بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: حاشية رد المحتار المؤلف: ابن عابدين الجزء: 2 الوفاة: 1252 المجموعة: فقه المذهب الحنفي تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات الطبعة: جديدة منقحة مصححة سنة الطبع: 1415 - 1995 م المطبعة: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ردمك: ملاحظات: المكتبة التجارية - مصطفى أحمد الباز حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين ويليه تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الثاني دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
1 جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فاكس - تلكس: 41391 فكر ص. ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001
2 باب الوتر والنوافل الوتر بفتح الواو وكسرها: ضد الشفع. والنوافل جمع نافلة، والنفل في اللغة: الزيادة. وفي الشريعة: زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا ط. قوله: (كل سنة نافلة) قدمنا قبل هذا الباب في آخر المكروهات تقسيم السنة إلى مؤكدة وغيرها، وبسطنا ذلك أيضا في سنن الوضوء، والكل يسمى نافلة، لأنه زيادة على الفرض لتكميله، ومراده الاعتذار عن ترك التصريح بالسنن في الترجمة، مع أن الباب معقود لبيانها أيضا. قوله: (ولا عكس) أي لغويا، لان الفقيه بمعزل عن النظر إلى القواعد المنطقية، فالمراد: وليس كل نافلة سنة، فإن كل صلاة لم تطلب بعينها نافلة، وليست بسنة، بخلاف ما طلبت بعينها كصلاة الليل والضحى مثلا، فافهم. قوله: (هو فرض عملا) أي يفترض عمله: أي فعله، بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل، فيأثم بتركه ويفوت الجواز بفوته، ويجب ترتيبه وقضاؤه، ونحو ذلك، فقوله: عملا تمييز محول عن الفاعل. مطلب في الفرض العلمي والعملي والواجب واعلم أن الفرض نوعان: فرض عملا وعلما، وفرض عملا فقط. فالأول كالصلوات الخمس، فإنها فرض من جهة العمل، لا يحل تركها ويفوت الجواز بفوتها، بمعنى أنه لو ترك واحدة منها لا يصح فعل ما بعدها قبل قضاء المتروكة. وفرض من جهة العلم والاعتقاد، بمعنى أنه يفترض عليه اعتقادها حتى يكفر بإنكارها. والثاني كالوتر فإنه فرض عملا، كما ذكرناه وليس بفرض علما: أي لا يفترض اعتقاده، حتى أنه لا يكفر منكره لظنية دليله وشبهة الاختلاف فيه، ولذا يسمى واجبا، ونظيره مسح ربع الرأس، فإن الدليل القطعي أفاد أصل المسح. وأما كونه قدر الربع فإنه ظني، لكنه قام عند المجتهد ما رجح دليله الظني حتى صار قريبا من القطعي فسماه فرضا: أي عمليا، بمعنى أنه يلزم عمله، حتى لو تركه ومسح شعرة مثلا يفوت الجواز به وليس فرضا علما، حتى لو أنكره لا يكفر، بخلاف ما لو أنكر أصل المسح. وبه علم أن الواجب نوعان أيضا، لأنه كما يطلق على هذا الفرض الغير القطعي، يطلق على ما هو دونه في العلم وفوق السنة، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته، كقراءة الفاتحة، وقنوت الوتر، وتكبيرات العيدين، وأكثر الواجبات من كل ما يجبر بسجود السهو. وقد يطلق الواجب أيضا على الفرض القطعي كما قدمناه عن التلويح في بحث فرائض الوضوء، فراجعه. قوله: (وواجب اعتقادا)
3 أي يجب اعتقاده، وظاهر كلامهم أنه يجب اعتقاد وجوبه، إذ لو لم يجب عليه اعتقاد وجوبه لما أمكن إيجاب فعله، لأنه لا يجب فعل ما لا يعتقده واجبا، ولذا أشكل قولهما بسنيته ووجوب قضائه، كما يأتي. ويدل عليه أيضا قول الأصوليين في الواجب: إن حكمه اللزوم عملا لا علما على اليقين، فقولهم على اليقين يفيد أن حكمه اللزوم عملا وعلما على الظن، فيلزمه أن يعلم ظنيته: أي أنه واجب وإلا لغا قولهم على اليقين، وحينئذ فيشكل قول الزيلعي إن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي إلا أن يجاب بأن المراد ليس بفرض، حتى لو لم يعتقد وجوبه لا يكفر، لان الوجوب يطلق بمعنى الفرض أيضا كما مر، فليتأمل. قوله: (وسنة ثبوتا) أي ثبوته علم من جهة السنة لا القرآن، وهي قوله (ص) الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني، قاله ثلاثا رواه أبو داود والحاكم وصححه، وقوله (ص) أوتروا قبل أن تصبحوا رواه مسلم، والامر للوجوب، وتمامه في شرح المنية. قوله: (بين الروايات) أي الثلاث المروية عن أبي حنيفة، فإنه روي عنه أنه فرض، وأنه واجب، وأنه سنة، والتوفيق أولى من التفريق، فرجع الكل إلى الوجوب إلي مشى عليه في الكنز وغيره. قال في البحر: وهو آخر أقوال الامام، وهو الصحيح. محيط، والأصح. خانية، وهو الظاهر من مذهبه. مبسوط ا ه. ثم قال: وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا، لكنها آكد سائر السنن المؤقتة. قوله: (وعليه الخ) أي على ما ذكر من التوفيق، فإنه لو حملت رواية الفرض على ظاهرها لزم إكفار جاحده، ولو حملت رواية الواجب على ظاهرها، وهو كون المراد بالواجب ما يتبادر منه، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته، ولا يعامل معاملة الفرض، لزم أن لا يفسد الفجر بتذكره ولا عكسه، ولو حملت رواية السنة على ظاهرها لزم أن لا يقضي، وأن يصح قاعدا وراكبا، ففي تفريع المصنف لف ونشر مرتب، فافهم. قوله: (فلا يكفر جاحده) أي جاحد أصل الوتر اتفاقا، لأن عدم الإكفار لازم السنية والوجوب، كما صرح به في فتح القدير ح. قلت: والمراد الجحود مع رسوخ الأدب، كأن يكون لشبهة دليل أو نوع تأويل، فلا ينافيه ما يأتي من أنه لو ترك السنن فإن رآها حقا أثم، وإلا كفر، لأنهم عللوه بأنه ترك استخفافا، كما عزاه في البحر إلى التجنيس والنوازل والمحيط، ولقوله في شرح المنية: ولا يكفر جاحده إلا إن استخف، ولم يره حقا على المعنى الذي مر في السنن ا ه. وأراد بما مر، هو أن يقول: هذا فعل النبي (ص) وأنا لا أفعله. مطلب في منكر الوتر والسنن أو الاجماع ثم اعلم أنه قال في الأشباه: ويكفر بإنكار أصل الوتر والأضحية ا ه. ومثله في القنية. ومفهومه أن المراد هنا جحود وجوبه، ويؤيده تعليل الزيلعي بثبوته بخبر الواحد، فإن الثابت بخبر الواحد وجوبه لا أصل مشروعيته، بل هي ثابتة بإجماع الأمة، ومعلومة من الدين ضرورة. وقد صرح بعض المحققين من الشافعية بأن من أنكر مشروعية السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر لأنها معلومة من الدين بالضرورة، وسيأتي في سنن الفجر أنه يخشى الكفر على منكرها. قلت: ولعل المراد الانكار بنوع تأويل، وإلا فلا خلاف في مشروعيتها. وقد صرح في التحرير في باب الاجماع بأن منكر حكم الاجماع القطعي يكفي عند الحنفية وطائفة. وقالت طائفة:
4 لا، وصرح أيضا بأن ما كان من ضروريات الدين، وهو ما يعرف الخواص والعوام أنه من الدين كوجوب اعتقاد التوحيد والرسالة والصلوات الخمس وأخواتها، يكفر منكره، وما لا فلا، كفساد الحج بالوطئ قبل الوقوف، وإعطاء السدس الجدة ونحوه: أي مما لا يعرف كونه من الدين إلا الخواص. ولا شبحة أن ما نحن فيه من مشروعية الوتر ونحوه يعلم الخواص والعوام أنها من الدين بالضرورة، فينبغي الجزم بتكفير منكرها ما لم يكن عن تأويل، بخلاف تركها، فإنه إن كان عن استخفاف كما مر يكفر، وإلا بأن يكون كسلا أو فسقا بلا استخفاف فلا. هذا ما ظهر لي، والله أعلم. قوله: (مفسد له) أي للفجر والفجر غير قيد، بل هو مثال. قوله: (كعكسه) وهو تذكر الفرض فيه. قوله: (بشرطه) وهو عدم ضيق الوقت وعدم صيرورتها ستا، وأما عدم النسيان فلا يصح هنا، لان فرض المسألة فيما إذا تذكره في الفجر، أو تذكر الفجر فيه. رحمتي فافهم. قوله: (خلافا لهما) فلا يحكمان بالفساد لأنه سنة عندهما ط. قوله: ولكنه يقضي) لا وجه للاستدراك على قول الإمام، وإنما أتى به نظرا إلى قوله: اتفاقا بعد حكايته الخلاف فيما قبله: أي أنه يقضي وجوبا اتفاقا، أما عنده فظاهر، وأما عندهما وهو ظاهر الرواية عنهما، فلقوله عليه الصلاة والسلام من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره كما في البحر عن المحيط. واستشكله في الفتح والنهر بأن وجوب القضاء فرع وجوب الأداء. وأجاب في البحر بما ذكر عن المحيط. قلت: ولا يخفى ما فيه، فإن دلالة الحديث على وجوب القضاء مما يقوي الاشكال، إلا أن يجاب بأنهما لما ثبت عندهما دليل السنية قالا به. ولما ثبت دليل القضاء قالا به أيضا اتباعا للنص، وإن خالف القياس. قوله: (ولا يصح الخ) لان الواجبات لا تصح على الراحلة بلا عذر. وعندهما وإن كان سنة، لكن صح عن النبي (ص) أنه كان يتنفل على راحلته من غير عذر في الليل، وإذا بلغ الوتر نزل فيوتر على الأرض بحر عن المحيط. والقعود كالركوب. قوله: (اتفاقا) راجع للمسائل الثلاث ح. وإنما الخلاف في خمس: في تذكره في الفرض، وعكسه، وفي قضائه بعد طلوع الفجر، وصلاة العصر، وإعادته بفساد العشاء. خزائن: أي فإنه على القول بسنيته لا يلزم فساد الفرض ولا فساده بالتذكر، ولا يقضي في الوقتين المذكورين، ويعاد لو ظهر فساد العشاء دونه. قوله: (كالمغرب) أفاد به أن القعدة الأولى فيه واجبة، وأنه لا يصلى فيها على النبي (ص) ط. قوله: (حتى لو نسي) تفريع على قوله كالمغرب ولو كان كالنفل لعاد قبل أن يقيد ما قام إليه بالسجود، لان كل ركعتين من النفل صلاة على حدة ط. قوله: (لا يعود) أي إذا استتم قائما لاشتغاله بفرض القيام. قوله: (كما سيجئ) أي في باب سجود السهو، لكنه رجح هناك عدم الفساد، ونقل عن البحر أنه الحق. قوله: (ولكنه) استدراك على ما يتوهم من قوله: كالمغرب من أنه لا يقرأ السورة في ثالثته. قوله: (احتياطا) أي لان الواجب تردد بين السنة والفرض، فبالنظر إلى الأول تجب القراءة في
5 جميعه، وبالنظر إلى الثاني لا، فتجب احتياطا. شرح المنية. قوله: (والسنة السور الثلاث) أي * (الاعلى) * * (والكافرون) * و * (الاخلاص) * لكن في النهاية أن التعيين على الدوام يفضي إلى اعتقاد بعض الناس أنه واجب، وهو لا يجوز، فلو قرأ بما ورد به الآثار أحيانا بلا مواظبة يكون حسنا. بحر. وهل ذلك في حق الامام فقط أو إذا رأى ذلك حتما لا يجوز غيره؟ قدمنا الكلام فيه قبيل باب الإمامة. قوله: (وزيادة المعوذتين الخ) أي في الثالثة بعد سورة الاخلاص. قال في البحر عن الحلية: وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين، أنكرها الإمام أحمد وابن معين، ولم يخترها أكثر أهل العلم كما ذكره الترمذي ا ه. قوله: (ويكبر) أي وجوبا، وفيه قولان كما مر في الواجبات، وقدمنا هناك عن البحر أنه ينبغي ترجيح عدمه. قوله: (رافعا يديه) أي سنة إلى حذاء أذنيه كتكبيرة الاحرام، وهذا كما في الامداد عن مجمع الروايات لو في الوقت، أما في القضاء عند الناس فلا يرفع حتى لا يطلع أحد على تقصيره ا ه. قوله: (كما مر) أي في فصل إذا أراد الشروع في الصلاة عند قوله: ولا يسن رفع اليدين إلا في سبع. قوله: (ثم يعتمد) أي يضع يمينه على يساره كما في حالة القراءة ح. قوله: (وقيل كالداعي) أي عن أبي يوسف أنه يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء. إمداد. والظاهر أنه يبقيهما كذلك إلى تمام الدعاء على هذه الرواية. تأمل. قوله: (وقنت فيه) أي في الوتر أو الضمير إلى ما قبل الركوع. واختلف المشايخ في حقيقة القنو ت الذي هو واجب عنده، فنقل، في المجتبى أنه طول القيام دون الدعاء، وفي الفتاوى الصغرى العكس، وينبغي تصحيحه. بحر. قال في المغرب: وهو المشهور، وقولهم دعاء القنوت: إضافة بيان ا ه. ومثله في الامداد. ثم القنوت واجب عنده سنة عندهما، كالخلاف في الوتر كما في البحر والبدائع، لكن ظاهر ما في غرر الأفكار عدم الخلاف في وجوبه عندنا، فإنه قال: القنوت: عندنا واجب. وعند مالك: مستحب. وعند الشافعي: من الابعاض. وعند أحمد: سنة. تأمل. قوله: (ويسن الدعاء المشهور) قدمنا في بحث الواجبات التصريح بذلك عن النهر. وذكر في البحر عن الكرخي أن القنوت ليس فيه دعاء مؤقت، لأنه روي عن الصحابة أدعية مختلفة، ولان المؤقت من الدعاء يذهب برقة القلب. وذكر الأسبيجابي أنه ظاهر الرواية. وقال بعضهم: المراد ليس في دعاء مؤقت ما سوى: اللهم إنا نستعينك وقال بعضهم: الأفضل التوقيت، ورجحه في شرح المنية، تبركا بالمأثور ا ه. والظاهر أن القول الثاني والثالث متحدان، وحاصلهما تقييد ظاهر الرواية بغير المأثور كما يفيده قول الزيلعي. وقال في المحيط والذخيرة: يعني من غير قوله: اللهم إنا نستعينك الخ، واللهم اهدنا الخ ا ه. فلفظ يعني بيان لمراد، محمد في ظاهر الرواية، فلا يكون هذا القول خارجا عنها، ولذا قال في شرح المنية: والصحيح أن عدم التوقيت فيما عدا المأثور، لان الصحابة اتفقوا عليه، ولأنه ربما يجري على اللسان ما يشبه كلام الناس إذا لم يؤقت. ثم ذكر اختلاف الألفاظ الواردة في اللهم إنا نستعينك الخ. ثم ذكر أن الأولى أن يضم إليه: اللهم اهدني الخ، وأن ما عدا هذين فلا توقيت فيه، ومنه ما عن ابن عمر أنه كان يقول: بعد عذابك الجد بالكفار ملحق: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
6 اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ومنه ما أخرجه الأربعة وحسنه الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك وغير ذلك من الأدعية التي لا تشبه كلام الناس. ومن لا يحسن القنوت يقول: * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة * الآية. وقال أبو الليث يقول: اللهم اغفر لي، يكررها ثلاثا، وقيل يقول: يا رب ثلاثا، ذكره في الذخيرة ا ه. أقول: هذا يفيد أن ما في البحر من قوله: ذكر الكرخي أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة * (إذا السماء انشقت) * وكذا ذكر في الأصل ا ه. بيان للأفضل، أو هو مبني على القول بأن القنوت الواجب هو طول القيام، لا الدعاء. تأمل. هذا، وذكر في الحلية أن ما مر من أنه (ص) كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الخ. جاء في بعض روايات النسائي أنه كان يقوله إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه. قوله: (وصح الجد) قال في الحلية: والجد في إن عذابك الجد ثابت في رواية الطحاوي. وفي البحر أنه ثابت في مراسيل أبي داود، وبه اندفع قول الشمني في شرح النقاية: إنه لا يقوله. قوله: (وملحق بمعنى لاحق) مبتدأ، وخبر وهو بكسر الحاء، هذا هو المشهور. ونص غير واحد على أنه الأصح، ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، ونص الجوهري على أنه صواب. كذا في الحلية. قلت: بل في القاموس الفتح أحسن، أو الصواب. تأمل. قوله: (بمعنى لاحق) أي أنه من ألحق المزيد بمعنى لحق المجرد. وفي الشربلالية أنه المطرزي صحح أن المراد ملحق الفساق بالكفار، الأول أولى احترازا عن الاضمار، وتمامه فيها. قلت: ولعل ما صححه المطرزي، وهو صاحب المغرب تلميذ الزمخشري وشيخ صاحب القنية بناه على مذهبهم الفاسد: مذهب ب الاعتزال، من أن عصاة المؤمنين مخلدون في النار كالكفار. قوله: (كأنه لأنه كلمة مهملة) كذا في البحر، لكن فيه أنه ورد في صفة البراق له جناحان يحفذ بهما أي يستعين على السير ط. قول: (على الأصح) كذا في المحيط. وفي الهداية أنه المختار، ومقابله ما في الذخيرة، واستحسنوا الجهر في بلاد العجم للامام ليتعلموا. وفصل بعضهم بين أن يعلمه القوم، فالأفضل للأمم الاخفاء، وإلا فالجهر ا ه. قلت ت: هذا التفصيل لا يخرج عما قبله. وفي المنية: من اختار الجهر اختاره دون القراءة. قوله: (ولو إماما) قال في الخزائن: إماما كان أو مؤتما أو منفردا، أداء أو قضاء، في رمضان أو غيره. قوله: (لحديث الخ) أفاد أن المخافتة ليست واجبة ط. قوله: (ففي غيره أولى) وجه الأولوية أن النية متحدة في الفر ض والنفل، بخلاف الوتر، فهي فيه مختلفة ط: أي لان إمامه ينويه سنة. قوله: (إن لم يتحقق الخ) فلو رآه احتجم ثم غاب فالأصح أنه يصح الاقتداء به، لأنه يجوز أن يتوضأ
7 احتياطا، وحسن الظن به أولى. بحر عن الزاهدي. قوله: (كما بسطه في البحر) حيث ذكر أن الحاصل أنه أن علم الاحتياط منه في مذهبنا فلا كراهة في الاقتداء به، وإن علم عدمه فلا صحة، وإن لم يعلم شيئا كره. مطلب: الاقتداء بالشافعي ثم قال: ظاهر الهداية أن الاعتبار لاعتقاد المقتدي ولا اعتبار لاعتقاد الامام، حتى لو اقتدى بشافعي رآه مس امرأة ولم يتوضأ فالأكثر على الجواز، وهو الأصح كما في الفتح وغيره. وقال الهندواني وجماعة: لا يجوز، ورجحه في النهاية بأنه أقيس، لان الامام ليس بمصل في زعمه وهو الأصل فلا يصح الاقتداء به. ورد بأن المعتبر في حق المقتدي رأي نفسه لا غيره، وأنه ينبغي حمل حال الامام على التقليد، لئلا تلزم الحرمة بصلاته بلا طهارة في زعمه إن قصد ذلك ا ه. قال في النهر: وعلى قول الهندواني يصح الاقتداء وإن لم يحتط ا ه. وظاهره الجواز، وإن ترك بعض الشروط عندنا، لكن ذكر العلامة نوح أفندي أن اعتبار رأى المقتدي في الجواز وعدمه متفق عليه، وإنما الخلاف المار في اعتبار رأي الامام أيضا، فالحنفي إذا رأى في ثوب إمام شافعي منيا لا يجوز اقتدائه به اتفاقا، وإن رأى نجاسة قليلة جاز عند الجمهور، لا عند البعض، لأنها مانعة على رأي الامام، والمعتبر رأيهما اه. وفيه نظر يظهر قريبا. هذا، وقد بسطنا بقية أبحاث الاقتداء بالمخالف في باب الإمامة. قوله: (بشفايع مثلا) دخل فيه من يعتقد قول الصاحبين، وكذا كل من يقول بسنيته. قوله: (على الأصح فيهما) أي في جواز أصل الاقتداء فيه بشافعي وفي اشتراط عدم فصله، خلافا لما في الارشاد، من أنه لا يجوز أصلا بإجماع أصحابنا، لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل، وخلافا لما قاله الرازي من أنه يصح وإن فصله ويصلي معه بقية الوتر، لان إمامه يخرج بسلامه عنده وهو مجتهد فيه، كما لو اقتدى بإمام قد رعف. قلت: ومعنى كونه لم يخرج بسلامه: أن سلامه لم يفسد وتره، لان ما بعده يحسب من الوتر، فكأنه لم يخرج منه، وهذا بناء على قول الهندواني بقرينة قوله: كما لو اقتدى الخ ومقتضاه أن المعتبر رأي الامام فقط، وهذا يخالف ما قدمناه آنفا عن نوح أفندي. قوله: (للاتحاد الخ) علة الصحة الاقتداء. ورد على ما مر عن الارشاد بما نقله أصحاب الفتاوى عن ابن الفضل أنه يصح الاقتداء، لان كلا يحتاج إلى نية الوتر، فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة، واعتبر مجرد اتحاد النية ا ه. واستشكله في الفتح بأنه اقتداء المفترض بالمتنفل وإن لم يخطر بخاطره عند النية صفة السنية أو غيرها، بل مجرد الوتر كما هو ظاهر إطلاق التجنيس لتقرر النفلية في اعتقاده. ورده في البحر بما صرح به في التجنيس أيضا من أن الامام إن نوى الوتر وهو يراه سنة جاز الاقتداء، كمن صلى الظهر خلف من يرى أن الركوع سنة، وإن نواه بنية التطوع لا يصح الاقتداء لأنه يصير اقتداء المفترض بالمتنفل ا ه. ولم يذكر الشارح تعليل اشتراط عدم الفصل بسلام، اكتفاء بما أشار إليه قبله من أن الأصح اعتبار اعتقاد المقتدي، والسلام قاطع في اعتقاده، فيفسد اقتداؤه وإن صح شروعه معه، إذ لا مانع منه في الابتداء كما أفاده ح. قوله: (ولذا ينوي) أي لأجل الاختلاف المفهوم من قوله:
8 وإن اختلف الاعتقاد ط. قوله: (لا الوتر الواجب) الذي ينبغي أن يفهم من قولهم: إنه لا ينوي، أنه واجب أنه يلزمه تعيين الوجوب لا منعه من ذلك، لأنه إن كان حنفيا ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده، وإن كان غيره فلا تضره تلك النية. بحر. قوله: (للاختلاف) أي في الوجوب والسنية، وهو علة للعيدين فقط، وعلة الوتر قدمها بقوله: ولذا لو حذف هذا ما ضر لفهمه من الكاف ط. قوله: (ويأتي المأموم الخ) هذا من المسائل الخمس الآتية التي يفعلها المؤتم إن فعلها الامام، وما مشى عليه المصنف تبعا للكنز هو المختار كما في البحر عن المحيط. وعبارة المحيط كما في الحلية: قال أبو يوسف: يسن أن يقرأ المقتدي أيضا، وهو المختار، لأنه دعاء كسائر الأدعية. وقال محمد: لا يقرأ بل يؤمن لان له شبهة القرآن احتياطا ا ه. وهو صريح في أنه سنة للمقتدي لا واجب، إلا أن يكون مبنيا على ما مر عن البحر من أن القنوت سنة عندهما. قوله: (ولو بشافعي الخ) أي ويقنت بدعاء الاستعانة لا دعاء الهداية الذي يدعو به إمامه، لان المتابعة في مطلق القنوت لا في خصوص الدعاء كما حرره الشيخ أبو السعود عن الشيخ عبد الحي وإن توقف فيه في الشرنبلالية. قوله: (لأنه مجتهد فيه) قدمنا معنى هذا عند قوله في آخر واجبات الصلاة ومتابعة الامام يعني في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته كقنوت فجر ا ه. وقدمنا هنا ك من أمثلة المجتهد فيه سجدتا السهو قبل السلام، وما زاد على الثلاث في تكبيرا ت العيد وقنوت الوتر بعد الركوع. والظاهر أن المراد من وجوب المتابعة في قنو ت الوتر بعد الركوع المتابعة في القيام فيه لا في الدعاء إن قلنا إنه سنة للمقتدي واجب. قوله: (لأنه منسوخ) فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة حيث لا يتابعه في الخامسة. بحر. قوله: (بل يقف) وقيل يقعد، وقيل يطيل الركوع، وقيل يسجد إلى أن يدركه فيه. شرنبلالية. قوله: (مرسلا يديه) لان الوضع سنة قيام طويل فيه مسنون، وهذا الذكر ليس بمسنون عندنا. تنبيه: قال في الهداية: دلت المسألة على جواز الاقتداء بالشافعية، وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزيه انتهى. ووجه دلالتها أنه لو لم يصح الاقتداء لم يصح اختلاف علمائنا في أنه يسكت أو يتابعه. بحر. قوله: (لفوات محله) لأنه لم يشرع إلا في محض القيام، فلا يتعدى إلى ما هو قيام من وجه دون وجه وهو الركوع. وأما تكبيرة العيد فإنه إذا تذكرها فيه يأتي بها فيه لأنها لم تختص بمحض القيام، لان تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط، وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة، فإذا جاز واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بالأولى. بحر. أقول: وهو مأخوذ من الحلية، وأصله في البدائع، لكن ما ذكره من أنه يأتي بتكبيرات العيد في الركوع وإن صرح به في البدائع والذخيرة وغيرهما مخالف لما صرح به صاحب البدائع نفسه في فصل العيد من أن الامام لو تذكر في ركوع الركعة الأولى أنه لم يكبر، فإنه يعود ويكبر وينتقض ركوعه ولا يعيد القراءة، بخلاف المقدي لو أدرك الامام في الركوع وخاف فوت الركعة فإنه يركع ويكبر فيه. والفرق أن محل التكبيرات في الأصل القيام المحض، ولكن ألحقنا الركوع بالقيام في
9 حق المقتدي لضرورة وجوب المتابعة ا ه. فانظر إلى ما بين الكلامين من التدافع، وعلى ما ذكره في البدائع ثانيا مشى في شرح المنية. ثم فرق بين التكبير حيث يرفض الركوع لأجله وبين القنوت بكون تكبير العيد مجمعا عليه دون القنوت. وأقول: قد صرح في الحلية من باب صلاة العيد، بأن ما في البدائع ثانيا رواية النوادر، وأن ظاهر الرواية أنه لا يكبر ويمضي في صلاته، وصرح بذلك في البحر أيضا هناك، وعليه فلا إشكال أصلا، إذ لا فرق بينه وبين القنوت فافهم، والله أعلم. قوله: (ولا يعود إلى القيام) إن قلت: هو وإن لم يقنت فقد حصل القيام برفع رأسه من الركوع. قلنا: هذه قومة لا قيام، فيكون عدم العود إلى القيام كناية عن عدم القنوت بعد الركوع، لان القيام لازم والقنوت ملزوم، فأطلق اللازم لينتقل منه إلى الملزوم ح. قوله: (لان فيه رفض الفرض للواجب) يعني وهو مبطل للصلاة على قول، وموجب للإساءة على قول آخر. والحق الثاني كما يأتي في باب سجود السهو ح. قوله: (لكون ركوعه بعد قراءة تامة) أي فلم ينتقض ركوعه، بخلاف ما لو تذكر الفاتحة أو السورة حيث يعود وينتقض ركوعه، لان بعوده صارت قراءة الكل فرضا، والترتيب بين القراءة والركوع فرض فارتفض ركوعه، فلو لم يركع بطلت، ولو ركع وأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا لتلك الركعة. بحر ملخصا: أي لان الركوع الثاني هو المعتبر لارتفاض الأول بالعودة إلى القراءة، بخلاف العود إلى القنوت، حتى لو عاد وقنت ثم ركع فاقتدى به رجل لم يدرك الركعة، لان هذا الركوع لغو، وما نقله ح عن البحر وتبعه ط فيه اختصار مخل، فافهم. وقدمنا في فصل القراءة بيان كون القراءة تقع فرضا بالعود، فراجعه. فرع: ترك السورة دون الفاتحة وقنت ثم تذكر يعود ويقرأ السورة ويعيد القنوت والركوع. معراج وخانية وغيرهما. قوله، (لزواله عن محله) تعليل لما فهم قبله من الصور الأربع، وهي ما لو قنت في الركوع أو بعد الرفع منه وأعاد الركوع أولا، وما إذا لم يقنت أصلا كما حققه ح. قوله: (قطعه وتابعه) لان المراد بالقنوت هنا الدعاء الصادق على القليل والكثير، وما أتى به منه كاف في سقوط الواجب، وتكميله مندوب والمتابعة واجبة فيترك المندوب للواجب. رحمتي. قوله: (ولو لم يقرأ الخ) أي لو ركع الامام ولم يقرأ المقتدي شيئا من القنوت إن خاف فوت الركوع يركع، وإلا يقنت ثم يركع. خانية وغيرها. وهل المراد ما يسمى قنوتا أو خصوص الدعاء؟ المشهور والظاهر الأول. قوله: (بخلاف التشهد) أي فإن الامام لو سلم أو قام للثالثة قبل إتمام المؤتم التشهد فإنه لا يتابعه، بل يتمه لوجوبه كمقدمه في فصل الشروع في الصلاة. قوله: (لان المخالفة الخ) هذا التعليل عليل لاقتضائه فرضية المتابعة المذكورة، وقدمنا عن شرح المنية أن متابعة الامام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة ما لم يعارضها واجب فلا يفوته بل يأتي به ثم يتابعه، بخلاف ما إذا عارضها سنة لان ترك السنة أولى من تأخير الواجب، وهذا موافق لما قدمناه آنفا،
10 وحينئذ فوجه الفرق بين القنوت والتشهد هو أن قراءة المقتدي القنوت سنة كما قدمنا التصريح به عن المحيط، والمتابعة في الركوع واجبة، فإذا خاف فوتها يترك السنة للواجب. وأما التشهد فإتمامه واجب، لان بعض التشهد ليس بتشهد فيتمه وإن فاتت المتابعة في القيام أو السلام، لأنه عارضها واجب تأكد بالتلبس به قبلها فلا يفوته لأجلها وإن كانت واجبة. وقد صرح في الظهيرية بأن المقتدي يتم التشهد إذا قام الامام إلى الثالثة وإن خاف أن تفوته معه. وإذا قلنا: إن قراءة القنوت للمقتدي واجبة، فإن كان قرأ بعضه حصل المقصود به، لان بعض القنوت قنوت، وإلا فلم يتأكد وتترجح المتابعة في الركوع للاختلاف في أن المقتدي هل يقرأ القنوت أم يسكت، فافهم. قوله: (في ثانيته أو ثالثته) وكذا لو شك أنه في الأولى أو الثانية أو الثالثة. بحر. قوله: (كرره مع القعود) أي فيقنت ويقعد في الركعة التي حصل فيها الشك لاحتمال أنها الثالثة، ثم يفعل كذلك في التي بعدها لاحتمال أنها هي الثالثة وتلك كانت ثانية. قوله: (في الأصح) وقيل لا يقنت في الكل، لان القنوت في الركعة الأولى أو الثانية بدعة. ووجه الأول أن القنوت واجب، وما التردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا. بحر عن المحيط. قوله: (ورجح الحلبي تكراره لهما) حيث قال: إلا أن هذا الفرق غير مفيد، إذ لا عبرة بالظن الذي ظهر خطؤه، وإذا كان الشاك يعيد لاحتمال أن الواجب لم يقع في موضعه فكيف لا يعيد الساهي بعد ما تيقن ذلك؟ وقد صرح في الخلاصة، عن الصدر الشهيد بأن الساهي يقنت ثانيا، فإن كان ما مر رواية فهي غير موافقة للدراية ا ه. قلت: وكذا رجحه في الحلية والبحر بنحو ما مر. قوله: (فيقنت مع إمامه فقط) لأنه آخر صلاته، وما يقضيه أولها حكما في حق القراءة وما أشبهها وهو القنوت، وإذا وقع قنوته في موضعه بيقين لا يكرر، لان تكراره غير مشروع. شرح المنية. قوله: (ولا يقنت لغيره) أي غير الوتر وهذا نفي لقول الشافعي رحمه الله إنه يقنت للفجر. مطلب في القنوت للنازلة قوله: (إلا لنازلة) قال في الصحاح: النازلة: الشديدة من شدائد الدهر، ولا شك أن الطاعون من أشد النوازل. أشباه. قوله: (فيقنت الامام في الجهرية) يوافقه ما في البحر والشرنبلالية عن شرح النقاية عن الغاية: وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الامام في صلاة الجهر، وهو قول الثوري وأحمد ا ه. وكذا ما في شرح الشيخ إسماعيل عن البنانية: إذا وقعت نازلة قنت الامام في الصلاة الجهرية، لكن في الأشباه عن الغاية: قنت في صلاة الفجر، ويؤيده ما في شرح المنية حيث قال بعد كلام: فتكون شرعيته: أي شرعية القنوت في النوازل مستمرة، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهبنا وعليه الجمهور. وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله (ص)، وأما القنوت في الصلوات كلها للنوازل فلم يقل به إلا الشافعي، وكأنهم حملوا
11 ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قنت في الظهر والعشاء كما في مسلم، وأنه قنت في المغرب أيضا كما في البخاري على النسخ لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين في الفجر عنه عليه الصلاة والسلام ا ه. وهو صريح في أن قنوت النازلة عندنا مختص بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات الجهرية أو السرية. ومفاده أن قولهم بأن القنوت في الفجر منسوخ معناه: نسخ عموم الحكم لا نسخ أصله، كما نبه عليه نوح أفندي، وظاهر تقييدهم بالامام أنه لا يقنت المنفرد، وهل المقتدي مثله أم لا؟ وهل القنوت هنا قبل الركوع أم بعده؟ لم أره. والذي يظهر لي أن المقتدي يتابع إمامه، إلا إذا جهر فيؤمن وأنه يقنت بعد الركوع لا قبله بدليل أن ما استدل به الشافعي على قنوت الفجر، وفيه التصريح بالقنوت بعد الركوع حمله علماؤنا على القنوت للنازلة، ثم رأيت الشرنبلالي في مراقي الفلاح صرح بأنه بعده، واستظهر الحموي أنه قبله، والأظهر ما قلناه والله أعلم. قوله: (وقيل في الكل) قد علمت أن هذا لم يقل به إلا الشافعي، وعزاه في البحر إلى جمهور أهل الحديث، فكان ينبغي عزوه إليهم لئلا يوهم أنه قول في المذهب. قوله: (خمس يتبع فيها الامام) أي يفعلها المؤتم إن فعلها الامام وإلا فلا، خ. قال في شرح المنية: والأصل في هذا النوع وجوب متابعة الامام في الواجبات فعلا وكذا تركا، إن كانت فعلية أو قولية يلزم من فعلها المخالفة في الفعل ا ه. قوله،: (قنوت) يخالفه ما في الفتح والظهيرية والفيض ونور الايضاح، من أنه لو ترك الامام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الامام في الركوع وإلا تابعة، وقد أعاد في الفتح ذكر هذا الفرع قبيل قضاء الفوائت، ثم أعقبه بما ذكره الشارح هنا معزيا إلى نظم الزندويستي. والذي يظهر التفصيل، لان فيه إحراز الفضيلتين. تأمل. قوله: ( وقعود أول) الظاهر أنه ينتظر إمامه إلى أن يصير إلى القيام أقرب لاحتمال عوده قبله ثم يتابعه، لان الامام إذا عاد حينئذ تفسد صلاته على أحد القولين، ويأثم على القول الآخر، وليس للمقتدي أن يقعد ثم يتابعه لأنه يكون فاعلا ما يحرم على الامام فعله ومخالفا له في عمل فعلي، بخلاف ما إذا قام الامام قبل فراغ المقتدي من التشهد فإنه يتمه ثم يتابعه، لان في إتمامه متابعة لامامه فيما فعله الامام، فافهم. قوله: (وتكبير عيد) أي إذا لم يأت به الامام في القيام أو في الركوع لا يأتي به المؤتم، فافهم. وبحث في شرح المنية أنه ينبغي أنه يأتي به المؤتم في الركوع لأنه مشروع فيه، ولأنه لا يكون مخالفا لامامه في واجب فعلي. ثم أجاب بأنه إنما شرع في الركوع للمسبوق تحصيلا لمتابعة الامام فيما أتى به، أما هنا ففيه تحصيل لمخالفته. قال: وهذا في تكبيرات الركعة الثانية، وأما تكبيرات الأولى ففي الاتيان بها ترك الاستماع والانصات. قوله: (وأربعة لا يتبع) أي إذا فعلها الامام لا يتبعه فيها القوم. والأصل في هذا النوع أنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ، وما لا تعلق له بالصلاة. شرح المنية. قوله: (زيادة تكبير عيد) أي إذا زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيد وكان المقتدي يسمع التكبير منه، بخلاف ما إذا كان يسمعه من المؤذن لاحتمال أن الغلط منه. شرح المنية. قوله: (أو جنازة) أي بأن زاد على أربع تكبيرات. قوله: (وسكن) كزيادة سجدة ثالثة. قوله: (وقيام لخامسة) داخل تحت قوله: وركن تأمل. قال في شرح المنية: ثم في القيام إلى
12 الخامسة إن كان قعد على الرابعة ينتظره المقتدي قاعدا، فإن سلم من غير إعادة التشهد سلم المقتدي معه، وإن قيد الخامس بسجدة سلم المقتدي وحده، وإن كان لم يقعد على الرابعة، فإن عاد تابعه المقتدي، وإن قيد الخامسة فسدت صلاتهم جميعا، ولا ينفع المقتدي تشهده وسلامه وحده ا ه. قوله: (وثماني تفعل مطلقا) أي فعلها الامام أو لا. والأصل في هذا النوع عدم وجوب المتابعة في السنن فعلا فكذا تركا، وكذا الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة في واجب فعلي كالتشهد وتكبير التشريق، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين، إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعلي، وهو القيام مع ركوع الامام. شرح المنية. قوله: (الرفع) أي رفع اليدين للتحريمة. قوله: (والثناء) أي فيأتي به ما دام الامام في الفاتحة، وإن كان في السورة، فكذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وقد عرف أنه إذا أدركه في جهر القراءة لا يثني، كذا في الفتح: أي بخلاف حالة السر كما مشى عليه المصنف في فصل الشروع في الصلاة، وقدمنا هناك تصحيحه وأن عليه الفتوى، فافهم. قوله: (وتكبير انتقال) أي إلى ركوع أو سجود أو رفع منه. قوله: (وتسميع) أي إذا تركه الامام لا يترك المؤتم التحميد. قوله: (وتسبيح) أي في الركوع والسجود فيأتي به المؤتم ما دام الامام فيهما. قوله: (وتشهد) أي إذا قعد الامام ولم يقرأ التشهد يقرؤه المؤتم، أما لو ترك الامام القعدة الأولى فإنه يتابعه كما مر. قوله: (وسلام) أي إذا تكلم الامام أو خرج من المسجد يسلم المؤتم، أما إذا أحدث عمدا أو قهقه فإن المؤتم لا يسلم لفساد الجزء الأخير من صلاتهما ط. مطلب في السنن والنوافل قوله: (وسن مؤكدا) أي استنانا مؤكدا، بمعنى أنه طلب طلبا مؤكدا زيادة على بقية النوافل، ولهذا كانت السنة المؤكدة قريبة من الواجب في لحوق الاثم كما في البحر، ويستوجب تاركها التضليل واللوم كما في التحرير: أي على سبيل الاصرار بلا عذر كما في شرحه، وقدمنا بقية الكلام على ذلك في سنن الوضوء. قوله: (بتسليمة) لما عن عائشة رضي الله عنها كان النبي (ص) يصلي قبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ركعتين رواه مسلم وأبو داود وابن حنبل. وعن أبي أيوب كان يصلي النبي (ص) بعد الزوال أربع ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة التي تداوم عليها؟ فقال: هذه ساعة تفتح أبواب السماء فيها، فأجب أن يصعد لي فيها عمل صالح، فقلت: أفي كلهن قراءة؟ قال: نعم، فقلت: بتسليمة واحدة أو بتسليمتين؟ فقال: بتسليمة واحدة رواه الطحاوي وأبو داود والترمذي وابن ماجة من غير فصل بين الجمعة والظهر، فيكون سنة كل واحدة منهما أربعا. وروى ابن ماجة بإسناده عن ابن عباس كان النبي (ص) يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن وعن أبي هريرة أنه (ص) قال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا رواه مسلم. زيلعي. زاد في الامداد: ولقوله (ص) إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا، فإن عجل بك شئ فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت رواه الجماعة إلا البخاري. قوله: (لم تنب عن السنة) ظاهره أن سنة الجمعة كذلك، وينبغي تقييده بعدم العذر
13 للحديث المذكور آنفا، كذا بحثه في الشرنبلالية، وسنذكر ما يؤيده بعد نحو ورقتين. قوله: (ولذا) أي لعدم الاعتداد بتسليمتين لما يكون بتسليمة. قوله: (لو نذرها) أي الأربع لا بقيد كونها سنة. وعبارة الدرر: ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلى أربعا بتسليمتين لا يخرج عن النذر، وبالعكس يخرج، كذا في الكافي ا ه. وأسقط الشارح قوله: بتسليمة إشارة إلى أنه غير قيد كما يظهر مما يأتي عند قول المصنف وقضى ركعتين لو نوى أربعا الخ. قوله: (لجبر النقصان) أي ليقوم في الآخرة مقام ما ترك منها لعذر كنسيان، وعليه يحمل الخبر الصحيح أن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع، وأوله البيهقي بأن الكمل بالتطوع هو ما نقص من سنتها المطلوبة فيها: أي فلا يقوم مقام الفرض للحديث الصحيح صلاة لم يتمها زيد عليها من سبحتها حتى تتم فجعل التتميم من السبحة: أي النافلة لفريضة صليت ناقصة لا لمتروكة من أصلها. وظاهر كلام الغزالي الاحتساب مطلقا، وجرى عليه ابن العربي وغيره، لحديث أحمد الظاهر في ذلك ا ه. من تحفة ابن حجر ملخصا. وذكر نحوه في الضياء عن السراج، وسيذكر في الباب الآتي أنها في حقه (ص) لزيادة الدرجات. قوله: (لقطع طمع الشيطان) بأن يقول: إنه لم يترك ما ليس بفرض فكيف يترك ما هو فرض؟ ط. قوله: (ويستحب أربع قبل العصر) لم يجعل للعصر سنة راتبة لأنه لم يذكر في حديث عائشة المار. بحر. قال في الامداد: وخير محمد بن الحسن والقدوري المصلي بين أن يصلي أربعا أو ركعتين قبل العصر لاختلاف الآثار. قوله: (وإن شاء ركعتين) كذا عبر في منية المصلي. وفي الامداد عن الاختيار: يستحب أن يصلي قبل العشاء أربعا، وقيل ركعتين، وبعدها أربعا، وقيل ركعتين ا ه. والظاهر أن الركعتين المذكورتين غير المؤكدتين. قوله: (حرمه الله على النار) فلا يدخلها أصلا، وذنوبه تكفر عنه، وتبعاته يرضي الله تعالى عنه خصماءه فيها. ويحتمل أن عدم دخوله بسبب توفيقه لما لا يترتب عليه عقاب ط. أو هو بشارة بأنه يختم له بالسعادة فلا يدخل النار. قوله: (من الأوابين) جمع أواب: أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار. قوله (بتسليمة أو ثنتين أو ثلاث) جزم بالأول في الدرر وبالثاني في الغزنوية وبالثالث في التجنيس، كما في الامداد، لكن الذي في الغزنوية مثل ما في التجنيس، وكذا في شرح درر البحار. وأفاد الخير الرملي في وجه ذلك أنها لما زادت عن الأربع وكان جمعها بتسليمة واحدة خلاف الأفضل، لما تقرر أن الأفضل رباع عند أبي حنيفة، ولو سلم على رأس الأربع لزم أن يسلم في الشفع الثالث على رأس الركعتين، فيكون فيه مخالفة من هذه الحيثية، فكان المستحب فيه ثلاث تسليمات ليكون على نسق واحد. قال: هذا ما ظهر لي، ولم أره لغيري. قوله: (الأول أدوم وأشق) لما فيه من زيادة حبس النفس بالقباء على تحريمة واحدة، وعطف أشق عطف لازم على ملزوم. وفي كلامه إشارة إلى اختيار الأول، وقد علمت ما فيه. قوله: (وهل تحسب المؤكدة) أي في الأربع بعد الظهر وبعد العشاء والست بعد المغرب. بحر. قوله: (اختار الكمال) نعم ذكر الكمال في فتح القدير أنه
14 وقع اختلاف بين أهل عصره في أن الأربع المستحبة هل هي أربع مستقلة غير ركعتي الراتبة أو أربع بهما؟ وعلى الثاني هل تؤدى معهما بتسليمة واحدة أو لا، فقال جماعة: لا، واختار هو أنه إذا صلى أربعا بتسليمة أو تسليمتين وقع عن السنة والمندوب، وحقق ذلك بما لا مزيد عليه، وأقره في شرح المنية والبحر والنهر. قوله: (وحرر إباحة ركعتين الخ) فإنه ذكر أنه ذهبت طائفة إلى ندب فعلهما، وأنه أنكره كثير من السلف وأصحابنا ومالك. واستدل لذلك بما حقه أن يكتب بسواد الأحداق، ثم قال: والثابت بعد هذا هو نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا، إلا أن يدل دليل آخر، وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل، والركعتان لا يزيد على القليل إذا تجوز فيهما ا ه. وقدمنا في مواقيت الصلاة بعض الكلام على ذلك. قوله: (آكدها سنة الفجر) لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها لم يكن النبي (ص) على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وفي مسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وفي أبي داود لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل بحر. قوله: (في الأصح) استحسنه في الفتح فقال: ثم اختلف في الأفضل بعد ركعتي الفجر. قال الحلواني: ركعتا المغرب فإنه (ص) لم يدعهما سفرا ولا حضرا، ثم التي بعد الظهر لأنها سنة متفق عليها، بخلاف التي قبلها، لأنها قيل هي للفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء. وقيل التي بعد العشاء وقبل الظهر وبعده وبعد المغرب كلها سواء. وقيل التي قبل الظهر آكد، وصححه الحسن، وقد أحسن، لان نقل المواظبة الصريحة عليها أقوى من نقل مواظبته (ص) على غيرها من غير ركعتي الفجر ا ه. قوله: (لحديث الخ) قال في البحر: وهكذا صححه في العناية والنهاية، لان فيها وعيدا معروفا: قال عليه الصلاة والسلام من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي ا ه. قال ط: ولعله للتنفير عن الترك، أو شفاعته الخاصة بزيادة الدرجات. وأما الشفاعة العظمى فعامة لجميع المخلوقات. قوله: (وقيل بوجوبها) وهو ظاهر النهاية وغيرها خزائن. قلت: وإليه يميل كلام البحر حيث قال: وقد ذكروا ما يدل على وجوبها، ثم ساق المسائل التي فرعها المنصف، ووفق بينه وبين ما في أكثر الكتب من أنها سنة مؤكدة بأن المؤكدة بمعنى الواجب. وأجاب عما ينافيه وكتبناه فيما علقناه عليه ما فيه. قوله: (اتفاقا) أما على القول بالوجوب فظاهر. وأما على القول بالسنية فمراعاة للقول بالوجوب ولآكديتها ط. هذا: وقد ذكر في البحر الاتفاق عن الخلاصة وأقره لكن نازع فيه في الامداد جازما بأن الجواز على القول بالسنية، وأن عدمه إنما هو على القول بالوجوب، واستند في ذلك إلى ما في الزيلعي والبرهان من التصريح ببناء ذلك على الخلاف. ثم قال: ولا يخفى ما في حكاية الاجماع على عدم الجواز، وليس الاجماع إلا على تأكدها ا ه. لكن يخالفه ما نذكره قريبا عن الخانية من الفرق بينهما وبين التراويح، في أنها لا تصح قاعدا لأنها سنة مؤكدة بلا خلاف. تأمل. قوله: (على الأصح) عزاه المصنف في المنح إلى باب التراويح من الخانية.
