلت الألف وحطت عنه خمسمائة كما
في الذخيرة. وفي الظهيرية: لو قالت لرجل زوجت نفسي منك بألف فقال الرجل قبلت قبل
أن تنطق المرأة بالتسمية لا ينعقد النكاح ما لم يقل الزوج قبلت بعد التسمية. ومنها سماع كل
منهما كلام صاحبه لأن عدم سماع أحدهما كلام صاحبه بمنزلة غيبته كما في الوقاية. وقيد
المصنف انعقاده باللفظ لأنه لا ينعقد بالكتابة من الحاضرين فلو كتب تزوجتك فكتبت قبلت لم
ينعقد، وأما من الغائب فكالخطاب، وكذا الرسول فيشترك سماع الشهود قراءة الكتاب وكلام
الرسول. وفي المحيط: الفرق بين الكتاب والخطاب أن في الخطاب لو قال قبلت في مجلس
آخر لم يجز، وفي الكتاب يجوز لأن الكلام كما وجد تلاشى فلم يتصل الايجاب بالقبول في
مجلس آخر، فأما الكتاب فقائم في مجلس آخر وقراءته بمنزلة خطاب الحاضر فاتصل الايجاب
بالقبول فصح ا ه‍. ثم اعلم أن الشرط سماع الشهود قراءة الكتاب مع قبولها أو حكايتها ما
في الكتاب لهم، فلو قالت إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني قد زوجت نفسي منه صح
النكاح، وتمامه في الفصل السابع عشر في النكاح بالكتابة من الخلاصة، وقيد بالايجاب

148
والقبول لأنه لا ينعقد بالاقرار فلو قال بحضرة الشهود هي امرأتي وأنا زوجها وقالت هو
زوجي وأنا امرأته لم ينعقد النكاح لأن الاقرار إظهار لما هو ثابت وليس بإنشاء. ونقل
قاضيخان عن ابن الفضل انعقاده به مقتصرا عليه والمختار الأول كما في الواقعات
والخلاصة. وصحح في الذخيرة أن الاقرار إن كان بمحضر الشهود صح النكاح وجعل إنشاء
وإلا فلا. ومن شروط الركن أن يضيف النكاح إلى كلها أو ما يعبر به عن الكل كالرأس
والرقبة بخلاف اليد والرجل كما عرف في الطلاف وقالوا: الأصح أنه لو أضاف الطلاق إلى
ظهرها وبطنها لا يقع. كذا العتق، فلو أضاف النكاح إلى ظهرها أو بطنها ذكر الحلواني قال
مشايخنا: الأشبه من مذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح.
وذكر ركن الاسلام والسرخسي ما يدل على أنه لا ينعقد النكاح. كذا في الذخيرة.
ولو قال تزوجت نصفك فالأصح عدم الصحة كما في الخانية، وقولهم إن ذكر بعض ما لا
يتجزى كذكر كله كطلاق نصفها يقتضي الصحة. وقد ذكر في المبسوط في موضع جوازه إلا
أن يقال: إن الفروج يحتاط فيها فلا يكفي ذكر البعض لاجتماع ما يوجب الحل والحرمة في
ذات واحدة فترجح الحرمة. كذا في الخانية. ومنها أن لا تكون المنكوحة مجهولة فلو زوجه

149
بنته ولم يسمها وله بنتان لم يصح للجهالة بخلاف ما إذا كان له بنت واحدة إلا إذا سماها بغير
اسمها ولم يشر إليها فإنه لا يصح كما في التجنيس. فلو كان له بنتان كبرى واسمها عائشة
وصغرى واسمها فاطمة فأراد تزويج الكبرى فغلط فسماها فاطمة انعقد على الصغرى، فلو
قال فاطمة الكبرى لم ينعقد لعدم وجودها. وفي الذخيرة: إذا كان للمزوج ابنة واحدة
وللقابل ابن واحد فقال زوجت ابنتي من ابنك يجوز النكاح، وإذا كان للمزوج ابنة واحدة
وللقابل ابنان إن سمى القابل الابن باسمه صح النكاح للابن المسمى، وكذلك إذا لم يسمه،
واقتصر على قوله قبلت يجوز النكاح ويجعل قوله قبلت جوابا فيتقيد بالايجاب. ولو ذكر
القابل الابن إلا أنه لم يسمه باسمه بأن قال قبلت لابني لا يصح لأنه لا يمكن أن يجعل جوابا
لأنه زاد عليه، ولو كان للمرأة اسمان تزوج بما عرفت به. وفي الظهيرية: والأصح عندي
أن يجمع بين الاسمين، وسيأتي حكم ما إذا كانت حاضرة منتقبة. وفي الخانية: لو وكلت
امرأة رجلا بأن يزوجها فزوجها وغلط في اسم أبيها لا ينعقد النكاح إذا كانت غائبة ا ه‍.
ولم يشترط المصنف الفهم قال في التجنيس: ولو عقدا عقد النكاح بلفظ لا يفهمان كونه
نكاحا هل ينعقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم: ينعقد لأن النكاح لا يشترط فيه القصد
ا ه‍. يعني بدليل صحته مع الهزل وظاهره ترجيحه ولم يشترط أيضا تمييز الرجل من المرأة
وقت العقد للاختلاف لما في النوازل في صغيرين قال أبو أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك

150
هذا وقبل ثم ظهر الجارية غلاما والغلام جارية جاز ذلك. وقال العتابي: لا يجوز. وفي
القنية: زوجت وتزوجت يصلح من الجانبين.
قوله: (وإنما يصح بلفظ النكاح والتزويج وما وضع لتمليك العين في الحال) بيان
لانحصار اللفظين فيما ذكر، أما انعقاده بلفظ النكاح والتزويج فلا خلاف فيه، وما انعقاده
بما وضع لتمليك الأعيان فمذهبنا لأن التمليك سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة
وهو الثابت بالنكاح، فأطلق اسم السبب كالهبة وأريد المسبب وهو ملك المتعة وإن كان ملك
المتعة قصديا في النكاح ضمنيا في التمليك، وإنما لم يصح التمليك بلفظ النكاح لما تقرر في
الأصول أن استعارة السبب للمسبب جائزة مطلقا وعكسه لا يجوز إلا بشرط الاختصاص من
الجانبين، ولذا صح التجوز بلفظ العتق عن الطلاق دون عكسه. والخلو ص في قوله تعالى * (
خالصة لك) * (الأحزاب: 50) إنما هو في عدم المهر لا في الانعقاد بلفظ الهبة كما عرف
في الخلافيات فينعقد النكاح بلفظ الهبة والعطية والصدقة والملك والتمليك والجعل والبيع
والشراء على الأصح. وأما بلفظ السلم فإن جعلت المرأة رأس مال السلم فإنه ينعقد إجماعا،
وإن جعلت مسلما فيها ففيه اختلاف، قيل لا ينعقد لأن السلم في الحيوان لا يصح، وقيل
ينعقد لأنه يثبت به ملك الرقبة والسلم في الحيوان ينعقد حتى لو اتصل به القبض فإنه يفيد
ملك الرقبة ملكا فاسدا وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد مجازيه. ورجحه في فتح القدير
وهو مقتضى ما في المتون. وفي الصرف روايتان وقولان. قيل لا ينعقد به لأنه وضع لاثبات
ملك ما لا يتعين من النقد والمعقود عليه هنا متعين، وقيل ينعقد به لأنه يثبت به ملك العين
في الجملة وينبغي ترجيحه لدخوله تحت الكلية التي في المختصر، وكذا في انعقاده بلفظ
القرض قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الكشف والولوالجية، وفي الفتاوى الصيرفية
الأصح الانعقاد اه‍. وينبغي اعتماده لما أنه يفيد ملك العين للحال، وكذا في انعقاده بلفظ
الصلح قولان وجزم في غاية البيان بعدمه لأنه موضوع للحطيطة وإسقاط الحق، وكذا في

151
انعقاده بلفظ الرهن قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الولوالجية وهو ظاهر لأنه لا يفيد
الملك أصلا. قيد بما وضع للتمليك احترازا عما لا يفيده فلا ينعقد بلفظ الفداء كما لو قالت
فديت نفسي منك فقبل كما في الخانية. والابراء والفسخ والإقالة والخلع والكتابة والتمتع
والإباحة والاحلال والرضى والإجازة - بالزاي - والوديعة لأنها لا تفيد الملك أصلا. وقيد
بتمليك العين احترازا عما يفيد ملك المنفعة فقط كالعارية فلا ينعقد بها على الصحيح وأما
بلفظ الإجارة فإن جعلت المرأة أجرة فينعقد اتفاقا لأنه يفيد ملك العين للحال في الجملة بأن
شرط الحلول أو عجلت، وأما إذا لم تجعل أجرة كقوله أجرتك ابنتي بكذا فالصحيح أنه لا
ينعقد لأنها لا تفيد ملك العين ولان بينهما مضادة لأن التأبيد من شرائطه والتأقيت من
شرائطها، واحترازا عما يفيد تمليك بعض العين كلفظ الشركة فإنه لا ينعقد به كما في
الظهيرية. وقيد بقوله في الحال احترازا عن لفظ الوصية فإنه لا ينعقد النكاح به لأنها تمليك
مضاف إلى ما بعد الموت. كذا أطلق الشارحون، وقيده في الولوالجية والظهيرية بما إذا أطلق
أو أضاف إلى ما بعد الموت، أما إذا قال أوصيت ببضع ابنتي للحال بألف درهم فقبل الآخر
انعقد النكاح لأنه صار مجازا عن التمليك والمعتمد الاطلاق لأن الوصية مجاز عن التمليك فلو
انعقد بها لكان مجازا عن النكاح والمجاز لا مجاز له كما في العناية من البيع. وفي المبسوط:
في كل موضع لم ينعقد بهذه الألفاظ فإنه يثبت الشبهة فيسقط الحد لو وطئ ويجب الأقل من
المسمى ومن مهر المثل عند الدخول اه‍.
ثم اعلم إنما وقع الاختلاف في العارية والإجارة وإن كانا لا يفيدان ملك العين قطعا
لأن ذلك الأصل مختلف فيه فقد روى الحسن عن الإمام أن كل شئ يملك به شئ ينعقد به
النكاح وهذه تدل على الانعقاد بهما، وروى ابن رستم عن الإمام كل لفظ يملك به الرقاب
ينعقد به النكاح. وهذه تدل على عدمه فيهما كما في الذخيرة، وإنما اعتمد المشايخ رواية ابن
رستم لأنها محكمة، ورواية الحسن محتملة، فحمل المحتمل على الحكم. ولم يقيد المصنف
اللفظ المفيد لملك العين بالنية ولا بالقرينة وفيه اختلاف ففي التبيين لا تشترط النية مع ذكر
المهر، وفي المبسوط لا تشترط مطلقا، وفي فتح القدير المختار أنه لا بد من فهم الشاهدين
مقصودهما، وفي البدائع ولو أضاف الهبة إلى الأمة بأن قال لرجل وهبت أمتي هذه منك فإن

152
كان الحال يدل على النكاح من إحضار الشهود وتسمية المهر مؤجلا ومعجلا ونحو ذلك
ينصرف إلى النكاح، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح، فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب
له فكذلك وينصرف إلى النكاح بقرينة النية، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة اه‍. فلم
يشترط مع النية فهم الشهود ولا بد منه كما قدمناه بخلاف ما إذا أضيفت الهبة إلى الحرة فإنه
ينعقد من غير هذه القرينة لأن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي وهو الملك للحرة يوجب
الحمل على المجازي فهو القرينة فيكتفي بها الشهود حتى لو قامت قرينة على عدمه لا ينعقد به
كما في الخانية وغيرها: لو طلب من امرأة الزنا فقالت وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت
لا يكون نكاحا وهو بمنزلة قول أبي البنت وهبتها منك لتخدمك فقال قبلت لا يكون نكاحا
اه‍. قال في الفتاوى: إلا إذا أراد به النكاح. فالحاصل أن النكاح ينعقد بالهبة إذا كان على
وجه النكاح. وفي الظهيرية: لو قالت المرأة وهبت نفسي لك فقال الرجل أخذت قالوا لا
يكون نكاحا صحيحا، وإنما استعيرت الهبة للنكاح وإن كانت لا تفيد الملك إلا بالقبض لأنها
سبب موضوع للملك وإنما تأخر القبض لضعف السبب لتعريه عن العوض، وينعدم ذلك
الضعف إذا استعملت في النكاح لأن العوض يجب بنفسه. كذا في النهاية. ويرد على
المصنف ألفاظ ينعقد بها النكاح غير الثلاثة منها: الكون لما في الذخيرة وغيرها: لو قال
لامرأة كوني امرأتي بكذا فقبلت انعقد بخلاف ما لو قالت المرأة أكون زوجة لك فقال نعم لا
يصح كما في الظهيرية. ومنها ما في الخانية لو قالت المرأة عرستك نفسي فقال قبلت انعقد،
وذكره في الظهيرية بلفظ أعرستك. ومنها لفظ الرجعة فقد صرح في الواقعات والخانية وكثير
أنه ينعقد النكاح إذا قال للأجنبية راجعتك فقبلت كما لو قال للمبانة راجعتك، لكن شرط
في الخانية أن يذكر المال وإن لم يذكر مالا قالوا: لا يكون نكاحا. وشرط في التجنيس ذكر
المال ونية الزوج، وفرق بعضهم بين الأجنبية والمبانة فينعقد به في المبانة دون الأجنبية،
واستحسنه في فتح القدير.
وفي الخانية: وكذا لو قالت المبانة لزوجها رددت نفسي عليك فهو بمنزلة الرجعة ينعقد
به النكاح كما في الذخيرة. ومنها ارفعها واذهب بها حيث شئت لما في الخانية: لو قال زوج

153
ابنتك مني على كذا فقال أبوها بمحضر من الشهود ارفعها واذهب بها حيث شئت قال ابن
الفضل: يكون نكاحا. وجزم في الولوالجية بعدمه لاحتماله الوعد. ومنها ما في الخانية: لو
قال أبو الصغير اشهدوا أني قد زوجت ابنة أحمد يريد به أبا الصغيرة من ابني فلان بمهر كذا
وقال لأبيها أليس هكذا؟ فقال أبوها هكذا ولم يزيدا على ذلك قالوا: الأولى أن يجدد النكاح
وإن لم يجدد أجاز اه‍. ومنها ما في الخانية أيضا: لقال رجل جئتك خاطبا ابنتك فقال الأب
ملكتك كان نكاحا. وفي الولوالجية: لو قال لها خطبتك إلى نفسي على ألف درهم فقالت قد
زوجتك نفسي فهو نكاح جائز لأنه يراد به الايجاب، وأما ما روي عن محمد لو قال أخطبك
على ألف فقالت قد فعلت لم ينعقد حتى يقول الزوج قبلت فقد قال في المحيط والظهيرية: إنه
محمول على ما إذا لم يرد به الحال. وفي الظهيرية: رجل أرسل رجلا أن يخطب امرأة بعينها
فزوجها الرسول إياه جاز لأن الخطبة جعلت نكاحا إذا صدرت من الآمر فيكون الامر بها أمرا
بالنكاح. ويشكل عليه ما في الفتاوى الصيرفية معزيا إلى السرخسي أن من قال إن خطبت
فلانة أو قال كل امرأة خطبتها فهي طالق أن يمينه لا ينعقد لأن الخطبة عند العقد وهي تسبق
العقد فلا يكون هذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى الملك. ووقع في بعض النسخ إن خطبت فلانة
وتزوجتها فهي طالق ثلاثا فأجاب على نحو ما ذكرنا فقال: إذا خطبها ثم تزوجها لا تطلق
وهذا غلط، لأن مع حرف الواو تصير الخطبة مع الزوج شرطا واحدا كما في قوله إن أكلت
وشربت وأشباه ذلك فلا تنحل اليمين بالخطبة وحدها، فإذا تزوجها بعد ذلك تنحل اليمين
وهي في نكاحه فتطلق اه‍. وذكر الولوالجي: إن تزوجت فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطبها

154
وتزوجها لم تطلق لأنه حين خطبها حنث لوجود الشرط فحين تزوجها تزوجها واليمين غير
باقية اه‍. ومنها ما في الخلاصة: لو قال صرت لي أو صرت لك فإنه نكاح عند القبول وقد
قيل بخلافه اه‍. ومنها ما في التتارخانية: لو قال لها يا عروسي فقالت لبيك انعقد لكن في
الصيرفية أنه خلاف ظاهر الرواية. ومنها بالسمع والطاعة لو قال زوجي نفسك مني فقال
بالسمع والطاعة فهو نكاح كما في الخلاصة. ومنها ما في الذخيرة: لو قال ثبت حقي في
منافع بضعك بألف فقالت نعم صح النكاح اه‍. والجواب أن العبرة في العقود للمعاني حتى
في النكاح كما صرحوا به وهذه الألفاظ تؤدي معنى النكاح وهذا مما ظهر لي من فضله
تعالى.
قوله: (عند حرين أو حر وحرتين عاقلين بالغين مسلمين ولو فاسقين أو محدودين أو
أعميين أو ابني العاقدين) متعلق بينعقد بيان للشرط الخاص به وهو الاشهاد فلم يصح بغير
شهود لحديث الترمذي البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن من غير بينة (1) ولما رواه محمد بن
الحسن مرفوعا لا نكاح إلا بشهود فكان شرطا ولذا قال في مآل الفتاوى: لو تزوج بغير
شهود ثم أخبر الشهود على وجه الخبر لا يجوز إلا أن يجدد عقدا بحضرتهم اه‍. وفي الخانية
والخلاصة: لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد ويكفر لاعتقاده أن النبي يعلم الغيب.
وصرح في المبسوط بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بالنكاح بغير شهود ولا يشترط الاعلان مع

155
الشهود لما في التبيين أن النكاح بحضور الشاهدين يخرج عن أن يكون سرا ويحصل
بحضورهما الاعلان اه‍. ويستثنى منه مسألة اليمين لما في عدة الفتاوى: إذا حلف ليتزوجن
سرا فتزوج بثلاثة شهود يحنث وبالشاهدين لا يحنث اه‍. وأفاد المصنف أن الشهادة تشترط في
الموقوف عند العقد لا عند الإجازة كما في المحيط، وأن الحضور كاف لتعبيره بكلمة عند
فلا يشترط السماع وفيه خلاف، ففي الخانية وعامة المشايخ شرطوا السماع، والقائل بعدمه
القاضي الإمام علي السغدي اه‍. وثمرة الاختلاف تظهر في النائمين والأصمين فعلى قول
العامة لا ينعقد النكاح بحضورهما، وعلى قول السغدي ينعقد، وصحح قاضيخان في شرحه
أنه لا ينعقد بحضرة الأصمين وجزم بأنه لا ينعقد بحضرة النائمين، وجزم في فتاواه بأنه لا
ينعقد بحضرة النائمين إذ لم يسمعا كلامهما، فثبت بهذا أن الأصح ما عليه العامة كما صرح
به في التجنيس إذا المقصود من الحضور السماع، فقول الزيلعي ينعقد بحضرة النائمين على
الأصح ولا ينعقد بحضرة الأصمين على المختار ضعيف بل لا فرق بينهما في عدم الانعقاد
على الأصح لعدم السماع، ولقد أنصف المحقق الكمال حيث قال: ولقد أبعد عن الفقه وعن
الحكمة الشرعية من جوزه بحضرة النائمين اه‍. واختلف في اشتراط سماع الشاهدين معا
فنقل في الذخيرة روايتين عن أبي يوسف وجزم في الخانية بأنه شرط فكان هو المذهب، فلو
سمعا كلامهما متفرقين لم يجز ولو اتحد المجلس، فلو كان أحدهما أصم فسمع صاحب السمع
ولم يسمع الأصم حتى صاح صاحبه في أذنه أو غيره لا يجوز النكاح حتى يكون السماع
معا. كذا في الذخيرة. واختلف أيضا في فهم الشاهدين كلامهما فجزم في التبيين بأنه لو
عقد بحضرة هنديين لم يفهما كلامهما لم يجز وصححه في الجوهرة. وقال في الظهيرية:
والظاهر أنه يشترط فهم أنه نكاح. واختاره في الخانية فكان هو المذهب.
فالحاصل أنه يشترط سماعهما معا مع الفهم على الأصح لكن في الخلاصة: إذا تزوج
امرأة بالعربية والزوج والمرأة يحسنان العربية والشهود لا يعرفون العربية اختلف المشايخ فيه،

156
والأصح أنه ينعقد اه‍. فقد اختلف التصحيح في اشتراط الفهم، وفي الخلاصة وغيرها ينعقد
بحضرة السكارى إذا فهموا النكاح وإن لم يذكروا بعد الصحو، وينبغي أن لا يشترط فهمهم
على القول بعدم اشتراطه إلا أن يقال: إنه عند عدم الفهم ملحق بالمجنون في حق هذا الحكم
لعدم التمييز. ولا بد من تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة، فإن كانت حاضرة
متنقبة كفى الإشارة إليها والاحتياط كشف وجهها، فإن لم يروا شخصها وسمعوا كلامها من
البيت إن كانت المرأة في البيت وحدها جاز النكاح لزوال الجهالة، وإن كان معها امرأة أخرى
لا يجوز لعدم زوالها. وكذا إذا وكلت بالتزويج فهو على هذا التفصيل، وإن كانت غائبة ولم
يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه
أرادها، وإن لم يعرفوها لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها. وجوز الخصاف النكاح
مطلقا حتى لو وكلته فقال بحضرتهما زوجت نفسي من موكلتي أو من امرأة جعلت أمرها
بيدي فإنه يصح عنده. قال قاضيخان: والخصاف كان كبيرا في العلم يجوز الاقتداء به وذكر
الحاكم الشهيد في المنتقى كما قال الخصاف اه‍. وفي الخلاصة: إذا زوجها أخوها فقال
زوجت أختي ولم يسمها جاز إن كانت له أخت واحدة، فإن كان له أختان فسماها جاز.
وأفاد المصنف أن انعقاد النكاح بكتاب أحدهما يشترط فيه سماع الشاهدين قراءة الكتاب مع
قبول الآخر كما قدمناه لكن في الظهيرية: وفي النكاح سواء كتب زوجي نفسك مني فبلغها
الكتاب فقالت زوجت أو كتب تزوجتك وبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي جاز، لكن في
الوجه الأول لا يشترط إعلامها الشهود، وفي الوجه الثاني يشترط اه‍. فقولهم يشترط
حضورهما وقت قراءة الكتاب ليس على إطلاقه وهو مبني على أن صيغة الامر توكيل،

157
فقولها زوجت نفسي منه قائم مقام الايجاب والقبول. فاكتفي بسماعه ولا يشترط الاشهاد
على التوكيل، وأما على قول من جعل الامر إيجابا فلا بد من سماع قراءة الكتاب كما لا
يخفى. وشرط في الشهود أربعة: الحرية والعقل والبلوغ والاسلام. فلا ينعقد بحضرة العبيد
والمجانين والصبيان والكفار في نكاح المسلمين لأنه لا ولاية لهؤلاء، ولا فرق في العبد بين
القن والمدبر والمكاتب، فلو أعتق العبيد أو بلغ الصبيان بعد التحمل ثم شهدوا إن كان معهم
غيرهم وقت العقد ممن ينعقد بحضورهم جازت شهادتهم لأنهم أهل للتحمل وقد انعقد العقد
بغيرهم وإلا فلا كما في الخلاصة وغيرها. ولم يشترط المصنف نطق الشاهدين لأنه ينعقد
بحضرة الأخرس إذا كان يسمع كما في الخلاصة. والأصل في هذا الباب أن كل من صلح
أن يكون وليا في النكاح بولاية نفسه صلح أن يكون شاهدا فيه فخرج المكاتب فإنه وإن ملك
تزويج أمته لكنه بولاية مستفادة من جهة المولى لا بولاية نفسه.
ثم النكاح له حكمان: حكم الاظهار وحكم الانعقاد. فحكم الانعقاد على ما ذكرنا،
وأما حكم الاظهار فإنما يكون عند التجاحد فلا يقبل في الاظهار إلا شهادة من تقبل شهادته
في سائر الأحكام. كذا في شرح الطحاوي. فلذا انعقد بحضور الفاسقين والأعميين
والمحدودين في قذف وإن لم يتوبا وابني العاقدين وإن لم يقبل أداؤهم عند القاضي كانعقاده
بحضرة العدوين. وفي البدائع: إن الاشهاد في النكاح لدفع تهمة الزنا لا لصيانة العقد عند
الجحود والانكار، والتهمة تندفع بالحضور من غير قبول على أن معنى الصيانة تحصل بسبب
حضورهما وإن كان لا تقبل شهادتهما لأن النكاح يظهر ويشتهر بحضورهما، فإذا ظهر واشتهر
تقبل الشهادة فيه بالتسامع فتحصل الصيانة اه‍. وظاهره أن من لا تقبل شهادته إذا انعقد
بحضوره ثم أخبر به من تقبل شهادته جاز له الشهادة به بالتسامع فليحفظ هذا. وفي فتاوى
النسفي: للقاضي أن يبعث إلى شفعوي ليبطل العقد إذا كان بشهادة الفاسق، وللحنفي أن يفعل
ذلك، وكذا لو كان بغير ولي فطلقها ثلاثا فبعث إلى شافعي يزوجها منه بغير محلل ثم يقضي

158
بالصحة، وبطلان النكاح الأول يجوز إذا لم يأخذ القاضي الكاتب والمكتوب إليه شيئا، ولا
يظهر بهذا حرمة الوطئ السابق ولا شبهة ولا خبث في الولد، كذا في الخلاصة. ثم قال الإمام
ظهير الدين المرغيناني: لا يجوز الرجوع إلى شافعي المذهب إلا في اليمين المضافة أما لو فعلوا
فقضى ينفذ اه‍. وصورة التزويج بحضرة ابنيهما أن تقع الفرقة بين الزوجين ثم يعقدا بحضور
ابنيهما، ولو تجاحدا لا تقبل شهادة ابنيهما مطلقا لأنه لا يخلو عن شهادتهما لأصلهما، فلو كانا
ابنيه وحده تقبل شهادتهما عليه لا له، ولو كانا ابنيها وحدها قبلت عليها لا لها، ولو كان
أحدهما ابنها والآخر ابنه لم تقبل أصلا. ومن زوج بنته بشهادة ابنيه ثم تجاحد الزوجان، فإن
كان الأب مع الجاحد منهما أيهما كان تقبل شهادتهما لأنها شهادة عليه، وإن كان الأب مع
المدعي منهما أيهما كان لم تقبل شهادتهما عند أبي يوسف. وقال محمد: تقبل. فأبو يوسف نظر
إلى الدعوى والانكار، ومحمد نظر إلى المنفعة وعدمها. وهنا لا منفعة للأب.
قال في البدائع: والصحيح نظر محمد لأن المانع من القبول التهمة وأنها تنشأ عن
النفع، وكذلك على هذا الاختلاف فيما إذا قال رجل لعبده إذا كلمك زيد فأنت حر، ثم قال
العبد كلمني زيد وأنكر المولى فشهد للعبد ابنا زيد أن أباهما قد كلمه والمولى ينكر، تقبل عند
محمد، ادعى زيد الكلام أو لا، لعدم منفعته، وعند أبي يوسف: إن كان زيد يدعي الكلام
لا تقبل، وإن كان لا يدعي تقبل. وكذا على هذا الاختلاف فيمن توكل عن غيره في عقد ثم
شهد ابنا الوكيل على العقد فإن كان حقوق العقد لا ترجع إلى العاقد تقبل عند محمد مطلقا
لعدم المنفعة، وعند أبي يوسف إن كان يدعي لا تقبل وإن كان ينكر تقبل اه‍. ولو زوج بنته
وأنكرت الرضا فشهد أخواها وهما ابناه لم تقبل في قولهم لأن الرضا شرط الجواز فكان فيه
تنفيذ قول الأب مقصودا فتكون شهادة له. كذا في المحيط. وجعل في الظهيرية قول الإمام
في المسألة الأولى كأبي يوسف. ولو كانت البنت صغيرة لا تقبل اتفاقا إلا إذا كان الأب
جاحدا والآخر مدعيا فمقبولة كما في فتح القدير. وفي الظهيرية: ولو زوج الموليان أمتهما
ثم شهدا بطلاقها فإن ادعت الأمة لا تقبل إجماعا، وإن أنكرت فعند أبي يوسف تقبل، وعند
محمد لا تقبل اه‍. وفي الولوالجية: شهد عليه بنوه أنه طلق أمهم ثلاثا وهو يجحد، فإن كانت
الام تدعي فهي باطلة، وإن كانت تجحد فهي جائزة، ذكره في الفصل الرابع من القضاء.
وذكر في الطلاق أن الشهادة لضرة أمه كالشهادة لامه وقيدنا الاشهاد بأنه خاص بالنكاح لما
ذكره الأسبيجابي بقوله: وأما سائر العقود فتنفذ بغير شهود ولكن الاشهاد عليه مستحب للآية
اه‍. وذكر في الواقعات أن الاشهاد واجب في المداينات، وأما لكتابة فقال في المحيط من

159
باب العتق: ويستحب للعبد أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه شهودا توثيقا وصيانة عن
التجاحد كما في المداينة بخلاف سائر التجارات لأنه مما يكثر وقوعها فالكتابة فيها تؤدي إلى
الحرج ولا كذلك العتق اه‍. وينبغي أن يكون النكاح كالعتق لأنه لا حرج فيها.
قوله: (وصح تزوج مسلم ذمية عند ذميين) بيان لكون اشتراط إسلام الشاهد إنما هو
إذا كانا مسلمين، أما إذا كانت ذمية فلا عندهما. وقال محمد: لا يجوز لأن السماع في النكاح
شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم. ولهما أن الشهادة شرطت
في النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر إذ لا
شهادة تشترط في لزوم المال وهما شاهدان عليها بخلاف ما إذا لم يسمعا كلامه لأن العقد
ينعقد بكلاميهما والشهادة شرط على العقد، أطلق في الذميين فشمل ما إذا كانا موافقين لها
في الملة أو مخالفين. كذا في البدائع. وقيد بصحة العقد لأن أداءهما عند القاضي عند إنكار
المسلم غير صحيح إجماعا وعند إنكارها مقبول عندهما مطلقا، وعند محمد إن قالا كان معنا
مسلمان وقت العقد قبل وإلا فلا. وكذا إذا أسلما وأديا فعلى هذا الخلاف. كذا في شرح
الطحاوي. وعن محمد لا تقبل شهادتهما مطلقا. قال في البدائع: وهو الصحيح من مذهبه
لأنها قامت على إثبات فعل المسلم على نكاح فاسد.
فروع: شهد نصرانيان بإسلام نصراني فجحد لا تقبل، وعلى نصرانية تقبل. شهد
نصرانيان على كافر بأجرة لمسلم تقبل لا في عكسه. شهد نصرانيان باستحقاق ما اشترى
نصراني من مسلم لنصراني لا تقبل خلافا لأبي يوسف.
قوله: (ومن أمر رجلا أن يزوج صغيرته فزوجها عند رجل والأب حاضر صح وإلا

160
فلا) لأن الأب يجعل مباشرا للعقد باتحاد المجلس ليكون الوكيل سفيرا ومعبرا فبقي المزوج
شاهدا، وإن كان الأب غائبا لم يجز لأن المجلس مختلف فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا وهذا
هو المعتمد خلافا لما في النهاية من إمكان جعل الأب شاهدا من غير نقل عبارة الوكيل إليه،
ولم أر من نبه على ثمرة هذا الاختلاف، وقد ظهر لي أن ثمرته في موضعين: الأول أن وكيل
الأب لو كان امرأة فعلى المعتمد لا ينعقد بحضور رجل بل لا بد من امرأة أخرى، وعلى ما
في النهاية ينعقد. ولو كان الآمر بتزويج الصغيرة أمها انعكس الحكم الثاني لو شهد الأب
بالنكاح بعد بلوغها وهي تنكر، فعلى طريقة ما في النهاية ينبغي أن تقبل لأنه شاهد لا
مزوج، وعلى المعتمد لا تقبل لأنه مزوج. ولو كان الآمر الأخ أو العم فشهد لها أو عليها
فعلى ما في النهاية تقبل، وعلى المعتمد لا تقبل فليتأمل. وعبارة النقاية هنا أخصر وأفود حيث
قال: والوكيل شاهد إن حضر موكله كالولي إن حضرت موليته بالغة اه‍. ولأنه لا فرق بين
أن يكون المأمور رجلا أو امرأة، فإن كان رجلا اشترط أن يكون معه رجل آخر أو امرأتان،
وإن كان امرأة اشترط أن يكون معها رجلان أو رجل وامرأة. وبه علم أن قوله عند رجل
ليس بقيد لأن المرأتين كذلك. وقيد بكون المولية بالغة لأنها لو كانت صغيرة لا يكون الولي
شاهدا لأن العقد لا يمكن نقله إليها. وعلى هذا فلا حاجة إلى قوله كالولي لأنه في هذه
الحالة وكيل فدخل تحت الأول. وقيد بحضرة موكله لأنه لو وكل المولى رجلا في تزويج
عبده فزوجه الوكيل بشهادة واحد والعبد حاضر لم يجز لأن العقد لم ينتقل إليه لعدم التوكيل
من جهته، وإن أذن لعبده أن يتزوج فتزوج بشهادة المولى ورجل آخر فالصواب أنه يجوز
ويكون المولى شاهدا لأن العبد يتصرف بأهلية نفسه والاذن فك الحجر وليس بتوكيل.

161
وصححه في فتح القدير. ولو زوج المولى عبده البالغ امرأة بحضرة رجل واحد والعبد حاضر
صح لأن المولى يخرج من أن يكون مباشرا فينتقل إلى العبد والمولى يصلح أن يكون شاهدا،
وإن كان العبد غائبا لم يجز. وقال المرغيناني: لا يجوز فكان في المسألة روايتان.، ورجح
في فتح القدير عدم الجواز لأن مباشرة السيد ليس فكا للحجر عنهما في التزوج مطلقا، والأصح
في مسألة وكيله. ثم إذا وقع التجاحد بين الزوجين في هذه المسائل فللمباشر أن يشهد وتقبل
شهادته إذا لم يذكر أنه عقده بل قال هذه امرأته بعقد صحيح ونحوه، وإن بين لا تقبل
شهادته على فعل نفسه. واختلفوا فيما إذا قال هذه امرأته ولم يشهد بالعقد، والصواب أنها
تقبل ولا حاجة إلى إثبات العقد، فقد حكي عن أبي القاسم الصفار أن من تولى نكاح امرأة
من رجل وقد مات الزوج والورثة ينكرون هل يجوز للذي تولى العقد أن يشهد؟ قال: نعم.
وينبغي أن يذكر العقد لا غير فيقول هذه منكوحته وكذلك قالوا في الأخوين إذا زوجا
أختهما ثم أرادا أن يشهدا على النكاح ينبغي أن يقولا هذه منكوحته. كذا في الذخيرة. وفي
الفتاوى: بعث أقواما للخطبة فزوجها الأب بحضرتهم فالصحيح الصحة وعليه الفتوى لأنه
لا ضرورة في جعل الكل خاطبين فيجعل المتكلم فقط والباقي شهود. كذا في فتح القدير.
وفي الخلاصة: المختار عدم الجواز. وفي المحيط: واختار الصدر الشهيد الجواز اه‍. والله
تعالى أعلم.
فصل في المحرمات
شروع في بيان شرط النكاح أيضا فإن منه كون المرأة محلله لتصير محلا له. وأفرد
بفصل على حدة لكثرة شعبه. واختلف الأصوليون في إضافة التحريم إلى الأعيان فقيل مجاز

162
والمحرم حقيقة الفعل، ورجحوا أنه حقيقة. وانتفاء محلية المرأة للنكاح شرعا بأسباب تسعة:
الأول المحرمات بالنسب وهن فروعه وأصوله وفروع أبويه وإن نزلوا وفروع أجداده وجداته
إذا انفصلوا ببطن واحد. الثاني المحرمات بالمصاهرة وهن فروع نسائه المدخول بهن وأصولهن
وحلائل فروعه وحلائل أصوله. والثالث المحرمات بالرضاع وأنواعهن كالنسب. والرابع
حرمة الجمع بين المحارم وحرمة الجمع بين الأجنبيات كالجمع بين الخمس. والخامس حرمة
التقديم وهو تقديم الحرة على الأمة جعله في النهاية والمحيط قسما على حدة، وأدخله الزيلعي
في حرمة الجمع فقال: وحرمة الجمع بين الحرة والأمة والحرة متقدمة وهو الأنسب.
والسادس المحرمة لحق الغير كمنكوحة الغير ومعتدته والحامل بثابت النسب. والسابع المحرمة
لعدم دين سماوي كالمجوسية والمشركة. والثامن المحرمة للتنافي كنكاح السيدة مملوكها.
والتاسع لم يذكره الزيلعي وكثير وهو المحرمة بالطلقات الثلاث. ذكره في المحيط والنهاية.
وقد ذكر المصنف في هذا الفصل سبعة منها، وذكر المحرمة بالطلقات الثلاث في فصل من
تحل به المطلقة ثلاثا من الرجعة ولم يصرح بالحرمة لحق الغير لظهوره قوله: (حرم تزوج أمه
وبنته وإن بعدتا) لقوله تعالى * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * (النساء: 23) واختلف في
توجيه حرمة الجدات وبنات البنات، فقيل بوضع اللفظ وحقيقته لأن الام في اللغة الأصل،
والبنت الفرع، فيكون الاسم حينئذ من قبيل المشكك. وقيل بمجازه لا أنه جمع بين الحقيقة
والمجاز بل بعموم المجاز فيراد بالام الأصل أيضا وبالبنت الفرع فيدخلان في عمومه،
والمعرف لإرادة ذلك في النص الاجماع على حرمتهن. وقيل بدلالة النص المحرم للعمات
والخالات وبنات الأخ والأخت، ففي الأول لأن الأشقاء منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات
وهن أقرب أولى، وفي الثاني لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الاخوة وكل من التوجيهات
صحيح. ودخل في البنت بنته من الزنا فتحرم عليه بصريح النص المذكور لأنها بنته لغة،
والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعا.
وكذا أخته من الزنا وبنت أخيه وبنت أخته أو ابنه منه بأن زنى أبوه أو أخوه أو أخته أو ابنه

163
فأولدوا بنتا فإنها تحرم على الأخ والعم والخال والجد. وصورته في هذه المسائل أن يزني ببكر.
ويمسكها حتى تلد بنتا كما في فتح القدير من بحث أن الزنا يوجب المصاهرة ودخل بنت
الملاعنة أيضا فلها حكم البنت هنا، فلولا عن فنفى القاضي نسبها من الرجل وألحقها بالام لا
يجوز للرجل أن يتزوجها لأنه بسبيل من أن يكذب نفسه ويدعيها فيثبت نسبها منه. كذا في
فتح القدير. وقد قدمنا في باب المصرف عن المعراج أن ولد أم الولد الذي نفاه لا يجوز دفع
الزكاة إليه، ومقتضاه ثبوت البنتية فيما يبنى على الاحتياط فلا يجوز لولده أن يتزوجها لأنها
أخته احتياطا ويتوقف على نقل. ويمكن أن يقال في بنت الملاعنة إنها تحرم باعتبار أنها ربيبة
وقد دخل بأمها لا لما تكلفه في الفتح كما لا يخفى.
قوله: (وأخته وبنتها وبنت أخيه وعمته وخالته) للنص الصريح ودخل فيه الأخوات
المتفرقات وبناتهن وبنات الاخوة المتفرقين والعمات والخالات المتفرقات لأن الاسم يشمل
الكل، وكذا يدخل في العمات والخالات أولاد الأجداد والجدات وإن علوا، وكذا عمة جده
وخالته وعمة جدته وخالاتها لأب وأم أو لأب أو لام، وذلك كله بالاجماع. وفي الخانية:
وعمة العمة لأب وأم كذلك، وأما عمة العمة لأب لا تحرم اه‍. وفي المحيط: وأما عمة
العمة فإن كانت العمة القربى عمة لأب وأم أو لأب فعمة العمة حرام لأن القربى إذا كانت
أخت أبيه لأب وأم أو لأب فإن عمتها تكون أخت جده أب الأب وأخت أب الأب حرام
لأنها عمته، وإن كان القربى عمة لام فعمة العمة لا تحرم عليه لأن أبا العمة يكون زوج أم
أبيه فعمتها تكون أخت زوج الجدة أم الأب وأخت زوج الام لا تحرم فأخت زوج الجدة أولى

164
أن لا تحرم، وأما خالة الخالة فإن كانت الخالة القربى خالة لأب وأم أو لام فخالتها تحرم
عليه، فإن كانت القربى خالة لأب فخالتها لا تحرم عليه لأن أم الخالة القربى تكون امرأة الجد
أبي الام لا أم أمه وأختها تكون أخت امرأة أبي الام وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه اه‍. وكما
يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة التزوج بنظير من ذكر. وعبارة النقاية أولى
وهي: وحرم أصله أي التزوج ذكرا كان أو أنثى، وفرعه وفرع أصله القريب وصلبية أصله
البعيد قوله: (وأم امرأته) بيان لما ثبت بالمصاهرة لقوله تعالى * (وأمهات نسائكم) * (النساء:
23) أطلقه فلا فرق بين كون امرأته مدخولا بها أو لا، وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة،
وتوضيحه في الكشاف. ويدخل في لفظ الأمهات جداتها من قبل أبيها وأمها وإن علون.
وقيد بالمرأة فانصرف إلى النكاح الصحيح فإن تزوجها فاسدا فلا تحرم أمها بمجرد العقد بل
بالوطئ أو ما يقوم مقامه من المس بشهوة والنظر بشهوة لأن الإضافة لا تثبت إلا بالعقد
الصحيح، وإن كانت أمته فلا تحرم أمها إلا بالوطئ أو دواعيه لأن لفظ النساء إذا أضيف إلى
الأزواج كان المراد منه الحرائر كما في الظهار والايلاء قوله: (وبنتها أن دخل بها) لقوله تعالى
* (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا
جناح عليكم) * (النساء: 23) قال في الكشاف: فإن قلت ما معنى دخلتم بهن؟ قلت: هو
كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب. وذكر الحجر في الآية خرج مخرج
العادة أو ذكر للتشنيع عليهم لا لتعلق الحكم به نحو أضعاف مضاعفة في قوله تعالى * (لا تأكلوا
الربا أضعافا مضاعفة) * (آل عمران: 130) اه‍ وتفسير الحجر أن تزف البنت مع الام إلى بيت زوج
الام، وأما إذا كانت البنت مع الأب لم تكن في حجر زوج الام. وفي المغرب: حجر الانسان
بالفتح والكسر حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح. ثم قالوا: فلان في حجر فلان أي في كنفه
ومنعته كما في الآية اه‍. وأما بنات الربيبة وبنات أبنائها وإن سفلن فتثبت حرمتهن بالاجماع وبما
ذكرنا أولا. وفي الكشاف: واللمس ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبي حنيفة. وفي

165
التبيين: ويدخل في قوله وربائبكم بنات الربيبة والربيب لأن الاسم يشملهن بخلاف حلائل
الأبناء والآباء لأن الاسم خاص بهن فلا يتناول غيرهن اه‍. يعني فلا تحرم بنت زوجة الابن ولا
بنت ابن زوجة الابن ولا بنت زوجة الأب ولا بنت ابن زوجة الأب.
قوله: (وامرأة أبيه وابنه وإن بعدا) أما حليلة الأب فبقوله تعالى * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء) * (النساء: 22) فتحرم بمجرد العقد عليها والآية المذكورة استدل بها المشايخ كصاحب
النهاية وغيره على ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا بناء على إرادة الوطئ بالنكاح، فإن أريد به حرمة
امرأة الأب والجد ما يطابقها من إرادة الوطئ قصر عن إفادة تمام الحكم المطلوب حيث قال: ولا
بامرأة أبيه. وتصدق امرأة الأب بعقده عليها وإلا لم يفد الحكم في ذلك المحل. وإنما يصح على
اعتبار لفظ النكاح في نكاح الآباء في معنى مجازي يعم العقد والوطئ ولك النظر في تعيينه ويحتاج
إلى دليل يوجب اعتبارها في المجازي، وليس لك أن تقول ثبتت حرمة الموطوءة بالآية والمعقود
عليها بلا وطئ بالاجماع لأنه إذا كان الحكم الحرمة بمجرد العقد ولفظ الدليل صالح له كان مرادا
منه بلا شبهة فإن الاجماع تابع للنص أو القياس عن أحدهما يكون ولو كان عن علم ضروري يخلق
لهم يثبت بذلك أن ذلك الحكم مراد من كلام الشارع إذا احتمله. كذا في فتح القدير. وقول
الزيلعي إن الآية تتناول منكوحة الأب وطأ وعقدا صحيحا وإن كان فيه جمع بين الحقيقة والمجاز
لأنه نفي، وفي النفي يجوز الجمع بينهما كما يجوز في المشترك أن يعم جميع معانيه في النفي اه‍.
ضعيف في الأصول والصحيح أنه لا يجوز الجمع بينهما لا في النفي ولا في الاثبات ولا عموم
للمشترك مطلقا. قال الأكمل في التقرير: والحق أن النفي لما اقتضاه الاثبات فإن اقتضى الاثبات
الجمع بين المعنيين فالنفي كذلك وإلا فلا. وأما مسألة اليمين المذكورة في المبسوط: حلف لا يكلم
مولاك وله أعلون وأسفلون أيهم كلم حنث. فليس باعتبار عموم المشترك في النفي كما توهمه

166
البعض وإنما هو لأن حقيقة الكلام متروكة بدلالة اليمين إلى مجاز يعمهما وهو أن يكون الموالي من
تعلق به عتق وهو بعمومه يتناول الاعلى والأسفل اه‍. لكن اختار المحقق في التحرير أنه يعم في
النفي لأنه نكرة في النفي والمنفي ما سمي باللفظ وتمام تحقيقة في الأصول. فالحاصل أن الأولى أن
النكاح في الآية للعقد كما هو المجمع عليه، ويستدل لثبوت حرمة المصاهرة بالوطئ الحرام بدليل
آخر. وفي المحيط: رجل له جارية فقال قد وطئتها لا تحل لابنه، وإن كانت في غير ملكه فقال قد
وطئتها يحل لابنه أن يكذبه ويطأها لأن الظاهر يشهد له. ولو اشترى جارية من ميراث أبيه يسعه
أن يطأها حتى يعلم أن الأب وطئها تزوج امرأة على أنها بكر فلما أراد مجامعتها وجدها مفتضة قال
لها من افتضك؟ فقالت: أبوك. إن صدقها الزوج بانت منه ولا مهر لها، وإن كذبها فهي امرأته
اه‍. وأما حليلة الابن فبقوله تعالى * (وحلائل أبنائكم الذي من أصلابكم) * (النساء: 23) فإن
اعتبرت الحليلة من حلول الفراش أو حل الإزار تناولت الموطوءة بملك اليمين أو شبهة أو زنى
فيحرم الكل على الآباء وهو الحكم الثابت عندنا، ولا يتناول المعقود عليها للابن أو بنيه وإن سفلوا
قبل الوطئ، والفرض أنها بمجرد العقد تحرم على الآباء وذلك باعتباره من الحل - بكسر الحاء
- وقد قام الدليل على حرمة المزني بها للابن على الأب فيجب اعتباره في أعم من الحل والحل. ثم
يراد بالأبناء الفروع فتحرم حليلة الابن السافل على الجد الاعلى، وكذا حليلة ابن البنت وإن سفل،
وكما تحرم حليلة الابن من النسب تحرم حليلة الابن من الرضاع. وذكر الأصلاب في الآية
لاسقاط حليلة الابن المتبني. كذا في فتح القدير. والظاهر أن الحليلة الزوجة كما في المغرب
فتحرم زوجة الابن على الأب مطلقا بالآية، وأما حرمة من وطئها ممن ليس بزوجة فبدليل آخر،
وكونها من حلول الفراش لا يقتضي تناولها للموطوءة بملك اليمين وغيره بل لا بد من قيد
الزوجية، فإن صاحب المغرب فسرها بالزوجة ثم قال: لأنها تحل زوجها في فراش.
قوله: (والكل رضاعا) بيان للنوع الثالث وهو أن ما يحرم بالنسب والصهرية يحرم بالرضاع
للآية والحديث حتى لو أرضعت امرأة صبيا حرم عليه زوجة زوج الظئر الذي نزل لبنها منه لأنها
امرأة أبيه من الرضاعة، ويحرم على زوج الظئر امرأة هذا الصبي لأنها امرأة ابنه من الرضاعة. وفي
شرح الوقاية: وهذا يشمل عدة أقسام كبنت الأخت مثلا تشمل البنت الرضاعية للأخت النسبية

167
والبنت النسبية للأخت الرضاعية والبنت الرضاعية للأخت الرضاعية ا ه‍. ولم يستثن المصنف هنا
شيئا واستثنى في كتاب الرضاع أم أخيه وأخت ابنه، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنه لا حاجة إليه
عند المحققين لأن المعنى الذي لأجله حرم في النسب لم يكن موجودا فيهما واستثنى بعضهم
إحدى وعشرين صورة وجمعها في قوله:
يفارق النسب الارضاع في صور كأم نافلة أو جدة الولد
وأم عم وأخت ابن وأم أخ وأم خال وعمة ابن اعتمد
لأن كل واحد من هذه السبع إما أن يكون المضاف رضاعيا والمضاف إليه نسبيا أو عكسه،
أو كل منهما رضاعيا فيجوز له نكاح أم أخيه رضاعا، سواء كانت الام رضاعية وحدها أو
نسبية وحدها أو كل منهما رضاعيا وكذا في بقية الصور قوله: (والجمع بين الأختين نكاحا
ووطئا بملك يمين) بيان للنوع الرابع وهو الجمع بين المحارم، أما الأول فلقوله تعالى * (وإن تجمعوا
بين الأختين) * (النساء: 23) وأما الثاني فللحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن
ماءه في رحم أختين وليس حرمة الجمع بينهما لقطع الرحم لما في المبسوط. ولا يجمع الرجل بين
أختين من الرضاعة ولا بين امرأة وابنة أختها أو ابنة أخيها، وكذلك كل امرأة ذات محرم منها من
الرضاعة للأصل الذي بينا أن كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى لم يجز للذكر أن
يتزوج الأنثى فإنه يحرم الجمع بينهما بالقياس على حرمة الجمع بين الأختين فكذلك من الرضاعة.
وتبين بهذا أن حرمة هذا الجمع ليس لقطيعة الرحم فإنه ليس بين الرضيعين رحم وحرمة الجمع
بينهما ثابتة ا ه‍. وسيأتي حديث يرده فلو قدموا حرمة الجمع على قولهم والكل رضاعا لكان أولى
كما لا يخفى، وتفرع على عدم الفرق بين الأختين نسبا ورضاعا أنه لو كان له زوجتان رضيعتان
أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما، والمراد بالنكاح في المختصر العقد. وقوله بملك يمين متعلق
بالوطئ فأفاد أنه يجوز الجمع بينهما ملكا بدون الوطئ قوله: (فلو تزوج أخت أمته الموطوءة لم يطأ
واحدة منهما حتى يبيعها) بيان لشيئين: أحدهما صحة نكاح الأخت مع كون أختها موطوءة له
بملك اليمين لصدوره من أهله مضافا إلى محله وأورد عليه أن المنكوحة موطوءة حكما باعترافكم
فيصير بالنكاح جامعا وطئا حكما وهو باطل، وجوابه أن لزوم الجمع بينهما وطئا حكما ليس
بلازم لأن بيده إزالته فلا يضر بالصحة ويمنع من الوطئ بعدها لقيامه إذا ذاك. أطلق في الأخت

168
المتزوجة فشمل ما إذا كانت أمة أو حرة. ثانيهما حرمة وطئ واحدة منهما حتى يبيعها لأنه لو
جامع المنكوحة يصير جامعا بينهما وطئا حقيقة، ولو جامع المملوكة يصير جامعا بينهما حقيقة
وحكما. والمراد بالبيع أنه يحرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم
الجمع كالبيع كلا أو بعضا والتزويج الصحيح والهبة مع التسليم والاعتاق كلا أو بعضا والكتابة،
وأما التزويج الفاسد فلا عبرة به إلا إذا دخل بها فتحرم حينئذ الموطوءة لوجوب العدة عليها فتحل
حينئذ المنكوحة. وكذا المراد بالتزويج في المختصر النكاح الصحيح فلو تزوج الأخت نكاحا فاسدا
لم تحرم عليه أمته الموطوءة إلا إذا دخل بالمنكوحة فحينئذ تحرم الموطوءة لوجود الجمع بينهما حقيقة
ولا يؤثر الاحرام والحيض والنفاس والصوم، وكذا الرهن والإجارة والتدبير لأن فرجها لا يحرم
بهذه الأسباب. كذا في التبيين من فصل الاستبراء، وإذا عادت الموطوءة إلى ملكه بعد الاخراج،
سواء كان بفسخ أو بشراء جديد لم يحل وطئ واحدة منهما حتى يحرم الأمة على نفسه بسبب كما
كان أولا. وأطلق في الأمة فشمل أم الولد كما في غاية البيان، وقيد بكونها موطوءة لأنه لو لم
يكن وطئها جاز له وطئ المنكوحة لأن المرقوقة ليست بموطوءة حكما فلم يصر جامعا بينهما وطأ
لا حقيقة ولا حكما. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوج جارية ولم يطأها حتى ملك أختها فليس له أن
يطأ المشتراة لأن المنكوحة موطوءة حكما، وإلى أنه لو ملك أختين له أن يطأ إحداهما فإذا وطئ
إحداهما ليس له وطئ الأخرى بعد ذلك، وإلى أنه لو ملك جارية فوطئها ثم ملك أختها كان له أن
يطأ الأولى وليس له وطئ الأخرى ما لم يحرم فرج الأولى على نفسه، ولو وطئها أثم ثم لا يحل له
وطئ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى بسبب.
قوله: (ولو تزوج أختين في عقدين ولم يدر الأول فرق بينه وبينهما) لأن نكاح إحداهما
باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل لعدم الفائدة أو
للضرر فتعين التفريق وطولب بالفرق بين هذا وبين ما إذا طلق إحدى نسائه بعينها ونسيها
حيث يؤمر بالتعيين ولا يفارق الكل. وأجيب بإمكانه هناك لا هنا لأن نكاحهن كان متيقن

169
الثبوت فله أن يدعي نكح من شاء بعينه منهن تمسكا بما كان متيقنا ولم يثبت هنا نكاح واحدة
منهما بعينها، فدعواه حينئذ تمسك بما لم يتحقق ثبوت. ومعنى فرق بينه وبينهما أنه يفترض
عليها مفارقتهما، ولو علم القاضي بذلك وجب عليه أن يفرق بينهما دفعا للمعصية بقدر
الامكان كما في المحيط، ولم يذكر في المختصر أن هذا التفريق طلاق أو فسخ. وفي فتح
القدير: والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك فإن
وقع قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال أو بعده فليس له التزوج بواحدة منهما
حتى تنقضي عدتهما، وإن انقضت عدة إحداهما دون الأخرى فله تزوج التي لم تنقض عدتها
دون الأخرى كيلا يصير جامعا، وإن وقع بعده بإحداهما فله أن يتزوجها في الحال دون
الأخرى فإن عدتها تمنع من تزوج أختها ا ه‍. وقيد بكونه تزوجهما في عقدين إذ لو كانا في
عقد واحد بطلا يقينا، وقيده في المحيط بأن لا تكون إحداهما مشغولة بنكاح الغير أو عدته،
فإن كانت كذلك صح نكاح الفارغة لعدم تحقق الجمع بينهما كما لو تزوجت امرأة زوجين في
عقد واحد وأحدهما متزوج بأربع نسوة فإنها تكون زوجة للآخر لأنه لم يتحقق الجمع بين
رجلين إذا كانت هي لا تحل لأحدهما ا ه‍. فإذا كانا في عقد واحد فرق بينها وبينهما أيضا
فإن كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما، وإن دخل بهما وجب لكل الأقل من
المسمى ومن مهر المثل كما هو حكم النكاح الفاسد وعليهما العدة. وقيده بعدم علم العقد
الأول إذ لو علم فهو الصحيح والثاني باطل وله وطئ الأولى إلا أن يطأ الثانية فتحرم الأولى
إلى انقضاء عدة الثانية كما لو وطئ أخت امرأته بشبهة حيث تحرم امرأته ما لم تنقض عدة
ذات الشبهة. وفي الدراية عن الكامل: لو زنى بإحدى الأختين لا يقرب الأخرى حتى
تحيض الأخرى حيضة. واستشكله في فتح القدير ولم يبينه، ووجهه أنه لا اعتبار لماء الزاني
ولذا لو زنت امرأة رجل لم تحرم عليه وجاز له وطؤها عقب الزنا. ولو قال المصنف ولو
تزوج أختين قي عقدين معا أو لم يدر الأول فرق بينه وبينهما لكان أفود لما في الذخيرة معزيا

170
إلى الجامع: لو وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة ووكل رجلا آخر بمثل ذلك فزوجه كل
واحد منهما امرأة وهما أختان من الرضاع ووقع العقدان منهما معا فهما باطلان لأن عبارة
الوكيل في باب النكاح منقولة إلى الموكل، فإذا خرج الكلامان معا صار كأن الموكل خاطبهما
بالنكاح، فلو لم يوكلهما وإنما كانا فضوليين ووقعا معا فللزوج أن يجيز نكاح إحداهما، ولو
خرج إيجاب الأختين معا بأن قالت كل واحدة منهما لرجل واحد زوجت نفسي منك بكذا
وخرج الكلام منهما معا فقبل الزوج نكاح إحداهما فهو جائز لعدم الجمع من الزوج، وأما
من الأختين فلان كل واحدة زوجت نفسها على حدة ولا ولاية لإحداهما على صاحبتها حتى
ينقل كلام كل إلى الأخرى. ولو بدأ الزوج فقال تزوجتكما كل واحدة منكما بألف فقالت
إحداهما رضيت وأبت الأخرى فنكاحها باطل لوجود الجمع في الخطاب بينهما في إحدى
شطري العقد وأنه كاف للفساد، ألا ترى أن رجلا لو قال لخمس نسوة قد تزوجتكن على
ألف فقالت إحداهما رضيت لا يجوز نكاحهن لوجود الجمع من جانب الزوج فعلم به أن
الجمع في إحدى شطري العقد يوجب الفساد كالجمع في شطري العقد ا ه‍. مع بعض
اختصار منه.
قوله: (ولهما نصف المهر) لأنه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولية
فيصرف إليهما. أطلقه وهو مقيد بأربعة قيود كما قالوا: الأول أن يكون المهر مسمى في
العقد فلو لم يكن مسمى وجبت متعة واحدة لهما بدل نصف المهر وتركه اعتمادا على ما
يصرح به في باب المهر. الثاني أن يكون مهراهما متساويين إذ لو كانا مختلفين يقضى لكل
واحدة منهما بربع مهرها ولا حاجة إلى التقييد به لأنه لم يقل ولهما نصف المهر على السواء

171
حتى يرد عليه ذلك. الثالث أن يكون قبل الدخول إذ لو كانت الفرقة بعد الدخول يجب لكل
واحدة المهر كاملا لأنه استقر بالدخول فلا يسقط منه شئ، ولا حاجة إلى التقييد به لأن
نصف المهر حكم الفرقة قبل الدخول مع أنه مشكل بل إذا كان بعد الدخول فإنه يقضى بمهر
كامل وعقر كامل، ويجب حمله على ما إذا اتحد المسمى لهما قدرا وجنسا، أما إذا اختلفا
فيتعذر إيجاب عقر إذ ليست إحداهما أولى بجعلها ذات العقد من الأخرى لأنه فرع الحكم
بأنها الموطوءة في النكاح الفاسد. الرابع أن تدعي كل واحدة منهما أنها الأولى ولا بينة لهما،
أما إذا قالتا لا ندري أي النكاحين أول لا يقضى لهما بشئ لأن المقضى له مجهول وهو يمنع
صحة القضاء كمن قال لرجلين لأحدهما على ألف لا يقضى لأحدهما بشئ إلا أن يصطلحا
بأن يتفقا على أخذ نصف المهر منه فيقضى لهما به، وهذا القيد الرابع زاده أبو جعفر
الهندواني، فظاهر الهداية تضعيفه لكنه حسن يندفع به قول أبي يوسف أنه لا شئ لهما
لجهالة المقضى له، والمروي عن محمد من وجوب مهل كامل لهما لاقرار الزوج بجواز نكاح
إحداهما أبعد لاستلزامه إيجاب الشئ مع تحقق عدم لزومه فإن إيجاب كماله حكم الموت أو
الدخول حقيقة أو حكما وهو مفقود. وفي التبيين: وكل ما ذكرنا من الأحكام بين الأختين
فهو الحكم بين كل من لا يجوز جمعه من المحارم.
قوله: (وبين امرأتين أية فرضت ذكر أحرم النكاح) أي حرم الجمع بين امرأتين إذا
كانتا بحيث لو قدرت إحداهما ذكرا حرم النكاح بينهما أيتهما كانت المقدرة ذكرا كالجمع بين
المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، والجمع بين الام والبنت نسبا أو رضاعا لحديث مسلم لا
تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها (1) وهذا
مشهور يجوز تخصيص عموم الكتاب * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 24) به ويدل
على اعتبار الأصل المذكور ما ثبت في الحديث برواية الطبراني وهو قوله فإنكم إذا فعلتم
ذلك قطعتم أرحامكم ولرواية أبي داود: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة
القطيعة. فأوجب تعدي الحكم المذكور إلى كل قرابة يفرض وصلها وهو ما تضمنه الأصل

172
المذكور فيتخرج عليه حرمة الجمع بين عمتين وخالتين، وذلك أن يتزوج كل من الرجلين أم
الآخر فيولد لكل منهما بنت فتكون كل من البنتين عمة للأخرى، أو يتزوج كل من رجلين
بنت الآخر ويولد لهما بنتان فكل من البنتين خالة للأخرى. وبما قرر علم أن العلة خوف
القطيعة، وظهر به ضعف ما قدمناه عن المبسوط من أن العلة ليس ذلك إذ لا قرابة بين
الأختين رضاعا. وجوابه أن حرمة الجمع بينهما للحديث يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب. والمراد بالحرمة في قوله حرم النكاح الحرمة المؤبدة، أما المؤقتة فلا تمنع ولذا لو
تزوج أمة ثم سيدتها فإنه يجوز كما في الجامع والزيادات لأنها حرمة مؤقتة بزوال ملك
اليمين. وقيل: لا يجوز تزوج السيدة عليها نظرا إلى مطلق الحرمة كما في القنية. وقيد بقوله
أية فرضت لأنه لو جاز نكاح إحداهما على تقدير مثل المرأة وبنت زوجها أو امرأة ابنها فإنه
يجوز الجمع بينهما عند الأئمة الأربعة، وقد جمع عبد الله بن جعفر بين زوجة علي وبنته ولم
ينكر عليه أحد. وبيانه أنه لو فرضت بنت الزوج ذكرا بأن كان ابن الزوج لم يجز له أن يتزوج
بها لأنها موطوءة أبيه، ولو فرضت المرأة ذكرا لجاز له أن يتزوج ببنت الزوج لأنها بنت رجل
أجنبي، وكذلك بين المرأة وامرأة ابنها فإن المرأة لو فرضت ذكرا لحرم عليه التزوج بامرأة
ابنه، ولو فرضت امرأة الابن ذكرا لجاز له التزوج بالمرأة لأنه أجنبي عنها. قالوا: ولا بأس
أن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج ابنه أمها أو بنتها لأنه لا مانع وقد تزوج محمد بن الحنفية امرأة
وزوج ابنه بنتها.
قوله: (والزنا واللمس والنظر بشهوة يوجب حرمة المصاهرة) وقال الشافعي: الزنا لا
يوجب حرمة المصاهرة لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور. ولنا أن الوطئ سبب الجزئية بواسطة
الولد حتى يضاف إلى كل واحد منهما كملا فيصير أصولها وفروعها كأصوله وفروعه وكذلك
على العكس والاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة والوطئ محرم من
حيث إنه سبب الولد لا من حيث إنه زنا، واللمس والنظر سب داع إلى الوطئ فيقام مقامه

173
في موضع الاحتياط. كذا في الهداية. ولم يستدل بقوله تعالى * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) *
(النساء: 22) كما فعل الشارحون لما قدمنا أنه لا يصلح الاستدلال به. أراد بالزنا الوطئ
الحرام وإنما قيد به لأنه محل الخلاف، أما لو وطئ المنكوحة نكاحا فاسدا أو المشتراة فاسدا أو
الجارية المشتركة أو المكاتبة أو المظاهر منها أو الأمة المجوسية أو زوجته الحائض أو النفساء أو
كان محرما أو صائما فإنه يثبت حرمة المصاهرة اتفاقا. وبه علم أن الاعتبار لعين الوطئ لا
لكونه حلالا أو حراما، وليفيد أنه لا بد أن تكون المرأة حية لأنه لو وطئ الميتة فإنه لا تثبت
حرمة المصاهرة كما في الخانية، وليفيد أنه لا بد أن يكون في القبل لأنه لو وطئ المرأة في

174
الدبر فإنه لا يثبت حرمة المصاهرة وهو الأصح، لأنه ليس بمحل الحرث فلا يفضي إلى الولد
كما في الذخيرة، وسواء كان بصبي أو امرأة كما في غاية البيان، وعليه الفتوى كما في
الواقعات. ولأنه لو وطئها فأفضاها لا تحرم عليه أمها لعدم تيقن كونه في الفرج إلا إذا
حبلت وعلم كونه منه، وأورد عليهما أن الوطئ في المسألتين حقه أن يكون سببا للحرمة
كالمس بشهوة سبب لها بل الموجود فيهما أقوى منه. وأجيب بأن العلة هي الوطئ السبب
للولد وثبوت الحرمة بالمس ليس إلا لكونه سببا لهذا الوطئ ولم يتحقق في الصورتين، وليفيد
أنه لا بد أن يكون بغير حائل يمنع وصول الحرارة فلو جامعها بخرقة على ذكره لا تثبت
الحرمة كما في الخلاصة، وليفيد أن الموطوءة لا بد أن تكون مشتهاة حالا أو ماضيا لأن الزنا
وطئ مكلف في قبل مشتهاة خال عن الملك وشبهته، فلو جامع صغيرة لا تشتهى لا تثبت
الحرمة. وعن أبي يوسف ثبوتها قياسا على العجوز الشوهاء، ولهما أن العلة وطئ سبب للولد
وهو منتف في الصغيرة التي لا تشتهى بخلاف الكبيرة لجواز وقوعه كما وقع لإبراهيم
وزكريا عليهما السلام.
قال في فتح القدير: وله أن يقول الامكان العقلي ثابت فيهما والعادي منتف عنهما
فتساويا، والقصتان على خلاف العادة لا توجب الثبوت العادي ولا يخرجان العادة عن النفي
ا ه‍. وقد يقال إنها دخلت تحت حكم الاشتهاء فلا تخرج عنه بالكبر ولا كذلك الصغيرة

175
وليس حكم البقاء كالابتداء وفي الخانية: وقال الفقيه أبو الليث ما دون تسع سنين لا تكون
مشتهاة وعليه الفتوى ا ه‍. فأفاد أنه لا فرق بين أن تكون سمينة أو لا ولذا قال في المعراج:
بنت خمس لا تكون مشتهاة اتفاقا، وبنت تسع فصاعدا مشتهاة اتفاقا، وفيما بين الخمس
والتسع اختلاف الرواية والمشايخ والأصح أنها لا تثبت الحرمة. وفي فتح القدير: وكذا
تشترط الشهوة في الذكر حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجة أبيه لا تثبت الحرمة. وفي
الذخيرة خلافه وظاهر الأول أنه يعتبر فيه السن المذكور لها وهو تسع سنين، وكما
يشترط كونها مشتهاة لثبوت الحرمة في الزنا فكذلك لثبوتها في الوطئ الحلال لما في الأجناس: لو
تزوج صغيرة لا تشتهى فدخل بها وطلقها وانقضت عدتها وتزوجت بآخر جاز له تزوج
بنتها. وأطلق في اللمس والنظر بشهوة فأفاد أنه لا فرق بين العمد والخطأ والنسيان والاكراه
حتى لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده إلى بنته منها فقرصها بشهوة وهي ممن تشتهى يظن
أنها أمها حرمت عليه الام حرمة مؤبدة. ولك أن تصورها من جانبها بأن أيقظته هي لذلك
فقرصت ابنه من غيرها. كذا في فتح القدير. وأطلق في اللمس فشمل كل موضع من بدنها.
وفي الخانية: لو مس شعر امرأة عن شهوة قالوا: لا تثبت حرمة المصاهرة. وذكر في
الكيسانيات أنها تثبت ا ه‍. وينبغي ترجيح الثاني لأن الشعر من بدنها من وجه دون وجه كما
قدمناه في الغسل فتثبت الحرمة احتياطا كحرمة النظر إليه من الأجنبية، ولذا جزم في المحيط
بثبوتها. وفصل في الخلاصة فما على الرأس كالبدن بخلاف المسترسل. وانصرف اللمس إلى

176
أي موضع من البدن بغير حائل، وأما إذا كان بحائل فإن وصلت حرارة البدن إلى يده تثبت
الحرمة وإلا فلا. كذا في أكثر الكتب. فما في الذخيرة من أن الشيخ الإمام ظهير الدين يفتي
بالحرمة في القبلة على الفم والذقن والخد والرأس وإن كان على المقنعة محمول على ما إذا كانت
المقنعة رقيقة تصل الحرارة معها كما قدمناه. وقيد يكون اللمس عن شهوة لأنه لو كان عن
غير شهوة لم يوجب الحرمة.
والمراهق كالبالغ ووجود الشهوة من أحدهما كاف فإن ادعتها وأنكرها فهو مصدق إلا
أن يقوم إليها منتشرا فيعانقها لأنه دليل الشهوة كما في الخانية. وزاد في الخلاصة في عدم
تصديقه أن يأخذ ثديها أو يركب معها وتقبل الشهادة على الاقرار بالمس بشهوة وعلى الاقرار
بالتقبيل بشهوة. وهل تقبل الشهادة على نفس اللمس والتقبيل عن شهوة؟ اختلف المشايخ فيه
قال بعضهم لا تقبل واختاره ابن الفضل لأنها أمر باطن لا يوقف عليها عادة، وقيل تقبل
وإليه مال الإمام علي البزدوي، وكذا ذكر محمد في نكاح الجامع لأن الشهوة مما يوقف عليها
في الجملة، إما بتحرك العضو أو بآثار أخر ممن لا يتحرك عضوه. كذا في الذخيرة. والمختار
القبول كما في التجنيس. وفي فتح القدير: وثبوت الحرمة بلمسها مشروط بأن يصدقها ويقع
في أكبر رأيه صدقها، وعلى هذا ينبغي أن يقال في مسه إياها لا تحرم على أبيه وابنه إلا أن
يصدقها أو يغلب على ظنه صدقها، ثم رأيت عن أبي يوسف ما يفيد ذلك ا ه‍. وأطلق في
اشتراط الشهوة في اللمس فأفاد أنه لا فرق بين التقبيل على الفم وبين غيره. وفي الجوهرة:
لو مس أو قبل وقال لم أشته صدق إلا إذا كان اللمس على الفرج والتقبيل في الفم ا ه‍.
ورجحه في فتح القدير قال: إلا أنه يتراءى على هذا أن الخد ملحق بالفم. وفي الولوالجية:

177
إذا قبل أم امرأته أو امرأة أجنبية يفتى بالحرمة ما لم يتبين أنه قبل بغير شهوة لأن الأصل في
التقبيل هو الشهوة بخلاف المس ا ه‍. وكذا في الذخيرة إلا أنه قال: وظاهر ما أطلق في
بيوع العيون يدل على أنه يصدق في القبلة سواء كانت على الفم أو على موضع آخر ا ه‍.
وأطلق في النظر بشهوة للاختلاف في محله، فعند أبي يوسف النظر إلى منابت الشعر يكفي.
وقال محمد: لا تثبت حتى ينظر إلى الشق. وعن أبي يوسف لا بد أن ينظر إلى الفرج الداخل
ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت متكئة. واختاره في الهداية وصححه في المحيط والذخيرة،
وفي الخانية وعليه الفتوى، وفي فتح القدير وهو ظاهر الرواية لأن هذا حكم تعلق بالفرج
والداخل فرج من كل وجه والخارج فرج من وجه، وأن الاحتراز عن الفرج الخارج متعذر
فسقط اعتباره. ولا يقال إنه إذا تردد فالاحتياط القول بثبوتها لأن هذا الحكم وهو التحريم
بالمس والنظر ثبوته بالاحتياط فلا يجب الاحتياط في الاحتياط لكن صحح في الخلاصة النظر
إلى موضع الشق عن شهوة فهو تصحيح لقول محمد السابق. وظاهر ما في الذخيرة وغيرها
أنهم اتفقوا على أن النظر بشهوة إلى سائر أعضائها لا عبرة به ما عدا الفرج، وحينئذ فإطلاق
المصنف في محل التقييد كما لا يخفى. والعبرة لوجود الشهوة عند المس والنظر حتى لو وجدا
بغير شهوة ثم اشتهى بعد الترك لا تتعلق به حرمة. والنظر من وراء الزجاج يوجب حرمة
المصاهرة بخلاف المرأة لأنه لم ير فرجها وإنما رأى عكس فرجها، وكذا لو وقف على الشط
فنظر إلى الماء فرأى فرجها لا يوجب الحرمة، ولو كانت هي في الماء فرأى فرجها تثبت
الحرمة. ولم يذكر المصنف حد الشهوة للاختلاف فقيل لا بد أن تنتشر آلته إذا لم تكن منتشرة
أو تزداد انتشارا إن كانت منتشرة. وقيل حدها أن يشتهي بقلبه إن لم يكن مشتهيا أو يزداد إن
كان مشتهيا، ولا يشترط تحرك الآلة وصححه في المحيط والتحفة، وفي غاية البيان وعليه
الاعتماد وصحح الأول في الهداية. وفائدة الاختلاف كما في الذخيرة تظهر في الشيخ
الكبير والعنين والذي ماتت شهوته فعلى القول الأول لا تثبت الحرمة وعلى الثاني تثبت فقد
اختلف التصحيح لكن في الخلاصة وبه يفتى أي بما في الهداية فكان هو المذهب، لكن
ظاهر ما في التجنيس وفتح القدير أن ميل القلب كاف في الشيخ والعنين اتفاقا وأن محل
الاختلاف فيمن يتأتى منه الانتشار إذ مال بقلبه ولم تنتشر آلته وهو أحسن مما في الذخيرة كما
لا يخفى.

178
وأطلق المصنف ولم يقيد المس والنظر بشهوة بغير الانزال للاختلاف فيما إذا أنزل فقيل
يوجب الحرمة. وفي الهداية: والصحيح أنه لا يوجبها لأنه بالانزال تبين أنه غير مفض إلى
الوطئ. وفي غاية البيان: وعليه الفتوى. فقد أطلق المصنف أيضا في محل التقييد، وأطلق في
اللامس والملموس ليفيد أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، فلو مست المرأة عضوا من أعضاء
الرجل بشهوة أو نظرت إلى ذكره بشهوة تثبت الحرمة. وأطلق فيهما أيضا فشمل المس والنظر
المباحين والمحرمين، وأراد بحرمة المصاهرة الحرمات الأربع: حرمة المرأة على أصول الزاني
وفروعه نسبا ورضاعا، وحرمة أصولها وفروعها على الزاني نسبا ورضاعا كما في الوطئ
الحلال ويحل لأصول الزاني وفروعه أصول المزني بها وفروعها. ولو قال المصنف توجب
المحرمية لكان أولى لما في الخانية: وإذا فجر الرجل بامرأة ثم تاب يكون محرما لابنتها لأنه
حرم عليه نكاح ابنتها على التأبيد، وهذا دليل على أن المحرمية تثبت بالوطئ الحرام وبما تثبت
به حرمة المصاهرة ا ه‍. وفي كشف الاسرار من بحث النهي: وبعض أصحابنا قالوا حرمة
المصاهرة تثبت بطريق العقوبة كما يثبت حرمان الإرث في حق القاتل عقوبة، والأصل فيه
قوله تعالى * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * (النساء: 160) وعلى
هذا الطريق يقولون المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة، ولكن هذا فاسد فإن
التعليل لتعدية حكم النص لا لاثبات حكم أخر سوى المنصوص عليه فإن ابتداء الحكم لا
يجوز إثباته بالتعليل والمنصوص به حرمة ثابتة بطريق الكرامة فإنما يجوز التعليل لتعدية تلك
الحرمة لا لاثبات حرمة أخرى. كذا في المبسوط. قلت: وإنما اختار بعض مشايخنا هذا
الطريق لأن هذه الحرمة لما كانت بطريق الاحتياط كان الاحتياط في إثبات حرمة المناكحة
والمسافرة والخلوة جميعا كما قالوا فيما إذا كان الرضاع ثابتا غير مشهور لا تحل المناكحة ولا
الخلوة والمسافرة للاحتياط ا ه‍ كلامه. وفي الخلاصة: قيل لرجل ما فعلت بأم امرأتك؟ قال:
جامعتها ثبتت الحرمة ولا يصدق أنه كذب وإن كانوا هازلين، والاصرار ليس بشرط في
الاقرار لحرمة المصاهرة ا ه‍. وهذا عند القاضي، وأما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان كاذبا
فيما أقر لم تثبت الحرمة كما في التجنيس، وإذا أقره بجماع أمها قبل التزوج لا يصدق في
حقها فيجب كمال المهر المسمى إن كان بعد الدخول، ونصفه إن كان قبله كما في التجنيس

179
أيضا. فإن قلت: لو قال هذه أمي رضاعا ثم رجع وتزوجها صح فما الفرق بينهما؟ أجاب
عنه في التجنيس بأنه في مسألتنا أخبر عن فعله وهو الجماع والخطأ فيه نادر فلم يصدق،
وهنا أخبر عن فعل غيره وهو الارضاع فله الرجوع، والتناقض فيه معفو كالمكاتب إذا ادعى
العتق قبل الكتابة والمختلعة إذا دعت الطلاق قبل الخلع يصدقان بإقامة البينة.
قوله: (وحرم تزوج أخت معتدته) لأن أثر النكاح قائم فلو جاز تزوج أختها لزم الجمع
بين الأختين فلا يجوز. أطلقه فشمل المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن أو عن إعتاق أم ولد
خلافا لهما، أو عن تفريق بعد نكاح فاسدة، وشمل الأخت نسبا ورضاعا. وأشار إلى حرمة
تزوج محارمها في عدتها مطلقا كعمتها وخالتها وإلى أن من طلق الأربع لا يجوز له أن يتزوج
امرأة قبل انقضاء عدتهن، فإن انقضت عدة الكل معا جاز له تزوج أربع وإن واحدة فواحدة،
وله تزوج أربع سوى أم ولده المعتدة منه بعد عتقها. وإذا أخبر عن مطلقته أنها أخبرته
بانقضاء عدتها فإن كانت المدة لا تحتمل لا يصح نكاح أختها إلا أن يفسره بإسقاط مستبين
الخلق وإن احتملت حل نكاح أختها، ولو كذبته المخبر عنها فإن أخبر وهو صحيح وكذبته
ثم مات فالميراث للثانية ولو كان طلاق الأولى رجعيا وإن كان مريضا فللأولى فقط. ولزوج
المرتدة اللاحقة بدار الحرب تزوج أختها وأربع سواها قبل عدتها كموتها وعودها مسلمة لا
يبطل نكاح أختها لو بعده ولا يمنع منه لو قبله. وفي المعراج: لو كانت إحدى الأربع في
دار الحرب فطلقها لا تحل له الخامسة إلا بعد خمس سنين لاحتمال أن تكون حاملا فيبقى
حملها خمس سنين، فلو طلقها بعد خروجها بسنة انتظر أربعا فإذا كان احتمال الحمل يمنع فهو
موجود في دار الاسلام أيضا ا ه‍. وهو مشكل قوله: (وأمته وسيدته) أي وحرم تزوج أمته
وسيدته لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا ثمرات مشتركة بين المتناكحين والمملوكية تنافي المالكية
فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة. وظاهر كلامهم أنه يستحق العقوبة بالعقد على أمته لأنه عقد
فاسد باشره لغير فائدة لكن في المضمرات: المراد به في أحكام النكاح من ثبوت المهر في ذمة

180
المولى وبقاء النكاح بعد الاعتاق ووقوع الطلاق عليها وغير ذلك، أما إذا تزوجها متنزها عن
وطئها حراما على سبيل الاحتمال فهو حسن لاحتمال أن تكون حرة أو معتقة الغير أو محلوفا
عليها بعتقها وقد حنث الحالف وكثيرا ما يقع لا سيما إن تداولتها الأيدي ا ه‍. أطلق في
أمته فشمل ما لو كان له فيها جزء وكذا في سيدته لو كانت تملك سهما منه.
قوله: (والمجوسية والوثنية) أي وحرم تزوجهما على المسلم، أما المجوسية فلقوله
عليه السلام سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم (1) أي اسلكوا بهم
طريقتهم يعني عاملوهم معاملتهم في إعطاء الأمان بأخذ الجزية منهم. كذا في المغرب. وأما
الوثنية فلقوله تعالى * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 221) والمراد بالمجوس
عبدة النار، وذكر الكتابية بعدها دليل على أن المجوس لا كتاب لهم. وقد نقل في المبسوط
عن علي رضي الله عنه إباحة نكاح المجوسية بناء على أن لهم كتابا إلا أن ملكهم واقع أخته
ولم ينكر عليه فرفع كتابهم فنسوه وليس هذا الكلام بشئ لأن المنع من نكاحهم لكونهم عبدة
النار فهم داخلون في المشركين، فكونهم كان لهم كتاب أولا لا أثر له وعليه إجماع الأئمة
الأربعة كالاجماع على حرمة الوثنية وهي المشركة. وفي غاية البيان: هي التي تعبد الوثن أي
الصنم والنص عام يدخل تحته سائر المشركات. وفي فتح القدير: ويدخل في عبدة الأوثان
عبدة الشمس والنجوم والصور التي استحسنوها والمعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية. وفي
شرح الوجيز: وكل مذهب يكفر به معتقده فهو يحرم نكاحها لأن اسم المشرك يتناولهم جميعا
ا ه‍. وينبغي أن من اعتقد مذهبا يكفر به إن كان قبل تقدم الاعتقاد الصحيح فهو مشرك،
وإن طرأ عليه فهو مرتد كما لا يخفى. وقال الرستغفني: لا تجوز المناكحة بين أهل السنة
والاعتزال. وقال الفضل: لا يجوز بين من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى لأنه كافر،
ومقتضاه منع مناكحة الشافعية واختلف فيها هكذا، قيل يجوز، وقيل يتزوج بنتهم ولا
يزوجهم بنته. وعلله في البزازية بقوله تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب. وقد قدمنا في باب
الوتر والنوافل إيضاح هذه المسألة وأن القول بتكفير من قال أنا مؤمن إن شاء الله غلط

181
ويجب حمل كلامهم على من يقول ذلك شاكا في إيمانه والشافعية لا يقولون به فتجوز المناكحة
بين الحنفية والشافعية بلا شبهة. وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم لأن الحق عدم
تكفير أهل القبلة كما قدمنا نقله عن الأئمة في باب الإمامة. وأفاد بحرمة نكاحهما حرمة
وطئهما أيضا بملك اليمين خلافا لسعيد بن المسيب وجماعة لورود الاطلاق في سبايا العرب
كأوطاس وغيرها وهن مشركات، وعامة العلماء منعوا من ذلك للآية، فإما إن يراد بالنكاح
الوطئ أو كل منه ومن العقد بناء على أنه مشترك في سياق النفي أو خاص في الضم وهو
ظاهر في الامرين ويمكن كون سبايا أوطاس أسلمن. وقيدنا بالمسلم لما في الخانية: وتحل
المجوسية والوثنية لكل كافر إلا المرتد ا ه‍. يعني يجوز تزوج اليهودي نصرانية أو مجوسية
وعكسه جائز لأنهم أهل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم.
قوله: (وحل تزوج الكتابية) لقوله تعالى * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) *
(المائدة: 5) أي العفائف عن الزنا بيانا للندب لا أن العفة فيهن شرط. وعن ابن عمر أنها لا
تحل لأنها مشركة لأنهم يعبدون المسيح وعزيرا، وحمل المحصنات في الآية على من أسلم
منهن. وللجمهور أن المشرك ليس من أهل الكتاب للعطف في قوله تعالى * (لم يكن الذين
كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * (البينة: 1) والعطف يقتضي المغايرة. وفي قوله تعالى *
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) * (المائدة: 82) وفي التبيين:
ثم كل من يعتقد دينا سماويا وله كتاب منزل كصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فهو من
أهل الكتاب فتجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم خلافا للشافعي فيما عدا اليهود والنصارى
والحجة عليه ما تلونا. وفي فتح القدير: الكتابي من يؤمن بنبي ويقر بكتاب والسامرية من
اليهود. أطلق المصنف الكتابية هنا وقيدها في المستصفى بقوله: قالوا هذا يعني الحل إذا لم
يعتقد المسيح إلها، أما إذا اعتقده فلا. ويوافقه ما في مبسوط شيخ الاسلام: ويجب أن لا
يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله، ولا يتزوجوا نساءهم.
قيل: وعليه الفتوى ولكن بالنظر إلى الدلائل ينبغي أنه يجوز الاكل والتزوج ا ه‍. وحاصله أن
المذهب الاطلاق لما ذكره شمس الأئمة في المبسوط من أن ذبيحة النصراني حلال مطلقا،
سواء قال بثالث ثلاثة أولا لاطلاق الكتاب هنا والدليل. ورجحه في فتح القدير بأن القائل
بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا لا كلهم مع أن مطلق لفظ المشرك إذا ذكر في
لسان أهل الشرع لا ينصرف إلى أهل الكتاب وإن صح لغة في طائفة أو طوائف لما عهد من
إرادته به من عبد مع الله غيره ممن لا يدعي اتباع نبي وكتاب إلى آخر ما ذكره. وفي معراج
الدراية: اختلف العلماء في أن لفظ المشرك يتناول أهل الكتاب، والأصح أن اسم المشرك
مطلقا لا يتناوله للعطف في الآية. ثم المشرك ثلاثة: مشرك ظاهرا وباطنا كعبدة الأوثان،
ومشرك باطنا لا ظاهرا كالمنافقين، ومشرك معنى كأهل الكتاب. ففي قوله * (سبحانه وتعالى

182
عما يشركون) * (يونس: 18) المراد مطلق الشرك، وكذا في قوله تعالى * (إن الله لا يغفر أن
يشرك به) * (النساء: 116) فيتناول جميع الكفار. وفي قوله * (ولا تنكحوا المشركات) * (
البقرة: 221) المراد به المشرك ظاهرا وباطنا وهو الوثني فلا يتناول أهل الكتاب والمنافقين
ا ه‍. وأطلقه أيضا فشمل الكتابية الحرة والأئمة، واتفق الأمة الأربعة على حل الحرة واختلفوا
في حل الأمة كما سيأتي. هذا والأولى أن لا يتزوج كتابية ولا يأكل ذبائحهم إلا لضرورة.
وفي المحيط: يكره تزوج الكتابية الحربية لأن الانسان لا يأمن أن يكون بينهما ولد فينشأ على
طبائع أهل الحرب ويتخلق بأخلاقهم فلا يستطيع المسلم قلعه عن تلك العادة ا ه‍. والظاهر
أنها كراهة تنزية لأن التحريمية لا بد لها من نهي أو ما في معناه لأنها في رتبة الواجب. وفي
الخانية: تزوج الحربية مكروه فإن خرج بها إلى دار الاسلام بقي النكاح ا ه‍. وأشار المصنف
إلى أنه يحل وطئ الكتابية بملك اليمين وسيأتي أن الكتابية إذا تمجست فإنه ينفسخ نكاحها من
المسلم بخلاف اليهودية إذا تنصرت أو عكسه. وذكر الأسبيجابي أن للمسلم منع الذمية إذا
تزوجها من الخروج إلى الكنائس والبيع وليس له إجبارها على الغسل من الحيض والجناية.
وفي الخانية من فصل الجزية من السير: مسلم له امرأة ذمية ليس له أن يمنعها من شرب
الخمر لأن شرب الخمر حلال عندها وله أن يمنعها عن اتخاذ الخمر في المنزل ا ه‍. وهو
مشكل لأنه وإن كان حلالا عندها لكن رائحتها تضره فله منعها كمنع المسلمة من أكل الثوم
والبصل ولذا قال الكركي في الفيض قبيل باب التيمم: إن المسلم له أن يمنع زوجته الذمية
من شرب الخمر كالمسلمة لو أكلت الثوم والبصل وكان زوجها يكره ذلك له أن يمنعها ا ه‍.
وهذا هو الحق كما لا يخفى.
قوله: (والصابئة) أي وحل تزوجها. أطلقه وقيده في الهداية بقوله: إن كانوا يؤمنون
بدين نبي ويقرون بكتاب الله لأنهم من أهل الكتاب وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب
لهم لم تجز مناكحتهم لأنهم مشركون، والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم فكل
أجاب على ما وقع عنده وعلى هذا حل ذبيحتهم ا ه‍. وصححه أيضا في غاية البيان وغيره
من أنه لا خلاف بينهم في الحقيقة لكن ظاهر الهداية أن منع مناكحتهم مقيد بقيدين: عبادة
الكواكب وعدم الكتاب. فلو كانوا يعبدون الكواكب ولهم كتاب تجوز مناكحتهم وهو قول
بعض المشايخ زعموا أن عبادة الكواكب لا تخرجهم عن كونهم أهل الكتاب، والصحيح أنهم
إن كانوا يعبدونها حقيقة فليسوا أهل كتاب، وإن كانوا يعظمونها كتعظيم المسلمين للكعبة فهم

183
أهل كتاب كذا في المجتبى. وفي الكشاف: إنهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية
وعبدوا الملائكة من صبأ إذا خرج من الدين.
قوله: (والمحرمة ولو محرما) أي حل تزوجها ولو كان الزوج محرما لحديث الجماعة عن
ابن عباس أنه عليه السلام تزوج ميمونة وهو محرم. زاد البخاري وبنى بها وهو حلال
وماتت بسرف وأما ما رواه يزيد بن الأصم من أنه تزوجها وهو حلال فلم يقو قوة هذا فإنه
مما اتفق عليه الستة، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري ولا النسائي، وأيضا لا يقاوم بابن
عباس حفظا وإتقانا، وقد أطال في فتح القدير في وجوه ترجحه، وذكروا ترجيحه في
الأصول من باب البيان في تعارض النفي والاثبات. وأما ما رواه الجماعة إلا البخاري أنه
عليه السلام قال المحرم لا ينكح ولا ينكح (1) فحمله المشايخ على الوطئ في الجملة الأولى
فالمنهي الرجل، وعلى التمكين منه في الجملة الثانية فالمنهي المرأة والتذكير باعتبار الشخص
وكلمة لا فيه جاز أن تكون ناهية ودخولها على المسند للغائب جائز عند المحققين وإن كان
غيره أكثر، وجاز أن تكون نافية. وفي النهاية والمعراج: إن المعنى الثانية لا يمكن المرأة من
نفسه لتطأه كما هو فعل البعض فجعل التذكير على حقيقته وأن المنهي الرجل فيهما، والياء
مفتوحة في الجملة الأولى مضمومة في الثانية مع كسر الكاف نفيا للانكاح، ومن فتح الكاف
من الثانية فقد صحف. وجوز في فتح القدير حمل النكاح فيه على العقد ويكون النهي فيه
للكراهية جمعا بين الدلائل، وذلك لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة لأنه
يوجب شغل قلبه وهو محمل قوله ولا يخطب ولا يلزم كونه عليه السلام باشره لعدم شغل
قلبه بخلافنا ا ه‍. وحمل في غاية البيان قوله ولا يخطب على النهي عن التماس الوطئ
توفيقا بين الأحاديث.
قوله: (والأمة ولو كتابية) أي حل تزوجها خلافا للشافعي، وأصله التقييد بالوصف
والشرط في قوله تعالى * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت
أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * (النساء: 25) والخلاف مبني على مسألة أصولية هي أن
مفهوم الشرط والوصف هل يكون معتبرا ينتفي الحكم بانتفائه؟ فقال الشافعي: نعم. وقلنا:
لا فصار الحل ثابتا فيها بالعمومات مثل قوله * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء:

184
3) * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 24) فلذلك جوزنا نكاح الأمة مع طول الحرة
ونكاح الأمة الكتابية وتمامه في الأصول. وعلى تقدير اعتبار مفهومهما فمقتضاهما عدم
الإباحة الثابتة عند وجود القيد المبيح وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ولا
دلالة للأعم على الأخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند عدم الضرورة وعند وجود
طول الحرة كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء والكراهة أقل فتعينت فقلنا بها. وبالكراهة
صرح في البدائع، كذا في فتح القدير. وقد يقال مقتضاهما عدم الحل لا عدم الإباحة وعدم
الحل مدعاه، والظاهر أن الكراهة في كلام البدائع تنزيهية فلم يخرج عن المباح بالكلية وإن
كان الترك راجحا على الفعل. نعم عدم الإباحة أعم من الحرام والمكروه تحريما، والظاهر من
كلام الفقهاء أن المباح عندهم ما أذن الشارع في فعله لا ما استوى فعله وتركه كما هو في
الأصول، والخلف لفظي كما عرف في بحث الامر من البدائع وغيره قوله: (والحرة على
الأمة لا عكسه) أي حل إدخال الحرة على الأمة ولا يحل إدخال الأمة على الحرة المتزوجة
بنكاح صحيح للحديث لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة وهو بإطلاقه حجة
على الشافعي في تجويز ذلك للعبد، وعلى مالك في تجويزه برضا الحرة، ولان للرق أثرا في
تنصيف النعمة على ما نقرره في الطلاق إن شاء الله تعالى: فيثبت به حل المحلية في حالة
الانفراد دون حالة الانضمام، وتمامه في فتح القدير. وفي المحيط: ولا يجوز نكاح الأمة على
الحرة ولا معها ويجوز نكاح الحرة على الأمة ومعها، ولو تزوج أمة بغير إذن مولاها ولم يدخل
بها ثم تزوج حرة ثم أجاز المولى لم يجز لأن نكاح الأمة ارتفع بنكاح الحرة لأن الملك والحل
إنما يثبت عند الإجازة فكان للإجازة حكم إنشاء العقد في حق الحكم فيصير متزوجا أمة على
حرة، ولو تزوج ابنتها وهي حرة قبل الإجازة جاز لأن النكاح الموقوف عدم في حق المحل
فلا يمنع نكاح غيرها ا ه‍. قيد بالنكاح لأنه يجوز له مراجعة الأمة على الحرة لأن الملك فيها
باق. ذكره الزيلعي في الرجعة. وفي المحيط: ولو تزوج أربعا من الإماء وخمسا من الحرائر
في عقد صح نكاح الإماء لأن التزوج بالخمس باطل فلم يتحقق الجمع فصح نكاح الإماء
ا ه‍. قوله: (ولو في عدة الحرة) أي لا يحل إدخال الأمة في عدة الحرة. أطلقه فأفاد أنه لا
فرق أن تكون العدة عن طلاق رجعي أو بائن، ولا خلاف في المنع في الأول لأن المطلقة
رجعيا زوجة، وفي الثاني خلاف قالا: لا يحرم لأن هذا ليس بتزوج عليها وهو المحرم ولهذا
لو حلف أن لا يتزوج عليها لم يحنث بهذا بخلاف تزوج الأخت في عدة الأخت من طلاق

185
بائن فإنه لا يجوز إجماعا. والفرق لهما أن الممنوع في تلك الجمع وقد وجد وهنا الممنوع
الادخال عليها لتنقيصها إلا الجمع والادخال للتنقيص ليس بموجود في المبانة. وقال الإمام:
إنه حرام لأن نكاح الحرة باق من وجه لبقاء بعض الأحكام فبقي المنع احتياطا بخلاف اليمين
لأن المقصود أن لا يدخل غيرها في قسمها. كذا في الهداية. وظاهره أنه لو حلف لا يتزوج
عليها فطلقها رجيعا ثم تزوج وهي في العدة لا يحنث أيضا لأنه لا قسم لها كالمبانة. ذكره في
البدائع لكن علله في فتح القدير بأن العرف لا يسمى متزوجا عليها بعد الإبانة وهو يفيد
الحنث في الرجعي وهو الظاهر، لأن النكاح قائم فيه من كل وجه. أطلق في الأمة فشمل
المدبرة وأم الولد والمكاتبة لأنها كما في الصحاح خلاف الحرة، وقيدنا نكاح الحرة بالصحيح
لأن نكاحها الفاسد ولو في العدة والمعتدة عن وطئ بشبهة لا يمنع نكاح الأمة لعدم اعتباره.
قوله: (وأربع من الحرائر والإماء) أي وحل تزوج أربع لا أكثر لقوله تعالى * (فانكحوا
ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * (النساء: 3) اتفق عليه الأئمة الأربعة وجمهور
المسلمين، ولا اعتبار بخلاف الروافض، ولا حاجة إلى الإطالة في الرد عليهم. قال القاضي
البيضاوي: مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، وثلاث ثلاث،
وأربع أربع، وهي غير منصرفة للعدل والصفة فإنها بنيت صفات وإن كانت أصولها لم تبين
لها. وقيل: لتكرار العدل فإنها معدولة باعتبار الصيغة والتكرير منصوبة على الحال من فاعل
طاب، ومعناها الاذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكورين متفقين
ومختلفين كقوله: اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، ولو أفرد كان المعنى
تجويز الجمع بين هذه الاعداد دون التوزيع، ولو ذكرت ب‍ " أو " لذهب تجويز الاختلاف في
العدد ا ه‍. وفي فتح القدير: وحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلوما وهذه الآية لبيان
حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التخيير بين الجمع والتفريق في ذلك. وإنما كان العدد
في الآية مانعا من الزيادة وإن كان من حيث هو عدد لا يمنعها لوقوعه حالا قيدا في
الاحلال. قيد بالتزوج لأن له التسري بما شاء من الإماء لاطلاق قوله تعالى * (أو ما ملكت
أيمانكم) * (النساء: 3) وفي الفتاوى: رجل له أربع نسوة وألف جارية وأراد أن يشتري
جارية أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر ا ه‍. ولم أر حكم ما إذا أراد أن يتزوج على امرأته
الأخرى فلامه رجل وينبغي أن لا يخاف عليه الكفر لما أن في تزوج الجمع من النساء مشقة
شديدة بسبب وجوب العدل بينهن، ولذا قال تعالى * (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) *

186
(النساء: 3) بخلاف الجمع من السراري فإنه لا قسم بينهن مع أنهم قالوا: إذا ترك التزوج
على امرأته كيلا يدخل الغم على زوجته التي عنده كان مأجورا مع أنه لا ينبغي اللوم على
شئ من ذلك لقوله تعالى * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (المؤمنون: 5) قوله: (واثنتين للعبد) أي رجل تزوج اثنتين له
حرتين كانتا أو أمتين، ولا يجوز أكثر منه في النكاح لاجماع الصحابة، ولان الرق منصف
نعمة وعقوبة. أطلق في العبد فشمل المدبر والمكاتب، وقيد بالتزوج لأنه لا يحل له التسري
ولا أن يسريه مولاه. ولا يملك المكاتب والعبد شيئا إلا الطلاق. ذكره الأسبيجابي. وحاصله
أن الحل منحصر في عقد النكاح وملك اليمين ولم يكن الثاني للعبد لأنه لا يملك وإن ملك
فانحصر حله في عقد النكاح.
قوله (وحبلى من زنا لا من غيره) أي وحل تزويج الحبلى من الزنا ولا يجوز تزوج الحبلى
من غير الزنا. أما الأول فهو قولهما. وقال أبو يوسف: هو فاسد قياسا على الثاني وهي
الحبلى من غيره، فإن تزوجها لا يصح إجماعا لحرمة الحمل، وهذا الحمل محترم لأنه لا حناية
منه ولهذا لم يجر إسقاطه. ولهما أنهما من المحللات بالنص وحرمة الوطئ كيلا لا يسقي ماءه
زرع غيره والامتناع في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني. ومحل الخلاف تزوج
غير الزاني، أما تزوج الزاني لها فجائز اتفاقا وتستحق النفقة عند الكل ويحل وطؤها عند الكل
كما في النهاية. وقيد بالتزوج لأن وطأها حرام اتفاقا للحديث من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يستقين ماءه زرع غيره (1) فإن قيل: فم الرحم ينسد بالحبل فكيف يكون سقى
زرع غيره؟ قلنا: شعره ينبت من ماء الغير. كذا في المعراج. وحكم الدواعي على قولهما
كالوطئ كما في النهاية. وذكر التمرتاشي أنها لا نفقة لها، وقيل لها ذلك والأول أوجه لأن
المانع من الوطئ من جهتها بخلاف الحيض فإنه سماوي. كذا في فتح القدير. وأطلق في
قوله لا من غيره فشمل الحامل من حربي كالمهاجرة والمسبية، وروي عن أبي حنيفة صحة
العقد كالحامل من الزنا، وصحح الشارح المنع وهو المعتمد. وفي فتح القدير: إنه ظاهر
المذهب. وشمل أم الولد فلو زوج أم ولده وهي حامل منه فالنكاح باطل لأنها فراش لمولاها
حيث يثبت نسب ولدها منه من غير دعوى، فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين إلا
أنه غير متأكد حتى ينتفي الولد بالنفي من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به الحمل. كذا في

187
الهداية. وظاهره أن المولى اعترف بأن الحمل منه لأنه قال وهي حامل منه فلذا لم يكن تزويجه
إياها نفيا للولد دلالة لأن الصريح بخلافه. فلو لم يعترف به وزوجها وهي حامل ينبغي أن
يجوز النكاح ويكون نفيا دلالة فإن النسب كما ينتفى بالصريح ينتفي بالدلالة بدليل مسألة
الأمة جاءت بأولاد ثلاثة فادعى المولى أكبرهم حيث يثبت نسبه وينتفي نسب غيره بدلالة
اقتصاره على البعض كما في فتح القدير.
قوله: (والموطوءة بملك) أي حل تزوج من وطئها المولى بملك يمين لأنها ليست
بفراش لمولاها لأنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوى فلا يلزم الجمع بين
الفراشين، وأفاد أنه يحل له وطؤها من غير استبراء وهو قولهما. وقال محمد: لا أحب أن ى
يطأها حتى يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء. ولهما أن
الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا بخلاف الشراء
لأنه يجوز مع الشغل. كذا في الهداية. وذكر في النهاية أنه لا خلاف بينهم في الحاصل فإن
أبا حنيفة قال: للزوج أن يطأها بغير استبراء واجب ولم يقل لا يستحب. ومحمد لم يقل أيضا
هو واجب ولكنه قال: لا أحب له أن يطأها ا ه‍. وفيه نظر لأن ما في الهداية من قوله لا
يؤمر به لا استحبابا ولا وجوبا يأبى هذا الحمل ولم يذكر المصنف استبراء المولى. وفي
الهداية: عليه أن يستبرئها صيانة لمائه. وظاهره الوجوب، وحمله في النهاية والمعراج على
الاستحباب دون الحتم. وفي الذخيرة: وإذا أراد الرجل أن يزوج أمته من إنسان وقد كان
يطؤها بعض مشايخنا قالوا: يستحب له أن يستبرئها بحيضة ثم يزوجها كما لو أراد بيعا.
والصحيح أنه ههنا يجب الاستبراء وإليه مال شمس الأئمة السرخسي ا ه‍. وقد جعل
الوجوب في الحاوي الحصيري قول محمد. أطلق في الموطوءة بالملك فشمل أم الولد ما لم
تكن حبلى منه كما قدمناه قوله: (أو زنا) أي وحل تزوج الموطوءة بالزنا أي الزانية لو رأى
امرأة تزني فتزوجها جاز وللزوج أن يطأها بغير استبراء. وقال محمد: لا أحب له أن يطأها
من غير استبراء. وهذا صريح في جواز تزوج الزانية. وأما قوله تعالى * (والزانية لا ينكحها
إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) * (النور: 3) فمنسوخ بقوله تعالى * (فانكحوا ما
طاب لكم) * (النساء: 3) على ما قيل بدليل الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس فقال عليه السلام: طلقها. فقال: إني أحبها وهي
جميلة. فقال عليه السلام: استمتع بها. وفي المجتبى من آخر الحظر والإباحة لا يجب على
الزوج تطليق الفاجرة ولا عليها تسريح الفاجر إلا إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن

188
يتفرقا ا ه‍ قوله: (والمضمومة إلى محرمة) أي وحل نكاح امرأة محللة ضمت إلى امرأة محرمة
كأن عقد على امرأتين إحداهما محرمة أو ذات زوج أو وثنية بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد
في البيع حيث لا يصح في العبد لأن قبول العقد في الحر شرط فاسد في بيع العبد وهنا
المبطل يخص المحرمة والنكاح لا يبطل بالشرط الفاسد.
قوله: (والمسمى لها) أي جميع المسمى للمحللة المضمومة إلى محرمة عند أبي حنيفة نظرا
إلى أن ضم المحرمة في عقد النكاح لغو كضم الجدار لعدم المحلية والانقسام من حكم المساواة
في الدخول في العقد، ولم يجبت الحد بوطئ المحرمة لأن سقوطه من حكم صورة العقد لا
من حكم انعقاده، فليس قوله بعدم الانقسام بناء على أن عدم الدخول في العقد مناف
لقوله بسقوط الحد لوجود صورة العقد كما قد توهم كما لا يخفى. وعندهما يقسم على مهر
مثليهما كان يكون المسمى ألفا ومهر مثل المحرمة ألفان والمحللة ألف فيلزم ثلاث مائة وثلاث
وثلاثون وثلث درهم للمحللة ويسقط الباقي نظرا إلى أن المسمى قوبل بالبضعين فينقسم
عليهما كما لو جمع بين عبدين فإذا أحدهما مدبر، وكما إذا خاطب امرأتين بالنكاح بألف
فأجابت إحداهما دون الأخرى. وأجيب عن الأول بأن المدبر محل في الجملة لكونه مالا
فدخل تحت الانعقاد فانقسم بخلاف المحرمة لعدم المحلية أصلا. وعن الثاني بأنهما استويا في
الدخول تحت الايجاب للمحلية فانقسم المهر عليهما فترجح قوله على قولهما. وأراد على قوله
ما لو دخل بالمحرمة فإن فيه روايتين: في رواية الزيادات يلزمه مهر مثلها لا يجاوز به حصتها
من المسمى ومقتضاه الدخول في العقد وإلا لوجب مهر المثل بالغا ما بلغ، وجوابه أن المنع
من المجاوزة على ما خصها من المسمى يحصل بمجرد التسمية ورضاها بالقدر المسمى لا
بانعقاد العقد عليها ودخولها تحته وذلك موجود في المحرمة. وفي رواية أخرى يجب مهر
المثل بالغا ما بلغ وهو الأصح كما في المبسوط، ومقتضاه الدخول في العقد وقد قال بعدمه
وهو يقتضي أجنبيتها عنه فلا يجب مهر المثل لأنه فرع الدخول في عقد فاسد، وجوابه أن
وجوبه بالعذر الذي وجب به درء الحد وهو صورة العقد وأورد على قولهما أيضا كيف وجب
لها حصتها من الألف بالدخول وهو حكم دخولها في العقد، ثم يجب الحد ولا يجتمع الحد
والمهر ولا مخلص إلا بتخصيصهما الدعوى فيجب الحد لانتفاء شبهة الحل والمهر للانقسام
بالدخول في العقد قوله: (وبطل نكاح المتعة والموقت) وفرق بينهما في النهاية والمعراج بأن
يذكر في الموقت لفظ النكاح أو التزويج مع التوقيت، وفي المتعة لفظ أتمتع بك أو
أستمتع. وفي العناية بفرق آخر أن الموقت يكون بحضرة الشهود ويذكر فيه مدة معينة

189
بخلاف المتعة فإنه لو قال أتمتع بك ولم يذكر مدة كان متعة. والتحقيق ما في فتح القدير أن
معنى المتعة عقد على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته بل إما إلى
مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دام معها إلى أن ينصرف
عنها فيدخل فيه بمادة المتعة والنكاح الموقت أيضا فيكون من أفراد المتعة وإن عقد بلفظ
التزويج وأحضر الشهود إلى آخر ما ذكره. وقد نقل في الهداية إجماع الصحابة على حرمته
وأنها كانت مباحة ثم نسخت. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم كنت أذنت لكم في الاستمتاع
بالنساء وقد حرم الله ذلك إلى يوم القيامة (1) والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة، وما نقل عن
ابن عباس من إباحتها فقد صح رجوعه. وما في الهداية من نسبته إلى مالك فغلط كما ذكره
الشارحون، فحينئذ كان زفر القائل بإباحة الموقت محجوجا بالاجماع لما علمت أن الموقت من
أفراد المتعة. قالوا: ثلاثة أشياء نسخت مرتين: المتعة ولحوم الحمر الأهلية والتوجه إلى بيت
المقدس. أطلق في الموقت فشمل المدة الطويلة أيضا كأن يتزوجها إلى مائتي سنة وهو ظاهر
المذهب وهو الصحيح كما في المعراج، لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة. وشمل المدة
المجهولة أيضا. وقيد بالموقت لأنه لو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر، فإنه جائز لأن
اشتراط القاطع يدل على انعقاده مؤبدا وبطل الشرط كما في القنية. ولو تزوجها وفي نيته أن
يقعد معها مدة نواها فالنكاح صحيح لأن التوقيت إنما يكون باللفظ. قالوا: ولا بأس بتزوج
النهاريات وهو أن يتزوجها ليقعد معها نهارا دون الليل. وينبغي أن لا يكون هذا الشرط
لازما عليها ولها أن تطلب المبيت عندها ليلا لما عرف في باب القسم.
قوله: (وله وطئ امرأة ادعت أنه تزوجها وقضى بنكاحها مبينة ولم يكن تزوجها) وهذا
عند أبي حنيفة. وقالا: ليس له وطؤها لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة فصار كما
إذا ظهر أنهم عبيد أو كفار. ولأبي حنيفة أن الشهود صدقة عنده وهو الحجة لتعذر الوقوف
على حقيقة الصدق بخلاف الكفر والرق لأن الوقوف عليهما متيسر، فإذا ابتنى القضاء على
الحجة وأمكن تنفيذه باطنا بتقديم النكاح نفذ قطعا للمنازعة بخلاف الاملاك المرسلة لأن في

190
الأسباب تزاحما فلا إمكان، وهذه المسألة فرد من أفراد المسألة الآتية في كتاب القضاء وهي أن
القضاء ينفذ بشهادة الزور ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ، وكما يجوز له وطؤها يجوز لها
تمكينه منه. وكذا لو ادعى عليها النكاح فحكمه كذلك، وكذا لو قضى بالطلاق بشهادة الزور
مع علمها حل لها التزوج بآخر بعد العدة وحل للشاهد تزوجها وحرمت على الأول. وعند
أبي يوسف: لا تحل للأول ولا للثاني، وعند محمد تحل للأول ما لم يدخل بها الثاني، فإذا
دخل بها حرمت عليه لوجوب العدة كالمنكوحة. إذا وطئت بشبهة. وأشار بقوله وقضى
بنكاحها إلى اشتراط أن تكون محللا للانشاء حتى لو كانت ذات زوج أو في عدة غيره أو
مطلقه منه ثلاثا لا ينفذ قضاؤه لأنه لا يقدر على الانشاء في هذه الحالة. واختلفوا في اشتراط
حضور الشهود عند قوله قضيت فشرطه جماعة للنفاد باطنا عنده، وذكر المصنف في الكافي
أنه أخذ به عامة المشايخ، وقيل لا يشترط لأن العقد ثبت مقتضى صحة قضائه في الباطن وما
ثبت مقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله أعتق عبدك عني بألف. وذكر
في فتح القدير أن الأوجه عدم الاشتراط ويدل عليه إطلاق المتون. وذكر الفقيه أبو الليث أن
الفتوى على قولهما في أصل المسألة أعني عدم النفاذ باطنا فيما ذكر. وفي فتح القدير
والنهاية: وقول أبي حنيفة أوجه، وقد استدل له بدلالة الاجماع على أن من اشترى جارية ثم
ادعى فسخ بيعها كذبا وبرهن فقضى به حل للبائع وطؤها واستخدامها مع علمه بكذب
دعوى المشتري مع أنه يمكنه التخلص بالعتق وإن كان فيه إتلاف ماله فإنه ابتلي بأمرين فعليه
أن يختار أهونهما وذلك ما يسلم له فيه دينه ا ه‍. ولا يخفى أنه لا يلزم من القول بحل الوطئ
عدم إثمه فإنه أثم بسبب إقدامه على الدعوى الباطلة وإن كان لا إثم عليه بسبب الوطئ،
والحق في الهداية بالعقود والفسوخ العتق والنسب، وقد وقعت لطيفة هي أن بعض المغاربة
بحث مع الأكمل بأنه يمكن قطع المنازعة بالطلاق. فأجابه الأكمل ما تريد بالطلاق الطلاق
المشروع أو غيره لا عبرة بغيره والمشروع يستلزم المطلوب إذ لا يتحقق إلا في نكاح صحيح
وتعقبه تلميذه عمر قارئ الهداية بأنه جواب غير صحيح لأن له أن يريد غير المشروع ليكون
طريقا إلى قطع المنازعة وإن لم يكن في نفسه صحيحا. وتعقبهما تلميذه ابن الهمام بأن الحق

191
التفصيل وهو أن الطلاق المذكور يصلح سببا لقطع المنازعة إن كانت هي المدعية إذا يمكنه
ذلك، وأما إذا كان هو المدعي فلا يمكنها التخلص منه فلم يكن لقطع المنازعة سبب إلا
النفاذ باطنا أن الحكم أعم من دعواها أو دعواه، ولذا صرح المصنف إذا كانت هي المدعية
ليفيد أنه يحل له وطؤها وإن أمكنه طلاقها ليفيد أنه لا عبرة بالطلاق كما هو المذهب والله
تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
باب الأولياء والأكفاء
شروع في بيان ما ليس بشرط لصحة النكاح عندنا وهو الولي. وله معنى لغوي وفقهي
وأصولي. فالولي في اللغة خلاف العدو، والولاية بالكسر السلطان والولاية النصرة. وقال
سيبويه: الولاية بالفتح المصدر، والولاية بالكسر الاسم مثل الامارة والنقابة لأنه اسم لما
توليته وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فتحوا. كذا في الصحاح. وفي الفقه: البالغ العاقل
الوارث، فخرج الصبي والمعتوه والكافر على المسلمة. وفي أصول الدين هو العارف بالله
تعالى وبأسمائه وصفاته حسبما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصي، الغى
المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد، والولاية في الفقه تنفيذ القول على
الغير شاء أو أبى وهي في النكاح نوعان: ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على العاقلة
البالغة بكرا كانت أو ثيبا، وولاية إجبار وهي الولاية على الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا، وكذا
الكبيرة المعتوهة والمرقوقة. وتثبت الولاية بأسباب أربعة: بالقرابة والملك والولاء والإمامة.
والأكفاء جمع كف ء وهو النظير كما في المغرب وسيأتي بيانه.
قوله: (نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي) لأنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله

192
لكونها عاقلة بالغة، ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج. وإنما يطالب الولي
بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة، ولذا كان المستحب في حقها تفويض الامر إليه. والأصل
هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه، وكل من لا يجوز
تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه. ويدل عليه قوله تعالى * (حتى تنكح) *
(البقرة: 230) أضاف النكاح إليها. ومن السنة حديث مسلم الأيم أحق بنفسها من
وليها (1) وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. فأفاد أن فيه حقين: حقه وهو مباشرته
عقد النكاح برضاها وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه،
وأما ما رواه الترمذي وحسنه أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل (2) وما رواه
أبو داود لا نكاح إلا بولي (3) فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على
صحته، أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء، والثاني محمول
على نفي الكمال، أو هي ولية نفسها. وفائدته نفي نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة
والمعتوهة والأمة، كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة
النساء في النكاح فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به.
وأما قوله تعالى * (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * (البقرة: 232) فالمراد بالعضل المنع
حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع
عن العقد بدليل أن ينكحن حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن
المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية * (وإذا طلقتم النساء) *
(البقرة: 232) فلم يكن حجة أصلا. قيده بالحرة احترازا عن الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم
الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى. وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه
لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي. وأطلقها فشمل البكر والثيب، وأطلق فشمل الكفء وغيره.
وهذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء، وما روي

193
عنهما بخلافه فقد صح رجوعهما إليه. وروى الحسن عن الإمام أنه إن كان الزوج كفئا نفذ
نكاحها وإلا فلم ينعقد أصلا. وفي المعراج معزيا إلى قاضيخان وغيره: والمختار للفتوى في
زماننا رواية الحسن. وفي الكافي والذخيرة: وبقوله أخذ كثير من المشايخ لأنه ليس كل قاض
يعدل ولا كل ولي يحسن المرافعة، والجثو بين يدي القاضي مذلة. فسد الباب بالقول بعدم
الانعقاد أصلا. قال صدر الاسلام: لو زوجت المطلقة ثلاثا نفسها من غير كف ء ودخل بها
الزوج ثم طلقها لا تحل للزوج الأول على ما هو المختار. وفي الحقائق: هذا مما يجب حفظه
لكثرة وقوعه. وفي فتح القدير: فإن المحلل في الغالب يكون غير كف ء، وأما لو باشر الولي
عقد المحلل فإنها تحل للأول ا ه‍. وسيأتي في الكفاءة أن كثيرا من المشايخ أفتوا بظاهر
الرواية. وهذا كله إذا كان لها أولياء، أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا. ولا
يخفى أنه لا يشترط مباشرة الولي للعقد لأن رضاه بالزوج كاف لكن لو قال الولي رضيت
بتزوجها من غير كف ء ولم يعلم بالزوج عينا هل يكفي صارت حادثة للفتوى، وينبغي أن لا
يكفي لأن الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره قاضيخان في فتاواه في مسألة ما إذا استأذنها
الولي ولم يسم الزوج فقال: لأن الرضا بالمجهول لا يتحقق. ولم أره منقولا صريحا وسيأتي
تمامه في الكفاءة إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا تجبر بكر بالغة على النكاح) أي لا ينفذ عقد الولي عليها بغير رضاها عندنا
خلافا للشافعي. له الاعتبار بالصغيرة وهذا لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة ولهذا
يقبض الأب صداقها بغير أمرها. ولنا أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية والولاية
على الصغيرة لقصور عقلها وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب فصار كالغلام وكالتصرف
في المال، وإنما يملك الأب قبض الصداق برضاها دلالة فيبرأ الزوج بالدفع إليه ولهذا لا
يملك مع نهيها. والجد كالأب كما في الخانية، وزاد في جوامع الفقه القاضي وجعله
كالأب. وفي المبسوط بخلاف سائر الأولياء ليس لهم حق قبض مهرها بدون أمرها لأنه
معبر، وكما لا تتوجه المطالبة عليه بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وبخلاف
سائر الديون فإن لأب لا يملك قبضها كما في المحتبى. وهذا كله إذا قبض الأب المسمى. قال

194
في الظهيرية: رجل تزوج امرأة بكرا بالغة على مهر مسمى ودفع إلى أبيها مهرها ضيعة
فلما بلغها الخبر قالت لا أرضى بما فعل الأب ينظر، إن كان في بلدة لم يجر التعارف بدفع
الضيعة في المهر لم يجز لأن هذا شراء والبلوغ قاطع للولاية، وإن كان في بلدة جرى التعارف
بذلك جاز لأن هذا قبض للمهر، وإن كانت البنت صغيرة فأخذ الأب مكان المهر ضيعة لا
تساوي المهر، فإن كان في بلد جرى التعارف بذلك جاز وإلا فلا ا ه‍. زاد في الذخيرة:
وعليه الفتوى. وفيها أيضا: وليس للأب قبض ما وهبه أو أهداه الزوج للبكر البالغة قبل
الدخول حتى لو قبضها بغير إذنها كان للزوج الاسترداد ا ه‍. وأما قبض مهر الصغيرة فللأب
والجد والوصي دون سائر الأولياء ولو أما، فلو دفعه إلى أمها فإن وصية برئ وإلا خيرت بعد
بلوغها بين أخذها منه أو منها، وله أن يرجع على الام إن أخذت منه البنت كما في المحيط
وغيره. وللأب والجد المطالبة به وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها بخلاف النفقة، والقاضي
كالأب إلا إذا زفت، وليس لاحد قبض مهر الثيب البالغة فلو اختلف الأب والزوج في
الدخول فالقول للأب ويحلف على نفي العلم إن لم تعترف المرأة به، وله تحليفها أيضا على أنه
لم يدخل بها كما في الذخيرة. وإقرار الأب بقبض الصداق عند إنكارها وعدم البينة غير
مقبول إن كانت وقته ثيبا بالغة وإلا فقبول وإقراره أنه قبضه وهي صغيرة مع إنكارها وعدم البينة غير
البيان غير مقبل وإن كانت وقته بالغة وإلا فمقبول ترجع على الزوج، وليس للزوج أن يرجع
على الأب إلا إذا شرط براءته من الصداق وقت القبض. كما في فتح القدير وغيره. وفي
الذخيرة: والحكم بين الوكيل والمدين ورب الدين في مثل هذا نظير الحكم فيما بين الأب
والمرأة والزوج ا ه‍. وفي المحيط: رجل قبض مهر ابنته من الزوج ثم ادعى عليه الرد ثانيا إن
كانت المرأة بكرا لم يصدق إلا ببينة لأن له حق القبض وليس له حق الرد، وإن كانت ثيبا

195
صدق لأنه ليس له حق القبض فإذا قبض بأمر الزوج كان أمانة للزوج عنده فيصدق في رد
الأمانة عليه كالمودع إذا قال رددت الوديعة ا ه‍. وفي الذخيرة: للأب المخاصمة مع الزوج
في مهر البكر البالغة كما له أن يقبضه، ولا يشترط إحضار المرأة للاستيفاء عندنا خلافا لزفر.
فإن قال الزوج للقاضي مر الأب فليقبض المهر مني وليسلم الجارية إلي فإن القاضي يقول له
اقبض المهر وادفعها إليه، فإن امتنع الأب من ذلك ليس على الزوج دفعه إليه، ولو قال الأب
ليست في منزلي ولا أعرف مكانها فليس على الزوج دفعه أيضا، وإن قال الأب هي في منزلي
وإنما أقبض المهر وأجهزها به وأسلمها إليه فالقاضي يأمر الزوج بالدفع إليه فإنه طلب الزوج
كفيلا بالمهر فالقاضي يأمر الأب بكفيل بالمهر، فإذا أتى بكفيل أمر الزوج بدفع المهر، فإن
سلم البنت إليه برئ الكفيل، وإن عجز عن ذلك توصل الزوج إلى حقه بالكفيل فيعتدل
النظر من الجانبين، وهكذا كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع وقال: القاضي يأمر الأب أن
يجعل المرأة مهيأة للتسليم ويحضرها ويأمر الزوج بدفع المهر والأب بتسليم البنت فيكون دفع
الزوج المهر عند تسليمها نفسها إلى الزوج لأن النظر لا يحصل للزوج بالكفالة لأنه لا يصل
إلى المرأة لا محالة بالكفالة، وإنما النظر في تسليم المهر بحضرتها. قال الخصاف: وهذا أحسن
القولين ا ه‍. وفي الخلاصة: الأب إذا جعل بعض مهر البنت آجلا والبعض عاجلا ووهب
البعض كما هو المعهود ثم قال إن لم تجز البنت الهبة فقد ضمنت من مالي أن أؤدي قدر الهبة
لا يصح هذا الضمان ا ه‍.
قوله: (وإن استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت أو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو
إذن) لقوله عليه الصلاة والسلام البكر تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت ولان
حيثية الرضا فيه راجحة لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد، والضحك أدل على
الرضا من السكوت. والأصل أن سكوت البكر للاستئمار وكالة وللعقد إجازة كما ذكره
الأسبيجابي، فالاذن في عبارة المختصر مشترك بين الوكالة والإجازة، ففي المسألة الأولى
توكيل، وفي الثانية إجازة. ويتفرع على كونه توكيلا أن الولي لو استأذنها في رجل معين
فقالت يصلح أو سكتت ثم لما خرج قالت لا أرضى ولم يعلم الولي بعدم رضاها فزوجها فهو
صحيح كما في الظهيرية، لأن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم. وليس السكوت إذنا حقيقيا لما
في الخانية من الايمان: إذا حلفت أن لا تأذن في تزويجها فسكتت عند الاستئمار لا تحنث
ا ه‍. والمراد بالولي من له ولاية استحباب لأن الكلام في البالغة العاقلة فيفيد أنه ليس لها ولي

196
أقرب منه لأنه حينئذ له الولاية المذكورة، فلو استأذنها من غيره أقرب منه فلا يكون سكوتها
إذنا، ولا بد من النطق لأن الابعد مع الأقرب كالأجنبي كما ذكره الأسبيجابي، ولهذه النكتة
عبر بالولي دون القريب. ودخل تحت الولي القاضي لأن له ولاية الاستحباب في نكاحها ولذا
قال في الخانية: والقاضي عند عدم الأولياء بمنزلة الولي في ذلك ا ه‍. فيكفي سكوتها.
ودخل أيضا المولى في نكاح المعتقة إذا كانت بكرا بالغة كما في القنية: ولو زوجها وليان
متساويان كل واحد منهما من رجل فأجازتهما معا بطلا لعدم الأولوية، وإن سكتت بقيا
موقوفين حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل وهو ظاهر الجواب كما في البدائع. وحكم
رسول الولي كالولي لأنه قائم مقامه فيكفي سكوتها. واختاره أكثر المتأخرين كما في الذخيرة.
والمراد بالسكوت ما كان عن اختيار لما في الخانية: لو أخذها العطاس أو السعال حين أخبرت
فلما ذهب الغطاس أو السعال قالت لا أرضى صح ردها، وكذا لو أخذ فمها ثم ترك فقالت
لا أرضى لأن ذلك السكوت كان عن اضطرار. وأطلقه فشمل ما إذا كانت عالمة بحكمه أو
جاهلة، وشمل ما إذا استأذنها لنفسه لما في الجوامع: لو استأذن بنت عمه لنفسه وهي بكر
بالغة فسكتت فزوجها من نفسه جاز لأنه صار وكيلا بسكوتها ا ه‍. وقيد بالسكوت لأنها لو
ردته ارتد، وقولها لا أريد الزوج أو لا أريد فلانا سواء في أنه رد، سواء كان قبل التزويج
أو بعده، وهو المختار كما في الذخيرة: ولو قالت بعد الاستئمار غيره أولى منه فليس بإذن
وهو إجازة بعد العقد. كما فيها أيضا. وفرقوا بينهما بأنه يحتمل الاذن وعدمه فقبل النكاح لم
يكن النكاح فلا يجوز بالشك، وبعد النكاح كان فلا يبطل بالشك. كذا في الظهيرية وهو
مشكل، لأنه لا يكون نكاحا إلا بعد الصحة وهو بعد الاذن فالظاهر أنه ليس بإذن فيهما،
وقولها ذلك إليك إذن مطلقا بخلاف قولها أنت أعلم أو أنت بالمصلحة أخبر وبالأحسن أعلم

197
كما في فتح القدير. وأراد بالسكوت السكوت عن الرد لا مطلق السكوت لأنه لو بلغها
الخبر فتكلمت بكلام أجنبي فهو سكوت هنا فيكون إجازة، فلو قالت الحمد لله اخترت
نفسي أو قالت هو دباغ لا أريده فهذا كلام واحد فكان ردا. كذا في الظهيرية.
وأطلق في الضحك فشمل التبسم وهو الصحيح كما في القدير. ولا يرد عليه ما إذا
ضحكت مستهزئة فإنه لا يكون إذنا وعليه الفتوى. وضحك الاستهزاء لا يخفى على من
يحضره لأن الضحك إنما جعل إذنا لدلالته على الرضا فإذا لم يدل على الرضا لم يكن إذنا.
وأطلق في الاستئذان فانصرف إلى الكامل وهو بأن يسمى لها الزوج على وجه يقع لها به
المعرفة ويسمى لها المهر، أما الأول فلا بد منه لتظهر رغبتها فيه من رغبتها عنه، فلو قال
أزوجك من رجل فسكتت لا يكون إذنا، فلو سمى فلانا أو فلانا فسكتت فله أن يزوجها من
أيهما شاء، وكذا لو سمى جماعة مجملا فإن كانوا يحصون فهو رضا نحو من جيراني أو بني
عمي وهم كذلك، وإن كانوا لا يحصون نحو من بني تميم فليس برضا كما في المحيط. وهذا
كله إذا لم تفوض الامر إليه، أما إذا قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله إن أقواما
يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه فهو استئذان صحيح كما في الظهيرية، وليس له بهذه
المقالة أن يزوجها من رجل ردت نكاحه أولا لأن المراد بهذا العموم غيره كالتوكيل بتزويج
امرأة ليس للوكيل أن يزوجه مطلقته إذا كان الزوج قد شكا منها للوكيل وأعلمه بطلاقها كما
في الظهيرية. وأما الثاني ففيه ثلاثة أقوال مصححة: قيل لا يشترط ذكر المهر في الاستئذان
لأن للنكاح صحة بدونه وصححه في الهداية، وقيل يشترط ذكره لأن رغبتها تختلف
باختلاف الصداق في القلة والكثرة وهو قول المتأخرين من مشايخنا كما في الذخيرة. وفي
فتح القدير: إنه الأوجه. وتفرع عليه أنه لو لم يذكر المهر لها قالوا: إن وهبها من رجل نفذ
نكاحه لأنها رضت بنكاح لا تسمية فيه، والنكاح بلفظ الهبة يوجب مهر المثل. وإن زوجها
بمهر مسمى لا ينعقد نكاح الولي لأنها ما رضيت بتسمية الولي فلا ينعقد نكاح الولي إلا
بإجازة مستقلة. كذا في الخانية وغيرها وهو مشكل، لأن مقتضى الاشتراط أن لا يصح
الاستئذان إذا لم يذكره فلم يصح قولهما أنها رضيت بنكاح لا تسمية فيه فسكوتها إنما هو
لعلمها بعدم صحة الاستئذان. وقيل إن كان المزوج أبا أو جدا لا يشترط ذكر المهر عند

198
الاستئذان، وإن كان غيرهما يشترط. وصححه في الكافي والمعراج وكأنه سهو وقع من قائله
لأن التفرقة بين الأب والجد وبين غيرهما إنما هو في تزويج الصغيرة بحكم الجبر، والكلام
إنما هو في الكبيرة التي وجب مشاورتها. والأب في ذلك كالأجنبي لا يفعل شيئا إلا
برضاها فقد اختلف الترجيح فيها، والمذهب الأول لما في الذخيرة أن إشارة كتب محمد تدل
عليه. ولم يذكر المصنف البكاء للاختلاف فيه والصحيح المختار للفتوى أنها إن بكت بلا
صوت فهو إذن لأنه حزن على مفارقة أهلها، وإن كان بصوت فليس بإذن لأنه دليل السخط
والكراهة غالبا لكن في المعراج: البكاء وإن كان دليل السخط لكنه ليس برد حتى لو رضيت
بعده ينفذ العقد، ولو قالت لا أرضى ثم رضيت بعده لا يصح النكاح ا ه‍. وبهذا تبين أن
قول الوقاية والبكاء بلا صوت إذن ومعه رد ليس بصحيح إلا أن يؤول أن معناه ومعه ليس
بإذن لأنه دليل السخط.
وفي فتح القدير: والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن
تعارضت أو أشكل احتيط اه‍. وقدم المصنف مسألة الاستئذان قبل العقد لأنه السنة. قال في
المحيط: والسنة أن يستأمر البكر وليها قبل النكاح بأن يقول إن فلانا يخطبك أو يذكرك
فسكتت وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها اه‍. وهو محمل النهي
في حديث مسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا
رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت. فهو لبيان السنة للاتفاق على أنها لو صرحت
بالرضا بعد العقد نطقا فإنه يجوز. وأراد ببلوغها الخبر علمها بالنكاح فدخل فيه ما لو زوجها
الولي وهي حاضرة فسكتت فإنه إجازة على الصحيح، وعلمها به يكون بإخبار وليها أو
رسوله مطلقا أو فضولي عدل أو اثنين مستورين عند أبي حنيفة ولا يكفي إخبار واحد غير
عدل ولها نظائر ستأتي في كتاب القضاء من مسائل شتى، ولا بد في التبليغ من تسمية الزوج

199
لها على وجه تقع به المعرفة لها كما قدمناه في الاستئذان. وأما تسمية المهر فعلى الخلاف
المتقدم، وفرع في التبيين على عدم الاشتراط أنه إن سماه يشترط أن يكون وافرا وهو مهر
المثل حتى لا يكون السكوت رضا بدونه. واختلف فيما إذا زوجها غير كف ء فبلغها فسكتت
فقالا: لا يكون رضا. وقيل في قول أبي حنيفة يكون رضا إن
كان المزوج أبا أو جدا وإن كان غيرهما فلا، كما في الخانية أخذا من مسألة الصغيرة المزوجة من غير كف ء. ولم يذكر
المصنف ما إذا ضحكت بعد بلوغها الخبر مع أنه كضحكها عند الاستئذان لها كما في غاية
البيان اكتفاء بذكره أولا. ولو قال المصنف ولو استأذنها الولي أو زوجها فعلمت به فسكتت
أو ضحكت فهو إذن لكان أولى، والبكاء عند التزويج كهو عند الاستئذان. وأطلق سكوتها
بعد بلوغها الخبر فشمل ما إذا استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت فإنه إجازة على
الصحيح بخلاف ما لو بلغها العقد فردت ثم قالت رضيت حيث لا يجوز لأن العقد بطل
بالرد، ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما إذا زوج قبل الاستئذان إذ غالب حالهن
إظهار النفرة عند فجأة السماع. وفي فتح القدير: والأوجه عدم الصحة لأن ذلك الرد
الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا، ولو كانت قالت قد كنت
قلت لا أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للاخبار بأنها على امتناعها اه‍.
وأشار المصنف بالسكوت عند بلوغ الخبر إلى أنه لو مكنته من نفسها أو طالبته بالمهر
والنفقة يكون رضا لأن الدلالة تعمل عمل الصريح. كذا في غاية البيان. وقيد بقوله أو
زوجها لأن الولي لو تزوجها كابن العم إذا تزوج بنت عمه البكر البالغة بغير إذنها فبلغها
الخبر فسكتت لا يكون رضا لأن ابن العم كان أصيلا في نفسه فضوليا في جانب المرأة فلم
يتم العقد في قول أبي حنيفة ومحمد فلا يعمل الرضا، ولو استأمرها في التزويج من نفسه
فسكتت ثم زوجها من نفسه جاز إجماعا. كذا في الخانية. وأطلق في البكر فشمل ما إذا
كانت تزوجت قبل ذلك وطلقت قبل زوال البكارة ولذا قال في الظهيرية: وإذا فرق القاضي
بين امرأة العنين وبين العنين وجبت عليها العدة وتزوج كما تزوج الابكار. نص عليه في
الأصل. وشمل ما إذا خاصمت الأزواج في المهر وفيه خلاف. قال في الظهيرية: والبكر إذا
خاصمت الأزواج في المهر قبل لا تستنطق، وقيل تستنطق لأن علة وضع النطق الحياء والحياء
زائل عنها اه‍. وينبغي ترجيح الأول لأن العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه وهي
بكر فيكتفى بسكوتها، وإن لم يكن عندها حياء كأبكار زماننا فإن الغالب فيهن عدم الحياء.
وقد يجاب عنه بأنها علة منصوص عليها لا مستنبطة والمنصوص عليها يتعلق الحكم بها وجودا

200
وعدما كالطواف في الهرة ولذا كان سؤر الهرة الوحشية نجسا لفقد الطواف كما عرف في
الأصول. ولا بد أن يكون سكوتها بعد بلوغها الخبر في حياة الزوج وإلا فليس بإجازة لأن
شرطها قيام العقد وقد بطل بموته كما في الفتاوى. وذكر في الخانية: رجل زوج ابنته
البالغة ولم يعلم الرضا والرد حتى مات زوجها فقالت ورثته إنها زوجت بغير أمرها ولم
تعلم بالنكاح ولم ترض فلا ميراث لها وإن قالت هي زوجني أبي بأمري كان القول قولها
ولها الميراث وعليها العدة، وإن قالت زوجني أبي بغير أمري فبلغني الخبر فرضيت فلا مهر
لها ولا ميراث لأنها أقرت أن العقد وقع غير تام فإذا ادعت النفاذ بعد ذلك لا يقبل قولها
لمكان التهمة اه‍.
وأشار المصنف إلى أن السكوت إذا دل على الرضا فإنه يقوم مقام القول وقد ذكروا
مسائل أقيم فيها السكوت مقام التصريح: الأولى سكوت البكر عند الاستئمار. الثانية
سكوتها عند بلوغها الخبر. الثالثة سكوتها عند قبض الأب أو الجد المهر. كذا قالوا، ولا
ينبغي إدخاله فيما نحن فيه لأن له أن يقبض المهر في غيبتها حتى لو ردت عند بلوغها
الخبر بقبضه لا تملك ذلك، نعم لها نهيه عنه قبل القبض كما قدمناه. الرابعة سكوت المالك
عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه العين بحضرته. الخامسة في البيع ولو فاسدا إذا
قبضه المشتري بمرأى من البائع فسكت صح وسقط حق الحبس بالثمن. السادسة إذا
اشترى العبد بحضرة مولاه فسكت كان إذنا في غير الأول. السابعة الصبي إذا اشترى أو
باع بمرأى من وليه فسكت فهو إذن له. الثامنة المشتري بالخيار إذا رأى العبد يبيع ويشتري
فسكت سقط خياره. التاسعة سيد العبد المأسور إذا رآه يباع فسكت بطل حقه في أخذه
بالقيمة. العاشرة إذا سكت الأب ولم ينف الولد مدة التهنئة لزمه فلا ينتقي بعد. الحادية
عشرة السكوت عقيب شق رجل زقه حتى سال ما فيه لا يضمن الشاق ما سال. الثانية
عشرة سكوته عقب حلفه على أن لا أسكن فلانا وفلان ساكن فيحنث. الثالثة عشرة
السكوت عقيب قول رجل واضع غيره على أن يظهرا بيع تلجئة ثم قال بدا لي جعله بيعا
نافذا بمسمع من الآخر ثم عقدا كان نافذا. الرابعة عشرة يصير مودعا بسكوته عقيب وضع
رجل متاعه عنده وهو ينظر. الخامسة عشر الشفيع إذا بلغه البيع فسكت كان تسليما.
السادسة عشر مجهول النسب إذا بيع فسكت كان إقرارا بالرق. السابعة عشر يكون وكيلا
بسكوته عقب الامر ببيع المتاع. الثامنة عشر إذا رأى ملكا له يباع ولو عقارا فسكت حتى
قبضه المشتري سقط دعواه فيه لكن شرط في فتح القدير لسقوط دعواه أن يقبض المشتري
ويتصرف فيه أزمانا وهو ساكت بخلاف السكوت عند مجرد البيع. التاسعة عشر في الوقف
على فلان إذا سكت جاز وإن رده بطل. كذا في الخلاصة من الاقرار وفيه خلاف ذكره في
التبيين من آخر الكتاب أيضا. وفي فتح القدير: والاستقراء يفيد عدم الحصر وهذه

201
المشهورة لا المحصورة اه‍. ولذا زدت عليه مسألة الوقف، ويزاد أيضا الصغيرة إذا زوجها
غير الأب والجد فبلغت بكرا فسكتت ساعة بطل خيارها وهي العشرون، وهي في
المجتبى. ويزاد أيضا ما في المحيط: رجل زوج رجلا بغير أمره فهناه القوم وقبل التهنئة
فهو رضا لأن قبول التهنئة دليل الإجازة وهي الحادية والعشرون.
قوله: (وإن استأذنها غير الولي فلا بد من القول كالثيب) أي فلا يكفي السكوت لأنه
لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضا، ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله
للحاجة ولا حاجة في غير الأولياء بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي لأنه قائم مقامه،
وكذلك الثيب لا يكتفي بسكوتها لأن النطق لا يعد عيبا وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من
النطق في حقها. واستدل له في الهداية بقوله عليه الصلاة والسلام والثيب تشاور (1)

202
ووجهه أن المشاورة لا تكون إلا بالقول وخرج عن حقيقته في البكر بقرينة آخر الحديث
وإذنها صماتها ولم يوجد مثلها في الثيب. وبه اندفع ما ذكره في التبيين. والمراد بالثيب هنا
البالغة إذ الصغيرة لا تستأذن ولا يشترط رضاها كما في المعراج. وأورد في التبيين أيضا على
اشتراط القول أن الرضا بالقول لا يشترط في حق الثيب أيضا بل رضاها هنا يتحقق تارة
بالقول كقولها رضيت وقبلت وأحسنت وأصبحت أو بارك الله لنا ولك ونحوها، وتارة

203
بالدلالة كطلب مهرها ونفقتها أو تمكينها من الوطئ وقبول التهنئة والضحك بالسرور من غير
استهزاء، فثبت بهذا أنه لا فرق بينهما في اشتراط الاستئذان والرضا وأن رضاهما قد يكون
صريحا وقد يكون دلالة غير أن سكوت البكر رضا دلالة لحيائها دون الثيب لأن حياءها قد
قل بالممارسة فلا يدل على الرضا اه‍. ورده في فتح القدير بأن الحق أن الكل من قبيل القول
إلا التمكين فيثبت بدلالة نص إلزام القول لأنه فوق القول اه‍. وفيه نظر لأن قبول التهنئة
ليس بقول وإنما هو سكوت ولذا جعلوه من مسائل السكوت وليس هو فوق القول، وأما
الضحك فذكر في فتح القدير أولا أنه كالسكوت لا يكفي وسلم هنا أنه يكفي وجعله من
قبيل القول لأنه حروف. ودخل تحت غير الولي الولي الابعد مع الأقرب لما قدمنا من أن المراد
بالولي من له ولاية الاستحباب وليس للأبعد مع وجود الأقرب ذلك فهو غير ولي، وكذا لو
كان الأب كافرا أو عبدا أو مكاتبا فهو غير ولي، فحينئذ لا حاجة إلى جعلها مسألتين كما في
الهداية: إحداهما إذا استأذنها غير الولي. والثانية أن يستأذنها ولي غيره أولى منه لدخول الثانية
تحت الأولى. وفي المحيط والظهيرية: والثيب إذا قبلت الهدية فليس برضا، ولو أكلت من
طعامه أو خدمته كما كانت فليس برضا دلالة زاد في الظهيرية: ولو خلابها برضاها هل
يكون إجازة؟ لا رواية لهذه المسألة. قال رحمه الله: وعندي أن هذه إجازة وقد قدمنا أن
رسول الولي كهو. وأما وكيله فقال في القنية: لو وكل رجلا في تزويجها قبل الاستئمار ثم
استأمرها الوكيل بذكر الزوج وقدر المهر فسكتت فزوجها جاز، وسكوت البكر عند العلم
بنكاح وكيل الأب كسكوتها عند نكاح الأب اه‍. وفيها قبله: استأمر البكر فسكتت فوكل من
يزوجها ممن سماه جاز إن عرفت الزوج والمهر اه‍. وهو مشكل لأنها لما سكتت عند استئمار
فقد صار الولي وكيلا عنها كما قدمناه، وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن أو به اعمل برأيك
كما سيأتي في المختصر، فمقتضاه عدم الجواز أو تخصيص مسألة الوكالة بغير الولي ولاية
استحباب وإن كان وكيلا في الحقيقة. وفد فرع في القنية على كونه وكيلا بالسكوت ما لو
استأمرها في نكاح رجل بعينه فسكتت أو أذنت ثم جرى على لسان الزوج قبل الزفاف ما
وقع به الفرقة فليس له أن يزوجها منه بحكم ذلك الاذن لأنه انتهى بالعقد اه‍. فلو زوجها

204
ولم يبلغها الطلاق ولا التزويج الثاني فمكنته من نفسها هل يكون إجازة لعقد الولي الذي هو
كالفضولي فيه؟ الظاهر أنه لا يكون إجازة لأنه إنما جعل إجازة لدلالته على الرضا وهو فرع
علمها بعقد الثاني ولم أره منقولا.
قوله: (ومن زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس أو زنا فهي بكر) أي
من زالت عذرتها وهي الجلدة التي على المحل بما ذكر فهي بكر حكما، أما في غير الزنا فهي
بكر حقيقة أيضا بالاتفاق ولذا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان، ولان مصيبها أول مصيب
لها، ومنه الباكورة والبكرة ولأنها تستحي لعدم الممارسة. وفي الظهيرية: البكر اسم لامرأة لم
تجامع بنكاح ولا غيره، قيل هذا قولهما، وأما عند أبي حنيفة بالفجور لا يزول اسم البكارة
ولهذا تزوج عنده مثل ما تزوج الابكار إلا أن الصحيح أن هذا قول الكل لأن في باب
النكاح الحكم ينبني على الحياء وأنه لا يزول بهذا الطريق اه‍. وحاصل كلامهم أن الزائل في
هذه المسائل العذرة لا البكارة فكانت بكرا حقيقة وحكما فاكتفي بسكوتها عند الاستئذان
وبلوغ الخبر، ولا يرد عليه ما لو اشترى جارية على أنها بكر فوجدها زائلة العذرة فإنه يردها
على بائعها وإن لم يجامعها أحد لأن المتعارف من اشتراط بكارتها اشتراط صفة العذرة، وأما
إذا زالت عذرتها بالزنا فاتفقوا على أنها ليست بكرا على الصحيح كما نقلناه عن الظهيرية،
ولذا لو أوصى لأبكار بني فلان لا تدخل، ولثيبات بني فلان تدخل في الوصية. ويردها
المشتري الشارط بكارتها فهي ثيب حقيقة لأن مصيبها عائد إليها، ومنه المثوبة للثواب العائد
جزاء عمله، والمثابة للبيت الذي يعود الناس إليه في كل عام، والتثويب العود إلى الاعلام
بعد الاعلام فجريا على هذا الأصل في تزويجها فقالا: لا بد من القول ولا يكتفى بسكوتها
لأنها ثيب. وخرج الإمام عن هذا الأصل فقال: إن اشتهر حالها بأن خرجت وأقيم عليها
الحد أو صار الزنا عادة لها فلا بد من القول على الصحيح كما. في المعراج، أو كان وطأ
بشبهة أو بنكاح فاسد فكما قالا، لأن الشارع أظهره في غير الزنا حيث علق به أحكاما، وإن
لم يشتهر زناها فإنه يكتفي بسكوتها لأن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه
فيكتفي بسكوتها كيلا يتعطل عليها مصالحها، وقد ندب الشارع إلى ستر الزنا فكانت بكرا
شرعا. والوثبة النطة وفي النهاية: الوثبة الوثوب. والتعنيس طول المكث من غير تزويج.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أن البكر لو خلا بها زوجها ثم طلقها قبل الدخول فإنها تزوج

205
ثانيا كبكر لم تتزوج أصلا فيكتفى بسكوتها وإن وجبت عليها العدة لأنها بكر حقيقة.
قوله: (والقول لها أن اختلفا في السكوت) أي لو قال الزوج بلغك النكاح فسكت
وقالت رددت ولا بينة لهما ولم يكن دخل بها، فالقول قولها. وقال زفر: القول قوله لأن
السكوت أصل والرد عار ض فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة. ونحن
نقول: إنه يدعي لزوم العقد وملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة كالمودع إذا ادعى رد
الوديعة بخلاف مسألة الخيار لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة، ولم يذكر المصنف أن عليها
اليمين للاختلاف فعند الإمام لا يمين عليها، وعندهما عليها اليمين وعليه الفتوى كما سيأتي
في الدعوى في الأشياء الستة. وذكر في الغاية معزيا إلى فتاوى الناصحي أن رجلا لو ادعى
على الأب أنه زوجه ابنته الصغيرة فأنكر الأب يحلف عند أبي حنيفة وفي الكبيرة لا يحلف
عنده اعتبارا بالاقرار فيهما اه‍. واستشكله في التبيين بأنه مشكل جدا على قوله لأن امتناع
اليمين عنده لامتناع البدل لا لامتناع الاقرار، ألا ترى أن المرأة لو أقرت لرجل بالنكاح نفذ
إقرارها ومع هذا لا تحلف ولا شبهة أن يكون هذا قولهما اه‍. وقد صرح العمادي في
الفصل السادس عشر بأنه قولهما فقط فقد ظهر بحثه منقولا. قيدنا بعدم البينة لأن أيهما أقام
البينة قبلت بينته وليست بينة السكوت ببينة نفي لأنه وجودي لأنه عبارة عن ضم الشفتين،
ويلزم منه عدم الكلام كما في المعراج أو هو نفي يحيط به علم الشاهد فيقبل كما لو ادعت
أن زوجها تكلم بمهو ردة في مجلس فأقامها على عدم التكلم فيه تقبل، وكذا إذا قالت
الشهود كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها كما في الجامع، وإن أقاماها فبينتها أولى
لاثبات الزيادة أعني الرد فإنه زائد على السكوت. وقيد بكونه ادعى سكوتها لأنه لو ادعى

206
إجازتها النكاح حين أخبرت أو رضاها وأقاما البينة فبينته أولى على ما في الخانية لاستوائهما
في الاثبات وزيادة بينته بإثبات اللزوم. وفي الخلاصة نقلا من أدب القاضي للخصاف في
هذه المسألة أن بينتها أولى فتحصل في هذه الصورة اختلاف المشايخ، ولعل وجه ما في
الخلاصة أن الشهادة بالإجازة أو الرضا لا يلزم منها كونها بأمر زائد على السكوت. وقيدنا
الصورة بأن تقول بلغني النكاح فرددت لأنها لو قالت بلغني النكاح يوم كذا فرددت وقال
الزوج لا بل سكت فإن القول قوله، نظيره إذا قال الشفيع طلبت الشفعة حين علمت وقال
المشتري ما طلبت حين علمت فالقول قول الشفيع، ولو قال الشفيع علمت منذ كذا وطلبت
وقال المشتري ما طلبت فالقول قول المشتري. والفرق أنه إذا قال الشفيع طلبت حين علمت
فعلمه عند القاضي ظهر للحال وقد وجد منه الطلب للحال فكان القول قوله، أما إذا قال
علمت منذ كذا ثبت عند القاضي بإقراره وطلبه منذ كذا لم يظهر فيحتاج إلى الاثبات. كذا في
الولوالجية، وذكرها في الذخيرة. لكن فرق بين بداية المرأة وبين بداية الزوج فقال: لو قال
الزوج بلغك الخبر وسكت وقالت المرأة بلغني يوم كذا فرددت فالقول قول المرأة، وبمثله لو
قالت المرأة بلغني الخبر يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت فالقول قول الزوج اه‍.
وقيد بالبكر البالغة فإن الضمير عائد إليها احترازا عن الصغيرة التي زوجها غير الأب والجد
إذا قالت بعد البلوغ كنت رددت حين بلغني الخبر وكذبها الزوج فإن القول قوله، لأن الملك
ثابت عليها فهي بما قالت تريد إبطال الملك الثابت عليها فكانت مدعية صورة فلا يقبل منها
إسناد الفسخ حتى لو قالت عند القاضي أدركت الآن وفسخت صح. وقيل لمحمد: كيف
يصح وهو كذب وإنما أدركت قبل هذا الوقت؟ فقال: لا تصدق بالاسناد فجاز لها أن
تكذب كيلا يبطل حقها. وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الاختلاف لو كان في البلوغ فإن
القول لها كما في الولوالجية: رجل زوج وليته فردت النكاح فادعى الزوج أنها صغيرة
وادعت هي أنها بالغة فالقول لها إن كانت مراهقة لأنها إذا كانت مراهقة كان المخبر به يحتمل
الثبوت فيقبل خبرها لأنها منكرة وقوع الملك عليها اه‍. وفي الذخيرة: إذا زوج الرجل ابنته
فقالت أنا بالغة والنكاح لم يصح وقال الأب لا بل هي صغيرة فالقول لها إن كانت مراهقة،
وقيل له والأول أصح. وعلى هذا إذا باع الرجل ضياع ابنه فقال الابن أنا بالغ وقال المشتري

207
والأب إنه صغير فالقول للابن لأنه ينكر زوال ملكه، وقد قيل بخلافه والأول أصح اه‍.
وقيدنا بعدم الدخول بها لأنه لو كان دخل بها طوعا فإنها لا تصدق في دعوى الرد بخلاف ما
إذا كان كرها فإنها تصدق. كذا في الخانية وصححه الولوالجي. وأشار المصنف رحمه الله إلى
أن الرجل لو زوج ابنه البالغ امرأة ومات الابن فقال أبو الزوج كان النكاح بغير إذن الابن
ومات قبل الإجازة فقالت المرأة لا بل أجاز ثم مات، فإن قياس مسألة الكتاب أن القول قول
الأب لأنهما اتفقا أن العقد وقع غير لازم فالمرأة تدعي اللزوم والأب ينكر حتى لو كانت
المرأة قالت كان النكاح بإذن الابن كان القول قولها. ذكرها في الذخيرة. وذكر أولا أن
الصدر الشهيد قال: القول قولها والبينة بينة الأب ثم قال: وقياس مسألة الكتاب أن القول
قول الأب ثم قال: وهكذا كتبت في المحيط في أصل المتفرقات أن القول قول الأب اه‍.
وإلى أن سيد العبد لو قال إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ومضى اليوم وقال العبد لم أدخل
وكذبه المولى فإن القول قول المولى عندنا، وعند زفر للعبد. قال في فتح القدير: إنها نظير
مسألة العبد إذ ليس كون أحدهما بعينه مبني الخلاف بأولى من القلب بل الخلاف فيهما معا
ابتدائي اه‍. وإلى أنه لا يقبل قول وليها عليها بالرضا لأنه يقر عليها بثبوت الملك وإقراره
عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح. كذا في الفتح وينبغي أن لا تقبل شهادته لو شهد مع
آخر بالرضا لكونه ساعيا في إتمام ما صدر منه فهو متهم ولم أره منقولا.
قوله: (وللولي انكاح الصغير والصغيرة والولي العصبة بترتيب الإرث) ومالك يخالفنا
في غير الأب الشافعي يخالفنا في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة أيضا. وجه قول
مالك أن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة لانعدام الشهوة إلا أن ولاية الأب
ثبتت نصا بخلاف القياس، والجد ليس في معناه فلا يلحق به. قلنا: لا بل هو موافق
للقياس لأن النكاح يتضمن المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفء في
كل زمان فأثبتنا الولاية في حالة الصغر بكرا كانت أو ثيبا إحرازا للكف ء. والقرابة داعية
إلى النظر كما في الأب والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية الالزام بخلاف
التصرف في المال لأنه يتكرر فلا يمكن تدارك الخلل، وتمامه في الهداية وشروحها.