15 أقول: والذي في الخانية هناك: لو صلى التراويح قاعدا، قيل لا يجوز بلا عذر، لما روى الحسن عن أبي حنيفة: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز، فكذا التراويح، لان كلا منهما سنة مؤكدة وقيل يجوز، وهو الصحيح. والفرق أن سنة الفجر سنة مؤكدة بلا خلاف، والتراويح دونها في التأكد، فلا يجوز التسوية بينهما ا ه. فأنت ترى أنه إنما صحح جواز التراويح قاعدا لا عدم جواز الفجر، نعم مقتضى كلامه تسليم عدم الجواز في سنة الفجر، فتأمل. قوله: (فله تركها الخ) الظاهر أن معناه أنه يتركها وقت اشتغاله بالافتاء لأجل حاجة الناس المجتمعين عليه، وينبغي أنه يصليها إذا فرغ في الوقت. وظاهر التفرقة بين سنة الفجر وغيرها أنه ليس له ترك صلاة الجماعة، لأنها من الشعائر، فهي آكد من سنة الفجر، ولذا يتركها لو خاف فوت الجماعة، وأفاد ط أنه ينبغي أن يكون القاضي وطالب العلم كذلك لا سيما المدرس، أقول: في المدرس نظر، بخلاف الطالب إذا خاف فوت الدرس أو بعضه. تأمل. قوله: (ويخشى الكفر على منكرها) أي منكر مشروعيتها إن كان إنكاره لشبهة أو تأويل دليل، وإلا فينبغي الجزم بكفره لانكاره مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة كما قدمناه أول الباب. قوله: (وتقضى) أي إلى قبيل الزوال، وقوله: معه تنازعه قوله: تقضى وفاتت فلا تقضى إلا معه حيث فات وقتها، أما إذا فاتت وحدها فلا تقضى، ولا تقضى قبل الطلوع ولا بعد الزوال ولو تبعا على الصحيح. أفاده ح وسينبه عليه المصنف في الباب الآتي. قوله: (تجنيس) فيه أنه في التجنيس صحح في المسألة الأولى الاجزاء معللا بأن السنة تطوع فتتأدى بنية التطوع، وصحح في الثانية عدمه معللا بأن السنة ما واظب عليها النبي (ص)، ومواظبته كانت بتحريمة مبتدأة، نعم عكس صاحب الخلاصة فصحح عدم الاجزاء في الأولى والاجزاء في الثانية ولا يخفى ما فيه، فإنه إذا أجزأت الثانية يلزم إجزاء الأولى بالأولى، ولذا قال في النهر: وترجيح التجنيس في المسألتين أوجه. مطلب في لفظة ثمان قوله: (وعلى ثمان) كيمان: عدد وليس بنسب، أو في الأصل منسوب إلى الثمن، لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها، ثم فتحوا أولها لأنهم يغيرون في النسب وحذفوا منها إحدى ياءي النسب وعوضوا منها الألف، كما فعلو في المنسوب إلى اليمن، فثبتت ياؤه عند الإضافة كما تثبت ياء القاضي، فتقول: ثماني نسوة وثمانمائة، وتسقط مع التنوين عند الرفع أو الجر، وتثبت عند النصب. قاموس. قوله (لأنه لم يرد) أي لم يرد عنه (ص) أنه زاد على ذلك. والأصل فيه التوقيف كما في فتح القدير: أي فما لم يوقف على دليل المشروعية لا يحل فعله بل يكره: أي اتفاقا كما في منية المصلي، أي من أئمتنا الثلاثة، نعم وقع الاختلاف بين المشايخ المتأخرين في الزيادة على
16 الثمانية ليلا، فقال بعضهم: لا يكره وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي وصححه في الخلاصة. وصحح في البدائع الكراهة، قال: وعليه عامة المشايخ، وتمامه في الحلية والبحر. قوله: (والأفضل فيهما) أي في صلاتي الليل والنهار الرباع. وعبارة الكنز: رباع بدون أل، وهو الأظهر لأنه غير منصرف للوصفية والعدل عن أربع أربع: أي ركعات رباع: أي كل أربع بتسليمة. قوله: (قيل وبه يفتى) عزاه في المعراج إلى العيون. قال في النهر: ورده الشيخ قاسم بما استدل به المشايخ للامام من حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله (ص) لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا وكانت التراويح ثنتين تخفيفا، وحديث صلاة الليل مثنى مثنى يحتمل أن يراد به شفع لا وتر، وترجحت الأربع بزيادة منفصلة لما أنها أكثر مشقة على النفس، وقد قال (ص) إنما أجرك على قدر نصبك ا ه بزيادة، وتمام الكلام على ذلك في شرح المنية وغيره. قوله: (ولا يصلي الخ) أقول: قال في البحر في باب صفة الصلاة: إن ما ذكر مسلم فيما قبل الظهر، لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها، ولو أفسدها قضى أربعا، والأربع قبل الجمعة بمنزلتها. وأما الأربع بعد الجمعة فغير مسلم فإنها كغيرها من السنن، فإنهم لم يثبتوا لها تلك الأحكام المذكورة ا ه. ومثله في الحلية. وهذا مؤيد لما بحثه الشرنبلالي من جوازها بتسليمتين لعذر. قوله: (ولو نذرا) نص عليه في القنية، ووجهه أنه نفل عرض عليه الافتراض أو الوجوب. أفاده ط. قوله: (لان كل شفع صلاة) قدمنا بيان ذلك في أول بحث الواجبات، والمراد من بعض الأوجه كما يأتي قريبا. قوله: (وقيل لا الخ) قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، والظاهر الأول. زاد في المنح: ومن ثم عولنا عليه وحكينا ما في القنية بقيل. مطلب: قولهم كل شفع من النفل صلاة ليس مطردا تنبيه: بقي في المسألة قول ثالث جزم به في منية المصلي في باب صفة الصلاة حيث قال: أما إذا كانت سنة أو نفلا فيبتدئ كما ابتدأ في الركعة الأولى: يعني يأتي بالثناء والتعوذ، لان كل شفع صلاة على حدة ا ه. لكن قال شارحها: الأصح أنه لا يصلي ولا يستفتح في سنة الظهر والجمع، وكون كل شفع صلاة على حدة ليس مطردا في كل الاحكام، ولذا لو ترك القعدة الأولى لا تفسد، خلافا لمحمد، ولو سجد للسهو على رأس شفع لا يبني عليه شفعا آخر لئلا يبطل السجود بوقوعه في وسط الصلاة، فقد صرحوا بصيرورة الكل صلاة واحدة حيث حكموا بوقوع السجود وسطا، فيقال هنا أيضا: لا يصلي ولا يستفتح ولا يتعوذ لوقوعه في وسط الصلاة، لان الأصل كون الكل صلاة واحدة للاتصال واتحاد التحريمة، ومسألة الاستفتاح ونحوه ليست مروية عن
17 المتقدمين وإنما هي اختيار بعض المتأخرين، نعم اعتبروا كون كل شفع صلاة على حدة في حق القراءة احتياطا، وكذا في عدم لزوم الشفع الثاني قبل القيام إليه لتردده بين اللزوم وعدمه فلا يلزم بالشك ولذا يقطع على رأس الشفع إذا أقيمت الصلاة أو خرج الخطيب، وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة بالشروع في الشفع الآخر، لان كلا من الشفعة والخيار متردد بين الثبوت وعدمه فلا يثبت بالشك، وكذا في عدم سريان الفساد من شفع إلى شفع، إذ لا يحكم بالفساد مع الشك ا ه ملخصا. لكن قوله وكذا في بطلان الشفعة وخيار المخيرة غير صحيح، لما علمت مما قدمناه آنفا عن البحر والحلية من أنهما لا يبطلان بالانتقال إلى الشفع الثاني، وقد صرح نفسه بذلك في مواقيت الصلاة، وعلمت أيضا أن ذلك إنما ذكروه في سنة الظهر ولم يثبتوه للأربع التي بعد الجمعة. قوله: (ورجحه في البحر) حيث جزم بتعارض الأدلة، كحديث مسلم عليك بكثرة السجود وحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وحديث مسلم أيضا أفضل الصلاة طول القنوت أي طول القيام كما هو رواية أحمد وأبي داود، ثم قال: والذي ظهر للعبد الضعيف أن كثرة الركوع والسجود أفضل، لان القيام إنما شرع وسيلة إليهما، ولذا سقط عمن عجز عنهما، ولا تكون الوسيلة أفضل من المقصود، ولأنه وإن لزم فيه كثرة القراءة لكنها ركن زائد، بل اختلف في أصل ركنيتها. وأجمعوا على ركنية الركوع والسجود وأصالتهما، ولتخلف القيام عن القراءة فيما بعد ركعتي الفرض ا ه. ملخصا. قوله: (من ثلاثة أوجه) الأول أن القيام وإن كان وسيلة إلا أن أفضلية طوله لكثرة القراءة فيه، وهي وإن بلغت كل القرآن تقع فرضا بخلاف التسبيحات. الثاني أن كون القراءة ركنا زائدا مما لا أثر له في الفضيلة. الثالث أن موضوع المسألة النفل، وفيه تجب القراءة في كله ا ه ملخصا. قلت: وأما تعارض الأدلة، فيجاب عنه بأن المراد بالسجود الصلاة. وأقوى دليل أيضا على أفضلية طول القيام أنه (ص) كان يقوم الليل إلا قليلا، وكان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة كما مر في حديث عائشة. قوله: (ونقل عن المعراج الخ) اعترض على البحر أيضا حيث قال: اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار أن طول القيام أحب. ونقل في المجتبى عنه العكس. ونقل عن أبي يوسف أنه فصل فقال: إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات، وإلا فطول القيام أفضل لان القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود ا ه. ووجه الاعتراض أن مقتضى كلامه أنه لا قول في هذه المسألة لامام المذهب، بل القولان فيهما لمحمد أقول: ويظهر لي أن رواية أبي يوسف محمل هذين القولين. تأمل. قوله: (وصححه في البدائع) وعبارته. قال أصحابنا: طول القيام أفضل. وقال الشافعي: كثرة الصلاة أفضل، والصحيح قولنا. ثم قال: وروي عن أبي يوسف أنه قال: إلى آخر ما مر، وظاهر كلامه أن هذا قول أئمتنا الثلاثة حيث لم يتعرض إلا لخلاف الشافعي، ويؤيده ما مر عن الطحاوي. قوله: (قلت الخ) تأييد لما
18 في المعراج، وأمر بالتنبه إشارة إلى ما على المصنف من الاعتراض، حيث تابع شيخه صاحب صاحب البحر، وعدل عما عليه المتون الذي هو قول الإمام المصحح، بل هو قول الكل كما مر، ولذا قال الخير الرملي: أقول: كيف يخالف الجهابذة تبعا لشيخه ويجعله متنا، والمتون موضوعة لنقل المذهب؟ ا ه. والحاصل أن المذهب المعتمد أن طول القيام أحب، ومعناه كما في شرح المنية أنه إذا أراد شغل حصة معينة من الزمان بصلاة فإطالة القيام مع تقليل عدد الركعات أفضل من عكسه، فصلاة ركعتين مثلا في تلك الحصة أفضل من صلاة أربع فيها، وهكذا القياس. قوله: (وهل الخ) البحث لصاحب النهر. والذي يظهر أن كثرة ركوعه وسجوده أفضل، لان أفضلية القيام إنما كانت باعتبار القراءة ولا قراءة له ا ه. ح عن بعض الهوامش. وخالفه الرحمتي بأن الأخرس قارئ حكما وله ثواب القارئ، كما هو الحكم فيمن قصد عبادة وعجز عنها، مع أن الطريقة أن العلة إذا وجدت في بعض الصور تطرد في باقيها. تأمل. مطلب في تحية المسجد قوله: (ويسن تحية) كتب الشارح في هامش خزائن أن هذا رد على صاحب الخلاصة حيث ذكر أنها مستحبة. قوله: (رب المسجد) أفاد أنه على حذف مضاف، لان المقصود منها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد، لان الانسان إذا دخل بيت الملك يحيي الملك لا بيته - بحر عن الحلية - ثم قال: وقد حكي الاجماع على سنيتها، غير أن أصحابنا يكرهونها في الأوقات المكروهة تقديما لعموم الحاظر على عموم المبيح ا ه. قوله: (وهي ركعتان) في القهستاني: وركعتان أو أربع، وهي أفضل لتحية المسجد إلا إذا دخل فيه بعد الفجر أو العصر، فإنه يسبح ويهلل ويصلي على النبي (ص)، فإنه حينئذ يؤدي حق المسجد، كما إذا دخل للمكتوبة فإنه غير مأمور بها حينئذ كما في التمرتاشي ا ه. قوله: (وأداء الفرض أو غيره الخ) قال في النهر: وينوب عنها كل صلاة صلاها عند الدخول فرضا كانت أو سنة. وفي البناية معزيا إلى مختصر المحيط أن دخوله بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عنها، وإنما يؤمر بها إذا دخله لغير الصلاة ا ه كلام النهر. والحاصل أن المطلوب من داخل المسجد أن يصلي فيه ليكون ذلك تحية لربه تعالى: والظاهر أن دخوله بنية صلاة الفرض لامام أو منفرد أو بنية الاقتداء ينوب عنها إذا صلى عقب دخوله، وإلا لزم فعلها بعد الجلوس، وهو خلاف الأولى كما يأتي، فلو كان دخوله بنية الفرض مثلا لكن بعد زمان يؤمر بها قبل جلوسه، كما لو كان دخول لغير صلاة كدرس أو ذكر. وبما قررناه علم أن ما نقله في النهر عن البناية لا يخالف ما قبله، غايته أنه عبر عن الصلاة بنيتها، بناء على ما هو الغالب من أن من دخل لأجل الصلاة يصلي، وليس معناه أن النية المذكورة تكفيه عن التحية وإن لم يصل كما يوهمه ظاهر العبارة كما أفاده ح، والله أعلم. قوله: (ينوب عنها بلا نية) قال في الحلية: لو اشتغل داخل المسجد بالفريضة غير ناو للتحية قامت تلك الفريضة مقام تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد، كما في البدائع وغيره. فلو نوى التحية مع الفرض فظاهر ما في المحيط وغيره أنه يصح عندهما. وعند محمد لا يكون داخلا في الصلاة، فإنهم قالوا: لو نوى
19 الدخول في الظهر والتطوع يجوز عن الفر ض عند أبي يوسف. ورواه الحسن عن أبي حنيفة. وعند محمد: لا يكون داخلا لان الفر ض مع النفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لأحدهما على الآخر في التحريمة. فمتى نواهما تعارضت النيتان فلغتا. ولأبي يوسف أن الفرض أقوى فتندفع نية الأدنى كمن نوى حجة الاسلام والتطوع ا ه ملخصا. ومثله في البحر. أقول: الذي يظهر لي أن هذا الخلاف لا يجري في مسألتنا، لان الفريضة إذا قامت مقام التحية وحصل المقصود بها لم تبق التحية مطلوبة، لان المقصود تعظيم المسجد بأي صلاة كانت، ولا يؤمر بتحية مستقلة إلا إذا دخل لغير لصلاة كما مر، وحينئذ فإذا نواها مع الفريضة يكون قد نوى ما تضمنته الفريضة وسقط بها، فلم يكن ناويا جنسا آخر على قول محمد، بخلاف ما إذا نوى فرض الظهر وسنته مثلا، فليتأمل. بل لقائل أن يقول: إن الأولى أن ينويها بذلك الفرض ليحصل له ثوابها: أي ينوي بإيقاع الفرض في المسجد تحية الله تعالى أو تعظيم بيته، لان سقوطها به وعدم طلبها لا يستلزم الثواب بلا قصدها. ثم رأيت المحقق ابن حجر من الشافعية كتب عند قول المنهاج: وتحصل بفرض أو نفل آخر ما نصه: وإن لم ينوها معه. لأنه لم ينتهك حرمة المسجد المقصودة: أي يسقط طلبها بذلك، أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لحديث إنما الأعمال بالنيات وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل، أي الثواب وإن لم ينو بعيد وإن قيل إن كلام المجموع يقتضيه، ولو نوى عدمها لم يحصل شئ من ذلك اتفاقا كما هو ظاهر أخذا مما بحثه بعضهم في سنة الطواف، وإنما ضرت نية ظهر وسنة مثلا، لأنها مقصودة لذاتها بخلاف التحية ا ه. وقوله: وإنما ضرت الخ، هو عين ما بحثته أولا أيضا ولله الحمد، فإن ما قاله لا يخالف قواعد مذهبنا. قوله: (وتكفيه لكل يوم مرة) أي إذا تكرر دخوله لعذر. وظاهر إطلاقه أنه مخير بين أن يؤديها في أول المرات أو آخرها ط. قوله: (ولا تسقط بالجلوس عندنا) فإنهم قالوا في الحاكم إذا دخل المسجد للحكم: إن شاء صلى التحية عند دخوله أو عند خروجه لحصول المقصود كما في الغاية. وأما حديث الصحيحين إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين فهو بيان للأولى، لحديث ابن حبان في صحيحه يا أبا ذر للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعها وتمامه في الحلية. قوله: (وفي الضياء الخ) عبارته وقال بعضهم: من دخل المسجد ولم يتمكن من تحية المسجد إما لحدث أو لشغل أو نحوه يستحب له أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر قاله أبو طالب المكي في قوت القلوب ا ه. وقدمنا نحوه عن القهستاني. خاتمة: يستثنى من المساجد المسجد الحرام بالنسبة إلى أول دخول الآفاقي (1) المحرم، فإن تحيته الطواف، وفيه تأمل، كذا في الحلية، ولعل وجه التأمل إطلاق المسجد في الحديث المار. وفي النهر: واتفقوا على أن الامام لو كان يصلي المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة أنه
(1) قوله: (الآفاقي) هكذا بخطه، وفيه انه نسبه إلى جمع أفق ومنعه في تامصباح، ونص على أنه انما ينسب إلى المفرد فتقال أفقي بضمتين وبفتحتين ا ه مصححه. 20 يتركها، وأنه يقدم الطواف عليها، بخلاف السلام على النبي (ص) ا ه. قلت: لكن في لباب المناسك وشرح الملة علي القاري: ولا يشتغل بتحية المسجد، لان تحية المسجد الشريف هي الطواف إن أراده، بخلاف من لم يرده وأراد أن يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، إلا أن يكون الوقت مكروها ا ه. وظاهره أنه لا يصلي مريد الطواف للتحية أصلا لا قبله ولا بعده، ولعل وجهه اندراجها في ركعتيه. قوله: (ولو تكلم الخ) وكذا لو فصل بقراءة الأوراد، لان السنة الفصل بقدر اللهم أنت السلام الخ حتى لو زاد تقع سنة لا في محلها المسنون كما مر قبيل فصل الجهر بالقراءة. قوله: (وقيل تسقط) أي فيعيدها لو قبلية، ولو كانت بعدية فالظاهر أنها تكون تطوعا، وأنه لا يؤمر بها على هذا القول. تأمل. قوله: (وفي الخلاصة الخ) الظاهر أنه استدراك على ما صححه في المتن تبعا للقنية، لان جزم الخلاصة بقوله: أعادها يفيد أنها سقط بقرينة قوله بعده لا تبطل أي لا تبطل كونها سنة، فإنه يفيد أن الإعادة لبطلان كونه سنة وإلا لم تصح المقابلة. تأمل. قوله: (ولو جئ بطعام الخ) أفاد أن العمل المنافي إنما ينقص ثوابها أو يسقطها لو كان بلا عذر، أما لو حضر الطعام وخاف ذهاب لذته لو اشتغل بالسنة البعدية فإنه يتناوله ثم يصليها، لان ذلك عذر في ترك الجماعة، ففي تأخير السنة أولى إلا إذا خاف فوتها بخروج الوقت فإنه يصليها ثم يأكل، هذا ما ظهر لي قوله: (ولو أخرها الخ) أي بلا عذر بقرينة ما قبله. قوله: (وقيل تكون) حكى القولين في القنية، ولم يعبر عن هذا الثاني بقيل بل أخره، ولا يلزم من ذلك تضعيفه. ويظهر لي أنه الأصح، وأن القول الأول مبني على القول بأنها تسقط بالعمل المنافي، وهو ما حكاه الشارح بقيل، إلا أن يدعى تخصيص الخلاف السابق بالسنة القبلية وهذا بالبعدية، لكن يبعده أنه إذا كان الأصح في القبلية أنها لا تسقط مع إمكان تداركها بأن تعاد مقارنة للفرض تكون البعدية كذلك بالأولى لعدم إمكان التدارك، فليتأمل. قوله: (وقيل لا) يؤيده ما في البحر عن الخلاصة: السنة في ركعتي الفجر قراءة الكافرون والاخلاص، والآتيان بها أول الوقت وفي بيته، وإلا فعلى باب المسجد الخ. [مب] مبحث مهم في الكلام على الضجعة بعد سنن الفجر [/ مب] وقال في شرح المنية: وهو الذي تدل عليه الأحاديث عن عائشة قالت كان رسول الله (ص) إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج متفق عليه ا ه. وتمامه فيه. تنبيه: صرح الشافعية بسنية الفصل بين سنة الفجر وفرضه بهذه الضجعة أخذا من هذا الحديث ونحوه. وظاهر كلام علمائنا خلافه حيث لم يذكروها، بل رأيت في موطأ الإمام محمد رحمه الله
21 تعالى ما نصه: أخبرنا مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع، فقال ابن عمر: ما شأنه؟ فقال نافع قلت: يفصل بين صلاته، فقال ابن عمر: وأي فصل أفضل من السلام؟ قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ا ه. وقال شارحه المحقق منلا علي القاري: وذلك لان السلام إنما ورد للفصل، وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام، وهذا لا ينافي ما سبق من أنه عليه الصلاة والسلام كان يضطجع في آخر التهجد، وتارة أخرى بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة ا ه. ثم قال: وقال ابن حجر المكي في شرح الشمائل: روى الشيخان أنه (ص) كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، ولامره (ص) كما رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، خلافا لمن نازع وهو صريح في ندبها لمن بالمسجد وغيره، خلافا لمن خص ندبها بالبيت، وقول ابن عمر: إنها بدعة، وقول النخعي: إنها ضجعة الشيطان، وإنكار ابن مسعود لها فهو لأنه لم يبلغهم ذلك. وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها وأنها شرط لصلاة الصبح ا ه. ولا يخفى بعد عدم البلوغ إلى هؤلاء الأكابر الذين بلغوا المبلغ الاعلى، لا سيما ابن مسعود الملازم له (ص) حضرا وسفرا، وابن عمر المتفحص عن أحواله (ص) في كمال التتبع والاتباع، فالصواب حمل إنكارهم على العلة السابقة من الفصل أو على فعله في المسجد بين أهل الفضل، وليس أمره (ص) على تقدير صحته صريحا ولا تلويحا على فعله بالمسجد، إذ الحديث كما رواه أبو داود والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن فالمطلق محمول على المقيد. على أنه لو كان هذا في المسجد شائعا في زمانه (ص) لما كان يخفى على هؤلاء الأكابر الأعيان ا ه. وأراد بالمقيد ما مر من قوله: بعد ركعتي الفجر في بيته. وحاصله أن اضطجاعه عليه الصلاة والسلام إنما كان في بيته للاستراحة لا للتشريع، وإن صحح حديث الامر بها الدال على أن ذلك للتشريع يحمل على طلب ذلك في البيت فقط توفيقا بين الأدلة، والله تعالى أعلم. قوله: (فهو السنة) لان النذر لا يخرجها عن كونها سنة، كما لو شرع فيها ثم قطعها ثم أداها كانت سنة وزادت وصف الوجوب بالقطع. نهر عن عقد الفرائض. قوله: (أراد النوافل) في القنية: أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ا ه. قال في البحر: ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر، هو مرجح لقول من قال لا ينذرها، لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة، فلم يكن مخلصا. ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به، بخلاف النفل، والأحسن عند العبد الضعيف أن لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين ا ه. مطلب في الكلام على حديث النهي عن النذر أقول: لفظ حديث النهي كما رواه البخاري أيضا في صحيحه عن ابن عمر نهى النبي (ص) عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل والمتبادر منه إرادة النذر المعلق، كإن شفى الله مريضي فلله علي كذا. ووجه النهي أنه لم يخلص من شائبة العوض حيث جعل القربة في مقابلة الشفاء ولم تسمح نفسه بها بدون المعلق عليه مع ما فيه من إيهام اعتقاد التأثير للنذر في حصول الشفاء فلذا قال في الحديث إنه لا يرد شيئا الخ فإن هذا الكلام قد وقع موقع التعليل
22 للنهي، بخلاف النذر المنجز فإنه تبرع محض بالقربة لله تعالى، وإلزام للنفس بما عساها لا تفعله بدونه فيكون قربة. والدليل على أن هذا النذر قرب عندنا ما صرح به في فتح القدير قبيل كتاب الحج: لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه وجوب النذر، لان نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب ا ه. والمراد به النذر المنجز لما قلنا. على أن بعض شراح البخاري حمل النهي في الحديث على من يعتقد أن النذر مؤثر في تحصيل غرضه المعلق عليه. والظاهر أنه أعم، لقوله: وإنما يستخرج به من البخيل والله أعلم. تنبيه: قيد بالنوافل فأفاد أن الأفضل في السنن عدم نذرها، ولعل وجهه أن السنن هي ما كان يفعلها (ص) قبل الفرائض أو بعدها، والمطلوب من اتباعه (ص) على الوجه الذي كان يفعلها عليه ولم ينقل أنه كان ينذرها، ولذا قيل بأنها لا تكون هي السنة، فالأفضل عدم نذرها، والله أعلم. قوله: (وإلا كفر) أي بأن استخف فيقول: هي فعل النبي (ص) وأنا لا أفعله. شرح المنية وغيره. وهذا في الترك، وأما الانكار فقدمنا الكلام عليه أول الباب قوله: (والأفضل في النفل الخ) شمل ما بعد الفريضة وما قبلها، لحديث الصحيحين عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وأخرج أبو داود صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وتمامه في شرح المنية، وحيث كان هذا أفضل يراعى ما لم يلزم منه خوف شغل عنها لو ذهب لبيته، أو كان في بيته ما يشغل باله ويقلل خشوعه، فيصليها حينئذ في المسجد، لان اعتبار الخشوع أرجح. قوله: (غير التراويح) أي لأنها تقام بالجماعة ومحلها المسجد، واستثنى في شرح المنية أيضا تحية المسجد، وهو ظاهر. أقول: ويستثنى أيضا ركعتا الاحرام والطواف، فإن الأولى تصلى في مسجد عند الميقات إن كان كما في اللباب، والثانية عند المقام، وكذا ركعتا القدوم من السفر، بخلاف إنشائه فإنها تصلى في البيت كما يأتي، وكذا المعتكف، وكذا ما يخاف فوتها بالتأخير، وكذا صلاة الكسوف لأنها تصلى بجماعة (1). مطلب: سنة الوضوء قوله: (وندب ركعتان بعد الوضوء) لحديث مسلم ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة خزائن، ومثل الوضوء الغسل كما نقله ط.
(1) قوله: (وكذا بصلاة الكسوف لأنها تصلى بجماعة) وجد هنا في نسخة المؤلف لكن بغير خطه ما نصه: وكذا سنة الجمعة القبلية، لان الأفضل في الجمعة التكبير قبل الوقت، فيلزم وقوع سنتها في المسجد، فصارت جملة المستثنيات تسعة، ولم أر من تعرض لجمعها هكذا من علمائنا، وقد نظمتها بقولي: نوافلنا في البيت فاقت على التي * نقوم لها في مسجد غير تسعة صلاة تراويح كسوف تحية * وستة احرام طواف بكعبة ونقل اعتكاف أو قدوم مسافر * وخائف فوت ثم سنة جمعة يقول الفقير محمد علاء الدين بن عابدين ابن المؤلف: هكذا وجدت هذه السقطة في المبيضة فينبغي الحاقها هنا ا ه. 23 عن الشرنبلالي، ويقرأ فيهما الكافرون والاخلاص كما في الضياء، وانظر هل تنوب عنهما صلاة غيرهما كالتحية أم لا؟ ثم رأيت في شرح لباب المناسك أن صلاة ركعتي الاحرام سنة مستقلة كصلاة استخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها، بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في الحجة ا ه. مطلب: سنة الضحى قوله: (وند ب أربع الخ) ندبها هو الراجح كما جزم به في الغزنوية والحاوي والشرعة والمفتاح والتبيين وغيرها، وقيل لا تستحب، لما في صحيح البخاري من إنكار ابن عمر لها ا ه إسماعيل. وبسط الأدلة على استحبابها في شرح المنية، ويقرأ فيها سورتي الضحى كما في الشرعة: أي سورة * (والشمس) * (الشمس: 1) وسورة * (والضحى) * (الضحى: 1) وظاهره الاقتصار عليهما، ولو صلاها أكثر من ركعتين. قوله: (من بعد طلوع) عبارة شرح المنية: من ارتفاع الشمس. قوله: (ووقتها المختار) أي الذي يختار ويرجح لفعلها، وهذا عزاه في شرح المنية إلى الحاوي وقال: لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله (ص) قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم. وترمض بفتح التاء والميم: أي تبرك من شدة الحر في أخفافها ا ه. قوله: وفي المنية أقلها ركعتان) نقل الشيخ إسماعيل مثله عن الغزنوي والحاوي والرعة والسمرقندية، وما ذكره المصنف مشى عليه في التبيين والمفتاح والدرر. ودليل الأول أنه (ص) أوصى أبا هريرة بركعتين كما في صحيح البخاري. ودليل الثاني أنه (ص) كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله رواه مسلم وغيره. والتوفيق ما أشار إليه بعض المحققين أن الركعتين أقل المراتب والأربع أدنى الكمال. قوله: (وأكثرها اثنتا عشرة) لما رواه الترمذي والنسائي بسند فيه ضعف أنه (ص) قال: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة وقد تقرر أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الفضائل. شرح المنية. وقيل أكثرها ثمان، وعزاه في الحلية إلى الإمام أحمد، وعزاه بعض الشافعية إلى الأكثرين. قوله: (كما في الذخائر الأشرفية) اسم كتاب لابن الشحنة مؤلف في الألغاز الفقهية. قوله: (لثبوته الخ) جواب عما أورد: كيف يكون أوسطها أفضل مع أن الأكثر مشتمل على الأوسط وزيادة وفيه زيادة مشقة؟. قوله: (كما أفاده ابن حجر الخ) حيث قال ولا يتصور الفرق بين الأفضل والأكثر إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة فإنها تقع نفلا مطلقا عند من يقول: إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات، فأما إذا فصلها فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاة اثنتي عشرة في حقه أفضل من ثمان لكونه أتى بالأفضل وزاد ا ه. أقول: وحاصله أن من قال بأن أكثرها ثماني ركعات لعدم ثبوت الزيادة عنده لو صلاها اثنتي عشرة بتسليمة لم تقع عن سنة الضحى لنيته خلاف المشروع فالأفضل عنده صلاتها ثماني ركعات، وأما على قول من يقول أكثرها اثنتا عشرة ركعة لجواز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال كما مر
24 تكون هي الأفضل، كما لو فصله كل ركعتين أو أربع بتسليمة عند الكل. وملخصه أن كون الثمانية أفضل مبني على القول بأنها أكثرها لعدم ثبوت الزيادة، وحينئذ فلا يخفى عليك ما في كلام الشارح حيث مشى على أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة وجعل أوسطها أفضل. على أنا لو قلنا إن الثمان هي الأكثر، فتقييد أفضليتها على الاثنتي عشرة بما إذا صلى الاثنتي عشر بتسليمة واحدة لتقع نفلا مطلقا لا يوافق قواعد مذهبنا، بل تقع عما نوى على قواعدنا، كما لو صلى الظهر ست ركعات مثلا وقعد على رأس الرابعة، فإن الركعتين الزائدتين لا تغير ما قبلها عن صفة الفرضية، لصحة البناء على تحريمة الفرض والنفل عندنا، ونية العدد لا تضر ولا تنفع، فإذا صلى الضحى أكثر من ثمان يقع الزائد نفلا مطلقا، لا الكل بلا فرق بين وصلها وفصلها، نعم في وصلها كراهة الزيادة على أربع بتسليمة واحدة الضحى، فلا يظهر حينئذ كون الثمان أفضل. وقد أجاب بعض الشافعية بأن أفضلية الثمان للاتباع: أي لأنها ثابتة بالأحاديث الصحيحة، فيترجح فيها الاتباع للشارع، بخلاف الزيادة لضعف حديثها، لكن يرد عليه أن صلاة الأكثر متضمنة للأوسط الذي فيه الاتباع إلا أن يبنى أيضا على القول بأن الثمان هي الأكثر. وعلى أنه لو صلاها أكثر بتسليمة تقع نفلا مطلقا، لا عما نوى، أو يقال: معناه أن كل شفع من الثمان أفضل من كل شفع من الزائد لا بالنظر إلى المجموع، فهذا غاية ما تحرر لي هنا، والله أعلم. مطلب في ركعتي السفر قوله: (ركعتا السفر والقدوم منه) عن مقطم بن المقدام قال: قال رسول الله (ص): ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا رواه الطبراني. وعن كعب بن مالك كان رسول الله (ص) لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه رواه مسلم شرح المنية. ومفاده اختصاص صلاة ركعتي السفر بالبيت، وركعتي القدوم منه بالمسجد، وبه صرح الشافعية. مطلب في صلاة الليل قوله: (وصلاة الليل) أقول: هي أفضل من صلاة النهار كما في الجوهرة ونور الايضاح، وقد صرحت الآيات والأحاديث بفضلها والحث عليها. قال في البحر: فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وروى الطبراني مرفوعا لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل وهذا يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم ا ه. قلت: قد صرح بذلك في الحلية، ثم قال فيها بعد كلام ثم: غير خاف أن صلاة الليل المحثوث عليها هي التهجد. وقد ذكر القاضي حسين من الشافعية أنه في الاصطلاح التطوع بعد النوم، وأيد بما في معجم الطبراني من حديث الحجاج بن عمرو رضي الله عنه قال: بحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد المرء يصلي الصلاة بعد رقدة غير أن في سنده ابن لهيعة وفيه مقال، لكن الظاهر رجحان حديث الطبراني الأول لأنه تشريع قولي من الشارع (ص) بخلاف هذا، وبه ينتفي ما عن أحمد من قوله: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ا ه ملخصا.
25 أقول: الظاهر أن حديث الطبراني الأول بيان لكون وقته بعد صلاة العشاء، حتى لو نام ثم تطوع قبلها لا يحصل السنة، فيكون حديث الطبراني الثاني مفسرا للأول، وهو أولى من إثبات التعارض والترجيح لان فيه ترك العمل بأحدهما، ولأنه يكون جاريا على الاصطلاح، ولأنه المفهوم من إطلاق الآيات والأحاديث، ولان التهجد إزالة النوم بتكلف مثل، تأثم: أي تحفظ عن الاثم نعم صلاة الليل وقيام الليل أعم من التهجد، وبه يجاب عما أورد على قول الإمام أحمد، هذا ما ظهر لي والله أعلم. تنبيه: ظاهر ما مر أن التهجد لا يحصل إلا بالتطوع، فلو نام بعد صلاة العشاء ثم قام فصلى فوائت لا يسمى تهجدا، وترد فيه بعض الشافعية. قلت: والظاهر أن تقييده بالتطوع بناء على الغالب وأنه يحصل بأي صلاة كانت، لقوله في الحديث المار وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل ثم اعلم أن ذكره صلاة الليل من المندوبات مشى عليه في الحاوي القدسي، وقد تردد المحقق في فتح القدير في كونه سنة أو مندوبا، لان الأدلة القولية تفيد الندب، والمواظبة الفعلية تفيد السنية، لأنه (ص) إذا واظب على تطوع يصير سنة لكن هذا بناء على أنه كان تطوعا في حقه، وهو قول طائفة. وقالت طائفة: كان فرضا عليه فلا تفيد مواظبته عليه السنية في حقنا، لكن صريح ما في مسلم وغيره عن عائشة أنه كان فريضة ثم نسخ، هذا خلاصة ما ذكره، ومفاده اعتماد السنية في حقنا، لأنه (ص) واظب عليه بعد نسخ الفرضية، ولذا قال في الحية: والأشبه أنه سنة. قوله: (وأقلها على ما في الجوهرة ثمان) قيد بقوله: على ما في الجوهرة لأنه في الحاوي القدسي قال: يصلي ما سهل عليه ولو ركعتين، والسنة فيها ثمان ركعات بأربع تسليمات ا ه. والتقييد بأربع تسليمات مبني على قول الصاحبين، وأما على قول الإمام فلا، كما ذكره في الحلية، وقال فيها أيضا: وهذا بناء على أن أقل تهجده (ص) كان ركعتين، وأن منتهاه كان ثماني ركعات أخذا مما في مبسوط السرخسي، ثم ساق تبعا لشيخه المحقق ابن الهمام الأحاديث الدالة على ما عينه في المبسوط من منتهاه، وحديث أبي داود الدال على أن أقل تهجده (ص) أربع سوى ثلاث الوتر، وتمام ذلك فيها فراجعها، لكن ذكر آخر عنه (ص) من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال المنذري: صحيح على شرط الشيخين ا ه. أقول: فينبغي القول بأن أقل التهجد ركعتان، وأوسطه أربع، وأكثره ثمان، والله أعلم. قوله: (ولو جعله أثلاثا الخ) أي لو أراد أن يقوم ثلثه وينام ثلثيه فالثلث الأوسط أفضل من طرفيه، لان الغفلة فيه أتم والعبادة فيه أثقل، ولو أراد أن يقوم نصفه وينام نصفه فقيام نصفه الأخير أفضل لقلة المعاصي فيه غالبا، وللحديث الصحيح ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ومعنى ينزل ربنا: ينزل أمره كما أوله به الخلف وبعض أكابر السلف، وتمامه في تحفة ابن حجر، وذكر أن الأفضل من الثلث الأوسط السدس الرابع والخامس، للخبر المتفق عليه أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ا ه. وبه جزم في الحلية.
26 تتمة: ذكر في الحلية أيضا ما حاصله: أنه يكره ترك تهجد اعتاده بلا عذر، لقوله (ص) لابن عمر: يا عبد الله لا تكن مثل فلإن كان يقوم الليل ثم تركه متفق عليه. فينبغي للمكلف الاخذ من العمل بما يطيقه، كما ثبت في الصحيحين، ولذا قال (ص) أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل رواه الشيخان وغيرهما. مطلب في إحياء ليالي العيدين والنصف وعشر الحجة ورمضان قوله: (وإحياء ليلة العيدين) الأولى ليلتي بالتثنية: أي ليلة عيد الفطر، وليلة عيد الأضحى. قوله: (والنصف) أي وإحياء ليلة النصف من شعبان. قوله: (والأول) أي وليالي العشر الأول الخ. وقد بسط الشرنبلالي في الامداد ما جاء في فضل هذه الليالي كلها، فراجعه، قوله: (ويكون بكل عبادة تعم الليل أو أكثره) نقل عن بعض المتقدمين، قيل هو الإمام أبو جعفر محمد بن علي أنه فسر ذلك بنصف الليل وقال: من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل وذكر في الحلية أن الظاهر من إطلاق الأحاديث الاستيعاب، لكن في صحيح مسلم عن عائشة قالت ما أعلمه (ص) قام ليلة حتى الصباح فيترجح إرادة الأكثر أو النصف، لكن الأكثر أقرب إلى الحقيقة ما لم يثبت ما يقتضي تقديم النصف ا ه. وفي الامداد: ويحصل القيام بالصلاة نفلا فرادى من غير عدد مخصوص، وبقراءة القرآن، والأحاديث وسماعها، وبالتسبيح والثناء، والصلاة والسلام على النبي (ص) الحاصل ذلك في معظم الليل، وقيل بساعة منه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما بصلاة العشاء جماعة، والعزم على صلاة الصبح جماعة، كما قالوه في إحياء ليلتي العيدين. وفي صحيح مسلم قال رسول الله (ص) من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ا ه. تتمة: أشار بقوله فرادى إلى ما ذكره بعد في متنه من قوله: ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وتمامه في شرحه، وصرح بكراهة ذلك في الحاوي القدسي. قال: وما روي من الصلوات في هذه الأوقات يصلي فرادى غير التراويح. مطلب في صلاة الرغائب قال في البحر: ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب أو في أولى جمعة منه وأنها بدعة، وما يحتاله أهل الروم من نذرها لتخرج عن النفل والكراهة فباطل ا ه. قلت: وصرح بذلك في البزازية كما سيذكره الشارح آخر الباب، وقد بسط الكلام عليها شارحا المنية، وصرحا بأن ما روي فيها باطل موضوع، وبسطا الكلام فيها، خصوصا في الحلية، وللعلامة، نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه (ردع الراغب عن صلاة الرغائب) أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة. مطلب في ركعتي الاستخارة قوله: (ومنها ركعتا الاستخارة) عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (ص) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك
27 العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة، أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله) فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، (أو قال: عاجل أمري وآجله) فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته رواه الجماعة إلا مسلما. شرح المنية. تتميم: معنى فاقدره: اقضه لي وهيئه، وهو بكسر الدال وبضمها، وقوله: أو قال عاجل أمري شك من الراوي. قالوا: وينبغي أن يجمع بينهما فيقول وعاقبة أمري وعاجله وآجله وقوله: ويسمي حاجته قال ط: أي بدل قوله: هذا الامر ا ه. قلت: أو يقول بعده: وهو كذا وكذا، وقالوا: الاستخارة في الحج ونحوه تحمل على تعيين الوقت. وفي الحلية: ويستحب افتتاح هذا الدعاء وختمه بالحمدلة والصلاة. وفي الأذكار أنه يقرأ في الركعة الأولى الكافرون، وفي الثانية الاخلاص ا ه. وعن بعض السلف أنه يزيد في الأولى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار - إلى قوله - يعلنون) * (القصص: 86 - 96) وفي الثانية * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) * (الأحزاب: 63) الآية. وينبغي أن يكررها سبعا، لما روى ابن السني يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء ا ه ملخصا. وفي شرح الشرعة: المسموع من المشايخ أنه ينبغي أن ينام على طهارة مستقبل القبلة بعد قراءة الدعاء المذكور، فإن رأى في منامه بياضا أو خضرة فذلك الامر خير، وإن رأى فيه سوادا أو حمرة فهو شر ينبغي أن يجتنب ا ه. مطلب في صلاة التسبيح قوله: (وأربع صلاة التسبيح الخ) يفعلها في كل وقت لا كراهة فيه، أو في كل يوم أو ليلة مرة، وإلا ففي كل أسبوع أو جمعة أو شهر أو العمر، وحديثها حسن لكثرة طرقه. ووهم من زعم وضعه، وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين، والطعن في ندبها بأن فيها تغييرا لنظم الصلاة إنما يتأتى على ضعف حديثها، فإذا ارتقى إلى درجة الحسن أثبتها وإن كان فيها ذلك، وهي أربع بتسليمة أو تسليمتين، يقول فيها ثلاثمائة مرة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وفي رواية زيادة ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول ذلك في كل ركعة خمسة وسبعين مرة، فبعد الثناء خمسة عشر، ثم بعد القراءة، وفي ركوعه، والرفع منه، وكل من السجدتين، وفي الجلسة بينهما عشرا عشرا بعد تسبيح الركوع والسجود. وهذه الكيفية هي التي رواها الترمذي في جامعه عن عبد الله بن المبارك أحد أصحاب أبي حنيفة الذي شاركه في العلم والزهد والورع، وعليها اقتصر في القنية وقال: إنها المختار من الروايتين. والرواية الثانية: أن يقتصر في القيام على خمسة عشر مرة بعد القراءة والعشرة الباقية يأتي بها بعد الرفع من السجدة الثانية، واقتصر عليها في الحاوي القدسي والحلية والبحر، وحديثها أشهر، لكن قال في شرح المنية: إن الصفة التي ذكرها ابن المبارك هي التي ذكرها في مختصر البحر، وهي الموافقة لمذهبنا لعدم الاحتياج فيها إلى جلسة الاستراحة إذ هي مكروهة عندنا ا ه.
28 قلت: لعله اختارها في القنية لهذا، لكن علمت أن ثبوت حديثها يثبتها وإن كان فيها ذلك، فالذي ينبغي فعل هذه مرة وهذه مرة. تتمة: قيل لابن عباس: هل تعلم لهذه الصلاة سورة؟ قال: التكاثر والعصر والكافرون والاخلاص. وقال بعضهم: الأفضل نحو الحديد والحشر والصف والتغابن للمناسبة في الاسم. وفي رواية عن ابن المبارك: يبدأ بتسبيح الركوع والسجود ثم بالتسبيحات المتقدمة. وقال المعلى: يصليها قبل الظهر. هندية عن المضمرات. وقيل لابن المبارك: لو سها فسجد هل يسبح عشرا عشرا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة. قال الملة علي في شرح المشكاة: مفهومه أنه إن سها ونقص عددا من محل معين يأتي به في محل آخر تكملة للعدد المطلوب ا ه. قلت: واستفيد أنه ليس له الرجوع إلى المحل الذي سها فيه، وهو ظاهر، وينبغي كما قال بعض الشافعية أن يأتي بما ترك فيما يليه إن كان غير قصير فتسبيح الاعتدال يأتي به في السجود، أما تسبيح الركوع فيأتي به في السجود أيضا لا في الاعتدال لأنه قصير. قلت: وكذا تسبيح السجدة الأولى يأتي به في الثانية لا في الجلسة، لان تطويلها غير مشروع عندنا على ما مر في الواجبات. وفي القنية: لا يعد التسبيحات بالأصابع إن قدر أن يحفظ بالقلب، وإلا يغمز الأصابع. ورأيت للعلامة ابن طولون الدمشقي الحنفي رسالة سماها (ثمر الترشيح في صلاة التراويح) بخطه أسند فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه يقال فيها بعد التشهد قبل السلام: اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك. اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك، وعملا أستحق به رضاك، حتى أناصحك بالتوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك، سبحان خالق النور ا ه. مطلب في صلاة الحاجة قوله: (وأربع صلاة الحاجة الخ) قال الشيخ إسماعيل: ومن المندوبات صلاة الحاجة، ذكرها في التجنيس والملتقط وخزانة الفتاوى وكثير من الفتاوى والحاوي وشر المنية. أما في الحاوي فذكر أنها ثنتا عشرة ركعة، وبين كيفيتها بما فيه كلام وأما في التجنيس وغيره، فذكر أنها أربع ركعات بعد العشاء، وأن في الحديث المرفوع يقرأ في الأولى الفاتحة مرة وآية الكرسي ثلاثا، وفي كل من الثلاثة الباقي يقرأ الفاتحة والاخلاص والمعوذتين مرة مرة: كن له مثلهن من ليلة القدر قال مشايخنا: صلينا هذه الصلاة فقضيت حوائجنا. مذكور في الملتقط والتجنيس وكثير من الفتاوى، كذا في خزانة الفتاوى. وأما في شرح المنية فذكر أنها ركعتان، والأحاديث فيها مذكورة في الترغيب والترهيب كما في البحر. وأخرج الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله (ص) من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي (ص)، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله
29 رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين ا ه أقول: وقد عقد في آخر الحلية فصلا مستقلا لصلاة الحاجة، وذكر ما فيها من الكيفيات والروايات والأدعية، وأطال وأطاب كما هو عادته رحمه الله تعالى، فليراجعه من أراده. خاتمة: ينبغي للمسافر أن يصلي ركعتين في كل منزل قبل أن يقعد كما كان يفعل (ص) نص عليه الامام السرخسي في شرح السير الكبير. وذكر أيضا أنه إذا ابتلى المسلم بالقتل يستحب أن يصلي ركعتين يستغفر الله تعالى بعدهما، ليكون آخر عمله الصلاة والاستغفار. وذكر الشيخ إسماعيل عن شرح الشرعة: من المندوبات صلاة التوبة، وصلاة الوالدين، وصلاة ركعتين عند نزول الغيث، وركعتين في السر لدفع النفاق، والصلاة حين يدخل بيته ويخرج توقيا عن فتنة المدخل والمخرج، والله أعلم. قوله: (عملا) أي تفرض من جهة العمل لا الاعتقاد أيضا، فلا يكفر جاحدها لوقوع الخلاف فيها، فعند أبي بكر الأصم وسفيان بن عيينة وغيرهما سنة. وعند الحسن البصري وزفر والمغيرة من المالكية: فرض في ركعة. وفي رواية عن مالك: فرض في ثلاث. وعند الشافعي وأحمد والصحيح من مذهب مالك: فرض في الأربع، وتمامه في الحلية. قوله: (مطلقا) أي في الأوليين أو الأخريين أو واحد وواحدة ط. قلت: وقد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي كما مر فباب الاستخلاف فيما لو استخلف مسبوقا بركعتين، وأشار له أنه لم يقرأ في الأوليين. قوله: (على المشهور) رد لما قيل إنها في الأوليين فرض، وما قيل: إنها فيهما أفضل، لكن قدمنا في واجبات الصلاة أنه لا قائل بالفرضية في الأوليين، وإنما ذلك فهمه صاحب البحر من بعض العبارات، وقدمنا تحقيقه هناك،. فافهم. قوله: (للمنفرد) أي ولو حكما كالامام، لانفراده برأيه، وكونه غير تابع لغيره، فخرج المقتدي فلا تفرض عليه القراءة في النفل ولو كان مقتديا بمفترض كما بيناه في باب الامام. قوله: (لكنه الخ) أي هذا التعليل للزوم القراءة في كل النفل قاصر: لا يعم الرباعية المؤكدة، لما قدمه المصنف من أنه لا يصلي على النبي (ص) في القعدة الأولى منها ولا يستفتح إذا قام إلى الثالثة، ولو كان كشفع منها صلاة لصلى واستفتح، وهذا الاعتراض لصاحب البحر. وقد يجاب عنه بما أشار إليه الشارح هناك من قوله: لأنها لتأكدها أشبهت الفريضة يعني أن القياس فيها ذلك، لكن لما أشبهت الفريضة روعي فيها الجانبان فأوجبوا القراءة في كل ركعاتها، والعود إلى القعدة إذا تذكرها بعد تمام القيام قبل السجود، وقضاء ركعتين فقط لو أفسدها على ما هو ظاهر الرواية كما سيأتي نظرا للأصل، ومنعوا من الصلاة والاستفتاح نظرا للشبه، كما فعلوا في الوتر. على أن كون النفل كل شفع منه صلاة ليس على إطلاقه، بل من بعض الأوجه كما مر بيانه، وإلا لزم أن لا تصح رباعية بترك القعدة الأولى منها، مع أن الاستحسان أنها تصح اعتبارا لها بالفرض، خلافا لمحمد، نعم لو تطوع بست ركعات أو ثمان بقعدة واحدة فالأصح أنه لا يجوز كما في الخلاصة، لأنه ليس في الفرائض ست يجوز أداؤها بقعدة، فيعود الامر فيه إلى القياس كما في البدائع، وسيأتي فيه
30 تصحيح خلافه أيضا. قوله: (ولزم نفل الخ) أي لزم المضي فيه، حتى إذا أفسده لزم قضائه: أي قضاء ركعتين، وإن نوى أكثر على ما يأتي، ثم هذا غير خاص بالصلاة وإن كان المقام لها. قال في شرح المنية: اعلم أن الشروع في نفل العبادة التي تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة سبب لوجوب إتمامه وقضائه إن فسد عندنا وعند مالك، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس وكثير من الصحابة والتابعين، كالحسن البصري ومكحول والنخعي وغيرهم، فخرج الوضوء وسجدة التلاوة وعيادة المريض وسفر الغزو ونحوها مما لا يجب بالنذر لكونه غير مقصود لذاته، وخرج ما لا يتوقف ابتداؤه على ما بعده في الصحة نحو الصدقة والقراءة، وكذا الاعتكاف على قول محمد، ودخل فيه الصلاة والصوم والحج والعمرة والطواف والاعتكاف على قولهما ا ه. تنبيه: ظاهر كلامهم أنه يلزم القضاء بمجرد الشروع الصحيح وإن أفسده للحال. وفي المعراج عن الصغرى: لو أفسد الصوم النفل في الحال لا يلزمه القضاء. أما لو اختار المضي ثم أفسده عليه القضاء. قلت: وهكذا في الصلاة ولو شرعت في النفل الحال لا يلزمه القضاء. أما لو اختار المضي ثم أفسده عليه القضاء. قلت: وهكذا في الصلاة ولو شرعت في النفل ثم حاضت وجب القضاء ا ه. ومثله في شرح الشيخ إسماعيل، وحمله السيد أبو السعود على النفل المظنون، وكلام القهستاني يدل عليه، وكذا كلام المنح كما يأتي. قوله: (أو بقيام الثالثة) أي وقد أدى الشفع الأول صحيحا، فإذا أفسد الثاني لزمه قضاؤه فقط، ولا يسري إلى الأول، لان كل شفع صلاة على حدة. بحر. قوله: (شروعا صحيحا) احترز به عن اقتدائه متنفلا بنحو أمي أو امرأة كما يأتي، وقوله: قصدا احترز به عما لو ظن أن عليه فرضا ثم تذكر خلافه كما يأتي. قوله: (إلا إذا شرع الخ) أي فلا يلزمه قضاء ما قطعه. ووجهه كما في البدائع أنه ما التزم إلا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها. قوله: (بعد تذكره) أي تذكر ذلك الفرض بأنه عليه لم يصله. قوله: (أو تطوعا آخر) وكذا لو أطلق بأن لم ينو قضاء ما قطعه ولا غيره. قوله: (أو في صلاة ظان) معطوف على قوله: متنفلا فهو مستثنى أيضا. وصورته كما في التاترخانية عن العيون برواية ابن سماعة عن محمد بن الحسن قال: رجل افتتح الظهر وهو يظن أنه لم يصلها، فدخل رجل في صلاته يريد به التطوع، ثم تذكر الامام أنه ليس عليه الظهر فرفض صلاته فلا شئ عليه ولا على من اقتدى به ا ه. لكن ذكر في البحر في باب الإمامة عند قوله: وفسد اقتداء رجل بامرأة وصبي، أن نفل المقتدي في هذه الصورة مضمون عليه بالافساد، حتى يلزمه قضاؤه بخلاف الامام ا ه. ويمكن الجواب بأن مراده بالافساد: إفساد المقتدي صلاته، فيلزمه القضاء بإفساده دون إفساد إمامه فلا يخالف ما تقدم، لكن المتبادر من كلام السراج أن المراد إفساد الامام فإنه قال: فلو خرج الظان منها لم يجب عليه قضاؤها بالخروج عند أصحابنا الثلاثة، ويجب على المقتدي القضاء ا ه. فإما أن يؤول أيضا بما قلنا وإلا فهو رواية ثانية غير ما مشى عليه الشارح، فافهم. قوله: (أو أمي الخ) محترز قوله: شروعا صحيحا لان الشروع في صلاة من ذكر غير صحيح، وحينئذ فلا محل
31 لاستثنائه إلا بالنظر إلى مجرد المتن، إذ ليس فيه ذلك القيد، فافهم. قال السيد أبو السعود: وينبغي في الأمي وجوب القضاء بناء على ما سبق من أن الشروع يصح صم تفسد إذا جاء أوان القراءة ا ه. قوله: (يعني وأفسده في الحال) أي حال التذكر، وهذا راجع إلى مسألة الظان فقط. قال في المنح: واحترز بقوله: قصدا عن الشروع ظنا، كما إذا ظن أنه لم يصل فرضا فشرع فيه فتذكر أنه قد صلاه صار مشرع فيه نفلا لا يجب إتمامه، حتى لو نقضه لا يجب القضاء. وفي الصغرى: هذا إذا أفسد الصوم النفل في الحال، أما إذا اختار المضي ثم أفسده فعليه القضاء. قال: وهكذا في الصلاة كذا في المجتبى ا ه. أقول: وعزاه بعض المحشين أيضا إلى شرح الجامع للتمرتاشي، لكن علل في التجنيس مسألة الصوم بأنه لما مضى عليه صار كأنه نوى المضي عليه في هذه الساعة، فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه ا ه. وحاصله أنه إذا اختار المضي على الصوم بعد التذكر وكان في وقت النية صار بمنزلة إنشاء نية جديدة فيلزمه، وهذا لا يتأتى في الصلاة، فإلحاقها بالصوم مشكل، فليتأمل. قوله: (أما لو اختار المضي) الظاهر أن ذلك يكون بمجرد القصد، وفيه ما علمته، ونقل ط عن أبي السعود عن الحموي أنه لا يكون مختارا للمضي إلا إذا قيد الركعة بسجدة. أقول: فهم الحموي ذلك من الفرق بين الصوم والصلاة الآتي قريبا، وفيه نظر فتدبر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن الامام. وعنه أنه لا يلزمه بالشروع في هذه الأوقات اعتبارا بالشروع في الصوم في الأوقات المكروهة. والفرق على الظاهر صحة تسميته صائما فيه، وفي الصلاة لا إلا بالسجود، ولذا حنث بمجرد الشروع في لا يصوم بخلاف لا يصلي كما سيأتي إن شاء الله تعالى. نهر. قوله: (إلا بعذر) استثناء من قوله: حرم أي أنه عند العذر لا يحرم إفساده، بل قد يباح، وقد يستحب، وقد يجب كما قدمه في آخر مكروهات الصلاة. ومن العذر ما إذا كان شروعه في وقت مكروه. ففي البدائع: الأفضل عندنا أن يقطعها، وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه، لأنه أداها كما وجبت، فإذا قطعها لزمه القضاء ا ه. قال في البحر: وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا عن المكروه تحريما، وليس بإبطال للعمل، لأنه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا. قوله: (ووجب قضاؤه) أي ولو قطعه بعذر ولو كان لكراهة الوقت كما علمت. قال في البحر: ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه، لأنها وجبت ناقصة، وأداها كما وجبت فيجوز، كما لو أتمها في ذلك الوقت. قوله: (وسيجئ) أي في كتاب الايمان، وذكر في البحر شيئا من أحكامه هنا فراجعه. قوله: (ويجمعها) أي النوافل التي تجب بالشروع وضابطها كل عبادة تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة كما قدمناه قريبا عن شرح المنية. قوله: ( من النوافل الخ) هذا النظم عزاه السيد أبو السعود إلى صدر الدين بن العز، وهو من النوع المسمى
32 عند المولدين بالمواليا، وبحره بحر البسيط. قوله: (قال الشارع) هو سيدنا محمد (ص) لأنه الذي شرع الاحكام، وفيه مع ما قبله الجناس التام. قوله: (طواف) أي يلزمه إتمام سبعة أشواط بالشروع فيه بمجرد النية، إلا إذا شرع فيه يظن أنه عليه كما في شرح اللباب. قوله: (عكوفه) سيذكر الشارح في باب الاعتكاف نقلا عن المصنف وغيره أن ما في بعض المعتبرات من أنه يلزم بالشروع مفرع على الضعيف: أي على رواية تقدير الاعتكاف النفل بيوم، أما على ظاهر الرواية من أن أقله ساعة فلا يلزم، بل ينتهي بالخروج من المسجد. قلت: لكن ذكر في البدائع: أن الشروع فيه ملزم بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج، فما وجب ذلك القدر فلا يلزمه أكثر منه ا ه فتأمل، نعم سنذكر في الاعتكاف عن الفتح أن اعتكاف العشر في رمضان ينبغي لزومه بالشروع. قوله: (إحرامه) قال في لباب المناسك: لو نوى الاحرام من غير تعيين حجة أو عمرة صح ولزمه، وله أن يجعله لأيهما شاء قبل أن يشرع في أعمال أحدهما ا ه. وبهذا غاير الحج والعمرة وإن استلزماه، فاندفع التكرار كما قاله ح. قوله: (وقضى ركعتين) هو ظاهر الرواية. وصحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف عن قوله أولا: بقضاء الأربع، إلى قولهما: فهو باتفاقهم، لان الوجوب بسبب الشروع لم يثبت وضعا بل لصيانة المؤدي وهو حاصل بتمام الركعتين، فلا تلزم الزيادة بلا ضرورة. بحر. قوله: (لو نوى أربعا) قيد به لأنه لو شرع في النفل ولم ينو لا يلزمه إلا ركعتان اتفاقا. وقيد بالشروع لأنه لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمه أربع بلا خلاف كما في الخلاصة، لان سبب الوجوب فيه هو النذر بصيغته وضعا. بحر. قوله: (على اختيار الحلبي وغيره) حيث قال في شرح المنية: أما إذا شرع في الأربع التي قبل الظهر وقبل الجمعة أو بعدها ثم قطع في الشفع الأول أو الثاني يلزمه قضاء الأربع باتفاق، لأنها لم تشرع إلا بتسليمة واحدة، فإنها لم تنقل عنه عليه الصلاة والسلام إلا كذلك، فهي بمنزلة صلاة واحدة، ولذا لا يصلي في القعدة الأولى ولا يستفتح في الثالثة. ولو أخبر الشفيع بالبيع وهو في الشفع الأول منها فأكمل لا تبطل شفعته، وكذا المخيرة لا يبطل خيارها، وكذا لو دخلت عليه امرأته وهو فيه فأكمل لا تصح الخلو ولا يلزمه كمال المهر لو طلقها، بخلاف ما لو كان نفلا آخر فإن هذه الأحكام تنعكس ا ه. وذكر في البحر أنه اختار الفضلي، وقال في النصاب إنه الأصح، لأنه بالشروع صار بمنزلة الفرض، لكن ذكر في البحر قبل ذلك أنه لا يجب بالشروع فيها إلا ركعتان في ظاهر الرواية عن أصحابنا لأنها نفل. قلت: وظاهر الهداية وغيرها ترجيحه. قوله: (في خلال) قيد به لأنه لو نقض بين آخر القعدة الأولى وبين القيام إلى الثالثة لا يلزمه شئ، لان الشفع الأول قد تم بالقعدة، والثاني لم يشرع فيه حينئذ. وقد ذكره المصنف بعد بقوله: ولا قضاء لو قعد قدر التشهد ثمن نقض. قوله: (أو الثاني) أي وكذا يقضي ركعتين لو أتم الشفع الأول بقعدته ثم شرع في الثاني فنقضه في خلاله قبل القعدة فيقضي الثاني فقط لتمام الأول، لكن ينبغي وجوب إعادة الأول لترك واجب السلام مع عدم انجباره بسجود سهو كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع ترك واجب، ولا يخالف ذلك كلامهم هنا، لان كلامهم
33 في لزوم القضاء وعدمه بناء على الفساد وعدمه، والإعادة هي فعل ما أدى صحيحا مع الكراهة مرة ثانية بلا كراهة. قوله: (أي وتشهد للأول) قيد لقوله أو الثاني ح. والمراد بالتشهد القعود قدر التشهد سواء قرأ التشهد أو لا، فهو من إطلاق الحال على المحل. قوله: (وإلا) أي وإن لم يتشهد للشفع الأول، ونقضه في خلال الشفع الثاني يفسد الكل، لان الشفع الأول إنما يكون صلاة إن وجدت القعدة الأولى، أما إذا لم توجد فالأربع صلاة واحدة. بحر. وذكره الشارح بقوله: أو ترك قعود أول ح. قوله: (والأصل أن كل شفع صلاة) أي فلا يلزمه بتحريمة النفل أكثر من ركعتين وإن نوى أكثر منهما، وهو ظهر الرواية عن أصحابنا. بحر. قوله: (إلا بعارض اقتداء) أي اقتداء المتطوع بمن تلزمه الأربع، كما لو اقتدى بمصلي الظهر ثم قطعها فإنه يقضي أربعا، سواء اقتدى به في أولها أو في القعدة الأخيرة، لأنه التزم صلاة الامام وهي أربع. بحر ونهر عن البدائع: قوله: (أو نذر) أي لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمته بلا خلاف كما قدمناه عن البحر. وعلله في النهاية عن المبسوط بأنه نوى ما يحتمله لفظه لتناول اسم الصلاة للركعتين والأربع، فكأنه قال: لله علي أن أصلي أربع ركعات ا ه. وقد مر قبيل قوله وركعتان قبل الصبح أنه لو نذر أربعا بتسليمة فصلاها بتسليمتين لا يخرج عن النذر، بخلاف عكسه. ومفاد ما هنا أن نذر الأربع يكفي في لزومها وإن لم يقيدها بتسليمة، فلا يخرج عن عهدة النذر بصلاتها بتسليمتين. قوله: (أو ترك قعود أول) لان كون كل شفع صلاة على حدة يقتضي افتراض القعدة عقيبه فيفسد بتركها كما هو قول محمد، وهو القياس، لكن عندهما: لما قام إلى الثالثة قبل القعدة فقد جعل الكل صلاة واحدة شبيهة بالفرض وصارت القعدة الأخيرة هي الفرض وهو الاستحسان، وعليه فلو تطوع بثلاث بقعدة واحدة كان ينبغي الجواز اعتبارا بصلاة المغرب، لكن الأصح عدمه لأنه قد فسد ما اتصلت به القعدة وهو الركعة الأخيرة، لان التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها. ولو تطوع بست ركعات بقعدة واحدة، قيل يجوز، والأصح لا، فإن الاستحسان جواز الأربع بقعدة اعتبارا بالفرض، وليس في الفرض ست ركعات تؤدي بقعدة، فيعود الامر إلى أصل القياس كما في البدائع. [مب] مبحث: المسائل الستة عشرية [/ مب] تنبيه: ينبغي أن يستثنى أيضا من الأصل المذكور المؤكدة بناء على اختيار الحلبي وغيره. قوله: (كما يقضي ركعتين الخ) شروع في مسائل فساد النفل الرباعي بترك القراءة بعد ذكر فساده بغيره، وهي المسائل الملقبة بالثمانية، وبالستة عشرية، والأصل فيها أن صحة، الشروع في الشفع الأول بالتحريمة وفي الثاني بالقيام إليه مع بقاء التحريمة، والتحريمة لا تبقى عند أبي حنيفة مع ترك القراءة في ركعتي الشفع الأول فلا يصح الشروع في الشفع الثاني حتى لا يلزمه قضاؤه بإفساده، بل يقضي الأول فقط لفساد أدائه بترك القراءة، بخلاف الترك في ركعة فإنه يفسد الأداء دون التحريمة، حتى وجب قضاء الشفع الأول كالترك في الركعتين، وصح الشروع في الثاني. وعند محمد وزفر: الترك في ركعة من الشفع مفسد للتحريمة والأداء كالترك في ركعتين، فلا يصح شروعه في الثاني فلا يلزمه قضاؤه بإفساده، بل قضاء الأول فقط. وعند أبي يوسف: الترك في ركعة أو ركعتين يفسد الأداء فقط، والتحريمة باقية فيصح شروعه في الثاني مطلقا.