208
والحاصل أن علة ثبوت الولاية على الصغيرة عند الشافعي البكارة، وعندنا عدم العقل أو
نقصانه وهذا أولى لأنه المؤثر في ثبوت الولاية في ما لها إجماعا، وكذا في حق الغلام في
ماله ونفسه، وكذا في حق المجنونة إجماعا، ولا تأثير لكونها ثيبا أو بكرا فكذا الصغيرة.
وأشار المصنف إلى أن للولي إنكاح المجنون والمجنونة إذا كان الجنون مطبقا فالمراد أن للولي
إنكاح غير المكلفة جبرا. قال في الولوالجية: الرجل إذا كان يجن ويفيق هل يثبت للغير
ولاية عليه في حال جنونه؟ إن كان يجن يوما أو يومين أو أقل من ذلك لا تثبت لأنه لا
يمكن الاحتراز عنه. وفي الخانية: رجل زوج ابنه البالغ بغير إذنه فجن الابن قبل الإجازة
قالوا: ينبغي للأب أن يقول أجزت النكاح على ابني لأن الأب يملك إنشاء النكاح عليه
بعد الجنون فيملك إجازته اه‍. وقيد المصنف بالانكاح لأن الولي إذا أقر بالنكاح على
الصغيرة لم يجز إلا بشهود أو بتصديقها بعد البلوغ عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقالا:
يصدق. وكذلك لو أقر المولى على عبده والوكيل على موكله ثم الولي على من يقيم بينة
الاقرار عند أبي حنيفة. قالوا: القاضي ينصب خصما عن الصغير حتى ينكر فتقام البينة
على المنكر كما إذا أقر الأب باستيفاء بدل الكتابة من عبد ابنه الصغير لا يصدق إلا ببينة،
فالقاضي ينصب خصما عن الصغير فتقام عليه البينة. كذا في المحيط. وهذه المسألة على
قول الإمام مخرجة من قولهم إن من ملك الانشاء ملك الاقرار به كالوصي والمراجع والمولى
والوكيل بالبيع. كذا في الجامع الصغير للصدر الشهيد مع أن صاحب المبسوط قال: وأصل
كلامهم يشكل بإقرار الوصي بالاستدانة على اليتيم فإنه لا يكون صحيحا وإن كان هو
يملك إنشاء الاستدانة اه‍.

209
وفسر المصنف رحمه الله الولي بالعصبة وسيأتي في الفرائض أنه من أخذ الكل إذا انفرد
والباقي مع ذي سهم وهو عند الاطلاق منصرف إلى العصبة بنفسه وهو ذكر يتصل بلا توسط
أنثى أي يتصل إلى غير المكلف، ولا يقال هنا إلى الميت فلا يرد العصبة بالغير كالبنت تصير
عصبة بالابن فلا ولاية لها على أمها المجنونة، وكذا لا يرد العصبة مع الغير كالأخوات مع
البنات. وأفاد بقوله بترتيب الإرث أن الأحق الابن وابنه وإن سفل ولا يتأتى إلا في
المعتوهة على قولهما خلافا لمحمد كما سيأتي. ثم الأب ثم الجد أبوه ثم الأخ الشقيق ثم
لأب. وذكر الكرخي أن الأخ والجد يشتركان في الولاية عندهما، وعند أبي حنيفة يقدم الجد
كما هو الخلاف في الميراث، والأصح أن الجد أولى بالتزويج اتفاقا، وأما الأخ لام فليس
منهم. ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم
ابن العم لأب ثم أعمام الأب كذلك الشقيق ثم لأب ثم أبناء عم الأب الشقيق ثم أبناؤه
لأب ثم عم الجد الشقيق ثم عم الجد لأب ثم أبناء عم الجد الشقيق ثم أبناؤه لأب وإن
سفلوا. كل هؤلاء تثبت لهم ولاية الاجبار على البنت والذكر في حال صغرهما وحال كبرهما
إذا جنا. ثم المعتق وإن كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتيب
عصبات النسب. كذا في فتح القدير وغيره. وفي الظهيرية: والجارية بين اثنين إذا جاءت
بولد فادعياه حيث يثبت النسب من كل واحد منهما ينفرد كل واحد منهما بالتزويج. ثم إذا
اجتمع في الصغير والصغيرة وليان في الدرجة على السواء فزوج أحدهما جاز أجاز الأول أو
فسخ بخلاف الجارية إذا كانت بين اثنين فزوجها أحدهما لا يجوز إلا بإجازة الآخر، فإن زوج
كل واحد من الوليين رجلا على حدة فالأول يجوز والآخر لا يجوز، وإن وقعا معا ساعة
واحدة لا يجوز كلاهما ولا واحد منهما، وإن كان أحدهما قبل الآخر ولا يدري السابق من
اللاحق فكذلك لا يجوز لأنه لو جاز جاز بالتحري والتحري في الفروج حرام. هذا إذا كان
في الدرجة سواء، وأما إذا كان أحدهما أقرب من الآخر فلا ولاية للأبعد مع الأقرب إلا إذا
غاب غيبة منقطعة فنكاح الابعد يجوز إذا وقع قبل عقد الأقرب. كذا ذكره الأسبيجابي. وفي
المحيط وغيره: وإذا زوج غير الأب والجد الصغيرة فالاحتياط أن يعقد مرتين، مرة بمهر
مسمى ومرة بغير تسمية لامرين: أحدهما لو كان في التسمية نقصان لا يصح النكاح الأول
فيصح النكاح الثاني بمهر المثل. والثاني لو كان الزوج حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ينعقد
الثاني وتحل، وإن كان أبا أو جدا فكذلك عندهما للوجه الثاني. واختلفوا في وقت الدخول

210
بالصغيرة، فقيل لا يدخل بها ما لم تبلغ، وقيل يدخل بها إذا بلغت تسع سنين، وقيل إن
كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها وإلا فلا، وكذا اختلفوا في وقت ختان الصبي
على الأقوال الثلاثة، وقيل يختن إذا بلغ عشرا اه‍. وفي الخلاصة: وأكثر المشايخ على أنه لا
اعتبار للسن فيهما وإنما المعتبر الطاقة. وفي الظهيرية: صغيرة زوجها وليها من كف ء ثم قال
لست أنا بولي لا يصدق ولكن ينظر إن كانت ولايته ظاهرة جاز النكاح وإلا فلا اه‍. وفي
الخلاصة: صغيرة زوجت فذهبت إلى بيت زوجها بدون أخذ المهر فلمن هو أحق بإمساكها
قبل التزويج أن يمنعها حتى يأخذ من له حق أخذ جميع المهر، وغير الأب إذا زوج الصغيرة
وسلمها إلى الزوج قبل قبض جميع الصداق فالتسليم فاسد وترد إلى بيتها. قال رحمه الله: هذا
في عرفهم، أما في مما زماننا فتسليم جميع الصداق ليس بلازم والأب إذا سلم البنت إليه قبل
القبض له أن يمنعها بخلاف ما لو باع مال الصغير وسلم قبل قبض الثمن فإنه لا يسترد اه‍.
والفرق أن حقوق النقد في الأموال راجعة إليه بخلاف النكاح ولذا ملك الابراء عن الثمن
ويضمن ولا يصح الابراء عن المهر من الولي.
قوله: (ولهما خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد بشرط القضاء) أي للصغير
والصغيرة إذا بلغا وقد زوجا أن يفسخا عقد النكاح الصادر من ولي غير أب ولا جد بشرط
قضاء القاضي بالفرقة. وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف رحمه الله:
لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد. ولهما أن قرابة الأخ ناقصة والنقصان يشعر بقصور الشفقة
فيتطرق الخلل إلى المقاصد والتدارك يعلم بخيار الادراك بخلاف ما إذا زوجهما الأب والجد
فإنه لا خيار لهما بعد بلوغهما لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما
إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ. وإنما شرط فيه القضاء بخلاف خيار العتق لأن الفسخ ههنا
لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل ولهذا يشمل الذكر والأنثى فجعل إلزاما في حق الآخر
فيفتقر إلى القضاء، وخيار العتق لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها ولهذا يختص بالأنثى
فاعتبر دفعا والدفع لا يفتقر إلى القضاء. أطلق الخيار لهما فشمل الذميين والمسلمين كما في
المحيط، وشمل ما إذا زوجت الصغيرة نفسها فأجاز الولي فإن لها الخيار إذا بلغت لأن الجواز
ثبت بإجازة الولي فالتحق بنكاح باشره الولي. كذا في المحيط. وأشار المصنف إلى أن
المجنون والمجنونة كالصغير والصغيرة لهما الخيار إذا عقلا في تزويج غير الأب والجد ولا خيار لهما
فيهما. وأشار إلى أنه لا خيار لهما في تزويج الابن بالأولى لأنه مقدم على الأب في التزويج،

211
وأفاد أن الكلام في الحر لأن ولاية الأب إنما هي عليه، وأما الصغير والصغيرة المرقوقان إذا
زوجهما المولى ثم أعتقهما ثم بلغا فإنه لا يثبت لهما خيار البلوغ لكمال ولاية المولى فهو أقوى
من الأب والجد، ولان خيار العتق يغني عنه حتى لو أعتق أمته الصغيرة أولا ثم زوجها ثم
بلغت فإن لها خيار البلوغ كما ذكره الأسبيجابي، وهو داخل في غير الأب والجد. فلو قال
المصنف وللمولى عليه خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد والابن والمولى لكان أولى
وأشمل. ويدخل تحت غير الأب والجد الام والقاضي على الأصح لأن ولايتهما متأخرة عن
ولاية الأخ والعم فإذا ثبت الخيار في الحاجب ففي المحجوب أولى. وإنما عبر بالفسخ ليفيد
أن هذه الفرقة فسخ لاطلاق فلا ينقص عدده لأنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها، وكذا
بخيار العتق لما بيناه، وكذا الفرقة بعدم الكفاءة أو نقصان المهر فسخ بخلاف خيار المخيرة لأن
الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق. وفي التبيين: ولا يقال النكاح لا يحتمل الفسخ
فلا يستقيم جعله فسخا لأنا نقول: المعنى بقولنا لا يحتمل الفسخ بعد التمام وهو النكاح
الصحيح النافذ اللازم، وأما قبل التمام فيحتمل الفسخ وتزويج الأخ والعم صحيح نافذ لكنه
غير لازم فيقبل الفسخ اه‍. ويرد عليه ارتداد أحدهما فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام وكذا
إباؤها عن الاسلام بعد إسلامه فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا ملك أحد الزوجين
صاحبه فالحق أن يقبل الفسخ مطلقا إذا وجد ما يقتضيه شرعا.
وفي فتح القدير: وهل يقع الطلاق في العدة إذا كانت هذه الفرقة بعد الدخول أي
الصريح أو لا؟ لكل وجه والأوجه الوقوع اه‍. والظاهر عدم الوقوع لما في النهاية من باب
نكاح أهل الشرك معزيا إلى المحيط الأصل أن المعتدة بعدة الطلاق يلحقها طلاق آخر في

212
العدة، والمعتدة بعدة الفسخ لا يلحقها طلاق آخر في العدة. وذكر في خصوص مسألتنا أنه
لا يقع، وأما حكم المهر فإن كانت الفرقة بعد الدخول ولو حكما وجب تمامه، وإن كانت
قبله فلا مهر لها، فإن كانت منها فظاهر لأنها جاءت من قبلها، وإن كانت منه فسقوطه هو
فائدة الخيار له وإلا فلا فائدة في إثباته له إذ هو مالك للطلاق. قال في الاختيار: وليس لنا
فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ولا مهر عليه إلا في هذه اه‍. وهذا الحصر غير
صحيح لما في الذخيرة من الفصل السادس والعشرين في المتفرقات قبيل كتاب النفقات: حر
تزوج مكاتبة بإذن سيدها على جارية بعينها فلم تقبض المكاتبة الجارية حتى زوجتها من زوجها
على مائة درهم جاز النكاحان، فإن طلق الزوج المكاتبة أولا ثم طلق الأمة وقع الطلاق على
المكاتبة ولا يقع على الأمة لأن بطلاق المكاتبة تتنصف الأمة وعاد نصفها إلى الزوج بنفس
الطلاق فيفسد نكاح الأمة قبل ورود الطلاق عليها فلم يعمل طلاقها، ويبطل جميع مهر الأمة
عن الزوج مع أنها فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها لأن الفرقة إذا كانت من قبل
الزوج إنما لا تسقط كل المهر إذا كان طلاقا، وأما إذا كانت الفرقة من قبله قبل الدخول
وكانت فسخا من كل وجه توجب سقوط كل الصداق كالصغير إذا بلغ. وأيضا لو اشترى
منكوحته قبل الدخول بها فإنه يسقط كل الصداق مع أن الفرقة جاءت من قبله لأن فساد
النكاح حكم تعلق بالملك، وكل حكم تعلق بالملك فإنه يحال على قبول المشتري لا على إيجاب
البائع، وإنما سقط كل الصداق لأنه فسخ من كل وجه اه‍. بلفظه. ويرد على صاحب
الذخيرة إذا ارتد الزوج قبل الدخول فإنها فرقة هي فسخ من كل وجه مع أنه لم يسقط كل

213
المهر بل يجب نصفه، فالحق أن لا يجعل لهذه المسألة ضابط بل يحكم في كل فرد بما أفاده
الدليل. ثم اعلم أن الفرقة ثلاث عشرة فرقة: سبع منها تحتاج إلى القضاء، وست لا تحتاج.
أما الأولى فالفرقة بالجب، والفرقة بالعنة، والفرقة بخيار البلوغ، والفرقة بعدم الكفاءة،
والفرقة بنقصان المهر، والفرقة بإباء الزوج عن الاسلام، والفرقة باللعان. وإنما توقفت على
القضاء لأنها تنبني على سبب خفي لأن الكفاءة شئ لا يعرف بالحس وأسبابها مختلفة وكذا
بنقصان مهر المثل، وخيار البلوغ مبني على قصور الشفقة وهو أمر باطن والاباء ربما يوجد
وربما لا يوجد وكذا البقية. وأما الثانية فالفرقة بخيار العتق، والفرقة بالايلاء، والفرقة
بالرد، والفرقة بتباين الدارين، والفرقة بملك أحد الزوجين صاحبه، والفرقة في النكاح
الفاسد. وإنما لم تتوقف هذه الست على القضاء لأنها تبتني على سبب جلي. ثم قال الإمام
المحبوبي في التنقيح: كل فرقة جاءت من قبل المرأة لا بسبب من قبل الزوج فهي فرقة بغير
طلاق كالردة من جهة المرأة وخيار البلوغ وخيار العتاقة وعدم الكفاءة، وكل فرقة جاءت من
قبل الزوج فهي طلاق كالايلاء والجب والعنة، ولا يلزم على هذا ردة الزوج على قول أبي
حنيفة وأبي يوسف لأن بالردة ينتفي الملك فينتفي الحل الذي هو من لوازم الملك فإنما
حصلت الفرقة بالتنافي والتضاد لا بوجود المباشرة من الزوج بخلاف الاباء من جهة الزوج
حيث يكون طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد لأنه لا تنافي بدليل أن الملك يبقى بعدم الاباء فلهذا
افترقا اه‍.
قوله: (ويبطل بسكوتها إن علمت بكرا لا بسكوته ما لم يقل رضيت ولو دلالة) أي
ويبطل خيار البلوغ بسكوت من بلغت إلى آخره اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح،
وسكوت البكر في الابتداء إذن بخلاف سكوت الثيب والغلام. وأراد بالعلم العلم بأصل
النكاح لأنه لا تتمكن من التصرف إلا به والولي ينفرد به فعذرت، ولا يشترط العلم بأن لها
خيار البلوغ لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل بخلاف المعتقة
لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها فتعذر بالجهل بثبوت الخيار. واستفيد من بطلانه بسكوتها أنه لا
يمتد إلى آخر المجلس، وعلى هذا قالوا: ينبغي أن يبطل مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب
بلسانها فتقول فسخت نكاحي وتشهد إذا أصبحت وتقول رأيت الدم الآن. وقيل لمحمد:
كيف يصح وهو كذب وإنما أدركت قبل هذا؟ فقال: لا تصدق في الاسناد فجاز لها أن
تكذب كيلا يبطل حقها. ثم إذا اختارت وأشهدت ولم تتقدم إلى القاضي الشهر والشهرين

214
فهي على خيارها كخيار العيب. وما في التبيين من أنها لو بعثت خادمها حين حاضت
للشهود فلم تقدر عليهم وهي في مكان منقطع لزمها ولم تعذر، محمول على ما إذا لم تفسخ
بلسانها حتى فعلت وما فيه أيضا. وفي الذخيرة من أنها لو سألت عن اسم الزوج أو عن
المهر أو سلمت على الشهود بطل خيارها، تعسف لا دليل عليه، وغاية الامر كون هذه الحالة
كحالة ابتداء النكاح. ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها وكذا عن المهر وإن كان
عدم ذكره لها لا يبطل كون سكوتها رضا على الخلاف فإن ذلك إذا لم تسأل عنه لظهور أنها
راضية بكل مهر والسؤال يفيد نفي ظهوره في ذلك وإنما يتوقف رضاها على معرفة كميته،
وكذا السلام على القادم لا يدل على الرضا، كيف وإنما أرسلت لغرض الاشهاد على الفسخ.
كذا في فتح القدير وفيه بحث، لأن بطلان هذا الخيار ليس متوقفا على ما يدل على الرضا
لأن ذلك إنما هو في حق الثيب والغلام، وأما في حق البكر فيبطل بمجرد السكوت، ولا
شك أن الاشتغال بالسلام فوق السكوت، وإذا اجتمع خيارا البلوغ والشفعة تقول أطلب
الحقين ثم تبتدئ في التفسير بخيار البلوغ. وقيد بالبكر لأنها لو كانت ثيبا كما لو دخل بها
الزوج قبل البلوغ أو كانت ثيبا وقت العقد فإنه لا يبطل بسكوتها فهي كالغلام لا بد من
الرضا بالقول أو بفعل دال عليه.

215
وحاصله أن وقت خيارهما العمر لأن سببه عدم الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يدل على
الرضا. على هذا تظافرت كلمتهم كما في غاية البيان، فما نقل عن الطحاوي حيث قال:
خيار المدركة يبطل بالسكوت إذا كانت بكرا، وإن كانت ثيبا لم يبطل به، وكذا إذا كان الخيار
للزوج لا يبطل إلا بصريح الابطال أو يجئ منه دليل على إبطال الخيار كما إذا اشتغلت بشئ
آخر وأعرضت عن الاختيار بوجه من الوجوه، مشكل إذ يقتضي أن الاشتغال بعمل آخر
يبطله، وهذا تقييد بالمجلس ضرورة إذ تبدله حقيقة أو حكما يستلزمه ظاهرا. وفي الجوامع:
وإن كانت ثيبا حين بلغها أو كان غلاما لم يبطل بالسكوت وإن أقامت معه أياما إلا أن ترضى
بلسانها أو يوجد ما يدل على الرضا من الوطئ أو التمكين منه طوعا أو المطالبة بالمهر أو
النفقة. وفيه: لو قالت كنت مكرهة في التمكين صدقت ولا يبطل خيارها. وفي الخلاصة:
لو أكلت من طعامه أو خدمته فهي على خيارها، لا يقال كون القول لها في دعوى الاكراه
في التمكين مشكل لأن الظاهر يصدقها. كذا في فتح القدير. ولا إشكال في عبارة شرح
الطحاوي لأن مراده من الاشتغال بشئ آخر عمل يدل على الرضا بالنكاح كالتمكين ونحوه
لا مطلق العمل كما يدل عليه سياق كلامه، بل قد صرح بأن خيار البلوغ في حق الثيب
والغلام لا يبطل بالقيام عن المجلس وإلا فينبغي أن يحمل على ما ذكرناه ليوافق غيره. وفي
الجوامع: إذا بلغ الغلام فقال فسخت ينوي الطلاق فهي طالق بائن وإن نوى الثلاث فثلاث
وهذا حسن لأن لفظ الفسخ يصلح كناية عن الطلاق. ثم قال في فتح القدير: وتقبل شهادة
الموليين على اختيار أمتهما التي زوجاها نفسها إذا أعتقاها وتقبل شهادة العاصبين المزوجين
بعد البلوغ أنها اختارت نفسها لأن سبب الرد قد انقطع في الأولى بالعتق ولم ينقطع في الثانية
إذ هو النسب وهو باق ا ه‍. وقد علم أن خيار البلوغ يخالف خيار العتق في مسائل منها:
اشتراط القضاء والثاني أن خيار المعتقة لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كما في

216
المخيرة بخلاف خيار البلوغ في حق البكر. والثالث أن خيار العتق يثبت للأنثى فقط بخلاف
خيار البلوغ يثبت لهما. والرابع أن الجهل بخيار البلوغ ليس بعذر بخلافه في خيار العتق.
والخامس أن خيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس كالمخيرة وخيار البلوغ في حق الثيب
والغلام لا يبطل به. كذا في غاية البيان. وأفاد المصنف بقوله ولو دلالة أن دفع المهر رضا
كما في الهداية، وحمله في فتح القدير على ما إذا كان قبل الدخول، أما إذا كان دخل بها قبل
بلوغه ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا لأنه لا بد منه أقام أو فسخ ا ه‍.
قوله: (وتوارثا قبل الفسخ) صادق بصورتين: إحداهما ما إذا مات أحدهما قبل البلوغ.
ثانيهما ما إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق فإن الآخر يرثه لأن أصل العقد صحيح والملك
الثابت به قد انتهى بالموت بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة لأن
النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت، وههنا نافذ فيتقرر به. أشار المصنف رحمه الله إلى أنه يحل
للزوج وطؤها قبل الفسخ لما ذكرنا، وإلى أنها لو بلغت واختارت نفسها والزوج غائب لا
يفرق بينهما ما لم يحضر الغائب ولو كان زوجها صبيا لا ينتظر كبره ويفرق بينهما بحضرة
والده أو وصيه إن لم يأتيا بما يدفعها. كذا في أحكام الصغار قوله: (ولا ولاية لصغير وعبد
ومجنون) لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا يثبت على غيرهم، ولأن هذه ولاية نظرية
ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء. أطلق في العبد فشمل المكاتب فلا ولاية له على ولده كذا
في المحيط. لكن للمكاتب ولاية في تزويج أمته كما عرف. وأراد بالمجنون المطبق وهو شهر
وعليه الفتوى. وفي فتح القدير: لا يحتاج إلى تقييده به لأنه لا يزوج حال جنونه مطبقا أو
غير مطبق، ويزوج حالة إفاقته عن جنون مطبق أو غير مطبق، لكن المعنى أنه إذا كان مطبقا
تسلب ولايته فتزوج ولا ينتظر إفاقته، وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته
كالنائم. ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إن فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا
وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة الولي الأقرب ا ه‍ قوله: (ولا لكافر على مسلم)
لقوله تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141) ولهذا لا تقبل
شهادته عليه ولا يتوارثان. قيد بالمسلم لأن للكافر ولاية على ولده الكافر لقوله تعالى * (
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * (الأنفال: 73) ولهذا تقبل شهادتهم على بعضهم

217
ويجري بينهما التوارث، وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم كذلك لا تثبت لمسلم
على كافرة أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال قالوا: وينبغي أن يقال إلا أن
يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا. قال السروجي: لم أر هذا الاستثناء في كتب أصحابنا
وإنما هو منسوب إلى الشافعي ومالك. قال في المعراج: وينبغي أن يكون مرادا ورأيت في
موضع معزوا إلى المبسوط: الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة
والشهادة فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء ا ه‍. وقيد بالكفر لأن الفسق لا يسلب الأهلية عندنا
على المشهور وهو المذكور في المنظومة، وعن الشافعي اختلاف فيه، أما المستور فله الولاية بلا
خلاف، فما في الجوامع أن الأب إذا كان فاسقا للقاضي أن يزوج الصغيرة من كف ء غير
معروف. نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ تزويجه إياها بنقص عن مهر المثل ومن غير كف ء وسيأتي
هذا. كذا في فتح القدير.
قوله: (وإن لم يكن عصبة فالولاية للام ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الام ثم
لذوي الأرحام ثم للحاكم) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما ليس لغير العصبات
من الأقارب ولاية وإنما الولاية للحاكم بعد العصبات لحديث الانكاح إلى العصبات، ولأبي
حنيفة رضي الله عنه أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة
الباعثة على الشفقة. وقد اختلفوا في قول أبي يوسف، ففي الهداية الأشهر أنه مع محمد،
وفي الكافي الجمهور أنه مع أبي حنيفة، وفي التبيين والجوهرة والمجتبى والذخيرة الأصح أنه
مع أبي حنيفة، وفي تهذيب القلانسي وروى ابن زياد عن أبي حنيفة وهو قولهما لا يليه إلا
العصبات وعليه الفتوى ا ه‍. وهو غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى، ولم يذكر

218
المصنف بعد الام البنت لأنه خاص بالمجنون والمجنونة فبعد الام البنت ثم بنت الابن ثم بنت
ابن الابن ثم بنت بنت البنت. وأطلق في ولد الام فشمل الذكر والأنثى، وذكر الشارح أن بعد
ولد الام ولده. وأفاده المصنف رحمه الله بتقديم الام على الأخت تضعيف ما نقله في المستصفي
عن شيخ الاسلام خواهر زاده رحمه الله، ونقله في التجنيس عن عمد النسفي رحمه الله من أن
الأخت الشقيقة أولى من الام لأنها من قبل الأب، ووجه ضعف أن الام أقرب منها. وصرح في
الخلاصة بأنه يفتي بتقديم الام على الأخت، وسيأتي في آخر المختصر أن ذا الرحم قريب ليس
بذي سهم ولا عصبة وأن ترتيبهم كترتيب العصبات، فتقدم العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم
بنات الأعمام ثم بنات العمات كترتيب الإرث وهو قول الأكثر. وظاهر كلام المصنف أن الجد
الفاسد مؤخر عن الأخت لأنه من ذوي الأرحام، وذكر المصنف في المستصفى أن الجد الفاسد
أولى من الأخت عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث. وفي فتح
القدير: وقياس ما صح في الجد والأخ من تقدم الجد تقدم الجد الفاسد على الأخت ا ه‍. فثبت
بهذا أن المذهب أن الجد الفاسد بعد الام قبل الأخت. وفي القنية: أم الأب أولى في التزويج
من الام. وأطلق في نفي العصبة فشمل العصبة النسبية والسببية فمولى العتاقة ثم عصبته على
الترتيب السابق يقدمان على الام، ولم يذكر المصنف مولى الموالاة وهو الذي أسلم أبو الصغير
على يديه ووالاه قالوا: إن آخر الأولياء مقدم على القاضي لأن هذا العقد يفيد الخلافة في الإرث
فيفيد في الانكاح كالعصبات.
وأطلق في الحاكم فشمل الإمام والقاضي لكن قالوا: إن القاضي إنما يملك ذلك إذا
كان ذلك في عهده ومنشوره، فإن لم يكن ذلك في عهده لم يكن وليا. كذا في الظهيرية
وغيرها. وفي المجتبى ما يفيد أن لنائب القاضي ولاية التزويج حيث كان القاضي كتب له في

219
منشوره ذلك فإنه قال: ثم السلطان ثم القاضي ونوابه إذا اشترط في عهده تزويج الصغار
والصغائر وإلا فلا ا ه‍. بناء على هذا الشرط إنما هو في حق القاضي دون نوابه، ويحتمل أن
يكون شرطا فيهما، فإذا كتب في منشور قاضي القضاة فإن كان ذلك في عهد نائبه منه ملكه
النائب وإلا فلا، ولم أر فيه منقولا صريحا. وفي الظهيرية: فإن زوجها القاضي ولم يأذن له
السلطان ثم أذن له بذلك فأجاز القاضي ذلك جاز استحسانا، وفي غاية البيان: ولو زوج
القاضي الصغيرة من ابنه كان باطلا. وكذا إذا باع مال اليتيم من نفسه لا يجوز لأنه حكم
وحكمه لنفسه لا يجوز، ولو اشترى من وصي اليتيم يجوز وإن كان القاضي أقامه وصيا لأنه
نائب عن الميت لا عن القاضي ا ه‍. وعلله في فتح القدير بأنه كالوكيل لا يجوز عقده لابنه

220
قال: والالحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغن عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه ا ه‍.
وفي الفوائد الناجية معزيا إلى فتاوى سمرقند: سئل القاضي بديع الدين عن صغيرة زوجت
نفسها ولا ولي لها ولا قاضي في ذلك الموضع قال: يتوقف وينفذ بإجازتها بعد بلوغها ا ه‍.
مع أنهم قالوا: كل عقد لا مجيز له حال صدوره فهو باطل لا يتوقف، ولعل التوقف فيه
باعتبار أن مجيزه السلطان كما لا يخفى. وفي النوازل والذخيرة: امرأة جاءت إلى قاض فقالت
له أريد أن أتزوج ولا ولي لي فللقاضي أن يأذن لها في النكاح كما لو علم أن لها وليا. وما
نقل فيه من إقامتها البينة خلاف المشهور، وما نقل من قول إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة
يقول لها القاضي إن لم تكوني قرشية ولا عربية ولا ذات بعل ولا معتدة فقد أذنت لك،
فالظاهر أن الشرطين الأولين محمولان على رواية عدم الجواز من غير الكفء، وأما الشرط
الثالث فمعلوم الاشتراط. كذا في فتح القدير. والظاهر أن الشرطين الأولين إنما هو عند
كذبها بأن كان لها ولي، أما إن كانت صادقة في عدم الولي فليسا بشرطين على جميع
الروايات. وأشار المصنف إلى أن وصي الصغير والصغيرة إذا لم يكن قريبا ولا حاكما فإنه
ليس له ولاية التزويج، سواء كان أوصى إليه الأب في ذلك أو لم يوص. وروى هشام عن
أبي حنيفة إن أوصى إليه الأب جاز له. كذا في الخانية والظهيرية. وبه علم أن ما في التبيين
من أنه ليس له ذلك إلا أن يفوض إليه الموصي ذلك رواية هشام وهي ضعيفة، واستثنى في
فتح القدير ما إذا كان الموصي عين رجلا في حياته للتزويج فيزوجها الوصي كما لو وكل في
حياته بتزويجها ا ه‍. وفيه نظر لأنه إن زوجها من المعين قبل موت الموصي فليس الكلام فيه

221
لأنه ليس بوصي وإنما هو وكيل، وإن كان بعد موته فقد بطلت الوكالة بموته وانقطعت
ولايته فانتقلت الولاية للحاكم عند عدم قريب. وفي الظهيرية: ومن يعول صغيرا أو صغيرة
لا يملك تزويجهما.
قوله: (وللأبعد التزويج بغيبة الأقرب مسافة القصر) أي ثلاثة أيام فصاعدا لأن هذه
ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى الابعد وهو مقدم
على الحاكم كما إذا مات الأقرب. واختلف في حد الغيبة فذهب أكثر المتأخرين إلى أنها مقدرة
بمسافة القصر لأنه ليس لأقصاها غاية فاعتبر بأدنى مدة السفر، واختاره المصنف وعليه
الفتوى كما في التبيين. واختار أكثر المشايخ كما في النهاية أنها مقدرة بفوت الكفء الخاطب
باستطلاع رأيه، وصححه ابن الفضل، وفي الهداية: وهذا أقرب إلى الفقه لأنه لا نظر في
إبقاء ولايته حينئذ. وفي المجتبى والمبسوط والذخيرة: وهو الأصح. وفي الخلاصة: وبه كان
يفتي الشيخ الإمام الأستاذ. وفي فتح القدير: ولا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ
ا ه‍. وهنا أقوال أخر لكنها ضعيفة. والحاصل أن التصحيح قد اختلف والأحسن الافتاء بما
عليه أكثر المشايخ، وعليه فرع قاضيخان في شرحه أنه لو كان مختفيا بالمدينة بحيث لا يوقف
عليه تكون غيبة منقطعة، وهذا حسن لأنه النظر. ويتفرع على ما في المختصر أنه لا يزوج

222
الابعد إذا كان الأقرب بالمدينة مختفيا. وأشار المصنف بعدم ذكر سلب ولاية الأقرب إلى أنها
باقية مع الغيبة حتى لو زوجها الأقرب حيث هو اختلفوا فيه، والظاهر هو الجواز. كذا في
الخانية والظهيرية. ولو زوجا معا أو لا يدري السابق من اللاحق فهو باطل. كذا ذكره
الأسبيجابي. وقيد بالغيبة لأن الأقرب إذا عضلها يثبت للأبعد ولاية التزويج بالاجماع. كذا
في الخلاصة. وبه اندفع ما ذكره السروجي من أنه تثبت للقاضي: وقيد بالتزويج لأنه ليس
للأبعد التصرف في المال وهو للأقرب لأن رأيه منتفع به في مالها بأن ينقل إليه ليتصرف في
مالها. كذا في المحيط. قالوا: وإذا خطبها كف ء وعضلها الولي تثبت الولاية للقاضي نيابة
عن العاضل فله التزويج وإن لم يكن في منشوره لكن ما المراد بالعضل؟ فيحتمل أن يمتنع من
تزويجها مطلقا، ويحتمل أن يكون أعم من الأول ومن أن يمتنع من تزويجها من هذا الخاطب
الكفء ليزوجها من كف ء غيره وهو الظاهر ولم أره صريحا قوله: (ولا يبطل بعوده) أي لا

223
يبطل تزويج الابعد بعود الأقرب لأنه عقد صدر عن ولاية تامة، فالضمير في لا يبطل
عائد إلى التزويج. وما في التبيين من عوده إلى ولاية الابعد فبعيد عن النظم والمعنى لأن
ولايته تبطل بعود الأقرب في المستقبل فالأحسن ما قلنا.
قوله: (وولى المجنونة الابن لا الأب) أي في النكاح. وهذا عند أبي حنيفة وأبي
يوسف. وقال محمد: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. ولهما: أن الابن هم المقدم في
العصوبة وهذه الولاية مبنية عليها ولا معتبر بزياد الشفقة كأبي الام مع بعض العصبات.
وأخذ الطحاوي بقول محمد كما في غاية البيان. والتقييد بالمجنونة اتفاقي لأن الحكم في
المجنون إذا كان له أب وابن كذلك، والأفضل أن يأمر الابن الأب بالنكاح حتى يجوز بلا
خلاف. ذكره الأسبيجابي. وحكم ابن الابن وإن سفل كالابن في تقديمه على الأب كما في
الخانية. وأطلق في المجنون فشمل الأصلي والعارض خلافا لزفر في الثاني، وقيدنا بالنكاح
لأن التصرف في المال للأب بالاتفاق كما في تهذيب القلانسي، وقد قدمنا حكم الصلاة في

224
الجنائز، وقد قدمنا قريبا أن المجنون والمجنونة البالغين إذا زوجهما الابن ثم أفاقا فإنه لا خيار
لهما لأنه مقدم على الأب والجد ولا خيار لهما في تزويجهما فالابن أولى.
فصل في الأكفاء
جمع كف ء بمعنى النظير لغة، والمراد هنا المماثلة بين الزوجين في خصوص أمور، أو
كون المرأة أدنى وهي معتبرة في النكاح لأن المصالح إنما تنتظم بين المتكافئين عادة لأن
الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس بخلاف جانبها لأن الزوج مستفرش فلا يغيظه
دناءة الفراش ومن الغريب ما في الظهيرية والكفاءة في النساء للرجال غير معتبرة عند أبي
حنيفة خلافا لهما ا ه‍. وذكره في المحيط وعزاه إلى الجامع الصغير لكن في الخبازية الصحيح
أنها غير معتبرة من جانبها عند الكل ا ه‍. وهو حق الولي لا حقها فلذا ذكر الولوالجي في
فتاواه: امرأة زوجت نفسها من رجل ولم تعلم أنه حر أو عبد فإذا هو عبد مأذون في النكاح
فليس لها الخيار وللأولياء الخيار، وإن زوجها الأولياء برضاها ولم يعلموا أنه عبد أو حر ثم
علموا لا خيار لأحدهم. هذا إذا لم يخبر الزوج أنه حر وقت العقد. أما إذا أخبر الزوج أنه
حر وباقي المسألة على حالها كان لهم الخيار، ودلت المسألة على أن المرأة إذا زوجت نفسها من

225
رجل ولم تشترط الكفاءة ولم تعلم أنه كف ء أم لا ثم علمت أنه غير كف ء لا خيار لها،
وكذلك الأولياء لو زوجوها برضاها ولم يعلموا بعدم الكفاءة ثم علموا لا خيار لهم وهذه
مسألة عجيبة. أما إذا شرطوا فأخبرهم بالكفاءة فزوجوها على ذلك ثم ظهر أنه غير كف ء
كان لهم الخيار لأنه إذا لم يشترط الكفاءة كان عدم الرضا بعدم الكفاءة من الولي. ومنها ثابتا
من وجه دون وجه لما ذكرنا أن حال الزوج محتمل بين أن يكون كفؤا وبين أن لا يكون
كفؤا، والنص إنما أثبت حق الفسخ بسبب عدم الكفاءة حال عدم الرضا بعدم الكفاءة من
كل وجه فلا يثبت حال وجود الرضا بعدم الكفاءة من وجه ا ه‍. وفي الظهيرية: ولو انتسب
الزوج لها نسبا غير نسبه فإن ظهر دونه وهو ليس بكفء فحق الفسخ ثابت للكل، وإن كان
كفؤا فحق الفسخ لها دون الأولياء، وإن كان ما ظهر فوق ما أخبر فلا فسخ لاحد، وعن أبي
يوسف أن لها الفسخ لأنها عسى تعجز عن المقام معه ا ه‍. وفي الذخيرة: إذا تزوج امرأة
على أنه فلان بن فلان فإذا هو أخوه أو عمه فلها الخيار ا ه‍.
قوله: (من نكحت غير كف ء فرق الولي) لما ذكرناه وهذا ظاهر في انعقاده صحيحا
وهو ظاهر الرواية عن الثلاثة فتبقى أحكامه من إرث وطلاق، وقدمنا أنه يشترط في هذه
الفرقة قضاء القاضي، فلو قال المصنف فرق القاضي بينهما بطلب الولي لكان أظهر.
وقدمنا أنها لا تكون طلاقا وأن المفتي به رواية الحسن عن الإمام من عدم الانعقاد أصلا، إذا
كان لها ولي لم يرض به قبل العقد فلا يفيد الرضا بعده، فلو قال المصنف من نكحت غير
كف ء بغير رضا الولي لكان أولى. وأما تمكينها من الوطئ فعلى المفتى به هو حرام كما يحرم
عليه الوطئ لعدم انعقاده، وأما على ظاهر الرواية ففي الولوالجية أن لها أن تمنع نفسها ا ه‍.
ولا تمكنه من الوطئ حتى يرضى الولي. هكذا اختار الفقيه أبو الليث وإن كان هذا خلاف
ظاهر الجواب لأن من حجة المرأة أن تقول إنما تزوجت بك رجاء أن يجيز الولي والولي عسى
يخاصم فيفرق بيننا فيصير هذا وطئا بشبهة ا ه‍. وفي الخلاصة: وكثير من مشايخنا أفتوا بظاهر
الرواية أنها ليس لها أن تمنع نفسها ا ه‍. وهذا يدل على أن كثيرا من المشايخ أفتوا بانعقاده فقد
اختلف الافتاء. وأطلق في الولي فانصرف إلى الكامل وهو ا لعصبة كما قيده به في الخانية لا
من له ولاية النكاح عليها لكانت صغيرة فلا يدخل ذوو الأرحام في هذا الحكم ولا الام
ولا الأخت. كذا في فتح القدير. وفي الخلاصة والخانية: والذي يلي المرافعة هو المحارم
وعند بعضهم المحارم وغيرهم سواء وهو الأصح ا ه‍. يعني لا فرق في العصبة بين أن يكون

226
محرما أو لا كما ذكره الولوالجي أنه المختار. وشمل كلامه ما إذا تزوجت غير كف ء بغير رضا
الولي بعد ما زوجها الولي أولا منه برضاها وفارقته. فللولي التفريق لأن الرضا بالأول لا
يكون رضا بالثاني. وشمل ما إذا كانت مجهولة النسب فتزوجت رجلا ثم ادعاها رجل من
قريش وأثبت القاضي نسبها منه وجعلها بنتا له وزوجها حجام فلهذا الأب أن يفرق بينها
وبين زوجها ولو لم يكن ذلك لكن أقرت بالرق لرجل لم يكن لمولاها أن يبطل النكاح بينهما.
كذا في الذخيرة. وفيها أيضا: لو زوج أمة له صغيرة رجلا ثم ادعى أنها بنته ثبت لنسب
والنكاح على حاله إن كان الزوج كفؤا وإن لم يكن كفؤا فهو في القياس لازم، ولو باعها ثم
ادعى المشتري أنها بنته فكذلك اه‍. وإذا فرق القاضي بينهما فإن كان بعد الدخول فلها
المسمى وعليها العدة ولها النفقة فيها، والخلوة الصحيحة كالدخول. وإن كان قبلهما فلا مهر
لها لأن الفرقة ليست من قبله. هكذا في الخانية وهو تفريع على انعقاده، وأما على المفتى به
فينبغي أن يجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل وأن لا نفقة لها في هذه العدة كما لا يخفى.
وفي الخانية: وإن زوجها الولي غير كف ء ودخل بها ثم بانت منه بالطلاق ثم زوجت نفسها
هذا الزوج بغير ولي ثم فرق القاضي بينهما قبل الدخول كان على الزوج كل المهر الثاني
وعليها عدة في المستقبل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا مهر على الزوج
وعليها بقية العدة الأولى، وذكر لها نظائر تأتي في كتاب العدة، وينبغي أن يكون تفريعا على
ظاهر الرواية، أما على المفتي به فإنه لا يجب المهر الثاني بالاتفاق لأنه نكاح فاسد كما صرح به
في الخانية فيما إذا كان النكاح الثاني فاسدا. وقيد بالنكاح لأن له المراجعة إذا طلقها رجعيا
بعد ما زوجها الولي غير كف ء برضاها. كذا في الذخيرة.
قوله: (ورضا البعض كالكل) أي ورضا بعض الأولياء المستويين في الدرجة كرضا
كلهم حتى لا يتعرض أحد منهم بعد ذلك. وقال أبو يوسف: لا يكون كالكل كما إذا أسقط
أحد الدائنين حقه من المشترك.، ولهما: إنه حق واحد لا يتجزأ لأنه ثبت بسبب لا يتجزأ
فيثبت لكل على الكمال كولاية الأمان. قيدنا بالاستواء احترازا عما إذا رضي الابعد فإن
للأقرب الاعتراض. كذا في فتح القدير وغيره. وقيد بالرضا لأن التصديق بأنه كف ء من
البعض لا يسقط حق من أنكرها. قال في المبسوط: لو ادعى أحد الأولياء أن الزوج كف ء
وأثبت الآخر أنه ليس بكفء يكون له أن يطالبه بالتفريق لأن المصدق ينكر سبب الوجوب

227
وإنكار سبب وجوب الشئ لا يكون إسقاطا له ا ه‍. وفي الفوائد التاجية: أقام وليها
شاهدين بعدم الكفاءة أو أقام زوجها بالكفاءة قال: لا يشترط لفظ الشهادة لأنه إخبار ذكره
عن القاضي بديع الدين في الشهادة. وأطلق في الرضا فشمل ما إذا رضي بعضهم به قبل
العقد أو رضي به بعده كما في القنية، وقد قدمنا بحثا في أنه لو قال لها قبل العقد رضيت
بتزوجك من غير كفء ولم يعين أحدا أو قال رضيت به بعد العقد ولم يعرفه أنه ينبغي أن لا
يكون رضا معتبرا لما صرح به في الخانية وغيرها من أن الرضا بالمجهول لا يتحقق قوله:
(وقبض المهر ونحوه رضا) لأنه تقرير لحكم العقد وأراد بنحوه كل فعل دل على الرضا.
وأطلق في قبض المهر فشمل ما إذا جهزها به أولا، أما إن جهزها به فهو رضا اتفاقا، وإن لم
يجهزا ففيه اختلاف المشايخ. والصحيح أنه رضا كما في الذخيرة، ودخل في نحوه ما إذا
خاصم الزوج في نفقتها وتقرير مهرها عليه بوكالة منها كان ذلك منه رضا وتسليما للعقد
استحسانا. وهذا إذا كان عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه، فأما إذا لم
يكن عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه لا يكون رضا بالنكاح قياسا
واستحسانا. كذا في الذخيرة قوله: (لا السكوت) أي لا يكون سكوت الولي رضا لأنه
محتمل فلا يجعل رضا إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها. أطلقه فشمل ما إذا ولدت فله
حق الفسخ بعد الولادة كما في مبسوط شيخ الاسلام، وكما في المعراج، لكن قيده
الشارحون بعدم الولادة، فلو ولدت فليس له حق الفسخ، وظاهر كلامهم أنه المذهب
الصحيح ولذا اختاره في الخلاصة وكأنه للضرر الحاصل بالفسخ، وينبغي أن يكون الحبل
الظاهر كالولادة. وشمل ما إذا طالت المدة كما في الخلاصة. وذكر في الذخيرة: امرأة تحت
رجل هو ليس بكفء لها فخاصمه أخوها في ذلك وأبوها غائب غيبة منقطعة أو خاصمه ولي
آخر غيره أولى منه وهو غائب عنه غيبة منقطعة فادعى الزوج أن الولي الأولى زوجه، يؤمر
بإقامة البينة وإلا فرق بينهما، فإن أقام بينة على ذلك قبلت بينته وأجزتها على الأولى يعني
الأول الذي هو أولى لأن هذا خصم ا ه‍.
قوله: (الكفاءة تعتبر نسبا فقريش أكفاء والعرب أكفاء وحرية وإسلاما وأبوان فيهما
كالآباء وديانة ومالا وحرفة) لأن هذه الأشياء يقع بها التفاخر فيما بينهم فلا بد من اعتبارها.
وتعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد وزوالها بعد ذلك لا يضر، ولذا قال في الظهرية: ولو
تزوجها وهو كف ء لها ثم صار فاجرا داعرا لا يفسخ النكاح ا ه‍. وقد ذكر المصنف اعتبارها
في ستة أشياء: الأولى النسب وهو معروف، وأما العرب فهم خلاف العجم وأحدهما عربي،

228
والاعراب أهل البادية وأحدهم أعرابي، وجمع الاعراب أعاريب، وقيل العرب جمع عربة بالهاء
وهي النفس. والعربي أيضا المنسوب إلى العرب قال تعالى * (قرآنا عربيا) * (يوسف: 2) كذا في
ضياء الحلوم. وفيه: التقرش الاكتساب، والتقرش التجمع وبذلك سميت قريش لاجتماعهم
بمكة، وتقرش الرجل إذا انتسب إلى قريش ا ه‍. ثم القرشيان من جمعهما أب هو النضر بن
كنانة فمن دونه، ومن لم ينسب إلا لأب فوقه فهو عربي غير قرشي. والنضر هو الجد الثاني
عشر للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة
ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. اقتصر البخاري في نسب
رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدنان. والأئمة الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين كلهم من قريش
لانتسابهم إلى النضر فن دونه، وليس فيهم هاشمي إلى علي رضي الله عنه فإن الجد الأول
للنبي صلى الله عليه وسلم جده فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فهو من أولاد هاشم. وأما أبو بكر
الصديق رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السادس وهو مرة فإنه
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وأما عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السابع وهو كعب فإنه عمر بن
الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن وراح بن عدي بن كعب
ورياح بكسر الراء وبالياء تحتها نقطتان. وأما عثمان رضي الله عنه فيجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في
الجد الثالث وهو عبد مناف فإنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف. وبهذا استدل المشايخ على أنه لا يعتبر التفاضل فيما بين قريش وهو المراد بقوله
فقريش أكفاء حتى لو تزوجت هاشمية قرشيا غير هاشمي لم يرد عقدها، وإن تزوجت عربيا
غير قرشي لهم رده كتزويج العربية عجميا. ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بنته من عثمان
وهو أموي لا هاشمي، وزوج علي رضي الله عنه بنته أم كلثوم من عمر وكان عدويا لا
هاشميا، فاندفع بذلك قول محمد من أنه تعتبر الزيادة بالخلافة حتى لا يكافئ أهل بيت الخلافة
غيرهم من القرشيين، هذا إن قصد به عدم المكافأة لا إن قصد به تسكين الفتنة.

229
وأفاد المصنف أن غير العربي لا يكافئ العربي وإن كان حسيبا أو عالما لكن ذكر
قاضيخان في جامعه قالوا: الحسيب يكون كفئا للنسيب فالعالم العجمي يكون كفئا للجاهل
العربي والعلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب والحسب مكارم الأخلاق في المحيط عن
صدر الاسلام: الحسيب الذي له جاه وحشمة ومنصب. وفي الينابيع: الأصح أنه ليس كفئا
للعلوية. وأصل ما ذكره المشايخ من ذلك ما روي عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو
أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفئا له. كذا في فتح القدير. وكله
تفقهات المشايخ، وظاهر الرواية أن العجمي لا يكون كفئا للعربية مطلقا. قال في المبسوط:
أفضل الناس نسبا بنو هاشم ثم قريش ثم العرب لما روي عن محمد بن علي عليه السلام
أن الله اختار من الناس العرب ومن العرب قريشا واختار منهم بني هاشم واختارني من بني

230
هاشم ا ه‍. ولم يذكر المصنف الموالي لأن المراد بالمولى هنا ما ليس بعربي وإن لم يمسه رق لأن
العجم لما ضلوا أنسابهم كان التفاخر بينهم في الدين كما في الفتح، أو لأن بلادهم فتحت
عنوة بأيدي العرب فكان للعرب استرقاقهم فإذا تركوهم أحرارا فكأنهم أعتقوهم. والمولي هم
المعتقون كما في التبيين، أو لأنهم نصروا العرب على قتل الكفار من أهل الحرب. والناصر
يسمى مولى قال تعالى * (وإن الكافرين لا مولى لهم) * (محمد: 11) كما في غاية البيان.
والحاصل أن النسب المعتبر هنا خاص بالعرب. وأما العجم فلا يعتبر في حقهم ولذا كان
بعضهم كفئا لبعض. وأما معتق العربي فهو ليس بكفء لمعتق العجمي كما سيأتي في الحرية.
وأطلق المصنف في العرب فأفاد أن بني باهلة كف ء لبقية العرب غير قريش. وفي الهداية:
وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب لأنهم معروفون بالخساسة ا ه‍. قالوا: لأنهم كانوا
يستخرجون النفي من عظام الموتى ويطبخون العظام ويأخذون الدسومات منها ويأكلون بقية
الطعام مرة ثانية. ورده في فتح القدير بأنه لا يخلو من نظر فإن النص لم يفصل مع أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم. وقد أطلق في قوله العرب بعضهم كفاء لبعض
وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد. وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ذلك لا
يسري في حق الكل ا ه‍. فالحق الاطلاق. وباهلة في الأصل اسم امرأة من همدان والتأنيث
للقبيلة، سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة. كذا في الصحاح. وقال في
الديوان: الباهلة قبيلة من قبيلة القيس. وفي القاموس: باهلة قوم.
وأما الثاني والثالث - أعني الحرية والاسلام - فهما معتبران في حق العجم لأنهم
يفتخرون بهما دون النسب، وهذا لأن الكفر عيب، وكذا الرق لأنه أثره، والحرية والاسلام
زوال العيب فيفتخر بهما دون النسب فلا يكون من أسلم بنفسه كفئا لمن لها أب في
الاسلام، ولا يكون من له أب واحد كفئا لمن لها أبوان في الاسلام، ومن له أبوان في
الاسلام كف ء لمن لها آباء كثيرة فيه وهو المراد بقوله وأبوان فيهما كالآباء أي في الاسلام
والحرية وهي نظير الاسلام فيما ذكرنا فلا يكون العبد كفئا لحرة الأصل. وكذا المعتق، لا
يكون كفئا لحرة أصلية، والمعتق أبوه لا يكون كفئا لمن له أبوان في الحرية. كذا في المعراج.
وظاهره أن العبد كف ء للمعتقة وفيه تأمل. وفي المجتبى: معتقة الشريف لا يكافئها معتق
الوضيع. وفي التجنيس: لو كان أبوها معتقا وأمها حرة الأصل لا يكافئها المعتق لأن فيه أثر

231
الرق وهو الولاء، والمرأة لما كانت أمها حرة الأصل كانت هي حرة الأصل. وفي فتح
القدير: واعلم أنه لا يبعد كون من أسلم بنفسه كفئا لمن عتق بنفسه اه‍. قيدنا اعتبارهما في
حق العجم لما في التبيين وغيره أن أبا حنيفة وصاحبيه اتفقوا أن الاسلام لا يكون معتبرا في
حق العرب لأنهم لا يتفاخرون به وإنما يتفاخرون بالنسب اه‍. فعلى هذا لو تزوج عربي له
أب كافر بعربية لها آباء في الاسلام فهو كف ء، وأما الحرية فهي لازمة للعرب لأنه لا يجوز
استرقاقهم، فعلى هذا فالنسب معتبر في حق العرب فقط، وأما الحرية والاسلام فمعتبران في
العرب والعجم بالنسبة إلى الزوج، وأما بالنسبة إلى أبيه وجده فالحرية معتبرة في حق الكل
أيضا، وأما الاسلام فمعتبر في العجم فقط. وفي القنية: رجل ارتد والعياذ بالله ثم أسلم
فهو كف ء لمن لم يجر عليها ردة اه‍. وأما الرابع وهو الديانة ففسرها في غاية البيان بالتقوى
والزهد والصلاح، وإنما لم يقل والدين لأنه بمعنى الاسلام فيلزم التكرار. وإن أريد بالأول
إسلام الآباء وهنا إسلام الزوج لم يصح لأن إسلام الزوج ليس من الكفاءة وإنما هو شرط
جواز النكاح. واعتبار التقوى فيها قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو الصحيح لأنه من أعلى
المفاخر، والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه. وقال محمد: لا تعتبر لأنه من
أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه أو يخرج إلى الأسواق
سكران ويلعب به الصبيان لأنه مستخف به. كذا في الهداية. وفي فتح القدير معزيا إلى
المحيط إن الفتوى على قول محمد ولعله المحيط لبرهاني فإنه لم أجده في المحيط الرضوي وهو
موافق لما صححه في المبسوط من أنها لا تعتبر عند أبي حنيفة وتصحيح الهداية معارض له،
فالافتاء بما في المتون أولى فلا يكون الفاسق كفئا للصالحة بنت الصالحين، سواء كان معلنا

232
بالفسق أو لا كما في الذخيرة. ووقع لي تردد فيما إذا كانت صالحة دون أبيها أو كان أبوها
صالحا دونها هل يكون الفاسق كفئا لها أو لا؟ فظاهر كلام الشارحين أن العبرة لصلاح أبيها
وجدها فإنهم قالوا: لا يكون الفاسق كفئا للصالحة بنت الصالحين واعتبر في المجمع صلاحها
فقال: فلا يكون الفاسق كفئا للصالحة. وفي الخانية: لا يكون الفاسق كفئا للصالحة بنت
الصالحين فاعتبر صلاح الكل. والظاهر أن الصلاح منها أو من آبائها كاف لعدم كون الفاسق
كفئا لها ولم أره صريحا. وظاهر كلامهم أن التقوى معتبرة في حق العرب والعجم فلا يكون
العربي الفاسق كفئا للصالحة، عربية كانت أو عجمية وأما الخامس فالمال أطلقه فأفاد أنه لا بد
من التساوي فيه وهو قول أبي بكر الإسكاف.
قال في النوازل عنه: إذا ان للرجل عشرة آلاف درهم يريد أن يتزوج امرأة لها مائة
ألف وأخوها لا يرضى بذلك قال: لأخيها أن يمنعها من ذلك ولا يكون كفئا. وجعله في
المجتبى قول أبي حنيفة. وقيده في الهداية بأن يكون مالكا للمهر والنفقة وهذا هو المعتبر في
ظاهر الرواية حتى إن من لا يملكهما أولا يملك أحدهما لا يكون كفئا لأن المهر بدل البضع
فلا بد إيفائه، وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه. والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله لأن ما
وراءه مؤجل عرفا اه‍. وصححه في التبيين. ودخل في النفقة الكسوة كما في المعراج
والعناية. وذكر الولوالجي: رجل ملك ألف درهم فتزوج امرأة بألف درهم وعليه دين ألف
درهم ومهر مثلها ألف جاز النكاح وهذا الرجل كف ء لها وإن كانت الكفاءة بالقدرة على المهر

233
لأن هذا الرجل قادر على المهر فإنه يقضي أي الدينين شاء بذلك اه‍. واختلفوا في قدر
النفقة، فقيل يعتبر نفقة ستة أشهر، وقيل نفقة شهر وصححه في التجنيس. وفي المجتبى:
والصحيح أنه إذا كان قادرا على النفقة على طريق الكسب كان كفئا اه‍. فقد اختلف التصحيح
وتصحيح المجتبى أظهر كما لا يخفى. وفي الذخيرة: إذا كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه
يكون كفئا، وإن لم يجد نفقتها لا يكون كفأ وإن كانت فقيرة. ولو كانت الزوجة صغيرة لا
تطيق الجماع فهو كف ء وإن لم يقدر على النفقة لأنه لا نفقة لها. وفي المجتبى: والصبي كف ء
بغنى أبيه وهو الأصح اه‍. يعني بالنسبة إلى المهر، وأما في النفقة فلا يعد غنيا بغنى أبيه لأن
العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء ولا يتحملون النفقة. كذا في الذخيرة والواقعات.
وفي التبيين: وقيل إن كان ذا جاه كالسلطان والعالم يكون كفئا وإن لم يملك إلا النفقة لأن
الخلل ينجبر به ومن ثم قالوا: الفقيه العجمي يكون كفئا للعربي الجاهل اه‍. وظاهر كلامهم
أن القدرة على المهر والنفقة لا بد منه في كل زوج عربيا كان أو عجميا لكل امرأة ولو كانت
فقيرة بنت فقراء كما صرح به في الواقعات معللا بأن المهر والنفقة عليه فيعتبر هذا الوصف
في حقه اه‍. ففي إدخال القدرة عليهما في الكفاءة إشكال لأن الكفاءة المماثلة، وهذا شرط
في حق الزوج فقط لكن قدمنا أنها شرعا المماثلة أو كون المرأة أدنى. وأما السادس فالكفاءة
في الحرفة - بالكسر - وهي كما في ضياء الحلوم بكسر الحاء وسكون الراء اسم من الاحتراف
وهو الاكتساب بالصناعة والتجارة. وقال في موضع آخر: الصناعة الحرفة اه‍. والظاهر أن
الحرفة أعم من الصناعة لأنها العلم الحاصل من التمرن على العمل ولذا عبر المصنف بالحرفة
دون الصناعة، لكن قال في القاموس: الحرفة بالكسر الطعمة والصناعة يرتزق منها وكل ما
اشتغل الانسان به وهي تسمى صنعة وحرفة لأنه ينحرف إليها اه‍. فأفاد أنهما سواء. وقد
حقق في غاية البيان أن اعتبار الكفاءة في الصنائع هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه

234
لأن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها وهي وإن أمكن تركها يبقى عارها كما
في المجتبى. وفي الذخيرة معزيا إلى أبي هريرة رضي الله عنه: الناس بعضهم أكفاء لبعض إلا
حائكا أو حجاما - وفي رواية - أو دباغا. قال مشايخنا: ورابعهم الكناس فواحد من هؤلاء
الأربعة لا يكون كفئا للصيرفي والجوهري وعليه الفتوى. وبعد هذا المروي عن أبي يوسف
أن الحرف متى تقاربت لا يعتبر التفاوت وتثبت الكفاءة، فالحائك يكون كفئا للحجام،
والدباغ يكون كفئا للكناس، والصفار يكون كفئا للحداد، والعطار يكون كفئا للبزاز. قال
شمس الأئمة الحلواني: وعليه الفتوى اه‍. فالمفتي به مخالفا لما في المختصر لأن حقيقة الكفاءة
في الصنائع لا تتحقق إلى بكونهما من صنعة واحدة إلا أن التقارب بمنزلة المماثلة فلا مخالفة.
وفي فتح القدير: والحائك يكون كفئا للعطار بالإسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها
وعدم عدها نقصا البتة اللهم إلا أن يقترن بها خساسة غيرها اه‍. وينبغي أن يكون صاحب
الوظائف في الأوقاف كفئا لبنت التاجر في مصر إلا أن تكون وظيفة دنيئة عرفا كسواق
وفراش ووقاد وبواب، وتكون الوظائف من الحرف لأنها صارت طريقا للاكتساب في مصر
كالصنائع اه‍. وينبغي أن من له وظيفة تدريس أو نظر يكون كفئا لبنت الأمير بمصر. وفي
القنية: الحائك لا يكون كفئا لبنت الدهقان وإن كان معسرا، أو قيل هو كف ء اه‍. وفي
المغرب: غلب اسم الدهقان على من له عقار كثيرة. وفي المجتبى: وهنا جنس أخس من
الكل وهو الذي يخدم الظلمة يدعى شاكريا وتابعا وإن كان صاحب مروءة ومال فظلمه
خساسة اه‍. وفي الظهيرية: والشاكرية لا يكون كفئا لاحد إلا لأمثالهم وهم الذين يتبعون
هؤلاء المترفين. هكذا قاله شمس الأئمة الحلواني اه‍. ولا يخفى أن الظاهر اعتبار هذه الكفاءة
بين الزوج وأبيها وأن الظاهر اعتبارها وقت التزوج، فلو كان دباغا أولا ثم صار تاجرا ثم
تزوج بنت تاجر أصلي ينبغي أن يكون كفئا لكن ما تقدم من أن الصنعة وإن أمكن تركها يبقى
عارها يخالفه كما لا يخفى. وقد أشار المصنف باقتصاره على الأمور الستة إلى أنه لا يعتبر
غيرها فلا عبرة بالجمال كما في الخانية، ولا يعتبر فيها العقل فالمجنون كف ء للعاقلة وفيه

235
اختلاف بين المشايخ كما في الذخيرة، ولا عبرة بالبلد فالقروي كفء للمدني كما في فتح
القدير. فعلى هذا التاجر في القرى يكون كفئا لبنت التاجر في المصر للتقارب. ولا تعتبر
الكفاءة عندنا في السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر
والدفر كما سيأتي، ولا تعتبر الكفاءة بين أهل الذمة، فلو زوجت نفسها فقال وليها ليس هذا
كفئا لم يفرق بل هم أكفاء بعضهم لبعض. قال في الأصل: إلا أن يكون نسبا مشهورا كبنت
ملك من ملوكهم خدعها حائك أو سائس فإنه يفرق بينهم لا لعدم الكفاءة بل لتسكين الفتنة
والقاضي مأمور بتسكينها بينهم كما بين المسلمين.
قوله: (ولو نقصت عن مهر مثلها للولي أن يفرق بينهم أو يتم المهر) يعني عند أبي
حنيفة. وقالا: ليس له ذلك لأن ما زاد عن العشرة حقها ومن أسقط حقه لا يعترض عليه
كما في الابراء بعد التسمية. ولأبي حنيفة أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهر ويتعيرون بنقصانها
فأشبه الكفاءة بخلاف الابراء بعد التسمية لأنه لا يعير به، فحاصله أن في المهر حقوقا ثلاثة:
أحدها حق الشرع وهو أن لا يكون أقل من عشرة دراهم أو ما يساويها والثاني حق الأولياء
وهو أن لا يكون أقل من مهر المثل. والثالث حق المرأة وهو كونه ملكا لها. ثم حق الشرع
والأولياء مراعى وقت الثبوت فقط فلا حق لهما حالة البقاء. وأفاد بقوله للولي أن يفرق أن
الولي لو فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها المسمى، وكذا إذا مات
أحدهما قبل التفريق فليس لهم المطالبة بالتكميل لأن الثابت لهم ليس إلا أن يفسخ أو يكمل،
فإذا امتنع هنا عن تكميل المهر لا يمكن الفسخ، وإن طلقها الزوج قبل تفريق الولي قبل
الدخول فلها نصف المسمى كما في المحيط. والمراد من الولي هنا العصبة وإن لم يكن محرما
على المختار كما قدمناه في الكفاءة فخرج القريب الذي ليس بعصبة، وخرج القاضي فلذا قال
في الذخيرة من كتاب الحجر المحجور عليها: إذا تزوجت بأقل من مهر مثلها ليس للقاضي
الاعتراض عليها لأن الحجر في المال لا في النفس اه‍.
قوله: (ولو زوج طفله غير كف ء أو بغبن فاحش صح ولم يجز ذلك لغير الأب والجد)
يعني لو زوج الأب الصاحي ولده الصغير أمة أو بنته الصغيرة عبدا أو زوجه وزاد على مهر
المثل زيادة فاحشة أو زوجها ونقص عن مهر مثلها نقصانا فاحشا فهو صحيح من الأب والجد
دون غيرهما عند أبي حنيفة، ولم يصح العقد عندهما على الأصح لأن الولاية مقيدة بشرط

236
النظر فعند فواته يبطل العقد، وله أن الحكم يدار على دليل النظر وهو قر ب القرابة وفي
النكاح مقاصد تربو على المهر والكفاءة. قيد بالغبن الفاحش لأن الغبن اليسير في المهر معفو
اتفاقا. كذا في غاية البيان. وقيد بالنكاح لأن في التصرفات المالية كالبيع والشراء والإجارة
والاستئجار والصلح في دعوى المال لا يملك الأب والجد بغبن فاحش بالاجماع لأن المقصود
المال وقد حصل النقصان فيه بلا جابر فلم يجز، وفي النكاح وجد الجابر وهو ما قلنا من
المقاصد. وأطلق في الأب والجد وقيده الشارحون وغيرهم بأن لا يكون معروفا بسوء
الاختيار حتى لو كان معروفا بذلك مجانة وفسقا فالعقد باطل على الصحيح. قال في فتح
القدير: ومن زوج ابنته الصغيرة القابلة للتخلق بالخير والشر ممن يعلم أنه شرير فاسق فهو
ظاهر سوء اختياره ولان ترك النظر هنا مقطوع به فلا يعارضه ظهور إرادة مصلحة تفوت
ذلك نظرا إلى شفقة الأبوة اه‍. فظاهر كلامهم أن الأب إذا كان معروفا بسوء الاختيار لم
يصح عقده بأقل من مهر المثل، ولا بأكثر في الصغير بغبن فاحش، ولا من غير الكفء
فيهما، سواء كان عدم الكفاءة بسبب الفسق أو لا، حتى لو زوج بنته من فقير أو محترف
حرفة دنيئة ولم يكن كفئا فالعقد باطل، فقصر المحقق ابن الهمام كلامهم على الفاسد مما لا

237
ينبغي. وذكر أصحاب الفتاوى أن الأب إذا زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر
فإذا هو مدمن له وقالت بعدما كبرت لا أرضى بالنكاح، إن لم يكن يعرفه الأب بشربه وكان
غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل اتفاقا لأنه إنما زوج على ظن أنه كف ء اه‍. وهو يفيد أن
الأب لو عرفه بشربه فالنكاح نافذ، ولا شك أن هذا منه سوء اختيار بيقين لكن لم يلزم من
تحققه كون الأب معروفا للناس به فقد يتصف به في نفس الامر ولا يشتهر به، فلا منافاة بين
ما ذكروه كما لا يخفى. وفرق بين علمه وعدمه في الذخيرة بأنه إذا كان عالما بأنه ليس بكفء
علم أنه تأمل غاية التأمل وعرف هذا العقد مصلحة في حقها أما ههنا ظنه كفئا فالظاهر أنه لا
يتأمل اه‍. وقد وقع في أكثر الفتاوى في هذه المسألة أن النكاح باطل فظاهره أنه لم ينعقد.
وفي الظهيرية: يفرق بينهما ولم يقل إنه باطل وهو الحق، ولذا قال في الذخيرة في
قولهم فالنكاح باطل أي يبطل. ثم اعلم أنه لا خصوصية لما إذا علمه فاسقا وإنما المراد أنه
إذا زوجه بناء على أنه كف ء فإذا هو ليس بكفء فإنه باطل، ولذا قال في القنية: زوج بنته
الصغيرة من رجل ظنه حر الأصل وكان معتقا فهو باطل بالاتفاق. وقيد بتزويجه طفله لأنه لو

238
زوج أمة طفله بغبن فاحش فإنه لا يجوز اتفاقا لأنه إضاعة ما لهما لأن المهر ملكهما ولا
مقصود آخر باطن يصرف النظر إليه كما في فتح القدير. والمراد بعدم الجواز في قوله لم يجز
ذلك لغيرهما عدم الصحة وعليه ابتنى الفرع المعروف. ولو زوج العم الصغيرة حرة الجد من
معتق الجد فكبرت وأجازت لا يصح لأنه لم يكن العقد موقوفا إذ لا مجيز له فإن العم ونحوه
لا يصح منهم التزويج لغير الكفء، ولذا ذكر في الخانية وغيرها أن غير الأب والجد إذا
زوج الصغيرة فالأحوط أن يزوجها مرتين، مرة بمهر مسمى ومرة بغير التسمية لأنه لو كان
في التسمية نقصان فاحش ولم يصح النكاح الأول يصح الثاني اه‍. ولا فرق بين الصغير
والصغيرة في هذا المعنى فالتخصيص بالصغيرة مما لا ينبغي وليس للتزويج من غير كف ء
حيلة كما لا يخفى. وقيد بتزويج الأب أي بنفسه لأنه لا يجوز لوكيل الأب أن يزوج بنته
الصغيرة بأقل من مهر مثلها. كذا في القنية. وينبغي استثناء القليل الذي يتساهل فيه كما لا
يخفى. وقيدنا الأب بكونه صاحيا لأن السكران إذا قصر في مهر ابنته بما لا يتغابن الناس فيه
فإنه لا يجوز إجماعا، والصاحي يجوز لأن الظاهر من حال السكران أنه لا يتأمل إذ ليس له
رأي كامل فيبقي النقصان ضررا محضا، والظاهر من حال الصاحي أنه يتأمل. كذا في
الذخيرة. وكذا السكران إذا زوج من غير الكفء كما في الخانية. وبه علم أن المراد بالأب
من ليس بسكران ولا عرف بسوء الاختيار. وأطلق في غير الكفء فشمل ما إذا زوجها من
مملوك نفسه فعندهما لم يصح كما في الذخيرة. وقيد بالطفل لأن الأب لو زوج الكبيرة من
مملوكه برضاها فهو جائز اتفاقا، ولا خصوصية للأب بل كل ولي كذلك إن لم يكن لها غيره
أقرب منه لم يرض به قبل العقد. والطفل الصبي ويقع على الذكر والأنثى والجماعة يقال طفلة
وأطفال اه‍.

239
فصل
حاصله بعض مسائل الوكيل والفضولي وتأخيرهما عن الولي ظاهر لأن ولايته أصلية
قوله: (لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه وللوكيل أن يزوج موكلته من نفسه) لأن
الوكيل في النكاح معبر وسفير والتمانع في الحقوق دون التعبير ولا ترجع الحقوق إليه
بخلاف البيع لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه، وروى البخاري أن عبد الرحمن بن عوف
قال لام حكيم بنت فارض: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. قال: تزوجتك. فعقده بلفظ
واحد. وعن عقبة بن عامر أنه عليه السلام قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال:
نعم. وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه وكان ممن
شهد الحديبية. رواه أبو داود. فما في الغاية من أن قولهم إنه سفير ومعبر لم يسلم من
النقض فإن الوكيل لو زوج موكلته على عبد نفسه يطالب بتسليمه سهو فإنه لم يلزمه بمجرد
العقد وإنما لزمه بالتزامه حيث جعله مهرا وأضاف العقد إليه. والمرا ببنت العم الصغيرة
فيكون ابن العم أصيلا من جانب ووليا من جانب، ولا يراد بها الكبيرة هنا لأنها لو وكلته
فهو وكيل داخل في المسألة الثانية وإلا فهو فضولي سيأتي بطلانه إن لم يقبل عنها أحد ولو
أجازته بعده. والمراد بالوكيل الوكيل في أن يزوجها من نفسه لما في المحيط: لو وكلته
بتزويجها من رجل فزوجها من نفسه لم يجز لأنها أمرته بالتزويج من رجل نكرة وهو معرفة
بالخطاب والمعرفة لا تدخل تحت النكرة. وفي الولوالجية: لو قالت المرأة زوج نفسي ممن
شئت لا يملك أن يزوجها من نفسه فرق بين هذا وبين ما إذا أوصى بثلث ماله فقال
للموصى له ضع ثلث مالي حيث شئت كان للموصى له أن يضع عند نفسه، والفرق أن
الزوج مجهول وجهالة الزوج تمنع صحة الشرط وصار كالمسكوت عنه بخلاف الوصية لأن
الجهالة لا تمنع صحة الوصية فيعتبر التفويض مطلقا اه‍. فلو وكلته أن يتصرف في أمورها لا

240
يملك تزويجها من نفسه بالأولى كما في الخانية، والوكالة كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت
ولذا قال في الظهيرية: لو قال ابن العم الكبير إني أريد أن أزوجك من نفسي فسكتت
فزوجها من نفسه جاز اه‍. ولم يقيدها بالبكر وقيدها بالبكر في غاية البيان وغيره، والظاهر
أنه خاص بالولي كما سبق بيانه.
وأطلق في الوكالة به فأفاد أنه لا يشترط الاشهاد عندها للصحة وإنما لخوف الانكار،
ولم يبين كيف يزوجها الوكيل من نفسه وأنه هل يشترط أن يعرفها الشهود للاختلاف، فذكر
الخصاف أنه لا يشترط معرفتها ولا ذكر اسمها ونسبها للشهود حتى لو قال تزوجت المرأة
التي جعلت أمرها إلي على صداق كذا عندهم صح، والمختار في المذهب خلافه وإن كان
الخصاف كبيرا في العلم يقتدى به. قال الولوالجي في فتاواه: امرأة وكلت رجلا أن يزوجها
من نفسه فذهب الوكيل وقال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة ولم تعرف الشهود فلانة لا يجوز
النكاح ما لم يذكر اسمها واسم أبيها وجدها لأنها غائبة والغائبة لا تعرف إلا بالنسبة، ألا ترى
أنه لو قال تزوجت امرأة وكلتني بالنكاح لا يجوز. وإن كانت حاضرة متنقبة ولا يعرفها
الشهود فقال اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة فقالت المرأة زوجت نفسي منه جاز وهو المختار
لأنها حاضرة والحاضرة تعرف بالإشارة، فإذا أرادوا الاحتياط يكشف وجهها حتى يعرفها
الشهود أو يذكر اسمها واسم أبيها واسم جدها حتى يكون متفقا عليه فيقع الامن من أن
يرفع إلى قاض يرى قول من لا يجوز وهو نصير بن يحيى فيبطل النكاح. هذا كله إذا كان
الشهود لا يعرفون المرأة، أما إذا كانوا يعرفونها وهي غائبة فذكر اسمها لا غير جاز النكاح إذا
عرف الشهود أنه أراد به المرأة التي عرفوها لأن المقصود من النسبة التعريف وقد حصل
باسمها اه‍. وقد وقع في كثير من الفتاوى: والاحتياط كشف وجهها أو ذكر اسمها بكلمة أو
والصواب بالواو كما في عمدة الفتاوى للصدر الشهيد لأن الاحتياط الجمع بينهما لا
أحدهما. وفي الخانية: رجل أرسل رجلا ليخطب له امرأة يعينها فذهب الرسول وزوجها إياه
جاز لأنه أمره بالخطبة وتمام الخطبة بالعقد اه‍. ويشترط للزوم عقد الوكيل موافقته في المهر
المسمى فلذا قال في الخانية: لو وكله في أن يزوجه فلانة بألف درهم فزوجها إياه بألفين، إن
أجاز الزوج جاز، وإن رد بطل النكاح، وإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فالخيار باق

241
إن أجاز كان عليه المسمى لا غير، وإن رد بطل النكاح فيجب مهر المثل إن كان أقل من
المسمى وإلا يجب المسمى، وإن لم يرض الزوج بالزيادة فقال الوكيل أنا أغرم الزيادة وألزمكما
النكاح لم يكن له ذلك. ثم قال: امرأة وكلت رجلا ليزوجها بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل
وأقامت مع الزوج سنة ثم زعم الزوج أن الوكيل زوجها منه بدينار وصدقة الوكيل في ذلك،
فلو كان الزوج مقرا أن المرأة لم توكله بدينار كانت المرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح
بدينار وليس لها غير ذلك، وإن شاءت ردت النكاح ولها عليه مهر مثلها بالغا ما بلغ بخلاف
ما تقدم لأن ثمة المرأة رضيت بالمسمى، فإذا بطل النكاح ووجب العقر بالدخول لا يزاد على
ما رضيت، أما هنا المرأة ما رضيت بالمسمى في العقد فكان لها مهر المثل بالغا ما بلغ، وليس
لها نفقة العدة، وإن كان الزوج يدعي التوكيل بدينار وهي تنكر كان القول قولها مع اليمين
وهذا أمر يحتاط فيه، وينبغي أن يشهد على أمرها وتجيزه بعد العقد إذا خالف أمرها، وكذا
الولي إذا كانت بالغة يفعل ما يفعله الوكيل اه‍.
قوله: (ونكاح العبد والأمة بغير إذن السيد موقوف كنكاح الفضولي) شروع في بيان
الفضولي وبعض أحكامه، وهو من يتصرف لغيره بغير ولاية ولا وكالة أو لنفسه وليس أهلا
له. وإنما زدناه ليدخل نكاح العبد بغير إذن إن قلنا إنه فضولي وإلا فهو ملحق به في
أحكامه. والفضولي جمع فضل غلب في الاشتغال بما لا يعنيه وما لا ولاية له فيه، فقول
بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف أنت فضولي يخشى عليه الكفر، وصفته أنه عقد صحيح غير
نافذ، والأصل أن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز انعقد موقوفا على الإجازة. وقال
الشافعي: تصرفات الفضولي كلها باطلة لأن العقد وضع لحكمه والفضولي لا يقدر على إثبات
الحكم فيلغو. ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله ولا ضرر في انعقاده
فينعقد موقوفا حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد. وفسر
المجيز في النهاية بقابل يقبل الايجاب، سواء كان فضوليا أو وكيلا أو أصيلا، فإن كان له مجيز
حالة العقد توقف وإلا بطل بيانه: الصبي إذا باع ما له أو اشترى أو تزوج أو زوج أمته أو
كاتب عبده أو نحوه يتوقف على إجازة الولي في حالة الصغر، فلو بلغ قبل أن يجيزه الولي
فأجازه بنفسه نفذ لأنها كانت متوقفة ولا ينفذ بمجرد بلوغه، ولو طلق الصبي امرأته أو خلعها
أو أعتق عبده على مال أو دونه أو وهب أو تصدق أو زوج عبده أو باع ما له بمحاباة فاحشة
أو اشترى بأكثر من القيمة بما لا يتغابن فيه أو غير ذلك مما لو فعله وليه لا ينفذ كانت هذه

242
الصور باطلة غير متوقفة ولو أجازها بعد البلوغ لعدم المجيز وقت العقد إلا إذا كانت لفظ
الإجازة يصلح لابتداء العقد فيصح على وجه الانشاء كأن يقول بعد البلوغ أوقعت ذلك
الطلاق والعتاق اه‍. قال في فتح القدير: وهذا يوجب أن يفسر المجيز هنا بمن يقدر على
إمضاء العقد لا بالقابل مطلقا ولا بالولي إذ لا توقف في هذه الصور وإن قبل فضولي آخر أو
ولي لعدم قدرة الولي على إمضائها اه‍. ومن الباطل لكونه لا مجيز له تزويجه أمة وتحته حرة أو
أخت امرأته أو خامسة أو صغيرة في دار الحرب إذا لم يكن سلطان ولا قاض، وأما كفالة
المكاتب وتوكيله بعتق عبده ووصيته بعين من ماله فصحيح إذا أجاز بعد عتقه إلا في الأول
فبغير إجازة لما عرف في التبيين. ودخل تحت تعريف الفضولي ما لو علق طلاق زوجة غيره
بشرط فهو موقوف، فإن أجاز الزوج تعلق فتطلق بوجود الشرط، ولو وجد قبلها لم تطلق
عندها إلا إذا وجد ثانيا بعدها. كما في فتح القدير. ولذا قلنا من يتصرف ولم نقل من
يعقد عقدا ولذا فسر في فتح القدير المجيز بمن يقدر على الامضاء لا بالقابل إذ ليس في
اليمين قابل.
وفي التجنيس: حر تزوج عشر نسوة بغير إذنهن فبلغهن الخبر فأجزن جميعا جاز نكاح
التاسعة والعاشرة لأنه لما تزوج الخامسة كان رد النكاح الأربع، فلما تزوج التاسعة كان رد
النكاح الأربع الاخر فبقي نكاح التاسعة والعاشرة موقوفا على إجازتهما اه‍. وفي الخانية: عبد
تزوج امرأة بغير إذن المولى ثم امرأة ثم امرأة فبلغ المولى فأجاز الكل، فإن لم يكن دخل بهن
جاز نكاح الثالثة لأن الاقدام على نكاح الثالثة فسخ لنكاح الأولى والثانية فيتوقف نكاح الثالثة
فينفذ بإجازة المولى، وإن كان دخل بهن لا يصح نكاحهن لأن الاقدام على نكاح الثالثة في
عدة الأولى والثانية لم يصح فلم يكن فسخا لما قبلها فلا تصح إجازة المولى كما لو تزوجهن في
عدة واحدة اه‍. وهذا يوجب تقييد ما في التجنيس أيضا. وقوله موقوف أي على الإجازة
فلو تزوج بغير إذن السيد ثم أذن السيد لا ينفذ لأن الاذن ليس بإجازة فلا بد من إجازة العبد

243
العاقد وإن صدر العقد منه كما في التجنيس. وتثبت الإجازة لنكاح الفضولي بالقول والفعل،
فمن الأول أجزت ونحوه، وكذا نعم ما صنعت وبارك الله لنا وأحسنت وأصبت
وطلقها إلا إذا قال المولى لعبده كما سيأتي في بابه. ومن الثاني قبول المهر بخلاف قبول
الهدية. وقولها لا يعجبني هذا المهر ليس ردا فلها الإجازة. ومن أحكام الفضولي أنه يملك
فسخ ما عقده في بعض الصور دون بعض كما ذكره أصحاب الفتاوى. قال في الظهيرية:
والفضولي في باب النكاح لا يملك الرجوع قبل الإجازة والوكيل في النكاح الموقوف يملك
الرجوع قولا أو فعلا بيانه: رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة بالغة بغير إذنها
أو زوجها أبوها فلم يبلغها حتى نقض الوكيل النكاح قولا أو فعلا بأن يزوجه أختها صح ولو
كان فضوليا، والمسألة بحالها لا يملك. وروي عن أبي يوسف في قوله الأول أن الفضولي
يملك الرجوع أيضا، والفضولي في باب البيع يملك الرجوع بالاجماع لأن الرجوع فرار عن
العهدة في باب البيع بخلاف النكاح، وفي وجه الوكيل يملك الفسخ قولا لا فعلا بأن وكله
بأن يزوجه امرأة بعينها فزوجها بغير رضاها ملك الوكيل نقضه قولا لأنه وكيل فيه، ولا
يملك نقضه فعلا حتى لو زوجه أختها لا ينقض نكاح الأولى لأنه فضولي في نكاح الثانية،
وفي وجه يملك الفسخ فعلا لا قولا نحو أن يوكل رجلا بأن يزوجه فأجاز الوكيل نكاحا
باشره قبل ذلك صح استحسانا، ولا يملك نقض هذا النكاح قولا لأنه كان فضوليا حين
عقده، ويملك نقضه فعلا بأن يزوجه أختها من غير رضاها لأنه وكيل في العقد الثاني اه‍.
فحاصله أن كل عقد صدر من الفضولي في النكاح فإنه لا يملك نقضه قولا ولا فعلا لأنه لا
عهدة عليه ليتخلص منها إلا إذا صار وكيلا بعده فله نقضه فعلا لضرورة امتثال ما وكل فيه،
وإنما ملك الوكيل في الموقوف الفسخ مع أنه لا عهدة عليه أيضا لتنجيز مراد الموكل فإنه لم
يحصل مقصوده بالموقوف، فللوكيل الانتقال عنه إلى غيره. وإنما لم يجز له الفسخ فعلا في
المسألة الثانية لأن الموكل بتزوجها معينة فحيث زوجها له انتهت وكالته فلم يملك تزويجا
آخر، ولذا كان فضوليا في الثاني. وتفرع على الأصل المذكور ما لو زوج فضولي رجل خمس
نسوة في عقد متفرقة فللزوج أن يختار أربعا منهن ويفارق الأخرى بخلاف ما لو تزوج الرجل
خمس نسوة في عقد متفرقة بغير رضاهن لأن إقدامه على نكاح الخامسة يتضمن نقض نكاح
الأربع دلالة بخلاف الفضولي لا يملك النقض لا صريحا ولا دلالة. كذا في الظهيرية. ومن
أحكامه أيضا أن العقد النافذ من جانب إذا طرأ على غير نافذ الجانبين يرفعه، ولو طرأ
موقوف على نافذ من أحد الجانبين لا يرفعه، ولو طرأ نافذ من أحد الجانبين على نافذ من
جانبه يرفعه بيانه: رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة بألف فزوجها إياه على خمسين دينارا
بإذنها أو بغير إذنها ثم زوجها بألف ينفسخ الأول، ولو زوجها الوكيل إياه بألف درهم بغير
إذنها ثم زوجها إياه بخمسين بغير إذنها يبقي الأول، فإن إجازته جاز ويبطل الثاني لأن الأول

244
كان نافذا من وجه. كذا في الظهيرية أيضا. ثم اعلم أن إجازة نكاح الفضولي صحيحة بعد
موت العاقد الفضولي بخلاف إجازة بيعه بعد موته. ذكره الزيلعي في بيع الفضولي. فعلى هذا
يشترط قيام المعقود له وأحد العاقدين لنفسه فقط بخلاف البيع فإنه يشترط قيام أربعة مع
الثمن إن كان عرضا.
قوله: (ولا يتوقف شطر العقد على قبول ناكح غائب) أي لا يتوقف الايجاب على قبول
من كان غائبا عن المجلس بل يبطل ولا يلحقه إجازة، وهذا بالاتفاق كما لو أوجب أحد
المتعاقدين فلم يقبل الآخر في المجلس فإنه يبطل الايجاب لا نعلم فيه خلافا. ولا فرق في
هذا بين البيع والنكاح وغيرهما من العقود فقوله ناكح ليس بقيد احترازي. ثم اختلفوا في
أن ما يقوم بالفضولي عقد تام فيصح أن يتولى الطرفين أو شطره فلا يتوقف، فعند أبي حنيفة
ومحمد شطر فيبطل، وعند أبي يوسف عقد تام فيتوقف لأنه لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ
فإذا كان فضوليا يتوقف فصار كالخلع والطلاق والاعتاق على مال. ولهما أن الموجود شطر
العقد لأنه شطر حالة الحضرة فكذا عند الغيبة وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس
كما في البيع بخلاف المأمور من الجانبين لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين، وما يجري بين
الفضوليين عقد تام فكذا الخلع واختاره لأنه يمين من جانبه حتى يلزم فيتم به فتفرع على هذا
الأصل ست صور: ثلاث اتفاقية وهي قول الرجل تزوجت فلانة، أو المرأة تزوجت فلانا،
أو الفضولي زوجت فلانا من فلانة، وقيل آخر في الثلاث فالعقد متوقف لحصول الشطرين.
وثلاثة خلافية هي هذه إذا لم يقبل أحد فلا تقوم عبارة الفضولي مقام عبارتين، سواء تكلم
بكلام واحد أو بكلامين حتى لو قال زوجت فلانا وقبلت عنه لم يتوقف على قولهما وهو
الحق خلافا لما ذكر في الحواشي لاتفاق أهل المذهب في نقل قولهما على أن الفضولي الواحد
لا يتولى الطرفين وهو مطلق، ولو عبر به المصنف لكان أولى. وحاصل متولي الطرفين بالقسمة
العقلية عشرة: واحد منها مستحيل وهو الأصيل من الجانبين، وأربعة هي من منطوق المتن
على الخلاف: الفضولي من الجانبين، والفضولي من جانب الوكيل من جانب، والفضولي من
جانب الأصيل من جانب، والفضولي من جانب الولي من جانب، فعندهما لا يتوقف كما
قدمناه. والخمسة الباقية مستفادة من مفهوم المتن وهي نافذة بالاتفاق: الوكيل من الجانبين،
والولي من الجانبين، والأصيل من جانب الولي من جانب، والوكيل من جانب الأصيل من

245
جانب، والولي من جانب الوكيل من جانب. ثم إذا تولى الطرفين في هذه المسائل الخمس فقوله
زوجت فلانة من نفسي يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول بعده، وكذا ولي الصغيرين
القاضي وغيره، والوكيل من الجانبين يقول زوجت فلانة من فلان. وقال شيخ الاسلام خواهر
زاده: وهذا إذا ذكر لفظا هو أصيل فيه، أما إذا ذكر لفظا هو نائب فيه فلا يكفي، فإن قال
تزوجت فلانة كفى، وإن قال زوجتها من نفسي لا يكفي لأنه نائب فيه. وعبارة الهداية صريحة
في نفي هذا الاشتراط وصرح بنفيه في التجنيس أيضا في علامة غريب الرواية والفتاوى
الصغرى قال: رجل زوج بنت أخيه من ابن أخيه فقال زوجت فلانة من فلان يكفي ولا يحتاج
أن يقول قبلت، وكذا كل من يتولى طرفي العقد إذا أتى بأحد شطري الايجاب يكفيه ولا يحتاج
إلى الشطر الآخر لأن اللفظ الواحد يقع دليلا من الجانبين. كذا في فتح القدير.
قوله: (والمأمور بنكاح امرأة مخالف بامرأتين) لأنه لا وجه إلى
تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في أحدهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق عند عدم
الإجازة وهو مراد صاحب الهداية بدليل أنه قال في صدر المسألة: لم تلزمه واحدة منهما.
فكان كلامه مستقيما فاندفع به ما ذكره الشارح من عدم استقامته، ولذا عبر المصنف بالمخالفة
ليفيد عدم النفاذ وأنه عقد فضولي فإن أجاز نكاحهما أو إحداهما نفذ فيه بالامر بواحدة لأنه
لو أمره يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه واحدة جاز إلا إذا قال لا تزوجني إلا امرأتين في
عقدة واحدة فحينئذ لا يجوز. كذا في غاية البيان. ومثله ما في المحيط: لو
أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجهما في عقدتين جاز، ولو قال لا تزوجني امرأتين إلا في عقدتين
فزوجهما في عقدة لا يجوز، والفرق أن في الأول أثبت الوكالة حالة الجمع ولم ينف الوكالة
حال التفرد نصا بل سكت عنه والتنصيص على الجمع لا يدل على نفي ما عداه، وفي العقد
الثاني نفي الوكالة حالة التفرد والنفي مفيد لأن فائدته في الجمع أكثر لما فيه من تعجيل
مقصوده فلا بد من مراعاة النفي فلم يصر وكيلا حالة الانفراد اه‍. وهذا بخلاف البيع لو
أمره أن يشتري ثوبين في صفقة لا يملك التفريق لأن الثياب إذا اشتريت جملة تؤخذ بأرخص
مما تشترى على التفاريق فاعتبر قوله فيه فأما ههنا بخلافه. كذا في النهاية. وفي الخانية: لو

246
وكله أن يزوجه فلانة أو فلانة فأيتهما زوجه جاز ولا يبطل التوكيل بهذه الجهالة، وإنه
زوجهما جميعا في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما كما لو وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه
امرأتين في عقدة واحدة لم يجز اه‍. وقيد بكون المرأة منكرة أخذا من التنكير لأنه لو عينها
فزوجها وأخرى معها تلزمه المعينة. وقيد في الهداية نكاح المرأتين بأن يكون في عقد واحد
لأنه لو زوجهما في عقدتين تلزمه الأولى ونكاح الثانية موقوف على الإجازة لأنه فضولي فيه،
ولذا قال في المختصر بامرأتين ولم يقل بعقدين، وفرعوا على أن التنصيص على الشئ لا
ينفي الحكم عما عداه لو قال زوج ابنتي هذه رجلا يرجع إلى علم ودين بمشورة فلان
فزوجها رجلا على هذه الصفة من غير مشورة فإنه يجوز كما في الخانية، وأما إذا قال له بع
عبدي هذا بشهود أو بمحضر فلان فباعه بغير شهود أو بغير محضر فلان فإنه يجوز بخلاف ما
إذا قال لا تبعه إلا بشهود فباعه بغير شهود فإنه لا يجوز كما في الظهيرية قوله: (لا بأمة) أي
لا يكون المأمور بنكاح امرأة مخالفا بنكاح أمة لغيره فينفذ على الموكل عند أبي حنيفة رجوعا إلى
إطلاق اللفظ وعدم التهمة. وقالا: لا يجوز أن يزوجه كفئا لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف
وهو التزوج بالاكفاء. قلنا: العرف مشترك أو هو عرف عملي فلا يصح مقيدا، وذكر في
الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما لأن كل واحد لا يعجز عن التزوج بمطلق
الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالكف ء. كذا في الهداية. وظاهره ترجيح قولهما لأن
الاستحسان مقدم على القياس إلا في مسائل معدودة ليس هذا منها، ولذا قال الأسبيجابي:
قولهما أحسن للفتوى واختاره أبو الليث. وفي فتح القدير: والحق أن قول أبي حنيفة ليس
قياسا لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى اه‍.
قيد بكونه أمره بنكاح امرأة ولم يصفها لأنه لو وكله بتزويج حرة فزوجه أمة أو عكسه
لم يجز، ولو زوجه في عكسه مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة جاز. وأطلق في الآمر فشمل الأمير
وغيره، ووضعها في الهداية في الأمير ليفيد أن غيره بالأولى. وقيد بكون الآمر رجلا لأنها
لو وكلته في تزويجها ولم تعين فزوجها غير كف ء كان مخالفا على قول أبي حنيفة أيضا على
الأصح كما في الخانية لاعتبارها من جهة الرجال، وإن كان كفئا إلا أنه أعمى أو مقعد أو
صبي أو معتوه فهو جائز، وكذا لو كان خصيا أو عنينا وإن كان لها التفريق بعد ذلك. وأفاد
المصنف أن الامر المطلق يجري على إطلاقه ولا يجوز تقييده إلا بدليل، وإن العرف المشترك لا
يصح مخصصا فالوكيل بتزويج امرأة ليس مخالفا لو زوجه عمياء أو شوهاء لها لعاب سائل

247
وعقل زائل وشق مائل أو شلاء أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو كتابية أو امرأة حلف
بطلاقها أو زوجه امرأة على أكثر من مهر مثلها ولو بغبن فاحش عند الإمام، أو زوجها رجلا
بأقل من مهر مثلها كذلك، أو امرأة كان الموكل آلي منها أو في عدة الموكل والأصل أن
الوكيل إذا خالف إلى خير أو كان خلافه كلا خلاف نفذ عقده كما لو أمره بعمياء فزوجه
بصيرة، وليس منه ما إذا أمره بالفاسد فزوجه صحيحا بل لا يجوز لعدم الوكالة بالنكاح
أصلا. وأما العدة بعد الدخول فيه وثبوت النسب فليس حكما له بل للوطئ إذ لم يتمحض
زنا بخلاف أمره بالبيع الفاسد له البيع صحيحا. وليس منه أيضا ما إذا وكله بألف فلم ترض
المرأة حتى زادها الوكيل ثوبا من مال نفسه فإنه موقوف على إجازة الزوج لكونه ضررا على
تقدير استحقاق الثوب أو هلاكه قبل التسليم فإنها ترجع بقيمته على الزوج لا الوكيل - كما
في الذخيرة - وللزوج الخيار. وإذا دخل بها قبل العلم فإن اختار التفريق فكالنكاح الفساد.
وليس منه أيضا ما إذا أمره ببيضاء فزوجه سوداء أو على القلب، أو من قبيلة كذا فزوجه من
أخرى فإنه غير نافذ، وقيدنا بكون الأمة لغيره لأنه لو زوجه أمة نفسه ولو مكاتبته - كما في
المحيط - فإنه لا ينفذ للتهمة كما لو زوجه بنته فإن كانت صغيرة لا يجوز اتفاقا، وكذا موليته
كبنت أخيه الصغيرة، وإن كانت كبيرة فكذلك عنده خلافا لهما. ولو زوجه أخته الكبيرة
برضاها جاز اتفاقا، والوكيل من قبل المرأة إذا زوجها من أبيه أو ابنه لا يجوز في قول أبي
حنيفة، وفي كل موضع لا ينفذ فعل الوكيل فالعقد موقوف على إجازة الموكل، وحكم
الرسول كحكم الوكيل في جميع ما ذكرنا، وضمانهما المهر صحيح. وإنكار المرسل والموكل
الرسالة والوكالة بعد الضمان ولا بينة لا يسقط الضمان عنهما فيجب نصف المهر، وتوكيل
المرأة المتزوجة بالتزويج إذا طلقت وانقضت عدتها صحيح كتوكيلة أن يزوجه فلانة وهي

248
متزوجة فطلقت وحلت فزوجها فإنه صحيح. وإذا زوج الوكيل موكله زوجة الغير أو معتدته
أو أم امرأته ودخل بها الموكل غير عالم ولزمه المهر فلا ضمان على الوكيل كما في الخانية.
وفي الذخيرة: الوكيل بتزويج امرأة إذا زوجه امرأة على عبد للوكيل أو عرض له فهو نافذ
ولزم الوكيل تسليمه، وإذا سلم لا يرجع على الزوج بشئ، ولو كان مكان النكاح خلعا
يرجع على المرأة بما أدى، ولو زوجه الوكيل امرأة بألف من ماله بأن قال زوجتك هذه المرأة
بألف من مالي أو بألفي هذه جاز والمال على الزوج ولا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه لعدم
تعينها في المعاوضات وتمامه فيها. وفي المحيط: ولو زوجه على عبد الزوج جاز استحسانا
وعلى الزوج قيمة عبده لا تسليم عينه والله تعالى أعلم.
باب المهر
هو حكم العقد فيتعقبه في الوجود فعقبه في البيان ليحاذي بتحقيقه الوجودي تحقيقه
التعليمي. وفي الغاية: له أسام: المهر والنحلة والصداق والعقر والعطية والأجرة والصدقة
والعلائق والحباء. قوله: (صح النكاح بلا ذكره) لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة فيتم
بالزوجين، ثم المهر واجب شرعا إبانة لشرف المحل فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح، وكذا
إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بيناه. واستدل له في غاية البيان بقوله تعالى * (لا جناح
عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) * (البقرة: 226) فقد
حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية ولا يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح، فعلم أن
ترك التسمية لا يمنع صحة النكاح. وذكر الأكمل والكمال أنه لا خلاف لاحد في صحته بلا
ذكر المهر قوله: (وأقله عشرة دراهم) أي أقل المهر شرعا للحديث لا مهر أقل من عشرة
دراهم وهو وإن كان ضعيفا فقد تعددت طرقه، والمنقول في الأصول أن الضعيف إذا
تعددت طرقه فإنه يصير حسنا إذا كان ضعفه بغير الفسق، ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا
لشرف المحل فيقدر بماله خطر وهو العشرة استدلالا بنصاب السرقة. أطلق الدراهم فشمل

249
المصكوك وغيره، فلو سمى عشرة تبرا أو عرضا قيمته عشرة تبرا لا مضروبة صح، وإنما
تشترط المصكوكة في نصاب السرقة للقطع تقليلا لوجود الحد. وشمل الدين والعين فلو
تزوجها على عشرة دين له على فلان صحت التسمية لأن الدين مال، فإن شاءت أخذته من
الزوج وإن شاءت ممن عليه الدين. كذا في المحيط. زاد في الخانية: ويؤاخذ الزوح حتى
يوكلها بقبض الدين من المديون ا ه‍. فقد جعلوا الدين مالا هنا وأدخلوه تحت قوله تعالى *
(إن تبتغوا بأموالكم) * (النساء: 24) ولم يجعلوه مالا في الزكاة فلم يجز الدين عن العين ولا
في الايمان، فلو حلف لا مال له وله دين على موسر لا يحنث. وشمل الدية أيضا ولذا قال
في الظهيرية: ولو تزوجها على ما وجب له من الدية على عاقلتها فلا شئ لها على عاقلتها
لأنها مؤدية عنهم. وفي المحيط: لو تزوجها على عيب عبد اشتراه منها جاز لأنها لما تزوجت
على عيبه صارت مقرة بحصة العيب لأن النكاح لا بد له من مهر فيكون نكاحا بمال، فإن
كانت قيمة العيب عشرة فهو مهرها وإلا يكمل عشرة ا ه‍. ومراد المصنف أن أقله عشرة أو
ما يقوم مقامها بالقيمة، واختلف في وقت القيمة فظاهر الرواية أن الاعتبار وقت العقد ولا
اعتبار ليوم القبض، فلو كانت قيمته يوم العقد عشرة وصارت يوم التسليم ثمانية فليس لها
إلا هو، ولو كان على عكسه لها العرض المسمى ودرهمان. ولا فرق في ذلك بين الثوب
والمكيل والموزون لأن ما جعل مهرا لم يتغير في نفسه وإنما التغيير في رغبات الناس. كذا في
البدائع.
وفي المحيط: ولو تزوجها على ثوب وقيمته عشرة فقبضته وقيمته عشرون وطلقها قبل
الدخول والخلوة والثوب مستهلك ردت عشرة لأنه إنما دخل في ضمانها بالقبض فتعتبر قيمته
يوم القبض ا ه‍. فالحاصل أن الاعتبار ليوم العقد في حق التسمية وليوم القبض في حق
دخوله في ضمانها. وفي الذخيرة: النكاح إذا أضيف إلى دراهم عين لا يتعلق بعينها وإنما
يتعلق بمثلها دينا في الذمة، وإذا أضيف إلى دراهم دين في ذمة المرأة تتعلق بعينها ولا يتعلق
بمثلها دينا في الذمة لأن المهر عوض من وجه من حيث إنه ملك بمقابلة شئ صلة من وجه
من حيث إنه لا مالية لما يقابله من كل وجه حتى يجب الحيوان دينا في الذمة في النكاح
والدراهم تتعين في الصلات لا في المعاوضات فعلمنا بحقيقة المعاوضة إذا أضيف إلى الدراهم
العين فتعلق بمثلها، وعلمنا بمعنى الصلة إذا أضيف إلى الدين فتعلق بعينها عملا بالشبهين.
وفائدة الأول لو تزوجها أحد الدائنين على حصته من دين لهما عليها فليس للساكت مشاركته

250
لتعلقه بعين الحصة، وفائدة الثاني لو تزوجها أحدهما على دراهم مطلقة بقدر حصته من الدين
وصار قصاصا فلشريكه أن يأخذ منه نصفها لتعلقه بمثلها، والدين إذا كان على غير المرأة فهو
كالعين يتعلق النكاح بمثله لأنه لو تعلق بالعين لكان تمليك الدين من غير من عليه الدين
بخلاف ما إذا كان عليها، وفائدته أنها مخيرة إن شاءت أخذت من الزوج وإن شاءت من
العاقلة ا ه‍. والأخير مخالف لما قدمناه عن الظهيرية، ويمكن التوفيق بأن ما في الذخيرة
مصور بأنه تزوجها على أرش له على عاقلتها وأمرها بقبض ذلك، وما في الظهيرية خال عن
الآمر بالقبض، وقد علم أنه لو تزوجها على دراهم وأشار إليها فله إمساكها ودفع مثلها، ولو
دفع الدراهم إليها ثم طلقها قبل الدخول لا يتعين عليها رد عين نصفها وإنما يتعين رد مثلها
كما في جامع الفصولين، وفرع عليه ما إذا كان المهر ألفا دفعه إليها وحال الحول ووجبت
الزكاة عليها ثم طلقها قبل الدخول فإنه لا يسقط عنها زكاة النصف لأنه لما لم يتعين رد العين
كان بمنزلة دين حادث ا ه‍. ومن أحكام المهر أنه يصبح تأجيله إلى وقت مجهول كالحصاد
والدياس وهو الصحيح، ولو تزوجها بألف درهم على أن ينقد ما تيسر له والبقية إلى سنة كان
الألف كله أي سنة إلا أن تقيم المرأة البينة أنه تيسر له منها شئ أو كله فتأخذه. كذا في
الظهيرية.
قوله: (فإن سماها أو دونها فلها عشرة بالوطئ أو بالموت) لأن بالدخول يتحقق تسليم
المبدل وبه يتأكد البدل وبالموت ينتهي النكاح نهايته والشئ بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع
مواجبه، وسيأتي أن الخلوة كالوطئ فحاصله أن المهر يجب بالعقد ويتأكد بإحدى معان ثلاث،

251
وينبغي أن يزاد رابع وهو وجوب العدة عليها منه كما سيأتي في العدة لو طلقها بائنا بعد
الدخول ثم تزوجها ثانيا في العدة وجب كمال المهر الثاني بدون الخلوة والدخول لأن وجوب
العدة عليها فوق الخلوة، وينبغي أن يزاد خامس وهو ما لو أزال بكارتها بحجر ونحوه فإن
لها كمال المهر كما صرحوا به بخلاف ما إذا أزالها بدفعة فإنه يجب النصف لو طلقها قبل
الدخول. ولو دفعها أجنبي فزالت بكارتها وطلقت قبل الدخول وجب نصف المسمى على
الزوج وعلى الأجنبي نصف صداق مثلها، وإنما لم يجب مهر المثل إذا سمى دون العشرة كما

252
قال زفر لأن فساد هذه التسمية لحق الشرع وقد صار مقضيا بالعشرة، فأما ما يرجع إلى حقها
فقد رضيت بالعشرة لرضاها بما دونها، ولا معتبر بانعدام التسمية لأنها قد ترضى بالتمليك
من غير عوض تكرما ولا ترضى فيه بالعوض اليسير، وقد علم حكم الأكثر بالأولى لأن
التقدير في المهر يمنع النقصان فقط. وفي المحيط. والظهيرية: لو تزوجها على ألفين ألف
منها لله تعالى أو للخاطب أو لولدي أو لفلان فالمهر ألف لأن هذا استثناء، في كلام واحد.
وفي الظهيرية: لو تزوجها على غنم بعينها أن أصوافها لي كان له الصوف استحسانا ولو
تزوجها على جارية حبلى على أن ما في بطنها تكون له الجارية وما في بطنها لها ا ه‍. وكأنه
لأن الحمل كجزئها فلم يصح استثناؤه. وفي الولوالجية والخانية: لو تزوجها على ألف درهم
من نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها كان على الزوج قيمة تلك الدراهم يوم كسدت هو
المختار، ولو كان مكان النكاح بيعا فسد البيع لأن الكساد بمنزلة الهلاك وهلاك البدل يوجب
فساد البيع بخلاف النكاح ا ه‍.
قوله: (وبالطلاق قبل الدخول يتنصف) أي المسمى لقوله تعالى * (وإن طلقتموهن من
قبل أن تمسوهن) * () الآية. والأقيسة متعارضة ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه
باختيار، وفيه عود المعقود عليه إليها سالما فكان المرجع فيه النص. كذا في الهداية وهو بيان
للواقع لأنه جواب سؤال مقدر كما فهمه الشارحون، وتمامه في فتح القدير. وشمل الدخول
الخلوة لما في المجتبى: ولو يذكر الخلوة مع أنها شرط لما أن اسم الدخول يشملها لأنها دخول
حكما ا ه‍. وظاهر قوله ينتصف أن النصف يعود إلى ملك الزوج. وأطلقه وفيه تفصيل،
فإن كان المهر لم يسلمه إليها عاد إلى ملك الزوج نصفه بمجرد الطلاق، وإن كان مقبوضا لها
فإنه لا يبطل ملك المرأة في النصف إلا بقضاء أو رضا لأن الطلاق قبل الدخول أوجب فساد
سبب ملكها في النصف، وفساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت ملكها بالقبض، فأولى أن
لا يمنع بقاءه، فلو أعتق الزوج العبد المهر المقبوض بعد الطلاق قبله لم ينفذ في شئ منه،

253
ولو قضى القاضي بعد ذلك يعود نصفه إلى ملكه لأنه عتق سبق ملكه فلم ينفذ ونفذ عتق
المرأة في الكل، وكذا بيعها وهبتها لبقاء ملكها في الكل قبل القضاء والرضا. وإذا نفذ
تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد وجوبه فتضمن نصف قيمته للزوج يوم قبضت، ولو
وطئت الجارية بشبهة فحكم العقر حكم الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل كالأرش لأنه بدل
من جزء من عينها فإن المستوفى بالوطئ في حكم العين. وفي الظهيرية: ولو زاد المهر زيادة
منفصلة كالولد والثمر والأرش والعقر قبل القبض فكلها تتنصف بالطلاق قبل الدخول،
وبعد القبض لا تتنصف وعليها نصف قيمة الأصل يوم قبضت، وكذلك لو ارتدت - والعياذ
بالله تعالى - أو قبلت ابن الزوج وإن كانت بدل المنافع كالكسب والغلة والموهوب
للمهر فهي للمرأة وليست بمهر عند أبي حنيفة، وعندهما يتنصف مع الأصل. وكذلك على هذا كسب
المبيع قبل القبض ولو آجره الزوج فالأجرة له ولزمه التصدق بها والزيادة المتصلة قبل القبض
تتنصف بالاجماع، وبعد القبض تتنصف عند محمد خلافا لهما، والزيادة المنفصلة بعد القبض
إذا هلكت يتنصف الأصل دون الزيادة. ولو استولد الزوج الجارية الممهورة قبل القبض
وادعى نسب الولد ثم طلقها قبل الدخول تتنصف الجارية والولد لأن العلوق وجد في ملك
الغير فلم تصح الدعوة، وذكر في كتاب الدعوى أنه يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد له
لأنه عاد إليه قديم ملكه وعتق نصف الولد بإقراره لأنه جزء منه ويسعى الولد في نصف
قيمته للمرأة على الروايتين جميعا.
ثم اعلم أن حاصل الزيادة في المهر أنها إذا حدثت بعد قبض المرأة ثم طلقها قبل
الدخول فإنها لا تتنصف، سواء كانت متصلة متولدة أو منفصلة متولدة أولا إلا متصلة
متولدة عند محمد، وأما إذا حدثت قبل القبض فإن المتولدة تتنصف متصلة أو منفصلة، وغير
المتولدة لا تتنصف، وفي خيار العيب الزيادة المتولدة متصلة أو منفصلة غير متولدة فإنها لا
تمنع الرد به، والمتصلة غير المتولدة والمنفصلة المتولدة يمنعان الرد به، وفي البيع الفاسد كل
زيادة فإنها لا تمنع الاسترداد والفسخ إلا زيادة متصلة غير متولدة، وفي باب الرجوع في الهبة
فإن الزيادة المتصلة متولدة أو غير متولدة مانعة من الرجوع والمنفصلة متولدة أو لا غير مانعة،
وفي باب الغصب لا يمنع من رد العين إلا الزيادة المتصلة الغير المتولدة التي لا يمكن فصل
المغصوب عنها، فلتحفظ هذه المواضع فإنها نفيسة. وأما المتصلة الغير المتولدة كالصبغ في
مسألة الزيادة في المهر فخارجة عن البحث. واعلم بأن الأوصاف لا تفرد بالعقد ولا تفرد
بضمان العقد، والاتلاف يرد على الأوصاف فأمكن إظهار حكم الاتلاف فيها فنقول: إذا
حدث في المهر عيب سماوي إن شاءت أخذته ناقصا بلا غرمه النقصان، وإن شاءت أخذت

254
قيمته يوم العقد، وإن حدث بفعل الزوج فإن شاءت
أخذت وقيمة النقصان، وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد، وإن حدث بفعل الزوج صارت قابضة، وإن حدث بفعل أجنبي فإن
شاءت أخذته وقيمة النقصان من الأجنبي، وإن شاءت أخذته قيمته من الزوج ولا حق لها
في النقصان. وإن حدث بفعل المهر فكالآفة السماوية في رواية، وفي ظاهر الرواية هو
كحكم جناية الزوج، والحدوث بفعل المهر أن يكون المهر عبدا فقطع يده أو فقأ عينه، وإذا
قبضت المهر فتعيب بفعلها أو بآفة سماوية أو بفعل المهر قبل الطلاق أو بعده قبل الحكم بالرد
فإن شاء الزوج أخذ نصفه ولا يضمنها النقصان، وإن شاء ضمنها نصف قيمته صحيحا يوم
القبض، وإن كان ذلك بعد الطلاق والحكم بالرد فللزوج أن يأخذه ونصف الأرش، وإن
تعيب بفعل الأجنبي يضمنها نصف القيمة لا غير، وإن تعيب بفعل الزوج فهو بالخيار كما
في الأجنبي. كذا في الظهيرية. فصار حاصل وجوه النقصان عشرين، لأنه إما أن يكون بآفة
سماوية أو بفعله أو بفعلها أو بفعل المهر أو بفعل الأجنبي، وكل من الخمسة على أربعة لأنه
إما أن يكون في يد الزوج أو في يدها قبل الطلاق أو في يدها بعده قبل الحكم بالرد أو بعده
بعد الحكم وأحكامها مذكورة، كما أن حاصل وجوه الزيادة ثمانية لأنها إما أن تكون متصلة
متولدة أو لا، أو منفصلة متولدة أو لا، وكل منها إما أن تكون في يده أو في يدها
والأحكام مذكورة إلا حكم المتصلة الغير المتولدة كالصبغ لظهور أنها لا تتنصف، وينبغي أن
تكون وجوه النقصان خمسة وعشرين، فإن النقصان في يد الزوج أعم من أن يكون قبل
الطلاق أو بعده فهي خمسة في خمسة. وإذا ولدت الجارية الممهورة في يد الزوج فهلكا ثم
طلقها قبل الدخول بها أخذت نصف قيمة الام لا غير، وإن قتلهما الزوج فإن شاءت ضمنته
نصف قيمة الام يوم العقد، وإن شاءت ضمنت عاقلته نصف قيمتها، وتضمن العاقلة نصف
قيمة الولد يوم القتل ولا يضمن الزوج نقصان الولادة إلا أن يكون فاحشا. ولو تزوجها على
زرع بقل فاستحصد الزرع في يدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلا سبيل للزوج على الزرع،
ولو تزوجها على عشرين شاة عجفاء فحملت في يدها ودر اللبن في ضروعها ثم طلقها قبل
الدخول بها يأخذ الزوج نصفها، ولو تزوجها على أرض قراح على أنها ثلاثون جريبا فإذا هي
عشرون إن شاءت أخذت القراح ناقصا لا غير، وإن شاءت أخذت قيمته ثلاثين جريبا مثل
هذه الأرض، ولو تزوجها على نخل صغار فطالت وكبرت في يدها ثم طلقها قبل الدخول
بها فلها نصفها. نص عليها في المنتفى. قال رحمه الله: وعندي هذا محمول على قول محمد
لأن المذهب عنده أن الزيادة المتصلة لا تمنع التنصيف ا ه‍. ما في الظهيرية بحروفه. وينبغي

255
أن تكون مسألة الشاة كمسألة النخل محمولة على قول محمد، وظاهر ما في المختصر أن
بالطلاق قبل الدخول يسقط نصف المهر ويبقى النصف وهو قول المحققين. وقيل يسقط كله
ويجب نصف المهر بطريق المتعة، واختاره في الهداية في باب الرجوع عن الشهادات. قال في
الجوهرة: وفائدته أنه لو تزوجها على مائة درهم ورهنها بها رهنا ثم طلقها، فعلى القول الأول
لها إمساك الرهن، وعلى الثاني لا ا ه‍. وفي البدائع: ضعف القول بسقوط الكل. ثم إيجاب
النصف بأنه لا فائدة فيه وأن طريق أصحابنا هو الأول. وذكر الاختلاف بين أبي يوسف
ومحمد في الرهن، فعند محمد هو رهن بها، وعند أبي يوسف لا. وفي القنية: افترقا فقالت
افترقنا بعد الدخول. وقال الزوج قبل الدخول فالقول قولها لأنها تنكر سقوط نصف المهر
ا ه‍. وفيها أيضا: لو تبرع بالمهر عن الزوج ثم طلقها قبل الدخول أو جاءت الفرقة من قبلها
يعود نصف المهر في الأول والكل في الثاني إلى ملك الزوج بخلاف المتبرع بقضاء الدين إذا ارتفع السبب يعود إلى ملك القاضي إن كان بغير أمره، وتمامه فيها من كتاب المداينات.
قوله: (وإن لم يسمه أو نفاه فلها مهر مثلها إن وطئ أو مات عنها) لما روي في السنن
والجامع الترمذي عن عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم
يفرض لها الصداق فقال لها الصداق كاملا وعليها العدة ولها الميراث فقال معقل بن سنان:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لله قضى به في تزويج بنت واشق. قال الترمذي: هو حسن صحيح.
ولأنه حق الشرع وجوبا وإنما يصير حقها في حالة البقاء فتملك الابراء دون النفي ومن
صوره ما إذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا لأن الألف بمقابلة مثلها فبقي النكاح بلا
تسمية كما في المحيط. ومنها ما إذا تزوجها على عبدها، وليس منها ما إذا تزوجها على عبد
الغير فإنه إذا لم يجز مالكه وجبت قيمته. ومنها ما في القنية: قالت زوجت نفسي منك
بخمسين دينارا وأبرأتك من الخمسين فقال قبلت ينعقد بمهر المثل لعدم التسمية. ومنها ما
فيها: تزوجتك بمهر جائز في الشرع وجب مهر المثل ولا ينصرف إلى العشرة لأن مهر المثل
جائز شرعا أيضا، وفي المعراج لها العشرة. ومنها ما إذا تزوجها على حكمها أو حكمه أو
حكم رجل آخر أو على ما في بطن جاريتي أو أغنامي كما في فتح القدير. ومنها ما في
الظهيرية: لو تزوجها على أن يهب الزوج لأبيها ألف درهم كان لها مهر المثل. وهب لأبيها
ألفا أو لم يهب، فإن وهب كان له أن يرجع في الهبة. ومنها ما فيها أيضا: لو تزوجها على
دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه الخلع. ومنها تسمية المحرم. ومنها تسمية المجهولة جهالة

256
فاحشة كما سيأتي كما إذا تزوجها على ما يكسبه العام أو يرثه كما في البدائع. ومنها تسمية
ما لا يصلح مهرا كتأخير الدين عنها سنة والتأخير باطل كما في الظهيرية، أو أبرئ فلان من
الدين فيجب مهر المثل كما في الخانية، وليس منها ما إذا تزوجها على حجة فإن لها قيمة
حجة وسط لا مهر المثل كما في الظهيرية. وفسر في المعراج الوسط بركوب الراحلة. وليس
منها ما إذا تزوجها على عتق أخيها عنها فإنه لا شئ لها لثبوت الملك لها اقتضاء في الأخ
بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أخيها أو طلاق ضرتها فإنه يجب مهر المثل لأنهما ليسا بمال،
وتمامه في المحيط. ثم اعلم أن وجوب مهر المثل بتمامه عند عدم التسمية مشروط بأن لا
يشترط الزوج عليها شيئا لما في الولوالجية والمحيط: لو تزوجها على أن تدفع إليه هذا العبد
يقسم مهرها على قيمة العبد وعلى مهر مثلها لأن المرأة بذلت البضع والعبد بإزاء مهر مثلها،
والبدل ينقسم على قدر قيمة المبدل، فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه فاسد لأنها باعته بشئ
مجهول والباقي يصير مهرا ا ه‍. ويخالفه ما نقلاه أيضا: لو قال لامرأة أتزوجك على أن
تعطيني عبدك هذا فقبلت جاز النكاح بمهر المثل ولا شئ له من العبد فيحتاج إلى الفرق.
وقد يقال: إن في الثانية لم يجعل العبد مبيعا بل هبة فلا ينقسم مهر المثل على العبد وعلى مهر
المثل بدليل أنه ذكر الاعطاء والعطية الهبة، وفي الأولى جعل العبد مبيعا فانقسم مهر المثل
بدليل أنه ذكر الدفع لا الاعطاء. وأما إذا تزوجها على ألف على أن تدفع إليه هذا العبد فقال
في المحيط: صح النكاح والبيع لأن البيع مشروط في النكاح، فأما النكاح غير مشروط في
البيع فثبت البيع ضمنا للنكاح. ولو قال في المختصر أو مات أحدهما لكان أولى لأن موتها
كموته كما في التبيين. وليس من صور عدم التسمية ما لو تزوجت بمثل مهر أمها والزوج لا
يعلم مقدار مهر أمها فإنه جائز بمقدار مهر أمها، ولو طلقها الزوج قبل الدخول بها فلها
نصف ذلك وللزوج الخيار إذا علم مقدار مهر أمها كما لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا ثم
علم بوزنه ولا خيار للمرأة. كذا في الذخيرة. وليس منها ما إذا افترقا وبقي عليه عشرة
دنانير من المهر ثم تزوجها بتلك العشر فإن المصرح به في القنية أنه تزوج بمثل العشرة فيكون
المهر عشرة أخرى غير عشرة الدين.
قوله: (والمتعة إن طلقها الوطئ) أي لها المتعة إن لم يسم شيئا وطلقها قبل الوطئ
والخلوة لقوله تعالى * (ومتعوهن على الموسع قدره) * () الآية. ثم هذه المتعة واجبة
رجوعا إلى الامر، ولا يكون لفظ المحسنين قرينة صارفة إلى الندب لأن المحسن أعم من

257
المتطوع والقائم بالواجب أيضا فلا ينافي الوجوب مع ما انضم إليه من لفظ حقا وعلى
وفي الاسرار للدبوسي قال علماؤنا: والمتعة بعد الطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية
فيه تجب خلفا عن مهر المثل الذي كان واجبا به قبل الطلاق بدلا عن الملك الواقع بالعقد
للرجل على المرأة في الحالين جميعا ا ه‍. ثم اعلم أن المتعة إنما تجب في موضع لم تصبح
التسمية من كل وجه، أما إذا صحت من وجه دون وجه فإنه لا تجب المتعة وإن وجب مهر
المثل بالدخول كما إذا تزوجها على ألف درهم وكرامتها أو على ألف وعلى أن يهدي لها
هدية، فإنه إذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف الألف لا المتعة مع أنه لو دخل بها وجب
مهر المثل لا ينقص من الألف - كما في غاية البيان - لأن المسمى لم يفسد من كل وجه لأنه
على تقدير كرامتها والاهداء يوجب الألف لا مهر المثل. قيد بالطلاق والمراد منه فرقة جاءت
من قبله ولم يشاركه صاحب المهر في سببها، طلاقا كانت أو فسخا كالطلاق والفرقة بالايلاء
واللعان والجب والعنة وردته وإبائه الاسلام وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة للاحتراز عن فرقة
جاءت من قبلها قبل الدخول فإنه لا متعة لها، لا وجوبا ولا استحبابا كما في فتح القدير.
كما لا يجب نصف المسمى لو كان موجودا كردتها وإبائها الاسلام وتقبيلها ابنه بشهوة
والرضاع وخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة، وقيدنا بأنه لم يشاركه في سبيها للاحتراز عما
إذا اشترى منكوحته من المولى أو اشتراها وكيله منه فإن مالك المهر يشارك الزوج في السبب
وهو الملك فلذا لا تجب المتعة ولا نصف المسمى بخلاف ما لو باعها المولى من رجل ثم
اشتراها الزوج منه فإنها واجبة كما في التبيين.
قوله: (وهي درع وخمار وملحفة) وهو مروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
ودرع المرأة بالدال المهملة ما تلبسه فوق القميص وهو مذكر، والخمار ما تغطي به المرأة
رأسها، والملحفة هي الملاءة وهي ما تلتحف به المرأة. كذا في المغرب. ولم يذكر في الذخيرة

258
الدرع وإنما ذكر القيمص وهو الظاهر. وفي المعراج قال فخر الاسلام: هذا
في ديارهم أما في ديارنا تلبس أكثر من ذلك فيزاد على هذا إزار ومكعب ا ه‍. وفي البدائع: ولو أعطاها
قيمة الأثواب دراهم أو دنانير تجبر على القبول لأن الأثواب ما وجبت لعينها بل من حيث إنها
مال كالشاة في خمس من الإبل في باب الزكاة ا ه‍. ولم يذكر المصنف اعتبارها بحاله أو
بحالها للاختلاف فالكرخي اعتبر حالها. واختاره القدوري، فإن كانت سفلة فمن الكرباس،
وإن كانت وسطة فمن القز، وإن كانت مرتفعة الحال فمن الإبريسم فإنها بدل بضعها فتعتبر
بحالها، والإمام السرخسي اعتبار حاله وصححه في الهداية عملا بقوله تعالى * (على الموسع
قدره وعلى المقتر قدره) * (البقرة: 236) لكن ليس على إطلاقه قالوا: فلا تزاد على نصف مهر
مثلها لأن الحق عند التسمية آكد وأثبت منه عند عدم التسمية. ثم عندها لا يزاد على نصف
المسمى فلان لا يزاد عند عدمها على نصف مهر المثل أولى. ولا تنقص المتعة عن خمسة دراهم
لأنها تجب على طريق العوض وأقل عوض ثبت في النكاح نصف عشرة فلا بد في المتعة من
ملاحظة هذين الامرين، فليس ملاحظة الامرين مناقضا للقول باعتبار حاله كما في فتح
القدير، ودعواه بأن الملاحظة المذكورة صريحة في اعتبار حالها ممنوعة لأنها لو كانت غنية قيمة
متعتها مائة درهم والزوج فقير يناسبه أن تكون المتعة في حقه عشرين درهما فعلى من اعتبر
حاله الواجب عشرون، وعلى من اعتبر حالها الواجب المائة. نعم لو كان غنيا وحاله يقتضي
مائة وهي فقيرة متعتها عشرون فحينئذ لا يزاد على العشرين لا باعتبار حالها بل لما ذكرناه،
والإمام الخصاف اعتبر حالهما قالوا: وهو أشبه بالفقه. وصححه الولوالجي لأن في اعتبار
حالة تسوية بين الشريفة والخسيسة وهو منكر بين الناس فقد اختلف الترجيح، والأرجح قول
الخصاف لأن الولوالجي في فتاواه صححه وقال: وعليه الفتوى. كما أفتوا به في النفقة،
وظاهر كلامهم أن ملاحظة الامرين على جميع الأقوال معتبرة فلا يزاد على نصف مهر المثل
ولا ينقص عن خمسة دراهم كما هو صريح الأصل والمبسوط. وفي فتح القدير وإطلاق
الذخيرة: كونها وسطا لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة لا يوافق رأيا من الثلاثة الاعتبار بحاله
أو حالها أو حالهما ا ه‍. ولعله سهو لأن اعتبار الوسط موافق للأقوال كلما لأنه على قول
من اعتبر حالها وكانت فقيرة مثلا فإنه يجب لها الكرباس الوسط لا الجيد ولا الردئ، وفي

259
المتوسطة قز وسط، وفي المرتفعة إبريسم وسط. وعلى قول من اعتبر حاله وكان فقيرا يجب
لها الكرباس الوسط، وإن كان متوسطا فقز وسط، وإن كان غنيا فإبريسم وسط. على قول
من اعتبر حالهما فإن كانا فقيرين فالواجب كرباس وسط، وإن كانا غنيين فالواجب إبريسم
وسط، وإن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا فالواجب قز وسط، فقد علمت أن الوسط معتبر
على كل تقدير، وفي الظهيرية: الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة الواجبة والرهن بمهر
المثل القياس أن لا يصير رهنا بالمتعة حتى لا يحبس بها وهو قول أبي يوسف، وفي
الاستحسان يصير رهنا بالمتعة حتى يحبس بها وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وهي
من المسائل الثلاث التي رجع أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس لقوة وجه القياس.
والثانية إذا تلا آية السجدة في ركعة ثم أعادها في الركعة الثانية القياس أن تكفيه سجدة
واحدة وهو قول أبي يوسف الآخر، وفي الاستحسان تلزمه أخرى وهو قول أبي يوسف
الأول وهو قول محمد. والثالثة العبد إذا جنى جناية فيما دون النفس يخير المولى بين الدفع
والفداء فإن اختار الفداء ثم مات المجني عليه فالقياس أن يخير المولى ثانيا وهو قول أبي يوسف
الآخر، وفي الاستحسان أن لا يخير وهو قوله الأول وهو قول محمد اه‍.
قوله: (وما فرض بعد العقد أو زيد لا يتنصف) أي بالطلاق قبل الدخول أما ما فرض
بعد العقد فلان هذا الفرض تعيين للواجب بالعقد وهو مهر المثل بدليل أنه لا شفعة للشفيع
لو فرض لها دارا بعد العقد بخلاف ما لو دفع لها الدار بدلا عن المسمى في العقد فإن له
الشفعة لأنه بيع بدليل أنها لو طلقت قبل الدخول ترد نصف المسمى لا نصف الدار وذلك لا
يتنصف، فكذا ما نزل منزلته. والمراد بقوله تعال * (فنصف ما فرضتم) * (البقرة: 237)
المفروض في العقد إذ هو الفرض المتعارف. أطلقه فشمل ما إذا كان الفرض بعد العقد
بتراضيهما أو بفرض القاضي فإن لها أن ترفعه إلى القاضي ليفرض لها إذا لم يكن فرض لها
في العقد. كذا في فتح القدير. وقد يقال: إن فرض القاضي المذكور إذا لم يكن برضاه فهو

260
متوقف على النظر فيمن يماثلها في الأوصاف الآتية من نساء أبيها، ويثبت عند ذلك بالبينة
كما سيأتي فهو قضاء بمهر المثل لا طريق لفرضه جبرا إلا به كما لا يخفى. وأما ما زيد على
المسمى فإنما لا يتنصف لما ذكرنا أن التنصيف يختص بالمفروض في العقد، ودل وضع المسألة
على جواز الزيادة في المهر بعد العقد وهي لازمة له بشرط قبولها في المجلس على الأصح كما
في الظهيرية، أو قبول وليها إن كانت صغيرة ولو لم تقبل كما في أنفع الوسائل، واستدلوا
لجوازها بقوله تعالى * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * (النساء: 24) فإنه
يتناول ما تراضوا على إلحاقه وإسقاطه، ولا يلزم كون الشئ بدل ملكه إلا لو قلنا بعدم
الالتحاق ونحن نقول بالتحاقه بأصل العقد. ومن فروع الزيادة على المهر لو راجع المطلقة
رجعيا على ألف فإن قبلت لزمت وإلا فلا، ومن فروعها لو وهبت مهرها من زوجها ثم إن
الزوج أشهد أن لها عليه كذا في مهرها تكلموا فيه، والمختار عند الفقيه أبي الليث أن إقراره
جائز إذا قبلت، ووجهه في التجنيس بوجوب تصحيح التصرف ما أمكن وقد أمكن بأن يجعل
كأنه زاد على المهر. وفي القنية: جدد للحلال نكاحا بمهر يلزم إن جدده لأجل الزيادة لا
احتياطا ا ه‍. وفي الظهيرية تزوجها بألف ثم جدد النكاح بألفين، المختار عندنا أن لا تلزمه
الألف الثانية لأنها ليست بزيادة لفظا ولو ثبتت الزيادة إنما تثبت في حق ضمن النكاح فإذا لم
يصح النكاح لم يصح ما في ضمنه ا ه‍. وفي القنية: قال بعد المهر جعلت ألف درهم مهرك
لا يلزم ا ه‍. فالحاصل أنهم اتفقوا على أن النكاح بعد النكاح لا يصح وإنما الاختلاف في
لزوم المهر. وفي البزازية من الصلح: الصلح بعد الصلح باطل وكذا الصلح بعد الشراء
والشراء بعد الشراء فالثاني أحق ا ه‍.
وقيد في جامع الفصولين والقنية الأخيرة بأن يكون الثمن الثاني أكثر من الأول أو أقل
لينفسخ العقد الأول، فإن كان بمثل الأول فالأول أحق لعدم الفائدة. وفي الولوالجية: امرأة
قالت لرجل زوجتك نفسي على ألف درهم فقال الزوج قبلت النكاح على ألفين جاز النكاح
لأنه أجاب بما خاطبته وزيادة، فإن قالت المرأة قبل أن يتفرقا قبلت الألفين فعلى الزوج ألفا
درهم لأنها قبلت الزيادة، وإن لم تقبل المرأة حتى تفرقا جاز النكاح على ألف. وهذا يجب أن
يكون قول أبي يوسف ومحمد بناء على أن في الألفين ألفا وزيادة وعليه الفتوى ا ه‍. بلفظه.

261
وبما نقلناه علم أنه لا يشترط في صحتها لفظ الزيادة. وأشار بقوله زيد إلى أنه معلوم فلو
قال زدتك في مهرك ولم يعين لم تصح الزيادة للجهالة كما في الواقعات. وأطلق في صحة
الزيادة فأفاد أنها صحيحة بلا شهود كما في القنية، وشمل الزيادة بعد هبة المهر والابراء منه،
وشمل ما إذا كانت الزيادة من جنس المهر أو من غير جنسه كما في أنفع الوسائل، وشمل ما
إذا زاد بعد موتها فإنها صحيحة إذا قبلت الورثة عند أبي حنيفة خلافا لهما كما في التبيين من
البيوع، وشمل ما إذا كان بعد الطلاق الرجعي قبل انقضاء العدة وأما بعد انقضاء العدة في
الرجعي وبعد الطلاق البائن فلم أر فيه نقلا. قال في أنفع الوسائل: وقياس الزيادة بعد موتها
أن تصح فيهما عند أبي حنيفة بل بالطريق الأولى لأن في الموت انقطع النكاح وفات محل
التمليك وبعد الطلاق قابل، وما ذكر في إكراه شيخ الاسلام من أن الزيادة في المهر بعد
الفرقة باطلة هكذا روى بشر عن أبي يوسف قال: إذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول بها أو
بعده ثم زاده في المهر لم تصح الزيادة، محمول على أنه قول أبي يوسف وحده لا على قول أبي
حنيفة لأن أبا يوسف خالفه في الزيادة بعد موت المرأة فيكون قد مشى على أصله ا ه‍. وأما
الزيادة بعد عتقها فذكر في التبيين في زيادة المبيع والثمن أنه لو زوج أمته ثم أعتقها ثم زاد
الزوج على مهرها بعد العتق تكون الزيادة للمولى لأنها تلتحق بأصل العقد ا ه‍. ويوافقه ما

262
في المحيط من آخر باب نكاح الإماء: قال الزوج للمعتقة لك خمسون درهما على أن تختاريني
لزم العقد ولا شئ لها لأنه لا يصح أخذ العوض عنه، ولو قال اختاريني ولك خمسون
درهما زيادة على صداقك صحت وتجب الزيادة للمولى لأنه وجب بدلا عن البضع لأنه زيد
على الصداق والمال يصلح عوضا عن البضع فيلتحق بأصل العقد ا ه‍. ويخالفه ما في المحيط
أيضا من باب خيار العتق والبلوغ: رجل زوج أمته من رجل ثم أعتقها ثم زاد الزوج في
المهر فالزيادة لها ولا أجبر الزوج على دفع الزيادة للمرأة، وكذلك إن باعها فالزيادة للمشتري
ولا أجبره على دفع الزيادة إليه لأنها بمنزلة الهبة ا ه‍. وهو ضعيف لأنه رواية المنتقى
ولمخالفته الأصل الممهد وهو الالتحاق بأصل العقد. وفي التلخيص وشرحه: لو قال زدتك
في صداقك كذا على أن تختاريني ففعلت بطل خيارها وتكون الزيادة للمولى للالتحاق كالزيادة
بعد موت البائع، إذا قبل الوارث تكون للميت حتى تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه بخلاف
تعليق الزيادة بدخول الدار حيث لا يصح ولا يجب شئ لأنها معتبرة بأصل العقد ا ه‍. وقيد
بزيادة المهر لأن زيادة المنكوحة لا تجوز كما إذا زوجه أمة ثم زاده أخرى لأن الشرع ما ورد
بتمليك الزيادة المتولدة في المملوكة بالنكاح تبعا للمنكوحة بخلاف البيع كما سيأتي في بابه.
قوله: (وصح حطها) أي حط المرأة من مهرها لأن المهر في حالة البقاء حقها والحط
يلاقيه حالة البقاء. والحط في اللغة الاسقاط كما في المغرب، أطلقه فشمل حط الكل أو
البعض، وشمل ما إذا قبل الزوج أو لم يقبل بخلاف الزيادة فإنه لا بد في صحتها من قبولها
في المجلس كما قدمناه. وقيد في البدائع الابراء عن المهر بأن يكون دينا أي دراهم أو دنانير،
وظاهره أن حط المهر العين لا يصح لأن الحط لا يصح في الأعيان. وفي أنفع الوسائل:
الظاهر أن الحط يرتد بالرد وإن لم يتوقف على القبول كهبة الدين ممن عليه الدين إذا رد ولم أر
فيه نقلا صريحا ا ه‍. وقد ظفرت بالنقل صريحا من فضل الله ولله الحمد والمنة. ذكر في

263
القنية من كتاب المداينات من باب الابراء من المهر: قالت لزوجها أبرأتك ولم يقل الزوج
قبلت أو كان غائبا فقالت أبرأت زوجي يبرأ إلا إذا رده ا ه‍. بلفظه. وقيد بحطها لأن حط
أبيها غير صحيح فإن كانت صغيرة فهو باطل وإن كانت كبيرة توقف على إجازتها، فإن ضمنه
الأب إن لم تجزه البنت فالضمان باطل كما قدمنا نقله عن الخلاصة في باب الأولياء. ولا بد
في صحة حطها من الرضا حتى لو كانت مكرهة لم يصح ولذا قال في الخلاصة من كتاب
الهبة: إذا خوف امرأته بضرب حتى وهبت مهرها لا يصح إن كان قادرا على الضرب ا ه‍.
وفي القنية من الاكراه: تزوج امرأة سرا وأراد أن تبرأه من المهر فدخل عليها أصدقاؤه وقالوا
لها إما أن تبرئيه من لمهر وإلا قلنا للشحنة كذا وكذا فيسود وجهك فأبرأته خوفا من ذلك فهو
إكراه ولا يبرأ، ولو لم يقولوا فيسود وجهك والمسألة بحالها فليس بإكراه ا ه‍. ولو اختلفا في
الكراهية والطوع ولا بينة فالقول لمدعي الاكراه، ولو أقاما البينة فبينة الطواعية أولى كما في
القنية في نظيره من الدعوى. وفي الخلاصة: قال لمطلقته لا أتزوجك ما لم تهبيني مالك على
من المهر فوهبت مهرها على أن يتزوجها ثم إن الزوج أبى أن يتزوجها فالمهر باق على الزوج
تزوج أو لم يتزوج، ولو قال لامرأته أبرئيني من مهرك حتى أهب لك كذا فوهبت مهرها
وأبى الزوج أن يهب لها ما وعد يعود المهر. ذكره في النكاح. وفيها من الهبة: لو قالت
لزوجها وهبت مهري منك على أن كل امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي إن لم يقبل الزوج
الهبة لا تصح الهبة، وقد ذكرنا الجواب المختار أنها تصح من غير قبول وإن قبل إن يجعل
أمرها بيدها فالهبة ماضية، وإن لم يجعل فكذلك عند البعض، والمختار أن المهر يعود. وعلى
هذا لو قالت وهبت مهري منك على أن لا تظلمني أو على أن تجح بي أو على أن تهب لي كذا
وإن لم يكن هذا شرطا في الهبة لا يعود المهر ا ه‍. وهو مشكل لأن تعليق الابراء بالشرط
باطل. وفيها من النكاح: لو أحالت إنسانا على الزوج على أن يؤدي من المهر ثم وهبت المهر
من الزوج لا يصح وهي الحيلة لمن أرادت أن تهب المهر ولا يصح، ولو وهبت مهرها من
أبيها ووكلته بالقبض يصح ا ه‍. وفي القنية: وله ثلاث حيل غير هذه: إحداها شراء شئ
ملفوف من زوجها بالمهر قبل الهبة. والثانية صلح إنسان معها عن المهر بشئ ملفوف قبل
الهبة. والثالثة هبة المرأة المهر لابن صغير لها قبل الهبة. كذا في كتاب المداينات.