34 والحاصل أن التحريمة لا تفسد عند أبي يوسف بترك القراءة مطلقا، وتفسد عند محمد وزفر بتركها مطلقا. وعند الامام تفسد بتركها أصلا: أي في الركعتين لا في ركعة، ويجمع الأقوال قول الإمام النسفي: تحريمة النفل لا تبقى إذا تركت * فيها القراءة أصلا عند نعمان والترك في ركعة قد عده زفر * كالترك أصلا وأيضا شيخ شيبان وقال يعقوب تبقى كيفما تركت * فيها القراءة فاحفظه بإتقان قوله: (في شفعيه) فيقضي الشفع الأول عندهما لبطلان التحريمة وعدم صحة الشروع في الثاني، ويقضي أربعا عند أبي يوسف لبقائها عنده وإفساده الأداء في الشفعين بترك القراءة. قوله: (في الأول فقط) أي فيقضي ركعتين إجماعا، أما عندهما فلفساد التحريمة وعدم صحة الشروع في الثاني، وأما عند أبي يوسف فإنه وإن صح الشروع فيه فإنه لم يفسد لوجود القراءة فيه، فيقضي الأول فقط. قوله: (أو الثاني) أي فيقضيه فقط إجماعا لصحة الأول وصحة الشروع في الثاني، وفساد أدائه بترك القراءة فيه. قوله: (أو إحدى ركعتي الثاني) أي فيقضيه فقط إجماعا أيضا لما قلنا: وتحته صورتان، لان الواحدة إما أولى الثاني أو ثانيته. قوله: (أو إحدى ركعتي الأول) فيه صورتان أيضا: أي فيلزمه قضاؤه فقط إجماعا أيضا لافساده بترك القراءة في ركعة منه ولفساد التحريمة، وعدم صحة الشروع في الثاني عند محمد، ولبقائها مع صحة أداء الثاني عندهما. قوله: (أو الأول وإحدى الثاني) تحته صورتان أيضا: أي لو ترك القراءة في الشفع الأول وفي ركعة من الثاني: أي أولاه أو ثانيته يقضي الشفع الأول عند الامام ومحمد، لفساد التحريمة، وعدم صحة الشروع في الثاني. وعند أبي يوسف: يقضي أربعا لصحة الشروع في الثاني، وإفساد الأداء فيهما بترك القراءة، قوله: (لا غير) يحتمل أنه قيد لقوله: وإحدى الثاني ويحتمل كونه قيدا لهذه الصور: أي يقضي ركعتين في هذه الصور المذكورة لا في غيرها مما سيأتي. ويحتمل كونه قيد الركعتين: أي يقضي ركعتين لا غير في جميع ما مر. قوله: (لان الأول الخ) تعليل للزوم قضاء ركعتين لا غير على قول الإمام في جميع هذه الصورة بالإشارة إلى أصله فيها، وهو أنه إذا بطل الشفع الأول بترك القراءة فيه أصلا لا يصح بناء الشفع الثاني عليه لفساد التحريمة، ومفهومه أنه إذا لم يبطل الأول يصح بناء الثاني عليه، ومعلوم أن ترك القراءة في ركعة أو في ركعتين بعد صحة الشروع مفسد للأداء وموجب للقضاء، فأفاد بمنطوق التعليل المذكور وجه قضاء ركعتين لا غير في قول المصنف لو ترك القراءة في شفعيه وقوله: أو تركها في الأول وقوله أو الأول وإحدى الثاني لأنه في هذه الصور كلها قد أفسد الشفع الأول بترك القراءة فيه أصلا فبطلت التحريمة ولم يصح بناء الشفع الثاني عليه، وحيث لم يصح بناؤه لم يلزمه قضاؤه، بل لزمه قضاء الأول لا غير. وأفاد بمفهوم التعليل المذكور وجه قضاء ركعتين لا غير في باقي الصور، وهي قول المصنف أو الثاني أو إحدى الثاني أو إحدى الأول فإنه في هذه الصور لم يبطل الشفع الأول عند الامام فبقيت التحريمة وصح شروعه في الثاني، لكنه لما ترك القراءة فيه أو في ركعة منه لزمه قضاؤه فقط، ولما ترك القراءة في ركعة من الأول فقط لزمه قضاؤه فقط لصحة بناء الثاني وصحة أدائه، فافهم. قوله: (فهذه تسع صور) لان المذكور صريحا في
35 كلام المصنف ست، ولكن لفظ إحدى في المواضع الثلاث يصدق على الركعة الأولى من الشفع أو الثانية فتزيد ثلاث صور أخرى. قوله: (لو ترك القراءة في إحدى كل شفع) أي في ركعتين من شفعين كل ركعة من شفع بأن تركها في الأولى مع الثالثة أو الرابعة، أو في الثانية مع الثالثة أو الرابعة، فهذه أربع، وقوله: وإحدى الأول فيه صورتان، لأن هذه الوحدة إما أولاه أو ثانيته، ففي هذه الست يقضي أربعا عندهما، وركعتين فقط عند محمد بناء على أصله المار من فساد التحريمة بترك القراءة في ركعة من الشفع الأول، وفي هذه الست قد وجد ذلك، فلم يصح عنده الشروع في الشفع الثاني منها، وأما عندهما فلا تفسد التحريمة بذلك فصح الشروع، فلزم قضاء كل من الشفعين لإفساد أدائهما، وكون الواجب قضاء أربع ركعات في الصور الأربع الأول عند أبي حنيفة موافق لاصله المار، لكن أنكر أبو يوسف على محمد رواية ذلك عن أبي حنيفة وقال: رويت لك عنه أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد لم يرجع عن رواية ذلك عنه، ونسب أبا يوسف إلى النسيان. وما رواه محمد هو ظاهر الرواية، واعتمده المشايخ، وهذه إحدى مسائل ست رواها محمد في الجامع الصغير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وأنكرها أبو يوسف، وتمامه في البحر. قوله: (وبصورة القراءة في الكل) أي كل الركعات، وإنما لم يذكروها لأنها صحيحة، والكلام فيما يلزم قضاؤه للفساد بترك القراءة، لكن هذه الصورة هي تتمة القسمة العقلية، لأنه لا يخلو إما أن يكون قرأ في الأربع أو تر ك في الأربع أو في ثلاث، وتحته أربع صور فهذه ست، أو ترك في ركعتين: أي في الأولى مع الثانية أو مع الثالثة أو مع الرابعة، أو في الثانية مع الثالثة أو مع الرابعة، أو في الثالثة مع الرابعة، فهذه ست أيضا، أو ترك في واحدة فقط وتحته أربع، فهذه ست عشرة صورة. وقد رسمتها في جدول على هذا الترتيب مشيرا إلى القراءة بالقاف، وإلى عدمها بلا، وإلى عدد ما يجب قضاؤه في جانب كل صورة بالعدد الهندي على مذاهب أئمتنا الثلاث بالترتيب على أصولهم المارة، فإن كنت أتقنتها يسهل عليك استخراجها، وصورته هكذا: قوله: (لكن بقي ما إذا لم يقعد) صورتها قرأ في الأوليين ولم يقعد القعدة الأولى وأفسد، الأخريين. وحكمها أنه يقضي أربعا إجماعا، كذا في النهر. وقد ذكره الشارح مرتين: الأولى قوله: أي وتشهد للأول وإلا يفسد الكل الثانية قوله: أو ترك قعود أول ح. قلت: والمراد إفساد الأخريين بترك القراءة لان الكلام فيه، وقد أشار الشارح إلى أن ما مر من قضاء ركعتين أو أربع مفروض فيما إذا قعد على رأس الركعتين، وإلا فعليه قضاء الأربع اتفاقا، لأنه إذا لم يقعد يسري فساد الشفع الثاني إلى الأول كما نبه عليه في البحر تبعا للعناية. قوله: (أو قعد ولم يقم لثالثة) صورتها: ترك القراءة ولم يقم. وحكمها أنه يقضي ركعتين، كذا في النهر ح. قوله: (أو قام ولم يقيدها بسجدة) صورتها: ترك القراءة في الشفع الأول ثم قام إلى الركعة الثالثة ثم أفسدها قبل أن يقيد الثالثة بسجدة، فحكمها أنه يقضي ركعتين عندهما. وعند أبي يوسف أربعا، كذا في النهر، ومثله ما إذا أفسدها بعد التقييد بسجدة ح. أقول: وما نقله في هذه المواضع عن النهر موجود فيه وكأنه ساقط من نسخة ط.
36 ثم اعلم أن استدراك الشارح بذكر المسألتين الأخيرتين لا محل له هنا، لان الكلام في إفساد أحد الشفعين من الرباعية أو كل منهما بترك القراءة، أما إفساده بما سوى ذلك فهو ما ذكره المصنف قبل بقوله: وقضى ركعتين لو نوى أربعا الخ كما نبهنا عليه هناك، وهاتان المسألتان داخلتان فيه، فتأمل. قوله: (فتنبه) لعله أمر بالتنبه إشارة إلى ما قررناه. قوله: (وميز المتداخل) المراد به ما اختلفت صورته واتحد حكمه وهي عبارة العناية، حيث جعل سبعا من الصور داخلة في الثمانية الباقية، وذلك لان المذكور في المتن ثماني صور، ست يلزم فيها ركعتان، واثنتان يلزم فيهما أربع، لكن الست الأولى تسع في التفصيل والاثنتان ست، فهي خمس عشرة ا ه ح. قوله: (وحكم مؤتم الخ) صورته: رجل اقتدى متنفلا بمتنفل في رباعي، فقرأ الامام في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، فكما يلزم الامام قضاء الأربع كذلك يلزم المؤتم ولو اقتدى به في التشهد، وقس على ذلك ح. قوله: (وقعد قدر التشهد) أي وقرأ في الركعتين. قوله: (أو شرع ظانا الخ) تصريح بمفهوم قوله سابقا شرع فيه قصدا كما أفاده المصنف ط. قوله: (غير مضمون) أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده في الحال، أما لو اختار المضي عليه ثم أفسده لزمه قضاؤه كما قدمه الشارح وقدمنا الكلام عليه، وكذا لا يجب القضاء على من اقتدى به فيه متطوعا كما في التاترخانية، وقدمنا الكلام فيه أيضا. قوله: (لأنه شرع مسقطا الخ) أي لان من ظن أن عليه فرضا يشرع فيه لاسقاط ما في ذمته لا لالزام نفسه بصلاة أخرى، فإذا انقلبت صلاته نفلا بتذكر الأداء كانت صلاة لم يلتزمها فلا يلزمه قضاؤها لو أفسدها. قوله: (أو صلى أربعا) أي وقرأ في الكل ح. قوله: (فأكثر) هذا خلاف الأصح كما قدمناه عن البدائع والخلاصة. وفي التاترخانية: لو صلى التطوع ثلاثا ولم يقعد على الركعتين، فالأصح أنه يفسد، ولو ستا أو ثمانيا بقعدة واحدة اختلفوا فيه والأصح أنه يفسد استحسانا وقياسا ا ه. لكن صححوا في التراويح أنه لو صلاها كلها بقعدة واحدة وتسليمة أنها تجزئ عن ركعتين، فقد اختلف التصحيح. قوله: (استحسانا) والقياس فساد الشفع الأول كما هو قول محمد، بناء على أن كل شفع صلاة فتكون القعدة فيه فرضا. قوله: (فتبقى واجبة الخ) أي كما في نظيره من الفرض الرباعي، فإن القعدة الأولى فيه واجبة لا يبطل بتركها، والفريضة التي يبطل بتركها إنما هي الأخيرة. قوله: (وفي التشريح) في
37 بعض النسخ الترشيح بتقديم الراء على الشين، وفي بعضها التوشيح بالواو بدل الراء وهو المشهور: اسم كتاب شرح الهداية للسراج الهندي. قوله: (صح خلافا لمحمد) لأنه يقول بفساد الشفع بترك قعدته كما هو القياس وقد مر، لكن قوله: صح مبني على أن ما زاد على الأربع كالأربع في جريان الاستحسان فيه وهو قول لبعض المشايخ، وقد علمت اختلاف التصحيح فيه. قوله: (ويسجد للسهو) سواء ترك القعدة عمدا أو سهوا، نعم في العمد يسمى سجود عذر. ح عن النهر، وسيأتي أن المعتمد عدم السجود في العمد ط. قوله: (ولا يثني ولا يتعوذ) لأنهما لا يكونا إلا في ابتداء صلاة، والشفع لا يكون صلاة على حدة إلا إذا قعد للأول، فلما لم يقعد جعل الكل صلاة واحدة ح. قوله: (ويتنفل الخ) أي في غير سنة الفجر في الأصح كما قدمه المصنف بخلاف سنة التراويح لأنها دونها في التأكد، فتصح قاعدا وإن خالف المتوارث وعمل السلف كما في البحر، ودخل فيه النفل المنذور فإنه إذا لم ينص على القيام لا يلزمه القيام في الصحيح، كما في المحيط. وقال فخر الاسلام: إنه الصحيح من الجواب، وقيل يلزمه واختاره في الفتح. نهر. قوله: (قاعدا) أي على أي حلة كانت، وإنما الاختلاف في الأفضل كما يأتي. قوله: (لا مضطجعا) وكذا لو شرع منحنيا قريبا من الركوع لا يصح. بحر. وما ذكره من عدم صحة التنفل مضطجعا عندنا بدون عذر، نقله في البحر عن الأكمل في شرحه على المشارق، وصرح به في النتف. وقال الكمال في الفتح لا أعلم الجواز في مذهبنا، وإنما يسوغ في الفرض حالة العجز عن القعود، لكن ذكر في الامداد أن في المعراج إشارة إلى أن في الجواز خلافا عندنا كما عند الشافعية. قوله: (ابتداء وبناء) منصوبان على الظرفية الزمانية لنيابتهما عن الوقت: أي وقت ابتداء ووقت بناء ط. قوله: (وكذا بناء الخ) فصله بكذا لما فيه من خلاف الصاحبين. قال في الخزائن: ومعنى البناء أن يشرع قائما ثم يقعد في الأولى أو الثانية بلا عذر استحسانا، خلافا لهما. وهل يكره عنده؟ الأصح لا. وأما القعود فالشفع الثاني فينبغي جوازه اتفاقا، كما لو شرع قاعدا ثم قام، كذا قاله الحلبي وغيره ا ه. وكتب عند قوله: الأصح لا في هامشه: فيه رد علي الدرر والوقاية والنقاية وغيرها، حيث جزموا بالكراهة. قوله: (في الأصح) راجع إلى قوله: بلا كراهة كما علمته، فافهم. قوله: (كعكسه) وهو ما لو شرع قاعدا ثم قام فإنه يجوز اتفاقا، وهو فعله (ص) كما روت عائشة أنه كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام الخ وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية. والتجنيس: الأفضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة، ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز، وإن لم يستو قائما وركع لا يجزيه، لأنه لا يكون ركوعه قائما ولا ركوعا قاعدا ا ه بحر. قوله: (وفيه) أي في البحر. قوله: أجر غير النبي (ص)) أما النبي (ص) فيه خصائصه أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدا، قال: أجل ولكني لست كأحد منكم بحر ملخصا: أي لأنه تشريع لبيان الجواز وهو واجب عليه
38 قوله: (على النصف إلا بعذر) أما مع العذر فلا ينقص ثواب عن ثوابه قائما، لحديث البخاري في الجهاد إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا فتح. وحكى في النهاية الاجماع عليه. وتعقبه في البحر بحكاية النووي عن بعضهم أنه على النصف مع العذر أيضا، ثم نقل عن المجتبى أن إيماء العاجل أفضل من صلاة القائم، لأنه جهد المقل. قال: ولا يخفى ما فيه، بل الظاهر المساواة كما في النهاية ا ه. لكن ذكر القهستاني ما في المجتبى، ثم قال: لكن في الكشف أنه قال الشيخ أبو معين النسفي: جميع عبادات أصحاب الاعذار كالمومي وغيره تقوم مقام العبادات الكاملة في حق إزالة المأثم لا في حق إحراز الفضيلة ا ه. أقول: وهو موافق لقول البعض المار، ويؤيده حديث البخاري من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد فإن عموم من يدخل فيه العاجز، ولان الصلاة نائما لا تصح عندنا بلا عذر، وقد جعل له نصف أجر القاعد، وفي هذا المقام زيادة كلام يطلب ما علقناه على البحر. قوله: (ولا يصلي الخ) هذا اللفظ رواه ابن أبي شيبة عن عمر. وظاهر كلام محمد أنه عن النبي (ص)، ومحمد أعلم بذلك منا. فتح. قوله: (في القراءة الخ) لما كان ظاهر الحديث غير مراد إجماعا لان الظهر والعصر يصليان بعد سنتهما وجب حمله على أخص الخصوص، ففي الجامع الصغير: أراد لا يصلي بعد الظهر نافلة ركعتين منها بقراءة وركعتين بغير قراءة لتكون مثل الفرض. وقال فخر الاسلام: لو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء الصلاة عند توهم الفساد لكان صحيحا نهر. وما ذكره عن فخر الاسلام نقله في البحر أيضا عن شرح الجامع الصغير لقاضيخان. ثم قال في البحر: فالحاصل أن تكرار الصلاة إن كان مع الجماعة في المسجد على هيئته الأولى فمكروه، وإلا فإن كان في وقت يكره التنفل فيه بعد الفرض فمكروه كما بعد الصبح والعصر، وإلا فإن كان لخلل في المؤدى: فإن كان ذلك الخلل محققا إما بترك واجب أو بارتكاب مكروه فغير مكروه بل واجب، كما صرح به في الذخيرة وقال: إنه لا يتناوله النهي، وإن كان ذلك الخلل غير محقق بل نشأ من وسوسة فهو مكروه ا ه. قوله: (للنهي) علة لقوله: ولا يصلي الخ والنهي هو لفظ الحديث المذكور. قوله: (وما نقل الخ) جواب عن سؤال وارد على الوجه الثالث، فإن هذا المنقول ينافي حمل النهي عليه، إذ يبعد أن يكون ما صلاه الامام أولا مشتملا على خلل محقق من مكروه أو ترك واجب، بل الظاهر أنه أعاد ما صلاه لمجرد الاحتياط وتوهم الفساد، فينافي حمل النهي في مذهبه على الوجه الثالث. والجواب أولا أنه لم يصح نقل ذلك عن الامام، وثانيا أنه لو صح نقول: إنه كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات كما نقله في البحر عن مآل الفتاوى: أي ويكون حينئذ إعادة الصلاة لمجرد توهم الفساد غير مكروه، ويكون النهي محمولا على غير هذا الوجه، لكن لما كانت الصلاة على هذا محتملة لوقوعها نفلا والتنفل بالثلاث مكروه نقول: إنه كان يضم إلى المغرب
39 والوتر ركعة، فعلى احتمال صحة ما كان صلاة أو لا تقع هذه الصلاة نفلا، وزيادة القعدة على رأس الثالثة لا تبطلها، وعلى احتمال فساده تقع هذه فرضا مقضيا وزيادة ركعة عليها لا تبطلها، وقد تقرر أن ما دار بين وقوعه بدعة وواجبا لا يترك، بخلاف ما دار بين وقوعه سنة وواجبا (1) لكن لا يخفى عليك أن الجواب عن الايراد هو الأول، وأما الثاني فهو مقرر له، لكنه لا يجدي لعدم ثبوت صحة النقل، فالوجه حينئذ كراهة القضاء لتوهم الفساد كما قاله فخر الاسلام قاضيخان، فكان ينبغي للشارح الاقتصار على الأول، لكن رأيت في فصل قضاء الفوائت من التاترخانية أن الصحيح جواز هذا القضاء إلا بعد صلاة الفجر والعصر، وقد فعله كثير من السلف لشبهة الفساد ا ه. وعلى هذا لا يصح حمل الحديث على الوجه الثالث. قوله: (ويقعد في كل نفله الخ) أي لا في حالة التشهد فقط، وهذه المسألة من تتمة السابقة، فكان ينبغي ذكره قبل قوله: ولا يصلي الخ. قوله: (كما في التشهد) أي تشهد جميع الصلوات، وأشار به إلى أنه لا خلاف في حالة التشهد كما في البحر. قوله: (على المختار) وهو قول زفر ورواية عن الامام. قال أبو الليث: وعليه الفتوى. وروي عن الامام تخييره بين القعود والتربع والاحتباء، وتمامه في البحر. وأفاد في النهر أن الخلاف في تعيين الأفضل وأنه لا شك في حصول الجواز على أي وجه كان. تنبيه: قيل ظاهر القول المختار أنه في حال القراءة يضع يديه على فخذيه كما في حال التشهد، لكن تقدم في كلام الشارح في فصل إذا أراد الشروع عند قوله: ووضع يمينه على يساره الخ عن مجمع الأنهر أن المراد من القيام ما هو الأعم، لان القاعد يفعل كذلك: أي يضع يمينه على يساره تحت سرته. وفي حاشية المدني: ويؤيده قول منلا علي القاري عند قول النقاية في كل قيام: أي حقيقي أو حكمي، كما إذا صلى قاعدا. مطلب في الصلاة على الدابة قوله: (ويتنفل المقيم راكبا الخ) أي بلا عذر، أطلق النفل فشمل السنن المؤكدة إلا سنة الفجر كما مر وأشار بذكر المقيم إلى أن المسافر كذلك بالأولى، واحترز بالنفل عن الفرض والواجب بأنواعه كالوتر والمنذور وما لزم بالشروع والافساد وصلاة الجنازة وسجدة تليت على الأرض فلا يجوز على الدابة بلا عذر لعدم الحرج كما في البحر. قوله: (راكبا) فلا تجوز صلاة الماشي بالاجماع. بحر عن المجتبى. قوله: (خارج المصر) هذا هو المشهور: وعندهما يجوز في المصر، لكن بكراهة عند محمد لأنه يمنع من الخشوع، وتمامه في الحلية: قوله: (محل القصر) بالنصب بدل من خارج المصر. وفائدته شمول خارج القرية وخارج الأخبية ح: أي المحل الذي يجوز للمسافر قصر الصلاة فيه، وهو الصحيح. بحر. وقيل إذا جاوز ميلا، وقيل فرسخين أو ثلاثة. قهستاني. قوله: (مومئا) بالهمز في آخره أكثر من الياء. قال في المغرب تقول: أومأت إليه لا أوميت، وقد تقول العرب: أومى بترك الهمزة. قوله: (فلو سجد) أي على شئ وضعه عنده أو
(1) قوله: (بين وقوعه سنة وواجبا) ولعل الصواب بدعة بدل واجبا تأمل ا ه. 40 على السرج اعتبر إيماء بعد أن يكون سجوده أخفض. قوله: (إلى أي جهة توجهت دابته) فلو صلى إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة. بحر عن السراج. قوله: (ولو ابتداء عندنا) يعني أنه لا يشترط استقبال القبل في الابتداء، لأنه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها. بحر. واحترز عن قول الشافعي رحمه الله تعالى، فإنه يقول: يشترط في الابتداء أن يوجهها إلى القبلة كما في الشرنبلالية ح. قلت: وذكر في الحلية عن غاية السروجي أن هذا رواية ابن المبارك ذكرها في جوامع الفقه، ثم ذكر بعد سياقه الأحاديث أن الأشبه استحباب ذلك عند عدم الحرج عملا بحديث أنس، ثم قال: على أن ابن الملقن الشافعي قال: وعند أبي حنيفة وأبي ثور يفتتح أولا إلى القبلة استحبابا ثم يصلي كيف شاء ا ه. قوله: (أو على سرجه الخ) مثله الركاب والدابة للضرورة، وهو ظاهر المذهب، وهو الأصح، بخلاف ما إذا كانت عليه نفسه، فإنه لا ضرورة إلى إبقائها، فسقط ما في النهر من أن القياس يقتضي عدم المنع بما عليه ا ه ط. قلت: وعليه فيخلع النعل النجس. قوله: (ولو سيرها الخ) ذكره في النهر بحثا أخذا من قولهم: إذا حرك رجله أو ضرب دابته فلا بأس به إذا لم يكن كثيرا. قلت: ويدل له أيضا ما في الذخيرة: إن كانت تنساق بنفسها ليس له سوقها، وإلا فلو ساقها هل تفسد؟ قال، إن كان معه سوط فهيبها به ونخسها لا تفسد صلاته. قوله: (ثم نزل) أي بعمل قليل، بأن ثنى رجله فانحدر من الجانب الآخر. فتح. قوله: (وفي عكسه) بأن رفع فوضع على الدابة. فتح قوله: (لان الأول الخ) وذلك لان إحرام الراكب انعقد مجوزا الركوع والسجود لقدرته على النزول، فإذا أتى بهما صح، وإحرام النازل انعقد موجبا لهما فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر. بحر. قوله: (أتم على الدابة) لأنه صح شروعه فيها راكبا، فصار كما إذا افتتحها ثم تغيرت الشمس فإنه يتمها هكذا. تجنيس. قوله: (وعليه الأكثر) عبر في البحر وغيره بالكثير. وذكر الرحمتي أن الأول مبني على قولهما بجوازها في المصر. والثاني على قوله بقرينة قوله في التجنيس في فصل القهقهة: ولو افتتح صلاة التطوع خارج المصر راكبا ثم دخل المصر ثم قهقه لا وضوء عليه عند أبي حنيفة. وعند أبي يوسف: عليه اعتبارا للابتداء بالانتهاء ا ه. قوله: (ويبني قائما الخ) أي إذا نزل في مسألتي المتن. قوله: (ولو ركب الخ) أعاد مسألة المتن السابقة ليذكر لها تعليلا آخر، لكن ذكر في البحر أنه رده في غاية البيان، بأن لو رفع المصلي ووضع على السرج لا يبني، مع أن العمل لم يوجد فضلا عن العمل الكثير ا ه. وحمل المحشي كلام الشارح على صورة ما إذا افتتح راكبا ثم نزل: أي فإنه إذا ركب بعد ذلك تفسد صلاته، لان الركوب عمل كثير. قال: فعلى هذا لو حمله شخص ووضعه على الدابة لا تفسد لأنه لم يوجد منه العمل ا ه. قلت: لكن قوله: لا تفسد يحتاج إلى نقل فليراجع. وأيضا فقول الشارح بخلاف النزول لا
41 محل له على هذا الحمل، فتأمل. قوله: (وعلى صلى على دابة الخ) شروع في صلاة الفرض والواجب على الدابة كما سينبه عليه بقوله: هذا كله في الفرائض. واعلم أن ما عدا النوافل من الفرض والواجب بأنواعه لا يصح على الدابة إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وخوف سبع وطين ونحوه مما يأتي، والصلاة على المحمل الذي على الدابة كالصلاة عليها فيومئ عليها بشرط إيقافها جهة القبلة إن أمكنه، وإلا فبقدر الامكان. وإذا كانت تسير لا تجوز الصلاة عليها إذا قدر على إيقافها وإلا بأن كان خوفه من عدو يصلي كيف قدر كما في الامداد وغيره، ولا إعادة عليه إذا قدر بمنزلة المريض. خانية. واستفيد من التقييد بالايماء أنه لا اعتبار بالركوع والسجود، ولذا نقل الشيخ إسماعيل عن المحيط: لا تجوز على الجمل الواقف أو البارك وإن صلى قائما إلا أن يكون عند الخوف في المفازة بالايماء ا ه. قوله: (بنفسه) احتراز عما إذا لم يقدر إلا بمعين، لان قدرة الغير لا تعتبر كما سيأتي، لكن في شرح الشيخ إسماعيل عن المجتبى: وإن لم يقدر على القيام أو النزول عن دابته أو الوضوء إلا بالإعانة وله خادم يملك منافعه يلزمه في قولهما. وفي قول أبي حنيفة نظر. والأصح اللزوم في الأجنبي الذي يطيعه كالماء الذي يعرض للوضوء ا ه. ويأتي تمام الكلام فيه. قوله: (إذا كانت واقفة) وكذا لو سائرة بالأولى، وإنما قيد به لقوله: إلا أن تكون عيدان المحمل الخ كما نص عليه الشرنبلالي ط. قوله: (عيدان المحمل) أي أرجله التي كأرجل التي كأرجل السرير. قوله: (بأن ركز تحته خشبة) الأولى التعبير بالكاف فإنه تنظير لا تصوير ط. وهذا لو بحيث يبقى قرار المحمل على الأرض لا على الدابة فيصير بمنزلة الأرض. زيلعي. فتصح الفريضة فيه قائما كما في نور الايضاح. قوله: (على العجلة) هي ما يؤلف مثل المحفة يحمل عليها الأثقال. مغرب. قوله: (أو لا تسير) كذا في الزيلعي والخانية، ومثله في البحر عن الظهيرية. قوله: (فهي صلاة على الدابة) أما إذا كانت تسير فظاهر، وأما إذا كانت لا تسير وكانت على الأرض وطرفها على الدابة فمشكل، لأنها ف حكم المحمل إذا ركز تحته خشبة، فتكون كالأرض. وقد يفرق بأنها إذا كانت أحد طرفيها على الأرض والآخر على الدابة لم يصر قرارها على الأرض فقط بل عليها وعلى الدابة، بخلاف المحمل لأنه إنما تصح الصلاة عليه إذا كان قراره على الأرض فقط بواسطة الخشبة لا على الدابة. تأمل. وسيأتي ما لو كان كلها على الأرض. قوله: (المذكور في التيمم) بأن يخاف على ماله أو نفسه، أو تخاف المرأة من فاسق ط. قوله: (لا في غيرها) أي في غير حالة العذر ح. قوله: (وطين يغيب فيه الوجه) أي أو يلطخه أو يتلف ما يبسط عليه، أما مجرد نداوة فلا تبيح له ذلك، والذي لا دابة له يصلي قائما في الطين بالايماء، كما في التجنيس والمزيد. إمداد.
42 مطلب في القادر بقدرة غيره قوله: (لان قدرة الغير لا تعتبر) أي عنده. وعندهما تعتبر كما في البحر. وفي الخانية والكافي: ولو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين، أو كان شيخا كبيرا لو نزل لا يمكنه أن يركب ولا يجد من يعينه تجوز الصلاة على الدابة ا ه. وظاهر المسألة الأولى أنها على قوله: وظاهر الثانية أنها على قولهما إلا أن يرجع قوله: ولا يجد من يعينه إلى المسألتين فيكون كل منهما عن قولهما. تأمل. وقدمنا قريبا عن المجتبى أن الأصح عنده لزوم النزول لو وجد أجنبيا يطيعه فهو حينئذ بالاتفاق، وهو مقتضى ما قدمناه أيضا في باب التيمم من أن العاجز عن استعمال الماء بنفسه لو وجد من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لزمه الوضوء اتفاقا، وكذا غيره ممن لو استعان به أعانه كزوجته في ظاهر المذهب، بخلاف العاجز عن استقبال القبلة أو التحول عن الفراش النجس فإنه لا يلزمه عنده. والفرق أنه يخاف عليه زيادة المرض في إقامته وتحويله لا في الوضوء، إلى آخر ما ذكرناه هناك، فراجعه مع ما سنذكره في باب صلاة المريض. وعلى هذا فلا خلاف في لزوم النزول عن الدابة والصلاة على الأرض لمن وجد معينا يطيعه ولم يكن مريضا يلحقه بنزوله زيادة مرض. وأما ما في الخانية وغيرها من أنه لو حمل امرأته إلى القرية لها أن تصلي على الدابة، إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول ا ه. وهذا محمول على ما إذا لم ينزلها زوجها، بقرينة ما في المنية من أن المرأة إذا لم يكن معها محرم تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول ا ه. وهذا أولى مما في البحر من تفريع ما في الخانية على قوله، وما في المنية على قولهما، لكونه خلاف الظاهر ولمخالفته لما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (حتى لو كان الخ) تفريع على العذر لا على مسألة القدرة بقدر الغير إلا بتكلف. تأمل. ثم اعلم أن هذه المسألة وقعت لصاحب البحر في سفر الحج مع أمه، وذكر أنه لم ير حكمها وأنه ينبغي الجواز ولم أر من تعقبه، وكتبت فيما علقته عليه أنه قد يقال بخلافه، لان الرجل هنا قادر على النزول والعجز من المرأة قائم فيها لا فيه، إلا أن يقال: إن المرأة إذا لم تقدر على الركوب وحدها يلزم منه سقوط المحمل أو عقر الدابة أو موت المرأة، فهو عذر راجع إليه كخوفه على نفسه أو ماله. تنبيه: بقي شئ لم أر من ذكره، وهو أن المسافر إذا عجز عن النزول عن الدابة لعذر من الاعذار المارة وكان على رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت كالمسافر مع ركب الحاج الشريف، هل له أن يصلي العشاء مثلا على الدابة أو المحمل في أول الوقت إذا خاف من النزول، أم يؤخر إلى وقت نزول الحجاج في نصف الليل لأجل الصلاة؟ والذي يظهر لي الأول، لان المصلي إنما يكلف بالأركان والشروط عند إرادة الصلاة والشروع فيها، وليس لذلك وقت خاص، ولذا جاز له الصلاة بالتيمم أول الوقت وإن كان يرجو وجود الماء قبل خروجه، وعللوه بأنه قد أداها بحسب قدرته الموجودة عند انعقاد سببها وهو ما اتصل به الأداء ا ه. ومسألتنا كذلك، لكن رأيت في القنية برمز صاحب المحيط: راكب السفينة إذا لم يجد موضعا للسجود للزحمة، ولو أخر الصلاة ثقل الزحمة
43 فيجد موضعا يؤخرها وإن خرج الوقت على قياس قول أبي حنيفة في المحبوس إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا ا. لكن تقدم في التيمم أن الأصح رجوع الامام إلى قولهما بأنه لا يؤخرها بل يتشبه بالمصلين، ورأيت في تيمم الحلية عن المبتغى: مسافر لا يقدر أن يصلي على الأرض لنجاستها وقد ابتلت الأرض بالمطر يصلي بالايماء إذا خاف فوت الوقت ا ه. ثم قال: وظاهره أنه لا يجوز إذا لم يخف فوت الوقت، وفيه نظر، بل الظاهر الجواز وإن لم يخف فوت الوقت كما هو ظاهر إطلاقهم، نعم الأولى أن يصلي كذلك، إلا إذا خاف فوت الوقت بالتأخير كما في الصلاة بالتيمم ا ه. وهذا عين ما بحثته أولا فليتأمل. قوله: (وإن لم يكن الخ) كان المناسب ذكره قبل بيان الاعذار. قوله: (لو واقفة) كذا قيده في شرح المنية ولم أره لغيره. يعني إذا كانت العجلة على الأرض ولم يكن شئ منها على الدابة، وإنما لها حبل مثلا تجرها الدابة به تصح الصلاة عليها لأنها حينئذ كالسرير الموضوع على الأرض، ومقتضى هذا التعليل أنها لو كانت سائرة في هذه الحالة لا تصح الصلاة عليها بلا عذر، وفيه تأمل، لان جرها بالحبل وهي على الأرض لا تخرج به عن كونها على الأرض، ويفيده عبارة التاترخانية عن المحيط، وهي: لو صلى على العجلة، إن كان طرفها على الدابة وهي تسير تجوز في حالة العذر لا في غيرها، وإن لم يكن طرفها على الدابة جازت، وهو بمنزلة الصلاة على السرير ا ه. فقوله: وإن لم يكن الخ يفيد ما قلنا لأنه راجع إلى أصل المسألة، وقد قيدها بقوله: وهي تسير ولو كان الجواز مقيدا بعدم السير لقيده به، فتأمل. قوله: (هذا كله) أي اشتراط عدم القدرة على النزول، ووضع خشبة تحت المحمل، وعدم كون طرف العجلة على الدابة ح. قوله: (والواجب بأنواعه) أي ما كان واجبا لعينه عينا كالوتر، أو كفاية كالجنازة أو لغيره ووجب بالقول كالنذر، أو بالفعل كنفل شرع فيه ثم أفسده، وكسجدة تليت آيتها على الأرض، فافهم. قوله: (بشرط الخ) أوضحناه فيما مر. قوله: (لئلا الخ) علة لقوله بشرط إيقافها ح. والحاصل أن كلا من اتحاد المكان واستقبال القبلة شرط في صلاة غير النافلة عند الامكان لا يسقط إلا بعذر، فلو أمكنه إيقافها مستقبلا فعل، ولذا نقل في شرح المنية عن الامام الحلواني أنه لو انحرفت عن القبلة وهو في الصلاة لا تجوز صلاته. قال: وينبغي أن يكون الانحراف مقدار ركن ا ه. قلت: بقي لو أمكنه الايقاف دون الاستقبال فلا كلام في لزومه لما ذكره الشارح من العلة، ولو بالعكس هل يلزمه الاستقبال؟ لم أره. ثم رأيت في الحلية أنه يلزمه، وهو ظاهر قول الشارح هنا، وإلا فبقدر الامكان. ثم رأيت في الظهيرية ما يدل على خلافه حيث قال: وإن كان في طين وردغة يخاف النزول يصلي إلى القبلة. قال: وعندي هذا إذا كانت الدابة واقفة، أما إذا كانت سائرة يصلي حيث شاء ا ه: يعني إذا كان لا يمكنه إيقافها لخوف فوت الرفقة مثلا يصلي إلى أي جهة كانت. والظاهر أن الأول أولى، لان الضرورة تتقدر بقدرها. تأمل. قوله: (مطلقا) أي سواء كانت واقفة أو سائرة على القبلة أو لا، قادر على النزول أو لا، طرف العجلة على الدابة أو لا. ح.
44 قوله: (لا بجماعة الخ) أي في ظاهر الرواية. واستحسن محمد الجواز لو دوابهم بالقرب من دابة الامام بحيث لا يكون بينهم وبينه فرجة إلا بقدر الصف، قياسا على الصلاة على الأرض، والصحيح الأول لان اتحاد المكان شرط، حتى لو كانا على دابة واحدة في محمل واحد أو في شقي محمل جاز. بدائع. قوله: (ولو جمع الخ) تقدمت هذه المسألة مع نظائرها قبيل باب صفة الصلاة. قله: (ولو تحية) في كلام قدمناه عند الكلام على تحية المسجد. قوله: (لزماه به) أي لزمه الركعتان بطهر، وهذا ذكره في البحر بحثا قياسا على ما قال بغير وضوء. أقول: ولا حاجة للبحث، فإن ما في المتن مذكور في متن المجمع. ووجهه أن الناذر لما أوجب عليه ركعتين أوجبهما بطهارة، لان الصلاة لا تكون إلا بها، وقوله بعده بغير طهر رجوع عما التزمه فلا يصح. ابن ملك. قوله: (أي أبي يوسف) أشار إلى أنه كان ينبغي للمصنف التصريح به لأنه لا مرجع للضمير في عنده لان المتعارف في مثله رجوعه لأبي حنيفة، إلا إذا كان له مرجع خاص غيره. قوله: (كما لو نذر بغير قراءة الخ) لان التزام الشئ التزام لما لا يصح إلا به، فصار كأنه نذر أن يصلي بقراءة ومستور العورة وركعتين، لان الصلاة غير صحيحة ما لم تكن شفعا وبقراءة وبثوب، وكذا لو نذر ثلاثا يلزمه أربع ركعات كما في المجمع، وعلله في شرحه قلنا، وأشار بالكاف إلى أن هذه المسائل الثلاث لا خلاف فيها لمحمد. والفرق له بينها وبين المسألة الأولى في شروح المجمع، وقوله: وكذا نصف ركعة أي يلزمه ركعتان، لان ذكر ما لا يتجزأ ذكر لكله، فكأنه نذر ركعة وهو التزام لاخرى أيضا كما علمت. قوله: (وأهدره الثالث) أي أهدر النذر بغير طهر فقال: لا يلزمه شئ، لأنه نذر بمعصية، ومقتضى ما في الفتح أن المعتمد الأول. تنبيه: نذر أن يصلي الظهر ثمانيا، أن أو أن يزكي النصاب عشرا: أي بضم العين، أو حجة الاسلام مرتين لا يلزمه الزائد، لأنه التزام غير المشروع فهو نذر بمعصية. بحر. والفرق أن الصلاة بلا قراءة أو عريانا تكون عبادة لمأموم أو أمي ولعادم ثوب، وكذا بلا طهارة، لقول أبي يوسف بمشروعيتها لفاقد الطهورين، أفاده في البحر. أقول: والتعليل المار بأن التزام الشئ والتزام لما لا يصح إلا به يغني عن إبداء الفرق مع شموله للنذر بركعة أو نصفها. تأمل. قوله: (أو نذر الخ) كما لو نذر صلاة بمسجد مكة فأداها في القدس مثلا أو في غيره من المساجد جاز، لان المقصود من الصلاة القربة هي حاصلة في أي مكان، وتقدم قبيل باب الوتر أفضل الأماكن. قوله: (لأنه) أي الحيض المفهوم من فعله السابق. قوله: (لأنه نذر بمعصية) لان يوم الحيض مناف للصوم العبادة، بخلاف صوم الغد فإنه باعتبار ذاته قابل للأداء، ولكن صرف عنه مانع سماوي منع الأداء فوجب القضاء. [مب]
45 مبحث: صلاة التراويح [/ مب] قوله: (التراويح) جمع ترويحة، سميت الأربع بها للاستراحة بعدها. خزائن. وإنما أخرها عن النوافل لكثرة شعبها واختصاصها عنها بأدائها بجماعة وأحكام أخر، ولذا أفرد لها تأليفا خاصا بأحكامها الامام حسام الدين، وتبعه العلامة قاسم. قوله: (سنة مؤكدة) صححه في الهداية وغيرها، وهو المروي عن أبي حنيفة. وذكر في الاختيار أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر، فقال: التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرجه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعا، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله (ص). ولا ينافيه قول القدوري إنها مستحبة كما فهمه في الهداية عنه، لأنه إنما قال: يستحب أن يجتمع الناس، وهو يدل على أن الاجتماع مستحب، وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة، كذا في العناية. وفي شرح منية المصلي: وحكى غير واحد الاجماع على سنيتها، وتمامه في البحر. قوله (لمواظبة الخلفاء الراشدين) أي أكثرهم، لان المواظبة عليها وقعت في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه، ووافقه على ذلك عامة الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا بلا نكير، وكيف لا وقد ثبت عنه (ص) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ كما رواه أبو داود. بحر. قوله: (إجماعا) راجع إلى قول المتن سنة للرجال والنساء وأشار إلى أنه لا اعتداد بقول الروافض: إنها سنة الرجال فقط على ما في الدرر والكافي، أو أنها ليست بسنة أصلا كما هو المشهور عنهم على ما في حاشية نوح، لأنهم أهل بدعة يتبعون أهواءهم لا يعولون على كتاب ولا سنة، وينكرون الأحاديث الصحيحة. قوله: (بعد صلاة العشاء) قدر لفظ صلاة إشارة إلى أن المراد بالعشاء الصلاة لا وقتها، وإلى ما في النهر من أن المراد ما بعد الخروج منها حتى لو بنى التراويح عليها لا يصح، وهو الأصح: وكذا بناؤها على سنتها كما في الخلاصة. قال: فكأنه ألحقوا السنة بالفرض. تتمة: تقدم في بحث النية الاختلاف في أن السنن لا بد فيها من التعيين أو يكفي لها مطلق النية، والأصح الثاني، والأحوط الأول، وتقدم تمام الكلام فيه فراجعه. هذا، وهل يشترط أن يجدد في التراويح لكل شفع نية؟ ففي الخلاصة: الصحيح نعم، لأنه صلاة على حدة. وفي الخانية: الأصح: لا، فإن الكل بمنزلة صلاة واحدة، كذا في التاترخانية. وظاهره أن الخلاف في أصل النية. ويظهر لي التصحيح الأول لأنه بالسلام خرج من الصلاة حقيقة فلا بد في دخوله فيها من النية، ولا شك أن الأحوط، خروجا من الخلاف، نعم رجح في الحلية الثاني إن نوى التراويح كلها عند الشروع في الشفع الأول، كما لو خرج من منزله يريد صلاة الفرض مع الجماعة ولم تحضره النية لما انتهى إلى الامام. قوله: (إلى الفجر) هذا آخر وقتها، ولا خلاف فيه كما في النهر. قوله: (في الأصح أي من أقوال ثلاثة: الأول: أن وقتها الليل كله، قبل العشاء، ويعده، وقبل الوتر وبعده، لأنها قيام الليل. قال في البحر: ولم أر من صححه ا ه. وظاهره أنه يدخل وقتها من غروب الشمس. الثاني: أنه ما بين العشاء والوتر، وصححه في الخلاصة، ورجحه في غاية البيان بأنه المأثور المتوارث.
46 الثالث: ما مشى عليه المصنف تبعا للكنز، وعزاه في الكافي إلى الجمهور، وصححه في الهداية والخانية والمحيط. بحر. قوله: (فلو فاته بعضها الخ) تفريع على الأصح، لكنه مبني على أن الأفضل في الوتر الجماعة لا المنزل، وفي خلاف سيأتي، فقوله: أوتر معه أي على وجه الأفضلية، وكذا على القول الأول من الثلاثة المارة، وأما على القول الثاني منها فإنه يأتي بما فاته، وعلله في الخلاصة بأنه لا يمكنه الاتيان به بعد الوتر، وبما قررناه ظهر أن ما في البحر من جعله التفريع على الثالث كالثاني، صوابه كالأول كما مشى عليه الشارح هنا. وتظهر ثمرة الخلاف أيضا فيما لو صلاها بعد الوتر أو نسي بعضها وتذكر بعد الوتر فصلى الباقي صح على الأول والثالث دون الثاني قوله: (ولا تكره بعده في الأصح) وقيل تكره لأنها تبع للعشاء فصارت كسنة العشاء. والجواب أنه وإن كانت تبعا للعشاء لكنها صلاة الليل والأفضل فيها آخره، فلا يكره تأخير ما هو من صلاة الليل، ولكن الأحسن أن لا يؤخر إليه خشية الفوات. ح عن الامداد. وما في البحر من أن الصحيح أنه لا بأس بالتأخير لا يدل على ثبوت كراهة التنزيه حتى يجاب عن قول الشارح لا يكره بأن المنفي كراهة التحريم، لان كلمة لا بأس تدل على أن خلافه أولى، وليس كل ما هو خلاف الأولى مكروها تنزيها، لان الكراهة لا بد لها من دليل خاص كما قررناه مرارا، بل في رسالة العلامة قاسم وغيرها: والصحيح أنه لا بأس به، وهو المستحب والأفضل لأنها قيام الليل ا ه فافهم. قوله: (ولا وحده) بيان لقوله: أصلا أي لا بجماعة ولا وحده ط. قوله: (في الأصح) وقيل يقضيها وحده ما لم يدخل وقت تراويح أخرى، وقيل ما لم يمض الشهر. قاسم. قوله: (فإن قضاها) أي منفردا. بحر. قوله: (كسنة مغرب وعشاء) أي حكم التراويح في أنها لا تقضى إذا فاتت الخ كحكم بقية رواتب الليل لأنها منها، لان القضاء من خواص الفرض وسنة الفجر بشرطها. قوله: (والجماعة فيها سنة على الكفاية الخ) أفاد أن أصل التراويح سنة عين، فلو تركها واحد كره، بخلاف صلاتها بالجماعة فإنها سنة كفاية، فلو تركها الكل أساؤوا، أما لو تخلف عنها رجل من أفراد الناس وصلى في بيته فقد ترك الفضيلة، وإن صلى أحد في البيت بالجماعة لم ينالوا فضل جماعة المسجد، وهكذا في المكتوبات كما في المنية. وهل المراد أنها سنة كفاية لأهل كل مسجد من البلدة أو مسجد واحد منها أو من المحلة؟ ظاهر كلام الشارح الأول. واستظهر ط الثاني. ويظهر لي الثالث، لقول المنية: حتى لو ترك أهل محلة كلهم الجماعة فقد تركوا السنة وأساؤوا ا ه. وظاهر كلامهم هنا أن المسنون كفاية إقامتها بالجماعة في المسجد، حتى لو أقاموها جماعة في بيوتهم ولم تقم في المسجد أثم الكل، وما قدمناه عن المنية فهو في حق البعض المختلف عنها. وقيل إن الجماعة فيها سنة عين، فمن صلاها وحده أساء وإن صليت في المساجد، وبه كان يفتي ظهير الدين، وقيل تستحب في البيت إلا لفقيه عظيم يقتدى به، فيكون في حضوره ترغيب غيره. والصحيح قول الجمهور أنها سنة كفاية، وتمامه في البحر. قوله: (وهي عشرون ركعة) هو قول
47 الجمهور، وعليه عمل الناس شرقا وغربا، وعن مالك ست وثلاثون. وذكر في الفتح أن مقتضى الدليل كون المسنون منها ثمان والباقي مستحبا، وتمامه في البحر، وذكرت جوابه فيما علقته عليه. قوله: (المكمل) بكسر الميم وهو التراويح للمكمل بفتحها وهي الفرائض مع الوتر، ولا مانع أن تكمل الوتر وإن صليت قبله. وفي النهر: ولا يخفى أن الرواتب وإن كملت أيضا، إلا أن هذا الشهر لمزيد كماله زيد فيه هذا المكمل فتكمل ا ه ط. قوله: (وصحت بكراهة) أي صحت عن الكل. وتكره إن تعمد، وهذا هو الصحيح كما في الحلية عن النصاب وخزانة الفتاوى، خلافا لما في المنية من عدم الكراهة، فإنه لا يخفى لمخالفته المتوارث مع تصريحهم بكراهة الزيادة على ثمان في مطلق التطوع ليلا فهنا أولى. بحر. قوله: (به يفتى) لم أر من صرح بهذا اللفظ هنا، وإنما صرح به في النهر عن الزاهدي فيما لو صلى أربعا بتسليمة واحدة وقعدة واحدة، وأما إذا صلى العشرين جملة كذلك فقد قاسه عليه في البحر: نعم صرح في الخانية وغيرها بأنه الصحيح، مع أنا قدمنا عن البدائع والخلاصة والتاترخانية أنه لو صلى التطوع ثلاثا أو ستا أو ثمانيا بقعدة واحدة فالأصح أنه يفسد استحسانا وقياسا، وقدمنا وجهه فقد اختلف التصحيح في الزائد على الأربعة بتسليمة وقعدة واحدة، هل يصح عن شفع واحد أو يفسد؟ فليتنبه. فروع: شكوا هل صلوا تسع تسليمات أو عشرا؟ يصلون تسليمة أخرى فرادى في الأصح للاحتياط في إكمال التراويح والاحتراز عن التنفل بالجماعة، وكذا لو تذكروا تسليمة بعد الوتر عن ابن الفضل. وقال الصدر الشهيد: يجوز أن يقال تصلى بجماعة، وهو الأظهر لأنه بناء على القول المختار في وقتها، ولو سلم الامام على رأس ركعة ساهيا في الشفع الأول ثم صلى ما بقي: قيل يقضي الشفع الأول فقط لصحة شروعه فيما بعده، وقيل يقضي الكل، لان سلامه الأول لم يخرجه من حرمة الصلاة لكونه سهوا، وكذا كل سلام بعده يكون سهوا مبنيا على السهو الأول، فقد ترك القعدة على الركعتين في الاشفاع كلها فتفسد بأسرها، إلا إذا تعمد السلام أو فعل بعده ما ينافي الصلاة أو علم أنه سها، وتمامه في شرح المنية. ويظهر لي أرجحية القول الأول، لان سلامه وإن لم يخرجه لكن تكبيره على قصد الانتقال إلى الشفع الآخر يخرجه عن الأول، ثم رأيته في الحلية قال: إنه الأشبه. قوله: (يجلس) ليس المراد حقيقة الجلوس، بل المراد الانتظار، لأنه يخير بين الجلوس ذاكرا أو ساكتا، وبين صلاته نافلة منفردا كما يذكره، أفاده في شرح المنية والبحر قوله: (ندبا) وما يفيده كلام الكنز من أنه سنة تعقبه الزيلعي بأنه مستحب لا سنة، وبه صرح في الهداية. قوله: (بين كل أربعة) الأوضح قول الكنز: بعد كل أربعة، أو قول المنية والدرر: بين كل ترويحتين، لايهامه أن الجلسة بعد الشفع الأول من كل أربعة. والجواب أن المراد بين كل أربعة وأربعة، فحذف أحد المتعددين كما في قوله تعالى: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * (البقرة: 582) أي بين أحد وأحد، ولا فساد في ذلك، فافهم. قوله: (وكذا بين الخامسة والوتر) صرح به في الهداية، واستدرك عليه في النهر بما في الخلاصة من أن أكثرهم على عدم الاستحباب، وهو الصحيح ا ه. أقول: هذا سبق نظر، فإن عبارة الخلاصة هكذا: والاستراحة على خمس تسليمات اختلف
48 المشايخ فيه، وأكثرهم على أنه لا يستحب، وهو الصحيح ا ه. فإن مراده بخمس تسليمات خمس أشفاع: أي على الركعة العاشر كما فسر به في شرح المني، لا خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات، فقد اشتبه على صاحب النهر التسليمة بالترويحة، فافهم. قوله: (بين تسبيح) قال القهستاني: فيقال ثلاث مرات سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والعظمة والقدرة والكبرياء والجبروت، سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، لا إله إلا الله، نستغفر الله، نسألك الجنة ونعوذ بك من النار كما في منهج العباد ا ه. قوله: (وصلاة فرادى) أي صلاة أربع ركعات في زاد ست عشرة ركعة. قال العلامة قاسم: إن زادها منفردين لا بأس به، وهو مستحب، وإن صلوها بجماعة كما هو مذهب مالك كره الخ. وفي النهر: وأما الصلاة فقيل مكروهة، وقيل سنة، وهو ظاهر ما في السراج، وأهل مكة يطوفون وأهل المدينة يصلون أربعا ا ه. قوله: (نعم تكره الخ) لان الاستراحة مشروعة بين كل ترويحتين لا بين كل شفعين. قوله: (والختم مرة سنة) أي قراءة الختم في صلاة التراويح سنة، وصححه في الخانية وغيرها وعزاه في الهداية إلى أكثر المشايخ. وفي الكافي إلى الجمهور، وفي البرهان: وهو المروي عن أبي حنيفة والمنقول في الآثار. قال الزيلعي: ومنهم من استحب الختم في ليلة السابع والعشرين رجاء أن ينالوا ليلة القدر، لان الاخبار تظاهرت عليها. وقال الحسن عن أبي حنيفة: يقرأ في كل ركعة عشر آيات ونحوها، وهو الصحيح، لان السنة الختم فيها مرة وهو يحصل بذلك مع التخفيف، لان عدد ركعات التراويح في الشهر ستمائة ركعة، وعدد آي القرآن ستة آلاف آية وشئ ا ه. وما في الخلاصة من أنه يقرأ في كل ركعة عشر آيات حتى يحصل الختم في ليلة السابع والعشرين ونحوه في الفيض فيه نظر، لان توزيعه عشرا فعشرا يقتضي الختم في الثلاثين، إلا أن يكون مع ضم الوتر، لكن في الخانية وغيرها ما يفيد تخصيص التراويح، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل. وفي شرح المنية: ثم إذا ختم قبل آخر الشهر قيل لا يكره له ترك التراويح فيما بقي، لأنها شرعت لأجل ختم القرآن مرة، قاله أبو علي النسفي. وقيل يصليها ويقرأ فيها ما شاء، ذكره في الذخيرة ا ه. قوله: (الأفضل في زماننا الخ) لان تكثير الجمع أفضل من تطويل القراءة، حلية عن المحيط وفيه إشعار بأن هذا مبني على اختلاف الزمان، فقد تتغير الاحكام لاختلاف الزمان في كثير من المسائل على حسب المصالح، ولهذا قال في البحر: فالحاصل أن المصحح في المذهب أن الختم سنة، لكن لا يلزم منه (1) عدم تركه إذا لزم منه تنفير القوم وتعطيل كثير من المساجد خصوصا في زماننا، فالظاهر اختيار الأخف على القوم. قوله: (وفي المجتبى الخ) عبارته على ما في البحر: والمتأخرون كانوا
(1) قوله: (لكن لا يلزم منه الخ) الضمير في منه الأول راجع إلى المصحح، وفي تركه إلى الختم وفي منه الثاني إلى عدم تركه ا ه منه. 49 يفتون في زماننا بثلاث آيات قصار أو آية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها، فإن الحسن روى عن الامام أنه إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ، هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها؟ ا ه. قوله: (وآية أو آيتين) أي بقدر ثلاث آيات قصار بدليل عبارة المجتبى، وإلا فلو دون ذلك كره تحريما لما في المنية وشرحها في بحث صفة الصلاة: لو قرأ مع الفاتحة آية قصيرة أو آيتين قصيرتين لم يخرج عن حد كراهة التحريم، وإن قرأ ثلاثا قصارا أو كانت الآية أو الآيتان تعدل ثلاث آيات قصار أخرج عن حد الكراهة المذكورة، ولكن لم يدخل في إ حد الاستحباب. وينبغي أن يكون فيه كراهة تنزيه الخ: أي لان السنة قراءة المفصل، فقوله هنا: لا يكره أي لا تحريما ولا تنزيها، وإن كره في الفرائض تنزيها، فافهم هذا. هذا، وفي التجنيس: واختار بعضهم سورة الاخلاص في كل ركعة، وبعضهم سورة الفيل: أي البداءة منها ثم يعيدها، وهذا أحسن لئلا يشتغل قلبه بعدد الركعات. قال في الحلية: وعلى هذا استقر عمل أئمة أكثر المساجد في ديارنا، إلا أنهم يبدؤون بقراءة سورة التكاثر في الأولى والاخلاص في الثانية، وهكذا إلى أن تكون قراءتهم في التاسعة عشرة بسورة تبت وفي العشرين بالاخلاص ا ه. زاد في البحر: وليس فيه كراهة في الشفع الأول من الترويحة الأخيرة بسبب الفصل بسورة واحدة لأنه خاص بالفرائض، كما هو ظاهر الخلاصة وغيرها ا ه. قلت: لكن الأحوط قراءة النصر وتبت في الشفع الأول من الترويحة الأخيرة، والمعوذتين في الشفع الثاني منها، وبعض أئمة زماننا يقرأ بالعصر والاخلاص في الشفع الأول من كل ترويحة، وبالكوثر والاخلاص في الشفع الثاني. قوله: (ويزيد الامام الخ) أي بأن يأتي بالدعوات. بحر. قوله: (ويكتفي باللهم صل على محمد) زاد في شرح المنية الصغير: وعلى آل محمد، وكأن الشارح اقتصر على الأول أخذا من التعليل، لان الصلاة على الآل لا تفرض عند الشافعي رحمه الله تعالى، بل تسن عنده في التشهد الأخير، وقيل تجب عنده. قوله: (هذرمة) بفتح الهاء وسكون الذال المعجمة وفتح الراء: سرعة الكلام والقراءة. قاموس. وهو منصوب على البدلية من المنكرات، ويجوز القطع ح. قوله: (واستراحة) هي القعدة بعد كل أربع، وقد مر أنها مندوبة، وبه يعلم أن المراد بالمنكرات مجموع ما ذكر، إلا أن يراد بها ما يخالف المشروع. قوله: (وتكره قاعدا) أي تنزيها، لما في الحلية وغيرها من أنهم اتفقوا على أنه لا يستحب ذلك بلا عذر، لأنه خلاف المتوارث عن السلف. قوله: (حتى قبل الخ) أي قياسا على رواية الحسن عن الامام في سنة الفجر، لان كلا منهما سنة مؤكدة. والصحيح الفرق بأن سنة الفجر مؤكدة بلا خلاف، بخلاف التراويح كما في الخانية، وقدمنا عبارتها في بحث سنة الفجر. قوله: (كما يكره الخ) ظاهره أنها تحريمية للعلة المذكورة. وفي البحر عن الخانية: يكره للمقتدي أن يقعد في التراويح، فإذا أراد الامام أن يركع يقوم، لان فيه إظهار التكاسل في الصلاة والتشبه بالمنافقين، قال تعالى: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * (النساء: 241) ط. قال
50 في الحلية: وفيه إشعار بأنه إذا لم يكن لكسل بل لكبر ونحوه لا يكره، وهو كذلك ا ه. تنبيه: قال في التاترخانية: وكذا إذا غلبه النوم يكره له أن يصلي، بل ينصرف حتى يستيقظ. قوله: (لأنها تبع) أي لان جماعتها تبع لجماعة الفرض فإنها لم تقم إلا بجماعة الفرض، فلو أقيمت بجماعة وحدها كانت مخالفة للوارد فيها فلم تكن مشروعة، أما لو صليت بجماعة الفرض وكان رجل قد صلى الفرض وحده فله أن يصليها مع ذلك الامام، لان جماعتهم مشروعة فله الدخول فيها معهم لعدم المحذور، هذا ما ظهر لي في وجهه، وبه ظهر أن التعليل المذكور لا يشمل المصلي وحده، فظهر صحة التفريع بقوله: فمصليه وحده الخ فافهم. قوله: (ولو لم يصلها الخ) ذكر هذا الفرع والذي قبله في البحر عن القنية، وكذا في متن الدرر، لكن في التاترخانية عن التتمة أنه سأل علي بن أحمد عمن صلى الفرض والتراويح وحده أو التراويح فقط هل يصلي الوتر مع الامام؟ فقال: لا ا ه. ثم رأيت القهستاني ذكر تصحيح ما ذكره المصنف، ثم قال: لكنه إذا لم يصل الفرض معه لا يتبعه في الوتر ا ه. فقوله: ولو لم يصلها أي وقد صلى الفرض معه، لكن ينبغي أن يكون قول القهستاني معه احترازا عن صلاتها منفردا، أما لو صلاها جماعة مع غيره ثم صلى الوتر معه لا كراهة. تأمل. قوله: (بقي الخ) الذي يظهر أن جماعة الوتر تبع لجماعة التراويح وإن كان الوتر نفسه أصلا في ذاته، لان سنة الجماعة في الوتر إنما عرفت بالأثر تابعة للتراويح، على أنهم اختلفوا في أفضلية صلاتها بالجماعة بعد التراويح كما يأتي. مطلب في كراهة الاقتداء في النفل على سبيل التداعي وفي صلاة الرغائب قوله: (أي يكره ذلك) أشار إلى ما قالوا من أن المراد من قول القدوري في مختصرة لا يجوز الكراهة لا عدم أصل الجواز، لكن في الخلاصة عن القدوري أنه لا يكره، وأيده في الحلية بما أخرجه الطحاوي عن المسور بن مخرمة قال: دفنا أبا بكر رضي الله عنه ليلا، فقال عمر رضي الله عنه: إني لم أوتر، فقام وصفنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن. ثم قال: ويمكن أن يقال: الظاهر أن الجماعة فيه غير مستحبة، ثم إن كان ذلك أحيانا كما فعل عمر كان مباحا غير مكروه، وإن كان على سبيل المواظبة كان بدعة مكروهة لأنه خلاف المتوارث، وعليه يحمل ما ذكره القدوري في مختصره، وما ذكره في غير مختصره يحمل على الأول، والله أعلم ا ه. قلت: ويؤيده أيضا في البدائع من قوله: إن الجماعة في التطوع ليست بسنة إلا في قيام رمضان ا ه. فإن نفي السنية لا يستلزم الكراهة، نعم إن كان مع المواظبة كان بدعة فيكره. وفي حاشية البحر للخير الرملي: علل الكراهة في الضياء والنهاية بأن الوتر نفل من وجه حتى وجبت القراءة في جميعها، وتؤدى بغير أذان وإقامة، والنفل بالجماعة غير مستحب لأنه لم تفعله الصحابة في غير رمضان ا ه. وهو كالصريح في أنها كراهة تنزيه. تأمل ا ه. قوله: (على سبيل التداعي) هو أن يدعو بعضهم بعضا كما في المغرب، وفسره الواني بالكثرة وهو لازم معناه. قوله: (أربعة بواحد) أما اقتداء واحد بواحد أو اثنين بواحد فلا يكره، وثلاثة بواحد فيه خلاف. بحر عن الكافي.
51 وهل يحصل بهذا الاقتداء فضيلة الجماعة؟ ظاهر ما قدمناه من أن الجماعة في التطوع ليست بسنة يفيد، عدمه. تأمل. بقي لو اقتد به واحد أو اثنان ثم جاءت جماعة اقتدوا به. قال الرحمتي: ينبغي أن تكون الكراهة على المتأخرين ا ه. قلت: وهذا كله لو كان الكل متنفلين، أما لو اقتدى متنفلون بمفترض فلا كراهة كما نذكره في الباب الآتي. قوله: (في صلاة رغائب) في حاشية الأشباه للحموي: هي التي في رجب في أول ليلة جمعة منه. قال ابن الحاج في المدخل: وقد حدثت بعده أربعمائة وثمانين من الهجرة، وقد صنف العلماء كتبا في إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من الأمصار ا ه. وقدمنا بعض الكلام عليها عند قوله: وإحياء ليلة العيدين. قوله: (وبراءة) هي ليلة النصف من شعبان. قوله: (وقدر) الظاهر أن المراد بها ليلة السابع والعشرين من رمضان، لما قدمناه عن الزيلعي من أن الاخبار تظاهرت عليها. قوله: (إلا إذا قال الخ) لأنه لا خروج عنها حينئذ إلا بالجماعة. وظاهر كلام الشارح أن النذر من المقتدين دون الامام، وإلا كان اقتداء الناذر بالناذر وهو لا يجوز، ثم إن بناء القوي على الضعيف إنما يمنع إذا كانت القوة ذاتية، فلو عرضت بالنذر كما هنا فلا، ومن هنا قال في شرح المنية: النذر كالنفل. ط عن أبي السعود. قوله: (قلت الخ) لم ينقل عبارة البزازية بتمامها، ونصها: ولا ينبغي أن يتكلف لالتزام ما لم يكن في الصدر الأول، كل هذا التكلف لإقامة أمر مكروه، وهو أداء النفل بالجماعة على سبيل التداعي، فلو ترك أمثال هذه الصلوات تارك ليعلم الناس أنه ليس من الشعار فحسن ا ه. وظاهره أنه بالنذر لم يخرج عن كونه أداء النفل بالجماعة. قوله: (وفي التاترخانية الخ) عبارتها نقلا عن المحيط: وذكر القاضي الإمام أبو علي النسفي فيمن صلى العشاء والتراويح والوتر في منزله ثم أم قوما آخرين في التراويح ونوى الإمامة كره له ذلك، ويكره للمأمومين. ولو لم ينو الإمامة وشرع في الصلاة فاقتدى الناس به لم يكره لواحد منهما ا ه. قال ط: وهل إذا اقتدى حنفي نوى سنة الجمعة البعدية بشافعي يصلي الظهر بعدها يكره نظرا لاعتقاد الحنفي لأنها نفل عنده على المعتمد، أو لا يكره نظرا لاعتقاد الامام؟ حرره ا ه. ويظهر لي الأول، لان الأرجح أن العبرة لاعتقاد المقتدي، وهذه الصلاة في اعتقاده مكروهة. قوله: (تصحيحان) رجح الكمال الجماعة بأنه (ص) كان أوتر بهم، ثم بين العذر في تأخره مثل ما صنع في التراويح فالوتر كالتراويح، فكما أن الجماعة فيها سنة فكذلك الوتر. بحر. وفي شرح المنية: والصحيح أن الجماعة فيها أفضل، إلا أن سنيتها ليست كسنية جماعة التراويح ا ه. قال الخير الرملي: وهذا الذي عليه عامة الناس اليوم ا ه. وقواه المحشي أيضا بأنه مقتضى ما مر أن كل ما شرع بجماعة فالمسجد أفضل فيه.
52 باب: إدراك الفريضة حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل، وكله مسائل الجمع، بحر وفتح ومعراك. أقول: وهو في الحقيقة تتميم لباب الإمامة، ولذا ذكره صاحب الهداية في كتاب مختارات النوازل عقبه، وترجمه بفصل إدراك الجماعة وفضيلتها. قوله: (خرج النافلة الخ) أي خرج بالفريضة النافلة والنذر، وكذا بالأداء، لان الأداء كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب في وقته، فالنفل والنذر لا وقت لهما، والقضاء فعله خارج وقته. قال ح: فقوله فيما يأتي: والشارع في نفل لا يقطع مطلقا تصريح بالمفهوم. قوله: (والقضاء) يعني إذا شرع في صلاة قضاء ثم شرع الامام في الأداء فإنه لا يقطع، وإنما حملناه على هذا، لأنه إذا شرع في قضاء فرض فأقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه يقطع كما ذكره في البحر بحثا، وجزم به في إمداد الفتاح ا ه ح. أقول: وجزم به المقدسي أيضا، وأما ما نقله عن البحر فلم أره فيه. والذي رأيته فيه معزيا للخلاصة: لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل، والمنذورة كالفائتة ا ه. تنبيه: لو خاف فوت جماعة الحاضرة قبل قضاء الفائتة، فإن كان صاحب ترتيب قضى، وإن لم يكن فهل يقضي ليكون الأداء على حسب ما وجب، وليخرج من خلاف مالك فإن الترتيب لا يسقط عنده بالأعذار المذكور عندنا، أم يقتدي لاحراز فضيلة الجماعة مع جواز تأخير القضاء وإمكان تلافيه؟ قال الخير الرملي: لم أره، ثم نقل عن الشافعية اختلاف الترجيح. فيه. واستظهر الثاني. قلت: ووجهه ظاهر، لان الجماعة واجبة عندنا أو في حكم الواجب، ولذا يترك لأجلها سنة الفجر التي قيل عندنا بوجوبها، ومراعاة خلاف الامام مالك مستحبة، فلا ينبغي تفويت الواجب لأجل المستحب. قوله: (أي شرع في الفريضة) بالبناء للمجهول، وفي الفريضة نائب الفاعل: أي شرع فيها الامام، وقدمنا في باب الامام أن الاقتداء بالفاسق والأعمى ونحوهما أولى من الانفراد، وكذا بالمخالف الذي يراعى في الشروط والأركان. وعليه فيقطع ويقتدي به، لان العلة تحصيل فضيلة الجماعة فحيث حصلت بلا كراه، بأن لم يوجد من هو أولى مهم كان القطع والاقتداء أولى، وقدمنا اختلاف المتأخرين فيما لو تعددت الجماعات وسبقت جماعة الشافعية: فبعضهم على أن الصلاة من أول جماعة أفضل، وبعضهم على أن انتظار الاقتدار بالموافق أفضل بناء على كراهة الاقتداء بالمخالف لعدم مراعاته في الواجبات والسنن وإن راعى في الفروض، واستظهرنا هناك عدم كراهة الاقتداء به ما لم يعلم منه مفسدا كما مال إليه الخير الرملي وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة، فعلى هذا لو شرع في سنة الظهر يتمها أربعا حتى على قول الكمال الآتي. بقي لو كان مقتديا بمن يكره الاقتداء به ثم شرع من لا كراهة فيه هل يقطع ويقتدي به؟ استظهر ط أن الأول لو فاسقا لا يقطع، ولو مخالفا وشك في مراعاته يقطع. أقول: والأظهر العكس، لان الثاني كراهته تنزيهية كالأعمى والأعرابي، بخلاف الفاسق، فإنه
53 استظهر في شرح المني أنها تحريمية لقولهم: إن في تقديمه للإمامة تعظيمه وقد وجب علينا إهانته، بل عند مالك ورواية عن أحمد: لا تصح الصلاة خلفه. قوله: (لا إقامة المؤذن الخ) مرفوع عطفا على معنى قوله: شرع في الفريضة في مصلاه فكأنه قال: المراد بالإقامة الشروع في الفريضة في مصلاه لا إقامة المؤذن الخ ح: أي فلا يقطع إذا أقام المؤذن وإن لم يقيد الركعة بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره: وكذا لو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو في مسجد آخر لا يقطع مطلقا. بحر: أي سواء قيد الركعة بسجدة أو لا، وإن كان فيه إحراز ثواب الجماعة، لأنه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا. معراج: أي بخلاف ما إذا كانا في مسجد واحد فإن في عدم قطعها مخالفة الجماعة عيانا. وفيه إشارة إلى دفع ما أورده ط من أنهم صرحوا بطلب الجماعة في مسجد آخر إن فاتته فيما هو فيه، وإن الجماعة واجبة ولم تقيد بمسجده، وإن القطع للاكمال إكمال، فلا يظهر الفرق. وبيان الدفع أن الجماعة وإن كانت مطلوبة واجبة، لكن عارض وجوبها حرمة القطع فسقط الوجوب وترجح القطع للاكمال إذا كان في عدم القطع مخالفة الجماعة عيانا، لأن هذه المخالفة منهية أيضا فصار القطع أولى لذلك. أما إذا لم توجد المخالفة المذكورة يبقى الوجوب ساقطا بحرمة القطع لترجح الحاظر على المبيح وعدم ما يرجح جانب المبيح، هذا ما ظهر لي فتدبره. قوله: (يقطعها) قال في المنح: جاز نقض الصلاة منفردا لاحراز الجماعة ا ه. وظاهر التعليل الاستحباب، وليس المراد بالجواز مستوى الطرفين. وقد يقال: إن إحراز الجماعة واجب على أعدل الأقوال فيقتضي وجوب القطع، وقد يقال: إنه عارضه الشروع في العمل ط. قوله: (كما لو ندت الخ) أي هربت، وأشار بذكر هذه المسائل هنا وإن تقدمت في مكروهات الصلاة قبيل قوله: وكره استقبال القبلة إلى ما قالوا من أنه إذا جاز القطع فيها لحطام الدنيا ثم الإعادة من غير زيادة إحسان فجوازه لتحصيله على وجه أكمل أولى، لان صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس، وفي رواية بسبع وعشرين درجة. قوله: (أو خاف ضياع درهم من ماله) قال في الظهيرية: لم يفصل في الكتاب بين المال القليل والكثير، وعامة المشايخ قدروه بدرهم. قال شمس الأئمة السرخسي: هذا حسن لولا ما ذكر في كتاب الحوالة والكفالة أن للطالب حبس غريمه بالدانق فما فوقه، فإذا جاز حبس المسلم بالدانق فجواز قطع الصلاة مع تمكنه من قضائها أولى. والصحيح أنه لا فصل بين ماله ومال غيره ا ه. قوله: (لامكان قضائه) هذا التعليل يفيد جواز قطع الفرض للجنازة ح عن الامداد. قلت: عارضه: أن الفرض أقوى منها بخلاف النفل ط. قوله: (ويجب) أي يفترض. قوله: (لا يجيبه) ظاهره الحرمة سواء علم أنه في الصلاة أو لا ط. قوله: (إلا أن يستغيث به) أي يطلب منه الغوث والإعانة، وظاهره ولو في أمر غير مهلك واستغاثه غير الأبوين كذلك ط.
54 والحاصل أن المصلي متى سمع أحدا يستغيث وإن لم يقصده بالنداء، أو كان أجنبيا وإن لم يعلم ما حل به أو علم وكان له قدر على إغاثته وتخليصه وجب عليه إغاثته وقطع الصلاة فرضا كانت أو غيره. قوله: لا يجيبه) عبارة التجنيس عن الطحاوي: لا بأس أن لا يجيبه. قال ح: وهي تقتضي أن الإجابة أفضل تأمل ا ه. قلت: ومقتضاه أن إجابته خارج الصلاة واجبة أيضا بالأولى. والظاهر أن محله إذا تأذى منه بترك الإجابة لكونه عقوقا. تأمل. هذا، وذكر الرحمتي ما معناه: أنه لما كان بر الوالدين واجبا وكان مظنة أن يتوهم أنه إذا ناداه أحدهما يكون عليه بأس في عدم إجابته دفع ذلك بقوله: لا بأس ترجيحا لأمر الله تعالى بعدم قطع العبادة، لان نداءه له مع علمه بأنه في الصلاة معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا تجوز إجابته، بخلاف ما إذا لم يعلم أنه في الصلاة فإنه يجيبه، لما علم في قصة جريج الراهب، ودعاء أمه عليه، وما ناله العناء لعدم إجابته لها، فليس كلمة لا بأس هنا لخلاف الأولى، لان ذلك غير مطرد فيها، بل قد تأتي بمعنى يجب، والظاهر أن هذا منه. مطلب: قطع الصلاة يكون حراما ومباحا ومستحبا وواجبا تتمة: نقل عن خط صاحب البحر على هامشه أن القطع يكون حراما ومباحا ومستحبا وواجبا، فالحرام لغير عذر، والمباح إذا خاف فوت مال، والمستحب القطع للاكمال، والواجب لاحياء نفس. قوله: (هو الأصح) وقيد يقعد ويسلم، لكن ذكر ط أن الظاهر أنه لا خلاف هنا، وإنما ذكروا الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة ولم يقيدها بسجدة ا ه. وحينئذ فالأولى إرجاع التصحيح إلى قوله: بتسليمة واحدة لكن لم يصرح بذلك في غاية البيان وإنما قال: لكن يسلم تسليمة واحدة، وبه صرح في شروح الجامع الصغير، وإن شاء كبر قائما. قال فخر الاسلام: وهذا أصح، فإذا كبر قائما ينوي الشروع في صلاة الامام تنقطع الأولى في ضمن شروعه في صلاة الامام، ثم هو مخير في رفع اليدين، كذا قاله الامام حميد الدين الضرير في شرحه ا ه. قوله: (وهذا إن لم يقيد الخ) حاصل هذه المسألة: شرع في فرض فأقيم قبل أن يسجد للأولى قطع واقتدى، فإن سجد لها، فإن في رباعي أتم شفعا واقتدى ما لم يسجد للثالثة، فإن سجد أتم واقتدى متنفلا إلا في العصر، وإن في غير رباعي قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية، فإن سجد لها أتم ولم يقتد ا ه ح. قوله (أو قيدها) عطف على لم يقيد أي وإن قيدها بسجدة في غير رباعية كالفجر والمغرب فإنه يقطع ويقتدي أيضا ما لم يقيد الثانية بسجدة، فإن قيدها أتم، ولا يقتدي لكراهة التنفل بعد الفجر، وبالثلاث في المغرب، وفي جعلها أربعا مخالفة لامامه، فإن اقتدى أتمها أربعا لأنه أحوط لكراهة التنفل بالثلاث تحريما، ومخالفة الامام مشروعة في الجملة كالمسبوق فيما يقضي والمقتدي بمسافر، وتمامه في البحر. قوله: (أو فيها الخ) أي أو قيد الركعة الأولى بسجدة في الرباعية فإنه أيضا يقتدي، ولكن بعد أن يضم: إليها ركع صيانة للركعة المؤداة عن البطلان كما صرحوا به.
55 مطلب: صلاة ركعة واحدة باطلة، لا صحيحة مكروهة قال في البحر: وهو صريح في أن صلاة ركعة فقط باطلة، لا أنها صحيحة مكروهة كما توهمه بعض حنفية العصر ا ه. وفي النهر أن بطلان هذا التوهم غني عن البيان. قوله: (وإن صلى ثلاثا منها) أي بأن قيد الثالثة بسجدة. قال في البحر: قيد بالثلاث، لأنه لو كان في الثالثة ولم يقيدها بسجدة فإنه يقطعها لأنه بمحل الفرض. ويتخير، إن شاء عاد وقعد وسلم، وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الامام، كذا في الهداية وفي المحيط: الأصح أن يقطع قائما بتسليمة واحدة لان القعود مشروط للتحلل، وهذا قطع وليس بتحلل، فإن التحلل عن الظهر لا يكون على رأس الركعتين، ويكفيه تسليمة واحدة للقطع انتهى. وهكذا صححه في غاية البيان معزيا إلى فخر الاسلام ا ه. قوله: (أتم) أي وجوبا، فلو قطع واقتدى كان آثما. رملي. وفي القهستاني: وفيه إشارة إلى أنه لا يشتغل بحيلة، مثل أن لا يقعد على الرابعة ويصيرها ستا كما في المحيط. ومثل أن يصلي الرابعة قاعدا لتنقلب نفلا، لان الاتمام فرض كما في المنية ا ه. قوله: (ثم اقتدى متنفلا) أي إن شاء، وهو أفضل إمداد. وأورد أن التنفل بجماعة مكروه خارج رمضان. وأجيب بنعم إذا كان الامام والقوم متطوعين، أما إذا أد الامام الفرض والقوم النفل فلا، لقوله عليه الصلاة والسلام للرجلين إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة أي نافلة، كذا في الكافي بحر. قوله: (ويدرك بذلك فضيلة الجماعة) الظاهر أن المراد أنه يحصل بذلك الاقتداء فضيلة الجماعة التي هي المضاعفة بخمس أو سبع وعشرين درجة، كما لو كان صلى الفريضة مقتديا، لأن هذه جماعة مشروعة أيضا: إما لاستدراك ما فات أو لئلا يصير مخالفا للجماعة، ولكن الظاهر أن هذه المضاعفة مضاعفة ثواب النفل لا الفرض، فليراجع. قوله: (حاوي) أي حاوي القدسي كما في البحر، لا حاوي الحصيري ولا حاوي الزاهدي. قوله: (مطلقا) أي سواء قيد الأولى بسجدة أو لا. قوله: (خلافا لما رجحه الكمال) حيث قال: وقيل يقطع على رأس الركعتين، وهو الراجح، لأنه يتمكن من قضائها بعد الفرض. ولا إبطال في التسليم على الركعتين، فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب ا ه. أقول: وظاهر الهداية اختياره، وعليه مشى في الملتقى ونور الايضاح والمواهب وجمعة الدرر والفيض، وعزاه الشرنبلالية إلى البرهان. وذكر في الفتح أنه حكي عن السعدي أنه رجع إليه لما رآه في النوادر عن أبي حنيفة وأنه مال إليه السرخسي والبقالي. وفي البزازية أنه رجع إليه القاضي النسفي. وظاهر كلام المقدسي الميل إليه. ونقل في الحلية كلام شيخه الكمال. ثم قال: وهو كما قال.
56 هذا، وما رجحه المصنف صرح بتصحيحه الولوالجي وصاحب المبتغى والمحيط ثم الشمني. وفي جمعة الشرنبلالية: وعليه الفتوى. قال في البحر، والظاهر ما صححه المشايخ، لأنه لا شك أن في التسليم على الركعتين إبطال وصف السنية لا لاكمالها، وتقدم أنه لا يجوز، ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للأربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني، إلى غير ذلك كما قدمناه ا ه. وأقره في النهر. أقول: لكن تقدم في باب النوافل أنه يقضي ركعتين لو نوى أربعا وأفسده، وأنه ظاهر الرواية عن أصحابنا وعليه المتون، وأنه صحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف إليه، وصرح في البحر أنه يشمل السنة المؤكدة كسنة الظهر، حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية، وأن المشايخ من اختار قول أبي يوسف في السنن المؤكدة، واختاره ابن الفضل وصححه في النصاب، وقدمنا هناك أن ظاهر الهداية وغيرها ترجيح ظاهر الرواية، فحيث كانت المتون على ظاهر الرواية من أنه لا يلزمه بالشروع في السنن إلا ركعتان لم تكن في حكم صلاة واحدة من كل وجه، ولم يكن في التسليم على الركعتين إبطالا لها (1) وإبطال وصف السنية لما هو أقوى منه مع إمكان تداركها بالقضاء بعد الفرض لا محذور فيه، فتدبر. ثم اعلم أن هذا كله حيث لم يقم إلى الثالثة، أما إن قام إليها وقيدها بسجدة، ففي رواية النوادر يضيف إليها رابعة ويسلم، وإن لم يقيدها بسجدة. قال في الخانية: لم يذكر في النوادر. واختلف المشايخ فيه قيل يتمها أربعا ويخفف القراءة، وقيل يعود إلى القعدة ويسلم، وهذا أشبه ا هي. قال في شرح المنية والأوجه أن يتمها، لأنها إن كانت صلاة واحدة فظاهر، وإن كانت كغيرها من النوافل كل شفع صلاة فالقيام إلى الثالثة كالتحريمة المبتدأة، وإذا كان أول ما تحرم يتم شفعا فكذا هنا ا ه. مطلب في كراهة الخروج من المسجد بعد الاذان قوله: (وكره تحريما للنهي) وهو ما في ابن ماجة من أدرك الاذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد، فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر. قال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم والموقوف في مثله كالمرفوع. بحر. قوله: (من مسجد أذن فيه) أطلقه، فشمل ما إذا أذن وهو فيه، أو دخل بعد الاذان كما في البحر والنهر. قوله: (والمراد) بحث لصاحب البحر حيث قال: والظاهر أن مرادهم من الاذان فيه هو دخول الوقت وهو داخله، سواء أذن فيه أو في غيره، كما أن الظاهر من الخروج من غير صلاة عدم الصلاة مع الجماعة، سواء خرج أو مكث بلا صلاة كما نشاهده من بعض الفسقة، حتى لو كانت الجماعة يؤخرون لدخول الوقت المستحب كالصبح مثلا فخرج ثم رجع وصلى معهم ينبغي أن لا يكره، ولم أره كله منقولا ا ه. وجزم بذلك كله في النهر لدلالة كلامهم عليه. قوله: (إلا لمن ينتظم به أمر جماعة أخرى) بأن كان إماما أو مؤذنا تتفرق الناس بغيبته لأنه ترك صورة تكميل معنى، والعبرة للمعنى. بحر. وظاهر الاطلاق أن له
(1) قوله: (ابطالا لها) هكذا بخطه، ولعل صوابه ابطال بالرفع كما لا يخفى ا ه مصححه. 57 الخروج ولو عند الشروع في الإقامة، وبه صرح في متن الدرر والقهستاني وشرح الوقاية قوله: (أو كان الخروج لمسجد حيه الخ) أي وإن لم يكن إماما ولا مؤذنا كما في النهاية قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، إذ خروجه مكروه تحريما، والصلاة في مسجد حيه مندوبة، فلا يرتكب المكروه لأجل المندوب، ولا دليل يدل عليه ا ه. قلت: لكن تتمة عبارة النهاية هكذا، لان الواجب عليه أن يصلي في مسجد حيه، ولو صلى في هذا المسجد فلا بأس أيضا لأنه صار من أهله. والأفضل أن لا يخرج لأنه يتهم ا ه. ومثله في المعراج، فتأمل، وقيد بقوله: ولم يصلوا فيه تبعا لما في شروح الهداية، لأنه لو صلوا في مسجد حيه لا يخرج لأنه صار من أهل هذا المسجد بالدخول. نهاية. قوله: (أو لأستاذه الخ) معطوف على حيه: أي أو لمسجد أستاذه. قال في المعراج: ثم للمتفقه جماعة مسجد أستاذه لأجل درسه أو لسماع الاخبار أو لسماع مجلس، العامة أفضل بالاتفاق لتحصيل الثوابين ا ه. ومثله في النهاية. وظاهره أنه إنما يخرج إذا خشي فوات الدرس أو بعضه وإلا فلا، وأنه لا يتوقف على أن يكون الدرس مما يجب تعلمه عليه. وفي حاشية أبي السعود أن ما أورده في البحر في مسجد الحي وارد هنا. قوله: (أو لحاجة الخ) بحث لصاحب النهر أخذه من الحديث المار. قوله: (بل تركه للجماعة) يعني أن نفي الكراهة المفهوم من الاستثناء ليس من كل وجه، بل المراد نفي كراهة الخروج من حيث ذاته، وأما من حيث سببه، وهو كونه قد صلى تلك الصلاة وحده فإنه مكروه، بمعنى أنه لو صلى وحده ليخرج يكره له ذلك، لان ترك الجماعة مكروه لأنها واجبة أو سنة مؤكدة قريبة منه. تنبيه: يعلم من هنا ومن قوله: وإن صلى ثلاثا منها أتم ثم اقتدى متنفلا أن من صلى منفردا لا يؤمر بالإعادة جماعة، مع أنهم قالوا: كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تجب إعادتها. وزاد ابن الهمام وغيره ومع كراهة التنزيه تستحب الإعادة، ولا شك في كراهة ترك الجماعة على القول بسنيتها أو وجوبها لوجود الاثم على القولين، إلا أن يجاب بحمل ما هنا على ما إذا تركها بعذر، وهو خلاف ما يتبادر من كلامهم، وقدمنا تمام الكلام على ذلك في واجبات الصلاة، ولم يظهر لي جواب شاف، فليتأمل. قوله: (إلا عند الشروع في الإقامة الخ) ظاهره الكراهة، ولو كان مقيم جماعة أخرى لان في خروجه تهمة. قال الشيخ إسماعيل: وهو المذكور في كثير من الفتاوى، والتهمة هنا نشأت من صلاته منفردا، فإذا خرج يؤيدها، بخلاف ما مر عن الدرر وشرح الوقاية فهما مسألتان، فما تقدم فيما إذا كان مقيم جماعة أخرى وخرج عند الإقامة ولم يكن صلى، وهنا فيما إذا كان صلى وقد اشتبه ذلك على بعض الشراح، والمراد بمقيم الجماعة من ينتظم به أمرها نحو المؤذن والامام كما مر، والمراد به هنا المؤذن، لان الامام لو صلى منفردا لا يمكن أن يقيم جماعة أخرى، فافهم. قوله: (لما مر) أي من قوله: إحرازا للنفل والجماعة ح. قوله: (وإن أقيمت) بيان للاطلاق ط.
58 والحاصل أنه لا يكره الخروج بعد الاذان لمن كان صلى وحده في جميع الصلوات، إلا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع في الإقامة فقط لا قبله. تنبيه: المراد بالإقامة هنا شروع المؤذن في الإقامة كما في الهداية، لا بمعنى الشروع في الصلاة كما مر. قوله: (البتيراء) تصغير البتراء: وهي الركعة الواحدة التي لا ثانية لها، والثلاث تستلزمها، لكن إن كانت واحدة فقط فهي باطلة كما مر عن البحر، وإن كانت ثلاثا بأن سلم مع الامام: فقيل لا يلزمه شئ، وقيل فسدت، فيقضي أربعا كما لو نذر ثلاثا كما في البحر، وقدمنا عنه أنه لو اقتدى فيها فالأحوط أن يتمها أربعا وإن كان فيه مخالفة الامام. قوله: (أشد) أي من التنفل بعد الفجر والعصر ومن البتيراء، لقول المحيط: لان مخالفة الجماعة وزر عظيم. قلت: لكن صرح في مختارات النوازل بأن الخروج أولى، لأن هذه المخالفة أقل كراهة. تأمل. قوله: (قلت الخ) وارد على قوله: وفي المغرب أحد المحظورين وعلى قوله: أشد فإنه يقتضي بمفهومه أن الصلاة مع الامام فيها كراهة شديدة وهي التحريمية، لكن قال ح: ما في القهساني مردود، لان صاحب الهداية صرح بالكراهة، وصاحب غاية البيان بأنها بدعة، وقاضيخان في شرح الجامع الصغير بأنها حرام. قال في البحر: والظاهر ما في الهداية، لان المشايخ يستدلون بأنه (ص) نهى عن البتيراء، وهو من قبيل ظني الثبوت قطعي الدلالة فيفيد كراهة التحريم على أصولنا. قوله: (وفي المضمرات الخ) من كلام القهستاني قصد به تأييد ما ادعاه من كون الكراهة تنزيهية الذي هو معنى الإساءة ا ه ح. مطلب: هل الإساءة دون الكراهة أو أفحش قلت: لكن قدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أن الإساءة دون الكراهة أو أفحش، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية. قوله: (وإذا خاف الخ) علم منه ما إذا غلب على ظنه بالأولى. نهر. وإذا تركت لخوف فوت الجماعة فالأولى أن تترك لخوف خروج الوقت ط عن أبي السعود. قوله: (تركها) أي لا يشرع فيها، وليس المراد بقطعها لما مر أن الشارع في النفل لا يقطعه مطلقا، فما في النهر هنا من قوله: ولو قيد الثانية منها بالسجدة غير صحيح كما نبه عليه الشيخ إسماعيل. قوله: (لكون الجماعة أكمل) لأنها تفضل الفرد منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا تبلغ ركعتا الفجر ضعفا واحدا منها لأنها أضعاف الفرض، والوعيد على الترك للجماعة ألزم منه على ركعتي الفجر، وتمامه في الفتح والبحر. وقوله: (بأن رجا إدراك ركعة) تحويل لعبارة المتن، وإلا فالمتبادر منها القول الثاني. قوله: (قيل التشهد) أي إذا رجا إدراك الامام والتشهد لا يتركها بل يصليها، وإن علم أن تفوته الركعتان معه. قوله: (تبعا للبحر) فيه أن صاحب البحر ذكر أن كلام الكنز يشمل التشهد، ثم ذكر أن ظاهر الجامع الصغير أنه لو رجا إدراك التشهد فقط يترك السنة.