264
وفي التجنيس: وهبت المهر لابنها الصغير وقبل الأب فالمختار أنها لا تصح لأنها هبة
غير مقبوضة ا ه‍. وفيها: قالت لزوجها إن كان يهمك المهر فقد أبرأتك يبرأ في الحال
وليس بتعليق، ولو طلق امرأته ثلاثا ولم تعلم به ثم قال لها إن لم تبرئيني من المهر فأنت
طالق ثلاثا فأبرأته وقبل يبرأ. وقال أبو حامد: يبرأ قبل أو لم يقبل. ولو قالت الصداق
الذي لي على زوجي ملك فلان بن فلان لا حق لي فيه وصدقها المقر له ثم أبرأت زوجها
عنه يبرأ، ولو قالت المهر الذي لي على زوجي لوالدي لا يصح إقرارها به ا ه‍. وفي كتاب
النكاح منها: اختلفا في هبة المهر فقالت وهبته لك بشرط أن لا تطلقني وقال بغير شرط
فالقول قولها ا ه‍. وذكر في الدعوى: لو أقاما البينة فبينة المرأة أولى، وقيل بينة الزوج
أولى، ولا بد في صحة حطها من أن لا تكون مريضة مرض الموت لما عرف في إبراء
الوارث. وفي الخلاصة من المهر: وهبت مهرها من الزوج وماتت ثم اختلفت ورثتها مع
أزوج قالت الورثة كانت الهبة في مرض الموت وقال الزوج كانت في الصحة فالقول قول
الزوج لأنه ينكر المهر ا ه‍. وفي القنية من كتاب الهبة: وهبت مهرها من زوجها في مرض
موتها ومات زوجها قبلها فلا دعوى لها لصحة الابراء ما لم تمت، فإذا ماتت منه فلورثتها
دعوى مهرها ا ه‍. وفيها أيضا من باب البينتين المتضادتين: أقام الزوج بينة أنها أبرأته من
الصداق حال صحتها وأقام الورثة بينة أنها أبرأته في مرض موتها فبينة الصحة أولى، وقيل
بينة الوارث أولى ا ه‍. والراجح الأول. وفيها أيضا من الهبة: أبرأه عن الدين ليصلح
مهمه عند السلطان لا يبرأ وهو رشوة، ولو أبى الاضطجاع عند امرأته فقال لها أبرئيني من
المهر فأضطجع معك فأبرأته، قيل يبرأ لأن الابراء للتودد الداعي في الجماع وقال عليه
السلام تهادوا تحابوا بخلاف الابراء في الأول لأنه مقصور على إصلاح المهم وإصلاح
المهم مستحق عليه ديانة وبذل المال فيما هو مستحق عليه حد الرشوة ا ه‍. وفيها من كتاب
الدعوى: امرأة ماتت فطلب زوجها من ورثتها براءته من المهر فأبوا فأعطى المهر ثم ظهر
له بينة أن امرأته أبرأته في حال الصحة ولم يعلم الزوج بذلك فله أن يرجع بما أعطى من
المهر ديانة فهذا يشير إلى أنه لا يرجع عليهم قضاء ا ه‍. وفيها من باب البينتين المتضادتين:
أقامت المرأة بينة على المهر على أن زوجها كان مقرا بذلك إلى يومنا هذا وأقام الزوج البينة
أنها أبرأته من هذا المهر الذي تدعي فبينة البراءة أولى، وكذا في الدين ا ه‍. ويشترط في
صحة إبرائها عن المهر علمها بمعناها لما في التجنيس: لو قال لها قولي وهبت مهري منك
فقالت المرأة ذلك وهي لا تحسن العربية لا يصح، فرق بين هذا وبين العتق والطلاق حيث
يقعان، والفرق أن الرضا شرط جواز الهبة وليس بشرط لجواز العتق والطلاق ا ه‍. وأشار

265
المصنف إلى أنه لو تزوجها بمائة دينار على أن تحط عنه خمسين منها فقبلت فهو صحيح
بالأولى كما في الخانية.
قوله: (والخلوة بلا مرض أحدهما وحيض ونفاس وإحرام وصوم فرض كالوطئ) بيان
للسبب الثالث المكمل للمهر وهي الخلوة الصحيحة لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع
وذلك وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع، وقد حكى الطحاوي إجماع الصحابة
عليه، ويدل عليه حديث الدارقطني من كشف خمار امرأة أو نظر إليها وجب الصداق،
دخل أو لم يدخل وحينئذ فالمراد بالمس في قوله تعالى * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (
البقرة: 237) الخلوة إطلاقا لاسم المسبب على السبب إذا لمس مسبب عن الخلوة عادة
ويكون كما له بالجماع بحضرة الناس بالاجماع لا بالآية. ومن فروع لزوم المهر بالخلوة لو زنى
بامرأة فتزوجها وهو على بطنها فعليه مهران: مهر بالزنا لأنه سقط الحد بالتزوج قبل تمام
الزنا، والمهر المسمى بالنكاح لأن هذا يزيد على الخلوة. وقد شرط المصنف في إقامتها مقام
الوطئ شروطا ترجع إلى أربعة أشياء: الخلوة الحقيقية، وعدم مانع حسي، وعدم مانع طبعي،
وعدم مانع شرعي من الوطئ. فالأول للاحتراز عما إذا كان هناك ثالث فليست بخلوة،
سواء كان ذلك الثالث بصيرا أو أعمى أو يقظانا أو نائما بالغا أو صبيا يعقل. وفصل في
المبتغى في الأعمى فإن لم يقف على حاله تصح وإن كان أصم إن كان نهارا لا تصح وإن كان
ليلا تصح ا ه‍. وشمل الثالث زوجته الأخرى وهو المذهب بناء على كراهة وطئها بحضرة
ضرتها. واختلف في الجارية على أقوال، قيل لا تمنع مطلقا ولو كانت جارية لغيرهما، وقيل
جاريتها تمنع بخلاف جاريته والمختار أن جاريتها لا تمنع كجاريته كما في الخلاصة وعليه
الفتوى كما في المبتغى، وجزم الإمام السرخسي في المبسوط بأن كلا منهما يمنع وهو قول
أبي حنيفة وصاحبيه لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا ا ه‍. وشمل الثالث الكلب إن
كان عقورا مطلقا وإن لم يكن عقورا فكذلك إن كان لها، وإن كان له صحت الخلوة. وخرج
من الثالث الصبي الذي لا يعقل والمجنون والمغمى عليه. والمراد بالذي يعقل هنا ما يمكنه أن
يعبر ما يكون بينهما كما في الخانية وللاحتراز عن مكان لا يصلح للخلوة، والصالح لها أن
يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما كالدار والبيت ولو لم يكن له سقف، وكذا الخيمة في المفازة
والمحل الذي عليه قبة مضروبة، وكذا البستان الذي له باب وأغلق فلا تصح في المسجد
والطريق الأعظم والحمام وسطح الدار من غير ساتر والبستان الذي ليس له باب وإن لم يكن
هناك أحد، واختلف في البيت إذا كان بابه مفتوحا أو طوابقه بحيث لو نظر إنسان رآهما ففي

266
مجموع النوازل: إن كان لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن فهي خلوة. واختار في الذخيرة أنه
مانع وهو الظاهر. ويصح أن تكون هذه الفروع داخلة في المانع الحسي لأن وجود ثالث
وعدم صلاحية المكان مانع حسي كما في الاسرار. وأشار بالمرض إلى المانع الحسي وعممه
بعدم الفرق بين مرضه ومرضها.
وأطلقه فأفاد أن مطلق المرض مانع وهو كذلك في مرضه، وأما في مرضها فلا بد أن
يكون مرضا يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر وهو الصحيح لأن مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور
عادة. ومن المانع الحسي الرتق والقرن والعفل والشعر داخل الفرج المانع من جماعها،
فالقرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما غدة غليظة أو لحم أو عظم وامرأة رتقاء بها ذلك.
كذا في المغرب. وامرأة رتقاء بينة الرتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال. وضبط القرن في شرح
المجمع بسكون الراء، والرتق بفتح التاء، والعفل شئ مدور يخرج بالفرج ومنه صغرها بحيث
لا تطيق الجماع، وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه، وقدر بالبلوغ، وقيل بالتسع والأولى
عدم التقدير كما قدمناه. فلو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب فالقاضي يريها النساء
ولم يعتبر السن. كذا في الخلاصة. وفي خلوة الصغير الذي لا يقدر على الجماع قولان، وجزم
قاضيخان بعدم الصحة فكان هو المعتمد ولذا قيد في الذخيرة بالمراهق وسيأتي الكلام على
الخصي ونحوه. وأشار بالحيض والنفاس إلى المانع الطبعي وهو شرعي أيضا ولا يخفى أنه عند
عدم درور الدم ليس مانعا طبعا مع أنه مانع شرعا لأن الطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض
ونفاس، والظاهر أنه لا يوجد لنا مانع طبعي إلا وهو شرعي فلو اكتفوا بالمانع الشرعي عنه
لكان أولى. وأشار بالاحرام والصوم إلى المانع الشرعي، أما الاحرام فأطلقه فشمل الاحرام
بحج فرض أو نفل أو بعمرة. وعلله في الهداية وغيرها بأنه يلزم من الوطئ معه الدم وفساد
النسك والقضاء، فظاهره أنه لو خلا بها بعد الوقوف بعرفة فإنها صحيحة للأمن من الفساد مع
أن الجواب مطلق وهو الظاهر للحرمة شرعا. وأما الصوم فقيده المصنف بصوم الفرض
للاحتراز عن صوم التطوع لأنه لا يمنع صحة الخلوة وإن كان واجبا بالشروع لأن وجوبه
لضرورة صيانة المؤدى فلا يظهر في حق غيره مع أن الافطار فيه بغير عذر جائز في رواية.

267
وشمل صوم الفرض قضاء رمضان والكفارات والمنذور فإنها تمنع صحة الخلوة وهو قول
البعض، والصحيح أنه لا يمنع صحتها لأنها لا كفارة في إفسادها، فلو قال المصنف وصوم
رمضان أي أداء كما في المجمع لكان أولى لأنه الصحيح، أو قال والصوم اختيار القول
البعض لأمكن لأنه لا فرق عند البعض بين صوم التطوع والفرض في أنه يمنع صحتها
كالاحرام، فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال. وينبغي أن يكون صوم الفرض
ولو منذورا يمنع صحة الخلوة اتفاقا لأنه يحرم إفساده وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي.
وأما الصلاة فقالوا: فرضها كفرض الصوم ونفلها كنفله. كذا في الهداية. وعلله في
غاية البيان بأنه لا يأثم بترك النافلة وهو الصحيح فلا يكون مانعا بخلاف صلاة الفرض فإنه

268
يأثم بتركها ا ه‍. وفيه نظر لأنه ليس الكلام في الترك وإنما هو في الافساد، ولا شك أن إفساد
الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا، فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا مع أنهم
قالوا: إن الصلاة الواجبة كالنفل لا تمنع صحة الخلوة كما في شرح النقاية مع أنه يأثم بتركها،
وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع صحتها إلا الأربع قبل الظهر فإنها تمنع صحة
الخلوة لأنها سنة مؤكدة فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا ه‍. فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن
المؤكدة ويقتضي أن الواجبة تمنع صحتها بالأولى. ومن المانع الشرعي أن يكون طلاقها معلقا
بخلوتها، فلو قال لها إن خلوت بك فأنت طالق فخلا بها طلقت فيجب نصف المهر لحرمة
وطئها. كذا في الواقعات. زاد في البزازية والخلاصة بأنه لا تجب العدة في هذا الطلاق لأنه لا
يتمكن من الوطئ وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة في هذه الصورة
احتياطا. وصورها في المبتغى بالمعجمة بأن قال إن تزوجت فلانة فخلوت بها فهي طالق
فتزوجها وخلا بها كان لها نصف المسمى. ومن المانع الشرعي أن لا يعرفها حين دخلت عليه أو
حين دخل عليها على الأصح لأنها إنما تقام مقام الوطئ إذا تحقق بالخلوة التسليم والتمكين وذا
لا يحصل إلا بالمعرفة. كذا في المحيط. ويصدق في أنه لم يعرفها. كذا في الخانية. ولو عرفها
هو ولم تعرفه هي تصح الخلوة كذا في التبيين ولعل الفرق أنه متمكن من وطئها إذا عرفها ولم
تعرفه بخلاف عكسه فإنه يحرم عليه وطؤها. وفي الخانية: الكافر إذا خلي بامرأته بعدما أسلمت

269
صحت الخلوة، ولو أسلم الكافر وامرأته مشركة فخلا بها لا تصح الخلوة اه‍. ولعل الفرق مبني
على أن الكافر غير مخاطب بالفروع فكان متمكنا من وطئ المسلمة بخلاف وطئ المسلم المشركة.
وفي الخلاصة: ولو دخلت عليه وهو نائم صحت علم أو لم يعلم ا ه‍. وهو مشكل لأنه لم
يتمكن مع النوم من وطئها كما إذا لم يعرفها لكن أقاموه مقام اليقظان هنا، وينبغي أن يكون من
المانع الشرعي كونه مظاهرا منها فلو ظاهر منها ثم خلا بها قبل التكفير لم تصح لحرمة وطئها
عليه، ويدل عليه أن الإمام الدبوسي في الاسرار فسر المانع الشرعي بما يحرم عليه معه جماعها.
وأطلق في إقامتها مقام الوطئ في الأحكام فأفاد أنه يكمل لها المسمى وإن قالت لم
يطأني كما في الخانية، ولو لم تمكنه من الوطئ في الخلوة ففيه اختلاف المتأخرين. كذا في
الذخيرة. وقياس وجوب النفقة أن تصح الخلوة كما لا يخفى. واختار الطرطوسي تفقها من
عنده أنها إن كانت بكرا صحت الخلوة لأنها لا توطأ إلا كرها، وإن كانت ثيبا لم تصح لعدم
تسليم البضع اختيارا وكانت راضية بإسقاط حقها بخلاف البكر فإنها تستحي، وأفاد أنها
كالوطئ في الأحكام لكن هي كالوطئ في أحكام دون أحكام فأقاموها مقامه في حق كمال
المهر وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في هذه العدة وحرمة نكاح أختها وأربع
سواها وحرمة نكاح الأمة في قياس قول أبي حنيفة ومراعاة وقت الطلاق في حقها. كذا
ذكروا، وينبغي أن لا يذكر ثبوت النسب من أحكام الخلوة القائمة مقام الوطئ لأنها من
أحكام العقد وإن لم توجد خلوة أصلا كما صرح به في المبسوط، وكذا النفقة والسكنى
وحرمة نكاح الأخت ونحوها فإنها من أحكام العدة، فذكرها يغني عنها. هذا ما فهمته ثم
بعد مدة رأيت في جامع الفصولين نقلا عن أدب القاضي للخصاف أنها قائمة مقام الوطئ في
حق تكميل المهر ووجوب العدة ولم تقم مقامه في بقية الأحكام ا ه‍. وهذا هو التحقيق ولم

270
يقيموها مقامه في حق الاحصاء إن تصادقا على عدم الدخول وإن أقرا به لزمهما حكم
الاحصاء، وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط، وفي حرمة
البنات وحلها للأول والميراث حتى لو أبانها ثم مات في عدتها لم ترثه كما في المجتبى، وفي
الرجعة فلا يصير مراجعا بالخلوة ولا رجعة له بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة، وأما في حق
وقوع طلاق آخر ففيه روايتان، والأقرب إلى الصواب الوقوع لأن الأحكام لما اختلفت يجب
القول بالوقوع. كذا في الذخيرة وجعلها في المجتبى كالوطئ في حق التزويج فإنها تزوج كما
تزوج الثيب وهو ضعيف لما قدمنا من أنها تزوج بعدها كالأبكار إذا قالت لم يدخل بي. وفي
غاية البيان: إذا خلا بها في النكاح الموقوف تكون إجازة لأن الخلوة بالأجنبية حرام. وقال
بعظهم: نفس الخلوة لا تكون إجازة ا ه‍. وزاد في المجتبى في عدم كونها كالوطئ في منعها
نفسها للمهر، ولا ينبغي إدخاله هنا لأنه لو وطئها حقيقة فلها منعه بعده عند أبي حنيفة، نعم
يتأتى على قولهما كما لا يخفى. وفي المجتبى: الموت أقيم مقام الدخول في حكم العدة والمهر
وفيما سواهما كالعدم. وفي شرح الناصحي: فإن ماتت الام قبل أن يدخل بها فابنتها له
حلال ا ه‍.
قوله: (ولو مجبوبا أو عنينا أو خصيا) أي الخلوة بلا الموانع المذكورة كالوطئ، ولو كان
الزوج مجبوبا أو نحوه فلها كمال المهر بعد الطلاق والخلوة عند أبي حنيفة. وقالا: كذلك في
الخصي والعنين وفي المجبوب عليه النصف لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين لأن الحكم
أدير على سلامة الآلة. ولأبي حنيفة أن المستحق عليها التسليم في حق السحق وقد أتت به.
والحاصل أن الخلوة الصحيحة عنده هي التمكين من الوطئ بأقصى ما في وسعها. فإن قلت:
يلزم على هذا أن توجب الخلوة بالرتقاء كمال المهر إذ ليس هنا تسليم غيره قلنا: إن الرتق قد
يزول فكان هذا التسليم منتظرا غيره فلم يجب كمال المهر لعدم التسليم كاملا. كذا في غاية
البيان. والجب القطع ومنه المجبوب الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه، وقد جب جبا
وخصاه نزع خصيتيه بخصيه خصاء على فعال والاخصاء في معناه خطأ. وأما الخصي على

271
فعل فقياس وإن لم نسمعه، والمفعول خصي على فعيل، والجمع خصيان. كذا في المغرب. وفي
الغاية: الظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في المجبوب ولذا اقتصر الأسبيجابي على قطع
الذكر. وأشار المصنف إلى صحة خلوة الخنثى بالأولى وإلى أن نسب الولد يثبت من المجبوب
وهو بالاجماع. كذا في البدائع. وذكر التمرتاشي: إن علم أنه ينزل يثبت وإن علم خلافه فلا
وعليها العدة والأولى أحسن، وعلم القاضي أنه ينزل أولا ربما يتعذر أن يتعسر. كذا في فتح
القدير قوله: (وتجب العدة فيها) أي تجب العدة على المطلقة بعد الخلوة احتياطا، وإنما أفرد هذا
الحكم مع أنه معلوم من جعلها كالوطئ لأن هذا الحكم لا يخص الصحيحة بل حكم الخلوة ولو
فاسدة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل. والعدة حق الشرع والولد لأجل النسب فلا تصدق في
إبطال حق الغير بخلاف المهر لأنه مال لا يحتاط في إيجابه. وذكر القدوري في شرحه أن المانع
إن كان شرعيا تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة، وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر لا يجب
لانعدام التمكن حقيقة. واختاره قاضيخان في فتاواه لكن في فتح القدير: إلا أن الأوجه على
هذا أن يختص الصغير بغير القادر والمرض بالمدنف لثبوت التمكن حقيقة في غيرهما ا ه‍.
والمذهب وجوب العدة مطلقا لأنه نص محمد في الجامع الصغير، وظاهره أنها واجبة قضاء
وديانة. وفي المجتبى: وذكر العتابي تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة
طاهرا: أما على الحقيقة فقيل لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء اه‍.
وفي المجتبى: والخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد لا توجب العدة قوله: (وتستحب المتعة لكل
مطلقة إلا للمفوضة قبل الوطئ) وهي بكسر الواو من فوضت أمرها إلى وليها وزوجها بلا مهر،
وبفتحها من فوضها وليها إلى الزوج بلا مهر فإن المتعة لها واجبة على زوجها كسائر ديونها كما
ذكره الأسبيجابي، فالمراد بالواجب هنا اللازم. وأخرج الواجب عن أن يكون مستحبا بناء على
الاصطلاح، وشمل كلامه. من طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا فإنها مستحبة على ما في
المبسوط والمحيط والمختصر، وعلى رواية التأويلات وصاحب التيسير وصاحب الكشاف

272
وصاحب المختلف، وعلى ما في بعض نسخ القدوري لا تكون مستحبة لها حكما للطلاق، ولو
كانت مستحبة كان لمعنى آخر كما في قوله في عيد الفطر ولا يكبر في طريق المصلي عند أبي
حنيفة أي حكما للعيد ولكن لو كبر لأنه ذكر الله تعالى يجوز ويستحب. كذا في غاية البيان.
وحاصله أنه ليس المراد من نفي المستحب هنا أن لا ثواب في فعله بل فيه ثواب اتفاقا لأنه
إحسان وبر لها، وإنما محل الاختلاف أن هذا المستحب حكم من أحكام الطلاق أولا، وقد
قدمنا أن الفرقة إذا كانت من قبلها قبل الدخول فإنه لا يستحب لها المتعة أيضا لأنها جانية..
قوله: (ويجب مهر المثل في الشغار) لأنه سمى ما لا يصح صداقا فيصح العقد ويجب
مهر المثل كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا. والشغار في اللغة الخلوة يقال شغر الكلب إذا رفع
إحدى رجليه ليبول، وبلدة شاغرة إذا كانت خالية من السلطان. وأما في الاصطلاح فتزويجه
موليته على أن يزوجه الآخر موليته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر، سواء كانت المولية
بنتا أو أختا أو أمة، سمي به لخلوه عن المهر. وإنما قيدنا بأن يكون أحدهما صداقا عن الآخر
لأنه لو لم يكن كذلك بأن قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد عليه فقبل الآخر
فإنه لا يكون شغارا اصطلاحا وإن كان الحكم وجوب مهر المثل. وكذا لو قال أحدهما على
أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك ولم يقبل الآخر بل زوجه بنته ولم يجعلها صداقا فليس بشغار
وإن وجب مهر المثل حتى كان العقد صحيحا اتفاقا. وأما حديث الكتب الستة مرفوعا من
النهي عن نكاح الشغار فقد قلنا به لأنه إنما نهى عنه لخلوه عن المه وقد أوجبنا فيه مهر المثل
فلم يبق شغارا. قيد بالشغار لأنه لو زوج ابنته من رجل على مهر مسمى على أن يزوجه
الآخر ابنته على مهر مسمى، فإن زوجه فلكل واحد منهما ما سمى لها من المهر، وإن لم
يزوجه الآخر كان للمزوجة تمام مهر مثلها لأن رضاها بدون مهر المثل باعتبار منفعة مشروطة
لأبيها. كذا في المبسوط قوله: (وخدمة زوج حر للأمهات) أي يجب مهر المثل إذا تزوج حر
امرأة وجعل خدمته لها سنة مثلا صداقها. وقال محمد: لها قيمة خدمته سنة لأن المسمى مال
إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة فصار كالمتزوج على عبد الغير. ولهما أن الخدمة

273
ليست بمال لما فيه من قلب الموضوع إذا لا تستحق فيه بحال فصار كتسمية الخمر والخنزير.
وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة فإذا لم يجب تسليمه بالعقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم على
الأصل وهو مهر المثل. أطلق في الخدمة فشمل رعي غنمها وزراعة أرضها وهي رواية
الأصل كما في الخانية، وذكر في المبسوط فيه روايتين، وذكر في المعراج أن الأصح رواية
الأصل وهو وجوب مهر المثل لكن يشكل عليه أنهم لم يجعلوا رعي الغنم والزراعة خدمة في
مسألة استئجار الابن أباه فقالوا: لو استأجر أباه للخدمة لا يجوز، ولو استأجره للرعي
والزراعة يصح فمقتضاه ترجيح الصحة في جعله صداقا وكون الأوجه الصحة لقص الله
تعالى قصة شعيب وموسى من غير بيان نفيه في شرعنا إنما يلزم لو كانت الغنم ملك البنت
دون شعيب وهو منتف. وقيد بخدمة الزوج لأنه لو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح
صحته وترجع على الزوج بقيمة خدمته كما في المحيط. وهذا يشير إلى أنه لا يخدمها، فإما
لأنه أجنبي فلا يؤمن الانكشاف عليها مع مخالطته للخدمة، وإما أن يكون مراده إذا كان بغير
أمر ذلك الحر ولم يجزه، وظاهر ما في الهداية أنه إذا وقع برضاه يجب عليه تسليم خدمته كما
لو تزوج على عبد الغير برضا مولاه حيث يجب على المولى تسليمه. وقيد بالحر لما سيأتي
صريحا، وقيد بالخدمة لأنه لو تزوجها على منافع سائر الأعيان من سكنى داره وخدمة عبده
وركوب دابته والحمل عليها وزراعة أرضه ونحو ذلك من منافع الأعيان مدة معلومة صحت
التسمية لأن هذه المنافع أموال، أو ألحقت بالأموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة
والحاجة في النكاح متحققة، وإمكان الدفع بالتسليم ثابت بتسليم محالها إذ ليس فيه استخدام
المرأة زوجها فجعلت أموالا، وألحقت بالأعيان فصحت تسميتها. كذا في البدائع. والمراد
بزراعة أرضه أن تزرع أرضه ببذرها وليس له شئ من الخارج، وأما إذا شرط له شئ من
الخارج فإن التسمية تفسد، قال في المجمع من كتاب المزارعة: لو تزوج على أن تزرع هي
أرضه بالنصف ببذرها صح وفسدت فيجعل مهرها نصف أجر مثل الأرض، وربعه إن طلقها

274
قبل الدخول وأوجب مهر المثل لا يزاد على أجر مثل الأرض والمتعة في الطلاق قبله، وإن
كان هو العامل في أرضها ببذرها يجعل مهرها نصف أجر مثل عمله لا مهر المثل، أو على أن
تزرع هي ببذره، أو هو أرضها ببذره وجب مهر المثل اه‍ وقد وقع في شرحه هنا لابن الملك
خلل في التوجيه فاجتنبه. وفي الخانية: ولو تزوج امرأة على جارية على أن له خدمتها ما
عاش أو ما في بطنها له كانت الجارية وخدمتها وما في بطنها للمرأة إن كان مهر مثلها مثل
قيمة الخادم أو أكثر، وإن كان مهر مثلها أقل من قيمة الخادم كان لها مهر المثل إلا أن يسلم
الزوج الخادم إليها باختياره.
قوله: (وتعليم القرآن) أي يجب مهر المثل إذا جعل الصداق تعليم القرآن لأن المشروع
إنما هو الابتغاء بالمال والتعليم ليس بمال، وكذا المنافع على أصلنا، ولان التعليم عبادة فلا
يصلح أن يكون صداقا، ولان قوله تعالى * (فنصف ما فرضتم) * (البقرة: 237) يدل على أنه
لا بد أن يكون المفروض مما له نصف حتى يمكنه أن يرجع عليها بنصفه إذا طلقها قبل
الدخول بعد القبض ولا يمكن ذلك في التعليم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من
القرآن فليست الباء متعينة للعوض لجواز أن تكون للسببية أو للتعليل أي لأجل أنك من
أهل القرآن، أو المراد ببركة ما معك منه فلا يصلح دليلا، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب
الإجارات أن الفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن والفقه فينبغي أن يصح تسميته
مهرا لأن ما جاز أخذ الأجر في مقابلته من المنافع جاز تسميته صداقا كما قدمناه نقله عن
البدائع، ولهذا ذكر في فتح القدير هنا أنه لما جوز الشافعي أخذ الأجر على تعليم القرآن
صحح تسميته صداقا، فكذا نقول: يلزم على المفتى به صحة تسميته صداقا ولم أر أحدا
تعرض له والله الموفق للصواب. وأشار المصنف إلى أنه لو أعتق أمة وجعل عتقها صداقها فإن
التسمية لا تصح لأن العتق ليس بمال، فإن تزوجته فلها مهر المثل، وإن أبت لا تجبر وعليها
قيمتها للمولى، وكذا أم الولد لكن لا قيمة عليها له عند آبائها، ولو قالت لعبدها أعتقتك على
أن تتزوجني بألف فقبل عتق وعليه قيمته لها إن أبى أن يتزوجها وإلا قسم الألف على قيمة
نفسه وعلى مهر مثلها، فما أصاب الرقبة فهو قيمته، وما أصاب المهر فهو مهرها يتنصف
بالطلاق قبل الدخول. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها على أن يحج بها وجب مهر المثل لكن
فرق في الخانية بين أن يتزوجها على أن يحج بها وبين أن يتزوجها على حجة فأوجب في

275
الأول مهر المثل وفي الثاني قيمة حجة وسط قوله: (ولها خدمته لو عبدا) يعني لو تزوج عبد
حرة على خدمته لها سنة بإذن مولاه صحت التسمية ويخدمها سنة لأنه لما خدمها بإذن المولى
صار كأنه يخدم مولاه حقيقة، ولان خدمة العبد لزوجته ليست بحرام إذ ليس له شرف الحرية
ولهذا سلبت عنه عامة الكرامات الثابتة للأحرار، فكذا هذا. كذا في غاية البيان. وصرح
الولوالجي في فتاواه بأن استخدام الزوج لا يجوز لما فيه من الاستهانة. وصرح قاضيخان في
شرح الجامع الصغير بأن خدمة الزوج لها حرام لأنها توجب الإهانة ا ه‍. وفي البدائع: إن
استخدام الحرة زوجها الحر حرام لكونه استهانة وإذلالا ا ه‍. وحاصله أنه يحرم عليها
الاستخدام ويحرم عليه الخدمة لها، وظاهر المختصر أن المرأة حرة لأنه جعل الخدمة لها. وأما
لو تزوج عبد أمة على خدمته سنة لمولاها فإنه صحيح بالأولى ويخدم المولى. وينبغي أنه لو
تزوجها على أن يخدمها أن لا تصح التسمية أصلا ولم أرهما صريحا قوله: (ولو قبضت ألف
المهر ووهبته له فطلقها قبل الوطئ رجع عليها بالنصف) لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما
يستوجبه لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود والفسوخ، ولذا لو سمى لها دراهم
وأشار إليها له أن يحبسها ويدفع مثلها جنسا ونوعا وقدرا وصفة. كذا في البدائع. ولا يلزمها
رد عين ما أخذت بالطلاق قبل الدخول، ولذا قال الولوالجي في فتاواه من باب الزكاة: ولو
تزوج رجل امرأة على ألف درهم وقبضت وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول بها زكت
الألف كلها لأنه وجب في ذمتها مثل نفس المقبوض لا عين المقبوض، والدين بعد الحول لا
يسقط الواجب، ولو كانت سائمة غير الأثمان زكت نصفها لأنه استحق نصفها من غير
اختيارها فصار كالهلاك، ولا يزكي الزوج شيئا لأن ملك الزوج الآن عاد في النصف ا ه‍.
وأشار المصنف إلى أن حكم المكيل والموزون إذا لم يكن معينا حكم النقد لعدم التعيين، وأما
المعين منه فكالعرض. وفي البدائع: وإن كان تبرا أو نقرة ذهبا أو فضة فهو كالعرض في
رواية فيجبر على تسليم العين، وفي رواية كالمضروب فلا يجبر.
قوله: (فإن لم تقبض الألف أو قبضت النصف ووهبت الألف أو وهبت العرض المهر
قبل القبض أو بعده فطلقت قبل الوطئ لم يرجع عليها بشئ) بيان لمفهوم المسألة المتقدمة وهي
ثلاثة مسائل: الأولى إذا لم تقبض شيئا من المهر ثم وهبته كله له ثم طلقها قبل الدخول فإنه لا
رجوع له عليها بشئ، وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول زفر لأنه سلم له
بالابراء فلا تبرأ عما يستحقه بالطلاق. ووجه الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه
بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر، ولا يبالي باختلاف السبب عند
حصول المقصود وله نظائر، منها ما في معراج الدراية: الغاصب إذا وهب المغصوب

276
للمغصوب منه، ومثله ما إذا قال إنك غصبت مني ألف درهم فقال المدعى عليه بل
استقرضتها ا ه‍. وتمامه في التلخيص. ومنها ما إذا باع بيعا فاسدا وقبض المشتري المبيع ثم
وهبه للبائع لا يضمن قيمته لحصول المقصود بخلاف ما لو وصل المبيع إليه من جهة غير
المشتري حيث لا يبرأ من الضمان لأنه لم يصل إليه من الجهة المستحقة. ومنها ما إذا اشترى
جارية بعبد ثم وهب الجارية من مشتري العبد ثم استحق العبد من يده فإنه لا يرجع على
المشتري للجارية بقيمتها استحسانا. ومنها مريض وهب جارية من إنسان لا مال له غيرها
وسلم الجارية إليه ثم وهب الموهوب له الجارية من المريض ثم مات من مرضه فإنه لا يضمن
الموهوب له قيمة ثلثي الجارية للورثة استحسانا بخلاف ما لو وهب المريض لاحد بنيه عبدا ثم
وهبه الأخ لأخيه ثم مات الأب فإنه يرجع على أخيه الواهب بنصف قيمة العبد لأنه ما وصل
إليه من جهة أبيه. ومنها المرتهن إذا أبرأ الراهن عن الدين ثم هلك الرهن في يد المرتهن لا
يضمن. ومنها المسلم إليه إذا وهب رأس المال وهو عرض من رب السلم ثم تقايلا السلم لا
يعزم المسلم إليه شيئا استحسانا، ويلزمه قيمته قياسا وهو قول زفر. كذا في المحيط. ويرد
على هذا الأصل أعني أنه لا اعتبار لاختلاف السبب إذا حصل المقصود ما ذكره في التبيين
من باب التحالف: لو قال بعتني هذه الجارية فأنكر فقال ما بعتكها وإنما زوجتكها فإنه لا
يجوز له أن يطأها لاختلاف الحكم فإن حكم ملك اليمين خلاف حكم الزوجية ا ه‍. إلا أن
يقال: إنه ليس من قبيل حصول المقصود لأن المقصود منهما مختلف، وينبغي أن يكون داخلا
تحت الأصل المذكور ما إذا أقر له هي بألف من ثمن متاع فقال المقر له هي غصب قال
الزيلعي من باب التحالف: إنه يؤمر بالدفع إليه لاتحاد الحكم. وفي تلخيص الجامع من باب
الاقرار بما يكون قصاصا: قال: أودعتني هذه الألف فقال بل لي ألف قرض فقد رد لأن
العين غير الدين إلا أن يتصادقا لأن المقر كالمبتدئ، ولو قال أقرضتكها أخذ الألف لأن
التكاذب في الزوال. ولو قال غصبتك أخذ ألفا لأن موجبه الضمان فاتفقا على الدين واختلفا
في الجهة فلغت، وكذا لو أقر بالقرض وهو ادعى الثمن ا ه‍. وفي المعراج: فإن قيل يلزم
على هذا ما إذا اشترى عبدا بألف ثم حط البائع عشر الثمن ثم وجد به عيبا ينقص عشر
الثمن حيث يرجع بنقصان العيب، وإن حصل له هذا بالحط قلنا موجب العيب سقوط بعض
الثمن وهذا لا يحصل له بالحط لأن المحطوط خرج عن كونه ثمنا ا ه‍. المسألة الثانية ما إذا
قبضت النصف ثم وهبت الكل المقبوض وغيره ثم طلقها قبل الدخول بها فإنه لا يرجع واحد
منهما على صاحبه بشئ عند أبي حنيفة. وقالا: يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتبارا للبعض
بالكل لأن الحط يلتحق بأصل العقد. وله أن مقصوده سلامة النصف بالطلاق وقد حصل
والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح كالزيادة، ولذا لا تتنصف الزيادة مع الأصل اتفاقا.
هكذا في الهداية وغاية البيان والتبيين وكثير من الكتب. واستشكله في فتح القدير بأن التحاق

277
الزيادة بأصل العقد هو الدافع لقول المانعين لها لو صحت كان ملكه عوضا عن ملكه فإذا لم
تلتحق بقي إبطالهم بلا جواب، فالحق أنها تلتحق كما يعطيه كلام غير واحد من المشايخ، وإنما
لا تتنصف لأن الانتصاف خاص بالمفوض في نفس العقد حقيقة كما قدمناه ا ه‍.
وحاصله أنه تناقض كلامهم فصرحوا هنا بعدم الالتحاق وفي مسألة زيادة المهر
بالالتحاق فرجح المحقق ما صرحوا به في المسألة السابقة وأبطل كلامهم هنا. والحق أن
كلامهم في الموضعين صحيح لأن قولهم هناك بالالتحاق إنما هو من وجه دون وجه
لتصريحهم بأنها لو حطت من المهر حتى صار الباقي أقل من عشرة فإنه لا يضر، ولو التحق
الحط بأصل العقد من كل وجه للزم تكميلها ولوجب مهر المثل لو حطت الكل كأنه لم يسم
شيئا، وقولهم هنا بعدمه إنما هو من وجه دون وجه عملا في كل موضع بما يناسبه فروعي
جانب الالتحاق لتصحيح الزيادة حتى لا يكون ملكه عوضا عن ملكه للنص المفيد لصحتها
كما أسلفناه، وروعي جانب عدمه هنا لأنه لا داعي إليه لأن المقصود سلامة النصف للزوج
وقد حصل فلا ضرورة إلى القول بالالتحاق الذي هو خلاف الأصل لأنه مغير للعقد والله
الموفق للصواب. وقوله ووهبت الألف عائد إلى المسألتين مع أن هبة الألف ليس بقيد في
الثانية لأنها لو وهبت النصف الذي في ذمته فالحكم كذلك من أنه لا رجوع له عليها عنده
خلافا لهما. وقيد بقبض النصف للاحتراز عما إذا قبضت أكثر من النصف ووهبت الباقي
فإنها ترد عليه ما زاد على النصف عنده كما لو قبضت ستمائة ووهبت أربعمائة فإنه يرجع
بمائة. وعندهما يرجع بنصف المقبوض فترد ثلاثمائة كما في غاية البيان. ولو وهبته مائتين
رجع بثلاث مائة تتميما للنصف كما في النهاية، وأما إذا قبضت أقل من النصف ووهبت
الباقي فهو معلوم بالأولى فعلم أن التقييد بالنصف للاحتراز عن الأكثر لا عن الأقل، وحكم
المثلى الغير المعين حكم النقد هنا أيضا. المسألة الثالثة لو كان المهر عرضا فوهبته له ثم طلقها
قبله فإنه لا رجوع له بشئ عليها، سواء كانت الهبة قبل القبض أو بعده، لأنه وصل إليه
عين حقه لتعينه في الفسخ كتعينه في العقد، ولهذا لم يكن لكل واحد منهما دفع شئ آخر.
وأشار بقوله العرض المهر إلى أنه لم يتعيب لأنها لو وهبته له بعدما تعيب بعيب فاحش ثم
طلقها قبله فإنه يرجع عليها بنصف قيمة العرض يوم قبضت لأنه لما تعيب فاحشا صار كأنها

278
وهبته عينا أخرى غير المهر كما في التبيين. وظاهره أن العيب اليسير كالعدم لما سيأتي أن العيب
اليسير في المهر متحمل. وأطلق في العرض فشمل المعين وما في الذمة بخلاف المثليات فإن ما
في الذمة منها ليس حكمه كالعرض، والمعين منها كالعرض وهو من خصوص النكاح فإن
العرض فيه يثبت في الذمة لأن المال فيه ليس بمقصود فيجري فيه التسامح بخلاف البيع،
وتمثيلهم هنا له بالحيوان المراد به هنا الفرس والحمار ونحوهما لا مطلق الحيوان فإن التسمية
تفسد كما سيأتي. وقيد بالهبة لأنها لو باعت عرض الصداق من الزوج ثم طلقها قبله فإنه يرجع
عليها بالنصف. كذا في غاية البيان ولم يبين أنه يرجع عليها بنصف قيمته أو بنصف الثمن
المدفوع، والظاهر الأول. وقيد بهبة المرأة للزوج لأنها لو وهبت العرض لأجنبي بعد قبضه ثم
وهبه الأجنبي من الزوج. ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف الصداق، العين والدين
في ذلك سواء، لأنه لم يسلم له النصف من جهتها. كذا في المبسوط. وقيد بهبة جميع العرض
لأنها لو وهبت له أقل من النصف وقبضت الباقي فإنها ترد ما زاد على النصف، ولو وهبت له
أكثره أو النصف فلا رجوع له. ومما يناسب مسألة هبة المرأة العرض المهر ما في الظهيرية: لو
وهبت المرأة العين الممهورة للزوج ثم استحقت فإنها نرجع عليها بقيمتها ا ه‍. لأنه بالاستحقاق
بطلت الهبة وقد تزوجها على عين مملوكة لغيره، وقد ظهر لي هنا أن هذه المسألة أعني ما إذا
طلقها قبل الدخول بعدما وهبته على ستين وجها لأن المهر إما ذهب أو فضة أو مثلي غيرهما أو
قيمي، فالأول على عشرين وجها لأن الموهوب إما الكل أو النصف، وكل منهما إما أن يكون
قبل القبض أو بعد القبض أو بعد قبض النصف أو أقل منه أو أكثر منه فهي عشرة، وكل منها
إما أن يكون معينا أو تبرا فهي عشرون، والعشرة الأولى في المثلي، وكل منها إما أن يكون
معينا أو لا، وكذا في القيمي، والأحكام مذكورة فليتأمل.
قوله: (ولو نكحها بألف على أن لا يخرجها أو على أن لا يتزوج عليها أو على ألف إن
أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها فإن وفي وأقام فلها الألف وإلا فمهر المثل) بيان لمسألتين:
الأولى ضابطها أن يسمي لها قدرا ومهرا مثلها أكثر منه ويشترط منفعة لها أو لأبيها أو لذي
رحم محرم منها، فإن وفى بما شرط فلها المسمى لأنه صلح مهرا وقد تم رضاها به وإلا فمهر
المثل لأنه سمى مالها فيه نفع، فعند فواته ينعدم رضاها بالمسمى فيكمل مهر مثلها كما إذا
شرط أنه لا يخرجها من البلد أو لا يتزوج عليها أو أن يكرمها ولا يكلفها الأعمال الشاقة أو

279
أن يهدي لها هدية أو أن يطلق ضرتها أو على أن يعتق أخاها أو على أن يزوج أباها ابنته.
وعلله في المحيط بأنها تنتفع بما لأخيها وابنها فصارت كالمنفعة المشروطة لها ا ه‍. ولا بد أن
يكون بصيغة المضارع في العتق والطلاق ليكون وعدا إن وفى به فبها وإلا لا يلزمه الاعتاق
والتطليق ويكمل لها مهر المثل، أما إذا شرطه بالمصدر كما إذا تزوجها على ألف وعتق أخيها
أو طلاق ضرتها عتق الأخ وطلقت المرأة بنفس النكاح ولا يتوقف على أن يوقعهما وللمرأة
المسمى فقط. وأما ولاء الأخ فإن قال الزوج وعتق أخيها عنها فهو لها لأنها المعتقة لتقدم
الملك لها ويصير العبد من جملة المهر المسمى وإن لم يقل الزوج عنها فهو المعتق والولاء له
والطلاق الواقع رجعي لأنه قوبل بالبضع وهو ليس بمتقوم، وتقومه بالعقد لضرورة التملك
فلا يعدوها فلم يظهر في حق الطلاق الواقع على الضرة فبقي طلاقا بغير بدل فكان رجعيا
كما لو قال مولى المنكوحة للزوج طلقها على أن أزوجك أمتي الأخرى ففعل طلقت رجعية
ولا شئ له إن لم يزوجه لأن البضع عند خروجه لا قيمة له كما في المحيط. قيد بكون
المنفعة المشروطة لها لأنه لو شرط مع المسمى منفعة لأجنبي ولم يوف فليس لها إلا المسمى،
لأنها ليست بمنفعة مقصودة لاحد المتعاقدين. كذا في المحيط. ولا يخفى أن حكم ما إذا
شرط مع المسمى ما يضرها كالتزوج عليها أنه ليس لها إلا المسمى مطلقا بالأولى. وقيدنا بأن
يكون مهر مثلها أكثر من المسمى لأن المسمى لو كان مثل مهر المثل أو أكثر منه ولم يوف بما
وعد فليس لها إلا المسمى. كذا في غاية البيان. وأشار بما ذكره إلى أن المنفعة المشروطة لها
مما يباح لها الانتفاع به لأنه لو شرط لها ومع المسمى ما لا يباح الانتفاع به شرعا كالخمر
والخنزير، فإن كان المسمى عشرة فصاعدا وجب لها وبطل الحرام ولا يكمل مهر المثل لأن
المسلم لا ينتفع بالحرام فلا يجب عوض بفواته. كذا في غاية البيان.
ثم اعلم أن صاحب الهداية ذكر أن من هذه المسألة أعني مسألة شرط المنفعة مع
المسمى ما إذا شرط الكرامة والهدية مع الألف، فظاهره أنه إن وفى فلها المسمى وإلا فلها مهر
المثل كما صرح به في غاية البيان في مسألة ما إذا ظهر أحد العبدين حرا مع أن الهدية
والكرامة مجهولتان ولا يمكن الوفاء بالمجهول، والظاهر أنها ليست داخلة في هذه المسألة،

280
وإنما التسمية فاسدة فيجب مهر المثل ولذا قال الولوالجي في فتاواه وصاحب المحيط: لو
تزوجها على ألف وكرامتها أو على أن يهدي لها هدية فلها مهر مثلها لا ينقص من الألف لأن
الكرامة والهدية مجهولة القدر، وهذه الجهالة أكثر من جهالة مهر المثل فيصار إلى مهر المثل،
فإذا طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الألف لأن ما زاد على الألف يثبت عل اعتبار مهر المثل ومهر
المثل لا يتنصف ا ه‍. وقيد بكونه شرط لها منفعة ولم يشترط عليها رد شئ فلو
تزوجها على ألف وعلى أن يطلق امرأته فلانة وعلى أن ترد عليه عبدا فقد بذلت البضع والعبد

281
والزوج بذل الألف وشرط الطلاق فينقسم الألف على مهر مثلها وعلى قيمة العبد، فإذا كانا
سواء صار نصف الألف ثمنا للعبد ونصفها صداقا لها، فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها
نصف ذلك، وإن دخل بها نظر إن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقل فليس لها إلا ذلك، وإن
كان أكثر، فإن وفى بالشرط فليس لها إلا الخمسمائة، وإن أبى أن يطلق فلها كمال مهر
المثل، وتمامه في المحيط والمبسوط. وقد علم أن وجوب مهر المثل إنما هو عند الدخول، أما
إن طلقها قبله فلها نصف المسمى وبطل شرط المنفعة لها ولذا قال في المبسوط: يجوز أن
يصار إلى مهر المثل قبل الطلاق ولا يصار إلى المنفعة بعد الطلاق كما إذا تزوجها على ألف
وكرامتها ا ه‍. وقد يقال: إن هذه المسألة على وجوه ثلاثة: لأن الشرط إما أن يكون نافعا لها
أو لأجنبي أو ضارا، وكل منها إما أن يكون الوفاء حاصلا بمجرد النكاح أو متوقفا على فعل
الزوج فهي ستة، وكل من الستة إما أن يكون مهر المثل أكثر من المسمى أو أقل أو مساويا،
وكل من الثمانية عشر إما أن يكون قبل الدخول أو بعده، وكل من الستة والثلاثين إما أن
يباح الانتفاع بالشرط أو لا، وكل من الاثنين والسبعين إما أن يشترط عليها رد شئ إليه أو
لا، وكل من المائة والأربعة والأربعين إما أن يحصل الوفاء بالشرط أو لا فهي مائتان
وثمانية وثمانون فليتأمل. الثانية حاصلها أن يسمي لها مهرا على تقدير وآخر على تقدير آخر كأن
يتزوجها على ألف إن أقام بها أو إن لا يتسرى أو أن يطلق ضرتها أو إن كانت مولاة أو إن
كانت أعجمية أو ثيبا وعلى ألفين إن كان أضدادها، فإن وفى بالشرط أو كانت أعجمية ونحوه
فلها الألف وإلا فمهر المثل لا يزاد على ألفين ولا ينقص عن الألف عند أبي حنيفة، وكذا إن
قدم شرط الألفين يصح المذكور عنده، فحاصله أن الشرط الأول صحيح عنده، والثاني
فاسد. وقالا: الشرطان جائزان حتى كان لها الألف إن أقام بها والألفان إن أخرجها.
وقال زفر: الشرطان جميعا فاسدان. وأصل المسألة في الإجارات في قوله إن خطته
اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فعند الإمام اليوم للتعجيل والغد
للإضافة، وعندهما اليوم للتوقيت والغد للإضافة، وعند زفر اليوم للتعجيل والغد للترفيه

282
والتيسير، وتمامه في المحيط من الإجارات، واعلم أن قولهم هنا بصحة التسمية الأولى فقط
بناء على أنها منجزة لا يتم إلا في قوله على ألف إن أقام، وأما على نحو ألف إن طلق ضرتها
وعلى ألفين إن لم يطلق فعلى العكس لأن المنجز الآن عدم الطلاق فينبغي فساد الأولى وصحة
الثانية. وأما في نحو إن كانت مولاة فلم يعلم أيهما المنجز من المعلق وحاصل دليله هنا أن
إحدى التسميتين منجزة والأخرى معلقة فلا يجتمع في الحال تسميتان، فإذا أخرجها فقد
اجتمعا فيفسدان. وهذا لأن المعلق لا يوجد قبل شرطه والمنجز لا ينعدم بوجود المعلق
فيتحقق الاجتماع عند وجود الشرط لا قبله، وأورد عليه طلب الفرق بين هذا وبين ما إذا
تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وعلى ألفين إن كانت جميلة حيث يصح الشرطان اتفاقا،
ففرق بينهما في الغاية بأن الخطر في مسألة الكتاب دخل على التسمية الثانية لأن الزوج لا
يعرف هل يخرجها أو لا، ولا مخاطرة في تلك المسألة لأن المرأة على صفة واحدة لكن الزوج
لا يعرف ذلك وجهالته لا توجب خطرا. ورده في التبيين بأنه يرد عليه أنه إذا تزوجها على
ألفين إن كانت حرة الأصل، وعلى ألف إن كانت مولاة، أو على ألفين إن كانت له امرأة،
وعلى ألف إن لم يكن له امرأة لأنه لا مخاطرة هنا ولكن جهل الحال. وارتضاه في فتح القدير
ثم قال: والأولى أن تجعل مسألة القبيحة والجميلة على الخلاف فقد نص في نوادر ابن سماعة
عن محمد على الخلاف فيها ا ه‍. وقد أخذ هذه الرواية من المجتبى. وقد يقال في الفرق: إن
المرأة وإن كانت في الكل على صفة واحدة لكن الجهالة قوية في الحرية أصالة وعدمها
ونحوها لأنها ليست أمرا مشاهدا بل إذا وقع فيه التنازع احتاج إلى الاثبات فكان فيه مخاطرة
معنى بخلاف الجمال والقبح فإنه أمر مشاهد فيها فجهالته يسيرة لزوالها بلا مشقة فنزلت
منزلة العدم، فلذا صحح أبو حنيفة التسميتين كما نقله الإمام الدبوسي رحمه الله وصاحب

283
المحيط، وكذا ذكر الاتفاق الإمام الولوالجي في فتاواه وغيره وارتضاه في غاية البيان، فما في
نوادر ابن سماعة من الخلاف ضعيف. ثم اعلم أن دليل الإمام المذكور هنا لا يشمل ما ذكره
من أن طلق ضرتها ونحوه كما لا يخفى. وقوله وإلا فمهر المثل عائد إلى المسألتين أي إن لم
يوف بما شرط لها في المسألة الأولى ولم يقم بها في الثانية فالواجب مهر المثل. لكن قد
علمت أنه في الثانية لا يزاد على التسمية الثانية لرضاها بها، ولا ينقص عن التسمية الأولى
لرضاه بها. وأشار بوجوب مهر المثل إلى أنه لو طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى أولا،
سواء وفى بشرطه أو لا، لأن مهر المثل لا يتنصف.
قوله: (ولو نكحها على هذا العبد أو على هذا الألف حكم مهر المثل) أي جعل مهر
المثل حكما فيما إذا تزوجها على أحد شيئين مختلفين قيمة لأن التسمية فاسدة عند أبي حنيفة.
وقالا: لها الأقل لأن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن إيجاب الأقل لتيقنه.
وله أن الموجب الأصلي مهر المثل إذ هو الأعدل والعدول عنه عند صحة التسمية وقد فسدت
لمكان الجهالة. ورجح قولهما في التحرير بأن لزوم الموجب الأصلي عند عدم تسميته ممكنة
فالخلاف مبني على أن مهر المثل أصل عنده والمسمى خلف عنه، وعندهما على العكس. كذا
في غاية البيان معزيا إلى الجامع الكبير، فما في فتح القدير من التردد في نقل ذلك عنهم لا
محل له، ومعنى التحكيم أن مهر المثل إن وافق أحدهما وجب، وإن كان بينهما فمهر المثل،
وإن نقص عن الأقل فلها الأقل لرضاه به، وإن زاد على الأكثر فلها الأكثر فقط لرضاها به.
وفي الخانية: لو أعتقت المرأة أوكسهما قبل الطلاق إن كان مهر مثلها مثل الأوكس أو أقل
جاز عتقها في الأوكس، وإن أعتقت الا رفع وكان مهر مثلها أكثر من قيمته جاز عتقها، وإن
كان أقل منها لم يجز، ولا يجوز عتقها في الا رفع بعد الطلاق قبل الدخول على كل حال

284
ويجوز في الأوكس. وأشار بالتحكيم إلى اختلاف الشيئين، فلو كانا سواء فلا تحكيم ولها
الخيار في أخذ أيهما شاءت، ولا فرق في الاختلاف بين أن يكون في القدر أو في الوصف.
فشمل ما إذا تزوجها على ألف حالة أو مؤجلة إلى سنة، فإن كان مهر مثلها ألفا أو أكثر فلها
الحالة وإلا فالمؤجلة، وعندهما المؤجلة لأنها الأقل. وإن تزوجها على ألف حالة أو ألفين إلى
سنة ومهر مثلها كالأكثر فالخيار لها، وإن كان كالأقل فالخيار له، وإن كان بينهما يجب مهر
المثل، وعندهما الخيار له لوجوب الأقل عندهما. وقيدنا الشيئين بالاختلاف لأنهما لو كانا
سواء من حيث القيمة صحت التسمية اتفاقا. كذا في فتح القدير. وقيدنا الاختلاف بين
الشيئين من حيث القيمة لإفادة أنه لا يشترط الاختلاف جنسا فيدخل تحته ما إذا نكحها على
هذا العبد أو هذا العبد أو على هذا الألف أو الألفين. وأشار المصنف باقتصاره على كلمة
أو بدون تخيير إلى أنه لو كان فيه خيار لأحدهما كأن يقول على أنها بالخيار تأخذ أيهما شاءت
أو على أني بالخيار أعطيك أيهما شئت فإنه يصح كذلك اتفاقا لانتفاء المنازعة، وإلى أنه لو
طلقها قبل الدخول فإنه يحكم متعة مثلها لأنها الأصل فيه كمهر المثل قبل الطلاق ونصف
الأقل يزيد عليها في العادة فوجب لاعترافه بالزيادة كما صرح به في الهداية. وظاهره أن
نصف الأقل لو كان أقل من المتعة فالواجب المتعة، وقد صرح به قاضيخان في فتاواه، فما
في غاية البيان من أن لها نصف الأقل اتفاقا ليس على إطلاقه. وأشرنا إلى أنه لا فرق بين
كلمة أو ولفظ أحدهما فلو قال تزوجتك على أحد هذين فالحكم كذلك كما صرح به في
المحيط، ولذا ذكر في الجامع الكبير أن من تزوج امرأة على أحد مهرين مختلفين يقضي بمهر
المثل عنده إلى آخره. وقيد بالنكاح لأن في الخلع على أحد شيئين مختلفين أو الاعتاق عليه
يجب الأقل اتفاقا وهو حجتهما في مسألتنا، وفرق الإمام أنه ليس له موجب أصلي يصار إليه
عند فساد التسمية فوجب الأقل. كذا في الهداية وشروحها. وفي فتاوى قاضيخان: ولو كان
هذا في الخلع تعطيه أيهما شاءت المرأة وهو قول أبي حنيفة ا ه‍. وهو مخالف للأول لأنه قد
يكون لها غرض في إمساك الأقل قيمة فتدفع الاعلى وهي تريد خلافه، وإن كان الغالب أنها
تدفع الأقل، وكذا في الاقرار بأحد شيئين كألف أو ألفين فالواجب الأقل اتفاقا لما ذكرناه.
قوله: (وعلى فرس أو حمار يجب الوسط أو قيمته) أي لو نكحها على فرس أو نكحها
على حمار وحاصله أنه سمى جنس الحيوان دون نوعه. كذا في التبيين. وفي الهداية: معنى
المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف. وفي الولوالجية: الحاصل أن جهالة الجنس

285
والقدر مانعة وجهالة النوع والوصف لا ا ه‍. وإنما صحت التسمية مع هذه الجهالة لأن
النكاح معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية
والأقارير، وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم رعاية للجانبين وذلك عند إعلام
الجنس لأنه يشتمل على الجيد والردئ والوسط ذو حظ منهما بخلاف جهالة الجنس لأنه لا
واسطة لاختلاف معاني الأجناس، وبخلاف البيع لأن مبناه على المضايقة والمماكسة أما النكاح
فمبناه على المسامحة. وإنما يتخير الزوج لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في
حق الايفاء والعبد أصل تسمية فيتخير بينهما. والأوسط من العبيد في زماننا الأدنى التركي،
والأرفع الهندي. كذا في الذخيرة. وفي البدائع: الجيد عندهم هو الرومي، والوسط
السندي، والردئ الهندي. وأما عندنا فالجيد هو التركي، والوسط الرومي، والردئ
الهندي ا ه‍. والأوسط في القاهرة في زماننا العبد الحبشي، والأعلى الأبيض، والردئ
الأسود. وتعتبر قيمة الوسط على قدر غلاء السعر والرخص عندهما وهو الصحيح. كذا في
الذخيرة: أي عند أبي يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فقد قدره بحسب زمنه قيد بكونه لم
يضفه إلى نفسه لأنه لو أضافه إلى نفسه كما إذا قال تزوجتك على عبدي أو على ثوبي أو قالت
المرأة اختلعت نفسي منك على عبدي ثم أتى بالقيمة لا تجبر على القبول لأن الإضافة إلى نفسه
من أسباب التعريف كالإشارة، وهذا بخلافها في الوصية فإن من أوصى لانسان بعشرة
من رقيقه وله رقيق فهلكوا واستفاد رقيقا آخر لا تبطل الوصية، ولو التحقت الإضافة بالإشارة
لبطلت الوصية كما لو أشار إلى الرقيق فهلكوا فإنها تبطل لأن الإضافة بمنزلة الإشارة من
وجه من حيث إن كل واحدة وضعت للتعريف إلا أنها بمنزلة الاطلاق من وجه من حيث
إنها لا تقطع الشركة من كل وجه والعمل بالشبهين متعذر في جميع العقود فعملنا بشبه
الإشارة في الأمان والنكاح والخلع، وبشبه الاطلاق في الوصية عملا بهما بقدر الامكان. كذا
في الذخيرة. وبهذا علم أنه لا يسوى بين المشار إليه وبين المضاف هنا من كل وجه لأن المشار
إليه ليس فيه شركة أصلا فلذا تملكه المرأة بمجرد القبول إن كان ملكا للزوج، وأما في المضاف
فلا تملكه المرأة بمجرد القبول حتى يعينه الزوج، فما في فتح القدير من التسوية بينهما في هذا
الحكم غير صحيح، ويشكل على ما في الذخيرة ما في الخانية: لو قال أتزوجك على ناقة من

286
إبلي هذه قال أبو حنيفة: لها مهر مثلها. وقال أبو يوسف: يعطيها ناقة من إبله ما شاء ا ه‍.
فإن الناقة كالعبد فينبغي أن تصح التسمية كما لا يخفى. وذكر في البدائع الجمل مع العبد وأنه
تصح تسميته، ولا فرق بين الجمل والناقة إلا أن يقال إنها مجهولة. ولا يمكن إيجاب الوسط مع
التقييد بقوله من إبلي هذه فالمفسد للتسمية قوله من إبلي لا مطلق ذكر الناقة، ويدل عليه ما
في المعراج أنه لو تزوجها على ناقة من هذه الإبل بل وجب مهر المثل فالإشارة والإضافة فيه
سواء، وإن لم يكن المشار إليه في ملكه فلها المطالبة بشرائه، فإن عجز عن شرائه لزمه قيمته.
وحاصله أن العرض المعين والمثلي كذلك تملكه المرأة قبل القبض لتعينه إلا النقدين فلا تملكه إلا
بالقبض، وكذا غير المعين من الأولين. ومن أحكام العرض المهر أنه يثبت فيه خيار رؤية لأن
فائدته فسخ العقد بالرد وهو لا يقبله، وأما خيار العيب فإن كان العيب يسيرا فلا ترده به، وإن
كان فاحشا فلها رده. هكذا أطلقه كثير واستثنى في فتاوى قاضيخان المكيل والموزون فإنها ترده
باليسير والفاحش. وفي المبسوط: كل عيب ينقص من المالية مقدار مالا يدخل تحت تقويم
المقومين في الأسواق فهو فاحش، وإن كان ينقص بقدر ما يدخل بين تقويم المتقومين فهو يسير
ا ه‍. وقيد المصنف بالفرس ونحوه لأنه لو تزوجها على قيمة هذا الفرس أو على قيمة هذا العبد
وجب مهر المثل لأنه سمى مجهول الجنس. كذا في الخانية. ففرق بين القيمة ابتداء وبقاء لأنه
يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها على أربعمائة
دينار على أن يعطيها بكل مائة خادما فإنه يجوز الشرط ولها أربع من الخدم الأوساط. كما في
الخانية. بالأولى. وإن عين الخدم في هذه المسألة فهو صحيح كما في الخانية بالأولى.
قوله: (وعلى ثوب أو خمر أو خنزير أو على هذا الخل فإذا هو خمر أو على هذا العبد فإذا
هو حر يجب مهر المثل) بيان لثلاثة مسائل الحكم فيها واحد وهو وجوب مهر المثل لفساد
التسمية الأولى إذا كان المسمى مجهول الجنس كالثوب لأن الأثواب أجناس شتى كالحيوان
والدابة فليس البعض أولى من البعض بالإرادة فصارت الجهالة فاحشة. وقد فسر في غاية
البيان الجنس بالنوع ولا حاجة إليه لأن الجنس عند الفقهاء وهو المقول على كثيرين مختلفين

287
بالأحكام كإنسان، والنوع هو المقول على كثيرين متفقين بالأحكام كرجل، ولا شك أن
الثوب تحته الكتان والقطن والحرير والأحكام مختلفة، فإن الثوب الحرير لا يحل لبسه وغيره
يحل فهو جنس عندهم، وكذا الحيوان تحته الفرس والحمار وغيرهما، وأما الدار فتحتها ما
يختلف اختلافا فاحشا بالبلدان والمحال والسعة والضيق وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه
الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل، فمهر المثل أولى وهو الضابط هنا سوا كان مجهول الجنس
أو مجهول النوع. وأما البيت فذكروا أن تسميته صحيحة كفرس وحمار، وقد بحث فيه المحقق
ابن الهمام بأنه في عرفنا ليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن
يجب بتسميته مهر المثل كالدار. وذكر في البدائع أنه لو تزوجها على بيت فلها بيت وسط مما
يجهز به النساء وهو بيت الثوب لا البيت المبني فينصرف إلى فراش البيت في أهل الأمصار،
وفي أهل البادية إلى بيت الشعر ا ه‍. وبه اندفع ما بحثه ابن الهمام لأنهم ما أرادوا به المبنى.
وفي معراج الدراية: وفي عرفنا يراد بالبيت المبنى الذي من المدر يبات فيه فلا يصلح مهرا إذا
لم يكن معينا ا ه‍. قيد بالثوب من غير بيان نوعه لأنه لو زاد عليه فقال هروي أو مروي
صحت التسمية ويجب الوسط أو قيمته ويخير الزوج كما قدمناه، وكذا إذا بالغ في وصف
الثوب في ظاهر الرواية لأنها ليست من ذوات الأمثال بدليل أنه لو استهلكها لا يضمن المثل.
قال محمد: وأصل هذا أن كل ما جاز السلم فيه فلها أن لا تأخذ إلا المسمى، وما لم يجز فيه
السلم كان للزوج أن يعطيها القيمة. والسلم في الثياب جائز إذا كانت مؤجلة ولا يجوز بدون
الاجل فله أن يعطيها القيمة إلا في المكبل والموزون لها أن لا تأخذ القيمة وإن لم تكن مؤجلة
لأن المكيل والموزون يصلح مهرا وثمنا من غير ذكر الاجل، أما الثوب الموصوف وإن صلح
مهرا إلا أن الثوب يتعين بالتعيين فكان بمنزلة العبد. ومن تزوج امرأة على عبد بغير عينه كان

288
له أن يعطي القيمة. كذا في الخانية. فالحاصل أن المكيل والموزون غير النقد إذا سمى جنسه
وصفته صار كالمشار إليه العرض، وإن لم يسم صفته فهو كالفرس والحمار، وفي الخانية: لو
تزوجها على عشرة دراهم وثوب ولم يصفه كان لها عشرة دراهم، ولو طلقها قبل الدخول بها
كان لها خمسة دراهم إلا أن تكون متعتها أكثر من ذلك ا ه‍.
وبهذا علم أن وجوب مهر المثل فيما إذا سمى مجهول الجنس إنما هو فيما إذا لم يكن
معه مسمى معلوم لكن ينبغي على هذا أن لا ينظر إلى المتعة أصلا لأن المسمى هنا عشرة فقط
وذكر الثوب لغو بدليل أنه لم يكمل لها مهر المثل قبل الطلاق. وفي الظهيرية: لو تزوجها
على دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه هذا الخلع ا ه‍. وبهذا علم أن جهالة القدر كجهالة
الجنس. وفي الخانية: لو تزوجها على أقل من ألف درهم ومهر مثلها ألفان كان لها ألف
درهم لأن النقصان عن الألف لم يصح لمكان الجهالة فصار كأنه تزوجها على ألف. وإن كان
مهر مثلها أقل من عشرة قال محمد: لها عشرة دراهم اه‍. وفي البدائع لو تزوجها على بيت
وخادم ووصف الوسط من كل واحد منهما ثم صالحت من ذلك زوجها على أقل من قيمة
الوسط ستين دينارا أو سبعين دينارا جاز الصلح لأنه إسقاط للبعض ويجوز ذلك بالنقد
والنسيئة، فإن صالحته على أكثر من قيمة الوسط فالفضل باطل لكون القيمة واجبة بالعقد.
المسألة الثانية تسمية المحرم كما إذا تزوج مسلم مسلمة على خمر أو خنزير فإنه يبطل التسمية
لأنه ليس بمال في حق المسلم كما في الهداية، أو مال غير متقوم كما في البدائع فوجب مهر
المثل. وأشار إلى عدم صحتها على الميتة والدم بالأولى لأنه ليس بمال عند أحد أصلا. وقيد
في الهداية بأن يكون الزوج مسلما، وقيد في البدائع بإسلامهما، والظاهر الأول أنه لو تزوج
مسلم ذمية على خمر لم تصح التسمية لأنه لا يمكن إيجابها على المسلم. وقيد بكون المسمى هو
المحرم فقط لأنه لو سمى لها عشرة دراهم ورطلا من خمر فلها المسمى ولا يكمل مهر المثل.
كذا في المحيط. وأشار المصنف إلى صحة النكاح لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد فيصح
النكاح ويلغو الشرط بخلاف البيع لأنه يبطل بالشروط الفاسدة. المسألة الثالثة أن يسمي ما
يصلح مهرا ويشير إلى ما لا يصلح مهرا كما إذا تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر، أو على
هذه الشاة الذكية فإذا هي ميتة، أو على هذا الدن الخل فإذا هو خمر، فالتسمية فاسدة في جميع

289
ذلك ولها مهر المثل في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف تصح التسمية في الكل وعليه
في الحر قيمة الحر لو كان عبدا، وفي الشاة قيمة الشاة لو كانت ذكية، وفي الخمر مثل ذلك
الدن من خل وسط، ومحمد فرق فوافق الإمام في الحر والميتة، وأبا يوسف في الخمر.
والتحقيق أنه لا خلاف بينهم وأن المعتبر المشار إليه إن كان المسمى من جنسه وإن كان من
خلاف جنسه فالمسمى. قال المصنف في الكافي: إن هذه المسائل مبنية على أصل وهو أن
الإشارة والتسمية إذا اجتمعتا والمشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعبرة للتسمية لأنها
تعرف الماهية والإشارة تعرف الصورة فكان اعتبار التسمية أولى لأن المعاني أحق بالاعتبار،
وإن كان المشار إليه من جنس المسمى إلا أنهما اختلفا وصفا فالعبرة للإشارة، والشأن في
التخريج على هذا الأصل فأبو يوسف يقول الحر مع العبد والخل مع الخمر جنسان مختلفان في
حق الصداق لأن أحدهما مال متقوم يصلح صداقا والآخر فالحكم حينئذ للمسمى وكأن
الإشارة تبين وصفه، ومحمد يقول: العبد مع الحر جنس واحد إذ معنى الذات لا يفرق، وأما
الخل مع الخمر فجنسان أبو حنيفة يقول: لا تأخذ الذاتان حكم الجنسين إلا بتبدل الصورة
والمعنى لأن كل موجود من الحوادث موجود بهما، وصورة الخل والخمر والحر والعبد واحدة
فاتحد الجنس فالعبرة للإشارة والمشار إليه غير صالح فوجب مه المثل ا ه‍.
وارتضاه في فتح القدير وقال: وغاية الامر أن يكون مسمى الخمر خلا والحر عبدا
تجوزا، وذلك لا يمنع تعلق الحكم بالمراد كما لو قال لامرأته هذه الكلبة طالق، ولعبده هذا
الحمار حر، تطلق ويعتق. فظهر أن لا اختلاف بينهم في الأصل بل في اختلاف الجنس
واتحاده، فلزم إنما ذكره في بعض شروح الفقه من أن الجنس عند الفقهاء المقول على كثيرين
مختلفين بالأحكام إنما هو على قول أبي يوسف، وعند محمد المختلفين بالمقاصد، وعلى قول
أبي حنيفة هو المقول على متحدي الصورة والمعنى. ثم لا يخفى أن اللائق كون لجواب على
قول أبي يوسف وجوب القيمة أو عبد وسط لأن إلغاء الإشارة واعتبار المسمى يوجب كون
الحاصل أنه تزوجها على عبد وحكمه ما قلنا ا ه‍. وفي الاسرار أن أبا يوسف ومحمدا اعتبرا
المعنى وأبو حنيفة اعتبر الصورة وآل الامر إلى أن الذات الواحدة تلحق بجنسين إذا اختلفت
صورة ومعنى، والذاتان قد يلحقان بجنس واحد إذا اتفقا صورة ومعنى فلا ينسب غير أن إلى
واحد إلا باتحاد الصورة والمعنى ولا الواحد إلى الغيرين إلا باختلاف الصورة والمعنى، وكلامنا
في ذات واحدة لأن الوصفين اللذين اختلفا فيهما يتعاقبان على ذات واحدة على ما بيناه

290
ولا ينسب الواحد إلى غيرين مختلفين إلا باختلاف الصورة والمعنى ولم يوجد اختلاف
الصورة ا ه‍. وقوله في فتح القدير إن اللائق إلى آخره ممنوع لأن أبا يوسف ما ألغى
الإشارة بالكلية وإنما ألغاها من وجه دون وجه كما ذكره الزيلعي، والدليل عليه ما في
الاسرار أنه في العبد المطلق إذا أتى به بها تجبر على القبول كما لو أتاها بالقيمة، وفي هذه
المسألة لو أتاها بعبد وسط لا تجبر عند أبي يوسف ا ه‍. وفي البدائع ما يقتضي أن هذه
التسمية لا تكون من قبيل المجاز فإنه قال: وحقيقة الفقه لأبي حنيفة أن هذا حر سمي عبدا
وتسمية الحر عبدا باطل لأنه كذب فالتحقت التسمية بالعدم وبقيت الإشارة والمشار إليه لا
يصلح مهرا ا ه‍. وذكر في فتح القدير أيضا من البيوع أن الجنس عند الفقهاء ليس إلا
المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا فالجنسان ما يتفاوت منها فاحشا من غير
اعتبار للذات ا ه‍. وقال في باب الربا: إن اختلاف الجنس يعرف باختلاف الاسم
والمقصود فالحنطة جنس والشعير جنس آخر. وأما اعتراضه على ما في بعض الشروح ففيه
نظر أيضا في بحث الخاص فإنهم جعلوا إنسانا من قبيل خصوص الجنس لأنه مقول على
كثيرين مختلفين بالأحكام كالذكر والأنثى وجعلوا رجلا من قبيل خصوص النوع وأنه المقول
على كثيرين متفقين في الأحكام فأورد عليه الحر والعبد والعاقل والمجنون فإنهم داخلون
تحت رجل وأحكامهم مختلفة، فأجابوا بأن اختلاف الأحكام بالعرض لا بالأصالة بخلاف
الذكر والأنثى فإن اختلاف أحكامهما بالأصالة، فقوله إن الحر والعبد جنس واحد معناه
أنهما داخلان تحت شئ واحد وهو رجل، وكذا الخل والخمر داخلان تحت ماء العصير
فرجل بالنسبة إلى الحر والعبد جنس لهما وإن كان نوعا لانسان، والحر مثلا نوع بالنسبة إلى
زيد وعمرو مثلا، وقول أبي يوسف إن الحر والعبد جنسان ليس معناه الجنس المصطلح
عليه وإنما أبو يوسف نظر إلى أن لفظ حر تحته أشخاص هي زيد وعمرو وبكر وغيرها،
ولفظ عبد كذلك فجعلهما جنسين بهذا الاعتبار. والحاصل أن أبا حنيفة حكم باتحاد
الجنس فيهما نظرا إلى دخولهما تحت شئ وهو رجل، وأبو يوسف حكم بالاختلاف نظرا
إلى أن كلا منهما مقول على أشخاص كثيرة فلم يريد والجنس المصطلح عليه لأنهم لو
أرادوه لم يصح كلامهم لأن كلا من الحر والعبد ليسا جنسا وإنما هو نوع النوع وهو
رجل. وأما قوله إن اللائق على قول أبي يوسف إلى آخره فهو ما نقله القدوري عن أبي
يوسف كما ذكره في الذخيرة فتجده موافقا لاحدى الروايتين عنه، أما على رواية الأصل
فأجاب عنه الزيلعي بقوله: وإنما لم تجب قيمة عبد وسط لاعتباره الإشارة من وجه ا ه‍.

291
وقيد المصنف بكون المشار إليه حرا لأنه لو كان تزوجها على هذا العبد فإذا هو مدبر أو
مكاتب أو أم ولد والمرأة تعلم بحال العبد أو لم تعلم كان لها قيم العبد. كذا في الخانية. مع
أن المشار إليه لا يصلح مهرا لكن لما لم يخرج عن المالية بالكلية صحت التسمية واعتبر
المسمى. وفيها أيضا: لو سمى خلا وأشار إلى طلافلها مثل الدن من الخل وكأنه لما ذكرناه.
والطلا والمثلث كما في المغرب. وقيد بكون المسمى حلالا والمشار إليه حراما إذ لو كان على
عكسه كما إذا تزوجها على هذا الحر فإذا هو عبد فإن لها العبد المشار إليه في الأصح كما في
المجمع والخانية والبدائع، لأنه عند اتحاد الجنس العبرة للمشار إليه وهو مال متقوم، ومحمد
أوجب مهر المثل لأنه صار كالهازل بالتسمية. وقيد بكون المشار إليه حراما لأنهما لو كانا
حلالين وهما مختلفان كما إذا تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو زيت قال في الذخيرة:
إن لها مثل ذلك الدن خلا لأنها أموال بخلاف ما تقدم، ولو تزوجها على هذا العبد فإذا هي
جارية، أو على هذا الثوب المروي فإذا هو قوهي، فإن عليه عبدا بقيمة الجارية وثوبا مرويا
بقيمة القوهي لما ذكرناه ا ه‍. وفي الخانية: إذا كانا حلالين فلها مثل ذلك المسمى وهو
يقتضي وجوب عبد وسط أو قيمته ولا ينظر إلى قيمة الجارية، فصار الحاصل أن القسمة
رباعية لأنهما إما أن يكونا حرامين أو حلالين أو أحدهما حراما والآخر حلالا فيجب مهر
المثل فيما إذا كانا حرامين، أو المشار إليه حراما وتصح التسمية في الآخرين. ومسألة ما إذا
كانا حرامين مذكورة في الخانية أيضا. وفيها أيضا لو تزوجها على هذا الزق السمن فإذا لا
شئ فيه كان لها مثل ذلك الزق سمنا إن كان يساوي عشرة، وإن تزوجها على ما في الزق
من السمن فإذا لا شئ فيه كان لها مهر المثل، وكذا لو كان في الزق شئ آخر خلاف
الجنس. ولو قال تزوجتك على الشاة التي في هذا البيت فإذا في البيت خنزير أو ليس فيه
شئ كان لها شاة وسط وتبطل الإشارة ا ه‍. وكأن الفرق بين مسألتي الزق أن في المسألة
الأولى لم يجعل المسمى ما فيه وإنما جعله قدر ما يملا الظرف المشار إليه، وفي الثانية جعل

292
المسمى السمن الذي هو فيه وليس فيه شئ فصار كأنه لم يسم شيئا فوجب مهر المثل. وأما
مسألة الشاة التي في هذا البيت فليست من قبيل ما اجتمع فيه الإشارة والتسمية وإنما
حاصلها أنه سمى شاة وصفها بوصف وهو كونها في بيت خاص فإذا لم توجد في البيت بطل
الوصف وبقي الموصوف وهو مطلق الشاة فوجب شاة وسط. أو نقول: اجتمع الإشارة
والتسمية والجنس مختلف لتبدل الصورة والمعنى فيتعلق العقد بالمسمى وهو مال. وفي
البدائع: لو تزوجها على هذا الدن الخمر وقيمة الطرف عشرة دراهم فصاعدا ففيه روايتان عن
محمد في رواية لها الدن لا غير لأن المسمى شيئان: الخمر والظرف، فيلغو تسمية الخمر وبقي
الظرف كما لو تزوجها على خل وخمر فلها الخل لا غير. وفي رواية لها مهر المثل لأن الظرف
لا يقصد بالعقد عادة فإذا بطلت في المقصود بطلت في التبع ا ه‍. وأشار المصنف بوجوب
مهر المثل عينا إلى أن المشار إليه لو كان حرا حربيا فاسترق وملكه هذا الزوج فإنه لا يلزمه
تسليمه. ونقل في الاسرار أنه متفق عليه وكذلك الخمر بعينها لو تخللت لم يجب تسليمها
وإنما عليه تسليم مثلها خلا في قولهما لأن المشار إليه لم يكن مالا حين سمى ففسدت
التسمية في حق ما ليس بمال فلا يستحق تسليمه بالتسمية تبعا لوصفه ا ه‍.
قوله: (وإذا أمهر عبدين وأحدهما حر فمهرها العبد) يعني عند أبي حنيفة إذا ساوى
عشرة دراهم وإلا كمل لها العشرة لأنه مسمى ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر
المثل. وقال أبو يوسف: لها العبد وقيمة الحر لو كان عبدا لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز
عن تسليم أحدهما فتجب قيمته. وقال محمد وهو رواية عن أبي حنيفة: لها العبد الباقي وتمام
مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من العبد لأنهما لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده،
فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل. والاختلاف هنا فرع على قولهم السابق،
والفرق لأبي حنيفة بين هذا وبين ما إذا سمى لها وشرط معه منفعة ولم يوف حيث يجب مهر
المثل لأنها إنما رضيت بالمسمى على تقدير حصول المنفعة فعند عدم الوفاء بها لم تكن راضية
بالمسمى أصلا، وأما هنا فقد رضيت بكل واحد من العبدين ثم لما ظهر أحدهما حرا لم يجب
مهر المثل لأن وجوب المسمى في أحدهما لوجود رضاها فيه منع ذلك كذا في غاية البيان.
وقد يقال: إنها إنما رضيت بكل واحد على أنه بعض المهر لا كله، فإذا ظهر أنه كل المهر لم
تكن راضية به فينبغي وجوب مهر المثل. وقد يجاب عنه كما في فتح القدير بأنها هنا مقصرة

293
في الفحص عن حال المسميين فإنه مما يعلم بالفحص بخلاف تلك المسائل لأن عدم الاخراج
وطلاق الضرة إنما يعلم بعد ذلك فكانت هنا ملتزمة للضرر معنى لسوء ظنها. وأراد المصنف
بالعبدين الشيئين الحلالين، وأراد بالحران يكون أحدهما حراما فدخل فيه ما إذا تزوجها على هذا
العبد وهذا البيت فإذا العبد حر، أو على مذبوحتين فإذا أحدهما ميتة كما في شرح الطحاوي.
وقيد بأن يكون أحدهما حرا إذ لو استحق أحدهما فلها الباقي وقيمة المستحق، ولو استحقا جميعا
فلها قيمتهما وهذا بالاجماع. كذا في شرح الطحاوي بخلاف ما إذا استحق نصف الدار
الممهورة فإن لها الخيار إن شاءت أخذت الباقي ونصف القيمة وإن شاءت أخذت كل القيمة،
فإذا طلقها قبل الدخول بها فليس لها إلا النصف الباقي، ولو تزوج امرأة على أبيها عتق فإن
استحق الأب ثم ملكه الزوج قبل القضاء بالقيمة لها لم يكن لها إلا الأب، ولو ملكه الزوج بعد
القضاء بالقيمة لها فليس لها أن تأخذ الأب لبطلان حقها من العين إلى القيمة بالقضاء. وإذا
ملكه الزوج في الفصل الأول لا تملكه المرأة إلا بالقضاء أو بتسليم الزوج إليها، ويجوز تصرف
الزوج فيه قبل القضاء للمرأة أو التسليم إليها. كذا في الظهيرية. وللاحتراز عما إذا وجدت
المسمى أزيد أو أنقص قال في الظهيرية والمحيط: لو تزوجها على هذه الأثواب العشرة فإذا هي
أحد عشر قال محمد: يعطيها عشرة منها أيتها شاء. وقال أبو حنيفة: إن كان مهر مثلها مثل
أجود العشرة أو زيادة فلها أجود العشرة وهو الأصح وعليه الفتوى. ولو وجدت الثياب تسعة
قال محمد: لها تسعة وتمام مهر مثلها إن كان أكثر من قيمة التسعة. وقال أبو حنيفة: لها التسعة
لا غير وهو بمنزلة ما لو تزوج امرأة على هذين العبدين فإذا أحدهما حر. ولو تزوجها على هذه
الأثواب العشرة الهروية فإذا هي تسعة فلها تسعة وثوب آخر هروي وسط بالاجماع. والفرق أن
في الأولى ذكر الثياب مطلقة والثوب المطلق مما لا يجب مهرا إذا لم يكن مشارا إليه والثوب
العاشر لم يكن مشارا إليه فلا يجب، وفي الثانية ذكر الثياب موصوفة بكونها هروية والثوب
الهروي يصلح مهرا وإن لم يكن معينا ا ه‍. وقد بسطه في فتح القدير.
قوله: (وفي النكاح الفاسد إنما يجب مهر المثل بالوطئ) لأن المهر فيه لا يجب بمجرد
العقد لفساده وإنما يجب باستيفاء منافع البضع، وكذا بعد الخلوة لأن الخلوة فيه لا يثبت بها
التمكن فهي غير صحيحة كالخلوة بالحائض فلا تقام مقام الوطئ، وهذا معنى قول المشايخ
الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح كذا في الجوهرة
وفيه مسامحة لفاسد الخلوة. والمراد بالنكاح الفاسد النكاح الذي لم تجتمع شرائطه كتزوج

294
الأختين معا والنكاح بغير شهود، ونكاح الأخت في عدة الأخت، ونكاح المعتدة، والخامسة
في عدة الرابعة والأمة على الحرة، ويجب على القاضي التفريق بينهما كيلا يلزم ارتكاب
المحظور اغترارا بصوره العقد كما في غاية البيان. وذكر في المحيط من باب نكاح الكافر:
ولو تزوج ذمي مسلمة فرق بينهما لأنه وقع فاسدا ا ه‍. فظاهره أنهما لا يحدان وأن النسب
يثبت فيه والعدة وإن دخل بها، وإنما وجب المهر في الفاسد بالوطئ عملا بحديث السنن
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات. فإن دخل بها فلها المهر بما
استحل من فرجها فصار أصلا للمهر في كل نكاح فاسد بعد حملنا له على الصغيرة والأمة
كما قدمناه. وفي الظهيرية: باع جارية بيعا فاسدا وقبضها المشتري ثم تزوجها البائع لم يجز
ا ه‍. ولو وطئها الظاهر أن لا مهر عليه فإن المشتري لو وطئ الجارية المبيعة فاسدا يجب المهر
عليه في أصح الروايتين كما في الظهيرية. وأشار بمهر المثل إلى أن المسمى فيه ليس بمعتبر
من كل وجه ولذا قال في الظهيرية: ولو تزوج امرأة على خادم بعينها نكاحا فاسدا ودفع
الخادم إليها فأعتقها قبل الدخول فالعتق باطل وإن أعتقها بعد الدخول فالعتق جائز ا ه‍.
وهكذا في الخانية، وظاهره أنه لو لم يدفعها إليها فالعتق باطل مطلقا وهو الظاهر لأنه بالدفع
تعين لمهر المثل في المدفوع وحكم الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في الفاسد فيسقط
الحد ويثبت النسب ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل. وما في الاختيار من كتاب العدة
أنه لا تجب العدة في النكاح الموقوف قبل الإجازة لأن النسب لا يثبت فيه غير صحيح لما
ذكرناه. وذكره الشارح الزيلعي في شرح قوله ويثبت النسب والعدة. وأفاد المصنف
بإطلاقه أنه لا يجب بالجماع فيه ولو تكرر إلا مهر واحد ولا يتكرر المهر بتكرر الوطئ،
والأصل فيه أن الوطئ متى حصل عقيب شبهة الملك مرارا لم يجب إلا مهر واحد لأن الوطئ
الثاني صادف ملكه كالوطئ في النكاح الفاسد، وكما لو وطئ جارية ابنه أو جارية مكاتبه أو
وطئ منكوحته ثم بان أنه حلف بطلاقها أو وطئ جارية ثم استحقت، ومتى حصل الوطئ
عقيب شبهة الاشتباه مرارا فإنه يجب بكل وطئ مه على حدة لأن كل وطئ صادف ملك
الغير كوطئ الابن جارية أبيه أو أمه أو جارية امرأته مرارا وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطئ

295
مهر، ومنه وطئ الجارية المشتركة مررا فعليه لكل وطئ نصف مهر. ولو وطئ مكاتبة بينه
وبين غيره فعليه في نصفه نصف مهر واحد وعليه في نصف شريكه بكل وطئ نصف مهر،
وذلك كله للمكاتبة. الكل في الظهيرية. وفي الخلاصة: لو وطئ المعتدة عن طلاق ثلاث
وادعى الشبهة يلزمه مهر واحد أم بكل وطئ مهر، قيل إن كانت الطلقات الثلاث جملة فظن
أنها لم تقع فهو ظن في موضعه فيلزمه مهر واحد وإن ظن أنها تقع لكن ظن أن وطئها حلال
فهو ظن في غير موضعه فيلزمه بكل وطئ مهر ا ه‍. وأطلقه فشمل البالغ والصبي لكن في
الظهيرية والمحيط عن محمد: صبي جامع امرأة بشبهة نكاح فلا مهر عليه. قال في المحيط:
لأن الولي لا يملك النكاح الفاسد في حقه وإلا الاذن له فيه فسقط اعتبار قوله فصار كأنه
وطئ في حق نفسه من غير شبهة عقد وتجب العدة عليها لأن فعلها جائز في حق نفسها.
وذكر قبله: لو جامع مجنون أو صبي امرأة نائمة إن كانت ثيبا فلا مهر عليه، وإن كانت بكرا
وافتضها فعليه المهر ا ه‍. وينبغي أن يلزمه المهر في الحالين حيث كانت نائمة لأنه مؤاخذ
بأفعاله ولا يسقط حقها إلا بالتمكين ولم يوجد ا ه‍. وأراد بالموطئ الجماع في القبل لأنه لو
وطئها في الدبر في النكاح الفاسد لا يلزمه شئ من المهر لأنه ليس بمحل النسل كما في
الخلاصة والقنية، فلا يجب بالمس والتقبيل بشهوة شئ بالأولى كما صرحوا به أيضا. وأفاد
بالتقييد بالوطئ أن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول حتى لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا
بأن مس أمها بشهوة فتزوجها ثم تركها له أن يتزوج الام. كذا في الخلاصة. وفي البزازية:
والخلع في النكاح الفاسد لا يسقط المهر لأنه ليس بخلع ا ه‍. ومفهومه أنه لا يجب البدل
عليها لو شرط بالأولى، وإذا ادعت فساده وهو صحته فالقول له وعلى عكسه فرق بينهما
وعليها العدة ولها نصف المهر إن لم يدخل، والكل إن دخل. كذا في الخانية. وينبغي أن
يستثنى منه ما ذكره الحاكم الشهيد في الكافي من أنه لو ادعى أحدهما أن النكاح كان في

296
صغره فالقول قوله ولا نكاح بينهما ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها قبل الادراك. وفي فتح
القدير: لا يصير محصنا بهذا الدخول، وأجمعت الأمة أنه لا يكون محصنا في العقد الصحيح
إلا بالدخول. وفي الخلاصة: التصرفات الفاسدة عشرة: النكاح الفاسد وقد علمت حكمه.
الثاني البيع الفاسد مضمون فيه المبيع. الثالث الإجارة الفاسدة والواجب أجر المثل والعين أمانة
في يد المستأجر. الرابع الرهن الفاسد وهو رهن المشاع وللراهن نقضه ولو هلك في يد
المرتهن هلك أمانة عند الكرخي، وفي الجامع الكبير ما يدل على أنه كالرهن الجائز. الخامس
الصلح الفاسد لكل نقضه. السادس القرض الفاسد وهو بالحيوان أو ما كان متفاوتا ومع هذا
لو استقرض وباع صح البيع. السابع الهبة الفاسدة وأنها مضمونة بالقيمة يوم القبض ولا تفيد
الملك الثامن المضاربة الفسادة والمال أمانة في يد المضارب. التاسع الكتابة الفاسدة والواجب
فيها الأكثر من المسمى ومن القيمة. والعاشر المزارعة الفاسدة والخارج منها لصاحب البذر
وعليه مثل أجرة العامل إن كانت الأرض لرب البذر ويطيب له، وإن كان البذر من العامل
فعليه أجرة مثل الأرض والخارج له. ا ه‍.

297
قوله: (ولم يزد على المسمى) أي لم يزد مهر المثل على المسمى لأنها لم تسم الزيادة فكانت
راضية للحط مسقطة حقها في الزيارة إلى تمامه حيث لم تسم تمامه لا لأجل أن التسمية صحيحة
من وجه لأن الحق أنها فاسدة من كل وجه لوقوعها في عقد فاسد، ولهذا لو كان مهر المثل أقل
من المسمى وجب مهر المثل فقط. وفي الظهيرية: ولو زوج أحد الموليين أمته ودخل بها الزوج
فللآخر النقض، فإن نقض فله نصف مهر المثل وللمزوج الأقل من نصف مهر المثل ومن نصف
المسمى ا ه‍. فعلى هذا يعطى هذا العقد حكم الفاسد بالنسبة إلى المزوج وحكم العدم بالنسبة إلى
غيره. وأشار إلى أن المسمى معلوم ولذا لا يزاد عليه فلو كان المسمى مجهولا وجب مهر المثل
بالغا ما بلغ اتفاقا كما إذا لم يكن فيه تسمية أصلا، وظاهر كلامهم أن مهر المثل لو كان أقل من
العشرة فليس لها إلا مهر المثل بخلاف النكاح الصحيح إذا وجب فيه مهر المثل فإنه لا ينقص
عن عشرة. وفي الخانية: لو تزوج محرمه لاحد عليه في قول أبي حنيفة وعليه مهر مثلها بالغا ما
بلغ ا ه‍. فإن كان النكاح باطلا فظاهر، وإن كان فاسدا فهي مستثناة، وقد نقل الاختلاف في
جامع الفصولين فقيل باطل عنده وسقوط الحد لشبهة الاشتباه، وقيل فاسد وسقطوه لشبهة

298
العقد ا ه‍. ولم يذكر للاختلاف ثمرة قوله: (ويثبت النسب) أي نسب المولود في النكاح
الفاسد لأن النسب مما يحتاط في إثباته إحياء للولد فيترتب على الثابت من وجه. أطلقه فأفاد
أنه يثبت بغير دعوة كما في القنية، وتعتبر مدة النسب وهي ستة أشهر من وقت الدخول عند
محمد وعليه الفتوى لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة باعتباره. كذا في الهداية.
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ابتداء المدة من وقت العقد قياسا على الصحيح. والمشايخ أفتوا
بقول محمد لبعد قولهما لعدم صحة القياس المذكور. وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا أتت
بولد لستة أشهر من وقت العقد ولاقل منها من وقت الدخول فإنه لا يثبت نسبه على المفتى
به، فتقدير مدة النسب بالمدة المذكورة إنما هو للاحتراز عن الأقل لا عن ما زاد عن أكثر مدة
الحمل لأنها لو جاءت بالولد لأكثر من سنتين من وقت العقد فقط لما ذكرنا من أن اعتبار
وقت العقد أو الدخول إنما هو لنفي الأقل فقط، واندفع ما في الغاية من قياس النسب على
العدة وأن الأحوط أن يكون ابتداء مدة النسب من وقت التفريق كالعدة لما علمت من المسألة
التي يثبت فيها النسب قبل التفريق فكيف يعتبر به، واندفع به ما في فتح القدير من أنه يعتبر

299
ابتداؤها من وقت التفريق إذا وقعت فرقة وما لم تقع فمن وقت النكاح أو الدخول على الخلاف
لأنه يرد عليه ما إذا أتت به بعد التفريق لأكثر من ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول ولاقل
منها من وقت التفريق فإنه يثبت نسبه. ومقتضى ما في الفتح خلافه، والدليل على ما حققناه
أنهم جعلوا مدة النسب ستة أشهر في النكاح الصحيح من وقت العقد أيضا وليس هو قطعا إلا
للاحتراز عن الأقل لا عن الأكثر فكذلك لك هنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (والعدة) أي وتثبت العدة فيه وجوبا بعد الوطئ في النكاح الفاسد لا الخلوة.
كما في القنية إلحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط، ولو اختلفا في الدخول
فالقول له فلا يثبت شئ من هذه الأحكام كما في الذخيرة، ولم يبين المصنف ابتداءها للاختلاف فيه
والصحيح أنه من وقت التفريق لا من آخر الوطآت لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها
بالتفريق كالطلاق في النكاح الصحيح، ولا إحداد عليها في هذه العدة ولا نفقة لها فيها لأن
وجوبها باعتبار الملك الثابت بالنكاح وهو منتف هنا. والمراد بالعدة هنا عدة الطلاق، وأما
عدة الوفاة فلا تجب عليها من النكاح الفاسد، ولو كانت هذه المرأة الموطوءة أخت امرأته
حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها. كذا في فتح القدير. وظاهر كلامهم أن ابتداءها من
وقت التفريق قضاء وديانة. وفي فتح القدير: ويجب أن يكون هذا في القضاء، أما فيما بينها
وبين الله تعالى إذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطئ ثلاثا ينبغي أن يحل لها التزوج فيما بينها
وبين الله تعالى على قياس ما قدمنا من نقل العتابي ا ه‍. ومحله فيما إذا فرق بينهما، أما إذا
حاضت ثلاثة حيض من آخر الوطآت ولم يفارقها فليس لها التزوج اتفاقا كما أشار إليه في
غاية البيان، وظاهر كلام الزيلعي يوهم خلافه. والتفريق في النكاح الفاسد إما بتفريق
القاضي أو بمتاركة الزوج، ولا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد بل هو متاركة فيه ولا تحقق
للمتاركة إلا بالقول إن كانت مدخولا بها كقوله تاركتك أو تاركتها أو
خليت سبيلك أو خليت سبيلها أو خليتها. وأما غير المدخول بها فتحقق المتاركة بالقول وبالترك عند
بعضهم وهو تركها عل قصد أن لا يعود إليها، وعند البعض لا تكون المتاركة إلا بالقول

300
فيهما حتى لو تركها ومضى على عدتها سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر. وإنكار الزوج
النكاح إن كان بحضرتها فهو متاركة وإلا فلا كإنكار الوكيل الوكالة، وأما علم غير المتارك
بالمتاركة فنقل في القنية قولين مصححين: الأول أنه شرط لصحة المتاركة هو الصحيح حتى
لو لم يعلمها لا تنقضي عدتها. ثانيهما أن علم المرأة في المتاركة ليس بشرط في الأصح كما
في الصحيح ا ه‍. وينبغي ترجيح الثاني، ولهذا اقتصر عليه الزيلعي. وظاهر كلامهم أن
المتاركة لا تكون من المرأة أصلا كما قيده الزيلعي بالزوج لكن في القنية أن لكل واحد
منهما أن يستبد بفسخه قبل الدخول بالاجماع وبعد الدخول مختلف فيه. وفي الذخيرة:
ولكل واحد من الزوجين فسخ هذا النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ.
وعند بعضهم إن لم يدخل بها فكذلك، وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا
بمحضر من صاحبه ا ه‍. وهكذا في الخلاصة. وهذا يدل على أن للمرأة فسخه بمحضر
الزوج اتفاقا، ولا شك أن الفسخ متاركة إلا أن يفرق بينهما وهو بعيد والله سبحانه
وتعالى أعلم. ومن أحكام العقد الفاسد أنه لا يحد بوطئها قبل التفريق للشبهة ويحد إذا

301
وطئها بعد التفريق. كذا في البدائع وغيره، وظاهره أنه لا فرق فيه بين أن يكون في العدة
أو لا ولم أره صريحا.
قوله: (ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها إذا استويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا
ودينا وبكارة) بيان لشيئين: أحدهما أن الاعتبار لقوم الأب في مهر المثل لقول ابن مسعود
رضي الله عنه لها مهر مثل نسائها وهن أقارب الأب، ولان الانسان من جنس قوم أبيه
وقيمة الشئ إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه، ولا يعتبر بأمها وخالتها، إذا لم يكونا من
قبيلتها لما بينا. ثانيهما أنه لا بد من الاستواء في الأوصاف المذكورة لأن المهر يختلف باختلاف
هذه الأوصاف. وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر أي الزمان، وقد ذكر المصنف ثمانية
أشياء. وأراد بالسن الصغر أو الكبر، وأطلق في اعتبار الجمال والمال، وقيل لا يعتبر الجمال
في بيت الحسب والشرف وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس إذ الرغبة فيهن للجمال بخلاف
بيت الشرف. وفي فتح القدير: وهذا جيد ا ه‍. والظاهر اعتباره مطلقا. وأراد بالدين
التقوى كما ذكره العيني، وزاد في التبيين على هذه الثمانية أربعة وهي: العلم والأدب وكمال
الخلق وأن لا يكون لها ولد. وزاد المشايخ بأنه يعتبر حال الزوج أيضا. وفسره في فتح
القدير بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما ا ه‍.
وينبغي أن لا يختص بهذين الشيئين لأن للجمال والبلد والعصر والعقل والتقوى والسن
مدخلا من جهة الزوج أيضا فينبغي اعتبارها في حقه أيضا لأن الشاب يتزوج بأرخص من
الشيخ، وكذا المتقي بأرخص من الفاسق. وأشار بقوله ما لا إلى أن الكلام إنما هو في
الحرة ولذا قال في شرح الطحاوي والمجتبى: مهر مثل الأمة على قدر الرغبة فيها. وعن
الأوزاعي: ثلث قيمتها. ثم اعلم أن اعتبار مهر المثل بما ذكر حكم كل نكاح صحيح لا
تسمية فيه أصلا أو سمى فيه ما هو مجهول أو ما لا يحل شرعا كما قدمنا تفاصيله، وحكم
كل نكاح فاسد بعد الوطئ سمى فيه مهر أو لا، وأما المواضع التي يجب فيها المهر بسبب
الوطئ بشبهة فليس المراد بالمهر فيها مهر المثل المذكور هنا لما في الخلاصة بعد ذكر المواضع

302
التي يجب فيها المهر بالوطئ عن شبهة قال: والمراد من المهر العقر وتفسير العقر الواجب
بالوطئ في بعض المواضع ما قال الشيخ نجم الدين: سألت القاضي الإمام الأسبيجابي عن
ذلك بالفتوى فكتب هو العقر أنه ينظر بكم تستأجر للزنا لو كان حلالا يجب ذلك القدر.
وكذا نقل عن مشايخنا شرب الأصل للإمام السرخسي ا ه‍. وظاهره أنه لا فرق فيه بين الحرة
والأمة، ويخالفه ما في المحيط: لو زفت إليه غير امرأته فوطئها لزمه مهر مثلها ا ه‍. إلا أن
يحمل على العقر المذكور في الخلاصة توفيقا، ولم أر حكم ما إذا ساوت المرأة امرأتين من
أقارب أبيها في جميع الأوصاف المعتبرة مع اختلاف مهرهما قلة وكثرة، هل يعتبر بالمهر الأقل
أو الأكثر؟ وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي وحكم به فإنه يصح لقلة التفاوت. وفي
الخلاصة: يعتبر بأخواتها وعماتها وبناتهن فإن لم يكن لها أخت ولا عمة فبنت الأخت لأب
وأم وبنت العم ا ه‍. وظاهره أن بنت الأخت وبنت العم مؤخران عما ذكره فيتفرع عليه أنه
لو كان لها أخت وبنت عم قد ساوتهما في الأوصاف المذكورة أنه لا يعتبر بنت العم مع
وجود الأخت، وظاهر كلامهم خلافه. وفي الخلاصة: يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل
رجلين. أو رجلا وامرأتين، ويشترط لفظ الشهادة فإن لم يوجد على ذلك شهود عدول
فالقول قول الزوج مع يمينه ا ه‍. وظاهره أنه لا يصح القضاء بمهر المثل بدون الشهادة أو
الاقرار من الزوج، ويخالفه ما في المحيط قال: فإن فرض القاضي أو الزوج بعد العقد جاز

303
لأنه يجري ذلك مجرى التقدير لما وجب بالعقد من مهر المثل، زاد أو نقص، لأن الزيادة على
الواجب صحيحة والحط عنه جائز ا ه‍. وفي الذخيرة أن الاعتبار لهذه الأوصاف وقت
التزوج، وفي الصيرفية: مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما
قال: كم مهر مثلهما وليس لهما أخوات في الغربة؟ قال: يحكم بجمالهما بكم ينكح
مثلهن. فقيل له يختلف بالبلدان قال: إن وجد في بلدهما يسأل وإلا فلا يعطى لهما شئ.
قوله: (فإن لم يوجد فمن الأجانب) شامل لمسألتين: إحداهما إذا لم يكن لها أحد من
قوم أبيها. الثانية إذا كان لها أقارب منهم لكن لم يوجد فيهم من يماثلها في الأوصاف
المذكورة كلها أو بعضها، وفي كل منهما يعتبر مهرها بأجنبية موصوفة بذلك. وفي
الخلاصة: فإن لم تكن مثلها في قرابتها ينظر في قبيلة أخرى مثلها أي مثل قبيلة أبيها. كذا
فسر الضمير في مثلها في فتح القدير، والأولى أن يرجع إلى المرأة ليكون موافقا لما في
المختصر من الاعتبار بالأجنبيات مطلقا سواء كانت من قبيلة مماثلة لقبيلة أبيها أو لا. وعن
أبي حنيفة لا يعتبر بالأجنبيات. قال في فتح القدير: ويجب حمله على ما إذا كان لها أقارب
وإلا امتنع القضاء بمهر المثل ا ه‍. وقد قدمنا أن القضاء بمهر المثل لم ينحصر في النظر إلى

304
من يماثلها من النساء بل لو فرض لها القاضي شيئا من غير ذلك صح كما في المحيط.
فالمروي من أنه لا يعتبر بالأجنبيات صحيح مطلقا، ويفرض القاضي لها المهر فلم يلزم منه
امتناع القضاء به لو أجرى على عمومه.
قوله: (وصح ضمان الولي المهر) لأنه من أهل الالتزام وقد أضافه إلى ما يقبله فيصح،
والمراد به أنه في الصحة، أما في مرض الموت فلا لأنه تبرع لوارثه في مرض موته، وكذلك
كل دين ضمنه عن وارثه أو لوارثه كما في الذخيرة. وأما إذا لم يكن وارثا له فالضمان في
مرض الموت من الثلث كما صرحوا به في ضمان الأجنبي. وأطلق في الولي فشمل ولي المرأة
وولي الزوج الصغيرين والكبيرين، أما ولي الزوج الكبير فهو وكيل عنه كالأجنبي وولايته عليه
ولاية استحباب، وحكم ضمان مهره كحكم ضمان الأجنبي، فإن ضمن عنه بإذنه رجع وإلا
فلا كما في فتح القدير. وأما إن كان صغيرا بأن زوج ابنه وضمن للمرأة مهرها فلان الولي
سفير ومعبر فيه وليس بمباشر بخلاف ما إذا اشترى له شيئا ثم ضمن عنه الثمن للبائع حيث
لا يصح ضمانه لأنه أصيل فيه فيلزمه الثمن، ضمن أو لم يضمن. ولا بد في صحته من
قبول المرأة - كما في الذخيرة - كغيره من الكفالات، والمجانين كالصبيان في ذلك. كذا في
الخانية. واستفيد من صحة الضمان أن لها مطالبة الولي ومطالبة الزوج إذا بلغ لا قبله لأنه
ليس من أهله، وأنه لو أدى الأب من مال نفسه فإنه لا رجوع له على الصغير لأن الكفيل لا
رجوع له إلا بالامر ولم يوجد، لكن ذكر في الذخيرة أنه إن شرط الرجوع في أصل الضمان
فله الرجوع كأنه كالاذن من البالغ في الكفالة. وفي فتاوى الولوالجي: لا رجوع له إلا إذا
أشهد عند الأداء أنه يؤدي ليرجع عليه. وفي فتح القدير: ولا يخفى أن هذا - أعني عدم
الرجوع إذا لم يشهد - مقيد بما إذا لم يكن للصغير مال ا ه‍. وفي البزازية أنه إذا أشهد عند
الأداء أنه أدى ليرجع رجع وإن لم يشهد عند الضمان ا ه‍. والحاصل أن الاشهاد عند الأداء أو
الضمان شرط الرجوع. وفي غاية البيان: لو أدى الأب من مال نفسه فالقياس أن يرجع

305
لأن غير الأب لو ضمن بإذن الأب وأدى يرجع في مال الصغير، فكذا الأب لأن قيام
ولاوية الأب عليه في الصغر بمنزلة أمره بعد البلوغ، وفي الاستحسان لا رجوع له لا
الآباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا يطمعون في الرجوع، والثابت بالعرف كالثابت
بالنص إلا إذا شرط الرجوع في أصل الضمان فحينئذ يرجع لأن الصريح يفوق
الدلالة أعني دلالة العرف بخلاف الوصي إذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان يرجع لأن التبرع من
الوصي لا يوجد عادة فصار كبقية الأولياء غير الأب. والحاصل أن عدم الرجوع مخصوص
بالأب، واستفيد من صحة الضمان أيضا أن الأب لو مات قبل الأداء فللمرأة الاستيفاء من
تركة الأب لأن الكفالة بالمال لا تبطل بموت الكفيل. وإذا استوفت قال في المبسوط: رجع
سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه ولم يذكر فيه خلافا. وذكر
الولوالجي أن أبا يوسف قال: إن الأب متبرع ولا يرجع هو ولا وارثه بعد موته على الابن
بشئ، وحكم الاستيفاء في مرض الموت كالاستيفاء بعد الموت من أن الورثة يرجعون عليه
كما في غاية البيان. واستفيد من القول بصحة الضمان أيضا أنه لو لم يضمن الأب مهر ابنه
الصغير لا يطالب به ولو كان عاقدا لأنه لو لزمه بلا ضمان لم يكن للضمان فائدة، ولما في
المعراج: لو زوج ابنه الصغير لا يثبت المهر في ذمة الأب بل يثبت في ذمة الابن عندنا، سواء
كان الابن موسرا أو معسرا. ذكره في المنظومة وشرحها معللا بأن النكاح لا ينفك عن لزوم
المال إنما ينفك عن إيفاء المهر في الحال فلم يكن من ضرورة الاقدام على تزويجه ضمان المهر
عنه، وهذا هو المعول عليه كما في فتح القدير. وبه اندفع ما في شرح الطحاوي من أن
للمرأة مطالبة أب الصغير بمهرها ضمن أو لم يضمن ا ه‍.
وجوابه أن كلام شارح الطحاوي محمول على ما إذا كان للصغير مال فإن لها مطالبة
الأب بغير ضمان ليؤدي من مال الصغير، والدليل على هذا الحمل أن صاحب المعراج نقل
أولا ما في شرح الطحاوي ثم بعد أسطر ذكر ما ذكرناه عنه من عدم لزوم المهر على الأب بلا
ضمان، لكن قيده بالابن الفقير فتعين أن يكون الأول في الابن الغني. وبه اندفع ما في فتح
القدير وفي الذخيرة إذا اشترى لابنه الصغير شيئا آخر سوى الطعام والكسوة ونقد الثمن من
مال نفسه فإنه يرجع على الصغير بذلك وإن لم يشترط الرجوع لأنه لا عرف أن الآباء

306
يتحملون الثمن عن الأبناء ا ه‍. وفي الخلاصة: لو كبر الابن ثم أدى الأب، إن أشهد
يرجع، وإن لم يشهد لا، ولو كان على الأب دين للصغير فأدى مهر امرأته ولم يشهد ثم قال
بعد ذلك إنما أديت مهره عن دينه الذي علي صدق ا ه‍. وفي البزازية: إذا أعطى الأب
أرضا في مهر امرأته ثم مات الأب قبل قبض المرأة لا تكون الأرض لها لأنها هبة من الأب لم
تتم بالتسليم، فإن ضمن المهر وأدى الأرض عنه ثم مات قبل التسليم كانت الأرض للمرأة
لأنه بيع فلا يبطل بالموت. وأما ضمان ولي المرأة المهر عن زوجها فلا يخلو إما أن تكون كبيرة
أو صغيرة، فإن كانت كبيرة فظاهر لأنه كالأجنبي إذا ضمن لها المهر ويثبت لها الخيار إن
شاءت طالبته وإن شاءت طالبت زوجها إن كان كبيرا وهي أهل للمطالبة ويرجع الولي بعد
الأداء على الزوج إن ضمن بأمره، سواء كانت الكبيرة عاقلة أو مجنونة. وأما إذا كانت صغيرة
زوجها الأب وضمن مهرها فإنما صح لأنه سفير ومعبر لا ترجع الحقوق إليه وإنما ملك
قبض مهر الصغيرة بحكم الأبوة لا باعتبار أنه عاقد، ولهذا لا يملكه بعد بلوغها إلا برضاها
صريحا أو دلالة بأن تسكت وهي بكر بخلاف ما إذا باع مال الصغير وضمن الثمن عن
المشتري فإنه لا يصح لأنه أصيل فيه حتى ترجع الحقوق عليه، ويصح إبراؤه من الثمن
عندهما خلافا لأبي يوسف لكنه يضمنه للولد لتعديه بالابراء ويملك قبض الثمن بعد بلوغه،
فلو صح الضمان لصار ضامنا لنفسه وبهذا علم أن قوله:
(وتطالب زوجها أو وليها) مخصوص بما إذا كان الضامن وليها مع أن الحكم أعم فلو
قال وتطالب زوجها أو الولي الضامن لكان أولى ليشمل ما إذا كان الضامن وليه. وقول
الشارح الزيلعي في الصورة الثانية فالمطالبة إلى ولي الزوج مكان وليها غير صحيح لأن
المطالبة عليه لا إليه، وجعل إلى بمعنى على هنا مجازا بعيد كما لا يخفى، ولا بد من تقييد
الزوج بالبلوغ لأنه ليس لها مطالبة الصغير بل وليها فقط، ولا بد من تقييد صحة ضمانه لها
من قبولها أو قبول قابل في المجلس لأن الموجود شطر فلا يتوقف على ما وراء المجلس في
المذهب كما في البزازية، وظاهره أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة. وإطلاقهم صحة ضمانة
مهر الصغيرة يقتضي أن لا يشترط قبول أحد في المجلس وأن إيجابه يكون مقام القبول عنها.
ولا بد من التقييد بصحة وليها إذ ضمانه في مرضه باطل لما قدمنا من أن الضمان في مرض

307
الموت للوارث أو عنه باطل، وينبغي تقييده بما إذا كانت موليته وارثته، وأما إذا لم تكن
وارثته كما إذا كانت بنت عمه مثلا وله وارث يحجبها فالضمان صحيح مطلقا كما لا يخفى،
ويكون من الثلث كما قدمناه. وأشار بصحة ضمان الولي إلى صحة ضمان الرسول في النكاح
والوكيل بالأولى، فلو ضمن الرسول المهر ثم جحد الزوج الرسالة اختلف المشايخ فيما يلزم
الرسول، وصح في المحيط أن المرأة، إذا طلبت التفريق من القاضي وفرق بينها وبين الزوج
كان لها على الرسول نصف المهر، وإن لم تطلب التفريق كان لها جميع المهر. ولو زوجه
الوكيل على ألف من ماله أو على هذه الألف لم يلزمه شئ، ولو ضمن المهر لزمه، فإن كان
بغير إذن الزوج فلا رجوع له بخلاف الوكيل بالخلع فإنه إذا ضمن البدل عنها رجع به عليها،
وإن لم تأمره بالضمان لانصراف التوكيل إلى الامر بالضمان لصحة الخلع بلا توكيل منها
بخلاف النكاح فإنه لا يصح بلا توكيل منها فانصرف الامر إليه. ولو زوجه الوكيل امرأة على
عرضه جاز، فإن هلك في يد الوكيل رجعت بقيمته على الزوج وفي الخلع ترجع على
الوكيل، والكل من المحيط.
قوله: (ولها منعه من الوطئ والاخراج للمهر وإن وطئها) أي للمرأة منع نفسها من
وطئ الزوج وإخراجها من بلدها حتى يوفيها مهرها، إن كانت قد سلمت نفسها للوطئ
فوطئها لتعين حقها في البدل كما تعين حق الزوج في المبدل فصار كالبيع. كذا في الهداية.
وأورد عليه في فتح القدير بأن هذا التحليل لا يصح إلا في الصداق الدين، أما العين كما لو
تزوجها على عبد بعينه فلا لأنها بالعقد ملكته وتعين حقها فيه حتى ملكت عتقه ا ه‍. وقد
قالوا في بيع المقايضة: يقال لهما سلما معا، ويمكن أن يكون هنا كذلك فلها المنع قبله، وما
في فتح القدير من أن مثله لا يتأتي في النكاح إذا كان المهر عبدا معينا مثلا ولا في معية
الخلوة لاطلاق الجواب بأن لها الامتناع إلى أن تقبض ا ه‍. ففيه نظر، لأن المراد بالتسليم هنا
التخلية برفع الموانع وهو ممكن في العبد أيضا بأن يخلى بينها وبين بشروط التخلية، وتخلي بينها

308
وبين نفسها برفع الموانع منها ويكونا سواء، وهذا قبل الاطلاع على النقل. ثم رأيت في
المحيط: وإن كان المهر عينا فإنهما يتقابضان كما في بيع المقايضة ا ه‍. وبهذا سقط ما في فتح
القدير. أشار المصنف بمنعها له مما ذكر إلى أنه لا يمنعها من أن تخرج في حوائجها والزيارة
بغير إذنه قبل قبض، المهر لأنها غير محبوسة لحقه بخلاف ما بعد إيفائه لأنها محبوسة له، وإلى
أن للأب أن يسافر بابنته البكر ولو كانت بالغة قبل إيفاء المهر وبعده لا كما في فتح القدير،
وإلى أن لا يحل له وطؤها على كره منها قبل إيفائه. قال في المحيط من النفقة: وهل يحل
للزوج أن يطأها على كره منها؟ إن كان الامتناع لا لطلب المهر يحل لأنها ظالمة، وإن كان
لطلب المهر لا يحل عند أبي حنيفة، وعندهما يحل ا ه‍. وأطلق في الاخراج فشمل الاخراج
من بيتها ومن بلدها فليس له ذلك. وتفسير الاخراج بالمسافرة بها كما في الهداية مما لا ينبغي
لأنه يوهم أن له إخراجها من بيتها إلى بيت آخر في مصرها. وأطلق في المهر وفيه تفصيل،
وحاصله أنه إما أن يصرحا بحلوله أو بتعجيله أو بتأجيله كله أو بحلول بعضه وتأجيل بعضه
أو يسكتا، فإن شرطا حلوله أو تعجيله كله فلها الامتناع حتى تستوفيه كله والحلول والتعجيل
مترادفان، ولا اعتبار بالعرف إذا جاء الصريح بخلافه. وكذا إذا شرطا حلول البعض فلها
الامتناع حتى تقبض المشروط فقط. وأما إذا شرط تأجيل الكل فليس لها الامتناع أصلا لأنها
أسقطت حقها بالتأجيل كما في البيع. وعن أبي يوسف أن لها الامتناع استحسانا لأنه لما
طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع.

309
قال الولوالجي: وبقول أبي يوسف يفتى استحسانا بخلاف البيع ا ه‍. ولان العادة
جارية بتأخير الدخول عند تأخير جميع المهر. وفي الخلاصة أن الأستاذ ظهير الدين كان يفتي
بأنه ليس له الامتناع، والصدر الشهيد كان يفتي بأن لها ذلك ا ه‍. فقد اختلفت الفتوى.
وفي معراج الدراية: إذا كان المهر مؤجلا ثم حل الاجل فليس لها الامتناع عند أبي حنيفة،
ولم أر حكم ما إذا كان الاجل سنة مثلا فلم تسلم نفسها حتى مضى الاجل هل يصير حالا
أو لا بد من سنة بعد التسليم كما قال أبو حنيفة في البيع، فإن قيس النكاح على البيع صح
لأنهم اعتبروه به هنا. وفي المحيط وغيره: لو أحالت المرأة رجلا على زوجها بالمهر فلها
الامتناع إلى أن يقبض المحتال لأن غريمها بمنزلة وكيلها، وإن أحالها الزوج بمهرها ليس لها
الامتناع، وهذا إذا كان الاجل معلوما، فإن كان مجهولا، فإن كانت جهالة متقاربة كالحصاد
والدياس ونحو ذلك فهو كالمعلوم، وهذه على وجوه: إما أن يصرح بحلول كله أو تعجيله أو
حلول بعضه وتأجيل بعضه أو تأجيل كله أجلا معلوما أو مجهولا أو متقاربا أو متفاحشا فهي
سبعة، وكل منها إما بشرط الدخول قبل القبض أو لا. فهي أربعة عشر، وكل منها إما أن
يكون المنع قبل التسليم أو بعده فهي ثمانية وعشرون على الصحيح كما في الظهيرية بخلاف
البيع فإنه لا يجوز بهذا الشرط. وإن كانت متفاحشة كإلى الميسرة أو إلى هبوب الريح أو إلى أن
تمطر السماء فالاجل لا يثبت ويجب المهر حالا. كذا في غاية البيان. وظاهره أن التأجيل إلى
الطلاق أو الموت متفاحش فيجب المال حالا بمقتضى إطلاق العقد، والظاهر خلافه لجريان
العرف بالتأجيل به، وذكر في الخلاصة والبزازية اختلافا فيه وصحح أنه صحيح. وحكم
التأجيل بعد العقد كحكمه فيه كما في فتح القدير أيضا. وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل
حلول الأجل، فلو شرطه ورضيت ليس لها الامتناع اتفاقا كما في الفتح أيضا. وفي
الخلاصة: وبالطلاق يتعجل المؤجل ولو راجعها لا يتأجل ا ه‍. يعني إذا كان التأجيل إلى
الطلاق، أما إذا كان التأجيل إلى مدة معينة لا يتعجل بالطلاق كما يقع في ديار مصر في
بعض الأنكحة أنهم يجعلون بعضها حالا وبعضه مؤجلا إلى الطلاق أو إلى الموت، وبعضه
منجما في كل سنة قدر معين، فإذا طلقها تعجل البعض المؤجل لا المنجم لأنها تأخذه بعد
الطلاق على نجومه كما تأخذه قبل الطلاق على نجومه، وذكر قولين في الفتاوى الصيرفية في

310
كونه بتعجل المؤجل بالطلاق الرجعي مطلقا أو إلى انقضاء العدة. وجزم في القنية بأنه لا يحل
إلى انقضاء العدة قال: وهو قول عامة مشايخنا. وفي الصيرفية: لو ارتدت ولحقت بدار
الحرب ثم أسلمت وتزوجها، المختار أنه لا يطالب بالمهر المؤجل إلى الطلاق ا ه‍. ووجهه أن
الردة فسخ وليست بطلاق، وأما إذا سكتا عن وصفه فهو حال بمقتضى إطلاق العقد
فالقياس على البيع يقتضي أن لها الامتناع قبل قبضه لكن العرف صرفه عن ذلك، فإن كان
عرف في تعجيل بعضه وتأجير باقيه إلى الموت أو الميسرة أو الطلاق فليس لها الامتناع إلا إلى
تسليم ذلك بتمامه ولو بقي درهم. قال في فتاوى قاضيخان: فإن لم يبينوا قدر المعجل ينظر
إلى المرأة وإلى المهر أنه كم يكون المعجل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر فيعجل ذلك، ولا
يتقدر بالربع والخمس بل يعتبر المتعارف فإن الثابت عرفا كالثابت شرطا ا ه‍.
وفي الصيرفية: الفتوى على اعتبار عرف بلدهما من غير اعتبار الثلث أو النصف كما
روي، فما في غاية البيان من إطلاق قوله فإن كان يعني المهر بشرط التعجيل أو مسكوتا عنه
يجب حالا ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر، إنما هو على ظاهر الرواية، وأما على المفتى
به فالمعتبر في المسكوت عنه العرف، وبه سقط ما في فتح القدير وفي القاسمية إذا تزوجها
على مائة مثلا على حكم الحلول على أن يعطيها قبل الدخول أربعين والباقي على حكمه فلها
المطالبة بالباقي قبل الطلاق أو الموت، ولها الامتناع حتى تقبضه. وقول الزيلعي ليس لها أن
تحبس نفسها فيما تعورف تأجيله ولو كان حالا أنه ولو كان حالا بمقتضى العقد فإن العرف
يقضي به، وبقية كلامه يدل عليه وهو قوله: فإذا نصا على تعجيل جميع المهر إلى آخره لأن
شرط التعجيل مرادف لشرط الحلول حكما لأن في كل منهما لها المطالبة متى شاءت ولو كان
معناه، ولو كان حالا بالشرط لناقض قوله وإن نصا على التعجيل فهو على ما شرطا وليس في
اشتراط تعجيل البعض مع النص على حلول الجميع دليل على تأخير الباقي إلى الطلاق أو
الموت بوجه من وجوه الدلالات، والذي عليه العادة في مثل هذا التأخير إلى اختيار المطالبة.
وقال الزاهدي: وصار تأخير الصداق إلى الموت أو الطلاق بخوارزم عادة مأثورة وشريعة
معروفة عندهم اه‍. وعرف خوارزم فيما لا نص فيه على تعجيل ولا تأجيل وهو خلاف

311
الواقع في مملكة مصر والشام وما وإلا هما من البلاد اه‍ ما في القاسمية. وفي الصيرفية:
تزوجها وسمى لها المعجل مائة وسكت عن المؤجل ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى
وينبغي أن تجب لها المتعة اه‍. وأطلق في قوله فإن وطئها فشمل ما إذا وطئها مكرهة كانت
أو صغيرة أو برضاها وهي كبيرة، ولا خلاف فيما إذا كانت مكرهة أو صبية أو مجنونة فإنه
لا يسقط حقها في الحبس، وأما إذا وطئها أو خلا بها برضاها ففيه خلاف. قال أبو حنيفة:
لها أن تمنع نفسها. وخالفاه لأن المعقود عليه كله صار مسلما إليه بالوطأة الواحدة وبالخلوة،
ولهذا يتأكد بها جميع المهر فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع. وله أنها منعت منه
ما قابل البدل لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم فلا يعرى عن العوض إبانة لخطره،
والتأكد بالواحدة لجهالة ما وراءها فلا يصلح مزاحما للمعلوم. ثم إذا وجد آخر وصار معلوما
تحققت المزاحمة وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها، ثم إذا جنى
جناية أخرى وأخرى يدفع بجميعها ويبتنى على هذا الاختلاف استحقاق النفقة بعد الامتناع،
فعنده تستحقها وليست بناشزة، وعندهما لا تستحقها وهي ناشزة. كذا قالوا. وينبغي أن لا
تكون ناشزة على قولهما إذا منعته من الوطئ وهي في بيته لأنه ليس بنشوز منها بعد أخذ المهر
كما صرحوا به في النفقات. وفي شرح الجامع الصغير للبزدوي: كان أبو القاسم الصفار
يفتي في المنع بقول أبي يوسف ومحمد، وفي السفر بقول أبي حنيفة. ثم قال: وهذا حسن في
الفتيا يعني بعد الدخول لا تمنع نفسها ولو منعت لا نفقة لها كما هو مذهبهما، ولا يسافر بها
ولها الامتناع منه لطلب المهر ولها النفقة كما هو مذهبه. كذا في غاية البيان. وقيد بقوله
للمهر لأنه ليس لها الامتناع منهما بعد قبضه، ولا فرق بين أن يطلب انتقالها إلى منزله في
المصر أو إلى بلد أخرى، أما الأول فليس لها الامتناع منه اتفاقا وسيأتي في النفقات بيان البيت
الشرعي وأنه يسكنها بين جيران صالحين وأنه يلزمه مؤنسة لها كما في الفتاوى السراجية.
وفي المحيط: لو وجدت المرأة المهر المقبوض زيوفا أو ستوقة أو اشترت منه بالمهر شيئا
فاستحق المبيع بعد القبض فليس لها أن تمنع نفسها عند أبي يوسف لأن عنده لو سلمت نفسها
من غير قبض لم يكن لها حق المنع فكذا هذا وليس هذا كالبيع اه‍. ولم يذكر قول الإمام.
وأما الثاني فإن نقلها من مصر إلى قرية أو من قرية إلى مصر أو من قرية إلى قرية، فظاهر ما
ذكره المصنف في الكافي أن له ذلك اتفاقا لأنه لا تتحقق الغربة فيه. وعلله أبو القاسم
الصفار بأنه تبوئة وليس بسفر. وذكر في القنية اختلافا في نقلها من المصر إلى الرستاق فعزا إلى

312
كتب أنه ليس له ذلك ثم عزا إلى غيرها أن له ذلك قال: وهو الصواب اه‍. وأما إذا طلب
انتقالها من مصرها إلى مصر أخرى فظاهر الرواية كما في الخانية والولوالجية أن ليس لها
الامتناع لقوله تعالى * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * (الطلاق: 6) وليس في
ظاهر الرواية تفصيل بين أن يكون مأمونا عليها أو لا. واختلفوا في المفتى به فذكر في جامع
الفصولين أن الفتوى على أنه له أن يسافر بها إذا أوفاها المعجل اه‍. فهذا إفتاء بظاهر الرواية،
وأفتى أبو القاسم الصفار وتبعه الفقيه أبو الليث بأنه ليس له أن يسافر بها مطلقا بغير رضاها
لفساد الزمان لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا خرجت؟ وصرح في المختار بأنه
لا يسافر بها وعليه الفتوى، وفي المحيط وهو المختار. وما في فصول الأستروشني معزيا إلى
ظهير الدين المرغيناني من أن الاخذ بقول الله تعالى أولى من الاخذ بقول الفقيه فقد رده في
غاية البيان بأن قول الفقيه ليس منافيا لقول الله تعالى لأن النص معلول بعدم الاضرار ألا ترى
إلى سياق الآية وهو قوله تعالى * (ولا تضاروهن) * (الطلاق: 6) وفي إخراجها إلى غير بلدها
إضرار بها فلا يجوز اه‍. وذكر الولوالجي أن جواب ظاهر الرواية كان في زمانهم، أما في
زماننا لا يملك الزوج ذلك فجعله من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان كما
قالوا في مسألة الاستئجار على الطاعات. وأفتى بعضهم بأنه إذا أوفاها المعجل والمؤجل
وكان مأمونا يسافر بها وإلا فلا، لأن التأجيل إنما يثبت بحكم العرف فلعلها إنما رضيت
بالتأجيل لأجل إمساكها في بلدها، أما إذا أخرجها إلى دار الغربة فلا. قال صاحب المجمع
في شرحه: وبه يفتى اه‍. فقد اختلف الافتاء والأحسن الافتاء بقول الفقيهين من غير
تفصيل، واختاره كثير من المشايخ كما في الكافي وعليه الفتوى وعليه عمل القضاة في
زماننا كما في أنفع الوسائل. وأشار المصنف بقوله ولها منعه إلى أنها بالغة، فلو كانت

313
صغيرة فللولي المنع المذكور حتى يقبض مهرها، وتسليمها نفسها غير صحيح فللولي
استردادها، وليس لغير الأب والجد أن يسلمها إلى الزوج قبل أن يقبض الصداق من له ولاية
قبضه، فإن سلمها فهو فاسد وترد إلى بيتها كما في التجنيس وغيره.
قوله: (وإن اختلفا في قدر المهر حكم مهر المثل) أي اختلف الزوجان في قدره بأن
ادعى ألفا وهي ألفين وليس لأحدهما بينة فإنه يجعل مهر المثل حكما، فإن كان مهر المثل
ألفا أو أقل فالقول قوله مع يمينه بالله ما تزوجتها على ألفين، فإن حلف لزمه ما أقر به
تسمية، وإن نكل لزمه ما ادعت المرأة على أنه مسمى لاقراره أو بذله بالنكول، وإن كان
ألفين أو أكثر فالقول قولها مع اليمين بالله ما تزوجته بألف كما في الولوالجية، أو بالله ما
رضيت بألف كما في شرح الطحاوي، فإن نكلت فلها ما أقر به الزوج تسمية لاقرارها
به، وإن حلفت فلها جميع ما ادعت بقدر ما أقر به الزوج على أنه مسمى لاتفاقهما عليه،
والزائد بحكم أنه مهر المثل لا باليمين حتى يتخير فيه الزوج بين الدراهم والدنانير. وإن
كان مهر مثلها أقل مما قالت وأكثر مما قال تحالفا، وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه. وما
وقع في النهاية من أن الزوج إذا نكل لزمه ألف وخمسمائة كأنه غلط من الناسخ، وإن
حلفا وجب مهر المثل بقدر ما أقر به الزوج يجب على أنه مسمى والزائد بحكم مهر المثل
حتى يتخير فيه بين دفع الدراهم والدنانير بخلاف الأول. وهذا قول أبي حنيفة ومحمد أعني
تحكيم مهر المثل وبناء الامر عليه، وأبو يوسف لا يحكمه ويجعل القول قول الزوج مع يمينه
إلا أن يأتي بشئ مستنكر لأن المرأة مدعية للزيادة وهو ينكرها. ولهما أن القول في
الدعاوي قول من يشهد له الظاهر والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل لأنه هو الموجب
الأصلي في باب النكاح: وصار كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الاجر تحكم
قيمة الصبغ. واختلفا في تفسير المستنكر عنده، فقيل هو المستنكر عرفا ما لا يتعارف مهرا
لها وصححه في الهداية والبدائع وشرح الجامع الصغير لقاضيخان، وذكر أنه مروي عنه،
وقيل هو المستنكر شرعا وهو أن يدعي تزوجها على أقل من عشرة دراهم وهو مروي عنه
كما في البدائع وصححه القاضي الأسبيجابي، وذكر الوبري أنه أشبه بالصواب لأنه ذكر في

314
كتاب الرجوع عن الشهادة لو ادعى أنه تزوجها على مائة وهي تدعي أنه تزوجها على ألف
ومهر مثلها ألف وأقام البينة ثم رجع الشهود لا يضمنون عند أبي يوسف لأنه لولا الشهادة
كان القول قوله، ولم يجعل المائة مستنكرا في حقها، واختاره في فتح القدير. وعبارة الجامع
الصغير: إلا أن يأتي بشئ قليل. وفي غاية البيان: ولفظ الجامع الصغير أبين اه‍. مع أن
الاحتمال موجود فيها أيضا لأنه يحتمل أن يكون المراد بالقليل ما قل شرعا أو عرفا فساوت
التعبير بالمستنكر المذكور في غيره. وظاهر كلام المصنف هنا أن تحكيم مهر المثل معتبر قبل
التحالف وهو مبني على تخريج أبي بكر الرازي، وحاصله أن التحالف على تخريجه في فصل
واحد وهو ما إذا خالف مهر المثل قولهما، وأما إذا وافق قول أحدهما فالقول قوله وهو
المذكور في الجامع الصغير لأنه لا حاجة إليه مع شهادة الظاهر. وذكر المصنف في باب
التحالف من كتاب الدعوى أنهما يتحالفان ثم يحكم مهر المثل وهو على تخريج الكرخي
وصححه في المبسوط والمحيط. وحاصله وجوب التحالف في الفصول الثلاثة أعني ما إذا
وافق مهر المثل قوله أو قولها أو خالفهما، فإذا تحالفا قضى بقوله لو كان مهر المثل كما قال،
وبقولها لو كان كما قالت، وبمهر المثل لو كان بينهما لأن مهر المثل لا يصار إليه إلا عند
سقوط التسمية وهي لا تسقط إلا بالتحالف، والظاهر لا يكون حجة على الغير، ولم أر من
صحح تخريج الرازي فكان المذهب تخريج الكرخي، فيحمل كلام المصنف هنا عليه ليطابق ما
صرح به في بابه. ولم يذكر المصنف في الموضعين بمن يبدأ في التحالف للاختلاف فذكر في
غاية البيان أنه يقرع بينهما يعني استحبابا لأنه لا رجحان لأحدهما على الآخر.
واختار في الظهيرية والولوالجية وشرح الطحاوي وكثير أنه يبدأ بيمين الزوج لأن أول
التسليمين عليه فيكون أول اليمينين عليه كتقديم المشتري على البائع في التحالف. والخلاف
في الأولوية حتى لو بدأ بأيهما كان جائزا كما في فتح القدير. وقيدنا بعدم إقامة البينة لأنه لو
قامت لأحدهما بينة قضى ببينته، وإنما سكت عنه المصنف هنا لأنه صرح به في بابه وعبارته:
وإن اختلفا في المهر قضى لمن برهن، وإن برهنا فللمرأة، وإن عجزا تحالفا إلى آخره إلا أن
قوله وإن برهنا فللمرأة شامل لما إذا كان مهر المثل شاهدا له أو لها أو بينهما، وفي الأول
البينة بينتها لأنها تثبت أمرا زائدا، وأما في الثاني ففيه اختلاف ذكره في البدائع. قال

315
بعضهم: يقضى ببينتها أيضا لأنها أظهرت شيئا لم يكن ظاهرا بتصادقهما، وأما الظهور بشهادة
مهر المثل فلا اعتبار به لما قدمنا أنه لا يكون حجة على الغير. وقال بعضهم: يقضى ببينة الزوج
لأن بينته تظهر حط الألف عن مهر المثل وبينتها لا تظهر شيئا لأن الألفين كانت ظاهرة بشهادة
مهر المثل، وهذا القول جزم به الزيلعي في باب التحالف وفي هذا الموضع. وأما في الثالث
وهو ما إذا كان بينهما فالصحيح أنهما يتهاتران لاستوائهما في الدعوى والاثبات ثم يجب مهر
المثل كله فيتخير فيه الزوج بين دفع الدراهم والدنانير بخلاف التحالف لأن بينة كل واحد منهما
تنفي تسمية صاحبه فخلا العقد عن التسمية فيجب مهر المثل ولا كذلك التحالف لأن وجوب
قدر ما يقربه الزوج بحكم الاتفاق والزائد بحكم مهر المثل. هكذا ذكره الكرماتي. وذكر
قاضيخان أنه يجب قدر ما اتفقا عليه على أنه مسمى والزائد على أنه مهر المثل كما في التحالف،
والظاهر الأول كما لا يخفى. وفي المحيط وقال محمد: رجل أقام بينة على أنه تزوج هذه المرأة
بألف وأقامت بينة أنه تزوجها على ألفين فالمهر ألف، ولو أقام رجل بينة أنه اشترى هذه الدار
بألف وأقام البائع بينة أنه باعها منه بألفين فهي بألفين. والفرق أن في البيع أمكن العمل بالبينتين
لاحتمال أنه اشترى منه أولا ثم اشتراها منه بألفين ثانيا كما سيأتي فيصح، لأن البيع يحتمل
الفسخ والنكاح لا يحتمل الفسخ وكل منهما ادعى عقدا غير ما ادعاه الآخر فتهاترت البينتان
ووجب لها الألف باعتراف الزوج اه‍. فإن كان هذا من محمد نقلا للمذهب لا قوله وحده
فمعنى قولهم وإن برهنا فللمرأة ما إذا شهدت بينته بأن المهر ألف وبينتها بأن المهر ألفان ولم تقع
الشهادة بالعقد، أما إذا وقعت بالعقد ومعه مسمى فقد علمت حكمه. وأطلق في القدر فشمل
النقد والمكيل والموزون لما في المحيط ولو كان المهر مكيلا أو موزونا بعينه فاختلفا في قدر المكيل
والموزون والمذروع فهو مثل الاختلاف في الألف والألفين لأنه اختلاف في الذات ألا ترى أن
إزالة البعض منه لا تنقص الباقي اه‍. وحاصل الاختلاف في القدر لا يخلو إما أن يكون المهر
دينا أو عينا، فإن كان دينا موصوفا في الذمة بأن تزوجها على مكيل موصوف أو موزون أو
مذروع كذلك فاختلفا في قدر المكيل والوزن والذرع فهو كالاختلاف في قدر الدراهم
والدنانير، وإن كان عينا، فإن كان مما يتعلق العقد بقدره، فإن تزوجها على طعام بعينه فاختلفا
في قدره فقال الزوج تزوجتك على هذا الطعام على أنه كر فقالت إنه كران فهو كالألف والألفين،
وإن كان مما لا يتعلق العقد بقدره بأن تزوجها على ثوب بعينه كل ذراع منه يساوي عشرة دراهم
فاختلفا فقال الزوج تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه ثمانية أذرع فقالت بشرط أنه عشرة أذرع
لا يتحالفان، ولا يحكم مهر المثل والقول قول الزوج بالاجماع. كذا في البدائع. وهذه

316
واردة على إطلاق المصنف، وجوابه أن القدر في الثوب وإن كان من أجزائه
حقيقة لكنه جار مجرى الوصف وهو صفة الجودة شرعا لأنه يوجب صفة الجودة لغيره من
الاجزاء، ولذا كان الزائد للمشتري فيما إذا باعه وعين قدرا فوجده أزيد والأصل أن ما
يوجب فوات بعضه نقصانا في البقية فهو كالوصف، كما علم في البيوع، وصرح به في
البدائع هنا. وقيد بالقدر لأنه لو اختلفا في جنس المهر أو نوعه أو صفته فإنه لا يخلو إما أن
يكون المسمى دينا أو عينا، فإن كان دينا فإن كان في الجنس كما إذا قال تزوجتك على عبد
فقالت على جارية، أو قال على كر شعير فقالت على كر حنطة، أو على ثياب هروية، أو قال
على ألف درهم وقالت على مائة دينار، أو كان في النوع كالتركي مع الرومي والدنانير المصرية
مع الصورية، أو كان في الصفة من الجودة والرداء فإن الاختلاف فيه كالاختلاف في العينين
إلا الدراهم والدنانير فإن الاختلاف فيها كالاختلاف في الألف والألفين لأن كل واحد من
الجنسين والنوعين والموصوفين لا يملك إلا التراضي بخلاف الدراهم والدنانير فإنهما وإن كانا
جنسين مختلفين لكنهما في باب مهر المثل جعلا كجنس واحد. وإن كان المسمى عينا بأن قال
تزوجتك على هذا العبد وقالت المرأة على هذه الجارية فهو كالاختلاف في الألف والألفين إلا
في فصل واحد وهو ما إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها
لأن تمليك الجارية لا يكون إلا بالتراضي ولم يتفقا على تمليكها فلم يوجد الرضا من صاحب
الجارية بتمليكها فتعذر التسليم فيقضي بقيمتها بخلاف ما إذا اختلفا في الدراهم والدنانير فإنه
نظير الاختلاف في الألف والألفين على معنى أن مهر مثلها إن كان مثل مائة دينار أو أكثر
فلها المائة دينار. كذا في البدائع أيضا. وذكر في المحيط الاختلاف في الجنس أو النوع أو
الصفة إن كان المسمى عينا فالقول قول الزوج، وإن كان دينا فهو كالاختلاف في الأصل اه‍.
يعني يجب مهر المثل ولا يخفى ما فيه من المخالفة لما في البدائع وفي الظهيرية: ولو اختلفا في
الوصف والقدر جميعا فالقول للزوج في الوصف، والقول للمرأة في القدر إلى تمام مهر مثلها.
وفي المحيط وغيره، لو تصادقا على مهر عين كالعبد ثم هلك عند الزوج فاختلفا في القيمة
فالقول قول من عليه الدين وهو الزوج. وفي الخانية: لو قالت المرأة تزوجتني على عبدك هذا
وقال الرجل تزوجتك على أمتي هذه وهي أم المرأة وأقاما البينة فالبينة بينة المرأة لأن بينتها قامت
على حق نفسها وبينة الزوج قامت على حق الغير وتعتق الأمة على الزوج بإقراره اه‍. وفي
الظهيرية: رجل وامرأة في أيديهما دار فأقامت المرأة البينة أن الدار لها والرجل عبدها وأقام
الرجل البينة أن الدار له والمرأة زوجته ولم تقم بينة أنه حر فالبينة بينة المرأة والدار والعبد لها ولا

317
نكاح بينهما، ولو أقامها أنه حر الأصل والمسألة بحالها يقضي بأنه حر والمرأة زوجته والدار
للمرأة لأنها خارجة، وهذه المسألة تناسب الدعوى إلى أن قال: لو أقام رجل بينة على امرأة
أنه تزوجها على ألف درهم وأقامت بينة أنه تزوجها على مائة دينار وأقام أبوها وهو عبد
الزوج أنه تزوجها على رقبته وأقامت أمها وهي أمة الزوج أنه تزوجها على رقبتها فالبينة بينة
الأب والام والنكاح جائز على نصف رقبتهما لأن بينتهما توجب المهر والحرية فكانت بينتهما
أكثر إثباتا فكانت أولى، فإن كان القاضي قضى للمرأة بمائة دينار ثم ادعى الأب والمسألة
بحالها فالقاضي يقضي بأن الأب صداقها ويعتق من مالها ويبطل القضاء الأول، ولو قضى
بعتق الأب من مال ابنته ثم أقامت أمها بينة أنه تزوجها على رقبتها لا تقبل لأن في قول بينتها
إبطال عتق الأب اه‍. وهو ملحق بالأصل إلا المسألة الأولى.
قوله: (والمتعة لو طلقها قبل الوطئ) أي حكمت المتعة فإن شهدت لأحدهما فالقول
قوله مع يمينه، وإن كانت بين نصف ما يدعيه ونصف ما تدعيه المرأة حلف كل واحد منهما
كما في حال قيام النكاح. وعند أبي يوسف القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشئ
مستنكر كما قدمناه، وهذا على رواية الجامع الكبير وهو قياس قولهما. وفي رواية الجامع
الصغير: والأصل القول قول الزوج في نصف المهر من غير تحكيم للمتعة. وفي الهداية:
ووجه التوفيق أنه وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في
العادة فلا يفيد تحكيمها. ووضعها في الجامع الكبير في العشرة والمائة ومتعة مثلها عشرون
فيفيد التحكيم، والمذكور في الجامع الصغير ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور
في الأصل اه‍. وصحح في البدائع وشرح الطحاوي أنه يتنصف ما قال الزوج، ورجحه في
فتح القدير بأن المتعة موجبة فيما إذا لم يكن فيه تسمية وهنا اتفقا على التسمية فقلنا ببقاء ما
اتفقا عليه وهو نصف ما أقربه الزوج ويحلف على نفي دعواها الزائد، وأراد بتحكيم المتعة
فيما إذا كان المسمى دينا، أما إذا كان عينا كما في مسألة العبد والجارية فلها المتعة من غير
تحكيم إلا أن يرضى الزوج أن تأخذ نصف الجارية بخلاف ما إذا اختلفا في الألف والألفين
لأن نصف الألف ثابت بيقين لاتفاقهما على تسمية الألف، والملك في نصف الجارية ليس
بثابت بيقين لأنهما لم يتفقا على تسمية أحدهما فلا يمكن القضاء بنصف الجارية إلا باختيارهما،
فإذا لم يوجد سقط البدلان فوجب الرجوع إلى المتعة. كذا في البدائع.

318
قوله: (ولو في أصل المسمى يجب مهر المثل) أي ولو اختلفا في أصل المسمى بأن ادعاه
أحدهما ونفاه الآخر فإنه يجب مهر المثل اتفاقا والمتعة إن طلقها قبل الدخول اتفاقا، أما عندهما
فظاهر لأن أحدهما يدعي التسمية والآخر ينكره فالقول قول المنكر، وكذا عند أبي يوسف لتعذر
القضاء بالمسمى بخلاف ما تقدم لأنه أمكن القضاء بالمتفق وهو الأقل ما لم يكن مستنكرا. وقوله
في الهداية لأن مهر المثل هو الأصل عند أبي حنيفة ومحمد مشكل لأنه قدم قبله أن المسمى هو
الأصل عند محمد وإنما مهر المثل هو الأصل عند الإمام فقط. كذا ذكره الشارحون. وجوابه أنه
الأصل في التحكيم عندهما كما مر في الاختلاف في حياتهما وبعد موت أحدهما سواء كان في الأصل
أو في القدر، فحكم الاختلاف بعد موت أحدهما في القدر كهو في حياتهما كما في المحيط،
وأما في الأصل فقال في التبيين: ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه كالجواب
في حياتهما بالاتفاق لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما وكذا لو طلقها قبل الدخول
اه‍. يعني تحكم المتعة. وفي البزازية: ادعت المسمى بعد موته فأقر الوارث به لكن قال لا
أعرف قدره حبس، وظاهر كلام المصنف أنه يجب مهر المثل بالغا ما بلغ وليس كذلك، بل لا
يزاد على ما ادعته المرأة لو كانت هي المدعية للتسمية ولا ينقص عما ادعاه الزوج لو كان هو
المدعى لها كما أشار إليه في البدائع، ولم يتعرض الشارحون للتحليف. وذكر صدر الشريعة أنه
يحلف عندهما، فإن نكل ثبت المسمى، وإن حلف المنكر وجب مهر المثل، وأما عند أبي حنيفة
ينبغي أن لا يحلف المنكر لأنه لا تحليف عنده في النكاح فيجب مهر المثل اه‍. وفيه نظر لأن
التحليف هنا على المال لا على أصل النكاح فيتعين أن يحلف منكر التسمي إجماعا ولهذا سكتوا

319
عنه لظهوره. وفي جامع الفصولين: ادعت مهرها بعد موته فادعى الوارث الخلع قبل الموت
بعد إنكار أصل النكاح لا تسمع، وإن ادعى الابراء ففيها أقوال، ثالثها إن ادعى الابراء عن
المهر لا تسمع وإن ادعى الابراء عن دعوى المهر تسمع اه‍.
قوله: (ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته) أي لو مات الزوجان واختلف ورثتهما
فالقول لورثة الزوج، سواء كان في القدر أو في الأصل، فإن كان في القدر لزم ما اعترفوا
به، وإن كان في الأصل بأن أدعى ورثتها المسمى وأنكره ورثته فلا شئ عليهم. وهذا عند
الإمام، عندهما الاختلاف بعد موتهما كالاختلاف في حياتهما، فإن اختلفا في القدر قال
محمد: يقضى بمهر المثل. وقال أبو يوسف: القول لورثة الزوج، وإن اختلفا في الأصل
يقضى بمهر المثل إذا كان النكاح ظاهرا إلا إذا أقامت ورثته البينة على إيفاء المهر أو على
إقرارها به أو إقرار ورثتها به لأنه كان دينا في ذمته فلا يسقط بالموت كالمسمى، فإن علم أنها
ماتت أولا سقط نصيبه منه وما بقي فلورثتها. وله أن موتهما يدل على انقراض أقرانها فبمهر
من يقدر القاضي مهر المثل. كذا في الهداية. وهذا يدل على أن المسألة مصورة في التقادم،
فلو كان العهد قريبا قضى به وعلى أنه لو أقيمت البينة على المهر قضى بها على ورثة الزوج
وقد صرح بالثاني في المحيط وشرح الطحاوي. وعبارة المحيط قال أبو حنيفة: لا أقضي
بشئ حتى يثبت بالبينة أصل التسمية. وبهذا اندفع ما علل به بعض المشايخ له من أن مهر
المثل من حيث هو قيمة البضع يشبه المسمى، ومن حيث إنه يجب بغير شرط يشبه النفقة
والصلة، فباعتبار الشبه الأول لم يسقط بموت أحدهما، وباعتبار الشبه الثاني يسقط فسقط
بموتهما فإنه يقتضي أنه لا تسمع البينة عليه بعد موتهما لسقوطه أصلا، والمنصوص عن

320
الإمام خلافه كما علمت ولذا قال في فتح القدير: إن تعليل الهداية أوجه، وفي فتاوى
قاضيخان الفتوى على قولهما، وفي المحيط قال مشايخنا: هذا كله إذا لم تسلم المرأة نفسها،
فإن سلمت نفسها ثم وقع الاختلاف في حيال الحياة أو بعد الممات فإنه لا يحكم بمهر المثل
لأنا نعلم أن المرأة لا تسلم نفسها من غير أن تتعجل من مهرها شيئا عادة فيقال لها لا بد أن
تقري بما تعجلت وإلا قضينا عليك بالمتعارف، ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا اه‍. وأقره عليه
الشارحون، ولا يخفى أن محله فيما إذا ادعى الزوج إيصال شئ إليها، أما لو لم يدع فلا
ينبغي ذلك. وفي المحيط معزيا إلى النوادر: وامرأة ادعت على زوجها بعد موته أن لها عليه
ألف درهم من مهرها فالقول قولها إلى تمام مهر مثلها عند أبي حنيفة لأن مهر المثل يشهد لها
اه‍. وهذا يخالف ما ذكره المشايخ سابقا. وفي الخلاصة من الفصل الثاني عشر من كتاب
الدعوى: امرأة ادعت على وارث زوجها مهرها فأنكر الوارث يوقف قدر مهر مثلها ويقول له
القاضي أكان مهر مثلها كذا أعلى من ذلك؟ إن قالوا لا قال: أكان كذا دون ما قال في المرة
الأولى إلى أن ينتهي إلى مقدار مهر مثلها اه‍.
قوله: (ومن بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقال هو من المهر فالقول قوله في
غير المهيأ للاكل) لأنه المملك فكان أعرف بجهة التمليك كيف وإن الظاهر أنه يسعى في
إسقاط الواجب إلا فيما يتعارف هدية وهو المهيأ للاكل لأنه متناقض عرفا. وفسر الإمام
الولوالجي المهيأ للاكل بما لا يبقى ويفسد فخرج نحو التمر والدقيق والعسل فإن القول فيه
قوله اه‍. ودخل تحت غير المهيأ للاكل الثياب مطلقا فالقول فيها قوله. وقال الفقيه أبو
الليث: المختار أن ما كان من متاع سوى ما يجب عليه فالقول له وإلا فلها كالدرع والخمار
ومتاع البيت لأن الظاهر يكذبه، والخف والملاءة لا تجب عليه لأنه ليس عليه أن يهئ لها أمر
خروجها. كذا في غاية البيان. وفي فتح القدير: ثم كون الظاهر يكذبه في نحو الدرع

321
والخمار إنما ينفي احتسابه من المهر لا من شئ آخر كالكسوة اه‍. وهذا البحث موافق لما في
الجامع الصغير فإنه قال: إلا في الطعام الذي يؤكل فإنه أعم من المهيأ للاكل وغيره. وفيه
أيضا: والذي يجب اعتباره في ديارنا أن جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر
والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة لأن المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية،
والظاهر مع المرأة لا معه، ولا يكون القول له إلا في نحو الثياب والجارية. وهذا كله إذا لم
يذكر وقت الدفع جهة أخرى غير المهر فإن ذكر وقال اصرفوا بعض الدنانير إلى الشمع
وبعضها إلى الحناء لا يقبل قوله بعد ذلك أنه من المهر كما في القنية. وأشار المصنف إلى أنه
لو بعث إليها ثوبا وقال هو من الكسوة وقالت هدية فإن القول قوله والبينة بينتها. كذا في
الخلاصة من كتاب الدعوى. وهذا يدل على أن البينة بينتها في مسألة الكتاب أيضا لعدم
الفرق بينهما. وأراد بكون القول قوله في المختصر أن يحلف فإن حلف إن كان المتاع قائما
كان للمرأة أن ترد المتاع لأنها لم ترض بكونه مهرا وترجع على الزوج بما بقي من المهر، وإن
كان المتاع هالكا إن كان شيئا مثليا ردت على الزوج مثل ذلك، وإن لم يكن مثليا لا ترجع على
الزوج بما بقي من المهر. كذا في الخانية. وهذا إذا لم يكن من جنس المهر، فإن كان من
جنسه وقع قصاصا كما لا يخفى. وصرح في معراج الدراية أن فيما كان القول فيه قولها وهو
المهيأ للاكل فإنه مع يمينها، وإن كان العرف شاهدا لها.
وأشار المصنف إلى أن الزوج لو بعث إليها هدايا وعوضته المرأة ثم زفت إليه ثم فارقها
وقال بعثتها إليك عارية وأراد أن يسترده وأرادت هي أن تسترد العوض فالقول قوله في
الحكم لأنه أنكر التمليك، وإذا استرده تسترد هي ما عوضته. كذا في الفتاوى السمرقندية.
وفي فتح القدير: ولو بعث هو وبعث أبوها له أيضا ثم قال هو من المهر فللأب أن يرجع في

322
هبته إن كان من مال نفسه وكان قائما، وإن كان هالكا لا يرجع، وإن كان من مال البنت بإذنها
فليس لها الرجوع لأنه هبة منها وهي لا ترجع فيما وهبت لزوجها اه‍. ويفرق بين هذا وبين ما
سبق أن في الأول التعويض منها كان بناء على ظنها التمليك منه وقد أنكره فلم يصح التعويض
فلم يكن هبة منها فلها الاسترداد، وفي الثانية حصل التمليك فصح التعويض فلا رجوع لها،
وقد يقال التعويض على ظن الهبة لا مطلقا وقد أنكرها فينبغي أن ترجع. وقيد المصنف بكونه
ادعاه مهرا لأنها لو ادعت أنه من المهر وقال هو وديعة فإن كان من جنس المهر فالقول قولها،
وإن كان من خلافه فالقول قوله. وأطلق في البعث فشمل ما إذا اشترى لها شيئا بعد ما بنى بها
بأمرها أو دفع إليها دراهم حتى اشترت هي، صرح به في التجنيس وفيه: لو قالت له أنفق على
مماليكي من مهري ففعل ثم قالت لا أحسبه منه لأنك استخدمتهم، فما أنفق عليهم بالمعروف
فهو من المهر. ولو بعث إليها بقرة عند موت أبيها فذبحتها وأطعمتها فطلب قيمتها فإن اتفقا أنه
لم يذكر قيمة ليس له الرجوع، وإن اتفقا على ذكر الرجوع بالقيمة فله الرجوع، وإن اختلفا
فالقول لها. واختار قاضيخان أن القول قول الزوج لأنها تدعي الاذن بالاستهلاك بغير عوض
وهو ينكر فالقول له كمن دفع إلى غيره دراهم فأنفقها ثم ادعى أنها قرض وقال القابض إنها هبة

323
فالقول قول صاحب الدراهم اه‍. وفي فتاوى قاضيخان: لو جاء إلى بيته بقطن فغزلته المرأة
فإن قال: اغزليه لي فهو له ولا أجر لها، وإن قال اغزليه لنا فهو له ولها أجر مثلها، وإن قال
اغزليه فهو له، وإن قال اغزليه لنفسك فهو لها، وإن اختلفا فقالت قلت اغزليه لنفسك
وكذبها فالقول قوله مع يمينه، وإن نهاها عن غزله فغزلته كان لها لأنها غاصبة وله عليها مثل
قطنه، وإن اختلفا في النهي فالقول له وإن لم ينه ولم يأذن فغزلته إن كان بياع القطن فهو لها
وعليها مثل قطنه وإلا فهو له إلى أخر ما في الفتاوى. وههنا فروع ذكروها في الفتاوى لا
بأس بإيرادها فإنها مهمة: الأول لو خطب امرأة في بيت أخيها فأبى الأخ إلا أن يدفع إليه
دراهم فدفع ثم تزوجها كان للزوج أن يسترد ما دفع له. الثاني لو خطب ابنة رجل فقال
أبوها إن نقدت إلى المهر كذا أزوجها منك ثم بعد ذلك بعث بهدايا إلى بيت الأب ولم يقدر
على أن ينقد المهر ولم يزوجه فأراد أن يرجع قالوا: ما بعث للمهر وهو قائم أو هالك
يسترده، وكذا كل ما بعث هدية وهو قائم، فأما الهالك والمستهلك فلا شئ فيه. الثالث لو
أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها إذ انقضت عدتها فلما انقضت أبت ذلك إن
شرط في الانفاق التزوج كأن يقول أنفق بشرط أن تتزوجيني يرجع زوجت نفسها أو لا،
وكذا إذا لم يشترط على الصحيح، وقيل لا يرجع إذا زوجت نفسها وقد كان شرطه وصحح
أيضا، وإن أبت ولم يكن شرطه لا يرجع على الصحيح.

324
والحاصل أن المعتمد ما ذكره العمادي في فصوله أنها إن تزوجته لا رجوع مطلقا، وإن
أبت فله الرجوع إن كان دفع لها وإن أكلت معه فلا مطلقا. الرابع مسألة الجهاز وفيه
مسألتان: الأولى قال في المبتغى بالغين المعجمة: من زفت إليه امرأته بلا جهاز فله مطالبة
الأب بما بعث إليه من الدنانير والدراهم، وإن كان الجهاز قليلا فله المطالبة بما يليق بالمبعوث
يعني إذا لم تجهر بما يليق بالمبعوث فله استرداد ما بعث، والمعتبر ما يتخذ للزوج لا ما يتخذ
لها، ولو سكت بعد الزفاف طويلا ليس له أن يخاصمه بعده وإن لم يتخذ له شئ. ولو جهز
ابنته وسلمه إليها ليس له في الاستحسان استرداده منها وعليه الفتوى، ولو أخذ أهل المرأة
شيئا عند التسليم فللزوج أن يسترده لأنه رشوة. الثانية لو جهز بنته ثم ادعى أن ما دفعه لها
عارية وقالت تمليكا أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه وقال الأب عارية، ففي فتح
القدير والتجنيس والذخيرة المختار للفتوى أن القول للزوج ولها إذا كان العرف مستمرا أن
الأب يدفع مثله جهازا لا عارية كما في ديارنا، وإن كان مشتركا فالقول قول الأب. وقال
قاضيخان: وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان الأب من الاشراف والكرام لا
يقبل قوله أنه عارية، وإن كان الأب ممن لا يجهز البنات بمثل ذلك قبل قوله اه‍. والواقع في
ديارنا القاهرة أن العرف مشترك فيفتى بأن القول للأب، وإذا كان القول للزوج في المسألة
الأولى فأقام الأب بينة قبلت. قال في التجنيس والولوالجية والذخيرة: والبينة الصحيحة أن
يشهد عند التسليم إلى المرأة أني إنما سلمت هذه الأشياء بطريق العارية أو يكتب نسخة
معلومة ويشهد الأب على إقرارها أن جميع ما في هذه النسخة ملك والدي عارية في يدي منه
لكن هذا يصلح للقضاء لا للاحتياط لجواز أنه اشترى لها بعض هذه الأشياء في حالة الصغر
فبهذا الاقرار لا يصير الأب صادقا فيما بينه وبين الله تعالى، والاحتياط أن يشتري منها ما في
هذه النسخة بثمن معلوم ثم إن البنت تبرئه عن الثمن اه‍. ومن فروع الجهاز لو زوج ابنته
البالغة وجهزها بأمتعة معينة ولم يسلمها إليها ثم فسخ العقد وزوجها من آخر فليس لها
مطالبة الأب بذلك الجهاز لأن التجهيز تمليك فيشترط فيه التسليم، ولو كان لها على أبيها دين
فجهزها أبوها ثم قال جهزتها بدينها علي وقالت بل بمالك فالقول للأب، وقيل للبنت. ولو
دفع إلى أم ولده شيئا لتتخذه جهازا للبنت ففعلت وسلمته إليها لا يصح تسليمها. صغيرة

325
نسجت جهازا بمال أمها وأبيها وسعيها حال صغرها وكبرها فماتت أمها فسلم أبوها جميع
الجهاز إليها فليس لإخوتها دعوى نصيبهم من جهة الام. امرأة نسجت في بيت أبيها شيئا
كثيرا من إبر يسم كان يشتريه أبوها ثم مات الأب فهذه الأشياء لها باعتبار العادة، ولو دفعت
في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الأب بحضرته وعلمه وكان ساكتا وزفت إليه أي إلى الزوج
فليس للأب أن يسترد ذلك من بنته، وكذا لو أنفقت الام في جهازها ما هو معتاد والأب
ساكت لا تضمن. الكل في القنية في باب تجهيز البنات. وبهذا يعلم أن الأب أو الام إذا
جهز بنته ثم مات فليس لبقية الورثة على الجهاز سبيل لكن هل هذا الحكم المذكور في الأب
يتأتى في الام والجد، فلو جهزها جدها ثم ماتت وقال ملكي وقال زوجها ملكها صارت
واقعة الفتوى ولم أر فيها نقلا صريحا.
قوله: (ولو نكح ذمي ذمية بميتة أو بغير مهر وذا جائز عندهم فوطئت أو طلقت قبله
أو مات عنها فلا مهر لها وكذا الحربيان ثم) بيان لمهور الكفارة بعد بيان مهور المسلمين
وسيأتي بيان أنكحتهم. فقوله في غاية البيان إن هذا بيان لأنكحتهم سهو، وحاصله أن
نكاحهم مشروع بغير مهر وبمسمى غير مال حيث كانوا يعتقدونه عند أبي حنيفة لا فرق عنده
بين أهل الذمة وأهل الحرب في دار الحرب، وهما وافقاه في أهل الحرب وقالا في الذمية لها
مهر مثلها إن مات عنها أو دخل بها، والمتعة إن طلقها قبل الدخول. وزفر أوجب مهر المثل
في الكل لأن الشرع وقع عاما فيثبت الحكم على العموم، ولهما أن أهل الحرب غير ملتزمين
أحكام الاسلام وولاية الالزام منقطعة بتباين الدارين بخلاف أهل الذمة لأنهم التزموا أحكامنا
فيما يرجع إلى المعاملات كالزنا والربا وولاية الالزام متحققة لاتحاد الدارين، ولأبي حنيفة أن
أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات وولاية
الالزام بالسيف والمحاجة وكل ذلك منقطع عنهم باعتبار عقد الذمة فإنا أمرنا بتركهم وما
يدينون فصاروا كأهل الحرب بخلاف الزنا لأنه حرام في الأديان كلها، والربا مستثنى من
عقودهم لقوله عليه السلام إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهدا. أطلق في الذمي فشمل
الكتابي والمجوسي، وأراد بالميتة كل ما ليس بمال كالدم، واختلف في قوله أو بغير مهر
فقيل المراد به ما إذا نفياه، أما إذا سكتا عنه فإنه يجب مهر المثل، والأصح أنه لا فرق عنده

326
بين نفيه والسكوت عنه كما في الهداية. وفي فتح القدير: إن ظاهر الرواية وجوب مهر المثل
عنده إذا سكتا عنه مخالفا لما في الهداية لأن النكاح معاوضة فما لم ينص على نفيه يكون
مستحقا لها. والواو في قوله وذا جائز للحال وقوله فلا مهر جواب المسألة، وضبط في
غاية البيان إلا من أربى أنه حرف التنبيه لا استثناء. وقيد المصنف بالمهر لأن بقية أحكام
النكاح ثابتة في حقهم كالمسلمين من وجوب النفقة في النكاح ووقوع الطلاق والعدة
والتوارث بالنكاح الصحيح كالنسب وثبوت خيار البلوغ وحرمة نكاح المحارم والمطلقة ثلاثا
كما في التبيين، وظاهره أنه متفق عليه. وأما الكفاءة ففي الخانية أن الذمية إذا زوجت
نفسها رجلا لم يكن لوليها حق الفسخ إلا أن يكون أمرا ظاهرا بأن زوجت بنت ملكهم أو
حبرهم نفسها كناسا أو دباغا منهم أو نقصت من مهرها نقصانا فاحشا كان لأوليائها أن
يطالبوه بالتبليغ إلى تمام مهر المثل أو يفسخ اه‍. وفائدة عدم المهر في هذه المسائل أنهما لو
أسلما أو أحدهما أو ترافعا أو أحدهما إلينا لا نحكم به، ومسألة خطاب الكفار وتفاصيلها
أصولية لم تذكر عن أبي حنيفة وأصحابه وإنما هي مستنبطة، وتمامه في كتابنا المسمى بلب
الأصول.
قوله: (ولو تزوج ذمي ذمية بخمر أو خنزير عين فأسلما أو أسلم أحدهما لها الخمر
والخنزير وفي غير العين لها قيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير) بيان لما إذا سميا ما هو مال
عندهما وليس بمال عندنا. وحاصله أن التسمية صحيحة ولها المسمى فإن قبضته صح،
وإن لم تقبضه حتى أو أسلما أحدهما فهو عى وجهين: إما أن يكون ذلك المسمى معينا أو
غير معين. فإن كان معينا فليس لها إلا هو قيميا كان أو متليا، وإن كان غير معين فلها
القيمة في المثلي ومهر المثل في القيمي. وهذه كله عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: لها
مهر المثل في الوجهين. وقال محمد: لها القيمة في الوجهين. وجه قولهما أن القبض مؤكد
للملك في المقبوض فيكون له شبه بالعقد فيمتنع بسبب الاسلام كالعقد وصار كما إذا كانا
بغير أعيانهما، وأما إذا التحقت حالة القبض بحالة العقد فأبو يوسف يقول لو كانا مسلمين
وقت العقد يجب مهر المثل فكذا هنا، ومحمد يقول صحت التسمية لكون المسمى مالا

327
عندهم إلا أنه امتنع التسليم للاسلام فيجب القيمة كما إذا هلك العبد المسمى قبل القبض،
ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد لهذا يملك التصرف فيه وبالقبض
ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها وذلك لا يمتنع بالاسلام كاسترداد الخمر المغصوب،
وفي غير المعين القبض موجب ملك العين فيمتنع بالاسلام بخلاف المشتري لأن ملك
التصرف إنما يستفاد فيه بالقبض، وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في
الخنزير لأنه من ذوات القيم فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه ولا كذلك الخمر لأنه من ذوات
الأمثال، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة قبل الاسلام تجبر على القبول في الخنزير دون الخمر.
ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة، ومن أوجب القيمة أوجب
نصفها. وفي الغاية: ويرد على هذا ما لو اشترى ذمي دارا من ذمي بخمر أو خنزير
وشفيعها مسلم يأخذ بالشفعة بقيمة الخمر والخنزير فلم تجعل قيمة الخنزير كعينه ولم يجب
عنه بشئ. وأجاب عنه في التبيين أن قيمة الخنزير إنما تكون كعينه أن لو كان بدلا عن
الخنزير كما في مسألة النكاح، أما لو كان بدلا عن غيره فلا. وفي مسألة الشفعة قيمة
الخنزير بدل عن الدار المشفوعة، وإنما صير إليها للتقدير بها لا غير فلا يكون لها حكم
عينه. وأفاد بقوله لها في المعين المسمى أنه لو كان طلقها قبل الدخول فإن لها نصفه والله
تعالى أعلم.

328
باب نكاح الرقيق
ذكره بعد نكاح الأحرار المسلمين مقدما على نكاح الكفار لأن الاسلام فيهم غالب.
والرقيق في اللغة العبد ويقال للعبيد. كذا في المغرب. والمراد به هنا المملوك من الآدمي
لأنهم قالوا: إن الكافر إذا أسر في دار الحرب فهو رقيق لا مملوك، وإذا أخرج فهو مملوك
أيضا، فعلى هذا فكل مملوك من الآدمي رقيق لا عكسه قوله: (لم يجز نكاح العبد والأمة
والمكاتب والمدبر وأم الولد إلا بإذن السيد) أي لا ينفذ فالمراد بعدم الجواز عدم النفاذ لا عدم
الصحة بقرينة سابقه في فصل الوكالة بالنكاح حيث صرح بأنه موقوف كعقد الفضولي لقوله
عليه السلام أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر حسنه الترمذي. والعهر الزنا وهو
محمول على ما إذا وطئ بمجرد العقد وهو زنا شرعي لا فقهي فلم يلزم منه وجوب الحد لأنه
مترتب على الزنا الفقهي كما سيأتي، ولان في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذا النكاح عيب فيهما
فلا يملكانه بدون إذن مولاهما، وكذلك المكاتب لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق
الكسب فبقي في حق النكاح على حكم الرق ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده ويملك
تزويج أمته لأنه من باب الاكتساب، وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون أذن المولى
وتملك تزويج أمتها لما قلنا، وكذا المدبر وأم الولد لأن الملك فيهما قائم. ودخل في المكاتب
معتق البعض لا يجوز نكاحه عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز لأنه حر مديون. ودخل في أم
الولد ابنها أي ابنها من غير مولاها كما إذا زوج أم ولده من غيره فجاءت بولد من زوجها
فحكمه حكم أمه، وأما ولدها من مولاها فحر. ويستثنى من قولهم ابن أم الولد من غير
المولى كأمه مسألة ذكرها في المبسوط من باب الاستيلاد: لو اشترى ابن أم ولد له من غيره
بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية مع
الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر وولدها من غيره له بيعه ا ه‍. إلا أن يقال: إنها
حين ولدته لم تكن أم ولد له فلا استثناء، وأطلق في نكاحه فشمل ما إذا تزوج بنفسه وما إذا
زوجه غيره، وقيد بالنكاح لأن التسري للعبد والمكاتب والمدير حرام مطلقا. كذا في شرح

329
الطحاوي. وقال في فتح القدير: فرع مهم للتجار ربما يدفع لعبده جارية ليتسرى بها ولا
يجوز للعبد أن يتسرى أصلا أذن له مولاه أو لم يأذن، لأن حل الوطئ لا يثبت شرعا إلا
بملك اليمين أو عقد النكاح وليس للعبد ملك يمين فانحصر حل وطئه في عقد النكاح ا ه‍.
وشمل السيد الشريكين فلا يجوز نكاح المشترك إلا بإذن الكل لما في الظهيرية: لو زوج أحد
الموليين أمته ودخل بها الزوج فللآخر النقض، فإن نقض فله نصف مهر المثل وللزوج الأقل
من نصف مهر المثل ومن نصف المسمى ا ه‍. وشمل ورثة سيد المكاتب لما في التجنيس: إذا
أذن الورثة للمكاتب بالنكاح جاز لأنهم لم يملكوا رقبته لأنه صار كالحر ولكن الولاء لهم
ا ه‍. وبهذا علم أن السيد هنا من له ولاية تزويج الرقيق ولو غير مالك له ولهذا كان للأب
والجد والقاضي والوصي تزويج أمة اليتيم، وليس لهم تزويج العبد لما فيه من عدم المصلحة
وملك المكاتب والمفاوض تزويج الأمة ولا يملكان تزويج العبد لما ذكرنا فخرج العبد المأذون
والمضارب وشريك العنان فإنهم لا يملكون تزويج الأمة أيضا خلافا لأبي يوسف. وفي جامع
الفصولين: القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب وقنه وإن لم يكن له مال ويملك أن يكاتبهما
وأن يبيعهما ا ه‍. وفي الظهيرية: الوصي لو زوج أمة اليتيم من عبده لا يجوز والأب إذا
زوج جارية ابنه من عبد ابنه جاز عند أبي يوسف خلافا لزفر ا ه‍. وهذا يستثنى من قولهم لا
يجوز للأب تزويج عبد الابن بأن يقال: إلا من جارية الابن. لكن في المبسوط: لا يجوز
في ظاهر الرواية فلا استثناء. ثم اعلم أن نكاح العبد حالة التوقف سبب للحال متأخر
حكمه إلى وقت الإجازة فالإجازة ظهر الحل من وقت العقد كالبيع الموقوف سبب للحال،
فإذا زال المانع من ثبوت الحكم بوجود الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده وقد ملك
الزوائد بخلاف تفويض الطلاق الموقوف لا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة، ولا يستند
لأنه مما يقبل التعليق فجعل الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت للحال

330
بخلاف الأولين لعدم صحة تعليقهما، وهذا هو الضابط فيما يستند وما يقتصر من
الموقوف.
قوله: (فلو نكح عبد بإذنه بيع في مهرها) أي بإذن السيد لأنه دين وجب في رقبة
العبد لوجود سببه من أهله وقد ظهر في حق المولى لصدور الاذن من جهته فيتعلق برقبته دفعا
للمضرة عن أصحاب الديون كما في دين التجارة فيباع فيه إلا إذا فداه المولى لحصول المقصود
وهو دفع المضرة عن صاحب الدين: وأفاد المصنف باقتصاره على البيع المنصرف إلى مرة
واحدة أنه لو بيع فلم يف ثمنه بالمهر لا يباع ثانيا ويطالب بالباقي بعد العتق، وفي دين النفقة
يباع مرة بعد أخرى لأنها تجب شيئا فشيئا. وفي المبسوط: فإذا اجتمع عليه من النفقة ما
يعجز عن أدائه يباع فيه ثم إذا اجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع فيه أيضا، وليس في شئ
من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد أخرى إلا النفقة لأنه يتجدد وجوبها بمضي الزمان وذلك
في حكم دين حادث ا ه‍. وهو يفيد أنه لو اجتمع عليه مثلا مائتان فبيع بمائة لا يباع ثانيا
للنفقة المتجمدة وإنما يباع لما سيأتي وستزداد وضوحا في النفقات إن شاء الله تعالى. وعلل في
معراج الدراية لعدم تكرار بيعه في المهر بأنه بيع في جميع المهر فيفيد أنه لو بيع في مهرها
المعجل ثم حل الاجل يباع مرة أخرى لأنه إنما بيع في بعضه، وظاهر كلامهم في المأذون
المديون أنه يباع لأجل الدين القليل فكذلك يباع لأجل المهر القليل حيث لم يفده، وأشار
بالبيع إلى أنه لو مات العبد سقط المهر والنفقة. ذكره التمرتاشي. وأطلقه فشمل ما إذا دخل
العبد بها أو لا، وقيدنا بالاذن لأنه لو نكح بغير إذن فإن لم يدخل فلا حكم له، وإن دخل
فلا يخلو إما أن يفرق بينهما المولى بعده أو يجيز النكاح، فإن فرق بينهما فلا مهر لها عليه
حتى يعتق لأنه دين لم يظهر في حق المولى فصار كدين أقربه العبد، وإن أجازه المولى بعده
فالقياس أن يجب مهران مهر بالدخول ومهر بالإجازة كما في النكاح الفاسد إذا جدده
صحيحا، وفي الاستحسان لا يلزمه إلا المسمى لأن مهر المثل لو وجب لوجب باعتبار العقد

331
وحينئذ يجب بعقد واحد مهران وإنه ممتنع. كذا في المحيط وغيره. ودل كلامه أن السيد لو
زوجه بنفسه فإنه يباع بالأولى. وفي القنية: باع عبده بعد ما زوجه امرأة فالمهر في رقبة الغلام
يدور معه أينما دار هو الصحيح كدين الاستهلاك، وقيل المهر في الثمن ا ه‍. وكل من
القولين مشكل لأنهم جعلوا المهر كدين التجارة وقد نقلوا في باب المأذون أن السيد إذا باع
المديون بغير رضا أصحاب الديون ردوا البيع وأخذوه، وإن كان المشتري غيب العبد فهم
بالخيار، إن شاؤوا ضمنوا السيد قيمته أو ضمنوا المشتري قيمته أو أجازوا البيع وأخذوا الثمن
فكذلك هنا، وليس دين الاستهلاك مخالفا لدين التجارة فإنه يباع في الكل. وفي القنية أيضا:
زوج عبده حرة ثم أعتقه تخير في تضمين المولى أو العبد ثم رقم آخر أن المولى يضمن الأقل
من قيمته ومن مهرها ا ه‍.
وفي فتاوى قاضيخان: زوج عبده امرأة بألف درهم ثم باعه منها بتسعمائة درهم بعد
ما دخل العبد بها فإنها تأخذ التسعمائة بمهرها ويبطل النكاح ولا ترجع المرأة بالمائة الباقية على
العبد وإن عتق، ولو كان على العبد لرجل آخر دين ألف درهم فأجاز الغريم بيع العبد من
المرأة كان التسعمائة بين الغريم والمرأة يضرب الغريم فيها بألف درهم والمرأة بألف درهم ولا
تتبعه المرأة بعد ذلك ويتبعه الغريم بما بقي من دينه إذا عتق ا ه‍. واعلم أنهم قالوا في كتاب
المأذون لو أعتق المولى المديون خير الغريم بين تضمين المولى القيمة أو اتباع العبد بجميع
الدين، ولا فرق بين الاعتاق بإذن الغريم أو بغير إذنه. ولو دبره فإن شاء ضمن المولى قيمته
وإن شاء استسعى العبد في جميع دينه، ولو باعه فقد كتبناه، ولو وهبه بغير إذن الغريم فله
نقضها وبإذنه ففيه روايتان، وعلى رواية الجواز فللغريم بيعه وأخذه من الموهوب له لأنه انتقل
إليه بدينه. ولو كان دين العبد مؤجلا فباعه أو وهبه مولاه جاز، فإذا حل ضمن المولى قيمته،
فإذا رهنه أو أجره قبل حلوله جاز، فإذا حل ضمن المولى قيمته في الرهن دون الإجارة
وللغريم فسخها. وللقاضي بيع المديون للوفاء إذا امتنع سيده لكن بحضرته، فإن أراد المولى
أن يؤدي قدر ثمنه فله ذلك ولا يباع. الكل من المحيط. وحيث علمت أن المهر كدين
التجارة فهذه الأحكام أيضا للمهر. وذكر الحاكم في الكافي أن العبد المأذون المديون للغريم
منع المولى من استخدامه ورهنه وإجارته والسفر به إذا كان الدين حالا، وإن كان مؤجلا فله

332
ذلك قبل حلوله ا ه‍. ومقتضاه ثبوت هذه الأحكام أيضا في العبد المديون بمهر امرأته فإن
كان المهر حالا لا يجوز للمولى والإجازة. وفي الكافي: إذا بيع في الدين فاشتراه المولى ودفع
الثمن للغرماء ولم يوفهم ثم أذن له مولاه في التجارة فلحقه دين يباع ويشترك فيه الأولون
فيما بقي لهم والآخرون، ومقتضاه لو بيع في مهرها فاشتراه المولى فلم يوف ثم وجب بيعه
للنفقة أن تأخذ المرأة ما بقي لها من المهر مع النفقة، وكل هذه من باب التخريج. وفي
الخانية: لو قال المولى لا أرضى ولا أجيز كان ردا، فلو قال لا أرضى ولكن رضيت متصلا
جاز استحسانا ا ه‍. وأشار بالبيع إلى أن مستحق المهر غير سيده فلو زوج أمته من عبده
اختلفوا، فقيل يجب المهر ثم يسقط لأن وجوبه حق الشرع، ومنهم من قال لا يجب وهذا
أصح لأن الوجوب وإن كان حقا لله تعالى فإنما يجب للمولى، ولو جاز وجوبه للمولى ساعة
لجاز وجوبه أكثر من ساعة. كذا في الولوالجية. ولم أر من ذكر ثمرة لهذا الاختلاف ويمكن
أن يقال: إنها تظهر فيما لو زوج الأب أمة الصغير من عبده، فعلى قول من قال يجب ثم
يسقط قال بالصحة وهو قول أبي يوسف، ومن قال بعدم الوجوب أصلا قال بعدمها وهو
قولهما، وقد جزم بعدمها في الولوالجية من المأذون معللا بأنه نكاح للأمة بغير مهر لعدم
وجوبه على العبد في كسبه للحال، فلو اختلفت المرأة والعبد في الاذن وعدمه قال في
الظهيرية: عبد تزوج حرة ثم قال العبد لم يأذن لي المولى وقد نقض النكاح هو وقالت المرأة قد
أذن يفرق بينهما لاقراره أن النكاح فاسد فيلزمه كمال المهر إن كان قد دخل بها، وينصف
المهر إن لم يدخل بها ولها نفقة العدة ا ه‍. وينبغي أن المولى إن صدقها فالمهر في رقبته كلا
ونصفا وإلا ففي ذمته. ولو تزوج عبد حرتين ثم دخل بإحداهما ثم تزوج أمة ثم أمة فإجاز
المولى نكاحهن قال أبو حنيفة: يجوز نكاح الحرتين لأنه ليس له أن يتزوج أمة في عدة حرة.
وقالا: يجوز نكاح الأمة الأخيرة لأن عندهما له أن يتزوج الأمة في عدة الحرة. ولو تزوج
أمتين في عقدة ودخل بإحداهما ثم تزوج حرتين في عقدة ودخل بإحداهما ثم أجاز المولى

333
نكاح أحد الفريقين لم يجز نكاح شئ منهن، ولو تزوج حرة وأمه ثم حرة وأمة فأجاز المولى
الكل جاز نكاح الحرتين، وإن دخل بهن فنكاحهن فاسد. الكل من الظهيرية. ولم يبين
المصنف مهر الأمة وفي البدائع: ثم كل ما وجب من مهر الأمة فهو للمولى، سواء وجب
بالعقد أو بالدخول، سواء كان المهر مسمى أو مهر المثل، سواء كانت الأمة قنة أو مدبرة أو
أم ولد إلا المكاتبة والمعتق بعضها فإن المهر لها ا ه‍.
وفي فتح القدير: إن مهر الأمة يثبت لها ثم ينتقل إلى المولى حتى لو كان عليها دين
قضى من المهر ا ه‍. وفي القنية: اشترى جارية تحت زوج قبل الدخول ثم دخل بها في ملك
المشتري فالمهر للبائع. وفي المحيط: مسلم أذن لعبده النصراني في التزوج فأقامت المرأة
شهودا نصارى أنه تزوجها تقبل لأن المشهود عليه نصراني، ولو كان العبد مسلما والمولى
نصرانيا لا تقبل لما عرف ا ه‍. وفي الظهيرية: رجلان شهدا على رجل آخر أنه أعتق جاريته
هذه وهو يجحد فقضى القاضي بالعتق ثم رجعا عن شهادتهما ثم تزوجها أحدهما قال أبو
يوسف: إن تزوجت قبل القضاء بالقيمة عليهما يفرق بينهما وبعد القضاء جاز نكاحه ا ه‍.
كأنه لما في زعم الشاهد أنها أمة فلم يجز نكاحه وبعد القضاء خرجت عن ملك صاحبها
لاخذه العوض فجاز نكاحه. وفي المحيط: لو قال لعبده تزوج على رقبتك فتزوج على رقبته
أمة أو مدبرة أو أم ولد أذن مولاها جاز لأن الملك في رقبته يثبت لمولاها فلا يمنع الجواز،
ولو تزوج حرة أو مكاتبة فالنكاح فاسد لأنه لو صح يثبت الملك للمنكوحة في رقبته مقارنا
للعقد وأنه مفسد له إذا طرأ فإذا قارن أولى أن يمنع جوازه، فلو كان العبد مكاتبا أو مدبرا
صح النكاح لأنهما لا يحتملان النقل من ملك مولاهما ويكون المهر القيمة ا ه‍. وفي تلخيص
الجامع: ولو خالع على رقبتها فإن كان حرا لا يصح لقران المنافي وتبين لأن المال زائد فكان
أولى بالرد من الطلاق، وكذا القنة لو طلقها على رقبتها وتقع رجعية لأنه صريح. ولو كان

334
رقيقا صح بالمسمى لما مر، ولم أر حكم إذن المولى السفيه عبده بالتزوج على قولهما من الحجر
عليه، وقد علل في الهداية لصحة نكاح السفيه بأنه من الحوائج الأصلية، فظاهره أنه لا
يملك نكاح عبده، وإن قلنا بصحته لأنه تحصين للعبد فيجب أن لا يلزم في مهره ما زاد على
مهر مثلها لأنه حكم نكاح المولى السفيه فعبده الأولى قوله: (وسعى المدبر والمكاتب) أي في
المهر ولم يباعا فيه لأنهما لا يقبلانه مع بقائهما فيؤدى من كسبهما لا من أنفسهما، وكذا معتق
البعض وابن أم الولد قيدنا بكونه مع بقائهما لأن المكاتب إذا عجز ورد في الرق صار المهر
في رقبته يباع فيه إلا إذا أدى المهر مولاه واستخلصه كما في القن، وقياسه أن المدبر إذا عاد
إلى الرق بحكم الشافعي ببيعه أنه يصير المهر في رقبته أيضا. قيد بإذن المولى لأن المدبر
والمكاتب إذا تزوجا بغير إذن فحكمهما كالقن، إن كان قبل الدخول فلا حكم له، وإن كان
بعده ولم يجز المولى تأخر إلى ما بعد العتق وإن كانت جناية المكاتب في كسبه للحال لأن المهر
حكم العقد وهو قول لا فعل، وإن أجاز المولى فكما إذا أجاز قبله فيسعيان فيه. وفي القنية:
زوج مدبره امرأة ثم مات المولى فالمهر في رقبة العبد يؤخذ به إذا عتق ا ه‍. وفيه نظر لأن
حكمه السعاية قبل العتق لا التأخر إلى ما بعد العتق. وحاصل مسألة مهر الرقيق أنه لا يخلو
إما أن يكون ذكرا أو أنثى منهما إما بإذن المولى أو لا، وكل من الأربعة إما قبل الدخول أو
بعده، وكل من الثمانية إما أن يقبل البيع أو لا فهي ستة عشر.
قوله: (وطلقها رجعية إجازة للنكاح الموقوف لا طلقها أو فارقها) لأن الطلاق الرجعي
لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح فكان الامر به إجازة اقتضاء بخلاف قول المولى تزوج أربعا
أو كفر عن يمينك بالمال حيث لا تثبت الحرية اقتضاء لأن شرائط الأهلية لا يمكن إثباتها

335
اقتضاء بخلاف النكاح لأن العبد أهل له لأنه من خصائص الآدمية. وإنما لا يكون قول
المولى له طلقها أو فارقها إجازة لاحتماله الإجازة والرد فحمل على الرد لأنه أدنى لأن الدفع
أسهل من الرفع، أو لأنه أليق بحال العبد المتمرد على مولاه فكانت الحقيقة متروكة بقرينة
الحال. كذا في العناية. قيد بقوله رجعية لأنه لو قال له طلقها بائنا لا يكون إجازة لأن
الطلاق البائن يحتمل المتاركة كما في الطلاق في النكاح الفاسد والموقوف ويحتمل الإجازة
فحمل على الأدنى كما في المحيط. وقيد بقوله لا طلقها لأنه لو قال أوقع عليها الطلاق
كان إجازة لأنه لا يقال للمتاركة كما في فتح القدير، وكذا إذا قال طلقها تطليق يقع عليها
كما في التبيين. والألف واللام في قوله للنكاح الموقوف للعهد الذكري أي نكاح العبد
بغير إذن سيده احترازا عن نكاح الفضولي فإن قول الزوج للفضولي طلقها يكون إجازة لأنه
يملك التطليق بالإجازة فيملك الامر به بخلاف المولى، ولان فعل الفضولي إعانة كالوكيل
والإعانة تنتهض سببا لامضاء تصرفه بالإجازة وعدم الغاية بخلاف المتمرد على مولاه، وهو
مختار صاحب المحيط ومختار الصدر الشهيد ونجم الدين النسفي أنه ليس بإجازة فلا فرق
بينهما فلذا عمم في المختصر في النكاح الموقوف لكن الأول أوجه كما في فتح القدير.
والحاصل أن الطلاق يستدعي سبق النكاح. هذا هو الأصل، وخرج عن الأصل مسألة العب
لما ذكرناه فلذا كان تطليق المدع عليه نكاح بعد إنكاره إقرارا بالنكاح إلا إذا قال ما أنت إلي
بزوجة وأنت طالق كما في البزازية. وقول المرأة لرجل طلقني إقرار بالنكاح الصحيح النافذ،
وتطليق واحدة من إحدى الفريقين إجازة لذلك الفريق فيما إذا زوجه فضولي أربعا في عقدة
ثم زوجه ثلاثا في عقدة فبلغه فطلق إحدى الأربع أو إحدى الثلاث بغير عينها. كذا في
التبيين. وعلى هذا الاختلاف إذا طلقها الزوج في نكاح الفضولي، قيل يكون إجازة وقيل
لا. وفي جامع الفصولين: إن هذا الاختلاف في الطلقة الواحدة، أما لو طلقها ثلاثا فهي
إجازة وفاقا. وقيل: الاختلاف فيما لو طلقها قبل أن يبلغه الخبر، أما لو بلغه الخبر فقال
طلقها يكون إجازة وفاقا. أقول: على تقدير أنه إجازة ينبغي أن تحرم عليه لو طلقها ثلاثا لأنه
يصير كأنه أجاز أولا ثم طلق ا ه‍. وقد صرح به الزيلعي فقال: لأن كلام الزوج لا يصح
إلا إذا حمل على وقوع الطلاق فيكون إجازة تصحيحا لكلامه ا ه‍.

336
وقد علم مما قررناه أن قوله طلقها أو فارقها وإن لم يكن إجازة فهو رد فينفسخ به
نكاح العبد حتى لا تلحقه الإجازة بعده. وفي الخانية: لو قال المولى لا أرضى ولا أجيز كان
ردا، ولو قال لا أرضى ولكن رضيت متصلا جاز استحسانا ا ه‍. وفي الولوالجية: مكاتب
أو عبد تزوج بغير إذن المولى ثم طلق كان ذلك ردا منه لأن الطلاق يقطع النكاح النافذ فلان
يقطع النكاح الموقوف أولى، فإن أجازه المولى بعد الطلقات الثلاث لم يجز النكاح لأنه أجاز بعد
الفسخ ولو أذن له له أن يتزوجها بعد ما طلقها ثلاثا أو أجاز المولى النكاح بعد الطلقات كره
له أن يتزوجها وقد طلقها ثلاثا، ولو تزوجها لم يفرق بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال
أبو يوسف: لا يكره أبو يوسف يقول بأن إجازة المولى لما كانت باطلة كان عدما، ولو لم يجز
المولى كان له أن يتزوجها ثانيا بإذنه من غير كراهة بالاجماع فكذا هنا. وهما يقولان: الإجازة
في الانتهاء كالاذن في الابتداء، والاذن في الابتداء لو كان ههنا موجودا صارت محرمة
حقيقة، فإذا وجدت صورة الإجازة في الانتهاء يجب أن يثبت به نوع كراهة ا ه‍. وفي
الذخيرة: ولو تزوجت أمة بغير إذن المولى فوطئها لم يكن نقضا للنكاح عند محمد، وعن أبي
يوسف أنه ينفسخ النكاح ا ه‍. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فهل للمرأة فسخه قبل إجازة
المولى؟ صرح في الذخيرة بأن لها الفسخ في نظيره وهي ما إذا زوجت نفسها من صبي بغير
إذن وليه، وبه علم أنه كما للمولى فسخه لكل من العاقدين فسخه. وأشار المصنف إلى أن
الإجازة تثبت بالدلالة كما تثبت بالصريح فإن قول المولى طلقها رجعية إجازة دلالة. وحاصله
كما في البدائع أنها تثبت بالصريح وبالدلالة وبالضرورة، فمن الصريح أجزت أو رضيت أو
أذنت ونحوه، وأما الدلالة فهي قول أو فعل يدل على الإجازة كقول المولى بعد بلوغه الخبر
حسن أو صواب أو لا بأس به أو يسوق إلى المرأة المهر أو شيئا منه في نكاح العبد، وأما
الضرورة فنحو أن يعتق العبد أو الأمة فيكون الاعتاق إجازة. وفي تلخيص الجامع: قال
المولى أجزت إن زدت لي المهر فأبى فهو موقوف على حاله لأنه جواب على الزيادة فيقتصر الرد
عليها، وكذا لو قال لا أجيز حتى تزيد إذ المغيا التوقف لأنه هو الذي يمتد وينتهي لا الرد،
وكذا لو قال إلا بزيادة لأنه تكلم بالباقي، فإن قبل نفذ والزيادة كمهر المثل حتى تسقط

337
بالطلاق قبل الدخول، ولو قال لا أجيز لكن زدني أو أجيز إن زدتني بطل العقد لأنه مقرر
للنفي وكأنه قال لا أجيز وسكت. ولو أذن له بالنكاح لم يكن إجازة، فإن أجازه العبد جاز.
ولو مات المولى قبل الإجازة، فإن كانت أمة فإنه ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح
الموقوف، وإن ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت وقد وطئها أو كانت
الأمة أخته من الرضاع أو ورثها جماعة فللوارث الإجازة، ولو أجاز البعض دون البعض لم
يجز النكاح كما في المحيط. وفيه: لو تزوج المولى امرأة على رقبتها بطل النكاح الموقوف لأنه
ملكها للمرأة اه‍. وفيه نظر، بل ينبغي أن يتوقف على إجازة المرأة كما لو باعها المولى من
امرأة فإنهم قالوا: إذا باعها المولى قبل الإجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث، ولو
باعها ممن لا تحل له فلم يجز حتى باعها ممن تحل له فأجاز لم يجز. كذا في المحيط. وفي
الذخيرة: ولو باعها على أنه بالخيار يفسخ النكاح لأنه ينفذ بالسكوت إذا مضت المدة ا ه‍.
ومراده باعها ممن تحل له، وعلى هذا قالوا فيمن تزوج جارية غيره بغير إذنه ووطئها ثم باعها
المولى من رجل إن للمشري الإجازة لأن الزوج يمنع حل الوطئ للمشتري. ورده شمس
الأئمة السرخسي بأن ما في الكتاب من أنه ليس له الإجازة صحيح لأن وجوب العدة إنما
يكون بعد التفريق، وأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل النكاح
الموقوف وإن كان هو ممنوعا عن غشيانها، وجعل هذا قياس المنع بسب الاسترداد لا يمنع
بطلان النكاح الموقوف فهذا مثله، وجعل عدم صحة الإجازة في المحيط ظاهر الرواية وأن
القول بالإجازة رواية ابن سماعة بناء على أن العدة غير واجبة في النكاح الموقوف في ظاهر
الرواية. وإن كان عبدا فمات المولى أو باعه قبل ا الإجازة فللوارث والمشتري الإجازة. وفي
جامع الفصولين: زوجها الغاصب ثم اشتراها فإن كان الزوج دخل بها صحت الإجازة وإلا

338
بطل النكاح، ولو ضمنها لا رواية فيه. وينبغي أن يبطل النكاح لأن الملك بالضمان ضروري
فلا يكفي لجواز النكاح كما لو حرر غاصب ثم ضمنه. فإن قلت: قد ذكروا في الإجازة
الصريحة لفظ أذنت وقالوا لو أذن له بالنكاح بعد ما تزوج لا يكون إجازة، فهل بينهما
تناقض؟ قلت: يحمل الأول على ما إذا علم بالنكاح فقال بعده أذنت، والثاني على ما إذا لم
يعلم به، ولم أر من صرح به. ثم رأيت في المعراج أن أذنت من ألفاظ الاذن ا ه‍ يعني لا
من ألفاظ الإجازة فلا إشكال. وفي القنية: سكوت المولى عند العقد ليس برضا. وفي
الخلاصة: أذن لعبده أن يتزوج بدينار فتزوج بدينارين لا يجوز النكاح. وفي مجموع النوازل:
عبد طلب من مولاه أن يزوجه معتقة فأبى فتشفع أن يأذن له بالتزوج فأذن له فتزوج هذه
المعتقة يجوز ا ه‍.
قوله: (والاذن في النكاح يتناول الفاسد أيضا) أي كما يتناول الصحيح وهذا عند أبي
حنيفة. وقالا: لا يتناول إلا الصحيح لأن المقصود من النكاح في المستقبل إلا عفاف
والتحصين وذلك بالجائز. وله أن اللفظ مطلق فيجري على إطلاقه وبعض المقاصد في النكاح
الفساد حاصل كالنسب ووجوب المهر والعدة على اعتبار وجود الوطئ، وفائدة الخلاف تظهر
في حق لزوم المهر فيما إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ودخل بها لأنه يباع في المهر عنده،
وعندهما لا يطالب إلا بعد العتق وفي حق انتهاء الاذن بالعقد فينتهي به عنده فليس له التزوج
بعده صحيحا لا منها ولا من غيرها، وعندهما لا ينتهي به فله ذلك بعده. قيد بالاذن لأن
التوكيل بالنكاح لا يتناول الفاسد فلا ينتهي به اتفاقا، وعليه الفتوى كما في المصفى لأن
مطلوب الآمر فيه ثبوت الحل. والوكيل بنكاح فاسد لا يملك النكاح الصحيح بخلاف
الوكيل بالبيع الفاسد يملك الصحيح. كذا في الظهيرية. واليمين في النكاح لا يتناول الفاسد
كما إذا حلف لا يتزوج فإنه لا يحنث إلا بالصحيح. وأما إذا حلف أنه ما تزوج في الماضي
فإنه يتناول الصحيح والفساد أيضا لأن المراد في المستقبل الاعفاف، وفي الماضي وقع العقد،
ذكره في المبسوط. ولو نوى الصحيح صدق ديانة وقضاء وإن كان فيه تخفيف رعاية لجانب
الحقيقة. كذا في التلخيص. وأشار المصنف إلى أن الاذن بالبيع وهو التوكيل به يتناول الفاسد

339
بالأولى اتفاقا لأن الفاسد فيه يفيد الملك بالقبض. وأطلقه فشمل ما إذا أذن له في نكاح حرة
أو أمة وما إذا كانت معينة أو غير معينة، فما في الهداية من التقييد بالأمة والمعينة اتفاقي.
وقيد بكونه أذنه في النكاح ولم يقيده لأنه لو قيده بأن أذنه له في النكاح الفاسد فإنه يتقيد به
اتفاقا. وقال في البدائع: ولو أذن له في النكاح الفاسد نصا ودخل بها يلزمه المهر في قولهم
جميعا، أما على أصل أبي حنيفة فظاهر، وأما على أصلهما فلان الصرف إلى الصحيح لضرب
دلالة أوجبت المصير إليه فإذا جاء النص بخلافه بطلت الدلالة ا ه‍. ومقتضاه أنه لو قيد
بالصحيح فإنه يتقيد به اتفاقا وأنه لو تزوج صحيحا صورة التقييد بالفاسد لا يصح اتفاقا.
وحاصل المسألة أنه إما أن يطلق المولى الوصف أو يقيده، فإن أطلق فهو محل
الاختلاف، وإن قيد فإما أن يوافق أو يخالف وقد علمت الأحكام. اعلم أن الاذن في النكاح
والبيع، والتوكيل في البيع يتناول الفاسد، والتوكيل بالنكاح لا يتناول، واليمين في النكاح
إن كانت على المضي تناولته، وإن كانت على المستقبل لا تتناوله، واليمين على الصلاة كاليمين
على النكاح كما في الظهيرية، وكذا اليمين على الحج والصوم كما في الظهيرية، واليمين على
البيع كذلك كما في المحيط. ولو حلف لا يصلي اليوم لا يتقيد بالصحيحة قياسا وتقيدا
استحسانا لأنه عقد يمينه على المستقبل. كذا في المحيط. ومثله لا يتزوج اليوم. وفي المحيط:
صلى ركعتين بغير وضوء اليوم ثم قال إن كنت صليت اليوم ركعتين فعبدي حر يعتق، ولو
قال إن لم أكن صليت اليوم ركعتين فعبدي حر لا يعتق، واليمين على الشراء لا تتقيد
بالصحيح. وقد علم مما قررناه أنه لو أذنه بالتزوج فإنه لا يملكه إلا مرة واحدة، وكذا لو
قال له تزوج فإنه لا يتزوج إلا مرة واحدة لأن الامر لا يقتضي التكرار، وكذا إذا قال تزوج
امرأة لأن قوله امرأة اسم لواحدة من هذا الجنس. كذا في البدائع. وي شرح المغني

340
للهندي: لو قال لعبده تزوج ونوى مرة بعد أخرى لم يصح لأنه عدد محض، ولو نوى ثنتين
يصح لأن ذلك كل نكاح العبد إذا العبد لا يملك التزوج بأكثر من ثنتين، وكذا التوكيل
بالنكاح بأن قال تزوج لي امرأة لا يملك أن يزوجه إلا امرأة واحدة، ولو نوى الموكل الأربع
ينبغي أن يجوز على قياس ما ذكرنا لأنه كل جنس النكاح في حقه ولكني ما ظفرت بالنقل
ا ه‍. ذكره في بحث الامر من الأصول. وفي المحيط: أذن لعبده في النكاح فتزوج ثنتين في
عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما إلا إذا قال المولى عنيت امرأتين. وفي البدائع: هذا إذا
خص، وأما إذا عم بأن قال تزوج ما شئت من النساء جاز له أن يتزوج ثنتين فقط. وقيد
بالفاسد لأنه لا ينتهي بالموقوف اتفاقا كالتوكيل حتى جاز لهما أن يجدد العقد ثانيا عليها أو
على غيرها. كذا في التبيين. وقيد بالانتهاء للاحتراز عن لزوم المهر فإن العبد المأذون له في
النكاح إذا تزوج امرأة بفضولي ثم أجازت فإن المهر في رقبته يباع فيه فتناول الاذن الموقوف
في حق هذا الحكم وإن كان لا يتناوله في حق انتهاء الاذن به ولم أره صريحا.
قوله: (ولو زوج عبدا مأذونا له امرأة صح هي أسوة الغرماء في مهرها) أما الصحة
فإنها تنبني على ملك الرقبة وهو باق بعد الدين كما هو قبله، فلما صح لزم المهر لأن وجوبه
حكم من أحكام النكاح فقد وجب بسبب لا مرد له فشابه دين الاستهلاك وصار كالمريض
المديون إذا تزوج امرأة فلمهر مثلها أسوة الغرماء، أراد بالأسوة المساواة في طلب الحق بأن
تضرب هي في ثمن العبد بمهرها ويضرب الغرماء فيه على قدر ديونهم. وأشار بقوله في
مهرها دون أن يقول في المهر إلى أن مساواتها لهم إنا هو فيما إذا كان المسمى قدر مهر المثل
أو أقل، أما إذا كان أكثر من مهر المثل فإنها تساويهم في قدره، والزائد عليه يطالب به بعد
استيفاء الغرماء كدين الصحة مع دين المرض، وقد علم من كتاب المأذون أن الديون تتعلق
بما في يده ورقبته فتوفى الديون منهما، ومنه يعلم حكم حادثة وهي أن المأذون إذا مات وفي

341
يده كسبه وعليه مهر زوجته فظاهر كلامهم أن المهر يوفى من كسبه بعد موته كما يقضى
الديون منه بعد موته، وليس للمولى الاختصاص به كما صرح به في المحيط في مسألة
الديون ولم يصرح بالمهر، وقد علم هنا أنه منها فلا فرق وقد أجبت بذلك، فما قدمناه عن
التمرتاشي من أن المهر والنفقة يسقطان بموت العبد محمول في المهر على العبد المحجور
عليه أو المأذون الذي لم يترك كسبا كما لا يخفى. وفي تلخيص الجامع: لو تزوج المأذون
على رقبته بإذن المولى صح والمرأة أسوة الغرماء. قال الشارح: يضرب مولاها معهم بقدر
قيمة العبد بخلاف الخلع على رقبة المأذونة المديونة فإنه إن لم يفضل من ثمنها شئ تتبع به
بعد العتق كما لو قتل عمدا فصالح المولى على رقبته ففي الخلع والصلح عن دم العمد لا
مشاركة للغرماء، وأما الجناية خطأ فإن فداه المولى أو الغريم فهو متطوع، وإن اتفقا على
دفعه ملكه ولي الجناية مشغولا بدينه وللغرماء بيعه وأخذ ثمنه، فلو فقأ مأذون مديون عين
مثله فاختاروا دفعه انتقل نصف دين المفقوء إلى الفاقة لكن إذا بيع الفاقئ للغرماء بدئ
بدينه، فإن فضل من ثمنه شئ قضى به نصف الدين المنتقل إليه من المفقوء، وتمامه في
التلخيص.
قوله: (ومن زوج أمته لا يجب عليه تبوأتها فتخدمه ويطؤها الزوج إن ظفر) لأن حق
المولى في الاستخدام باق والتبوأة. إبطال له فلما لم تلزمه يقال للزوج استوف منافع البضع إذا
قدرت لأن حقه ثابت فيها. وفي المحيط: متى وجد فرصة وفراغها عن خدمة المولى ليلا أو
نهارا يستمتع بها ا ه‍. وظاهره أنه لو وجدها مشغولة بخدمة المولى في مكان خال ليس له
وطؤها وإنما يجوز له إذا لم تكن مشغولة بخدمة المولى ولم أره صريحا. أطلق الأمة فشمل القنة
والمدبرة وأم الولد فالكل في هذا الحكم سواء، ولا تدخل المكاتبة بقرينة قوله فتخدمه أي
المولى لأن المكاتبة لا يملك المولى استخدامها فلذا تجب النفقة لها بدون التبوأة بخلاف غيرها
فإنه إن بوأها منزلا مع الزوج وجبت النفقة وإلا فلا لأنها جزاء الاحتباس. وأشار بإطلاق
عدم وجوبها إلى أنه لو بوأها معه منزلا ثم بداله أن يستخدمها له ذلك لأن الحق باق لبقاء
الملك فلا يسقط بالتبوأة كما لا يسقط بالنكاح، وإلى أنه لو شرط تبوأتها للزوج وقت العقد

342
كان الشرط باطلا لا يمنعه من أن يستخدمها لأن المستحق للزوج ملك الحل لا غير لأن
الشرط لو صح لا يخلو من أحد الامرين: إما أن يكون بطريق الإجارة أو الإعارة، فلا يصح
الأول لجهالة المدة، وكذا الثاني لأن الإعارة لا يتعلق بها اللزوم. فإن قلت: ما الفرق بين هذا
وبين أن يشترط الحر المتزوج بأمة رجل حرية أولاده حيث يلزم الشرط في هذه وتثبت حرية
ما يأتي من الأولاد، وهذا أيضا شرط لا يقتضيه نكاح الأمة؟ فالجواب أن قبول المولى الشرط
والتزويج على اعتباره هو معنى تعليق الحرية بالولادة وتعليق ذلك صحيح، وعند وجود
التعليق فيما يصح يمتنع الرجوع عن مقتضاه فتثبت الحرية عند الولادة جبرا من غير اختيار
بخلاف اشتراط التبوأة فإن بتعليقها لا تقع هي عند ثبوت الشرط بل يتوقف وجودها على
فعل حسي اختياري من فاعل مختار، فإذا امتنع لم يوجد. فالحاصل أن المعلق هنا وعد يجب
الايفاء به غير أنه إن لم يف به لا يثبت متعلقه أعني نفس الموعود به. كذا في فتح القدير.
ومقتضاه أن السيد لو مات قبل وضع الجارية المشترط حرية أولادها لا يكون الولد حرا، وأن
السيد لو باع هذه الجارية قبل الوضع يصح لأن المعلق قبل وجود شرطه عدم. وقد ذكر
هذين الحكمين في المبسوط في مسألة التعليق صريحا بقوله: كل ولد تلدينه فهو حر فقال: لو
مات المولى وهي حبلى لم يعتق ما تلده لفقد الملك لانتقالها للورثة، ولو باعها المولى وهي حبلى
جاز بيعه، فإن ولدت بعده لم يعتق ذكره في باب عتق ما في البطن إلا أن يفرق بين التعليق
صريحا والتعليق معنى، ولم يظهر لي الآن. وذكره في المحيط في باب عتق ما تلده الأمة وقال

343
بعده: ولو قال لعبد يملكه أو لا يملكه كل ولد يولد لك فهو حر، فإن ولد له من أمة
يملكها الحالف يوم حلف عتق إن ولدت في ملكه وإلا بطلت اليمين ا ه‍. وهذا أشبه
بمسألتنا. وقيد بالتبوأة لأن المولى إذا استوفى صداقها أمر أن يدخلها على زوجها وإن لم يلزمه
أن يبوأها. كذا في المبسوط. ولذا قال في المحيط: لو باعها بحيث لا يقدر الزوج عليها
سقط مهرها كما سيأتي في مسألة ما إذا قتلها. والتبوأة مصدر بوأته منزلا وبوأته له إذا
أسكنته إياه. وفي الاصطلاح على ما ذكره الخصاف أن يخلي المولى بين الأمة وزوجها ويدفعها
إليه ولا يستخدمها، أما إذا كانت هي تذهب وتجئ وتخدم مولاها لا تكون تبوأة، وسيأتي
تمامه في النفقات إن شاء الله تعالى، وإن التحقيق أن العبرة لكونها في بيت الزوج ليلا ولا
يضر الاستخدام نهارا. وأشار المصنف إلى أن للمولى أن يسافر بها وليس للزوج منعه كما في
الظهيرية.
قوله: (وله إجبارهما على النكاح) أي للسيد إجبار العبد والأمة عليه بمعنى تنفيذ
النكاح عليهما وإن لم يرضيا لا أن يحملهما على النكاح بضرب أو نحوه. وعن أبي حنيفة أنه
لا إجبار في العبد لأن النكاح من خصائص الآدمية والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث
إنه مال فلا يملك إنكاحه بخلاف الأمة لأنه مالك لمنافع بضعها فيملك تمليكها. ولنا أن
الانكاح إصلاح ملكه لأن فيه تحصينه عن الزنا الذي هو سبب الهلاك والنقصان فيملكه
اعتبارا بالأمة. أطلقهما فشمل الصغير والكبير، والصغيرة والكبيرة، والقن والمدبر وأم الولد
لأن الملك في الكل كامل. وخرج المكاتب والمكاتبة والصغيرة فليس له إجبارهما عليه،
صغيرين كانا أو كبيرين، لأنهما التحقا بالاحرار تصرفا فيشترط رضاهما. فالحاصل أن ولاية
الاجبار في المملوك تعتمد كمال الملك لا كمال الرق، والملك كامل في المدبر وأم الولد وإن

344
ان الرق ناقصا، والمكاتب على عكسهما ولذا دخلا تحت قوله كل مملوك أملكه فهو حر دونه.
وحل وط أم الولد دون المكاتبة لأنه يعتمد كمال الملك فقط ولم يجز عتقهما عن الكفارة لأنها
تبتني على كمال الرق، وأما البيع فإنه يعتمد كمالهما فلم يجز بيع الكل. وفي المحيط وغيره:
المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة توقف النكاح على إجازتها لأنها ملحقة بالبالغة فيما يبتنى على
الكتابة، ثم إنها لو لم ترد حتى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفا على إجازة المولى لا إجازتها لأنها
بعد العتق لم تبق مكاتبة وهي صغيرة والصغيرة ليست من أهل الإجازة فاعتبر التوقف على
إجازتها حال رقها ولم يعتبر بعد العتق. قالوا: وهذه المسألة من أعجب المسائل فإنها مهما زادت
من المولى بعدا ازدادت إليه قربا في النكاح فإنه يملك إلزام النكاح عليها بعد العتق لا قبله.
وأعجب منه أنها لو ردت إلى الرق يبطل النكاح الذي باشره المولى وإن أجازه المولى لأنه طرأ حل
بات على موقوف فأبطله إلا أن هذا كله ثبت بالدليل وهو يعمل العجائب. وقد بحث المحقق
في فتح القدير بأن الذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازة المولى بعد العتق بل بمجرد عتقها
ينفذ النكاح لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ لأنه لو توقف فإما
على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته، وإما على العبد فلا وجه له لأنه صدر من جهته
فكيف يتوقف عليه؟ ولأنه كان نافذا من جهته. وإنما توقف على السيد. فكذا السيد هنا فإنه
ولي مجبر، وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد. وهذا هو
الوجه وكثيرا ما يقلد الساهون الساهين، وهذا بخلاف الصبي إذا زوج نفسه بغير إذن وليه فإنه
موقوف على إجازة وليه، فلو بلغ قبل أن يرده لا ينفذ حتى يجيزه الصبي لأن العقد حين صدر
منه لم يكن نافذا من جهته إذ لا نفاذ حالة الصبا، أو عدم أهلية الرأي بخلاف العبد ومولى
المكاتبة الصغيرة. والحاصل أن الصغير والصغيرة ليسا من أهل العبارة بخلاف البالغ اه‍.
وجوابه أنه سواء أدب وغلط، أما لأول فلان المسألة صرح بها الإمام محمد في الجامع الكبير
فكيف ينسب السهو إليه وإلى مقلديه؟ وأما الثاني فلان محمدا علل لتوقفه على إجازة المولى بأنه

345
تجدد له ولاية لم تكن وقت العقد وهي الولاء بالعتق، ولذا إنما يكون له الإجازة إذا لم يكن لها
ولي أقرب منه كالأخ والعم قال: فصار كالشريك زوج العبد ثم ملك الباقي، وكمن أذن لعبد
ابنه أو زوج نافلته ثم مات الابن بخلاف الراهن ومولى المأذون باعا ثم سقط الدين حيث لا
يفتقر إلى الإجازة لأن النفاذ بالولاية الأصلية. وحاصله أن الولاية التي قارنها رضاه بتزويجها
ولاية بحكم الملك وبعد العقد تجدد له ولاية بحكم الولاء فيشترط تجدد رضاه لتجدد الولاية.
كذا في شرح تلخيص الجامع الكبير. وكثيرا ما يعترض المخطئ على المصيبين. ثم اعلم أن
السيد لو زوج المكاتبة بغير رضاها ثم عجزت بطل النكاح لما ذكرناه، وإن كان مكاتبا لم يبطل
لكن لا بد من إجازة المولى وإن كان قد رضي أولا لأنه إنما رضي بتعلق مؤن النكاح كالمهر
والنفقة بكسب المكاتب لا بملك نفسه وكسب المكاتب بعد عجزه ملك المولى. كذا في
التلخيص. فهو نظير ما إذا زوجها الابعد مع وجود الأقرب ثم زالت ولاية الأقرب فإنه لا بد
من أن يجيزه الابعد، وسيأتي إيضاحه بعد ذلك أيضا. واعلم أن الفضولي إذا باشر ثم صار
وكيلا فإنه ينفذ بإجازته بيعا كان أو نكاحا، وكذا لو صار وليا. ولو صار مالكا فإن طرأ عليه
حل بات أبطله وإلا فلا. وينفذ بإجازته. والعبد المحجور إذا باشر عقدا ثم أذن له به فإن كان
نكاحا نفذ بإجازته، ولو كان بيع مال مولاه فإنه لا ينفذ بإجازته. والصبي المحجور إذا باشر
عقدا ثم أذن له وليه فيه فأجازه جاز نكاحا أو بيعا، ولو بلغ فأجازه بعد بلوغه جاز. والعبد
المحجور إذا تصرف بلا إذن ثم أعتق فإن كان نكاحا أو إقرارا بدين نفذ بلا إجازة، وإن كان
بيعا لا يجوز بإجازته بعد إعتاقه. والمكاتب لو زوج قنه ثم عتق فأجاز لم يجز، والقاضي لو زوج
اليتيم ولم يكن في منشوره ثم أذن له فأجاز جاز، وكذا الولي الابعد مع الأقرب. وتمامه في
جامع الفصولين من الفصل الرابع والعشرين.
قوله: (ويسقط المهر بقتل السيد أمته قبل الوطئ) وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: عليه
المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها، وهذا لأن المقتول ميت بأجله. وله أنه منع المبدل قبل
التسليم فيجازى بمنع البدل كما إذا ارتدت الحرة، وكما إذا قتل البائع المبيع قبل التسليم
والقتل في حق أحكام الدنيا جعل إتلافا حتى وجب القصاص والدية، فكذا في حق المهر.
أفاد بسقوطه أنه إذا لم يكن مقبوضا سقط عن ذمة الزوج، وإن كان مقبوضا لزمه رد جميعه على
الزوج. كذا في المبسوط. وقيد بالسيد لأنه لو قتلها أجنبي لا يسقط اتفاقا، وأطلق السيد

346
فشمل الصغير والكبير. وذكر في المصفى فيه قولان. وفي فتح القدير: ولو لم يكن من أهل
المجازاة بأن كان صبيا زوج أمته وصيه مثلا قالوا: يجب أن لا يسقط في قول أبي حنيفة
بخلاف الحرة الصغيرة إذا ارتدت يسقط مهرها لأن الصغيرة العاقلة من أهل المجازاة على
الردة بخلاف غيرها من الافعال لأنها لم تخطر عليها والردة محظورة عليها اه‍. فترجح به عدم
السقوط. وقيد بالأمة لأن السيد لو قتل زوج أمته لم يسقط المهر اتفاقا لأنه تصرف في العاقد
لا في المعقود عليه. وقيد بكونه قبل الوطئ لأنه لو قتلها بعده لا يسقط اتفاقا، وأشار بالقتل
إلى كل تفويت حصل بفعل المولى فلهذا سقط المهر لو باعها وذهب بها المشتري من المصر أو
أعتقها قبل الدخول فاختارت الفرقة، أو غيبها بموضع لا يصل إليها الزوج. كذا في التبيين
وغيره. والمراد بسقوطه في الأولى والثالثة سقوط المطالبة به كما صرح به في المحيط
والظهيرية، لا سقوطه أصلا لأنه لو أحضرها بعده فله المهر كما لا يخفى. وأراد المصنف
بالأمة القنة والمدبرة وأم الولد لما عرف من أن مهر المكاتبة لها لا للمولى فلا يسقط بقتل المولى
إياها. والحاصل أن المرأة إذا ماتت فلا تخلو إما أن تكون حرة أو مكاتبة أو أمة، وكل من
الثلاثة إما أتكون حتف أنفها أو بقتلها نفسها أو بقتل غيرها، وكل من التسعة إما قبل
الدخول أو بعده فهي ثمانية عشر، ولا يسقط مهرها على الصحيح في الكل إلا إذا كانت أمة
وقتلها سيدها قبل الدخول قوله: (لا بقتل الحرة نفسها قبله) أي لا يسقط المهر بقتل الحرة
نفسها قبل الوطئ لأن جناية المرء على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا فشابه موتها
حتف أنفها، ولأنها لا تملك إسقاط حقهم فصار كما إذا قال اقتلني فقتله فإنه تجب الدية
بخلاف اقطع يدي فقطعها لا يجب شئ بخلاف قتل المولى لأنه معتبر في حق أحكام الدنيا
حتى تجب الكفارة عليه، ولذا لو قال المولى لغيره اقتل عبدي فقتله لا يلزمه شئ. وإنما قيد
بالحرة للاختلاف في قتل الأمة نفسها والصحيح عدم السقوط كما في الخانية، لأن المهر
لمولاها ولم يوجد منه منع المبدل، فلو قال المصنف لا بقتل المرأة نفسها لكان أولى. وقيد
بالقتل لأن الأمة لو أبقت فلا صداق لها ما لم تحضر في قياس قول أبي حنيفة وهو قول أبي
يوسف. كذا في الخانية. ولو ارتدت المرأة عن الاسلام قبل الدخول، فإن كانت حرة سقط
المهر اتفاقا، وإن كانت أمة ففي التبيين أن في السقوط روايتين، وفي غاية البيان: وإذا ارتدت
الأمة أو الحرة قبل الدخول يسقط المهر اتفاقا فكأنه لضعف رواية عدمه لم يعتبرها، وحكم
تقبيل ابن الزوج منهما كالردة. وفي المحيط: لو قبلت الأمة ابن زوجها قبل الدخول بها

347
فادعى الزوج أنها قبلته بشهوة وكذبه سيدها تبين الأمة منه بإقراره ويلزمه نصف المهر لتكذيب
المولى أنه كان بشهوة اه‍. وينبغي ترجيح عدم سقوطه في ردة الأمة وتقبيلها ابن الزوج قياسا
على ما إذا قتلت نفسها فإن الزيلعي جعل الروايتين في الكل. وقد صحح قاضيخان عدمه في
القتل فليكن تصحيحا في الأخريين أيضا وهو الظاهر، لأن مستحقه لم يفعل شيئا وهو المولى.
وما في فتح القدير من بناء الخلاف على الخلاف في أن المهر هل يجب للمولى ابتداء أو يجب
لها ثم ينتقل للمولى عند الفراغ من حاجتها ضعيف، لأنه ولو وجب لها ابتداء يستقر للمولى
بعده فلا يسقط بفعلها على القولين كما لا يخفى. وأما القائل بالسقوط بقتلها نفسها علل بأن
فعلها يضاف إلى المولى بدليل أنها لو قتلت إنسانا خوطب مولاها بالدفع أو الفداء. والتقييد
بقتل المرأة نفسها ليس احترازيا لأن وارثها لو قتلها قبل الدخول فإنه لا يسقط المهر أيضا لأنه
بالقتل لم يبق وارثا مستحقا للمهر لحرمانه به فصار كالأجنبي إذا قتلها.
قوله: (والاذن في العزل لسيد الأمة) لأنه يخل بمقصود المولى وهو الولد فيعتبر رضاه،
وهذا هو قول أبي حنيفة وصاحبيه في ظاهر الرواية. وعنهما في غيرها أن الاذن لها وهو
ضعيف. قيد بالأمة أي أمة الغير لأن العزل جائز عن أمة نفسه بغير إذنها والاذن في العزل
عن الحرة لها ولا يباح بغيره لأنه حقها. وفي الخانية ذكر في الكتاب أنه لا يباح بغير إذنها،
وقالوا في زماننا يباح لسوء الزمان. قال في فتح القدير بعده: فليعتبر مثله من الاعذار
مسقطا لاذنها. وأفاد وضع المسألة أن العزل جائز بالاذن وهذا هو الصحيح عند عامة العلماء
لما في البخاري عن جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل. ولحديث السنن أن رجلا قال: يا
رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وأن
اليهود تحدث أن العزل الموءدة الصغرى. قال صلى الله عليه وسلم: كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما
استطعت أن تصرفه. وفي فتح القدير: ثم في بعض أجوبة المشايخ الكراهة وفي بعضها
عدمها. وفي المعراج: العزل أن يجامع فإذا جاء وقت الانزال نزع فأنزل خارج الفرج اه‍. ثم
إذا عزل بإذن أو بغير إذن ثم ظهر بها حبل هل يحل نفيه؟ قالوا: إن لم يعد إليها أو عاد ولكن
بال قبل العود حل نفيه، وإن لم يبل لا يحل. كذا روي عن علي رضي الله عنه، لأن بقية
المني في ذكره يسقط فيها ولذا قال أبو حنيفة فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول ثم بال

348
فخرج المني وجب إعادة الغسل. كذا في المعراج وفي فتاوى قاضيخان: رجل له جارية غير
محصنة تخرج وتدخل ويعزل عنها المولى فجاءت بولد وأكبر ظنه أنه ليس منه كان في سعة من
نفيه، وإن كانت محصنة لا يسعه نفيه لأنه ربما يعزل في الماء في الفرج الخارج ثم يدخل فلا
يعتمد على العزل اه‍. وهذا يفيد ضعف التفصي المتقدم وأنه لا يحل النفي مطلقا حيث كانت
محصنة وأن جوازه مشروط بثلاثة: عدم تحصينها ووجود العزل منه وغلبة الظن بأنه ليس
منه. وقد يقال: إن ما في المعراج بيان لمحل غلبة الظن بأنه ليس منه فإذا كان قد عزل ولم
يعد غلب على ظنه أنه ليس منه بشرط أن لا تكون محصنة وبه يحصل التوفيق. وينبغي أن
يكون سد المرأة فم رحمها كما تفعله النساء لمنع الولد حراما بغير إذن الزوج قياسا على عزله
بغير إذنها. وفي فتح القدير: وهل يباح الاسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شئ منه. ثم
في غير موضع: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وهذا يقتضي أنهم أرادوا
بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة اه‍. وفي
الخانية من كتاب الكراهية: ولا أقول بأنه يباح الاسقاط مطلقا فإن المحرم إذا كسر بيض
الصيد يكون ضامنا لأنه أصل الصيد فلما كان يؤاخذ بالجزاء ثم فلا أقل من أن يلحقها إثم
ههنا إذا أسقطت بغير عذر ا ه‍. وينبغي الاعتماد عليه لأن له أصلا صحيحا يقاس عليه،
والظاهر أن هذه المسألة لم تنقل عن أبي حنيفة صريحة ولذا يعبرون عنها بصيغة قالوا.
والظاهر أن المراد من الأمة في المختصر القنة والمدبرة وأم الولد، وأما المكاتبة فينبغي أن يكون
الاذن إليها لأن الولد لم يكن للمولى ولم أره صريحا.
قوله: (ولو عتقت أمة أو مكاتبة خيرت ولو زوجها حرا) لقوله عليه السلام لبريرة حين
أعتقت ملكت بضعك فاختاري فالتعليل يملك البضع صدر مطلقا فينتظم الفصلين.
والشافعي يخالفنا فيما إذا كان زوجها حرا وهو محجوج به، ولأنه يزداد الملك عليها عند العتق
فيملك الزوج بعده ثلاث تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة. والعلة المذكورة

349
أعني ازدياد الملك عليها قد وجدت في المكاتبة لأن عدتها قرآن وطلاقها ثنتان، وقد اختلفت
الرواية في صحيح البخاري ومسلم في زوج بريرة، فروي أنه كان حرا وروي أنه كان عبدا،
ورجح أئمتنا الأولى لما في الأصول من أنها مثبتة، ورواية أنه كان عبدا نافية للعلم بأنه كان
حالته الأصلية الرق والنافي هو الذي أبقاها، ونفي الامر العارض والمثبت هو المخرج عنها،
وقد رجح المحقق في فتح القدير قول زفر من أن المكاتبة إذا أعتقت فإنه لا خيار لها بأن قوله
عليه السلام قد ملكت بضعك ليس معناه إلا منافع بضعك إذ لا يمكن ملكها لعينه وملكها
لاكسابها تبع لملكها لمنافع نفسها فلزم كونها مالكة لبضعها بالمعنى المراد قبل العتق فلم يتناولها
النص اه‍. وهو مبني على أن العلة ملكها لبضعها بالعتق، وأكثرهم على أن العلة ازدياد الملك
عليها وهو موجود في المكاتبة، وعلى أن العلة ملك البضع فلا شك أنها لم تكن مالكة لمنافع
بضعها قبل العتق من كل وجه بدليل أنها لا تملك أن تزوج نفسها بغير إذن المولى وقد ملكت
ذلك بعد العتق فصح أن يقال إنها ملكت بضعها بالعتق فدخلت تحت النص. وإنما لم يجز
وطؤها للمولى وجبرها على النكاح لا لأجل أنها ملكت بضعها بل لعقد الكتابة لأنه أوجب
عدم التعرض لها في إكسابها وهو منها فترجح به قول أئمتنا خصوصا قد حدث مالك في
الموطأ أن بريرة كانت مكاتبة عائشة رضي الله عنها، وأنها خيرت حين أعتقت فكان نصا في
المسألة، فكان زفر محجوجا به. وشمل إطلاق الأمة القنة والمدبرة وأم الولد، وشمل الكبيرة
والصغيرة، فإذا أعتقت الصغيرة توقف خيارها إلى بلوغها لأن فسخ النكاح من التصرفات
المترددة بين النفع والضرر فلا تملكه الصغيرة ولا يملكه وليها عليها لقيامه مقامها. كذا في
جامع الفصولين فإذا بلغت كان لها خيار العتق لاخيار البلوغ على الأصح. كذا في الذخيرة
وقدمناه. وشمل ما إذا كان النكاح أو لا، صدر برضاها أو جبرا. وشمل ما إذا كانت حرة

350
في الأصل ثم صارت أمة ثم أعتقت لما في المبسوط: لو كانت حرة في أصل العقد ثم
صارت أمة ثم أعتقت بأن ارتدت امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا - والعياذ بالله
تعالى - ثم سبيا معا فأعتقت الأمة كان لها الخيار عند أبي يوسف لأنها بالعتق ملكت أمر
نفسها وازداد ملك الزوج عليها، ولا خيار لها عند محمد لأن بأصل العقد يثبت عليها ملك
كامل برضاها ثم انتقص الملك فإذا أعتقت عاد إلى أصله كما كان اه‍. ولا يخفى ترجيح قول
أبي يوسف لدخولها تحت النص. وفي فتاوى قاضيخان أن خيار البلوغ يفارق خيار العتق من
وجوه: أحدها أن خيار العتق يبطل بالقيام من المجلس. والثاني أن الجهل بخيار العتق عذر.
والثالث أنه يثبت للأمة دون الغلام. والرابع أنه لا يبطل بالسكوت وإن كانت بكرا.
والخامس أن الفرقة لا تتوقف فيه على القضاء بخلاف خيار البلوغ في الكل. وفيها أيضا أن
خيار العتق بمنزلة خيار المخيرة وإنما يفارقه من وجه واحد وهو أن الفرقة في خيار العتق
عذر. والثالث أنه يثبت للأمة دون الغلام. والرابع أنه لا يبطل بالسكوت وإن كانت بكرا.
والخامس أن الفرقة لا تتوقف فيه على القضاء بخلاف خيار البلوغ في الكل. وفيها أيضا أن
خيار العتق بمنزلة خيار المخيرة وإنما يفارقه من وجه واحد وهو أن الفرقة في خيار العتق لا
تكون طلاقا، وفي خيار المخيرة يكون طلاقا اه‍. ويزاد على هذا ما في جامع الفصولين أن
الجهل بأن لها الخيار في خيار المخيرة ليس بعذر بخلافه في الاعتاق، وفرقوا بينهما بأن الأمة
لا تتفرغ للعلم بخلاف المخيرة، ومقتضاه أن المخيرة لو كانت أمة فإنها تعذر بالجهل اه‍. وفيه
أيضا أن الأمة إذا أعتقت في عدة الرجعي لها الخيار.
ثم اعلم أن الظاهر الاطلاق من أن الجهل في المخيرة ليس بعذر لأنهم عللوا كونه
عذرا في خيار العتق بعلتين: إحداهما أن الأمة مشغولة بخدمة المولى فلا تتفرغ لمعرفة أن لها
الخيار بخلاف الجهل بخيار البلوغ فإن الحرة الصغيرة لم تكن مشغولة بخدمة أحد. ثانيهما أن
سبب الخيار في العتق لا يعلمه إلا الخواص من الناس لخفائه بخلاف خيار البلوغ لأنه ظاهر

351
يعرفه كل أحد، ولظهوره ظن بعض الناس أنه يثبت في نكاح الأب أيضا. هكذا في شرح
التلخيص. فالعلة الأولى وإن كانت لا تفيد أن الجهل في خيار المخيرة الأمة ليس بعذر،
فالعلة الثانية تفيده لأن ثبوت الخيار مع التخيير ظاهر يعرفه كل أحد. وفي جامع الفصولين:
اختارت نفسها بلا علم الزوج يصح، وقيل لا يصح بغيبة الزوج اه‍. وفي غاية البيان: إن
اختارت نفسها فلا مهر لها إن لم يكن دخل بها الزوج لأن اختيارها نفسها فسخ من الأصل،
وإن كان دخل بها فالمهر واجب لسيدها لأن الدخول بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى،
وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها دخل الزوج بها أولم يدخل، لأن المهر واجب بمقابلة ما
ملك الزوج من البضع وقد ملكه عن المولى فيكون بدله للمولى اه‍. فالحاصل أن المهر للمولى
في سائر الوجوه إلا إذا اختارت نفسها قبل الدخول. وفي المحيط: زوج عبده جاريته ثم
أعتقها فلم تعلم أن لها الخيار حتى ارتدا لحقا بدار الحرب ورجعا مسلمين ثم علمت بثبوت
الخيار أو علمت بالخيار في دار الحرب فلها الخيار في مجلس العلم، وبمثله لو سبيا ليس لها
الخيار لأن بالسبي يبطل العتق فانعدم سبب الخيار فلم يثبت الخيار اه‍. وفي التلخيص ولا
يبطل بارتدادها إلا إذا قضى باللحاق للموت اه‍. وأطلق المصنف في تخييرها فشمل ما إذا
كانت حائضا وكذا قال في المحيط: لا بأس بأن تختار نفسها، حائضا كانت أو طاهرة، وكذا
الصبية إذا أدركت بالحيض لأنه ليس بطلاق ولان فيه ضرورة لأن التأخير لا يمكن اه‍.
قوله: (ولو نكحت بلا إذن فعتقت نفذ بلا خيار) أي نكحت الأمة بغير إذن المولى ثم
أعتقت فإنه ينفذ ذلك النكاح من جهتها لأنها من أهل العبارة وامتناع النفوذ لحق المولى وقد
زال، ولا خيار لها لأن النفوذ بعد العتق فلا تتحقق زيادة الملك كما إذا زوجت نفسها بعد
العتق. ولذا قال الأسبيجابي: الأصل أن عقد النكاح متى تم على المرأة وهي مملوكة يثبت لها
خيار العتق، ومتى تم عليها وهي حرة لا يثبت لها خيار العتق اه‍. ولو اقترنا لا خيار لها
كما لو زوجها فضولي وأعتقها فضولي فأجاز المولى الكل فإنه لا خيار لها. كذا في تلخيص
الجامع. أطلق في الأمة فشمل القنة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة لكن في المدبرة وأم الولد
تفصيل، ففي المدبرة إن أعتقها المولى في حياته فالحكم كالقنة إذا أعتقت. وإن عتقت بموت
المولى فقال في الظهيرية: لو تزوجت مدبرة بغير إذن مولاها ثم مات المولى وقد خرجت من
الثلث جاز النكاح وإن لم تخرج لم يجز حتى تؤدي السعاية عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز اه‍.
وأما أم الولد إذا أعتقها أو مات عنها المولى فإن النكاح لا ينفذ لأن العدة وجبت عليها من
المولى كما عتقت، والعدة تمنع نفاذ النكاح. كذا في المحيط والخانية. وينبغي أن يقال في

352
جواب المسألة فإن النكاح يبطل لأنه لا يمكن توقفه مع وجود العدة إذ النكاح في عدة الغير
فاسد، ويدل عليه ما زاد في المحيط في هذه المسألة: فإن دخل بها الزوج قبل العتق نفذ
النكاح. وهذا إنما يصح على رواية ابن سماعة عن محمد لأنه وجبت العدة من الزوج فلا تجب
العدة من المولى، ولا يصح على ظاهر الرواية لأنه لا تجب العدة من الزوج فوجبت العدة من
المولى، ووجوب العدة من المولى قبل الإجازة يوجب انفساح النكاح اه‍. فقوله يوجب
الانفساخ ظاهر فيه، وإنما قيد المصنف بالأمة مع أن الحكم في العبد أنه إذا تزوج بلا إذن ثم
أعتق فإن النكاح ينفذ لزوال المانع فيهما لأجل أن يبين نفي الخيار، ولذا قال في فتح القدير:
ولا فرق بين الأمة والعبد في هذا الحكم وإنما فرضها في الأمة ليرتب عليها المسألة التي تليها
تفريعا اه‍. وفي تلخيص الجامع: ولو زوج فضولي عبدا امرأتين ثم امرأتين ثم عتق يخير في
اثنتين كيف شاء بخلاف ما لو باشر العبد حيث يخير في الآخريين لأنه رد في الأوليين كما أن
الحر لو تزوج أربعا ثم أربعا ثم ثنتين بغير أمرهن توقف في الأخريين وارتد الباقي، ولو أجاز
العبد النكاح في ثلاث بطل عقدهن لأن الجمع إجازة كالجمع حالة العقد ويخير في الرابعة، وكذا
لو زوج فضولي حرا له امرأة أربعا في عقود فماتت امرأته لا يخير إلا في الثلاث، وإن كان في عقد
يلغو كما لو زوجه أختها أو تزوج مكاتبته ثم عتقت وإنما يوقف ماله مجيز حالة العقد ا ه‍.
وقيد بالنكاح لأنها لو اشترت شيئا فأعتقها المولى لا ينفذ الشراء بل يبطل لأنه لو نفذ
عليها لتغير المالك. وقيد بالرقيق لأن الصبي إذا تزوج بغير إذن وليه ثم بلغ فإنه لا ينفذ بل
يتوقف على إجازته لأنه لم يكن أهلا له أصلا فلم يكن نافذا من جهته، ولان الولي الابعد إذا
زوج مع وجود الأقرب ثم غاب الأقرب أو مات فتحولت الولاية إلى المزوج فإنه يتوقف على
إجازة مستأنفة منه وإن زال المانع لأن الابعد حين باشر لم يكن وليا، ومن لم يكن وليا في
شئ لا يبالي بعواقبه اتكالا على رأي الأقرب فيتوقف على إجازته ليتمكن من الأصلح، فليس
هو من باب زوال المانع لأن له ولاية جديدة، ولان المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة حتى
توقف على إجازتها ثم أدت المال قبل الإجازة فعتقت فإنه لا ينفذ ذلك العقد، بل لا بد من
إجازة المولى وإن كان هو العاقد لأنه لم يكن وليا حين العقد فلا يبالي بعواقبه وفيه ما قدمناه
من البحث. وقيد بالعتق لأنه لو تزوج العبد بلا إذن ثم أذن له فإنه لا ينفذ إلا بإجازة المولى

353
أو العبد وقدمناه من البحث. وقيد بالعتق لأنه لو تزوج العبد بلا إذن ثم أذن له فإنه لا ينفذ
إلا بإجازة المولى أو العبد وقدمناه، ولأنه لو انتقل الملك إلى غير المولى كالمشتري والموهوب له
والوارث فإن الإجازة تنتقل إلى المالك الثاني. ولا يبطل العقد إن كان المتزوج بلا إذن عبدا،
وإن كان أمة فإن كان المالك الثاني لا يحل له وطؤها فإنه ينفذ بإجازته، وإن كان يحل له
وطؤها، فإن كان لم يدخل بها الزوج لم تصح الإجازة وبطل العقد الموقوف لأنه طرأ حل بات
على موقوف فأبطله، وإن كان قد دخل بها الزوج ففي رواية ابن سماعة عن محمد تصح
الإجازة لوجوب العدة عليها بهذا الدخول فلا يحل فرجها للمشتري فتصح إجازة المشتري.
وجزم به قاضيخان في فتاواه، وظاهر الرواية أنه لا تصح الإجازة كما في المحيط وهو
المذكور في كافي الحاكم الشهيد، وقواه شمس الأئمة السرخسي بأن وجوب العدة إنما يكون
بعد التفريق بينهما، فأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة، فاعتراض الملك الثاني يبطل الملك
الموقوف وإن كان هو ممنوعا من غشيانها وقد أسلفناه وظاهر ما في المحيط أنه لا عدة في
النكاح الموقوف بعد الوطئ أصلا وقد أسلفناه. وأراد المصنف من الأمة الأمة الكبيرة لأنها لو
كانت صغيرة تزوجت بغير إذن المولى ثم أعتقها فإنه لا ينفذ ذلك العقد ويبطل على قول زفر،
وعندنا يتوقف على إجازة المولى إن لم يكن لها عصبة سواه، وإن كان لها عصبة غير المولى فإذا
أجاز جاز، وإذا أدركت فلها خيار الادراك في غير الأب والجد. كذا في شرح الطحاوي.
وقيد بكون التوقف لأجل المولى لأن المولى لو زوج أمته الكبيرة رجلا برضاها وقبل عن الزوج
فضولي ثم أعتقت قبل إجازة الزوج فإن لها النقض، ولو نقض المولى قالوا لا يصح، فإن
أجاز الرجل قبل النقض فلا خيار لها والمهر لها، ولو كان زوجها بغير رضاها فلها الرد وإن
أجاز الزوج، وتمامه في المحيط.
قوله: (فلو وطئ قبله فالمهر له وإلا فلها) أي لو وطئ زوج الأمة التي نكحت بغير
إذن قبل العتق ثم نفذ بالعتق فالمهر للمولى، وإن وطئها بعد العتق فالمهر لها لأنه في الأول
استوفى منافع مملوكة للمولى، وفي الثاني لها، وفي القياس يجب عليه مهران: مهر للمولى
بالدخول لشبهة النكاح قبل العتق، ومهر لها لنفوذ العقد عليها بعد العتق، ولكنا استحسنا
وقلنا لا يجب إلا مهر واحد للمولى لأن وجوبه إنما يكون باعتبار العقد، والعقد الواحد لا
يوجب إلا مهرا واحدا، وإذا وجب به المهر للمولى لا يجب لها به مهر آخر، يوضحه أن
الإجازة وإن كانت بعد العتق فحكمها يستند إلى أصل العقد. كذا في المبسوط. وإنما لم
يقسم المهر ههنا بين المولى وبينها كما قال الإمام في مسألة حبس المرأة نفسها بعد الدخول
برضاها حتى يوفيها مهرها معللا بأن المهر مقابل بالكل أي بجميع وطآت توجد في النكاح
حتى لا يخلو الوطئ عن المهر لأن قسمته على جميع الوطآت إذا لم يختلف المستحق لأن
الجهالة لا تضر فيه، وأما إذا اختلف المستحق كما في هذه المسألة فلا يمكن قسمته

354
فاستحقه بتمامه من حصل الوطئ الأول على ملكه، وبهذا اندفع ما ذكره في التبيين. وأراد
المصنف بالمهر المهر المسمى لا مهر المثل. قال في الهداية: والمراد بالمهر الألف المسمى لأن
نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العتق فصحت التسمية ووجب المسمى. وفي فتح
القدير: وقد يورد فيقال لو استند إلى أصل العقد يجب كون المهر للمولى كما لو تزوجت
بإذن المولى ولم يدخل بها حتى أعتقها وهو بمعزل عن صورة المسألة فإنما النفاذ بالعتق وبه
تملك منافعها بخلاف النفاذ بالاذن والرق قائم. ثم اعلم أن حاصل الخيارات في النكاح
خمسة: خيار المخيرة والعتق والبلوغ والنقصان عن مهر المثل والتزوج بغير كف ء والخيار
في الأخيرين للأولياء. ويزاد خيار العنة والخصي والجب.
قوله: (ومن وطئ أمة ابنه فولدت فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولده وعليه قيمتها لا
عقرها وقيمة ولدها) لأن له ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء فله تملك جارية ابنه
للحاجة إلى صيانة الماء. وحاصل وجوه مسألة جارية الابن إذا ولدت من الأب فادعاه ست
وتسعون، لأنه إما أن يصدقه الابن أو يكذبه أو يدعيه معه أو يسكت، وكل من الأربعة إما
أن تكون قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة، وكل من الستة عشر إما أن تكون كلها له أو بينه
وبين أجنبي أو بينه وبين أبيه وكل من الثمانية والأربعين إما أن يكون الأب أهلا للولاية أو
لا غير أن الحاجة إلى إبقاء نسله دونها إلى إبقاء نفسه فلهذا يمتلك الجارية بالقيمة والطعام بغير
القيمة، ثم هذا الملك يثبت قبيل الاستيلاد شرطا له إذا المصحح حقيقة الملك أو حقه وكل
ذلك غير ثابت للأب فيها حتى يجوز له التزوج بها فلا بد من تقديمه، فتبين أن الوطئ يلاقي
ملكه فلا يلزمه العقر وقيمة الولد. وقال زفر والشافعي: يلزمه المهر لأنهما يثبتان الملك حكما

355
للاستيلاد كما في الجارية المشتركة. وأفاد بإضافة الأمة إلى ابنه أنها مملوكة للابن من وقت
العلوق إلى وقت الدعوى، فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه ثم
استردها لم تصح الدعوة لأن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق فيستدعي قيام
ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك. هذا إن كذبه الابن، فإن صدقه صحت الدعوة
ولا يملك الجارية كما إذا ادعاه أجنبي ويعتق على المولى كما في المحيط. وأفاد أيضا أنها كلها
للابن، فإن كانت مشتركة بينه وبين أجنبي كان الحكم كذلك إلا أنه يضمن لشريكه نصف
عقرها ولم أره، ولو كانت مشتركة بين الأب والابن أو غيره تجب حصة الشريك الابن وغيره
من العقر وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل
إذ ما فيها من الملك يكفي لصحة الاستيلاد، وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما له لا
شرطا. كذا في فتح القدير، وهي مسألة عجيبة فإنه إذا لم يكن للواطئ فيها شئ لا مهر
عليه، وإذا كانت مشتركة لزمه. وأطلق الأمة وهي مقيدة بالقنة بقرينة قوله وعليه قيمتها
لأن القابل للانتقال من ملك المولى القنة فقط، فخرج عن هذا الحكم المدبرة وأم الولد
والمكاتبة، فلو ادعى ولد مدبرة ابنه أو ولد أم ولده المنفي من جهة الابن أو ولد مكاتبته الذي
ولدته في الكتابة أو قبلها لا تصح دعواه إلا بتصديق الابن. كذا في المحيط. وقيد بابنه لأنه
لو وطئ جارية امرأته أو والده أو جده فولدت وادعاه لا يثبت النسب ويدرأ عنه الحد
للشبهة، فإن قال أحلها المولى لي لا يثبت النسب إلا أن يصدقه المولى في الاحلال وفي أن
الولد منه، فإن صدقه في الامرين جميعا ثبت النسب وإلا فلا، وإن كذبه المولى ثم ملك
الجارية يوما من الدهر ثبت النسب. كذا في الخانية. وفي القنية: وطئ جارية أبيه فولدت
منه لا يجوز بيع هذا الولد، ادعى الواطئ الشبهة أو لا، لأنه ولد ولده فيعتق عليه حين
دخل في ملكه، وإن لم يثبت النسب كمن زنى بجارية غيره فولدت منه ثم ملك الولد يعتق
عليه وإن لم يثبت نسبه منه اه‍.
وأطلق في الابن فشمل الكبير والصغير. كذا في المحيط. وقيد بالولادة لأنه لو وطئ
أمة ابنه ولم تحبل فإنه يحرم عليه وإن كان لا يحد ولا يملكها ويلزمه عقرها بخلاف ما إذا

356
حبلت منه فإنه يتبين أن الوطئ حلال لتقدم ملكه عليه، ولا يحد قاذفه في المسألتين، أما إذا لم
تلد منه فظاهر لأنه وطئ وطأ حراما في غير ملكه، وأما إذا حبلت منه فلان شبهة الخلاف
في أن الملك يثبت قبل الايلاج أو بعده مسقط لاحصانه كما في فتح القدير وغيره، وقد
قدمنا أن الأب إذا تكرر منه الوطئ لم تحبل فإنه يلزمه مهر واحد بخلاف ما إذا وطئ الابن
جارية الأب مرارا وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطئ مهر والفرق قد ذكرناه. وأشار بقوله
فادعاه إلى أنه من أهل ولاية الدعوة، فلو كان الأب عبدا أو مكاتبا أو كافرا أو مجنونا لم
تصح دعوته لعدم الولاية، ولو أفاق المجنون ثم ولدت لأقل من ستة أشهر يصح استحسانا
لا قياسا، ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتيهما مختلفة جازت الدعوة من الأب كما في فتح
القدير. وإلى أنه لو ادعاه وهي حبلى قبل الولادة لم تصح دعوته حتى تلد ولم أره الآن
صريحا، وإلى أنه ادعاه وحده فلو ادعاه الابن مع دعواه لأب قدمت دعوة الابن لأنها سابقة
معنى، ولو كانت مشتركة بينه وبين الأب فادعياه قدمت دعوة الأب لأن له جهتين حقيقة
الملك في نصيبه وحق الملك في نصيب ولده كما في البدائع. وينبغي أن يقال وحق المتملك
بدل قوله وحق الملك لما قدمناه. وفي المحيط: ولو ولدت ولدين في بطن واحد فباع المولى
أحدهما فادعى أبو البائع الولدين وكذبه البائع والمشتري صحت الدعوة وثبت نسب الولدين
وعتق ما في يد الابن بغير قيمة وما في يد المشتري عبد بحاله وصارت أم ولد له اه‍. وإلى
أنه لا تشترط دعوى الشبهة من الأب، وإلى أنه لا يشترط تصديق الابن لأنه لم يشترط غير
دعوى الولد من الأب. وأطلق في وجوب القيمة فشمل ما إذا كان الأب موسرا أو معسرا
كما في شرح النقاية. وفي فتح القدير: والعقر مهر مثلها في الجمال أي ما يرغب فيه في
مثلها جمالا فقط، وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه بل العادة أن ما
يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول والعادة زيادة عليه اه‍. وفي
المحيط: لو استحقها رجل يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لأن الأب صار مغرور أو يرجع الأب
على الابن بقيمة الجارية دون العقر وقيمة الولد لأن الابن ما ضمن لسلامة الأولاد اه‍. هذا
وقد ذكر القدوري هذه المسألة في باب الاستيلاد، والمصنف ذكرها ههنا لمناسبتها لنكاح
الرقيق فإن الموطوءة هنا مرقوقة.

357
قوله: (ودعوة الجد كدعوة الأب حال عدمه) أي عدم الأب لقيامه مقامه، والمراد
بعدمه عدم ولايته بالموت أو الكفر أو الرق أو الجنون لا عدم وجوده فقط، وليس مراده
بحال العدم أن يكون الأب معدوما وقت الدعوة فقط لأنه يشترط أن يكون معدوما وقت
العلوق أيضا، فيحنئذ يشترط أن يثبت ولايته من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو أتت
بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما ذكرنا في الأب، ولما
شرط المصنف عدم الأب لولاية دعوة الجد علم أن ولاية الحد منتقلة من الأب إليه فأفاد أنه
أبو الأب، وأما الجد أبو الأم وغيره من ذوي الرحم المحرم فلا يصدق في جميع الأحوال
لفقد ولايتهم. كذا في المحيط قوله: (ولو زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له ويجب المهر لا
القيمة وولدها حر) لأنه يصح التزوج عندنا خلافا للشافعي لخلوها عن ملك الأب، ألا ترى
أن الابن ملكها من كل وجه فمن المحال أن يملكها الأب من وجه، وكذلك يملك الابن من
التصرفات ما لا يبقى معها ملك الأب لو كان فدل ذلك على انتفاء ملكه إلا أنه يسقط الخد
للشبهة، فإذا أجاز النكاح صار ماؤه مصونا به فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له ولا
قيمة عليه فيها ولا في ولدها لأنه لم يملكها وعليه المهر لالتزامه بالنكاح، والولد حر لأنه
ملك أخاه فعتق عليه بالقرابة. كذا في الهداية. وظاهره أن الولد علق رقيقا واختلف فيه،
فقيل يعتق قبل الانفصال، وقيل يعتق بعد الانفصال وثمرته تظهر في الإرث حتى لو مات
المولى وهو الابن يرثه الولد على الأول دون الثاني، والوجه هو الأول لأن الولد حدث على
ملك الأخ من حين العلوق فلما ملكه عتق عليه بالقرابة بالحديث. كذا في غاية البيان.
والظاهر عندي هو الثاني لأنه لا ملك له من كل وجه قبل الوضع لقولهم الملك هو القدرة
على التصرفات في الشئ ابتداء، ولا شك أنه لا قدرة للسيد على التصرف في الجنين قبل
وضعه ببيع أو هبة وإن صح الايصاء به واعتاقه فلم يتناوله الحديث لأنه في المملوك من كل
وجه، ولذا قالوا: لو قال كل مملوك أملكه فهو حر لا يتناول الحمل لأنه ليس بمملوك من
كل وجه. فلو قال المصنف ولو تزوجها أبوه بدل قوله ولو زوجها أباه لكان أولى لشموله
ما إذا كانت الجارية لولده الصغير فتزوجها الأب فإنه صحيح ولا تصير أم ولد له. قال
قاضيخان في فتاواه: إذا تزوج الرجل جارية ولده الصغير فولدت منه لا تصير أم ولد له
ويعتق الولد بالقرابة، وإذا أراد الرجل أن يطأ جاريته لا تصير أم ولد منه لو ولدت فإنه
يبيعها من ولده الصغير ثم يتزوجها اه‍. أطلق في التزوج فشمل الصحيح والفاسد كما صرح
به في التبيين لأن الفاسد منه يثبت فيه النسب فاستغنى عن تقدم الملك له. وفي النهاية:

358
الوطئ بشبهة كالنكاح وعبارتها: وكذلك لو استولدها بنكاح فاسد ووطئ بشبهة لا تصير أم
ولد له، وعلله آخرا بأنه غير محتاج إلى تملكها لاثبات النسب بل النكاح أو شبهة النكاح يكفي
لذلك اه‍. فعلى هذا فقولهم ومن وطئ جارية ابنه فولدت فادعاه يثبت نسبه محله ما إذا
وطئها عالما بالحرمة، وأما إذا وطئ بالشبهة فلا تصير أم ولد له مع أنهم قالوا كما ذكرناه لا
فرق بين أن يدعي الشبهة أو لا، فظاهر كلامهم أن الوطئ بشبهة ليس كالنكاح.
قوله: (حرة قالت لسيد زوجها أعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح) وقال زفر: لا
يفسد وأصله أنه يقع العتق عن الآمر عندنا حتى يكون الولاء له ولو نوى به الكفارة يخرج
عن العهدة. وعنده يقع عن المأمور لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه وهذا محال لأنه لا
عتق فيما لا يملك ابن آدم فلم يصح الطلب فيقع العتق عن المأمور. ولنا أنه أمكن تصحيحه
بتقديم الملك بطريق الاقتضاء إذ الملك شرط لصحة العتق عنه فيصير قوله أعتق طلب
التمليك منه بالألف ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه. وقوله أعتقت تمليك منه ثم إعتاق عنه،
وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين. فالحاصل أن هذا من باب الاقتضاء
وهو دلالة اللفظ على مسكوت يتوقف صدقه عليه أو صحته فالمقتضي - بالفتح - ما استدعاه
صدق الكلام كرفع الخطأ والنسيان أو حكم لزمه شرعا كمسألة الكتاب فالملك فيه شرط وهو
تبع للمقتضى وهو العتق إذ الشروط اتباع فلذا ثبت البيع المقتضى - بالفتح - بشروط المقتضي
وهو العتق لا بشروط نفسه إظهارا للتبعية فسقط القبول الذي هو ركن البيع، ولا يثبت فيه
خيار الرؤية والعيب، ولا يشترط كونه مقدور التسليم حتى صح الامر بإعتاق الآبق. ولو
قال أعتقه عني بألف ورطل من خمر فأعتقه وقع عن الآمر وسقط اعتبار القبض في الفاسد
لأنه ملحق بالصحيح في احتمال سقوط القبض هنا، ويعتبر في الآمر أهلية الاعتاق حتى لو
كان صبيا مأذونا لم يثبت البيع بهذا الكلام لكونه ليس بأهل للاعتاق. وأشار بفساد النكاح إلى
سقوط المهر لاستحالة وجوبه على عبدها، وإلى أنه لو قال رجل تحته أمة لمولاها أعتقها عني
بألف ففعل عتقت الأمة وفسد النكاح للتنافي أيضا لكن لا يسقط المهر. وقيد بكون المأمور
فعل ما أمر به لأنه لو زاد عليه بأن قال بعتك بألف ثم أعتقت لم يصر مجيبا لكلامه بل كان
مبتدأ ووقع العتق عن نفسه كما في غاية البيان، يعني فلا يفسد النكاح في مسألة الكتاب
قوله: (ولو لم تقل بألف لا يفسد النكاح والولاء له) أي للمأمور وهذا عند أبي حنيفة ومحمد،
وقال أبو يوسف: هذا والأول سواء لأنه يقدم التمليك بغير عوض تصحيحا لتصرفه،
ويسقط اعتبار القبض كما إذا كان عليه كفارة ظهار فأمر غيره أن يطعم عنه. ولهما أن الهبة
من شروطها القبض بالنص ولا يمكن إسقاطه ولا إثباته اقتضاء لأنه فعل حسي بخلاف البيع
لأنه تصرف شرعي وفي تلك المسألة الفقير ينوب عن الآمر في القبض، أما العبد فلا يقع في

359
يده شئ لينوب عنه، فالحاصل أن فعل اليد الذي هو الاخذ لا يتصور أن يتضمنه فعل
اللسان ويكون موجودا بوجوده بخلاف القول فإنه يتضمن ضمن قول آخر ويعتبر مراده معه
وهذا ظاهر. وقول أبي اليسر وقول أبي يوسف أظهر لا يظهر. كذا في فتح القدير. وإنما
يسقط القبض فيما قدمناه وهو أعتقه عني بألف ورطل من خمر لأن الفاسد ملحق بالصحيح
في احتمال سقوط القبض. كذا في البدائع والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع
والمآب.
باب نكاح الكافر
لما فرغ من نكاح المسلمين بمرتبتيه الأحرار والأرقاء، شرع في بيان نكاح الكفار.
والتعبير بنكاح الكافر أولى من التعبير بنكاح أهل الشرك كما في الهداية لأنه لا يشمل الكتابي
إلا على قول من يدخله في المشرك باعتبار قول طائفة منهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله رب
العزة والكبرياء المنزه عن الولد. وههنا ثلاثة أصول: الأول أن كل نكاح صحيح بين
المسلمين فهو صحيح إذا تحقق بين أهل الكفر لتظافر الاعتقادين على صحته ولعموم الرسالة،
فحيث وقع من الكفار على وفق الشرع العام وجب الحكم بصحته خلافا لمالك، ويرده قوله
تعالى * (وامرأته حمالة الحطب) * (المسد: 4) وقوله عليه الصلاة والسلام ولدت من نكاح لا
من سفاح كما في المعراج. الثاني أن كل نكاح حرم بين المسلمين لفقد شرطه كالنكاح بغير
شهود أو في العدة من الكافر يجوز في حقهم إذا اعتقدوه وعند أبي حنيفة ويقران عليه بعد
الاسلام. الثالث أن كل نكاح حرم لحرمة المحل كنكاح المحارم واختلف فيه على قوله، قال
مشايخنا: يقع جائزا. وقال مشايخ العراق: يقع فاسدا وسيأتي قوله: (تزوج كافر بلا شهود
أو في عدة كافر وذا في دينهم جائز ثم أسلما اقرا عليه) يعني عند أبي حنيفة، ووافقاه في
الأول وخالفاه في الثاني لأن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا ملتزمين لها، وحرمة
النكاح بغير شهود مختلف فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات، وبه اندفع قول زفر
من التسوية بينهما. ولأبي حنيفة أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع لأنهم لا يخاطبون

360
بحقوقه، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأنه لا يعتقده، وإذا صح النكاح فحالة
الاسلام والمرافعة حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا
وطئت بشبهة. أطلق الكافر فشمل الذمي والحربي، وبحث المحقق في فتح القدير في قولهم
إن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع لأنهم لا يخاطبون بحقوقه بأن أهل الأصول اتفقوا على
أنهم مخاطبون بالمعاملات والنكاح منها، وكونه من حقوق الشرع لا ينافي كونه معاملة فيلزم
اتفاق الثلاث على أنهم مخاطبون بأحكام النكاح غير أن حكم الخطاب إنما يثبت في حق
المكلف ببلوغه إليه والشهرة تنزل منزلته وهي متحققة في حق أهل الذمة دون أهل الحرب،
فمقتضى النظر التفصيل بين أن يكون ذميا فلا يقر عليه، وبين أن يكون حربيا فيقر عليه
ا ه‍. وجوابه أن النكاح لم يتمحض معاملة بل فيه معنى العبادة ولهذا كان الاشتغال به أولى
من التخلي للنوافل، فما ذكره الأصوليون إنما هو في المعاملة المحضة فلا منافاة بين
الموضعين، فلا فرق بين الذمي والحربي في هذا الحكم، وقيد بكونه في عدة كافر لأنها لو
كانت في عدة مسلم فإنه لا يجوز لا يقران عليه اتفاقا، وظاهر كلام الهداية أنه لا عدة من
الكافر عند الإمام أصلا وفيه اختلاف المشايخ، فذهب طائفة إليه، وأخرى إلى وجوبها عنده
لكنها ضعيفة لا تمنع من صحة النكاح لضعفها كالاستبراء. وفائدة الاختلاف تظهر في ثبوت
الرجعة للزوج بمجرد طلاقها وفي ثبوت نسب الولد إذا أتت به لأقل من ستة أشهر، فعلى
الأول لا يثبتان، وعلى الثاني يثبتان، واختار في فتح القدير الأول ومنع عدم ثبوت النسب

361
لجواز أن يقال لا تجب العدة. وإذا علم من له الولد بطريق آخر وجب إلحاقه به بعد كونه
عن فراش صحيح ومجيئها به لأقل من ستة أشهر من الطلاق مما يفيد ذلك فيلحق به، وهم لم
ينقلوا ذلك عن أبي حنيفة بثبوته ولا عدمه بل اختلفوا أن قوله بالصحة بناء على عدم وجوبها
فيتفرع عليه ذلك أولا فلا. قلنا: أن نقول بعدمها ويثبت النسب في الصورة المذكورة ا ه‍.
وقيد بكونه جائزا في دينهم لأنه لو لم يكن جائزا عندهم يفرق بينهما اتفاقا لأنه وقع باطلا
فيجب التجديد. وفي فتح القدير: فيلزم في المهاجرة لزوم العدة إذا كانوا يعتقدون ذلك لأن
المضاف إلى تباين الدار الفرقة لا نفي العدة. وأطلق في عدم التفريق بالاسلام فشمل ما إذا
أسلما والعدة منقضية أو غير منقضية لكن إذا أسلما وهي منقضية لا يفرق بالاجماع كما في
المبسوط، ولم يذكر عدم التفريق فيما إذا ترافعا إلينا لأنه معلوم من الاسلام بالأولى.
قوله: (ولو كانت محرمه فرق بينهما) أي لو كانت المرأة محرما للكافر فإن القاضي يفرق
بينهما إذا أسلما أو أحدهما اتفاقا لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما
ذكرنا في العدة ووجب التعرض بالاسلام فيفرق، وعنده له حكم الصحة في الصحيح إلا أن
المحرمية تنافي بقاء النكاح فيفرق بخلاف العدة لأنها لا تنافيه، ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما
وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده خلافا لهما. والفرق أن استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة
صاحبه إذ لا يتغير به اعتقاده، أما اعتقاد المصر لا يعارض إسلام المسلم لأن الاسلام يعلو
ولا يعلى عليه، ولو ترافعا يفرق بالاجماع لأن مرافعتهما كتحكيمهما. كذا في الهداية. فأفاد
أن الصحيح أن عقده على محرمه صحيح، وقيل فاسد، وفائدة الخلاف تظهر في وجوب
النفقة إذا طلبت وفي سقوط إحصانه بالدخول فيه، فعلى الصحيح يجب ولا يسقط حتى لو
أسلم وقذفه إنسان يحد، ومقتضى القول بالصحة أن يتوارثا، والمنقول في البدائع أنهما لا

362
يتوارثان اتفاقا، وعلله في التبيين بأن الإرث يثبت بالنص على خلاف القياس فيما إذا كانت
الزوجية مطلقة بنكاح صحيح فيقتصر عليه، وعلله في المحيط بأن نكاح المحارم في شريعة
آدم لم يثبت كونه سببا لاستحقاق الميراث في دينه فلا يصير سببا للميراث في ديانتهم لأنه لا
عبرة لديانتهم إذ لم يعتمد شرعا ما ا ه‍. وقد يقال: هل كان نكاح المحارم في تلك الشريعة
سببا لوجوب النفقة؟ فالحاصل أن في نكاح المحارم يفرق بينهما القاضي بإسلام أحدهما أو
بمرافعتهما لا بمرافعة أحدهما عند الإمام، وإما إذا لم تحصل المرافعة أصلا فلا تفريق اتفاقا
للامر بتركهم وما يدينون. وفي التبيين: وعلى هذا الخلاف المطلقة ثلاثا والجمع بين المحارم
أو الخمس ا ه‍. وذكر في المحيط: لو كانت امرأة الذمي مطلقة ثلاثا فطلبت التفريق يفرق
بينهما بالاجماع لأن هذا التفريق لا يتضمن إبطال حق على الزوج لأن الطلقات الثلاث قاطعة
لملك النكاح في الأديان كلها. ثم ذكر بعدها أنه يفرق بينهما من غير مرافعة في مواضع بأن
يخلعها ثم يقيم معها من غير عقد أو يطلقها ثلاثا ثم يتزوجها قبل التزوج بآخر لأنه زنا، أو
يتزوج كتابية في عدة مسلم صيانة لماء المسلم ا ه‍. فحاصله أنه إذا طلقها ثلاثا إن أمسكها من
غير أن يجدد النكاح عليها فرق بينهما، وإن لم يترافعا إلى القاضي، وإن جدد عقد النكاح

363
عليها من غير أن تتزوج بآخر فلا تفريق. كذا ذكره الأسبيجابي وهو مخالف لما ذكره في
المحيط لأنه سوى في التفريق بينهما بين ما إذا تزوجها أو لا حيث لم تتزوج بغيره. وفي
النهاية: لو تزوج أختين في عقدة واحدة ثم فارق إحداهما ثم أسلم أقرا عليه. وفي فتح
القدير: وينبغي على قول مشايخ العراق وما ذكرنا من التحقيق أن يفرق لوقوع العقد فاسدا
فوجب التعرض بالاسلام ا ه‍.
قوله: (ولا ينكح مرتد أو مرتدة أحدا) أما المرتد فلانه مستحق القتل، والامهال
ضرورة التأمل، والنكاح يشغله عنه فلا يشرع في حقه، ولا يرد مستحق القتل للقصاص
حيث يجوز له التزوج مع أنه يقتل لأن العفو مندوب إليه فيه فيسلم منه بخلاف المرتد لأنه لا
يرجع غالبا، وأما المرتدة فلأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه، ولأنه لا ينتظم
بينهما المصالح والنكاح ما شرع لعينه بل لمصالحه. وعبر بأحد في سياق النفي ليفيد العموم
فلا يتزوج المرتد مسلمة ولا كتابية ولا مرتدة ولا يتزوج المرتدة مسلم ولا كافر ولا مرتد
قوله: (والولد يتبع خير الأبوين دينا) لأنه أنظر له، فإن كان الزوج مسلما فالولد على دينه،
وكذا إن أسلم أحدهما وله ولد صغير صار ولده مسلما بإسلامه، سواء كان الأب أو الام.

364
وتتصور تبعيته لامه المسلمة وأبوه كافر بأن كانا كافرين فأسلمت فقبل عرض الاسلام عليه
ولدت كما في المعراج. وفي التبيين: وهذا إذا لم تختلف الدار بأن كانا في
دار الاسلام أو في دار الحرب أو كان الصغير في دار الاسلام وأسلم الوالد في دار الحرب لأنه من أهل دار
الاسلام حكما، فأما إذا كان الولد في دار الحرب والوالد في دار الاسلام فأسلم لا يتبعه
ولده ولا يكون مسلما بإسلامه لأنه لا يمكن أن يجعل الوالد من أهل دار الحرب بخلاف
العكس ا ه‍. وفي فتح القدير: أما لو تباينت دارهما بأن كان الوالد في دار الاسلام والولد
في دار الحرب أو على العكس فإنه لا يصير مسلما بإسلام الأب ا ه‍. وهو سهو فاجتنبه. ثم
اعلم أنه إذا صار مسلما بالتبعية ثم بلغ فإنه لا يلزمه تجديد الايمان لوقوعه فرضا، أما على
قول الماتريدي فظاهر لأنه قائل بوجوب أداء الايمان على الصبي العاقل كما في الت حرير، وأما
على قول فخر الاسلام فظاهر أيضا لأنه قائل بأصل الوجوب عليه وإن لم يجب أداؤه، فإذا
أداه وقع فرضا كتعجيل الزكاة قبل الحول، وأما على قول شمس الأئمة فكذلك وإن قال بعدم
أصل الوجوب عليه لأنه إنما قال به للترفيه عليه فإذا وجد منه وجد الوجوب كالمسافر إذا
صلى الجمعة، ولا خلاف لاحد في عدم وجوب نية الفرض عليه بعد بلوغه، وتمامه في فتح
القدير من باب المرتدين.
قوله: (والمجوسي شر من الكتابي) لأن للكتابي دينا سماويا بحسب الدعوى ولهذا
تؤكل ذبيحته وتجوز مناكحة الكتابية بخلاف المجوسي فكان شرا منه حتى إذا ولد ولد بين
كتابي ومجوسي فهو كتابي لأن فيه نوع نظر له حتى في الآخرة بنقصان العقاب كما في فتح

365
القدير. ثم اعلم أنه بعد ما حكم بكونه تبعا لخير الأبوين لا يزول بزوال الخيرية، فلو ارتد
المسلم منهما لا يتبعه الولد في الردة إلا إن لحق به المرتد إلى دار الحرب فإن الصبية المنكوحة
تبين من زوجها للتبياين إلا إذا كان أحد الأبوين مات على إسلامه وتمامه في المحيط. وبعد ما
حكم بكونه تبعا لأقلهما شرا إذا تمجس المتبوع بطلت التبعية، ولم يقل المصنف والكتابي خير
من المجوسي كما في المحيط، وبعض الكتب، لأنه لا خير في دين هؤلاء الطائفة ولكن في
كل منهما خلاف الخير، وفي المجوسية أكثر فيكون شرا منهما. وفي الخلاصة من كتاب
ألفاظ التكفير: لو قال النصرانية خير من اليهودية يكفر، وينبغي أن يقول اليهودية شر من
النصرانية ا ه‍. فهذا يقتضي أنه لو قال الكتابي خير من المجوسي يكفر مع أن هذه العبارة
وقعت لبعض مشايخنا كما سمعت إلا أن يقال بالفرق وهو الظاهر لأنه لا خيرية لاحدى
الملتين على الأخرى في أحكام الدنيا والآخرة بخلاف الكتابي بالنسبة إلى المجوسي للفرق بين
أحكامها في الدنيا والآخرة. وفي الخبازية ما يقتضي أن المنع إنما هو لتفضيل النصرانية على
اليهودية والامر بالعكس لأن اليهود نزاعهم في النبوات والنصارى في الإلهيات فالنصارى
أشد كفرا ا ه‍. وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يصح قوله في الخلاصة وينبغي أن يقول
اليهودية شر من النصرانية فعلم أن التكفير إنما هو لأجل إثبات الخيرية للكافر ولذا قال في
جامع الفصولين: لو قال النصرانية خير من المجوسية كفر وينبغي أن يقول المجوسية شر من
النصرانية ا ه‍. ويلزم على ما في البزازية من أن النصارى شر من اليهود أن الولد المتولد من
يهودية ونصراني أو عكسه أن يكون تبعا لليهودي دون النصراني. فإن قلت: ما فائدته؟
قلت: خفة العقوبة في الآخرة، وأما في الدنيا فلما ذكره الولوالجي من كتاب الأضحية أن

366
الكافر إذا دعا رجلا إلى طعامه، فإن كان مجوسيا أو نصرانيا يكره وإن قال اشتريت اللحم من
السوق لأن المجوسي يطبخ المنخنقة والموقوذة والمتردي والنصراني لا ذبيحة له وإنما يأكل
ذبيحة المسلم أو يخنق، وإن كان الداعي إلى الطعام يهوديا فلا بأس بأكله لأن اليهودي لا يأكل
إلا من ذبيحة اليهودي أو المسلم اه‍. فعلم أن النصراني شر من اليهودي في أحكام الدنيا
أيضا.
قوله: (وإذا أسلم أحد الزوجين عرض الاسلام على الآخر فإن أسلم وإلا فرق بينهما)
لأن المقاصد قد فاتت فلا بد من سبب تبتنى عليه الفرقة، والاسلام طاعة فلا يصلح سببا
فيعرض الاسلام لتحصل المقاصد بالاسلام أو تثبت الفرقة بالاباء وإضافة الشافعي الفرقة إلى
الاسلام من باب فساد الوضع وهو أن يترتب على العلة نقيض ما تقتضيه، وسيأتي أن زوج
الكتابية إذا أسلم فإنه يبقى النكاح لجواز التزوج بها ابتداء، فحينئذ صار المراد من عبارته هنا
أنهما إما مجوسيان فأسلم الزوج أو المرأة، أو كتابيان فأسلمت المرأة، أو أحدهما كتابي والآخر
مجوسي فأسلم الكتابي أو المجوسي وهو المرأة، فالحاصل أنهما إما أن يكونا كتابيين أو
مجوسيين أو أحدهما كتابي والآخر مجوسي وهو صادق بصورتين فهي أربعة، وكل من الأربعة
إما أن يكون المسلم الزوج أو الزوجة فهي ثمانية، ومنها مسألتان لا يعرض الاسلام فيهما
على الآخر وهما إذا كانت المرأة كتابية والزوج كتابي أو مجوسي والمسلم هو الزوج والباقية

367
مراده هنا. أطلق في الآخر فشمل البالغ والصبي لكن بشرط التمييز حتى يفرق بينهما بإباء
الصبي المميز باتفاق على الأصح، والفرق لأبي يوسف بين ردته وإبائه أن الاباء تمسك بما هو
عليه فيكون صحيحا، فأما الردة فإنشاء لما لم يكن موجودا وهو يضره فلا يصح منه. كذا في
المبسوط. وفيه: الأصل أن كل من صح منه الاسلام إذا أتى به يصح منه الاباء إذا عرض
عليه ا ه‍. وأما الصبي الذي لا يميز فإنه ينتظر عقله أي تمييزه، والصبية كالصبي بخلاف ما
إذ كان مجنونا فإنه لا ينتظر بل يعرض على أبوية لأنه ليس له نهاية معلومة كالمرأة إذا وجدت
الزوج عنينا فإنه يؤجل، ولو مجبوبا فإنه لا يؤجل بل يفرق للحال لعدم الفائدة في الانتظار
بخلاف العنين يؤجل لافادته. ومعنى العرض على أبوي المجنون أن أي الأبوين أسلم بقي
النكاح لأنه يتبع المسلم منهما. كذا في فتح القدير. ويرد على المصنف ما إذا أسلم الزوج
وهي مجوسية فتهودت أو تنصرت داما على النكاح كما لو كانت يهودية أو نصرانية من
الابتداء. كذا في المبسوط. وقوله فإن أسلم وإلا فرق بينهما ينافيه. وقيد بالاسلام لأن
النصرانية إذا تهودت أو عكسه لا يلتفت إليهم لأن الكفر كله ملة واحدة، وكذا لو تمجست
زوجة النصراني فهما على نكاحهما كما لو كانت مجوسية في الابتداء. ومعنى قوله وإلا فرق
بينهما أنه إن لم يسلم الآخر بأن أبى عنه فرق بينهما، وأما إذا لم يسلم ولم يمتنع. بأن سكت
فإنه يكرر العرض عليه لما في الذخيرة: إذا صرح بالاباء فالقاضي لا يعرض الاسلام عليه
مرة أخرى ويفرق بينهما، فإن سكت ولم يقل شيئا فالقاضي يعرض عليه الاسلام مرة بعد
أخرى حتى تتم الثلاث احتياطا ا ه‍.
قوله: (وإباؤه طلاق لا إباؤها) وقال أبو يوسف: لا يكون طلاقا في الوجهين لأن
الفرقة بسبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب الملك. ولهما أنه بالاباء
امتنع عن الامساك بالمعروف مع قدرته عليه بالاسلام فينوب القاضي منابه في التسريح
بالاحسان كما في الجب والعنة، أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب منابها عند إبائها.
كذا في الهداية. ومراده أنه لا ينوب منابها في الطلاق لأنه ليس إليها وإنما ينوب منابها فيما
إليها وهو التفريق على أنه فسخ. والحاصل أنه نائب عن كل منهما فيما إليه لا كما يتوهم من
عبارة الهداية أنه نائب عن الزوج لا عنها لأنه لو كان كذلك لم تتوقف الفرقة على القضاء فيما
إذا كانت الآبية، وليس مراده أن الطلاق يقع بمجرد إبائه كما هو ظاهر العبارة لما قدمه من

368
بقوله فرق بينهما أي فرق القاضي بينهما، ولو وقع بمجرد إبائه لم يحتج إلى تفريق القاضي
ولذا قالوا: وما لم يفرق القاضي بينهما فهي امرأته حتى يجب كمال المهر لها بموته قبل
الدخول. وإنما لا يتوارثان لو مات أحدهما قبل التفريق للمانع منه وهو كفر أحدهما لا
للبينونة، وسيأتي حكم المهر في الارتداد حيث قال: والاباء نظيره. وأطلق في الزوج فشمل
الصغير والكبير والمجنون فيكون إباء الصبي المميز طلاقا على الأصح كما في المبسوط، وإباء
أحد أبوي المجنون طلاقا أيضا مع أن الطلاق لا يصح منهما لما ذكرنا من المعنى قالوا: وهي
من أغرب المسائل حيث يقع الطلاق منهما نظيره إذا كانا مجبوبين أو كان المجنون عنينا فإن
القاضي يفرق بينهما ويكون طلاقا اتفاقا، وتحقيقه أن الصبي والمجنون أهلان للوقوع لا
للايقاع بدليل أن الصبي إذا ورث قريبه فإنه يعتق عليه. وما نحن فيه وقوع لا إيقاع، ونظيره

369
لو علق الزوج الطلاق بشرط وهو عاقل فجن ثم وجد الشرط وقع عليه وهو مجنون لما
ذكرنا. وأشار بالطلاق إلى وجوب العدة عليها إن كان دخل بها لأن المرأة إذا كانت مسلمة
فقد التزمت أحكام الاسلام ومن حكمه وجوب العدة، وإن كانت كافرة لا تعتقد وجوبها
لأن الزوج مسلم والعدة حقه وحقوقنا لا تبطل بديانتهم. وأشار أيضا إلى وجوب النفقة لها
ما دامت في العدة وإن كانت المرأة مسلمة لأن المنع من الاستمتاع جاء من جهة الزوج وهو
غير مسقط بخلاف ما إذا كانت كافرة وأسلم الزوج فلا نفقة لها لأن المنع من جهتها ولذا لا
مهر لها إن كان قبل الدخول. وأشار أيضا إلى وقوع طلاقه عليها ما دامت في العدة كما لو
وقعت الفرقة بالخلع أو بالجب والعنة. كذا في المحيط. وظاهره أنه لا فرق في وقوع الطلاق
عليها بين أن يكون هو الآبي أو هي، وظاهر ما في فتح القدير أنه خاص بما إذا أسلمت وأبى
هو والظاهر الأول، وقد وقع في شرح المجمع لابن الملك هنا سهو ونقله عن المحيط وهو
برئ عنه فاجتنبه فإنه قال: لو كانت نصرانية وقت إسلامه ثم تمجست تكون فرقتها طلاقا،
وإنما الصواب وقعت الفرقة بلا عرض عليها كما في المحيط.
قوله: (ولو أسلم أحدهما ثمة لم تبن حتى تحيض ثلاثا فإذا حاضت ثلاثا بانت) لأن
الاسلام ليس سببا للفرقة والعرض على الاسلام متعذر لقصور الولاية ولا بد من الفرقة دفعا
للفساد فأقمنا شرطها وهو مضي الحيض مقام السبب كما في حفر البئر. أطلقه فشمل
المدخول بها وغيرها، وهذا دليل على أن هذه الحيض ليس بعدة لأنها لو كانت عدة لاختصت
بالمدخول بها، ولم يذكر المصنف عليها بعد ذلك عدة لعدم وجوبها لأن المرأة إن كانت حربية
فلا عدة عليها، وإن كانت هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة خلافا لهما كما سيأتي في

370
المهاجرة. كذا في الهداية تبعا لما في المبسوط. وذكر الإمام الطحاوي وجو ب العدة عليها،
وأطلقه وينبغي حمله على اختيار قولهما. وأفاد بتوقف البينونة على الحيض أن الآخر لو أسلم
قبل انقضائها فلا بينونة. وأطلق في الاسلام أحدهما في دار الحرب فشمل ما إذا كان الآخر
في دار الاسلام أو في دار الحرب، أقام الآخر فيها أو خرج إلى دار الاسلام فحاصله أنه ما لم
يجتمعا في دار الاسلام فإنه لا يعرض الاسلام على المصر، سواء خرج المسلم أو الآخر، لأنه
لا يقضى لغائب ولا على غائب. كذا في المحيط. وأشار بالحيض إلى أنها من ذواته فلو كانت
لا تحيض لصغر أو كبر فلا تبين إلا بمضي ثلاثة أشهر. وبهذا علم أن مسألة ما إذا أسلم أحد
الزوجين على اثنين وثلاثين وجها لأن الثمانية المتقدمة على أربعة لأنهما إما أن يكونا في دار
الاسلام أو في دار الحرب أو أحدهما في دار الاسلام فقط وهو صادق بصورتين. ولم يبين
صفة البينونة هل هي طلاق أو فسخ للاختلاف ففي السير أنها طلاق عند أبي حنيفة ومحمد
لأن انصرام هذه المدة جعل بدلا عن قضاء القاضي والبدل قائم مقام الأصل، وعند أبي
يوسف فسخ وهو رواية عنهما لأن هذه فرقة وقعت حكما لا بتفريق القاضي فكانت فسخا
بمنزلة ردة الزوج وملكه امرأته. كذا في المحيط. وينبغي أن يقال: إن كان المسلم هو المرأة
فهي فرقة بطلاق لأن الآبي هو الزوج حكما وقد أقيم مضي المدة مقام إبائه وتفريق القاضي
وإباؤه طلاق عندهما فكذا ما قام مقامه، وإن كان المسلم هو الزوج فهي فسخ لما تقدم في
إبائها فكذا حكم ما قام مقامه. وأما وقوع الطلاق عليها فإن كان قبل البينونة فلا إشكال في
الوقوع لأنها زوجة، وإن كان بعد البينونة بمضي المدة فإن كان في العدة عند من أوجبها وقع
وإلا فلا. وأما عند من لم يوجبها فهي أجنبية من كل وجه فلا يقع شئ، ولا شك أن هذه
المسألة من أفراد المسألة السابقة ففيها الأقسام الستة، وأما القسمان الآخران فخارجان بقوله
قوله: (ولو أسلم زوج الكتابية بقي نكاحهما) فهو مخصص لكل من المسألتين صادق بصورتين
ما إذا كان الزوج كتابيا أو مجوسيا لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء فلان يبقى أولى، ولو
تمجست يفرق بينهما لفساد النكاح.
قوله: (وتباين الدارين سبب الفرقة لا السبي) والشافعي يعكسه لأن التباين أثره في
انقطاع الولاية وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن، أما السبي فيقتضي
الصفاء للسابي ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح ولهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي: ولنا أن مع
التباين حقيقة وحكما لا ينتظم المصالح فشابه المحرمية، والسبي يوجب ملك الرقبة وهو لا

371
ينافي النكاح ابتداء فكذلك بقاء وصار كالشراء، ثم هو يقتضي الصفاء في محل عمله وهو
المال لا في محل النكاح، وفي المستأمن لم تتباين الدار حكما لقصد الرجوع فيتفرع أربع
صور: وفاقيتان وهما لو خرج الزوجان إلينا معا ذميين أو مسلمين أو مستأمنين ثم أسلما أو
صارا ذميين لا تقع الفرقة اتفاقا، وما لو سبي أحدهما تقع الفرقة اتفاقا عنده للسبي، وعندنا
للتباين. وخلافيتان إحداهما ما إذا خرج أحدهما إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم صار بأحد
الوصفين عندنا تقع فإن كان الرجل حل له التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار
الحرب إذا كانت في دار الاسلام، وعنده لا تقع الفرقة بينه وبين زوجته التي في دار
الحرب. والثانية ما إذا سبي الزوجان معا فعنده تقع فللسابي أن يطأها بعد الاستبراء، وعندنا
لا لعدم تباين داريهما. أطلق في التباين فانصرف إليه حقيقة وحكما، فلو تزوج مسلم كتابية
حربية في دار الحرب فخرج عنها الزوج بانت لوجوده، ولو خرجت المرأة قبل الزوج لم تبن
لأن التباين وإن وجد حقيقة لم يوجد حكما لأنها صارت من أهل دار الاسلام لأنها التزمت
أحكام المسلمين، فالظاهر أنها لا تعود إلى دار الحرب والزوج من أهل دار الاسلام حكما
بخلاف ما إذا أخرجها كرها فإنها تبين لأنه ملكها لتحقق التباين حقيقة وحكما لأنها في دار
الحرب حكما وزوجها في دار الاسلام حكما، وإذا دخل الحربي دارنا بأمان لم تبن زوجته
لأنه في دار الحرب حكما فإن قبل الذمة بانت لأنه صار من أهل دارنا حقيقة وحكما قوله:
(وتنكح المهاجرة الحائل بلا عدة) أي التي ليست بحامل، وهذا بيان لحكم آخر جزئي من
جزئيات موضوع المسألة السابقة، فإن منها ما إذا خرجت المرأة مسلمة أو ذمية وتركت زوجها
في دار الحرب فأفاد أنها إذا بانت فلا عدة عليها إن لم تكن حاملا فتتزوج للحال عند الإمام.