59 ونقل عن الخلاصة أنه ظاهر المذهب وأنه رجحه في البدائع. ونقل عن الكافي والمحيط أنه يأتي بها عندهما خلافا لمحمد، فليس فيه سوى حكاية القولين، بل ذكر قبل ذلك ما يدل على اختياره لظاهر الرواية حيث قال: وإن لم يمكن بأن خشي فوت الركعتين أحرز أحقهما وهو الجماعة. قوله: (لكن ضعفه في النهر) حيث قال: إنه تخريج على رأي ضعيف ا ه. قلت: لكن قواه في فتح القدير بما سيأتي، من أن من أدرك ركعة من الظهر مثلا فقد أدرك فضل الجماعة وأحرز ثوابها كما نص عليه محمد وفاقا لصاحبيه، وكذا لو أدرك التشهد يكون مدركا لفضيلتها على قولهم. قال: وهذا يعكر على ما قيل: إنه لو رجا إدراك التشهد لا يأتي بسنة الفجر على قول محمد. والحق خلافه لنص محمد على ما يناقضه ا ه: أي لان المدار هنا على إدراك فضل الجماعة، وقد اتفقوا على إدراكه بإدراك التشهد، فيأتي بالسنة اتفاقا كما أوضحه في الشرنبلالية أيضا، وأقره في شرح المنية وشرح نظم الكنز وحاشية الدرر لنوح أفندي وشرحها للشيخ إسماعيل ونحوه في القهستاني.، وجزم به الشارح في مواقيت الصلاة. قوله: (عند باب المسجد) أي خارج المسجد كما صرح به القهستاني. وقال في العناية: لأنه لو صلاها في المسجد كان متنفلا فيه عند اشتغال الامام بالفريضة وهو مكروه، فإن لم يكن على باب المسجد موضع للصلاة يصليها في المسجد خلف سارية من سواري المسجد، وأشدها كراهة أن يصليها مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يلي ذلك خلف الصف من غير حائل ا ه. ومثله في النهاية والمعراج. قوله: (وإلا تركها) قال في الفتح: وعلى هذا: أي على كراهة صلاتها في المسجد ينبغي أن لا يصلي فيه إذا لم يكن عند بابه مكان، لان ترك المكروه مقدم على فعل السنة، غير أن الكراهة تتفاوت، فإن كان الامام في الصيفي فصلاته إياها في الشتوي أخف من صلاتها في الصيفي وعكسه، وأشد ما يكون كراهة أن يصليها مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة ا ه. والحاصل أن السنة في سنة الفجر أن يأتي بها في بيته، وإلا فإن كان عند باب المسجد مكان صلاها فيه وإلا صلاها في الشتوي أو الصيفي إن كان للمسجد موضعان، وإلا فخلف الصفوف عن سارية، لكن فيما إذا كان للمسجد موضعان والامام في أحدهما، ذكر في المحيط أنه قيل لا يكره لعدم مخالفة القوم، وقيل يكره لأنهما كمكان واحد. قال: فإذا اختلف المشايخ فيه فالأفضل أن لا يفعل. قال في النهر: وفيه إفادة أنها تنزيهية ا ه. لكن في الحلية قلت: وعدم الكراهة أوجه للآثار التي ذكرناها ا ه. ثم هذا كله إذا كان الامام في الصلاة، أما قبل الشروع فيأتي بها في أي موضع شاء كما في شرح المنية. قال الزيلعي: وأما بقية السنن إن أمكنه أن يأتي بها قبل أن يركع الامام أتى بها خارج المسجد ثم اقتدى، وإن خاف فوت ركعة اقتدى. قوله: (ثم ما قيل الخ) قال في الفتح: وما عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه ينبغي أن يشرع فيها ثم يقطعها فيجب القضاء فيتمكن من القضاء بعد الصلاة، دفعه الامام السرخسي بأن ما وجب بالشروع ليس أقوى مما وجب بالنذر. ونص محمد أن المنذور لا يؤدي بعد الفجر قبل الطلوع. وأيضا شروع في العبادة بقصد الافساد. فإن قيل: ليؤديها مرة أخرى. قلنا: إبطال العمل منهي، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ا ه. وقوله: ثم يكبر للفريضة أينوي السنة أولا ويكبر، ثم ينوي الفريضة بقلبه ويكبر
60 بلسانه، فيصير متنفلا عنها إلى الفرض، وفي هذا إبطال لها ضمنا فالظاهر أنه منهي أيضا فلا يظهر قول العلامة المقدسي: إنه لو فعل كذلك ثم قضاها بعد ارتفاع الشمس لا يرد شئ مما ذكر ا ه فتأمل. ثم رأيت ما ذكره في شرح المنية قائلا: ويدل عليه قول الكنز في باب ما يفسد الصلاة: وافتتاح العصر أو التطوع بعد ركعة الظهر، فإنه صريح بأن الظهر يفسد بالشروع في غيره ا ه. تنبيه: قال في القنية: لو خاف أنه لو صلى سنة الفجر بوجهها تفوته الجماعة، ولو اقتصر فيها بالفاتحة وتسبيحة في الركوع والسجود يدركها فله أن يقتصر عليها، لان ترك السنة جائز لادراك الجماعة، فسنة السنة أولى. وعن القاضي الزرنجري: لو خاف أن تفوته الركعتان يصلي السنة ويترك الثناء والتعوذ وسنة القراءة، ويقتصر على آية واحدة ليكون جمعا بينها، وكذا في سنة الظهر ا ه. وفيه أيضا: صلى سنة الفجر وفاته الفجر لا يعيد السنة إذا قضى الفجر ا ه. قوله: (ولا يقضيها إلا بطريق التبعية الخ) أي لا يقضي سنة الفجر إلا إذ فاتت مع الفجر فيقضيها تبعا لقضائه لو قبل الزوال - وأما إذا فاتت وحدها فلا تقضى قبل طلوع الشمس بالاجماع، لكراهة النفل بعد الصبح، وأما بعد طلوع الشمس فكذلك عندهما. وقال محمد: أحب إلي أن يقضيها إلى الزوال كما في الدرر. قيل هذا قريب من الاتفاق، لان قوله أحب إلي دليل على أنه لو لم يفعل لا لوم عليه. وقالا: لا يقضي، وإن قضى فلا بأس به، كذا في الخبازية، ومنهم من حقق الخلاف وقال: الخلاف في أنه لو قضى كان نفلا مبتدأ أو سنة، كذا في العناية: يعني نفلا عندهما سنة عنده كما ذكره في الكافي. إسماعيل. قوله: (لقضاء فرضها) متعلق بالتبعية، وأشار بتقدير المضاف إلى أن التبعية في القضاء فقط، فليس المراد أنها تقضى بعده تبعا بل تقضى قبله تبعا لقضائه قوله: (لا بعده في الأصح) وقيل تقضى بعد الزوال تبعا، ولا تقضى مقصودة إجماعا كما في الكافي إسماعيل. قوله: (لورود الخبر) وهو ما روى أنه (ص) قضاها مع الفرض غداة ليلة التعريس بعد ارتفاع الشمس كما رواه مسلم في حديث طويل. والتعريس: نزول المسافر آخر الليل كما ذكره في المغرب. إسماعيل. قوله: (في الوقت المهمل) هو ما ليس وقت فريضة: وهو ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وليس عندنا وقت مهمل سواه على الصحيح، وقيل مثله ما بين بلوغ الظل مثله إلى المثلين. قوله: ( بخلاف القياس) متعلق بورود أو بقضائها، فافهم، وذلك لان القضاء مختص بالواجب لأنه كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب بعد وقته فلا يقضى غيره إلا بسمعي، وهو قد دل على قضاء سنة الفجر فقلنا به، وكذا ما روي عن عائشة في سنة الظهر كما يأتي، ولذا نقول: لا تقضى سنة الظهر بعد الوقت فيبقى ما وراء ذلك على العدم كما في الفتح. قوله: (وكذا الجمعة) أي حكم الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر كما لا يخفى. بحر. وظاهره أنه لم يره في البحر منقولا صريحا، وقد ذكره في القهستاني، لكن لم يعزه إلى أحد. وذكر السراج الحانوتي أن هذا مقتضى ما في المتون وغيرها، لكن قال في روضة العلماء: إنها تسقط لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا خرج الامام فلا صلاة إلا المكتوبة ا ه رملي. أقول: وفي هذا الاستدلال نظر، لأنه إنما يدل على أنها لا تصلى بعد خروجه لا على أنها
61 تسقط بالكلية ولا تقضى بعد الفراغ من المكتوبة، وإلا لزم أن لا تقضى سنة الظهر أيضا فإنه ورد في حديث مسلم وغيره إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة نعم قد يستدل للفرق بينهما بشئ آخر، وهو أن القياس في السنن عدم القضاء كما مر، وقد استدل قاضيخان لقضاء سنة الظهر بما عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي (ص) كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاهن بعده فيكون قضاؤها ثبت بالحديث على خلاف القياس كما في سنة الفجر، كما صرح به في الفتح، فالقول بقضاء سنة الجمعة يحتاج إلى دليل خاص، وعليه فتنصيص المتون على سنة الظهر دليل على أن سنة الجمعة ليست كذلك، فتأمل. قوله: (فإنه إن خاف فوت ركعة الخ) بيان لوجه المخالفة بين سنة الظهر وسنة الفجر، ومفهومه أنه يأتي بها وإن أقيمت الصلاة إذا علم أنه يدرك معه الركعة الأولى بعد أن لا يكون مخالطا للصف بلا حائل كما مر . ويشكل عليه ما تقدم في أوقات الصلاة من كراهة التطوع عند الإقامة للمكتوبة، لكن نقلنا هناك عن عدة كتب تخصيص الكراهة المذكورة بإقامة صلاة الجمعة. والفرق أن التنفل عندها لا يخلو غالبا عن مخالطة الصفوف لكثرة الزحام، بخلاف غيرها من المكتوبات. قوله: (على أنها سنة) أي اتفاقا. وما في الخانية وغيرها من أنها نفل عنده سنة عندهما فهو من تصرف المصنفين، لان المذكور في المسألة الاختلاف في تقديمها أو تأخيرها، والاتفاق على قضائها، وهو اتفاق على وقوعها سنة كما حققه في الفتح وتبعه في البحر والنهر وشرح المنية. قوله: (في وقته) فلا تقضى بعده لا تبعا ولا مقصودا، بخلاف سنة الفجر. وظاهر البحر الاتفاق على ذلك، لكن صرح في الهداية بأن في قضائها بعد الوقت تبعا للفرض اختلاف المشايخ، ولذا قال في النهر: إن ما في البحر سهو. وأجاب الشيخ إسماعيل بأنه بناه على الأصح. قوله: (عند محمد) وعند أبي يوسف بعده، كذا في الجامع الصغير الحسامي، وفي المنظومة وشروحها: الخلاف على العكس. وفي غاية البيان: يحتمل أن يكون عن كمن الامامين روايتان. ح عن البحر. قوله: (وبه يفتى) أقول: وعليه المتون لكن رجح في الفتح تقديم الركعتين. قال في الامداد: وفي فتاوى العتابي أنه المختار. وفي مبسوط شيخ الاسلام أنه الأصح، لحديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر يصليهن بعد الركعتين وهو قول أبي حنيفة، وكذا في جامع قاضيخان ا ه. والحديث قال الترمذي: (حسن غريب) فتح. قوله: (وأماما قبل العشاء فمندوب) يعني قد علم حكم سنة الفجر والظهر والجمعة ولم يبق النوافل القبلية إلا سنة العصر، ومن المعلوم أنها لا تقضى لكراهة التنفل بعد صلاة العصر، وكذا سنة العشاء، لكن لا تقضى لأنها مندوبة. أقول: وفي هذا التعليل نظر، لأنه يوهم أن قضاء سنة الفجر والظهر لسنيتهما، ولو كانتا مندوبتين لم تقضيا وليس كذلك، لان قضاءهما ثبت بالنص على خلاف القياس، فيبقى ما وراء النص على العدم كما صرح به في الفتح حتى لو ورد نص في قضاء المندوب نقول به، وبهذا ظهر لك ما في قول الامداد: إن التي قبل العشاء مندوبة فلا مانع من قضائها بعد التي تلي العشاء ا ه، نعم لو قضاها لا تكون مكروهة بل تقع نفلا مستحبا، لا على أنها هي التي فاتت عن محلها كما
62 قالوه في سنة التراويح. قوله: (ولا يكون مصليا جماعة الخ) فلو حلف لا يصلي الظهر جماعة لا يحنث بإدراك ركعة أو ركعتين اتفاقا، وفي الثلاث الخلاف الآتي وهذه المسألة موضعها كتاب الايمان وذكرها هنا كالتوطئة لقوله: بل أدرك فضلها إذ ربما يتوهم أن بين إدراك الفضل والجماعة تلازما، فاحتاج إلى دفعه. أفاده في النهر. قوله: (من ذوات الأربع) ليس قيدا إذ الثنائي والثلاثي كذلك، وإنما خصه بالذكر لأجل قوله: وكذا مدرك الثلاث ح. قوله: (لكنه أدرك فضلها) أي الجماعة اتفاقا أيضا لان من أدرك آخر الشئ فقد أدركه، ولذا لو حلف لا يدرك الجماعة حنث بإدراك الامام ولو في التشهد نهر. قوله: (اتفاقا) أي بين محمد وشيخيه، وإنما خص في الهداية محمدا بالذكر، لان عنده لو أدركه في تشهد الجمعة لم يكن مدركا للجمعة، فمقتضاه أن لا يدرك فضيلة الجماعة هنا لأنه مدرك للأقل، فدفع ذلك الوهم بذكر محمد كما أفاده في الفتح والبحر. قوله: (دون المدرك) أي الذي أدرك أول صلاة الامام وحصل فضل تكبيرة الافتتاح معه، فإنه أفضل ممن فاتته التكبيرة، فضلا عمن فاتته ركعة أو أكثر. وقد صرح الأصوليون بأن فعل المسبوق أداء قاصر، بخلاف المدرك فإنه أداء كامل. قوله: (واللاحق كالمدرك) قال في البحر: وأما اللاحق فصرحوا بأن ما يقضيه بعد فراغ الامام أداء شبيه بالقضاء. وظاهر كلام الزيلعي أنه كالمدرك لكونه خلف الامام حكما ولهذا لا يقرأ، فيقتضي أن يحنث في يمينه لو حلف لا يصلي بجماعة ولو فاته مع الامام الأكثر ا ه. قلت: ويؤيده ما مر في باب الاستخلاف، من أنه لو أحدث الامام عمدا بعد القعدة الأخيرة تفسد صلاة المسبوق لا المدرك، وفي اللاحق تصحيحان. وظاهر البحر والنهر هناك تأييد الفساد، وقدمنا ما يقويه أيضا. قوله: (وكذا مدرك الثلاث) ومدرك الثنتين من الثلاثي كذلك، وأما مدرك ركعة الثنائي فالظاهر أنه لا خلاف فيه كما في مدرك الركعتين من الرباعي. قوله: (وضعفه في البحر) أي بما اتفقوا عليه في الايمان من أنه لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلا بأكل كله، فإن الأكثر لا يقام مقام الكل. قوله: (وإذا أمن فوت الوقت الخ) أي بأن كان الوقت باقيا لا كراهة فيه كما في فتح القدير. ثم اعلم أن عبارة المصنف مساوية لعبارة الكنز. وقال الزيلعي: وهو كم مجمل يحتاج إلى تفصيل فنقول: إن التطوع على وجهين: سنة مؤكدة وهي الرواتب. وغير مؤكدة وهي ما زاد عليها، والمصلى لا يخلو إما أن يؤدي الفرض بجماعة أو منفردا، فإن كان بجماعة فإنه يصلي السنن الرواتب قطعا، فلا يخير فيها مع الامكان لكونها مؤكدة، وإن كان يؤديه منفردا فكذلك الجواب في رواية. وقيل يتخير، والأول أحوط لأنها شرعت قبل الفرض لقطع طمع الشيطان عن المصلي وبعده لجبر نقصان تمكن في الفرض والمنفرد أحوج إلى ذلك، والنص الوارد فيها لم يفرق فيجري على
63 إطلاقه، إلا إذ خاف الفوت لان أداء الفرض في وقته واجب، وأما ما زاد على السنن والرواتب فيتخير المصلي فيه مطلقا ا ه: أي سواء صلى الفرض منفردا أو بجماعة. والظاهر أن المصنف لما رأى هذا الاجمال في عبارة الكنز زاد عليها قوله: ويأتي بالسنة ولو صلى منفردا تصريحا بما أجمله، فافهم. قوله: (مشكل بما مر) أي من أنه إذا خاف فوت ركعتي الفجر مع الامام يترك سنته، وإذا خاف فوت ركعة من الظهر يترك سنته فكيف يقال: إنه يأتي بالسنة وإن فاتته الجماعة؟ وقد استشكل ذلك المصنف في المنح، وكذا صاحب النهر والشيخ إسماعيل، وهو في غاية العجب، فإن معنى قوله: وإن فاتته الجماعة أي أنه إذا دخل المسجد ورأي الامام صلى وأراد أن يصلي وحده لفوت الجماعة فإنه يصلي السنة الراتبة لكونها مكملة، والمنفرد أحوج إلى ذلك. وعبارة الدرر صريحة في ذلك، ونصها: من فاتته الجماعة فأراد أن يصلي الفرض منفردا فهل يأتي بالسنن؟ قال بعض مشايخنا: لا يأتي بها لأنها إنما يؤتى بها إذا أدى الفرض بالجماعة، لكن الأصح أن يأتي بها وإن فاتته الجماعة، إلا إذا ضاق الوقت فحينئذ يترك ا ه. فتوهم أن المراد أنه يأتي بالسنة وإن لزم من الاتيان بها تفويت الجماعة في غاية العجب، وأعجب منه التعجب من أن الشرنبلالي لم يتعرض في حاشيته على الدرر لبيان هذا الاشكال. هذا، وقد قرر الخير الرملي كلام الدرر بنحو ما ذكرنا، ثم قال: فافهم ذلك وكن على بصيرة منه، فإن صاحب النهر والمنح قد خلطا وخبطا في هذه المسألة خلطا فاحشا. قوله: (فوقف) وكذا لو لم يقف بل انحط فرفع الامام قبل ركوعه لا يصير مدركا لهذه الركعة مع الامام. فتح. ويوجد في بعض النسخ. فوقف بلا عذر: أي بأن أمكنه الركوع فوقف ولم يركع، وذلك لان المسألة فيها خلاف زفر، فعنده إذا أمكنه الركوع فلم يركع أدرك الركعة، لأنه أدرك الامام فيما له حكم القيام. قوله: (لان المشاركة) أي أن الاقتداء متابعة على وجه المشاركة ولم يتحقق من هذا مشاركة لا في حقيقة القيام ولا في الركوع، فلم يدرك معه الركعة إذ لم يتحقق مسمى الاقتداء بعد، بخلاف من شاركه في القيام ثم تخلف عن الركوع لتحقق مسمى الاقتداء منه بتحقق جزء مفهومه، فلا ينتقض بعد ذلك بالتخلف لتحقق مسمى اللاحق في الشرع اتفاقا وهو بذلك، وإلا انتفى، كذا في الفتح. وحاصله أن الاقتداء لا يثبت في الابتداء على وجه يدرك به الركعة مع الامام إلا بإدراك جزء من القيام أو مما في حكمه وهو الركوع لوجود المشاركة في أكثرها، فإذا تحقق منه ذلك لا يضره التخلف بعده، حتى إذا أدركه في القيام فوقف حتى ركع الامام ورفع فركع هو صح لتحقق مسمى الاقتداء في الابتداء فإن ذلك حقيقة اللاحق، وإلا لزم انتفاء اللاحق مع أنه محقق شرعا، فافهم. قوله: (فيأتي بها قبل الفراغ) المراد أنه يأتي بها قبل متابعة الامام فيما بعدها، حتى لو تابع الامام ثم أتى بعد فراغ إمامه بما فاته صح وأثم لترك واجب الترتيب، وإنما عبر بالفراغ لمقابلته للمسبوق، فإنه إنما يأتي بما
64 سبق به بعد فراغ إمامه، فافهم. قوله: (ومتى لم يدرك الركوع) أي في مسألة المتن. وحاصله أنه إذا لم يدرك الركعة لعدم متابعته له في الركوع أو لرفع الامام رأسه منه قبل ركوعه لا يجوز له القطع كما يفعله بعض الجهلة لصحة شروعه، ويجب عليه متابعته في السجدتين وإن لم تحسبا له، كما لو اقتدى به بعد رفعه من الركوع أو وهو ساجد كما في البحر. قوله: (وإن لم تحسبا له) أي من الركعة التي فاتته، بل يلزمه الاتيان بها تامة بعد الفراغ. قوله: (ولا تفسد بتركهما) أي السجدتين، لان وجوب الاتيان بهما إنما هو لوجوب متابعة الامام لئلا يكون مخالفا له، كما تجب متابعة المسبوق في القعدة وإن لم تكن على ترتيب صلاته، وإلا فهاتان السجدتان ليستا بعض الركعة التي فاتته، لان السجود لا يصح إلا مرتبا على ركوع صحيح، ولذا لزمه الاتيان بركعة تامة. قوله: (فلو لم يدرك الخ) الأخصر إسقاط هذا والاقتصار على قوله: لكنه إذا سلم الامام فقام وأتى بركعة الخ. قوله: (وقد ترك واجبا) هو متابعة الامام في السجود عند شروعه، وليس المراد أنه إذا أتى بركعة تامة بعد سلام الامام ولم يقض السجدتين أيضا يكون تاركا واجبا كما يوهمه ما فهمه الشارح في واجبات الصلاة، حيث ذكر أن مقتضى القواعد أن يقضيهما، لان ذلك خلاف القواعد، ويدل على ما قلنا عبارة التجنيس، فإنه قال: وإذا لم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة فلما فرغ الامام قام وقضى ما سبق به: تجوز الصلاة، إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الامام، وإن كانت المتابعة حين شرع واجبة في تلك السجدة ا ه. وقد أوضحنا ذلك هنا ك فراجعه. قوله: (صح ركوعه) أي لتحقق الاقتداء بمشاركته في الابتداء بجزء من القيام، فلا يضر التخلف بعده كما مر تقريره. قوله: (وكره تحريما) أي للنهي عن مسابقة الامام. قوله: (قدر الفرض) الذي في الذخيرة ثلاث آيات: أي قدر الواجب. والظاهر أنه غير قيد، وأنه ينبغي الاكتفاء بقدر الفرض كما بحثه صاحب النهر والخير الرملي، وتبعهما الشارح. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يلحقه إمامه فيه بأن رفع رأسه قبل أن يركع الامام أو لحقه ولكن كان ركوع المقتدي قبل أن يقرأ الإمام مقدار الفرض لا يجزيه ا ه. ح: أي فعليه أن يركع ثانيا وإلا بطلت كما في الامداد. قوله: (ولو سجد المؤتم الخ) أفاد أن الركوع في كلام المصنف غير قيد، بل المراد كل ركن سبقه المأموم به كما في البحر. قوله: (عن الثانية) الأولى حذف عن. قوله: (وتمامه في الخلاصة) لم أر هذه المسألة فيها، نعم فيها ما ذكره في النهر بقوله: وذكر في الخلاصة أن المقتدي لو أتى بالركوع والسجود قبل إمامه فالمسألة على خمسة أوجه: حاصلها أنه إما أن يأتي بهما قبله أو بعده أو بالركوع معه والسجود قبله أو عكسه، أو يأتي بهما قبله ويدرك في كل الركعة، ففي الأول يقضي ركعة، وفي الثالث ركعتين، وفي الرابع أربعا بلا قراءة في الكل، ولا شئ عليه في الثاني والخامس، وفيها أيضا: المقتدي إذا رفع رأسه من السجدة قبل
65 إمامه فلما أطال الامام ظن أنه سجد ثانية فسجد معه، إن نوى بها الأولى أو لم تكن له نية كانت عن السجدة الأولى، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة ترجيحا للمتابعة، وتلغو نية غيرها للمخالفة، وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية ا ه. وذكر المحشي توجيه الأولى، وقدمناه موضحا في أواخر الإمامة، والله أعلم. باب: قضاء الفوائت أي في بيان أحكام قضاء الفوائت، والاحكام تعم كيفية القضاء وغيرها ط. قوله: (لم يقل المتروكات الخ) لان في التعبير بالفوائت إسناد الفوت إليها، وفيه إشارة إلى أنه لا صنع للمكلف فيه بل هو ملجأ لعذر مبيح، بخلاف المتروكات، لان فيه إسناد الترك للمكلف ولا يليق به. رحمتي. وتقدم أول كتاب الصلاة الكلام في حكم جاحدها وتاركها وإسلام فاعلها. قوله: (إذا التأخير) علة للعلة ط. قوله: (لا تزول بالقضاء) وإنما يزول إثم الترك، فلا يعاقب عليها إذا قضاها وإثم التأخير باق، بحر. قوله: (بل بالتوبة) أي بعد القضاء، أما بدونه فالتأخير باق، فلم تصح التوبة منه، لان من شروطها الاقلاع عن المعصية كما لا يخفى، فافهم. قوله: (أو الحج) بناء على أن المبرور منه يكفر الكبائر، وسيأتي تمامه في الحج إن شاء الله تعالى ط. قوله: (ومن العذر) أي لجواز تأخير الوقتية، وأما قضاء فوائت فيجوز تأخيره للسعي على العيال كما سيذكره المصنف. قوله: (العدو) كما إذا خاف المسافر من اللصوص أو قطاع الطريق جاز له أن يؤخر الوقتية لأنه بعذر. بحر عن الولوالجية. قلت: هذا حيث لم يمكنه فعلها أصلا، أما لو كان راكبا فيصلي على الدابة ولو هاربا، وكذا لو كان يمكنه صلاتها قاعدا أو إلى غير القبلة وكان بحيث لو قام أو استقبل يراه العدو يصلي بما قدر كما صرحوا به. قوله: (وخوف القابلة الخ) وكذا خوف أمه إذا خرج رأسه، وما ذكروه من أنها لا يجوز لها تأخير الصلاة وتضع تحتها طستا وتصلي فذاك عند عدم الخوف عليه كما لا يخفى. قوله: (يوم الخندق) وذلك أن المشركين شغلوا رسول الله (ص) عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء ح عن فتح القدير. مطلب في أن الامر يكون بمعنى اللفظ، وبمعنى الصفة وفي تعريف الأداء والقضاء قوله: (ثم الأداء فعل الواجب الخ) اعلم أنهم صرحوا بأن الأداء والقضاء من أقسام المأمور به، والامر قد يراد به لفظه: أعني ما تركب من مادة أ م ر، وقد يراد به الصيغة كأقيموا الصلاة. وهي عند الجمهور حقيقة في الطلب الجازم مجاز في غيره. وأما لفظ الامر فقد اختلفوا فيه أيضا. والتحقيق وهو مذهب الجمهور أنه حقيقة في الطلب الجازم أو الراجح، فإطلاق لفظ أ م ر على الصيغة المستعملة في الوجوب أو الندب حقيقة، فالمندوب مأمور به حقيقة وإن كان استعمال الصيغة فيه مجازا، وبهذا الاعتبار يكون المندوب أداء وقضاء، لكن لما كان القضاء خاصا بما كان
66 مضمونا والنفل لا يضمن بالترك اختص القضاء بالواجب، ومنه ما شرع فيه من النفل فأفسده، فإنه صار بالشروع واجبا فيقضى، وبهذا ظهر أن الأداء يشمل الواجب والمندوب، والقضاء يختص بالواجب، ولهذا عرفهما صدر الشريعة بأن الأداء تسليم عين الثابت بالامر، والقضاء تسليم مثل الواجب به، والمراد بالثابت بالامر ما علم ثبوته بالامر فيشمل النفل، لا ما ثبت وجوبه به، ولم يقيد بالوقت ليعم أداء غير الوقت، كأداء الزكاة والأمانات والمنذورات، وتمام تحقيق ذلك في التلويح. وبهذا التقرير ظهر أن تعريف الشارح للأداء تبعا للبحر خلاف التحقيق. قوله: (في وقته) أي سواء كان ذلك الوقت العمر أو غيره. بحر. ولما كان قوله: فعل الواجب يقتضي أن لا يكون أداء إلا إذا وقع كل الواجب في الوقت مع أن وقوع التحريمة فيه كاف، أتبعه بقوله: وبالتحريمة فقط بالوقت يكون أداء فقوله: بالتحريمة متعلق بيكون والباء للسببية، والباء في قوله: بالوقت بمعنى في، ولو قال: ثم الأداء ابتداء فعل الوجب في وقته كما في البحر لاستغنى عن هذه الجملة ا ه ح. وما ذكره من أنه بالتحريمة يكون أداء عندنا، هو ما جزم به في التحرير، وذكر شارحه أنه المشهور عند الحنفية، ثم نقل عن المحيط أن ما في الوقت أداء والباقي قضاء، وذكر ط عن الشارح في شرحه على الملتقى ثلاثة أقوال، فراجعه. مطلب في تعريف الإعادة قوله: (والإعادة فعل مثله) أي مثل الواجب، ويدخل فيه النفل بعد الشروع به كما مر. قوله: (في وقته) الأولى إسقاطه لأنه خارج الوقت يكون إعادة أيضا بدليل قوله: وأما بعده فندبا أي فتعاد ندبا، وقوله: غير الفساد زاد في البحر: وعدم صحة الشروع: يعني وغير عدم صحة الشروع، وتركه الشارح لأنه أراد بالفساد ما هو الأعم من أن تكون منعقدة ثم تفسد أو لم تنعقد أصلا، ومنه قول الكنز: وفسد، اقتداء رجل بامرأة ح. ثم اعلم أن ما ذكره هنا في تعريف الإعادة هو ما مشى عليه في التحرير، وذكر شارحه أن التقييد بالوقت قول البعض: وإلا ففي الميزان الإعادة في عرف الشرع إتيان بمثل الفعل الأول على صفة الكمال بأن وجب على المكلف فعل موصوف بصفة الكمال فأداه على وجه النقصان، وهو نقصان فاحش يجب عليه الإعادة، وهو إتيان مثل الأول ذاتا مع صفة الكمال ا ه. فإنه يفيد أن ما يفعل خارج الوقت يكون إرادة أيضا كما قال صاحب الكشف وأن الإعادة لا تخرج عن أحد قسمي الأداء والقضاء ا ه. أقول: لكن صريح كلام الشيخ أكمل الدين في شرحه على أصول فخر الاسلام البزدوي عدم تقييدها بالوقت، وبكون الخلل غير الفساد، وبأنها قد تكون خارجة عن القسمين، لأنه عرفها بأنها فعل ما فعل أولا مع ضرب من الخلل ثانيا، ثم قال: إن كانت واجبة بأن وقع الأول فاسدا فهي
67 داخلة في الأداء أو القضاء، وإن لم تكن واجبة بأن وقع الأول ناقصا لا فاسدا، فلا تدخل في هذا التقسيم لأنه تقسيم الواجب وهي ليست بواجبة، وبالأول يخرج عن العهدة، وإن كان على وجه الكراهة على الأصح، فالفعل الثاني بمنزلة الجبر، كالجبر بسجود السهو ا ه. قوله: (لقولهم الخ) هذا التعليل عليل، إذ قولهم ذلك لا يفيد أن ما كان فاسدا لا يعاد، ولا أن الإعادة مختصة بالوقت، بل صرح بعده بأنها بعد الوقت إعادة أيضا. على أن ظاهر قولهم: تعاد وجوب الإعادة في الوقت وبعده، فالمناسب ما فعله في البحر حيث جعل قولهم ذلك نقضا للتعريف، حيث قيد في التعريف بالوقت مع أن قولهم بوجوب الإعادة مطلق. قلت: ويؤيده ما قدمناه عن شرح التحرير وعن شرح أصول البزدوي من التصريح بوقوعها بعد الوقت. قوله: (أي وجوبا في الوقت الخ) لم أر من صرح بهذا التفصيل سوى صاحب البحر. حيث استنبطه من كلام القنية: حيث ذكر في القنية عن الوبري أنه إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا بعده، ثم ذكر عن الترجماني أن الإعادة أولى في الحالين ا ه. قال في البحر: فعلى القولين لا وجوب بعد الوقت. فالحاصل أن من ترك واجبا من واجباتها أو ارتكب مكروها تحريميا لزمه وجوبا أن يعيد في الوقت، فإن خرج أثم، ولا يجب جبر النقصان بعده، فلو فعل فهو أفضل ا ه. أقول: ما في القنية مبني على الاختلاف في أن الإعادة واجبة أو لا، وقدمنا عن شرح أصول البزدوي التصريح بأنها إذا كانت لخلل غير الفساد لا تكون واجبة. وعن الميزان التصريح بوجوبها. وقال في المعراج: وفي جامع التمرتاشي: لو صلى في ثوب فيه صورة يكره وتجب الإعادة. قال أبو اليسر: هذا هو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة. وفي المبسوط ما يدل على الأولوية والاستحباب، فإنه ذكر أن القومة غير ركن عندهما فتركها لا يفسد، والأولى الإعادة ا ه. وقال في شرح التحرير: وهل تكون الإعادة واجبة؟ فصرح غير واحد من شراح أصول فخر الاسلام بأنها ليست بواجبة، وأنه بالأول يخرج عن العهدة وإن كان على وجه الكراهة على الأصح، وأن الثاني بمنزلة الجبر. والأوجه الوجوب كما أشار إليه في الهداية؟ وصرح به النسفي في شرح المنار، وهو موافق لما عن السرخسي وأبي اليسر: من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة. زاد أبو اليسر: ويكون الفرض هو الثاني. وقال شيخنا المصنف: يعني ابن الهمام: لا إشكال في وجوب الإعادة، إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم، ويكون جابرا للأول لان الفرض لا يتكرر، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول، وفيه أنه لازم ترك الركن لا الواجب، إلا أن يقال: المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى، إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أن سيوقعه انتهى. ومن هذا يظهر أنا إذا قلنا: الفرض هو الأول فالإعادة قسم آخر غير الأداء والقضاء، وإن قلنا الثاني فهي أحدهما ا ه. أقول: فتلخص من هذا كله أن الأرجح وجوب الإعادة، وقد علمت أنها عند البعض خاصة بالوقت، وهو ما مشى عليه في التحرير، وعليه فوجوبها في الوقت ولا تسمى بعده إعادة، وعليه يحمل ما مر عن القنية عن الوبري، وأما على القول بأنها تكون في الوقت وبعده كما قدمناه عن شرح التحرير وشرح البزدوي، فإنها تكون واجبة في الوقت وبعده أيضا على القول بوجوبها. وأما على
68 القول باستحبابها الذي هو المرجوح تكون مستحبة فيهما، وعليه يحمل ما مر عن القنية عن الترجماني، وأما كونها واجبة في الوقت مندوبة بعده كما فهمه في البحر وتبعه الشارح فلا دليل عليه، وقد نقل الخير الرملي في حاشية البحر عن خط العلامة المقدسي أن ما ذكره في البحر يجب أن لا يعتمد عليه، لإطلاق قولهم: كل صلاة أديت مع الكراهة سبيلها الإعادة ا ه. قلت: أي لأنه يشمل وجوبها في الوقت وبعده: أي بناء على أن الإعادة لا تختص بالوقت. وظاهر ما قدمناه عن شرح التحرير ترجيحه، وقد علمت أيضا ترجيح القول بالوجوب، فيكون المرجح وجو ب الإعادة في الوقت وبعده، ويشير إليه ما قدمناه عن الميزان من قوله: يجب عليه الإعادة، وهو إتيان مثل الأول ذاتا مع صفة الكمال: أي كمال ما نقصه منها، وذلك يعم وجوب الاتيان بها كاملة في الوقت وبعده كما مر. ثم هذا حيث كان النقصان بكراهة تحريم لما في مكروهات الصلاة من فتح القدير أن الحق: التفصيل بين كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الإعادة أو تنزيه فتستحب ا ه: أي تستحب في الوقت وبعده أيضا. تنبيه: يؤخذ من لفظ الإعادة ومن تعريفها بما مر أنه ينوي بالثانية الفرض، لان ما فعل أولا هو الفرض فإعادته فعله ثانيا، أما على القول بأن الفرض يسقط بالثانية فظاهر، وأما على القول الآخر فلان المقصود من تكريرها ثانيا جبر نقصان الأولى، فالأولى فرض ناقص، والثانية فرض كامل مثل الأولى ذاتا مع زيادة وصف الكمال، ولو كانت الثانية نفلا لزم أن تجب القراءة في ركعاته الأربع، وأن لا تشرع الجماعة فيها، ولم يذكروه، ولا يلزم من كونها فرضا عدم سقوط الفرض بالأولى، لان المراد أنها تكون فرضا بعد الوقوع، أما قبله فالفرض هو الأولى. وحاصله توقف الحكم بفرضية الأولى على عدم الإعادة، وله نظائر: كسلام من عليه سجود السهو يخرجه خروجا موقوفا، وكفساد الوقتية مع تذكر الفائتة كما سيأتي، وكتوقف الحكم بفرضية المغرب في طريق المزدلفة على عدم إعادتها قبل الفجر وبهذا ظهر التوفيق بين القولين، وأن الخلاف بينهما لفظي، لان القائل أيضا بأن الفرض هو الثانية أراد به بعد الوقوع، وإلا لزم الحكم ببطلان الأولى بترك ما ليس بركن ولا شرط كما مر عن الفتح، ولزم أيضا أنه يلزمه الترتيب في الثانية لو تذكر فائتة، والغالب على الظن أنه لا يقول بذلك أحد. ونظير ذلك القراءة في الصلاة، فإن الفرض منها آية والثلاث واجبة والزائد سنة، وما ذاك إلا بالنظر إلى ما قبل الوقوع، بدليل أنه لو قرأ القرآن كله في ركعة يقع الكل فرضا، وكذا لو أطال القيام أو الركوع أو السجود، هذا نهاية ما تحرر لي من فتح الملك الوهاب، فاغتنمه فإنه من مفردات هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب. قوله: (والقضاء فعل الواجب الخ) وقيل فعل مثله بناء على المرجوح من أنه يجب بسبب جديد لا بما يجب به الأداء، وتمامه في البحر وكتب الأصول. قوله: (وإطلاقه الخ) أي كما في قول المصنف الآتي وقضاء الفرض والواجب والسنة الخ، وقول الكنز: وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه، وكذا إطلاق الفقهاء القضاء على الحج بعد فساده مجازا، إذ ليس له وقت يصير بخروجه قضاء كما في البحر، وقدمنا وجه كون النفل لا يسمى قضاء وإن قلنا إنه مأمور به حقيقة كما هو قول الجمهور وأنه يسمى أداء حقيقة، كما إذا أتى بالأربع قبل الظهر، أما إذا أتى بها بعده فهي قضاء، إذ لا شك أنه ليس وقتها وإن كان وقت الظهر، فافهم. قوله: (أداء وقضاء) الواو بمعنى أو مانعة الخلو، فيشمل ثلاث
69 صور: ما إذا كان الكل قضاء أو البعض قضاء والبعض أداء، أو الكل أداء كالعشاء مع الوتر ط، ودخل فيه الجمعة، فإن الترتيب بينها بين سائر الصلوات لازم، فلو تذكر أنه لم يصل الفجر يصليها ولو كان الامام يخطب. إسماعيل عن شرح الطحاوي. قوله:) يفوت الجواز بفوته. المراد بالجواز الصحة لا الحل، وأفاد أن المراد بلازم الفرض العملي الذي هو أقوى قسمي الواجب، وهو مراد من سماه (1) فرضا كصدر الشريعة، وشرطا كالمحيط وواجبا كالمعراج كما أوضحه في البحر. قوله: (للخبر المشهور من نام عن صلاة) تمام الحديث أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الامام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها، ثم ليعد التي صلى مع الامام ح عن الدرر. وذكره في الفتح باختلاف في بعض ألفاظه مع بيان من خرجه، والاختلاف في توثيق بعض رواته وفي رفعه ووقفه، وذكر أن دعوى كونه مشهورا مردودة للخلاف في رفعه فضلا عن شهرته، وأطال في ذلك، والذي حط عليه كلامه الميل من حيث الدليل إلى قول الشافعي باستحباب الترتيب، ورد عليه في شرح المنية (2) والبرهان بما لخصه نوح أفندي، فراجعه إن شئت. قوله: (وقضاء الفرض الخ) لو قدم ذلك أول الباب أو آخره عن التفريع الآتي لكان أنسب. وأيضا قوله: والسنة يوهم العموم كالفرض والواجب وليس كذلك، فلو قال: وما يقضى من السنة لرفع هذا الوهم. رملي. قلت: وأورد عليه الوتر، فإنه عندهم سنة، وقضاؤه واجب في ظاهر الرواية، لكن يجاب بأن كلامه مبني على قول الإمام صاحب المذهب. قوله: (والواجب) كالمنذورة والمحلوف عليها وقضاء النفل الذي أفسده ط. قوله: (وقت للقضاء) أي لصحته فيها وإن كان القضاء على الفور إلا لعذر ط، وسيأتي. قوله: (إلا الثلاثة المنهية) وهي الطلوع والاستواء والغروب ح، وهي محل للنفل الذي شرع به فيها ثم أفسده ط. قوله: (كما مر) أي في أوقات الصلاة. قوله: (فلم يجز) أي بل يفسد فسادا موقوفا كما يأتي. قوله: (من تذكر) أي في الصلاة أو قبلها. قوله: (لوجوبه) أي الوتر عنده: أي عند الامام، بمعنى أنه فرض عملي عنده. قوله: (إذا ضاق الوقت) أي عند الفوائت والوقتية، أما الفوائت بعضها مع بعض فليس لها وقت مخصوص حتى يقال: يسقط ترتيبها بضيقه ط. ولو لم يمكنه أداء الوقتية إلا مع التخفيف في قصر القراءة والافعال يرتب ويقتصر على ما تجوز به الصلاة. بحر عن المجتبى. وفي الفتح: ويعتبر الضيق عند الشروع، حتى لو شرع في الوقتية مع تذكر الفائتة، وأطال
(1) قوله: (وهو مراد من سماه الخ) اي لان من سماه فرضا لم يرد الفرض الاعتقادي، إذ لا دليل عليه لان كونه فرضا عمليا طعن في ثبوته فضلا عن الاعتقادي، ومن عبر بالواجب أراد أقوى نوعيه لأنه حكم ببطلان الصلاة بفوته، وهو لازم أقوى نوعي الواجب وهو الفرض العملي. ومن عبر بالشرط أراد ما يفوت الجواز بفوته، لان الشرط الاصلاحي لا يسقط بالمسقطات المذكورة. ا ه. (2) قوله: (ورد عليه في شرح المنية الخ) حاصله ان من قال بوقفه قال بوقفه على ابن عمر، ولا ضرر فيه حيث لم تنقل مخالفة أحد من الصحابة له، وحينئذ فحكمه خكم المرفوع. واما الطعن في بعض الرواة فلم يتفق عليه بل وثق أيضا كما عرف به المحقق، ولا يخفى ان الطعن نفي للعدالة، والتوثيق اثبات، والاثبات مقدم على النفي، فحينئذ يصبح اثبات الفرض العملي بهذا الحديث، والله أعلم. ا ه. 70 حتى ضاق لا يجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها، ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيقه جازت ا ه. قوله: (المستحب) أي الذي لا كراهة فيه. قهستاني. وقيل أصل الوقت، ونسبه الطحاوي إلى الشيخين، والأول إلى محمد. والظاهر أنه احترز عن وقت تغير الشمس في العصر، إذ يبعد القول بسقوط الترتيب إذا لزم تأخير ظهر الشتاء والمغرب مثلا عن أول وقتها، ثم رأيت الزيلعي خص الخلاف بالعصر، ولذا قال في البحر: وتظهر ثمرته فيما لو تذكر الظهر وعلم أنه لو صلاه يقع قبل التغير ويقع العصر أو بعضه فيه، فعلى الأول يصلي العصر ثم الظهر بعد الغروب، وعلى الثاني يصلي الظهر ثم العصر. واختار الثاني قاضيخان في شرح الجامع. وفي المبسوط أن أكثر مشايخنا على أنه قول علمائنا الثلاثة، وصحح في المحيط الأول، ورجحه في الظهيرية بما في المنتقى من أنه إذا افتتح العصر في وقتها ثم احمرت الشمس ثم تذكر الظهر مضى في العصر. قال: فهذا نص على اعتبار الوقت المستحب ا ه. قال في البحر: فحينئذ انقطع اختلاف المشايخ، لان المسألة حيث لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها ا ه. أقول في هذا الترجيح نظر، يوضحه ما في شرح الجامع الصغير لقاضيخان، حيث قال: إنما وضع المسألة في العصر لمعرفة آخر الوقت، فعندنا آخره في حكم الترتيب غروب الشمس، وفي حكم جواز تأخير العصر تغير الشمس، وعلى القول الحسن: آخر وقت العصر عند تغير الشمس، فعنده لو تمكن من أداء الصلاتين قبل التغير لزمه الترتيب وإلا فلا. وعندنا إذا تمكن من أداء الظهر قبل التغير ويقع العصر أو بعضه بعد التغير يلزمه الترتيب، ولو أمكنه أداء الصلاتين قبل الغروب لكن لا يمكن الفراغ من الظهر قبل التغير لا يلزمه الترتيب، لان ما بعد التغير ليس وقتا لأداء شئ من الصلوات إلا عصر يومه ا ه ملخصا. وبه علم أن ما في المنتقى لا خلاف فيه، لأنه لما تذكر الظهر بعد التغير لا يمكنه صلاته فيه، فلذا لم تفسد العصر وإن كان افتتحها قبل التغير ناسيا، لان العبرة لوقت التذكر ما قدمناه آنفا عن الفتح فيما لو أطال الصلاة ثم تذكر الفائتة عند ضيق الوقت، وعلم أيضا أن المسألة ليست مبنية على اختلاف المشايخ، بل على اختلاف الرواية، فاعتبار أصل الوقت هو قول أئمتنا الثلاثة كما مر عن المبسوط، وأن عليه أكثر المشايخ، وهو مقتضى إطلاق المتون، ولذا جزم به فقيه النفس الأمم قاضيخان بلفظ عندنا فاقتضى أنه المذهب ولذا نسب القول الآخر إلى الحسن، نعم صرح في شرح المنية والزيلعي بأنه رواية عن محمد، وعليه يحمل ما مر عن الطحاوي، وقد مر أنه لو تذكر الفجر عند خطبة الجمعة يصليها مع أن الصلاة حينئذ مكروهة، بل في التاترخانية أنه يصليها عندهما وإن خاف فوت الجمعة مع الامام ثم يصلي الظهر. وقال محمد: يصلي الجمعة ثم يقضي الفجر، فلم يجعلا فوت الجمعة عذرا في ترك الترتيب، ومحمد جعله عذرا فكذلك هنا ا ه. وقد ذكر في التاترخانية عبارة المحيط وليس فيها التصحيح الذي ذكره في البحر، فالذي ينبغي اعتماده ما عليه أكثر المشايخ من أن المعتبر أصل الوقت عند علمائنا الثلاثة، والله أعلم. قوله: (حقيقة) تمييز لنسبة ضاق أي ضاق في نفس لأمر لا ظنا، ويأتي محترزه في قوله: ظن من عليه العشاء الخ. قوله: (إذ ليس من الحكمة الخ) تعليل لقوله: فلا يلزم الترتيب إذا ضاق الوقت لكنه إنما يناسب اعتبار أصل الوقت. ويمكن أن يجاب بأن معناه تفويت الوقتية عن وقتها المستحب ح. ولا يخفى أن هذا لا يسمى تفويتا، بل هو تعليل ذكره المشايخ لما هو المذهب كما قررناه. قوله:
71 (ولو لم يسع الوقت كل الفوائت) صورته: عليه العشاء والوتر مثلا ثم لم يصل الفجر حتى بقي من الوقت ما يسع الوتر مثلا وفرض الصبح فقط ولم يسع الصلوات الثلاث فظاهر كلامهم ترجيح أنه لا يجوز صلاة الصبح ما لم يصل الوتر. وصرح في المجتبى بأن الأصح جواز الوقتية ح عن البحر، لكن قال الرحمتي: الذي رأيته في المجتبى الأصح أنه لا تجوز الوقتية ا ه. قلت: راجعت المجتبى فرأيت فيه مثل ما عزاه إليه في البحر، وكذا قال القهستاني: جازت الوقتية على الصحيح قوله: (يكررها إلى الطلوع) يعني يعيدها ثانيا وثالثا، وهكذا إذا كان في كل مرة ظن أن الوقت لا يسعهما ثم ظهر فيه سعة إلى أن يظهر بعد إعادة من الاعادات ضيقة حقيقة فيعيد الوقتية ثم يصلي الفائتة، وإن ظهر بعد إعادته أنه يسعهما صلى الفائتة ثم الوقتية كما في الفتح. قوله: (أو نسيت الفائتة) معطوف على قوله: ضاق الوقت وفيه أن فر ض الكلام فيمن تذكر أنه لم يوتر، فكان (1) ينبغي للمصنف حذف التذكر. وحاصله أنه يسقط الترتيب إذا نسي الفائتة وصلى ما هو مرتب عليها من وقتية أو فائتة أخرى، وكذا يسقط بنسيان إحدى الوقتيتين، كما لو صلى الوتر ناسيا أنه لم يصل العشاء ثم صلاها، لا يعيد الوتر، لقولهم: إنه لو صلى العشاء بلا وضوء والوتر والسنة به يعيد العشاء والسنة لا الوتر، لأنه أداه ناسيا أن العشاء في ذمته فسقط الترتيب. أفاده ح. قلت: ونظيره أيضا ما في البحر عن المحيط: لو صلى العصر ثم تبين له أنه صلى الظهر بلا وضوء يعيد الظهر فقط لأنه بمنزلة الناسي. قوله: (لأنه عذر) أي لان النسيان عذر سماوي مسقط للتكليف لأنه ليس في وسعه. بحر. قوله: (أو فاتت ست) يعني لا يلزم الترتيب بين الفائتة والوقتية ولا بين الفوائت إذا كانت ستا، كذا في النهر. أما بين الوقتين كالوتر والعشاء فلا يسقط الترتيب بهذا المسقط كما لا يخفى ح. وأطلق الست فشمل ما إذا فاتت حقيقة أو حكما كما في القهستاني والامداد. ومثال الحكمية ما إذا ترك فرضا وصلى بعده خمس صلوات ذاكرا له، فإن الخمس تفسد فسادا موقوفا كما سيأتي، فالمتروكة فائتة حقيقة وحكما والخمسة الموقوفة فائتة حكما فقط. وذكر في الفتح والبحر أنه لو ترك ثلا ث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم لا يدري أيتها أولى. فيجب الترتيب بين المتروكات ويصليها سبعا، بأن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر، لاحتمال أن يكون ما صلاه أولا وهو الآخر فيعيده، ثم يصلي المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر لاحتمال كون المغرب أولا فيعيد ما صلاه أولا. وقيل يسقط الترتيب بينهما فيصلي ثلاثا فقط، وهو المعتمد، لان إيجاب الترتيب فيها يلزم منه أن تصير الفوائت كسبع معنى مع أنه يسقط بست فبالسبع أولى ا ه ملخصا، وتمامه هناك. وللشرنبلالي في هذه المسألة رسالة. قوله: (اعتقادية) خرج الفرض العملي وهو الوتر، فإن الترتيب بينه وبين غيره وإن كان فرضا لكنه لا يحسب مع الفوائت ا ه
(1) قوله: (فيمن تذكر انه لم يوتر فكان الخ) فيه ان موضوع المسألة قوله الترتيب الخ اي هذه الجملة، وقوله فلم يجز الخ تفريع على الجملة المذكورة، وقوله الا إذا ضاق الوقت الخ مستثنى من الجملة الأولى لا من قوله فلم يجز حتى يرد ما ذكر، وقوله أو نسيت عطفه على ضاق جزما، فعبارته مستقيمة لا غبار عليها ا ه. 72 ح: أي لأنه لا تحصل به الكثرة المفضية للسقوط لأنه من تمام وظيفة اليوم والليلة، والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الأوقات أو من حيث الساعات، ولا مدخل للوتر في ذلك. إمداد. قوله: (لدخولها في حد التكرار الخ) لأنه يكون واحد من الفروض مكررا، فيصلح أن يكون سببا للتخفيف بسقوط الترتيب الواجب بينها أنفسها وبينها وبين أغيارها درر. إذ لو وجب الترتيب حينئذ لافض إلى الحرج. قوله: (بخروج) متعلق بفائت. قوله: (على الأصح) احترز به عما صححه الزيلعي من أن المعتبر كون المتخلل بعد الفائتة ستة أوقات لا ست صلوات، فلو فاتته صلاة وتذكرها بعد شهر فصلى بعدها وقتية ذاكرا للفائتة أجزأته على اعتبار الأوقات، لان المتخلل بينهما أكثر من ست أوقات، فسقط الترتيب: أي مع صحة الصلوات التي بينهما لسقوط الترتيب فيها بالنسيان، وعلى اعتبار الصلوات لا تجزيه لان الفائتة واحدة، ولا يسقط الترتيب إلا بفوت ست صلوات. وصرح في المحيط بأنه ظاهر الرواية، وصححه في الكافي، وهو الموافق لما في المتون، وبه اندفع ما صححه الزيلعي وغيره، وتمامه في البحر، واحترز به أيضا عما روي عن محمد من اعتبار دخول وقت السادسة، وعما في المعراج من اعتبار دخول وقت السابعة كما أوضحه في البحر. قوله: (ولو متفرقة) أي يسقط الترتيب بصيرورة الفوائت ستا ولو كانت متفرقة، كما لو ترك صلاة صبح مثلا من ستة أيام وصلى ما بينها ناسيا للفوائت. قوله: (أو قديمة على المعتمد الخ) كما لو ترك صلاة شهر نسقا، ثم أقبل على الصلاة ثم ترك فائتة حادثة، فإن الوقتية جائزة مع تذكر الفائتة الحادثة لانضمامها إلى الفوائت القديمة وهي كثيرة فلم يجب الترتيب. وقال بعضهم: إن المسقط الفوائت الحديثة لا القديمة، ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون بالصلوات، فلا تجوز الوقتية مع تذكرها، وصححه الصدر الشهيد، وفي التجنيس: وعليه الفتوى. وذكر في المجتبى أن الأول أصح. وفي الكافي والمعراج: وعليه الفتوى، فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت، والعمل بما وافق إطلاق المتون أولى. بحر. قوله: (أو ظن ظنا معتبرا الخ) هذا مسقط رابع ذكره الزيلعي، وجزم به في الدرر، وجعله في البحر ملحقا بالنسيان وقال: إنه ليس مسقطا رابعا كما يتوهم، ثم قال: وذكر شارحو الهداية أن فساد الصلاة إن كان قويا كعدم الطهارة استتبع الصلاة التي بعده، وإن كان ضعيفا كعدم الترتيب فلا، وفرعوا عليه فرعين. أحدهما: لو صلى الظهر بلا طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها أعاد العصر، لان فساد الظهر قوي فأوجب فساد العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب. ثانيهما: لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها فالمغرب صحيحة إذا ظن عدم وجوب الترتيب، لان فساد العصر ضعيف لقول بعض الأئمة بعدمه فلا يستتبع فساد المغرب. وذكر له الأسبيجابي أصلا وهو أنه يلزمه إعادة ما صلاه ذاكرا للفائتة إن كانت الفائتة تجب إعادتها بالاجماع، وإلا فلا إن كان يرى أن ذلك يجزيه ا ه. قال في الفتح: ويؤخذ من هذا أن مجرد كون المحل مجتهدا فيه لا يستلزم اعتبار الظن فيه من الجاهل، بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن، وإن كان مما يبتنى على المجتهد فهي ويستتبعه اعتبر ذلك الظن لزيادة الضعف، ففساد العصر هو المجتهد فيه ابتداء، وفساد المغرب بسبب ذلك فاعتبر ا ه: أي اعتبر فيه الظن من الجاهل. وفيه