372
وقالا: عليها العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الاسلام فيلزمها حكم الاسلام.
ولأبي حنيفة أنها أثر النكاح المتقدم ووجبت إظهارا لحظره ولا حظر لملك الحربي ولهذا لا تجب
على المسبية، وقد تأيد ذلك بقوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * (الممتحنة: 10)
والعصم جمع عصمة بمعنى المنع، والكوافر جمع كافرة، ثم اختلفا لو خرج زوجها بعدها
وهي بعد في هذه العدة فطلقها بأهل يلحقها طلاق؟ قال أبو يوسف: لا يقع عليها. وقال
محمد: يقع والأصل أن الفرقة إذا وقعت بالتنافي لا تصير المرأة محلا للطلاق عند أبي يوسف،
وعند محمد تصير وهو أوجه إلا أن تكون محرمة لعدم فائدة الطلاق على ما بيناه، وثمرته
تظهر فيما لو طلقها ثلاثا لا يحتاج زوجها في تزوجها إذا أسلم إلى زوج آخر عند أبي
يوسف، وعند محمد يحتاج إليه. كذا في فتح القدير. وأراد بالمهاجرة التاركة لدار الحرب إلى
دار الاسلام على عزم عدم العود وذلك بأن تخرج مسلمة أو ذمية أو صارت كذلك. وقيد
بالحائل لأن الحامل لا يصح العقد عليها حتى تضع حملها، وظاهر مفهوم الكتاب أن ذلك
لأجل العدة وليس كذلك كما في غاية البيان والتبيين. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن العقد
صحيح والوطئ حرام حتى تضعه لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني، وصحح الشارحون
الأول لأن النسب ثابت فكان الرحم مشغولا بحق الغير فكان الاحتياط في منع العقد
كالوطئ بخلاف الحمل من الزنا. وصحح الأقطع رواية الصحة والأكثر على الأول وهو
الأظهر لأنه إذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا.
قوله: (وارتداد أحدهما فسخ في الحال) يعني فلا يتوقف على مضي ثلاثة قروء في
المدخول بها، ولا على قضاء القاضي لأن وجود المنافي يوجبه كالمحرمية بخلاف الاسلام لأنه
غير مناف للعصمة. أطلقه فشمل ارتداد المرأة وهو ظاهر الرواية، وبعض مشايخ بلخ
ومشايخ سمرقند أفتوا بعدم الفرقة بردتها حسما لباب المعصية والحيلة للخلاص منه، وعامة
مشايخ بخاري أفتوا بالفرقة لكنها تجبر على الاسلام والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم
يحصل بهذا الجبر فلا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي. وتعقبهم في جامع الفصولين بأن جبر
الحرة لبالغة مناف للشرع أيضا فلزمهم ما هربوا منه من إسقاط اعتبار المنافي ا ه‍. وهو
مردود لأن الجبر على النكاح عهد في الشرع في الجملة للضرورة كما في العبد والأمة والحر
الصغير والحرة الصغيرة فجاز ارتكابه في غيرهم للضرورة ولم يعهد بقاء النكاح مع المنافي له

373
فافترقا. قالوا: ولكل قاض أن يجدد النكاح بمهر يسير ولو بدينار رضيت أو لا وتعزر خمسة
وسبعين ا ه‍. وهو اختيار لقول أبي يوسف في التعزير هنا فإن نهايته في تعزير الحرب عنده
خمسة وسبعون، وعندهما تسعة وثلاثون مع أن القدسي في الحاوي قال بعد قول أبي يوسف
المذكور: وبه نأخذ. فعلى هذا المعتمد في نهاية التعزير قول أبي يوسف، سواء كان في تعزير
المرتدة أو لا، وصحح في المحيط والخزانة ظاهر الرواية من وقوع الفرقة والجبر على تجديد
النكاح من الأول وعدم تزوجها بغيره بعد إسلامها. وقال الولوالجي: وعليه الفتوى. ولا
يخفى أن محله ما إذا طلب الأول ذلك، أما إذا رضي بتزوجها من غيره فهو صحيح لأن الحق
له، وكذلك لو لم يطلب تجديد النكاح واستمر ساكتا لا يجدده القاضي حيث أخرجها من
بيته. وفي القنية: المرتدة ما دامت في دار الاسلام فإنها لا تسترق في ظاهر الرواية. وفي
النوادر: عن أبي حنيفة أنها تسترق، ولو كان الزوج عالما استولى عليها بعد الردة تكون فيئا
للمسلمين عند أبي حنيفة، ثم يشتريها من الإمام أو يصرفها إليه إن كان مصرفا، فلو أفتى
مفت بهذه الرواية حسما لهذا الامر لا بأس به. قلت: وفي زماننا بعد فتنة التتر العامة
صارت هذه الولايات التي غلبوا عليها وأجروا أحكامهم فيها كخوارزم وما وراء النهر
وخراسان ونحوها صارت دار الحرب في الظاهر، فلو استولى عليها الزوج بعد الردة يملكها

374
ولا يحتاج إلى شرائها من الإمام فيفتى بحكم الرق حسما لكيد الجهلة ومكر المكرة على ما
أشار إليه في السير الكبير ا ه‍. ما في القنية، وهكذا في خزانة الفتاوي ونقل قوله فلو أفتى
مفت بهذه الرواية عن شمس الأئمة السرخسي. ثم اعلم أن على هذه الرواية للزوج أن يبيعها
بعد الاستيلاء لأنه صار مالكا لها، وينبغي أن يمتنع بيعها إذا كانت ولدت منه قبل الردة
تنزيلا لها منزلة أم ولده، وقد ذكر في الخانية أن أم الولد إذا ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم
سبيت ثم ملكها السيد يعود كونها أم ولده وأمية الولد تتكرر بتكرار الملك. وفي الخانية من
باب الردة: رجل تزوج امرأة فغاب عنها قبل الدخول بها فأخبره مخبر أنها ارتدت والمخبر حر
أو مملوك أو محدود في قذف وهو ثقة عنده وسعه أن يصدقه ويتزوج أربعا سواها، وكذا إذا
كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتزوج أكثر من ثلاث،
وإن أخبرت المرأة أن زوجها قد ارتد لها أن تتزوج بآخر بعد انقضاء العدة في رواية
الاستحسان، وفي رواية السير ليس لها أن تتزوج. قال شمس الأئمة السرخسي: الأصح
رواية الاستحسان ا ه‍.
وإنما كانت ردته فسخا وإباؤه طلاقا عند أبي حنيفة لأن الردة منافية للنكاح لكونها
منافية للعصمة، والطلاق رافع فتعذر أن يجعل طلاقا بخلاف الاباء فإنه يفوت الامساك
بالمعروف فيجب التسريح بالاحسان ولذا يتوقف على القضاء في الاباء دونها. وقال محمد: إن
ردته طلاق كإبائه، وأبو يوسف مر على أصله من أن إباءه فسخ فردته كذلك. وأفاد بقوله
فسخ أنه لا ينقص العدد ولذا قال في الخانية: رجل ارتد مرارا وجدد الاسلام في كل مرة
وجدد النكاح على قول أبي حنيفة تحل امرأته من غير إصابة زوج ثان، ولم يذكر المؤلف
وجوب العدة عليها ولا شك في وجوبها. قال في جامع الفصولين: وتعتد بثلاث حيض لو
حرة ممن تحيض، وبثلاثة أشهر لو آيسة أو صغيرة، وبوضع الحمل لو حاملا لو دخل، سواء
ارتد أو ارتدت، ولا نفقة لها في العدة، ولو ارتد هو لا تجبر المرأة على التزوج اه‍. وفي
الخلاصة: إذا ارتدت لا نفقة لها في العدة ولها السكنى. وبه يفتى ذكره في ألفاظ التكفير.
وفي الخانية: ولزوج المرتدة أن يتزوج بأختها وأربع سواها إذا لحقت بالدار كأنها ماتت، فإن
خرجت إلى دار الاسلام مسلمة بعد ذلك لا يفسد نكاح أختها إذا ارتدت المعتدة ولحقت بدار

375
الحرب ثم قضى القاضي بلحاقها بطلت عدتها لتباين الدارين وانقطاع العصمة كأنها ماتت،
فإن رجعت إلينا بعد ذلك مسلمة قبل انقضاء مدة العدة والحيض قال أبو يوسف: لا تعود
معتدة. وقال محمد: تعود معتدة اه‍. ثم اعلم أن الرجل المسلم يرث من امرأته المرتدة إذا
ماتت قبل انقضاء العدة استحسانا ولا يرث قياسا وهو قول زفر. كذا في الخانية. ثم قال
فيها: مسلم أسر في دار الحرب وخرج إلى دار الاسلام ومعه امرأته فقالت المرأة ارتددت في
دار الحرب، فإن أنكر الزوج ذلك كان القول قوله، وإن قال تكلمت بالكفر مكرها وقالت
المرأة لم تكن مكرها كان القول قول المرأة، فإن صدقته المرأة فيما قال فالقاضي لا يصدقه اه‍.
وهكذا في الظهيرية إلا أنه لم يقيده بكونها معه، وظاهر التقييد أنه لا يقبل قولها إذا لم تكن
معه، وله وجه ظاهر لأنه لا علم لها بذلك. وصرح في التتارخانية أنه لا يقبل قوله في
دعوى الاكراه إلا ببينة ولو شهدوا على الاكراه إلا أنهم قالوا لا ندري أكفر أم لا وقال الأسير
إنما أجريت كلمة الكفر عند الاكراه لا قبله ولا بعده فالقول قول الأسير، ولو قالت للقاضي
سمعته يقول المسيح ابن الله تعالى فقال الزوج إنما حكيت قول النصارى فإن قرأنه لم يتكلم
إلا بهذه الكلمة بانت امرأته، وإن قال وصلت بكلامي فقلت النصارى يقولون وكذبته المرأة
فالقول قوله مع اليمين ولا يحكم بكفره، وإن تكل عن اليمين حكم به اه‍. وهو مشكل إن
صحت النسخة لأن النكول شبهة والتكفير لا يثبت مع الشبهة، ويمكن أن يقال: إنها تبين
بالنكول ولا يثبت كفره، وإن قيل لا تبين أيضا فمشكل، لأنه حينئذ لا فائدة في التحليف
مع أنه لرجاء النكول قوله: (فللموطوءة المهر) لتأكده به. أطلقه فشمل ارتداده وارتدادها
والخلوة بها لأنها وطئ حكما قوله: (ولغيرها النصف إن ارتد) لأن الفرقة من قبله قبل
الدخول موجبة لنصف المهر عند التسمية وللمتعة عند عدمها قوله: (وإن ارتدت لا) أي ليس
لها شئ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبله. أطلقه فشمل الحرة والأمة الكبيرة والصغيرة، وقد

376
قدمنا التصريح بذلك في باب نكاح الرقيق في شرح قوله ويسقط المهر
بقتل السيد أمته لا بقتل الحرة نفسها ولم أر من صرح به هنا للاكتفاء بما ذكروه هناك. وحكم نفقة العدة
كحكم المهر قبل الدخول، فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة وإن ارتدت فلا نفقة لها قوله:
(والاباء نظيره) أي أن إباء أحد الزوجين عن الاسلام بعد إسلام الآخر نظير الارتداد، فإن
كان بعد الدخول فلها كل المهر، وإن كان قبله فلها النصف إن كان هو الآبي عن الاسلام،
وإن كانت هي الآبية فلا شئ لها كما لا نفقة لها في العدة.
قوله: (وإن ارتدا معا وأسلما معات لم تبن) استحسانا لعدم المنافاة لأن جهة المنافاة بردة
أحدهما عدم انتظام المصالح بينهما والموافقة على الارتداد ظاهرة في انتظامها بينهما إلا أن
يموتا بقتل أو غيره، وقد استدل المشايخ بأن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم تأمرهم
الصحابة رضي الله عنهم بتجديد الأنكحة، ولما لم تأمرهم بذلك علمنا أنهم اعتبروا أن ردتهم
وقعت معا إذ لو حملت على التعاقب فسدت أنكحتهم ولزمهم التجديد. والمراد من المعية عدم
تعاقب كل زوجين من بني حنيفة، أما جميعهم فلا لأن الرجال جاز أن يتعاقبوا ولا تفسد
أنكحتهم إذا كان كل رجل ارتد مع امرأته معا وحكم الصحابة رضي الله عنهم بذلك حكم
بالظاهر لا بالحمل لأن الظاهر أن قيم البيت إذا أراد أمرا تكون قرينته فيه قرينته. وتعقبهم في
فتح القدير بأن ارتدادهم بمنعهم الزكاة كما في المبسوط وهو يتوقف على نقل أن منعهم كان
لجحد افتراضها ولم ينقل ولا هو لازم وقتال أبي بكر رضي الله عنه لا يستلزمه لجواز قتالهم
إذا أجمعوا على منعهم حقا شرعيا وعطلوه، والأوجه الاستدلال بوقوع ردة العرب وقتالهم
على ذلك من غير تعيين بني حنيفة وما نعي الزكاة وهو قطعي ولم يؤمروا بتجديد الأنكحة
اه‍. وفي الصحاح: حنيفة أبوحي من العرب. ولما قدم المصنف أن التباين سبب للفرقة علم
أنهما إذا ارتدا ثم لحق أحدهما بدار الحرب فإنها تبين بالتباين كما في فتح القدير. والمراد بقوله
ارتدا معا أعم من أن يعلم أنهما ارتدا في كلمة واحدة أو لم يعرف سبق أحدهما على الآخر.
قال في المحيط: وإذا لم يعرف سبق أحدهما على الآخر في الردة جعل في الحكم كأنهما وجدا
معا كما في الغرقي والحرقي. وقيد بالردة لأنه المسلم إذا كان تحته نصرانية فتمجسا معا قال

377
أبو يوسف تقع الفرقة، وقال محمد لا تقع لأنهما ارتدا معا لأن تمجس المرأة بمنزلة الردة لأنها
أحدثت زيادة صفة في الكفر فكان بمنزلة إحداث أصل الكفر، لأبي يوسف أنه لم توجد الردة
منها لأن الردة ليست إلا بتبديل أصل الدين ولم يوجد منها تبديل أصل الدين فقد وجد
ارتداد أحد الزوجين فبانت. كذا في المحيط. ولو تهودا وقعت الفرقة بينهما اتفاقا لأنها ما
أحدثت زيادة صفة في الكفر.
قوله: (وبانت لو أسلما متعاقبا) لأن ردة الآخر منافية للنكاح ابتداء فكذا بقاء، ويعلم به
حكم البينونة بإسلام أحدهما فقط بالأولى ولا مهر لها قبل الدخول إن كان المسلم هو الزوج،
وإن كان هي فلها النصف وبعد الدخول لا يسقط شئ مطلقا ولا ترث منه إن أسلم ومات،
فإن أسلمت ثم مات مرتدا ورثته. كذا في المبتغى بالمعجمة. قال في المحيط: تزوج صبية لها
أبوان مسلمان فارتدا معا لم تبن لأنها مسلمة تبعا للأبوين وتبعا للدار باعتبار الاتصال
والمجاورة، ولهذا اللقيط في دار الاسلام يحكم بإسلامه تبعا للدار، ولو أدخلت صغيرة من دار
الحرب إلى دار الاسلام وليس معها أبواها فماتت فإنه يصلى عليها، وتبعية الدار هنا قائمة فبقيت
مسلمة لأن البقاء أسهل من الابتداء، فإن لحقا بها بدار الحرب بانت لانقطاع حكم الدار. ولو
مات أحد الأبوين في دارنا مسلما أو مرتدا ثم ارتد الآخر ولحق بها بدار الحرب لم تبن ويصلى
عليها إذا ماتت لأن التبعية حكم تناهى بالموت مسلما، وكذا بالموت مرتدا لأن أحكام الاسلام
قائمة. ولو أن صبية نصرانية تحت مسلم تمجس أبوها وقد ماتت الام نصرانية لم تبن لأن الولد
يتبع خير الوالدين دينا فبقيت على دين الام، ولو تمجس أبواها بانت ولا مهر لها، ولا يمكن
الحكم بالاسلام هنا تبعا للدار لأن الدار لا تثبت التبعية ابتداء ما دامت تبعية الأبوين قائمة، فإن
بلغت عاقلة مسلمة ثم جنت ثم ارتد أبوها لم تبن وإن لحق بها بدار الحرب لأنها مسلمة أصلا لا
تبعا، وكذلك الصبية العاقلة لو أسلمت ثم جنت لأنها صارت أصلا في الاسلام اه‍. وهنا
مسألتان: الأولى مسألة ما إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان، وحكمها عند أبي حنيفة وأبي
يوسف إن كان التزوج في عقد واحد فرق بينه وبينهن، أو في عقدين فنكاح من يحل سبقه جائز
ونكاح من تأخر فوقع الجمع به والزيادة على الأربع باطل. الثانية مسألة ما إذا بلغت المسلمة
المنكوحة ولم تصف الاسلام فإنها تبين وهي مذكورة في المحيط وغيره والله تعالى أعلم.

378
باب القسم
بيان لحكم من أحكام النكاح، وأخره لأنه لا يلزم إلا عند تعدد المنكوحات والنكاح لا
يستلزمه ولا هو غالب فيه، والقسم بفتح القاف مصدر قسم. وفي القاموس: والقسم العطاء
ولا يجمع والرأي والشك والغيث والماء والقدر. وهذا ينقسم قسمين بالفتح إذا أريد المصدر،
وبالكسر إذا أريد النصيب اه‍. والمراد به هنا التسوية بين المنكوحات والأصل فيه أن الزوج
مأمور بالعدل في القسمة بين النساء بالكتاب قال الله تعالى * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) * (النساء: 129) معناه لن تستطيعوا العدل والتسوية
في المحبة فلا تمليوا في القسم. قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقال تعالى
* (وعاشروهن بالمعروف) * (النساء: 19) وغايته القسم. وقال تعالى * (فإن خفتم أن لا تعدوا

379
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 3) وفي فتح القدير: فاستفدنا أن حل الأربع مقيد
بعدم خوف عدم العدل وثبوت المنع عن أكثر من واحدة عند خوفه فعلم إيجابه عند تعددهن
اه‍. وظاهره أنه إذا خاف عدم العدل حرم عليه الزيادة على الواحدة. وفي البدائع: أي إن
خفتم أن لا تعدلوا في القسم والنفقة في المثنى والثلاث والأربع فواحدة، ندب إلى نكاح
الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة وإنما يخاف على ترك الواجب فدل على أن العدل
بينهن في القسم والنفقة واجب اه‍. وظاهره أنه إذا خاف عدم العدل يستحب له أن لا يزيد
لا أنه يحرم. فإن قلت: قد تقدم أنه إذا خاف الجور حرم التزوج فكيف يكون مستحبا؟
قلت: العدل بمعنى ترك الجور ليس بمراد هنا لأنه واجب للمرأة الواحدة، وإنما المراد به
التسوية بين المنكوحات. وهذا إنما يحرم تركه بعد وجوبه لا التزوج إذا خاف عدمه. وقد
اختلف في تفسير قوله تعالى * (ذلك أدنى أن لا تعدلوا) * (النساء: 3) أي الاقتصار على
الواحدة والمملوكات أقرب إلى أن لا تعولوا، ففسر الأكثر العول بالجور. يقال عال الميزان إذا
مال، وعال الحاكم إذا جار. وفسره الشافعي بكثرة العيال، ورد بأنه لو كان كذلك لقال أن
لا تعيلوا لأنه من أعال يعيل. وأجيب عنه بأنه لغوي لا يعترض عليه بكلام غيره وبأنه ثبت
في اللغة عال الرجل إذا كثرت مؤنته فتفسيره بكثرة العيال تفسير باللازم لأنه يلزم من كثرة
العيال كثرة المؤن، وبالحديث المروي في البخاري ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (1).

380
والحاصل أن العدل في الكتاب مبهم يحتاج إلى البيان لأنه أوجبه، وصرح به بأنه مطلقا
لا يستطاع فعلم أن الواجب منه شئ معين، وكذا السنة جاءت مجملة فيه، فإن قوله المروي
في السنن الأربعة كان عليه السلام يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا
تلمني فيما تملك ولا أملك. يعني القلب. أي زيادة المحبة، فظاهره أن ما عداه داخل تحت
ملكه وقدرته في التسوية ومنه عدد الوطآت والقبلات والتسوية فيها غير لازمة بالاجماع،
وكذا ما رواه الإمام أحمد من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه
مائل (1) أي مفلوج ولم يبين فيه المراد. قال في فتح القدير: لكن لا نعلم خلافا في أن العدل
الواجب في البيتوته والتأنيس في اليوم والليلة وليس المراد أن يضبط زمان النهار فبقدر ما
عاشر فيه إحداهما يعاشر الأخرى بقدره بل ذلك في البيتوتة، وأما النهار ففي الجملة اه‍.
والحاصل أن التسوية في المحبة لما بين الشارع سقوطها بقي ما أجمعوا عليه مرادا وهو البيتوتة،
وظاهر كلامهم أن لا تجب التسوية فيما عداها ولذا قال في الهداية: والتسوية المستحقة في
البيتوتة لا في المجامعة لأنه يبتني على النشاط اه‍. وفي البدائع: يجب عليه التسوية بين
الحرتين أو الأمتين في المأكول والمشروب والملبوس والسكنى والبيتوتة اه‍. وهكذا ذكر
الولوالجي، والحق أنه على قول من اعتبر حال الرجل وحده في النفقة فالتسوية فيها واجبة
أيضا، وأما على قول المفتى به من اعتبار حالهما فلا لأن إحداهما قد تكون غنية والأخرى
فقيرة فلا يلزمه التسوية بينهما مطلقا في النفقة. وفي الغاية: اتفقوا على التسوية في النفقة
قال الشارح: وفيه نظر فإنه في النفقة يعتبر حالهما على المختار فكيف يدعي الاتفاق فيها على
التسوية ولا يتأتى ذلك إلا على قول من يعتبر حال الرجل وحده اه‍.
قوله: (والبكر كالثيب والجديدة كالقديمة والمسلمة كالكتابية فيه) أي في القسم
لاطلاق ما تلونا. وما روينا ولان القسم من حقوق النكاح ولا تفاوت بينهما في ذلك وما
روي في الحديث للبكر سبع وللثيب ثلاث وقوله عليه السلام لام سلمة إن شئت سبعت
لك وسبعت لنسائي، وإن شئت ثلثت لك ودرت فالمراد التفضيل في البداءة بالجديدة دون
الزيادة، ولا شك أن الأحاديث محتملة فلم تكن قطعية الدلالة فوجب تقديم الدليل القطعي
والأحاديث المطلقة، وحينئذ فلا معنى لتردده في فتح القدير في القطعية، وكما لا فرق بين
ما ذكر ومقابليهن لا فرق بين المجنونة التي لا يخاف منها والمريضة والصحيحة والرتقاء

381
والحائض والنفساء والصغيرة التي يمكن وطؤها والمحرمة والمظاهر منها ومقابلاتهن، وأما
المطلقة رجعيا فإن قصد رجعتها قسم لها وإلا لا كما في البدائع من باب الرجعة. وأما
الناشزة فلا حق لها في القسم. وحيث علم أن وجوب القسم إنما هو للصحة والمؤانسة دون
المجامعة فلا فرق بين زوج وزوج، فالمجبوب والعنين والخصي كالفحل، وكذا الصبي إذا
دخل بامرأتيه لأن وجوبه لحق النساء وحقوق العباد تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب.
وفي فتح القدير: وقال مالك ويدور ولي الصبي به على نسائه. فظاهره أنه لم يطلع فيه على
شئ عندنا، وإذا قلنا بوجوبه على الصبي وتركه فهل يأثم الولي إذا لم يأمره بذلك ولم يدر به
وينبغي أن يأثم. وفي المحيط: وإن لم يدخل الصغير بها فلا فائدة في كونه معها اه‍. وظاهره
أن القسم على البالغ لغير المدخول بها لأن في كونه معها فائدة ولذا إنما قيدوا بالدخول في
امرأة الصبي. وفي الجوهرة: ولا يجامع المرأة في غير يومها ولا يدخل بالليل على التي لا
قسم لها، ولا بأس بأن يدخل عليها بالنهار لحاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها، فإن
ثقل مرضها فلا بأس بأن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت اه‍. وفي الهداية: والاختيار في
مقدار الدور إلى الزوج لأن المستحق هو التسوية دون طريقه اه‍. وفي فتح القدير: واعلم أن
هذا الاطلاق لا يمكن اعتباره على صرافته فإنه لو أراد أن يدور سنة سنة ما يظن إطلاق ذلك
له بل لا ينبغي له أن يطلق له مقدار مدة الايلاء وهو أربعة أشهر، وإذا كان وجوبه للتأنيس
ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة وأظن أكثر من جمعة مضارة إلا أن يرضيا به اه‍.
والظاهر الاطلاق لأنه لا مضارة حيث كان على وجه القسم لأنها مطمئنة بمجئ نوبتها والحق
له في البداءة بمن شاء. وحيث علم أن الوطئ لا يدخل تحت القسم فهل هو واجب
للزوجة؟ وفي البدائع: وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطئ لأن حله لها حقها كما أن حلها له
حقه. وإذا طلبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب
فيما بينه وبين الله تعالى، ولا تجب عليه في الحكم عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم تجب
عليه في الحكم اه‍. ولم يبين حد الزيادة على المرة ولا يمكن أن يقال كلما طلبت لأنه موقوف
على شهوته لها. وفي فتح القدير: ويجب عليه وطؤها أحيانا. وفي المعراج: ولو أقام عند
إحداهما شهرا فخاصمته الأخرى في ذلك قضى عليه أن يستقبل العدل بينهما وما مضى هدر
غير أنه أثم فيه لأن القسمة تكون فيه بعد الطلب، ولو عاد بعد ما نهاه القاضي أوجعه عقوبة

382
وأمره بالعدل لأنه أساء الأدب وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعزر في ذلك اه‍.
وحاصله أنه لا يعزر في المرة الأولى وإذا عزر فتعزيره بالضرب. وفي الجوهرة: لا يعزر
بالحبس لأنه لا يستدرك الحق فيه بالحبس لأنه يفوت بمضي الزمان اه‍. وهذا مستثنى من
قولهم إن للقاضي الخيار في التعزير بين الضرب والحبس.
قوله: (وللحرة ضعف الأمة) يعني إذا كان له زوجتان حرة وأمة فللحرة الثلثان من
القسم وللأمة الثلث، بذلك ورد الأثر عن علي رضي الله عنه، ولان حل الأمة انقص من
حل الحرة فلا بد من إظهار النقصان في الحقوق. وأطلقها فشمل المكاتبة والمدبرة وأم الولد
والمبعضة لأن الرق فيهن قائم. وفي البدائع: وهذا التفاوت في السكنى والبيتوتة، فأما في
المأكول والمشروب والملبوس فإنه يسوي بينهما لأن ذلك من الحاجات اللازمة، وقدمنا أنه
مبني على اعتبار حاله، أما على اعتبار حالهما فلا. وفي المعراج: لو أقام عند امرأته الأمة
يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة إلا يوما واحدا لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وتجعل
حريتها عند انتهاء النوبة بمنزلة حريتها عند ابتداء النوبة، وكذا لو أقام عند حرة يوما ثم
أعتقت الأمة تحول عنها إلى المعتقة لما ذكرنا اه‍ قوله: (ويسافر بما شاء منهن والقرعة أحب)
لأنه قد يثق بإحداهما في السفر وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو
لخوف الفتنة، أو يمنع من سفر إحداهما كثرة سمنها فتعيين من يخاف صحبتها في السفر
لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالمنافي للحرج، وأما ما رواه الجماعة من
قرعته صلى الله عليه وسلم بينهن إذا أراد سفرا فكان للاستحباب تطييبا لقلوبهن لأن مطلق الفعل لا يقتضي
الوجوب فكيف وهو محفوف بما يدل على الاستحباب من عدم وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم لقوله
تعالى * (ترجي من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء) * () وكان ممن أرجاهن
سودة وجويرية وأم حبيبة وصفية وميمونة، وممن آوى عائشة والباقيات رضي الله عنهن
أجمعين. قال القاضي في تفسيره: ترجي من تشاء منهن تؤخرها وتترك مضاجعتها، وتؤوي
إليك من تشاء تضم إليك وتضاجعها، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، ومن ابتغيت أي
طلبت ممن عزلت طلقت بالرجعة فلا جناح عليك في شئ من ذلك اه‍. قيد بالسفر لأن مرضه
لا يسقط القسم عنه وقد صح أنه عليه السلام لما مرض استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة
رضي الله عنها فأذن له، ولم أر كيفية قسمه في مرضه إذا كان لا يستطيع التحول إلى بيت

383
الأخرى، والظاهر أن المراد بقسمه في مرضه أنه إذا صح ذهب إلى الأخرى بقدر ما أقام عند
الأولى بخلاف ما إذا سافر بواحدة فإنه إذا أقام لا يقضي للمقيمة قوله: (ولها أن ترجع إذا
وهبت قسمها لاخرى) فأفاد جواز الهبة والرجوع، أما الأول فلان سودة بنت زمعة وهبت
يومها لعائشة رضي الله عنها، وأما صحة الرجوع في المستقبل فلأنها أسقطت حقا لم يجب بعد
فلا يسقط. وقد فرع الشافعية هنا تفاريع لم أر أحدا من مشايخنا ذكرها منها: أنها إذا وهبت
حقها لمعينة ورضي بات عند الموهوب ليلتين، وإن كرهت ما دامت الواهبة في نكاحه ولو
كانا متفرقين لم يوال بينهما. وإن وهبته للجميع جعلها كالمعدومة، ولو وهبته له فخص به
واحدة جاز. كذا في الروض ولعل مشايخنا إنما لم يعتبروا هذا التفصيل لأن هذه الهبة إنما
هي إسقاط عنه فكان الحق له، سواء وهبت له أو لصاحبتها فله أن يجعل حصة الواهبة لمن
شاء.
تتمة: في حقوق الزوجين: ذكر في البدائع أن من أحكام النكاح المعاشرة بالمعروف
للآية. واختلف فيها فقيل التفضل والاحسان إليها قولا وفعلا وخلقا، وقيل أن يعمل معها
كما يحب أن يعمل مع نفسه وهي مستحبة من الجانبين. ومنها إذا حصل نشوز أن يبدأها
بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب للآية، لأنها للترتيب على التوزيع. واختلف في الهجر فقيل
يترك مضاجعتها، وقيل يترك جماعها والأظهر ترك كلامها مع المضاجعة والجماع إن احتاج
إليه. وفي المعراج إذا كان له امرأة واحدة يؤمر أن يبيت معها ولا يعطلها، وفي رواية
الحسن لها ليلة من كل أربع إن كان حرة. ومن كل سبع إن كانت أمة، وفي ظاهر الرواية لا
يتعين حقها في يوم من أربعة أيام لأن القسم عند المزاحمة فالصحيح أنه يؤمر استحبابا أن
يصحبها أحيانا من غير أن يكون في ذلك شئ موقت. ولو كان له مستولدات وإماء فلا
يقسم لهن لأنه من خصائص النكاح ولكن يستحب له أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في
المضاجعة. ولو حطت لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم فهو حرام وهو رشوة وترجع

384
بمالها، وكذا لو جعلت من مهرها شيئا ليزيدها في القسم أو زادها في مهرها أو جعل لها
شيئا لتجعل يومها لصاحبتها فالكل باطل. ولا يجوز أن يجمع بين الضرتين أو الضرائر في
مسكن واحد إلا برضاهن للزوم الوحشة. ولو اجتمعت الضرائر في مسكن واحد بالرضا
يكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى حتى لو طلب وطأها لم تلزمها الإجابة ولا تصير
بالامتناع ناشزة، ولا خلاف في هذه المسائل. وله أن يجبرها على الغسل من الجنابة والحيض
والنفاس إلا أن تكون ذمية، وله جبرها على التنظيف والاستحداد، وله أن يمنعها من كل ما
يتأذى من رائحته، وله أن يمنعها من الغزل اه‍. وفي فتح القدير: وعلى هذا له أن يمنعها
من التزين بما يتأذى بريحه كأن يتأذى برائحة الحناء المخضب اه‍. وسيأتي في فصل التعزير
المواضع التي يضربها فيها، وفي باب النفقات ما يجوز لها من الخروج وما لا يجوز. قالوا:
ولو كان أبوها زمنا وليس له من يقوم عليه مؤمنا كان أو كافرا فإن عليها أن تعصي الزوج
في المنع. وفي البزازية من الحظر والإباحة: وحق الزوج يأمرها به اه‍ وفيها من أخر الجنايات: ادعت على زوجها ضربا فاحشا وثبت ذلك عليه يعزر
الزوج اه‍. وظاهره أنه لو لم يكن فاحشا وهو غير المبرح فإنه لا يعزر فيه. وذكر البقاعي في
المناسبات حديثا لا يسأل الرجل فيم ضرب زوجته وحديثا آخر أنه نهى المرأة أن تشكو
زوجها والله تعالى أعلم.

385
كتاب الرضاع
لما كان المقصود من النكاح الولد أي غالبا وهو لا يعيش غالبا في ابتداء إنشائه إلا
بالرضاع وكان له أحكام تتعلق به وهي من آثار النكاح المتأخرة بمدة وجب تأخيره إلى آخر
أحكامه. وذكر في المحرمات ما تتعلق المحرمية به إجمالا، وذكر هنا التفاصيل الكثيرة. ثم
قيل: كتاب الرضاع ليس من تصنيف محمد إنما عمله بعض أصحابه ونسبه إليه ليروجه ولذا
لم يذكره الحاكم أبو الفضل في مختصره المسمى بالكافي مع التزامه إيراد كلام محمد في جميع
كتبه محذوفة التعاليل. وعامتهم على أنه من أوائل مصنفاته، وإنما لم يذكره الحاكم اكتفاء بما
أورده من ذلك في كتاب النكاح. وهو في اللغة - بكسر الراء وفتحها - مص الثدي مطلقا.
وفي المصباح: رضع الصبي رضعا من باب تعب في لغة نجد، ورضع رضعا من باب ضرب
لغة لأهل تهامة، وأهل مكة يتكلمون بها. وبعضهم يقول: أصل المصدر من هذه اللغة بكسر
الضاد إنما السكون تخفيف مثل الحلف والحلف. ورضع يرضع بفتحتين لغة ثالثة رضاعا
ورضاعه بفتح الراء، وأرضعته أمه فارتضع فهي مرضع ومرضعة أيضا. وقال الفراء وجماعة:
إن قصد حقيقة الوصف بالارضاع فمرضع بغير هاء، وإن قصد مجاز الوصف بمعنى أنها محل
الارضاع فيما كان أو سيكون فبالهاء، وعليه قوله تعالى * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما
ارتضعت) * (الحج: 2) ونساء مراضع ومراضيع وراضعته مراضعة ورضاعا ورضاعة بالكسر
هو رضعي بالكسر ورضيعي ا ه‍. وذكر في القاموس أن رضع من باب سمع و
ضرب وكرم فأفاد أنه يجوز في الضاد الحركات الثلاث كما يجوز في الضاد من مصدره
الفتح والكسر والسكون، وكما يجوز في الرضاع الفتح والسكر والضم لكن الضم بمعنى أن
يرضع معه آخر كالمراضعة وتمامه فيه، وأما في الشريعة فما أفاده.
قوله: (هو مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص) أي وصول اللبن من

386
ثدي المرأة إلى جوف الصغير من فمه أو أنفه في مدة الرضاع الآتية، فشمل ما إذا حلبت لبنها
في قارورة فإن الحرمة تثبت بإيجار هذا اللبن صبيا وإن لم يوجد المص، وإنما ذكره لأنه سبب
للوصول، فأطلق السبب وأرد المسبب فلا فرق بين المص والصب والسعوط والوجور كما في
الخانية. وخرج بالآدمية الرجل والبهيمة، وأطلقها فشمل البكر والثيب والحية والميتة. وقيدنا
بالفم والأنف ليخرج ما إذا وصل بالأقطار في الاذن والإحليل والجائفة والآمة بالحقنة في
ظاهر الرواية كما في الخانية، وسيأتي. وخرج بالوصول لو أدخلت امرأة حلمة ثديها في فم
رضيع ولا يدري أدخل اللبن في حلقه أم لا لا يحرم النكاح لأن في المانع شكا. كذا في
الولوالجية وفي القنية: امرأة كانت تعطي ثديها صبية واشتهر ذلك بينهم ثم تقول لم يكن في
ثدي لبن حين ألقمتها ثدين ولا يعلم ذلك الامر إلا من جهتها جاز لابنها أن يتزوج بهذه
الصبية ا ه‍. وفي الخانية: صبية أرضعها قوم كثير من أهل قرية أقلهم أو أكثرهم ولا يدري
من أرضعها وأراد واحد من أهل تلك القرية أن يتزوجها قال أبو القاسم: الصفار إذا لم يظهر
له علامة ولا يشهد له بذلك يجوز نكاحها ا ه‍. وفي الولوالجية: والواجب على النساء أن لا
يرضعن كل صبي من غير ضرورة فإذا فعلن فليحفظن أو ليكتبن ا ه‍. وفي الخانية من الحظر
والإباحة: امرأة ترضع صبيا من غير إذن زوجها يكره لها ذلك إلا إذا خافت هلاك الرضيع
فحينئذ لا بأس به ا ه‍. وينبغي أن يكون واجبا عليها عند خوف الهلاك إحياء للنفس. وفي
المحيط: ولا ينبغي للرجل أن يدخل ولده إلى الحمقاء لترضعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن
الحمقاء وقال اللبن يعدي وإنما نهى لأن الدفع إلى الحمقاء يعرض ولده للهلاك بسبب قلة
حفظها له وتعهدها أو لسوء الأدب فإنها لا تحسن تأديبه فينشأ الولد سئ الأدب. وقوله
اللبن يعدي يحتمل أن الحمقاء لا تحتمي من الأشياء الضارة للولد فيؤثر في لبنها فيضر
بالصبي، وهذا موافق لما تقوله الأطباء فإنهم يأمرون المرضعة بالاحتماء عن أشياء تورث
بالصبي علة، ويحتمل أنه إنما نهى عن ذلك حتى إذا اتفق اتفاق لا يضاف إلى العدوي كما
روي عن علي رضي الله عنه لا تسافروا والقمر في العقرب فهذا إن صح عنه فإنما نهى
عنه لئلا يتفق اتفاق فينسب إلى كون القمر في العقرب فيكون إيمانا بالنجوم وتكذيبا للاخبار
المروية في النهي في هذا الباب ا ه‍. وبما قررناه ظهر أن تعريف المصنف منتقض طردا

387
وعكسا لو بقي على ظاهره فإنه يوجد المص ولا رضاع إن لم يصل إلى الجوف وينتفي المص
في الوجور والسعوط ولم ينتف الرضاع. والثدي مذكر كما في المغرب. وفي المصباح:
الثدي للمرأة وقد يقال في الرجل أيضا. قاله ابن السكيت. ويذكر ويؤنث فيقال هو الثدي
وهي الثدي والجمع أثد وثدي وأصلها أفعل وفعول مثل أفلس وفلوس وربما جمع على ثداء
مثل سهم وسهام ا ه‍.
قوله: (وحرم به وإن قل في ثلاثين شهر إما حرم منه بالنسب) أي حرم بسبب الرضاع
ما حرم به النسب قرابة وصهرية في هذه المد ولو كان الرضاع قليلا لحديث الصحيحين
المشهور يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) ومعناه أن الحرمة بسبب الرضاع تعتبر
بحرمة النسب فشمل حليلة الابن والأب من الرضاع لأنها حرام بسبب النسب فكذا بسبب
الرضاع وهو قول أكثر أهل العلم. كذا في المبسوط وفي القنية: زنى بامرأة يحرم عليه بنتها
من الرضاع ا ه‍. ولاطلاق قوله تعالى * (وأخواتكم من الرضاعة) * (النساء: 23) قلنا: لا
فرق بين القليل والكثير، وأما حديث لا تحرم المصة ولا المصتان (2) وما دل على التقدير
فمنسوخ صرح بنسخه ابن عباس رضي الله عنهما حين قيل له إن الناس يقولون إن الرضعة
لا تحرم فقال: كان ذلك ثم نسخ. والرضاع وإن قل يحصل به نشو بقدره فكان الرضاع
مطلقا مظنة بالنسبة إلى الصغير. وفسر القليل في الينابيع بما يعلم أنه وصل إلى الجوف، وقيد
بالثلاثين لأن الرضاع بعدها لا يوجب التحريم، وأفاد بإطلاقه أنها ثابتة بعد الفطام والاستغناء
بالطعام وهو ظاهر الرواية كما في الخانية، وعليه الفتوى كما في الولوالجية. وفي فتح القدير
معزيا إلى واقعات الناطفي: الفتوى على ظاهر الرواية، فما ذكره الشارح من أن الفتوى على
رواية الحسن من عدم ثبوتها بعده فخلاف المعتمد لما علم من أن الفتوى إذا اختلف كان
الترجيح لظاهر الرواية. وأشار بجعل المدة ظرفا للمحرمة أنها ليست مدة استحقاق الاجر على
الأب بل اتفقوا أنه لا تجب أجرة الارضاع بعد الحولين، وكذا لا يجب عليها الارضاع ديانة
بعدهما كما في المجتبى وهما محمل ذكر الحولين في التنزيل. وفي فتح القدير: الأصح قولهما
من الاقتصار على الحولين في حق التحريم أيضا وبه أخذ الطحاوي. ومراده بالنظر إلى الدليل

388
بحسب ظنه وإلا فالمذهب للإمام الأعظم وإن لم يظهر دليله لوجوب العمل على المقلد بقول
المجتهد من غير نظر في الدليل كما أشار إليه في أول الخانية، ولكن قال في آخر الحاوي
القدسي: فإن خالفاه قال بعضهم يؤخذ بقوله، وقال بعضهم يؤخذ بقولهما، وقيل يخير
المفتي، والأصح أن العبرة لقوة الدليل ا ه‍. ولا يخفى قوة دليلهما فإن قوله تعالى
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (البقرة: 233) يدل
على أنه لا رضاع بعد التمام، وأما قوله تعالى * (فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا
جناح عليهما) * (البقرة: 233) فإنما هو قبل الحولين بدليل تقييده بالتراضي والتشاور
وبعدهما لا يحتاج إليهما، وبه يضعف ما في معراج الدراية معزيا إلى المبسوط والمحيط من أنه
بعد الحولين فيكون دليلا له لما علمت من ضياع القيدين حينئذ، وأما استدلال صاحب
الهداية للإمام بقوله تعالى * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (الأحقاف: 15) بناء على أن المدة
لكل منهما وقد قام المنقص في الحمل فبقي الفصال على حاله فقد رجع إلى الحق في باب
ثبوت النسب من الثلاثين لهما للحمل ستة أشهر والعامان للفصال. واختلفوا في إباحته بعد
المدة واقتصر الشارح على المنع وهو الصحيح كما في شرح المنظومة، وعلى هذا لا يجوز
الانتفاع به للتداوي. قال في فتح القدير: وأهل الطب يثبتون للبن البنت أي الذي نزل
بسبب بنت مرضعة نفعا لوجع العين. واختلف المشايخ فيه قيل لا يجوز، وقيل يجوز إذا علم
أنه يزول به الرمد، ولا يخفى أن حقيقة العلم متعذر فالمراد إذا غلب على الظن وإلا فهو معنى
المنع ا ه‍. ولا يخفى أن التداوي بالمحرم لا يجوز في ظاهر المذهب، أصله بول ما يؤكل لحمه
فإنه لا يشرب أصلا. وفي الجوهرة: وللأب إجبار أمته على فطام ولدها منه قبل الحولين إذا
لم يضره الفطام كما له أن يجبرها على الارضاع، وليس له أن يأمر زوجته الحرة على الفطام
قبلهما لأن لها حق التربية إلى تمام مدة الارضاع إلا أن تختار هي ذلك كما أنه ليس له
إجبارها على الارضاع ا ه‍. وفي البزازية: والرضاع في دار الاسلام ودار الحرب سواء حتى
إذا رضع في دار الحرب أسلموا وخرجوا إلى دارنا ثبتت أحكام الرضاع فيما بينهم ا ه‍.
قوله: (إلا أم أخته وأخت ابنه) يعني فإنهما يحلان من الرضاع دون النسب. أطلق
المضاف والمضاف إليه ففي أم أخته ثلاث صور: الأولى الام رضاعا والأخت نسبا بأن
أرضعت أجنبية أخته نسبا ولم ترضعه. الثانية عكسه أن يكون لأخته رضاعا أم من النسب.
الثالثة أن يكونا رضاعا بأن أرضعت امرأة صبيا وصبية ولهذه الصبية أم أخرى من الرضاع لم
ترضع الصبي. وفي أخت ابنه ثلاث أيضا: فالأولى أن تكون الأخت رضاعا فقط بأن كان له
ابن من النسب ولهذا الابن أخت من الرضاعة ارتضعا على غير امرأة أبيه. والثانية أن يكون
الابن رضاعا فقط وله أخت من النسب. والثالثة أن يكونا رضاعا. ومراده من الابن الولد
فيشمل البنت. وفي شرح الوقاية فإن قيل: قوله إلا أم أخته إن أريد بالام الام رضاعا

389
وبالأخت الأخت رضاعا لا يشمل ما إذا كانت إحداهما فقط بطريق الرضاع، وإن أريد بالام
الام نسبا وبالأخت الأخت رضاعا أو بالعكس لا يشمل الصورتين الأخريين. قلنا: المراد ما
إذا كانت إحداهما بطريق الرضاع أعم من أن تكون إحداهما فقط أو كل منهما ا ه‍. ولا شك
أن السبب في استثناء هذين عدم وجود العلة فإنها في التحريم من الرضاع وجود المعنى
المحرم في النسب ولم توجد في هذين، أما في الأولى فلان أم أخته من النسب إنما حرمت
لكونها أمه أو موطوءة أبيه وهو مفقود في الرضاع. وأما في الثانية فلان أخت ابنه نسبا إنما
حرمت لكونها بنته أو بنت امرأته ولم يوجد في الرضاع، فعلم أنه لا حصر في كلامه وقد
ثبت ذلك الانتفاء في صور أخرى فزاد على الصورتين في الوقاية أربعة: أم عمه وعمته وأم
خاله وخالته لأن أم هؤلاء موطوءة الجد الصحيح أو الفاسد ولا كذلك من الرضاع، وفي
شرحها ولا تنس الصور الثلاث في جميع ما ذكرنا ا ه‍. يعني من اعتبار الرضاع في المضاف
فقط أو المضاف إليه فقط أو فيهما، وزاد الشارحون صورا أخرى: الأولى أم حفدته رضاعا
بأن أرضعت أجنبية ولد ولده فله أن يتزوج بهذه المرأة بخلافه من النسب لأنها حليلة ابنه أو
بنته ولم يوجد هذا المعنى في الرضاع، وفي المصباح: حفد حفدا خدم فهو حافد والجمع
حفدة مثل كافر وكفرة ومنه قيل للأعوان حفدة، وقيل لأولاد الأولاد حفدة لأنهم كالخدام
في الصغر ا ه‍. والمراد هنا أولاد الأولاد. والثانية جدة ولده من الرضاع بأن أرضعت أجنبية
ولده ولها أم فإنه يجوز له التزوج بهذه الام بخلافه من النسب لأنها أمه أو أم امرأته. الثالثة
عمة الولد من الرضاع بأن كان لزوج المرضعة أخت فلأب الرضيع أن يتزوجها بخلافه من
النسب لأنها أخته، ولم يذكروا خالة ولده لأنها حلال من النسب أيضا لأنها أخت زوجته.
الرابعة يحل للمرأة التزوج بأبي أخيها من الرضاع أو بأخي ولدها من الرضاع وبأبي حفدتها من
الرضاع وبجد ولدها من الرضاع وبخال ولدها من الرضاع، ولا يجوز ذلك كله من النسب
لما قلنا في حق الرجل. ثم اعلم أن ما ذكرناه من صحة اعتبار الرضاع في المضاف فقط أو
في المضاف إليه فقط أو فيهما يطرد في جميع الصور كما ذكره ابن وهبان في شرح المنظومة،
وأفاد أنها تبلغ ستين مسألة ونيفا ليس هذا المختصر موضع ذكرها، وأحال إلى الذهن في حل
بعضها وتبعه في الاضراب عن حلها العلامة عبد البر بن الشحنة.
وأقول في بيان حلها: إن مسألتي الكتاب أربع وعشرون صورة لأن لام أخيه بتذكير
الأخ وبتأنيث الأخت صورتين لجواز إضافة الام إلى الأخ والأخت، وكل منهما بالاعتبارات
الثلاثة فهي ستة ولأخت ابنه بتذكير الابن وتأنيث البنت صورتين لجواز إضافة الأخت إلى
الابن والبنت وبالاعتبارات ستة، ولكل من الاثني عشر صورتان: إما باعتبار ما يحل للرجل
أو ما يحل للمرأة فإنه كما يجوز له التزوج بأم أخيه يجوز لها التزوج بأبي أخيها فهي أربع
وعشرون. وأما الأربعة الثاني أعني أم عمه وعمته وأم خاله وخالته فهي أربع وعشرون

390
صورة أيضا لأن الأربعة بالاعتبارات الثلاث اثنا عشر، ولكل منها صورتان: إما باعتبار ما
يحل له أو لها فإنه كما يجوز للرجل التزوج بأم عم ولده رضاعا يجوز لها التزوج بأبي عم
ولدها رضاعا إلى آخر الأقسام. وأما الثلاثة الأخيرة أعني أم حفدته وجدة ولده وعمة ولده
فهي بالاعتبارات الثلاث تسعة، ولكل منهما صورتان باعتبار ما يحل له: أو لها فإنه كما
يجوز للرجل التزوج بأم حفدته يجوز للمرأة التزوج بأبي حفدتها من الرضاع كما قدمناه لكن
لا يتصور في حقها عم ولدها لأنه حلال من النسب أيضا لها لأنه أخو زوجها، ولكن العدد
المذكور لا ينتقص به لأن بدله خال ولدها فإنه كما قدمنا جائز لها من الرضاع دون النسب
لأنه أخوها فصارت الثلاثة ثمانية عشر فصار الكل ستا وستين صورة، فالمراد بالنيف في كلام
ابن وهبان ست، وهذا البيان من خواص هذا الكتاب بحول الله وقوته. ثم تأملت بعد قول
ابن الهمام إذا عرفت مناط الاخراج أمكنك تسمية صورة أخرى ففتح الله تعالى بتسمية
صورتين: الأولى بنت أخت ولده حلال من الرضاع حرام من النسب لأنها إما بنت بنته أو
بنت ربيبته ويصح فيه الأوجه الثلاثة، وكل منها إما أن تكون الأخت مضافة إلى الابن أو
البنت فهي ستة، وكل منها إما باعتبار ما يحل للرجل أولها فإنه كما يجوز له التزوج ببنت
أخت ولده رضاعا يجوز لها التزوج بابن أخت ولدها رضاعا فصارت اثني عشر. الثانية بنت
عمة ولده جائزة من الرضاع حرام من النسب لأنها بنت أخته وفيها الوجوه الثلاثة فقط
باعتبار ما يحل له، ولا يتأتى هنا باعتبار المرأة فإنه يحل لها التزوج بابن عمة ولدها من النسب
والرضاع جميعا بخلاف المسألة الأولى فإنه لا يجوز لها التزوج بابن أخت ولدها من النسب
لأنه إما أن يكون ابن بنتها أو ابن بنت زوجها وهو يحرم عليه التزوج بحليلة جده، فالحاصل
أن هاتين الصورتين على خمسة عشر وجها فصارت المسائل المستثناة إحدى وثمانين مسألة ولله
الحمد، لكن صحة اتصال من الرضاع في قولهم إلا أم أخته من الرضاع ونحوه بكل من
المضاف وحده والمضاف إليه وحده وبهما إنما هو من جهة المعنى، أما من جهة الاعراب فإنما
يتعلق بالام حالا منه لأن الام معرفة فيجئ المجرور حالا منه لا متعلقا بمحذوف، وليس
صفة لأنه معرفة أعني أم أخته بخلاف أخته لأنه مضاف إليه وليس فيه شئ من مسوغات
مجئ الحال منه، ومثل هذا يجئ في أخت ابنه. كذا في فتح القدير. وقد حكى المرادي في
شرح الألفية عن بعض البصريين جواز مجئ الحال من المضاف إليه بلا مسوغ من المسوغات
الثلاثة نحو ضربت غلام هند جالسة ونوزع ابن مالك في شرح التسهيل في دعوى أن عدم
جوازه بلا خلاف. وذكر في المغنى أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا بعد نكرة محضة كانا

391
صفتين نحو رأيت طائرا فوق غصن أو على غصن وإذا وقعا بعد معرفة محضة كانا حالين
نحو رأيت الهلال بين السحاب أو في الأفق ومحتملان في نحو يعجبني الزهر في
أكمامه والثمر على أغصانه لأن المعرف الجنسي كالنكرة، وفي نحو هذا ثمر يانع على
أغصانه لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة ا ه‍. ولا يخفى أن التعريف بالإضافة هنا كالتعريف
الجنسي فيجوز إعرابه صفة وحالا.
وقوله يتعلق بالام لا متعلق بمحذوف ليس بصحيح لأن الظرف والمجرور يجب
تعلقهما بمحذوف في ثمانية مواضع منها: وقوعهما حالا أو صفة كما ذكره في المغنى من
الباب الثالث، والتقدير هنا إلا أم أخيه كائنة من الرضاع، ثم اعلم أنا قدمنا أن أم العم وأم
الخال لا تحرم من الرضاع فقال الشارح: ومن العجب ما ذكره في الغاية أن أم العم من
الرضاع لا تحرم، وكذا أم الخال وهذا لا يصح لما ذكرنا أنه معتبر بالنسب، والمعنى الذي
أوجب الحرمة في النسب موجود في الرضاع فكيف يصح هذا؟ بيانه أنها لا تخلو إما أن تكون
جدته من الرضاع أو موطوءة جده وكلاهما يوجب الحرمة فلا يستقيم إلا إذا أريد بالعم من
الرضاع من رضع مع أبيه، وبالخال من رضع مع أمه فحينئذ يستقيم ا ه‍. ورده في فتح
القدير بقوله: ولقائل أن يقول بمنع الحصر لجواز كونها لم ترضع أباه ولا أمه فلا تكون جدته
من الرضاع ولا موطوءة جده بل أجنبية أرضعت عمه من النسب وخاله ا ه‍. والحاصل أن
الشارح فهم أن الجار والمجرور أعني قوله من الرضاع متصل بالمضاف إليه فقط، وحينئذ
يحرم التزوج، وصورته أن يكون له عم وخال رضاعا ولكل منهما أم نسب فحينئذ لا يجوز له
التزوج بها لأنها كما قال إما جدته رضاعا أو موطوءة جده، وغفل الشارح عن الوجهين
الأخيرين اللذين هما مراد صاحب الغاية: أحدهما أنه متصل بالمضاف فقط أعني الام بأن كان
له عم وخال نسبا فأرضعتهما أجنبيه فله أن يتزوج بها لأنها ليست جدته ولا موطوءة جده،
وعليه اقتصر في فتح القدير. وغفل عن الوجه الآخر وهو أن يتصل بكل منهما بأن كان له
عم وخال رضاعا ولكل منهما أم رضاعا فحينئذ يجوز له التزوج بها لما قلنا، وههنا وجه رابع
وهو أن يراد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه رضاعا وبالخال من رضع مع أمه رضاعا،

392
ولا شك في حل أمهما لما قلنا. ولا بد من تقييد الأب بالرضاع، وكذا الام وإلا لا تحل
أمهما. ومن العجب أن الشارح حمل كلام الغاية على هذه الصورة وأخل بهذا القيد، ويرد
عليه أنه لو أريد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه نسبا وبالخال من رضع مع أمه نسبا لم
يستقم. فإن قلت: قد قررت أنه لا يصح اتصاله بالمضاف إليه فقط فيلزم بطلان قول شارح
الوقاية ولا تنس الصور الثلاث في جميع ما ذكرنا وعدم صحة تقسيم ابن وهبان إلى نيف
وستين لاسقاط هذه الصورة من هذا القسم. قلت: لم يلزما لأنه لا يصح اتصاله بالمضاف
إليه فقط على الوجه الرابع لا على الوجه الأول فلاتصاله بالمضاف إليه فقط صورتان: في
صورة لا تحل الام، وفي صورة تحل. فيحمل كلامهم على الصورة التي تحل تصحيحا
وتوفيقا. وهذا البيان من خواص هذا الكتاب لم أسبق إليه بحول الله وقوته. وفي فتح
القدير: ثم قالت طائفة هذا الاخراج تخصيص للحديث أعني يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب بدليل العقل، والمحققون على أنه ليس تخصيصا لأنه أحال ما يحرم بالرضاع على ما
يحرم بالنسب هو ما يحرم بالنسب وما تعلق به خطاب تحريمه وقد تعلق بما عبر عنه بلفظ
الأمهات والبنات وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت، فما كان من
مسمى هذه الألفاظ متحققا من الرضاع حرم فيه والمذكورات ليس شئ منها من مسمى
تلك، فكيف تكون مخصصة وهي غير متناولة؟ ولذا إذا خلا تناول الاسم في النسب جاز
النكاح كما إذا ثبت النسب من اثنين ولكل منهما بنت جاز لكل منهما أن يتزوج بنت الآخر
وإن كانت أخت ولده من النسب، وأنت إذا حققت مناط الاخراج أمكنك تسمية صور
أخرى. والاستثناء في عبارة الكتاب على هذا يجب أن يكون منقطعا أعني قوله يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب إلا أم أخته إلى آخره ا ه‍. وبهذا اندفع ما ذكره البيضاوي بقوله:
واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتهما
في النسب بالمصاهرة دون النسب ا ه‍. لأن استثناء المنقطع صحيح إلا أن يريد الاستثناء
المتصل.
قوله: (زوج مرضعة لبنها منه أب للرضيع وابنه أخ وبنته أخت وأخوه عم وأخته عمة)
بيان لأن لبن الفحل يتعلق به التحريم لعموم الحديث المشهور، وإذا ثبت كونه أبا له لا يحل
لكل منهما موطوءة الآخر. والمراد به اللبن الذي نزل من المرأة بسبب ولادتها من رجل زوج
أو سيد فليس الزوج قيدا في كلامه. قال في الجوهرة: وإنما خرج مخرج الغالب، وإذا ثبتت
هذه الحرمة من زوج المرضعة فمنها أولى فلا تتزوج الصغيرة أبا المرضعة لأنه جدها لامها،

393
ولا أخاها لأنه خالها، ولا عمها لأنها بنت بنت أخيه، ولا خالها لأنها بنت بنت أخته، ولا
أبناءها وإن كانوا من غير صاحب اللبن لأنهم إخوتها لامها. ولو كان لرجل زوجتان أرضعت
كل منهما بنتا لا يحل لرجل أن يجمع بينهما لأنهما أختان رضاعا من الأب. قيد بقوله لبنها
منه لأن لبنها لو كان من غيره بأن تزوجت برجل وهي ذات لبن لآخر قبله فأرضعت صبية
فإنها ربيبة للثاني بنت للأول فيحل تزوجها بأبناء الثاني، ولو كان الرضيع صبيا حل له التزوج
ببناته من غير المرضعة، هذا ما لم تلد من الثاني، فإذا ولدت من الثاني انقطع لبن الأول وصار
للثاني، فإذا أرضعت به صبيا كان ولدا للثاني اتفاقا، وإذا حبلت من الثاني ولم تلد فهو ولد
للأول عند أبي حنيفة. وقيدنا بكونه نزل بسبب ولادتها منه لأنه لو تزوج امرأة ولم تلد منه
قط ونزل لها لبن وأرضعت به ولدا لا يكون الزوج أبا للولد لأنه ليس ابنه لأن نسبته إليه
بسبب الولادة منه، فإذا انتفت انتفت النسبة فكان كلبن البكر، ولهذا لو ولدت للزوج فنزل
لها لبن فأرضعت به ثم جف لبنها ثم در فأرضعت صبية فإن لابن زوج المرضعة التزوج بهذه
الصبية، ولو كان صبيا كان له التزوج بأولاد هذا الرجل من غير المرضعة. كذا في الخانية.
وأشار بذكر الزوج إلى أن لبن الزنا ليس كالحلال حتى لو ولدت من الزنا وأرضعت به صبية
يجوز لأصول الزاني وفروعه التزوج بها، ولا تثبت الحرمة إلا من جانب الام. ذكره القاضي
الأسبيجابي واختاره الوبري وصاحب الينابيع، وفي المحيط خلافه. وفي الخانية والذخيرة
وغيرهما: وهو الأحوط الذي ينبغي أن يعتمد، والأول أوجه لأن الحرمة من الزنا للبعضية
وذلك في الولد نفسه لأنه مخلوق من مائة دون اللبن إذ ليس اللبن كائنا من منيه لأنه فرع
التغذي وهو لا يقع إلا بما يدخل من أعلى المعدة لا من أسفل البدن كالحقنة فلا إنبات فلا
حرمة بخلاف ثابت النسب للنص. كذا في فتح القدير. وإنما قيدنا محل الخلاف بأصول
الزاني وفروعه لأنها لا تحل للزاني اتفاقا لأنها بنت المزني بها، وقدمنا أن فروع المزني بها من

394
الرضاع حرام على الزاني ولذا قال في الخلاصة بعد ما ذكر حرمتها على الزاني، وكذا لو لم
تحبل من الزنا وأرضعت لا بلبن الزنا. فإنها تحرم على الزاني كما تحرم بنتها من النسب عليه
ا ه‍. وظاهر كلامهم أن هذه الصبية لا تحرم على عم الزاني وخاله اتفاقا لأنه لم يثبت نسبها
من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة والتحريم على آباء الزاني وأولاده عند القائلين به

395
لاعتبار الجزئية والبعضية، ولا جزئية بينها وبين العم والخال فإذا ثبت هذا في حق المتولدة
من الزنا فكذلك في حق المرضعة بلبن الزنا، فالحاصل أن المعتمد في المذهب أن لبن الفحل
الزاني لا يتعلق به التحريم، وظاهر ما في المعراج أن المعتمد ثبوته. قال: وتثبت الحرمة من
اللبن النازل بالزنا وولد الملاعنة في حق الفحل عندنا، وبه قال مالك في المشهور. وعند
الشافعي لا يثبت في الزنا والمنفية باللعان، وهكذا ذكر الوبري والأسبيجابي وصاحب الينابيع
وتثبت في حق الام بالاجماع ا ه‍. وظاهر ما في الخانية أنه المذهب فإنه قال: رجل زنى
بامرأة فولدت منه فأرضعت بهذا اللبن صغيرة لا يجوز لهذا الزاني ولا لاحد من آبائه وأولاده
نكاح هذه الصبية. وذكر في الدعوى رجل قال لمملوك هذا ابني من الزنا ثم اشتراه مع أمه
عتق المملوك ولا تصير الجارية أم ولد له ا ه‍. وإنما تمسك بمسألة الدعوى لأنها دليل على أن
الزنا كالحلال في ثبوت البنوة وإلا كان لغوا، وإن وطئ امرأة بشبهة فحبلت منه فأرضعت
صبيا فهو ابن الواطئ من الرضاع. وعلى هذا كل من يثبت نسبه من الواطئ يثبت من
الرضاع. ومن لا يثبت نسبه منه لا يثبت منه الرضاع. كذا في الجوهرة. فالمراد بلبن الفحل
على قول من جعل الزنا كالحلال لبن حدث من حمل رجل، وعلى قول من فرق يقال لا من
زنا.
قوله: (وتحل أخت أخيه رضاعا) يصح اتصاله بكل من المضاف والمضاف إليه وبهما
كما قدمناه في نظائره، فالأول أن يكون له أخ من النسب ولهذا الأخ أخت رضاعية، والثاني
أن يكون له أخ من الرضاع له أخت نسبية، والثالث ظاهر قوله: (ونسبا) أي تحل أخت أخيه
نسبا بأن يكون له أخ من أب له أخت من أمه فإنه يجوز له التزوج بها، فقوله نسبا متصل
بالمضاف والمضاف إليه ولا يتصل بأحدهما فقط لأنه حينئذ داخل في الاحتمالات الثلاث فيما
قبلها قوله: (ولاحل بين رضيعي ثدي) أي بين من اجتمعا على الارتضاع من ثدي واحد في
وقت واحد لأنهما أخوان من الرضاع، فإن كان اللبن من زوجين فهما أخوان لام أو أختان
لام، وإن كان لرجل فأخوان لأب وأم أو أختان لهما، ولو كان تحت رجل امرأتان فأرضعت

396
كل منهما صبية فهما أختان لأب رضاعا. كذا في الفتاوى البزازية قوله: (وبين مرضعة وولد
مرضعتها وولد ولدها) والمرضعة الأولى بفتح الضاد اسم مفعول والثانية بكسرها أي لاحل
بين الصغيرة المرضعة وولد المرأة التي أرضعتهما لأنهما أخوان من الرضاع، ولا فرق بين
كون ولد التي أرضعت رضيعا مع المرضعة أو كان سابقا بالسن بسنين كثيرة أو مسبوقا
بارتضاعها بأن ولد بعده بسنين، وكذا لا يتزوج أخت المرضعة لأنها خالته، ولا ولد ولدها
لأنه ولد الأخ. وفي آخر المبسوط: ولو كانت أم البنات أرضعت إحدى البنين وأم البنين
أرضعت إحدى البنات لم يكن للابن المرتضع من أم البنات أن يتزوج واحدة منهن، وكان
لاخوته أن يتزوجوا بنات الأخرى إلا الابنة التي أرضعتها أمهم وحدها لأنها أختهم من
الرضاعة. وإنما لم يكتف المصنف بقوله ولا حل بين رضيعي ثدي عما بعده لأنه ربما
يوهم أن الاجتماع من حيث الزمان لا بد منه فذكر الاجتماع من حيث الزمان ثم أردفه
بإثبات الحرمة بالاجتماع من حيث المكان وهو الثدي ليفيد أنه لا فرق، لكن لو اقتصر على
الثاني لاستغنى عن الأول قوله: (واللبن المخلوط بالطعام لا يحرم) أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين
كون اللبن غالبا بحيث يتقاطر عند رفع اللقمة أو لا عند أبي حنيفة وهو الصحيح مطبوخا أو
لا، لأن الطعام أصل واللبن تابع فيما هو المقصود وهو التغذي وهو مناط التحريم، ولان
الغلبة إنما تعتبر حالة الوصول إلى المعدة، وفي تلك الحالة الطعام هو الغالب، وقالا: إن كان
اللبن غالبا تعلق به التحريم نظرا للغالب، والخلاف فيما إذا لم تمسه النار، أما المطبوخ فلا
اتفاقا. ويدخل في الطعام الخبز. وقال المصنف في المستصفى: إنما لم يثبت التحريم عنده إذا
لم يشربه، أما إذا حساه ينبغي أن يثبت، ويؤيده ما في فتاوى قاضيخان. هذا إذا أكل الطعام
لقمة لقمة، فإذا حساه حسوا ثبتت الحرمة في قولهم جميعا. والحق أن لقول أبي حنيفة
رضي الله عنه علتين كما ذكرنا، فعلى الأولى لا فرق بين الحسو وغيره، وعلى الثانية يفرق بين
الحسو وغيره كما أفاده في المحيط قال: ووضع محمد في الاكل يدل على هذا ا ه‍. وفي
القاموس: حسا زيد المرق شربه شيئا بعد شئ. وقيد بكونه مخلوطا لأن لبن المرأة إذا جبن
وأطعم الصبي تعلق به التحريم. كذا في الجوهرة. وفي البدائع خلافه ولفظه: ولو جعل

397
اللبن مخيضا أو رائبا أو شيرازا أو جبنا أو أقطا أو مصلا فتناوله الصبي لا يثبت التحريم به
لأن اسم الرضاع لا يقع عليه، ولذا لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم ولا يكتفي به الصبي في
الاغتذاء فلا يحرم به ا ه‍.
قوله: (ويعتبر الغالب لو بماء ودواء ولبن شاة وامرأة أخرى) أي لو اختلط اللبن بما
ذكر يعتبر الغالب، فإن كان الغالب الماء لا يثبت التحريم كما إذا حلف لا يشرب لبنا لا
يحنث بشرب الماء الذي فيه أجزاء اللبن وتعتبر الغلبة من حيث الاجزاء. كذا في أيمان
الخانية، وكذا إذا كان الغالب هو الدواء، وفسر الغلبة في الخانية بأن يغيره ثم قال: وقال أبو
يوسف: إن غير طعم اللبن ولونه لا يكون رضاعا، وإن غير أحدهما دون الآخر كان رضاعا
ا ه‍. ومثل الدواء الدهن أو النبيذ سواء أوجر بذلك أو أسعط. كذا في فتح القدير. وكذا
إذا كان الغالب لبن الشاة لأن لبنها لما لم يكن له أثر في إثبات الحرمة كان كالماء، ولو استويا
وجب ثبوت الحرمة لأنه غير مغلوب فلم يكن مستهلكا، وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق
التحريم بأغلبهما عندهما. وقال محمد: تعلق بهما كيفما كان لأن الجنس لا يغلب الجنس وهو
رواية عن أبي حنيفة. قال في الغاية: وهو أظهر وأحوط. وفي شرح المجمع: قيل إنه
الأصح. وفي الجوهرة: وإما إذا تساويا تعلق بهما جميعا إجماعا لعدم الأولوية، وأما لو حلف
لا يشرب لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه ولبن البقرة المحلوف عليها
مغلوب لا يحنث عندهما خلافا لمحمد، ولو كان غالبا حنث اتفاقا، ولو استويا ذكر في أيمان
الخانية أنه يحنث استحسانا قوله: (ولبن البكر والميتة محرم) أي موجب للحرمة بشرط أن تكون
البكر بلغت تسع سنين فأكثر، أما لو لم تبلغ تسع سنين فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا لم
يتعلق به تحريم. كذا في الجوهرة. وفي الخانية: لو أرضعت البكر صبيا صارت أما للصبي
وتثبت جميع أحكام الرضاع بينهما حتى لو تزوجت البكر رجلا ثم طلقها قبل الدخول بها
كان لهذا الزوج أن يتزوج الصبية، وإن طلقها بعد الدخول بها لا يكون له أن يتزوجها لأنها
صارت من الربائب التي دخل بأمها. وأطلق في لبن الميتة فأفاد أنه لا فرق بين أن يحلب قبل
موتها فيشربه الصبي بعد موتها أو حلب بعد موتها. كذا في الولوالجية والخانية. وإذا ثبتت
الحرمة بلبن الميتة حل لزوج هذه الصبية التي تزوجها الآن دفن الميتة وتيممها لأنه صار محرما

398
لها لأنها أم امرأته، ولا يجوز الجمع بين هذه الرضيعة وبنت الميتة لأنهما أختان. وفي فتح
القدير: لبن الميتة طاهر عند أبي حنيفة لأن التنجس بالموت لما حلته الحياة قبله وهو منتف في
اللبن، وهما وإن قالا بنجاسته للمجاورة للوعاء النجس لا يمنع من الحرمة كما لو حلب في
إناء نجس وأوجر به صبي تثبت، وهذا بخلاف وطئ الميتة فإنه لا يتعلق به حرمة المصاهرة
بالاجماع. والفرق أن المقصود من اللبن التغدي والموت لا يمنع منه، والمقصود من الوطئ
اللذة المعتادة وذلك لا يوجد في وطئ الميتة. كذا في الجوهرة قوله: (لا الاحتقان) أي
الاحتقان باللبن لا يوجب الحرمة لأنه ليس مما يتغذى به ولذا لا يثبت بالأقطار في الإحليل
والاذن والجائفة والآمة. قال في المغرب: الصواب حقن إذا عولج بالحقنة واحتقن بالضم غير
جائز. وفي تاج المصادر: الاحتقان حقنه كردن فجعله متعديا فعلى هذا يجوز استعماله على
بناء المفعول وهو الأكثر في استعمال الفقهاء. كذا في المعراج والنهاية. وفي فتح القدير:
وهذا غلط لأن ما في تاج المصادر من التفسير لا يفيد تعدية الافتعال منه للمفعول الصريح
كالصبي في عبارة الهداية حيث قال: إذا احتقن الصبي بل إلى الحقنة وهي آلة الاحتقان،
والكلام في بنائه للمفعول الذي هو الصبي ومعلوم أن كل قاصر يجوز بناؤه للمفعول بالنسبة
إلى المجرور والظرف كجلس في الدار ومر بزيد وليس يلزم من جواز البناء باعتبار الآلة
والظرف جوازه بالنسبة إلى المفعول بل إذا كان متعديا إليه بنفسه ا ه‍. وفي المصباح: حقنت
المريض إذا وصلت الدواء إلى باطنه من مخرجه بالمحقنة واحتقن هو، والاسم الحقنة مثل
الغرفة من الاغتراف ثم أطلقت على ما يتداوى به، والجمع حقن مثل غرفة وغرف ا ه‍ قوله:
(ولبن الرجل) أي لا يوجب الحرمة لأنه ليس بلبن على الحقيقة لأن اللبن إنما يتصور ممن
تتصور منه الولادة فصار كالصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين كما قدمناه. وإذا نزل للخنثى لبن
إن علم أن امرأة تعلق به التحريم، وإن علم أنه رجل لم يتعلق به تحريم، وإن أشكل إن قال
النساء إنه لا يكون على غزارته إلا للمرأة تعلق به التحريم احتياطا، وإن لم يقلن ذلك لم
يتعلق به تحريم. كذا في الجوهرة.

399
قوله: (والشاة) أي لبن الشاة لا يوجب الحرمة حتى لو ارتضع صبي وصبية على لبن شاة
فلا أخوة بينهما لأن الأمومة لا تثبت به لأنه لا حرمة له، ولان لبن البهائم له حكم الطعام فلا
فرق بين الشاة وغيرها من غير الآدمي. قيد بالثلاثة لأن الوجور والسعوط تثبت به الحرمة اتفاقا.
وإنما يفسد الصوم بما ذكر ما عدا الأقطار في الإحليل لأن الفطر يتعلق بالوصول إلى الجوف.
والوجور بفتح الواو والدواء يصب في الحلق ويقال أوجرته ووجرته، والسعوط صبه في الانف.
وفي المصباح: والسعوط مثال رسول دواء يصب في الانف، والسعوط مثل قعود مصدر،
وأسعطه الدواء يتعدى إلى مفعولين، واستعط زيد والمسعط بضم الميم الوعاء يجعل فيه
السعوط وهو من النوادر التي جاءت بالضم وقياسها الكسر لأنه اسم آلة. وإنما ضمت الميم
ليوافق الأبنية الغالبة مثل فعلل ولو كسرت أدى إلى بناء مفقود إذ ليس في الكلام مفعل
ولا فعلل بكسر الأول وضم الثالث ا ه‍. وقد حكي في المبسوط والكشف الكبير أن
البخاري صاحب الاخبار دخل بخارى وجعل يفتي فقال له أبو حفص الكبير: لا تفعل فأبى
أن يقبل نصيحته حتى استفتى في هذه المسألة فأفتى بثبوت الحرمة بين صبيين ارتضعا من
ثدي لبن شاة تمسكا بقوله عليه السلام كل صبيين اجتمعا على ثدي واحد حرم أحدهما على
الآخر وقد أخطأ لفوات الرأي وهو أنه لم يتأمل أن الحكم متعلق بالجزئية والبعضية فأخرجوه
من بخارى. وفي فتح القدير. بعد هذه الحكاية: ومن لم يدق نظره في مناط الأحكام وحكمها
كثر خطؤه وكان ذلك في زمن الشيخ أبي حفص الكبير ومولده مولد الشافعي فإنهما ولدا معا في
العام الذي توفي فيه أبو حنيفة وهو سنة خمسين ومائة اه‍ قوله: (ولو أرضعت ضرتها حرمتا) أي
لو أرضعت الكبيرة الصغيرة التي هي زوجة زوجها حرمتا على الزوج لأنه يصير جامعا بين الام
والبنت رضاعا ففسد نكاحهما، ولم ينفسخ لأن المذهب عند علمائنا أن النكاح لا يرتفع بحرمة
الرضاع والمصاهرة بل يفسد حتى لو وطئها قبل التفريق لا يجب عليه الحد، اشتبه الامر أو لم
يشتبه. نص عليه محمد في الأصل، وذكره الشارح في باب اللعان. وعلى هذا فقوله في المعراج
فينفسخ النكاح لا يخالفه لأن الانفساخ غيره. وفي البزازية: وبثبوت حرمة المصاهرة وحرمة
الرضاع لا يرتفع بهما النكاح حتى لا تملك المرأة التزوج بزوج آخر إلا بعد المتاركة وإن مضى
عليه سنون ا ه‍. وقدمنا أنه لا بد في الفاسد من تفريق القاضي أو المتاركة بالقول في المدخولة
وفي غيرها يكتفى بالمفارقة بالأبدان. وينبغي أن يكون الفساد في الرضاع الطارئ على النكاح، أما

400
لو تزوج امرأة فشهد عدلان أنها أخته ارتفع النكاح بالكلية حتى لو وطئها يحد ويجوز لها التزوج
بعد العدة من غير متاركة، والتقييد بأنها أرضعت ضرتها ليس احترازيا لأن أخت الكبيرة وأمها
وبنتها نسبا ورضاعا إن دخل بالكبيرة كهي للزوم الجمع بين المرأة وبنت أختها في الأول. وبين
الأختين في الثاني، وبين المرأة وبنت بنتها في الثالث، وليس له أن يتزوج بواحدة منهما قط ولا
المرضعة أيضا، وإن لم يكن دخل بالكبيرة في الثالثة فإن المرضعة لا تحل له قط لكونها أم امرأته،
ولا الكبيرة لكونها أم أم امرأته، وتحل الصغيرة لكونها ابنة ابنة امرأته ولم يدخل بها.
قال في البدائع: ولو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن لأنها صارت بنت عمتها أو
بنت خالتها قال: ويجوز الجمع بين امرأة وبنت عمتها أو بنت خالتها في النسب والرضاع.
ولو كان تحته صغيرتان وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرتين واحدة بعد واحدة ولم يكن دخل
بالكبيرة فإنها تبين الكبيرة والصغيرة التي أرضعتها أولا لكونهما صارا أما وبنتا، ولا تبين التي
أرضعتها أخرا لأنها حين أرضعتها لم يكن في نكاحه غيرها، ولو أرضعتهما معا بن جميعا
لأنهن صرن أما وبنتين، وليس له أن يتزوج الكبيرة، وله أن يتزوج أي الصغيرتين شاء، ولو
كان دخل بالكبيرة بن جميعا سواء أرضعتهما معا أو على التعاقب. كذا في المبسوط. وقد
علم به أن في مسألة الكتاب لو كان دخل بالكبيرة أو كان لبنها الذي أرضعت به الصغيرة من
زوجها لا يتزوج واحدة منهما قط وإلا له أن يتزوج الصغيرة فقط لأن العقد على الام لا يحرم
البنت والعقد على البنت يحرم الام، ولو كان تحته صغيرتان فأرضعتهما امرأة حرمتا عليه
للأختية، سواء كان الارضاع معا أو متفرقا، فإن كن ثلاثا فأرضعتهن واحدة بعد واحدة
بانت الأوليان لا الثالثة لأن الثالثة أرضعت وقد وقعت الفرقة بينه وبينهما فلم يحصل الجمع،
وإن أرضعت الأولى ثم الثنتين معا بن جميعا، وإن أرضعتهن معا بأن حلبت لبنها في قارورة
وألقمت إحدى ثدييها إحداهن والأخرى الأخرى وأوجرت الثلاثة معا بن جمعا لأنهن صرن
أخوات معا، وإن كن أربعا فأرضعتهن واحدة بعد الأخرى بن جميعا لأن الثانية صارت أختا
للأولى فبانتا فلما أرضعت الرابعة صارت أختا للثالثة فبانتا أيضا. كذا في الجوهرة. ولو كن
كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كل من الكبيرتين صغيرة حرمت عليه الأربع للزوم الجمع بين
الأمين وابنتيهما، ولو أرضعت إحدى الكبيرتين الصغيرتين ثم أرضعتهما الكبيرة الأخرى
وذلك قبل الدخول بالكبيرتين فالكبرى الأولى مع الصغرى الأولى بانتا منه، والصغرى الثانية لم
تبن بإرضاع الكبرى الأولى، والكبيرة الثانية إن ابتدأت بإرضاع الصغرى الثانية بانتا منه، أو

401
بالصغرى الأولى فالصغرى الثانية امرأته لأنها حين أرضعت الأولى صارت أما لها وفسد
نكاحها لصحة العقد على الصغرى الأولى فيما تقدم والعقد على البنت يحرم الام، ثم أرضعت
الثانية وليس في نكاحه غيرها. كذا في فتح القدير. وفي المحيط: رجل له امرأتان كبيرة
وصغيرة ولابنه امرأتان صغيرة وكبيرة فأرضعت امرأة الأب امرأة الابن وامرأة الابن امرأة
الأب واللبن منهما فقد بانت الصغيرتان ونكاح الكبيرتين ثابت لأن الصغيرتين صارتا بنتين
لهما وقد دخل بأمهما فحرمتا عليه دون أمهما، وكذا لو كان مكانهما أخوين ولو كانا
أجنبيين لم تبن واحدة منهما، ولو كان رجل وعمه فنكاح امرأة الابن ثابت وتبين امرأة العم
الصغيرة منه ا ه‍.
وأطلق في الضرتين فشمل ما إذا كانت الكبيرة معتدته لما في البدائع: ولو طلق رجل
امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة له صغيرة بانت الصغيرة لأنها صارت
بنتا لها فحصل الجمع في حال العدة والجمع في حال قيام العدة كالجمع في حال قيام النكاح
ا ه‍. وفي المحيط: لو طلق امرأته ثلاثا ثم إن أخت المعتدة أرضعت امرأة له صغيرة قبل
انقضاء عدة المطلقة بانت الصغيرة لأن حرمة الجمع حالة العدة كالحرمة في حال قيام النكاح
ا ه‍. ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت إرضاعها بل وجوده فيما مضى كاف لما في
البدائع: ولو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليها لأنها

402
صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت ا ه‍. ثم اعلم أن بينونتهما لا تتوقف على
الارتضاع وإنما المراد وصول لبن الكبيرة إلى جوف الصغيرة حتى لو أخذ رجل لبن الكبيرة
فأوجر الصغيرة بانتا منه، ولكل واحدة منهما نصف الصداق على الزوج، ويغرم الرجل
للزوج نصف مهر كل واحدة منهما إن تعمد الفساد. كذا في المحيط. وفي الظهيرية:
والتعمد أن يرضعها من غير حاجة إلى الارتضاع بأن كانت شبعاء، ويقبل قوله إنه لم يتعمد
الفساد. وعن محمد إنه يرجع عليه بكل حال ا ه‍. وههنا فروع ثلاثة: الأولى في المحيط
وفتاوى الولوالجية: رجل له أم ولد فزوجها من صبي ثم أعتقها فخيرت فاختارت نفسها ثم
تزوجت بآخر وولدت ثم جاءت إلى الصبي فأرضعته بانت من زوجها لأنها صارت امرأة ابنه
من الرضاع لأن الصغير صار ابنا لهذا الزوج، فلو بقي النكاح لصار الزوج متزوجا بامرأة
ابنه من الرضاع وهو لا يجوز. الثاني في المحيط والخانية: لو زوج المولى أم ولده عبده الصغير
فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها لأن العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه
لأنها كانت موطوءة أبيه، وحرمت على المولى لأنها امرأة ابنه. الثالث في البدائع: زوج ابنه
الصغير امرأة كبيرة فارتدت وبانت ثم أسلمت وتزوجت برجل وحبلت منه فأرضعت الصغير
الذي كان تزوجها حرمت على زوجها لأنها صارت منكوحة ابنه من الرضاع ا ه‍. والحاصل
كما في الظهيرية أن الرضاع الطارئ على النكاح بمنزلة السابق. وضرة المرأة امرأة زوجها
والجمع ضرات على القياس وسمع ضرائر وكأنها جمع ضريرة مثل كريمة وكرائم ولا يكاد
يوجد لها نظير. كذا في المصباح. وفي الظهيرية: رجل وطئ امرأة بنكاح فاسد ثم تزوج
صغيرة فأرضعتها أم الموطوءة بانت الصبية لأنها صارت أخت الموطوءة ا ه‍ قوله: (ولا مهر
للكبيرة إن لم يطأها) لأن الفرقة جاءت من قبلها فصار كردتها، وبه يعلم أن الكبيرة لو كانت
مكرهة أو نائمة فارتضعتها الصغيرة أو أخذ شخص لبنها فأوجر به الصغيرة أو كانت الكبيرة
مجنونة كان لها نصف المهر لانتفاء إضافة الفرقة إليها. قيد بقوله إن لم يطأها لأنه لو وطئها
كان لها كمال المهر مطلقا لكن لا نفقة لها في هذه العدة إن جاءت الفرقة من قبلها وإلا فلها
النفقة.
قوله: (وللصغيرة نصفه) أي نصف المهر مطلقا لأن الفرقة لا من قبلها، وأورد عليه ما
لو ارتد أبوا صغيرة منكوحة ولحقها بها بدار الحرب بانت من زوجها وليس لها شئ من المهر
ولم يوجد الفعل منها أصلا فضلا عن كونه وجد ولم يعتبر. وأجيب بأن الردة محظورة في حق

403
الصغيرة أيضا، وإضافة الحرمة إلى ردتها التابعة لردة أبويها بخلاف الارتضاع لا حاظر له
فتستحق النظر فلا يسقط المهر، وقدمنا أنها لا تبين بردة أبويها وإنما بانت في هذه المسألة
للحاق بدار الحرب قوله: (ويرجع به على الكبيرة إن تعمدت الفساد وإلا لا) أي ويرجع
الزوج على الكبيرة بما لزمه من نصف مهر الصغيرة بشرط تعمدها فساد النكاح، وإن لم
تتعمده لا يرجع عليها لأن المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي كحافر البئر إن كان في ملكه لا
يضمن وإلا ضمن. وإنما لم يضمن قاتل الزوجة قبل الدخول ما لزم الزوج لأن الزوج حصل
له شئ مما هو الواجب بالقتل فلا يضاعف على القاتل، وإنما لم يلزمهما شئ فيما لو
أرضعت أجنبيتان لهما لبن من رجل واحد صغيرتين تحت رجل وإن تعمدتا الفساد لأن فعل
كل من الكبيرتين غير مستقل فلا يضاف إلى واحدة منهما لأن الفساد باعتبار الجمع بين
الأختين منهما بخلاف الحرمة هنا لأنه للجمع بين الام والبنت وهو يقوم بالكبيرة كالمرأتين
اللتين لهما لبن من زوج الصغيرة إذا أرضعتاها لأن كلا أفسدت لصيرورة كل بنتا للزوج،
وقد اشتبه على بعضهم الثانية بالأولى وحرفت في بعض الكتب فلتحفظ. وتعمد الفساد له
شروط: الأول أن تكون عاقلة فلا رجوع على المجنونة. الثاني أن تعلم بالنكاح. الثالث أن
تعلم أن الرضاع مفسد. الرابع أن يكون من غير حاجة بأن كانت شبعانة فإن أرضعتها على
ظن أنها جائعة ثم ظهر أنها شبعانة لا تكون متعمدة. الخامس أن تكون متيقظة فلو ارتضعت
منها وهي نائمة لا تكون متعمدة والقول قولها مع يمينها أنها لم تتعمد. وفي المعراج: والقول
فيه قولها إن لم يظهر منها تعمد الفساد لأنه شئ في باطنها لا يقف عليها غيرها ا ه‍. وهو
قيد حسن لأنه إذا ظهر منها تعمد الفساد لا يقبل قولها لظهور كذبها، وإنما اعتبرنا الجهل هنا
لدفع قصد الفساد الذي يصير الفعل به تعديا لا لدفع الحكم مع وجود العلة، وكما يرجع
الزوج على الكبيرة عند تعمدها يرجع على أجنبي أخذ ثديها وجعله في فم الصغيرة بما لزم
الزوج وهو نصف صداق كل منهما كما قدمناه.

404
قوله: (ويثبت بما يثبت به المال) وهو شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين عدول
لأن ثبوت الحرمة لا يقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح، وإبطال الملك لا يثبت إلا
بشهادة رجلين بخلاف ما إذا اشترى لحما فأخبره واحد أنه ذبيحة المجوسي حيث يحرم أكله
لأنه أمر ديني حيث انفكت حرمة التناول عن زوال الملك كالخمر المملوكة وجلد الميتة قبل
الدباغ. أفاد أنه لا يثبت بخبر الواحد رجلا أو امرأة وهو بإطلاقه يتناول الاخبار قبل العقد
وبعده، وبه صرح في الكافي والنهاية. وذكر في فتح القدير معزيا إلى المحيط: لو شهدت
امرأة واحدة قبل العقد قبل يعتبر في رواية ولا يعتبر في رواية ا ه‍. وفي الخانية من
الرضاع: وكما لا يفرق بينهما بعد النكاح ولا تثبت الحرمة بشهادتهن فكذلك قبل النكاح إذا
أراد الرجل أن يخطب امرأة فشهدت امرأة قبل النكاح أنها أرضعتهما كان في سعة من تكذيبها
كما لو شهدت بعد النكاح ا ه‍. وذكر في باب المحرمات: صغير وصغيرة بينهما شبهة
الرضاع لا يعلم ذلك حقيقة قالوا: لا بأس بالنكاح بينهما. هذا إذا لم يخبر بذلك إنسان، فإن
أخبر عدل ثقة يؤخذ بقوله ولا يجوز النكاح بينهما، وإن كان الخبر بعد النكاح وهما كبيران
فالأحوط أن يفارقها، روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالمفارقة ا ه‍. فإما أن يوفق
بينهما بأن كلا رواية، وإما يحمل الأول على ما إذا لم تعلم عدالة المخبر، وجزم البزازي بما
ذكره في المحرمات معللا بأن الشك في الأول وقع في الجواز، وفي الثاني في البطلان،
والدفع أسهل من الرفع. وفي التبيين معزيا إلى المغني: إن خبر الواحد مقبول في الرضاع
الطارئ، ومعناه أن يكون تحته صغيرة وتشهد واحدة بأنها رضعت أمه أو أخته أو امرأته بعد
العقد، ووجهه أن إقدامهما على النكاح دليل على صحته فمن شهد بالرضاع المتقدم على
النكاح صار منازعا لهما لأنه يدعي فساد العقد ابتداء، وأما من شهد بالرضاع المتأخر عن
العقد فقد سلم صحة العقد ولا ينازع فيه، وإنما يدعي حدوث المفسد بعد ذلك وإقدامهما
على النكاح يدل على صحته ولا يدل على انتفاء ما يطرأ عليه من المفسد فصار كمن أخبر
بارتداد مقارن من أحد الزوجين حيث لا يقبل قوله، ولو أخبر بارتداد طارئ يقبل قوله لما

405
قلنا. وذكره صاحب الهداية أيضا في كتاب الكراهية: وعلى هذا ينبغي أن يقبل قول الواحدة
قبل العقد لعدم ما يدل على صحة العقد من الاقدام عليه ا ه‍. والحاصل أن الرواية قد
اختلفت في إخبار الواحدة قبل النكاح، وظاهر المتون أنه لا يعمل به، وكذا الاخبار برضاع
طارئ فليكن هو المعتمد في المذهب، ولذا اعترض على الهداية في مسألة الرضاع الطارئ
بأن هنا ما يوجب عدم القبول في مسألة الصغيرة وهو أن الملك للزوج فيها ثابت والملك
الثابت لا يبطل بخبر الواحد. وقد أجاب عنه في العناية بأن ذلك إذا كان ثابتا بدليل يوجب
ملكه فيها، وهنا ليس كذلك بل باستصحاب الحال وخبر الواحد أقوى منه ا ه‍. وفيه نظر
ذكرناه في تعليق الأنوار على أصول المنار. وذكر الأسبيجابي أن الأفضل له أن يطلقها إذا
أخبرته امرأة، إن كان قبل الدخول بها يعطيها نصف المه، والأفضل لها أن لا تأخذ منه
شيئا، وإن كان بعد الدخول بها فالأفضل للزوج أن يعطيها كمال المهر والنفقة والسكنى
والأفضل لها أن تأخذ الأقل من مهر مثلها أو من المسمى ولا تأخذ النفقة ولا السكنى ا ه‍.
فإن قلت: إذا أخبرته بالرضاع وغلب على ظنه صدقها صرح الشارح بأنه يتنزه يعني
ولا تحرم وكان ينبغي أن تحرم قلت: هذا مبني على الثبوت لا على غلبة الظن. وفي خزانة
الفقه: رجل تزوج بامرأة فقالت امرأة أنا أرضعتهما فهي على أربعة أوجه: إن صدقها
الزوجان أو كذباها أو كذبها الزوج وصدقتها المرأة أو صدقها الزوج وكذبتها المرأة. أما إذا
صدقاها ارتفع النكاح بينهما ولا مهر إن لم يكن دخل بها، فإن كان قد دخل بها فلها مهر
المثل. وإن كذباها لا يرتفع النكاح ولكن ينظر إن كان أكبر رأيه أنها صادقة يفارقها احتياطا،
وإن كان أكبر رأيه أنها كاذبة يمسكها. وإن كذبها الزوج وصدقتها المرأة بقي النكاح ولكن
للمرأة أن تستحلف الزوج بالله ما تعلم أني أختك من الرضاع، فإن نكل فرق بينهما. وإن
حلف فهي امرأته وإن صدقها الزوج وكذبتها المرأة يرتفع النكاح ولكن لا يصدق الزوج في
حق المهر إن كانت مدخولا بها يلزمه مهر كامل وإلا فنصف مهر ا ه‍. وفي الخانية: إذا أقر
رجل أن امرأته أخته من الرضاع ولم يصر على إقرارها كان له أن يتزوجها، وإن أصر فرق
بينهما وكذا لو أقرت المرأة قبل النكاح ولم تصر على اقرارها كان لها أن تتزوج به، وإن أقرت
بذلك ولم تصر ولم تكذب نفسها ولكن زوجت نفسها منه جاز نكاحها لأن النكاح قبل
الاصرار وقبل الرجوع عن الاقرار بمنزلة الرجوع عن إقرارها. وإن قالت المرأة بعد النكاح

406
كنت أقررت أقبل النكاح أنه أخي من الرضاع وقد قلت إنما أقررت به حق حين أقررت
بذلك فلم يصح النكاح لا يفرق بينهما، وبمثله لو أقر الزوج بعد النكاح وقال كنت أقررت
قبل النكاح أنها أختي من الرضاع وما قلته حق فإن القاضي يفرق بينهما ا ه‍. وكذا هذا
الباب في النسب عندنا لأن الغلط والاشتباه فيه أظهر فإن سبب النسب أخفى من الرضاع.
وهذا فيمن ليس لهما نسب معروف كذا في معراج الدراية. وظاهر ما في الخانية أن معنى
الاصرار هنا أن يقول إن ما قلته حق. وفي شرح المنظومة: إن هذا هو تفسير الاصرار
والثبات ولا يشترط تكرار الاقرار ولا يكتفى فيه في تفسير الاصرار. وفي البزازية: إذا قالت

407
هذا ابني رضاعا وأصرت عليه جاز له أن يتزوجها لأن الحرمة ليست إليها. قالوا: وبه يفتى
في جميع الوجوه ا ه‍. وأطلقنا المرأتين فشمل ما إذا كانت إحداهما هي المرضعة ولا يضر في
شهادتها كونها على فعل نفسها لأنه لا تهمة في ذلك كشهادة القاسم وشهادة الوزان والكيال
على رب الدين حيث كان حاضرا كما عرف في الفتاوى. ثم اعلم أن الرضاع إذا شهد به
رجلان عدلان لا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي لما في المحيط: ولو شهد رجل وامرأتان
فالتفريق للقاضي لأن هذه فرقة وحرمة تتضمن إبطال حق العبد فلا يتعلق هذا الحكم
بالشهادة إلا بانضمام القضاء إليها ا ه‍. وهل يتوقف على دعوى المرأة؟ الظاهر عدمه كما في
الشهادة بطلاقها فإنه يتضمن حرمة الفرج وهي من حقوقه تعالى، ولو شهد عندها عدلان على
ارضاع بينهما وهو يجحد ثم ماتا أو غابا قبل الشهادة عند القاضي لا يسعها المقام معه كما لو
شهدا بطلاقها الثلاث كذلك وتمامه في شرح المنظومة والله سبحانه وتعالى أعلم.

408
كتاب الطلاق
لما ذكر النكاح وأحكامه اللازمة والمتأخرة عنه شرع فيما به يرتفع، وقدم الرضاع لأنه
يوجب حرمة مؤبدة بخلاف الطلاق تقديما للأشد على الأخف. وهو في اللغة يدل على الحل
والانحلال. يقال أطلقت الأسير إذا حللت إساره وخليت عنه فانطلق أي ذهب في سبيله،
وطلق الرجل امرأته تطليقا فهو مطلق فإن كثر تطليقه للنساء قيل مطليق ومطلاق والاسم
الطلاق، فطلقت هي تطلق من باب قتل، وفي لغة من باب قرب فهي طالق بغير هاء. قال
الأزهري: وكلهم يقول طالق بغير هاء قال: وأما قول الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقه * كذاك أمور الناس غاد وطارقه
فقال الليث: أراد طالقة غدا وإنما اجترأ عليه لأنه يقال طلقت فحمل النعت على
الفعل. وقال ابن فارس أيضا: امرأة طالق طلقها زوجها، وطالقة غدا فصرح بالفرق لأن
الصفة غير واقعة. وقال ابن الأنباري: إذا كان النعت منفردا به الأنثى دون الذكر لم تدخله
الهاء نحو طالق وطامث وحائض لأنه لا يحتاج إلى فارق لاختصاص الأنثى به وتمامه في
المصباح. وبه اندفع ما ذكره في الصحاح من أنه يقال طالق وطالقة قالوا: إنه استعمل في
النكاح بالتطليق وفي غيره بالاطلاق حتى كان الأول صريحا والثاني كناية فلم يتوقف على النية
في طلقتك وأنت مطلقة بالتشديد وتوقف عليها في أطلقتك ومطلقة بالتخفيف.
والتفعيل هنا للتكثير إن قاله في الثالثة ك‍ * (غلقت الأبواب) * (يوسف: 23) وإلا فللاخبار عن
أول طلقه أوقعها فليس فيه إلا التوكيد. وفي المعراج: إنه اسم مصدر بمعنى التطليق كالسلام
بمعنى التسليم ومنه قوله تعالى * (الطلاق مرتان) * (البقرة: 229) أو مصدر من طلقت المرأة

409
بالضم طلاقا أو بالفتح كالفساد من فسد. وعن الأخفش: لا يقال طلقت بالضم. وفي
ديوان الأدب: إنه لغة ا ه‍. وفي الشريعة ما أفاده بقوله
(وهو رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح) فخرج بالشرعي القيد الحسي، وبالنكاح العتق،
ولو اقتصر على رفع قيد النكاح لخرجا به، ويرد عليه أنه منقوض طردا وعكسا. أما الأول
فبالفسخ كتفريق القاضي بإبائها عن الاسلام وردة أحد الزوجين وخيار البلوغ والعتق فإن
تفريق القاضي ونحوه فيه فسخ وليس بطلاق فقد وجد الحد ولم يوجد المحدود. وأما الثاني
فبالطلاق الرجعي فإنه ليس فيه رفع القيد فقد انتفى الحد ولم ينتف المحدود، فالحد الصحيح
قولنا رفع قيد النكاح حالا أو مآلا بلفظ مخصوص، فخرج بقيد النكاح الحسي والعتق،
وباللفظ المخصوص الفسخ لأن المراد به ما اشتمل على مادة الطلاق صريحا وكناية وسائر
الكنايات الرجعية والبائنة. ولفظ الخلع وقول القاضي فرقت بينكما عند إباء الزوج عن
الاسلام وفي العنة واللعان، ودخل الرجعي بقولنا أو مآلا وههنا أبحاث: الأول أنهم قالوا
ركنه اللفظ المخصوص الدال على رفع القيد فكان ينبغي أن يعرفوه به فإن حقيقة الشئ
ركنه، فعلى هذا هو لفظ دال على رفع قيد النكاح. الثاني أن القيد صيرورتها ممنوعة عن
الخروج والبروز كما صرح به في البدائع في بيان أحكام النكاح ورفعه يحصل بالاذن لها في
الخروج والبروز فكان هذا التعريف مناسبا للمعنى اللغوي لا الشرعي، ولذا قال في البدائع:
ركن الطلاق اللفظ الذي جعل دلالة على معنى الطلاق لغة وهو التخلية والارسال ورفع القيد
في الصريح وقطع الوصلة ونحوه في الكنايات، أو شرعا وهو إزالة حل المحلية في النوعين
أو ما يقوم مقام اللفظ ا ه‍. فقد أفاد أن ركنه شرعا اللفظ الدال على إزالة حل المحلية وإن
رفع القيد إنما هو مناسب للمعنى اللغوي. الثالث كان ينبغي تعريفه بأنه رفع عقد النكاح
بلفظ مخصوص ولو مآلا، لا يقال لو كان الطلاق رافعا للعقد لارتفع الطلاق لأن رفع العقد

410
بدون العقد لا يتصور فإذا انعدم العقد من الأصل انعدم الفسخ من الأصل. فإذا انعدم ا
لفسخ عاد العقد لفقد ما ينافيه لأنا نقول: جوابه ما أجابوا به في القول بفسخ عقد البيع.
وحاصله أنه يجعل العقد كأن لم يكن في المستقبل دون الماضي ويؤيده ما في الجوهرة: وهو
في الشرع عبارة عن المعنى الموضوع لحل عقدة النكاح ويقال إنه عبارة عن إسقاط الحق عن
البضع، ولهذا يجوز تعليقه بالشرط، والطلاق عندهم لا يزيل الملك وإنما يحصل زوال الملك
عقيبه إذا كان طلاقا قبل الدخول أو بائنا، وإن كان رجعيا وقف على انقضاء العدة أي لم يزل
الملك إلا بعد انقضائها ا ه‍.
وفي البدائع: وأما بيان ما يرفع حكم النكاح فالطلاق إلى آخره فجعل المرفوع الحكم
وفيه ما علمت. وقد يقال إنما لم يقولوا برفع العقد لبقاء آثاره من العدة إلا أنه يخص المدخول
بها، وأما غير المدخول بها فلا أثر بعد الطلاق، والتحقيق ما أفاده في التلويح من بحث العلل
بقوله: وأما بقاء العلل الشرعية حقيقة كالعقود مثلا فلا خفاء في بطلانه فإنها كلمات لا
يتصور حدوث حرف منها حال قيم حرف آخر، والفسخ إنما يرد على الحكم دون العقد،
ولو سلم فالحكم ببقائها ضروري ثبت دفعا للحاجة إلى الفسخ فلا يثبت في حق غير الفسخ
ا ه‍. الرابع أنه لو طلقها ثم راجعها قبل انقضاء عدتها ينبغي أن لا يكون طلاقا لأنه لم يوجد
الرفع في المآل. وجوابه أن الرفع في المآل لم ينحصر في انقضاء العدة قبل المراجعة بل فيه
وفيما إذا طلقها بعد ثنتين فإنه حينئذ يظهر عمل الطلقة الأولى بانضمام الثنتين إليها فتحرم
حرمة غليظة كما أشار إليه في المحيط بقوله: وإذا طلقها ثم راجعها يبقى الطلاق وإن كان لا
يزيل القيد والحل للحال لأنه يزيلهما في المآل إذا انضم إليه ثنتان ا ه‍. وعلى هذا لو طلقها
ثم ماتت قبل انقضاء العدة أو طلقها ثم راجعها ثم ماتت بعد سنين ينبغي أن يتبين عدم وقوع

411
الطلقة الأولى حتى لو حلف أنه لم يوقع عليها طلاقا قط لا يحنث وقد علمت ركنه. وأما سببه
فالحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى
وشرعه رحمة منه سبحانه. وأما صفته فهو أبغض المباحات إلى الله تعالى. وفي المعراج: إيقاع
الطلاق مباح وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء، ومن الناس من يقول لا يباح إيقاعة
إلا لضرورة كبر سن أو ريبة لقوله عليه السلام لعن الله كل مذواق مطلاق ولنا إطلاق الآيات
فإنه يقتضي الإباحة مطلقا، وطلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها فأمره الله تعالى أن يراجعها
فإنها صوامة قوامة ولم يكن هناك ريبة ولا كبر سن، وكذا الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر
رضي الله عنه طلق أم عاصم، وابن عوف تماضر، والمغيرة بن شعبة أربع نسوة، والحسن بن
علي رضي الله عنهما استكثر النكاح والطلاق بالكوفة فقال علي رضي الله عنه على المنبر: إن
ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا: نزوجه ثم نزوجه ثم نزوجه ا ه‍. وقد روى أبو داود عن
ابن عمر مرفوعا أبغض الحلال إلى الله تعالى عز وجل الطلاق (1).
قال الشمني رحمه الله: فإن قيل هذا الحديث مشكل لأن كون الطلاق مبغضا إلى الله
عز وجل مناف لكونه حلالا لأن كونه مبغضا يقتضي رجحان تركه على فعله، وكونه حلالا
يقتضي مساواة تركه بفعله. أجيب: ليس المراد بالحلال ههنا ما استوى فعله وتركه بل ما
ليس تركه بلازم الشامل للمباح والواجب والمندوب والمكروه ا ه‍. وبما ذكرناه عن المعراج
تبين أن قوله في فتح القدير والأصح حظره إلا لحاجة اختيار للقول الضعيف وليس المذهب

412
عن علمائنا، وأما قوله ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعليل يصرح بأنه محظور لما
فيه من كفران نعمة النكاح وإنما أبيح للحاجة والحاجة ما ذكرنا في بيان سببه فبين الحكمين
منهم تدافع ا ه‍. فجوابه أنه لا تدافع بين كلامهم لأن كلامهم هنا صريح في إباحته لغير
حاجة ودعوى أن تعليلهم فيما سيأتي بأنه محظور خلاف الواقع منهم، وإنما قالوا في
الاستدلال على بدعية الثلاث أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي
تعلقت به المصالح الدينية والدنياوية والإباحة للحاجة إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين
الثلاث. كذا في الهداية والمحيط وغيرهما. فهذا لا يدل على أنه محظور شرعا وإنما يفيد أن

413
الأصل فيه الحظر وترك ذلك بالشرع فصار الحل هو المشروع فهو نظير قو صاحب كشف
الاسرار: إن الأصل في النكاح الحظر وإنما أبيح للحاجة إلى التوالد والتناسل، فهل يفهم منه
أنه محظور فالحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها لقوله تعالى * (لا جناح عليكم إن
طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * (البقرة: 236) وحمله على الحاجة ليس بصحيح. وفي غاية
البيان: يستحب طلاقها إذا كانت سليطة مؤذية أو تاركة للصلاة لا تقيم حدود الله تعالى
ا ه‍. وهو يفيد جواز معاشرة من لا تصلي ولا إثم عليه بل عليها ولذا قالوا في الفتاوى: له
أن يضربها على ترك الصلاة ولم يقولوا عليه مع أن في ضربها على تركها روايتين ذكرهما
قاضيخان، فقد علمت أنه مباح ومستحب وسيأتي أنه حرام بدعي. ويكون واجبا إذا فات
الامساك بالمعروف كما في امرأة المجبوب والعنين بعد الطلب ولذا قالوا: إذا فاته الامساك
بالمعروف ناب القاضي منابه فوجب التسريح بالاحسان. وأما شرطه في الزوج فالعقل
والبلوغ، وفي الزوجة أن تكون منكوحته أو في عدته التي تصلح معها محلا للطلاق وهي
المعتدة بعدة الطلاق لا المعتدة بعدة الوطئ والخلوة. وحاصل ما في فتح القدير أن المعتدة التي
هي محل للطلاق هي كل معتدة عن طلاق أو بعد تفريق القاضي بإباء أحدهما عن الاسلام
وبعد ارتداد أحدهما مطلقا فقط، فلا يقع الطلاق في عدة عن فسخ إلا في هاتين، ولا يقع

414
في العدة عن فسخ بحرمة مؤبدة كما إذا اعترضت الحرمة بتقبيل ابن الزوج، وكذا عن فسخ
بحرمة غير مؤبدة كالفسخ بخيار العتق والبلوغ وعدم الكفاءة ونقصان المهر وسبي أحدهما
ومهاجرته إلينا. وقد صرح في بحث خيار البلوغ بأن الأوجه وقوع الطلاق في العدة ونبهنا
في ذلك المحل أن المنقول خلافه فالحق ما ذكره هنا من عدمه. وزاد في البدائع أن من
شرائطه شرط الركن وهو اللفظ المخصوص أن لا يلحقه استثناء وأن لا يكون للطلاق انتهاء
غاية فإنه لو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تقع الثلاث عند الإمام. وأما حكمه
فوقوع الفرقة مؤجلا إلى انقضاء العدة في الرجعي وبدونه في البائن. وأما محاسنه فالتخلص
به من المكاره الدينية والدنيوية. وبه يعلم أن طلاق الدور واقع كما في القنية من آخر
الايمان. وأما أقسامه فثلاثة: حسن وأحسن وبدعي وأما ألفاظه فثلاثة: صريح وما ألحق به
وكناية وسيأتيان.
قوله: (تطليقها واحدة في طهر لا وطئ فيه وتركها حتى تمضي عدتها أحسن) أي
بالنسبة إلى البعض الآخر لا أنه في نفسه حسن فاندفع به ما قيل كيف يكون حسنا مع أنه
أبغض الحلال، وهذا أحد قسمي المسنون فإنه حسن وأحسن. ومعنى المسنون هنا ما ثبت
على وجه لا يستوجب عتابا لا أنه المستعقب للثواب لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت
له ثواب فالمراد هنا المباح. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها بدعيا فمنع نفسه إلى وقت السني
يثاب على كف نفسه عن المعصية لا على نفس الطلاق ككف نفسه عن الزنا مثلا بعد تهئ
أسبابه ووجود الداعية فإنه يثاب لا على عدم الزنا لأن الصحيح أن المكلف به الكف لا العدم
كما عرف في الأصول. وفي المعراج: إنما كان هذا القسم أحسن من الثاني لأنه متفق عليه

415
بخلاف الثاني فإنه مختلف فيه فإن مالكا قال بكراهته لاندفاع الحاجة بالواحدة. قيد بالواحدة
لأن الزائد عليها بكلمة واحدة بدعي ومتفرقا ليس بأحسن، وسيأتي أن الواحدة البائنة بدعي
فالمراد بالواحدة هنا الرجعية. وقيد بالطهر لأنه في الحيض بدعي وقيد بعدم الوطئ لأنه في
طهر وطئها فيه بدعي لوقوع الندم باحتمال حملها. واستفيد منه أنه لو طلقها في طهر جامعها
فيه بعد ظهور حملها لا يكون بدعيا من هذ القسم لفقد العلة وبه صرح في البدائع، وصرح
أنه لو طلقها في طهر لا وطئ فيه لكن وطئ في الحيض قبله يكون بدعيا لوجود العلة. وعلم
من مقابله أنه لا بد أن يكون الحيض الذي قبل هذا الطهر لا طلاق فيه ولا في بعضه جماع
ولا طلاق، فلو قال كما في البدائع الأحسن تطليقها إذا كانت من ذوات الأقراء واحدة
رجعية في طهر لا جماع فيه ولا طلاق فيه ولا في حيضه جماع ولا طلاق وتركها حتى تنقضي
عدتها لكان أحسن. فإن قلت: عبارة المصنف في طهر لا وطئ فيه ولم يقيده بوطئه وعبارة
المجمع في طهر لم يجامعها فيه فأي العبارتين أولى؟ قلت: يرد على كل منهما شئ أما على
الكنز فالزنا فإنه إذا طلقها في طهر وطئها فيه غيره بزنا فإنه سني مع أنه ما خلا عن الوطئ
فيه، وأما على المجمع فوطئ غيره بشبهة فإن الطلاق في طهر لم يجامعها هو وإنما جامعها
غيره بشبهة بدعي كما ذكره الأسبيجابي فكان ينبغي أن يستثني المصنف الزنا ويزيد في المجمع
ولا غيره بشبهة، وخرج الحسن بقوله وتركها حتى تمضي عدتها ومعناه الترك من غير طلاق
آخر لا الترك مطلقا لأنه إذا راجعها لا يخرج الطلاق عن كونه أحسن كما ذكره الأسبيجابي.
وفي المحيط: لو قال لها أنت طالق للسنة وهي طاهرة من غير جماع ولكن وطئها غيره فإن
كان زنا وقع في هذا الطهر، وإن كان بشبهة لم يقع.
قوله: (وثلاثا في إطهار حسن وسني) أي تطليقها ثلاثا في ثلاثة أطهار حسن وسني،
وقد قدمنا أن كلا من الحسن والأحسن سني فتخصيص هذا باسم إطلاق السنة لا وجه له
والمناسب تمييزه بالمفضول من طلاقي السنة. كذا في فتح القدير. لكن مشايخنا إنما خصوه
باسم السنة لما أنه ورد في واقعه ابن عمر رضي الله عنهما ما هكذا أمرك الله قد أخطأت
السنة. السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء تطليقة. وخصوا الأول باسم الأحسن لما
روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في

416
الطلاق على واحدة حين تمضي عدتها وأن هذا أفضل عندهم، ولا بد أن تكون الأطهار خالية
عن الجماع فيها وفي حيض قبلها وعن طلاق فيه لأن كلا منها يخرجه عن السنة. صرح به
في الفوائد التاجية. ولا يخفى أن الكلام كله في المدخول بها، وأما غيرها فسيذكر حكمها.
والتطليق في الطهر الأول صادق بكونه في أوله وفي آخره، واختلف فيه قيل الأولى التأخير
إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة عليها. وقال صاحب الهداية: والأظهر أن يطلقها
عقيب الطهر لأنه لو أخر الايقاع ربما يجامعها ومن قصده أن يطلقها فيبتلي بالايقاع عقيب
الوقاع وهو بدعي أي الأظهر من عبارة محمد. كذا في غاية البيان. ورجح الأول في فتح
القدير بأنه أقل ضررا فكان أولى. وهو رواية عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ا ه‍. والمعتمد ما
في الهداية لما ذكره ولأنه إذا أخر إلى آخر ربما فجأها الحيض قبل التطليق فيفوت مقصوده.
وفي المبسوط: وإذا كان الزوج غائبا وأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم
حضت فطهرت فأنت طالق لجواز أن يكون قد امتد طهرها الذي جامعها فيه، وإذا أراد أن
يطلقها ثلاثا للسنة كتب ثم إذا حضت وطهرت فأنت طالق ثم إذا حضت وطهرت فأنت
طالق، وإن شاء أوجز فكتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا للسنة فيقع بهذا الصفة،
وإن كانت لا تحيض كتب إذا جاءك كتابي هذا ثم أهل شهر فأنت طالق أو فأنت طالق ثلاثا
للسنة ا ه‍. وهذه الكتابة على هذا الوجه واجبة كما في فتح القدير وفي البدائع، وذكر محمد
رحمه الله تعالى في الرقيات أنه يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا فعلمت ما فيه ثم حضت
وطهرت فأنت طالق وتلك الرواية أحوط ا ه‍. وظاهر قوله لجواز أن يكون قد امتد طهرها
يدل على أنه لو سافر وهي حائض ولم يجامعها في ذلك الحيض فإنه يكتب لها إذا جاءك كتابي
هذا فأنت طالق من غير حاجة إلى قوله ثم حضت فطهرت فإنه لم يجامعها في طهر الطلاق
إلا أن يقال: جاز أن تكون وطئت بشبهة في غيبته وهو بعيد الوقوع، وأما الزنا فلا اعتبار به
كما قدمناه. وفي المحيط: لو قال لها إذا طهرت من حيضة فأنت طالق للسنة فطهرت من
حيضة ثم جاءت بولد لستة أشهر ويوم أو يومين منذ طلق لم تطلق لأنه تبين أن ذلك لم يكن
حيضا، وإن جاءت بولد لستة أشهر وثلاثة أيام طلقت لأن الحيض تم في ثلاثة أيام وهذا
الولد رجعة ا ه‍.
قوله: (وثلاثا في طهر أو بكلمة بدعي) أي تطليقها ثلاثا متفرقة في طهر واحد أو ثلاثا
بكلمة واحدة بدعي أي منسوب إلى البدعة. والمراد بها هنا المحرمة لأنهم صرحوا بعصيانه،
ومراده بهذا القسم ما ليس حسنا ولا أحسن ولذا قال في فتح القدير: طلاق البدعة ما خالف

417
قسمي السنة فدخل في كلامه ما لو طلق ثنتين بكلمة واحدة أو متفرقا أو واحدة في طهر قد
جامعها فيه أو في حيض قبله، وأما الطلاق في الحيض فسيصرح به. وقد علم من تعليلهم
الطلاق بالحاجة إلى الخلاص ولا حاجة فيما زاد على الواحدة أن البائنة بدعية وهو ظاهر
الرواية لأن الحاكم الشهيد في الكافي نص على أنه أخطأ السنة، وفي رواية الزيادات أنه لا
يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا ويشهد لها أن أبا ركانة طلق امرأته البتة والواقع بها بائن ولم
ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم والقياس على الخلع. والجواب تجويز أن يكون أبو ركانة طلق قبل
الدخول أو أنه أخر الانكار عليه لحال اقتضت تأخيره إذ ذاك، والخلع لا يكون إلا عند تحقق
الحاجة وبلوغها النهاية، ولذا روي عن الإمام أن الخلع لا يكره حالة الحيض. كذا في فتح
القدير. وذكر الأسبيجابي أن الخلع لا يكره كما لا يكره حالة الحيض بالاجماع. وعلله في
المحيط بأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به ا ه‍. ولم أر حكم ما إذا طلبت منه أن يطلقها
ثلاثا بألف وقد يقال إنه يباح لأنه لا يمكن تحصيل كمال الألف إلا بالثلاث حيث لم ترض
إلا بها. وقد يجاب بأن ثلث العوض حاصل له بطلاقها واحدة جبرا عليها فيفوته كمال
الألف لا كلها بخلاف الخلع فإنه إن لم يخلعها لا يستحق شيئا فافترقا. ولا حاجة إلى
الاشتغال بالأدلة على رد قول من أنكر وقوع الثلاث حملة لأنه مخالف للاجماع كما حكاه في
المعراج ولذا قالوا: لو حكم حاكم بأن الثلاث يفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ
فيه الاجتهاد لأنه خلاف لا اختلاف. وفي جامع الفصولين: طلقها وهي حبلى أو حائض أو
طلقها قبل الدخول أو أكثر من واحدة فحكم ببطلانه قاض كما هو مذهب البعض لم ينفذ،
وكذا لو حكم ببطلان طلاق من طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو في طهر جامعها فيه لا ينفذ
ا ه‍. وقد صرح ابن عباس رضي الله عنهما للسائل الذي جاء يسأله عن الذي طلق ثلاثا
بقوله عصيت ربك. وروى عبد الرزاق مرفوعا عنه عليه السلام بانت بثلاث في
معصية الله تعالى. فقد أفاد الوقوع والعصيان ولان الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح
للحاجة إلى الخلاص وهو يحصل بالواحدة فلا حاجة إلى ما زاد عليها، وقول الشافعي إنه
مشروع فلا يكون محظورا دفع بأنه مشروع من حيث إنه واقع لحاجة لزوم فساد الدين والدنيا
غير مشروع من حيث إنه إضرار أو كفران بلا حاجة. ثم اعلم أن البدعة في الجمع مقيدة بما

418
إذا لم يتخلل بين التطليقتين رجعة، فإن تخللت فلا يكره إن كانت بالقول أو بنحو القبلة
واللمس عن شهوة، وأما إذا راجعها بالجماع فليس له ذلك بالاجماع لأن هذا طهر فيه جماع،
وإن راجعها بالجماع وأعلقها له أن يطلقها أخرى في قول أبي حنيفة وزفر. وقال أبو يوسف:
ليس له أن يطلقها في هذا الطهر للسنة حتى يمضي شهر من التطليقة الأولى. ذكره
الأسبيجابي. وفي المحيط: لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وهو ممسك يدها بشهوة وقعت
ثلاثا للسنة متعاقبا لأن عنده يصير مراجعا بالمس عن شهوة والرجعة فاصلة عنده، وعندهما
تقع واحدة للحال وتقع ثنتان في طهرين آخرين لأن الرجعة غير فاصلة ا ه‍. وهذا كله على
رواية الطحاوي ومشى عليها في المنظومة، وأما على ظاهر الرواية فكقولهما من أن الرجعة لا
تكون فاصلة. كذا في المعراج. وهذا كله في تخلل الرجعة، أما لو تخلل النكاح فأقوال،
والأوجه أنه على اختلاف الرواية عنه. وفي المصباح: البدعة اسم من الابتداع كالرفعة من
الارتفاع غلب استعمالها على ما هو نقص في الدين أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير
مكروه فيمسى بدعة مباحة وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة تندفع بها
مفسدة كاحتجاب الخليفة عن اختلاف الناس ا ه‍.
قوله: (وغير الموطوءة تطلق للسنة ولو حائضا) أي التي لم يدخل بها يجوز تطليقها
للسنة واحدة ولو كانت حائضا بخلاف المدخول بها، والفرق أن الرغبة فيها متوفرة ما لم
يذقها فطلاقها في حالة الحيض يقوم دليلا على تحقق الحاجة بخلاف المدخول بها وليس هو
تعليلا في مقابلة النص أعني واقعة ابن عمر رضي الله عنهما لأن فيه فتلك العدة التي
أمر الله أن تطلق لها النساء والعدة ليس إلا للمدخول بها كما في فتح القدير، أو بدليل قوله
عليه السلام فليراجعها والمراجعة بعد الدخول لا قبله كما في المعراج. والحاصل أن السنة
في الطلاق من وجهين: سنة في الوقت، وسنة في العدد. فالسنة في العدد يستوي فيها
المدخول بها وغير المدخول بها حتى لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا للسنة تقع للحال
واحدة، سواء كانت حائضا أو طاهرة، ولا تقع عليها الثانية إلا بالتزويج، وكذا الثالثة بالتزويج
ثالثا لأن الطلاق السني المرتب في حق غير المدخول بها لا يتصور إلا على هذا الوجه. كذا في
المعراج. والسنة في الوقت أعني الطهر الخالي عن الجماع يثبت في المدخول بها خاصة والخلوة
كالدخول عندنا في حكم العدة ومراعاة وقت السنة في الطلاق لأجل العدة كما في المعراج،
وهي واردة على المصنف إلا أن يقال إنها موطوءة حكما قوله: (وفرق على الأشهر فيمن لا
تحيض) أي فرق الزوج الطلاق على أشهر العدة إذا كانت المرأة ممن لا تحيض لصغر أو كبر أو

419
حمل لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض قال الله تعالى * (واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم) * إلى أن قال * (واللائي لم يحضن) * (الطلاق: 4) والإقامة في حق الحيض خاصة حتى
يقدر الاستبراء في حقها بالشهر وهو بالحيض لا بالطهر. كذا في الهداية. والخلاف في أن
الأشهر قائمة مقام الحيض والطهر أو مقام الحيض لا غير، وتصحيح الثاني قليل الجدوى لا
ثمرة له في الفروع كذا في فتح القدير. وفي المعراج: وثمرة اختلاف أصحابنا تظهر في
حق إلزام الحجة على البعض لاجماعهم أن الاستبراء يكتفي بالحيض على أن الشهر قائم مقام
الحيض إذ التبع خلف الأصل بحاله لا بذاته ا ه‍. وفي البدائع: إذا وقع عليها ثلاث
تطليقات في ثلاثة أطهار فقد مضى من عدتها حيضتان إن كانت حرة لأن العدة بالحيض
عندنا وبقيت حيضة واحدة، فإذا حاضت حيضة أخرى فقد انقضت عدتها، وإن كانت من
ذوات الأشهر طلقها واحدة رجعية، وإذا مضى شهر طلقها أخرى، ثم إذا مضى شهر طلقها
أخرى، ثم إذا كانت حرة وقع عليها ثلاث تطليقات ومضى من عدتها شهران وبقي شهر
واحد من عدتها فإذا مضى شهر واحد فقد انقضت عدتها. وإن كانت أمة ووقع عليها
تطليقتان في شهر بقي من عدتها نصف شهر، فإذا مضى نصف شهر فقد انقضت عدتها
ا ه‍. والمراد بالصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين على المختار، وبالكبيرة الآيسة وهي بنت خمس
وخمسين على الأظهر. ودخل تحت من لا تحيض من بلغت بالسن ولم ترد ما أصلا فإن الطلاق
يفرق على الأشهر أيضا. وإن لم تدخل تحت قوله وصح طلاقهن بعد الوطئ. وفي المحيط
والبدائع: ولو طلقها وهي صغيرة ثم حاضت فطهرت قبل مضي شهر فله أن يطلقها أخرى
بالاجماع لأن حكم الشهر قد بطل، وكذا لو طلق من تحيض ثم أيست فله أن يطلقها أخرى
لتبدل الحال ولا تدخل الممتدة طهرها تحت من لا تحيض لما في البدائع: وأما الممتدة طهرها
فإنها لا تطلق للسنة إلا واحدة لأنها من ذوات الأقراء لأنها قد رأت الدم وهي شابة ولم
تدخل في حق الإياس إلا أنه امتد طهرها، ويحتمل الزوال ساعة فساعة فبقي أحكام ذوات
الأقراء فيها، ولا تطلق ذات القرء في طهر لا جماع فيه للسنة إلا واحدة ا ه‍. فعلى هذا لو
كان قد جامعها في الطهر وامتد لا يمكن تطليقها للسنة حتى تحيض ثم تطهر، وقد أشار إليه
الشارح معللا بأن الحيض مرجو في حقها، وهي كثيرة الوقوع في الشابة التي لا تحيض زمان
الرضاع، ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى اعتبار الأشهر بالأيام أو بالأهلة قالوا: إن كان
الطلاق في أول الشهر فتعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه ففي حق تفريق الطلاق
يعتبر كل شهر بالأيام وذلك ثلاثون يوما بالاتفاق، وكذلك في حق انقضاء العدة عند أبي

420
حنيفة، وعندهما يعتبر شهر واحد بالأيام وشهران بالأهلة. كذا في المبسوط. وفي الكافي:
الفتوى على قولهما لأنه أسهل. والمراد بأول الشهر الليلة التي رؤي فيها الهلال كما في فتح
القدير.
قوله: (وصح طلاقهن بعد الوطئ) أي حل لأن الكلام فيه لا في الصحة لأنه لا يتوهم
الحبل فيمن لا تحيض، والكراهة فيمن تحيض باعتباره لحصول الندم عند ظهوره. وهذا الوجه
يقتضي في التي لا تحيض لا لصغر ولا لكبر بل اتفق امتداد طهرها متصلا بالصغر، وفي
التي لم تبلغ بعد وقد وصلت إلى سن البلوغ أن لا يجوز تعقيب وطئها بطلاقها لتوهم الحمل
في كل منهما. كذا في فتح القدير وقد قدمناه. وفي المحيط قال الحلواني رحمه الله: هذا في
صغيرة لا يرجى حبلها، أما فيمن يرجى فالأفضل له أن يفصل بين طلاقها ووطئها بشهر كما
قال زفر، ولا يخفى أن قول زفر ليس هو في أفضلية الفصل بل للزوم الفصل كما في فتح
القدير. وجوابه أنه ليس المراد التشبيه في الأفضلية وإنما هو بأصل الفاصل وهو الشهر.
وشمل كلامه الحامل وهو قولهما فيفصل بين تطليقتين بشهر. وقال محمد وزفر والأئمة
الثلاثة: لا يطلقها للسنة إلا واحدة كالممتد طهرها. ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة وهي لا
تندفع بالواحدة فشرع لدفعها عى وجه لا يعقب الندم للتفريق على أوقات الرغبة وهي
الأطهار التي تلي الحيض ليكون كل طلاق دليلا على قيامها بخلاف الممتد طهرها لأنها محل
النص على نفي جواز الايقاع بالطهر الحاصل عقيب الحيض وهو مرجو في حقها كل لحظة
ولا يرجى في الحامل ذلك قوله: (وطلاق الموطوءة حائضا بدعي) أي حرام للنهي عنه الثابت
ضمن الامر في قوله تعالى * (فطلقوهن لعدتهن) * (الطلاق: 1) وقوله عليه السلام لابن عمر
رضي الله عنهما حين طلقها فيه ما هكذا أمرك الله ولاجماع الفقهاء على أنه عاص قيد
بالطلاق لأن التخيير والاختيار والخلع في الحيض لا يكره كما قدمناه. وإذا أدركت الصبية
فاختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في الحيض. كذا في المجتبى. ولما كان المنع
منه فيه لتطويل العدة عليها كان النفاس كالحيض كما في الجوهرة، وما في المحيط من تعليل

421
عدم كراهة الخلع فيه من أنه ليس بطلاق صريح والنص ورد بتحريم الطلاق الصريح فيه نظر
لأنه يقتضي أن الكنايات لا تكره في الحيض وليس كذلك للعلة المذكورة ويرد عليه الطلاق
على مال فإنه لا يكره في الحيض كما صرح به في المعراج مع أنه صريح، وقد ذكر المصنف
ثلاثة أنواع للبدعي وهي ثمانية: الرابع تطليقها ثنتين بكلمة. الخامس تطليقها ثنتين في طهر لم
يتخلل بينهما رجعة. السادس تطليقها في طهر جامها فيه. السابع تطليقها في طهر لم يجامعها
فيه لكن جامعها في حيض كان قبله. الثامن تطليقها في النفاس.
قوله: (فيراجعها) أي وجوبا في الحيض للتخلص من المعصية بالقدر الممكن لأن رفعه
بعد وقوعه غير ممكن ورفع أثره وهو العدة بالمراجعة ممكن. ولم يذكر صفتها للاختلاف
فاختار القدوري استحبابها لقول محمد في الأصل وينبغي له أن يراجعها فإنه لا يستعمل في
الوجوب والأصح وجوبها لما قلنا وعملا بحقيقة الامر في قوله عليه السلام مر ابنك
فليراجعها والأصل فيه أن لفظ الامر مشترك بين الصيغة النادبة والموجبة عند الشافعية حتى
يصدق الندب مأمورا به فلا يلزم الوجوب من قوله مرابنك، وأما عندنا فمسمى الامر
الصيغة الموجبة كما أن الصيغة حقيقة في الوجوب فيلزم الوجوب منها وإن كانت صادرة عن
عمر رضي الله عنه لا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نائب عنه فيها فهو كالمبلغ للصيغة فاشتمل قوله
مرابنك على وجوبين: صريح وهو الوجوب على عمر رضي الله عنه أن يأمر، وضمني
وهو ما يتعلق بابنه عند توجه الصيغة إليه. قيدنا بقولنا في الحيض لأنه لو لم يراجعها حتى
طهرت تقررت المعصية. كذا في فتح القدير مستندا إلى أنه المفهوم من كلام الأصحاب عند
التأمل، ويدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين مرابنك فليراجعها ثم
ليمسكها حتى تطهر إلى آخره. وقد يقال: إن هذا ظاهر على رواية الطحاوي الآتية من أنها
إذا طهرت طلقها، وأما على المذهب فينبغي أن لا تقرر المعصية حتى يأتي الطهر الثاني الذي
هو أوان طلاقها قوله: (ويطلقها في طهر ثان) يعني إذا راجعها في الحيض أمسك عن
طلاقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فيطلقها ثانية ولا يطلقها في الطهر الذي طلقها في

422
حيضته لأنه كما قدمناه بدعي، وذكر الطحاوي أنه يطلقها في طهره وهو رواية عن أبي حنيفة
لأن أثر الطلاق انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها في هذه الحيضة فيسن تطليقها في
طهرها، والأول هو المذكور في الأصل وهو ظاهر الرواية كما في الكافي وظاهر المذهب
وقول الكل كما في فتح القدير. ويدل له حديث الصحيحين مرابنك فليراجعها ثم ليمسكها
حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسكها فتلك العدة التي
أمر الله أن تطلق لها النساء (1) ولان السنة أن يفصل بين كل تطليقتين بحيضة والفاصل هنا
بعض الحيضة قوله: (ولو قال لموطوءته أنت طالق ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر طلقة) لأن
اللام فيه للوقت ووقت السنة طهر لاجماع فيه. كذا في الهداية. وتعقب بأنه لا يستلزم
الجواب لأن المعنى حينئذ ثلاثا لوقت السنة وهذا يوجب تقييد الطلاق بإحدى جهتي سنة
الطلاق وهو السني وقتا، وحينئذ فمراده ثلاثا في وقت السنة فيصدق بوقوعها جملة في طهر
بالاجماع فيمتنع بهذا التقرير تعميم السنة في جهتيها. والتحقيق أن اللام للاختصاص فالمعنى
الطلاق المختص بالسنة وهو مطلق فينصرف إلى الكامل وهو السني عددا ووقتا، فوجب جعل
الثلاث مفرقا على الأطهار. كذا في فتح القدير. وجوابه أنه يلزم من السن وقتا السني عددا
إذ لا يمكن إيقاع ثلاث على وجه السنة أصلا، وأما السني عددا فغير مستلزم للسني وقتا فإن
الواحدة تكون سنة في طهر فيه جماع في الآيسة والصغيرة كما قدمناه. أطلقه فشمل ما إذا
نواه أو لم ينوه، وقيد بالموطوءة لأنه لو قال لغيرها ذلك وقعت للحال واحدة ولو كانت
حائضا ثم لا يقع عليها قبل التزوج شئ ولا ينحل اليمين لأن زوال الملك بعد اليمين لا
يبطلها، فإن تزوجها وقعت الثانية، فإن تزوجها أيضا وقعت الثالثة فيفرق الثلاث على
التزوجات كما في فتح القدير، فما في المعراج من أنه يقع الثلاث للحال بالاجماع سهو
ظاهر. وأشار بقوله عند كل طهر إلى أنها من ذوات الحيض لأنها لو كانت من ذوات
الأشهر يقع للحال واحدة وبعد شهر أخرى، وكذا لو كانت حاملا عندهما خلافا لمحمد كما
تقدم في طلاق الحامل. وأشار بذكر الثلاث وتفريقها على الأطهار إلى أنه لو قال أنت طالق
للشهور يقع عند كل شهر تطليقة، ولو قال للحيض يقع عند كل حيض واحدة وتكره الثانية
في رواية ولا تكره في أخرى. كذا في المبتغى بالمعجمة. والحيض بالجمع لا المصدر. وقيده

423
في المعراج بأن ينوي الثلاث ولفظه: ولو قال أنت طالق للشهور أو الحيض ونوى
ثلاثا كانت ثلاثا لأنه أضاف الطلاق إلى ماله عدد ا ه‍. وفي المحيط: لو قال لها أنت طالق للحيض
وليست من ذوات الحيض لا يقع الطلاق. وفي البدائع: ولو قال لامرأته وهي من ذوات
الحيض أنت طالق للحيض وقع عند كل طهر من كل حيضة تطليقة لأن الحيض الذي يضاف
إليه الطلاق هي أطهار العدة ا ه‍. وهو مخالف للأول والظاهر خلافه لأن الإضافة إنما هي
للحيض لا للاطهار، وذكره في المحيض عن المنتقى. وأفاد بقوله عند كل طهر أنها لو
كانت طاهرة وقته ولم يكن جامعها فيه وقعت للحال واحدة، وإن كانت حائضا أو جامعها
في ذلك الطهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر. وفي البدائع: لو قال أنت طالق ثنتين للسنة
وقعت الطلقتان عند كل طهر واحدة.
قوله: (وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند كل شهر واحدة صحت) أي نيته. أما
الأولى فلان الثلاث سني وقوعا أي وقوعه بالسنة فتصح إرادته وتكون اللام للتعليل أي
لأجل السنة التي أوجبت وقوع الثلاث فإن وقوعها مذهب أهل السنة خلافا للروافض،
ولان وقوع الطلاق المجتمع سنة عند بعض الفقهاء فيحمل عليه عند النية، وعند عدمها يحمل
على الكامل وهو السني وقوعا وإيقاعا. فإن قيل: الوقوع بدون الايقاع محال فلما كان الوقوع
سنيا كان الايقاع سنيا لامتناع أن يكون الشئ سنيا ولازمه بدعيا. قلت: الوقوع لا يوصف
بالحرمة لأنه حكم شرعي لا اختيار للعبد فيه وحكم الشرع لا يوصف بالبدعة، والايقاع فعل
العبد فيوصف بالحرمة والبدعة فكان الوقوع أشبه بالسنة المرضية. كذا في الفوائد الظهيرية.
وأما الثانية فلان رأس الشهر إما أن يكون زمان حيضها أو طهرها، فعلى الثاني هو سني
وقوعا وإيقاعا، وعلى الأول هو سني وقوعا، فنية الثلاث عند رأس كل شهر واحدة مع
العلم بأن رأس الشهر قد تكون حائضا فيه بنية الأعم من السني وقوعا وإيقاعا معا أو
أحدهما. قيد بقوله ثلاثا لأنه لو قال أنت طالق للسنة ولم يذكر ثلاثا وقعت واحدة للحال إن
كانت في طهر لم يجامعها فيه، وإن كان قد جامعها أو كانت حائضا لا يقع شئ حتى تطهر
فيقع واحدة، فلو نوى ثلاثا مفرقا على الأطهار صح لأن المعنى في أوقات طلاق السنة، ولو
نوى الثلاث جملة اختلف فيه فذهب صاحب الهداية وفخر الاسلام والصدر الشهيد وصاحب
المختلفات إلى عدم صحتها وإنما يقع به واحدة فقط، وذهب القاضي أبو زيد وشمس الأئمة
وشيخ الاسلام إلى أنه يصح فتقع الثلاث جملة كما تقع مفرقا على الأطهار. والأول أوجه كما
في فتح القدير. ولو نوى واحدة بائنة لم تكن بائنة لأن لفظ الطلاق لا يدل على البينونة،
وكذا لفظ السنة بل يمنع ثبوت البينونة لأن الإبانة ليست بمسنونة على ظاهر الرواية، ولو
نوى ثنتين لم تكن ثنتين لأنه عدد محض بخلاف الثلاث لأنه فرد من حيث إنه جنس كل

424
الطلاق. ولو أراد بقوله طالق واحدة وبقوله للسنة أخرى لم يقع لأن قوله للسنة ليست من
ألفاظ الطلاق بدليل أنه لو قال لامرأته أنت للسنة لا يقع وإن نوى الطلاق. كذا في البدائع.
وقيد باللام لأنه لو صرح بالأوقات فقال أنت طالق ثلاثا أوقات السنة لا تصح نية الثلاث
جملة، والفرق أن اللام تحتمل أن لا تكون للوقت فقد نوى محتمل كلامه، وأما التصريح
بالوقت فغير محتمل غيره فانصرف إلى السنة الكاملة وهي السنة وقوعا وإيقاعا. كذا في
المعراج. وهذا يقتضي أن لا فرق بين جمع الوقت وأفراده لأنه مع التصريح به مفرد لا يحتمل
غيره كما في المجمع ومراده اللام وما كان بمعناه. فلو قال أنت طالق في السنة أو على السنة
أو مع السنة أو طلاق السنة فهو كاللام، وكذا السنة ليس بقيد بل مثلها ما كان بمعناها
كطلاق العدل أو طلاقا عدلا وطلاق العدة أو للعدة أو طلاق الدين أو الاسلام أو أحسن
الطلاق أو أجمله أو طلاق القرآن أو الكتاب.
وذكر في المعراج أنه على ثلاثة أقسام: الأول جميع ما ذكرناه ومنه طلاق التحري، والثاني أن
يقول أنت طالق في كتاب الله أو بكتاب الله أو مع كتاب الله، فإن نوى به طلاق السنة وقع في
أوقاتها، وإن لم ينوها وقع في الحال لأن كتاب الله يدل على وقوع الطلاق للسنة والبدعة فيحتاج
إلى النية. والثالث أن يقول أنت طالق على الكتاب أو بالكتاب أو على قول القضاة أو على قول
الفقهاء أو طلاق القضاة أو طلاق الفقهاء، فإن نوى السنة يدين ويقع في الحال في القضاء لأن
قول القضاء أو الفقهاء يقتضي الامرين، فإذا خصص يدين ولا يسمع في القضاء ا ه‍. وفي
مختصر الجامع الكبير للصدر الشهيد: لو قال أنت طالق تطليقة للسنة يقف على محله بخلاف سنية
أو عدلة أو عدلية أو حسنة أو جميلة لأنه وصف للواقع وهناك الايقاع، ولو قال أحسن الطلاق أو
أعد له أو أجمله توقف لحرف المبالغة، ولو قال تطليقة حسنة في دخولك الدار وشديدة في ضربك
أو قوية في بطشك أو ظريفة في نقابك أو معتدلة في قيامك تتعلق، ولو لم يذكر التطليقة يتنجز
لأنه وصفها وتم وصفه ا ه‍. وفي المحيط: لو قال أنت طالق تطليقة حقا طلقت الساعة، ولو قال
طلاق الحق كان للسنة، وقيد بالسنة لأنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ونوى الثلاث
وقعت للحال، وكذا الواحدة في الحيض والطهر الذي فيه جماع، وإن لم تكن له نية، فإن كان
في طهر فيه جماع أو في حال الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته، وإن كانت في طهر
لا جماع فيه لا يقع للحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر. كذا في المعراج. وقد بحث

425
بعض الطلبة بدرس الصرغتمشية أنه ينبغي أن تقع الثلاث بلا نية إذا كانت في طهر لم يجامعها
فيه من غير توقف على الحيض أو الجماع لأنه بدعي. فأجبته بأن البدعي على قسمين فاحش
وأفحش كالأحسن والحسن في السني، فالثلاث أفحش وما دونها فاحش فلا ينصرف إلى
الأفحش إلا بالنية. وفي المحيط: لو أمر رجلا أن يطلق امرأته للسنة وهي مدخولة بها فقال لها
الوكيل أنت طالق للسنة أو قال إذا حضت وطهرت فأنت طالق فحاضت وطهرت لم يقع
شئ لأنه فوض إليه الطلاق في وقت السنة فلا يملك إيقاعه قبل وقت السنة كما لو قال له
طلق امرأتي غدا فقال لها الوكيل أنت طالق غدا لا يقع إذا جاء غد حتى لو حاضت وطهرت
ثم قال الوكيل أنت طالق طلقت. ولو قال له طلق امرأتي ثلاثا للسنة فطلقها ثلاثا للسنة
للحال وقعت واحدة، وينبغي أن يطلقها أخرى في طهر آخر ثم يطلقها أخرى في طهر آخر
ا ه‍.
قوله: (ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ) لصدوره من أهله في محله وهو بيان للمحل
وشرائطه، فأشار إلى محله بذكر الزوج فإنه الزوجة ولو حكما وهي المعتدة كما سبق، وأشار
إلى شرطه بالبلوغ والعقل وهو تكليف الزوج، وقد صرح بمفهومه فيما يأتي، ولم يشترط أن
يكون جادا فيقع طلاق الهازل به واللاعب للحديث المعروف ثلاث جدهن جد وهزلهن
جد: النكاح والطلاق والعتاق (1) ولا أن يكون خاليا عن شرط الخيار فيقع طلاق شارط
الخيار في باب الطلاق بعوض وبغيره لنفسه ولها إلا في مسألة وهي ما إذا شرط لها في
الطلاق بعوض لكونه من جانبها معاوضة مال كما سيأتي في الخلع، ولا أن يكون صحيحا
ولا مسلما فيقع من المريض والكافر، ولا أن يكون عامدا فيقع طلاق المخطئ وهو الذي
يريد أن يتكلم بغير الطلاق فيسبق على لسانه الطلاق، وكذا العتاق. وروى الكرخي أن في
العتاق روايتين بخلاف الطلاق، وروى بشر أنهما سواء وهو الصحيح. الكل من البدائع.
ولا أن يكون ناويا له لأنه شرط في الكنايات فقط. واعلم أن طلاق الفضولين موقوف على

426
إجازة الزوج، فإن أجازه وقع وإلا فلا، سواء كان الفضولي امرأة أو غيرها كما في المحيط.
وفي الخانية: رجل قيل له إن فلانا طلق امرأتك أو أعتق عبدك فقال نعم ما صنع أو بئس ما
صنع اختلفوا فيه، قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل: لا يقع الطلاق فيهما. رجل
قال لغيره طلقت امرأتك فقال أحسنت أو قال أسأت على وجه الانكار لا يكون إجازة، ولو
قال أحسنت يرحمك الله حيث خلصتني منها أو قال في إعتاق العبد أحسنت تقبل الله منك
كان إجازة ا ه‍. وإنما لم يكن إجازة في نعم ما صنعت لحمله على الاستهزاء به. ولا فرق
بين التنجيز والتعليق، فلو علقه الفضولي بشرط فأجاز الزوج جاز، فلو وجد الشرط قبل
الإجازة ثم أجاز لم يقع حتى يوجد الشرط بعد الإجازة. كذا في المحيط. وفي القنية: لو
طلق امرأة غيره فقال زوجها بئس ما صنعت قال الفقيه أبو بكر: هو إجازة. ولو قول قال
نعم ما صنعت لا يكون إجازة، وعندي على عكسه وبه أخذ الفقيه أبو الليث لأنه الظاهر
ا ه‍. وفي البزازية من فصل التعليق بالملك: وتطليق الفضولي والإجازة قولا وفعلا كالنكاح
ا ه‍. فلو حلف لا يطلق فطلق فضولي إن أجاز بالقول حنث وبالفعل لا. ثم اعلم أنه إذا
جميع بين منكوحته وغيرها في الطلاق بكلمة فقال إحداكما طالق فهل يقع الطلاق على
منكوحته؟ فذكر في الخانية لو جمع بين منكوحته ورجل فقال إحداكما طالق لا يقع الطلاق
على امرأته في قول أبي حنيفة، وعن أبي يوسف أنه يقع. ولو جمع بين امرأته وأجنبية وقال
طلقت إحداكما طلقت امرأته، ولو قال إحداكما طالق ولم ينو شيئا لا تطلق امرأته. وعن أبي
يوسف أنها تطلق. ولو جمع بين امرأته وما ليس بمحل للطلاق كالبهيمة والحجر وقال
إحداكما طالق طلقت امرأته في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا تطلق. ولو جمع
بين امرأته الحية والميتة وقال إحداكما طالق لا تطلق الحية ا ه‍. ولا يخفي أن الرجل ليس
بمحل للطلاق وكذا الميتة فينبغي الوقوع كما في البهيمة والحجر ولذا قالوا: لو قال أنا منك
طالق لا يقع وإن نوى معللين بأنه ليس بمحل له لكن قال في المحيط: إن إضافة الطلاق إلى
الرجل وإن لم تصح فحكمه يثبت في حقه وهو الحرمة، ولذا لو أضاف الزوج الحرمة
والبينونة إلى نفسه صح فصار كالأجنبية ا ه‍. وفيها أيضا: إذا جمع بين امرأتين إحداهما
صحيحة النكاح والأخرى فاسدة النكاح فقال إحداكما طالق لا تطلق صحيحة النكاح كما لو
جمع بين منكوحة وأجنبية وقال إحداكما طالق. ولو كان له زوجتان اسم كل واحدة منهما
زينب إحداهما صحيحة النكاح، والأخرى فاسدة النكاح فقال زينب طالق طلقت صحيحة

427
النكاح وإن قال عنيت به الأخرى لا يصدق قضاء ا ه‍. وفيها أيضا: لو حلف ليطلقن فلانة
اليوم ثلاثا وهي أجنبية فيمينه على التطليق باللسان كما لو حلف ليتزوجن فلانة اليوم وهي
منكوحة الغير ومدخولته كانت اليمين على النكاح الفاسد ا ه‍. فالأجنبية محل له في الايمان.
قوله: (ولو مكرها) أي ولو كان الزوج مكرها على إنشاء الطلاق لفظا خلافا للأئمة
الثلاثة لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (1) ولنا ما أخرجه الحاكم
وصححه ثلاث جدهن جد كما قدمناه. وما رووه من باب المقتضى ولا عموم له فلا يجوز
تقدير الحكم الشامل لحكم الدنيا والآخرة بل إما حكم الدنيا وإما حكم الآخرة والاجماع على
أن حكم الآخرة وهو المؤاخذة مراد فلا يراد الآخر معه وإلا يلزم عمومه. أطلقه فشمل ما إذا
أكره على التوكيل بالطلاق فوكل فطلق الوكيل فإنه يقع. وفي الخانية: رجل أكرهه السلطان
ليوكله بطلاق امرأته فقال الزوج مخافة الحبس والضرب أنت وكيل ولم يزد على ذلك وطلق
الوكيل امرأته ثم قال الموكل لم أوكله بطلاق امرأتي قالوا: لا يسمع منه ويقع الطلاق لأنه
أخرج الكلام جوابا لخطاب الامر والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال ا ه‍. وقيدنا بالانشاء
لأنه لو أكره على أن يقر بالطلاق فأقر لا يقع كما لو أقر بالطلاق هازلا أو كاذبا. كذا في
الخانية من الاكراه. ومراده بعدم الوقوع في المشبه به عدمه ديانة لما في فتح القدير: ولو أقر
بالطلاق وهو كاذب وقع في القضاء ا ه‍. وصرح في البزازية بأن له في الديانة إمساكها إذا
قال أردت به الخبر عن الماضي كذبا وإن لم يرد به الخبر عن الماضي، أو أراد به الكذب أو
الهزل وقع قضاء وديانة. واستثنى في القنية من الوقوع قضاء ما إذا أشهد قبل ذلك لأن

428
القاضي يتهمه في إرادته الكذب، فإذا أشهد قبله زالت التهمة، والاقرار بالعتق كالاقرار
بالطلاق. وقيده البزازي بالمظلوم إذا أشهد عند استحلاف الظالم بالطلاق الثلاث أنه يحلف
كاذبا قال: يصدق في الحرية والطلاق جميعا وهذا صحيح ا ه‍. وقيدنا بكونه على النطق لأنه
لو أكره على أن يكتب طلاق امرأته فكتب لا تطلق لأن الكتابة أقيمت مقام العبارة باعتبار
الحاجة ولا حاجة هنا. كذا في الخانية. وفي البزازية: أكره على طلاقها فكتب فلانة بنت
فلان طالق لم يقع ا ه‍. وفي الخزانة لأبي الليث: وجملة ما يصح معه ثمانية عشر شيئا:
الطلاق والنكاح والرجعة والحلف بطلاق أو عتاق وظهار وإيلاء والعتق وإيجاب الصدقة
والعفو عن دم عمد وقبول المرأة الطلاق على مال والاسلام وقبول القاتل الصلح عن دم
العمد على مال والتدبير والاستيلاد والرضاع واليمين والنذر ا ه‍. والمذكور في أكثر الكتب
أنها عشرة: النكاح والطلاق والرجعة والايلاء والفئ والظهار والعتاق والعفو عن القصاص
واليمين والنذر. ولم يذكر في الخزانة الفئ فصارت تسعة عشر، ويزاد قبول الوديعة. قال
في القنية: أكره على قبول الوديعة فتلفت في يده فلمستحقها تضمين المودع ا ه‍. إن كان
بفتح الدال وهو الظاهر فهي عشرون والتحقيق أنها ستة عشر لأن الطلاق يشمل المعلق

429
والمنجز والطلاق على مال والعتق كذلك، والنذر يشمل إيجاب الصدقة فالزائد على العشرة:
الاسلام وقبول الصلح والتدبير والاستيلاد والرضاع وقبول الوديعة. وقد أطلق كثير صحة

430
إسلام المكره. وفي الخانية من السير: قيده بأن يكون حربيا وإن كان ذميا لا يكون إسلاما.
وفي القنية: أكره على طلاق امرأته ثلاثا فطلق لم يصر فارا فلا ترث منه.
قوله: (وسكران) أي ولو كان الزوج سكران لأن الشارع لما خاطبه في حال سكره
بالأمر والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدا عليه في الأحكام الفرعية،
وقد فسروه هنا بمذهب أبي حنيفة وهو من لا يعرف الرجل من المرأة ولا السماء من
الأرض، فإن كان معه من العقل ما يقوم به التكليف فهو كالصاحي. والحاصل أن المعتمد
في المذهب أن السكران الذي تصح منه التصرفات من لا عقل له يميز به الرجل من المرأة إلى
آخره. وبه يبطل قول من ادعى أن الخلاف فيه إنما هو فيه بمعنى عكس الاستحسان
والاستقباح مع تمييزه الرجل من المرأة، والعجب ما صرح به في بعض العبارات من أنه معه
من العقل ما يقوم به التكليف، ولا شك أن على هذا التقدير لا يتجه لاحد أن يقول لا تصح
تصرفاته. وما في بعض نسخ القدوري من تقييد وقوع طلاق المكره والسكران بالنية فليس
مذهبا لأصحابنا، ولأنه إذا قال نويت به يجب أن يقع بالاجماع وفي البزازية. قال أمير
المؤمنين عثمان رضي الله عنه: لا يقع طلاق السكران وبه أخذ الشافعي والطحاوي والكرخي
ومحمد بن سلام ا ه‍. وقد اختاروا قولهما في تفسيره في وجوب الحد وهو الذي أكثر كلامه
هذيان، واختاروا في نقض طهارته أنه الذي في مشيته خلل، وكذا في يمينه أن لا يسكر.
أطلقه فشمل من سكر مكرها أو مضطرا فطلق. وقد جزم في الخلاصة بالوقوع معللا بأن
زوال العقل حصل بفعل هو محظور في الأصل وإن كان مباحا بعارض الاكراه ولكن السبب
الداعي للحظر قائم فأثر قيام السبب في حق الطلاق ا ه‍. وصححه الشمني: وصحح
قاضيخان في شرح الجامع الصغير وفتاواه عدم الوقوع، وكذا في غاية البيان معزيا إلى
التحفة. وقال في فتح القدير: إنه الأحسن، وفي المحيط: إنه حسن لكنه خلاف إجماع
الصحابة رضي الله عنهم فإن بعضهم قالوا لا يقع معذورا أو غير معذور، ومنهم من قال

431
يقع في الحالين، فمن فرق بينهما كان قوله بخلاف قول الصحابة فيكون باطلا ا ه‍. وشمل
أيضا من سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل وهو قول محمد. وقال الإمام الثاني:
لا يقع. قال في فتح القدير: ويفتي بقول محمد لأن السكر من كل شراب محرم ا ه‍.
وصحح قاضيخان في فتاواه عدم الوقوع. وفي البزازية: المختار في زماننا لزوم الحد لأن
الفساق يجتمعون عليه، وكذا المختار وقوع الطلاق لأن الحد يحتال لدرئه والطلاق يحتاط فيه،
فلما وجب ما يحتال لأن يقع ما يحتاط أولى. وقد طالب صدر الاسلام البزدوي نافي الحد
بالفرق بينه وبين السكر من المباح كالمثلث فعجزوا ثم قال: وجدت نصا عن محمد على لزوم
الحد. وشمل أيضا من غاب عقله بأكل الحشيش فطلق وهو المسمى بورق القنب، وقد اتفق
على وقوع طلاقه فتوى مشايخ المذهبين الشافعية والحنفية لفتواهم بحرمته وتأديب باعته حتى
قالوا: من قال بحله فهو زنديق. كذا في المبتغى بالمعجمة. وتبعه المحقق ابن الهمام في فتح
القدير. وممن صرح بحرمة الحشيش والبنج والأفيون الحدادي في الجوهرة في آخر الأشربة
وصرح بتعزير آكله. وشمل أيضا من غاب عقله بالبنج والأفيون فإنه يقع طلاقه إذا استعمله
للهو وإدخال الآفات قصدا لكونه معصية، وإن كان للتداوي فلا لعدمها. وعن هذا قلنا إذا
شرب الخمر فتصدع فزال عقله بالصداع فطلق لا يقع لأن زوال العقل مضاف إلى الصداع لا
إلى الشراب. كذا في فتح القدير وهو صريح في حرمة البنج والأفيون لا للدواء. وفي
البزازية: والتعليل ينادي بحرمته لا للتداوي ا ه‍. وفي الخانية من كتاب الخلع: سائر
تصرفات السكران جائزة إلا الردة والاقرار بالحدود والاشهاد على شهادة نفسه. ومن كتاب
السير: هذا إذا كان لا يعرف الأرض من السماء، أما إذا كان يعرف فكفره صحيح. وفي
باب حد الشرب: إن تصرفات السكران من المتخذة من الحبوب والفواكه الصحيح أنها لا
تنفذ كما لا تنفذ من الذي زال عقله بالبنج: وفي الينابيع من الايمان: سكران وهب لزوجته
درهما فقالت له إنك تسترده مني إذا صحوت فقال إن استرديته فأنت طالق ثم أخذه للحال
وهو سكران لا يقع لأن كلامه خرج جوابا لها. وفي المجتبى: سكر الوكيل فطلق لا يقع
لأن ضرره يرجع إلى الموكل ولم يجز ا ه‍. وهو ضعيف والصحيح كما في الظهيرية من
الأشربة والخانية من الطلاق: الوقوع بخلاف ما إذا جن الوكيل فطلق. وفي القنية: سكران
قرع الباب فلم يفتح له فقال إن لم تفتحي الباب الليلة فأنت طالق فلم يكن في الدار أحد
فمضت الليلة ولم تفتح لا تطلق ا ه‍. وفي المحيط: سكران قال لآخر وهبت داري هذه منك
ثم قال إن لم أقل من قلبي فامرأته طالق ثم أفاق ولم يذكر من هذا شيئا لا تطلق امرأته لأنه

432
في تلك الساعة في غاية النشاط فالظاهر أنه كان يقول من قلبه ا ه‍. وفي البزازية: وكله
بالطلاق فطلقها في حال السكران كان التوكيل على طلاق بمال لا يقع، ولو كان التوكيل في
حال الصحو والايقاع في حال السكر لا يقع، وإن كانا في حال السكر يقع إذا كان بلا مال،
ولو كان بمال لا يقع مطلقا لأن الرأي لا بد منه لتقدير البدل ا ه‍. وهو تفصيل حسن.
قوله: (وأخرس بإشارته) أي ولو كان الزوج أخرس فإن الطلاق يقع بإشارته لأنها
صارت مفهومة فكانت كالعبارة في الدلالة استحسانا فيصح بها نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه
وشراؤه. سواء قدر على الكتابة أولا. وقال بعض المشايخ: إن كان يحسن الكتابة لا يقع
طلاقه بالإشارة لاندفاع الضرورة بما هو أدل على المراد من الإشارة. قال في فتح القدير:
وهو قول حسن. ولا يخفى أن المراد بالإشارة التي يقع بها طلاقه الإشارة المقرونة بتصويت
منه لأن العادة منه ذلك فكانت الإشارة بيانا لما أجمله الأخرس ا ه‍. وإنما ذكر إشارته دون
كتابته لما أنها لا تختص به لأن غير الأخرس يقع طلاقه بكتابته إذا كان مستبينا، لا ما لا
يستبين، فإن كان على وجه الرسم لا يحتاج إلى النية ولا يصدق في القضاء أنه عنى تجربة
الخط ورسمها أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق،
فإن كان معلقا بالاتيان إليها لا يقع إلا به، وإن لم يكن معلقا وقع عقيب الكتابة، وإن علقه
بالمجئ إليها فوصل إلى أبيها مزقه ولم يدفعه إليها، فإن كان متصرفا في أمورها وقع وإلا لا
وإن أخبرها ما لم يدفع إليها الكتاب الممزق. ولو كتب إليها إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ثم
نسخه في كتاب آخر أو غيره فبلغا إليها تطلق تطليقتين ولا يدين في القضاء، ولو كتب إلى

433
امرأته كل امرأة لي غيرك وغير فلانة فهي طالق ثم محى اسم الأخيرة ثم بعث بالكتاب لا
تطلق وهذه حيلة عجيبة. كذا في المحيط. وذكر فيه مسألة ما إذا كتب مع الطلاق غيره من
الحوائج ثم محى منه شيئا. وحاصله أنا لحوائج إن كتبها في أوله والطلاق في آخره فإن محى
الحوائج فقط فوصل إليها لا تطلق، وإن محى الطلاق فقط طلقت. وإن كتب الطلاق أولا
والحوائج آخرا انعكس الحكم، ولو كتب الطلاق في وسطه وكتب الحوائج قبله وبعده فإن
محى الطلاق وترك ما قبله طلقت، وإن محى ما قبله أو أكثر لا تطلق، ولو جحده فبرهنت أنه
كتبه بيده وقع قضاء كما في البزازية. وإن كان لا على وجه الرسم نحو أن يكتب إن جاء
كتابي هذا فأنت طالق فهذا ينوي ويبين الأخرس نيته بكتابته. وقيد صاحب الينابيع الأخرس
بكونه ولد أخرس أو طرأ عليه ودام وإن لم يدم لا يقع طلاقه. وقدر التمرتاشي الامتداد هنا
بسنة، وذكر الحاكم أبو محمد رواية عن أبي حنيفة فقال: إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز
إقراره بالإشارة ويجوز الاشهاد عليه لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله فكان
كالأخرس. قال الشارح في آخر الكتاب قالوا: وعليه الفتوى ا ه‍. فعلى هذا إذا طلق من
اعتقل لسانه توقف فإن دام به إلى الموت نفذ وإن زال بطل قوله: (أو حرا أو عبدا)
للعمومات ولحديث ابن ماجة والدارقطني الطلاق لمن أخد بالساق (1).
قوله: (لا طلاق الصبي والمجنون) تصريح بما فهم سابقا للحديث كل طلاق جائز إلا
طلاق الصبي والمجنون. والمراد بالجواز النفاذ كذا في فتح القدير. والأولى أن يراد به الصحة
ليدخل تحته طلاق الفضولي فإنه صحيح غير نافذ. أطلق الصبي فشمل العاقل ولو مراهقا
لفقد أهلية التصرف خصوصا ما هو دائر بين النفع والضرر. ونقل عن ابن المسيب وابن عمر
رضي الله عنهم صحته منه ومثله عن ابن حنبل. قال في فتح القدير: والله أعلم بصحة هذه
النقول. وإنما صح إسلامه لأنه حسن لذاته لا يقبل السقوط ونفع له. ولو طلق الصبي ثم
بلغ فقال أجزت ذلك الطلاق لا يقع، ولو قال أوقعته وقع لأنه ابتداء إيقاع. كذا في الخانية.
وفي البزازية: لو طلق رجل امرأة الصبي فلما بلغ الصبي قال أوقعت الطلاق الذي أوقعه
فلان يقع، ولو قال أجزت ذلك لا يقع. وقال قبله: طلق النائم فلما انتبه قال لها طلقتك

434
في النوم لا يقع، وكذا لو قال أجزت ذلك الطلاق، ولو قال أوقعت ذلك الطلاق يقع، ولو
قال أوقعت الذي تلفظت به لا يقع، وكذا الصبي. والفرق أن قوله أوقعت ذلك يجوز أن
يكون إشارة إلى الجنس، وقوله الذي تلفظت إشارة إلى الشخص الذي حكم ببطلانه فأشبه
ما إذا قال لها أنت طالق ألفا ثم قال ثلاثا عليك والباقي على ضراتها لأن الزائد على الثلاث
غير عامل ا ه‍. وأراد بالمجنون من في عقله اختلال فيدخل المعتوه، وأحسن الأقوال في
الفرق بينهما أن المعتوه هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا
يشتم بخلاف المجنون، ويدخل المبرسم والمغمى عليه والمدهوش. وفي الصحاح: البرسام داء
معروف. وفي بعض كتب الطب إنه ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والمعاثم
يتصل بالدماغ، وهو معرب، وبرسم الرجل بالبناء للمفعول يقال برسام وبلسام وهو مبرسم
ومبلسم ا ه‍. وفي الخانية: رجل عرف أنه كان مجنونا فقالت له امرأته طلقني البارحة فقال
أصابني الجنون ولا يعرف ذلك إلا بقوله كان القول قوله. ثم قال: رجل طلق امرأته وهو
صاحب برسم فلما صح قال قد طلقت امرأتي ثم قال إني كنت أظن أن الطلاق في تلك
الحالة لا يقع كان واقعا. قال مشايخنا رحمهم الله تعالى: حين ما أقر بالطلاق إن رده إلى حالة
البرسام بأن قال قد طلقت امرأتي حالة البراسم فالطلاق غير واقع، وإن لم يرده إلى حالة
البرسام فهو مأخوذ بذلك قضاء. وقال الفقيه أبو الليث: هذا إذا لم يكن إقراره بذلك في
حالة مذاكرة الطلاق ا ه‍. وفيه أيضا: لو قال لامرأته طلقي نفسك إذا شئت ثم جن الرجل
جنونا مطبقا ثم طلقت المرأة نفسها قال محمد: كل شئ يملك الزوج أن يرجع عن كلامه
يبطل بالجنون، وكل شئ لم يملك أن يرجع عن كلامه لا يبطل بالجنون. وفيها أيضا: لو
جن الموكل بطلت وكالته إن جن زمانا طويلا، وإن كان ساعة لا تبطل ولم يوقت أبو حنيفة
فيه شيئا ا ه‍ قوله: (والنائم) أي لا يقع طلاق النائم، فلو قال لها بعدما استيقظ طلقتك في
النوم أو أجزت ذلك الطلاق أو أوقعت ما تلفظت به حالة النوم لا يقع، ولو قال أوقعت
ذلك الطلاق أو جعلته طلاقا وقع وفيه من البحث ما قدمناه في طلاق الصبي.

435
قوله: (والسيد على امرأة عبده) أي لا يقع لما روينا. وفي الخانية من فصل النكاح على
الشرط المولى: إذا زوج أمته من عبده إن بدأ العبد فقال زوجني أمتك هذه على أن أمرها بيدك
تطلقها كما شئت فزوجها منه يجوز النكاح ولا يكون الامر بيد المولى، ولو ابتدأ المولى فقال
زوجتك أمتي على أن أمرها بيدي أطلقها كما أريد فقل العبد قبلت جاز النكاح ويكون الامر
بيد المولى ا ه‍. فإن قلت: ما الحيلة في صيرورة الامر بيده من غير توقف على قبول العبد
فإن في هذه الصورة قد تم النكاح بقول المولى زوجتك أمتي فيمكن العبد أن لا يقبل فلا
يصير الامر بيد المولى؟ قلت: يمتنع المولى من تزويجه حتى يقول العبد قبل
التزويج إذا تزوجتها فأمرها بيدك أبدا ثم يزوجها المولى له فيكون الامر بيد المولى ولا يمكنه إخراجه أبدا،
والفرع مذكور في الخانية أيضا في ذلك الفصل قوله: (واعتباره بالنساء) أي اعتبار عدده
بالمرأة فطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا، وطلاق الحرة ثلاثة حرا كان زوجها أو
عبدا لحديث أبي داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عائشة رضي الله عنها ترفعه
طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان (1) جعل طلاق جنس الإماء ثنتين لأنه أدخل لام الجنس
على الإماء كأنه قال: طلاق كل أمة ثنتان من غير فصل بينما إذا كان زوجها حرا أو عبدا.
والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم فعن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما مثل
قولنا، وعن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما مثل قول الأئمة الثلاثة من أن اعتبار
عدده بالزوج، ولا خلاف أن العدة تعتبر بحال المرأة، وتمامه في البدائع وفي فتح القدير.
ونقل عن الشافي أنه لما قال عيسى ابن أبان له: أيها الفقيه، إذا ملك الحر على امرأته الأمة
ثلاثا كيف يطلقها للسنة؟ قال: يوقع عليها واحدة، فإذا حاضت وطهرت أوقع عليها
أخرى، فلما أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال له: حسبك قد انقضت عدتها، فلما

436
تحير رجع فقال: ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ا ه‍. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
باب الطلاق
أي ألفاظه. وفي فتح القدير: ما تقدم كان ذكر الطلاق نفسه وأقسامه الأولية السني
والبدعي وإعطاء لبعض الأحكام تلك الكليات وهذا الباب لبيان أحكام جزئيات تلك
الكليات فإن المورد فيه خصوص ألفاظ كانت طالق ومطلقة وطلاق لاعطاء أحكامها هكذا أو
مضافة إلى بعض المرأة وإعطاء حكم الكلي وتصويره قبل الجزئي فنزل منزلة تفصيل يعقب
إجمالا، فظهر أن المراد به بيان أحكام ما به الايقاع والوقوع لا أنه أراد المعنى المصدري الذي
لا تحقق له خارجا ا ه‍ قوله: (الصريح كانت طالق ومطلقة وطلقتك) بتشديد اللام من مطلقة
أما بتخفيفها فملحق بالكناية كما قدمناه. وإنما كانت هذه الثلاثة صرائح لأنها استعملت فيه
دون غيره، فإن الصريح في أصول الفقه ما غلب استعماله في معنى بحيث يتبادر حقيقة أو
مجازا، فإن لم يستعمل في غيره فأولى بالصراحة. وهو في اللغة إما من صرح خلص من
تعلقات الغير وزنا ومعنى فهو صريح، وكل خالص صريح ومنه قول صريح وهو الذي لا
يحتاج إلى إضمار أو تأويل. كذا في المصباح. أو من صرحه أظهره. وفي الفقه هنا ما
استعمل في الطلاق دون غيره كما في الوقاية، وقد وقع في الهداية تدافع فإنه علل كونها
صرائح بالاستعمال في معنى الطلاق دون غيره وكونها لا تفتقر إلى النية بأنه صريح فيه لغلبة
الاستعمال فإن الموصوف بالغلبة هنا هو ما وصفه بعدم الاستعمال في الطلاق لا في غيره،
والغلبة في مفهومها الاستعمال في الغير قليلا للتقابل بين الغلبة والاختصاص. كذا في فتح
القدير. ولو حمل العبارة الأولى على الغالب لاندفع. وفي التتمة: إذا قال طلقتك آخر الثلاث
تطليقات فثلاث، ولو قال أنت طالق آخر ثلاث تطليقات فواحدة، والفرق دقيق حسن. ولو

437
قال أنت طالق تمام ثلاث أو ثالث ثلاثة فهي ثلاثة ا ه‍. وفيها أيضا: لو قال أنت طالق
واحدة تكون ثلاثا أو تصير ثلاثا أو تعود ثلاثا أو تتم ثلاثا فهي ثلاث ا ه‍. وأفاد بالكاف
عدم حصر الصريح في الثلاثة فإنه سيذكر أن منه المصدر كانت الطلاق، ومنه ما في الخانية
شئت طلاقك ورضيت طلاقك وأوقعت عليك طلاقك وخذي طلاقك ووهبت لك
طلاقك، ولو قال أردت طلاقك لا يقع ا ه‍. ومنه أودعتك طلاقك رهنتك طلاقك على
الأصح لأن الايداع والرهن لا يكونان إلا للموجود، وأعرتك طلاقك صار الامر بيدها.
كذا في الصيرفية. ومنه أنت أطلق من فلانة كما في الخانية لو قالت لزوجها قد طلق فلان
زوجته فطلقني فقال الزوج فأنت أطلق منها فهي طالق، وكذا لو قال أنت أطلق من فلانة
ا ه‍.
وذكر الولوالجي أنه من الكنايات، وجعله في الخلاصة من الكنايات إلا أن يكون جوابا
لسؤالها الطلاق كما إذا قالت فلان طلق امرأته فطلقني فقال أنت أطلق منها أو أبين منها
طلقت ولا يدين ا ه‍. وهو الظاهر. ومنه يا طالق أو يا مطلقة بالتشديد، ولو قال أردت

438
الشتم لا يصدق قضاء ويدين. كذا في الخلاصة. لو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت
ذلك الطلاق صدق ديانة باتفاق الروايات، وقضاء في رواية أبي سليمان وهو حسن كما في
فتح القدير، وهو الصحيح كما في الخانية، لو لم يكن لها زوج لا يصدق. وكذا لو كان لها
زوج قد مات، ولو قال قولي أنا طالق لا تطلق حتى تقولها. وفي فتح القدير: لو قال لها
خذي طلاقك فقالت أخذت اختلف في اشتراط النية وصحح الوقوع بلا اشتراطها ا ه‍.
وظاهره أنه لا يقع حتى تقول المرأة أخذت ويكون تفويضا، وظاهر ما قدمناه عن الخانية
خلافه. وفي البزازية معزيا إلى فتاوى صدر الاسلام: والقاضي لا يحتاج إلى قولها أخذت
ويقع بالتهجي كانت ط ل ق، وكذا لو قيل له طلقتها فقال ن ع م أو بلى بالهجاء، وإن لم
يتكلم به. أطلقه في الخانية ولم يشترط النية وشرطها في البدائع. ومنه طلقك الله
كأعتقك الله فلا يتوقفان على نية كما في الواقعات، وأوقفها عليها في العيون وهو الحق كما
في فتح القدير. وليس منه أطلقك بصيغة المضارع إلا إذا غلب استعماله في الحال كما في
فتح القدير، وفي الصيرفية: سئل الفقيه أبو الليث عمن قال لجماعة كل من كان له امرأة
مطلقة فليصفق بيديه فصفقوا طلقن، وقيل لا. وفيها: قالت له طلقني فقال أطلقك وقع عند
مشايخ سمرقند. ومنه الألفاظ المصحفة وهي خمسة تلاق وتلاغ وطلاغ وطلاك وتلاك فيقع
قضاء ولا يصدق إلا إذا أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا
أطلق فأقول هذا، ولا فرق بين العالم والجاهل وعليه الفتوى. ومنه ثلاث تطليقات عليك
طلقت ثلاثا، وكذا لو قال لعبده العتاق عليك يعتق، ولو قال لرجل عليك هذا العبد بألف
فقال قبلت يكون بيعا كما في الخانية. وفي فتح القدير: لو قال عليك الطلاق أو لك
اعتبرت النية، وليس منه لله علي طلاق امرأتي فلا يلزمه شئ كما في الأصل. واختلفوا
فيما لو قال طلاقك علي واجب أو لازم أو ثابت أو فرض، قيل يقع في الكل بلا نية، وقيل
لا وإن نوى وقيل نعم بالنية. وصحح الصدر الشهيد في شرح المختصر عدمه في الكل عند

439
الإمام، وصحح في الواقعات الوقوع في الكل، وفرق الفقيه أبو جعفر فأوقع في واجب
ونفى في غيره. كذا في الخانية. وفي فتاوى الخاصي: المختار الوقوع في الطلاق في الكل
لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع
وفرق بينه وبين العتاق. وفي فتح القدير: وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ويتوقف على نيته إلا أن
يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه وفيما بينه وبين الله تعالى
إن قصده وقع وإلا لا فإنه يقال هذا الامر علي واجب بمعنى ينبغي أن أفعله لا أني فعلته
فكأنه قال ينبغي أن أطلقك ا ه‍. والمعتمد عدم الوقوع في الكل لأنه المذكور في الأصل.
وفي البزازية: والمختار عدم الوقوع.
وفي فتح القدير: وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد
أن فعلته لزم الطلاق ووقع فوجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت
طالق، وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل. فإن قلت: الكتابة

440
من الصريح أو من الكناية قلت: إن كانت على وجه الرسم معنونة فهي صريح وإلا فكناية.
وإن كتب على الهواء والماء فليس صريحا ولا كناية. وكذا لا يقع بالنية وقدمناه. وفي البزازية
من فصل الاختيار: قال للكاتب اكتب أني إذا خرجت من المصر بلا إذنها فهي طالق واحدة
فلم تتفق الكتابة وتحقق الشرط وقع. وأصله أن الامر بكتابة الاقرار إقرار، كتب أم لا ا ه‍.
ومنه كوني طالقا أو اطلقي كما في الخانية، ومثله قوله لامته كوني حرة تعتق كما في فتح
القدير، ومنه أخبرها بطلاقها، بشرها بطلاقها، احمل إليها طلاقها، أخبرها أنها طالق، قل
لها إنها طالق، فتطلق للحال ولا يتوقف على وصول الخبر إليها ولا على قول المأمور ذلك.
ولو قال قل لها أنت طالق لا يقع ما لم يقل لها المأمور ذلك، ولو قال اكتب لها طلاقها
فينبغي أن يقع الطلاق للحال كما لو قال احمل إليها طلاقها أو اكتب إلى امرأتي أنها طالق.
كذا في الخانية. وليس منه نساء العالم أو الدنيا طوالق فلا تطلق امرأته بخلاف نساء هذه
البلدة أو هذه القرية طوالق وفيها امرأته طلقت. وعن أبي يوسف: لو قال نساء بغداد طوالق
وفيها امرأته لا تطلق. وقال محمد: تطلق. كذا في الخانية. وجزم بالوقوع في البزازية في
نساء المحلة والدار والبيت، وجعل الخلاف إنما هو نساء القرية. ومنه أنت طالق في قول
الفقهاء أو القضاة أو المسلمين أو القرآن أو قول فلان القاضي أو المفتي فتطلق قضاء ولا تطلق
ديانة إلا بالنية كما في الخانية. ومنه أنت مني ثلاثا وإن لم ينو كما في الخانية، وليس منه

441
أحسبها مطلقة كما في الخانية. وقيد بخطابها لأنه لو قال حلفت بالطلاق ولم يضف إليها لا
يقع كما في البزازية من الايمان. وعبارتها: قال لها لا تخرجي من الدار إلا بإذني فإني حلفت
بالطلاق فخرجت لا يقع لعدم ذكر حلفه بطلاقها، ويحتمل الحلف بطلاق غيرها فالقول له
ا ه‍. وذكر اسمها أو إضافتها إليه كخطابه كما بينا، فلو قال طالق فقيل له من عنيت؟ فقال:
امرأتي. طلقت امرأته. ولو قال امرأة طالق أو قال طلقت امرأة ثلاثا وقال لم أعن به امرأتي
يصدق، ولو قال عمرة طالق وامرأته عمرة وقال لم أعن به امرأتي طلقت امرأته ولا يصدق
قضاء، وكذا لو قال بنت فلان طالق ذكر اسم الأب ولم يذكر اسم المرأة وامرأته بنت فلان
وقال لم أعن امرأتي لا يصدق قضاء وتطلق امرأته، وكذا لو لم ينسبها إلى أبيها وإنما نسبها إلى
أمها أو ولدها تطلق. كذا في الخانية. زاد في فتح القدير: أو نسبها إلى أختها. وفي موضع
آخر منها: رجل قال امرأته عمرة بنت صبيح طالق وامرأته عمرة بنت حفص ولا نية له لا
تطلق امرأته، وإن كان صبيح زوج أم امرأته وكانت تنسب إليه وهي في حجره فقال ذلك
وهو يعلم نسب امرأته أو لا يعلم طلقت امرأته ولا يصدق قضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى
لا يقع إن كان يعرف نسبها وإن كان لا يعرف يقع ديانة. وإن نوى امرأته في هذه الوجوه

442
طلقت قضاء وديانة، ولو قال امرأته الحبشية طالق وامرأته ليست بحبشية لا يقع، ولو كان له
امرأة بصيرة فقال امرأته هذه العمياء طالق، وأشار إلى البصيرة تطلق البصيرة ولا تعتبر
التسمية ولا الصفة مع الإشارة ا ه‍.
وفي المحيط: الأصل أنه متى وجدت النسبة وغير اسمها بغيره لا يقع لأن التعريف لا
يحصل بالتسمية متى بدل اسمها لأن بذلك الاسم تكون امرأة أجنبية، ولو بدل اسمها وأشار
إليها يقع ثم قال: ولو قال امرأتي بنت صبيح أو بنت فلان التي في وجهها خال طالق ولم
يكن لها خال، وكذا التي هي عمياء أو زمني وهي بصيرة صحيحة طالق طلقت، وذكر
العمى والزمن باطل لأنه عرف امرأته بالنسبة ووصفها بصفة فصح التعريف ولغت الصفة.
ولو قال امرأتي عمرة أم ولدي هذه الجالسة طالق ولا نية له والجالسة غيرها وليست بامرأته لم
تطلق لأنه سماها وأشار والعبرة للإشارة لا للتسمية ا ه‍. ومنه في موضع آخر: رجل له
أربع نسوة فقال أنت ثم أنت ثم أنت ثم أنت طالق طلقت الرابعة لا غير لأنه ما أوصل
الايقاع إلا بالرابعة لأن كلمة ثم تقطع الوصل ا ه‍. وهو يفيد أنه لو كان بالواو وقع على
الكل لأنها للوصل الجمع. وصرح في الظهيرية بأن الواو كذلك وعبارتها: ولو قال أنت
طالق واحدة وواحدة تقع واحدة، ولو قال أنت طالق وأنت يقع ثنتان. وفي الفتاوى:
واحدة. ولو قال وأنت لامرأة أخرى يقع عليها، ولو قال أنت طالق وأنتما للأولى والثانية
يقع على الأولى ثنتان وعلى الثانية واحدة. ولو قال أنت طالق أولا بل أنت يقع واحدة، ولو
قال ثانيا أنت للأخرى لا يقع بدون النية، فأما وأنت تقع واحدة كقوله هذه طالق وهذه يقع
عليها، ولو قال هذه وهذه طالق طلقتا، ولو قال هذه هذه طالق لم تطلق الأولى إلا أن يقول
طالقان، ولو قال هذه طالق هذه لم يقع على الأخرى بدون النية، ولو قال لهن أنت
ثم أنت ثم أنت طالق طلقت الأخيرة، وكذا بحرف الواو. ولو قال طوالق طلقن، ولو قدم الطلاق
طلقن، ولو قال هذه طالق معك لم يقع على المخاطبة إلا بالنية ا ه‍. وسيأتي ما إذا نادى
امرأته فأجابه غيرها. وفي موضع آخر منها: لو قال امرأته طالق ولم يسم وله امرأة معروفة
طلقت استحسانا، ولو قال لي امرأة أخرى وإياها عنيت لا يقبل قوله إلا أن يقيم البينة. ولو
قال امرأته طالق وله امرأتان كلتاهما معروفة كان له أن يصرف الطلاق إلى أيتهما شاء. وفي
البزازية من الايمان: إن فعلت كذا فامرأته طالق وله امرأتان أو أكثر طلقت واحدة والبيان
إليه، وإن طلق إحداهما بائنا أو رجعيا ومضت عدتها ثم وجد الشرط تعينت الأخرى
للطلاق، وإن كان لم تنقض العدة فالبيان إليه ا ه‍. وفي الخانية: ولو قال لامرأتي علي ألف

443
درهم وله امرأة معروفة فقال لي امرأة أخرى والدين لها كان القول قوله، ولو قال امرأتي طالق
ولها علي ألف درهم فالطلاق والدين للمعروفة ولا يصدق في الصرف إلى غيرها، وكذا لو بدأ
بالمال فقال لامرأتي علي ألف درهم وهي طالق، ولو قال امرأتي طالق ثم قال لامرأتي علي ألف
درهم ثم قال لي امرأة أخرى وإياها عنيت صدق في المال ولا يصدق في الطلاق. ولو كان له
امرأتان لم يدخل بهما فقال امرأتي طالق امرأتي طالق ثانيا، فإن قال أردت واحدة منهما لا يقبل،
وكذا لو قال امرأتي طالق وامرأتي طالق ثانيا وكذلك العتق، ولو كان دخل بهما فقال امرأتي
طالق امرأتي طالق كان له أن يوقع الطلاقين على إحداهما ا ه‍.
وفي المحيط: لو قال فلانة طالق ولم يسم باسمها إن نوى امرأته يقع وإلا فلا، لأن
فلانة اسم مشترك يتناول امرأته والأجنبية. وأطلق اللام في طالق فشمل ما إذا فتحها فإنه
يقع لأنه مما يجري على لسان الناس خصوصا في الغضب والخصومة، فلو كان تركيا وقال
أردت به الطحال وفي التركية يقال للطحال طالق لا يصدق قضاء. كذا في الخانية. ولو
حذف القاف من طالق فقال أنت طال فإن كسر اللام وقع بلا نية، وإلا فإن كان في مذاكرة
الطلاق والغضب فكذلك وإلا توقف على النية. كذا في الخانية. وفي الجوهرة: لو قال أنت
طال لم يقع إلا بالنية إلا في حال مذاكرة الطلاق أو الغضب، ولو قال يا طال بكسر اللام
وقع الطلاق وإن لم ينو ا ه‍. وهذا هو الظاهر. وإن حذف اللام فقط فقال أنت طاق لا يقع
وإن نوى، ولو حذف اللام والقاف بأن قال أنت طا وسكت أو أخذ انسان فمه لا يقع وإن
نوى لأن العادة ما جرت بحذف حرفين من آخر الكلام. وأطلق في طالق ومطلقة فشمل ما
إذا سماها به فإنه يقع بخلاف ما إذا سماه حرا وناداه، والفرق أن الحر اسم صالح فصحت
التسمية به وهو اسم لبعض الناس، وأما المطلقة والطالق فليس اسما صالحا فلا تصح
التسمية. كذا ذكر المحبوبي في التلقيح وهو ضعيف، والمعتمد ما في الخانية من عدم الفرق،

444
واعتمده في فتح القدير وروى فيه أثرا عن عمر رضي الله تعالى عنه. وفي المحيط: لو قالت
المرأة أنا طالق فقال الزوج نعم كانت طالقا إن نوى به طلاقا مستقبلا، وإن نوى به الخبر عما
مضى وقع. وفي البزازية: قالت له أنا طالق فقال نعم طلقت ولو قالت طلقني فقال نعم لا
وإن نوى ا ه‍. ولو قال لآخر هل امرأتك إلا طالق فقال الزوج لا تطلق ولو قال نعم لا
تطلق لأن في الأول صار قائلا ليس امرأتي إلا طالق، وفي الثاني صار قائلا نعم امرأتي غير
طالق ا ه‍. وكذا في الخانية. ولو قيل له ألست طلقتها فقال بلى طلقت، ولو قال نعم لا
تطلق، والذي ينبغي عدم الفرق فإن أهل العرف لا يفرقون بل يفهمون منهما إيجاب المنفي.
كذا في فتح القدير.
قوله: (وتقع واحدة رجعية وإن نوى الأكثر أو الإبانة أو لم ينو شيئا) بيان لأحكام
الصريح وهي ثلاثة: الأول وقوع الرجعي به ولا تصح نية الإبانة لقوله تعالى * (وبعولتهن
أحق بردهن) * (البقرة: 228) بعد صريح طلاقه المفاد بقوله تعالى * (والمطلقات يتربصن) *
(البقرة: 228) فعلم أن الصريح يستعقبها للاجماع على أن المراد بالبعولة في الآية المطلقون
صريحا، حقيقة كان أو مجازا، غير متوقف على إثبات كون المطلق طلاقا رجعيا بعلا حقيقة،
ويدل عليه أيضا قوله تعالى * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة:

445
229) فإنه أعقبه الرجعة التي هي المراد بالامساك. وفي الصيرفية: لو قال لها أنت طالق ولا
رجعة لي عليك فرجعية، ولو قال على أن لا رجعة لي عليك فبائن اه. أطلق وقوع الرجعي
به لأن الطلاق عند تسمية مال أو في مقابلة إبراء أو عند وصفه بما ينبئ عن الشدة أو عند
تقدم طلاق بائن ليس منه فلا حاجة إلى الاحتراز عنه بشئ، وإن كان من الصريح فالمراد
عند عدم العارض وفي هذه المواضع البينونة للعارض، واختار الأول في فتح القدير، واختار
الثاني في البدائع مقتصرا عليه فقال: الصريح نوعان: صريح رجعي وصريح بائن. فالصريح
الرجعي أن يكون الطلاق بعد الدخول حقيقة ليس مقرونا بعوض ولا بعدد الثلاث لا نصا
ولا إشارة ولا موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف ولا مشبه
بعدد أو صفة تدل عليها. وأما الصريح البائن فبخلافه وهو أن يكون بحروف الإبانة أو
بحروف الطلاق لكن قبل الدخول حقيقة أو بعده لكن مقرونا بعدد الثلاث نصا أو إشارة أو
موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف أو مشبها بعدد أو صفة
تدل عليها ا ه‍ وهو الظاهر لأن حد الصريح يشمل الكل، وأما عدم صحة نية الإبانة فلانه
نوى تغيير الشرع لأن الشرع أثبت البينونة بهذا اللفظ مؤجلا إلى ما بعد انقضاء العدة، فإذا
نوى إثباتها للحال معجلا فقد نوى تغيير الشرع وليس له هذه الولاية فبطلت نيته. الثاني
وقوع الواحدة به ولا تصح نية الأكثر ثنتين أو ثلاثا. وقال الأئمة الثلاثة: يقع ما نوى وهو
قول الإمام الأول لأنه نوى محتمل لفظه لأن ذكر الطلاق ذكر للطلاق المصدر لأن الوصف
كالفعل جزء مفهومه المصدر وهو يحتمله اتفاقا، ولذا صح قران العدد به تفسيرا حتى ينصب
على التمييز، وحاصل التمييز ليس إلا تعيين أحد محتملات اللفظ ولذا صحت نية الثلاث في
قوله أنت بائن وهو كناية ففي الصريح الأقوى أولى. ولنا أن الشارع نقله من الاخبار إلى
إنشاء الواحدة إذ لا يفهم من أنت طالق قط لازم الاخبار وهو احتمال الصدق والكذب
فجعله موقعا به ما شاء استعمال في غير المنقول إليه وملاحظة ما يصح أن يراد بالمصدر إنما
يتفرع عن إرادة الاستعمال اللغوي ونقله إلى الانشاء يباينه لأنه جعل اللفظ علة لدخول المعنى
الخاص في الوجود المخالف لمقتضاه لغة على أن المصدر الذي يدل عليه اللفظ هو الانطلاق
الذي هو وصفها وذلك لا يتعدد أصلا. وبهذا يظهر عدم صحة إرادة الثلاث في مطلقة
وطلقتك لأنه صار إنشاء في الواحدة غير ملاحظ فيه معنى اللغة، وعلى هذا فالعدد نحو
ثلاثا لا يكون صفة لمصدر الوصف بل لمصدر غيره أي طلاقا أي تطليقا ثلاثا كما ينصب

446
في الفعل مصدر غيره مثل * (أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 17) أو يضمر له فعل على
الخلاف فيه بخلاف طلقتها وطلقي نفسك لأن المصدر المحتمل للكل مذكور لغة فصح إرادته
منه لأنه لا نقل فيه إلى إيقاع واحدة وفيه أبحاث مذكورة في فتح القدير.
وإنما صحت نية الثلاث في الكنايات لأنها عاملة بحقائقها وهي متنوعة إلى غليظة
وخفيفة، فعند عدم النية يثبت الأخف للتيقن به، قيد بالنية لأنه لو طلقها بعد الدخول
واحدة ثم قال جعلت تلك التطليقة بائنة أو جعلتها ثلاثا اختلفت الروايات، والصحيح أن
على قول أبي حنيفة تصير بائنا وثلاثا، وعلى قول محمد لا تصير بائنا ولا ثلاثا، وعلى قول أبي
يوسف يصح جعلها بائنا ولا يصح جعلها ثلاثا. ولو طلق امرأته بعد الدخول واحدة ثم قال
بعد العدة ألزمت امرأتي ثلاث تطليقات بتلك التطليقة أو قال ألزمتها تطليقتين بتلك التطليقة
فهو على ما قال، إن ألزمها ثلاثا فهي ثلاث، وإن قال ألزمها تطليقتين فهي ثنتان، ولو طلقها
واحدة ثم راجعها ثم قال جعلت تلك التطليقة بائنة لا تصير بائنة لأنه لا يملك إبطال
الرجعة، ولو قال لها بعد الدخول إذا طلقتك واحدة فهي بائن أو هي ثلاث فطلقها واحدة
فإنه يملك الرجعة ولا يكون بائنا ولا ثلاثا لأنه قدم القول قبل نزول الطلاق، ولو قال لها
إذا دخلت الدار فأنت طالق ثم قال جعلت هذه التطليقة بائنا أو قال جعلتها ثلاثا قال هذه
المقالة قبل دخول الدار لا تلزمه هذه المقالة لأن التطليقة لم تقع عليها. كذا في الخانية. وفي
التتمة: لو طلقها واحدة ثم قال جعلتها بائنة رأس الشهر قال: إن لم يراجعها فهي بائن، وإن
راجعها فيما بين ذلك لا يكون بائنا. ولو طلقها رجعية ثم قال جعلتها ثلاثا رأس الشهر ثم
راجعها قال: تكون رأس الشهر ثلاثا قال: وليس يشبه قوله جعلتها بائنا قوله جعلتها ثلاثا
ا ه‍. أما قول محمد فظاهر، وأما قول أبي يوسف فإن الرجعية تصير بائنة بانقضاء العدة،
وأما الواحدة فلا تصير ثلاثا. وأما قول الإمام فلانه يملك إيقاعها بائنة من الابتداء فيملك
إلحاقها بالبائنة لأنه يملك إنشاء الإبانة في هذه الحالة كما كان يملكها في الابتداء، ومعنى
جعل الواحدة ثلاثا أنه ألحق بها تطليقتين أخريين لا أنه جعل الواحدة ثلاثا. كذا في البدائع.
وفي الولوالجية: لو قال أنت طالق البتة وقعت بائنة إلا إذا نوى تطليقة أخرى سوى قوله
أنت طالق فهما بائنتان ا ه‍. الثالث عدم توقفه على النية ونقل فيه إجماع الفقهاء، ولان
احتمال إرادة الطلاق عن غير قيد النكاح احتمال بعيد عند خطاب المرأة فلا عبرة به، فصار
اللفظ بمنزلة المعنى، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث أمره بالمراجعة ولم يسأله أنوى

447
أم لا، يدل على ذلك فإن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال كالعموم في المقال. وعدل
المصنف عن قوله وإن نوى غيره ليفيد أنه لو نوى غيره صدق ولذا قال في فتح القدير: ثم
قولنا لا يتوقف على النية معناه إذا لم ينو شيئا أصلا يقع لا أنه يقع وإن نوى شيئا آخر لما ذكر
أنه إذا نوى الطلاق عن وثاق صدق إلى آخره ا ه‍.
وحاصل ما ذكروه هنا ثلاثة ألفاظ: الوثاق والقيد والعمل. وكل منهما إما أن يذكر أو
ينوى، فإن ذكر فإما أن يقرن بالعدد أو لا، فإن قرن بالعدد لا يلتفت إليه ويقع الطلاق بلا
نية كما لو قال أنت طالق ثلاثا من هذا القيد تطلق ثلاثا ولا يصدق في القضاء كما في
المحيط، وإن لم يقرن بالعدد وقع في ذكر العمل قضاء لا ديانة نحو أنت طالق من هذا العمل
كما في البزازية وغيرها، وهو يدل على أنه لو قال علي الطلاق من ذراعي لا أفعل كذا كما
يحلف به بعض العوام أنه يقع قضاء بالأولى، وفي لفظي الوثاق والقيد لا يقع أصلا، وإن لم
يذكر شيئا من هذه الثلاثة وإنما نواها لا يدين في لفظ العمل أصلا ويدين في الوثاق والقيد،
ويقع قضاء إلا أن يكون مكرها. والمرأة كالقاضي إذا سمعته أو أخبرها عدل لا يحل لها

448
تمكينه. وهكذا اقتصر الشارحون. وذكر في البزازية وذكر الأوزجندي أنها ترفع الامر إلى
القاضي، فإن لم يكن لها بينة تحلفه، فإن حلف فالاثم عليه ا ه‍. ولا فرق في البائن بين
الواحدة والثلاث ا ه‍. وهل لها أن تقتله إذا أراد جماعا بعد علمها بالبينونة؟ فيه قولان،
والفتوى أنه ليس لها أن تقتله، وعلى القول بقتله تقتله بالدواء، فإن قتلته بالسلاح وجب
القصاص عليها. وليس لها أن تقتل نفسها وعليها أن تفدي نفسها بمال أو تهرب، وليس له
أن يقتلها إذا حرمت عليه ولا يقدر أن يتخلص منها بسبب أنه كلما هرب ردته بالسحر.
الكل في شرح المنظومة لابن الشحنة، وسيأتي في فصل ما تحل به المطلقة أنه هل لها أن
تتزوج بغيره في غيبته إذا علمت بالبينونة وهو ينكر. قال في المصباح: والوثاق بفتح الواو
وكسرها القيد وجمعه وثق كرباط وربط. وأفاد بعدم توقفه على النية أنه لا يشترط العلم بمعناه
فلو لقنته لفظ الطلاق فتلفظ به غير عالم بمعناه وقع قضاء لا ديانة. وقال مشايخ أوزجند: لا
يقع أصلا صيانة لاملاك الناس عن الضياع بالتلبيس كما في البدائع. كذا في البزازية.
والعتاق والتدبير والابراء عن المهر كالطلاق كما في البزازية. والطلاق وما معه يقاس على

449
النكاح بخلاف البيع والابراء لا يصحان إذا لم يعلم المعنى كما في الخانية. وأفاد أن طلاق
الهازل واللاعب والمخطئ واقع كما قدمناه لكنه في القضاء، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا
يقع على المخطئ. وما في الخلاصة من أن طلاق المخطئ واقع أي في القضاء بدليل أنه قال
بعده: ولو كان بالعتاق يدين لأنه لا فرق بين العتاق والطلاق وهو الظاهر من قول الإمام
كما في الخانية خلافا لأبي يوسف، ولا خلاف أن المنذور يلزمه، ولا خلاف أنه لو جرى
على لسانه الكفر مخطئا لا يكفر كما في الخانية أيضا، وكذا إذا تلفظ به غير عالم بمعناه وإنما
يقع قضاء فقط بدليل ما في الخلاصة: قالت لزوجها اقرأ علي اعتدي أنت طالق ثلاثا ففعل
طلقت ثلاثا في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعلم الزوج ولم ينو بخلاف الهازل
فإنه يقع عليه قضاء وديانة لأنه مكابر باللفظ فيستحق التغليظ، وما في الخلاصة معزيا إلى
الأصل: له امرأتان زينب وعمرة فقال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا طلقت
المجيبة، فلو قال نويت زينب طلقت هذه بالإشارة وتلك بالاعتراف ا ه‍. محمول على
القضاء، أما في الديانة فلا يقع على واحدة منهما لما في الحاوي معزيا إلى الجامع الصغير أن
أسدا سئل عمن أراد أن يقول زينب طالق فجرى على لسانه عمرة على أيهما يقع الطلاق
فقال: في القضاء تطلق التي سمى، وفيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق واحدة منهما، أما
التي سمى فلانة لم يردها، وأما غيرها فلأنها لو طلقت طلقت بمجرد النية. قال في فتح
القدير: وأما ما روى عنهما نصير من أن من أراد أن يتكلم فجرى على لسانه الطلاق يقع
ديانة وقضاء فلا يعول عليها ا ه‍.
والحاصل أن قولهم الصريح لا يحتاج إلى النية إنما هو في القضاء، أما في الديانة

450
فمحتاج إليها لكن وقوعه في القضاء بلا نية إنما هو بشرط أن يقصدها بالخطاب بدليل ما
قالوا: لو كرر مسائل الطلاق بحضرة زوجته ويقول أنت طالق ولا ينوي لا تطلق. وفي
متعلم يكتب ناقلا من كتاب رجل قال ثم يقف ويكتب امرأتي طالق وكما كتب قرن الكتابة
باللفظ بقصد الحكاية لا يقع عليه. وما في القنية: امرأة كتبت أنت طالق ثم قالت لزوجها
اقرأ علي فقرأ لا تطلق ا ه‍. وأماما في فتح القدير ولا بد من القصد بالخطاب بلفظ الطلاق
عالما بمعناه أو النسبة إلى الغائبة كما يفيده فروع وذكر ما ذكرناه فليس بصحيح لأنه إن كان
شرطا للوقوع قضاء وديانة فليس بصحيح لأنه صرح بالوقوع قضاء فيمن سبق لسانه، وإن
كان شرطا للوقوع ديانة لا قضاء فكذلك لأنه يقتضي الوقوع قضاء فيما لو كرر مسائل
الطلاق بحضرتها وفي المتعلم وليس كذلك، فالحق ما اقتصرنا عليه. وفي القنية: ظن أنه
وقع الطلاق الثلاث على امرأته بإفتاء من لم يكن أهلا للفتوى وكلف الحاكم كتبها في الصك
فكتبت ثم استفتى من هو أهل للفتوى فأفتى بأنها لا تقع والتطليقات مكتوبة في الصك
بالظن، فله أن يعود إليها فيما بينه وبين الله تعالى ولكن لا يصدق في الحكم ا ه‍. وهذا من
باب الاقرار بالطلاق كاذبا، وقدمنا أنه يقع قضاء لا ديانة. وفي البزازية: قال لها ما بقي لك
سوى طلاق واحد فطلقها واحدا لا يمكن له التزوج بها وإقراره حجة عليه، ولو قال لها بقي
لك طلاق واحد والمسألة بحالها كان له أن يتزوج بها لأن التخصيص بالواحد لا يدل له على
نفي بقاء الآخر لأن النص على العدد لا ينفي الزائد كما في أسماء الأجناس ا ه‍. وينبغي أن
تكون المسألة الأولى إنما هو في القضاء، أما في الديانة فلا يقع إلا ما كان أوقعه

451
قوله: (ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا يقع واحدة
رجعية بلا نية أو نوى واحدة أو ثنتين فإن نوى ثلاثا فثلاث) بيان لما إذا كان الخبر عنها المصدر
معرفا كان أو منكرا أو اسم الفاعل وذكر بعده المصدر معرفا أو منكرا. أما الوقوع باللفظ
الأول أعني المصدر فلانه يذكر ويراد به اسم الفاعل. يقال رجل عدل أي عادل فصار كقوله
أنت طالق، ويرد عليه أنه إذا أريد به اسم الفاعل يلزمه عدم صحة نية الثلاث، وجوابه أنه
حيث استعمل كان إرادة طالق به هو الغالب فيكون صريحا في طالق الصريح فيثبت له حكم
طالق، ولذا كان عندنا من الصريح لا يحتاج إلى النية لكونه يحتمل أن يراد على حذف مضاف
أي ذات طلاق. وعلى هذا التقدير تصح إرادة الثلاث، فلما كان محتملا توقف على النية
بخلاف نية الثنتين بالمصدر لأن نية الثلاث لم تصح باعتبار أنه كثره بل باعتبار أنها فرد من
حيث إنه جنس واحد، وأما الثنتان في الحرة فعدد محض وألفاظ الوحدان لا يحتمل العدد
المحض بل يراعى فيها التوحيد، وهو بالفردية الحقيقية والجنسية التي هي فرد اعتباري والمثنى
بمعزل عنهما. فلو كان طلق الحرة واحدة ثم قال لها أنت الطلاق ناويا اثنتين، فهل تقع
الثنتان لأنه كل ما بقي؟ قلت: لا تقع إلا واحدة لما في الخانية: لو قال لحرة طلقها واحدة
أنت بائن ونوى ثنتين تقع واحدة ا ه‍. وعلله في البدائع بأن الباقي ليس كل جنس طلاقها.
وصرح في الذخيرة بأنه إذا نوى ثنتين بالمصدر فإنه لا يصح وإن كان طلقها واحدة. وأما ما
في الجوهرة من أنه إذا تقدم على الحرة واحدة فإنه يقع ثنتان إذا نواهما يعني مع الأولى فسهو
ظاهر. وفرق الطحاوي بين المصدر المنكر حيث لا تصح فيه نية الثلاث، وبين المعرف حيث
يصح لا أصل له على الرواية المشهورة كما في البدائع. وأما وقوعه بانت طالق
الطلاق أو طلاقا فظاهر، وأما صحة نية الثلاث فبالمصدر مع أن المنتصب هو مصدر طالق لكون الطلاق
بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم فهو مصدر لمحذوف كذا قالوا. ولا يتم إلا بإلغاء

452
طالق مع المصدر كإلغائه مع العدد وإلا لوقع بطالق واحدة وبالطلاق اثنتان حين إرادته الثلاث
فيلزم الثنتان بالمصدر وهم لا يقولون به. قيد بكونه نوى ثنتين بالمجموع لأنه لو نوى ثنتين
بالتوزيع كأن يريد بقوله أنت طالق واحدة وبالطلاق أخرى تقع ثنتان خلافا لفخر الاسلام
لأن طالقا نعت وطلاقا مصدره فلا يقع إلا واحدة رجعية. ووجه الأول أن كلا منهما صالح
للايقاع فصار كقوله أنت طالق طالق وهو أولى من قول بعضهم طالق وطالق إذ ليس في
الكلام ما يدل على الواو، ورجح الأول في فتح القدير بأن طلاقا منصوب ولا يرفع بعد
صلاحية اللفظ لتعدده وصحة الإرادة به إلا بإهدار لزوم صحة الاعراب في الايقاع من العالم
والجاهل. وفي المغنى لابن هشام من الباب الأول من بحث اللام (تنبيه) كتب الرشيد ليلة إلى
القاضي أبي يوسف يسأله عن قول القائل:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فقال: ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها؟ قال أبو يوسف: فقلت هذه مسألة
نحوية فقهية ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي فأتيت الكسائي وهو في فراشه فسألته فقال:
إن رفع ثلاثا طلقت واحدة لأنه قال أنت طلاق ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها
طلقت ثلاثا لأن معناه أنت طالق ثلاثا وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد
فأرسل إلي بجوائز فوجهت بها إلى الكسائي. ا ه‍ ملخصا. وأقول: إن الصواب أن كلا من
الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحد، أما الرفع فلان أل في الطلاق إما
لمجاز الجنس كما تقول زيد الرجل أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكري مثلها في *
(فعصى فرعون الرسول) * (المزمل: 16) أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث ولا يكون
للجنس الحقيقي لئلا يلزم الاخبار عن العام بالخاص كما يقال الحيوان إنسان وذلك باطل إذ
ليس كل حيوان إنسانا ولا كل طلاق عزيمة، وثلاثا فعلى العهدية تقع الثلاث، وعلى الجنسية
تقع واحدة كما قال الكسائي. وأما النصب فلانه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق وحينئذ
يقتضي وقوع الثلاث إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله والطلاق عزيمة
ولان يكون حالا من الضمير المستتر في عزيمة، وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث لأن المعنى
والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا فإنما يقع ما نواه. هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ، وأما الذي
أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد:
فبيني بها إن كنت غير رفيقة وما لا مرء بعد الثلاث مقدم ا ه‍

453
وتعقبه في فتح القدير بأنه بعد كونه غلطا بعيد عن معرفة مقام الاجتهاد فإن من شرطه
معرفة العربية وأساليبها لأن الاجتهاد يقع في الأدلة السمعية العربية والذي نقله أهل الثبت
في هذه المسألة عمن قرأ الفتوى حين وصلت خلافه وأن المرسل بها الكسائي إلى محمد بن
الحسن ولا دخل لأبي يوسف أصلا ولا للرشيد، ولمقام أبي يوسف أجل من أن يحتاج في مثل
هذا التركيب مع إمامته واجتهاده وبراعته في التصرفات من مقتضيات الألفاظ. ثم قال:
وإن تخرقي بضم الراء مضارع خرق بكسرها. والخرق بالضم الاسم وهو ضد الرفق،
ولا يخفى أن الظاهر في النصب كونه على المفعول المطلق نيابة عن المصدر لقلة الفائدة على
إرادة أن الطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، وأما الرفع فلامتناع الجنس الحقيقي. بقي أن يراد مجاز
الجنس فتقع واحدة أو العهد الذكري وهو أظهر الاحتمالين فيقع الثلاث، ولذا ظهر من
الشاعر أنه أراده كما أفاده البيت الأخير، فجواب محمد بناء على ما هو الظاهر كما يجب في
مثله من حمل اللفظ على الظاهر وعدم الالتفات إلى الاحتمال ا ه‍. ولا يخفى أن العهد
الذكري حيث كان أظهر الاحتمالين فكان ينبغي أن يجيب محمد بما يقتضيه وهو الثلاث،
فكلام ابن الهمام آخره مخالف لأوله كما لا يخفى. ثم اعلم أن ابن الصائغ تعقب ابن هشام
في منع كونها للجنس الحقيقي بأنه يجوز كونها بمعنى كل المجموعي لا كل الافرادي، ويصير
المعنى أن مجموع أفراد الطلاق ثلاث لا أن الواقع منه ثلاث. ورده الشمني بأن اللام ليس من
معانيها الكل المجموعي وإن كان معنى من معاني كل، وتعقب ابن هشام أيضا الدماميني
في كون الثلاث حالا من الضمير في عزيمته بأن الكلام محتمل لوقوع الثلاث على تقدير
العهد أيضا بأن تجعل للعهد الذكري، ورده الشمني بأنه إنما نفى لزوم الثلاث وهو صادق
باحتمال الثلاث، وتعقب الشمني ابن هشام أيضا في كون النصب يحتمل أن يكون على
المفعول المطلق فيقتضي الثلاث بأنه إنما يقتضيه لو كان مفعولا مطلقا للطلاق الأول أو
للطلاق الثاني واللام للعهد، أما إذا كان مفعولا مطلقا للطلاق الثاني واللام للجنس فلا
يقتضي ذلك ا ه‍. وقيد بقوله أنت طالق لأنه لو قال أنت الثلاث ونوى لا يقع لأنه جعل
الثلاث صفة للمرأة لا صفة للطلاق المضمر فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلم يصح. ولو قال
لامرأته أنت مني بثلاث ونوى الطلاق طلقت لأنه نوى ما يحتمله، وإن قال لم أنو الطلاق لم
يصدق إن كان في حالة مذاكرة الطلاق لأنه لا يحتمل الرد، ولو قال أنت بثلاث وأضمر

454
الطلاق يقع كأنه قال أنت طالق بثلاث. كذا في المحيط. وظاهره أن أنت مني بثلاث وأنت
بثلاث بحذف مني سواء في كونه كناية، وأما أنت الثلاث فليس بكناية.
قوله: (وإن أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عنها كالرقبة والعنق والروح
والبدن والجسد والفرج والوجه أو إلى جزء شائع منها كنصفها وثلثها تطلق) أراد بالإضافة إلى
الجملة أن يكون بطريق الوضع كانت طالق، وبما يعبر به عن الجملة بطريق التجوز كرقبتك،
وإلا فالكل يعبر به عن الجملة. كذا في فتح القدير. وذكر الشارح أن ما يضاف إلى الجملة
أنت والروح والبدن والجسد، وأما ما يعبر به عنها ما عداها والظاهر الأول كما لا يخفى.
وأشار بالتعبير به عنها إلى أنه لا بد أن يقول مثلا رقبتك طالق أما لو قال الرقبة منك طالق أو
الوجه أو وضع يده على الرأس أو العنق وقال هذا العضو طالق لم يقع في الأصح لأنه لم
يجعله عبارة عن الكل بل عن البعض بخلاف ما إذا لم يضع يده بل قال هذا الرأس طالق
وأشار إلى رأس امرأته الصحيح أنه يقع كما لو قال رأسك هذا طالق، ولهذا لو قال لغيره
بعت منك هذا الرأس بألف درهم وأشار إلى رأس عبده فقال المشتري قبلت جاز البيع. كذا
في الخانية. وقيد بالرقبة وما بعدها لأنه لا يقع بالبطن والظهر والبضع والدم على الصحيح،
ولهذا لو قال دمك حر لا يعتق، وقد صححوا صحة التكفل بالدم لما يقال دمه هدر أي نفسه
فكان العرف جرى به في الكفالة دون العتق والطلاق. وصحح في الجوهرة وقوع الطلاق.
يقال ذهب دمه هدرا فحينئذ لا فرق بين الطلاق والكفالة، وتقييدهم الجزء بالشائع ليس
للاحتراز عن المعين لما في الخلاصة: لو قال نصفك الاعلى طالق واحدة ونصفك الأسفل
ثنتين فقد وقعت هذه المسألة ببخارى فأفتى بعضهم بوقوع الواحدة لأن الرأس في النصف
الاعلى، وبعضهم اعتبر الإضافتين لأن الفرج في الأسفل ا ه‍. وقد علم به أنه لو اقتصر على
أحدهما وقعت واحدة اتفاقا. وقد أطلق المصنف وقوع الطلاق بما ذكر فأفاد أنه صريح لا
يتوقف على النية، فلو قال أردت به العضو حقيقة لم يصدق قضاء ويصدق ديانة لكنه كيف

455
يكون صريحا مع أنه إنما يكون بغلبة الاستعمال كما قدمناه؟ ولقد أبعد الشارح الزيلعي حيث
قال في بحث قوله أنا منك طالق لغو وكونه غير متعارف إيقاعه لا يخرجه من أن يكون
صريحا كقوله عشرك طالق أو فرجك أو طلقتك نصف تطليقة ا ه‍. لأن الصراحة إنما هي
بغلبة الاستعمال، والتحقيق أن الوقوع قضاء إنما هو إذا كان التعبير به عن الكل عرفا مشتهرا
ولو اقتصر على التعبير عن الجملة لكان أولى لأن الإضافة إلى الجملة علمت من أول الباب من
قوله كأنت طالق.
قوله: (وإلى اليد والرجل والدبر لا) أي لا تطلق بالإضافة إلى ما ذكر أي إلى ما لا يعبر
به عن الجملة فدخل فيه الشعر والأنف والساق والفخذ والظهر والبطن واللسان والاذن والفم
والصدر الذقن والسن والريق والعرق والكبد والقلب. أطلقه فشمل ما إذا نوى به كل البدن
لكن في البزازية: وذكر الإمام الحلواني إن ذكر عضوا يعبر به عن جميع البدن ونوى اقتصار
الطلاق عليه لم يبعد أن يصدق، ولو ذكر اليد والرجل وأراد به كل البدن فلنا أن نقول يقع
الطلاق، وإن كان جزءا لا يستمتع به كالسن والريق لا يقع ا ه‍. وفي الظهيرية: لو أضافه
إلى قبلها لا رواية لهذا في الكتاب. وفي فتح القدير من كتاب الكفالة: ولم يذكر محمد ما إذا
كفل بعينه. قال البلخي: لا يصح كما في الطلاق إلا أن ينوي به البدن، والذي يجب أن
يصح في الكفالة والطلاق إذ العين مما يعبر به عن الكل. يقال عين القوم وهو عين في
الناس، ولعله لم يكن معروفا في زمانهم أما في زماننا فلا شك في ذلك ا ه‍. ومثل الطلاق
الظهار والايلاء والعفو عن القصاص والعتاق حتى لو أعتق أصبعه لا يقع. قيدنا بكونه لا
يعبر به عن الجملة لأن اليد وما معها لو كان عند قوم يعبرون به عن الجملة وقع الطلاق،
وهو محمل ما ورد منها مرادا به الجملة كالحديث على اليد ما أخذت حتى ترد وكقوله تعالى *
(تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1) وحاصله أنه ثلاثة: صريح يقع قضاء بلا نية كالرقبة، كناية
لا يقع بها إلا بالنية كاليد، وما ليس صريحا، ولا كناية لا يقع به، وإن نوى كالريق والسن

456
والشعر والظفر والعرق والكبد والقلب. وقيد بالدبر لأنه لو قال استك طالق وقع كفرجك
كما في الخلاصة، فالاست وإن كان مرادفا للدبر لا يلزم مساواتهما في الحكم لأن الاعتبار
هنا لكون اللفظ يعبر به عن الكل، ألا ترى أن البضع مرادف للفرج وليس حكمه هنا
كحكمه في التعبير. وقيد بالطلاق في الجزء الشائع للاحتراز عن العتاق وتوابعه فإنه من قبيل
ما يتجزى، فلو أعتق نصف عبده لم يعتق كله عند الإمام وللاحتراز عن النكاح فإنه لو تزوج
نصفها لم يصح النكاح احتياطا كما في الخانية. وبه ضعف قول الشارح أن الجزء الشائع محل
للنكاح والعفو عن دم العمد وتسليم الشفعة كالطلاق والأصل أن ذكر بعض ما لا يتجزى
كذكر كله قوله: (ونصف التطليقة أو ثلثها طلقة) ومراده أن جزء الطلقة تطليقة ولو جزء من
ألف جزء لأن الشرع ناظر إلى صون كلام العاقل عن الالغاء وتصرفه ما أمكن، ولذا اعتبر
العفو عن بعض القصاص عفوا عنه فلما لم يكن للطلاق جزء كان كذكر كله تصحيحا
كالعفو. وفي الظهيرية: أنت طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة، قيل على قول أبي يوسف يقع
ثنتان لأن التطليقة كما لا تتجزى في الايقاع لا تتجزى في الاستثناء فيصير كأنه قال إلا
واحدة، وعند محمد يقع الثلاث لأن النصف في الطلاق لا يتجزى في الايقاع ولا في
الاستثناء، ولو قال أنت طالق تطليقة إلا نصفها تقع واحدة وهذا إشارة إلى ما قال محمد
ا ه‍. وقد يقال إنه لا يشير إلى قول محمد لأن أبا يوسف إنما لم يقل بالتكميل في الاستثناء
هنا لعدم فائدته لأنه حينئذ لا يصح لكونه استثناء الكل من الكل، ولو قال وجزء
الطلقة تطليقه لكان أوجز وأشمل وأحسن.
قوله: (وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث) لأن نصف التطليقتين تطليقة فإذا جمع بين ثلاثة
أنصاف تكون ثلاثا ضرورة إلا إذا نوى تنصيف كل من التطليقتين فتكون أنصافها أربعا فثلاثة
منها طلقة ونصف فتقع طليقتان ديانة، ولا يصدق في القضاء لأنه احتمال خلاف الظاهر لأن
الظاهر أن نصف التطليقتين تطليقة لا نصفا تطليقتين. قيد بقوله تطليقتين لأنه لو قال ثلاثة
أنصاف تطليقة وقعت تطليقتان لأنها طلقة ونصف فتتكامل وهو المنقول في الجامع الصغير
واختاره الناطفي وصححه العتابي. وعلم منه أنه لو قال أربعة أنصاف تطليقة وقعت ثنتان
أيضا، وعرف منه أيضا أنه لو قال نصفي تطليقة وقعت واحدة. وفي الذخيرة: لو قال أنت
طالق نصف تطليقتين فواحدة، ولو قال نصفي تطليقتين فثنتان وكذا نصف ثلاث تطليقات، ولو قال
نصفي ثلاث تطليقات فثلاث. وحاصلها أنها اثنتا عشرة مسألة لأن المضاف أعني النصف
إما أن يكون واحدا أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا، وكل منها إما أن يكون المضاف إليه

457
واحدة أو ثنتين أو ثلاثا، فإن كان النصف مضافا إلى الطلقة فقط فواحدة، فإن كان النصف
مضافا إلى الطلقتين فواحدة، وإن كان النصف مضافا إلى الثلاث فثنتان، وإن كان النصفان
مضافا إلى الواحدة فواحدة، وإلى الثنتين فثنتان، وإلى الثلاث فثلاث. وإن كان الثلاثة
أنصاف مضافا إلى الواحدة فثنتان، وإلى الثنتين فثلاث، وإلى الثلاث فكذلك استنباطا مما
قبلها لا نقلا. وإن كان المضاف أربعة الانصاف فثنتان فإن إلى الواحدة وإن إلى الثنتين أو
إلى الثلاث فثلاث استنباطا. وأشار المصنف إلى أنه لو قال للمدخول بها أنت طالق نصف
تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة وقع ثلاث لأن المنكر إذا أعيد منكرا كان الثاني غير
الأول فيتكامل كل جزء بخلاف ما إذا قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وسدسها حيث
تقع واحدة لأن الثاني والثالث عين الأول فالكل أجزاء طلقة واحدة حتى لو زاد على
الواحدة وقعت ثانية، وكذا في الثالثة وهو مختار جماعة من المشايخ. وفي المحيط
والولوالجية: وهو المختار. وهكذا ذكر الحسن في المجرد لأنه زاد على أجزاء تطليقة واحدة
فلا بد وأن تكون الزيادة من تطليقة أخرى فتتكامل الزيادة. والأصح في اتحاد المرجع. وإن
زادت أجزاء واحدة أن تقع واحدة لأنه أضاف الاجزاء إلى واحدة. نص عليه في المبسوط
وعلى هذا لو قال أنت طالق واحدة ونصفها تقع واحدة كما في الذخيرة بخلاف واحدة
ونصفا، وأما غير المدخول بها فلا يقع عليها إلا واحدة في الصور كلها كما البدائع.
ودل كلامه أنه لو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة طلقت كل واحدة واحدة لأن الربع
يتكامل، وكذا بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع إلا إذا نوى أن كل تطليقة بينهن جميعا
فيقع في التطليقتين على كل منهما تطليقتان، وفي الثلاث ثلاث. ولو قال بينكن خمس
تطليقات وقع على كل واحدة ثنتان إلى ثمان، ولو قال بينكن تسع وقع على كل واحدة
ثلاث. ولفظ اشركتكن كلفظ بين بخلاف ما لو طلق امرأتين كل واحدة ثم قال لثالثة
شركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان لأنه شركها في كل تطليقة. ولو طلقها
ثلاثا ثم قال لاخرى أشركتك معها في الطلاق وقع على الثانية ثلاث بخلاف ما تقدم لأن
هناك لم يسبق وقوع شئ فلم يقسم بينهن، وهنا قد أوقع الثلاث على الأولى فلا يمكنه
رفع شئ منه. ولو قال أنت طالق ثلاثا ثم قال لاخرى أشركتك فيما أوقعت عليها، ثم

458
قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما قال في فتح القدير: وقد ورد استفتاء فيها فبعد أن
كتبنا تطلق الثلاث ثلاثا ثلاثا قلنا: إن وقوعهن على الثالثة باعتبار أنه أشركها في ستة ا ه‍.
يعني أنه علل وقوع الثلاث على الثالثة بعد الافتاء بأنه أشركها في ست أوقعها فيقع عليها
الثلاث ويلغو ثلاث، وليس معناه أنه ظهر له شئ بخلاف ما أفتى به كما قد توهم. وفي
المبسوط: لو قال لامرأتين أنتما طالقتان ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهما فهو مدين فيما بينه
وبين الله تعالى فتطلق كل منهما ثنتين لأنه من محتملات لفظه لكنه خلاف الظاهر فلا يدين
في القضاء فتطلق كل ثلاثا، وكذا لو قال لأربع أنتن طوالق ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهن
فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة وفي القضاء تطلق كل ثلاثا
ا ه‍.
وفي المحيط: فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها أو قال أشركت فلانة معها طلقتا ثلاثا
ثلاثا، ولو طلق امرأته ثم قال لاخرى قد أشركتك في طلاقها طلقت واحدة، ولو قال
لثالثة قد أشركتك في طلاقهما طلقت ثنتين، ولو قال للرابعة قد أشركتك في طلاقهن
طلقت ثلاثا، ولو كان الطلاق على الأولى بمال مسمى ثم قال للثانية قد أشركتك في
طلاقها طلقت ولم يلزمها المال لأن الاشتراك وجد في الطلاق لا في المال، ولو قال
أشركتك في طلاقها على كذا من المال فإن قبلت لزمها الطلاق والمال وإلا فلا ا ه‍. ولم
يتكلم على كونه بائنا أو رجعيا حيث لم يقل على كذا، وينبغي أن يكون في المسألة الأولى
رجعيا لأن البينونة لأجل المال ولم يوجد، وينبغي أنه لو قال لها أنت طالق بائن أو بائن
ناويا ثم قال لاخرى أشركتك في طلاقها أن يقع على الثانية بائنا أيضا. ثم قال في المحيط
أيضا: ولو أعتقت الأمة المنكوحة فاختارت نفسها فقال زوجها لامرأة أخرى له قد
أشركتك في فرقة هذه طلقت بائنا وإن نوى ثلاثا فثلاث، وحكى أبو سليمان عند محمد
أنها لا تطلق. ولو قال في فرقة العنين واللعان والايلاء والخلع قد أشركتك في فرقة هذه
طلقت لأن هذه الفرقة فرقة طلاق بخلاف الأولى، ولو قال لامرأته أنت طالق خمس

459
تطليقات فقالت ثلاث تكفيني فقال ثلاث لك والباقي على صواحبك وقع الثلاث عليها ولم
يقع شئ على غيرها لأن الباقي بعد الثلاث صار لغوا فقد صرف اللغو إلى صواحبها فلا
يقع شئ ا ه‍. وقدمنا خلافا في الأخيرة.
قوله: (ومن واحدة أو ما بين واحدة إلى اثنتين واحدة وإلى ثلاث اثنتان) يعني عند أبي
حنيفة فتدخل الغاية الأولى دون الثانية، وقالا بدخولهما فيقع في الأولى ثنتان وفي الثانية
ثلاث استحسانا بالتعارف إلا أنهما أطلقا فيه، وأبو حنيفة يقول: إنما تدخل الغايتان عرفا
فيما مرجعه الإباحة كخذ من مالي من عشرة إلى مائة، وبع عبدي بمال من مائة إلى ألف،
وكل من الملح إلى الحلو، فله أخذ المائة والبيع بألف وأكل الحلواء، وأما ما أصله الخطر حتى
لا يباح إلا لدفع الحاجة فلا، والطلاق منه فكان قرينة على عدم إرادة الكل غير أن الغاية
الأولى لا بد من وجودها ليرتب عليها الطلقة الثانية في صورة إيقاعها وهي صورة من واحدة
إلى ثلاث إذ لا ثانية بلا أولى، ووجود الطلاق عين وقوعه بخلاف الغاية الثانية وهي ثلاث
في هذه الصورة فإنه يصح وقوع الثانية بلا ثالثة، أما صورة من واحدة إلى ثنتين فلا حاجة إلى
إدخالها لأنها إنما دخلت ضرورة إيقاع الثانية وهو منتف، وإيقاع الواحدة ليس باعتبار
إدخالها غاية بل بما ذكرنا من انتفاء العرف فيه فلا تدخل فيلغو قوله من واحدة إلى ثنتين
ويقع بطالق واحدة، ولا يرد أنت طالق ثانية حيث لا يقع إلا واحدة لأن ثانية لغو فيقع بأنت
طالق. وقد ظهر بهذا التقرير أن الاختلاف إنما نشأ من اعتبار إثبات العرف وعدمه مع
الاتفاق على اعتبار العرف فلا يرد دخول المرافق لأن العرف لما أدخل ما بعد إلى تارة وأخرجه
أخرى وكان الاحتياط الدخول. فإن قيل: ما بين هذا وهذا يستدعي وجود الامرين
ووجودهما وقوعهما فيقع الثلاث. الجواب أن ذلك في المحسوسات، وأما ما نحن فيه من
الأمور المعنوية فإنما يقتضي الأول احتمال وجود الثاني عرفا، ففيما بين الستين إلى السبعين
يصدق إذا لم يبلغ السبعين. كذا في فتح القدير. وفي جامع الفصولين: لو باع بالخيار إلى غد
دخل الغد في الخيار، ولو حلف ليقضين دينه إلى خمسة أيام لا يحنث ما لم تغرب الشمس من
اليوم الخامس، وكذا لا يكلمه إلى عشرة أيام دخل العاشر، وكذا في إن تزوجت إلى عشر
سنين دخلت العاشرة، وأما في الإجازة ففي بعض الكتب: لو أجر إلى خمس سنين دخلت
الخامسة، وفي عامة الكتب لا تدخل ا ه‍. وتمام تقريره في شرحنا المسمى بتعليق الأنوار على
أصول المنار. ولو نوى في الثانية واحدة دين ديانة لا قضاء لأنه يحتمله وهو خلاف الظاهر.
وأشار بقوله إلى ثنتين إلى أنه لو قال من واحدة إلى واحدة تقع واحدة بالأولى اتفاقا، وقيل

460
لا يقع شئ عند زفر لأنه لا يقول بدخول الغايتين، والأصح الوقوع عنده بطالق ويلغو ما
بعده، كذا في المعراج. وقيد بقوله إلى ثلاث لأنه لو قال ما بين واحدة وثلاث بحرف
العطف دون الغاية وقعت واحدة عند الكل إلا إن كان فيه العرف الكائن في الغاية. ولو قال
من واحدة إلى عشرة وقعت ثنتان عند أبي حنيفة، وقيل ثلاث بالاجماع لأن اللفظ معتبر في
الطلاق حتى لو قالت طلقني ستا بألف فطلقها ثلاثا وقعن بخمسمائة. ورجحه في القنية بأنه
أحسن من حيث المعنى وفيها: لو قال أنت طالق من ثلاث إلى واحدة تقع ثلاث. قال بديع
رحمه الله تعالى: وينبغي أن يكون هذا بالاتفاق. ثم ظهر لي أنه على قولهما وهو منصوص
عليه في بعض الكتب أنه يقع عنده ثنتان وعندها ثلاث ا ه‍.
قوله: (وواحدة في ثنتين واحدة إن لم ينو شيئا أو نوى الضرب) أي تقع واحدة فيما لو
قال أنت طالق واحدة في ثنتين إن لم ينو شيئا أو نوى الضرب والحساب عالما بعرف الحساب
خلافا لزفر في الثاني لأن عرفهم فيه تضعيف أحد العددين بعدد الآخر كقوله واحد مرتين.
ولنا أن قوله في ثنتين ظرف حقيقة وهو لا يصلح له فيقع المظروف دون الظرف ولهذا لزمه
عشرة في له علي عشرة في عشرة إلا إن قصد المعية أو العطف فعشرون لمناسبة الظرف
كليهما. وأما الضرب فإن كان في الممسوحات أعني فيما له طول وعرض وعمق فأثره في
تكثير المضروب، وإذا كان فيما ليس له طول وعرض فأثره في تكثير الاجزاء فإنه لو زاد
بالضرب في نفسه لم يبق أحد في الدنيا فقيرا لأنه يضرب ما ملكه من الدراهم في مائة فيصير
مائة، ثم يضرب المائة في الألف فيصير مائة ألف، فصار معنى قولنا واحدة في ثنتين واحدة
ذو جزأين، وكذا قولنا واحدة في ثلاث واحدة ذو أجزاء ثلاثة، والتطليقة الواحدة وإن
كثرت أجزاؤها لا تصير أكثر من واحدة. كذا في المعراج. ورجح في فتح القدير والتحرير
قول زفر بأن الكلام في عرف الحساب في التركيب اللفظي كون أحد العددين مضعفا بعدد
الآخر، والعرف لا يمنع، والفرض أنه تكلم بعرفهم وأراده فصار كما لو أوقع بلغة أخرى
فارسية أو غيرها وهو يدريها ا ه‍. وهكذا رجحة في غاية البيان وجوابه أن اللفظ لما لم يكن
صالحا له لم يعتبر فيه العرف ولا النية كما لو نوى بقوله اسقني الماء الطلاق فإنه لا يقع به
قوله: (وإن نوى واحدة وثنتين فثلاث) يعني في المدخول بها وإلا فواحدة لأنه يحتمله فإن

461
حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف فصح أن يراد به معنى الواو. وقيد بكونه نوى
بفي الواو لأنه لو نوى بها معنى مع وقع الثلاث مدخولا بها أو غير مدخول بها كما لو
قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة مع ثنتين وإرادة معنى لفظة مع بها ثابت كقوله تعالى
* (ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة) * (الأحقاف: 16) وأما الاستشهاد بقوله تعالى
* (فادخلي في عبادي) * (الفجر: 29) أي مع عبادي فبعيد ينبو عنه * (وادخلي جنتي) * (الفجر:
29) فإن دخولها معهم ليس إلا إلى الجنة فهي على حقيقتها، ولهذا قال في الكشاف: إن
المراد في جملة عبادي، وقيل في أجساد عبادي، ويؤيده قراءة في عبدي والأوجه
الاستشهاد بما ذكرنا، وحكم ما إذا نوى الظرفية حكم ما إذا لم ينو شيئا لأنه ظرف له فلذا لم
يذكره المصنف فالوجوه خمسة قوله: (وثنتين في ثنتين ثنتان) يعني إن لم تكن له نية أو نوى
الظرف أو الضرب لما ذكرتا وإن نوى معنى الواو أو معنى مع وقعت ثلاث في المدخول بها
وفي غيرها اثنتان في الأول وثلاث في الثاني كما قدمناه قوله: (ومن هنا إلى الشام واحدة
رجعية) لأنه وصفه بالقصر لأن الطلاق متى وقع وقع في جميع الدنيا وفي السماوات فلم
يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة. وقال التمرتاشي: مع أنه إنما مد المرأة لا الطلاق. ووجهه أنه
حال ولا يصلح صاحب الحال في التركيب إلا الضمير في طالق.
قوله: (وبمكة وفي مكة وفي الدار تنجيز) فتطلق في الحال وإن لم يكن في الدار ولا
بمكة، وكذا في الظل، وفي الشمس والثوب كالمكان، فلو قال في ثوب كذا وعليها غيره
طلقت للحال، وكذا لو قال أنت طالق مريضة أو مصلية أو وأنت مريضة، وإن قال عنيت إذا
لبست أو إذا مرضت صدق ديانة لا قضاء لما فيه من التخفيف على نفسه كما إذا قصد بمسألة
الكتاب الدخول فيتعلق به ديانة لا قضاء وإنما تعلق الطلاق بالزمان دون المكان لأن فيه معنى
الفعل وبين الفعل والزمان مناسبة من حيث إنه لا بقاء لهما، فكما يوجدان يذهبان وللمكان
بقاء لا يتجدد كل ساعة أما الزمان يتجدد ويحدث كل ساعة كالفعل فكان اختصاص الطلاق
بالزمان أكثر. كذا في المعراج. وفي الخانية: لو قال أنت طالق في الليل والنهار طلقت واحدة،
ولو قال أنت طالق في الليل وفي النهار تقع ثنتان، ولو قال أنت طالق في ليلك ونهارك طلقت
للحال، ولو قال أنت طالق إلى رأس الشهر أو إلى الشتاء تعلق قوله: (وإذا دخلت مكة تعليق
لوجود حقيقة التعليق) وكذا إذا قال أنت طالق في دخولك الدار أو في لبسك ثوب كذا يتعلق
بالفعل فلا تطلق حتى تفعل لأن حرف في للظرف والفعل لا يصلح شاغلا له فيحمل على

462
معنى الشرط للمناسبة بينهما، ولو قال أنت طالق فيها دخولك الدار طلقت في الحال. كذا
في المحيط والمعراج. وأوضحه في الذخيرة بأنه إذا ذكر في بدون حرف الهاء يصير صفة
للمذكور أولا وهو الطلاق والدخول لا يصلح ظرفا لأنه فعل فجعل شرطا فصار الطلاق
معلقا بدخول الدار. وإذا ذكر في مع حرف الهاء صار صفة للمذكور آخرا وهو الدخول
والطلاق لا يصلح ظرفا للدخول ولا يمكن جعل الطلاق شرطا أيضا للدخول فتعذر العمل
بالظرفية والشرطية فيلغى كلمة في فوقع بقوله أنت طالق اه‍. فإن كانت الرواية بهاء
التأنيث فهي راجعة إلى الطلقة، وإن كان الضمير مذكرا فهو عائد إلى الطلاق كما لا يخفى.
وإنما لا يصح التعليق بها في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك حتى لو تزوجها لا تقع
لأنها كالتعليق توقفا لا ترتبا وتمامه في الأصول. ولا فرق بين كون ما يقوم بها فعلا اختيارا
أو غيره حتى لو قال أنت طالق في مرضك أو وجعك أو صلاتك لم تطلق حتى تمرض أو
تصلي، إما الان في حرف بمعنى مع أو لأن المرض ونحوه لما لم يصلح ظرفا حمل على
معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل. وأشار في تلخيص الجامع إلى قاعدة هي أن
الإضافة إن كانت إلى الموجود فإنه يتنجز كقوله أنت طالق في الدار، وإن كانت إلى معدوم
فإنه يتعلق كقوله في دخولك. وقيد بفي لأنه لو قال أنت طالق لدخولك الدار أو قال
لحيضك تطلق للحال، ولو قال أنت طالق بدخولك الدار أو بحيضك لا تطلق حتى تدخل
الدار وتحيض. كذا في الخانية. وفي المحيط: لو قال أنت طالق في حيضك وهي حائض لم
تطلق حتى تحيض أخرى لأنه عبارة عن درور الدم ونزوله لوقته فكان فعلا فصار شرطا كما
في الدخول، والشرط يعتبر في المستقبل لا في الماضي. ولو قال أنت طالق في حيضة أو
في حيضتك لم تطلق حتى تحيض وتطهر لأن الحيضة اسم للحيضة الكاملة لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أو
طاس إلا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة فأراد بها
كما لها اه‍.
والحاصل أنه إن ذكر الحيضة بالتاء المثناة من فوق كان تعليقا لطلاقها على الطهر من
حيضة مستقبلة، وإن ذكره بغير تاء كان تعليقا على رؤية الدم بشرط أن يمتد ثلاثا. كذا في
شرح التلخيص. ثم قال في المحيط: ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام طلقت للحال لأن

463
الوقت يصلح ظرفا لكونها طالقا، ومتى طلقت في وقت طلقت في سائر الأوقات. ولو قال
أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام لم تطلق حتى يجئ اليوم الثالث لأن المجئ فعل فلم يصلح
ظرفا فصار شرطا، ولا يحتسب باليوم الذي حلف فيه لأن الشروط تعتبر في المستقبل لا في
الماضي، ومجئ اليوم يكون من أوله وقد مضى جزء أوله. ولو قال في مضي يوم تطلق في
الغد في مثل تلك الساعة، ولو قال في مجئ يوم تطلق حين يطلع الفجر من الغد لأن المجئ عبارة عن
مجئ أول جزئه. يقال جاء يوم الجمعة كما طلع الفجر، وجاء شهر رمضان
كما هل الهلال وإن لم يجئ كله فصار كأنه قال أنت طالق إذا جاء أول جزء منه، فأما المضي
فعبارة عن جميع أجزاء اليوم وقد وجد من حين حلف مضى بعض يوم لا مضى كله فوجب
ضرورة تتميمه من اليوم الثاني ليتحقق مضى جميع يوم ا ه‍. وفي الجامع الكبير للصدر
الشهيد: في للظرفية وتجعل شرطا للتعذر إلى أن قال: ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام
يتنجز والوكيل به يملك ثلاثا متفرقة. قال بعد طلوع الشمس أنت طالق في مضي اليوم يقع
عند غروبها، وفي مضي اليوم عند مجئ تلك الساعة، وكذا في مضي ثلاثة أيام، ولو قال
ليلا يقع عند غروب الشمس في الثالث ا ه‍. وصورة التوكيل به أن يقول لآخر طلق امرأتي
في ثلاثة أيام، والفرق بينهما أن الايقاع لا يمتد فاقتضى التفريق بخلاف وصفها بالطلاق في
الثلاثة.
فصل
يعني في إضافة الطلاق إلى الزمان، ذكر في باب إيقاع الطلاق فصلين باعتبار تنويع
الايقاع أي ما به على ما قدمنا إلى مضاف وموصوف ومشبه وغيره متعلق بمدخول بها وغير
مدخول بها، وكل منها صنف تحت ذلك الصنف المسمى بابا كما أن الباب يكون تحت
الصنف المسمى كتابا، والكل تحت الصنف الذي هو نفس العلم المدون فإنه صنف عال.
والعلم مطلقا بمعنى الادراك جنس وما تحته من اليقين والظن نوع، والعلوم المدونة تكون
ظنية كالفقه، وقطعية كالكلام والحساب والهندسة، فواضع العلم لما لاحظ الغاية المطلوبة له

464
فوجودها تترتب على العلم بأحوال شتى أو أشياء من جهة خاصة وضعه ليبحث عن أحواله
من تلك الجهة، فقد قيد ذلك النوع من العلم بعارض كلي فصار صنفا. وقيل: الواضع
صنف العلم أي جعله صنفا فالواضع أولى باسم المصنف من المؤلفين وإن صح أيضا فيهم.
وعلم مما ذكرناه أنها تتباين مندرجة تحت صنف أعلى لتباين العوارض المقيد بكل منها النوع،
وأن ما ذكر من نحو كتاب الحوالة اللائق به خلاف تسميته بكتاب كذا في فتح القدير.
والصنف في اللغة الطائفة من كل شئ، وقيل النوع. كذا في المصباح.
قوله: (أنت طالق غدا أو في غد تطلق عند الصبح) لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد
في الأول لأن جميعه هو مسمى الغد فتعين الجزء الأول لعدم المزاحم، وفي الثاني وصفها في
جزء منه وأفاد أنه إذا أضافه إلى وقت فإنه لا يقع للحال وهو قول الشافعي وأحمد. وقال
مالك: يقع في الحال إذا كان الوقت يأتي لا محالة مثل أن يقول إذا طلعت الشمس أو دخل
رمضان ونحو ذلك وهو باطل بالتدبير فإن الموت يأتي زمانه لا محالة ولا يتنجز. كذا في
المعراج. ثم اعلم أن الطلاق يتأقت فإذا قال أنت طالق إلى عشرة أيام فإنه يقع بعد العشرة
وتكون إلى بمعنى بعد والعتق والكفالة إلى شهر كالطلاق إليه، عن الثاني أنه كفيل في
الحال والفتوى أنه كفيل بعد شهر والامر باليد إلى عشرة صار الامر بيدها للحال ويزول
بمضيها. ولو نوى أن يكون بيدها بعد العشرة لا يصدق قضاء والبيع إلى شهر تأجيل للثمن
والوكالة تقبل التأقيت حتى لو تصرف بعد الوقت لا يصح، وفي الإجارة إلى شهر تعين ما
يلي العقد وتمت بمضيه، وكذا في المزارعة، والشركة إلى شهر كالإجارة، والصلح إلى شهر
والقسمة إليه لا تصح، والابراء إل شهر كالطلاق إلا إذا قال أردت التأخير فيكون تأجيلا
إليه، والاقرار إلى شهران صدقه المقر له ثبت الاجل، وإن كذبه لزم المال حالا والقول له.
وإذن العبد لا يتأقت والتحكيم والقضاء يقبلان التأقيت نهى الوكيل عن البيع يوما يتأقت هذه
الجملة لبيان ما يتوقت وما لا يتوقت. ذكرتها هنا لكثرة فوائدها وهي مذكورة في البزازية من
فصل الامر باليد. وفيها من الايمان: أنت كذا إذا جاء غد يمين، أنت كذا غدا ليس بيمين
لأنه إضافة والطلاق المضاف إلى وقتين ينزل عند أولهما، والمعلق بالفعلين عند آخرهما،

465
والمضاف إلى أحد الوقتين كقوله غدا أو بعد غد طلقت بعد غد، ولو علق بأحد الفعلين ينزل
عند أولهما، والمعلق بفعل أو وقت يقع بأيهما سبق. وفي الزيادات إن وجد الفعل أولا يقع
ولا ينظر وجود الوقت، وإن وجد الوقت أولا لا يقع ما لم يوجد الفعل ا ه‍. وفيها من
فصل الاستثناء: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة غدا أو إن كلمت فلانا تعلق اثنتان لمجئ الغد
وكلام فلان ا ه‍. وفي المحيط: ولو قال أنت طالق تطليقة تقع عليك غدا تطلق حين يطلع
الفجر فإنه وصف التطليقة بما تتصف به فإنها تتصف بالوقوع غدا بأن كانت مضافة إلى الغد
فلا تقع بدون ذلك الوصف، ولو قال تطليقة لا تقع إلا غدا طلقت للحال لأنه وصفها بما
لا تتصف به إذ ليس من الطلاق ما لا يقع إلا في الغد بل يتصور وقوعه حالا واستقبالا
فلغى ذكر الوصف فبقي مرسلا كما لو قال أنت طالق تطليقة تصير أو تصبح غدا، ولو قال
أنت طالق بعد يوم الأضحى تطلق حين يمضي اليوم لأن البعدية صفة
للطلاق لما بينا فصار الطلاق مضافا إلى ما بعد يوم الأضحى فلم يقع قبله، ولو قال بعدها يوم الأضحى طلقت
للحال لأن البعدية صفة لليوم فيتأخر اليوم عن الطلاق فبقي الطلاق مرسلا غير مضاف. ولو
قال مع يوم الأضحى طلقت حين يطلع فجره لأن مع للقرأن فقد جعل الوقوع مقارنا ليوم
الأضحى، ولو قال معها يوم الأضحى طلقت للحال لأن حرف مع هنا دخلت على الوقت
فصار مضيفا الوقت إلى الطلاق، وإضافة الوقت إلى الطلاق باطل لأنه مما لا يتجزى فيبقى
الطلاق مرسلا كما لو قال أنت طالق قبلها يوم الأضحى طلقت للحال ا ه‍. وفي الذخيرة:
الحاصل أن الطلاق إذا أضيف إلى وقت لا يقع ما لم يجئ ذلك الوقت، وإن أضيف الوقت
إلى الطلاق وقع للحال وتوضيحه فيها، وقيد بقوله غدا لأنه لو قال أنت طالق لا بل غدا
طلقت الساعة واحدة وفي الغد أخرى. كذا في المحيط معزيا إلى أبي يوسف. وفي البزازية:
إن شئت فأنت طالق غدا فالمشيئة إليها للحال بخلاف أنت طالق غدا إن شئت فإن المشيئة
إليها في الغد. وفي الظهيرية: لو قال رجل لامرأته أنت طالق غدا إذا دخلت الدار يلغو ذكر
الغد فيتعلق الطلاق بدخول الدار حتى لو دخلت في أي وقت كان طلقت وهذا مشكل، فإنه

466
إذا ألغى ذكر الغد يصير فاصلا بين الشرط والجزاء فوجب أن يتجزى الجزاء، ولو قدم
الشرط وقال إن دخلت الدار فأنت طالق غدا يتعلق طلاق الغد بالدخول ا ه‍. وبه علم أن
التقييد بالوقت إنما يصح إذا لم يأت بعده تعليق لتعارض الإضافة والتعليق فيترجح المتأخر.
قوله: (ونية العصر تصح في الثاني) أي نية آخر النهار تصح مع ذكر كلمة في ولا
تصح عند حذفها قضاء عند أبي حنيفة. وقالا: لا تصح في الثاني كالأول والفرق له عموم
متعلقها بدخولها مقدرة لا ملفوظة لغة للفرق بين صمت سنة وفي سنة لغة، وكذا شرعا فيما
لو حلف ليصومن عمره فإنه يتناول جميع عمره حتى لا يبر في يمينه إلا بصوم جميع العمر.
ولو قال لأصومن في عمري فإنه يتناول ساعة من عمره حتى لو صام ساعة بر في يمينه كما
في المعراج، فنية جزء من الزمان مع ذكرها نية الحقيقة لأن ذلك الجزء من أفراد المتواطئ ومع
حذفها نية تخصيص العام فلا يصدق قضاء، وإنما يتعين أول أجزائه مع عدمها لعدم المزاحم.
وجعلهم لفظة غد عاما مع كونه نكرة في الاثبات لتنزيل الاجزاء منزلة الافراد وكان
يكفيهم أن يقال إنه خلاف الظاهر وفيه تخفيف على نفسه. وهذا بخلاف ما لا يتجزى الزمان
في حقه فإنه لا فرق فيه بين الحذف والاثبات كصمت يوم الجمعة وفي يوم الجمعة. قيدنا
بكونه قضاء لأنه يصدق ديانة فيهما اتفاقا واليوم والشهر ووقت العصر كالغد فيهما. ومثل
قوله في غد قوله في شعبان مثلا فإذا قال أنت طالق في شعبان فإن لم تكن له نية طلقت
حين تغيب الشمس من آخر يوم من رجب، وإن نوى آخر يوم من شعبان فهو على الخلاف،
ومما تفرع على حذف في وإثباتها لو قال أنت طالق كل يوم يقع واحدة عند الثلاثة. وقال
زفر: تقع ثلاث في ثلاثة أيام. ولو قال في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة إجماعا
كما لو قال عند كل يوم أو كلما مضى يوم. والفرق لنا أن في للظرف والزمان إنما هو
ظرف من حيث الوقوع فيلزم من كل يوم فيه وقوع تعدد الواقع بخلاف كون كل يوم فيه
الاتصاف بالواقع، فلو نوى أن تطلق كل يوم تطليقة أخرى صحت نيته. وفي الخلاصة:
أنت طالق مع كل يوم تطليقة فإنها تطلق ثلاثا ساعة حلف. وفي التتمة: أنت طالق رأس كل
شهر تطلق ثلاثا في رأس كل شهر واحدة، ولو قال أنت طالق رأس كل شهر طلقت
واحدة لأن في الأول بينهما فصل في الوقوع ولا كذلك في الثاني، ولو قال أنت طالق
كل جمعة فإن كانت نيته على كل يوم جمعة فهي طالق في كل يوم جمعة حتى تبين بثلاث،
وإن كانت نيته على كل جمعة تمر بأيامها على الدهر فهي طالق واحدة، وإن لم يكن له نية

467
فهي واحدة ا ه‍. وفي المحيط: لو قال أنت علي كظهر أمي كل يوم كان ظهارا واحدا فلا
يقربها ليلا ولا نهارا حتى يكفر كما لو قال أنت طالق كل يوم، ولو قال في كل يوم كان
مظاهرا في كل يوم لأنه أفرد كل يوم بالظهار، فإذا جاء الليل بطل الظهار وعاد من الغد لأن
الظهار يتوقت فإذا مضى الوقت بطل الظهار. وإن كفر في كل يوم فله أن يقربها في ذلك
اليوم لأن الظهار قد ارتفع بالتكفير وعاد من الغد، ولو قال أنت علي كظهر أمي اليوم وكلما
جاء يوم كان مظاهرا اليوم فإذا جاء الليل بطل، وله أن يقربها ليلا لأنه وقته باليوم فإذا جاء
الغد صار مظاهرا ولا يقربها ليلا ولا نهارا حتى يكفر، وكذلك في كل يوم هو مظاهر ظهارا
مستقبلا عند طلوع الفجر لا يبطله إلا كفارة على حدة لأنه ذكره بكلمة كلما فينعقد كل يوم
ظهار على حدة وهو مرسل فيقع مؤبدا ا ه‍.
وفي البزازية: ويدخل في قوله لا أكلمه كل يوم الليلة حتى لو كلمه في الليل فهو
كالكلام بالنهار كما في قوله أيام هذه الجمعة، وفي قوله في كل يوم لا تدخل الليلة حتى لو
كلمه في الليل لا يحنث لا يكلمه اليوم وغدا وبعد غد فهذا على كلام واحد ليلا كان أو
نهارا. ولو قال في اليوم وفي غد وفي بعد غد لا يحنث حتى يكلم في كل يوم سماه ولو
كلمه ليلا لا يحنث في يمينه ا ه‍. ومما يدخل تحت هذا الأصل ما عن أبي حنيفة: لو استأجره
ليخبز له كذا من الدقيق اليوم فسدت لجهالة المعقود عليه من كونه العمل أو المنفعة، ولو قال
في اليوم لا تفسد لأنه للظرف لا لتقدير المدة فكان المعقود عليه العمل فقط. ذكره الشارح
في الإجارات. وفي التلويح: ومما خرج عن هذا الأصل مروى إبراهيم عن محمد أنه إذا
قال أمرك بيدك رمضان أو في رمضان فهما سواء وكذا غدا أو في غد ويكون الامر بيدها
في رمضان أو في الغد كله ا ه‍. يعني فلم يتعين الجزء الأول هنا وهذه رواية ضعيفة عن
محمد لما في المحيط من باب الأمر باليد: وعن محمد لو قال أمرك بيدك اليوم فهو على اليوم

468
كله، ولو قال في هذا اليوم فهو على مجلسها وهو صحيح موافق لقوله أنت
طالق غدا أو أنت طالق في الغد ا ه‍ ما في المحيط. وجزم به في البزازية فلم يخرج عن هذا الأصل. وعلى
تلك الرواية فالفرق أن الطلاق مما لا يمتد بخلاف الامر باليد. وفي الصيرفية: قال لها إن
طلقتك غدا فأنت طالق ثلاثا في هذا اليوم ينبغي أن تطلق ثلاثا للحال لأن الثلاث في اليوم
لا تصلح جزءا للطلاق في الغد ا ه‍. وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد امرأته طالق وعبده
حر غدا أو وسط غد أوقعا فيه لاضافتهما إليه. قال امرأته طالق اليوم وعبده حر غدا كان
كما قال، ولو ذكر غدا متقدما يتأخر العتق على الأصح، ولو استثنى في آخره انصرف إلى
الكل ا ه‍. ذكره في باب الحنث يقع بأمرين أو بأمر واحد. وفي الخانية: طلق امرأتي غدا
فقال لها الوكيل أنت طالق غدا كان باطلا.
قوله: (وفي اليوم غدا أو غدا اليوم يعتبر الأول) أي يقع الطلاق في أول الوقتين تفوه
به عند عدم النية، أما الأول فلانه نجزه فلا يقع متأخرا إلى وقت في المستقبل ولا يعتبر
لإضافة أخرى لأنه لا حاجة إليه لأنها إذا طلقت اليوم كانت غدا كذلك، وأما الثاني فلانه
وقع مضافا بعده فلا يكون منجزا بعده بل لو اعتبر كان تطليقا آخر، وإنما وصفها بواحدة
فلزم إلغاء الثاني ضرورة، ولا يمكن جعله نسخا للأول لأن النسخ إنما يكون بكلام مستيد
متراخ وهو منتف. قيد بقوله اليوم غدا لأنه إذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لا تطلق.
إلا بطلوع الفجر فتوقف المنجز لاتصاله بغير الأول بالآخر، وقد جعلوا الشرط مغيرا للأول
دون الإضافة وقد طولبوا بالفرق بينهما، وما ذكروا من أن اليوم في الشرط لبيان وقت
التعليق لا لبيان وقت الوقوع وفي الإضافة لبيان وقت الوقوع لا يفيد فرقا. ولو قال أنت
طالق اليوم وإذا جاء غد طلقت واحدة للحال وأخرى في الغد لأن المجئ شرط معطوف
على الايقاع والمعطوف غير المعطوف عليه والموقع للحال لا يكون متعلقا بشرط فلا بد وأن
يكون المتعلق تطليقة أخرى. كذا في المحيط. وفي البزازية: أنت طالق الساعة وغدا أخرى

469
بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بنصف الألف والأخرى غدا بغير شئ، وإن تزوجها قبل
مجئ الغد ثم جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة أخرى ا ه‍. وذكر الواو في المسألة الأولى وعدم
ذكرها سواء حتى لو قال أنت طالق اليوم وغدا أو أول النهار وآخره لا يقع عليه إلا واحدة
إلا إذا نوى أخرى فيتعدد، وفي المسألة الثانية بينهما فرق فإنه لو قال أنت طالق اليوم وغدا
وقعت واحدة، ولو قال أنت طالق غدا واليوم وقعت ثنتان للمغابرة بين المعطوف والمعطوف
عليه عند الاحتياج، وهو في الثانية دون الأولى. وكذا لو قال أمس واليوم فهي ثنتان لأن
الواقع في اليوم لا يكون واقعا في الأمس فاقتضى أخرى، ولو قال اليوم وأمس فهي واحدة
مثل قوله اليوم وغدا. كذا في المحيط. فيه: لو قال أنت طالق غدا واليوم وبعد غد والمرأة
مدخول بها يقع ثلاثا خلافا لزفر. وفي الخانية: أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت اثنتان في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقيدنا بعدم النية لأنه لو نوى في الأولى أن يقع عليها اليوم
واحدة وغدا واحدة صح ووقعت ثنتان. ولو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد تقع واحدة
بلا نية، فإن نوى ثلاثا متفرقة على ثلاثة أيام وقعن كذلك. واستفيد من المسألتين أنه لو قال
بالنهار أنت طالق بالليل والنهار يقع عليه تطليقتان، ولو قال بالنهار والليل تقع واحدة، ولو
كان بالليل انعكس الحكم. كذا في التنقيح للمحبوبي. وعلى هذا فما ذكره الشارح من أنه لو
قال أنت طالق آخر النهار وأوله تطلق ثنتين، ولو قال أنت طالق أول النهار وآخره تطلق
واحدة مقيد بما إذا كانت هذه المقالة في أول النهار، فلو كانت في آخر النهار انعكس
الحكم. وفي المحيط: الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى وقتين مستقبلين نزل في أولهما
ليصير واقعا فيهما، وإن كان أحد الوقتين كائنا والآخر مستقبلا وبينهما حرف العطف، فإن
بدأ بالكائن وقع طلاق واحد في أولهما، وإن بدأ بالمستقبل وقع طلاقان ا ه‍.
وفي الظهيرية: قال لها أنت طالق ما خلا اليوم طلقت للحال ا ه‍. وفي تلخيص
الجامع: لو قال لها أنت طالق طلاقا لا يقع إلا غدا أو طلاقا لا يقع إلا في دخولك الدار
وقع للحال، ولا يتقيد بالدخول ولا بالغد لأنه وصفه بما لا يصلح وصفا له إذ لا يصلح أن
يكون الطلاق واقعا في غد فقط أو في دخولها فقط. وهذا بخلاف قوله أنت طالق تطليقة لا
تقع عليك إلا بائنا حيث تقع عليها واحدة بائنة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عند محمد لا

470
يلحق الوصف. وفي المحيط: الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى أحد الوقتين وقع عند
آخرهما كقوله أنت طالق غدا أو رأس الشهر يقع عند رأس الشهر، وكذا اليوم أو غدا يقع
عند الغد. وإن علقه بفعلين يقع عند آخرهما نحو إذا جاء فلان وفلان فلا يقع عند إلا
مجيئهما، وإن علق بأحد الفعلين يقع عند أولهما نحو إذا جاء فلان أو جاء فلان فأيهما جاء
طلقت، وإن علقه بالفعل والوقت يقع بكل واحدة تطليقة، وإن علقه بفعل أو وقت فإن
سبق الفعل وقع ولم ينتظر الوقت، وإن سبق الوقت لم يقع حتى يوجد الفعل وتمامه فيه. وفي
التلخيص: لو قال طالق اليوم ورأس الشهر اتحد الواقع في الأصح بخلاف التخيير لأن
الأول انتهى بالغروب كالظهار إذ الوقت كالمجلس فقدر الصدر معادا حذار اللغو كذا يوما
ويوما لا لأن لا لغو إلا أن يزيد أبدا ترجيحا للتعديد على النفي بالعرف عكس الأول فيقع
ثلاثا آخرهن في الخامس. وفي نسخة السادس بدأ من الثاني إذا أضاف إلى أحد الوقتين،
والأظهر البداءة من الأول في الصورة الثانية كما لو لم يزد وله النية إلا أن يتهم فترد قضاء
ا ه‍. وتوضيحه في شرحه. وفي الجامع للصدر الشهيد: المعلق بشرطين ينزل عند آخرهما

471
وبأحدهما عند الأول والمضاف بالعكس. قال أنت طالق غدا وبعده يقع غدا وبعده في أو
قال أنت طالق إذا جاء زيد وعمرو يقع عند آخرهما وبأ وعند الأول. قال إن دخل هذه
فعبده حر أو إن كملهن فامرأته طالق أيهما وجد شرطها نزل جزاؤها وتبطل الأخرى، وإن
وجدا معا يتخير ولا يتخير قبله. قال أنت طالق غدا أو عبده حر بعده ينزل أحدهما بعده
ويتخير. قال أنت طالق إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه أو أوسط الجزاء يتعلق بأحدهما
ولا يتعدد وإن أخره فيهما، وكذا إن لم يعد حرف الشرط قدم أو وسط أو أخر. ذكره في
الايمان. وفي الخانية: أنت طالق غدا إن شئت كانت المشيئة إليها في الغد، ولو قال لها إن
شئت فأنت طالق غدا كانت المشيئة للحال عند محمد. وقال أبو يوسف: المشيئة إليها
في الغد في الفصلين. وقال زفر: المشيئة إليها للحال في الفصلين وهو قول أبي حنيفة ا ه‍.
قوله: (أنت طالق قبل أن أتزوجك أو أمس ونكحها اليوم لغو) بيان للمضاف إلى زمن
ماض بعد بيان المستقبل لأنه أسنده إلى حالة منافية فصار كقوله طلقتك وأنا صبي أو نائم أو
مجنون وكان جنونه معهودا وإلا طلقت للحال. قيد بالطلاق لأنه لو قال لعبده أنت حر قبل
أن اشتريك أو أنت حر أمس وقد اشتراه اليوم عتق عليه لاقراره له بالحرية قبل ملكه كما لو
أقر بعتق عبد ثم اشتراه. ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يزيد على قوله قبل أن أتزوجك
بشهر أو لا كما في المحيط. وقيد بكونه لم يعلقه بالتزوج لأنه لو علقه بالتزوج فلا يخلو إما
أن يقدم الجزاء أو يؤخره. فإن قدمه فله صورتان: إحداهما أن يجعل القبلية متوسطة كقوله
أنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجت بك، والثانية أن يؤخرها كقوله أنت طالق إذا
تزوجتك قبل أن أتزوجك وفيهما يقع الطلاق عند وجود التزوج اتفاقا وتلغو القبلية لأنه في
الصورة الثانية تم الشرط والجزاء فصح التعليق، وبقوله قبل أن أتزوجك قصد إبطاله لأنه
أثبت وصفا للجزاء لا يليق به وأنه لا يمكن فيلغى. وأما في الصورة الأولى فالتعليق المتأخر
ناسخ للإضافة قبله فصار كما لو قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار إن دخلتيها تعلق
بدخولها ولغا قوله قبل أن تدخلي. وإن أخر الجزاء بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق قبل أن
أتزوجك لم يقع عندهما خلافا لأبي يوسف، لأن ذكر الفاء رجح جهة الشرطية والمعلق
بالشرط كالمنجز عند وجوده فصار كأنه قال بعد التزوج أنت طالق قبل أن أتزوجك.
والحاصل أن أبا يوسف لم يفرق بين تقديم الشرط وتأخيره وهما فرقا. وفي شرح تلخيص

472
الجامع لا يقال بأن قوله قبل أن أتزوجك كلام لغو وقد فصل بين الشرط والمشروط فوجب
أن لا يتعلق الطلاق بالتزوج لأنا نقول: لا نسلم أنه لغو بل تصريح بما انتظمه صدر الكلام
لأنه يقتضي كونه إيقاعا في الحال إدخال وجود القول منه بوصف بكونه قبل التزوج فصار
كما لو قال لمنكوحته أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار، أو أنت طالق قبل أن تدخلي الدار
إن دخلت الدار لأن قوله الساعة وقبل أن تدخلي تصريح بما اقتضاه صدر الكلام على أنه لو
جعل هناك فاصلا يتنجز، وهنا لو جعل قبل أن تزوجك فاصلا يلغو فكان أولى باعتبار كونه
غير فاصل تصحيحا لكلام العاقل اه‍. وفي المحيط: إن تزوجت فلانة بعد فلانة فهما
طالقتان فتزوجهما كما قال طلقتا لأنه أضاف الطلاق إلى تزوجهما لأن قوله
بعد فلانة أي بعد تزوج فلانة فصار تزوج فلانة مذكورا ضرورة وقد تزوجهما كما شرط فوجد الشرط
فنزل الطلاق. وإن قال إن تزوجت فلانة قبل فلانة فهما طالقتان فتزوج الأولى طلقت لأن
الشرط في حقها قد وجد وهو القبلية لأن وصف الشئ بالقبلية لا يقتضي وجود ما بعده،
وإن تزوج الثانية طلقت أيضا. وقيل: ينبغي أن لا تطلق. ولو قال إن تزوجت زينب قبل
عمرة بشهر فهما طالقتان فتزوج زينب ثم عمرة بعدها بشهر طلقت زينب للحال لوجود
الشرط ولا يستند كما لو قال أنت طالق قبل قدوم فلانة بشهر ولا تطلق عمرة لأنه أضاف
طلاق عمرة إلى شهر قبل تزوجها. ولو قال إن تزوجت زينب قبيل عمرة فتزوج زينب وحدها
لا تطلق لأن قبيل عبارة عن ساعة لطيفة يتصل به ما ذكر عقيبه وذلك لا يعرف إلا بالتزويج
بعمرة كما لو قال أنت طالق قبيل الليل لا تطلق إلا عند غروب الشمس، فلو قال قبل الليل
تطلق للحال، فإن تزوج عمرة بعد ذلك طلقت زينب لا عمرة، وإن طال ما بين التزوجين لم
تطلق إحداهما ا ه‍.
قوله: (وإن نكحها قبل أمس وقع الآن) لأنه أسنده إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه
إخبارا أيضا فكان إنشاء، والانشاء في الماضي انشاء في الحال فيقع الساعة. وعلى هذه النكتة
حكم بعض المتأخرين من مشايخنا في مسألة الدور المنقولة عن متأخري الشافعي بالوقوع وهي
إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا. وحكم أكثرهم بأنها لا تطلق بتنجيز طلاقها لأنه لو تنجز
وقع المعلق قبله ثلاثا ووقوع الثلاث سابقا على التنجيز يمنع المنجز بوقوع المنجز والمعلق لأن
الايقاع في الماضي إيقاع في الحال. ونقول أيضا: إن هذا تغيير لحكم اللغة لأن الأجزئة تنزل
بعد الشرط أو معه لا قبله ولحكم العقل أيضا لأن مدخول أداة الشرط سبب والجزاء مسبب
عنه، ولا يعقل تقدم المسبب على السبب فكان قوله قبله لغوا البتة فيبقى الطلاق جزاء

473
للشرط غير مقيد بالقبلية ولحكم الشرع لأن النصوص ناطقة بشرعية الطلاق، وهذا يؤدي إلى
رفعها فيتفرع في المسألة المذكورة وقوع ثلاث الواحدة المنجزة وثنتان من المعلقة. ولو طلقها
ثنتين وقعتا وواحدة من المعلقة أو طلقها ثلاثا يقعن فينزل الطلاق المعلق لا يصادف أهلية
فيلغو، ولو كان قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثم طلقها واحدة وقعت ثنتان المنجزة
والمعلقة، وقس على ذلك. كذا في فتح القدير وفيه نظر، لأنه ينتقض بقوله تعالى * (وما بكم
من نعمة فمن الله) * (النحل: 53) فإن الأول استقرار النعمة بالمخاطبين، والثاني كونها من الله
عز وجل وليس الأول سببا للثاني بل الأول فرع للثاني. وقال الرضى: لا يلزم مع الفاء أن
يكون الأول سببا للثاني بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها كما في جميع
صور الشرط والجزاء، ففي قوله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله كون النعمة منه لازم
حصولها معنى، ولا يغرنك قول بعضهم إن الشرط سبب في الجزاء اه‍. وتمامه في شرح
المغني للدماميني من بحث ما من المبحث الأول. وحينئذ فلا يلغو قوله قبله لعدم المنافاة
ولا يضر رفع شرعية الطلاق على واحد اختار لنفسه ذلك فألزم نفسه به كما لو قال كلما
تزوجت امرأة فهي طالق فإنه صحيح عندنا وإن كان فيه سد باب النكاح المشروع. وفي القنية
من آخر كتاب الايمان: قال لها كلما وقع عليك طلاقي فأنت قبله طالق ثلاثا ثم طلقها بعد

474
ذلك ثلاثا يقعن، وهذا طلاق الدور وأنه لا يقع عند الشافعي. قال الغزالي في وجيزه: إذا
قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا يحسم باب الطلاق على أظهر الوجهين. وقيل: إذا نجز
واحدة تقع تلك الواحدة وقيل تقع الثلاث إن كان بعد الدخول، ثم قال الغزالي: إن وطئت
وطأ مباحا فأنت طالق قبله فوطئ فلا خلاف أنها لا تطلق ا ه‍. والأصح عند الشافعية ما
صححه الشيخان من وقوع المنجزة دون المعلقة كما في شرح التنبيه وفيه: لو قال لزوجته متى
دخلت الدار وأتت زوجتي فعبدي حر قبله ومتى دخلها وهو عبدي فأنت طالق قبله ثلاثا
فدخلا معا لم يعتق العبد ولم تطلق الزوجة للزوم الدور لأنهما لو حصلا لحصلا معا قبل
دخولهما، ولو كان كذلك لم يكن العبد عبده وقت الدخول ولا المرأة زوجته وقتئذ فلا تكون
الصفة المعلق عليها حاصلة، ولا يتأتى في هذا القول بطلان الدور إذ ليس فيها سد باب
التصرف. ولو دخلا مرتبا وقع المعلق على المسبوق دون السابق، فلو دخلت المرأة أولا ثم
العبد عتق ولم تطلق هي لأنه حين دخل لم يكن عبدا له فلم تحصل صفة طلاقها، وإن دخل

475
العبد أولا ثم المرأة طلقت ولم يعتق العبد وإن لم يذكر في تعليقه المذكور لفظة قبل في
الظرفين ودخلا معا عتق وطلقت، وإن دخلا مرتبا فكما سبق ا ه‍. وفيه: لو قال إن
ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت النكاح بعيب فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد
المعلق به صح ولغا تعليق الطلاق لاستحالة وقوعه ا ه‍.
قوله: (أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت)
بيان لما إذا أضاف إلى مطلق الوقت. وذكرهم أن وإذا هنا بالتبعية وإلا فالمناسب لهما
التعليق لا الإضافة. وإنما طلقت بالسكوت لأن متى ظرف زمان وكذا ما تكون مصدرية
نائبة عن ظرف الزمان كما في قوله تعالى * (ما دمت حيا) * (مريم: 31) أي مدة دوام حياتي
أو مدة دوامي حيا. وهي وإن استعملت للشرط لكن اتفق العلماء على أنها هنا للوقت، ولذا
نقل في فتح القدير اتفاق العلماء على وقوع الطلاق بالسكوت فصار حاصل المعنى إضافة
طلاقها إلى زمان خال من طلاقها وهو حاصل بسكوته. قيد بقوله وسكت لأنه لو قال

476
موصلا أنت طالق بر كما سيأتي. ومثل متى حين وزمان وحيث ويوم، فلو قال حين لم
أطلقك ولا نية له فهي طالق حين سكت، وكذا زمان لم أطلقك وحيث لم أطلقك ويوم لم
أطلقك إذا كان بلم الجازمة فلو كان بلا النافية نحو زمان لا أطلقك أو حين لا أطلقك
بحرف لا النافية لم تطلق حتى تمضي ستة أشهر. والفرق بين الحرفين أن لم تقلب المضارع
ماضيا مع النفي وقد وجد زمان لم يطلقها فيه فوقع، وكلمة لا للاستقبال غالبا فإن لم يكن
له نية لا يقع في الحال. وإنما يراد بحين ستة أشهر لأنه أوسط استعمالاته من الساعة
والأربعين سنة وستة أشهر في قوله تعالى * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) *
(الروم: 17) * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * (الدهر: 1) * (تؤتى أكلها كل حين
بإذن ربها) * (إبراهيم: 25) والزمان كالحين لأنهما سواء في الاستعمال. ولو قال يوم لا
أطلقك لم تطلق حتى يمضي يوم الكل من المحيط. وأما حيث فهي للمكان وكم مكان لم
يطلقها فيه. كذا في فتح القدير. فكأنه قال أنت طالق في مكان لم أطلقك فيه. وذكر في
المغني أن الأخفش جعلها للزمان أيضا فلا إشكال. وقيد بما ذكر لأنه لو قال كلما لم أطلقك
فأنت طالق وسكت يقع الثلاث متتابعا لا جملة لأنها تقتضي عموم الانفراد لا عموم
الاجتماع، فإن لم تكن مدخولا بها بانت بواحدة فقط. وقيد بمطلق الوقت لأنه لو قيده مع
العدم كأن قال إن لم تدخلي الدار سنة فأنت طالق فمضت السنة قبل الدخول طلقت كما في
الايلاء. كذا في البدائع.
قوله: (وفي إن لم أطلقك أو إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لا حتى يموت أحدهما)
أي لا يقع الطلاق إلا بموت أحدهما قبل التطليق عند عدم النية ودلالة الفور لأن الشرط أن
لا يطلقها وذلك لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة وهو في آخر جزء من أجزاء الحياة. أما في
موته فظاهر ولم يقدره المتقدمون بل قالوا: تطلق قبيل موته، فإن كانت مدخولا بها ورثته
بحكم الفرار وإن كان الطلاق ثلاثا وإلا لا ترثه. وأشار بقوله بموت أحدهما أن موتها
كموته. وصححه في الهداية، ولا يرد عليه ما لو قال إن لم أدخل الدار فأنت طالق حيث
يقع بموته لا بموتها لأنه يمكنه الدخول بعد موتها فلا يتحقق اليأس بموتها فلا يقع الطلاق،
أما الطلاق فإنه يتحقق اليأس عنه بموتها لعدم المحلية، وإذا حكمنا بوقوعه قبيل موتها لا
يرث منها الزوج لأنها بانت قبيل الموت فلم يبق بينهما زوجية حال الموت. إنما حكمنا
بالبينونة وإن كان المعلق صريحا لانتفاء العدة كغير المدخول بها لأن الفرض أن الوقوع في آخر
جزء لا يتجزى فلم يله إلا الموت وبه تبين، ولذا جعل المصنف الوقوع بالموت وإن كان قبيله
وقد ظهر أن عدم إرثه منها مطلق، سواء كانت مدخولا بها أو لا، ثلاثا أو واحدة، وبه تبين
أن تقييد الشارح عدمه بعدم الدخول أو الثلاث غير صحيح، وتسوية المصنف بين إن و

477
إذا مذهب أبي حنيفة فهي عنده إذا جوزي بها حرف لمجرد الشرط لأن مجرده ربط خاص
وهو من معاني الحروف، وقد تكون الكلمة حرفا أو اسما، فلما كانت للشرط والوقت لم يقع
الطلاق للحال بالشك، وعندهما كمتى للوقت. وحاصله أن الإمام بنى مذهبه على إن إذا
تخرج عن الظرفية وتكون لمحض الشرط وهو قول بعض النحاة كما ذكره في المغني لكن ذكر
أن الجمهور على أنها للظرفية متضمنة معنى الشرطية وأنها لا تخرج عن الظرفية وهو مرجح
لقولهما هنا، وقدر حجه في فتح القدير. ولا يرد على أبي حنيفة أنت طالق إذا شئت حيث
وافقهما أنها كمتى فلا يخرج الامر من يدها ولو كانت ك‍ " إن لخرج الامر من يدها الشك
الخروج بعد تحقق الدخول. واعترض عليه بأن وقوع الشك في الشرطية والظرفية يوجب
وقوعه في الحل والحرمة في الحال فكان ينبغي أن تحرم تقديما للمحرم كما قالا. وأجيب بأن
الشك لا يوجب شيئا إنما ذلك مع تعارض دليل الحرمة مع دليل الحل فالاحتياط العمل
بدليل الحرمة، أما هنا لو اعتبرنا الحرمة لم نعمل بدليل بل بالشك. وقيدنا بعدم النية لأنه لو
نوى به إذا معنى متى صدق اتفاقا قضاء وديانة لتشديده على نفسه، وكذا إذا نوى به إذا
معنى إن على قولهما. وينبغي أن يصدق عندهما ديانة فقط لأنها عندهما ظاهرة في الظرفية
والشرطية احتمال فلا يصدقه القاضي. وقيدنا بعدم دلالة الفور لأنه لو قامت دلالة عليه
عمل بها، ولذا قال في القنية: لو قالت له طلقني فقال إن لم أطلقك يقع على الفور. وقد زاد
هذا القيد في المبتغى بالمعجمة فقال: لو قال لها إن لم تخبريني بكذا فأنت طالق فهو على الأبد
إن لم يكن ثمة ما يدل على الفور ا ه‍. وتبعه عليه في فتح القدير وقال: إنه قيد حسن. ومن
ثم قالوا: لو أراد أن يجامع امرأته فلم تطاوعه فقال إن لم تدخلي البيت معي فأنت طالق
فدخلت بعد ما سكتت شهوته طلقت لأن مقصوده في الدخول كان قضاء الشهوة وقد فات.
وفي الولوالجية: البول لا يقطع الفور والصلاة إذا خاف خروج وقتها كذلك. وهو قول
الحسن بن زياد وبه يفتى. وقال نصير: الصلاة تقطع الفور. وستأتي مسائل الفور في آخر
باب اليمين على الخروج والدخول إن شاء الله تعالى. ومما يناسب مسألة أن الصلاة لا تقطع
الفور ما في الفتاوى الصيرفية: حلف بالطلاق ليصلين الظهر في مسجده فذهب إلى موضع
لو يجئ تفوته الصلاة وإلا لا قال: يصليها في وقته وتطلق. ثم رقم بعلامة ب د أن هذا في
الواحدة، أما في الثلاث فيصلي في مسجده ا ه‍. وقيد باقتصاره في التعليق على عدم التطليق
لأنه لو قال إذا طلقتك فأنت طالق وإذا لم أطلقك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق وقع عليها
طلاقان، لأنه لما مات قبل التطليق حنث في اليمين الثانية فيقع عليها طلاق، وهذا الطلاق

478
يصلح شرطا في اليمين الأولى فحنث في اليمينين. ولو قلب فقال إذا لم أطلقك فأنت طالق
وإذا طلقتك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق وقعت واحدة بسبب اليمين الأولى ولا يصلح
شرطا للثانية لأنه وقع بكلام وجد قبل اليمين الثانية، والشروط تراعى في المستقبل لا
الماضي، كذا ذكره في المنتفى ولم يحك فيه خلافا. وقال قاضيخان في شرحه: وعلى قياس
قولهما ينبغي أن لا ينتظر الموت بل كما سكت حنث ا ه‍.
وقيد بكون الشرط عدم التطليق لأن الشرط لو كان التطليق بأن قال إن طلقتك فأنت
طالق فآلى منها فمضت المدة وقع عليها طلاقان، لأن الايلاء تطليق بعد المدة ولو عنينا ففرق
بينهما لم يقع على الأصح، والفرق أن في الايلاء وقع الطلاق بقوله حقيقة، وفي العنين لا
وإنما جعل مطلقا شرعا. كذا في المحيط. وفي اللعان لا يحنث عند أبي يوسف، وعندهما
يحنث، وفي الخلع يحنث. وفي خلع الفضولي، إن أجاز بالقول يحنث وبالفعل لا يحنث.
وقال الفقيه أبو الليث: لا يحنث في الايلاء. كذا في المبتغى. ولو علق ووجد الشرط، فإن
كان التعليق قبل اليمين لا يحنث وإلا حنث. لو طلق الوكيل أو أعتق حنث، سواء كان
التوكيل قبل اليمين أو بعده، وكذا لو قال أعتق نفسك وطلقي نفسك. كذا في المحيط وفيه:
لو قال لها كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فطلقها واحدة وقع الثلاث لأنه جعل شرط
الحنث وقوع الطلاق عليها وقد وقع الطلاق عليها مرتين بعد اليمين مرة بالتطليق ومرة
بالحنث فوقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما توجب تكرار الجزاء بتكرار الشرط. ولو قال
كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها يقع ثنتان لأنه جعل شرط الحنث تطليقها ولم يوجد إلا مرة
واحدة فوقعت واحدة بالايقاع وأخرى بالحنث وبقيت اليمين منعقدة لأنها عقدت بحرف
التكرار ا ه‍. وفي شرح التلخيص من باب الطلاق بحنث أم بغير حنث: لو قال إن طلقت
زينب فعمرة طالق، وإن طلقت عمرة فحمادة طالق، وإن طلقت حمادة فزينب طالق فطلقت
الأولى لم تطلق الأخرى إذ الوسطى طلقت بلفظ سبق يمين الأخرى والشرط آت لا ماض،
وكذا لو طلق الوسطى لم تطلق الأولى إذ الأخرى طلقت بلفظ سبق يمين الأولى كما في
المحيط بخلاف إن وقع طلاقي إذ الشرط الوقوع وقد تأخر وزانه أن أوقفت أو لفظت وإن
طلق الأخرى تطلق الوسطى لتأخر طلاق الأولى عن يمين الوسطى. ولو كان قال إن طلقت
حمادة فبشيرة، وإن طلقت بشيرة فزينب، وطلق حمادة تطلق بشيرة، وإن طلق بشيرة طلقن إلا
حمادة والحرف ما مر، ولهذا لو جعل زينب جزاء لعمرة ثم عكس تطلق زينب مثنى إن طلقها
وفردا إن طلق عمرة. وإن طلق إحداهن ومات قبل الدخول والبيان ففي الثلاث لعمرة

479
نصف مهر بلا إرث في الطلاق قطعا ولهما مهر وربع إذ تطلق فرد في حال وفرد جزما وفي
الأربع لعمرة خمسة أثمان مهرها لأنها تطلق في حال دون حال، وللباقيات مهران وربع
اعتبارا للحال في فرد بعد إفراد فرد للطلاق وأخرى للنكاح لا في كل فرد كزعم عيسى،
وأن يراد به ربعا إذ لا حاجة مع الجزم، ولعمرة ثمن إرث إن طلقت في أحوال وزاحمت في
حال، ولحمادة ثلاثة أثمان اعتبارا للحال في نصف لم تنازعها الأولى وفي نصف نازعت،
ولان لها الكل في حال دون أحوال والنصف في حال دون أحوال فأخذت ربعها والباقي
للأخيرتين ا ه‍. وتوضيحه في شرح الفارسي. وحاصله في النساء الثلاث أنه إن طلق زينب
طلقت عمرة فقط وإن طلق عمرة طلقت حمادة فقط، وإن طلق حمادة طلقت زينب وعمرة.
وفي التلخيص أيضا من الايمان باب الحنث بالحلف: لو حلف لا يحلف حنث بالتعليق
لوجود الركن دون الإضافة لعدمه إلا أن يعلق بأعمال القلب أو بمجئ الشهر في ذوات

480
الأشهر لأنه يستعمل في التمليك أو بيان وقت السنة فلا يتمحض للتعليق، ولهذا لم يحنث
بتعليق الطلاق بالتطليق لاحتمال حكاية الواقع، ولا بأن أديت فأنت حر وإن عجزت فأنت
رقيق لأنه تفسير الكتابة، ولا بأن حضت حيضة أو عشرين حيضة لاحتمال تفسير السنة،
ولا يلزم إن حضت لأنه لا يصلح تفسيرا للبدعي لتنوعه وتعذر التعيين فتمحض تعليقا، ولا
إن طلعت الشمس لأن الحمل والمنع ثمرة فتم الركن دونها ا ه‍. فالمستثنى من قولهم حنث
بالتعليق ست مسائل فلتحفظ.
قوله: (أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق طلقت هذه الطلقة) تصريح بما فهم من
قوله وسكت ومراده أنها تطلق المنجزة لا المعلقة استحسانا، ولا يعتبر زمان الاشتغال
بالمنجزة سكوتا لأن زمن البر مستثنى بدلالة حال الحلف لأنها إنما تنعقد للبر فهو المقصود
بها ولا يمكن إلا بجعل هذا القدر مستثنى فهو نظير من حلف لا يسكن هذه الدار وهو
ساكنها فاشتغل بالنقلة من ساعته بر. وفائدة وقوع المنجزة دون المعلقة أن المعلق لو كان
ثلاثا وقعت واحدة بالمنجز فقط إذا كان موصولا، فلو كان مفصولا وقع المنجز والمعلق.
وفي المحيط: لو قال لامرأته إن لم أطلقك اليوم ثلاثا فأنت طالق ثلاثا فحيلته أن يقول لها
أنت طالق ثلاثا على ألف درهم فلم تقبل المرأة، فإن مضى اليوم تقع الثلاث في قياس
ظاهر الرواية لأنه تحقق شرط الحنث وهو عدم التطليق لأنه أتى بالتعليق والتعليق غير
التطليق، وروي عن أبي حنيفة أنها لا تطلق وعليه الفتوى لأنه أتى بالتطليق لأن هذا تطليق
مقيد لأنه تطليق بعوض، والمعاوضة ليست بتعليق حقيقة، والمقيد يدخل تحت المطلق فينعدم
شرط الحنث ا ه‍.
قوله: (أنت كذا يوم أتزوجك فنكحها ليلا حنث بخلاف الامر باليد) يعني بخلاف ما
إذا قال لها أمرك بيدك يوم يقدم زيد، فإن قدم زيد ليلا لا خيار لها أو نهارا دخل الامر في
يدها إلى الغروب. والفرق مبني على قاعدة هي أن مظروف اليوم إذا كان غير ممتد يصرف
اليوم عن حقيقته وهو بياض النهار إلى مجازه وهو مطلق الوقت لأن ضرب المدة له لغو إذ لا
يحتمله، إن كان ممتدا يكون باقيا على حقيقته. والمراد بما يمتد ما يصح ضرب المدة له كالسير
والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق، وبما لا يمتد عكسه كالطلاق والتزوج
والكلام والعتاق والدخول والخروج. والمراد بالامتداد امتداد يمكن أن يستوعب النهار لا
مطلق الامتداد لأنهم جعلوا التكلم من قبيل غير الممتد، ولا شك أن التكلم يمتد زمانا طويلا

481
لكن لا يمتد بحيث يستوعب النهار. كذا في شرح الوقاية. وقد اختلف المشايخ في التكلم
هل هو مما يمتد أو لا فجزم في الهداية بالثاني، وجزم السراج الهندي في شرح المغني بالأول
وجعل الثاني ظنا ظنه بعض المشايخ. ورجحه في فتح القدير. والحق ما في الهداية لما في
التلويح من أن امتداد الاعراض إنما هو بتجدد الأمثال كالضرب والجلوس والركوب. فما
يكون في المرة الثانية مثلها في الأولى من كل وجه جعل كالعين الممتد بخلاف الكلام فإن
المتحقق في المرة الثانية لا يكون مثله في الأولى فلا يتحقق تجدد الأمثال ا ه‍. ثم الجمهور
ومنهم المحققون أنه يعتبر في الامتداد وعدمه المظروف وهو الجواب، ومن المشايخ من تسامح
فاعتبر المضاف إليه اليوم. وحاصله أنه قد يكون المضاف إليه ومظروف اليوم مما يمتد كقوله
أمرك بيدك يوم يركب فلان، أو يكونا من غير الممتد كقوله أنت طالق يوم يقدم زيد، وفي
هذين لا يختلف الجواب إن اعتبر المضاف إليه أو المظروف. وإن كان المظروف ممتدا والمضاف
إليه غير ممتد كقوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان أو يكون المضاف إليه ممتدا والمظروف غير ممتد
نحو أنت حر يوم يركب فلان، فحينئذ يختلف الجواب مع اتفاقهم على اعتبار المظروف فيما
يختلف الجواب فيه على الاعتبارين، ففي أمرك بيدك يوم يقدم زيد فقدم ليلا لا يكون الامر
بيدها اتفاقا، وفي أنت حر يوم يركب زيد فركب ليلا عتق اتفاقا. ومن اعتبر المضاف إليه
دون المظروف إنما اعتبره فيما لا يختلف الجواب، فعلى هذا فلا خلاف في الحقيقة كما في
الكشف والتلويح وغيرهما، ولذا اعتبر في الهداية في هذا الفصل المظروف حيث قال:
والطلاق من هذا القبيل واعتبر في الايمان المضاف إليه حيث قال في قوله يوم أكلم فلانا
والكلام فيما لا يمتد به، وبه علم أن ما حكاه بعض الشارحين من الخلاف وهم وأن ما قاله
الزيلعي من أن الأوجه أن يعتبر الممتد منها وعليه مسائلهم ليس بالأوجه، وأم قاله صدر
الشريعة من أنه ينبغي أن يعتبر الممتد منهما ليس مما ينبغي، وإنما الصحيح اعتبار الجواب
فقط. وإنما اعتبر الجواب لأن المقصود بذكر الظرف إفادة وقوع الجواب فيه بخلاف المضاف
إليه فإنه وإن كان مظروفا أيضا لكن لم يقصد بذكر الظرف ذلك، بل إنما ذكر المضاف إليه
ليتعين الظرف فيتم المقصود من تعيين زمن وقوع مضمون الجواب، ولا شك أن اعتبار ما
قصد الظرف له لاستعلام المراد من الظرف أهو الحقيقي أو المجازي أولى من اعتبار ما لم

482
يقصد له في استعلام حاله. وفي التلويح: إنما اعتبر الجواب لأنه المظروف المقصود
ومظروف لفظا ومعنى والمضاف إليه ضمني معنى لا لفظا ثم قال: فإن قلت كثيرا ما يمتد
الفعل مع كون اليوم لمطلق الوقت مثل اركبوا يوم يأتيكم العدو وأحسنوا الظن بالله يوم
يأتيكم الموت وبالعكس في مثل أنت طالق يوم يصوم زيد وأنت حر يوم تكسف الشمس.
قلت: الحكم المذكور إنما هو عند الاطلاق والخلو عن الموانع ولا يمتنع مخالفته بمعونة
القرائن كما في الأمثلة المذكورة، على أنه لا امتناع في حمل اليوم في الأول على بياض النهار
ويعلم الحكم في غيره بدليل العقل وفي الثاني على مطلق الوقت ويجعل التقييد باليوم من
الإضافة كما إذا قال أنت طالق حين يصوم أو حين تنكسف الشمس ا ه‍. ثم لفظ اليوم
يطلق على بياض النهار بطريق الحقيقة اتفاقا، وعلى مطلق الوقت بطريق الحقيقة عند البعض
فيصير مشتركا، وبطريق المجاز عند الأكثر وهو الصحيح لأن حمل الكلام على المجاز أولى من
حمله على الاشتراك لما عرف في الأصول. والمشهور أن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب
الشمس، والنهار من طلوعها إلى غروبها، والليل للسواد خاصة وهو ضد النهار، فلو قال إن دخلت ليلا لم تطلق إن
دخلت نهارا لأن الليل لا يستعمل للوقت عرفا فبقي اسما لسواد الليل
وضعا وعرفا. كذا في المحيط. ولو قال في المسألة الأولى عنيت به بياض النهار صدق قضاء
لأنه نوى حقيقة كلامه فيصدق وإن كان فيه تخفيف على نفسه. كذا ذكر الشارح. وإنما لم
يقل وديانة لأن ما صدق فيه قضاء صدق فيه ديانة ولا ينعكس كما لا يخفى. ثم اعلم أن
اليوم إنما يكون لمطلق الوقت فيما لا يمتد إذا كان اليوم منكرا، أما إذا كان معرفا باللام التي

483
للعهد الحضوري فإنه يكون لبياض النهار ولذا قال في الظهيرية من الايمان: لو قال والله لا
أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد كان له أن يكلمه في الليالي، وإذا قال والله لا أكلمك
اليوم وغدا وبعد غد فهو كقوله والله لا أكلمك ثلاثة أيام تدخل فيها الليالي ا ه‍. والفرق أنه
في الأول أيمان ثلاثة لتكرار حرف لا، وفي الثاني يمين واحدة. وفي التلويح: ذكر في
الجامع الصغير بأنه لو قال أمرك بيدك اليوم وغدا دخلت الليلة. قلت: ولست مبنيا على أن
اليوم لمطلق الوقت بل على أنه بمنزلة أمرك بيدك يومين وفي مثله يستتبع اسم اليوم الليلة
بخلاف ما إذا قال أمرك بيدك اليوم وبعد غد فإن اليوم المنفرد لا يستتبع ما بإزائه من الليل
ا ه‍. ومن فروع الإضافة أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ونحوه قال في التلخيص باب ما
يقع بالوقت وما لا يقع: أنت طالق ثلاثا قبل أن أتزوجك بشهر لغو لسبقه العقد كطالق أمس

484
أو قرانه فإنه توقف للتعرف ولا شرط لفظا ليتأخر، وقبل قدوم زيد أو موته واقع إن كانا بعد
شهر للإضافة والوصف في الملك مقتصرا عندهما للتوقف مسندا عند زفر للإضافة. كذا في
العتق والإمام معهما في القدوم إذ المعرف الحظر شرط معنى بدليل إن كان علم الله قدومه
معه في الموت لأنه كائن، فلو عرف الشهر وقع بأوله كقبل الفطر فينزل قبيل الموت من أول
الشهر توسيطا بين الظهور والانشاء حتى لغا الخلع، والكتابة عنده سبق الزوال فيرد البدل إلا
أن يموت بعد العدة لفوت محل الانشاء. ولغا طالق قبل موتي بشهر عندهما لقران الموت

485
بخلاف العتق لبقاء الملك لكن من الثلث عندهما، والكل عنده، وله البيع بشرط صفة في
الموت أو غيره معه كإن مت ودفنت أو من مرضي. ولو جنى عليه في الشهر فالأرش له
لكن أرش القن إذ لا استناد في الفائت والخلف، كالأصل فيما يقبله وهو الملك لا العتق،
نظيره الجناية على الساعي في كتابة أبيه وضمان التسبيب يلحق الميت بعد إعتاق الوارث فإنه

486
يستند في حق الدين دون رد العتق بسببه، ولو بيع النصف عتق الباقي ولم يفسد البيع إذ
الاستناد عدم في حق الزائل ولم يضمن لعدم الصنع كالميراث. ولو قال قبل موت زيد
وعمرو بشهر فمات زيد قبل شهر لم يقع أبدا لفوات الوصف، وإن مات بعده وقع لتعين
الشهر وهو المتصل بأول الكائنين كقبل الفطر والأضحى بخلاف القدوم والقران مبني طعن
الرازي وهو محال فلا يراد كذا قبل أن تحيضي حيضة بشهر ورأت الدم ثلاثا، وقبل قدوم زيد
وموت عمرو وقدم لأن الباقي كائن بخلاف ما لو مات عمرو ا ه‍. وتوضيحه في شرح
الفارسي. وفي فتح القدير: ولو قال أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع حتى تموت إحداهما
فإذا ماتت طلقت الأخرى مستندا ا ه‍..
وفي المحيط: أنت طالق إلى قريب فهو إلى ما نوى لأن مدة الدنيا كلها قريبة، وإن لم
ينو فإلى أن يمضي شهر إلا يوما. وفي الذخيرة: أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف
فقبلت وقعت واحدة للحال بنصف الألف والأخرى غدا بغير شئ، وإن تزوجها قبل مجئ
الغد ثم جاء وقعت أخرى بخمسمائة. ولو قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا
أخرى بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بغير شئ، فإذا جاء الغد وقعت أخرى بألف. ولو
قال أنت طالق اليوم تطليقة بائنة وغدا أخرى بألف يقع للحال تطليقة بائنة بغير شئ، فإذا
جاء الغد وقعت أخرى بغير شئ. ولو قال أنت طالق اليوم واحدة بغير شئ وغدا أخرى
بألف فقبلت وقع اليوم واحدة بغير شئ وغدا أخرى بالألف. ولو قال أنت طالق الساعة
واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف درهم انصرف البدل إليهما فتقع اليوم
واحدة بخمسمائة وغدا أخرى بغير شئ إلا أن يتزوجها كما إذا لم يضف أصلا، وكذا إذا
قال أنت طالق الساعة ثلاثا وغدا أخرى بائنة. أو قال أنت طالق الساعة واحدة بغير شئ
وغدا أخرى بغير شئ بألف درهم، فالبدل ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة بخمسمائة

487
وغدا أخرى بغير شئ. ولو وصف الثانية فقط بأن قال أنت طالق اليوم واحدة وغدا أخرى
أملك الرجعة بألف أو بغير شئ بألف أو بائنة بألف لغا ذلك الوصف فتقع واحدة اليوم
بخمسمائة وأخرى بغير شئ إلا أن يتزوجها، فصار الحاصل أن الوجوه عشرة لأنه إما أن لا
يصف واحدة منهما أو يصف الأولى فقط إما بالرجعة أو بالبينونة أو بكونها بغير شئ أو
يصف الثانية فقط كذلك أو يصفهما جميعا كذلك فليتأمل. وفي تتمة الفتاوى: أنت طالق
قبيل غد وقبيل قدوم فلان فهو قبل ذلك بطرفة عين لأن قبيل وقت. قال أبو الفضل: هذا
هو الجواب في قوله قبيل قدوم فلان غير صحيح، والصحيح أنه يقع الطلاق إذا قدم فلان،
فلو قال إذا كان ذو العقدة فأنت طالق وقد مضى بعضه فهي طالق ساعة ما تكلم ا ه‍. وقد
ذكرنا هذه المسائل تتميما للطلاق المضاف تكثيرا للفوائد والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الميسر
لكل عسير.
قوله: (أنا منك طالق لغو وإن نوى وتبين في البائن والحرام) يعني إذا قال أنا منك بائن
أو عليك حرام فإنها تبين بالنية، والفرق أن الطلاق لإزالة الملك الثابت بالنكاح أو القيد
فمحل الطلاق محلهما وهي محلهما دونه، فالإضافة إليه إضافة الطلاق إلى غير محله فيلغو.
وأما حجره عن أختها أو خامسة فليس موجب نكاحها بل حجر شرعي ثابت ابتداء عن
الجمع بين الأختين وخمس لا حكما للنكاح، ولهذا لو تزوجها مع أختها معا أو ضم خمسا
معا لا يجوز بخلاف الإبانة لأن لفظها موضوع لإزالة الوصلة ووصلة النكاح مشتركة بينهما
فصحت إضافتها إلى كل منهما عالما بحقيقتها، وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو
مشترك. قيدنا بقولنا منك وعليك لأنه ولو قال أنا بائن أو أبنت نفسي ولم يقل منك أو
حرام ولم يقل عليك لم تطلق وإن نوى لأن البينونة متعددة كما في المعراج، بخلاف ما إذا
قال أنت بائن أو حرام ولم يزد عليه حيث تطلق إذا نوى لتعيين إزالة ما بينهما من الوصلة
بخلاف الأول. وأشار إلى أنه لو ملكها الطلاق فطلقته لا يقع لما قدمناه. وفي القنية: أنت
حرام أو أنت علي حرام يقع الطلاق بدون النية ولا يحتاج إلى كلمة على مت وكذا في سن.
فقال: لو قال لها أنا بائن ولم يقل منك أو أنا حرام ولم يقل عليك فهذا ليس بشئ بخلاف
ما إذا قال أنت بائن أو أنت حرام قال رضي الله عنه: وفي خزانة الأكمل ع لو قال لها أنت
حرام أو بائن ولم يقل مني فهو باطل، وهذا سهو منه حيث نقله من العيون، وفي العيون
ذكر ذلك من جانب المرأة فقال: لو جعل أمر امرأته بيدها فقالت للزوج أنت علي حرام أو

488
أنت مني بائن أو حرام أو أنا عليك حرام أو بائن وقع، ولو قالت أنت بائن أو حرام ولم تقل
مني فهو باطل. ووقع في بعض نسخ العيون: ولو قال بغير تاء التأنيث وظن صاحب
الأكمل أنها مسألة مبتدأة وظن أنه لو قال ذلك الرجل لامرأته فهو باطل. وقال رضي الله
تعالى عنه: وعند هذا ازداد سهوا شيخنا نجم الأئمة البخاري فزاد فيها لفظة لها فقال: لو
قال لها أنت حرام أو بائن فهو باطل والمسألة مع تاء التأنيث مذكورة في الواقعات الكبرى
المدنية وغير المدنية في مسائل العيون فعرف به سهوهما ا ه‍. والحاصل من جهة الأحكام أنه
إذا أضاف الحرمة أو البينونة إليها وقع من غير إضافة إليه، وإن أضاف إلى نفسه لا يقع من
غير إضافة إليها، وإن خيرها فأجابت بالحرمة أو البينونة فلا بد من الجمع بين الإضافتين أنت
حرام علي، أنا حرام عليك، أنت بائن مني، أنا بائن منك، والله سبحانه وتعالى الموفق. وقد
حكى في المعراج في مسألة أنا منك طالق أن امرأة قالت لزوجها لو كان إلي ما إليك لرأيت
ماذا أصنع، فقال جعلت ما إلي إليك فقالت طلقتك فرفع ذلك إلى ابن عباس رضي الله
عنهما فقال: خطأ الله نوءها هلا قالت طلقت نفسي منك، وروي خط الله وصوبه النسفي
وقال: لا يجوز خطأ، وصاحب الفائق عكسه. والنوء كوكب تستمطر به العرب ا ه‍.
قوله: (أنت طالق واحدة أو لا أو مع موتى أو مع موتك لغو) أما الأول فهو قولهما.
وقال محمد: يقع رجعية لصرف الشك إلى الواحدة. ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان
الوقوع بالعدد بدليل ما أجمع عليه من أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا طلقت
ثلاثا، ولو كان الوقوع بطالق لبانت لا إلى عدة فيلغو العدد. ومن أنه لو قال أنت طالق
واحدة إن شاء الله لم يقع شئ، ولو كان الوقوع بطالق لكان العدد فاصلا فوقع. ومن أنها
لو ماتت قبل العدد لم يقع شئ كما سيأتي. ثم اعلم أن الوقوع أيضا بالمصدر عند ذكره وكذا
الوقوع بالصفة عند ذكرها كما إذا قال أنت طالق البتة كان الوقوع بالبتة حتى لو قال بعدها
إن شاء الله متصلا لا يقع، ولو كان الوقوع باسم الفاعل لوقع ويدل عليه ما في المحيط: لو
قال أنت طالق للسنة أو أنت طالق بائن فماتت قبل أن يقول للسنة أو بائن لا يقع شئ لأنه
صفة للايقاع لا للتطليقة فيتوقف الايقاع على ذكر الصفة، وأنه لا يتصور بعد الموت ا ه‍.
ويدل عليه بالأولى ما في الخانية من العتق: رجل قال لعبده أنت حر البتة فمات العبد قبل أن
يقول البتة فإنه يموت عبدا ا ه‍. ومراده من الواحدة مطلق العدد، فلو قال أنت طالق ثلاثا
أولا على الخلاف، وقيدنا بالعدد لأنه لو قال أنت طالق أولا لا يقع في قولهم. وفي
المحيط: لو قال أنت طالق أو غير طالق أو أنت طالق أو لا شئ أو أنت طالق أو لا، لا

489
يقع شئ لأنه أدخل الشك في الايقاع، وكذا لو قال أنت طالق إلا لأن هذا استثناء والايقاع
إذا لحقه استثناء لا يبقى إيقاعا، وكذا لو قال أنت طالق إن كان أو أنت طالق إن لم يكن أو
لولا، لأن هذا شرط، والايقاع إذا لحقه شرط لم يبق إيقاعا ا ه‍. ثم قال: لو قال أنت طالق
واحدة أو ثنتين فالبيان إليه، ولو قال ذلك لغير المدخولة تقع واحدة بلا خيار لأنها صارت
أجنبية، ولو قال أنت طالق وفلانة أو فلانة يقع عليها وعلى إحدى الأخريين لأن كلمة
التشكيك دخلت بين الثانية والثالثة والأولى سلمت عن التشكيك. ولو قال أنت طالق أو
فلانة وفلانة يقع على الأخيرة وعلى إحدى الأوليين والبيان إليه لأن كلمة التشكيك دخلت
على الأولى والثانية لا على الأخيرة. له أربع نسوة فقال أنت طالق أو هذه وهذه أو هذه فله
الخيار في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، ولو قال أنت وهذه أو هذه وهذه طلقت الأولى
والأخيرة وله الخيار بين الثانية والثالثة، ولو قال أنت طالق أو هذه وهذه وهذه طلقت الثالثة
والرابعة ويتخير في الأولى والثانية، ولو قال أنت طالق لا بل هذه أو هذه لا بل هذه طلقت
الأولى والأخيرة وله الخيار في الثانية والثالثة، ولو قال عمرة طالق أو زينب إن دخلت الدار
فدخلها خير في إيقاعه على أيتهما شاء لأنه علق بالدخول طلاقا مترددا بينهما، ولو قال أنت
طالق ثلاثا أو فلانة علي حرام وعنى به اليمين لم يجبر على البيان حتى تمضي أربعة أشهر، فإذا
مضت ولم يقربها يجبر على أن يوقع طلاق الايلاء أو طلاق الصريح لأنه قبل مضي هذه المدة
وهو مخير بين الطلاق والتزام الكفارة وأحدهما لا يدخل في الحكم فلم يلزمه القاضي، وبعد
مضي المدة الواقع أحد الطلاقين وذلك بدخل في الحكم فيلزمه. ولو قال امرأته طالق أو
عبده حر فمات قبل البيان فعند أبي حنيفة عتق العبد ويسعى في نصف قيمته، وعند محمد
يقع من كل واحد منهما نصفه وتمامه فيه. وفي التلخيص من باب الحنث يقع بالواحدة
والاثنين: حلف لا يكلم ذا أو ذا وذا فحنثه بالأول أو الأخيرين، وفي عكسه بالآخر
أو الأولين إذ الواو للجمع وأو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي بخلاف ذا حر أو ذا وذا
لأنها تخص في الاثبات فأشبه أحدا كما حر وذا أو الخبر معاد ثمة لا هنا فأفرد المعطوف بعتق
كما أفرد بالنصف في نظيرته في الاقرار ا ه‍. وذكر الشارح الفارسي أن الطلاق كالعتق،
والحاصل أن الطلاق والعتق والاقرار من باب واحد وهو أنه إذا عطف على الأول به أو ثم
عطف بالواو أن الثالث المعطوف بالواو يثبت له الحكم من غير خيار فيعتق الثالث وتطلق

490
الثالثة، ويكون نصف المال المقر به للثالث في قوله لفلان علي ألف أو لفلان وفلان، والتخيير
إنما هو بين الأولين. وأما في الايمان فإنما هو جمع بين الثالث والثاني بالواو والأول ثبت له
الحكم وحده، فإن كلم الأول وحده حنث ولا يحنث إلا بكلام الأخيرين ولا يحنث بكلام
أحدهما، والفرق ما ذكره في التلخيص. وحاصل أو في الطلاق إما في أصله كأنت طالق
أولا لا وقوع اتفاقا أو بعد العدد فكذا عندهما خلافا لمحمد كأنت طالق واحدة أو لا، أو بين
عددين كأنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه في المدخولة وواحدة في غيرها: أو بين
امرأتين فطلاق منهم كأنت طالق أو هذه أو بين ثلاث نسوة وأو في الأخيرة فقط طلقت
الأولى، والبيان له في الأخريين أو بين ثلاث وأو في الثانية فقط وقع على الأخيرة والبيان
له في الأوليين ولو بين أربع مكررة بأن ذكر أو في الثانية والواو في الثالثة وأو في
الرابعة طلقت إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، ولو ذكر الثانية بالواو والثالثة به أو وكذا
الرابعة بالواو طلقت الأولى والأخيرة والبيان إليه في الثانية والثالثة. ولو أدخل أو على
الثانية فقط فالبيان إليه في الأولى والثانية ووقع على الثالثة والرابعة. وأما المسألة الثانية أعني
مع موتي أو مع موتك فلإضافة الطلاق إلى حالة منافية له لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي
المحلية ولا بد من الأهلية في الموقع والمحلية في الموقع عليها إذ المعنى على تعليقه بالموت وإن
كانت مع للقران بدليل أنت طالق مع دخولك الدار فإنه يتعلق به فاستدعى وقوعه تقدم
الشرط وهو الموت فيقع بعد الموت وهو باطل.
قوله: (ولو ملكها أو شقصها أو ملكته أو شقصه بطل العقد) أي انفسخ لمنافاة بين
الملكين أعني ملك الرقبة وملك النكاح في الأول، ولاجتماع المالكية والمملوكية في الثاني.
فإن قلت: هل ارتفع أثر النكاح بالكلية كما ارتفع أصله؟ قلت: لا لما صرحوا به من أنه لو
طلقها ثنتين ثم ملكها لا تحل له إلا بعد زوج آخر. وفي المحيط: لو ظاهر من امرأته أو
لاعنها وفرق بينهما ثم ارتدت - والعياذ بالله تعالى - فسبيت لا يحل للزوج وطؤها بملك
اليمين لأن حكم اللعان والظهار باق فحرم الاستمتاع والاجتماع معها ا ه‍. أطلقه فانصرف
إلى الكامل وهو الملك المستقر لأنه لو ملك أحدهما صاحبه ملكا غير مستقر لا ينفسخ النكاح
كملك الوكيل على أحد القولين المضعف، وكما قالوا فيمن تزوج أمة ثم تزوج حرة على رقبة
الأمة ثم أجاز ذلك مولاها فإنه يجوز وتصير الأمة ملكا للحرة ولا ينفسخ النكاح بينها وبين

491
زوجها، وإن كان الملك ينتقل إلى الزوج أولا في الأمة ثم ينتقل منه إلى الحرة لما أن ملكه فيها
غير مستقر. وأطلقه فشمل الملك بأي سبب كان بشراء أو هبة أو إرثا من الجانبين، وأراد من
الملك حقيقته فخرج حق الملك لأن المكاتب لو اشترى زوجته لا ينفسخ لعدم حقيقة الملك له
لقيام الرق، وإنما الثابت له حق الملك وهو لا يمنع بقاء النكاح، وإن منع ابتداءه فإن المولى
لو تزوج جارية مكاتبه لم يصح وإن لم يكن له فيها حقيقة ملك لوجود حق الملك بخلاف
جارية الابن فإن للأب نكاحها لأنه ليس له حقيقة ملك ولا حق له فيها وإنما له أن يتملكها
عند الحاجة، فالثابت له حق أن يتملك وهو ليس بمانع. وفي تلخيص الجامع من باب الأمر
بالنكاح: ولو قال لعبده تزوج على رقبتك جاز إلا في الحرة لقران المنافي والمكاتبة لأن حق
الملك يمنع إن لم يرفع كالعدة، فإن دخل بها يباع في الأقل من قيمته ومهر المثل، ولو كان
الزوج مدبرا صح بقيمته في رقبته لأنه لا يملك، وكذا المكاتب ولا يتضمن الفسخ لأنه
إبطال، وإن لم يقل على رقبتك صح في الجميع. وتسميته الرقبة للتقدير كما في عبد الغير.