73 تصريح بأن محل اعتبار هذا الظن وعدمه في الجاهل لا العالم بوجوب الترتيب، وتمامه في النهر. هذا، وقد اعتر ض في البحر ما مر من الفرعين بأن المصلي لا يخلو: إما أن يكون حنفيا فلا عبرة برأيه المخالف لمذهب إمامه فيلزمه المغرب أيضا، أو شافعيا فلا يلزمه العصر أيضا أو عاميا فلا مذهب له بل مذهبه مفتيه، فإن استفتى حنفيا أعادهما أو شافعيا لا يعيدهما، وإن لم يستفت أحدا وصادف الصحة على مذهب مجتهد لا إعادة عليه ا ه. ولا يخفى أنه بحث في المنقول، فإن ما مر عن شروح الهداية من حكم الفرعين مذكور أيضا في شرح الجامع الصغير للامام قاضيخان. وذكر في الذخيرة أنه مروي عن محمد، وعزاه في التاترخانية إلى الأصل، وقد تبع الشرنبلالي صاحب البحر، لكن قال: إن موضوع المسألة في عامي لم يقلد مجتهدا ولم يستفت فقيها، فصلاته صحيحة لمصادفتها مجتدها فيه، أما لو كان حنفيا فلا عبرة بظنه المخالف لمذهب إمامه الخ. وفيه نظر، إذ لا فرق حينئذ بين العصر والمغرب لمصادفة كل منهما الصحة على مذهب الشافعي، بل هو محمول على عامي استفتى حنفيا أو التزم التعبد على مذهب أبي حنيفة معتقدا صحته وقد جهل هذا الحكم ثم علم ذلك. ولذا قال في النهر ما معناه: إن قول البحر لا عبرة برأيه المخالف الخ ممنوع، لان إمامه قد اعتبر رأيه وأسقط عنه الترتيب بظنه عدم وجوبه، فإذا كان جاهلا ذلك ثم علم لا يلزمه إعادة المغرب، ولو استفتى حنفيا فأفتاه بالإعادة لم تصح فتواه ا ه. قوله: (جاز العصر) أي إن كان يظن أنه يجزيه كما مر، وأطلقه لعلمه من التعليل بعده. قوله: (لأنه) أي جواز العصر مجتهد فيه: أي يبتنى على المجتهد فيه ابتداء، وهو جواز الظهر عند الشافعي كما مر تقريره عن الفتح. قوله: (وفي المجتبى الخ) ليس هذا مسقطا خامسا، لما علمت من أن الظن السابق إنما يعتبر من الجاهل، بل إنما نقل كلام المجتبى ليشير إلى ما قدمناه عن البحر من أن الظن المعتبر ليس مسقطا رابعا، لأنه ملحق بالنسيان، وإنما المسقطات هي الثلاث التي اقتصر عليها أصحاب المتون، فافهم. قوله: (وعليه يخرج ما في القنية) إنما حكم على الصبي بذلك لان الغالب عليه الجهل كما في النهر ح. قلت: لكن في هذا التخريج خفاء، فإن الفجر فائتة بالاجماع، فكيف لم يلزمه الترتيب اعتبارا لجهله مع أنها نظير المسألة الأولى السابقة تحت قوله: أو ظن ظنا معتبرا؟ والظاهر أنه مبني على القول باعتبار ظن الجاهل مطلقا كما يأتي بيانه قريبا. قوله: (بكثرتها) متعلق بسقوطه، وقوله: بعود الفوائت متعلق بقوله: ولا يعود وقوله: بالقضاء متعلق بقوله: بعود الفوائت إلى القلة ط. قوله: (بسبب القضاء لبعضها) كما إذا ترك رجل صلاة شهر مثلا ثم قضاها إلا صلاة ثم صلى الوقتية ذاكرا لها فإنها صحيحة ا ه بحر. وقيد بقضاء البعض، لأنه لو قضى الكل عاد الترتيب عند الكل كما نقله القهستاني. قوله: (على المعتمد) هو أصح الروايتين، وصححه أيضا في الكافي والمحيط، وفي المعراج وغيره. وعليه الفتوى. وقيل يعود الترتيب، واختاره في الهداية. ورده في الكافي
74 والتبيين، وأطال فيه في البحر. قوله: (لان الساقط لا يعود) وأما إذا قضى الكل فالظاهر أنه يلزمه ترتيب جديد فلا يقال إنه عاد. تأمل. قوله: (مجتبى) عبارته كما في البحر: ولو سقط الترتيب لضيق الوقت ثم خرج الوقت لا يعود على الأصح، حتى لو خرج في خلال الوقتية لا تفسد على الأصح، وهو مؤد على الأصح لا قاض، وكذا لو سقط مع النسيان ثم تذكر لا يعود ا ه باختصار. قوله: (عن الدراية) اقتصار على بعض اسم الكتاب للاختصار، فإن اسمه معراج الدراية، وهو شرح الهداية للكاكي، وكثيرا ما يطلقون عليه لفظ المعراج. قوله: (فليحرر) التحرير أن الخلاف لفظي في ضيق الوقت، فإن ما في المجتبى مصرح بأن عدم العود فيما إذا خرج الوقت. وما في الدراية مصرح بأن العود فيما إذا اتسع الوقت: أي ظهر أن فيه سعة فلا منافاة بينهما، وكذا في التذكر بعد النسيان، فإن ما في المجتبى محمول على ما إذا تذكر بعد الفراغ من الصلاة بدليل أنهم اتفقوا في المسائل الاثني عشرية على أنه لو تذكر فائتة وهو يصلي: فإن كان قبل القعود قدر التشهد بطلت اتفاقا، وإن كان بعده قبل السلام بطلت عنده لا عندهما. وما في الدراية محمول على ما إذا تذكر قبل الفراغ منها، كذا أفاده ح. ثم قال: وفي التحقيق ضيق الوقت ليس بمسقط حقيقة، وإنما قدمت الوقتية عند العجز عن الجمع بينهما لقوتها مع بقاء الترتيب كما صرح به في البحر عن التبيين. وينبغي أن يقال مثل ذلك في النسيان، فعلى هذا لو سقط الترتيب بين فائتة ووقتية لضيق وقت أو نسيان يبقى فيما بعد تلك الوقتية. قوله: (أصل الصلاة) تبع فيه النهر. والصواب وصف الصلاة. قال في البحر: وقيد بفساد الفريضة فإنه لا يبطل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى. وعند محمد رحمه الله تعالى يبطل، لان التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا. ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل، كذا في النهاية. وفائدته تظهر في انتقاض الطهارة بالقهقهة، كذا في العناية ا ه ح. قوله: (عند أبي حنيفة) وأما عندهما فالفساد بات. قوله: (سواء ظن وجوب الترتيب أو لا) خلافا لما في شرح المجمع عن المحيط، من أنه لا يعيد ما صلاه إذا كان عند المصلي أن الترتيب ليس بواجب، وإلا أعاد الكل، فقد نص في البحر على ضعفه. وذكر في الفتح أن تعليل قول الإمام يقطع بالاطلاق، وأقره في النهر. لا يقال: هذا مخالف لما تقدم من أن الترتيب يسقط بالظن المعتبر. وأما الجاهل يلحق بالناسي. لأنا نقول: إن ما هنا مصور فيما إذا ترك صلاة ثم صلى بعدها خمسا ذاكرا للمتروكة، فظنه عدم وجوب الترتيب هنا غير معتبر، لأنه إنما يعتبر إذا كان الفساد ضعيفا كما مر عن شراح الهداية (1) وفتح القدير، فافهم. قوله: (فإن كثرت) أي الصلاة التي صلاها تاركا فيها الترتيب، بأن صلاها قبل
(1) قوله: (كما مر عن شراح الخ) قد مر فيما نقل عن شراح الهداية التمثيل الفساد الضعيف بعدم الترتيب، وقد ذكر الأسبيجابي انه إذا كانت الفائتة يجب قضاؤها بالاجماع / والا لا يعتبر الظن. ومقتضى هذا ان تفسد أولى التوقيتات هنا فقط، لان ما بعد الأولى يكون ما قبلها غير مجمع على قضائه، وهذا مقتضى ما ذكره الكمال أيضا حيث قال: بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن، وان كان مما يبتنى عليه ويستتبعه اعتبر ذلك الظن، فان المجتهد فيه ابتداء في صورة مسئلتنا انما هو الأولى من الوقتيات، وما بعدها مبني عليها وتابع لها فيكون الظن فيه معتبرا، حينئذ تكون هذه المسألة مخالفة لما تقدم ا ه. وفرق شيخنا بين هذه الصورة وبين ما تقدم، بأن فيما تقدم لم يكن هناك صلاة مجمع على فسادها حيث أعاد المتروكة، أما هنا فلم تحصل إعادة المتروكة، وحيث لم تعد المتروكة يقال في كل الصلوات هي مجتهد فيها ابتداء وليست مبنية على المجتهد فيه ا ه. 75 قضاء الفائتة ذاكرا لها، وهذا التفريع لبيان قوله: موقوف. وتوضيحه أنه إذا فاتته صلاة ولو وترا فكلما صلى بعدها وقتية وهو ذاكر لتلك الفائتة فسدت تلك الوقتية فسادا موقوفا على قضاء تلك الفائتة، فإن قضاها قبل أن يصلي بعدها خمس صلوات صار الفساد باتا وانقلبت الصلوات التي صلاها قبل قضاء المقضية نفلا، وإن لم يقضها حتى خرج وقت الخامسة وصارت الفواسد مع الفائتة ستا انقلبت صحيحة، لأنه ظهرت كثرتها ودخلت في حد التكرار المسقط للترتيب، وبيان وجه ذلك في البحر وغيره. قال ط: وقيدوا أداء الخمسة بتذكر الفائتة، فلو لم يتذكرها سقط للنسيان، ولو تذكر في البعض ونسي في البعض يعتبر المذكور فيه، فإن بلغ خمسا صحت، ولا نظر لما نسي فيه لما قلنا. قوله: (وصارت الفوائت) أي الحكمية. وفي نسخة الفواسد أي الموقوفة. قوله: (بخروج وقت الخامسة الخ) اعلم أن المذكور في عامة الكتب كالمبسوط والهداية والكافي والتبيين وغيرها أن صحة الكل موقوفة على أداء ست صلوات بعد المتروكة. وادعى في البحر أنه خطأ. وحقق في فتح القدير أن الصحة موقوفة على دخول وقت السادسة لا على أدائها. واعترضه في النهر، بأن دخول وقت السادسة بعد المتروكة غير شرط، بل المعتبر خروج وقت الخامسة، لأنه بذلك تصير الفوائت ستا كما صرح به في معراج الدراية، مع بيان أن ما ذكر في عامة الكتب من أداء السادسة إنما هو لتصير الفوائت ستا بيقين لا لكونه شرطا البتة، وذكر نحو ذلك العلامة الشرنبلالي في الامداد عن المعراج أيضا، ومجمع الروايات والتاترخانية والسغناقي وقاضيخان، وحاصل ذلك كله ما لخصه الشارح رحمه الله تعالى. هذا، وفي النهر عن المعراج: كان ينبغي أنه لو أدى الخامسة ثم قضى المتروكة قبل خروج وقتها أن لا تفسد المؤديات بل تصح لوقوعها غير جائزة، وبها تصير الفوائت ستا. والجواب مع كونها فائتة ما بقي الوقت إذ احتمال الأداء على وجه الصحة قائم ا ه. قوله: (بعد طلوع الشمس) أي من غير توقف على دخول وقت السادسة وهي الظهر خلافا لما في الفتح، ولا على أدائها خلافا لما يوهمه ظاهر ما في عامة الكتب. قوله: (بأن لم تصر ستا) أي بأن قضى الفائتة قبل خروج وقت الخامسة. قوله: (وفيها يقال الخ) هذا ذكره في المبسوط، وهو مبني على ما مشى عليه كعامة الكتب من اشتراط أداء السادسة، فهذه السادسة إذا أداها صحت الخمسة التي قبلها، فهي صلاة تصحح خمسا، والفائتة إذا قضاها قبل أداء السادسة فسدت الخامسة التي قبلها، فهذه صلاة أخرى
76 تفسد خمسا، أما على اعتبار خروج وقت الخامسة كما مشى عليه الشارح فالمصحح والمفسد صلاة واحدة وهي الفائتة، فإذا قضاها بعد صلاة الخامسة قبل خروج وقتها أفسدت الخمس التي قبلها، وإذا خرج الوقت ولم يقض صحت الخمس: أي تحقق بها صحة الخمس،. وإلا فالمصحح حقيقة هو كثرة الفوائت بخروج وقت الخامسة، فافهم. قوله (وعليه صلوات فائتة الخ) أي بأن كان يقدر على أدائها ولو بالايماء، فيلزمه الايصاء بها وإلا فلا يلزمه وإن فلت، بأن كانت دون ست صلوات، لقوله عليه الصلاة والسلام فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه وكذا حكم الصوم في رمضان إن أفطر فيه المسافر والمريض وماتا قبل الإقامة والصحة، وتمامه في الامداد. مطلب في إسقاط الصلاة عن الميت قوله: (يعطى) بالبناء للمجهول: أي يعطي عنه وليه: أي من له ولاية التصرف في ماله بوصاية أو وراثة فيلزمه ذلك من الثلث إن أوصى، وإلا فلا يلزم الولي ذلك لأنها عبادة فلا بد فيها من الاختيار، فإذا لم يوص فات الشرط فيسقط في حق أحكام الدنيا للتعذر، بخلاف حق العباد فإن الواجب فيه وصوله إلى مستحقه لا غير، ولهذا لو ظفر به الغريم يأخذه بلا قضاء ولا رضا، ويبرأ من عليه الحق بذلك. إمداد. ثم اعلم أنه إذا أوصى بفديه الصوم يحكم بالجواز قطعا، لأنه منصوص عليه. وأما إذا لم يوص فتطوع بها الوارث فقد قال محمد في الزيادات: إنه يجزيه إن شاء الله تعالى، فعلق الاجزاء بالمشيئة لعدم النص، وكذا علقه بالمشيئة فيما إذا أوصى بفدية الصلاة لأنهم ألحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص فيه معلولا بالعجز فتشمل العلة الصلاة، وإن لم يكن معلولا تكون الفدية برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة، كما إذا لم يوص بفدية الصوم، فلذا جزم محمد بالأول ولم يجزم بالأخيرين، فعلم أنه إذا لم يوص بفدية الصلاة فالشبهة أقوى. واعلم أيضا أن المذكور فيما رأيته من كتب علمائنا فروعا وأصولا: إذا لم يوص بفدية الصوم يجوز أن يتبرع عنه وليه. والمتبادر من التقييد بالولي أنه لا يصح من مال الأجنبي. ونظيره ما قالوه فيما إذا أوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج: لا يجوز وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالاحجاج عنه رجلا يجزيه. وظاهره أنه لو تبرع غير الوارث لا يجزيه، نعم وقع في شرح نور الايضاح للشرنبلالي التعبير بالوصي أو الأجنبي، فتأمل، وتمام ذلك في آخر رسالتنا المسماة (شفاء العليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل). قوله: (نصف صاع من بر) أي أو من دقيقه أو سويقه، أو صاع تمر أو زبيب أو شعير أو قيمته، وهي أفضل عندنا لاسراعها بسد حاجة الفقير. إمداد. ثم إن نصف الصاع ربع مد دمشقي من غير تكويم، بل قدر مسحه كما سنوضحه في زكاة الفطر. قوله: (وكذا حكم الوتر) لأنه فرض عملي عنده خلافا لهما ط. ولا رواية في سجدة التلاوة أنه يجب كما في الحجة. والصحيح أنه لا يجب أو لا يجب كما في الصيرفية. إسماعيل. قوله: (وإنما يعطى من ثلث ماله) أي فلو زادت الوصية على الثلث لا يلزم الولي إخراج الزائد إلا بإجازة الورثة. وفي القنية: أوصى بثلث ماله إلى صلوات عمره وعليه دين فأجاز الغريم: وصيته لا تجوز، لان الوصية متأخرة عن الدين ولم يسقط الدين بإجازته ا ه. وفيها أوصى بصلوات عمره وعمره لا يدري فالوصية
77 باطلة،. ثم رمز إن كان الثلث لا يفي بالصلوات جاز، وإن كان أكثر منها لم يجز ا ه. والظاهر أن المراد لا يفي بغلبة الظن، لأن المفروض أن عمره لا يدري، وذلك كأن يفي الثلث بنحو عشر سنين مثلا وعمره نحو الثلاثين. ووجه هذا القول الثاني ظاهر، لان الثلث إذا كان لا يفي بصلوات عمره تكون الوصية بجميع الثلث يقينا ويلغو الزائد عليها، بخلاف ما إذا كان يفي بها ويزيد عليه فإن الوصية تبطل لجهالة قدرها بسبب جهالة قدر الصلوات، فتدبر. قوله: (ولو لم يترك مالا الخ) أي أصلا أو كان ما أوصى به لا يفي. زاد في الامداد: أو لم يوص بشئ وأراد الولي التبرع الخ. وأشار بالتبرع إلى أن ذلك ليس بواجب على الولي. ونص عليه في تبيين المحارم فقال: لا يجب على الولي فعل الدور، وإن أوصى به الميت لأنها وصية بالتبرع، والواجب على الميت أن يوصي بما يفي بما عليه إن لم يضق الثلث عنه، فإن أوصى، بأقل وأمر بالدور وترك بقية الثلث للورثة أو تبرع به لغيرهم فقد أثم بترك ما وجب عليه ا ه. مطلب في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل وبه ظهر حال وصايا أهل زماننا، فإن الواحد منهم يكون في ذمته صلوات كثيرة وغيرها من زكاة وأضاح وأيمان ويوصي لذلك بدراهم يسيرة، ويجعل معظم وصيته لقراءة الختمات والتهاليل التي نص علماؤنا على عدم صحة الوصية بها، وأن القراءة لشئ من الدنيا لا تجوز، وأن الآخذ والمعطي آثمان، لان ذلك يشبه الاستئجار على القراءة، ونفس الاستئجار عليها لا يجوز، فكذا ما أشبهه كما صرح بذلك في عدة كتب من مشاهير كتب المذهب، وإنما أفتى المتأخرون بجواز الاستئجار على تعليم القرآن لا على التلاوة، وعللوه بالضرورة وهي خوف ضياع القرآن، ولا ضرورة في جواز الاستئجار على التلاوة كما أوضحت ذلك في شفاء العليل، وسيأتي بعض ذلك في باب الإجارة الفاسدة إن شاء الله تعالى. قوله: (يستقرض وارثه نصف صاع مثلا الخ) أي أو قيمة ذلك. والأقرب أن يحسب ما على الميت ويستقرض بقدره، بأن يقدر عن كل شهر أو سنة أو يحسب مدة عمره بعد إسقاط اثنتي عشرة سنة للذكر وتسع سنين للأنثى لأنها أقل مدة بلوغهما، فيجب عن كل شهر نصف غرارة قمح بالمد الدمشقي مد زماننا، لان نصف الصاع أقل من ربع مد، فتبلغ كفارة ست صلوات لكل يوم وليلة نحو مد وثلث، ولكل شهر أربعون مدا، وذلك نصف غرارة، ولكل سنة شمسية ست غرائر، فيستقرض قيمتها ويدفعها للفقير ثم يستوهبها منه ويتسلمها منه لتتم الهبة، ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر وهكذا، فيسقط في كل مرة كفارة سنة، وإن استقرض أكثر من ذلك يسقط بقدره، وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للأضحية ثم للايمان، لكن لا بد في كفارة الايمان من عشرة مساكين، ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها، بخلاف فدية الصلاة فإنه يجوز إعطاء فدية صلوات لواحد كما يأتي. وظاهر كلامهم أنه لو كان عليه زكاة لا تسقط عنه بدون وصية لتعليلهم، لعد وجوبها بدون وصية باشتراط النية فيها لأنها عبادة فلا بد فيها من الفعل حقيقة أو حكما، بأن يوصي بإخراجها فلا يقوم الوارث مقامه في ذلك. ثم رأيت في صوم السراج التصريح بجواز تبرع الوارث بإخراجها، وعليه فلا بأس بإدارة الولي للزكاة، ثم ينبغي بعد تمام ذلك كله أن يتصدق على الفقراء بشئ من ذلك المال أو بما
78 أوصى به الميت إن كان أوصى. قوله: (لم يجز) الظاهر أنه بضم الياء من الاجزاء بمعنى أن الصلاة لا تسقط عن الميت بذلك وكذا الصوم، نعم لو صام أو صلى وجعل ثواب ذلك للميت صح، لأنه يصح أن يجعل ثواب عمله لغيره عندنا كما سيأتي في باب الحج عن الغير إن شاء الله تعالى. قوله: (لأنه يقبل النيابة) لأنه عبادة مركبة من البدن والمال، فإن العبادة ثلاثة أنواع: مالية، وبدنية، ومركبة منهما، فالعبادة المالية كالزكاة تصح فيها النيابة حالة العجز والقدرة. والبدنية كالصلاة والصوم لا تصح فيها النيابة مطلقا. والمركبة منهما كالحج: إن كان نفلا تصح فيه النيابة مطلقا، وإن كان فرضا لا تصح إلا عند العجز الدائم إلى الموت، كما سيأتي بيانه في الحج عن الغير إن شاء الله تعالى. قوله: (لم يجز) هذا ثاني قولين حكاهما في التاترخانية بدون ترجيح. وظاهر البحر اعتماده، والأول منهما أنه يجوز كما يجوز في صدقة الفطر. قوله: (جاز) أي بخلاف كفارة اليمين والظهار والافطار. تاترخانية. قوله: (ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح) في التاترخانية عن التتمة: سئل الحسن بن علي عن الفدية عن الصلاة في مرض الموت ت هل تجوز؟ فقال: لا. وسئل أبو يوسف عن الشيخ الفاني هل تجب عليه الفدية عن الصلاة فقال: لا. اه حالة الحياة، بخلاف الصوم ا ه. أقول: ووجه ذلك أن النص إنما ورد في الشيخ الفاني أنه يفطر ويفدي في حياته، حتى أن المريض أو المسافر إذا أفطر يلزمه القضاء إذا أدرك أياما أخر، وإلا فلا شئ عليه، فإن أدرك ولم يصم يلزمه الوصية بالفدية عما قدر، هذا ما قالوه، ومقتضاه أن غير الشيخ ليس له أن يفدي عن صومه في حياته لعدم النص ومثله الصلاة، ولعل وجهه أنه مطالب بالقضاء إذا قدر، ولا فدية عليه إلا بتحقيق العجز عنه بالموت فيوصي بها، بخلاف الشيخ الفاني فإنه تحقق عجزه قبل الموت عن أداء الصوم وقضائه فيفدي في حياته، ولا يتحقق عجزه عن الصلاة لأنه يصلي بما قدر ولو مومئا برأسه، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه إذا كثرت، ولا يلزمه قضاؤها إذا قدر كما سيأتي في باب صلاة المريض، وبما قررنا ظهر أن قول الشارح بخلاف الصوم أي فإن له أن يفدي عنه في حياته: خاص بالشيخ الفاني. تأمل. قوله: (ويجوز تأخير الفوائت) أي الكثيرة المسقطة للترتيب. قوله: (لعذر السعي) الإضافة للبيان ط. أي فيسعى ويقضي ما قدر بعد فراغه ثم وثم إلى أن تتم. قوله: (وفي الحوائج) أعم مما قبله: أي ما يحتاجه لنفسه من جلب نفع ودفع ضره. وأما النفل فقال في المضمرات: الاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل، إلا سنن المفروضة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلاة التي رويت فيها الاخبار ا ه ط: أي كتحية المسجد، والأربع قبل العصر والست بعد المغرب. قوله: (وسجدة التلاوة) أي في خارج الصلاة، أما فيها فعلى الفور. وفي الحلية من باب سجود التلاوة عن شرح الزاهدي: أداء هذه السجدة في الصلاة على الفور، وكذا خارجها عند أبي يوسف. وعند محمد على التراخي، وكذا الخلاف في قضاء الصلاة والصوم والكفارة والنذور المطلقة والزكاة والحج وسائر الواجبات. وعن أبي حنيفة روايتان، وقيل قضاء الصلاة على التراخي اتفاقا، والأصح عكسه ا ه. قوله: (والنذر المطلق) أما العين بوقت فيجب أداؤه
79 في وقته إن كان معلقا، وفي غير وقته يكون قضاء ط. قوله: (وضيق الحلواني) قال في البحر بعد ذلك: وذكر الولوالجي من الصوم أن قضاء الصوم على التراخي، وقضاء الصلاة على الفور إلا لعذر ا ه. قوله: (بالجهل) للأحكام الشرعية كوجوب صوم وصلاة وزكاة. قوله: (أسلم ثمة) أي هناك: أي في دار الحرب. قوله: (بالعلم) فإذا بلغه في دار الحرب رجل واحد فعليه قضاء ما تركه بعده عندهما، وهو إحدى الروايتين عن الامام. وفي رواية الحسن عنه: لا يلزمه حتى يخبره رجلان عدلان مسلمان، أو رجل وامرأتان. وأما العدالة ففي المبسوط أنها شرط عندهما. وروى أبو جعفر في غريب الرواية أنها غير شرط عندهما، حتى إذا أخبره رجل فاسق أو صبي أو امرأة أو عبد فإن الصلاة تلزمه. تاترخانية. قوله: (أو دليله) أي دليل العلم وهو الكون في دار الاسلام لاشتهار الفرائض فيها، فمن أسلم فيها لزمه قضاء ما ترك. قوله: (زمنها) منصوب ظرف لقوله: فإنه ح. والضمير للردة المفهومة من قوله: مرتد. قوله: (ولا ما قبلها) عطف على ما فاته وأعاد لا النافية لتأكيد النفي، وعلى هذا يصير المعنى: ولا يعيده ما أداه قبلها بدليل العطف المذكور (1) لأنه مقابل للمعطوف عليه، وبدليل قوله: إلا الحج لان معناه إذا أداه قبلها يقضيه، ولو كان المعنى أنه لا يقضي ما فاته قبلها لكان حق التعبير أن يقول: أو قبلها عطفا على زمانها العامل فيه قوله: فاته ولخالف ما سيأتي في باب المرتد، ونقله في البحر هناك عن الخانية بقوله: إذا كان على المرتد قضاء صلوات وصيا مات تركها في الاسلام ثم أسلم، قال شمس الأئمة الحلواني: عليه قضاء ما ترك في الاسلام، لان ترك الصيام والصلاة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة ا ه. فافهم. قوله: (إلا الحج) لان وقته العمر، فلما حبط بالردة ثم أدرك وقته مسلما لزمه. قوله: (لأنه بالردة الخ) تعليل للمتن، ولقوله: إلا الحج أي فإن الكافر الأصلي إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته زمن كفره لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا كما في فتح القدير، بل يلزمه ما أدرك وقته بعد الاسلام، والحج وقته باق فتلزمه، كما يلزمه أداء صلاة أسلم في وقتها، فكذا المرتد. قوله: (ولذا) أي لكونه كالكافر الأصلي. قوله: (لأنه حبط) أي بطل، والأحسن عطفه بالواو على قوله: ولذا ليكون علة ثانية للزوم الإعادة. تأمل (2). قوله: (وخالف الشافعي) أي حيث قال: لا يلزم الإعادة، لا إحباط العمل معلق في الآية بالموت على الردة. قوله: (قلنا الخ) حاصل الجواب أن قوله تعالى: * (ومن يرتدد
(1) قوله: (بدليل العطف المذكور) قد يدعى حصول المغايرة باختلاف الزمانين، وهو كاف في استقامة العطف. فحينئذ لا سصح ان يكون ما ذكره دليلا على مدعاه، واستثناء الحج لا يعين ذلك أيضا انما يفيد التخصيص بالفائت وتبقى " ما " عامة، نعم قال العلامة السندي: ولا ما فاته قبلها: أي مما أداه، وحبط بالردة، فإنه فائت حكما. ا ه. (2) قوله: (الإعادة تأمل) بالتأمل ظهر ان ترك الواو وابقاء العبارة على حالها هو الأحسن، إذ ربما يتوهم فرق بين المرتد والكافر الأصلي، بان الكافر الأصلي لما لم يحصل منه أداء يلزم بالإعادة، ولا كذلك المرتد المؤدي، فلدفع هذا التوهم أردفه بقوله لأنه حبط الخ فيكون قوله لأنه الخ علة لكونه كالكافر الأصلي. ا ه. 80 منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 712) فيه ذكر عملين: أحدهما الردة، والآخر الموت عليها: أي الاستمرار عليها إلى الموت، وذكر جزاءين، لكل عمل جزاء على اللف والنشر المرتب فإحباط الأعمال جزاء الردة، والخلود في النار جزاء الموت عليها، بدليل أنه في الآية الأولى علق حبط العمل على مجرد الكفر بما آمن به، ومثله قوله تعالى: * (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) * (الانعام: 88). مطلب: إذا أسلم المرتد هل تعود حسناته أم لا؟ تنبيه: مقتضى كون حبط العمل في الدنيا والآخرة جزاء الردة وإن لم يمت عليها عندنا أنه لو أسلم لا تعود حسناته، وإلا كان جزاء لها وللموت عليها معا كما يقوله الشافعي رحمها الله تعالى، وفي البحر والنهر من باب المرتد عن التاترخانية معزيا إلى التتمة: لو تاب المرتد، قال أبو علي وأبو هاشم من أصحابنا: تعود حسناته. وقال أبو قاسم الكعبي: لا تعود، ونحن نقول: إنه لا يعود ما بطل من ثوابه، ولكن تعود طاعته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد ا ه. ولعل معنى كونها مؤثرة في الثواب بعد أن الله تعالى يثيبه عليها ثوابا جديدا بعد رجوعه إلى الاسلام غير الثواب الذي بطل، أو أن الثواب بمعنى الاعتداد بها وعدم مطالبته بفعلها ثانيا وإن حكمنا ببطلانها، لان ذلك فضل من الله تعالى. تأمل. وبقي هل يسقط بإسلامه ما فعله من المعاصي قبل الردة؟ مقتضى ما قدمناه عن الخانية أنها لا تسقط، وهو قول كثير من المحققين. وعند العامة يسقط كما بسطه القهستاني في باب المرتد، وهو الظاهر، لحديث الاسلام يجب ما قبله وهو بعمومه يشمل إسلام المرتد، لكن ينبغي عدم الخلاف في لزوم قضاء ما تركه في الاسلام، وإنما الخلاف في سقوط إثم التأخير والمطل في الدين الذي من حقوق العباد، وسيأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (بعد صلاة العشاء) مصدر مضاف إلى مفعوله: أي بعد أنت صلى العشاء. قوله: (لزمه قضاؤها) لأنها وقعت نافلة، ولما احتلم في وقتها صارت فرضا عليه، لان النوم لا يمنع الخطاب فيلزمه قضاؤها في المختار، ولذا لو استيقظ قبل الفجر لزمه إعادتها إجماعا كما قدمناه أول كتاب الصلاة عن الخلاصة. وفي الظهيرية: حكي عن محمد بن الحسن أنه جاء إلى الامام أول احتلامه فقال: ما تقول في غلام احتلم في الليل بعد ما صلى العشاء هل يعيدها؟ قال: نعم، فقام محمد إلى زاوية المسجد وأعادها، وهي أول مسألة تعلمها من الامام، فلما رآه يعمل بعلمه تفرس فقال: إن هذا الصبي يصلح، فكان كما قال ا ه ملخصا. قوله: (صح) لأنه مخاطب بقضائها في ذلك الوقت فيلزمه قضاؤها على قدر وسعه، أما إذا لم يكن عذر فإنه يلزمه قضاء الفائتة على الصفة التي فاتت عليها، ولذا يقضي المسافر فائتة الحضر الرباعية أربعا، ويقضي المقيم فائتة السفر ركعتين، لان القضاء يحكي الأداء إلا لضرورة. قوله: ( كثرت الفوائت الخ) مثاله: لو فاته صلاة الخميس والجمعة والسبت فإذا قضاها لا بد من التعيين، لان فجر الخميس مثلا غير فجر الجمعة، فإن أراد تسهيل الامر يقول: أول فجر مثلا، فإنه إذا صلاه يصير ما يليه أولا، أو يقول آخر فجر، فإن ما قبله يصير آخرا، ولا يضره عكس الترتيب لسقوطه
81 بكثرة الفوائت. وقيل: لا يلزمه التعيين أيضا كما في صوم أيام من رمضان واحد، ومشى عليه المصنف في مسائل شتى آخر الكتاب تبعا للكنز، وصححه القهستاني عن المنية، لكن استشكل في الأشباه وقال: إنه مخالف لما ذكره أصحابنا كقاضيخان وغيره، والأصح الاشتراط اه. قلت: وكذا صححه في الملتقى هناك، وهو الأحوط، وبه جزم في الفتح كما قدمناه في بحث النية، وجزم به هنا صاحب الدرر أيضا. قوله: (لو من رمضانين) لان كل رمضان سبب لصومه، فصار كظهرين من يومين، بخلاف صوم يومين من رمضان واحد، فيصح وإن لم يعين القضاء عن اليوم الأول أو الثاني منه. قوله: (وينبغي الخ) تقدم في باب الاذان أنه يكره قضاء الفائتة في المسجد، وعلله الشارح بما هنا من أن التأخير معصية فلا يظهرها. وظاهره أن الممنوع هو القضاء مع الاطلاع عليه، سواء كان في المسجد أو غيره كما أفاده في المنح. قلت: والظاهر أن ينبغي هنا الوجوب وأن الكراهة تحريمية، لان إظهار المعصية معصية، لحديث الصحيحين كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه والله تعالى أعلم. باب: سجود السهو قوله: (من إضافة الحكم إلى سببه) قال في العناية: وهي الأصل في الإضافات لان الإضافة للاختصاص وأقواه اختصاص المسبب بالسبب ا ه. لكن فيه أن السجود ليس حكما بل هو متعلقه، والحكم هنا الوجوب وأجيب بأنه على تقدير مضاف: أي وجوب سجود السهو. تأمل. قوله: (وأولاه بالفوائت) أي قرنه بها على طريق التضمين ولذا عداه بالباء، وإلا فهو من الولي بمعنى القرب والدنو كما في القاموس، فيتعدى إلى المفعول الثاني ب من لا بالباء. يقال: أوليت زيدا من عمرو: أي قربته منه. قوله: (لأنه لاصلاح ما فات) أي ما ترك من الواجبات في محله، كما أن قضاء الفوائت لاصلاح ما فات وقته بفعله بعده. قوله: (وهو) أي السهو. قوله: (واحد عند الفقهاء) خبر عن هو وما عطف عليه: أي معنى هذه الثلاثة واحد عند الفقهاء. وفي ذكر الشك نظر. وفي البحر عن التحرير: لا فرق في اللغة بين النسيان والسهو، وهو عدم استحضار الشئ في وقت الحاجة. قال الرملي: وفي جمع الجوامع: السهو: الغفلة عن المعلوم، فيتنبه له بأدنى تنبه. والنسيان: زوال المعلوم. وقال الحكماء: السهو: زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة. والنسيان: زوالهما عنها معا (1)، فحينئذ يحتاج في تحصيلها إلى سبب جديد. قوله: (والظن الخ
(1) قوله: (زوالهما عنها معا) هكذا بخطه، ولعل الأوفق بما قبله زوالها عنهما معا: اي زوال الصورة عن المدركة والحافظ تأمل معا. ا ه مصححه. 82 ) حاصله أن ما يخطر بالبال ولم يصل إلى حد اليقين حتى يسمى علما، ولا تساوت جهتاه حتى يسمى شكا، بل ترجحت فيه إحداهما على الأخرى، فالمرجوحة وهم، والراجحة ظن، فإن زاد الرجحان بلا جزم فهو غلبة الظن. قوله: (يجب له) أي للسهو الآتي بيانه في قوله: بترك واجب سهوا ح. وذكر في المحيط عن القدوري أنه سنة. وظاهر الرواية الوجوب، وصححه في الهداية وغيرها، لأنه لجبر نقصان تمكن في الصلاة فيجب كالدماء في الحج، ويشهد له الامر به في الأحاديث الصحيحة والمواظبة عليه. وظاهر كلامهم أنه لو لم يسجد يأثم بترك الواجب، ولترك سجود السهو. بحر. وفيه نظر، بل يأثم لترك الجابر فقط، إذ لا إثم على الساهي، نعم هو في صورة العمد ظاهر، فينبغي أن يرتفع هذا الاثم بإعادتها. نهر. قوله: (بعد سلام) متعلق بمحذوف حال من فاعل يجب لا بيجب، لما يأتي من أنه لو سجد قبل السلام كره تنزيها، نعم يصح تعلقه بيجب بالنظر إلى تقييد السلام بالواحد لما يأتي من أنه بعد التسليمتين يسقط السجود. قوله: (واحد) هذا قول الجمهور، منهم شيخ الاسلام وفخر الاسلام. وقال في الكافي: إنه الصواب، وعليه الجمهور، وإليه أشار في الأصل ا ه. إلا أن مختار فخر الاسلام كونه تلقاء وجهه من غير انحراف. وقيل يأتي بالتسليمتين، وهو اختيار شمس الأئمة وصدر الاسلام أخي فخر الاسلام، وصححه في الهداية والظهيرية والمفيد والينابيع، كذا في شرح المنية. قال في البحر: وعزاه: أي الثاني في البدائع إلى عامتهم، فقد تعارض النقل عن الجمهور ا ه. قوله: (عن يمينه) احتراز عما اختاره فخر الاسلام من أصحاب القول الأول كما علمته. وفي الحلية: اختار الكرخي وفخر الاسلام وشيخ الاسلام وصاحب الايضاح أن يسلم تسليمة واحدة. ونص في المحيط على أنه الأصوب، وفي الكافي على أنه الصواب. قال فخر الاسلام: وينبغي على هذا أن لا ينحرف في هذا السلام: يعني فيكون سلامة مرة واحدة تلقاء وجهه. وغيره من أهل هذا القول على أنه يسلم مرة واحدة عن يمينه خاصة ا ه. والحاصل أن القائلين بالتسليمة الواحدة قائلون بأنها عن اليمين، إلا فخر الاسلام منهم فإنه يقول: إنها تلقاء وجهه، وهو المصرح به في شروح الهداية أيضا كالمعراج والعناية والفتح. قوله: (لأنه المعهود) تعليل لكونه عن يمينه، وقوله: وبه يحصل التحليل تعليل لكونه واحدا، ويأتي وجهه قريبا. قوله: (بحر عن المجتبى) عبارة البحر: والذي ينبغي الاعتماد عليه تصحيح المجتبى أنه يسلم عن يمينه فقط. وقد ظن في البحر وتبعه في النهر وغيره أن هذا القول قول ثالث بناء على أن جميع أصحاب القول الثاني قائلون بأنه يسلم تلقاء وجهه مع أن القائل منهم بذلك هو فخر الاسلام فقط كما علمته، وحينئذ فلا حاجة إلى عزو هذا القول إلى المجتبى حتى يرد ما قيل: إن تصحيح المجتبى لا يوازي ما عليه الجمهور الذي هو الأكثر تصحيحا والأصوب والصواب، فافهم. قوله: (وعليه لو أتى الخ) هذا جعله في البحر قولا رابعا. واستظهر في النهر أنه مفرع على القول بالواحدة، وتبعه الشارح، ويؤيده ما وجهوا به القول بالواحدة من أن السلام الأول لشيئين: للتحليل وللتحية، والسلام الثاني للتحية فقط: أي تحية بقية القوم لان التحليل لا يتكرر، وهنا سقط معنى التحية عن السلام لأنه يقطع الاحرام فكان الثاني إليه عبثا، ولو فعله فاعل لقطع الاحرام. قال في الحلية بعد عزوه ذلك إلى فخر الاسلام: حتى أنه لا يأتي بعده بسجود السهو كما نقله في
83 الذخيرة عن شيخ الاسلام، ومشى عليه في الكافي وغيره ا ه. وفي المعراج: قال شيخ الاسلام: لو سلم تسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك لأنه كالكلام ا ه. قلت: وعليه فيجب ترك التسليمة الثانية. قوله: (جاز) هو ظاهر الرواية. وفي المحيط: وروي عن أصحابنا أنه لا يجزيه ويعيده. بحر. قوله: (فيعتبر الخ) أي قاف قبل القاف النقصان ودال بعد الدال الزيادة. قوله: (يرفع التشهد) أي قراءته، حتى لو سلم بمجرد رفعه من سجدتي السهو صحت صلاته ويكون تاركا للواجب، وكذا يرفع السلام. إمداد. قوله: (لقوتها) أي لأنها أقوى منه لكونها فرضا. قوله: (فإنها ترفعهما) أي القعدة والتشهد لأنها أقوى منهما لكونهما ركنا، والقعدة لختم الأركان. إمداد. أو لان الصلبية ركن أصلي والقعدة ركن زائد كما مر في باب صفة الصلاة، أو لان القعدة لا تكون إلا آخر الأركان، وبسجود الصلبية بعدها خرجت عن كونها آخرا. قوله: (وكذا التلاوية) لأنها أثر القراءة وهي ركن فأخذت حكمها. بحر: أي تأخذ حكمها بعد سجودها، أما قبله فإنها واجبة، حتى لو سلم ولم يسجدها فصلاته صحيحة، بخلاف الصلبية فإنها ركن أصلي من كل وجه كما سيأتي، ونظيرها فيما ذكرنا ما لو نسي السورة فتذكرها في الركوع فعاد وقرأها أخذت حكم الفرض وارتفض الركوع فيلزمه إعادته. تنبيه: ذكر في التاترخانية أن العود إلى قراءة التشهد في القعدة الأخيرة إذا نسيه يرفع القعدة كالعود إلى التلاوية كما ذكره الحلواني والسرخسي. وذكر ابن الفضل أنه لا يرفعها. وفي واقعات الناطفي أن الفتوى عليه اه. قوله: (إذا كان الوقت صالحا) أي لأداء تلك الصلاة فيه. قوله: (أو احمرت في القضاء) كذا في الفتح والبحر والذخيرة وغيرها، ومفهومه أنه لو كانت يؤدي العصر فاحمرت الشمس لا يسقط سجود السهو، لان ذلك الوقت صالح لأداء الصلاة نفسها، فكذا لسجود سهوها، بخلاف الفائتة الواجبة في كامل، لكن في الامداد عن الدراية التصريح بسقوطه إذا احمرت عقب السلام من فائتة أو حاضرة تحرزا عن الكراهة، وهذا يقتضي أن القضاء: هنا غير قيد. ويؤيده ما في القنية: لو صلى لعصر وعليه سهو فاصفرت الشمس لا يسجد للسهو، ثم رأيته في البدائع علل هذا بأن السجدة تجبر النقصان المتمكن فجرى مجرى القضاء وقد وجبت كاملة فلا تقضي بالناقص ا ه. تأمل. قوله: (ما يقطع البناء) كحدث عمد وعمل مناف. إمداد. قوله: (بعد السلام) تنازع فيه كل من طلعت واحمرت ووجد كما يفيده كلام الامداد. قوله: (سقط عنه) لأنه بالعود إلى السجود يعود إلى حرمة الصلاة وقد فات شرط صحتها بطلوع الشمس في الفجر، ومثله خروج وقت الجمعة والعيد، وكذا إذا وجد ما يقطع البناء. وأما في احمرار الشمس في القضاء فكذلك. وأما في الأداء فلئلا يعود إلى وقت المكروه بعد صحة الصلاة بلا كراهة. تأمل. بقي إذا سقط السجود فهل يلزمه الإعادة لكون ما أداه وإلا وقع ناقصا بلا جابر؟ والذي ينبغي أنه إن سقط بصنعه كحدث عمد مثلا يلزمه، وإلا فلا. تأمل. قوله: (في القنية الخ) أقول: عبارة القنية برمز نجم الأئمة: تطوع ركعتين
84 وسها ثم بنى عليه ركعتين يسجد للسهو، ولو بنى على الفرض تطوعا وقد سها في الفرض لا يسجد ا ه. والظاهر أن الفرق هو أبناء النفل على النفل يصيره صلاة واحدة، بخلاف بناء النفل على الفرض، ولذا كان البناء فيه مكروها، لان النفل صلاة أخرى غير الفرض، ولا يمكن أن يكون سجود السهو لصلاة واقعا في صلاة أخرى مقصودة وإن كانت تحريمة الفرض باقية فلذا لا يسجد، أو لأنه لما بنى النفل عمدا صار مؤخرا للسلام عن محله عمدا، والعمد لا يجبره سجود السهو بل تلزم فيه الإعادة، وحيث كانت الإعادة واجبة لم يبق السجود واجبا عن سهوه في لفرض لأنه بالإعادة يأتي بما سها فيه، والسجود جابر عما فات قائم مقام الإعادة، فإذا وجبت الإعادة سقط السجود، فعلى هذا لا يرد ما سيأتي من أنه لو قعد في الرابعة ثم قام وسجد للخامسة ضم إليها سادسة لتصير له الركعتان نفلا، لان هذا لنفل غير مقصود فكأنه ليس صلاة أخرى، ولأنه لم يؤخر سلام الفرض عن محله عمدا فلم تكن الإعادة عليه واجبة فلزمه سجود السهو، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم. قوله: (بترك واجب) أي من واجبات الصلاة الأصلية لا كل واجب، إذ لو ترك ترتيب السور لا يلزمه شئ مع كونه واجبا بحر. ويرد عليه ما لو أخر التلاوية عن موضعها فإن عليه سجود السهو كما في الخلاصة جازما بأنه لا اعتماد على ما يخالفه، وصححه في الولوالجية أيضا. وقد يجاب بما مر من أنها لما كانت أثر القراءة أخذت حكمها. تأمل. واحترز بالواجب عن السنة كالثناء والتعوذ ونحوهما وعن الفرض. قوله: (قيل إلا في أربع) أشار إلى ضعفه تبعا لنور الايضاح لمخالفته للمشهور في تسميته سجود سهو وإن سماه القائل به سجود عذر. وقد رده العلامة قاسم بأنه لا يعلم له أصل في الرواية ولا وجه في الدراية ا ه. وأجاب في الحلية عن وجوب السجود في مسألة التفكر عمدا بأنه وجب لما يلزم منه من ترك واجب هو تأخير الركن أو الواجب عما قبله فإنه نوع سهو، فلم يكن السجود لترك واجب عمدا. قوله: (وتأخير سجدة الركعة الأولى) الظاهر أن هذا القيد اتفاقي عند القائل به، وإلا فالفرق بين الركعة الأولى وغيرها تحكم، وكذا لا يظهر لقوله: إلى آخر الصلاة وجه، لأنه لو أخر إلى الركعة الثانية لكان كذلك عنده على ما يظهر ط. قوله: (وإن تكرر) حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة سهوا لا يلزمه إلا سجدتان. بحر. قوله: (لان تكراره غير مشروع) سيأتي أن المسبوق يتابع إمامه فيه، ثم إذا قام لقضاء ما فاته فسها فيه يسجد أيضا، فقد تكرر. وأجاب في البدائع بأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد، فهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة، وتمامه في البحر. قوله: (متعلق بترك واجب) أي مرتبط به على وجه التمثيل له، وليس المراد التعلق النحوي ط: أي بل هو خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كركوع. قوله: (لوجوب تقديمها) أي تقديم قراءة الواجب. أما قراءة الفرض فتقديمها على الركوع فرض لا ينجبر بسجود السهو. والتحقيق أن تقديم الركوع على القراءة مطلقا موجب لسجود السهو، لكن إذا ركع ثم قام فقرأ، فإن أعاد الركوع صحت صلاته وإلا فسدت. أما إذا ركع قبل القراءة أصلا فظاهر. وأما إذا قرأ الفاتحة مثلا ثم ركع فتذكر السورة فعاد فقرأها ولم يعد الركوع فلان ما قرأه ثانيا التحق بالقراءة الأولى
85 فصار الكل فرضا فارتفض الركوع، فإذا لم يعد تفسد صلاته، نعم إذا كان قرأ الفاتحة والسورة ثم عاد لقراءة سورة أخرى لا يرتفض ركوعه، كما نقله في الحلية عن الزاهدي وغيره، فقد ظهر أن إيقاع الركوع قبل القراءة أصلا أو قبل قراءة الواجب يلزم به سجود السهو، لكن إذا لم يعد الركوع يسقط سجود السهو لفساد الصلاة، وإن أعاده صحت ويسجد للسهو. وعلى هذا التقرير فما قدمه الشارح تبعا لغيره في واجبات الصلاة حيث عد منها الترتيب بين القراءة والركوع ناظر إلى مجرد التقديم والتأخير مع قطع النظر عن لزوم إعادة ما قدمه، وما صرح به شراح الهداية وغيرهم من أنه لو قدم الركوع على القراءة تفسد الصلاة ناظر إلى الاكتفاء بما قدمه وعدم إعادته، فلا تنافي بين كلامهم. قوله: (ثم إنما يتحقق الترك) أي ترك القراءة بمعنى فواتها على وجه لا يمكن فيه التدارك. قوله: (عاد) أي إلى القيام ليقرأ. قوله: (ثم أعاد الركوع) لأنه لما عاد وقرأ وقعت القراءة فرضا، ولا ينافيه كون الفرض فيها آية واحدة والزائد واجب وسنة، لان معناه أن أقل الفرض آية، ويجب أن يجعل ذلك الفرض الفاتحة والسورة. ويسن أن تكون السورة من طوال المفصل أو أوساطه أو قصاره، حتى لو قرأ القرآن كله وقع فرضا، كما أن الركوع بقدر تسبيحة فرض، وتطويله بقدر ثلاث سنة كما حققه في شرح المنية، وقدمناه في فصل القراءة. والحاصل أن ما يقرؤه يلتحق بما قبل الركوع ويلغو هذا الركوع فتلزم إعادته، حتى لو لم يعده بطلت صلاته، بل ذكر في شر المنية أنه لو قام لأجل القراءة ثم بدا له فسجد ولم يقرأ ولم يعد الركوع، قال بعضهم: تفسد لأنه لما انتصب قائما للقراءة ارتفض ركوعه، وإن كان البعض يقول لا تفسد ا ه. وهذا كله بخلاف ما لو تذكر القنوت في الركوع فالصحيح أنه لا يعود، ولو عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه السهو، لان القنوت إذا أعيد يقع واجبا لا فرضا كما في شرح المنية، وأما إذا عاد لقراءة سورة أخرى فلا يرتفض ركوعه كما قدمناه، لأنه وقع بعد قراءة تامة، فكان في موقعه وكان عوده إلى القراءة غير مشروع، كما إذا عاد إلى القنوت بل أولى، والله أعلم. قوله: (يعيد السورة أيضا) أي لتقع القراءة مرتبة. قوله: (وتأخير قيام الخ) أشار إلى أن وجوب السجود ليس لخصوص الصلاة على النبي (ص)، بل لترك الواجب وهو تعقيب التشهد للقيام بلا فاصل، حتى لو سكت يلزمه السهو كما قدمناه في فصل إذا أراد الشروع. قال المقدسي: وكما لو قرأ القرآن هنا أو في الركوع يلزمه السهو مع أنه كلام الله تعالى، وكما لو ذكر التشهد في القيام مع أنه توحيد الله تعالى. وفي المناقب أن الامام رحمه الله رأى النبي (ص) في المنام فقال: كيف أوجبت السهو على من صلى علي؟ فقال: لأنه صلى عليك سهوا، فاستحسنه. قوله: (وفي الزيلعي الخ) جزم به المصنف في متنه في فصل إذا أراد الشروع وقال: إنه المذهب. واختاره في البحر تبعا للخلاصة والخانية. والظاهر أنه لا ينافي قول المصنف هنا بقدر ركن. تأمل، وقدمنا عن القاضي الامام أنه لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد وفي شرح المنية الصغير. أنه قول الأكثر وهو الأصح. قال الخير الرملي فقد اختلف التصحيح كما ترى، وينبغي ترجيح ما قاله القاضي الامام ا ه، وفي التاترخانية عن الحاوي: وعلى قولهما لا يجب السهو ما لم يبلغ إلى قوله: حميد مجيد. قوله: (والجهر فيما يخافت
86 فيه للامام الخ) في العبارة قلب، وصوابها والجهر فيما يخافت لكل مصل وعكسه للامام ح. وهذا ما صححه في البدائع والدرر، ومال إليه في الفتح وشرح المنية والبحر والنهر والحلية، على خلاف ما في الهداية والزيلعي وغيرهما، من أن وجوب الجهر والمخافتة من خصائص الامام دون المنفرد. والحاصل أن الجهر في الجهرية لا يجب على المنفرد اتفاقا، وإنما الخلاف وجوب الاخفاء عليه في السرية، وظاهر الرواية عدم الوجوب كما صرح بذلك في التاترخانية عن المحيط، وكذا في الذخيرة وشروح الهداية كالنهاية والكفاية والعناية ومعراج الدراية، وصرحوا بأن وجوب السهو عليه إذا جهر فيما يخافت رواية النوادر ا ه. فعلى ظاهر الرواية: لا سهو على المنفرد إذا جهر فيما يخافت فيه، وإنما هو على الامام فقط. قوله: (والأصح الخ) صححه في الهداية والفتح والتبيين والمنية، لان اليسير من الجهر والاخفاء لا يمكن الاحتراز عنه، وعن الكثير يمكن، وما تصح به الصلاة كثير، غير أن ذلك عنده آية واحدة، وعندهما ثلا ث آيات. هداية. قوله: (في الفصلين) أي في المسألتين مسألة الجهر والاخفاء. قوله: (قل أو أكثر) أي ولو كلمة. قال القهستاني: والمتبادر أن يكون هذا في صورة أن ينسى أن عليه المخافتة فيجهر قصدا، وأما إذا علم أن عليه المخافتة فيجهر لتبيين الكلمة فليس عليه شئ ا ه، قوله: (وهو ظاهر الرواية) قال في البحر: وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات من أصحاب الفتاوى ا ه. زاد المصنف في منحه: وإنما عولنا على الأول تبعا للهداية، وأنا أعجب من كثير من كمل الرجال كيف يعدل عن ظاهر الرواية الذي هو بمنزلة نص صاحب المذهب إلى ما هو كالرواية الشاذة ا ه. أقول: لا عجب من كمل الرجال كصاحب الهداية والزيلعي وابن الهمام حيث عدلوا عن ظاهر الرواية لما فيه من الحرج، وصححوا الرواية الأخرى للتسهيل على الأمة، وكم له من نظير، ولذا قال القهستاني: ويجب السهو بمخافتة كلمة لكن فيه شدة. وقال في شرح المنية: والصحيح ظاهر الرواية، وهو التقدير بما تجوز به الصلاة من غير تفرقة، لان القليل من الجهر في موضع المخافتة عفو أيضا، ففي حديث أبي قتادة في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الظهر في الأولين بأم القرآن وسورتين وفي الأخريين بأم الكتاب، ويسمع الآية أحيانا ا ه. ففيه التصريح بأن ما صححه في الهداية ظاهر الرواية أيضا، فإن ثبت ذلك فلا كلام، وإلا فوجه تصحيحه ما قلنا وتأيده بحديث الصحيحين، وقد قدمنا في واجبات الصلاة عن شرح المنية أنه لا ينبغي أن يعدل عن الدراية: أي الدليل إذا وافقتها رواية. تتمة: قد صرحوا بأنه إذا جهر سهوا بشئ من الأدعية والاثنية ولو تشهدا فإنه لا يجب عليه السجود. قال في الحلية: ولا يعرى القول بذلك في التشهد عن تأمل ا ه. وأقره في البحر. هذا، وقد قدمنا في فصل القراءة الكلام على حد الجهر، فراجعه. قوله: (متعلق بيجب) أي المذكور أول الباب. قوله: (إن سجد إمامه) أما لو سقط عن الامام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد فإنه يسقط عن المقتدي. بحر. والظاهر أن المقتدي تجب عليه الإعادة كالامام إن كان السقوط بفعله العمد لتقرر النقصان بلا جابر من غير عذر. تأمل. قوله: (لوجوب المتابعة)