492
وعندهما إذا كان فيه غبن فاحش لا يصح النكاح وهي فريعة التوكيل بالتزويج. ولو خالع
على رقبتها فإن كان حرا لا يصح لقران المنافي وتبين لأن المال زائد فكان أولى بالرد من
الطلاق كما في خلع المبانة، أما النكاح لم يشرع بغير مال والتسمية تنفي مهر المثل والمنافاة
القيمة. وكذا لو طلقها على رقبتها فإن كان حرا لا يصح وتقع رجعية لأنه صريح، ولو كان
رقيقا صح للمسمى لما مر. ولو خلعهما على رقبة إحداهما بعينها صح في غير البدل بحصتها
من رقبة البدل إذا قسمت على مهريهما المسمى، ولا يقع على الأخرى طلاق للملك، ولو
خلع كل واحدة على رقبة الأخرى طلقت بغير شئ لقران المنافي ا ه‍.
قوله: (فلو اشتراها ثم طلقها لم يقع) لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع
المنافي لا من وجه كما في ملك البعض، ولا من كل وجه كما في ملك الكل. والعدة غير
واجبة فإنه يحل له ويستحيل وجود الوطئ حلالا مع قيام العدة. كذا في المحيط. وأورد في
الكافي على قولهم بعدم وجوب العدة عليها لو اشتراها أنه لا يجوز له التزويج بها من آخر،

493
وهذا دليل على وجوب العدة. قلنا: قد قالوا إنه لا عدة عليها بدليل أنه لو زوجها من آخر
جاز، والصحيح أنه لا يجوز تزويجها من آخر. والحاصل أنه لا تجب العدة عليها في حق من
اشتراها، وهل تجب في حق غيره فهو على الروايتين ا ه‍. وهكذا في المعراج قيد بشرائه لأنها
لو ملكته أو شقصا منه ثم طلقها وقع فيما روي عن محمد، ولا فرق بينهما في ظاهر الرواية
عن الكل لأن العدة وإن وجبت لكن ملك اليمين مانع من مالكية الطلاق. وأطلق الشراء
وأراد الملك مجازا، وقيد بكون الطلاق وهي مملوكة له لأنه لو أعتقها بعد الملك ثم طلقها
وهي في العدة وقع الطلاق عليه لزوال المانع من ظهور العدة وهو الملك، وكذا لو أعتقته بعد
ما ملكته ثم طلقها وقع طلاقه عند محمد لزوال المنافي لمالكية الطلاق. ولهذا يجب عليه النفقة
والسكنى، ولم يقع عند أبي يوسف فيهما لأن الساقط لا يعود. ولو علق طلاقها بشرط أو
قال أنت طالق للسنة أو آلى منها قبل الشراء فوجد الشرط أو جاء وقت السنة أو مضت مدة
الايلاء بعد الشراء والعتق وقع عليها الطلاق، وإن وجد ذلك بعد الشراء قبل العتق لم يقع
في الوجهين، والبيع بعد الشراء كالعتق فيما ذكرنا لزوال المانع. كذا ذكر الشارح. وفي
الولوالجية: عبد قال لامرأته الحرة أنت طالق للسنة فاشترته وقع عليها الطلاق إذا طهرت في
قياس قول محمد وعلى قياس قول أبي يوسف لا يقع عليها وعليه الفتوى. والحر لو قال
لامرأته ذلك ثم اشتراها لم يقع الطلاق اتفاقا لأنه لم يبق الملك ا ه‍. ولم يذكر المصنف حكم
المهر لو كان قبل الدخول فيما إذا اشترى زوجته. وفي المحيط: رجل وكل رجلا بأن يشتري
امرأته من سيدها فاشتراها والزوج لم يدخل بها فقد انتقض النكاح ولا مهر على الزوج لأن
انفساخ النكاح حصل بفعل المولى بسوء جهل حيث علم أنه اشتراها للزوج، ولو باعها من
رجل ثم اشتراها الزوج من الرجل فعليه نصف المهر للمولى الأول لأن انتقاض النكاح
مضاف إلى البيع الثاني لا إلى بيع المولى فحصلت الفرقة بفعل الزوج لا بفعل المولى فاستحق
نصف لمهر، ولو اشتراها الوكيل من المولى الأول للتزوج ولم يعرف من الزوج الوكالة به إلا
بقول الوكيل بعد الشراء فإنه لا يصدق إلا ببينة وعلى الآخر اليمين على علمه لأن الظاهر، أن
كل عامل وعاقد يعمل لنفسه وإنما يعمل ويعقد لغيره بعارض توكيل فلا يصدق إلا بحجة
ا ه‍. وفي الظهيرية من كتاب العتق: رجل قال لامته إذا مات والدي فأنت حرة ثم باعها

494
من والده ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات والدي فأنت طالق اثنتين فمات الوالد كان محمد
يقول أولا تعتق ولا تطلق، ثم رجع وقال: لا يقع طلاق ولا عتاق، والمسألة على
استقصاء في المبسوط ا ه‍. وفي المحيط من باب ما تحل به المطلقة: ولو تزوج أمة مورثه
ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق ثنتين ثم مات المولى والزوج وارثه يقع الطلاق عند
أبي يوسف، وعند محمد لا تطلق لأن الطلاق مضاف إلى حال زوال النكاح لأن الوارث
يملك الأمة مقارنا لزوالها عن ملك الميت، وزوال النكاح يثبت مقارنا بدخولها في ملك
الزوج لأن هذه أشياء متضادة متنافية، وملك اليمين يضاد ملك النكاح في حق أحكامه
وثمراتها وثبوت أحد الضدين يكون مقارنا لذهاب الضد الآخر لا مرتبا عليه كثبوت السواد
يكون مقارنا لذهاب البياض، وكقدح مملوء من الماء إذا ألقي فيه حجر وخرج الماء يكون
خروج الماء مقارنا لدخول الحجر لا مرتبا عليه لاستحالة أن يكون القدح واسعا للحجر ثم
يخرج الماء بعده. وإضافة الطلاق إلى حال زوال النكاح لا يصح لأبي يوسف أن الطلاق
مضاف إلى حال قيام النكاح لأن زوال النكاح يترتب على ملك الوارث، وملك الوارث
يترتب على انقطاع ملك الميت، وهذه أحوال متعاقبة مترادفة لأن القول بالمقارنة يؤدي إلى
استحالة وهو سبق ثبوت الحكم على العلة، والحكم لا يثبت إلا بعد تمام العلة فالشراء ما لم
يتم لا يزول ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري، وهكذا نقول في قدح الماء يترتب
خروج الماء على دخول الحجر ولا يقترنان لاستحالة إثبات الخروج قبل دخول الحجر الذي
هو علة الخروج. وعلى هذا لو قال لامة مورثه إذا مات مولاك فأنت حرة فمات المولى لا
تعتق، وقال زفر وهو رواية عن محمد تعتق لأن موت المورث سبب لملك الوارث فقد
أضافه إلى سبب الملك فصح كما لو قال إن ورثتك. ولنا أن شرط العتق وهو الموت وجد
حالة انقطاع ملك الميت لا حال قيام ملك الوارث فيكون ملك الحالف بعد العتق بساعتين
فلا يكون العتق مضافا إلى الملك ولا إلى سبب الملك لأن الموت لم يوضع سببا لإفادة ملك
الوارث بل سبب ملكه هو القرابة بعد الموت، وأما إذا جمع بين اليمين بالطلاق والعتاق بأن
قال إن مات مولاك فأنت طالق ثنتين قال محمد: لا يقعان، وقال أبو يوسف بالطلاق
فقط. وفي المحيط في الطلاق المبهم: رجل تحته أمتان فقال إحداكما طالق ثم اشترى
إحداهما وقع الطلاق لأن بالشراء خرج عن محلية الطلاق لانقطاع النكاح فتعينت الثانية كما

495
لو ماتت إحداهما فإن اشتراهما بطل خيار التعيين لبطلان النكاح، فإن جامع إحداهما تعين
الطلاق في الأخرى.
قوله: (أنت طالق اثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتق له الرجعة) لأنه علق التطليق إذ هو
السبب حقيقة بالاعتاق أو العتق، فإن كان المتكلم ذكر الاعتاق فلا كلام، وإن كان المذكور
العتق فالمراد به الاعتاق لأن العتق حكمه فاستعير الحكم للعلة فكان مجازا فيه. وعلى هذا
فإعماله في لفظ إياك إما على اعتبار إرادة الفعل به إعمال المستعار للمصدر، أو على اعتبار
إعمال اسم المصدر كأعجبني كلامك زيدا، وإلا فالعتق قاصر وإنما يعمل في المفعول
المتعدي. وإنما قلنا إنه معلق به مع كون حقيقة مع للقران لأنها قد تذكر للمتأخر تنزيلا له
منزلة المقارن بتحقق وقوعه بعده ونفي الريب عنه كما في الآية * (إن مع العسر يسرا)
* (الشرح: 5) فصار هذا المعنى محتملا لها وصير إليه بموجب وهو وجود معنى الشرط لها
وهو توقف حكم على ثبوت معنى ما بعدها المعدوم حال التكلم وهو على خطر الوجود، فإن
كان الاعتاق شرطا للتطليق فيوجد تطليق الثنتين بعده مقارنا للعتق المتأخر عن الاعتاق فيقع
الطلاق المتأخر عن التطليق بعده فيصادفها حرة فيملك الزوج الرجعة، وإن كان العتق فأظهر
لكونه مقارنا للتطليق والطلاق يعقبهما فيقع وهي حرة. وفي الكافي لأنه جعل التطليق
متصلا بالعتق وذلك لا يتصور إلا بأن يتعلق أحدهما بالآخر تعلق الشرط بالمشروط، أو
يتعلق أحدهما بالآخر تعلق العلة بالمعلول، أو يتعلقا بشرط واحد أو بعلة واحدة وينزلا
عنده، والثالث منتف لأنهما لا يتعلقا بشرط واحد أو بعلة واحدة، وكذا الثاني لأن إعتاق
المولى ليس بعلة لتطليق الزوج، وكذا تطليقه ليس بعلة لاعتاقه فتعين الوجه الأول، واستحال
أن يتعلق العتق بالتطليق لأنه حينئذ يزول ملك المالك بلا رضاه فيتعين تعلق الطلاق بالاعتاق
والمعلق به التطليق لا الطلاق عندنا لما قررت في شرح مختصر الأصول أن أثر التعلق في منع
السبب لا في منع الحكم عندنا. وإنما امتنع الحكم ضرورة امتناع السبب خلافا للشافعي
فيصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا، وعنده صار تطليقا زمن التكلم إلى آخره. وأورد
عليه ما إذا قال لأجنبية أنت طالق مع نكاحك حيث يتأتى فيه التقرير المذكور مع أنه لا يقع
إذا تزوجها. وحاصل ما أجابوا به أنه يملك التعليق بصريح الشرط وبمعناه بعد النكاح،

496
وأما قبله فلا يملكه إلا بالصريح ك‍ " ان ونحوه الموضوعة للتعليق، ولذا صح التعليق بقوله
أنت طالق في دخولك الدار ولم يصح قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك. وتعقبه في فتح
القدير تبعا لما في معراج الدراية بأن الدليل إنما قام على ملك اليمين المضافة إلى الملك فتعلق
بما يوجب معناه كيفما كان اللفظ، والتقييد بلفظ خاص بعد تحقق المعنى تحكم. ويمكن أن
يجاب عنه بأن الطلاق مع النكاح يتنافيان فلم تصح الحقيقة فيه بخلاف ما نحن فيه لأن
الطلاق والعتق لا يتنافيان. وفي المحيط: رجل تحته حرة وأمة دخل بهما فقال إحداكما طالق
ثنتين فأعتقت الأمة فعين الطلاق في الأمة في مرضه طلقت ثنتين ولا تحل إلا بزوج لأن
الطلاق المبهم في حق الموقع نازل. رجل تحته أمتان فقال المولى إحداكما حرة فقال الزوج
المعتقة طالق ثنتين فالخيار للمولى لأن الزوج جعل إيقاعه بناء على إيقاع المولى العتق، وخيار
البيان لمن هو الأصل في الابهام وهو المولى، وملك الزوج الرجعة لأنه طلق في حال الحرية
والحرية لا تحرم بالثنتين. ولو قال الزوج إحداكما طالق ثنتين فقال المولى المطلقة معتقة فالبيان
إلى الزوج لأنه هو المجمل ولا يملك الزوج الرجعة لأن الطلاق صادفها وهي أمة فتحرم
بالثنتين، فإن مات المولى في الصورة الأولى قبل البيان عتق نصف كل واحدة وخير الزوج في
بيان المطلقة لوقوع اليأس بموت المولى فجعل البيان إلى الزوج بخلاف ما لو غاب المولى لا
يجبر الزوج على البيان لعدم اليأس ا ه‍.
قوله: (ولو تعلق عتقها وطلقتاها بمجئ الغد فجاء لا) يعني لو قال المولى لامته إذا
جاء غد فأنت حرة وقال زوجها إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين فجاء الغد لا يملك الزوج
الرجعة عندهما خلافا لمحمد، والأصل فيه أن العلة والمعلول يقترنان عند الجمهور في
الخارج، ومنهم من قال إن المعلول يعقبها بلا فصل، ومنهم خصوا العلل الشرعية فجعلوها
تستعقب المعلول بخلاف العقلية كالاستطاعة مع الفعل، واختار القول الثاني في فتح القدير
سواء كانت عقلية أو شرعية حتى إن الانكسار يعقب الكسر في الخارج غير أنه لسرعة إعقابه
مع قلة الزمن إلى الغاية إذا كان آنيا لم يقع تمييز التقدم والتأخر فيهما، وهذا لأن المؤثر لا يقوم
به التأثير قبل وجوده وحالة خروجه من العدم لم يكن ثابتا فلا بد من أن تكمل هويته ليقوم
به عارض وإلا لم يكن مؤثرا. وفي التلويح: لا نزاع في تقدم العلة على المعلول بمعنى

497
احتياجه إليها ويسمى التقديم بالعلية وبالذات، ولا في مقارنة العلة العقلية لمعلولها بالزمان
كيلا يلزم التخلف والخلاف في العلل الشرعية ا ه‍. وإذا عرف هذا فمن الأوجه لمحمد أنهما
لما تعلقا بشرط واحد وجب أن تطلق زمن نزول الحرية فيصادفها وهي حرة لاقترانهما وجودا
فلا تحرم بها حرمة غليظة. قلنا: المتعلقان بشرط واحد يقتضي أن يصادفها على الحالة التي
صادفها عليها العتق وهي الرق فتغلظ الحرمة بلا شك بخلاف المسألة الأولى لأن الاعتاق
هناك شرط فيقع الطلاق بعده قوله: (وعدتها ثلاث حيض) يعني في المسألتين اتفاقا كما في
المحيط لأنها حكم الطلاق فتعقبه أو لأنه يحتاط فيها، وكذا يحتاط في الحرمة الغليظة. ولو
كان الزوج مريضا لا ترث منه لأنه حين تكلم بالطلاق لم يقصد الفرار إذ لم يكن لها حق في
ماله، ولان العتق والطلاق يقعان معا ثم الطلاق يصادفها وهي رقيقة فلا ميراث لها. كذا في
المبسوط.
قوله: (أنت طالق هكذا وأشار بثلاثة أصابع فهي ثلاث) لأن هذا تشبيه بعدد المشار إليه
وهو العدد المفاد كميته بالأصابع المشار إليه بذا لأن الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه وذا للإشارة.
قيد بقوله بثلاث لأنه لو أشار بواحدة فواحدة أو ثنتين فثنتان. وأشار بقوله وأشار إلى أن
الإشارة تقع بالمنشورة منها دون المضمومة للعرف. وللسنة، ولو نوى الإشارة بالمضمومتين
صدق ديانة لا قضاء، وكذا لو نوى الإشارة بالكف والإشارة بالكف أن تقع الأصابع كلها

498
منشورة، وهذا هو المعتمد، وهناك أقوال ذكرها في المعراج: الأول عن بعض المتأخرين لو
جعل ظهر الكف إليها والأصابع المنشورة إلى نفسه دين قضاء، ولوجع ظهر الكف إلى
نفسه وبطون الأصابع إليها لا يصدق في القضاء. الثاني لو كان باطن الكف إلى السماء
فالعبرة إلى النشر، وإن كان إلى الأرض فالعبرة إلى الضم. والثالث إن كان نشرا عن ضم
فالعبرة للنشر، وإن كان ضما عن نشر فالعبرة للضم اعتبارا للعادة ا ه‍. وقيد بقوله هكذا
لأنه لو قال أنت طالق وأشار بأصابعه ولم يقل هكذا فهي واحدة لفقد التشبيه المتقدم، وفي
المحيط: وكذا لو قالت لزوجها طلقني فأشار إليها بثلاثة أصابع وأراد به ثلاث تطليقات لا
يقع ما لم يقل هكذا لأنه لو وقع وقع بالضمير والطلاق لا يقع بالضمير ا ه‍. لو قال أنت
طالق مثل هذا وأشار بأصابعه الثلاث يقع ثلاث إن نوى ثلاثا وإلا فواحدة، هكذا في المبتغى
بالمعجمة، فقد فرقوا هنا بين الكاف ومثل بناء على أن الكاف للتشبيه في الذات ومثلا
للتشبيه في الصفات، ولذا نقل عن الإمام الأعظم رضي الله عنه أنه قال: أيماني كأيمان
جبريل عليه السلام ولا أقول أيماني مثل أيمان جبريل صلوات الله عليه وسلامه. وفي

499
البدائع: أنه يحتمل التشبيه من حيث العدد، ويحتمل التشبيه في الصفة وهو الشبه فأيهما نوى
صحت نيته، وإن لم تكن له نية يحمل على التشبيه من حيث الصفة لأنه أدنى ا ه‍. وفي
المحيط: إذا لم ينو الثلاث تقع واحدة بائنة كما في قوله أنت طالق كألف، وعلى قياس هذا لو
قال أنت طالق مثل سنجة دانق تقع واحدة لأن له سنجة واحدة فقد شبه الواقع بالواحدة،
ولو قال مثل سنجة دانق ونصف أو دانقين تقع ثنتان لأن له سنجتين فقد شبه الواقع
بالعددين، ولو قال مثل سنجة دانقين ونصف تقع الثلاث لأنه يوزن بثلاث سنجات، ولو
قال مثل سنجة نصف درهم تقع واحدة، ولو قال مثل سنجة ثلثي درهم فتقع ثنتان لأن له
سنجتين، ولو قال سنجة ثلاثة أرباع درهم تقع ثلاث لأنه له ثلاث سنجات، ولو قال مثل
سنجة ألف درهم تقع واحدة ا ه‍. وفي المصباح: الإصبع مؤنثة وكذلك سائر أسمائها مثل
الخنصر والبنصر. وفي كلام ابن فارس ما يدل على تذكير الإصبع. وقال الصغافي: يذكر
ويؤنث والغالب التأنيث. قال بعضهم: وفي الإصبع عشر لغات. تثليث الهمزة مع تثليث
الباء، والعاشر أصبوع وزان عصفور، والمشهور من لغاتها كسر الهمزة وفتح الباء وهي التي
ارتضاها الفصحاء.
قوله: (أنت طالق بائن أو البتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو البدعة أو
كالجبل أو أشد الطلاق أو كالف أو ملء البيت أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي
واحدة بائنة إن لم ينو ثلاثا) بيان للطلاق البائن بعد بيان الرجعي. وإنما كان بائنا في هذه لأنه
وصف الطلاق بما يحتمله وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول للحال،
وكذا عند ذكر المال وبعده إذا انقضت العدة، وأورد عليه أنه لو احتمل البينونة لصحت إرادتها بطالق
وقد قدمنا عدم صحتها. وأجيب بأن عمل النية في الملفوظ لا في غيره، ولفظ بائن لم يصر
ملفوظا به بالنية بخلاف طالق بائن وفيه نظر مذكور في فتح القدير. قيد بكون بائن صفة بلا
عطف لأنه لو قال أنت طالق وبائن أو قال أنت طالق ثم بائن وقال لم أنو بقولي بائن شيئا

500
فهي رجعية، ولو ذكر بحرف الفاء والباقي بحاله فهي بائنة. كذا في الذخيرة. وأفاد بقوله
فهي واحدة إن لم ينو ثلاثا أنه لو نوى ثنتين لا يصح لكونه عددا محضا إلا إذا عنى بأنت
طالق واحدة وبقوله بائن أو البتة أو نحوهما أخرى يقع تطليقتان بناء على أن التركيب
خبر بعد خبر وهما بائنتان لأن بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك
رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية فلا فائدة في وصفها بالرجعية، وكل كناية قرنت
بطالق يجري فيها ذلك فيقع ثنتان بائنتان. وأشار بأفحش الطلاق إلى كل وصف على أفعل
لأنه للتفاوت وهو يحصل بالبينونة وهو أفحش من الطلاق الرجعي فدخل أخبث الطلاق
وأشره وأخشنه وأكبره وأغلظه وأطوله وأعرضه وأعظمه إلا قوله أكثره بالثاء المثلثة فإنه يقع
به الثلاث، ولا يدين إذا قال نويت واحدة. وإنما وقع البائن بطلاق الشيطان والبدعة لأن
الرجعي هو السني غالبا فلا يرد أن الرجعي قد لا يكون سنيا كالطلاق الصريح في الحيض.
فإن قلت: قد تقدم في الطلاق البدعي أنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ولا نية
له، فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته، وإن
كانت في طهر لا جماع فيه لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر كما في
البدائع وفتح القدير. قلت: لا منافاة بينهما لأن ما ذكروه هنا هو وقوع الواحدة البائنة بلا
نية أعم من كونها تقع الساعة أو بعد وجود شئ. وأشار بقوله كالجبل إلى التشبيه بما
يوجب زيادة في العظم وهو بزيادة وصف البينونة فيدخل فيه مثل الجبل، وأما البينونة بأشد
الطلاق فلانه وصفه بالشدة لأن أفعل يراد به الوصف فلذا لم يكن للثلاث بلا نية لأن أفعل
التفضيل بعض ما أضيف إليه فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق. وأما البينونة
بقوله كألف فلان التشبيه يحتمل أن يكون في القوة، ويحتمل أن يكون في العدد، فإن نوى
الثاني وقع الثلاث، وإن لم ينو ثبت الأقل وهو البينونة، ودخل فيه مثل ألف ومثل ثلاث
وواحدة كالألف إلا أنه في هذه إذا نوى الثلاث لا تقع إلا واحدة، اتفاقا لأن الواحدة لا
تحتمل الثلاث. كذا في الجوهرة. وخرج عنه كعدد الألف وكعدد الثلاث فإنه يقع الثلاث بلا
نية، ودخل فيه أيضا ما لو شبه بالعدد فيما لا عدد فيه كعدد الشمس أو التراب أو قال مثله
لأن التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة وهو بالبينونة موجود.

501
وفي الظهيرية: لو قال أنت طالق كالنجوم فهي واحدة يعني كالنجوم ضياء لا عددا إلا
أن يقول كعدد النجوم، ولو أضافه إلى عدد معلوم النفي كعدد شعر بطن كفي، أو مجهول
النفي والاثبات كعدد شعر إبليس أو نحوه وقعت واحدة، أو من شأنه الثبوت لكنه كان زائلا
وقت الحلف بعارض كعدد شعر ساقي أو ساقك وقد تنور لا يقع لعدم الشرط. كذا في
كافي الحاكم. وفي البزازية: أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة ا ه‍. وفي الظهيرية: أنت
طالق عدد ما في هذا الحوض من السمك وليس في الحوض سمك تقع واحدة. وحكى ابن
سماعة عن محمد قال: كنا عند محمد بن الحسن فسئل عمن قال لامرأته أنت طالق عدد
الشعر الذي على فرجك وقد كانت أطلت، فبقي محمد بن الحسن يتفكر فيه وشبهه بظهر
الكف ثم أجمع رأيه على أنه إن قال أنت طالق بعدد الشعر الذي على ظهر كفي وقد أطلي أنه
لا يقع، وإن قال بعدد الشعر الذي في بطن كفي أنه يقع واحدة لأنه في الأول يقع على عدد
الشعور النابتة، فإذا لم يكن عليه شعر لم يوجد الشرط، وفي الثانية لا يقع على عدد الشعر.
وذكر الكرخي أنها تطلق ثلاثا في عدد شعر رأسي أو عدد شعر ظهر كفي وقد أطلي لأنه ذو
عدد وإن لم يكن موجودا، ولو قال أنت طالق عدد ما في هذه القصعة من النريد إن قال
ذلك قبل صب المرقة عليه فهي ثلاث، وإن قال بعد صب المرقة فهي واحدة ا ه‍. وفرق في الجوهرة

502
بين التراب والرمل فقال: لو قال أنت طالق عدد التراب فهي واحدة عند أبي
يوسف، وثلاث عند محمد. وإن قال عدد الرمل فهي ثلاث إجماعا، وأما البينونة بملء البيت
فلان الشئ قد يملا البيت لعظمه في نفسه وقد يملؤه لكثرته فأيهما نوى صحت نيته، وعند
عدمها يثبت الأقل. وأما البينونة بتطليقة شديدة وما بعده فلان ما لا يمكن تداركه يشتد عليه
وهو البائن، وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الامر طول وعرض فهو البائن أيضا. قيد
بكون الشدة وأخواتها صفة للتطليقة لأنه لو قال أنت طالق قوية أو شديدة أو طويلة أو
عريضة ولم يذكر التطليقة كان رجعيا لأنه لا يصلح أن يكون صفة للطلاق، ويصلح أن يكون
صفة للمرأة كما ذكره الأسبيجابي. وقيد بقوله طويلة أو عريضة لأنه لو قال أنت طالق
طول كذا وعرض كذا فهي واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا وإن نواها لأن الطول والعرض يدلان
على القوة لكنهما يكونان للشئ الواحد، وكأنه قال طالق واحدة طولها كذا وعرضها كذا
فلم تصح نية الثلاث. كذا في كافي الحاكم. ولذا صرح بعضهم في شرحه بأن الصحيح أنها
لا تقع الثلاث في طويلة أو عريضة، وإن نواها ونسبه إلى شمس الأئمة، ورجح بأن النية
إنما تعمل في المحتمل وتطليقة بتاء الواحدة لا يحتمل الثلاث. وقيد بما ذكر في الأوصاف
لأنه لو وصفه بما لا يوصف به يلغو الوصف ويقع رجعيا نحو طلاقا لا يقع عليك أو على
أني بالخيار وإن كان يوصف به ولا ينبئ على زيادة في أثره كقوله أحسن الطلاق أسنه أجمله
أعد له أخيره أكمله أفضله أتمه فيقع رجعيا وتكون طالقا للسنة في وقتها، وإن نوى ثلاثا فهي
ثلاث للسنة. كذا في كافي الحاكم.
وذكر الأسبيجابي أنها تكون رجعية في ظاهر الرواية، سواء كانت الحالة حالة حيض أو
طهر. وذكر ما جزم به الحاكم رواية عن أبي يوسف فصار الحاصل أن الوصف بما ينبئ عن
الزيادة يوجب البينونة، وأما التشبيه فكذلك أي شئ كان المشبه به كرأس إبرة وكحبة خردل
وكسمسمة لاقتضاء التشبيه الزيادة. واشترط أبو يوسف ذكر العظم مطلقا، وزفر أن يكون
عظيما عند الناس، فرأس الإبرة بائن عند الإمام فقط، وكالجبل عنده، وعند زفر فقط،
وكعظيمة بائن عند الكل، وكعظم الإبرة إلا عند زفر، ومحمد: قيل مع الأول، وقيل مع
الثاني. وفي البزازية. أنت طالق كالثلج، إن أراد في البرودة فبائن، وإن أراد في البياض

503
فرجعي. وفي المحيط: لو قال أنت طالق عددا تقع ثنتان، ولو قال أنت طالق حتى تستكمل
ثلاث تطليقات فهي طالق ثنتين، ولو قال أنت طالق كذا يقع الثلاث لأن في باب الاقرار
تقع على أحد عشر فصار كأنه قال أنت طالق أحد عشر. وروي عن أبي يوسف أنه لو قال
أنت طالق وبائن أو فبائن فواحدة بائنة، ولو قال أنت طالق وشئ ولا نية له طلقت ثنتين
وإن نوى بشئ ثلاثا فثلاث، ولو قال أنت طالق كثيرا ذكر في الأصل أنه يقع الثلاث لأن
الكثير هو الثلاث، وذكر أبو الليث في الفتاوى يقع ثنتان. ولو قال أنت طالق أكثر الطلاق
فهي ثلاث، ولو قال أنت طالق كبير الطلاق فهي ثنتان، ولو قال أنت طالق لا قليل ولا
كثير وقع ثلاث، ولو قال لا كثير ولا قليل يقع واحدة، وعلى قياس ما قاله أبو الليث إذا
قال أنت طالق كثيرا يقع ثنتان ينبغي إذا قال لا قليل ولا كثير يقع ثنتان ا ه‍. وفي البزازية
من فصل الاستثناء: الأصل أن المستثنى إذا وصف بما يليق بالمستثنى يجعل صفة للمستثنى

504
ويبطل ببطلان المستثنى وإن كانت تليق بالمستثنى منه لا غير، قيل يجعل وصفا له حتى يثبت
بثبوته تصحيحا له بقدر الامكان، وقيل يجعل وصفا للكل تحقيقا للمجانسة بين المستثنى
والمستثنى منه لأنه الأصل ظاهرا، وإن ذكر وصفا يليق بهما قيل يجعل وصفا للكل تحقيقا
للمجانسة، وقيل يجعل وصفا للمستثنى منه لا غير لأنه لو جعله وصفا للمستثنى بطل. هذا
إذا ذكر وصفا زائدا، وإن ذكر وصفا أصليا لا يعتبر أصلا ويجعل ذكره وعدم ذكره سواء.
بيانه: أنت طالق ثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدة بائنا تطلق واحدة رجعية لأنها لا تصلح
صفة للمستثنى منه، لا يقال طلقتان بائن وصلح صفة للمستثنى فبطل ببطلانه. ولو قال أنت
طالق ثنتين البتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة لصلاحية الوصف للمستثنى منه، يقال تطليقتين
البتة فجعل صفة له واستثنى واحدة منهما فتقع واحدة بائنة. وكذا أنت طالق ثنتين إلا واحدة
البتة تقع واحدة بائنة لأن البتة لا تصلح صفة للمستثنى لعدم وقوعه وتصلح صفة للمستثنى
منه فتجعل صفة للكل أو المستثنى منه كأنه قال ثنتين البتة إلا واحدة. ولو قال أنت طالق
ثلاثا البتة إلا واحدة أو أنت طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة تقع رجعيتان لأن كلا منهما وصف
أصلي للثلاث لا يوجد بدونهما فلا يفيد إلا ما أفاد الثلاث فلا يعتبر فصار كأنه قال أنت
طالق ثلاثا إلا واحدة ا ه‍. وفيها أيضا: أنت طالق تمام الثلاث أو ثالث ثلاثة فثلاث، ولو
قال أنت طالق غير ثنتين فثلاث، ولو قال غير واحدة فثنتين. وفيها أيضا: أنت طالق
وسكت ثم قال ثلاثا، إن لانقطاع النفس فثلاث وإلا فواحدة. أنت طالق فقيل له بعد ما
سكت كم؟ قال: ثلاث. وقع. قال الصدر: يحتمل أن يكون هذا على قول الإمام فإن موقع
الواحدة لو ثلثه بعد زمان صح. أنت طالق عشرا إن دخلت الدار تقع ثلاث إذا وجد
الشرط. ولو قال أنت طالق إذا دخلت الدار عشرا لا تطلق واحدة حتى تدخل الدار عشرا.
أنت طالق مع كل تطليقة فثلاث في ساعة الحلف ا ه‍.
وفي الذخيرة: أنت طالق لونين من الطلاق فهما تطليقتان رجعيتان، ولو قال ثلاثة
ألوان فهي ثلاثة، وكذا إذا قال ألوانا من الطلاق فهي طلاق ثلاثا، فإن قال نويت ألوان
الحمرة والصفرة فله نيته فيما بينه وبين الله تعالى. أنت طالق عامة الطلاق أو جله فهما
ثنتان، ولو قال أكثره فهي ثلاث، ولو قال كل الطلاق فواحدة، ولو قال أكثر الثلاث
فثنتان، ولو قال أنت طالق الطلاق كله فهي ثلاث، وكذا إذا قال كل طلقة، ولو قال أنت

505
طالق وأخرى فهي واحدة، ولو قال أنت طالق واحدة وأخرى فهي ثنتان. وفي الجوهرة: لو
قال أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا إن كانت مدخولا بها. كذا في النهاية. ثم قال: وإن قال أنت
طالق على أنه لا رجعة لي عليك يلغو ويملك الرجعة، وقيل تقع واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث
فثلاث ا ه‍. وظاهر ما في الهداية أن المذهب الثاني فإنه قال: وإذا وصف الطلاق بضرب من
الشدة والزيادة كان بائنا. وقال الشافعي: يقع رجيعا إذا كان بعد الدخول لأن وصفه بالبينونة
خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك. ولنا أنه وصفه بما
يحتمله إلى أن قال: ومسألة الرجعة ممنوعة ا ه‍. فقال في العناية: قوله ومسألة الرجعة ممنوعة
أي لا نسلم أنه لا يقع بائنا بل تقع واحدة بائنة، ولئن سلم فالفرق أن في قوله أن لا رجعة
تصريح بنفي المشروع، وفي مسألتنا وصفه بالبينونة ولم ينف الرجعة صريحا لكن يلزم منها نفي
الرجعة ضمنا، وكم من شئ يثبت ضمنا، وإن لم يثبت قصدا. كذا أفاد شيخ شيخي العلامة
ا ه‍. وهكذا شرحه في فتح القدير: وغاية البيان والتبيين. فقد علمت أن المذهب وقوع
البائن، وقد تمسك به بعض من لا خبرة له ولا دراية بالمذهب على أن قول الموثقين في التعاليق
تكون طالقا طلقة تملك بها نفسها لا يوجب البينونة. وأجاب بذلك على الفتوى مستدلا بأنه لو
قال أنت طالق على أن لا رجعة كان رجيعا وهو خطأ من وجهين: الأول أن مسألة الرجعة
ممنوعة كما علمته. الثاني أنه لم ينف الرجعة صريحا وإنما نفاها ضمنا فهو كقوله أنت طالق
بائن. قال في البدائع: إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا. وقال في موضع
آخر: ولا تملك نفسها إلا بالبائن. وقال في فتح القدير: وليس في الرجعي ملكها نفسها وقد
أوسعت الكلام فيها في رسالة ألفتها حين وقعت الحادثة والله سبحانه وتعالى أعلم.

506
فصل في الطلاق قبل الدخول
أخره لأن الطلاق بعد الدخول أصل له لكونه بعد حصول المقصود وقبله بالعوارض،
ولذا قيل بأنه لا يقع. وقدمنا عن جامع الفصولين أنه لو قضى به قاض لا ينفد قضاؤه قوله:
(طلق غير المدخول بها ثلاثا وقعن) سواء قال أوقعت عليك ثلاث تطليقات أو أنت طالق
ثلاثا، ولا خلاف في الأول كما في فتح القدير، وفي الثاني خلاف. قيل يقع واحدة
والجمهور على خلافه، وقد صرح به محمد بن الحسن وقال: بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وعن علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، ولما قدمناه من أن الواقع عند ذكر العدد
مصدر موصوف بالعدد أي تطليقا ثلاثا فتصير الصيغة الموضوعة لانشاء الطلاق متوقعا
حكمها عند ذكر العدد عليه. وفي المحيط: لو قال لنسائه أنت طالق وهذه وهذه ثلاثا طلقت
كل واحدة ثلاثا لأن العدد المذكور آخرا يصير ملحقا بالايقاع أو لا كيلا يلغو. ولو قال أنت
طالق واحدة وهذه وهذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية واحدة والثالثة ثلاثا لأن الثانية
تابعة للسابقة والثالثة مفردة بعدد على حدة، ولو قال أنت طالق وأنت طالق وهذه ثلاثا
طلقت الأولى واحدة والثانية والثالثة ثلاثا ثلاثا لأن العدد صار ملحقا بالايقاع الثاني دون
الأولى ا ه‍. وفي البزازية من فصل الاستثناء: لو قال لغير المدخول بها أنت طالق يا زانية
ثلاثا قال الإمام: لا حد عليه ولا لعان لأن الثلاث وقعن عليها وهي زوجته ثم بانت بعده
وأنه كلام واحد يتبع أوله آخره والمرأة طالق ثلاثا. وقال الثاني: يقع واحدة وعليه الحد لأن
القذف فصل بين الطلاق والثلاث وتمامه فيها. وحاصله أن يا زانية لا يفصل بين الطلاق
والعدد ولا بين الجزاء والشرط، فإذا قال أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار تعلق بالدخول
ولا حد ولا لعان، ولو قال أنت يا زانية طالق إن دخلت الدار عليه اللعان وتعلق الطلاق.

507
قوله: (وإن فرق بانت بواحدة) أي وإن فرق الطلاق بغير حرف العطف، ويمكن جمعه
بعبارة واحدة فإنها تبين بالأولى لا إلى عدة فلا يقع ما بعده إذ ليس في آخر كلامه ما يغير أوله
ليتوقف عليه نحو أنت طالق طالق طالق أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق. قيدنا بكونه
بغير حرف العطف لأنه لو فرقه بحرف العطف فسيذكره المصنف قريبا فإدخاله هنا في كلامه
كما فعل الشارح مما لا ينبغي. وقيدنا بكونه يمكن جمعه لأنه لو قال أنت طالق أحد عشر
وقع الثلاث إذ لا يمكن جمع الجزأين بعبارة واحدة أخصر منها عند قصده هذا العدد
المخصوص من حيث اللغة وإن كان الشارع لا يعتبر ما زاد على الثلاث. وقيد بغير المدخولة
لأن المدخولة يقع عليها الكل ولا يصدق قضاء أنه عنى الأول، فإن له غيره ماذا فعلت فقال
طلقتها أو قد قلت هي طالق يصدق أنه عنى الأول منه لأنه صار جوابا لسؤال، والسؤال
وقع عن الأول فانصرف الجواب إليه. كذا في المحيط. ودخل تحت قوله وإن فرق ما في
الظهيرية: لو قال أنت طالق ثلاثا متفرقات فواحدة، وما لو قال أنت طالق ثنتين مع طلاقي
في إياك فطلقها واحدة فإنه يقع واحدة، ولو قالت طلقني طلقني طلقني فقال طلقت فواحدة
إن لم ينو الثلاث، ولو قالت بحرف العطف طلقت ثلاثا ا ه‍. ولا يدخل تحته ما لو قال أنت
طالق واحدة تقدمها ثنتان فإنه يقع الثلاث كما في الظهيرية أيضا. وفيها. لو قال أنت طالق
واحدة أو ثنتين فالبيان إليه لأن الابهام جاء من جهته، ولو قال ذلك لغير المدخول بها وقعت
واحدة ولا يخير الزوج ا ه‍. وفي الذخيرة: رجل له امرأتان لم يدخل بواحدة منهما فقال

508
امرأتي طالق امرأتي طالق ثم قال أردت واحدة منهما لا أصدقه وأبينهما منه، ولو كان دخل
بهما فله أن يوقع الطلاق على إحداهما ا ه‍. ووجهه أن تفريق الطلاق على غير المدخولة غير
صحيح وعلى المدخولة صحيح.
قوله: (ولو ماتت بعد الايقاع قبل العدد لغا) أي لو ماتت المرأة مدخولة أو غير
مدخولة بعد الصيغة قبل تمام العدد لم يقع شئ لما قدمناه أن الواقع عند ذكره به وعند عدمه
الوقوع بالصيغة فلا حاجة أن يجعل العدد ثابتا بطريق الاقتضاء عند عدم ذكره، وقدمنا الدليل
على أن الوقوع بالعدد عند قوله أنت طالق واحدة أولا، وقدمنا أن الوقوع بالمصدر والوصف
عند ذكرهما أيضا. ويدخل في العدد أصله وهو الواحد ولا بد من كون العدد متصلا بالايقاع
ولا يضر الانقطاع لانقطاع النفس. فإن قال أنت طالق وسكت من غير انقطاع النفس ثم قال
ثلاثا فواحدة، ولو انقطع النفس أو أخذ إنسان فمه ثم قال ثلاثا فثلاث. أطلق في الكتاب
وهو محمول على ما إذا قال على الفور عند رفع اليد من فمه، ولو قال لغير المدخولة أنت
طالق يا فاطمة أو يا زينب ثلاثا تقع الثلاث، ولو قال أنت طالق اشهدوا ثلاثا فواحدة، ولو
قال فاشهدوا فثلاث. كذا في الظهيرية. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لها أنت طالق إن
دخلت الدار فماتت قبل قوله إن دخلت لم تطلق لأن صدر الكلام يتوقف على آخره لوجود
ما يغيره وهو ذكر الشرط في آخره، فخرج عن أن يكون ايقاعا. وإلى أنه لو قال أنت طالق
إن شاء الله فماتت المرأة قبل الاستثناء لم يقع شئ، والمسألتان في المحيط والذخيرة. وفيها:
إذا قال لها أنت طالق وأنت طالق فماتت المرأة قبل أن يتكلم بالثاني كانت طالقا واحدة لأن
كل كلام عامل في الوقوع إنما يعمل إذا صادفها وهي حية. ولو قال أنت طالق وأنت طالق
إن دخلت الدار فماتت المرأة عند الأول أو الثاني لا يقع لأن الكلام المعطوف بعضه على
بعض إذا اتصل الشرط بآخره يخرج عن أن يكون إيقاعا. وفيه: لو قال لها أنت طالق ثلاثا يا
عمرة فماتت قبل قوله يا عمرة طلقت لأنه ليس بمغير ا ه‍. وقيد بموتها احترازا عن موته لما
في الخانية: ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فلما قال أنت طالق مات أو أخذ إنسان فمه
يقع واحدة ا ه‍. وفي المعراج: قيد بموتها لأن بموت الزوج قبل ذكر العدد تقع واحدة لأن
الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد في موتها وذكر العدد حصل بموتها، وفي موت الزوج

509
ذكر لفظ الطلاق ولم يتصل به ذكر العدد فبقي قوله أنت طالق وهو عامل لنفسه في وقوع
الطلاق، ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق يريد أن يقول ثلاثا فأخذ رجل فمه فلم يقل
شيئا بعد ذلك الطلاق يقع واحدة لأن الوقوع بلفظه لا بقصده ا ه‍. وذكره في الذخيرة معزيا
إلى الأصل. وسيأتي صريحا الفرق بين موته وموتها في التعليق بمشيئة الله تعالى حيث يقع في
الأول دون الثاني.
قوله: (ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة أو قبل واحدة أو بعدها واحدة يقع واحدة
وفي بعد واحدة أو قبلها واحدة أو مع واحدة أو معها اثنتان) بيان لأربع مسائل: الأولى لو
فرق بالعطف فإنه يقع واحدة، فإن كان بالواو فلأنها لمطلق الجمع أي لجمع المتعاطفات في
معنى العامل أعم من أن يكون على المعية، أو على تقدم بعض المتعاطفات أو تأخره فلا
يتوقف الأول على الآخر لأن الحكم بتوقفه متوقف على كونها للمعية بخصوصه وهو منتف
فيعمل كل لفظ عمله فتبين بالأولى فلا يقع ما بعدها، فاندفع بهذا ما ذكر من أنها هنا للترتيب
وقد حكى السرخسي خلافا بين أبي يوسف ومحمد فقال: عند أبي يوسف تبين قبل أن يفرغ
من الكلام الثاني، وعند محمد بعد فراغه منه لجواز أن يلحق بكلامه شرطا أو استثناء. ورجح
في أصوله قول أبي يوسف أنه ما لم يقع لا يفوت المحل فلو توقف وقوع الأول على التكلم
بالثانية لوقعا جميعا لوجود المحل للثلاث حال التكلم بها. وفي التحرير: إن قول محمد محمول
على أن بعد الفراغ يعلم الوقوع بالأول لتجويز إلحاق المغير، ولو كان المراد أن نفس. الوقوع
متأخر إلى الفراغ من الثاني لوقع الكل. وفي فتح القدير: لا خلاف بينهما في المعنى لأن
الوقوع بالأول وظهوره بالفراغ من الثاني ا ه‍. وفيه نظر لما في السراج الوهاج أن فائدة
الخلاف تظهر في الموت ا ه‍. يعني لو ماتت قبل فراغه من الثاني وقع عند أبي يوسف لا عند
محمد فالخلاف معنوي. وفي المعراج: وفائدة الخلاف تظهر فيمن ماتت قبل الفراغ فعنده يقع
خلافا لمحمد لجواز أن يلحق بآخره شرطا أو استثناء، وهذا الخلاف إنما يتحقق عند العطف
بالواو، فأما بدون الواو لا يتحقق الخلاف لأنه لا يلحق به الشرط والاستثناء ا ه‍. وبهذا
ظهر قصور نظر ابن الهمام من أنه لا خلاف في المعنى. قيد بقوله واحدة وواحدة لأنه لو
قال واحدة ونصفا أو قال واحدة وأخرى فإنه يقع اثنتان، ولو قال أنت طالق إحدى وعشرين
وقع الثلاث لا بسبب أن الواو للمعية بل لأنه أخصر ما يلفظ به إذا أراد الايقاع بهذه الطريقة

510
وهو مختار في التعبير لغة كما قدمناه. وقيدنا بتأخير النصف عن الواحدة لأنه لو قدمه عليها
بأن قال أنت طالق نصفا وواحدة وقعت واحدة لأنه غير مستعمل على هذا الوجه فلم يجعل
كله كلاما واحدا. وعزاه في المحيط إلى محمد وفيه: لو قال أنت طالق واحدة وعشرا وقعت
واحدة بخلاف أحد عشر فإنه يقع الثلاث لعدم العطف، وكذا لو قال واحدة ومائة أو واحدة
وألف أو واحدة وعشرين فإنه يقع واحدة لأن هذا غير مستعمل في المعتاد فإنه يقال في
العادة مائة وواحدة وألف وواحدة فلم يجعل هذه الجملة كلاما واحدا بل اعتبر عطفا. وقال
أبو يوسف: تقع الثلاث لأن قوله مائة وواحدة وواحدة ومائة سواء ا ه‍. وقيد بكونه
مخاطبا لها بالعدد لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت شئت واحدة
وواحدة وواحدة طلقت ثلاثا كما في المعراج وغيره، لأن تمام الشرط بآخر كلامها وما لم يتم الشرط
لا يقع الجزاء ا ه‍. وإذا علم الحكم في العطف بالواو علم بالفاء وثم بالأولى لاقتضاء الفاء
التعقيب وثم الترتيب. وأما بل فإذا قال للمدخولة أنت طالق واحدة لا بل ثنتين تقع
الثلاث لأنه أخبر أنه غلط في إيقاع الواحدة ورجع عنها وقصد إيقاع الثنتين قائما مقام
الواحدة فصح إيقاع الثنتين ولم يصح الرجوع عن الواحدة. ولو قال ذلك لغير المدخولة تقع
واحدة لأن بالأولى صارت مبانة، ولو قال للمدخولة طلقتك أمس واحدة لا بل ثنتين يقع
ثنتان لأنه خبر يقبل التدارك في الغلط بخلاف الانشاء، وتمامه في المحيط من باب عطف
الطلاق على الطلاق بكلمة لا بل والمسائل الثلاث هي قبل وبعد ومع إما قبل فاسم
لزمان متقدم على ما أضيفت إليه، وأما بعد فاسم لزمان متأخر على ما أضيفت إليه والأصل
أن الظرف متى كان بين اسمين فإن لم يقرن بها الكناية كان صفة للأول تقول جاءني زيد قبل
عمرو القبلية فيها صفة لزيد. وإن قرن بها الكناية كا صفة للثاني تقول جاءني زيد قبله
عمرو فإذا قال أنت طالق واحدة قبل واحدة فقد أوقع الأولى قبل الثانية فبانت بها فلا تقع
الثانية، ولو قال بعدها واحدة فكذلك لأنه وصف الثانية بالبعدية، ولو لم يصفها به لم تقع
فهذا أولى. وأما إذا قال واحدة قبلها واحدة يقع اثنتان لأن إيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في
الحال لامتناع الاستناد إلى الماضي فيقترنان فتقع اثنتان، وكذا في واحدة بعد واحدة لأنه جعل
البعدية صفة للأولى فاقتضى أيقاع الثانية قبلها فكان إيقاعا في الحال فيقترنان. وهذا كله في

511
غير المدخول بها، وفي المدخول بها تقع ثنتان في الكل واستشكل في واحدة قبل واحدة لأن
كون الشئ قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير على ما ذكر محمد في الزيادات نحو
* (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) * (المجادلة: 3) * (لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)
* (الكهف: 109) وأجيب بأن هذا اللفظ أشعر بالوقوع وكون الشئ قبل غيره يقتضي وجود
ذلك الغير ظاهرا وإن لم يستدعه لا محالة، والعمل بالظاهر واجب ما أمكن. كذا في فتح
القدير. وأما مع فللقران فلا فرق فيها بين الاتيان بالضمير أو لا فاقتضى وقوعهما معا.
وعن أبي يوسف أنه لو قال معها واحدة تقع واحدة. وفي المحيط: لو قال لغير المدخولة أنت
طالق اليوم وأمس تطلق ثنتين كأنه قال واحدة قبلها واحدة ا ه‍. وفي شرح النقاية للشمني
ثم من مسائل قبل وبعد ما قيل منظوما:
ما يقول الفقيه أيده الله * ولا زال عنده الاحسان
في فتى علق الطلاق بشهر * قبل ما بعد قبله رمضان
وهذا البيت يمكن إنشاده ثمانية أوجه: أحدها قبل ما قبل قبله. ثانيها قبل ما بعد
قبله. ثالثها قبل ما قبل بعده. رابعها بعد ما قبل قبله. خامسها بعد ما بعد بعده. سادسها
بعد ما قبل بعده. سابعها بعد ما بعد قبله. ثامنها قبل ما بعد بعده. والضابط فيما اجتمع فيه

512
القبل والبعد أن يلغى قبل وبعد لأن كل شهر بعد قبله وقبل بعده فيبقى قبله رمضان وهو
شوال أو بعده رمضان وهو شعبان ا ه‍. وحاصله أن المذكور إن كان محض قبل وهو الأول
وقع في ذي الحجة، وإن كان محض بعد وقع في جمادى الآخرة وهو الخامس ويقع في الوجه

513
الثاني، والرابع والسابع في شوال لأن قبله رمضان بإلغاء الطرفين الأولين، ويقع في الثالث
والسادس، والثامن في شعبان لأن بعده رمضان بإلغاء الطرفين الأولين. ووجه الحصر في
الثمانية أن الظروف الثلاثة إما أن تكون قبل أو بعد أو الأولين قبل أو الأولين بعد، أو الأول
فقط قبل أو الأول فقط بعد، أو قبل بين بعدين أو بعد بين قبلين. وهذا البيان من خواص
هذا الكتاب. ومن مسائل الظروف الثلاثة ما في تلخيص الجامع من كتاب الطلاق باب
الطلاق في الوقت طالق كل تطليقة ثلاث خلاف المعرف إذ عم أجزاءه وأفرد المنكر شبه كل
دار وكل الدار كذا طالق تطليقة مع كل تطليقة، وعكسها لقران المفرد الكل إلا أن ينوي
المفرد فيدين للتخصيص كذا بعد كل تطليقة وقبلها كل تطليقة لسبق الكل الفرد إذ هما بالهاء
وصف اللاحق ودونه وصف السابق لهذا كان فردا قبل الدخول في عكس الهاء للعكس،
وتعلق في طالق بعد يوم الأضحى وتنجز في قبل وقبلها ومعها إذ إضافة الوقت قلب
المشروع المقدور فلغت وبقي الذات بلا قيد كطالق طلاقا لا يقع إلا غدا أو بالدخول بخلاف
بائنا إذ غير محمد يلحق الوصف، ولو أقر بمال هكذا لزم فرد في الأولى مثنى في الباقي
لجهل الزائد، واعتبر بآخر كل شهر إلا في قبل للصدق بالفرد وعشرون في علي درهم مع
كل درهم من الدراهم عنده، وستة عندهما. وأصله تعريف الجمع واحد عشر في ضم المشار
عنده، وأربعة عندهما لامتناع التعدد في المشار حتى لم يتعدد عليها في أنت طالق مع كل
زوجة ا ه‍. وحاصله أنه في الاقرار يلزمه درهمان في جميع الصور أعني مع وقبل وبعد إلا
في قوله لك علي درهم قبل كل درهم بلا ضمير فإنه يلزمه درهم واحد. فما في التحرير
لابن الهمام أنه في الاقرار يلزمه المالان مطلقا ليس بصحيح في الكل. وصرح في الخانية من
الاقرار بأنه يلزمه واحد في قوله له علي درهم قبل درهم. وأطلق المصنف رحمه الله في
مسائل الظروف الثلاث فشمل ما إذا كان الطلاق منجزا أو معلقا، ولذا قال في التتمة: إذا
قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق واحدة بعدها واحدة إن دخلت الدار بانت بالأولى ولم
يلزمها اليمين لأن هذا منقطع، ولو قال أنت طالق واحدة قبل واحدة إن دخلت الدار لم
تطلق حتى تدخل الدار. فإذا دخلت طلقت واحدة ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها
واحدة أو معها واحدة أو مع واحدة إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار فإذا دخلت
الدار يقع عليها ثنتان، وكذلك الجواب فيما إذا قال أنت طالق واحدة وبعدها أخرى إن
دخلت الدار اه‍.

514
قوله: (إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت يقع واحدة وإن أخر الشرط
فثنتان) بأن قال أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار، وهذا عند أبي حنيفة. وقالا:
يقع اثنتان فيهما ونسب لأبي حنيفة القول بأن الواو للترتيب أخذا من قوله بوقوع الواحدة فيما
إذا قدم الشرط لأنها لو كانت للجمع لتعلق الكل وليس بصحيح، بل إنما قال بالواحدة لأن
موجب هذا الكلام عنده تعلق المتأخر بواسطة المتقدم فينزلن. كذلك فيسبق الأول فتبطل
محليتها. وتوضيحه أن الأول تعلق قبل الثاني لعدم ما يوجب توقفه. وتعلق الثاني بواسطته،
والثالث بواسطتهما فينزل على الوجه الذي وقع عليه التعليق بخلاف ما إذا كرر الشرط لأن
تعلق الثاني بغير شرط الأول ليس بواسطة الأول لأن كلا جملة مستقلة فتعلق بالشرط الواحد
طلقات ليس شئ منها بواسطة شئ فينزلن جميعا عند الشرط بخلاف ما إذا أخر الشرط لأن
تأخره موجب لتوقف الأول لأنه مغير فتعلق الكل به دفعة فينزل دفعة. ونسب إليهما القول
بأنها للمعية أخذا من قولهما بوقوع الثنتين وليس بصحيح، بل قالا بعدما اشتركت في التعلق
بواسطة أن تنزل دفعة لأن نزول كل حكم الشرط فتقترن أحكامه كما في تعدد الشرط. قال
في فتح القدير، قولهما أرجح وقول الإمام تعلق الثاني بواسطة تعلق الأول، إن أريد أنه علة
تعلقه فممنوع بل علته جمع الواو إياه أي الشرط، وإن أريد كونه سابق التعلق سلمناه ولا
يفيد كالايمان المتعاقبة، ولو سلم أن تعلق الأول علة لتعلق الثاني لم يلزم كون نزوله علة
لنزوله إذ لا تلازم فجاز كونه علة لتعلقه فيتقدم في التعلق وليس نزوله علة لنزوله بل إذا
تعلق الثاني بأي سبب كأن صار مع الأول متعلقين بشرط وعند نزول الشرط ينزل المشروط
ا ه‍. وهذا كله تقرير الأصول. وأما تقرير الفروع فوجه قول الإمام أن المعلق بالشرط
كالمنجز عند وجوده ولو نجزه حقيقة لم يقع الثانية بخلاف ما إذا أخر الشرط لوجود المغير.
كذا ذكر الشارح. وحاصل ما في الهداية أن الواو لمطلق الجمع لا تصدق إلا في ضمن معية
أو ترتيب، فعلى اعتبار المعية يقع الكل، وعلى اعتبار الترتيب لا يقع إلا واحدة فلا يقع الزائد
بالشك وهو أقرب ما وجه به قول الإمام. قيد بالواو لأنه لو عطف بالفاء وقدم الشرط وقعت
واحدة اتفاقا على الأصح للتعقيب، ولو عطف بثم وأخر الشرط وقعت واحدة منجزة ولغا
ما بعدها، وإن كانت مدخولا بها تعلق الأخير وتنجز ما قبله، وإن تقدم الشرط تعلق الأول
وتنجز الثاني فيقع المعلق عند الشرط بعد التزوج الثاني ولغا الثالث، وفي المدخول بها تعلق
الأول ونجز ما بعده، وعندهما تعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره إلا عند وجود الشرط تطلق

515
المدخول بها ثلاثا وغيرها واحدة بناء على أن أثر التراخي يظهر في التعليق عنده فكأنه سكت
بين كل كلمتين، وعندهما يظهر في الوقوع عند نزول الشرط لا في التعليق. والحاصل أن
الحروف ثلاثة، وكل على وجهين: تقديم الشرط وتأخيره. ففي الفاء والواو يقع واحدة إن
قدمه واثنتان إن أخره. وفي ثم إن قدم الشرط تعلق الأول وتنجز الثاني ولغا الثالث، وإن
أخره تنجز الأول ولغا ما بعده. وقيد بحرف العطف لأنه ما ذكر بغير عطف أصلا نحو إن
دخلت الدار فأنت طالق واحدة واحدة واحدة ففي فتح القدير يقع واحدة اتفاقا عند وجود
الشرط ويلغو ما بعده لعدم ما يوجب التشريك.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لغير المدخولة إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي
كظهر أمي والله لا أقربك فدخلت طلقت وسقط الظهار والايلاء عنده لسبق الطلاق فتبين فلا
تبقى محلا لما بعده. وعندهما هو مطلق مظاهر مول وإلى أنه لو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت
طالق وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك وتزوجها، فعلى الخلاف بخلاف ما لو قدم
الظهار والايلاء وقع الكل عند الكل. أما عندهما فظاهر، وأما عنده فلسبق الايلاء. ثم هي
بعده محل للظهار، ثم هي بعدهما محل للطلاق فتطلق. كذا في فتح القدير. وإلى أنه لو قال
لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق وطالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة وبطلت الثنتان، ولو
قال أنت طالق وطالق وطالق يوم أتزوجك وقعت الثلاث. كذا في الحاوي القدسي. وكذا
لو قال إن تزوجتك كما في المحيط وفي تلخيص الجامع من أول كتاب الايمان: لو قال ثلاثا
لغير المدخولة إن كلمتك فأنت طالق انحلت الأولى بالثانية لاستئناف الكلام بخلاف فاذهبي يا
عدوة الله، لكن عند زفر بالشرط كما لو اقتصر فلغت الثانية، وعندنا بالجزاء فانعقدت إذ

516
الجملة واحدة وإلا نزل اثنان على المدخولة بتكرير كلما كلمتك فأنت طالق وانحلت بالثانية لا
إلى جراء ولغت هي بعدم الملك، وفي إن حلفت بطلاقك لا تنحل اليمين الثانية إلا بتعليق
طلاقها بالملك أو بعده إذ الشرط إدخالها في الجزاء. كذا في تعليق طلاقها ومدخولة بالحلف
بطلاقهما إنما تنحل الثانية بتعليق طلاقها بالملك أو بعده إذ الثالثة انعقدت على المدخولة
حسب فكانت الثالثة شطر الشرط، وذا في حق الثالثة شطر أيضا فلا تنحل ما لم يحلف
بطلاق المدخولة وهي البردعية ا ه‍. يعني أن هذه المسألة تلقب بالبردعية لأن أبا سعيد
البردعي بعدما تفقه ودرس سئل عنها فلم يهتد إلى جوابها فارتحل إلى بغداد وتعلم سبع سنين
حتى صار من كبار أصحابنا. وقيد بغير المدخولة لأن فيها يتعلق الكل بالشرط قدمه أو

517
أخره. وفي المحيط: لو قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة لا بل ثلاثا إن دخلت الدار
طلقت واحدة للحال، وثلاثا إن دخلت الدار، لأن قوله أنت طالق واحدة للتنجيز وأراد
بقوله لا بل ثلاثا إن دخلت الدار تعليق الثلاث والرجوع عن إيقاع الواحدة فلا يصل الشرط
المذكور آخرا بإيقاع الواحدة فصح تعليقه، ولم يصح رجوعه عن الواحدة. ولم قدم الشرط
فقال إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل ثلاثا لم تطلق حتى تدخل لأن قوله لا بل
ثلاثا غير مستقل تام بنفسه فتعذر أن يجعل تنجيزا فصار تعليقا ا ه‍. والله أعلم بالصواب
وإليه المرجع المآب.
باب الكنايات في الطلاق
قدم الصريح عليها لأنه الأصل في الكلام إذ هو موضوع للأفهام. وهي في اللغة
مأخوذة من كنى يكنو إذا ستر. وذكر الرضي أنها في اللغة والاصطلاح أن يعبر عن شئ
معين، لفظا كان أو معنى، بلفظ غير صريح في الدلالة عليه، إما للابهام على بعض السامعين
كقولك جاءني فلان وأنت تريد زيدا. وقال فلان كيت وكيت إبهاما على بعض من يسمع أو
لشناعة المعبر عنه كهن في الفرج أو للاختصار كالضمائر، أو لنوع من الفصاحة كقولك
فلان كثير الرماد وكثير الفرى أو لغير ذلك ا ه‍. وفي علم البيان على القول الأصح كما في
المطول أن لا يصرح بذكر المستعار بل بذكر رديفه ولازمه الدال عليه، فالمقصود بقولنا أظفار
المنية استعارة السبع للمنية كاستعارة الأسد للرجل الشجاع في قولنا رأيت أسدا لكنا لم

518
نصرح بذكر المستعار أعني السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه لينتقل منه إلى المقصود كما هو
شأن الكناية، فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به، والمستعار منه هو الحيوان المفترس،
والمستعار له هو المنية إلى آخره. وفي أصول الفقه قال في التنقيح: ثم كل واحد من الحقيقة
والمجاز إذا كان في نفسه بحيث لا يستتر المراد فصريح وإلا فكناية، فالحقيقة التي لم تهجر
صريح، والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح،
وغير الغالب كناية. وعند علماء البيان الكناية لفظ يقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له وهي لا
تنافي إرادة الموضوع له فإنها استعملت فيه لكن قصد بمعناه معنى ثان كما في طويل النجاد
بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له ا ه‍. واحترز بقوله
في نفسه عن انكشاف المراد فيها بواسطة التفسير والبيان ودخل فيها المشكل والمجمل. وفي
الفقه هنا ما احتمل الطلاق وغيره قوله: (لا تطلق بها إلا بنية أو دلالة الحال) أي لا تطلق
بالكنايات قضاء إلا بإحدى هذين لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم منه.
ومن حكمه لما سيأتي أن ما عدا الثلاث منها لم يرد بها الطلاق أصلا بل ما هو حكمه من
البينونة من النكاح. والمراد بدلالة الحال الحالة الظاهرة المفيدة لمقصوده، ومنها تقدم ذكر
الطلاق كما في المحيط: لو قال لها أنت طالق إن شئت واختاري فقالت شئت واخترت يقع
طلاقان: أحدهما بالمشيئة والآخر بالاختيار من غير نية لتقدم الصريح عليها. والحال في اللغة
صفة الشئ يذكر ويؤنث. يقل حال حسن وحسنة. كذا في المصباح قيدنا بالقضاء لأنه لا
يقع ديانة إلا بالنية ولا عبرة بدلالة الحال كما إذا قال أنت طالق ونواه عن الوثاق لا يقع
ديانة. وفي المجتبى عن صدر القضاء في شرح الجامع الصغير: إذا قال لم أنو الطلاق فعليه
اليمين إن ادعت الطلاق، وإن لم تدع يحلف أيضا حقا لله تعالى ن. قال أبو نصر قلت
لمحمد بن سلمة: يحلفه الحاكم أم هي تحلفه؟ قال: يكتفى بتحليفها إياه من منزله فإذا حلفته
فحلف فهي امرأته وإلا رافعته إلى القاضي، فإن نكل عن اليمين عنده فرق بينهما ا ه‍. وفي
البزازية: وفي كل موضع تشترط النية ينظر المفتي إلى سؤال السائل، إن قال قلت كذا هل
يقع يقول نعم إن نويت، وإن قال كم يقع يقول واحدة ولا يتعرض لاشتراط النية.
قوله: (فتطلق واحدة رجعية في اعتدى واستبرى رحمك وأنت واحدة) لأن الأولى
تحتمل الاعتداد من النكاح ومن نعم الله تعالى فتعين الأول بالنية، ويقتضي طلاقا سابقا وهو
يعقب الرجعة إن كان بعد الدخول، وأما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا من إطلاق الحكم
وإرادة العلة. ولا يجعل مجازا عن طلقي لأنه لا يقع به طلاق، ولا عن أنت طالق أو طلقتك

519
لأنهم يشترطون التوافق في الصيغة. كذا في التلويح. وما في الشرح من أنه من إطلاق
المسبب وإرادة السبب فممنوع لأنه يرد عليه أن شرطه اختصاص المسبب بالسبب والعدة لا
تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد إذا أعتقت، وما أجيب به، من أن ثبوتها فيما ذكر لوجود
سبب ثبوتها في الطلاق وهو الاستبراء إلا بالأصالة فغير دافع سؤال عدم الاختصاص. كذا
في فتح القدير. وفي التلويح: والاعتداد شرعا بطريق الأصالة مختص بالطلاق لا يوجد في
غيره إلا بطريق التبع والشبه كالموت وحدوث حرمة المصاهرة وارتداد الزوج وغيرها. وقد
يقال إن اعتدي من باب الاضمار أي طلقتك فاعتدي أو اعتدي لأني طلقتك، ففي
المدخولة يثبت الطلاق وتجب العدة، وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة
ا ه‍. وهو يفيد أنه من باب الاقتضاء في غير المدخولة أيضا وإن كان أمرها فيها بالعدة ليس
بموجب شيئا فلا حاجة إلى تكلف المجاز. والمراد بالمسبب هنا وجوب عد الأقراء المستفاد من
الامر، وما في النوادر من أن وقوع الرجعي بها استحسان لحديث سودة يعني أنه عليه السلام
قال لها اعتدي ثم راجعها، والقياس أن يقع البائن كسائر الكنايات بعيد، بل ثبوت الرجعي
قياس واستحسان. لأن علة البينونة في غير الثلاثة منتفية فيها فلا يتجه القياس أصلا. كذا
في فتح القدير. وقد سلك المحقق في فتح القدير طريقا غير طريقهم في تقرير أن اعتدي
من باب الاقتضاء فقال: إن اعتدي يقتضي فرقة بعد الدخول وهي أعم من رجعي وبائن
لكن لا يوجب ذلك تعين البائن بل تعين الأخف لعدم الدلالة على الزائد ا ه‍. وهو مسلك
حسن لكن يلزم عليه أنه لو نوى البائن في قوله اعتدي صحت نيته، وعلى ما قرره المشايخ
من الطلاق لم تصح نيته. وأما استبرى رحمك فلانه تصريح بما هو المقصود من العدة وهو
تعرف براءة الرحم فيحتمل استبريه لأني طلقتك أو لأطلقك إذا علمت خلوه عن الولد.
وعلى الأول يقع، وعلى الثاني لا فلا بد من النية ويجب كونه مجازا عن كوني طالقا في
المدخولة إذا كانت آيسة أو صغيرة وفي غير المدخولة مطلقا وأما أنت واحدة فيحتمل أن
يكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة، فإذا نواه مع هذا الوصف فكأنه قاله والطلاق
يعقبه الرجعة، ويحتمل غيره نحو أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا وذما فقد ظهر أن
الطلاق في هذه الألفاظ الثلاثة مقتضى ولو كان مظهرا لا يقع به إلا واحدة، فإذا كان
مضمرا أو أنه أضعف منه أولى. وأشار المصنف بقوله واحدة رجعية إلى أنه لو نوى البينونة
الكبرى أو الصغرى لا تعتبر نيته وهو ظاهر في الأوليين، وأما في أنت واحدة فالمصدر وإن

520
كان مذكورا بذكر صفته لكن التنصيص على الواحدة يمنع إرادة الثلاث لأنها صفة للمصدر
المحدود بالهاء فلا يتجاوز الواحدة. وأطلق في واحدة فأفاد أنه لا معتبر بإعرابها وهو قول
العامة وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الاعراب، والخواص لا تلتزمه في
كلامهم عرفا بل تلك صناعتهم والعرف لغتهم، وقد ذكرنا في شرحنا على المنار أنهم لم
يعتبروه هنا واعتبروه في الاقرار فيما لو قال له درهم غير دانق رفعا ونصبا فيحتاجون إلى
الفرق. ولما كانت العلة في وقوع الرجعي بهذه الألفاظ الثلاثة وجود الطلاق مقتضى أو
مضمرا علم أن لا حصر في كلامه، بل كل كناية كان فيها ذكر الطلاق كانت داخلة في
كلامه ويقع بها الرجعي بالأولى كقوله أنا برئ من طلاقك، الطلاق عليك، عليك
الطلاق، لك الطلاق، وهبتك طلاقك، إذا قالت اشتريت من غير بدل قد شاء الله
طلاقك، قضى الله طلاقك، شئت طلاقك، تركت طلاقك، خليت سبيل طلاقك، أنت
مطلقة بتسكين الطاء، أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة، أنت طال بحذف الآخر،
خذي طلاقك، أقرضتك طلاقك، أعرتك طلاقك. ويصير الامر بيدها على ما في المحيط:
لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج، لست لك بزوج وما أنت لي بامرأة بخلاف ما لو قال أنا
برئ من نكاحك فإنه لا يقع. قاله ابن سلام. وفي الخلاصة: اختلف في برئت من
طلاقك إذا نوى والأصح أنه يقع، والأوجه عندي أن يقع بائنا كما في فتح القدير. وفي
المعراج: والأصل الذي عليه الفتوى في الطلاق بالفارسية أنه إن كان فيه لفظ لا يستعمل
إلا في الطلاق فذلك اللفظ صريح يقع بلا نية إذا أضيف إلى المرأة مثل ز ن ر ها كردم في
عرف أهل خراسان والعراق بهيم لأن الصريح لا يختلف باختلاف اللغات، وما كان
بالفارسية يستعمل في الطلاق وغيره فهو من كنايات الفارسية فحكمه حكم كنايات العربية
في جميع الأحكام ا ه‍.
قوله: (وفي غيرها بائنة وإن نوى ثنتين وتصح نيته الثلاث) أي في غير الألفاظ الثلاثة
وما في معناها تقع واحدة بائنة أو ثلاث بالنية، ولا تصح نية الثنيتين في الحرة لما قدمناه أنه

521
عدد محض بخلاف الثلاث لأنه كل الجنس، ولان البينونة متنوعة إلى غليظة وخفيفة فأيهما
نوى صحت نيته بخلاف أنت طالق لأنه موضوع شرعا لانشاء الواحدة الرجعية فلا يملك
العبد تغييره. وفي المحيط: لو طلق منكوحته الحرة واحدة ثم قال لها أنت بائن ونوى ثنتين
كانت واحدة لأن البينونة الغليظة لا تحصل بما نوى فلا تصح النية حتى لو نوى الثلاث تقع
لأن البينونة في حقها تحصل بالثنتين وبالواحدة السابقة ا ه‍. والثنتان في الأمة كالثلاث في
الحرة فلا ترد عليه كما لا يرد عليه اختاري وأمرك بيدك فإنه لا يقع بهما، بل إذا نوى
التفويض كان لها التطليق فلا يقع إلا بقولها بعده اخترت نفسي ونحوه، وكما لا يرد عليه
اختاري فإنه كناية ولا يصح فيه نية الثلاث لما سنذكره في باب التفويض، وبه اندفع
اعتراض الشارح عليه. والحاصل أن الكنايات كلها تصح فيها نية الثلاث إلا أربعة: الثلاث
الرواجع واختاري كما في الخانية. قوله: (وهي بائن) من باب بان الشئ إذا انفصل فهو
بائن، وأبنته بالألف فصلته، وبانت المرأة بالطلاق فهي بائن بغير هاء، وأبانها زوجها بالألف
فهي مبانة. قال ابن السكيت في كتاب التوسعة: تطليقة بائنة والمعنى مبانة. قال الصغاني
رحمه الله: فاعلة بمعنى مفعولة كذا في المصباح وفي منظومة ابن وهبان ما حاصله أنه لو علق
بالشرط إبانة بلا نية طلاق لم يقع إذا وجد شرطه ا ه‍. فأنت بائن كناية معلقا كان أو منجزا
قوله: (بتة) من بته بتا من باب ضرب وقتل قطعه، وفي المطاوع فانبت كما يقال فانقطع
وانكسر، وبت الرجل طلاق امرأته فهي مبتوتة والأصل مبتوت طلاقها وطلقها طلقة بتة
وثلاثا بتة إذا قطعها من الرجعة، وأبت طلاقها بالألف لغة. قال الأزهري: ويستعمل الثلاثي
والرباعي لازمين ومتعديين، فيقال بت طلاقها وأبته وطلاق بات وبت. كذا في المصباح.
قوله: (بتلة) من بتله بتلا من باب قتل قطعه وأبانه وطلقها طلقة بتة بتلة. كذا في
المصباح قوله: (حرام) من حرم الشئ بالضم حرما وحرما وحراما، امتنع فعله والممنوع

522
يسمى حراما تسمية بالمصدر، وسيأتي في آخر باب الايلاء عن الفتاوى أنه لو قال لها أنت
علي حرام والحرام عنده طلاق وقع. وإن لم ينو وذكر الإمام ظهير الدين لا نقول لا تشترط
النية ولكن نجعله ناويا عرفا. ولا فرق بين قوله أنت علي حرام أو محرمة علي أو حرمتك علي
أو لم يقل علي أو أنت حرام بدون علي أو أنا عليك حرام أو محرم أو حرمت نفسي عليك. ويشترط قوله
عليك في تحريم نفسه لا نفسها، وكذا قوله حلال المسلمين علي حرام، وكل حل علي
حرام وأنت معي في الحرام، فإن قلت: إذا وقع الطلاق بلا نية ينبغي
أن يكون كالصريح فيكون الواقع رجعيا قلت: المتعارف به إيقاع البائن لا الرجعي وإن قال لم
أنو لم يصدق في موضع صار متعارفا. كذا في البزازية. وسيأتي تمامه في الايلاء. وفي
القنية: لو قال أنت امرأة حرام ولم يرد الطلاق يقع قضاء وديانة، ولو قال هي حرام كالماء
تحرم لأنه تشبيه بالسرعة قوله: (خلية) من خلت المرأة من مانع النكاح خلوا فهي خلية،
ونساء خليات، وناقة خلية مطلقة من عقالها فهي ترعى حيث شاءت، ومنه يقال في كنايات
الطلاق هي خلية. كذا في المصباح قوله: (بريئة) يحتمل النسبة إلى الشر أي بريئة من حسن
الخلق وأفعال المسلمين وإلى الخير أي عن الدنيا أو عن البهتان، ويحتمل أن أنت بريئة عن
النكاح. وفي الكافي: بريئة من البراءة ولهذا وجب همزها قوله: (حبلك على غاربك) تمثيل
لأنه تشبيه بالصورة المنتزعة من أشياء وهي هيئة الناقة إذا أريد إطلاقها ترعى وهي ذات رسن
وألقى الحبل على غاربها وهو ما بين السنام والعنق كيلا تتعقل به إذا كان مطروحا فشبه بهذه
الهيئة إلا طلاقية انطلاق المرأة من قيد النكاح أو العمل والتصرف. كذا في فتح القدير. وفي
المصباح: إنه استعير للمرأة وجعل كناية عن طلاقها أي اذهبي حيث شئت كما يذهب
البعير. وفي النوادر: الغارب اعلا كل شئ والجمع الغوارب قوله: (الحقي بأهلك) بهمز
وصل كما في فتح القدير. يعني فتكسر الهمزة وتفتح الحاء من لحقته ولحقت به من باب
تعب لحاقا بالفتح أدركته. وفي المصباح: وألحقته بالألف مثله فعلى هذا لا تتعين الهمزة
للوصل فيجوز أن تكون للقطع مع كسر الحاء من باب الافعال. وفي غاية البيان: والحقي
من اللحوق لا من الالحاق وانتقلي وانطلقي كالحقي. وفي القنية: قالت لزوجها تغير لوني
فقال الزوج رددتك بهذا العيب ونوى الطلاق يقع. قال الكمال في فتح القدير: ثم في الهبة

523
إذا لم تكن له نية تطلق في القضاء، ولو قال نويت أن يكون في يدها لا يصدق، وأما فيما
بينه وبين الله تعالى فهو كما نوى، فإن طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت وإلا فهي
زوجته. هذا إذا ابتدأ الزوج، فلو ابتدأت فقالت هب طلاقي تريد اعرض عنه فقال وهبت لا
يقع وإن نوى لأنه جوابها فيما طلبت. كذا قيل وفيه نظر، بل يجب أن يقع إذا نوى لأنه لو
ابتدأ به ونوى يقع فإذا نوى الطلاق فقد قصد عدم الجواب وأخرج الكلام ابتداء وله ذلك
وهو أدرى بنفسه ونيته. وفي البزازية: الحقي برفقتك يقع إذا نوى قوله: (وهبتك لأهلك)
يحتمل البينونة لأن الهبة تقتضي زوال الملك. أطلقه فشمل ما إذا لم يقبلوها لأن القبول لا
يحتاج إليه لإزالة الملك، كذا في المحيط. والتحقيق أنه مجاز عن رددتك إليهم فتصير إلى الحالة
الأولى وهي البينونة كالحقي بأهلك، ومثله وهبتك لأبيك أو لابنك أو للأزواج لأنها ترد إلى
هؤلاء بالطلاق عادة، وخرج عنه ما لو قال وهبتك للأجانب فإنه ليس بكناية، والأخ
والأخت والعمة والخالة من الأجانب هنا فلا يقع وإن نوى كما في المعراج لأنها لا ترد إليهم
بالطلاق عادة، وخرج عنه ما لو قال وهبتك بعض طلاقك فإنه ليس بكناية، وقدمنا أنه لو
قال وهبت لك طلاقك فإنه يقع في القضاء بلا نية ولا يصدق أنه أراد كونه في يدها إلا إذا
وقع جوابا لقولها هب لي طلاقي فإنه لا يقع وإن نوى. وفي المعراج: لو قال أبحتك طلاقك
لا يقع وإن نوى. وفي الذخيرة: وهبت نفسك منك يقع إذا نوى.
قوله: (سرحتك فارقتك) وجعلهما الشافعي من الصريح لورودهما في القرآن للطلاق
كثيرا. قلنا: المعتبر تعارفهما في العرف العام في الطلاق لاستعمالها شرعا مرادا هو بهما.
كذا في فتح القدير. وفي الكافي: ولنا الصريح ما لا يستعمل في غير النساء وهم يقولون
سرحت إبلي وفارقت غريمي، ومشايخ خوارزم من المتقدمين ومن المتأخرين كانوا يفتون بأن
لفظ التسريح بمنزلة الصريح يقع به طلاق رجعي بدون النية. كذا في المجتبى. وفي الخانية:
لو قال أنت السراج فهو كقوله أنت خلية اعزبي. وفي القنية: والاقرار بالفرقة ليس بإقرار
بالطلاق لاختلاف أسبابها قوله: (أمرك بيدك اختاري) كنايتان للتفويض فإذا نوى تفويض
الطلاق إليها كان لها أن تطلق نفسها كما سيأتي قوله: (أنت حرة) عن حقيقة الرق أو عن
رق النكاح. وفي فتح القدير: وأعتقتك مثل أنت حرة. وفي البدائع: كوني حرة واعتقي
مثل أنت حرة ككوني طالقا مثل أنت طالق قوله: (تقنعي تخمري استتري) لأنك بنت
وحرمت علي بالطلاق أو لئلا ينظر إليك أجنبي. وفي المصباح: قناع المرأة جمعه قنع مثل
كتاب وكتب، وتقنعت لبست القناع. والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها والجمع خمر ككتاب

524
وكتب، واختمرت المرأة وتخمرت لبست الخمار ا ه‍. وفي المعراج: تقنعي
من القناعة، وقيل من القناع وهو الخمار، واقتصر على قوله استتري فأفاد أنه لو قال استتري مني خرج عن
كونه كناية كما ذكره قاضيخان في شرحه قوله: (اعزبي) من العزبة بالعين المهملة أو من
الغروب بالمعجمة وهو البعد أي ابعدي لأني طلقتك أو لزيارة أهلك قوله: (أخرجي اذهبي
قومي) لحاجة أو لأني طلقتك. قيد باقتصاره على اذهبي لأنه لو قال اذهبي فبيعي ثوبك لا
يقع وإن نوى، ولو قال اذهبي إلى جهنم يقع إن نوى. كذا في الخلاصة. ولو قال اذهبي
فتزوجي وقال لم أنو الطلاق لم يقع شئ لأن معناه تزوجي إن أمكنك وحل لك. كذا في
شرح الجامع الصغير لقاضيخان. وفي القنية: اذهبي وتحللي إقرار بالثلاث. وفي المعراج:
تنحي عني يقع إذا نوى. وفي البزازية: اذهبي وتزوجي تقع واحدة ولا حاجة إلى النية لأن
تزوجي قرينة فإن نوى الثلاث فثلاث ا ه‍. وهو مخالف لما في شرح الجامع إلا أن يفرق بين
الواو والفاء وهو بعيد هنا. وفي المنتفى عن محمد: اذهبي ألف مرة ينوي به طلاقا فثلاث.
وفي البدائع عن محمد: قال لها افلحي يريد الطلاق يقع لأنه بمعنى اذهبي. تقول العرب
أفلح بخير أي ذهب بخير، ويحتمل اظفري بمرادك يقال أفلح الرجل إذا ظفر بمراده.
قوله: (ابتغي الأزواج) إن أمكنك وحل لك أو اطلبي النساء إذ الزوج مشترك بين
الرجل والمرأة، أو ابتغي الأزواج لأني طلقتك وتزوجي مثلي. وفي القنية: زوج امرأته من
غيره لا يكون طلاقا. ثم رقم لآخر: إذا نوى الطلاق طلقت. وفيها قبله: أنت أجنبية ونوى
الطلاق لا يقع لأنه رد، وفي حال مذاكرة الطلاق إقرار. وأشار المصنف بإطلاقه إلى أن ا
لكنايات كلها يقع بها الطلاق بدلالة الحال، وقد تبع في ذلك القدوري والسرخسي في
المبسوط وخالفهما فخر الاسلام وغيره من المشايخ فقالوا: بعضها لا يقع بها إلا بالنية.
والضابط على وجه التحرير أن في حالة الرضا المجرد عن سؤال الطلاق يصدق في الكل أنه
لم يرد الطلاق، وفي حالة الرضا المسؤول فيها الطلاق يصدق فيما يصلح ردا أنه لم يرده مثل:
أخرجي، اذهبي، اعزبي، قومي، تقنعي، استتري، تخمري. وفي حالة الغضب المجرد عن
سؤال الطلاق يصدق فيما يصلح سبا أو ردا أنه لم يرد به إلا السب أو الرد كخلية بريئة بتة
بتلة بائن حرام وما يجري مجراه، ولا يصدق فيما يصلح جوابا فقط كاعتدي واستبري رحمك
وأنت واحدة واختاري وأمرك بيدك، فما يصلح للجواب فقط خمسة كما في غاية البيان.

525
وفي حالة الغضب المسؤول فيها الطلاق يجتمع في عدم تصديقه في المتمحض جوابا سببان:
المذاكرة والغضب. وكذا في قبول قوله فيما يصلح ردا لأن كلا من المذاكرة والغضب يستقل
بإثبات قبول قوله في دعوى عدم إرادة الطلاق، وفيما يصلح للسبب ينفرد الغضب بإثباته
فلا تتغير الأحكام. وبهذا علم أن الأحوال ثلاثة: حالة مطلقة وحالة مذاكرة الطلاق وحالة
الغضب، وأن المراد بالمطلقة المطلقة عن قيدي الغضب والمذاكرة، فقول الشارح وهي حالة
الرضا مما لا ينبغي. وأن الكنايات ثلاثة أقسام: قسم يصلح جوابا ولا يصلح ردا ولا شتما،
وقسم يصلح جوابا وردا ولا يصلح شتما، وقسم يصلح جوابا وشتما ولا يصلح ردا. وعن
أبي يوسف في قوله لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك، أنه
يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السبب. كذا في الهداية. وجعل فخر
الاسلام وصاحب الفوائد الظهيرية هذه الألفاظ ملحقة عند أبي يوسف بما يصلح للجواب
فقط وهي اعتدي واختاري وأمرك بيدك. وإنما لم يذكر المصنف هذه التفاصيل لأن الحاكم
الشهيد في الكافي الذي هو جمع كلام محمد في كتبه لم يذكره ولم يتعرض له شارحه الإمام
السرخسي. وحاصل ما في الخانية أن من الكنايات ثلاث عشرة لا يعتبر فيها دلالة الحال ولا
تقع إلا بالنية: حبلك على غاربك، تقنعي، تخمري، استتري، قومي، أخرجي، اذهبي،
انتقلي، انطلقي، تزوجي، اعزبي، لا نكاح لي عليك، وهبتك لأهلك. وفيما عداها تعتبر
الدلالة لكن ثمانية تقع بها حال المذاكرة: أنت خلية، برية، بتة، بائن، حرام، اعتدي، أمرك
بيدك، اختاري. وثلاثة من هذه الثمانية يقع بها حال الغضب: اعتدي، أمرك بيدك،
اختاري. ثم قال بعد هذه: لو قال في مذاكرة الطلاق فارقتك وباينتك أو بنت منك أو لا
سلطان لي عليك أو سرحتك أو وهبتك لنفسك أو تركت طلاقك أو خليت سبيل طلاقك أو
سبيلك أو أنت بائنة أو أنت حرة أو أنت أعلم بشأنك فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق،
وإن قال لم أنو الطلاق لا يصدق ا ه‍. فصارت الألفاظ الواقع بها حال المذاكرة عشرين
لفظا. وإنما وقع البائن بما عدا الثلاث وما كان بمعناها مع أن المكنى عنه الطلاق وهو يعقب
الرجعة لأنا نمنع أن المكنى عنه الطلاق بل إنما هو البينونة لأنها هي معنى اللفظ الدائر في

526
الافراد، فكونها كناية لا تستلزم كونها مجازا عن الطلاق لأنه مشترك معنوي من قبيل
المشكك، فالقطع المتعلق بالنكاح فرد من نوع ما يتعلق به والمتعلق بالخير والشر كذلك إذا لم
يذكر متعلقه كما يحتمل رجل كلا من زيد وعمرو وغيرهما والبينونة متنوعة إلى غليطة وهي
المترتبة على الثلاث، وخفيفة كالمترتبة على الخلع، وأيهما أراد صح وثبت ما يثبت بلفظ طالق
على مال وطالق ثلاثا.
وحاصله أن ما يثبت عند طالق شرعا لازم أعم يثبت عنده وعند هذه الألفاظ والخلع.
فقولنا يقع بها الطلاق معناه يقع لازم لفظ الطلاق شرعا، وانتقاص عدده هو بتعدد وقوع
ذلك اللازم واستكماله بذلك وبإرسال لفظ الثلاث بل معنى وقوع الطلاق وقوع اللازم
الشرعي لأنه هو معنى لفظ الطلاق، فالواقع بالكناية هو الطلاق بلا تأويل. وبهذا ظهر أن
إطلاق اسم الكناية حقيقة، فقول صاحب الهداية ليست كنايات على التحقيق لأنها عوامل في
حقائقها قال في التحرير: إنه غلط لأنه يدل على أنه الحقيقة تنافي الكناية وليس كذلك لأن
الكناية قد تكون حقيقة لأنها بتعدد المعنى، وقد لا تكون حقيقة فيها. وقولهم إن الكناية
الحقيقية هي التي تكون مستتر المراد وهذه معلومة والتردد فيما يراد بها هي أبائن من الخير أو
النكاح. قال في التحرير: إنه منتف بأن الكناية بسبب التردد في المراد لا بسبب التردد في
المعنى الموضوع كالمشترك والخاص في فرد معين، فإذا كانت كناية على الحقيقة تعين أن يكون
المجاز في إضافتها إلى الطلاق فإن المفهوم من الإضافة أنها كناية عنه وليس كذلك وإلا وقع
رجيعا. وفي الهداية: والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق ا ه‍. وظاهره أنه لا
اعتبار بنية الطلاق في الكنايات البوائن، وأنه لا بد من نية بينونة النكاح وفي التنقيح قالوا:
وكنايات الطلاق تطلق مجازا لأن معانيها غير مستترة لكن الابهام فيما يتصل بها كالبائن مثلا
فإنه مبهم في أنها بائنة عن أي شئ عن النكاح أو غيره، فإذا نوى نوعا منها تعين وتبين
بموجب الكلام، ولو جعلت كناية حقيقة تطلق رجعية لأنهم فسروها بما يستتر المراد منه
والمراد المستتر هنا الطلاق فيصير كقوله أنت طالق. وبتفسير علماء البيان لا يحتاجون إلى
هذا التكلف لأنها عندهم أن يذكر لفظ ويقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له، فيراد بالبائن معناه
ثم ينتقل منه بنية إلى الطلاق فتطلق على صفة البينونة لا أنه أريد به الطلاق، وتمامه في
التلويح. ولا يخفى عليك أن قوله أنت واحدة ليس من باب الكناية بتفسير علماء البيان
ولكنه من قبيل المحذوف لكنه كناية باعتبار استتار المراد. كذا في التلويح. وقيد المصنف بهذه

527
الألفاظ للاحتراز عما إذا قال لا حاجة لي فيك أو لا أريدك أو لا أحبك أو لا أشتهيك أو لا
رغبة لي فيك فإنه لا يقع وإن نوى في قول أبي حنيفة. وقال ابن أبي ليلى: يقع في قوله لا
حاجة لي فيك إذا نوى. وفي التفاريق عن ابن سلام: يكون ثلاثا إذا نوى، ولو قال فسخت
النكاح ونوى الطلاق يقع، وعن أبي حنيفة إن نوى ثلاثا فثلاث، والرواية هكذا عن محمد أنه
بائن إن نوى الطلاق. وفي جمع برهان: قال لم يبق بيني وبينك عمل ونوى الطلاق لا يقع.
وفي فتاوى الفضلى خلافه. وفي التفاريق قيل في قوله لم يبق بيني وبينك شئ أنه لا يصح،
ولو قال أربعة طرق عليك مفتوحة لا يقع وإن نوى ما لم يقل خذي إلى أي طريق شئت.
وفي اللآلي: وهكذا عن محمد، وفي النطم قال أسد قال محمد يقع ثلاثا. وقال ابن سلام:
أخاف أن يقع ثلاثا لمعاني كلام الناس. وفي المبسوط: قال لها أنت علي كالميتة أو كلحم
الخنزير أو الخمر ونوى الطلاق يقع. كذا في المعراج. وفي البزازية: طلبت منه الطلاق فقال
لم يبق بيني وبينك عمل لم تطلق إلا أن ينوي به النكاح وينوي به إيقاع الطلاق فحينئذ يقع.
وذكر في البدائع من النكايات: خالعتك لا على سبيل العوض وسيأتي. وفي البزازية: أنا
برئ منك لا يقع وإن نوى، ولو قال أبرأتك عن الزوجية يقع بلا نية ا ه‍. وفي تلخيص
الجامع وشرحه: لو قالت أبنت نفسي أو حرمت نفسي عليك فقال أجزت وقع بائنا بشرط أن
ينوي كل منهما الطلاق وتصح نية الثلاث، ولو قالت اخترت نفسي فقال أجزب ناويا
الطلاق لا يقع وسنذكره بتمامه في فصل الاختيار. وفي الخانية: أنا برئ من طلاقك لا
يكون طلاقا، ولو قال برئت إليك من طلاقك يقع، نوى أو لم ينو. ولو قال أنا برئ من
ثلاث تطليقات قال بعضهم يقع الطلاق، وقال بعضهم لا يقع وإن نوى وهو الظاهر ا ه‍.
قوله: (وإن قال لها اعتدي ثلاثا ونوى بالأولى طلاقا وبما بقي حيضا صدق وإن لم ينو
بما بقي شيئا فهي ثلاث) لأنه بنية الحيض بالباقي نوى حقيقة كلامه، وبنية الأولى طلاقا صار
الحال حال مذاكرة الطلاق فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية قضاء،
وبهذا علم أن مذاكرة الطلاق لا تنحصر في سؤال الطلاق بل أعم منه ومن تقدم الايقاع.
ودخل تحت المسألة الأولى ما إذا نوى بكل منهما حيضا فتطلق واحدة وهي الأولى، وما إذا
نوى بالثالثة طلاقا لا غير، وما إذا نوى بالثالثة حيضا لا غير، وما إذا نوى بالثانية طلاقا
وبالثالثة حيضا لا غير، وما إذا نوى بالثانية والثالثة حيضا، ففي هذه الست لا تقع إلا
واحدة. ودخل تحت المسألة الثانية ما إذا نوى بالأولى حيضا لا غير، أو الأوليين طلاقا لا
غير، أو الأولى والثالثة طلاقا لا غير، أو الثانية والثالثة طلاقا وبالأولى حيضا، أو كل من

528
الألفاظ طلاقا فهذه ست تقع بها الثلاث. وخرج عن هاتين المسألتين مع ما ألحق بهما اثنتا
عشرة مسألة: الأولى أن لا ينوي بكل منها شيئا فلا يقع شئ، وما بقي وهو إحدى عشرة
مسألة يقع بها ثنتان وهو أن ينوي بالثانية طلاقا لا غير، أو بالأولى طلاقا وبالثانية حيضا لا
غير، أو بالأولى طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير، أو بالأخريين طلاقا لا غير، أو بالأوليين
حيضا لا غير، أو بالأولى والثالثة حيضا لا غير، أو بالأولى والثانية طلاقا وبالثالثة حيضا، أو
بالأولى والثالثة طلاقا وبالثانية حيضا، أو بالأولى والثانية حيضا وبالثالثة طلاقا، أو بالأولى
والثالثة حيضا والثانية طلاقا، أو بالثانية حيضا لا غير، فصارت هذه المسألة محتملة لأربعة
وعشرين وجها. ووجه ضبطها أنه لا يخلو إما أن ينوي بالكل حيضا، أو بالكل طلاقا. أو لم
ينو بالكل شيئا، أو بالأولى حيضا وبالباقيتين طلاقا، أو بالأولى حيضا لا غير، أو
بالأولى حيضا وبالثاني طلاقا لا غير، أو بالأولى حيضا وبالثالث طلاقا لا غير. فإذا نوى الحيض
بالأولى فقط فله أربع صور. وإذا نوى بالثاني الحيض فقط فله أربع أخرى، وإذا نوى بالثالث
فقط فله أربع أخرى فصارت اثنتي عشرة، أو ينوي بالأول والثاني حيضا وبالثالث طلاقا، أو
لم ينو بالثالث شيئا، أو ينوي بالثاني والثالث حيضا وبالأول طلاقا، أو لم ينو بالأول شيئا
صارت ست عشرة، أو ينوي بالأول والثالث حيضا وبالثاني طلاقا، أو لم ينو بالثاني شيئا
صارت ثماني عشرة، أو ينوي بالأول طلاقا لا غير، أو بالثاني طلاقا لا غير، أو بالثالث
طلاقا لا غير، صارت إحدى وعشرين مع الثلاث الأول. والأصل أنه إذا نوى الطلاق
بواحدة ثبت حال مذاكرة الطلاق فلا يصدق في عدم شئ بما بعدها، ويصدق في نية
الحيض لظهور الام باعتداد الحيض عقب الطلاق. وإذا لم ينو الطلاق بشئ صح، وكذا كل
ما قبل المنوي بها ونية الحيض بواحدة غير مسبوقة بواحدة منوي بها الطلاق يقع بها الطلاق
ويثبت بها حال المذاكرة فيجري فيها الحكم المذكور بخلاف ما إذا كانت مسبوقة بواحدة أريد
بها الطلاق حيث لا يقع بها الثانية لصحة الاعتداد بعد الطلاق، ولا يخفى تخريج المسائل بعد
هذا. وأشار بقوله بما بقي حيضا إلى أن الخطاب مع من هي من ذوات الحيض، فلو
كانت آيسة أو صغيرة فقال أردت بالأولى طلاقا وبالباقي تربصا بالأشهر كان الحكم كذلك.
وأطلق في كونه يصدق فأفاد أنه يصدق قضاء وديانة وفيما لا يصدق فيه إنما لا يصدق
قضاء، وأما ديانة فلا يقع إلا بالنية، وقدمنا أن المرأة كالقاضي. وفي الهداية: وفي كل
موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الاخبار عما في
ضميره والقول قول الأمين مع اليمين ا ه‍. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الاستحلاف أن
القول له مع اليمين إلا في عشر مسائل لا يمين على الأمين وهي في القنية.
وأشار إلى أنه لو قال نويت بالكل واحدة كان ناويا بكل لفظ ثلث تطليقة وهو مما لا
يتجزئ فيتكامل فتقع الثلاث كما في المحيط. وفيه: لو قال لها اعتدي ثلاثا وقال عنيت

529
تطليقة تعتد بها ثلاث حيض يصدق لأنه محتمل والظاهر لا يكذبه، وقد منع المحقق في فتح
القدير كون ابتداء الايقاع يثبت دلالة الحال بأن الايقاع مرة لا يوجب ظهور الايقاع مرة ثانية
وثالثة فلا يكون اللفظ الصالح له ظاهرا في الايقاع بخلاف سؤال الطلاق لأن ذكر الكناية
الصالحة للايقاع دو الرد عقب سؤال الطلاق ظاهر في قصد الايقاع به وهو ترجيح لقول زفر
المنقول في المحيط. وقيد بكونه كرر اعتدي من غير لفظ طلاق معه لأنه لو قال أنت طالق
واعتدي أو أنت طالق اعتدي أو أنت طالق فاعتدي، فإن نوى واحدة فواحدة لأنه نوى
حقيقة كلامه، وإن نوى ثنتين فثنتان لأنه يحتمله، وإن لم يكن له نية إن قال أنت طالق
فاعتدي تقع واحدة لأن الفاء للوصل، وإن قال اعتدي أو واعتدي تقع ثنتان لأنه لم يذكره
موصولا بالأول فيكون أمرا مستأنفا وكلاما مبتدأ وهو في حال مذاكرة الطلاق فيحمل على
الطلاق، وعند زفر تقع واحدة لما عرف ا ه‍. كذا في المحيط. وفي الخانية: جعل هذا
التفصيل رواية عن أبي يوسف وذكر قبله أنه إذا لم ينو شيئا وقعت ثنتان في الوجوه الثلاثة.
وفيه من باب ما يحرم امرأته على نفسه: وعن أبي يوسف ومحمد فيمن قال لامرأتين أنتما علي
حرام ينوي الطلاق في إحداهما والايلاء في الأخرى فهما طالقان لأن اللفظ الواحد لا ينتظم
المعنيين المختلفين فيحمل على الأغلظ منهما وهو الطلاق. وعن أبي يوسف أنه إذا نوى في
إحداهما ثلاثا وفي الأخرى واحدة فهما طالقان ثلاثا لأن الحرمة نوعان: غليظة وخفيفة.
واللفظ الواحد لا ينتظم النوعين فحمل على الأغلظ. وفي قول أبي حنيفة هو كما نوى.
ويجب أن يكون هذا قول محمد أيضا بناء على أن هذا اللفظ للثلاث حقيقة وللواحدة كالمجاز
لأن الثلاث يثبت الحرمة مطلقا فصار مثل لفظة النذر إذا نوى النذر. واليمين يصح عندهما
خلافا لأبي يوسف كذا هذا والفتوى عل قولهما. ولو قال نويت الطلاق لإحداهما واليمين
للأخرى عند أبي يوسف يقع عليهما الطلاق، وعلى قلس قولهما هو كما نوى. ولو قال
لثلاث نسوة أنتن علي حرام ونوى لإحداهن طلاقا وللأخرى يمينا وللثالثة الكذب طلقن
جميعا عند أبي يوسف، وعندهما هو كما نوى. ولو قال لامرأته أنت علي حرام قاله مرتين
ونوى بالأولى الطلاق وبالثانية اليمين فهو كما نوى في قولهم جميعا لأن اللفظ متعدد ا ه‍.
قوله: (وتطلق بلست لي بامرأة أو لست لك بزوج أن نوى طلاقا) يعني وكان النكاح
ظاهرا. وهذا عند أبي حنيفة لأنها تصلح لانشاء الطلاق كما تصلح لانكاره فيتعين الأول
بالنية. وقالا: لا تطلق وإن نوى لكذبه. ودخل في كلامه ما أنت لي بامرأة وما أنا لك بزوج
ولا نكاح بيني وبينك، وقوله صدقت في جواب قولها لست لي بزوج كما في المحيط.
وخرج عنه لم أتزوجك، أو لم يكن بيننا نكاح، ووالله ما أنت لي بامرأة، وقوله لا عند سؤاله
بقوله ألك امرأة، وقوله لا حاجة لي فيك كما في البدائع، ففي هذه الألفاظ لا يقع، وإن
نوى عند الكل. ولكن في المحيط ذكر في الوقوع قوله لا عند سؤاله قال: ولو قال لا

530
نكاح بيننا يقع الطلاق. والأصل أن نفي النكاح أصلا لا يكون طلاقا بل يكون جحودا،
ونفي النكاح في الحال يكون طلاقا إذا نوى، وما عداه فالصحيح أنه على هذا الخلاف. قيد
بالنية لأنه لا يقع بدون النية اتفاقا لكونه من الكنايات، ولا يخفى أن دلالة الحال تقوم مقامها
حيث لم يصلح للرد والشتم ويصلح للجواب فقط. وقدمنا أن الصالح للجواب فقط ثلاثة
ألفاظ ليس هذا منها فلذا شرط النية للإشارة إلى أن دلالة الحال هنا لا تكفي. وأشار بقوله
تطلق إلى أن الواقع بهذه الكناية رجعي. وقيدنا بظهور النكاح لأنه لو قال ما أنت لي بزوجة
وأنت طالق لا يكون إقرارا بالنكاح لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد بالطلاق حقيقته كما
في البزازية أول كتاب النكاح فالنفي لا يقع به بالأولى قوله: (والصريح يلحق الصريح
والبائن) فلو قال لها أنت طالق ثم قال أنت طالق أو طلقها على مال وقع الثاني، وكذا لو قال
لها أنت بائن أو خالعها على مال ثم قال لها أنت طالق أو هذه طالق كما في البزازية: يقع
عندنا لحديث الخدري مسندا المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة، ولما ذكر في
الأصول من بحث الخاص. أطلقه فشمل المنجز والمعلق إذا وجد شرطه، فكما يقع في العدة
منجزا يقع إذا وجد شرطه فيها. وأما إذا علقه في العدة فإنه يصح في جميع الصور إلا إذا
كان الطلاق بائنا.، ثم علق البائن في العدة فإنه غير صحيح اعتبارا بتنجيزه كما في البدائع.
قيدنا الصريح اللاحق للبائن بكونه خاطبها به، أو أشار إليها للاحتراز عما إذا قال كل امرأة
له طالق فإنه لا يقع على المختلعة. وكذا إذا قال إن فعلت كذا فامرأته كذا لا يقع على المعتدة
من بائن كما في البزازية. والمراد على المختلعة. وكذا إذا قال إن فعلت كذا فامرأته كذا لا
يقع على المعتدة من بائن كما في البزازية. والمراد بالصريح هنا ما وقع به الرجعي فتدخل
الكنايات الرواجع من اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة وما ألحق بالثلاثة، فلو أبانها أو
خالعها ثم قال لها في العدة اعتدي ناويا وقع الثاني في ظاهر الرواية خلافا لما روي عن أبي
يوسف نظرا إلى أنها كناية. وجه ظاهر الرواية أن الواقع بها رجعي فكان في معنى الصريح

531
كما في البدائع، وما في الظهيرية لو قال لها أنت بائن ناويا الطلاق ثم قال لها في العدة
اعتدي أو استبري رحمك أو أنت واحدة ناويا الطلاق لا يقع، وإن كان الرجعي يلحق البائن
ا ه‍. محمول على رواية أبي يوسف لكن يرد عليه الطلاق الثالث فإنه من قبيل الصريح
اللاحق لصريح وبائن كما في فتح القدير، وهي حادثة حلب، وكذا يرد الطلاق على مال
بعد البائن فإنه واقع ولا يلزم المال كما في الخلاصة فالأولى إبقاء الصريح في كلامه على
حقيقته فيدخل الطلاق الثلاث والطلاق على مال بناء على أن الصريح شامل للبائن والرجعي
كما في فتح القدير. وتلحق الكنايات الرواجع به في حق هذا الحكم، وحينئذ فكلامه شامل
لما إذا كان الصريح موصوفا بما يدل على البينونة كأنت طالق بائن بعد أنت بائن فإنه يلحق
لأنه صريح لحق بائنا، وإن كان بائنا بإلغاء الوصف كما في المحيط والبزازية. لكن يشكل
عليه ما في القنية معزيا إلى نظم الزندوستي فيمن قال لمختلعته أو مبانته أنت طالق بائن أو
أنت طالق البتة ونوى الثلاث قال أبو يوسف: هي ثلاث خلافا لزفر فإنه واحدة عنده ا ه‍.

532
ووجه إشكاله أنه إذا لغا الوصف بقي قوله أنت طالق وهو لا تصح فيه نية الثلاث، وقد
حكم بضعف ما في القنية شارح منظومة ابن وهبان وأنه مبني على الرواية الضعيفة المصححة
لنية الثلاث في أنت طالق. وقد يقال: إنهم ألغوا الوصف من وجه دون وجه فألغوه ليقع
الثاني، ولم يلغوه في نية الثلاث احتياطا في الموضعين، وحينئذ لا يحتاج إلى حمله على الرواية
الضعيفة كما لا يخفى. وإذا لحق الصريح البائن كان بائنا لأن البينونة السابقة عليه تمنع الرجعة
كما في الخلاصة.
قوله: (والبائن يلحق الصريح) كما إذا قال لها أنت طالق ثم قال لها في العدة أنت
بائن أطلقه فشمل ما إذا خالعها أو طلقها على مال بعد الطلاق الرجعي فيصح ويجب المال
كما في الخلاصة. ويشكل عليه ما في القنية رقم لشمس الأئمة الأوزجندي وقال: طلقها
على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت بائن لا يقع عليها ا ه‍. فإنه من قبيل البائن اللاحق
للصريح وإن كان بائنا، فإنهم جعلوا الطلاق على مال من قبيل الصريح على ما قدمناه فينبغي
الوقوع. وقد نقل ابن الشحنة ما في القنية ولم يتعقبه، ويدل على الاشكال عكسه المتقدم وهو
ما إذا كان الطلاق على مال بعد البائن فإنه يقع.

533
قوله: (لا البائن) أي البائن لا يلحق البائن إذا أمكن جعله خبرا عن الأول لصدقه فلا
حاجة إلى جعله إنشاء، ولا يرد أنت طالق أنت طالق لأنه لا احتمال فيه لتعينه للانشاء شرعا
حتى لو قال أردت به الاخبار لا يصدق قضاء، والمراد بالبائن الذي لا يلحق البائن الكناية
المفيدة للبينونة بكل لفظ كان، لأنه هو الذي ليس ظاهرا في الانشاء في الطلاق كما أوضحه
في فتح القدير. ولذا قال في الخلاصة: لو قال لها بعد البينونة خلعتك ونوى به الطلاق لا
يقع به شئ. وفي الحاوي القدسي: إذا طلق المبانة في العدة، فإن كان بصريح الطلاق وقع ولا
يقع بكنايات الطلاق شئ وإن نوى ا ه‍. ومراده ما عدا الرواجع، ولكن يشكل عليه ما
في الخلاصة من الجنس السادس من بدل الخلع: لو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لم يصح
فإن هذا بائن لحق صريحا وإن كان بائنا كما قدمناه. فمقتضى ما قدمناه صحة الخلع ولا
مخلص إلا بكون المراد بعدم صحته عدم لزوم المال، والدليل عليه أن صاحب الخلاصة صرح
في عكسه وهو ما إذا طلقها بمال بعد الخلع أنه يقع ولا يجب المال ولا فرق بينهما كما لا
يخفى. ثم اعلم أن المال وإن لم يلزم فلا بد في الوقوع من قبولها لما في البزازية: قال لها بعد
الخلع أنت طالق على ألف لا يقع إلا بقبولها وإن كان المال لا يلزمها، وهذه مسألة الجامع
وهي رواية في واقعة الفتاوى: خالعها مرتين ثم قال في عدة الثاني بقي لي طلاق واحد
اشتريته منك بعشرة دنانير حتى تكمل الثلاث، فقال الزوج بعت الطلاق الثالث منك بعشرة

534
يقع الثالث ولا يجب المال لأنه إعطاء المال لتحصيل الخلاص المنجز وأنه حاصل، وأما اشتراط
قبولها في أول المسألة فلان قوله أنت طالق على ألف تعليق طلاقها بالقبول فلا يقع بلا وجود
الشرط ا ه‍. وشمل كلامه ما لو قال للمبانة أبنتك بتطليقة فإنه لا يقع بخلاف أنت طالق
بائن كما في البزازية. وفرق في الذخيرة بينهما بأن إذا ألغينا بائنا يبقى قوله طالق وبه يقع،
ولو ألغينا أبنتك يبقى قوله بتطليقة وهو غير مفيد. وقيدنا بإمكان كونه خبرا عن الأول لأنه
لو لم يمكن بأن نوى بالبائن الثاني البينونة الغليظة قيل يصدق فيما نوى ويقع الثلاث لأنها
محل البينونة والحرمة الغليظة، وقيل لا يصدق لأن التغليظ صفة للبينونة فإذا ألغت النية في
أصل البينونة لكونها حاصلة لغت في إثبات وصف التغليظ. كذا في المحيط. واقتصر
الشارحون على الوقوع لكن بصيغة ينبغي فكان الوقوع هو المعتمد. وفي البزازية: لو قال
للمبانة أبنتك أخرى يقع لأنه لا يصلح جوابا ا ه‍. أي لا يصلح كونه خبرا عن الأول. وفي
القنية: لو قال لها أنت بائن ثم قال في عدتها أنت بائن بتطليقة أخرى يقع ا ه‍. وينبغي أنه
إذا أبانها ثم قال لها أنت بائن ناويا طلقة ثانية أن تقع الثانية بنيته لأنه بنيته لا يصلح خبرا فهو
كما لو قال أبنتك بأخرى إلا أن يقال إن الوقوع إنما هو بلفظ صالح له وهو أخرى بخلاف
مجرد النية. وأشار المؤلف بعدم كون المبانة محلا للبائن إلى أنها ليست محلا للظهار واللعان، أما
الظهار فموجبه الحرمة والحرمة حاصلة بالبينونة، وأما اللعان فهو حكم مشروع في قذف
الزوجات والزوجية منقطعة. كذا في المحيط. ولو آلى منها لم يصح إيلاؤه في حكم البر لأنه
في حق البر تعليق الإبانة شرعا، وقيام الملك شرط صحة الإبانة، تنجيزا كان أو تعليقا كما
في التعليق الحقيقي. ولو خيرها في العدة لا يصح بأن قال لها اختاري فاختارت نفسها في
العدة لم يقع شئ لأنه تمليك والتمليك بلا ملك لا يتصور. كذا في البدائع. ولا يقال إنه
معلق باختيارها فينبغي أن يلحق لأن البائن إذا كان معلقا يلحق لأنا نقول ليس بمعلق بل هي
قائمة مقامه فإيقاعها إيقاع مبتدأ لا أثر لتعليق سابق.
قوله: (إلا إذا كان معلقا) يعني أن البائن يلحق البائن إذا كان معلقا قبل المنجز البائن

535
(بأن قال لها إن دخلت الدار فأنت بائن) ناويا الطلاق ثم أبانها منجزا ثم وجد الشرط وهي
في العدة فإنه يقع عليها طلاق آخر عندنا خلافا لزفر لأنه لم يذكر أنت بائن ثانيا ليجعل خبرا
بل الذي وقع أثر التعليق السابق وهو زوال القيد عند وجود الشرط وهي محل فيقع. وعلى
هذا قال في الحقائق: لو قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال هكذا الامر آخر
ففعل أحدهما وقع طلاق بائن، ولو فعل الآخر ينبغي أن يقع آخر وهكذا ينبغي أن يحفظ
ا ه‍. وفرق في الذخيرة بين أنت بائن للمبانة وبين وقوع أنت بائن المعلق بعد الإبانة أنه لما
صح التعليق أولا لكونها محلا له جعلنا المعلق الطلاق البائن وصار بائنا صفة للطلاق، والمعلق
بالشرط كالمنجز عند وجوده فكأنه قال في العدة أنت طالق بائن. ولو قاله وقع بخلاف أنت
بائن منجزا في عدة المبانة لأنه صفة للمرأة وهي لم تكن محلا لأن محله من قام به الاتصال وقد
انقطعت الوصلة بالإبانة والمضاف كالمعلق، حتى لو قال لها أنت بائن غدا ناويا الطلاق ثم
أبانها ثم جاء الغد وقعت أخرى، ولو قال لها إن دخلت الدار فأنت بائن ناويا ثم قال إن
كلمت زيدا فأنت بائن ناويا ثم دخلت الدار ووقعت الطلقة ثم كلمت زيدا فإنه يقع أخرى.
كذا في الذخيرة، وهو بيان لما إذا كانا معلقين. قيدنا بكونه معلقا قبل المنجز لأنه لو علق
البائن بعد البائن المنجز لم يصح التعليق كالتنجيز كما قدمناه عن البدائع، وهي واردة على
الكتاب. وشمل كلامه ما إذا آلى من زوجته ثم أبانها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة
أشهر قبل أن يقربها وهي في العدة فإنه يقع عندنا خلافا لزفر، وأورد علينا مسألتان: إحداهما
لو قال إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها فاختارت نفسها في العدة فإنه لا يقع شئ إجماعا.
الثانية لو علق الظهار بشرط في الملك بأن قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها
فدخلت في العدة لا يصير مظاهرا إجماعا وهما حجة زفر علينا. وأجيب بأنه في الأولى ملكها
الطلاق غدا ولما أبانها أزال ملكه للحال من وجه وبقي من وجه، والملك من وجه لا يكفي
للتمليك ويكفي للإزالة كما في الاستيلاد والتدبير المطلق حتى لا يجوز بيعهما ويجوز
إعتاقهما، كذا هذا. ولان المعتبر في التخيير اختيارها لأجانب الزوج وفي التعليق اليمين لا
وجود الشرط بدليل أنهما لو شهدا بالتخيير وآخران بالاختيار ثم رجعوا فالضمان على
شاهدي الاختيار لا التخيير، ولو شهدا بالتعليق وآخران بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان
على شاهدي التعليق لا الشرط. وعن الثانية بأن الظهار يوجب حرمة موقتة بالكفارة وقد
ثبتت الحرمة بالإبانة من كل وجه فلا تحتمل التحريم بالظهار بخلاف الكناية المنجزة لأنها
توجب زوال الملك من وجه دون وجه قبل انقضاء العدة فلا تمنع ثبوت حكم التعليق وتمامه

536
في البدائع. وكذا لو قال لها اختاري ناويا ثم أبانها بطل التخيير حتى لو قالت بعدها
اخترت نفسي لم يقع. كذا في الذخيرة والظهيرية. ثم قال في الظهيرية: وفي الأمالي قال لها أمرك
بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها طلقت عند أبي حنيفة. وقال
أبو يوسف: لا تطلق لأن الزوج فعل بنفسه ما فوض إليها فيكون إخراجا للامر من يدها.
وجه قول أبي حنيفة أن التفويض قد صح وتعلق حقها به فلا يبطل بزوال الملك، وما قاله أبو
يوسف ضعيف لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوض إليها كما لو قال لغيره
بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل ا ه‍. وهذا لا يخالف ما نقلناه
آنفا عن البدائع لأن ما في البدائع محمول على ما إذا لم يتزوجها فلا يقع في العدة، وما في
الظهيرية صريح في أنه تزوجها، وفي البزازية من الامر باليد جعل أمرها بيدها في طلاق إن
فعل كذا متى شاءت ثم خلعها على مال ثم وجد الشرط وهي في العدة، تملك الايقاع. وإن
مضت ثم تزوجها ووجد الشرط ذكر في الزيادات ما يؤخذ منه جوابه وهو عدم الوقوع وفي
القنية: لا يبقى الامر في يدها في ظاهر الرواية. وحاصل ما ذكره المصنف أن الطلاق في
العدة اللاحق والسابق أربع صدرة وقد نظمها الشيخ سعد الدين الديري رحمه الله فقال:
وكل طلاق بعد آخر واقع سوى بائن مع مثله لم يعلق
وتعقبه والد شارح المنظومة بأن قوله لم يعلق مطلق يشمل البائن الأول والثاني والمراد
الأول لا الثاني فهو إطلاق في محل التقييد فقلت بيتا مفردا من الرجز:
كلا أجز لا بائنا مع مثله إلا إذا علقه من قبله

537
ا ه‍. قال شارح المنظومة عبد البر رحمه الله قلت: وقد فات الشيخين التنبيه على أن
ذلك خاص بالعدة وإن كان ذلك من المعلوم من خارج لأن تمام معنى الضابط متوقف عليه
فقلت منبها على ذلك بيتا مفردا من الرجز:
بعدة كل طلاق لحقا لا بائن لمثله ما علقا
ثم قولي لحقا مشعر بكون اللاحق هو المعلق ووصفنا البائن بأنه مثل البائن مشعر
بإخراج البينونة الكبرى لما فيها من الخلاف الذي قدمته ا ه‍. وقيد المؤلف بكون السابق طلاقا
لأنه لو كان فرقة بغير طلاق كالفرقة بخيار البلوغ أو العتاقة بعد الدخول فإنه لا يقع الطلاق
في عدته، وكل فرقة توجب الحرمة المؤبدة لا يلحقها الطلاق، وإذا أسلم أحد الزوجين لا
يقع على الآخر طلاقه. كذا في البزازية. وإذا ارتد ولحق بدار الحرب فطلقها في العدة لم يقع
لانقطاع العصمة، فإن عاد إلى دار الاسلام وهي في العدة وقع، وإذا ارتدت ولحقت لم يقع
عليها طلاقه، فإن عادت قبل الحيض لم يقع كذلك عند أبي حنيفة لبطلان العدة باللحاق ثم
لا تعود بخلاف المرتد. كذا في البدائع. وفي الذخيرة: والحاصل أن كل فرقة هي فسخ من

538
كل وجه لا يقع الطلاق في عدتها، وكل فرقة هي طلاق يقع الطلاق فيها في العدة ا ه‍.
وقدمنا شيئا منه في أول كتاب الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع
والمآب.
باب تفويض الطلاق
لما فرغ من بيان ما يوقعه الزوج بنفسه صريحا وكناية شرع فيما يوقعه غيره بإذنه وهو
ثلاثة أنواع: تفويض وتوكيل ورسالة. والتفويض إليها يكون بلفظ التخيير والامر باليد
والمشيئة، وقدم الأول لثبوته بصريح الدليل قوله: (ولو قال لها اختاري ينوي الطلاق
فاختارت في مجلسها بانت بواحدة) لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضي الله
عنهم إجماعا سكوتيا عند تصريح بعضهم، وما نقل من خلاف علي رضي الله عنه لم يثبت،
وتمسك ابن المنذر لمن لم يشترطه بقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها لا تعجلي حتى
تستأمري أبويك ضعيف لأن هذا التخيير لم يكن المتنازع فيه وهو أن توقع بنفسها بل على أنها
إن اختارت نفسها طلقها بدليل قوله تعالى * (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا)
* (الأحزاب: 28) وأجاب في المعراج بأنه عليه السلام جعل لها الخيار، إلى غاية استشارة
أبويها لا مطلقا وكلامنا في المطلق ا ه‍. ولأنه تمليك الفعل منها لكونها عاملة لنفسها وهو
يقتصر عليه وأورد على أنه تمليك منها أنه كيف يعتبر تمليكا مع بقاء ملكه والشئ الواحد
يستحيل أن يكون كله مملوكا لشخصين؟ وأجاب في الكافي بأنه تمليك الايقاع لا تمليك العين
فقبل الايقاع بقي ملكه ا ه‍. وأورد على كونها عاملة لنفسها لو وكله بإبراء نفسه كان وكيلا
بدليل صحة رجوعه قبل الابراء مع أن المديون عامل لنفسه، وسيأتي جوابه وما فيه في فصل
المشيئة، وقول الزيلعي في الوكالة عند قوله وبطل توكيل الكفيل بمال إنه مالك وليس
بوكيل يقتضي أن لا يصح الرجوع عنه ليس بصحيح فقد صرح في العناية وغيرها أنه لا
يتقيد بالمجلس ويصح الرجوع عنه. وفي العناية أن التمليك هو الاقدار الشرعي على محل

539
التصرف والتوكيل الاقدار على التصرف فاندفعت هذه الشبهة ا ه‍. وفيه نظر لأن التمليك
الاقدار الشرعي على نفس التصرف ابتداء، والتوكيل الاقدار الشرعي على نفس التصرف لا
ابتداء كما أشار إليه في فتح القدير في أول كتاب البيع وهو الحق، لأنه لا معنى للاقرار على
المحل إلا باعتبار التصرف فيه. وفي المعراج: لا يلزم من التمليك عدم صحة الرجوع
لانتقاضه بالهبة فإنها تمليك ويصح الرجوع لكنه تمليك يخالف سائر التمليكات من حيث إنه
يبقى إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة، ولا يتوقف على القبول لكونها تطلق نفسها بعد
التفويض وهو بعدم تمام التمليك. قيد بالنية لأنه من الكنايات ودلالة الحال قائمة مقامها
قضاء لا ديانة، والدلالة مذاكرة الطلاق أو الغضب، وقدمنا أنه مما تمحض للجواب والقول
قوله مع اليمين في عدم النية أو الدلالة وتقبل بينتها على إثبات الغضب أو المذاكرة لا على
النية إلا إذا قامت على إقراره بها كما ذكره الولوالجي. وإذا لم يصدق قضاء لا يسعها الإقامة
معه إلا بنكاح مستقبل لأنها كالقاضي. وإنما ترك ذكر الدلالة هنا للعلم مما قدمه أول
الكنايات. وأراد بنية الطلاق نية تفويضه، وقيد بالمجلس لأنها لو قامت عنه أو أخذت في
عمل آخر بطل خيارها كما سنذكره. وأفاد بذكر مجلسها أنه لا اعتبار بمجلسه، فلو خيرها ثم
قام هو لم يبطل بخلاف قيامها. كذا في البدائع. وأشار باقتصاره على التخيير إلى أنه لو زاد
متى شئت فإنه لا يتقيد بالمجلس فهو لها فيه وبعده، وبخطابها إلى أنه لو خيرها وهي غائبة
اعتبر مجلس علمها. ولو قال جعلت لها أن تطلق نفسها اليوم اعتبر مجلس علمها في هذا
اليوم، فلو مضى اليوم ثم علمت خرج الامر من يدها، وكذا كل وقت قيد التفويض به وهي
غائبة ولم تعلم حتى انقضى بطل خيارها. ولو قال الزوج علمت في مجلس القول وأنكرت
المرأة فالقول لها لأنها منكرة. كذا في المحيط: ولو قال لها اختاري رأس الشهر فلها الخيار
في الليلة الأولى واليوم الأول من الشهر، ولو قال اختاري إذا قدم فلان وإذا أهل الهلال فلها
الخيار ساعة يقدم أو أهل الهلال في المجلس، ولو قال اختاري اليوم واختاري غدا فهما
خياران، ولو قال في اليوم وغد فهو خيار واحد. كذا في المحيط أيضا. وأشار بعدم ذكر
قبولها إلى أنه تمليك يتم بالمملك وحده، فلو رجع قبل انقضاء المجلس لم يصح، وما علل به
في الذخيرة من كونه بمعنى اليمين إذ هو تعليق الطلاق بتطليقها نفسها فخلاف التحقيق لأنه
اعتبار ممكن في سائر الوكالات لتضمنه معنى إذا بعته فقد أجزته فكان يقتضي أن لا يصح
الرجوع عنها مع أنه صحيح. كذا في فتح القدير وفيه نظر، لأن هذا الاعتبار لا يمكن في
الوكالة لأنه لا يصح تعليق الإجازة بالشرط كما في الكنز وغيره بخلاف الطلاق فكان
سهوا. والحق ما في الذخيرة وفي جامع الفصولين أنه تمليك فيه معنى التعليق فلكونه تمليكا

540
تقيد بالمجلس، ولكونه تعليقا بقي إلى ما وراء المجلس ولم يصح الرجوع عنه عملا بشبهيه. وفي
جامع الفصولين: تفويض الطلاق إليها قيل هو وكالة يملك عزلها والأصح أنه لا يملكه ا ه‍.
وإنما وقع البائن به لأنه ينبئ عن الاستخلاص والصفا من ذلك الملك وهو بالبينونة وإلا لم
تحصل فائدة التخيير إذ كان له أن يراجعها شاءت أو أبت. وقيد باقتصاره على التخيير المطلق
لأنه لو قال لها اختاري الطلاق فقالت اخترت الطلاق فهي واحدة رجعية لأنه لما صرح بالطلاق
فقد خيرها بين نفسها بتطليقة واحدة رجعية وبين ترك التطليقة، وكذا في قوله أمرك بيدك. كذا
في البدائع وهو مستفاد من قول المصنف آخر الباب اختاري تطليقة أو أمرك بيدك في تطليقة.
والمراد بقوله فاختارت اختيارها نفسها فلو اختارت زوجها لم يقع وخرج الامر من يدها، أو
لو قالت اخترت نفسي لا بل زوجي يقع، ولو قالت زوجي لا بل نفسي لا يقع وخرج الامر
من يدها، ولو عطفت ب‍ " أو فقالت اخترت نفسي أو زوجي لا يقع، ولو كان بالواو فالاعتبار
للمقدم ويلغو ما بعده، ولو خيرها ثم جعل لها شيئا لتختاره فاختارته لم يقع ولا يجب المال
لأنه رشوة. كذا في فتح القدير. وفي تلخيص الجامع من باب إجازة الطلاق: لو قالت
طلقت نفسي فأجاز طلقت اعتبارا بالانشاء، كذا أبنت إذا نويا ولو ثلاثا بخلاف الأول، كذا

541
حرمت وبدون النية إيلاء لأنه يمين، وفي اخترت لا يقع إذ لا وضع أصلا ولا عرف إلا
جوابا، كذا جعلت الخيار إلي أو أمري بيدي فطلقت لأن الفاء للتفسير فاعتبر المفسر ولغا
لفقد التمليك سابقا بخلاف الواو لأنه للابتداء فتقع رجعية وتتخير إذ يوقف ماله إنشاؤه وهو
التخيير دون الاختيار ولم يستند لأنه سبب عند الإجازة للتعليق بها فاعتبر المجلس بعدها. ولم
يقيد بوجود الشرط قبلها في تعليق الفضولي بخلاف البيع لأنه لا يقبل التعليق فاعتبر سببا
حال العقد. كذا جعلت أمس أمري بيدي وفي قلت أمس أمري بيدي اليوم لا خيار لها لأن
الوقت ثم للجعل والمجلس بعد الإجازة وهناك للامر فانتهى بمضيه ا ه‍. قوله: (ولم تصح
فيه نية الثلاث) لأنه إنما يفيد الخلوص والصفا فهو غير متنوع، والبينونة ثبتت فيه مقتضى
فلا يعم بخلاف أنت بائن ونحوه لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة. قيد بالاختيار لأن نية
الثلاث صحيحة في الامر باليد كما سنذكره، وقول الشارحين إن الاجماع منعقد على الواحدة
فبقي ما وراءه على الأصل منتف لأن زيد بن ثابت قال بوقوع الثلاث قولا بكمال
الاستخلاص وبه أخذ مالك في المدخول بها، وفي غيرها يقبل منه دعوى الواحدة، وسيأتي
ما إذا جمع بين الامر باليد والاختيار، وقيد بكون التخيير غير مقرون بعدد لأنه لو قال لها
اختاري ثلاثا فقالت اخترت يقع الثلاث لأن التنصيص على الثلاث دليل إرادة اختيار الطلاق
لأنه هو الذي يتعدد، وقولها اخترت ينصرف إليه فيقع الثلاث، فإن كرر التخيير بأن قال لها
اختاري اختاري ونوى بكل واحدة منهما الطلاق فقالت اخترت يقع ثنتان لأن كل واحدة

542
منهما تخيير تام بنفسه، وقولها اخترت جوابا لهما والواقع بكل منهما طلاق بائن،
وكذا إذا ذكر الثاني بحرف الواو أو الفاء. كذا في البدائع وسيأتي تمامه عند قوله اخترت الأولى إلى
آخره قوله: (فإن قامت أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها) لكونه تمليكا فيبطل بتبدل
المجلس حقيقة أو حكما. أطلق القيام فشمل ما إذا أقامها الزوج قهرا فإنه يخرج الامر من
يدها لأنه يمكنها ممانعته من القيام أو المبادرة حينئذ إلى اختيارها نفسها فعدم ذلك دليل على
الاعراض كما إذا جامعها مكرهة في مجلسها كما في الخلاصة. وأراد بالعمل الآخر ما يدل
على الاعراض لا مطلق العمل لأنه لو خيرها فلبست ثوبا أو شربت لا يبطل خيارها لأن
اللبس قد يكون لتدعو الشهود، والعطش قد يكون شديدا يمنع من التأمل، وسيأتي بيانه في
فصل الامر باليد فإن حكمه فيه كحكمه. ودخل في العمل الكلام الأجنبي فإنه دليل
الاعراض، وقيد بالاختيار لأن الصرف والسلم لا يبطلان بالاعراض بل بالافتراق لا عن
قبض، والايجاب في البيع يبطل بما يدل على الاعراض من القائل. وأفاد بعطفه الاخذ في
العمل على القيام أنه يبطل بالقيام وإن لم يكن معه عمل آخر لأنه دليل الاعراض وهكذا بإطلاقه
قول البعض، والأصح أنه يبطل به إلا إذا لم يشتمل على الاعراض. وفائدة الاختلاف أنها لو
قامت لتدعو شهودا وتحولت من مكانها ولم يكن عندها أحد بطل خيارها عند البعض. قال في
الخلاصة: والأصح أنه لا يبطل لعدم الاعراض، وأما إذا لم تتحول لا يبطل اتفاقا. وقيد بكون
التخيير مطلقا لأنه لو كان موقتا كما إذا قال اختاري نفسك اليوم أو هذا الشهر أو شهرا أو
سنة فلها أن تختار ما دام الوقت باقيا، سواء أعرضت عن ذلك المجلس أو لا. كذا في
الجوهرة، وسيأتي تمامه في فصل الامر باليد قوله: (وذكر النفس أو الاختيارة في أحد
كلاميهما شرط) فلو قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أو قال لها اختاري نفسك فقالت
اخترت وقع، فإذا كانت النفس في كلاميهما فبالأولى، وإذا خلت عن كلاميهما لم يقع
والاختيارة كالنفس. وليس مراده خصوص النفس أو الاختيارة بل كل لفظ قام مقامهما
يصلح تفسيرا للمبهم لأن الاختيار مبهم وإن كان ما وقع عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم إ

543
نما هو بالنفس لأنه عرف من إجماعهم اعتبار مفسر لفظا من جانب فيقتصر عليه فينتفي غير
المفسر. وأما خصوص لفظ المفسر فمعلوم الالغاء فدخل فيه ذكر التطليقة. وتكرار قوله
اختاري وقولها اختار أبي أو أمي أو أهلي أو الأزواج بخلاف اخترت قومي أو ذا رحم محرم
فإنه لا يقع، وينبغي أن يحمل على ما إذا كان لها أب أو أم، أما إذا لم يكن لها ولها أخ
فقالت اخترت أخي ينبغي أن يقع لأنها تكون عنده عادة عند البينونة إذا عدمت الوالدين كما
في فتح القدير. وفي المحيط: لو قال اختاري أهلك أو الأزواج فاختارتهم وقع استحسانا،
وكذا أباك وأمك أو زوجك وهو محمول على ما إذا كان لها زوج قبله فخيرها فيه. ولو قال
اختاري قومك أو ذا رحم محرم منك لا يقع، وإن اختارت نفسها فقد جعل محمد الأهل
اسما للأبوين والقوم اسما لسائر الأقارب، وقوله حجة في اللغة لأنه من أرباب اللغة ا ه‍.
وحاصله أن المفسر من أحد الجانبين ثمانية ألفاظ كما قررناه، وقدمنا أن العدد في كلامه
مفسر فهي تسع. وأشار بقوله في أحد كلاميهما إلى أنه لا بد في نية المفسر من الاتصال،
فلو كان منفصلا فإن كان في المجلس صح وإلا فلا. ولذا قال في المحيط والخانية: لو قالت
في المجلس عنيت نفسي يقع لأنها ما دامت في المجلس تملك الانشاء. وفي الفوائد التاجية:
هذا إذا لم يصدقها الزوج أنها اختارت نفسها، فإن صدقها وقع الطلاق بتصادقهما وإن خلا
كلامهما عن ذكر النفس ا ه‍. وظاهر أن التصادق بعد المجلس معتبر. وفي فتح القدير:
الايقاع بالاختيار على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص فيه، ولولا هذا لأمكن الاكتفاء
بتفسير القرينة الحالية دون المقالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه لكنه
باطل وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كاسقني، وبهذا بطل اكتفاء الشافعي
وأحمد بالنية مع القرينة عند ذكر النفس ونحوه ا ه‍. وهذا مخالف لما ذكرناه عن تاج الشريعة
من الاكتفاء بالتصادق فليتأمل قوله: (ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي أو اخترت
نفسي تطلق) لوجود الشرط أي تبين. وإنما ذكر الثانية وهي قولها اخترت نفسي وإن كان

544
قد أفادها بقوله في أحد كلاميهما ليفيد أنه لا فرق بين الفعل الماضي والمضارع في جوابها
المقيد بالنفس ليشير إلى أن لفظ أنا مع المضارع ليس بشرط وإنما وقع بالمضارع وإن كان
للوعد لقصة عائشة رضي الله عنها حيث أجابت بقولها اختار الله ورسوله واكتفى
النبي صلى الله عليه وسلم به، ولكون المضارع عندنا موضوعا للحال والاستقبال فيه احتمال كما في كلمة
الشهادة وأداء الشهادة فكان للتحقيق دون الوعد. وعلى اعتبار كونه مشتركا بينهما فقد وجد
هنا قرينة ترجح أحد مفهوميه وهو إمكان كونه إخبارا عن أمر قائم. في الحال لكون محله
القلب فيصح الاخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الاخبار. قيد بالاختيار لأنه لو
قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق لا يقع، وكذا لو قال لعبده أعتق رقبتك فقال أنا أعتق لا
يعتق لأنه لا يمكن جعله إخبارا عن طلاق قائم أو عتق قائم لأنه إنما يقوم باللسان، فلو
حاز قام به الأمران في زمن واحد وهو محال. وفي فتح القدير: وهذا بناء على أن الايقاع لا
يكون بنفس أطلق لأنه لا تعارف فيه، وقدمنا أنه لو تعورف جاز ومقتضاه أنه يقع به هنا
لو تعورف لأنه إنشاء لا إخبار ا ه‍. وقد أخذه من الكافي والظهيرية حيث قالا: ولان العادة
لم تجر في أنا طالق بإرادة الحال ا ه‍. وفي المعراج: إلا إذا نوى إنشاء الطلاق فحينئذ يقع.
وفي البزازية: لو قال أنا أحج لا يلزمه شئ بخلاف ما إذا قال إن شفى الله مريضي فأنا
أحج كان نذرا لأن المواعيد باكتساب التعاليق تصير لازمة. وذكر في كتاب الكفالة: لو قال
الذهب الذي لك على فلان أنا أدفعه أو أسلمه أو أقبضه مني لا يكون كفالة ما لم يقل لفظا
يدل على الوجوب كضمنت أو كفلت أو علي أو إلي. وهذا إذا ذكره منجزا، أما إذا ذكره
معلقا بأن قال إن لم يؤده فلان فأنا أدفعه إليك أو نحوه يكون كفالة لما علم أن المواعيد
باكتساب صور التعاليق تكون لازمة، فإن قوله أنا أحج لا يلزمه شئ، ولو علق وقال إن
دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج ا ه‍. وفي البزازية: لو قالت له أنا أطلق نفسي لا يكون
جوابا، ولو قالت اخترت أن أطلق نفسي كان جائزا ا ه‍. قوله: (ولو قال لها اختاري
اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة وقع الثلاث بلا نية) لأن في لفظه ما
يدل على إرادة الطلاق وهو التعدد وهو إنما يتعلق بالطلاق لا باختيار الزوج، وقد اختلف
المشايخ في الوقوع به قضاء بدون النية مع الاتفاق على أنه لا يقع في نفس الامر بالنية،
فذهب المصنف تبعا لصاحب الهداية والصدر الشهيد والعتابي إلى عدم اشتراطها لما ذكرنا،
وذهب قاضيخان وأبو المعين النسفي إلى اشتراطها، ورجحه في فتح القدير بأن تكرار أمره
بالاختيار لا يصير ظاهرا في الطلاق لجواز أن يريد اختاري في المال واختاري في المسكن
ونحوه. وهو كاعتدي إذا كرره. وقد يجاب عنه بأن المحصور بالثلاث هو الطلاق لا أمر
آخر. كذا ذكره الفارسي. ويرد عليه لو قال لها اختاري مرتين فقط فإنه يقع بلا نية ولا

545
حصر. وفي تلخيص الجامع الكبير: والعدد خاص بالطلاق فأغنى عن ذكر النفس والنية
ا ه‍. وهو مخالف لما في أصله فقد نقل في غاية البيان أن المصرح به في الجامع الكبير اشتراط
النية قال: وهو الظاهر ا ه‍. والحاصل أن المعتمد رواية ودراية اشتراطها دون اشتراط ذكر
النفس. وأفاد بإطلاقه عدم اشتراط ذكر النفس في أحد كلاميهما كالنية لأن التكرار قام مقامه
لما قدمناه. وقيل: لا بد من ذكر النفس وإنما حذف لشهرته لأن غرض محمد مجرد التفريع
دون بيان صحة الجواب. كذا في الكافي. ثم وقوع الثلاث هنا قول الإمام. وقالا: يقع
واحدة نظرا إلى أن هذه الكلمة تفيد الترتيب والافراد فإذا بطل الأول لاستحالة الترتيب في
المجتمع في الملك لم يجز إبطال الآخر فوجب اعتباره. وله أنها تفيد الترتيب والافراد من
ضرورته، فإذا بطل في حق الأصل بطل في حق التبع، وقد منع أن الافراد من ضرورته بل
كل منهما مدلوله وليس أحدهما تبعا للآخر ولذا اختار الطحاوي قولهما. وأجيب عنه سلمنا
أن الفردية مدلولة لكن لا يلزم أن تكون مقصودة لأنه قد يكون أحد جزئي المدلول المطابق
هو المقصود والآخر تبعا كما هو المراد هنا لأن الوصف وضع للذات باعتبار معنى هو
المقصود فلم تلاحظ الفردية فيه حقيقيا أو اعتباريا كالطائفة الأولى والجماعة الأولى إلا من
حيث هو متصف بتلك النسبة، فإذا بطلت بطل الكلام. قيد بقوله اخترت الأولى وما
عطف عليه لأنها لو قالت اخترت لتطليقة الأولى وقعت واحدة اتفاقا. كذا في المعراج. ولو
قالت اخترت أو اخترت اختياره أو الاختيارة أو مرة بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو
اختيارة واحدة يقع الثلاث في قولهم، ولو قال الزوج نويت بالأولى طلاقا وبالأخريين التأكيد

546
لا يصدق قضاء. كذا في المحيط. والأصل أنها إذا ذكرت الأولى أو ما يجري مجراها فهو على
ثلاثة أوجه: فإن قالت اخترت التطليقة الأولى وقعت واحدة اتفاقا، وإن قالت اخترت
الاختيارة الأولى فثلاث اتفاقا والخلاف فيما إذا لم تذكر المنعوت. وأورد المصنف تكرار
التخيير ثلاثا، سواء كان بلا عطف كما ذكره أو به من واو أو فاء أو ثم لأنه جواب الكل
حتى لو كان بمال لزم كله. وفي شرح تلخيص الجامع للفارسي: إلا أن في العطف بثم
لو اختارت نفسها بالأولى قبل أن يتكل الزوج بالثانية والثالثة وهي غير مدخول بها بانت
بالأولى ولم يقع بغيرها شئ ا ه‍. وفي الولوالجية: لو قال لها أمرك بيدك ينوي ثلاثا ثم قال
لها أمرك بيدك على ألف درهم ينوي ثلاثا فقبلت ذلك ثم قالت قد اخترت نفسي بالخيار
الأول. قال أبو حنيفة: هي طالق ثلاثا والمال لازم عليها وذكرها الأول لغو. وقالا: هي
طالق ثلاثا ولا يلزمها المال وذكرها الأول ليس بلغو ا ه‍. وفي تلخيص الجامع: لو قال لها
اختاري اختاري اختاري بألف أو عطف فقالت اخترت طلقت ثلاثا بألف وفاء بإطلاق
الجواب فقبلت فور أنواع تمليك والعدد خاص بالطلاق فأغنى عن ذكر النفس والنية، كذا
اخترت لواحدة أو واحدة حذار التخيير بالشك إذ ينعت بها الدفعة والاختيارة، وفي اخترت
تطليقة لا يقع للعطف لأنها للفرد وهو ببعض الألف ضرر بخلاف جانبها وبالكلمة إيجاب لا
جواب بخلاف الوكيل إذ عليه الوفاق لا الجواب، وفي غيره يقع فرد ولا مال ما لم تعن
الثالثة لخصوصه بها، كذا اخترت الأول عندهما إذا أضمر الطلقة حفظا للنعت، وعنده يقع
الثلاث إذا أضمر الاختيارة حفظا للأصل بتطليق الجواب والصدر ا ه‍. وأفاد المصنف بوقوع
الثلاث أنه لو كان بمال لزمها المال كله كما قدمناه وهو قول الإمام، وعندهما إن اختارت
نفسها بالأخيرة لزمها المال كله، وإن اختارت نفسها بالأولى أو الوسطى لم يلزمها شئ لأن
كل واحد من التخييرات تخيير على حدة فإنه كلام تام بنفسه، ولم يذكر معه حرف الجمع
والبدل لم يذكر إلا في الأخيرة فلا يجب إلا باختيار الأخيرة، ولو ذكر بالواو أو الفاء فعند أبي
حنيفة لا يختلف الجواب فيقع الثلاث ويلزمها الألف، وعندهما لا يقع الطلاق في هذه
الصورة لأن الكل صار كلاما واحدا بحرف الجمع فصار كما لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا
بألف فطلقت واحدة. كذا في البدائع. وفي الكافي: إذا كرر بلا عطف فقالت اخترت نفسي
بالجميع وقعت الأوليان بلا شئ، وفي الثالثة بالألف لأنه قرن المال بالأخيرة ولم يذكر حرف
العطف بينهما ليصير المقرون بالأخيرة مقرونا بالأولى والثانية وهذا كالاستثناء والشرط فإنه
ينصرف إلى الأخيرة ا ه‍ قوله: (ولو قالت طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة بانت
بواحدة) يعني في جواب قوله اختاري وإنما صلح جوابا له لأن التطليق داخل في ضمن
التخيير فقد أتت ببعض ما فوض إليها كما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة بخلاف

547
ما لو قالت اخترت نفسي في جواب طلقي نفسك لأن الاختيار لم يفوض إليها لا قصدا
ولا ضمنا. وإنما وقع به البائن دون الرجعي وإن كان صريحا لأنه لا عبرة. لايقاعها بل
لتفويض الزوج، ألا ترى أنه لو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به الزوج،
وقد ذكر صدر الاسلام في جامعه أنه يقع به الرجعي نظرا لما أوقعته المرأة وهو مخالف
لعامة الكتب لكن في شرح الوقاية أن في المسألة روايتين: في رواية تقع رجعية وفي أخرى
بائنة وهذا أصح ا ه‍. وبهذا ظهر أن ما في الهداية إحدى الروايتين فقول الشارح إنه غلط
وابن الهمام إنه سهو ومما لا ينبغي أن يقال في مثله، ولذا قال في الكافي: إن ما في
الهداية موجود في بعض نسخ الجامع الصغير والصواب أنه لا يملك الرجعة كما في
الجامع الكبير ا ه‍. قيدنا بكونه جوابا لقوله اختاري لأنه لو كرر اختاري ثلاثا بألف فقالت
اخترت نفسي بتطليقة أو اخترت تطليقة لم يقع شئ في صورة العطف لأن التطليقة تصلح
للفرد دون الثلاث، ووقوع الواحدة ممتنع دفعا للضرر عنه ووقعت واحدة بائنة في غير
صورة العطف اتفاقا، ولا يجب عليها شئ من المال إن قالت عنيت التطليقة الأولى أو
الثانية، وإن قالت عنيت الثالثة لزمها كل الألف بخصوص المال بالثالثة. كذا في شرح
التلخيص وهو شرح لما قدمناه. وعنه في المحيط: ولو قال اختاري فقالت فعلت لا يقع
لأن هذا كناية عن قولها اخترت وبه لا يقع فكذا هذا، ولو قال اختاري نفسك فقالت
فعلت يقع لما بينا ا ه‍. وفي جامع الفصولين: لو قال بعت أمرك منك بألف فاختارت
نفسها في المجلس بانت ولزمها المال ا ه‍.
قوله: (أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها طلقت رجعية) لأنه
جعل لها الاختيار بتطليقة وهي معقبة للرجعة والمقيد للبينونة إذا قرن بالصريح صار رجعيا

548
كعكسه نحو أنت طالق بائن يصير بائنا. قيد بقوله في تطليقة لأنه لو جعل أمرها بيدها لو
لم تصل نفقتي إليك تطلقي نفسك متى شئت فلم تصل فطلقت قال: يكون بائنا. وهكذا
أجاب القاضي بديع الدين لأن لفظة الطلاق لم تكن في نفس الامر بخلاف ما لو قال أمرك
بيدك بتطليقة واحدة تطلقي نفسك متى شئت حيث تكون رجعية كما في أمرك بيدك في
تطليقة. كذا في الصيرفية. وفي جامع الفصولين: أمرك بيدك تطلقي نفسك غدا فلها أن
تطلق نفسها للحال وقوله تطلقي إلى آخره مشورة اه‍. وفي أمرك بيدك لكي تطلقي نفسك
أو لتطلقي نفسك أو حتى تطلقي نفسك فطلقت فهي واحدة بائنة اه‍. وفي المحيط: لو
قال اختاري تطليقتين فاختارت واحدة يقع لأنه بمنزلة قوله طلقي نفسك اثنتين فطلقت
واحدة، ولو قال اختاري إن شئت فقالت اخترت نفسي يقع لأنه بمنزلة قوله طلقي نفسك
إن شئت وقد شاءته لأن الاختيار مشيئة لا محالة، ولو قال أنت طالق إن شئت واختاري
فقالت شئت واخترت يقع طلاقان: أحدهما بالمشيئة والآخر بالاختيار لأنه فوض إليها
طلاقين أحدهما صريح والآخر كناية، والكناية حال ذكر الصريح لا تفتقر إلى النية، ولو
قال لرجل خير امرأتي ولم يخيرها لم يكن الخيار لها لأنه آمر بأمر فما لم يفعل لم يحصل
المأمور، ولو قال أخبرها بالخيار فقبل أن يخبرها سمعت الخبر فاختارت نفسها وقع لأن
الامر بالخيار يقتضي تقدم الخبر به فكان هذا إقرارا من الزوج بثبوت الخيار لها اه‍. وفي
البزازية: قال لغيره زوجني امرأة فإذا فعلت ذلك فأمرها بيدها فزوجه الوكيل ولم يشترط
لها الامر كان الامر بيدها بحكم التعليق من الزوج، ولو قال زوجني امرأة واشترط لها
على أني إن تزوجتها فأمرها بيدها لم يكن الامر بيدها بلا شرط الوكيل لأن في الأول علق
بالتزوج لا بشرط اه‍. ثم اعلم أن ما قدمناه أول الباب أنها إذا قالت اخترت نفسي لا بل
زوجي يقع وهو منقول في الكتب المعتمدة، وفي الاختيار ما يخالفه فإنه قال: لو قالت
اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع لأنه للاضراب عن الأول فلا يقع اه‍. ولعله سهو
والصواب ما قدمناه والله أعلم.