87 علة لوجوبه على المقتدي بسهو إمامه، ولان النقصان دخل في صلاته أيضا لارتباطها بصلاة الامام. قوله: (لا بسهوه أصلا) قيل لا فائدة لقوله: أصلا وليس بشئ، بل هو تأكيد لنفي الوجوب، لان معناه: لا قبل السلام للزوم مخالفة الامام، ولا بعده لخروجه من الصلاة بسلام الامام، لأنه سلام عمد ممن لا سهو عليه كما في البحر، لكن قال في النهر: لقائل أن يقول: لا نسلم أنه يخرج منها بسلامه، وقد سبق خلاف فيمن لا سهو عليه فكيف بمن عليه السهو؟ وحينئذ فيمكنه أن يأتي بهذا الجابر ا ه. قلت: وقدم الشارح في نواقض الوضوء أنه لو قهقهته بعد كلام الامام أو سلامه عمدا فسدت طهارته في الأصح، وقدمنا هناك تصحيحه عن الفتح والخانية، على خلاف ما صححه في الخلاصة من عدم الفساد ولا شك أن فساد طهارته مبني على عدم خروجه من الصلاة بسلام إمامه أو كلامه، فما هنا مبني علما صححه في الخلاصة، ولذا قال في المعراج بعد تعليله المسألة بأنه يخرج بسلام الامام، كذا قيل، وفيه تأمل. بل الأولى التمسك بما روى ابن عمر عنه (ص) ليس على من خلف على الامام سهوا ا ه. تنبيه: قال في النهر: ثم مقتضى كلامهم أنه يعيدها لثبوت الكراهة مع تعذر الجابر. قوله: (والمسبوق يسجد مع إمامه) قيد بالسجود لأنه لا يتابعه في السلام، بل يسجد معه ويتشهد، فإذا سلم الامام قام إلى القضاء، فإن سلم: فإن كان عامدا فسدت، وإلا لا، ولا سجود عليه إن سلم سهوا قبل الامام أو معه، وإن سلم بعد لزمه لكونه منفردا حينئذ - بحر. وأراد بالمعية المقارنة، وهو نادر الوقوع كما في شرح المنية. وفيه: ولو سلم على ظن أن عليه أن يسلم فهو سلام عمد يمنع البناء. قوله: (سواء كان السهو قبل الاقتداء أو بعده) بيان للاطلاق، وشمل أيضا ما إذا سجد الإمام واحدة ثم اقتدى به. قال في البحر: فإنه يتابعه في الأخرى ولا يقضي قضاء الأولى، كما لا يقضيها لو اقتدى به بعد ما سجدهما. قوله: (ثم يقضي ما فاته) فلو لم يتابعه في السجود وقام إلى ما سبق به فإنه يسجد في آخر صلاته استحسانا، لان التحريمة متحدة فجعل كأنها صلاة واحدة. بحر وغيره فافهم. قوله: (ولو سها فيه) أي فيما يقضيه بعد فراغ الامام يسجد ثانيا لأنه منفرد فيه، والمنفرد يسجد لسهوه، وإن كان لم يسجد مع الامام لسهوه ثم سها هو أيضا كفته سجدتان عن السهوين، لان السجود لا يتكرر، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وكذا اللاحق) أي يجب عليه السجود بسهو إمامه لأنه مقتد في جميع صلاته بدليل أنه لا قراءة عليه، فلا سجود فيما يقضيه. بحر. قوله: (لكنه يسجد الخ) أي يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد في آخر صلاته، لأنه التزم متابعة الامام فيما اقتدى به على نحو ما يصلي الامام، وأنه اقتدى به في جميع الصلاة فيتابعه في جميعها على نحو ما أدى الامام، والامام أدى الأول فالأول، وسجد لسهوه في آخر صلاته فكذا اللاحق. وأما المسبوق فقد التزم بالاقتداء به متابعته بقدر ما هو صلاة الامام وقد أدرك هذا القدر فيتابعه ثم ينفرد بحر. قوله: (ولو سجد مع إمامه أعاده) لأنه في غير أوانه، ولا تفسد صلاته لأنه ما زاد إلا سجدتين، ولو كان مسبوقا بثلاث ولاحقا بركعة فسجد إمامه للسهو فإنه يقضي ركعة بلا قراءة لأنه لاحق ويتشهد ويسجد للسهو، لان ذلك موضع سجود الامام، ثم يصلي ركعة بقراءة ويقعد لأنها ثانية صلاته، ولو كان على العكس سجد للسهو بعد الثالثة، كذا في
88 المحيط. بحر. قوله: (والمقيم الخ) ذكر في البحر أن المقيم المقتدي بالمسافر كالمسبوق في أنه يتابع الامام في سجود السهو ثم يشتغل بالاتمام. وأما إذا قام إلى إتمام صلاته وسها فذكر الكرخي أنه كاللاحق فلا سجود عليه، بدليل أنه لا يقرأ. وذكر في الأصل أنه يلزمه السجود، وصححه في البدائع لأنه إنما اقتدى بالامام بقدر صلاة الامام، فإذا انقضت صار منفردا، وإنما لا يقرأ فيما يتم لان القراءة فرض في الأوليين وقد قرأ الامام فيهما ا ه. قال في النهر: وبهذا علم أنه كاللاحق في حق القراءة فقط ا ه. أقول: وتقدمت بقية مسائل المسبوق واللاحق قبيل باب الاستخلاف. قوله: (ولو عمليا) كالوتر فلا يعود فيه إذا استتم قائما. وعلى قولهما يعود لأنه من النفل ط. قوله: (أما النفل فيعود الخ) جزم به في المعراج والسراج، وعلله ابن وهبان بأن كل شفع منه صلاة على حدة، ولا سيما على قول محمد بأن القعدة الأولى منه فرض فكانت كالأخيرة، وفيها يقعد وإن قام. وحكي في المحيط فيه خلافا، وكذا في شرح التمرتاشي، قيل يعود، وقيل لا، وفي الخلاصة: والأربع قبل الظهر كالتطوع، وكذا الوتر عند محمد، وتمامه في النهر، لكن في التاترخانية عن العتابية قيل في التطوع يعود ما لم يقيد بالسجدة، والصحيح أنه لا يعود ا ه. وأقره في الامداد لكن خالفه في متنه. تأمل. قوله، (ما لم يقيد بالسجدة) أي يقيد الركعة التي قام إليها. قوله: (عاد إليه) أي وجوبا. نهر. قوله: (ولا سهو عليه في الأصح) يعنى إذا عاد قبل أن يستتم قائما وكان إلى القعود أقرب فإنه لا سجود عليه في الأصح وعليه الأكثر. واختار في الولوالجية وجوب السجود، وأما إذا عاد وهو إلى القيام أقرب فعليه سجود السهو كما في نور الايضاح وشرحه بلا حكاية خلاف فيه، وصحح اعتبار ذلك في الفتح بما في الكافي إن استوى النصف الأسفل وظهره بعد منحن فهو أقرب إلى القيام، وإن لم يستو فهو أقرب إلى القعود. ثم اعلم أن حالة القراءة تنوب عن القيام في مريض يصلي بالايماء، حتى لو ظن في حالة التشهد الأول أنها حالة القيام فقرأ ثم تذكر لا يعود إلى التشهد كما في البحر عن الولوالجية. قوله: (في ظاهر المذهب الخ) مقابله ما في الهداية: إن كان إلى القعود أقر ب عاد ولا سهو عليه في الأصح، ولو إلى القيام أقرب فلا وعليه السهو، وهو مروي عن أبي يوسف، واختاره مشايخ بخارى وأصحاب المتون كالكنز وغيره، ومشى في نور الايضاح على الأول كالمصنف تبعا لمواهب الرحمن وشرحه البرهان. قال: ولصريح ما رواه أبو داود عنه (ص) إذا قام الامام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو ا ه. قلت: لكن قال في الحلية: إنه نص فيه يفيد تعين العمل به لولا ما في ثبوته من النظر، فإن في سنده جابرا الجعفي من علماء الشيعة جارحوه أكثر من موثقيه. وقال الإمام أبو حنيفة فيه: ما رأيت أكذب منه، فلا جرم أن قال شيخنا في التقريب: رافضي ضعيف انتهى. فلا تقوم الحجة بحديثه. ا ه قوله: (أي وإن استقام قائما) أفاد أن لا في قوله: وإلا نافية داخلة على قوله: لم يستقم وهو نفي أيضا فكان إثباتا، أفاده ط. قوله: (لترك الواجب) وهو القعود. قوله: (بعد ذلك)
89 أي بعد ما استقام قائما، ومثله ما إذا عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب على الرواية الاخر، ولذا قال في البحر: ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه اختلفوا في فساد صلاته، فهذه العبارة تصدق على الروايتين. قوله: (لكنه يكون مسيئا) أي ويأثم كما في الفتح، فلو كان إماما لا يعود معه القوم تحقيقا للمخالفة، ويلزمه القيام للحال. شرح المنية عن القنية. قوله: (لتأخير الواجب) الأولى أن يقول: لتأخير الفرض وهو القيام أو لترك الواجب وهو القعود ط. قوله: (حققه الكمال) أي بما حاصله أن ذلك وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل، لما عرف أن زيادة ما دون ركعة لا يفسد، وقواه في شرح المنية بما قدمناه آنفا عن القنية، فإنه يفيد عدم الفساد بالعود، وأيده في البحر أيضا بما في المعراج عن المجتبى: لو عاد بعد الانتصاب مخطئا، قيل يتشهد لنقضه القيام، والصحيح لا، بل يقوم، ولا ينتقض قيامه بقعود لم يؤمر به، كمن نقض الركوع لسورة أخرى لا ينتقض ركوعه ا ه. وبحث فيه في النهر فراجعه. قوله: (وهو الحق بحر) كأن وجهه ما مر عن الفتح، أو ما في المبتغى من أن القول بالفساد غلط لأنه ليس بترك بل هو تأخير، كما لو سها عن السورة فركع فإنه يرفض الركوع ويعود إلى القيام ويقرأ، وكما لو سها عن القنوت فركع فإنه لو عاد وقنت لا تفسد على الأصح ا ه. لكن بحث فيه في البحر بإبداء الفرق، وهو أنه إذا عاد وقرأ السورة صارت فرضا فقد عاد من فرض إلى فرض، وكذا في القنوت، لان له شبهة القرآنية، أو عاد إلى فرض وهو القيام، لان كل فرض طوله يقع فرضا ا ه. وأقره في النهر وشرح المقدسي. أقول: وفيه نظر، فإن القنوت الذي قيل إنه كان قرآنا فنسخ هو الدعاء المخصوص وهو سنة، فلا يلزم قراءته بل قد يقرأ غيره، وكونه عاد إلى فرض وهو القيام ممنوع بل عاد إلى القيام الذي هو الرفع من الركوع بدليل أن الركوع لم يرتفض بعوده لأجل القنوت، فكان فيه تأخير الفرض لا تركه، فهو مثل عوده إلى القعود في مسألتنا، نعم بحثه في عوده إلى القراءة مسلم، والله أعلم. قوله: (وهذا في غير المؤتم الخ) أي ما ذكر من منعه عن العود إلى القعود بعد القيام، والخلاف في الفساد لو عاد إنما هو في الامام والمنفرد أما المقتدي الذي سها عن القعود فقام وإمامه قاعد فإنه يلزمه العود، لان قيامه قبل إمامه غير معتبر، فليس في عوده رفض الفرض، بل قال في شرح المنية عن القنية: إن المقتدي لو نسي التشهد في القعدة الأولى فذكر بعدما قام عليه أن يعود ويتشهد، بخلاف الامام والمنفرد للزوم المتابعة، كمن أدرك الامام في القعدة الأولى فقعد معه فقام الامام قبل شروع المسبوق في التشهد فإنه يتشهد تبعا لتشهد إمامه، فكذا هذا ا ه. قوله: (وإن خاف فوت الركعة) أي الثالثة مع الامام ط. قوله: (وظاهره) أي تعليل السراج بأن القعود فرض ط، وكذا تعليل القنية الذي ذكرناه. قوله: (والظاهر أنها واجبة الخ) لم يبين حكمها في السنن، والظاهر السنية لان السنن المطلوبة في الصلاة يستوي فيها الامام والمنفرد والمقتدي غالبا، وقوله: فرض في الفرض معناه أن يأتي بذلك الفرض ولو بعد إتيان الامام لا قبله، وليس المراد المشاركة في جزء منه ط. قلت: وعلى ما استظهره الشارح تبعا للنهر يشكل العود إلى قراءة التشهد بعد التلبس بالقيام
90 الفرض مع إمامه، فتأمل. قوله: (ولنا فيها رسالة حافلة) لم أطلع عليها، ولكن قدمنا في آخر واجبات الصلاة شيئا من الكلام على المتابعة بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. قوله: (ولو سها عن القعود الأخير) أراد به القعود المفروض أو ما كان آخر الصلاة، فيشمل نحو الفجر، أفاده في البحر. قوله: (كله أو بعضه) كما لو جلس جلسة خفيفة أقل من قدر التشهد، وإذا عاد احتسبت له الجلسة الأولى، حتى لو كانت كلتا الجلستين بقدر التشهد ثم تكلم جازت صلاته. بحر. قوله: (ما لم يقيدها) أي الركعة التي قام إليها، واحترز به عما إذا سجد لها بلا ركوع فإنه يعود لعدم الاعتداد بهذا السجود كما في النهر، ومقتضاه أنه لا بد من أن يكون قد قرأ فيها. وفي الخلاصة خلافه، ولذا استشكله في البحر بأن الركعة في النفل بلا قراءة غير صحيحة، فكانت زيادة ما دون ركعة وهو غير مفسد. قال في النهر: إلا أن يفرق بأنه قد عهد إتمام الركعة بلا قراءة كما في المقتدي، بخلاف الخالية عن الركوع. قوله: (وسجد للسهو) لم يفصل بين ما إذا كان إلى القعود أقرب أولا، وكان ينبغي أن لا يسجد فيما إذا كان إليه أقرب كما في الأولى لما سبق. قال في الحواشي السعدية: ويمكن أن يفرق بينهما بأن القريب من القعود وإن جاز أن يعطى له حكم القاعد إلا أنه ليس بقاعد حقيقة، فاعتبر جانب الحقيقة فيما إذا سها عن القعدة الثانية وأعطي حكم القاعد في السهو عن الأولى إظهارا للتفاوت بين الواجب والفرض. نهر. قوله (لتأخير القعود) علل في الهداية بأنه أخر واجبا فقالوا أراد به القطعي وهو الفرض: يعني القعود الأخير، وهو أولى من حمله عن معناه المشهور، وكون المراد به السلام أو التشهد وإلا أشكل الفرق المار كما نبه عليه في النهر. قوله: (عامدا أو ناسيا) أشار إلى ما في البحر من أنه لا فرق في عدم البطلان عند العود قبل السجود والبطلان إن قيد بالسجود بين العمد والسهو، ولذا قال في الخلاصة: فإن قام إلى الخامسة عامدا أيضا لا تفسد ما لم يقيد الخامسة بالسجدة عندنا. قوله: (عند محمد) ظاهره أنه راجع لكل المتن، فيكون محمد قائلا بتحولها نقلا، وليس كذلك لبطلان الفريضة، وكلما بطل الفرض عنده بطل الأصل، فتعين أن يكون راجعا لقوله: برفعه فيكون المتن اختار قول أبي حنيفة وأبي يوسف في عدم بطلان الأصل، وقول محمد: إن السجدة لا تتم إلا بالرفع ا ه ح. وعليه فضم السادسة مبني على قولهما فقط كما نص عليه في الحلية والبدائع، معللا ببطلان التحريمة عند محمد، والايهام الواقع في كلام الشارح واقع في كلام المصنف أيضا، فالأحسن قوله الكنز: بطل فرضه برفعه وصارت نفلا، فقوله: برفعه متعلق بقوله: بطل. قوله: (لان تمام الشئ بآخره) أي والرفع آخر السجدة، إذ الشئ إنما ينتهي بضده، ولذا لو سجد قبل إمامه فأدركه إمامه فيه جاز، ولو تمت بالوضع لما جاز لان كل ركن أداه قبل الامام لا يجوز. بحر. قوله: (لو سبقه الحدث) أي في مسألة المتن، وهذا بيان لثمرة الخلاف في أن السجدة هل تتم بالوضع أو بالرفع. قوله: (توضأ وبنى) لأنه بالحدث بطلت السجدة فكأنه لم يسجد فيتوضأ وبيني لاتمام فرضه. إمداد. قوله: (حتى قال الخ) وذلك لما عرض قول محمد فيها على قول أبي يوسف قال: زه صلاة فسدت يصلحها الحدث، وهي بكسر الزاي وسكون الهاء: كلمة تقولها
91 الأعاجم عند استحسان الشئ، وإنما قالها أبو يوسف على سبيل التهكم والتعجب. شرح المنية. وقيل الصواب بالضم والزاي ليست بخالصة. بحر عن المغرب. وقوله: فسدت أي قاربت الفساد، أو سماها أبو يوسف فاسدة بناء على مذهبه. قوله: (والعبرة للامام) أي في العود قبل التقييد وفي عدمه ط. قوله: (لم تفسد صلاتهم) لأنه لما عاد الامام إلى القعدة ارتفض ركوعه فيرتفض ركوع القوم أيضا تبعا له لأنه مبني عليه، فبقي لهم زيادة سجدة وذلك لا يفسد الصلاة. بحر عن المحيط، وهذا إنما يظهر لو ركع الامام، فلو عاد قبل الركوع وركع القوم وسجدوا فسدت لزيادتهم ركعة على ما يظهر. وفي الفتح: ولا يتابعونه إذا قام، وإذا عاد لا يعيدون التشهد ط. قوله: (ما لم يتعمدوا السجود) قيد به لما في المجتبى: لو عاد الامام إلى القعود قبل السجود وسجد المقتدي عمدا تفسد وفي السهو خلاف، والأحوط الإعادة ا ه بحر. أقول: مقتضى التعليل المار بارتفاض ركوع القوم بارتفاض ركوع الامام أنه لا فرق بين العمد وغيره، فليتأمل. تتمة: يتفرع أيضا على قوله: والعبرة للامام ما في البحر عن الخانية: لو تشهد المقتدي وسلم قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة ثم قيدها بها فسدت صلاتهم جميعا. قوله: (ولو في العصر والفجر) بناء على أن المراد بالسادسة ركعة زائدة، وإلا فهي في الفجر رابعة، وأتى بالمبالغة للرد على ما في السراج من استثناء العصر، وما في قاضيخان من استثناء الفجر لكراهة التنفل بعدهما. واعترضهما في البحر بأنه في المسألة الآتية إذا قعد على الرابعة وقيد الخامسة بسجدة يضم سادسة ولو في الأوقات المكروهة، ولا فرق بينهما ا ه. وأورد في النهر أيضا أنه إذا لم يقعد وبطل فرضه كيف لا يضم في العصر ولا كراهة في التنفل قبله؟ ثم أجاب بأنه يمكن حمله على ما إذا كان يقضي عصرا أو ظهرا بعد العصر. تنبيه: لم يصرح بالمغرب كما صرح بالفجر والعصر مع أنه صرح به القهستاني، ومقتضاه أنه يضم إلى الرابعة خامسة، لكن في الحلية: لا يضم إليها أخرى لنصهم على كراهة التنفل قبلها، وعلى كراهته بالوتر مطلقا ا ه. قلت: ومقتضاه أنه إذا سجد للرابعة يسلم فورا ويقعد لها لئلا يصير متنفلا قبل المغرب. وقد يجاب بما يشير إليه الشارح بأن الكراهة مختصة بالتنفل المقصود، فلا ضرورة إلى قطع الصلاة بالسلام، وأما أنه لا يضم إليها خامسة، فظاهر لئلا يكون تنفلا بالوتر، فالأوجه عدم ذكر المغرب كما فعل الشارح. ثم رأيت في الامداد قال: وسكت عن المغرب لأنها صارت أربعا فلا يضم فيها. قوله: (إن شاء) أشار إلى أن الضم غير واجب بل هو مندوب كما في الكافي تبعا للمبسوط، وفي الأصل ما يفيد الوجوب، والأول أظهر كما في البحر. قوله: (لاختصاص الكراهة الخ) جواب عما قد يقال: إن التنفل بعد العصر والفجر مكروه وفي غيرهما وإن لم يكره، لكن يجب إتمامه بعد الشروع فيه، فكيف قلت: ولو بعد العصر والفجر، وقلت: إنه مخير إن شاء ضم وإلا فلا؟ والجواب أنه لم يشرع في هذا
92 النفل قصدا، وما ذكرته من الكراهة ووجوب الاتمام خاص بالتنفل قصدا، لكن الضم هنا خلاف الأولى كما يأتي ما يفيده. قوله: (لان النقصان) أي الحاصل بترك القعدة لا ينجبر بسجود السهو. فإن قلت: إنه وإن فسد فرضا فقد صح نفلا، ومن ترك القعدة في النفل ساهيا وجب عليه سجود السهو فلماذا لم يجب عليه السجود نظرا لهذا الوجه؟ قلت: إنه في حال ترك القعدة لم يكن نفلا، إنما تحققت النفلية بتقييد الركعة بسجدة والضم، فالنفلية عارضة ط، قوله: (مثلا) أي أو قعد في ثالثة الثلاثي أو في ثانية الثنائي ح. قوله: (ثم قام) أي ولم يسجد. قوله: (عاد وسلم) أي عاد للجلوس، لما مر أن ما دون الركعة محل للرفض. وفيه إشارة إلى أنه لا يعيد التشهد، وبه صرح في البحر. قال في الامداد: والعود للتسليم جالسا سنة، لان السنة التسليم جالسا والتسليم حالة القيام غير مشروع في الصلاة المطلقة بلا عذر، فيأتي به على الوجه المشروع، فلو سلم قائما لم تفسد صلاته وكان تاركا للسنة ا ه. قوله: (ثم الأصح الخ) لأنه لا اتباع في البدعة، وقيل يتبعونه مطلقا عاد أو لا. قوله: (فإن عاد) أي قبل أن يقيد الخامسة بسجدة تبعوه: أي في السلام. قوله: (إذ لم يبق عليه إلا السلام) أشار به إلى أن معنى تمام فرضه عدم فساده، وإلا فصلاته ناقصة كما يأتي في قوله: لنقصان فرضه بتأخير السلام إليه أشار في البحر ح. قوله: (وضم إليها سادسة) أي ندبا على الأظهر، وقيل وجوبا ح عن البحر. قوله: (لو في العصر الخ) أشار إلى أنه لا فرق في مشروعية الضم بين الأوقات المكروهة وغيرها، لما مر أن التنفل فيها إنما يكره لو عن قصد، وإلا فلا، وهو الصحيح. زيلعي. وعليه الفتوى. مجتبى. وإلى أنه كمالا يكره في العصر لا يكره في الفجر خلافا للزيلعي، ولذا سوى بينهما في الفتح، وصرح في التجنيس بأن الفتوى على أنه لا فرق بينهما في عدم كراهة الضم. قوله: (والضم هنا آكد) لان فرضه قد تم، فلو قطع هاتين الركعتين بأن لا يسجد للسهو لزم ترك الواجب، ولو جلس من القيام وسجد للسهو لم يؤد سجود السهو على الوجه المسنون، فلا بد من ضم سادسة ويجلس على الركعتين ويسجد للسهو، بخلاف المسألة الأولى لان الفرضية لم تبق ليحتاج إلى تدارك نقصانها ح عن الدرر. قوله: (ولا عهدة لو قطع) أي لا يلزمه القضاء لو لم يضم وسلم، لأنه لم يشرع به مقصودا كما مر. قوله (ولا بأس الخ) أي لو ضم في وقت مكروه كالعصر والفجر، وقيل يكره. والمعتمد المصحح أنه لا بأس به. قال في البحر: بمعنى أن الأولى تركه، فظاهره أنه لم يقل أحد بوجوبه ولا باستحبابه ا ه. وقد يقال: إن الوقت المكروه لما كان مظنة أن يتوهم أن في الصلاة فيه بأسا صرحوا بنفي البأس لذلك لا لكون الأولى تركها، بل الأولى فعلها، بدليل قولهم: لو تطوع فصلى ركعة فالأولى أن يتمها، لأنه لم يتنفل بعد الفجر قصدا، إلا أن يفرق بأن ابتداء الشروع في التطوع هنا مقصود فكانت له حرمة، بخلافه في مسألتنا، لكن قد يقال: إن عدم الاتمام هنا يلزم منه ترك السجود الواجب أو فعله لا على الوجه المسنون كما مر في علة كون الضم هنا آكد، وعلى هذا فالضم في
93 المسألة الأولى في الأوقات المكروهة خلاف الأولى لأنه لا سجود سهو فيها كما مر. قوله: (في الصورتين) أي ما إذا لم يسجد للخامسة أسجد. قوله: (وتركه في الثانية) أي ترك سلام الفرض الخاص به، وهو ما لا يكون بينه وبين قادة الفرض صلاة، وها هنا وإن كان سلامه على رأس الست مخرجا من جميع الصلاة، لكن فاته السلام المخصوص ا ه ح. قوله: (والركعتان الخ) لم يذكر حكم ما تحول نفلا في المسألة الأولى هل ينوب عن قبلية الظهر إذا لم يكن صلاها؟ قال بعض الفضلاء نعم. واعترض بما ذكر في تعليل المسألة هنا، وفيه نظر، لان الشروع فيما مر كان بتحريمة مبتدأة غايته أنه انقلب فيه وصف ما شرع فيه قصدا إلى النفلية، بخلاف الركعتين هنا فإنه لم يشرع فيهما قصدا ولا وجدت لهما تحريمة مبتدأة، وقد مر في باب النوافل أنه لو صلى ركعتين من التهجد فظهر وقوعهما بعد طلوع الفجر أجزأته عن سنة الفجر في الصحيح، بخلاف ما لو صلى أربعا فظهر وقوع ركعتين منهما بعد الفجر لأنهما ليستا بتحريمة مبتدأة، فتأمل. قوله: (ولو اقتدى به الخ) أي لو اقتدى شخص بالذي قعد على الرابعة ثم قام وضم سادسة صلاهما: أي الركعتين أيضا: أي مع الأربع. والأولى أن يقول: صلى الأربع أيضا، لان صلاة الركعتين محل وفاق، فعند أبي يوسف يصلي ركعتين فقط بناء على أن إحرام الفرض انقطع بالانتقال إلى النفل. وعند محمد ستا وهو الأصح، لأنه لو انقطعت التحريمة لاحتاج إلى تكبيرة جديدة فصار شارعا في الكل. ح عن البحر ملخصا. قوله: (وإن أفسد) أي المقتدي الركعتين قضاهما فقط، لأنه شرع في هذا النفل قصدا فكان مضمونا عليه، بخلاف الامام لشروعه فيه ساهيا، وهذا كله فيما إذا قعد الامام في الرابعة، فإن لم يقعد يصلي المقتدي ستا، كما إذا أفسدهما كما في القهستاني عن المحيط، لأنه التزم صلاة الامام وهي ست ركعات نفلا كما في البحر. تتمة: لو اقتدى به مفترض في قيام الخامسة بعد القعود قدر التشهد لم يصح ولو عاد إلى القعدة، لأنه لما قام إلى الخامسة فقد شرع في النفل، فكان اقتداء المفترض بالمتنفل، ولو لم يفقد قدر التشهد صح الاقتداء لأنه لم يخرج من الفرض وقبل أن يقيدها بسجدة. بحر. عن السراج. قوله: (سهوا) قيد بالنظر إلى قوله سجد لا إلى قوله: ولم تفسد وهذه المسألة تقدمت بعينها في باب النوافل ح، وقدمنا الكلام عليها هناك، فراجعه. قوله: (وقدمنا) أي عند قول المتن سها عن القعود الأول. قوله: (وقيل لا) أي لا يعود بعد ما استتم قائما كالفرض، وقدمنا أنه في التاترخانية صححه. قال في شرح المنية: والخلاف فيما إذا أحرم بنية الأربع، فإن نوى ثنتين عاد اتفاقا. قوله: (فسجد له) أي للسهو. قوله: (بعد السلام) وكذا قبله كما يفيده ما يذكره من التعليل، وكأن المصنف قيد به تبعا للخلاصة، لكونه السنة فمحل السجود عندنا، لا لكون البعدية أولى كما قيل، فافهم. قوله: (عليه) أي على ما صلى ط. قوله: (تحريما) لما يأتي من أن نقض الواجب لا يجوز. قوله: (لئلا يبطل
94 سجوده الخ) ونقض الواجب وإبطاله لا يجوز إلا إذا استلزم تصحيحه نقض ما هو فوقه. بحر عن الفتح: أي كما في مسألة المسافر الآتية. قال ح: قال شيخنا: هذا في البناء على النفل. وأما البناء على الفرض ففيه كراهتان أخريان: الأولى تأخير سلام المكتوبة، الثانية الدخول في النفل بلا تحريمة مبتدأة ا ه. قال ط: وهذا الأخير يظهر أيضا في بناء النفل على مثله إذا كان نوى أولا ركعتين ا ه تأمل. قوله: (بخلاف المسافر الخ) أي لو كان مسافرا فسجد للسهو ثم نوى الإقامة فله ذلك، لأنه لو لم يبن وقد لزم الاتمام بنية الإقامة بطلت صلاته، وفي البناء نقض الواجب وهو أدنى فيتحمل دفعا للأعلى. بحر. قوله: (ويعيد وهو) أي من ليس له البناء، وهو بإطلاقه يشمل المفترض، ويخالفه ما قدمه أول الباب عن القنية، من أنه لو بنى النفل على فرض سها فيه لم يسجد، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (والمسافر) الأولى أن يقول: كالمسافر لئلا يوهم قوله: على المختار أن فيه خلافا مع أنه خلاف ما يفهم من البحر، أفاده ط. قلت: بل صرح به في الامداد. قوله: (على المختار) وقيل لا يعيده، لأنه وقع جابرا حين وقع فيعتد به. ح عن الامداد. قوله: (يخرجه من الصلاة الخ) هذا عندهما، وأما عند محمد فإنه لا يخرجه منها أصلا، كما في البحر وغيره. قوله: (إن سجد عاد الخ) أفاد أن معنى التوقف أنه يخرجه منها من كل وجه على احتمال أن يعود إلى حرمتها بالسجود بعد خروجه منها. ولهم فيه تفسير آخر وهو أنه قبل السجود يتوقف على ظهور عاقبته: إن سجد تبين أنه لم يخرجه، وإن لم يسجد تبين أنه أخرجه من وقت وجوده، وتمامه في الفتح. قوله: (بنية الإقامة) أي بعد السلام وقبل السجود كما هو فرض المسألة، أما قبل السلام فلا شك في أنه يصير فرضه أربعا، لأنه لم يخرج من حرمة الصلاة اتفاقا، وكذا بعد السلام والسجود، لأنه في حرمة الصلاة اتفاقا: أما على قول محمد فظاهر، وأما على قولهما فلانه عاد إلى حرمتها بالسجود، وهذه المسألة الأخيرة هي التي تقدمت في قوله: بخلاف المسافر. قوله: (كذا في عامة الكتب) في بعض النسخ كذا في غاية البيان وهي الصواب، لان المذكور في عامة الكتب كالهداية وشروحها والكافي وقاضيخان وغيرها عدم انتقاض الطهارة، وعدم صيرورة الفرض أربعا عندهما من غير تفصيل بين العود إلى السجود وعدمه. وإنما ذكروا هذا التفصيل في مسألة الاقتداء فقد لعدم إمكانه في غيرها، أما إجراء التفصيل في المسائل الثلاث كما فعل المصنف، فهو مذكور في غاية البيان، كما نقله عنها في البحر، وكذا في متن الوقاية والدرر والملتقى، وقد نبه غير واحد على غلطهم، وكذا قال القهستاني: إن ما سوى مسألة الاقتداء ليس من فروع الخلاف، إلا إذا سقط الشرطيتان. وفي الوقاية هنا سهو مشهور ا ه. وأراد بالشرطيتين قوله: إن عاد إلى السجود وإلا فلا. والحاصل أن الصواب في التعبير أن يقول كما قال ابن الكما: سلام من عليه السهو يخرجه منها خروجا موقوفا عندهما، خلافا لمحمد، فيصح الاقتداء به إن سجد بعد، وإلا فلا، ولا يبطل
95 وضوءه بالقهقهة. ولا يصير فرضه أربعا بنية الإقامة ا ه. وعند محمد: يصح الاقتداء مطلقا، ويبطل الوضوء: ويصير الفر ض أربعا، فالخلاف في المسائل الثلاث، لكن المسألة الأولى عندهما على التفصيل المذكور دون الأخيرتين، فإجراء التفصيل في المسائل الثلاث كما فعل المصنف غلط مخالف لعامة الكتب. قوله: (وهو غلط في الأخيرتين الخ) أي ذكر الشرطيتين، وهما قوله: إن سجد وإلا لا غلط في المسألتين الأخيرتين، لأنه عندهما لا تفصيل فيهما، وإنما التفصيل المذكور في الأولى فقط كما ذكرنا. أما في القهقهة فلأنها أوجبت سقوط السجود عند الكل، لفوات حرة الصلاة لأنها كلام، فالحكم النقض عنده، وعدمه عندهما كما صرح به في المحيط وشرح الطحاوي. بحر: أي لأنه عند محمد لم يخرج بالسلام عن حرمة الصلاة فانتقضت طهارته. وعندهما خرج من كل وجه، ولا يمكنه أن يعود إلى الصلاة بالسجود لوجود المنافي وهو القهقهة، لأنها كلام، كما لو سلم وأحدث عمدا بعده فإن سلامه لم يبق موقوفا بعد الحدث. وأما في نية الإقامة، فقال في المحيط وغيره: إنه لا يتغير فرضه، ويسقط عند سجود السهو. وفي المعراج: سواء سجد أو لا، لأنه لو تغير به لصحت نيته قبله، ولو صحت لوقعت السجدة في وسط الصلاة ولا يتعد بها، فصار كأنه لم يسجد أصلا، فلو صحت لصحت بلا سجود. بحر ونهر. وحاصله أنه لو صح سجوده لبطل، وما يؤدي تصحيحه إلى إبطاله فهو باطل. وفيه دور أيضا، يوضحه ما في البزازية أنه عندهما خرج من الصلاة ولا يعود إلا بعوده إلى سجوده السهو، ولا يمكنه العود إليه إلا بعد تمام الصلاة، ولا يمكنه إتمام الصلاة إلا بعد العود إلى السجود فجاء الدور. قال: وبيانه أنه لا يمكنه العود إلى سجوده، لأنه سجوده ما يكون جابرا، والجابر بالنص هو الواقع في آخر الصلاة ولا آخر لها قبل التمام، فقلنا بأنه تمت صلاته وخرج منها قطعا للدور ا ه. والحاصل أنه حيث لم يمكنه العود إلى السجود لما علمته لم يمكن عوده إلى الصلاة فبقي خارجا منها بالسلام خروجا باتا، حتى لو سجد وقع لغوا، كما لو سجد بعد القهقهة في المسألة التي قبلها أو بعد الحدث العمد، ولذا صرح الكمال وغيره من الشراح كصاحب النهاية والعناية وقاضيخان بأنه لا يتغير فرضه بنية الإقامة، لأن النية لم تحل في حرمة الصلاة، فقد ظهر لك بهذا التقرير سقوط ما ذكره في الامداد منتصرا لما في غاية البيان في هذه المسألة بما حاصله أن عدم صحة نية الإقامة إنما هو على تقدير عدم السجود وهو قد سجد، فتصح نيته لما في الدراية إذا سجد فنوى الإقامة صحت ا ه. فكذلك هنا، وإلا لزم التناقض. وقول الكمال: إن النية لم تحصل في حرمة الصلاة غير مسلم، لتصريحه بأن سلام من عليه السهو لا يخرجه منها، ويلزم صاحب البحر في قوله: لئلا يقع في خلال الصلاة أن نية الإقامة بعد سجوده لا تصح لوقوع السجود في خلال الصلاة مع اتفاقهم على صحتها. أقول: والجواب ما تحققته من أنه إذا سجد وقع لغوا، فكأنه لم يسجد، فلم يعد إلى حرمة الصلاة، فلم تصح نيته، بخلاف ما في الدراية، فإنه إذا سجد أولا عاد إليها فصحت نيته، بخلاف ما إذا نوى أولا ثم سجد فإنه لا يعود إليها لما علمته من الدور واستلزام صحة السجود بطلانه، فلا تناقض بين المسألتين. وأما ما ذكره الكمال فقد صرح به غيره كما علمت، وتصريحه بأن سلام من عليه السهو
96 لا يخرجه منها: أي خروجا باتا، بل يخرجه على احتمال العود إن أمكن، وهنا لم يمكن للمحذور المذكور، وقولهم تصح نية الإقامة بعد السجود ويلغو السجود لوقوعه في خلال الصلاة صحيح، لان إلغاء السجود فيه لم يكن بسبب إيجابه المقتضي للدور كما في مسألتنا، بل بسبب تصحيح النية فيه الموجب للاتمام، وتصحيح النية فيه لا يستدعي إيجاب السجود، بخلاف مسألتنا فإن فيلزم من صحة النية أن تصح بلا سجود لوقوعه في وسط الصلاة، ومع عدم السجود لا يعود إلا حرمة الصلاة، وإذا لم يعد إليها لم تصح نية الإقامة، فيلزم الدور. وبعد تقرير هذا الجواب بما ذكرنا، رأيت شيخ مشايخنا الرحمتي ذكر نحوه ولله الحمد، فافهم. قوله: (ويسجد للسهو ولو مع سلامه للقطع) أي قطع الصلاة وعدم العود إليها بالسجود، قيد بالسهو لأنه لو سلم ذاكرا أن عليه سجده تلاوة أو قراءة التشهد الأخير سقطت عنه، لان سلامه عمد فيخرجه من الصلاة، ولا تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة، بل تكون ناقصة لترك الواجب، وكذا لو سلم وعليه تلاوية وسهوية ذاكرا لهما أو للتلاوية سقطتا، إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد، ولو سلم وعليه صلبية فقط أو صلبية وسهوية ذاكرا لهما أو للصلبية فقط فسدت صلاته، ولو عليه تلاوية أيضا فسلم ذاكرا لها أو للصلبية فسدت أيضا، وهذا في الصلبية ظاهر لأنها ركن. وأما في التلاوية فمقتضى ما مر أنها لا تفسد، وهو رواية أصحاب: الاملاء عن أبي يوسف، لان سلامه في حق الركن سلام سهو، وفي حق الواجب سلام عمد، وكلاهما لا يوجب فساد الصلاة، لكن ظاهر الرواية أنها تفسد، لان سلام السهو لا يخرج، وسلام العمد يخرج، فترجح جانب الخروج احتياطا. وما أحسن قول محمد: فسدت في الوجهين: أي في تذكر التلاوية أو الصلبية، لأنه لا يستطيع أن يقضي التي كان ذاكرا لها بعد التسليم، وإذا جعل عليه قضاء التي كان ناسيا لها وجب أن يقضي التي كان ذاكرا لها، وتمام ذلك في الفتح والبدائع. قوله: (لبطلان التحريمة) أي بالتحول أو التكلم، وقيل لا يقطع للتحول ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد كما في الدرر عن النهاية. إمداد. قوله: (ولو نسي السهو الخ) أو في كلامه مانعة الخلو فيصدق بسبع صور، وهي ما لو كان عليه سهوية فقط، أو صلبية فقط، أو تلاوية فقط، أو كان عليه الثلاثة أو اثنتان منها: أي صلبية مع تلاوية أو سهوية مع إحداهما، ففي هذه كلها إذا سلم ناسيا لما عليه كله أو لما سوى السهوية لا يعد سلامه قاطعا، فإذا تذكر يلزمه ذلك الذي تذكره ويرتب بين السجدات، حتى لو كان عليه تلاوية وصلبية يقضيهما مرتبا، وهذا يفيد وجوب النية في المقضي من السجدات كما ذكر، في الفتح، ثم يتشهد، ويسلم ثم يسجد للسهو. وقيدنا بقولنا: أي لما سوى السهوية، لأنه لو سلم ذاكرا لها ناسيا لغيرها يلزمه أيضا، لان السلام مع تذكر سجود السهو لا يقطع، بخلاف تذكر غيرها فإنه يقطع عن التفصيل المار قبل ذلك، فافهم. قوله: (ما دام في المسجد) أي وإن تحول عن القبلة استحسانا، لان المسجد كله في حكم مكان واحد، ولذا صح الاقتداء فيه وإن كان بينهما فرجة. وأما إذا كان في الصحراء: فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره عاد إلى قضاء ما عليه، لان ذلك الموضع ملحق بالمسجد، وإن مشى أمامه فالأصح اعتبار موضع سجوده أو سترته إن كان له سترة بين يديه كما في البدائع والفتح.
97 تنبيه: قال هنا: ما دام في المسجد وفيما قبله ما لم يتحول عن القبلة، ولعل وجه الفرق أن السلام هنا لما كان سهوا لم يجعل مجرد الانحراف عن القبلة مانعا: ولما كان فيما قبله عمدا جعل مانعا على أحد القولين، وهو ما مشى عليه المصنف، لما في البدائع من أن السجود لا يسقط بالسلام ولو عمدا، إلا إذا فعل فعلا يمنعه من البناء بأن تكلم أو قهقه أو أحدث عمدا أو خرج من المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له، لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة فسقط ضرورة فوات محله ا ه تأمل. قوله: (توهما) أي ذا توهم أو متوهما. قوله: (أتمها أربعا) إلا إذ سلم قائما في غير جنازة كما قدمه في مفسدات الصلاة، لان القيام في غير الجنازة ليس مظنة للسلام فلا يغتفر السهو فيه. قوله: (لأنه دعاء من وجه) أي فلذا خالف الكلام حيث كان مبطلا ولو ساهيا. قوله: (لأنه سلام عمد) استشكل العلامة المقدسي الفرق بينه وبين ما قبله فإنه عمد أيضا. قلت: وذكر في شرح المنية الفرق بأنه في الأول سلام على ظن إتمام الأربع فيكون سلامه سهوا، وهنا سمل عالما بأنه صلى ركعتين فوقع سلامه عمدا فيكون قاطعا فلا يبني ا ه. وفي التاترخانية أن السهو وإن وقع في أصل الصلاة أوجب فسادها، وإن في وصفها فلا، فالأول كما إذا سلم على الركعتين على ظن أنه في الفجر أو الجمعة أو السفر، والثاني كما إذا سلم عليهما على ظن أنها رابعة ا ه: أي لان العدد بمنزلة الوصف. والحاصل أنه إذا ظن أنها الفجر مثلا يكون قاصدا لايقاع السلام على رأس الركعتين فيكون متعمدا للخروج قبل إتمام الصلاة التي شرع فيها، بخلاف ما إذا سلم على ظن الاتمام فإنه لم يتعمد إلا إيقاعه بعد الأربع، فوقع قبلها سهوا، وبالجملة فالسلام من حيث ذاته عمد فيهما ومن حيث محله مختلف، فتدبر. قوله: (وقيل لا تبطل الخ) ذكره في البحر بحثا أخذا مما في المجتبى: لو سلم المصلي عمدا قبل التمام، قيل تفسد، وقل لا حتى يقصد به خطاب آدمي ا ه. فقال في البحر: فينبغي أن لا تفسد في هذه المسائل على القول الثاني ا ه. ومثله في النهر. قال الشيخ إسماعيل وهو ظاهر، والأول المجزوم به في كتب عديدة معتمدا ا ه. قوله: (عدمه في الأوليين) الظاهر أن الجمع الكثير فيما سواهما كذلك كما بحثه بعضهم ط، وكذا بحثه الرحمتي، وقال: خصوصا في زماننا. وفي جمعه حاشية أبي السعود عن العزمية أنه ليس المراد عدم جوازه، بل الأولى تركه لئلا يقع الناس في فتنة ا ه. قوله: (وبه جزم في الدرر) لكنه قيده محشيها الواني بما إذا حضر جمع كثير، وإلا فلا داعي إلى الترك ط. قوله: (وإذا شك) هو تساوي الامرين. بحر، وقدمناه. قوله: (في صلاته) قال في فتح القدير: قيد به، لأنه لو شك بعد الفراغ منها أو بعد ما قعد قدر التشهد لا يعتبر إلا إذا وقع في التعيين
98 فقط، بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعيينه، قالوا: يسجد سجدة ثم يقعد ثم يصلي ركعتين بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو لاحتمال أن المتروك الركوع فيكون السجود لغوا بدونه، فلا بد من ركعة بسجدتين ا ه. قال في البحر: ولا حاجة إلى هذا الاستثناء، لان الكلام في الشك بعد الفراغ وهذا تيقن ترك ركن غير أنه شك في تعيينه، نعم يستثنى ما في الخلاصة: لو أخبره عدل بعد السلام أنك صليت الظهر ثلاثا وشك في صدقه يعيد احتياطا، لأن الشك في صدقه شك في الصلاة. قوله: (من لم يكن ذلك عادة له) هذا قول شمس الأئمة السرخسي، واختاره في البدائع، ونص في الذخيرة على أنه الأشبه. قال في الحلية: وهو كذلك. وقال فخر الاسلام: من لم يقع له في هذه الصلاة، واختاره ابن الفضل. قوله: (وقيل الخ) ثمرة الخلاف تظهر فيما لو سها في صلاته أول مرة واستقبل ثم لم يسه سنين ثم سها، فعلى قول السرخسي يستأنف، لأنه لم يكن من عادته وإنما حصل له مرة واحدة، والعادة إنما هي من المعاودة: أي والشرط أن لا يكون معتادا له قبل هذه الصلاة، وكذا على قول فخر الاسلام، خلافا لما وقع في السراج من أنه يتحرى كما يتحرى على القول الثالث كما في البحر. وفي عبارة النهر: هنا سهو فاجتنبه. قوله: (كما صلى) أشار بالكمية إلى أن الشك في العدد، فلو في الصفة كما لو شك في ثانية الظهر أنه في العصر وفي الثالثة أنه في التطوع وفي الرابعة أنه في الظهر، قالوا: يكون في الظهر، ولا عبرة بالشك، وتمامه في البحر. قوله: (استأنف بعمل مناف الخ) فلا يخرج بمجرد النية، كذا قالوا. وظاهره أنه لا بد من العمل، فلو لم يأت بمناف وأكملها على غالب ظنه لم تبطل، إلا أنها تكون نفلا ويلزمه أداء الفرض، ولو كانت نفلا ينبغي أن يلزمه قضاؤه وإن أكملها لوجوب الاستئناف عليه. بحر. وأقره في النهر والمقدسي. قوله: (وإن كثر شكه) بأن عرض له مرتين في عمره على ما عليه أكثرهم، أو في صلاته على ما اختاره فخر الاسلام. وفي المجتبى: وقيل مرتين في سنة، ولعله على قول السرخسي. بحر ونهر. قوله: (للحرج) أي في تكليفه بالعمل باليقين. قوله: (وإلا) أي وإن لم يغلب على ظنه شئ، فلو شك أنها أولى الظهر أو ثانيته يجعلها الأولى ثم يقعد لاحتمال أنها الثانية ثم يصلي ركعة ثم يقعد لما قلنا ثم يصلي ركعة ويقعد لاحتمال أنها الرابعة ثم يصلي أخرى ويقعد لما قلنا، فيأتي بأربع قعدات: قعدتان مفروضتان وهما الثالثة والرابعة، وقعدتان واجبتان، ولو شك أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد ثم صلى أخرى وقعد ثم الرابعة وقعد، وتمامه في البحر، وسيذكر عن السراج أنه يسجد للسهو. قوله: (ولو واجبا) معطوف على محذوف: أي فرضا كان القعود ولو واجبا أو إذا كان فرضا ولو واجبا، فكذلك على حذف جواب لو الشرطية فالتعليل ناظر إلى المذكور والمحذوف. هذا، وقول الهداية والوقاية يقعد في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته يدل على أنه لا يقعد على الثانية والثالثة، ولذا نسبه في الفتح إلى القصور. واعتذر عنه في البحر بأن فيه خلافا، فلعله بناه على أحد القولين وإن كان الظاهر القعود مطلقا ا ه. قلت: لكن في القهستاني عن المضمرات أن الصحيح أنه لا يقعد على الثانية والثالثة لأنه
99 مضطر بين ترك الواجب وإتيان البدعة، والأول أولى من الثاني، ثم قال: لكن فيه اختلاف المشايخ ا ه. وأقول: يريد ما في الفتح ما صرحوا به في عدة كتب أن ما تردد بين البدعة والواجب يأتي به احتياطا، بخلاف ما تردد بين البدعة والسنة. قوله: (واعلم الخ) قال في المنية وشرحها الصغير: ثم الأصل في التفكر أنه إن منعه عن أداء ركن كقراءة آية أو ثلاث أو ركوع أو سجود أو عن أداء واجب كالقعود يلزمه السهو لاستلزام ذلك ترك الواجب وهو الاتيان بالركن أو الواجب في محله وإن لم يمنعه عن شئ من ذلك بأن كان يؤدي الأركان ويتفكر، لا يلزمه السهو. وقال بعض المشايخ: إن منعه التفكر عن القراءة أو عن التسبيح يجب عليه سجود السهو، وإلا فلا، فعلى هذا القول لو شغله عن تسبيح الركوع وهو راكع مثلا يلزمه السجود، وعلى القول الأول لا يلزمه وهو الأصح ا ه. وبه علم أن قول المصنف ولا تسبيح مبني على خلاف الأصح، وقول البعض: ودخل في قوله أو عن أداء واجب ما لو شغله عن السلام لما في الظهيرية: لو شك بعد ما قعد قدر التشهد أصلي ثلاثا أو أربعا حتى شغله ذلك عن السلام ثم استيقن وأتم صلاته فعليه السهو ا ه. وعلله في البدائع بأنه أخر الواجب وهو السلام ا ه. وظاهره لزوم السجود وإن كان مشتغلا بقراءة الأدعية أو الصلاة، وهو مبني على ما قاله شمس الأئمة، من أنه ليس المراد أن يشغله التفكر عن ركن أو واجب، فإن ذلك يوجب سجدتي السهو بالاجماع، وإنما المراد به شغل قلبه بعد أن تكون جوارحه مشغولة بأداء الأركان، ومثله ما في الذخيرة، من أنه لو كان في ركوع أو سجود فطول في تفكره وتغير عن حاله بالتفكر فعليه سجود السهو استحسانا، لأنه وإن كان تفكره ليس إلا إطالة القيام أو الركوع أو السجود، وهذه الأذكار سنة، لكنه أخر واجبا أو ركنا لا بسبب إقامة السنة بل بسبب التفكر، وليس التفكر من أعمال الصلاة ا ه. قلت: والحاصل أنه اختلف في التفكر الموجب للسهو، فقيل ما لزم منه تأخير الواجب أو الركن عن محله بأن قط الاشتغال بالركن أو الواجب قد أداء ركن وهو الأصح، وقيل مجرد التفكر الشاغل للقلب وإن لم يقطع الموالاة، وهذا كله إذا تفكر في أفعال هذه الصلاة، أما لو تفكر في صلاة قبلها هل صلاها أم لا: ففي المحيط أنه ذكر في بعض الروايات أنه لا سهو عليه وإن أخر فعلا، كما لو تفكر في أمر من أمور الدنيا حتى أخر ركنا، وفي رواية: يلزمه لتمكن النقص في صلاته لأنه يجب عليه حفظ تلك الصلاة حتى يعلم جواز صلاته هذه، بخلاف أعمال الدنيا فإنه لم يجب عليها حفظها. واستظهر في الحلية هذه الرواية، وأنه لو لزم ترك الواجب بالتفكر في أمور الدنيا يلزمه السجود أيضا. واستظهر أيضا القول الأول بأن الملزم للسجود ما كان فيه تأخير الواجب أو الركن عن محله، إذ ليس في مجرد التفكر مع الأداء ترك واجب، وتمام الكلام فيها وفي فتاوى العلامة قاسم. قوله: (سواء عمل بالتحري) أي بأن غلب على ظنه أنها الركعة الثانية مثلا، وقوله: أو بنى على الأقل أي بأن لم يغلب على ظنه شئ وأخذ بالأقل. قوله: (لكن في السراج الخ) استدراك عن ما في الفتح من لزوم السجود في الصورتين، وقوله: مطلقا أي سواء تفكر قدر ركن
100 أو لا، وهذا التفصيل هو الظاهر، لان غلبة الظن بمنزلة اليقين، فإذا تحرى غلب على ظنه شئ لزمه الاخذ به، ولا يظهر وجه لايجاب السجود عليه إلا إذا طال تفكره على التفصيل المار، بخلاف ما إذا بنى على الأقل، لان فيه احتمال الزيادة كما أفاد في البحر. قوله: (أخبره عدل الخ) تقدم أن الشك خارج الصلاة لا يعتبر، وأن هذه الصورة مستثناة، وقيد، بالعدل، إذ لو أخبره عدلان لزمه الاخذ بقولهما، ولا يعتبر شكه، وإن لم يكن المخبر عدلا لا يقبل قوله. إمداد. وظاهر قوله: أعاد احتياطا الوجوب، لكن في التاترخانية: إذا شك الامام فأخبره عدلان يجب الاخذ بقولهما، لأنه لو أخبره عدل يستحب الاخذ بقوله ا ه فتأمل. قوله: (ولو اختلف الامام والقوم) أي وقع الاختلاف بينهم وبينه، كأن قالوا صليت ثلاثا وقال بل أربعا، أما لو اختلف القوم والامام مع فريق منهم ولو واحدا أخذ بقول الإمام، ولو تيقن واحد بالتمام وواحد بالنقص وشك الامام والقوم فالإعادة على المتيقن بالنقص فقط، ولو تيقن الامام بالنقص لزمهم الإعادة إلا من تيقن منهم بالتمام، ولو تيقن واحد بالنقص وشك الامام والقوم، فإن كان في الوقت فالأولى أن يعيدوا احتياطا ولزمت له المخبر بالنقص عدلان. من الخلاصة والفتح. تتمة: شك الامام فلحظ إلى القوم ليعلم بهم إن قاموا قام وإلا قعد لا بأس به ولا سهو عليه. غلب على ظنه في الصلاة أنه أحدث أو لم يمسح ثم ظهر خلافه، إن كان أدى ركنا استأنف وإلا مضى. تاترخانية. قوله: (وقنت أيضا في الأصح) وقيل لا يقنت لان القنوت في الثانية بدعة. والجواب أن ما تردد بين البدعة والواجب يأتي به احتياطا كما مر. وبقي لو قنت في الأولى أ الثانية سهوا فقدم المصنف في باب الوتر أنه لا يقنت في الثالثة، ومر ترجيح خلافه. قوله: (شك هل كبر الخ) أي شك في صلاته. ذخيرة وغيرها. وظاهره أن الشك في جميع هذه المسائل وقع في الصلاة، ويدل عليه قول الذخيرة في آخر العبارة: إن كان ذلك أول مرة استقبل الصلاة، وإلا جاز له المضي، ولا يلزمه الوضوء ولا غسل الثوب ا ه. تأمل. ويخالفه ما في الخلاصة حيث قال: شك في بعض وضوئه وهو أول شك غسل ما شك فيه، وإن وقع له كثيرا لم يلتفت إليه، وهذا إذا شك في خلال وضوئه، فلو بعد الفراغ منه لم يلتف إليه ا ه. لكن سئل العلامة قاسم في فتاويه عمن شك وهو في صلاته أنه على وضوء أم لا؟ فأجاب بأنه إن كان أول ما عر ض له أعاد الوضوء والصلاة، وإلا مضى في صلاته. قوله: (وظاهر الرواية البناء على الأقل) كذا عزاه في البحر إلى البدائع، ولم أره فيها فليراجع. والذي في لباب المناسك: ولو شك في عدد الأشواط في طواف
101 الركن أعاده، ولا يبني على غالب ظنه، بخلاف الصلاة، وقيل إذا كان يكثر ذلك يتحرى ا ه. وما جزم به في اللباب عزاه في البحر إلى عامة المشايخ، والله تعالى أعلم. باب: صلاة المريض قيل المرض مفهومه ضروري، إذ لا شك أن فهم المراد منه أجلى من قولنا إنه معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع (1) فيؤول إلى التعريف بالاخفى. نهر. قوله: (من إضافة الفعل لفاعله أو محله) كل فاعل محل ولا عكس، فإن المريض محل للصلاة فاعل لها، والخشبة محل للحركة وليست فاعله لها ح. قوله: (ومناسبته الخ) لم يبين وجه تأخيره عن سجود السهو، وبينه في البحر بقوله: والسهم أعم موقعا لشموله المريض والصحيح، فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه ح. قوله: (فتأخر الخ) أي وكان حقه أن يذكر مع سجود السهو لمناسبة بينهما في أن كلا منهما مثل جزء الصلاة، أو لان كلا منهما سجود يترتب على أمر يقع في الصلاة متأخرا عنه، إلا أن سجود السهو مختص بالصلاة، وسجود التلاوة يقع خارج الصلاة أيضا ح. قوله: (كله) فسر به لما سيأتي في المتن من قوله: وإن قدر على بعض القيام قام ح. قوله: (لمرض حقيقي الخ) قال في البحر: أراد بالتعذر: التعذر الحقيقي، بحيث لو قام سقط، بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي، وهو خوف زيادة المرض. واختلفوا في التعذر: فقيل ما يبيح الافطار، وقيل التيمم، وقيل بحيث لو قام سقط، وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه. والأصح أن يلحقه ضرر بالقيام، كذا في النهاية والمجتبى وغيرهما ا ه. فقوله واختلفوا في التعذر: أي في غير عبارة المصنف، لما علمت أن المراد به في كلامه كالكنز الحقيقي بدليل عطف الحكمي عليه. وبما تقرر ظهر ما في كلام الشارح حيث جعل الحقيقي والحكمي وصفين للمرض مع أنهما صفتان للتعذر، لان المرض فيهما حقيقي، وكذا قوله: وحده إن كان الضمير فيه للمرض الحقيقي، فليس ذلك تعريفا للمرض بل تعريف المرض ما قدمناه، وإن كان للتعذر المذكور فقد علمت أن المراد به كلام المصنف الحقيقي وهو ما لو قام لسقط، اللهم إلا أن يعود لمطلق التعذر المبيح للصلاة قاعدا كما هو المراد من قول البحر: واختلفوا الخ، فافهم. وقد يأتي الحد بمعنى التمييز بين الشيئين، وعليه فيصح عوده لمطلق المرض: أي القدر المميز بين ما تصح معه الصلاة قاعدا ما لا تصح ما يلحقه بالقيام ضرر، وهو شامل حينئذ لما إذا تعذر القيام حقيقة بالمعنى المار أو حكما. وأما إذا لم يمكن القيام أصلا فهو مفهوم بالأولى. قوله: (قبلها أو فيها) صفة لمرض، والمرض العارض فيها سيأتي الكلام عليه في قول المتن ولو عرض له مرض فيها ولا ينافي قوله: أو فيها تقييده بقوله: كله لا المراد حينئذ تعذر كل القيام الواقع بعد عروض المرض.