549
فصل في الامر باليد
أخره عن الاختيار لتأيد التخيير بإجماع الصحابة رضي الله عنهم بخلاف الامر باليد فإنه
وإن لم يعلم فيه خلاف ليس فيه إجماع. وقدم كثير الامر باليد نظرا إلى أن الايقاع بلفظ
الاختيار ثابت استحسانا في جواب اختاري لا قياسا بخلافه جوابا للامر باليد فإنه قياس
واستحسان. وأما الايقاع بلفظ أمري بيدي فلا يصح قياسا ولا استحسانا، والحق ما في فتح
القدير من استواء البابين في القياس والاستحسان فإن جواب الامر باليد بقولها اخترت نفسي
على خلاف القياس أيضا، والتفويض بكل منهما على وفق القياس. والامر هنا بمعنى الحال
واليد بمعنى التصرف كما في المصباح.
قوله: (أمرك بيدك ينوى ثلاثا فقالت اخترت نفسي بواحدة وقعن) أي وقع الثلاث لأن
الاختيار يصلح جوابا للامر باليد على الأصح المختار لأنه أبلغ في التفويض إليها من الامر
باليد، وقيل لا. ذكره في المحيط والولوالجية. وفيها: أعرتك طلاقك كأمرك بيدك والواحدة
في كلامهما صفة الاختيارة فصار كأنها قالت اخترت نفسي باختياره واحدة وأراد بنية الثلاث
نية تفويضها وأشار بذكر الفاء في قوله فقالت إلى اشتراط المجلس وبخطابها إلى أن علمها
شرط حتى لو جعل أمرها بيدها ولم تعلم فطلقت نفسها لم تطلق كما في الولوالجية والخانية.
وبذكر النفس في جوابها إلى اشتراطه أو ما يقوم مقامه كالتفويض بلفظ التخيير، واستفيد منه
أن الامر باليد كالتخيير في جميع مسائله سوى نية الثلاث فإنها تصح هنا لا في التخيير لأنه
جنس يحتمل العموم والخصوص فأيهما نوى صحت نيته. كذا ذكره الشارحون وصاحب
المحيط. وفي البدائع: الامر باليد كالتخيير إلا في شيئين: أحدهما نيته الثلاث، والثاني أن في

550
اختاري لا بد من ذكر النفس أو ما يقوم مقامها للدليل الدال على اشتراطه في الاختيار. وفي
المحيط: لو جعل أمرها بيدها فقالت طلقت ولم تقل نفسي لا يقع كما في الخيار لو قالت
اخترت لا يقع، ولو قالت عنيت نفسي إن كانت في المجلس تصدق لأنها تملك الانشاء وإلا
فلا اه‍. وهو صريح في مخالفة ما في البدائع الامر باليد كالتخيير إلى شيئين فدل على ضعفه.
وقيد: بنية الثلاث لأنه لو لم ينو عددا أو نوى واحدة أو اثنتين في الحرة وقعت واحدة بائنة،
وقدمنا أنه لا بد من نية التفويض إليها ديانة أو يدل الحال عليه قضاء. وفي الخانية: امرأة
قالت لزوجها في الخصومة إن كان ما في يدك في يدي استنقذت نفسي فقال الزوج الذي في
يدي في يدك فقالت المرأة طلقت نفسي ثلاثا فقال لها الزوج قولي مرة أخرى فقالت المرأة
طلقت نفسي ثلاثا فقال الزوج لم أنو الطلاق بقولي الذي في يدي في يدك فإنها تطلق ثلاثا
بقولها ثانيا طلقت نفسي ثلاثا حتى لو لم يقل لها قولي مرة أخرى كان القول قوله قضاء
وديانة. وفي فتح القدير: وإذا علم أن الامر باليد مما يراد به الثلاث فإذا قال الزوج نويت
التفويض في واحدة بعدما طلقت نفسها ثلاثا في الجواب يحلف أنه ما أراد الثلاث اه‍. وقيد
بقولها اخترت نفسي لأنها لو قالت في جوابه أمري بيدي لا يصح قياسا واستحسانا كما
قدمنا. وفي الخلاصة: لو قالت في جوابه ملكت نفسي أمري كان باطلا ولو قالت اخترت
أمري كان جائزا اه‍. فالأصل إن كل لفظ يصلح للايقاع من الزوج يصلح جوابا من المرأة
وما لا فلا إلا لفظ الاختيار خاصة فإنه ليس من ألفاظ الطلاق ويصلح جوابا منها. كذا في
البدائع. ولذا قال في الاختيار وغيره: لو قال لها أمرك بيدك فقالت أنت علي حرام أو أنت
مني بائن أو أنا منك بائن فهو جواب لأن هذه الألفاظ تفيد الطلاق كما إذا قالت طلقت
نفسي، ولو قالت أنت مني طالق لم يقع شئ، ولو قالت أنا منك طالق أو أنا طالق وقع لأن المرأة
توصف بالطلاق دون الرجل اه‍. لكن يرد على الأصل المذكور ما في الخلاصة: لو
جعل أمرها بيد أبيها فقال أبوها قبلتها طلقت، وكذا لو جعل أمرها بيدها فقالت قبلت نفسي

551
طلقت، ولو قال لها اختاري فقالت ألحقت نفسي بأهلي لم يقع كما في جامع الفصولين وهو
مشكل لأنه من الكنايات فهو كقولها أنا بائن. والباء في قوله أمرك بيدك ليس بقيد بل
حرف في كذلك.
وفي المحيط عن محمد: لو قال ثلاثا أمرك بيدك كان ثلاثا، ولو قال في يدك فهي
واحدة اه‍. واليد أيضا ليس بقيد فإنه لو قال أمرك في كفيك أو يمينك أو شمالك أو فمك
أو لسانك كان كذلك. كذا في الخلاصة والبزازية. وفيهما من فصل نكاح العبد والأمة:
تزوج امرأة على أنها طالق أو على أن أمرها بيدها تطلق نفسها كلما تريد لا يقع الطلاق ولا
يصير الامر بيدها، ولو بدأت المرأة فقالت زوجت نفسي منك على أني طالق أو على أن أمري
بيدي أطلق نفسي كلما أريد فقال الزوج قبلت وقع الطلاق وصار الامر بيدها، ولو بدأ العبد
فهو كما لو بدأ الزوج لو بدأ المولى فهو كبداءة المرأة اه‍. وفي البزازية: ولو قال أمرك في
عينيك وأمثاله يسأل عن النية وأمري بيدك كقوله أمرك بيدك ودعواها على زوجها أنه جعل

552
أمرها بيدها لا يقبل، أما لو أوقعت الطلاق بحكم التفويض ثم ادعت المهر والطلاق يسمع
وليس لها أن ترفع الامر إلى القاضي حتى يجبر الزوج على أن يجعل أمرها بيدها. وفي
تلخيص الجامع: لو قال في البيع والطلاق أمرها بيد الله وبيدك أو بع بما شاء الله وشئت
ينفرد المخاطب لأن ذكر الله تعالى للتبرك وللتيسير عرفا، والباء للعوض فألغيا فيه دون الأصل
مثل كيف شئت عنده بخلاف إن شاء الله أو ما شاء الله وشئت إذا بطل الأصل أو علق
بمجهول حسب التأثير في إن شاء الله أنت طالق فلغا العطف وهو أخبر عن واقع، ولو قال
بيدي وبيدك أو شئت وشئت لم ينفرد حملا على التعليق إذ تعذر التمليك اه‍. وفي المحيط: لو
قال لامرأته أنت طالق أو أمرك بيدك لم تطلق حتى تختار نفسها في مجلسها فحينئذ يخير الزوج
إن شاء أوقع تطليقة وإن شاء أوقع باختيارها اه‍. وأطلق في المرأة المخاطبة فشمل الصغيرة،
فلو قال للصغيرة أمرك بيدك ينوي الطلاق فطلقت نفسها يقع كأنه علق طلاقها بإيقاعها. كذا
في البزازية. وأطلق الامر باليد فشمل المنجز والمعلق إذا وجد شرطه. ومنه ما في المحيط: لو
قال إن دخلت الدار فأمرك بيدك فإن طلقت نفسها كما وضعت القدم فيها طلقت لأن الامر
في يدها، وإن طلقت بعد ما مشت خطوتين لم تطلق لأنها طلقت بعدما خرج الامر من
يدها. ولو قال أمرك بيدك في ثلاث تطليقات إن أبرأتين عن مهرك فقالت وكلني حتى أطلق
نفسي فقال أنت وكيلتي لتطلقي نفسك فإذا أبرأته عن المهر أولا ثم طلقت في المجلس
طلقت، وإذا لم تبرئه لا يقع لأن التوكيل كان بشرط أن تبرئه عن المهر اه‍. ومنه ما في
البرازية: قال لها إن غبت عنك ومكثت في غيبتي يوما أو يومين فأمرك بيدك، فهذا على أول
الامرين فيقع الطلاق لو مكث يوما إن غاب عنها كذا فأمرها بيدها فجاء في آخر المدة
فتوارت حتى مضت المدة أفتى البعض ببقاء الامر في يدها والإمام قاضيخان على أنه إن علم
بمكانها ولم يذهب إليها وقع، وإن لم يعلم بمكانها لا، والصحيح أنه لا يقع.
قال في الخزانة: وإذا كانت الغيبة منها لا يصير أمرها بيدها واختلاف الأجوبة في
المدخولة وغيرها لا يصير أمرها بيدها، وفي المدخولة لو كان في المصر ولم يجئ إلى منزلها
حتى تمت المدة فيصير بيدها جعل أمرها بيدها إن غاب عنها ثلاثة أشهر ولم تصل إليها النفقة
فبعث إليها بخمسين إن لم يكن قدر نفقتها صار بيدها، ولو كانت النفقة مؤجلة فوهبت له
النفقة ومضت المدة لا يصير الامر بيدها لارتفاع اليمين عندهما خلافا للإمام الثاني. وإن ادعى

553
وصول النفقة إليها وادعت حصول الشرط قيل القول قوله لأنه ينكر الوقوع لكن لا يثبت
وصول النفقة إليها، والأصح أن القول قولها في هذا وفي كل موضع يدعي إيفاء حق وهي
تنكر جعل أمرها بيدها إن لم يعطها كذا في يوم كذا. ثم اختلفا في الاعطاء وعدمه بعد
الوقت فالقول له في حق عدم الطلاق، ولها في حق عدم أخذ ذلك الشئ. كذا في
الذخيرة. وفي المنتفى: إن لم آتك إلى عشرين يوما فأمرها بيدها يعتبر من وقت التكلم، فإذا
اختلفا في الاتيان وعدمه فالقول له لأنه منكر كون الامر بيدها. وذكر محمد ما يدل على أن
القول لها فيمن قال إن مات فلا قبل أن أعطيك المائة التي لك عليه فأنا كفيل به فمات
فلان فادعى عدم الايفاء وكونه كفيلا وادعى المطلوب الايفاء أن القول للطالب لأنه ينكر
الاستيفاء وهذا استحسان. قال لها قبل البناء لعدم الحضور لأن الغيبة قبل الحضور لا تمكن.
قال لها إن لم أرسل نفقتك في هذا الشهر أو إن لم أبعث فأنت كذا، فأرسل إليها بيد رجل
فضاعت من يد الرسول لا يقع لأن البعث والارسال قد تحقق. وإذا خافت المرأة إذا تزوجها
أن لا يجعل الامر بيدها بعد التزوج تقول زوجت نفسي منك بكذا على أن أمري بيدي أطلق
نفسي منك متى شئت كلما ضربتني بغير جناية أو تزوجت علي أخرى أو تسريت أو غبت
عني سنة جعل أمرها بيدها وهي صغيرة على أنه متى غاب عنها سنة تطلق نفسها بلا خسران
يلحق الزوج فوجد الشرط فأبرأته عن المهر ونفقة العدة وأوقعت طلاقها يقع الرجعي ولا
يسقط المهر والنفقة كما لو كان الايجاب من الزوج موجودا قبل وجود الشرط. قال لها أمر
ثلاث تطليقات بيدك إن أبرأتيني عن مهرك إن قامت عن المجلس خرج الامر من يدها، وإن
أوقعت الطلاق في المجلس إن قدمت الابراء وقع، وإن لم تبرئه عن المهر لا يقع لأن التوكيل
كان بشرط الابراء. قال لها إن لم أعطك دينارين إلى شهر فأمرك بيدك فاستدانت وأحالت على
زوجها إن أدى الزوج المال إلى المحتال قبل مضي المدة ليس لها إيقاع الطلاق، وإن لم يؤد
ملكت الايقاع. إن لم تصل إليك نفقة عشرة أيام فأمرك بيدك فنشزت بأن ذهبت إلى أبيها بلا
إذنه في تلك الأيام ولم تصل إليها النفقة لا يقع لعدم وجوب النفقة فصار كما إذا طلقها حين
تمت المدة. إن لم أوصل إليك خمسة دنانير بعد عشرة أيام فأمرك بيدك في طلاق متى شئت
فمضى الأيام ولم يرسل إليها النفقة، إن كان الزوج أراد به الفور لها الايقاع وإن لم يرد به
الفور لا تملك الايقاع حتى يموت أحدهما. جعل أمرها بيدها إن ضربها بلا جناية فطلبت
النفقة أو الكسوة وألحت لا يكون جناية لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي، ولو
شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته فجناية، وكذا لو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته، ولو

554
لعنها فلعنته قيل ليس بجناية لأنها ليست ببادئة قال الله تعالى * (لا يحب الله الجهر بالسوء من
القول إلا من ظلم) * (النساء: 148) والعامة على أنه جناية لأنه لا قصاص فيه حتى لا يكون
الثاني جانيا. قال لها بليدة فقالت له بليد مثل ذلك فهو جناية منها إذا صرحت به. ولو
شتمت أجنبيا كان جناية، وكذا لو كشفت وجهها لغير محرم لأنه لا يجوز النظر والكشف بلا
ضرورة.
وقال القاضي: لا يكون جناية لأنه ليس بعورة. ولو كلمت أجنبيا أو تكلمت عامدا
مع الزوج أو شاغبت معه فسمع صوتها أجنبي فجناية، وخروجها من البيت بعد إيفاء المعجل
جناية في الأصح، وقيل جناية مطلقا. وإعطاؤها شيئا من بيته بلا إذنه حيث لم تجر العادة
بالمسامحة به جناية، وكذا دعاؤها عليه، وكذا قولها الكلبة أمك وأختك بعد قوله جاءت أمك
الكلبة، وكذا قولها أزواج النساء رجال وزوجي لا، ولو دعاها إلى أكل الخبز المجرد فغضبت
لا يكون جناية اه‍. وصحح في الظهيرية ما عليه العامة من أن لعنها بعد لعنه جناية وفيها:
والصحيح أنها إن كشفت وجهها عند من يتهم بها فهو جناية، ولو قال لها لا تفعلي كذا
فقالت أفعل، إن كانت قالت ذلك في فعل هو معصية فهو جناية وإلا فلا اه‍. وفي جامع
الفصولين: فوض إليها أمرها إن تزوج عليها ثم ادعت على الزوج أنك تزوجت على فلانة
وفلانة حاضرة تقول زوجت نفسي منه وشهد الشهود بالنكاح يصير الامر بيدها، ولو كانت
فلانة غائبة عن المجلس وبرهنت هذه أنك تزوجت فلانة علي وصار الامر بيدي هل يسمع؟
فيه روايتان والأصح أنها لا تسمع لأنها ليست بخصم في إثبات النكاح عليها ا ه‍. وفي
الفصول واقعة: جعل أمرها بيدها إن تزوج عليها ثم وهبت امرأة نفسها منه بحضرة شهود
وقبل هو فصارت امرأته وقال عنيت في التفويض التلفظ بلفظ التزوج هل يصدق حتى لا
يصير الامر بيدها؟ قال أجاب بعض من تصدى للافتاء بلا تحصيل الدراية والرواية إنه يصدق
وهذا غلط محض وخطأ صرف. وأجبت أنه لا يصدق ويصير الامر بيدها لأن نية الخصوص
في الفعل لا تصح إذ الفعل لا عموم له اه‍. وقد بحث فيه في جامع الفصولين فليراجع.
وفي الصيرفية: قال لها إن لم تصل نفقتي إليك عشرة أيام فأمرك بيدك فغاب عشرة أيام
وأنفقت من ماله فحضر قال: لا يبقى الامر بيدها بخلاف ما لو قال إن لم أوصل إليك
نفقتك عشرة أيام والمسألة بحالها حيث يبقى الامر بيدها لأن شرط جعل الامر بيدها عدم
الايصال دون الوصول ولم يوجد الايصال فيحنث. ولو جعل الامر بيدها إن ضربها بغير جناية
شرعية فقالت له وقت الخصومة يا ابن الأجير يا ابن العواني فضربها وأنه كما قالت لها
أن تطلق نفسها. ولو قالت له يا ابن النساج إن كان كما قالت أو لا يعير بهذا لا يكون

555
جناية، ولو صعدت السطح من غير ملأة هل يكون جناية؟ قال: نعم. قيل: هذا إن
صعدت للنظارة وإلا فلا. قال قلت: إن لم يكن للسطح تعجيز فجناية وإلا فلا. ورمي
البطيخ إليه جناية إن كان على وجه الاستخفاف وإلا فلا اه‍. وفي القنية: إن شربت مسكرا
بغير إذنك فأمرك بيدك ثم شرب واختلفا في الاذن فالقول قول الزوج والبينة بينة المرأة اه‍.
فحاصله القول له والبينة بينتها. وفي القنية: إن تزوجت عليك امرأة فأمرها بيدك فدخلت
امرأة في نكاحه بنكاح الفضولي وأجاز بالفعل ليس لها أن تطلقها، ولو قال إن دخلت امرأة
في نكاحي فلها ذلك وكذا في التوكيل بذلك اه‍.
قوله: (وفي طلقت نفسي واحدة أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة) يعني في
جواب قول الزوج أمرك بيدك ينوي ثلاثا لأن الواحدة صفة للطلقة باعتبار خصوص العامل
كما أنها صفة للاختيارة في التي قبلها، فإن خصوص العامل اللفظي قرينة خصوص المقدر
فتقع الواحدة لأنها لما ملكت الثلاث بالتفويض ملكت الواحدة فكانت بائنة لأن التفويض إنما
يكون في البائن لأنها به تملك أمرها وهو بالبائن لا بالرجعي. وأشار بذكر النفس إلى اشتراطه
مع طلقت أيضا. وفي جامع الفصولين: قال أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تختار نفسها
كلما شاءت في المجلس أو في مجلس آخر إلا أنها لا تطلق نفسها في المجلس أكثر من واحدة
يعني دفعة واحدة، وأما تفريقها الثلاث في المجلس فلها ذلك بخلاف إذا ومتى فإنه ليس
لها التكرار ولا يتقيد بالمجلس ككلما اه‍ قوله: (ولا يدخل الليل في أمرك بيدك اليوم وبعد
غد) يعني لا يكون لها الخيار ليلا بناء على أنهما أمران لأن عطف زمن على زمن مماثل
مفصول بينهما بزمن مماثل لهما ظاهر في قصد تقييد الامر المذكور بالأول وتقييد أمر آخر
بالثاني، فيصير لفظ يوم مفردا غير مجموع إلى ما بعده في الحكم المذكور لأنه صار عطف جملة
على جملة أي أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد، ولو أفرد اليوم لا يدخل الليل فكذا إذا
عطف جملة أخرى. قيد بالامر باليد لأنه لو قال طلقي اليوم وبعد غد كان أمرا واحدا فلا
يقع إلا طلاق واحد لأن الطلاق لا يحتمل التأقيت، وإذا وقع تصير به طالقا في جميع العمر
فذكر بعد غد وعدمه سواء لا يقتضي أمرا آخر قوله: (وإن ردت الامر في يومها بطل الامر
في ذلك اليوم وكان أمرها بيدها بعد غد) يعني إذا قالت لزوجها اخترتك أو اخترت زوجي
فقد انتهى ملكها في اليوم الأول. فالمراد بالرد اختيار الزوج، والمراد بالبطلان الانتهاء. قيدنا
به لأنها لو قالت رددته فإنه لا يبطل، ولذا قال في الذخيرة: لو جعل أمرها بيدها أو بيد
أجنبي يقع لازما فلا يرتد بردهما فلا مناقضة بين قولهم لا يرتد بالرد، وقولهم هنا وإذا ردت
بطل وقد سلك الشارحون طريقا آخر في دفع المناقضة بأنه يرتد بالرد عند التفويض، وأما

556
بعده فلا يرتد كما إذا أقر بمال لرجل فصدقه ثم رد إقراره لا يصح، وكالابراء عن الدين بعد
ثبوته لا يتوقف على القبول ويرتد بالرد لما فيه من معنى الاسقاط والتمليك. أما الاسقاط
فظاهر، وأما التمليك فلقوله تعالى * (وإن تصدقوا خير لكم) * (البقرة: 280) سمى الابراء
تصدقا. كذا في فتح القدير. والصواب أن يقال: إنهم وفقوا بينهما بأنه يرتد برده عند
التفويض لا بعد ما قبله كما في الفصول، وأما ما ذكره من أنه بعد التفويض فمحمول على
ما إذا قبله. ووفق بينهما في جامع الفصولين بأنه يحتمل أن يكون فيه روايتان لأنه تمليك من
وجه، تعليق من وجه، فيصح رده قبل قبوله نظرا إلى التمليك، ولا يصح نظرا إلى التعليق لا
قبله ولا بعده فتصح رواية صحة الرد نظرا إلى التمليك، وتصح رواية فساد الرد نظرا إلى
التعليق اه‍.
وحاصله أن ابن الهمام حمل قولهم بصحة الرد على اختيارها زوجها، وقولهم بعدم
صحته على ما لو قالت رددت وهو حمل قاصر، لأنه خاص بما إذا جعل أمرها بيدها.
وقولهم إنه يرتد بالرد شامل لما إذا جعل الامر بيدها أو بيد أجنبي كما صرح به في جامع
الفصولين، ولا يمكن هذا الحمل في أمر الأجنبي فتعين ما وفق به المشايخ من أنه يرتد قبل
القبول لا بعده كالابراء. وجوابه أنه يأتي من الأجنبي أيضا بأن يقول للزوج اخترتك كما لا
يخفى. في كلام الشارحين نظر لأن قولها بعد القبول رددت إعراض مبطل لخيارها. وقد وقع

557
في هذا الفصل ثلاث مناقضات: إحداها ما قدمناه وجوابها. الثانية ما وقع في الفصول أنه
لو قال لامرأته أنه أمرك بيدك ثم طلقها بائنا خرج الامر من يدها. وقال في موضع آخر: لا
يخرج وإن كان الطلاق بائنا، ووفق بأن الخروج فيما إذا كان الامر منجزا، وعدمه إذا كان
الامر معلقا بأن قال إن كان كذا فأمرك بيدك. والحق أن في المسألة اختلاف الرواية والأقوال
وظاهر الرواية أن الامر باليد يبطل بتنجيز الإبانة بمعنى أنها لو طلقت نفسها في العدة لا يقع
لا بمعنى بطلانه بالكلية لما قدمناه من أنها لو طلقت نفسها بعد التزوج وقع عند الإمام،
ويدل عليه قولهم في باب التعليق وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها بناء على أن التخيير
بمنزلة تعليق طلاقها باختيارها نفسها وإن كان تمليكا. وفي القنية: معلما بعلامة (قيه): إن
فعلت كذا فأمرك بيدك ثم طلقها قبل وجود الشرط طلاقا بائنا ثم تزوجها يبقى الامر في
يدها ثم رقم (بم) لا يبقى في ظاهر الرواية ثم رقم (بح) إن تزوجها قبل انقضاء العدة فالامر
باق، وإن تزوجها بعد انقضائها لا يبقى اه‍. فقد صرح بعدم بقائه مع الامر المعلق في ظاهر
الرواية فلا يصح التوفيق بأنه يبقى إذا كان معلقا، فالحق أن في المسألة اختلاف الرواية كما
أن الظاهر في مسألة رد التفويض أن فيها روايتين، ويدل على ذلك ما في الهداية فإنه نقل
رواية عن أبي حنيفة بأنها لا تملك رد الامر كما لا تملك رد الايقاع، ثم ذكر بعدها وجه ظاهر

558
الرواية فلا يحتاج إلى ما تكلفه ابن الهمام والشارحون في المسألتين وفي البزازية: له امرأتان
جعل أمر إحداهما بيد الأخرى ثم طلق المفوض إليها بائنا أو خالعها ثم تزوجها يصير أمرها
بيدها بخلاف ما لو جعل أمرها بيد نفسها ثم طلقها بائنا على ما مر لأنه تمليك اه‍. الثالثة ما
وقع في هذا الكتاب والهداية وعامة الكتب أن الامر باليد تصح إضافته وتعليقه نحو أمرك
بيدك يوم يقدم فلان أو إذا جاء غد، وبه خالف أيضا سائر التمليكات. وذكر قاضيخان في
شرح الزيادات ما يخالفه فإنه قال: لو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك ثلاثا للسنة أو ثلاثا إذا
جاء غد فقالت في المجلس اخترت نفسي طلقت للحال ثلاثا، وإن قامت عن مجلسها قبل أن
تقول شيئا بطل اه‍. ودفعها أن ما ذكره القاضي ليس فيه تعليق الامر ولا إضافته لأنه منجز،
وقوله فطلقي نفسك تفسير له فكان التعليق مرادا بلا لفظ وليس المنجز محتملا للتعليق فلا
يكون معلقا وإن نواه.
قوله: (وفي أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل) أي الليل لأنه تمليك واحد فإنه لم يفصل
بينهما بيوم آخر فكان جمعا بحرف الجمع في التمليك الواحد فهو كقوله أمرك بيدك في يومين
وفي مثله تدخل الليلة المتوسطة استعمالا لغويا وعرفيا، فقول الشارح تبعا للهداية وقد يهجم
الليل ومجلس المشورة لم ينقطع مردود لأنه ينقطع لأنه يقتضي دخول الليل في اليوم المفرد
لذلك المعنى قوله: (وإن ردت في يومها لم يبق في الغد) يعني إذا اختارت زوجها في يومها
انتهى ملكها فلا تملك اختيارها نفسها بعد ذلك وعليه الفتوى. كذا في الولوالجية. قيد بقوله
اليوم وغد لأنه لو قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران. ذكره قاضيخان من
غير ذكر خلاف، فعزوه في الهداية هذا الفرع إلى أبي يوسف ليس لاثبات خلاف فيه وإنما
هو لكونه خرجه فيتفرع عليه عدم اختيارها نفسها ليلا. ولو قال أمرك بيدك اليوم غدا بعد
غد فهو أمر واحد في ظاهر الرواية لأنها أوقات مترادفة كقوله أمرك بيدك أبدا فيرتد بردها
مرة. وعن أبي حنيفة أن لها ثلاثة أمور لأنها أوقات حقيقة. كذا في جامع التمرتاشي. وقد
علم من باب إضافة الطلاق إلى الزمان أنه لو قال أمرك بيدك اليوم أنه يمتد إلى الغروب فقط
بخلاف قوله أمرك بيدك في اليوم أنه يتقيد بالمجلس، وقد صرح به في فتح القدير. وفي
الذخيرة: لو قال أمرك بيدك يوما أو شهرا أو سنة فلها الامر من تلك الساعة إلى استكمال
المدة المذكورة ولا يبطل بالقيام عن المجلس ولا بشئ آخر، ويكون الشهر هنا بالأيام إجماعا.

559
ولو عرف فقال هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذه السنة كان لها الخيار في بقية اليوم أو الشهر
أو السنة ويكون الشهر هنا على الهلال. وذكر الولوالجي: إذا قال أمرك بيدك إلى رأس الشهر
فلها أن تطلق نفسها مرة واحدة في الشهر لأن الامر متحد، ولو قالت اخترت زوجي بطل
خيارها في اليوم ولها أن تختار نفسها في الغد عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: خرج الامر
من يدها في الشهر كله، ولو قال أمرك بيدك هذه السنة فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن
لها خيار في باقي السنة، ولو طلقها زوجها واحدة ولم يدخل بها ثم تزوجها في تلك السنة
فلها الخيار عند أبي حنيفة لأن طلقات هذا الملك ما استوفيت بعد. وقال أبو يوسف: لا
خيار لها لأنه إنما يكون في الملك وقد بطل، وقدمنا في باب إضافة الطلاق إلى الزمان أنه لو
قال أمرك بيدك إلى عشرة أيام فالامر بيدها من هذا الوقت إلى عشرة أيام تحفظ بالساعات.
ولو قال أنت طالق إلى سنة يقع بعد السنة إلا أن ينوي الوقوع للحال والعتق كالطلاق،
وقدمنا أنواعا من هذا الجنس وهي مذكورة هنا في الخلاصة والبزازية، والكل ظاهر إلا ما
فيهما من أن الابراء إلى شهر كالطلاق إلا إذا قال عنيت بالابراء إلى شهر التأخير إليه
فحينئذ يكون تأخيرا إليه اه‍. فإنه يقتضي صحة إضافة الابراء وقد صرح في الكنز من آخر
الإجارة أنه من قبيل ما لا تصح إضافته. وقيد باتحاد الامر باليد لأنه لو كرره بأن قال
أمرك بيدك وأمرك بيدك أو جعلت أمرك بيدك وأمرك بيدك كانا تفويضين، لأن الواو

560
للعطف لا للجزاء، وكذلك لو قال أمرك بيدك فأمرك بيدك
لأن الفاء هنا بمعنى الواو ولأنه لا يصلح تفسيرا. ولو قال جعلت أمرك بيدك فأمرك بيدك فهو أمر واحد لأن معناه
صار الامر بيدك بجعل الامر بيدك كقوله جعلتك طالقا فأنت طالق، أو قال قد طلقتك
فأنت طالق طلقت واحدة، ولو جمع بين تفويضين بالواو والفاء أو بغيرهما، فإن كان
بغيرهما بأن قال أمرك بيدك طلقي نفسك فاختارت نفسها فقال لم أرد بالامر الطلاق يصدق
قضاء مع يمينه لأنه ما وصل قوله طلقي بالكلام المبهم لأنه لم يذكر حرف الوصل فكان
كلاما مبتدأ فلم يصر تفسيرا للمبهم. ولو كان بالعطف كقوله أمرك بيدك واختاري فطلقي
فاختارت لا يقع شئ لأنه عطف قوله فطلقي على التفويضين المبهمين فلا يكون تفسيرا
لهما فبقي كلاما مبتدأ، وقولها اخترت لا يصلح جوابا له فلا يقع، وإن طلقت يقع واحدة
رجعية لأنه يصلح جوابا له.
وكذا لو قال أمرك بيدك واختاري فاختاري فطلقي نفسك فاختارت نفسها طلقت ثنتين
مع يمينه أنه لم يرد بالامر باليد الثلاث لأنه أتى بالتفويضين المبهمين بالعطف وهو للاشتراك
فصار طلقي تفسيرا لهما. وكذا لو قال اختاري وتختاري أو قال أمرك بيدك وأمرك بيدك فطلقي
نفسك فاختارت طلقت ثنتين، ولو قال أمرك بيدك اختاري فطلقي نفسك فاختارت نفسها
وقال لم أرد به الطلاق يقع تطليقة بائنة بالخيار الأخير لأن قوله فطلقي تفسير للأخير فقط.
ولو قال أمرك بيدك فاختاري أو اختاري فأمرك بيدك فالحكم للامر حتى إذا نوى بالثلاث
يصح، ن وإذا أنكر الثلاث وأقر بالواحدة يحلف لأن الامر يصلح علة والاختيار يصلح حكما لا
علة فصار الحكم للامر تقدم أو تأخر. وكذلك لو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك أو طلقي
نفسك فأمرك بيدك، ولو قال أمرك بيدك فاختاري فطلقي فاختارت بانت بواحدة بالامر لأن
قوله فاختاري تفسير للامر، وقوله فطلقي تفسير لقوله فاختاري. ولو قال أمرك بيدك
فاختاري طلقي نفسك فاختارت لم يقع شئ إذا لم يرد بالامر والتخيير طلاقا، فإن طلقت نفسها
وقعت رجعية وتمامه في المحيط، وسيأتي إن شاء الله الجمع بين التفويضين لأجنبي. وفي
الجامع: لو قال أنت طالق اليوم ورأس الشهر يقع واحدة، قيل تأويله أن يكون رأس الشهر
غدا، أما إذا كان بينهما حائل وقع طلاقان في وقتين. وقيل ما وقع في الجامع قول محمد وهو
يعتبر الفاصل، وعند أبي يوسف تطليقتان. ولو قال أمرك بيدك اليوم فعن محمد إلى الغروب،

561
ولو قال في اليوم تقيد بالمجلس. ذكره القدوري. ولو قال في هذا الشهر فردته بطل عندهما
لأنه تمليك واحد، وعند أبي يوسف بطل في ذكر المجلس لا في غيره كما لو قامت من مجلسها،
وقيل الخلاف بالقلب. ولو قال اليوم أو شهرا فردته لم يبطل خيارها فيما بقي من المدة عند أبي
حنيفة خلافا لهما لأن هذا تفويض واحد فيرتد بالرد وقال هو تمليك نصا تعليق معنى، فمتى لم
يذكر الوقت فالعبرة للتمليك، ومتى ذكر فالعبرة للتعليق. كذا في المعراج.
قوله: (ولو مكثت بعد التفويض يوما ولم تقم أو حبست عنه أو اتكأت عن قعود أو
عكست أو دعت أباها للمشورة أو شهودا للاشهاد أو كانت على دابة فوقفت بقي خيارها وإن
سارت لا) أي لا يبقى خيارها لما قدمنا أن المخيرة لها الخيار في مجلسها، وأنه يتبدل حقيقة
بالقيام أو حكما بما يدل على الاعراض. وما ذكره لم يتبدل فيه حقيقة ولا حكما فلهذا بقي
خيارها. وقدمنا أنه لا يبطل بتبدل المجلس حقيقة على الصحيح إلا إذا كان معه دليل
الاعراض، ولذا قال في الخلاصة: رجل خير امرأته فقبل أن تختار نفسها أخذ الزوج بيدها
فأقامها أو جامعها طوعا أو كرها خرج الامر من يدها. وفي مجموع النوازل: وفي الأصل
من نسخة الإمام خواهر زاده: المخيرة إذا قامت لتدعو الشهود بأن لم يكن عندها أحد يدعو
الشهود لا يخلو إما أن تتحول عن موضعها أو لم تتحول، فإن لم تتحول لم يبطل الخيار
بالاتفاق، وإن تحولت عن موضعها اختلف المشايخ فيه بناء على أن المعتبر في بطلان الخيار
إعراضها أو تبدل المجلس عند البعض أيهما وجد وعند البعض الاعراض وهذا أصح اه‍.
وأراد بسير الدابة المبطل أن يكون بعد التفويض بمهلة، فلو اختارت مع سكوته والدابة تسير
طلقت لأنه لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك. والمراد بالاسراع أن يسبق جوابها خطوتها،
فلو سبق خطوتها جوابها لم تبن. كذا في الخلاصة. وأطلق المصنف في السير فشمل ما إذا
كان الزوج معها على الدابة أو المحمل ولم يكن معهما قائد، أما إذا كانا في المحمل يقودهما
الجمال لا يبطل لأنه كالسفينة في هذه الحالة. وأشار بالسير إلى كل عمل يدل على الاعراض
فدخل فيه ما لو دعت بطعام فأكلت أو اغتسلت أو امتشطت أو اختضبت أو اشتغلت بالنوم
أو جومعت أو ابتدأت الصلاة أو انتقلت إلى شفع آخر في النفل المطلق أو كانت راكبة فنزلت
أو تحولت إلى دابة أخرى أو كانت نازلة فركبت، وما لو بدأت بعتق عبد فوض سيده إليها
عتقه قبل أن تطلق نفسها، وما لو قالت أعطني كذا إن طلقتني كما في الخلاصة واختلف في
قليل الاكل ففي الخلاصة الاكل يبطل وإن قل. وقال القدوري: إن قل لا يبطل والشرب لا

562
يبطل أصلا اه‍. وقيد بسير الدابة لأنها لو كانت في السفينة فسارت لا يبطل خيارها. كذا في
الخلاصة وأشار بهذه المسائل إلى كل عمل لا يدل على الاعراض فدخل الاكل اليسير على أحد
القولين، والشرب مطلقا من غير أن تدعو بطعام، ولبس ثوبها من غير قيام، ونومها
مضطجعة وقراءتها وتسبيحها قليلا. وفي الخلاصة: لو قال لها أمرك بيدك وأمر هذه أيضا
لامرأة أخرى بيدك فقالت طلقت فلانة ثم قالت طلقت نفسي جاز، وبهذا لا يتبدل المجلس،
وكذا لو قالت لله علي نسمة أو هدي بدنة وحجة والحمد لله رب العالمين شكرا لما فعلت إلي
وقد طلقت نفسي جاز، وبما قالت لا يتبدل المجلس، ولو لم تقل هكذا ولكنها قالت ما
تصنع بالولد ثم طلقت نفسها يقع اه‍. وفي جامع الفصولين: لو تكلمت بكلام هو ترك
للجواب كما لو أمرت وكيلها ببيع أو شراء أو أجنبيا به بطل خيارها، فلو قالت لم لا تطلقني
بلسانك لا يبطل وفيه نظر، لأنه يتبدل به المجلس لأنه كلام زائد اه‍. أجاب عنه في فتح
القدير بأن الكلام المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الأول وإفاضة في غيره وليس هذا
كذلك بل الكل متعلق بمعنى واحد وهو الطلاق اه‍. ودخل ما لو كانت تصلي المكتوبة فأتمتها
أو في نفل مطلق فأتمت شفعا فقط. وفي الخلاصة: والأربع قبل الظهر والوتر بمنزلة
الفريضة، وصححه في المحيط اه‍. وفي الخانية: إذا كان الطلاق والعتق من الزوج فهما أمر
واحد لا يخرج الامر من يدها بأيهما بدأت، وما لو جعل أمرها وأمر عبده بيدها فبدأت بعتق
العبد ثم طلقت نفسها ففرقوا بين عبد الزوج وعبد غيره في بداءتها بعتقه، فالأول يدل على
الاعراض دون الثاني. وقيد بالاتكاء لأنها لو اضطجعت قال بعضهم لا يبطل الامر، وقال
بعضهم إن هيأت الوسادة كما تفعل للنوم يبطل. كذا في الخلاصة. وأشار إلى أنها لو كانت
محتبية فتربعت أو على العكس لا يبطل بالأولى كما في جامع الفصولين. وقيد بدعوتها الشهود
لأنها لو ذهبت إليهم وليس عندها أحد يدعوهم ففيه اختلاف قدمناه قريبا. ولو قال
فأوقفتها مكان وقفت لكان أولى ليعلم الحكم في وقوفها بدون إيقافها بالأولى ومسألة
الايقاف في جامع الفصولين. ولا يخفى أن هذا كله إذا كان التفويض منجزا، أما إذا كان
معلقا بالشرط فلا يصير الامر بيدها إلا إذا جاء الشرط فحينئذ يعتبر مجلس العلم إن كان

563
مطلقا، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن يرتد بالرد. وأما إذا كان موقتا بوقت
منجزا أو معلقا فالامر بيدها ما دام الوقت باقيا، علمت أو لا. فإذا مضى الوقت انتهى،
علمت أو لا. كذا في الولوالجية. يعني فلا يبطل بالقيام ولا بما يدل على الاعراض. وبما
تقرر علم أن التقدير بمكث اليوم ليس بلازم، بل المراد المكث الدائم إذا لم يوجد دليل
الاعراض يوما كان أو أكثر كما في غاية البيان. وفي جامع الفصولين: ولو مشت في البيت
من جانب إلى جانب لم يبطل، وكذا في فصول العمادي ومعناه أن يخيرها وهي قائمة في
البيت فمشت من جانب إلى جانب أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل خيارها
بمجرد قيامها لأنه دليل الاعراض.

564
قوله: (والفلك كالبيت) أي والسفينة كبيت لا كدابة ولا فرق بينهما حقيقة لتبدل
المجلس حقيقة. وافترقا بأن سير الدابة يضاف إلى راكبها والسفينة إلي الماء والريح. وفي جامع
الفصولين: لو قال لها أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تطلق نفسها كلما شاءت في ذلك
المجلس أو في مجلس آخر، إلا أنها لا تطلق دفعة واحدة أكثر من واحدة وإنما لها في
المجلس تفريق الثلاث، فلو شاءت في العدة وقع لا بعد زوج آخر خلافا لزفر. وإذا
ومتى ككلما في عدم التقييد بالمجلس لكن لا يفيد أن التكرار. وكيف وإن وحيث
وكم وأين وأينما تتقيد بالمجلس والعتق كالطلاق في هذه المسائل حتى لو قال فيما لا
يفيد التكرار لا أشاء ثم شاء العتق عتق. وكذا الطلاق واستشكله مؤلفه بأنه مخالف لقولهم لو
اختارت زوجها بطل. وأجيب عنه فيما كتبته على جامع الفصولين بأنه يفرق بين اختيارها
الزوج وبين قولها لا أشاء في مشيئة مكررة بأن الاختيار للزوج مبطل أصل التفويض وقولها
لا أشاء إنما يبطل مشيئة من جملة المشيئات ولها المشيئة بعد ذلك فلا يبطل أصل التفويض.
وفي جامع الفصولين أيضا: قال أمرها بيدها إن قامر ثم قامر وطلقت نفسها فقال إنك
علمت منذ ثلاثة أيام ولم تطلقي في مجلس علمك قالت لا بل علمت الآن فالقول قولها. قال
أمرك بيدك فطلقت نفسها فقال إنما طلقت نفسك بعد الاشتغال بكلام أو عمل، وقالت لا
بل طلقت نفسي في ذلك المجلس بلا تبدله فالقول قولها لأنه وجد سببه بإقراره وهو
التخيير، فالظاهر عدم الاشتغال بشئ آخر. وقال خيرتك أمس فلم تختاري وقالت قد
اخترت فالقول قوله. قال لقنه جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال القن
فعلته لا يصدق إذ المولى لم يقر بعتقه لأن جعل الامر بيده لا يوجب العتق ما لم يعتق القن
نفسه والقن يدعي ذلك والمولى ينكره، ولا قول للقن في الحال لأنه يخبر بما لا يملك إنشاءه
لخروج الامر من يده بتبدل مجلسه. أقول: على هذا في مسألة الاشتغال بكلام إلى آخره ينبغي
أن لا يقبل قولها اه‍. وقد أجبت عنه في حاشيته بالفرق بينهما لأن في المسألة الأولى اتفقا
على صدور الايقاع منها بعد التفويض والزوج يدعي إبطال إيقاعها فلا يقبل منه، وفي الثانية
لم يقر المولى بالايقاع من العبد بعد التفويض. فإن قلت: هل التفويض يصح في النكاح
الفاسد كالصحيح؟ قلت: قال في البزازية من فصل النكاح الفاسد: جعل أمرها بيدها في

565
النكاح الفاسد إن ضربها بلا جرم فطلقت نفسه بحكم التفويض، إن قيل يكون متاركة
كالطلاق وهو الظاهر فله وجه، وإن قيل لا فله وجه أيضا لأن المتاركة فسخ وتعليق الفسخ
بالشرط لا يصح. ولو قال لها طلقي نفسك فطلقت نفسها يكون متاركة لأنه لا تعليق فيه،
وفي الأول تعليق الفسخ بالضرب اه‍. قال في المصباح: شاورته واستشورته راجعته لأرى
رأيه فأشار علي بكذا أراني ما عنده من المصلحة فكانت إشارته حسنة، والاسم المشورة وفيها
لغتان سكون الشين وفتح الواو وضم الشين وسكون الواو اه‍ والله أعلم.
فصل في المشيئة
(ولو قال لها طلقي نفسك ولم ينو أو نوى واحدة فطلقت وقعت رجعية وإن طلقت
ثلاثا ونواه وقعن). أي وقع الثلاث لأن قوله طلقي نفسك معناه افعلي فعل التطليق فهو
مذكور لغة لأنه جزء معنى اللفظ فتصح نية العموم. وهو في حق الأمة اثنتان، وفي حق
الحرة ثلاث، وقد تقدم الفرق بينه وبين قوله طلقتك وأنت طالق. وأشار إلى أن نية
الثنتين لا تصح هنا أيضا لكونه عددا. وأطلق تطليقها الثلاث فشمل ما إذا قالت طلقت
نفسي ثلاثا وقولها قد فعلت مع نية الثلاث كما في الخانية. وشمل ما إذا أوقعت الثلاث
بلفظ واحد ومتفرقا كما في فتح القدير. وقيد بنية الثلاث لأنها لو طلقت ثلاثا وقد نوى
واحدة لا يقع شئ عند الإمام كما سيأتي. وقيد بخطابها لأنه لو قال طلقي أي نسائي شئت
فطلقت نفسها أو قال أمر نسائي بيدك لم يقع شئ. كذا في الخانية، ثم اعلم أن المخاطب
هنا لم يدخل تحت عموم خطابه، ودخل في قوله نسائي كلهن طوالق إذ دخلت الدار فإذا
دخلت هي طلقت هي وغيرها. كما في الخانية أيضا قوله: (وبأبنت نفسي طلقت لا
باخترت) يعني إن أبنت نفسي يصلح جوابا لطلقي نفسك ولا يصلح اخترت نفسي جوابا

566
له. والفرق بينهما أن الإبانة من ألفاظ الطلاق لأنه كناية والمفوض إليها الطلاق والاختيار
ليس من ألفاظه لا صريحا ولا كناية بدليل الوقوع بأبنتك دون اختاري وإن نوى الطلاق
وتوقفه على إجازته إذا قالت أبنت نفسي بشرط نيتها كما في تلخيص الجامع، وعدم التوقف
إذا قالت اخترت نفسي منه. وإنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا حصل
جوابا للتخيير على خلاف القياس، وصلح جوابا للامر باليد أيضا لأنه هو التخيير معنى فثبت
جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير، لأن قوله أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة
في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه وعدمه فهو مرادف للتخيير بلفظ التخيير للعلم بأن
خصوص اللفظ ملغى بخلاف طلقي فإنه وضع لطلب الطلاق لا للتخيير بينه وبين عدمه.
وفي المحيط من العتق: لو قال لامته اعتقي نفسك فقالت اخترت كان باطلا اه‍ بخلاف ما
إذا قالت جعلت الخيار إلي أو جعلت أمري بيدي فإنه يتوقف، فإذا أجاز صار أمرها بيدها
كما قدمناه. وأشار بقوله طلقت إلى أنه رجعي لأن مخالفتها في الوصف فقط فوقع أصل
الطلاق دون ما وصفته به بخلاف ما لو قال طلقي نصف تطليقة فطلقت واحدة أو ثلاثا
فطلقت ألفا حيث لا يقع شئ لأن المخالفة في الأصل. وفي فتح القدير: واعلم أن المسألتين
ذكرهما التمرتاشي والخلاف فيهما في الأصل إنما هو باعتبار صورة اللفظ لا غير إذ لو
أوقعت على الموافقة أعني الثلاث والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة والألف، والخلاف
في مسألة الكتاب باعتبار المعنى فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن، وقد اعتبر
الخلاف بمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى نظرا إلى أنه الأصل في الايقاع والخلاف في المعنى
غير خلاف وفيه ما لا يخفى اه‍. ولا فرق بين قوله طلقي نفسك وقوله طلقي نفسك
تطليقة رجعية، ولا فرق بين قولها أبنت نفسي وبين قولها طلقت نفسي بائنة في وقوع
الأصل وإلغاء الوصف كما في البدائع، وفيها من العتق: لو قال لامته أمر عتقك في يدك أو
جعلت عتقك في يدك أو خيرتك في عتقك فأعتقت نفسها في المجلس عتقت ولا يحتاج إلى
نية السيد اه‍. فينبغي أن يكون في الطلاق كذلك فتصير هذه الألفاظ بمنزلة طلقي نفسك

567
لا تحتاج إلى نية. وأفاد بعدم صلاحيته للجواب أن الامر يخرج من يدها لاشتغالها بما لا
يعنيها كما في فتح القدير. ودل اقتصاره على نفي الاختيار أن كل لفظ يصلح للايقاع من
الزوج يصلح جوابا لطلقي نفسك كجواب الامر باليد كما صرح به في الخلاصة. وذكر في
القنية: قال لها طلقي نفسك فقالت حلال الله علي حرام يقع بخوارزم وبخارى اه‍. وفي
البزازية اخترت يصلح جوابا لأمرك بيدك، ولاختاري لا لطلقي وطلقت جوابا للكل، والامر
لا يصلح تفسيرا للامر لأن إقامة التعزير في الأول غير مفوض إليه، وكذا الاختيار للاختيار
وطلقي نفسك يصلح تفسيرا لقوله أمرك بيدك ولقوله اختاري اه‍. قوله: (ولا يملك
الرجوع) أي ولا يملك الزوج الرجوع عن التفويض، سواء كان بلفظ التخيير أو بالامر باليد
أو طلقي نفسك لما قدمنا أنه يتم بالمملك وحده من غير توقف على قبول وأنه تمليك فيه معنى
التعليق، فباعتبار التمليك تقييد بالمجلس، وباعتبار التعليق لم يصح الرجوع عنه،
ولا عزلها ولا نهيها. وفي جامع الفصولين والخانية: لو صرح بوكالتها فقال وكلتك في طلاقك كان
تمليكا كقوله طلقي نفسك اه‍. بناء على أن الوكيل من يعمل لغيره وهذه عاملة لنفسها حتى
لو فوض إليها طلاق ضرتها أو فوض أجنبي لها طلاق زوجته كان توكيلا فملك الرجوع منه
لكونها عاملة لغيرها ولا يتقصر على المجلس. وفي فتح القدير: وكذا المديون في إبراء ذمته
بقول الدائن له أبرئ ذمتك عامل لغيره بالذات ولنفسه ضمنا على ما قدمنا. والتوكيل استعانة
فلو لزم ولم يملك الرجوع عاد على موضوعه بالنقض وقدمنا عدم ظهور الفرق بين طلقي
وأبرئ ذمتك إذ كل ما يمكن اعتباره في أحدهما يمكن في الآخر، وأن عدم الرجوع أيضا
يتفرع على معنى الملك الثابت بالتمليك بناء على أنه يثبت بلا توقف على القبول شرعا على ما
صرح به في الذخيرة، وأنه لا حاجة إلى ترتبه على معنى التعليق المستخرج لأنه يمكن مثله في
الوكالات والولايات، فلو صح لزم أن لا يصح الرجوع عن توكيل وولاية، وأما الاقتصار
على المجلس فبالاجماع على خلاف القياس ا ه‍. وقد قدمنا في فصل الاختيار أنه سهو لأنه لا
يمكن مثله في الوكالات والولايات شرعا لأنه لا يصح تعليق الإجازة، بالزاي المعجمة

568
بالشرط والطلاق يصح تعليقه وقد استمر على سهوه هذا. ولو قال إنه يمكن مثله في التوكيل
بالطلاق لكان صحيحا لأن التعليق المستخرج يمكن فيه على معنى إن طلقتها فهي طالق مع
أنه يصح الرجوع عنه. وأما التوكيل بالبيع والولايات فلا دخل لها والله سبحانه وتعالى هو
الموفق للصواب. وقد ظهر لي الفرق بين طلقي وأبرئ ذمتك وهو أنهما وإن اشتركا في
العمل للنفس بتملكها نفسها وبراءة ذمته وللغير بامتثال أمر الزوج والدائن ولكن لما كان
الطلاق محظورا في الجملة وهو أبغض المباحات عند الله تعالى كما في الحديث، لم يكن
مقصود الزوج إلا أن تكون عاملة لنفسها قصدا، ولهذا قالوا: لا يكره التفويض وهي
حائض. ولما كان الابراء عن الدين مستحبا سببا للثواب لم يكن مقصوده إلا أن يكون المديون
عاملا له لا لنفسه ليحصل الثواب له على فعل المستحب قصدا لا ضمنا. ومن العجب ما
ذكره الشارح الزيلعي في الوكالة عند قوله وبطل توكيله الكفيل بمال أن قول الدائن أبرئ
ذمتك تمليك لا توكيل كما لو قال لها طلقي نفسك فإنه يلزم عليه تقييده بالمجلس وعدم
صحة الرجوع عنه والمنقول خلافه. ومن العجب ما في معراج الدراية في فصل الاختيار أنه لا
يلزم من كونه تمليكا أن لا يصح الرجوع عنه لانتقاضه بالهبة فإنه تمليك ويصح الرجوع
عنها فإنه على تقدير التسليم يلزم عليه التقييد بالمجلس، وقدمنا أنه لو أمره بإبراء نفسه لا
يتقيد بالمجلس. وذكر الفارسي في شرح التلخيص أن الفرق أن الطلاق والعتاق مما يقبل
التعليق بالشرط فكان التفويض فيهما تمليكا لا توكيلا محضا فاقتصر على المجلس والطلاق
والعتاق مما يحلف به فكان يمينا فلم يمكن الرجوع عنه بخلاف التفويض في الابراء
وأخواته فإنها لا تقبل التعليق بالشرط فكان توكيلا محضا فلم تقتصر على المجلس وأمكن
الرجوع عنه اه‍. وفي الخانية من كتاب الوكالة: امرأة قالت لزوجها إذا جاء غد فاخلعني
على ألف درهم كان ذلك توكيلا حتى لو نهته عن ذلك صح نهيها، وكذلك إذا قال العبد
لمولاه إذا جاء غد فأعتقني على ألف درهم اه‍. وفي كافي الحاكم: إذا وكل الرجل امرأته
بخلع نفسها فخلعت نفسها منه بمال أو عرض فإن ذلك لا يجوز إلا أن يرضى، وهذا بمنزلة
البيع في هذا الوجه. ولو قال لامرأته اشتر طلاقك مني بما شئت وقد وكلتك بذلك فقالت
قد اشتريته بكذا كذا كان باطلا، ولو قال لها اخلعي نفسك مني بكذا كذا ففعلت ذلك كان
جائزا ولا يشبه الطلاق بمال الذي يخلع بغير مال اه‍. وفي البزازية. من الخلع: اشتر
نفسك مني فقالت اشتريت لا يقع ما لم يقل بعت، ولو قال اخلعي نفسك مني فقالت
خلعت وقع بلا قبوله. قوله: (وتقيد بمجلسها إلا إذا زاد متى شئت) لما قدمنا أنه تمليك

569
وهو يقتصر على المجلس وإذا زاد متى شئت كان لها التطليق في المجلس وبعده لأن كلمة
متى عامة في الأوقات فصار كما إذا قال في أي وقت شئت. ومراده من متى ما دل على
عموم الوقت فدخل إذا وأورد عليه أنه ينبغي أن يكون إذا عند الإمام ك‍ " إن كما تقدم
في إذا لم أطلقك فيتقيد بالمجلس، وقدمنا جوابه بإمكان أن تعمل شرطا فيتقيد، وأن تعمل
ظرفا فلا تتقيد والامر صار في يدها بيقين فلا يخرج بالشك ودخل حين قال في المحيط:
ولو قال حين شئت فهو بمنزلة قوله إذا شئت لأن الحين عبارة عن الوقت اه‍. وقيد بما يدل
على عموم الوقت احترازا عن إن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنه يتقيد
بالمجلس. وكلما ك‍، - متى في عدم التقييد بالمجلس مع اختصاصها بإفادة التكرار إلى
الثلاث على ما أسلفناه في فصل الامر باليد. والإرادة والرضا والمحبة كالمشيئة بخلاف ما إذا
علقه بشئ آخر من أفعالها كالأكل فإنه لا يتقصر على المجلس في الجميع ثم اعلم أن
التفويض إليها بلفظ التطليق يتقيد بالمجلس، سواء أطلقه أو علقه بمشيئتها إلا في متى
وإذا وحين وكلما كما قدمناه، ولكن بين إطلاقه وتعليقه بغير الأربع فرق فإنه مع
الاطلاق تنجيز للتمليك، ومع التعليق إضافة له لا تنجيز. ومن فروع ذلك أنها لو طلقت
نفسها بلا قصد غلطا لا يقع إذا ذكر المشيئة ويقع إذا لم يذكرها. قال في فتح القدير: وقد
قدمنا في أول باب إيقاع الطلاق ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق
غلطا على الوقوع في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى اه‍. ولو جمع بين إن وإذا فلها
مشيئتان: مشيئة للحال نظرا إلى إن ومشيئة في عموم الأوقات نظرا إلى إذا قال في
المحيط: ولو قال إن شئت فأنت طالق إذا شئت فلها مشيئتان: مشيئة في الحال ومشيئة في
عموم الأحوال، لأنه علق بمشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتها في أي وقت كان،
والمعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط، فإذا شاءت في المجلس صار كأنه قال أنت طالق
إذا شئت اه‍. والظاهر أنه لا فرق بين تعليق التطليق أو الطلاق في حق هذا الحكم لما في
المحيط أيضا أنه إذا قال لها طلقي نفسك ولم يذكر مشيئة فهو بمنزلة المشيئة إلا في خصلة
وهي أن نية الثلاث صحيحة في طلقي دون أنت طالق إن شئت اه‍. وظاهره أنها إذا لم تشأ
في المجلس خرج الامر من يدها لأن المشيئة في المجلس هي الشرط في المشيئة في عموم
الأوقات. وفي الظهيرية: إنه لو قال لامرأتين له طلقا أنفسكما ثلاثا وقد دخل بهما فطلقت
كل واحدة منهما نفسها وصاحبتها على التعاقب ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا بتطليق

570
الأولى لا بتطليق الأخرى، لأن تطليق الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها باطل، ولو بدأت
الأولى فطلقت صاحبتها ثلاثا ثم طلقت نفسها طلقت صاحبتها دون نفسها لأنه في حق نفسها
مالكة والتمليك يقتصر على المجلس، فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الامر من يدها،
وبتطليقها نفسها لا يبطل تطليقها الأخرى بعد ذلك لأنها في حق الأخرى وكيلة والوكالة لا
تقتصر على المجلس. ولو قال لهما طلقا أنفسكما إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها
لا تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها بخلا ف ما تقدم. والحاصل أن
كل واحدة منهما تنفرد بالايقاع على نفسها وعلى ضرتها في المسألة الأولى، وفي المسألة الثانية
الاجتماع على الايقاع شرط الوقوع. ولو قال لهما أمركما بأيديكما يريد به الطلاق فالجواب
فيه كالجواب فيما إذا قال طلقا أنفسكما إن شئتما في أنه لا تنفرد إحداهما بالطلاق غير أنهما
يفترقان في حكم واحد وهو أنهما لو اجتمعا على طلاق واحدة منهما يقع. وفي قوله إن
شئتما لا يقع لأنه ثمة علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما طلاقهما جميعا، وههنا لم يعلق
بل فوض تطليق كل واحدة منها إلى رأيهما، فإذا اجتمعا على طلاق واحدة يقع اه‍. وفي
قوله فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الامر من يدها نظر لما قدمناه عن الخلاصة والخانية
من أن اشتغالها بطلاق ضرتها لا يخرج الامر من يدها، وجوابه أن ما قدمناه عنهما في الامر
باليد وما هنا إنما هو في الامر بالتطليق، والفرق بينهما أنها في الامر باليد مالكة لطلاق
ضرتها لا وكيلة، وفي الامر بالتطليق وكيلة فافهم. والامر بالتطليق المعلق بمشيئتها كالأمر
باليد في حق هذا الحكم كما في الخانية. وفي المحيط: طلقا أنفسكما ثم قال بعده لا تطلقا
أنفسكما، فلكل واحدة منهما أن تطلق نفسها ما دامت في ذلك المجلس، ولم يكن لها أن
تطلق صاحبتها بعد النهي لأنه توكيل في حق صاحبتها تمليك في حقها اه‍. وبما ذكرناه عن
الظهيرية علم الفرق بين الامر بالتطليق المطلق والمعلق بمشيئتها في فرع ثان غير ما نقلناه عن
ابن الهمام. وفي الخانية: لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فقالت أنا طالق لا يقع
شئ، ولو قال لها طلقي نفسك إن شئت فقالت قد شئت أن أطلق نفسي كان باطلا، ولو
قال لها طلقي نفسك إذا شئت ثم جن جنونا مطبقا ثم طلقت المرأة نفسها قال محمد: كل
شئ يملك الزوج أن يرجع عن كلامه يبطل بالجنون، وكل شئ لم يملك الزوج أن يرجع
عن كلامه لا يبطل بالجنون اه‍. وفيها أيضا: لو قال أي نسائي شاءت طلاقها فهي طالق
فشاءت طلاق الكل طلقن إلا واحدة، ولو قال أي نسائي شاءت الطلاق فهي طلاق فشئن
طلقن اه‍. والفرق أن أيا في الأول وصفت بصفة خاصة، وفي الثاني بصفة عامة فليتأمل.

571
وفي تلخيص الجامع للصدر من باب الطلاق في المرض أحد المأمورين ينفرد به وببدل لا وهو
يمين منه بيع منها: قال لهما في مرضه وقد دخل بهما طلقا أنفسكما ثلاثا ملكت كل واحدة
طلاقها وتوكلت في طلاق الأخرى ولا ينقسم، ومن طلقت بتطليقها لا ترث لرضاها، وكذا
بتطليقهما معا لاضافته إليهما كالوكيل بالبيع مع الموكل، وبتطليق الأخرى ترث، وإن طلقت
بعدها كالتمكين بعده. ولو قال طلقا أنفسكما ثلاثا إن شئتما يقتصر على المجلس للتمليك،
ويشترط اجتماعهما للتعليق، فإن طلقت إحداهما كليهما ثلاثا والأخرى مثلها بانتا وورثت
الأولى لعدم رضاها نظيره: طلقت نفسها في مرضه فأجازه بخلاف سؤالها، والثانية لا ترث
لرضاها، ولو خرج كلامهما معا ورثتا لعدمه، ولو قال أمركما بيدكما فكما مر غير أن هنا
لو اجتمعتا على إحداهما يقع وثمة لا للتعليق نظيره: وكل رجلين ببيع عبدين أو طلاق
امرأتين بمال معلوم قال طلقا أنفسكما بألف يتقيد المجلس ويشترط اجتماعهما ولا يرثان
بحال، ولو اجتمعا على إحداهما صح بحصته من مهرها اه‍ قوله: (ولو قال لرجل طلق
امرأتي لم يتقيد بالمجلس إلا إذا زاد إن شئت) لأنه توكيل وأنه استعانة فلا يقتصر على المجلس.
وأشار إلى أنه له الرجوع عنه بخلاف قوله لامرأته طلقي نفسك لأنها عاملة لنفسها فكان
تمليكا لا توكيلا. وإذا زاد إن شئت بأن قال لرجل طلقها إن شئت فإنه يتقيد بالمجلس، ولو
صرح بأنه وكيل كما في الخانية من الوكالة. وأشار إلى أنه لا رجوع له. وقال زفر: هذا
والأول سواء لأن التصريح بالمشيئة كعدمه لأنه يتصرف عن مشيئته فصار كالوكيل بالبيع إذا
قيل له بع إن شئت. ولنا أنه تمليك لأنه علقه بالمشيئة والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته،
والطلاق يحتمل التعليق بخلاف البيع فإنه لا يحتمله. كذا في الهداية. وتعقبه بعضهم بأن
البيع فيه ليس بمعلق بالمشيئة بل المعلق فيه الوكالة بالبيع وهي تقبل التعليق وكأنه اعتبر
التوكيل بالبيع بنفس البيع اه‍. ورده في فتح القدير بأنه غلط يظهر بأدنى تأمل، لأن التوكيل
هو قوله بع فكيف يتصور كون نفس قوله معلقا بمشيئة غيره، بل وقد تحقق وفرغ منه قبل
مشيئة ذلك الغير ولم يبق لذلك الغير سوى فعل متعلق التوكيل أو عدم القبول والرد اه‍.
وهو سهو يظهر بأدنى تأمل لأنه لم يقل إن التوكيل معلق حتى يرد عليه ما ذكره، وإنما ذكر
أن الوكالة معلقة بالمشيئة والوكالة أثر التوكيل فجاز إطلاق التوكيل عليها في قوله وكأنه اعتبر
التوكيل أي الوكالة. والحق أن البيع والتوكيل به لم يعلقا بالمشيئة وإنما المعلق الوكالة وتعليقها
صحيح فيحتاج إلى الفرق بين قوله طلقها إن شئت وبع إن شئت. ثم اعلم أن قول صاحب

572
الهداية والبيع لا يحتمل ظاهر في أنه لا يحتمل التعليق بالمشيئة، وإذا لم يحتمله فهل يبطل أو
يصح ويبطل التعليق؟ قال في المحيط من كتاب الايمان من قسم التعليق: لو قال لرجل بعت
عبدي منك بكذا إن شئت فقبل يكون بيعا صحيحا إذ البيع لا يحتمل التعليق اه‍. قيد بقوله
طلقها لأنه لو قال أمر امرأتي بيدك يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الأصح وإن
قال بعض هذا توكيل لأنه صرح بالامر. كذا في الخلاصة. وكذا لو قال جعلت إليك طلاقها
فطلقها يقتصر على المجلس ويكون رجعيا. كذا في الخانية. وفي الظهيرية: لو قال قل
لامرأتي أمرك بيدك لا يصير الامر بيدها ما لم يقل المأمور بخلاف قل لها إن أمرها بيدها. ولو
قال أمرها بيد الله وبيدك انفرد المخاطب وذكر الله هنا للتبرك عرفا، وكذا في العتاق والبيع
والإجارة والخلع والطلاق على مال. ولو قال أمرها بيدي ويدك لا ينفرد المخاطب، ولو قال
طلقها ما شاء الله وشئت فطلقها المخاطب لا يقع لاستعماله للاستثناء، ولو قال طلقها بما
شاء الله وشئت من المال فطلقها المخاطب جاز لأن المشيئة هنا تنصرف إلى البدل لا إلى
التفويض اه‍. فإن قلت: إذا جمع لأجنبي بين الامر باليد والامر بالتطليق فما المعتبر منهما؟
قلت قال في الخانية: لو قال لغيره أمر امرأتي بيدك فطلقها فقال لها المأمور أنت طالق أو قال
طلقتك يقع تطليقة بائنة إلا إذا نوى الزوج ثلاثا فثلاث، وكذا لو قال طلقها فأمرها بيدك
بخلاف ما لو قال أمرها بيدك في تطليقة أو بتطليقة فطلقها فطلقها المأمور في المجلس وقعت
واحدة رجعية، ولو قال طلقها وقد جعلت أمر ذلك إليك فهو تفويض يقتصر على المجلس
ويقع واحدة رجعية، ولو قال طلقها وقد جعلت إليك طلاقها فطلقها يقتصر على المجلس
ويكون رجعيا. ولو قال طلقها فأبنها أو أبنها فطلقها فهو توكيل لا يقتصر على المجلس
وللزوج الرجوع ويقع بائنة، وليس له أن يوقع أكثر من واحدة. ولو قال طلقها وقد جعلت
أمرها بيدك أو جعلت أمرها بيدك وطلقها كان الثاني غير الأول لأن الواو للعطف، فأما
حرف الفاء في هذه المواضع يكون لبيان السبب فلا يملك إلا واحدة. وإذا ذكر بحرف الواو
فطلقها الوكيل في المجلس تبين بتطليقتين لأن الواقع بحكم الامر يكون بائنا، فإذا كان
أحدهما بائنا كان الآخر بائنا، فإن طلقها الوكيل بعد القيام عن المجلس تقع رجعية لأن
التفويض يبطل بالقيام عن المجلس وبقي التوكيل بصريح الطلاق، وكذا لو قال أمرها بيدك
وطلقها. ولو قال طلقها وأبنها أو قال أبنها وطلقها وطلقها في المجلس أو غيره يقع
تطليقتان لأنه وكله بالإبانة والطلاق والتوكيل لا يبطل بالقيام عن المجلس فيقع طلاقان اه‍.

573
وحاصله أنه إذا جمع للأجنبي بين الامر باليد والامر بالتطليق بالفاء فهو واحد ولا اعتبار
للامر باليد، تقدم أو تأخر، فيتقيد بالمجلس ولا يملك عزله وتقع بائنة. وإن كان بالواو فهما
تفويضان فالامر باليد تمليك يعطى أحكامه، والامر بالتطليق توكيل فيأخذ أحكامه وإن أمره
بالإبانة والتطليق بالفاء فهو توكيل بواحد، وإن كان بالواو فهو توكيل بالإبانة والتطليق فيقع
طلاقان. وإن جمع بين الجعل إليه وبين الامر بالتطليق فإن قدم الجعل فهو تمليك، وإن أخره
فهو توكيل، وظاهره أنه لا فرق بين الفاء والواو، وإلى هنا ظهر الفرق بين التمليك والتوكيل
في أربعة أحكام، فالتمليك يتقيد بالمجلس ولا يصح الرجوع عنه ولا العزل ولا يبطل بجنون
الزوج، وانعكست هذه الأحكام في التوكيل. ولو قال المصنف ولقال لغيرها طلقها لكان
أولى ليشمل ما إذا أمر زوجته بطلاق ضرتها كما قدمناه. وسيأتي عن الخانية في باب التعليق
أنه لو قال كل امرأة أتزوجها فقد بعت طلاقها منك بدرهم ثم تزوج امرأة فقالت التي كانت
عنده حين علمت بنكاح غيرها قبلت أو قالت طلقتها أو قالت اشتريت طلاقها طلقت التي
تزوجها، وإن قالت التي عنده قبل أن يتزوج أخرى قبلت لا يصح قبولها لأن ذلك قبول قبل
الايجاب اه‍. وأطلق الرجل فشمل ما إذا فوضه لصبي لا يعقل أو مجنون فلذا قال في
المحيط: لو جعل أمرها بيد صبي لا يعقل أو مجنون فذلك إليه ما دام في المجلس لأن هذا
تمليك في ضمنه تعليق، فإن لم يصح باعتبار التمليك يصح باعتبار معنى التعليق فصححناه
باعتبار التعليق فكأنه قال إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق، وباعتبار معنى التمليك
يقتصر على المجلس عملا بالشبهين اه‍. لكن في الخانية قال: رجل فوض طلاق امرأته إلى
صبي قال في الأصل: إن كان ممن يعبر يجوز اه‍. ومفهومه أنه إذا كان لا يعبر لا يجوز، ولا
مخالفة بين ما في المحيط وما فيها لأن الصبي الذي لا يعقل يشترط أن يكون ممن يتكلم ليصح
أن يوقع الطلاق عليها ولا يلزم من التعبير العقل كما لا يخفى. وفي الخانية: لو جن المجعول
إليه بعد التفويض فطلق قال محمد: إن كان لا يعقل ما يقول لا يقع طلاقه اه‍. فعلى هذا
يفرق بين التفويض إلى المجنون ابتداء وبين طربان الجنون، ونظيره ما ذكره في الخانية بعده:
لو وكل رجلا ببيع عبده فجن الوكيل جنونا يعقل فيه البيع والشراء ثم باع الوكيل لا ينعقد
بيعه، ولو وكل رجلا مجنونا بهذه الصفة ببيع عبده ثم باع الوكيل نفذ بيعه لأنه إذا لم يكن
مجنونا وقت التوكيل كان التوكيل ببيع تكون العهدة فيه على الوكيل. وبعدما جن الوكيل لو
نفذ بيعه كانت العهدة فيه على الموكل فلا ينفذ، أما إذا كان الوكيل مجنونا وقت التوكيل فإنما
وكل ببيع تكون العهدة فيه على الموكل، فإذا أتى بذلك نفذ بيعه على الموكل اه‍. وفي تفويض
الطلاق وإن كان لا عهدة أصلا ولكن الزوج حين التفويض لم يعلق إلا على كلام عاقل، فإذا
طلق وهو مجنون لم يوجد الشرط بخلاف ما إذا فوض إلى مجنون ابتداء وبين التفويض إلى
مجنون وتوكيله بالبيع فرق فإنه في التفويض يصح وإن لم يعقل أصلا باعتبار معنى التعليق،

574
وفي التوكيل بالبيع لا يصح إلا إذا كان يعقل البيع والشراء كما قيده به في الخانية وكأنه
بمعنى المعتوه. ومن فرعي التفويض والتوكيل بالبيع ظهر أنه تسومح في الابتداء ما لم يتسامح
في البقاء وهو خلاف القاعدة الفقهية من أنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء. ثم اعلم أن ما نقلناه عن المحيط والخانية إنما هو فيما إذا جعل أمرها بيد صبي أو
مجنون لا فيما
إذا وكلهما، ولا بد في صحة التوكيل مطلقا من عقل الوكيل كما صرحوا به في كتاب
الوكالة. فعلى هذا لا بد من التقييد بالعقل في كلام المصنف، وحينئذ فهذه مما خالف فيها
التمليك التوكيل. ولم يذكر المصنف جواب الامر بالتطليق المعلق بالمشيئة. وفي المحيط: لو
قال لرجل طلق امرأتي إن شئت فقال شئت لا يقع لأن الزوج أمره بتطليقها إن شاء ولم يوجد
التطليق بقوله شئت، فلو قال هي طالق إن شئت فقال شئت وقع لوجود الشرط وهو
مشيئته، ولو قال طلقها فقال فعلت وقع لأنه قوله فعلت كناية عن قوله طلقت، ولو قال
أنت طالق إن شاء فلان فمات فلان لا يقع لتعذر وجود الشرط اه‍. وفي الخلاصة: لو جعل
أمرها بيد رجلين لا ينفرد أحدهما، ولو قال لهما طلقا امرأتي ثلاثا فطلقها أحدهما واحدة
والآخر ثنتين طلقت ثلاثا اه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو أرسل التفويض إليها مع رجل فإنه
يجوز بالأولى، وقدمنا قريبا عن الظهيرية الفرق بين قوله قل لها أمرك بيدك حيث لا يكون
الامر بيدها إلا إذا قال لها، وقوله قل لها إن أمرك بيدك حيث يكون الامر بيدها من غير
قول الرسول. وفي جامع الفصولين: شهدا أن فلانا أمرنا أن نبلغ امرأته أنه فوض إليها
فبلغناها وقد طلقت نفسها بعده جازت شهادتهما، ولو شهدا أن فلانا قال لنا فوضا إليها
ففعلنا لم يجز نظير المسألة الأولى أنهما لو شهدا أن فلانا أمرنا أن نبلغ فلانا أنه وكله ببيع قنه
فأعلمناه ثم باعه جازت شهادتهما اه‍. ولو قال المؤلف إلا إذا زاد إن شئت أو شاءت لكان
أولى لأنه يتقيد بالمجلس إذا وجد أحدهما لما في الخانية: لو قال لغيره أنت وكيلي في طلاق
امرأتي إن شاءت أو هويت أو أرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء المرأة في مجلسها لأنه علق
التوكيل بمشيئتها فيقتصر على مجلس العلم كما لو علق الطلاق بمشيئتها، فإذا شاءت في
المجلس يكون وكيلا، فإن قام الوكيل عن المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة. وقال بعض
العلماء: لا تبطل لأن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل فيصير كأنه قال بعد مشيئتها
أنت وكيلي في طلاقها فلا يقتصر على المجلس. قالوا: والصحيح جواب الكتاب لأن ثبوت
الوكالة بالطلاق بناء على ما فوض إليها من المسيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس فكذلك

575
الوكالة اه‍. وحاصله أنه لا بد من مشيئتها في مجلسها وتطليقه في مجلسه وهذا مما يلغز به
فيقال: وكالة تقيدت بمجلس الوكيل. وإياك أن تفهم من التقييد بالمجلس أنه تمليك لأن ذلك
فيما إذا علقه بمشيئته وهنا علقه بمشيئتها فكان توكيلا فيملك عزله. وفي القنية: كتب إلى
أخيه: أما بعد فإن وصل إليك كتابي فطلق امرأتي إن سألت ذلك، فوصل وعرض عليها فلم
تسأل الطلاق إلا بعد أربعة أيام أو خمسة ثم سألته فطلقها لا يقع. قال له طلق امرأتي إن
شاءت لا يصير وكيلا ما لم تشأ ولها المشيئة في مجلس علمها، فإذا شاءت صار وكيلا، فلو
طلقها في المجلس يقع، ولو قام عن مجلسه بطل التوكيل. وينبغي أن يحفظ هذا فإن البلوى
فيه تعم فإن عامة كتب الطلاق على هذه المثابة والوكلاء يؤخرون الايقاع عن مشيئتها ولا
يدرون أن الطلاق لا يقع اه‍. وقيد بقوله طلقها لأنه لو قال له رجل أريد أن أطلق امرأتك
ثلاثا فقال الزوج نعم فقال الرجل طلقت امرأتك ثلاثا، فالصحيح أن هذا كقول الرجل
لامرأته نعم بعد قولها له أريد أن أطلق نفسي ثم طلقت نفسها من أنه لا يقع إلا إذا نوى
الزوج التفويض إليها، وإن عنى بذلك طلقي نفسك إن استطعت أو طلقها إن استطعت لا
تطلق كما في الخانية. ولو قال لا أنهاك عن طلاق امرأتي لا يكون توكيلا، ولو قال لعبده لا
أنهاك عن التجارة يكون إذنا في التجارة لأن قوله للعبد ذلك لا يكون دون ما لو رآه يبيع
ويشتري ولم ينهه وثمة يصير مأذونا في التجارة فههنا أولى. ولو رأى انسانا يطلق امرأته ولم
ينهه لا يصير المطلق وكيلا ولا يقع كذلك هنا، ولو قال لغيره وكلتك في جميع أموري فطلق
الوكيل امرأته اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يقع. وفي فتاوى الفقيه أبي جعفر: لو قال
وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي لم تكن الوكالة عامة، وإن كان أمر الرجل مختلفا
ليس له صناعة معروفة فالوكالة باطلة، وإن كان الموكل تاجرا ينصرف التوكيل إلى التجارة قال
رحمه الله: ولو قال وكلتك في جميع أموري التي يجوز بها التوكيل كانت الوكالة عامة في جميع
البياعات والأنكحة وكل شئ. وعن محمد: لو قال هو وكيلي في كل شئ جائز صنعه كان
وكيلا في البياعات والهبات والإجارات. وعن أبي حنيفة أنه يكون وكيلا في المعاوضات دون
الهبات والعتاق. وقال مولانا: وهذا كله إذا لم يكن في حال مذاكرة الطلاق، فإن كان في
حال مذاكرة الطلاق يكون وكيلا بالطلاق. كذا في الخانية: وأطلق في فعل الوكيل فشمل ما
إذا سكر فطلق فإنه يقع على الصحيح كما في الخانية. وفيها من فصل التوكيل بالطلاق منه
مسائل مهمة لا بأس بذكرها تكثيرا للفوائد منها: الوكيل بالطلاق والعتاق أو غيرهما إذا قبل
التوكيل وغاب الموكل فإن الوكيل لا يجبر على فعل ما وكل فيه إلا فيما إذا قال له ادفع هذه
العين إلى فلان فإنه يجبر على دفعه لأن الشئ المعين جاز أن يكون أمانة عند الآمر فيجب عليه
تسليم الأمانة، وأما في غيره من الطلاق وغيره إنما أمره بالتصرف في ملك الآمر وليس على
الآمر إيقاع الطلاق والعتاق فلا يجب على الوكيل. ومنها لو وكله بطلاق امرأته بطلبها عند

576
السفر وسافر ثم عزله بغير محضر المرأة، الصحيح أنه يملك عزله لأنه لا يجب عليه بطلبها.
ومنها لو وكله بالطلاق ثم قال كلما عزلتك فأنت وكيلي، قيل لا يصح التوكيل لأن فيه تغيير
حكم الشرع والصحيح صحته، ثم قيل لا يملك عزله والصحيح أنه يملكه. وفي طريق
عزله أقوال، قال السرخسي: بقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق والمنجز،
وقيل يقول عزلتك كلما وكلتك، وقيل يقول رجعت عن الوكالات المعلقة وعزلتك عن
الوكالات المطلقة. ومنها لو وكله بطلاق امرأتيه فطلق إحداهما طلقت. ومنها لو وكله
ليطلقها للسنة فطلقها في غير وقت السنة لا يقع لا للحال ولا إذا جاء وقت السنة لا يخرج
عن الوكالة حتى لو طلقها بعد ذلك في وقت السنة يقع. ومنها لو طلقها الموكل ولو بائنا
فطلاق الوكيل واقع ما دامت العدة ولا ينعزل بإبانة الموكل إذا لم يكن طلاق الوكيل بمال،
فلو لم يطلقها الوكيل حتى تزوجها الموكل في العدة وقع طلاق الوكيل، وإن تزوجها بعد
العدة لم يقع، وكذا لو طلقها الوكيل بعد ردة أحدهما ما دامت في العدة إلا إذا قضى بلحاقه
فحينئذ تبطل الوكالة، وارتداد الوكيل لا يبطلها إلا بالقضاء بلحاقه. ومنها لو قال له إذا
تزوجت فلانة فطلقها صح لصحة تعليق الوكالة. ومنها لو وكله بالطلاق فطلق قبل العلم لم
يقع. ومنها لو وكله فرد ثم طلق لم يقع ولو سكت بلا قبول ثم طلق وقع ومنها لو شرط
الخيار للموكل أو غيره في الوكالة صحت وبطل الشرط، ولا فرق بين وكالة ووكالة. ومنها
لو وكله بطلاق امرأته وله أربع فطلق الوكيل واحدة بغير عينها، أو قال طلقت امرأتك
فالبيان إلى الزوج، ولو طلق الوكيل معينة جاز ولا يقبل من الزوج أنه ما أرادها كما لو وكله
ببيع عبد من عبيده فباع عبدا بعينه. ومنها لو قال له طلقها غدا فقال الوكيل أنت طالق غدا
كان باطلا، ولو قال طلقها فقال الوكيل أنت طالق إن دخلت الدار فدخلت لم يقع، وإن قال
طلقها ثلاثا للسنة فقال الوكيل في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة
ويبطل الباقي، وقيل على قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن لا يقع شئ لأنه مأمور بإيقاع
الواحدة في كل طهر. وعنده المأمور بالواحدة إذا أوقع الثلاث لا يقع شئ والأصح أنه يقع
هنا واحدة بلا خلاف لأن عند أبي حنيفة تعتبر الموافقة من حيث اللفظ فإن الرجل إذا قال
لغيره طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ألفا لا يصح، وكذا لو قال لغيره طلق امرأتي نصف تطليقة
فطلقها الوكيل تطليقة لا يقع شئ، وهنا وجدت الموافقة من حيث اللفظ فيقع واحدة. ولو
قال طلقها ثلاثا للسنة بألف فقال لها الوكيل في وقت السنة أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت يقع
واحدة بثلث الألف، فإن طلقها الوكيل في الطهر الثاني تطليقة بثلث الألف فقبلت يقع
أخرى بغير شئ، وكذا لو طلقها الثالثة في الطهر الثالث. ولو طلقها الوكيل أولا تطليقة
بثلث الألف ثم تزوجها الزوج ثم طلقها الوكيل تطليقة ثانية بثلث الألف تقع الثانية بثلث
الألف، وكذا الثالثة على هذا الوجه. ومنها لو وكله بطلاق المبانة بألف فطلقها الوكيل بألف

577
في العدة، فإن كان بعد ما تزوجها الموكل طلقت بالألف وإلا طلقت بغير شئ بخلاف ما
لو وكله في طلاقها بالألف ثم طلقها الزوج بألف ثم طلقها الوكيل بألف فإنه لا يقع شئ.
ومنها الوكيل بالاعتاق إذا أقر أنه أعتقه أمس وكذبه الموكل لا يقبل قول الوكيل لأنه أقر
بالاعتاق بعد خروجه عن الوكالة، وكذا الوكيل بالطلاق. ومنها لو وكل الوكيل بالطلاق أو
العتاق غيره فطلق الثاني بحضرة الأول أو غيبته لا يجوز، وكذا لو طلقها أجنبي فأجاز
الوكيل، ففي الخلع والنكاح إذا فعل الثاني بحضرة الأول أو أجاز الوكيل فعل الأجنبي جاز
اه‍. وقد ظهر من كلامهم أن التوكيل بالطلاق فيه معنى التعليق من وجه حتى اعتبروا فيه
الموافقة من حيث اللفظ وإن لم يوافق من حيث المعنى كما نقلناه آنفا، ولم يجوزوا إجازة
الوكيل ولا فعل وكيله بحضرته نظرا إلى أن الطلاق معلق بقوله فلا يقع بقول غيره، ولم
يعتبروا معنى التعليق فيه من جهة أنهم جوز والرجوع عنه ولذا قال في عمدة الفتاوى: لو
قال الموكل كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فله أن يخرجه من الوكالة بمحضر منه ما
خلا الطلاق والعتاق لأنهما مما يتعلقان بالشرط، والاخطار بمنزلة اليمين ولا رجوع عن
اليمين اه‍. وفي الخلاصة: المختار أنه يملك عزله بحضرته إلا في الطلاق والعتاق والتوكيل
بسؤال الخصم اه‍. فقد علمت أنهم اعتبروا فيه معنى التعليق من هذا الوجه أيضا. وحاصل
القول المختار أن للموكل أن يعزل وكيل الطلاق والعتاق إلا أن يقول كلما أخرجتك عن
الوكالة فأنت وكيلي فإنه يصير لازما لا يقبل الرجوع. وفي البزازية من كتاب الوكالة:
التوكيل بالطلاق تعليق الطلاق بلفظ الوكيل ولذا يقع منه حال سكره. ومنها التوكيل باليمين
بالطلاق جائز بدليل أن من قال لامرأة الغير إن دخلت الدار فأنت طالق فأجاز الزوج جاز
الوكيل بالطلاق إذا خالع على مال إن كانت مدخولة فخلاف إلى شر، وإن غير مدخولة فإلى
خير وعليه أكثر المشايخ، واختاره الصفار. وقال ظهير الدين: لا يصح في غير المدخولة
أيضا لأنه خلاف فيهما إلى شر اه‍. ولعل الشرفي غير المدخولة ارتكاب الحرمة بأخذ المال إن
كان النشوز منه وإلا فالطلاق قبل الدخول بائن ولو بلا عوض، فأخذ المال خير للموكل كما
لا يخفى إلا أن يقال الشر فيه أنه وكله بالتنجيز وقد أتى بالتعليق لأنه معلق بقبولها. وفي
الخانية من الوكالة: وكله أن يخلع امرأته فخلعها على درهم جاز في قوله أبي حنيفة: ولا يجوز
في قولهما إلا فيما يتغابن الناس فيه، ولو وكل الرجل امرأته أن تخلع نفسها منه بمال
أو عوض لا يجوز إلا أن يرضى الزوج به اه‍.
قوله: (ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة وقعت واحدة) لأنها لما ملكت
إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت كالزوج نفسه، ولا فرق بين الواحدة والثنتين.

578
ولو قال فطلقت أقل وقع ما أوقعته لكان أولى. وأشار إلى أنها لو طلقت ثلاثا فإنه يقع
بالأولى، سواء كانت متفرقة أو بلفظ واحد. وإلى أنه لو قال لها اختاري تطليقتين فاختارت
واحدة تقع واحدة كما في المحيط. ولا فرق في حق هذا الحكم بين التمليك والتوكيل فلو
وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة، ولو وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم
فطلقها واحدة لا يقع شئ إلا أن يطلقها واحدة بكل الألف. كذا في كافي الحاكم. وقيد
بقوله طلقي لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا على ألف فطلقت واحدة بألف لم يقع شئ
بخلاف ما لو قال لرجل طلقها ثلاثا بألف فطلقها واحدة بألف حيث يقع واحدة لأنه لا بد
من المطابقة بين إيجابه وقبولها لفظا ومعنى، وفي الوكالة المخالفة إلى خير لا تضر. كذا في
البزازية قوله: (لا في عكسه) أي لا يقع فيما إذا أمرها بالواحدة فطلقت ثلاثا بكلمة واحدة
عند الإمام. وقالا: يقع واحدة لأنها أتت بما ملكته وزيادة. وحقيقة الفرق للإمام بين
المسألتين أنها ملكت الواحدة وهي شئ بقيد الوحدة بخلاف الواحدة التي في ضمن الثلاث
فإنها بقيد ضد. وقيد الامر بتطليق الواحدة لأنه لو قال أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقت
نفسها ثلاثا. قال في المبسوط: وقعت واحدة اتفاقا لأنه لم يتعرض للعدد لفظا واللفظ صالح
للعموم والخصوص. وفي الخانية: جرى بينه وبين امرأته كلام فقالت اللهم نجني منك فقال
الزوج تريدين النجاة مني فأمرك بيدك ونوى به الطلاق ولم ينو العدد، فقالت طلقت نفسي
ثلاثا، فقال الزوج نجوت لا يقع عليها شئ في قول أبي حنيفة لأنه إذا لم ينو الثلاث كان
كأنه قال لها طلقي نفسك ولم ينو العدد فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع شئ في قول أبي
حنيفة، ويقع واحدة في قول صاحبيه. ولا يقال قول الزوج بعد قولها طلقت نفسي ثلاثا
نجوت لم لا يكون إجازة لأنا نقول: قول الزوج نجوت يحتمل الاستهزاء فلا يجعل إجازة
بالشك ا ه‍. وعلى هذا لا يحتاج في تصوير المسألة الخلافية أن يقول لها طلقي نفسك واحدة
بل طلقي نفسك من غير تعرض للعدد على الخلاف أيضا. وفي كافي الحاكم من كتاب
الوكالة: لو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا إن نوى الزوج الثلاث وقع الثلاث،
وإن لم ينو الثلاث لم يقع شئ في قول أبي حنيفة. وقالا: يقع واحدة ا ه‍. ثم اعلم أن ما
نقلناه عن الخانية مشكل على ما في المبسوط في مسألة الامر باليد فإنه نقل أنه لو قال لها
أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة عند أبي حنيفة، وذكره في المعراج

579
والعناية. فإذا قال أمرك بيدك ولم ينو شيئا من العدد فطلقت ثلاثا كيف لا تقع الواحدة عنده
بل الوقوع بالأولى فما في الخانية مشكل والله سبحانه أعلم. وقيدنا بكونه بكلمة واحدة لأنها
لو قالت واحدة وواحدة وواحدة وقعت واحدة اتفاقا لامتثالها بالأول ويلغو ما بعده، وأورد
على مسألة الكتاب أن الرجل إذا كانت له أربع نسوة فقال لواحدة منهن طلقي واحدة من
نسائي فطلقتهن جميعا يقع الطلاق على واحدة منهن، وكان ينبغي أن لا يقع على قول الإمام
اعتبارا بمسألة الكتاب. وأجاب عنه في الظهيرية أيضا بالفرق بينهما وهو أن الثلاث اسم
لعدد خاص لا يقع على ما دونه ولا على ما عداه وليس فيه معنى العموم والواحد خاص.
وإرادة الخصوص من الخصوص ممتنعة، واسم النساء عام لأنه لا يقع على مقدار بعينه والعام
ما ينتظم جميعا من المسميات من غير تقدير ولا تحديد، وإرادة الخصوص من العموم سائغة
ألا ترى أنه لو حلف أن لا يتزوج النساء فتزوج امرأة واحدة يحنث، والمسألة في وكالة
المبسوط ا ه‍. وفي المحيط: لو وكل أجنبيا أن يطلق زوجته واحدة فطلقها ثلاثا إن نوى
الزوج وقع، وإن لم ينو لا يقع عنده خلافا لهما ا ه‍. ولعله إن أجاز الزوج وقع وإلا فلا،
لأنه فضولي بتطليق الثلاث فتوقف على الإجازة. وقياسه أن يتوقف في المرأة أيضا وقد صرح
به في فتح القدير. وأما النية فلا محل لها لأن نية الثلاث بلفظ الواحدة غير صحيحة لأنها لا
تحتمله. وفي الخانية: وقال طلقها ثلاثا للسنة فقال الوكيل في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق
ثلاثا للسنة يقع واحدة للحال ويبطل الباقي بلا خلاف على الصحيح لوجود الموافقة في
اللفظ، وقدمناه في أمر الأجنبي بطلاقها قريبا فارجع إليه. وقياسه في أمر المرأة أن يكون
كذلك وقد صرح به في تلخيص الجامع للصدر فقال أنت طالق ثلاثا للسنة بألف وهي محل
يقع واحدة بثلثها، وكذا في الطهر الثاني إن تزوجها قبله وإن تجدد ملكه لرضاه وإلا وقعت
بغير شئ بشرط العدة، وكذا الثالث قال طلقي نفسك ثلاثا للسنة بألف فطلقت ثلاثا للسنة
بها فعلى ما مر لا يقع في الباقي إلا بإيقاع جديد لأنها لا تملك إضافته بخلاف جانبه، وقيل
عنده لا يقع أصله طلقي واحد فطلقت ثلاثا والفرق واضح ا ه‍ قوله: (وطلقي نفسك ثلاثا
إن شئت فطلقت واحدة وعكسه لا) أي لا يقع فيهما. والمراد بالعكس أن يقول لها طلقي
نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا. ولا خلاف في الأولى أنه لا يقع لأن تفويض الثلاث
معلق بشرط هو مشيئتها إياها لأن معناه إن شئت الثلاث فلم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا
واحدة بخلاف ما إذا لم يقيد بالمشيئة كما قدمناه. ودخل في كلامه ما لو قالت شئت واحدة
وواحدة وواحدة منفصلا بعضها عن بعض بالسكوت لأن السكوت فاصل فلم يوجد مشيئة

580
الثلاث. وخرج عن هذه الصور إذا كان بعضها متصلا بالبعض من غير سكوت لأن مشيئة
الثلاث قد وجدت بعد الفراغ من الكل وهي في نكاحه، ولا فرق بين المدخولة وغيرها.
كذا في المحيط. وعدم الوقوع في الثانية أيضا قول الإمام، وعندهما يقع واحدة لما قدمناه
فيما إذا لم يذكر المشيئة. وفي الخانية من باب التعليق: طلقي نفسك عشرا إن شئت فقالت
طلقت نفسي ثلاثا لا يقع ا ه‍. وهو مبني على أنه لا تكفي الموافقة في المعنى بل لا بد من
الموافقة في اللفظ وإن خالف في المعنى كما قدمناه، ولذا قال في الخانية بعده: لو قال لها
أنت طالق واحدة إن شئت فقالت نصف واحدة لا تطلق ا ه‍. ثم اعلم أنه لا فرق في المعلق
بالمشيئة بين أن يكون الامر بالتطليق أو نفس الطلاق حتى لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن
شئت أو واحدة إن شئت فخالفت لم يقع شئ. وفي الخانية من باب التعليق: أنت طالق
واحدة إن شئت أنت طالق ثنتين إن شئت فقالت قد شئت واحدة وقد شئت ثنتين إذا وصلت
فهي طالق ثلاثا ا ه‍. ومفهومه أنها إذا فصلت لا يقع. وفي الخانية: لو قال لها أنت طالق
إن شئت وشئت وشئت فقالت شئت لا يقع حتى تقول ثلاث مرات شئت ا ه‍. وفي الخانية
أيضا: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن شاء زيد فقال زيد شئت تطليقة واحدة قال أبو
بكر البلخي: لا يقع شئ ولو قال شئت أربعا، فكذلك في قول أبي حنيفة، وعلى قولهما
يقع الثلاث. وأشار بقوله طلقت إلى أن جواب الامر بالتطليق تطليقها نفسها فلو أجابت
بقولها شئت أن أطلق نفسي كان باطلا كما في الخانية قوله: (ولو أمرها بالبائن أو الرجعي
فعكست وقع ما أمر به) أي قال لها طلقي نفسك طلقة بائنة فقالت طلقت نفسي طلقة رجعية
أو قال لها طلقي نفسك طلقة رجعية فقالت طلقت نفسي طلقة بائنة وقع في الأولى البائن،
وفي الثانية الرجعي لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف فيلغو الوصف ويبقى الأصل. والضابط
أن المخالفة إن كانت في الوصف لا يبطل الجواب بل يبطل الوصف الذي به المخالفة ويقع
على الوجه الذي فوض به بخلاف ما إذا كانت في الأصل حيث يبطل أصلا كما إذا فوض
واحدة فطلقت ثلاثا على قول الإمام، أو فوض ثلاثا فطلقت ألفا. أطلق في قول فعكست
فشمل في مسألة ما إذا أمرها بالرجعي ما إذا قالت أبنت نفسي وما إذا قالت طلقت نفسي
بائنة، والثاني ظاهر بالغاء الوصف. وأما الأول فلانه راجع إلى الثاني وقدمناه في أول فصل
المشيئة. وقد فرق بينهما قاضيخان في حق الوكيل فقال رجل قال لغيره طلق امرأتي رجعية
فقال لها الوكيل طلقتك بائنة يقع واحدة رجعية، ولو قال الوكيل أبنتها لا يقع شئ. ولو
قال للوكيل طلقها بائنة فقال لها الوكيل أنت طالق تطليقة رجعية تقع واحدة بائنة ا ه‍.

581
فيحتاج إلى الفرق بين قول الوكيل بالطلاق الرجعي أبنتها وبين المأمورة بالرجعي إذا قالت
أبنت نفسي، ولعل الفرق مبني على أن الوكيل بالطلاق لا يملك الايقاع بلفظ الكناية لأنها
متوقفة على نية وقد أمره بطلاق لا يتوقف على النية فكان مخالفا في الأصل بخلاف المرأة فإنه
ملكها الطلاق بكل لفظ يملك الايقاع به صريحا كان أو كناية، وهذا الفرق صحته موقوفة
على وجود النقل على أن الوكيل لا يملك الايقاع بالكناية والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي
الخانية من الوكالة: قال لغيره طلق امرأتي بائنا للسنة وقال لآخر طلقها رجعيا للسنة فطلقاها
في طهر واحد طلقت واحدة وللزوج الخيار في تعيين الواقع ا ه‍. مع أن الوكيل بالطلاق له
أن يطلق بعد طلاق الموكل ما دامت في العدة ولكن المانع من وقوع طلاقيهما التقييد بالسنة
فإن السنة واحدة. وقيدنا في التصوير الامر من غير تعليق بمشيئتها لما في الخانية من باب
التعاليق، قال لها طلقي نفسك واحدة بائنة إن شئت فطلقت نفسها واحدة رجعية لا يقع
شئ في قول أبي يوسف وهو قياس قول أبي حنيفة. ولو قال لها طلقي نفسك واحدة أملك
الرجعة إن شئت فطلقت نفسها واحدة بائنة تقع واحدة رجعية في قول أبي يوسف، ولا يقع
شئ في قياس قول أبي حنيفة لأنها ما أتت بمشيئة ما فوض إليها ا ه‍. إلا أن يقال: إنه
مستفاد مما قبله وقدمنا في مسائل التوكيل قبله بالطلاق أنه لو وكله بالمنجز فعلق أو أضاف لا
يقع، وكذا لو قال طلقها غدا فقال أنت طالق غدا لأنه وكله بالتنجيز في غد وقد أضافه. ولو
قال له طلقها بين يدي الشهود أو بين يدي أبيها فطلقها واحدة وقع كما في الواقعات وغيرها
كقوله بعه بشهود فباعه بغيرهم. وحاصله أن التخصيص بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه إلا في
ثلاث مسائل مذكورة في وكالة الصغرى: بعه من فلان بعه بكفيل بعه برهن. وقع النهي لا
يملك المخالفة كقوله لا تبعه إلا بشهود إلا في قوله لا تسلمه حتى تقبض الثمن فله المخالفة

582
وتوضيحه فيها. وحاصله إن أمر بالتطليق بوصف مقيد بمشيئتها إذا خالفت في ذلك الوصف
لم يقع شئ وهي واردة على الكتاب وكان عليه أن يقول إلا أن يكون معلقا بمشيئتها ويحتاج
إلى الفرق على قول أبي يوسف قوله: (أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال شئت
ينوي الطلاق أو قالت شئت إن كان كذا لمعدوم بطل) لأنه علق الطلاق بمشيئتها المنجزة وهي
أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط. قيد بقوله فقالت شئت مقتصرة عليه لأنها لو قالت شئت
طلاقي إن شئت فقال شئت ناويا الطلاق وقع لكونه شائيا طلاقها لفظا بخلاف ما إذا لم تذكر
الطلاق لأن المشيئة ليس فيها ذكر للطلاق ولا عبرة بالنية بلا لفظ صالح للايقاع كاسقني ناويا
الطلاق، ويستفاد منه أنه لو قال شئت طلاقك يقع بالنية لأن المشيئة تنبئ عن الوجود لأنها
من الشئ وهو الموجود بخلاف أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الموجود بل هو طلب النفس
الوجود عن ميل فقد أثبت الفقهاء بين المشيئة والإرادة فرقا في صفات العبد وإن كانا
مترادفين في صفات الله تعالى كما هو اللغة فيهما مطلقا فلا يدخلهما وجود أي لا يكون
الوجود جزء مفهوم أحدهما غير أن ما شاء الله كان، وكذا ما أراده لأن تخلف المراد إنما
يكون لعجز المريد لا لذات الإرادة لأنها ليست المؤثرة للوجود لأن ذلك خاصة القدرة بل
بمعنى أنها المخصص للمقدور المعلوم وجوده بالوقت والكيفية. ثم القدرة تؤثر على وفق
الإرادة غير أنه لا يتخلف شئ عن مراده تعالى لما قلنا في المشيئة بخلاف العباد. وعن هذا
لو قال أراد الله طلاقك ينويه يقع كما لو قال شاء الله بخلاف أحب الله طلاقك أو رضيه لا
يقع لأنهما لا يستلزمان منه تعالى الوجود، وأحببت طلاقك ورضيته مثل أردته. والحاصل أن
الفرق بين المشيئة والإرادة في صفات العباد مبني على العرف العام فإن فيه الوجود والمشيئة
منه، ولما كان محتمل اللفظ توقف على النية فلزم الوجود فيها. فإذا قال شئت كذا في
التخاطب العرفي فمعناه أوجدته عن اختيار بخلاف أردت كذا مجردا يفيد عرفا عدم الوجود.
كذا في فتح القدير. وفي المعراج: وإنما يشترط النية مع ذكر الطلاق صريحا لأنه قد يقصد
وجوده وقوعا وقد يقصد وجوده ملكا فلا بد من النية لتعيين جهة الوجود وقوعا. وفي
المحيط: لو قال شئت طلاقك ذكر في شرح شيخ الاسلام أنه يقع الطلاق بلا نية الايقاع
ا ه‍. ولو قال شيئي طلاقك ناويا الطلاق فقالت شئت وقع، ولو قال أريديه أو أحبيه أو
اهويه أو ارضيه ناويا فأجابته لا يقع لأنها عبارة عن الطلب فلا يستلزم الوجود بخلاف المعلق

583
على إرادتها. ونحوه إذا وجد الشرط يقع وإن لم ينو وتمامه في فتح القدير وهو سهو، لأن
التوقف على النية في قوله شيئي الطلاق لأنه لم يضف الطلاق إليها فيحتمل تفويض طلاق
غيرها، وأما شيئي طلاقك فإنه يقع بلا نية لأنه بمعنى أوجدي طلاقك. كذا في المحيط:
وذكر في المواقف أن الإرادة عند أصحابنا صفة ثالثة مغايرة للعلم والقدرة توجب تخصيص
أحد المقدورين بالوقوع ا ه‍. وفي المحيط: لو قال لها أنت طالق إن أحببت فقالت شئت
وقع لأن فيها معنى المحبة وزيادة، ولو قال إن شئت فقالت أحببت لا يقع لأنه ليس فيها
معنى الايجاد فلم توجد المشيئة، ولو قال إن شئت فأنت طالق فقالت نعم أو قبلت أو رضيت
لا يقع لأنه علق الطلاق بمشيئتها لفظا وذلك ليس بمشيئة فلم يوجد الشرط، ولم يذكر في
الكتاب ما لو قال أنت طالق إن قبلت فقالت شئت حكى عن الفقيه أبي بكر البلخي أنه يقع
الطلاق لأنها أتت بالقبول وزيادة فكان بمنزلة ما لو كان معلقا بالمحبة فقالت شئت. وذكر
هشام في نوادره: لو قال أنت طالق على ألف إن شئت لم تقع حتى تقبل بخلاف قوله قبلت
لأن هذه معاوضة والمعاوضة لا تتم إلا بالقبول ا ه‍. وحاصله أن القبول لا يكفي عن المشيئة
إلا في الطلاق على مال، ولم أر حكم ما إذا علقه بالإرادة فأجابت بالمحبة أو عكسه أو
بالرضا. وفي شرح المسايرة: الرضا ترك الاعتراض على الشئ لإرادة وقوعه، والمحبة إرادة
خاصة وهي مالا يتبعها تبعة ومؤاخذة، والإرادة أعم فهي منفكة عنها فيما إذا تعلقت بما
يتبعه تبعة ا ه‍. ولم يصرح المصنف بالتقييد بالمجلس للعلم به من حكم متى وأخواتها فإنه
لما لم يتقيد فيها تقيد في إن. ولا بد من مشيئتها في مجلسها في التعليق بالمشيئة والمحبة
والرضا والإرادة وكل ما هو من المعاني التي لا يطلع عليها غيرها كما في المحيط، ولم يذكر
المصنف المشيئة المضافة. وحاصل ما في المحيط أن المشيئة إن تأخرت عن الوقت كأنت طالق
غدا إن شئت فإن المشيئة لها في الغد فقط، وإن قدم المشيئة كإن شئت فأنت طالق غدا ذكر
في الزيادات أن لها المشيئة في الحال. وعن أبي يوسف أن لها المشيئة في الغد، فلو قال إن
تزوجت فلانة فهي طالق إن شاءت فتزوجها فلها المشيئة في مجلس العلم. ولو قال أنت طالق
أمس إن شئت فلها المشيئة في الحال ا ه‍. وفي المعراج: لو قال لها إن شئت فأنت طالق ثم
قال لاخرى طلاقك مع طلاق هذه فشاءت طلقت وينوي في الأخرى لاحتمال أنه أراد
امرأته معها في أن كلا منهما مملوك له لا المعية في الوقوع. كذا في المعراج وفيه: لو قال لها

584
أخرجي إن شئت ينوي الطلاق فشاءت طلقت وإن لم تخرج. وأشار بقوله شئت إن شئت
إلى كل مشيئة معلقة بمشيئة غيرها ولو كان الطلاق معلقا على مشيئة ذلك الغير أيضا لما في
المحيط: لو قال أنت طالق إن شئت وشاء فلان فقالت قد شئت إن شاء فلان وقال فلان
شئت لا يقع لأنه علق الطلاق بمشيئة مرسلة منجزة منها وهي أتت بمشيئة معلقة فبطلت
مشيئتها، وبمشيئة فلان وجد بعض الشرط فلا يقع به الطلاق ا ه‍. ولم يذكر المصنف
رحمه الله ما إذا علقه بمشيئتها وعدم مشيئتها أو بمشيئتها وإبائها أو بأحدهما. وحاصل ما في
المحيط أنه إن جعل المشيئة وإلا باء شرطا واحدا وكذا المشيئة وعدمها فإنها لا تطلق أبدا
للتعذر كأنت طالق إن شئت وأبيت أو إن شئت ولم تشائي، وإن كرر إن وقد الجزاء كأنت
طالق إن شئت وإن لم تشائي فشاءت في مجلسها طلقت، إن قامت من غير مشيئة تطلق أيضا
لأنه جعل كلا منهما شرطا على حدة كقوله أنت طالق إن دخلت الدار وإن لم تدخلي فأيهما
وجد طلقت، وإن أخر الجزاء كإن شئت وأن لم تشائي فأنت طالق لا تطلق بهذا أبدا لأنه مع
التأخير صارا كشرط واحد وتعذر اجتماعهما بخلاف ما إذا أمكن اجتماعهما فإنها لا تطلق
حتى يوجدا نحو إن أكلت وإن شربت فأنت طالق، وإن كرر إن وأحدهما المشيئة والآخر
الاباء كانت طالق إن شئت وإن أبيت، فإن شاءت وقع وإن أبت وقع وإن سكتت حتى
قامت عن المجلس لا يقع لأن كلا منهما شرط على حدة والاباء فعل كالمشيئة فأيهما وجد
يقع، وإن انعدما لا يقع. وكذا لو لم يكرر إن وعطف ب‍ " أو كأنت طالق إن شئت أو أبيت
لأنه علق الطلاق بأحدهما. ولو قال إن شئت فأنت طالق وإن لم تشائي فأنت طالق طلقت
للحال، ولو قال إن كنت تحبين الطلاق فأنت طالق وإن كنت تبغضين فأنت طالق لا تطلق.
والفرق أنه يجوز أن لا تحب ولا تبغض فلم يتيقن بشرط وقوع الطلاق، فأما لا يجوز أن تشاء
أو لا تشاء فيكون أحد الشرطين ثابتا لا محالة فوقع. ولو قال أنت طالق إن أبيت أو كرهت
طلاقك فقالت أبيت تطلق، ولو قال إن لم تشائي طلاقك فأنت طالق ثم قالت لا أشاء لا
تطلق لأن قوله أبيت صيغة لايجاد الفعل وهو الاباء فقد علق بالاباء منها وقد وجد فوقع.
فأما قوله إن لم تشائي صيغة للعدم لا للايجاد فصار بمنزلة قوله إن لم تدخلي الدار فأنت
طالق وعدم المشيئة لا يتحقق بقولها إلا شاء لأن لها أن تشاء من بعد إنما يتحقق بالموت
ا ه‍. واعلم أن العبارات اختلفت في قوله إن شئت وأبيت بدون تكرار إن فنقل في
الواقعات عن علامة النوازل كما نقلناه عن المحيط أنها لا تطلق أبدا، ونقل قبله أن الصواب

585
أنه لا يقع حتى يوجد المشيئة والاباء إلا أن يعني الوقوع في الحال. وذكر قبله أنها إن شاءت
يقع وإن أبت يقع كما لو كرر إن فحاصله أن فيها ثلاثة أقوال والصواب أنه لا يقع حتى
يوجد أو يفرق بين إن شئت وإن لم تشائي حيث لا يقع، وبين إن شئت وأبيت
حيث يقع إذا وجدا. وأشار بتعليق الطلاق بمشيئتها إلى صحة تعليق عدد الطلاق بمشيئتها
أيضا فلذا قال في الذخيرة: لو قال لها أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة، فإن شاءت
واحدة قبل أن تقوم من مجلسها لزمتها واحدة، وكذا لو قال إلا أن يشاء فلان واحدة وإن لمن
يكن فلان حاضرا فله ذلك في مجلس علمه، وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يرى فلان
غير ذلك تقيد بالمجلس، وكذا لو قال إن لم ير فلان غير ذلك، وكذا لو قال إن رأى فلان
ذلك فإنه يتقيد بالمجلس ا ه‍. ولم يذكر المصنف كأكثر المؤلفين ما لو علقه بمشيئة نفسه وذكره
في الذخيرة فقال: لو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن أرى غير ذلك فهذا لا يقتصر على المجلس
حتى لو قال بعد ما قام عن المجلس رأيت غير ذلك لا يقع الثلاث، وكذلك لو قال إلا أن
أشاء أنا غير ذلك فهذا لا يقتصر على المجلس، ولو قال لامرأته أنت طالق إن شاء فلان أو
إن أحب أو إن رضي أو إن هوى أو إن أراد فبلغ فلانا فله مجلس علمه بخلاف ما لو قال إن
شئت أنا أو إن أحببت أنا لا يقتصر على المجلس. والفرق أن قضية القياس في الأجنبي أن لا
يقتصر على المجلس كسائر الشروط لكن تركنا القياس في الأجنبي لأنه تمليك معنى وجواب
التمليك يقتصر على المجلس، وهذا المعنى لا يتأتى في حق الزوج لأن الزوج كان مالكا
للطلاق قبل هذا فلا يتأتى منه التمليك فبقي هذا الشرط في حق الزوج ملحقا بسائر الشروط
فلم يقتصر على المجلس في حق الزوج. وإذا قال إن شئت أنا فالزوج كيف يقول حتى يقع
الطلاق؟ لم يذكر محمد هذه المسألة في شئ من الكتب. وقال مشايخنا: ينبغي أن يقول شئت
الذي جعلته إلي ولا يشترط نية الطلاق عند قوله شئت ولا يشترط أن يقول شئت
طلاقك لأن الطلاق لا يقع بقوله شئت وإنما يقع بالكلام السابق لأن الطلاق بالكلام
السابق معلق بمشيئة اعتبرت شرطا محضا، فعند قوله شئت يقع الطلاق بالكلام السابق.
والحاصل أن تعليق الزوج طلاق المرأة بصفة من صفات قلب نفسه ليس بتفويض وتمليك
بوجه من الوجوه، ولو قال لها أنت طالق إن لم يشأ فلان فقال فلان لا أشاء في المجلس
طلقت، ولو قال ذلك لنفسه ثم قال لا أشاء لا تطلق. والفرق أن بقول الأجنبي لا أشاء
يقع اليأس عن شرط البر وهو مشيئة طلاقها في المجلس، وقد تبدل من حيث الحكم
والاعتبار بقوله لا أشاء لاشتغاله بما لا يحتاج إليه في الايقاع فإنه يكفيه في الايقاع
السكوت عن المشيئة حتى يقوم عن المجلس أما بقول الزوج لا أشاء لا يقع اليأس عما هو
شرط البر لأن المجلس وإن تبدل من حيث الحكم إلا أن شرط البر في حق الزوج عدم
المشيئة في العمر والعمر باق فلهذا لا يقع الطلاق ا ه‍. وفي الجامع للصدر الشهيد: قال

586
أنت طالق إن شاء فلان أو أراد أو رضي أو هوى فيقتصر على مجلس علمه لأنه تمليك
بخلاف إضافته إلى نفسه، ولو قال إن لم يشأ أو إن لم يرد فقام من مجلسه أو قال فيه لا أشاء
طلقت بخلاف إن لم يشأ اليوم، ولو قال إن لم أشأ إن لم أرد فقام أو قال لا أشاء لا تطلق
قبل موته بخلاف إن أبيت طلاقك أو كرهت ا ه‍. وفي الخانية: أنت طالق ثلاثا وفلانة
واحدة إن شئت فشاءت واحدة لفلانة طلقت فلانة واحدة ويبطل عنها الثلاث ا ه‍. وأطلق
البطلان فأفاد عدم وقوع الطلاق وأن الامر خرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها قوله: (وإن
كان لشئ مضى طلقت) يعني لو قالت المرأة شئت إن كان فلان قد جاء وقد جاء طلقت لأن
التعليق بالكائن تنجيز ولذا صح تعليق الابراء بكائن، والمراد من الماضي المحقق وجوده،
سواء كان ماضيا أو حاضرا كقولها شئت إن كان أبي في الدار وهو فيها أو إن كان هذا ليلا
وهي في الليل أو نهارا وهي في النهار أو كان هذا أبي أو أمي أو زوجي وكان هو، ولا يرد
أنه لو قال هو كافر إن كنت فعلت كذا وهو يعلم أن قد فعله فإنه يقتضي على هذا الكفر مع
أن المختار أنه لا يكفر لأن الكفر يبتنى على تبدل الاعتقاد وتبدله غير واقع مع ذلك الفعل
كما في فتح القدير، وذكر أنه الأوجه. فإن قيل: لو قال هو كافر بالله ولم يتبدل اعتقاده يجب
أن يكفر فليكفر هنا بلفظ هو كافر وإن لم يتبدل اعتقاده قلنا: النازل عند وجود الشرط حكم
اللفظ لا عينه فليس هو متكلما بعد وجود الشرط بقوله هو كافر حقيقة ا ه‍. والحاصل أن
اللفظ الموجب للتكفير لا يحتاج إلى تبدل الاعتقاد بخلاف ما إذا كان معلقا بالشرط ولو كان
كائنا قوله: (أنت طالق متى شئت أو متى ما أو إذا أو إذا ما فردت الامر لا يرتد ولا يتقيد
بالمجلس ولا تطلق إلا واحدة) أما في كلمة متى ومتى ما فلأنها للوقت وهي عامة في
الأوقات كلها كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس، ولو ردت الامر لم يكن
ردا لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت فلم يكن تمليكا قبل المشيئة حتى يرتد بالرد،
ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها تعم الأزمان دون الافعال فتملك التطليق في كل زمان، ولا
تملك تطليقا بعد تطليق. كذا في الهداية. وتعقبه في فتح القدير بأن هذا ليس تمليكا في حال
أصلا لأنه صرح بطلاقها معلقا بشرط مشيئتها، فإذا وجدت مشيئتها وقع طلاقه. وإنما يصح
ما ذكره في طلقي نفسك متى شئت لأنها تتصرف بحكم الملك بخلاف ما لو قالت طلقت
نفسي في هذه المسألة فإنه وإن وقع الطلاق لكن الواقع طلاقه المعلق، وقولها طلقت إيجاد
للشرط الذي هو مشيئة الطلاق على تقدير أن المشيئة تقارن الايجاد ا ه‍. وجوابه أن هذا وإن

587
كان تعليقا لكن أجروه مجرى التمليك في جميع الوجوه فيتقيد بالمجلس ويبطل بما يدل على
الاعراض، فإطلاق التمليك عليه صحيح ولذا قال في المحيط: إنه يتضمن معنيين: معنى
التعليق وهو تعليق الطلاق بتطليقها والتعليق لازم لا يقبل الابطال، ويتضمن معنى التمليك
لأن تعليق الطلاق بمشيئتها تمليك منها لأن المالك هو الذي يتصرف عن مشيئته وإرادته وهي
عاملة في التطليق لنفسها، والمالك هو الذي يعمل لنفسه، وجواب التمليك يقتصر على
المجلس ا ه‍. وقال في المحيط من كتاب الايمان من قسم التعاليق معزيا إلى الجامع: لو قال
لها أنت طالق إن شئت أو أحببت أو هويت فليس بيمين لأن هذا تمليك معنى تعليق صورة
ولهذا يقتصر على المجلس والعبرة للمعنى دون الصورة ا ه‍. وفائدته أنه لا يحنث في يمينه لا
يحلف، وأما كلمة إذا وإذا ما فهي ومتى سواء عندهما، وعند أبي حنيفة وإن كان
تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت لكن الامر صار بيدها فلا يخرج بالشك وقد مر من
قبل. كذا في الهداية. وتعقبه في فتح القدير بأن الوجه أن يقال إن قوله إذا شئت يحتمل
أنه تعليق طلاقها بشرط هو مشيئتها وأنه إضافة إلى زمانه، وعلى كل من التقديرين لا يرتد
بالرد حتى إذا تحققت مشيئتها بعد ذلك بأن قالت شئت ذلك الطلاق أو قالت طلقت نفسي
وقع معلقا كان أو مضافا لا ما قال المصنف من أن الامر دخل في يدها فلا يخرج بالشك لأن
معناه أنه ثبت ملكها بالتمليك فلا يخرج بالشك، فالمراد ب‍ " إذا أنه محض الشرط فيخرج من
يدها بعد المجلس أو الزمان فلا يخرج كمتى، وقد صرح آنفا في متى بعدم ثبوت التمليك
قبل المشيئة لأنه إنما ملكها في الوقت الذي شاءت فيه فلم يكن تمليكا قبله حتى يرتد بالرد،
وعلى ما ذكرناه فالذي دخل ملكها تحقيق الشرط أو المضاف إليه الزمان وهو مشيئتها الطلاق
ليقع طلاقه، وعلى هذا فقولهم في قوله أنت طالق كلما شئت لها أن تطلق نفسها واحدة بعد
واحدة معناه تطلق بمباشرة الشرط تجوزا بالتطليق عنه بأن تقول شئت طلاقي أو طلقت نفسي
فيقع طلاقه عند تحقق الشرط وإنما يصح كلامهم في قوله طلقي نفسك ا ه‍. ولم يذكر
المصنف الحين. وفي المحيط: ولو قال حين شئت فهو بمنزلة قوله إذا شئت لأن الحين
عبارة عن الوقت ا ه‍. ولم يذكر المصنف ما إذا جمع بين أن وإذا وذكره في المحيط
فقال: ولو قال إن شئت فأنت طالق إذا شئت فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم
الأحوال لأنه علق مشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتها في أي وقت كان، والمعلق بالشرط
كالمرسل عند وجود الشرط، فإذا شاءت في المجلس صار كأنه قال أنت طالق إذا شئت ا ه‍.

588
وفي فتح القدير آخر الفصل،. ولو قال لها أنت طالق إذا
شئت إن شئت أو أنت طالق إن شئت إذا شئت فهما سواء تطلق نفسها متى شاءت. وعند أبي يوسف إن أخر قوله إن شئت
فكذلك، وإن قدمه تعتبر المشيئة في الحال، فإن شاءت في المجلس تطلق نفسها بعد ذلك إذا
شاءت، ولو قامت عن المجلس قبل أن تقول شيئا بطل. ثم ذكر ما نقلناه عن المحيط معزيا
إلى السرخسي. وإنما ذكره ما مع متى ليفيد أنها لا تفيد التكرار معها أيضا. رد القول
بعض النحاة أنه إذا زيد عليها ما كانت للتكرار. قال في المصباح: وهو ضعيف لأن الزائد
لا يفيد غير التأكيد وهو عند بعض النحاة لا يغير المعنى. ويقول: قولهم إنما زيد قائم
بمنزلة إن زيدا قائم فهو يحتمل العموم كما يحتمله إن زيدا قائم وعند الأكثر ينقل المعنى
من احتمال العموم إلى معنى الحصر. فإذا قيل إنما زيد قائم فالمعنى لا قائم إلا زيد
ويقرب منه ما تقدم من أن ما يمكن استيعابه من الزمان يستعمل فيه متى وما لا يمكن
استيعابه يستعمل فيه متى ما وهو القياس، وإن وقعت شرطا كانت للحال في النفي
وللحال والاستقبال في الاثبات ا ه‍. وفيه إذا لها معان: أحدها أن تكون ظرفا لما يستقبل
من الزمان وفيها معنى الشرط نحو إذا جئت أكرمتك. والثاني أن تكون للوقت المجرد نحو
قم إذا احمر البشر أي وقت احمراره. والثالث أن تكون مرادفة للفاء فيجازى بها كقوله تعالى
* (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) * (الروم: 36) ا ه‍ قوله: (وفي كلما
شئت لها أن تفرق الثلاث ولا تجمع) أي لو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تباشر
شرط الوقوع مرة بعد أخرى بأن تقول شئت طلاقي أو طلقت نفسي فيقع طلاقه المعلق عند
تحقق الشرط، وليس لها أن تقول طلقت نفسي ثلاثا جملة لأن كلما تعم الافعال والأزمان
عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فأفاد أنها لا تشاء اثنتين أيضا، ولو شاءت اثنتين أو ثلاثا
جملة لم يقع شئ عند الإمام، وعندهما تقع واحدة بناء على ما تقدم من الخلاف. وفي
المبسوط: ولو قالت قد شئت أمس تطليقة وكذبها الزوج فالقول للزوج لأنها أخبرت عما لا
تملك إنشاءه فإنها أخبرت بمشيئة كانت منها أمس فلا يبقى ذلك بعده مضى أمس. فإن قيل:
أليس أنها لو شاءت في الحال يصح منها فقد أخبرت بما تملك إنشاءه؟ قلنا: لا كذلك
فالمشيئة في الحال غير المشيئة في الأمس وكل مشيئة شرط تطليقة فهي لا تملك إنشاء ما
أخبرت به إنما تملك إنشاء شئ آخر ا ه‍. واعلم أن كلمة كل إنما أفادت التكرار بدخول
ما عليها ولذا قال في المصباح: وكل كلمة تستعمل بمعنى الاستغراق بحسب المقام وقد
تستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى * (تدمر كل شئ بأمر ربها) * (الأحقاف: 25) أي كثيرا.
وتفيد التكرار بدخول ما عليه نحو كلما أتاك زيد فأكرمه دون غيره من أدوات الشرط
ا ه‍ قوله: (لو قالت بعد زوج آخر لا يقع) أي لو قالت طلقت نفسي أو شئت طلاقي بعد ما

589
طلقت نفسها ثلاثا متفرقة ثم عادت إليه بعد زوج آخر لا يقع لأن التعليق إنما ينصرف إلى
الملك القائم وهو الثلاث فباستغراقه ينتهي التفويض. قيدنا بكونه بعد الطلاق الثلاث لأنها لو
طلقت نفسها واحدة أو اثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر فلها أن تفرق الثلاث خلافا
لمحمد، وهي مسألة الهدم الآتية. وفي المبسوط: لو قال لها كلما شئت فأنت طالق ثلاثا
فقالت شئت واحدة فهذا باطل لأن معنى كلامه كلما شئت الثلاث اه‍. والحاصل أنها لا
تملك تكرار الايقاع إلا في كلما ويشكل عليه ما في الخانية: لو قال لها أمرك بيدك في هذه
السنة فطلقت نفسها ثم تزوجها لا يكون لها الخيار في قول أبي يوسف، وفي قياس قول أبي
حنيفة لها الخيار اه‍. ونظير مسألة المبسوط ما في المعراج: لو قال لرجلين إن شئتما فهي
طالق ثلاثا فشاء أحدهما واحدة والآخر اثنتين لا يقع شئ لأنه علق الوقوع بمشيئتهما الثلاث
ولم توجد اه‍ قوله: (وفي حيث شئت وأين شئت لم تطلق حتى تشاء في مجلسها) يعني إذا
قال أنت طالق حيث شئت إلى آخره فلو قامت منه قبل مشيئتها فلا مشيئة لها لأن حيث
وأين اسمان للمكان والطلاق لا تعلق له بالمكان فيجعل مجازا عن الشرط لأن كلا منهما
يفيد ضربا من التأخير، وحمل على إن دون متى وما في معناها لأنها أم الباب وحرف
الشرط وفيه يبطل بالقيام. وبما قررناه اندفع سؤالان: أحدهما أنه إذا لغا ذكر المكان ينبغي أن
يتنجز. ثانيهما أنه إذا كان مجازا عن الشرط فلم حمل على إن دون متى. وفي المصباح:
حيث ظرف مكان وتضاف إلى جملة وهي مبنية على الضم وتجمع بمعنى ظرفين لأنك تقول

590
أقوم حيث يقوم زيد فيكون المعنى أقوم في الموضع الذي يقوم فيه زيد اه‍. وفيه: وأين
ظرف مكان يكون استفهاما فإذا قيل أين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه، وتكون شرطا أيضا
وتزاد ما فيقال أينما تقم أقم قوله: (وفي كيف شئت يقع رجعية فإن شاءت بائنة أو
ثلاثا ونواه وقع) يعني تطلق في أنت طالق كيف شئت وتبقى الكيفية يعني كونه رجعيا أو بائنا
خفيفة أو غليظة مفوضة إليها إن لم ينو شيئا من الكيفية، وإن نوى فإن اتفق ما نواه وما شاءته
فذاك وإلا فرجعية، وعندهما يتعلق بالأصل فعندهما ما لا يقبل الإشارة فحاله وأصله سواء
كذا في التوضيح. ويتفرع عليه أنها لو قامت عن المجلس قبل المشيئة أو ردت لا يقع شئ
عندهما، ويقع رجعية عنده. ولا يخفى أن الكلام في المدخولة فأما غيرها فبائنة ولغت مشيئتها
كقوله لعبده أنت حر كيف شئت فإنه يقع العتق ويلغو ذكر المشيئة، وعندهما يتعلق بالمشيئة
فيهما في المجلس، فلو شاء عندهما عتقا على مال أو إلى أجل أو بشرط أو التدبير يثبت ما
شاءه كما في كشف الاسرار. والحاصل أن كيف أصلها للسؤال عن الحال ثم استعملت
للحال في انظر إلى كيف يصنع وعلى الحالية فرع الكل غير أنهما قالا: لا انفكاك بين
الأصل والحال فتعلق الأصل لتعلق الحال. ومنعه الإمام والحق قوله لانتقاض قاعدتهما كما
بيناه في شرح المنار. وبما قررناه اندفع ما قيل إنها للشرط عندهما لأن شرط شرطيتها اتفاق
فعلى الشرط والجزاء لفظا ومعنى نحو كيف تصنع أصنع بالرفع وتمامه في المغني. وقيد
بإضافة المشيئة إلى العبد لأنه لو أضافها إلى الله تعالى فإن مشيئة الكيفية تلغو وتقع واحدة
رجعية لعدم الاطلاع على مشيئة الله تعالى. وعلله في المحيط بأنه تحقيق وليس بتعليق اه‍.
وينبغي أن لا يقع شئ على قولهما لأن الحال والأصل سواء عندهما. وفي المصباح: كلمة
كيف يستفهم بها عن حال الشئ وعن صفته. يقال كيف زيد ويراد السؤال عن صحته
وسقمه وعسره ويسره وغير ذلك، وتأتي للتعجب والتوبيخ والانكار وللحال ليس معه
سؤال، وقد تتضمن معنى النفي وكيفية الشئ حاله وصفته اه‍ قوله: (وفي كم شئت أو ما
شئت تطلق ما شاءت وإن ردت ارتد) يعني فيتعلق أصل الطلاق بمشيئتها اتفاقا لأن كم
اسم للعدد فكان التفويض في نفس العدد والواحد عدد في اصطلاح الفقهاء لما تكرر من
إطلاق العدد وإرادة الواحد. وقوله ما شئت تعميم للعدد فأفاد بقوله ما شاءت أن لها أن
تطلق أكثر من واحدة من غير كراهة، ولا يكون بدعيا إلا ما أوقعه الزوج لأنها مضطرة إلى

591
ذلك لأنها لو فرقت خرج الامر من يدها. وفي القاموس: كم اسم ناقص مبني على
السكون، أو مؤلفة من كاف التشبيه وما ثم قصرت وأسكنت، وهي للاستفهام ويخفض ما
بعدها حينئذ كرب وقد ترفع تقول كم رجل كريم قد أتاني وقد تجعل اسما تاما فيصرف
ويشدد تقول أكثر من الكم والكمية اه‍. وفي المغنى: كم خبرية بمعنى كثير واستفهامية
بمعنى أي عدد ويشتركان في خمسة أمور: الاسمية والابهام والافتقار إلى التمييز والبناء ولزوم
التصدير. ويفترقان في خمسة: أحدها أن الكلام مع الخبرية يحتمل التصديق والتكذيب بخلافه
مع الاستفهامية. الثاني أن المتكلم بالخبرية لا يستدعي من مخاطبه جوابا لأنه مخبر والمتكلم
بالاستفهامية يستدعيه لأنه مستخبر. الثالث أن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة
بخلاف المبدل من الاستفهامية. الرابع أن تمييز الخبرية مفرد أو مجموع ولا يكون تمييز
الاستفهامية إلا مفرادا. والخامس أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب
ولا يجوز جره مطلقا وتمامه فيه. قوله: (وفي طلقي من ثلاث ما شئت تطلق ما دون الثلاث)
يعني ليس لها أن تطلق الثلاث عند الإمام خلافا لهما نظرا إلى أن ما للعموم ومن للبيان
وله أن من للتبعيض ورجحه في التحرير بأن تقديره على البيان ما شئت مما هو الثلاث
وطلقي ما شئت واف به فالتبعيض مع زيادة من الثلاث أظهر اه‍. وفي المحيط: وعلى وهذا

592
/ 1