(1) قوله: (الطبائع الأربع) هي الصفراء والسوداء والبلغم والدم ا ه. 102 قوله: (أي الفريضة) أراد بها ما يشمل الواجب كالوتر وما في حكمة كسنة الفجر، احترازا عما عدا ذلك من النوافل، فإنها تجوز من قعود بلا تعذر قيام. قوله: (خاف) أي غلب على ظنه بتجربة سابقة أو إخبار طبيب مسلم حاذق. إمداد. قوله: (بقيامه) متعلق بخاف أو بزيادة وبطء على سبيل التنازع. قوله: (أو وجد لقيامه) أي لأجله ألما شديدا، وهذا وما قبله وما بعده داخل في أفراد، الضرر المذكور في قوله وحده الخ فافهم. قوله: (سلس) كفرح ط. قوله: (أو تعذر عليه الصوم) الأولى أن يقول لصوم باللام التعليلية: أي تعذر القيام لأجل الصيام. وعبارة البحر: ودخل تحت العجز الحكمي ما لو صام رمضان صلى قاعدا، وإن أفطر صلى قائما يصوم ويصلي قاعد. قوله: (كما مر) أي في باب صفة الصلاة حيث قال: وقد يتحتم القعود كمن يسيل جرحه إذا قام أو يسلس بوله أو يبدو ربع عورته أو يضعف عن القراءة أصلا أو عن صوم رمضان، ولو أضعفه عن القيام الخروج لجماعة صلى في بيته منفردا، به يفتي، خلافا للأشباه ح. أقول: وقدمنا هناك أنه لو لم يقدر على الايماء قاعدا، كما لو كان بحال لو صلى قاعدا يسيل بوله أو جرحه ولو مستلقيا: لا صلى قائما بركوع وسجود، لان الاستلقاء لا يجوز بلا عذر كالصلاة مع الحدث فيترجح ما فيه الاتيان بالأركان كما في المنية وشرحها. ومن العجز الحكمي أيضا ما لو خرج بعض الولد وتخاف خروج الوقت تصلي بحيث يلحق الولد ضرر، وما لو خاف العدو لو صلى قائما أو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه، وإن خرج لا يستطيع الصلاة لطين أو مطر، ومن به أدنى علة فخاف إن نزل عن المحمل بقي في الطريق يصلي الفرض في محمله، وكذا المريض الراكب، إلا إذا وجد من ينزله. بحر. قوله: (ولو مستندا الخ) أي إذا لم يلحقه ضرر به بدليل ما مر. قوله: (أو إنسان) عبر في العناية والفتح وغيرهما بالخادم بدله. قال ح: وفيه أن القادر بقدرة الغير عاجز عند الامام، إلا أن يراد بالغير غير الخادم. تأمل ا ه. أقول: قدمنا في باب التيمم أن العاجز عن استعمال الماء بنفسه لو وجد من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لزمه الوضوء اتفاقا، وكذا غيره ممن لو استعان به أعانه في ظاهر المذهب، بخلاف العاجز عن استقبال القبلة أو التحول عن الفراش النجس فإنه لا يلزمه عنده. والفرق أنه يخاف عليه زيادة المرض في إقامته وتحويله ا ه. ومقتضاه أنه لو لم يخف زيادة المرض يلزمه ذلك، وقدمنا في بحث الصلاة على الدابة من باب النوافل عن المجتبى ما نصه: وإن لم يقدر على القيام أو النزول عن دابته أو الوضوء إلا بالإعانة وله خادم يملك منافعه يلزمه في قولهما، وفي قوله نظر. والأصح اللزوم في الأجنبي الذي يطيعه كالماء الذي يعرض للوضوء ا ه. ولا يخفى أن هذا حيث لا يلحقه ضرب بالقيام فلا يخالف ما قدمناه آنفا. وبه ظهر أن المراد بالانسان من يطيعه أعم من الخادم والأجنبي، وأما عدم اعتبار القدرة بقدرة الغير عند الامام فلعله ليس على إطلاقه بل في بعض المواضع كما قاله ط، ولذا قال في المجتبى: وفي قوله (1) نظر، أو محمول على ما إذا لم يتيسر له ذلك إلا بكلفة ومشقة فلا يلزمه الانتظار إلى حصوله، فليتأمل. قوله: (كيف شاء) أي
(1) قوله: (وفي قوله) اي الامام ا ه منه. 103 كيف تيسر له بغير ضرر من تربع أو غيره. إمداد. قوله: (على المذهب) جزم به في الغرر ونور الايضاح، وصححه في البدائع وشرح المجمع، واختاره في البحر والنهر. قوله: (فالهيئات أولى) جمع هيئة، وهي هنا كيفية القعود. قال ط: وفيه أن الأركان إنما سقطت لتعسرها، ولا كذلك الهيئات ا ه تأمل. قوله: (قيل وبه يفتى) قاله في التجنيس والخلاصة والولوالجية لأنه أيسر على المريض. قال في البحر: ولا يخفى ما فيه، بل الأيسر عدم التقييد بكيفية من الكيفيات، فالمذهب الأول ا ه. وذكر قبله أنه في حالة التشهد يجلس كما يجلس للتشهد بالاجماع ا ه. أقول ينبغي أن يقال: إن كان جلوسه كما يجلس للتشهد أيسر عليه من غيره أو مساويا لغيره كان أولى، وإلا اختار الأيسر في جميع الحالات، ولعل ذلك محمل القولين، والله أعلم. قوله: (بركوع) متعلق بقوله: صلى ط. قوله: (على المذهب) في شرح الحلواني نقلا عن الهندواني: لو قدر على بعض القيام دون تمامه. أو كان يقدر على القيام لبعض القراءة دون تمامها يؤمر بأن يكبر قائما ويقرأ ما قدر عليه ثم يقعد، إن عجز، وهو المذهب الصحيح لا يروى خلافه عن أصحابه، ولو ترك هذا خفت أن لا تجوز صلاته. وفي شرح القاضي: فإن عجز عن القيام مستويا قالوا: يقوم متكئا لا يجزيه إلا ذلك، وكذا لو عجز عن القعود مستويا قالوا: يقعد متكئا لا يجزيه إلا ذلك، فقال عن شرح التمرتاشي ونحوه في العناية بزيادة: وكذلك لو قدر أن يعتمد على عصا أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام ا ه. قوله: (لان البعض معتبر بالكل) أي أن حكم البعض كحكم الكل، بمعنى أن من قدر على كل القيام يلزمه فكذا من قدر على بعضه. قوله: (بل تعذر السجود كاف) نقله في البحر عن البدائع وغيرها. وفي الذخيرة: رجل بحلقه خراج إن سجد سال وهو قادر على الركوع والقيام والقراءة يصلي قاعدا يومئ، ولو صلى قائما بركوع وقعد وأومأ بالسجود أجزأه، والأول أفضل، لان القيام والركوع لم يشرعا قربة بنفسهما، بل ليكونا وسيلتين إلى السجود ا ه. قال في البحر: لم أر ما إذا تعذر الركوع دون السجود غير واقع ا ه: أي لأنه متى عجز عن الركوع عجز عن السجود. نهر. قال ح: أقول على فرض تصوره ينبغي أن لا يسقط لان الركوع وسيلة إليه، ولا يسقط المقصود عند تعذر الوسيلة، كما لم يسقط الركوع والسجود عند تعذر القيام. قوله: (لا القيام) معطوف على الضمير المرفوع المتصل في قوله: تعذرا وهو ضعيف لكونه في عبارة المتن بلا فاصل ولا توكيد. قوله: (أومأ) حقيقة الايماء طأطأة الرأس، وروي مجرد تحريكها، وتمامه في الامداد عن البحر والمقدسي. قوله: (أومأ قاعدا) لان ركنية القيام للتوصل إلى السجود فلا يجب دونه، وهذا أولى من قول بعضهم: صلى قاعدا، إذ يفترض عليه أن يقوم للقراءة، فإذا جاء أوان الركوع والسجود أومأ قاعدا، كذا في النهر. أقول: التعبير ب صلى قاعدا هو ما في الهداية والقدوري وغيرهما، وأما ما ذكره من افتراض القيام فلم أره لغيره فيما عندي من كتب المذهب، بل كلهم متفقون على التعليل بأن القيام سقط
104 لأنه وسيلة إلى السجود، بل صرح في الحلية بأن هذه المسألة من المسائل التي سقط فيها وجوب القيام مع العجز الحقيقي والحكمي ا ه. ويلزم على ما قاله: أنه لو عجز عن السجود فقط أن يركع قائم، وهو خلاف المنصوص كما علمته آنفا، نعم ذكر القهستاني عن الزاهدي أنه يومئ للركوع قائما وللسجود جالسا، ولو عكس لم يجز على الأصح ا ه. وجزم به الولوالجي، لكن ذكر ذلك في النهر وقال: إلا أن المذهب الاطلاق ا ه: أي يومئ قاعدا أو قائما فيهما، فالظاهر أن ما ذكره هنا سهو، فتنبه له. قوله: (وهو أفضل الخ) قال في شرح المنية: لو قيل إن الايماء أفضل للخروج من الخلاف لكان موجها، ولكن لم أر من ذكره ا ه. قوله: (لقربه من الأرض) أي فيكون أشبه بالسجود. منح. قوله: (ويجعل سجوده أخفض الخ) أشار إلى أنه يكفيه أدنى الانحناء عن الركوع، وأنه لا يلزمه تقريب جبهته من الأرض بأقصى ما يمكنه كما بسطه في البحر عن الزاهدي. قوله: (فإنه يكره تحريما) قال في البحر: واستدل للكراهة في المحيط بنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، وهو يدل على كراهة التحريم ا ه. وتبعه في النهر. أقول: هذا محمول على ما إذا كان يحمل إلى وجهه شيئا يسجد عليه، بخلاف ما إذا كان موضوعا على الأرض، يدل عليه ما في الذخيرة حيث نقل عن الأصل الكراهة في الأول، ثم قال: فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وكان يسجد عليها جازت صلاته، فقد صح أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة (1) موضوعة بين يديها لعلة كانت بها ولم يمنعها رسول الله (ص) من ذلك، ا ه. فإن مفاد هذه المقابلة والاستدلال عدم الكراهة في الموضوع على الأرض المرتفع، ثم رأيت القهستاني صرح بذلك. قوله: (بالبناء للمجهول) هذا ليس بلازم، وإلا لقال: ولا يرفع إلى وجهه شئ ا ه ح. ولعل وجه ما قال: الإشارة إلى كراهته سواء كان بفعله أو فعل غيره له. قوله: (إلا أن يجد قوة الأرض) هذا الاستثناء مبني على أن قوله: ولا يرفع الخ شامل لما إذا كان موضوعا على الأرض وهو خلاف المتبادر، بل المتبادر كون المرفوع محمولا بيده أو يد غيره، وعليه فالاستثناء منقطع لاختصا ص ذلك بالموضوع على الأرض، ولذا قال الزيلعي: كان ينبغي أن يقال: إن كان ذلك الموضوع يصح السجود عليه كان سجودا، وإلا فإيماء ا ه. وجزم به في شرح المنية. واعترضه في النهر بقوله: وعندي فيه نظر، لان خفض الرأس بالركوع ليس إلا إيماء، ومعلوم أنه لا يصح السجود بدون الركوع ولو كان الموضوع مما يصح السجود عليه ا ه. أقول: الحق التفصيل، وهو أنه إن كان ركوعه بمجرد إيماء الرأس من غير انحناء وميل الظهر فهذا إيماء لا ركوع فلا يعتبر السجود بعد الايماء مطلقا، وإن كان مع الانحناء كان ركوعا معتبرا حتى أنه يصح من المتطوع القادر على القيام، فحينئذ ينظر إن كان الموضوع مما يصح السجود عليه كحجر مثلا ولم يزد ارتفاعه على قدر لبنة أو لبنتين فهو سجود حقيقي، فيكون راكعا ساجدا لا مومئا حتى أنه
(1) قوله: (مرفقة) هي المخدة بكسر الميم كما في الحلية ا ه منه. 105 يصح اقتداء القائم به، وإذا قدر في صلاته على القيام يتمها قائما، وإن لم يكن الموضوع كذلك يكون مومئا فلا يصح اقتداء القائم به، وإذا قدر فيها على القيام استأنفها، بل يظهر لي أنه لو كان قادرا على وضع شئ على الأرض مما يصح السجود عليه أنه يلزمه ذلك لأنه قادر على الركوع والسجود حقيقة، ولا يصح الايماء بهما مع القدرة عليهما، بل شرطه تعذرهما كما هو موضوع المسألة. قوله: (وإلا يخفض) أي لم يخفض رأسه أصلا، بل صار يأخذ ما يرفعه ويلصقه بجبهته للركوع والسجود أو خفض رأسه لهما، لكن جعل خفض السجود مساويا لخفض الركوع لم يصح لعدم الايماء لهما أو للسجود. قوله: (وإن تعذر القعود) أي قعوده بنفسه أو مستندا إلى شئ كما مر. قوله: (ولو حكما) كما لو قدر على القعود ولكن بزغ الطبيب الماء من عينيه وأمره بالاستلقاء أياما أجزأه أن يستلقي ويومئ، لان حرمة الأعضاء كحرمة النفس. بحر عن البدائع، وسيأتي. قوله: (ورجلاه نحو القبلة) في البحر عن الخلاصة: متوجها نحو القبلة ورأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب ا ه. أقول: هذا يتصور في بلادهم المشرقية كبخاري وما والاها، فإن قبلتهم لجهة المغرب عكس البلاد المغربية، أما في بلادنا الشامية ونحوها إذا استلقى متوجها للقبلة يكون المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، وبه اندفع اعتراض بعض المحققين (1) على ما في الخلاصة. قوله: (لكراهة الخ) هي كراهة تنزيهية ط. قوله: (ويرفع رأسه يسير) أي يجعل وسادة تحت رأسه، لان حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الايماء، فكيف بالمرضى. بحر. قوله: (الأيمن أو الأيسر) والأيمن أفضل وبه ورد الأثر. إمداد. قوله: (والأول أفضل) لان المستلقي يقع إيماؤه إلى القبلة والمضطجع يقع منحرفا عنها. بحر. قوله: (على المعتمد) مقابله ما في القنية من أن الأظهر أنه لا يجوز الاضطجاع على الجنب للقادر على الاستلقاء. قال في النهر: وهو شاذ. وقال في البحر: وهذا الأظهر خفي والأظهر الجواز ا ه. وكذا ما روي عن الامام من أن الأفضل أن يصلي على شقه الأيمن وبه قالت الأئمة الثلاثة، ورجحه في الحلية لما ظهر له من قوة دليله مع اعترافه بأن الاستلقاء هو ما في مشاهير الكتب والمشهور من الروايات. قوله: (بأن زادت على يوم وليلة) أما لو كانت يوما وليلة أو أقل وهو يعقل، فلا تسقط بل تقضي اتفاقا، وهذا إذا صح، فلو مات ولم يقدر على الصلاة لم يلزمه القضاء حتى لا يلزمه الايصاء بها كالمسافر إذا أفطر ومات قبل الإقامة كما في الزيلعي. قال في البحر: وينبغي أن يقال: محمله ما إذا لم يقدر في مرضه على الايماء بالرأس، أما إن قدر عليه بعد عجزه فإنه يلزمه القضاء وإن كان موسعا لتظهر فائدته في الايصاء بالاطعام عنه ا ه. قلت: وهو مأخوذ من الفتح، فإنه قال: ومن تأمل تعليل الأصحاب في الأصول انقدح في ذهنه إيجاب القضاء على هذا المريض إلى يوم وليلة حتى يلزمه الايصاء به إن قدر عليه بطريق، وسقوطه إن زاد ا ه. قوله: (في ظاهر الرواية) وقيل لا يسقط القضاء بل تؤخر عنه إذا كان يعقل،
(1) قوله: (بعض المحققين) هو المحقق ابن أمير حاج في الحلية ا ه منه. 106 وصححه في الهداية وهو من أهل الترجيح، لكن خالف نفسه في كتابه التنجيس، فصحح الأول كعامة أهل الترجيح كقاضيخان وصاحب المحيط وشيخ الاسلام وفخر الاسلام، ومال إليه المحقق ابن الهمام في عبارته التي نقلناها آنفا، ومشى عليه المصنف لأنه ظاهر الرواية، ولما في الامداد من أن القاعدة العمل بما عليه الأكثر. تنبيه: جعل في السراج المسألة على أربعة أوجه: إن زاد المرض عن يوم وليلة وهو لا يعقل فلا قضاء إجماعا، وإلا وهو يعقل قضى إذا صح إجماعا وإن زاد وهو يعقل أولا وهو لا يعقل فعلى الخلاف. تتمة: في البحر عن القنية: ولا فدية في الصلوات حالة الحياة بخلاف الصوم ا ه. وقدمه الشارح قبيل هذا الباب وأوضحناه ثمة. قوله: (لا يكفي الخ) بل لا بد معه من القدرة. قوله: (وأفاد الخ) الأولى ذكره قبل قوله: وإن تعذر الايماء الخ لان فيه سقطت الصلاة وفيما قبله سقطت الأركان. قوله: سقوط الشرائط) كالاستقبال وستر العورة والطهارة من الخبث، بخلاف الوقت، وكذا الطهارة من الحدث لان فاقد الطهورين يؤخر عند الامام ويتشبه عندهما والمتشبه غير مصل: أفاده الرحمتي. لكن سيأتي في مقطوع اليدين والرجلين تصحيح أنه يصلي بلا طهارة. قوله: (بالأولى) لان العجز عن تحصيل الشرائط ليس فوق العجز عن تحصيل الأركان. فلو لم يقدر المريض على التحول إلى القبلة بنفسه ولا بغيره صلى كذلك ولا إعادة عليه بعد البرء في ظاهر الجواب كما لو عجز عن الأركان. بدائع. وتمامه في البحر، وسيأتي آخر الباب ما لو كان تحته ثياب نجسة. قوله: (ولا يعيد) أي في سقوط الشرائط أو الأركان لعذر سماوي، بخلاف ما لو كان من قبل العبد على ما مر تفصيله في الطهارة وشمل ما لو عجز عن القراءة. وفي البحر عن القنية: ولو اعتقل لسانه يوما وليلة فصلى صلاة الأخرس ثم انطلق لسانه لا تلزمه الإعادة ا ه. والظاهر أن قوله يوما وليلة، لأنه محل توهم لزوم الإعادة إذ الزائد على ذلك لا تلزم إعادته لدخوله في حد التكرار. قوله: (ولو اشتبه على مريض الخ) أي بأن وصل إلى حال لا يمكنه ضبط ذلك، وليس المراد مجرد الشك والاشتباه، لان ذلك يحصل للصحيح. قوله (ينبغي أن يجزيه) قد يقال: إنه تعليم وتعلم وهو مفسد، كما إذا قرأ من المصحف أو علمه إنسان القراءة وهو في الصلاة ط. قلت: وقد يقال: إنه ليس بتعليم وتعلم بل هو تذكير أو إعلام، فهو كإعلام المبلغ بانتقالات الامام، فتأمل. قوله: (كذا في القنية) الإشارة إلى ما ذكره المصنف والشارح. قوله: (ولم يوم الخ) الأولى ذكره قبل مسألة القنية لارتباطه بما قبلها، ففصله ما وقع في المتون بعبارة القنية غير مناسب. قوله: (خلافا لزفر) فعنده يومئ بحاجبه، فإن عجز فبعينه، فإن عجز فبقلبه. بحر. قوله: (يتم بما قدر) أي ولو قاعدا موطئا أو مستلقيا. قوله: (على المعتمد) وعن الامام أنه يستقبل، لان تحريمته انعقدت موجبة للركوع والسجود، فلا تجوز بالايماء. قال في النهر: والصحيح المشهور هو الأول،
107 لان بناء الضعيف على القوي أولى من الاتيان بالكل ضعيفا. قوله: (بنى) أي على ما صلى، فيتم صلاته قائما عندهما. وقال محمد: يستقبل بناء على عدم صحة اقتداء القائم بالقاعد عنده وقد مر. نهر. قوله: (ولو كان يصلي بالايماء) أي قائما أو قاعدا أو مستلقيا أو مضطجعا كما هو قضية الاطلاق ح. قوله: (فصح) أي قدر على الركوع والسجود قائما أو قاعدا ح. قوله: (لا يبني) لان اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لا يجوز، فكذا البناء. درر. قوله: (إلا إذا صح قبل أن يومئ الخ) لأنه لم يؤد ركنا بالبناء (1) وإنما هو مجرد تحريمة فلا يكون بناء القوي على الضعيف. بحر. وهذا ظاهر فيما إذا افتتح قائما أو قاعدا بقصد الايماء ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو راكعا، أما إذا افتتح مستلقيا أو مضطجعا ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو قاعدا فإنه يستأنف كما يؤخذ من قول الشارح، لان حالة القعود أقوى ح. قوله: (ولم يقدر على الركوع والسجود) وكذا لو قدر عليهما بالأولى. تأمل. قوله: (وللمتطوع الخ) لعل وجهه أن التطوع قد يكثر كالتهجد فيؤدي إلى التعب فلم يكره له الاتكاء، بخلاف الفرض فإن زمنه يسير، وإلا فالمفترض إن عجز فقد مر حكمه، وإن تعب فالظاهر أنه لا يكره له الاتكاء. تأمل. قوله: (وبدونه يكره) أي اتفاقا لما فيه من إساءة الأدب. شرح المنية وغيره. وظاهره أنه ليس فيه نهي خاص فتكون الكراهة تنزيهية. تأمل. قوله: (وله القعود) أي بعد الافتتاح قائما. قوله: (بلا كراهة مطلقا) أي بعذر ودونه، أما مع العذر فاتفاقا، وأما بدونه فيكره عند الامام على اختيار صاحب الهداية: ولا يكره على اختيار فخر الاسلام وهو الأصح، لأنه مخير في الابتداء بين القيام والقعود، فكذا في الانتهاء، وأما الاتكاء فإنه لم يخير فيه ابتداء بلا عذر بل يكره فكذا الانتهاء. وأما عندهما فلا يجوز إتمامها قاعدا بلا عذر بعد الافتتاح قائما وهذا إن قعد في الركعة الأولى أو الثانية، أما في الشفع الثاني فينبغي أن يجوز عندهما أيضا في غير سنة الظهر والجمعة، وتمامه في شرح المنية. مطلب في الصلاة في السفينة قوله: (جار) أي سائر احترازا عن المربوط. قوله: (قاعدا) أي يركع ويسجد لا موطئا اتفاقا. بحر. قوله: (لغلبة العجز) أي لان دوران الرأس فيها غالب، والغالب كالمتحقق فأقيم مقامه، كالسفر أقيم مقام المشقة والنوم مقام الحدث. شرح المنية. ولذا ذكروا مسألة الصلاة في السفينة في باب صلاة المريض. قوله: (وأساء) أشار إلى أن القيام أفضل لأنه أبعد عن شبهة الخلاف، والخروج أفضل إن أمكنه لأنه أمكن لقلبه. بحر وشرح المنية. قوله: (وهو الأظهر) وفي الحلية بعد سوق الأدلة: والأظهر أن قولهما أشبه، فلا جرم أن في الحاوي القدسي: وبه نأخذ ا ه. قوله:
(1) قوله: (لم يؤد ركنا بالبناء الخ) هكذا نسخة المحشي بالبناء ولعل الصواب بالايماء. تأمل. ا ه. 108 (والمربوطة في الشط كالشط) فلا تجوز الصلاة فيها قاعدا اتفاقا. وظاهر ما في الهداية وغيرها الجواز قائما مطلقا: أي استقرت على الأرض أولا، وصرح في الايضاح بمنعه في الثاني حيث أمكنه الخروج إلحاقا لها بالدابة. نهر، واختاره في المحيط والبدائع. بحر. وعزاه في الامداد أيضا إلى مجمع الروايات عن المصفى، وجزم به في نور الايضاح، وعلى هذا ينبغي أن لا تجوز الصلاة فيها سائرة مع إمكان الخروج إلى البر، وهذه المسألة الناس عنها غافلون. شرح المنية. قوله: (في الأصح) احتراز عن قول البعض بأنه لا فرق بينها وبين السائرة كما في النهر. قوله: (وإلا فكالواقفة) أي إن لم تحركها الريح شديدا بل يسيرا فحكمها كالواقفة فلا تجوز الصلاة فيها قاعدا مع القدرة على القيام كما في الامداد. قوله: (ويلزم استقبال القبلة الخ) أي في قولهم جميعا. بحر. وإن عجز عنه يمسك عن الصلاة. إمداد عن مجمع الروايات. ولعله يمسك ما لم يخف خروج الوقت لما تقرر من أن قبلة العاجز جهة قدرته وهذا كذلك، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل. وإنما لزمه الاستقبال لأنها في حقه كالبيت حتى لا يتطوع فيها مومئا مع القدرة على الركوع والسجود بخلا ف راكب الدابة، كذا في الكافي شرح المنية. قوله: (مربوطتين) أي مقرونتين لأنهما بالاقتران صارتا كشئ واحد، وإن كانتا منفصلتين لم يجز، لان تخلل ما بينهما بمنزلة النهر وذلك يمنع الاقتداء، وإن كان الامام في سفينة واقفة والمقتدرون على الشط، فإن بينهما طريق أو قدر نهر عظيم لم يصح. بحر. وتقدم الكلام على الصلاة على الدابة والعجلة في باب النوافل. قوله: (ومن جن أو أغمي عليه) الجنون آفة تسلب العقل والاغماء آفة تستره ط. قوله: (وقت صلاة) مرفوع على أنه فاعل زاد، أو منصوب على أنه ظرف لزاد وفاعل زاد ضمير الجنون. ح عن القهستاني. واعتبر الزيادة بالأوقات على قول الثالث وهو الأصح، وعند الثاني بالساعات. وكل رواية عن الامام، فإذا أصابه ذلك قبل الزوال ثم أفاق من الغد بعده قبل خروج الوقت سقط القضاء عند الثاني لا الثالث. بحر. والمراد بالساعات الأزمنة لا ما تعارفه أهل النجوم. درر: أي من كون الساعة خمس عشرة درجة، فالمراد عند الثاني الزيادة بشئ من الزمان وإن قل كما في غرر الأذكار والبرجندي. إسماعيل. قوله: (فإن لافاقته وقت معلوم) مثل أن يخف عنه المرض عند الصبح مثلا فيفيق قليلا، ثم يعاوده فيغمى عليه تعتبر هذه الإفاقة فيبطل ما قبلها من حكم الاغماء إذا كان أقل من يوم وليلة، وإن لم يكن لافاقته وقت معلوم لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة. ح عن البحر. قوله: (لأنه بصنع العباد) أي وسقوط القضاء عرف بالأثر إذا حصل بآفة سماوية فلا يقاس عليه ما حصل بفعله. وعند محمد: يسقط القضاء بالبنج والدواء لأنه مباح فصار كالمريض كما في البحر وغيره، والظاهر أن عطف الدواء على البنج عطف تفسير، وأن المراد شرب البنج لأجل الدواء، أما لو شربه للسكر فيكون معصية بصنعه كالخمر، وأنه لو شرب الخمر على وجه مباح
109 كإكراه يكون كالبنج فيجري فيه الخلاف. ولا يرد على التعليل سقوط القضاء بالفزع من سبع أو آدمي كما مر لقولهم: إن سببه ضعف قلبه وهو مرض: أي فهو سماوي. قوله: (كالنوم) أي فإنه لا يسقط القضاء أيضا لأنه لا يمتد يوما وليلة غالبا فلا حرج في القضاء، بخلاف الاغماء لأنه مما يمتد عادة. بحر. قوله: (وبوجهه جراحة) لم يذكره في الكافي والفتح والبحر والنهر فكان غير قيد كما يأتي. قوله: (ولا تيمم) عطف خاص على عام. قوله: (وقيل لا صلاة عليه) اختاره صاحب الدرر في متنه وشرحه فقال: قطعت يداه ورجلاه من المرفق والكعب لا صلاة عليه، كذا في الكافي: وقيل إن وجد من يوضئه يأمره ليغسل وجهه وموضع القطع ويمسح رأسه، وإلا وضع وجهه ورأسه في الماء أو يمسح وجهه وموضع القطع على جدار فيصلي، كذا في التاترخانية اه وقوله: أو يمسح وجهه الخ: أي إن لم يقدر على الغسل بالماء بناء على أنه لا جراحة فيه، وبه علم أن قول المصنف وبوجهه جراحة ليس بقيد، لان المدار على العجز عن الطهارة، ولذا استشهد قاضيخان على ما اختاره من سقوط الصلاة عن المريض العاجز عن الايماء بالرأس، وأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب بما ذكره محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه. قوله: (وقيل الخ) هو القول الثاني المحكي في عبارة الدرر. قوله: (بلا عمل كثير) بأن وجد ما يتعلق به أو كان ماهرا في السباحة. بحر. قوله: (وإلا لا) أي لا يلزمه الأداء ويعذر بالتأخير. بحر. قوله: (أمره الطبيب) أي لمسلم الحاذق كما ذكروه في الصوم. قوله: (لبزغ) بفتح الباء الموحدة وسكون الزاي والغين المعجمة. في القاموس بزغ الحاجم: شرط، ويجوز أن يكون بالنون والعين المهملة ح. قوله: (من ساعته) المراد بها أن يكون بحيث لو توضأ وصلى يخرج من النجاسة القدر المانع قبل فراغه من الصلاة كما مر تحريره قبيل باب الأنجاس. قوله: (إلا ن يلحقه مشقة بتحريكه) عبارة البحر عن الخلاصة: إلا أنه يزداد مرضه ا ه. والظاهر أنه غير قيد كما أشار إليه الشارح، بل المراد حصول الضرر والمشقة نظير ما مر في القيام أول الباب، والله تعالى أعلم. باب: سجود التلاوة تقدم في الباب السابق وجه تأخيره عن سجود السهو. قوله: (من إضافة الحكم إلى سببه) الحكم هو وجوب السجود لا السجود، فلو قال: من إضافة الفعل إلى سببه، لكان أولى، أو أن الحكم بمعنى المحكوم به ط. قوله: (يجب) أي وجوبا موسعا في غير صلاة كما سيأتي، ولا يجب على المختضر الايصاء بها، وقيل يجب. قنية. والثاني بالقواعد أليق. نهر، والظاهر أنه يخرج عنها
110 كصلاة فرض أو صوم يوم لأنه المعهود. تأمل رحمتي. ثم رأيته مصرحا به في التاترخانية مع تصحيح عدم الوجوب. قوله: (بسبب تلاوة) احترز عما لو كتبها أو تهجاها فلا سجود عليه كما سيأتي. قوله: (أي أكثرها الخ) هذا خلاف الصحيح الذي جزم به في نور الايضاح. ففي السراج: وهل تجب السجدة بشرط قراءة جميع الآية أم بعضها؟ فيه اختلاف. والصحيح أنه إذا قرأ حرف السجدة وقبله كلمة أو بعده كلمة وجب السجود، وإلا فلا. وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة مع حرف السجدة، ولو قرأ آية السجدة كلها إلا الحرف الذي في آخرها لا يجب عليه السجود ا ه. لكن قوله: ولو قرأ آية السجدة الخ، يقتضي أنه لا بد من قراءة الآية بتمامها كما يفهم من إطلاق المتون ويأتي قريبا ما يؤيده، إلا أن يقال: سياق الكلام قرينة على أن المراد بقوله: إلا الحرف الخ، الكلمة التي فيها مادة السجود، وإطلاق الحرف على الكلمة شائع في عرف القراء. قوله: (من أربع عشرة آية) بيان لآية في قوله: تلاوة آية. تنبيه: السجود في سورة النمل عند قوله تعالى: * (رب العرش العظيم) * (النمل: 62) على قراءة العامة بتشديد ألا وعند قوله تعالى: * (ألا يسجدوا) * (النمل: 52) على قراءة الكسائي بالتخفيف، وفي ص عند * (وحسن مآب) * (ص: 52) وهو أولى من قول الزيلعي عند * (وأناب) * (ص: 42) لما نذكره، وفي حم السجدة عند * (وهم لا يسأمون) * (فصلت: 83) وهو المروي عن ابن عباس ووائل بن حجر، وعند الشافعي عند * (إن كنتم إياه تعبدون) * وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر. ورجحنا الأول للاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة، لأنها لو وجبت عند تعبدون فالتأخير إلى لا يسأمون لا يضر، بخلاف العكس لأنها تكون قبل وجود سبب الوجوب فتوجب نقصانا في الصلاة ولو كانت صلاتية، ولا نقص فيما قلناه أصلا، كذا في البحر عن البدائع. إمداد ملخصا. وقد بين موضع السجود في بقية الآيات فراجعه. والظاهر: أن هذا الاختلاف مبني على أن السبب تلاوة آية تامة كما هو ظاهر إطلاق المتون، وأن المراد بالآية ما يشمل الآية والآيتين إذا كانت الثانية متعلقة بالآية التي ذكر فيها حرف السجدة، وهذا ينافي ما مر عن السراج من تصحيح وجوب السجود بقراءة حرف السجدة مع كلمة قبله أو بعده. لا يقال: ما في السراج بيان لموضع أصل الوجوب وما مر عن الامداد بيان لموضع وجوب الأداء أو بيان لموضع السنة فيه. لأنا نقول: إن الأداء لا يجب فور القراءة كما سيأتي، وما مر في ترجيح مذهبنا من قولهم: لأنها تكون قبل وجود سبب الوجوب، وقد ذكر مثله أيضا في الفتح وغيره إ يدل على أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في موضع أصل الوجوب، وأنه لا يجب السجود في سورة حم السجدة إلا عند انتهاء الآية الثاني احتياطا، كما صرح به في الهداية وغيرها، لان الوجوب لا يكون إلا بعد وجود سببه، فلو سجدها بعد الآية الأولى لا يكفي لأنه يكون قبل سببه، وبه ظهر أن ما في السراج خلاف المذهب الذي مشى عليه الشراح والمتون. تأمل. قوله: (لاقترانها بالركوع) لان السجدة متى قرنت بالركوع كانت عبارة عن السجدة الصلاتية كما في قوله تعالى: * (واسجدي واركعي) * بدائع. قوله: (خلافا للشافعي وأحمد) حيث اعتبر كلا من سجدتي الحج ولم يعتبرا سجدة ص كما في غرر الأفكار. قوله: (ونفى مالك سجود المفصل) أي من الحجرات إلى الآخر وفيه
111 سورة النجم والانشقاق والعلق فيكون السجود عنده في إحدى عشرة. قوله: (بشرط سماعها) فلا تجب على من لم يسمعها وإن كان في مجلس التلاوة. شرح المنية. قوله: (فالسبب التلاوة الخ) أي التلاوة الصحيحة وهي الصادرة ممن له أهلية التمييز كما ذكره غير واحد من المشايخ. حلية وسيأتي محترزه في قول المصنف فلا تجب على كافر الخ. قلت: وينبغي أن يزاد قيد آخر وهو كونها لا حجر فيه احترازا عن تلاوة المؤتم ومن تلا في ركوعه أو سجوده أو تشهده فإنه لا سجود عليهم بتلاوتهم لحجرهم عنها، كما سيأتي. ثم اعلم أن التلاوة سبب في حق التالي وغيره. واختلف في السماع: فقيل هو شرط في حق السامع لا سبب، وصححه في الكافي والمحيط والظهيرية، وقيل هو سبب ثان في حقه، وإليه ذهب في الهداية والبدائع، وسينبه الشارح على ترجيحه. وذكر في المجتبى أن الموجب للسجدة أحد ثلاثة: التلاوة، والسماع، والاتمام. وظاهره أنها أسباب ثلاثة، وبه صرح في الحلية. واختار المصنف ما في الكافي وزاد عليه سببا آخر وهو الائتمام، فالسبب عنده شيئان: التلاوة، والائتمام كما صرح بذلك في المنح، وصرح أيضا بأن السماع شرط في حق غير التالي وتبعه الشارح في تقرير كلام المتن، لكن في كلام الشارح ما يفيد أن الائتمام شرط أيضا كالسماع كما يظهر قريبا. قوله، (وإن لم يوجد السماع) أي بالفعل كما يدل عليه قوله: كتلاوة الأصم وإلا فكونه بحيث يسمع نفسه لولا العوارض، أو يسمعه من قرب أذنه إلى فمه شرط كما هو مذهب الهندواني وهو الصحيح، خلافا للكرخي المكتفي بتصحيح الحروف ح. قلت: وبه صرح في الخانية. قوله: (في حق غير التالي) أي عند فقد الائتمام، فإنه لا يشترط سماع المؤتم بل ولا حضوره عند تلاوة الامام كما سيأتي، وإنما ترك التقييد بذلك اعتمادا على ما ذكره المصنف عقبه، فافهم. قوله: (ولو بالفارسية) مبالغة على ما أفهمه كلامه من وجوبها على السامع فيعلم وجوبها عليه لو تليت بالعربية بالأولى لا على قوله: والسماع شرط إذ لا تظهر فيه الأولوية، فافهم. قوله: (إذا أخبر) أي بأنها آية سجدة سواء فهمها أو لا، وهذا عند الامام، وعندهما: إن علم السامع أنه يقرأ القرآن لزمته، وإلا فلا. بحر. وفي الفيض: وبه يفتي، وفي النهر عن السراج أن الامام رجع إلى قولهما: وعليه الاعتماد ا ه. والمراد من قوله: إن علم السامع، أن يفهم معنى الآية كما في شرح المجمع حيث قال: وجبت عليه سواء فهم معنى الآية أو لا عنده. وقالا: إن فهمها وجبت، وإلا فلا، لأنه إذا فهم كان سامعا للقرآن من وجه دون وجه ا ه ملخصا. أما لو كانت بالعربية فإنه يجب بالاتفاق فهم أو لا، لكن لا يجب على الأعجمي ما لم يعلم كما في الفتح: أي وإن لم يفهم. قوله: (أو بشرط الائتمام) أي إن سجدها الامام، وإلا فلا تلزمه وإن سمعها منه. شرح المنية. قوله: (فإنه سبب) صوابه فإنه شرط ليوافق قوله: أو بشرط وقوله أيضا: أي كما أن السماع شرط، نعم صرح في المنح أن السبب شيئان: التلاوة، والائتمام كما قدمناه، وعليه فقوله: أو الائتمام معطوف على قوله: تلاوة آية فإن كان مراد الشارح موافقته كان عليه أن يسقط قوله: بشرط وإلا كان عليه أن يقول: فإنه شرط لوجوبها أيضا. قوله: (ولم
112 يحضرها) أي بأن تلاها قبل أن يحضر ويقتدي به. قوله: (للمتابعة) في البحر عن التجنيس: التالي والسامع ينظر كل منهما إلى اعتقاد نفسه، فثانية الحج ليست سجدة عندنا، خلافا للشافعي، لان السامع ليس بتابع للتالي تحقيقا حتى يلزمه العمل برأيه، لأنه لا شركة بينهما ا ه. وظاهره أنه يتبعه فيها لو كان في الصلاة لكونه تابعا تحقيقا. أفاده ط. وقد تقدم في واجبات الصلاة أنه تجب المتابعة في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته، كزيادة تكبيرة خامسة في الجناز، وكقنوت الفجر، وتقدم الكلام على ذلك هناك، والظاهر أن هذه السجدة من المجتهد فيه: أي مما للاجتهاد فيه مساغ. تأمل. قوله: (لم يسجد المصلي) أي المصلي صلاته، سواء كان هو: أي المؤتم التالي، أو كان إمامه أو مؤتما بإمامه بدليل قول المتن فيما سيأتي، ولا من المؤتم لو كان السامع في صلاته والأولى إسقاط المصلي ليعود الضمير على المؤتم التالي لئلا يتكرر قول المصنف الآتي ولا من المؤتم الخ ولان المصلي يشمل المصلي غير صلاته، كإمام غير إمامه ومقتد به ومنفرد، مع أنهم كغير المصلي أصلا من قسم الخارج كما أفاده ح: أي فإنهم يسجدونها بعد الفراغ من صلاتهم كما سيأتي ذلك في قول المتن، ولو سمع المصلي من غيره لم يسجد فيها بل بعدها، ويأتي تمام الكلام على ذلك هناك. قوله: (لان الحجر ثبت لمعنيين) وهم الامام ومن معه، وفيه أن الامام غير محجور عليه القراءة في هذه الصلاة، وإنما الحجر على المقتدين به، فالأظهر التعليل بما في شرح المنية وغيرها بأنه إن سجد الإمام يلزم انقلاب المتبوع تابعا، وإلا لزم مخالفتهم له، بخلاف من ليس معهم في صلاتهم لعدم حجره بالنظر إليهم لأنه بمنزلة من ليس في الصلاة في حقهم. قوله: (حتى لو دخل) أي الخارج معهم: أي في صلاتهم سقطت السجدة عنه تبعا لهم، وظاهره سقوطها عنه ولو دخل في ركعة أخرى غير ركعة التلاوة. قوله: (للحجر فيها عن القراءة) قال المرغيناني: وعندي أنها تجب وتتأدى فيه. بحر عن الزيلعي. قلت: وفي التشهد بحث، مقدسي: أي لان اندراجها في الركوع أو السجود ممكن، بخلاف التشهد، ويمكن أن يكون المراد بقوله تتأدى فيه، أنه يؤديها في ذلك الموضع الذي تلاها فيه لا بعده، لكن في الامداد: وقال المرغيناني: عليه السجود ويتأدي بالركوع والسجود الذي هو فيه، كذا في شرح الديري، فعليه يسجد لو كان تاليا في التشهد ا ه. أقول: هذا يؤيد الأول، ثم لا يخفى أن القول بوجوبها عليه أظهر لأنه منهي عن القراءة فيها كالجنب، لا محجور كالمقتدي، وقد فرقوا بين الجنب والمقتدي بأن الأول منهي عنها فتجب عليه السجدة لان النهي لا ينافي الوجوب، والمقتدي محجور لنفاذ تصرف الامام عليه وتصرف المحجور لا حكم له، وأما الحائض فلا تجب عليها بتلاوتها لأنها ليست أهلا للصلاة، بخلاف الجنب. ولا يخفى أن التالي في ركوعه مثلا أهل للوجوب وليس له إمام يحجر عليه فينبغي ترجيح الوجوب عليه، ولعل ذلك وجه اختيار الإمام المرغيناني، ثم رأيت في حاشية المدني نقل عن شيخه ميرغني في حاشية الزيلعي أنه رجح كلام المرغيناني بما ذكرنا ولله الحمد. والظاهر أن من هذا القبيل ما في الفيض: لو سجد للتلاوة وقرأ في سجوده آية أخرى لم تجب السجدة. تأمل. قوله: (بشروط
113 الصلاة) لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة، ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم، إلا أن لا يجد ماء، لان شرط صيرورة التيمم طهارة حال وجود الماء خشية الفوت ولم توجد لان وجوبها على التراخي، وكذا يشترط لها الوقت حتى لو تلاها أو سمعها في وقت غير مكروه فأداها في مكروه لا تجزيه لأنها وجبت كاملة، إلا إذا تلاها في مكروه وسجد فيه أو في مكروه آخر جاز لأنه أداها كما وجبت، وكذا النية لأنها عبادة فلا تصح بدونها. بدائع. قال في الحلية: إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها على الفور كما صرحوا به، وكأنه لأنها صارت جزءا من الصلاة فانسحب عليها نيتها. قوله: (خلا التحريمة) لأنها لتوحيد الافعال المختلفة ولم توجد. بدائع وحلية وبحر: أي فإن الصلاة أفعال مختلفة من قيام وقراءة وركوع وسجود، وبالتحريمة صارت فعلا واحدا، وأما هذه فماهيتها فعل واحد فاستغنت عن التحريمة، فافهم. قوله: (ونية التعيين) أي سجدة آية، كذا نهر عن القنية. وأما تعيين كونها عن التلاوة فشرط كما تقدم في بحث النية من شروط الصلاة، إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها فورا كما علمته. قوله: (ويفسدها ما يفسدها) أي ما يفسد الصلاة من الحدث العمد والكلام والقهقهة وعليه إعادتها. وقيل هذا قول محمد، لان العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع، والعبرة عند أبي يوسف للوضع فينبغي أن لا يفسدها. وفي الخانية أنها تفسد على ظاهر الجواب اتفاقا، إلا أنه لا وضوء عليه في القهقهة، وكذا محاذاة المرأة لا تفسدها كصلاة الجنازة، ولو نام فيها لا تنتقض طهارته كالصلبية على الصحيح. بحر. قوله: (كركوع مصل) قيد بالمصلي، لأنه لو تلاها خارج الصلاة فركع لها لا يجزيه قياسا واستحسانا كما في البدائع، وهو المروي في الظاهر ما في البزازية خلافا لما سينقله الشارح عن البزازية فإنه تحريف تبع فيه النهر كما ستعرفه، فافهم. قوله: (وإيماء مريض) أي ولو تلاها في الصحة كما في شرح المنية. قوله: (وراكب) أي إذا تلاها أو سمعها راكبا خارج المصر وإن نزل بعدها ثم ركب، أما لو وجبت على الأرض فإنها لا تجوز على الدابة لأنها وجبت تامة، بخلاف العكس كما في البحر. قوله: (بين تكبيرتين مسنونتين) أي تكبيرة الوضع وتكبيرة الرفع. بحر. وهذا ظاهر الرواية وصححه في البدائع، وعن أبي حنيفة: لا يكبر أصلا. وعنه وعن أبي يوسف: يكبر للرفع لآل لوضع. وعنه بالعكس. حلية. قال في التاترخانية: وفي الحجة قال بعض المشايخ: لو سجد ولم يكبر يخرج عن العهدة. قال في الحجة: وهذا يعلم ولا يعمل به لما فيه من مخالفة السلف ا ه. قوله: (جهرا) أي يرفع صوته بالتكبير. زيلعي: أي فيسمع نفسه به منفردا ومن خلفه إذا كان معه غيره ط. قوله: (بين قيامين مستحبين) أي قيام قبل السجود ليكون خرورا وهو السقوط من القيام، وقيام بعد رفع رأسه، وهذا عزاه في البحر إلى المضمرات وقال: إن الثاني غريب، وذكر الخير الرملي عن خط المصنف أن صاحب المضمرات عزاه إلى الظهيرية، وأنه راجع نسخته الظهيرية فلم يجد القيام الثاني فيها ا ه. أقول: قد وجدته في نسختي ونصه: وإذا رفع رأسه من السجود يقوم ثم يقعد ا ه. وكذا عزاه إليها في التاترخانية وشرح المنية، فالظاهر أن في نسخة المصنف سقطا فتنبه، ووجه غرابته أنه انفرد بذكره صاحب الظهيرية، ولذا عزاه من بعده إليها فقط.
114 تتمة: ويندب أن لا يرفع السامع رأسه منها قبل تاليها، وليس هو اقتداء حقيقة، ولذا لا يؤمر التالي بالتقدم ولا السامعون بالاصطفاف، ولا تفسد سجدتهم بفساد سجدته. وفي النوادر: يتقدم ويصطفون خلفه، وتمامه في الامداد. قوله: (في الأصح) قال في فتح القدير: ينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومه، فإن كانت السجدة في الصلاة: فإن كانت فريضة قال، سبحان ربي الأعلى، أو نفلا قال ما شاء مما ورد: كسجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين وقوله: اللهم اكتب لي عندك بها أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك ا ه. وأقره في الحلية والبحر والنهر وغيرها. قوله: (لأنها من أجزائها) أي من جنس أجزاء الصلاة، أو المراد في بعض المواضع كما إذا تليت في الصلاة، فافهم. قال في البحر وغيره: فيشترط لوجوبها أهلية وجوب الصلاة من الاسلام والعقل والبلوغ والطهارة من الحيض والنفاس ا ه. قوله: (كالأصم) نبه على بعيد الخطور بالبال ليعلم غيره بالأولى ح. قوله: (إذا تلا) أما إذا رأى قوما سجدوا فلا تجب عليه. إمداد عن التاترخانية. قوله: (كالجنب) ظاهره أنه ليس أهلا للوجوب أداء وليس كذلك. رحمتي، نعم السكران والنائم كل منهما ليس أهلا للأداء إذا استوعب الوقت. تأمل. قوله: (والسكران) لأنه اعتبر عقله قائما حكما زجرا له، ولهذا تلزمه العبادات كما في المحيط، ومفاده أنه لو سكر من مباح كما لو أساغ به لقمة أو أكره عليه لم تجب عليه إذا تلاها أو سمعها إذا كان بحال لا يميز ما يقول وما يسمع حتى أنه لا يتذكره بعد الصحو. حلية. قوله: (والنائم) أي إذا أخبر أنه قرأها في حالة النوم تجب عليه وهو الأصح. تاترخانية. وفي الدراية: لا تلزمه هو الصحيح. إمداد. ففيه اختلاف التصحيح، وأما لزومها على السامع منه أو من المغمى عليه فنقل في الشرنبلالية أيضا اختلاف الرواية والتصحيح، وكذا من المجنون وسيأتي بيانه قريبا. قوله: (لأنهم ليسوا أهلا لها) أي للصلاة: أي لوجوبها بتقدير مضاف، وفي بعض النسخ لهما أي للأداء والقضاء، وهذا ظاهر في المجنون المطبق، أما من لم يزد جنونه على يوم وليلة فمقتضاه الوجوب كما سيأتي. قوله: (وتجب بتلاوتهم) أي وتجب على من سمعهم بسبب تلاوتهم ح. قوله: (يعني المذكورين) أي الأصم والنفساء وما بينهما. قوله: (خلا المجنون) هذا ما مشى عليه في البحر عن البدائع. قال في الفتح: لكن ذكر شيخ الاسلام أنه لا يجب بالسماع من مجنون أو نائم أو طير، لان السبب سماع تلاوة صحيحة وصحتها بالتمييز، ولم يوجد، وهذا التعليل يفيد التفصيل في الصبي فليكن هو المعتبر إن كان مميزا وجب بالسماع منه، وإلا فلا ا ه. واستحسنه في الحلية. قوله: (المطبق) بالكسر كما في المغرب. وفي القاموس: أطبقه: غطاه، ومنه الجنون المطبق والحمى المطبقة ا ه. والمراد به الملازم الممتد. والذي حرره ابن الهمام في التحرير وفتح القدير وتبعه فالبحر: إن قدر الامتداد المسقط في الصلوات بصيرورتها ستا عند محمد، وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره، وفي الزكاة باستغراق الحول ا ه. ويظهر منه ومن قول المصنف على من كان أهلا لوجوب الصلاة أن التلاوة كالصلاة في
115 ذلك، لكن المراد به هنا بناء على ما ذكره في الدرر وتبعه الشارح ما زاد على يوم وليلة وكان يزول، فإنه جعل الجنون على ثلاث مراتب: قاصرا وهو ما لا يزيد على يوم وليلة، وكاملا غير مطبق وهو ما يزيد على ذلك لكنه قد يزول، وكاملا مطبقا وهو ما يزيد على ذلك ولا يزول. والحاصل لصاحب الدور على ذلك التقسيم هو التوفيق بين كلامهم، فإنه نقل عن تلخيص الجامع عدم الوجوب بالسماع من المجنون. وعن الخانية الوجوب، وعن النوادر أنه إذا قصر فكان يوما وليلة أو أقل يلزمه السجود تلاها أو سمعها: أي وإذا وجبت عليه تجب على من سمعها منه بالأولى، ثم ذكر في الدرر أن القاصر يجب السجود بتلاوته عليه وعلى من سمع منه، وهو ما في النوادر والكامل: الغير المطبق لا يجب عليه بتلاوته بل على سامعه، وهو ما في الخانية، والمطبق لا يجب عليه ولا على سامعه، وهو ما في التلخيص، وقد جرى الشارح على هذا التقسيم والتوفيق. قوله: (فلا تجب بتلاوته) أي على من سمعه كما لا تجب عليه نفسه قوله: (لعدم أهليته) يرد عليه الصبي فإنه يجب على من سمعه مع عدم أهليته ط. قوله: (تلزمه تلا أو سمع) أي لأنه أهل لوجوب قضاء الصلاة، وإذا لزمته لزمت من سمع منه بالأولى كما مر. وفي شرح الشيخ إسماعيل: كل من وجب عليه بالسماع من الغير وجب على الغير بالسماع منه بلا عكس. قوله: (وإن أكثر) أي من يوم وليلة: يعني ولم يكن مطبقا بقرينة المقابلة، وهذا ثالث الأقسام. قوله: (لكن الخ) استدراك على ما حرره خسرو صاحب الدرر وهو ما مر. وحاصل ما ذكره الشرنبلالي في حاشيته عليه أن ما ذكره من تقسيم الجنون إلى ثلاثة أقسام مخالف لكلام الأصوليين أنه قسمان فقط: مطبق، وغيره، وأن تفسيره المطبق بما لا يزول غير مسلم، لأنه ما من ساعة إلا ويرجى زواله، وأن في السماع من المجنون روايتين مصححتين حكاهما في الجوهرة، فالوجه في التوفيق أن يحمل ما في الخانية على رواية وما في التلخيص على أخرى ا ه. أقول: والظاهر أن هاتين الروايتين في الجنون المطبق وغيره خلافا لما في حاشية نوح أفندي وشرح الشيخ إسماعيل من تقييده بالمطبق بدليل ما قدمنا عن الفتح، وكذا ما في الجوهرة حيث قال: ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه أمجنون ففيه روايتان، أصحهما لا يجب ا ه. فإن المجنون غير المطبق ليس أدنى حالا من النائم والمغمى عليه، فالخلاف الجاري فيهما جار فيه أيضا لكون كل منهم من أهل الوجوب، فكان الظاهر الاطلاق بلا تقييد بمطبق أو غيره. قوله: (ونقل الوجوب الخ) يغني عنه ما قبله مع أنه يوهم أنه في الجوهرة اقتصر على الوجوب. قوله: (من الصدى) هو ما يجيبك مثل صوتك في الجبال والصحارى ونحوهما كما في الصحاح. قوله: (والطير) هو الأصح. زيلعي وغيره، وقيل تجب. وفي الحجة هو الصحيح تاترخانية. قلت: والأكثر على تصحيح الأول، وبه جزم في نور الايضاح. قوله: (ومن كل تال حرفا) تكرار مع ما يأتي متنا وكأنه ذكره تنبيها على أن الأولى أن يذكر هنا ح. قوله (ولا بالتهجي) لأنه لا يقال قرأ القرآن وإنما قرأ الهجاء، ولو فعل ذلك في الصلاة لم يقطع، لأنها الحروف التي في القرآن
116 ولا تنوب عن القراءة لأنه لم يقرأ القرآن. إمداد عن التجنيس والخانية. ولا تجب بالكتاب. بحر. قوله: (ولا من المؤتم الخ) أي لا تجب على من سمعها منه سواء كان إمامه أو المقتدين به كما لا تجب عليه نفسه كما مر. قوله: (بخلاف الخارج) أي صلاة المؤتم التالي إماما كان أو مؤتما أو منفردا أو غير مصل أصلا كما قدمناه عند قوله: ولو تلا المؤتم ح. قوله: (على المختار) كذا في النهر والامداد، وهذا عند محمد، وعند أبي يوسف: على الفور، هما روايتان عن الامام أيضا، كذا في العناية. قال في النهر وينبغي أن يكون محل الخلاف في الاثم وعدمه حتى لو أداها بعد مدة كان مؤديا اتفاقا لا قاضيا ا ه. قال الشيخ إسماعيل: وفيه نظر: أي لأن الظاهر من الفور أن يكون تأخيره قضاء. قلت: لكن سيذكر الشارح في الحج الاجماع على أنه لو تراخى كان أداء، مع أن المرجح أنه على الفور ويأثم بتأخير، فهو نظير ما هنا. تأمل. قوله: (تنزيها) لأنه بطول الزمان قد ينساها، ولو كانت الكراهة تحريمية لوجبت على الفور، وليس كذلك، ولذكره تحريما تأخير الصلاتية عن وقت القراءة. إمداد. واستثني من كراهة التأخير ما إذا كان الوقت مكروها كوقت الطلوع. فرع: في التاترخانية: يستحب للتالي أو السامع إذا لم يمكنه السجود أن يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. قوله: (ويكفيه الخ) مكرر مع ما قدمه في قوله: خلا التحريمة ونية التعيين. قوله: (وتسقط بالحيض) تبع في ذلك صاحب النهر حيث قال: وصرحوا بأنها لو أخرتها حتى حاضت سقطت وكذا لو ارتدت بعد تلاوتها، كذا في الخانية ا ه. والذي في الخانية: المرأة إذا قرأت آية السجدة في صلاتها فلم تسجد حتى حاضت سقطت عنها السجدة ا ه. ومثله ما سيذكره الشارح عن الخلاصة، فعلم أن المراد السجدة الصلاتية، وهي الآتية من ضمن قول المتن إلا إذا فسدت بغير الحيض الخ فلا محل لذكرها هنا، نعم في التجنيس ما يدل على سقوطها بالحيض مطلقا، فإنه قال: إذا قرأت آية السجدة ولتسجد لها حتى حاضت سقطت، لان الحيض ينافي وجوبها ابتداء فكذا بقاء، وهو نظير المسلم إذا قرأها ثم ارتد سقطت عنه حتى إذا أسلم لا تجب عليه، لان الكفر ينافيه ابتداء فكذا بقاء ا ه. فتأمل. قوله: (والردة) فيه أن وقتها العمر وما بقي وقته لا يسقط عن المرتد إذا أسلم كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها، فليتأمل. وأجاب بعض الحذاق بأن السبب في الصلاة قد تحقق بعد الاسلام، ولا كذلك سجود التلاوة، وكذلك يعتبر القدرة على الزاد والراحلة في الحج بعد الاسلام ط. وفيه أن الكلام في سقوطها عمن لم يسجد لا في عدم وجوب الإعادة على من سجدها بل ما نحن فيه، نظير من ترك صلاة ثم ارتد، وقدمنا قبيل سجود السهو أنه يجب عليه بعد الاسلام ما تركه قبل الردة، ومقتضى ذلك لزوم السجدة هنا عليه (1). قوله: (فعلى الفور) جواب شرط مقدر تقديره: فإن كانت صلوية فعلى الفور ح. ثم تفسير الفور: عدم طول المدة
(1) قوله: (لزوم السجدة هنا عليه) أقول: قد فرق شيخنا بين المسألتين بأن سبب السجدة هو التلاوة وهو عمل والردة تحبط الأعمال فلما بطلت التلاوة التي هي سبب سقطت السجدة، بخلاف الصلاة فان سببها الوقت، وهو ليس بعمل حتى يقال بطل بالردة وأيضا في السجدة حصل المنافي وهو الردة قبل صيرورتها دينا عليه بخلاف الصلاة فإنه بمجرد خروج الوقت صارت الصلاة دينا في ذمته وحصول الردة بعد ذلك لا يسقط تأمل. ا ه. 117 بين التلاوة والسجدة بقراءة أكثر من آيتين، أو ثلاث على ما سيأتي. حلية. قوله: (ويأثم بتأخيرها الخ) لأنها وجبت بما هو من أفعال الصلاة، وهو القراءة وصارت من أجزائها فوجب أداؤها مضيقا كما في البدائع، ولذا كان المختار وجوب سجود السهو لو تذكرها بعد محلها كما قدمناه في بابه عند قوله: بترك واجب فصارت كما لو أخر السجدة الصلبية عن محلها فإنها تكون قضاء، ومثله: ما لو أخر القراءة إلى الأخريين على القول بوجوبها في الأوليين وهو المعتمد أما على القول بعدمه فيهما فهي أداء في الأخريين كما حققناه في واجبات الصلاة، فافهم. قوله: (ولو بعد السلام) أي ناسيا ما دام في المسجد، وروي أنه لا يسجد بعد السلام ناسيا. تاترخانية. قوله: (ثم هذه النسبة هي الصواب) أي قول المصنف صلوية برد ألفه واوا وحذف التاء، وإذا كانوا قد حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث كنسبة الرجل إلى بصرة فقالوا بصري لا بصرتي كي لا تجتمع تاءان في نسبة المؤنث فيقولون بصرتية، فكيف بنسبة المؤنث؟ فتح. قوله: (ومن سمعها الخ) السماع غير شرط بالنظر إلى الاقتداء، بل الشرط هو الاقتداء، وإن لم يسمعها ولم يحضرها كما قدمه الشارح، لكن قيد بالسماع ليتأتى التفصيل الآتي. قوله: (ولو باقتدائه به) أي ولو صار التالي إماما بسبب اقتداء السامع به بأن تلاها وهو منفرد فاقتدى به قوله: (سجد معه) قيد به لان الامام لو لم يسجد لا يسجد المأموم وإن سمعها، لأنه إن سجدها في الصلاة وحده خالف إمامه، وإن سجد بعد الفراغ فهي صلاتية لا تقضى خارجها. بحر. قوله: (لا يسجد أصلا) أي لا في الصلاة ولا بعدها، فافهم. قوله: (كذا أطلق في الكنز) أي أطلق قوله: ولو ائتم بعده أي بعد سجود الامام فشمل ما إذا اقتدى به في الركعة التي تلا فيها أو بعدها. قال في النهر أما الأول فباتفاق الروايات، وأما الثاني: فظاهر إطلاق الأصل أنها كذلك، لأنها بالاقتداء صارت صلاتية فلا تقضى خارجها، واختار البزدوي تخصيصه بالأول وحمل الاطلاق عليه الاطلاق عليه، وهو ظاهر ما في الهداية ا ه: أي حيث قال: لأنه صار مدركا لها بإدراك الركعة. قوله: (وكذا الخ) أي يسجدها ولكن بعد الفراغ من الصلاة، وهذا مقابل قوله: كذا أطلق في الكنز وبه جزم في النقاية وإصلاحها والفتح وشرح المنية، كذا في المواهب وقال، إنه الأظهر، وتبعه في نور الايضاح، وقد علمت أن إطلاق الكنز والأصل محمول عليه، وقد صرح صاحب الكنز بحمل إطلاقه عليه في كتابه الكافي، وصاحب الدار أدرى. قوله: (ولو تلاها) أي المصلي غير المقتدي لقوله قبله ولو تلا المؤتم لم يسجد أصلا. قوله: (لما مر) أي من قوله: لصيرورتها جزءا من الصلاة. قوله: (وإذا لم يسجد أثم الخ) أفاد أنه لا يقضيها. قال في شرح المنية: وكل سجدة
118 وجبت في الصلاة ولم تؤد فيها سقطت: أي لم يبق السجود لها مشروعا لفوات محله ا ه. أقول: وهذا إذا لم يركع بعدها على الفور، وإلا دخلت في السجود وإن لم ينوها كما سيأتي، وهو مقيد أيضا بما إذا تركها عمدا حتى سلم وخرج من حرمة الصلاة، أما لو سهوا وتذكرها ولو بعد السلام قبل أن يفعل منافيا يأتي بها ويسجد للسهو كما قدمناه. قوله: (إلا إذا فسدت) أي قبل سجودها والافساد كالفساد ط. قوله: (فلو به الخ) ظاهره أن غير الصلاتية لا تسقط بالحيض، وقدمنا الكلام فيه. قوله: (لم يعدها) لان المفسد لا يفسد جميع أجزاء الصلاة وإنما يفسد الجزء المقارن فيمتنع البناء عليه. بحر عن القنية. قوله: (ويخالفه) أي يخالف ما في المتن والبحث، والجواب لصاحب النهر. قوله: (إلا أن يحمل الخ) عبارة الخانية صريحة في ذلك، ونصها: مصلي التطوع إذا قرأ آية وسجد لها ثم فسدت صلاته وجب عليه قضاؤها ولا تلزمه إعادة تلك السجدة ا ه. ومثله في الفيض والبزازية. قوله: (وتؤدي بركوع وسجود) الواو بمعنى أو. قال في الحلية: والأصل في أدائها السجود وهو أفضل، ولو ركع لها على الفور جاز، وإلا لا ا ه: أي وإن فات الفور ولا يصح أن يركع لها ولو في حرمة الصلاة. بدائع: أي فلا بد لها من سجود خاص بها كما يأتي نظيره. وفي الحلية: ثم إذا سجد أو ركع لها على حدة فورا يعود إلى القيام (1)، ويستحب أن لا يعقبه بالركوع بل يقرأ آيتين أو ثلاثا فصاعدا ثم يركع ا ه. وإن كانت السجدة آخر السورة يقرأ من سورة أخرى ثم يركع، وتمامه في الامداد والبحر. قوله: (وكذا في خارجها الخ) هذا ضعيف لما قدمناه عن البدائع من أنه لا يجزى لا قياسا ولا استحسانا، وما عزاه إلى البزازية تبع فيه صاحب النهر وهو خلل في النقل، لان الذي رأيته في نسختين من البزازية هكذا وروي في غير الظاهر أن الركوع ينوب عنها خارج الصلاة أيضا ا ه. فسقط من كلامه لفظة غير وما في البحر من أن قاضيخان اختار أنه ينوب عنها ففيه إن عبارة الخانية: هكذا روي أنه يجوز ذلك، ولا يخفى أنه مشعر بتضعيفه لا باختياره، فتنبه لذلك. قوله: (لها أي للتلاوة) لو أخر الشارح قوله سابقا غير ركوع الصلاة وسجودها إلى هنا لكان أولى ط. قوله: (على الفور الخ) فلو انقطع الفور لا بد لها من سجود خاص بها ما دام في حرمة الصلاة، وعلله في البدائع بأنها صار ت دينا والدين يقضى بما له لا بما عليه، والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين ه. قوله: (على الظاهر كما في البحر) أي عن البدائع، والمتبادر من عبارته أنه استظهار من صاحب البدائع، لا أنه ظاهر الرواية. وفي الامداد: الاحتياط قول شيخ الاسلام خواهر زاده بانقطاع الفور بالثلاث. وقال شمس الأئمة الحلواني: لا
(1) قوله: (يعود إلى القيام) ظاهر التقييد بقوله على حدة انه لو أداها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها لا يستحق الفصل ا ه. 119 ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث. وقال الكمال بن الهمام: وقول الحلواني هو الوراية ا ه. قلت: وصرح في شرح المنية بأنه الأصح رواية، فإن محمدا نص على أنه إذ بقي بعد السجدة آيات من آخر السورة: أي كسورة الانشقاق وسورة بني إسرائيل إن شاء ختم السورة وركع لها، وإن شاء سجد لها ثم قام فأكمل السورة ثم ركع ا ه. ومثله في الفتح. لكن في البحر عن المجتبى أن الركوع ينوب عنها بشرط النية، وأن لا يفصل بثلاث إلا إذا كانت الثلاثة من آخر السورة ا ه. ومقتضاه: أن الخلاف فيما في وسط السورة وأن هذه وفاقية، وبه صرح في الحلية عن الأصل وغيره نعم قال بعده: إن الفرق ظاهر الوجه، قل: قد يوجه بأن قراءة الثلاث من آخر السورة لا تفصل لأنها إتمام للسورة وعدم رفض باقيها، فكان في قراءتها زيادة طلب فلم تفصل، بخلاف الثلاث من وسط السورة فإنه ليس فيها زيادة طلب لعدم ما ذكرت، فعدت فاصلة. تأمل. قوله: (أي كون الركوع لسجود التلاوة) الأولى قول الامداد: أي نوى أداءها فيه ا ه. ثم إن النية محلها عند إرادة الركوع، فلو نواها فيه قيل يجوز، وقيل لا، ولو بعد الرفع منه لا يجوز بالاجماع. بدائع. قوله: (على الراجح) وقيل لا حاجة إلى النية عند الفور، وجعله القهستاني رواية عن محمد. قوله: (بالاجماع) كذا قال في البدائع، لكن رده في الفتح بأن الخلاف ثابت أيضا. قوله: (ولو نواها في ركوعه) أي عقب التلاوة. ح عن البحر. قوله: (لم تجزه) أي لم تجز نية الامام المؤتم ولا تندرج في سجوده وإن نواها المؤتم فيه، لأنه لما نواها الامام في ركوعه تعين لها. أفاده ح. هذا وفي القهستاني: واختلفوا في أن نية الامام كافية كما في الكافي، فلو لم ينو المقتدي لا ينوب على رأي فيسجد بعد سلام الامام ويعيد القعدة الأخيرة كما في المنية ا ه. قوله: (ولو تركها) أي القعدة فسدت صلاته، لان التلاوية ترفعها كالصلبية، بخلاف السهوية كما مر في السهو. قوله: (وينبغي حمله على الجهرية) البحث لصاحب النهر، ولعل وجهه أنه ذكر في التاترخانية أنه لو تلاها في السرية فالأولى أن يركع بها لئلا يلتبس الامر على القوم، ولو في الجهرية فالسجود أولى ا ه. فإنه يفيد أن نية الامام كافية لعدم علمهم بما قرأه الامام سرا، ولو لم يجزهم الركوع عنها كان التباس الامر عليهم أعظم ولم يكن في ترجيح الركوع له فائدة، فيحمل كلام القنية هنا على الجهرية ليكون المؤتم عالما بالتلاوة، فإذا ركع إمامه فورا يلزمه أن ينويها فيه احتياطا لاحتمال أن الامام نواها فيه، فإذا لم ينو يسجد بعد سلام إمامه، أما في السرية فهو معذور وتكفيه نية إمامه، إذ لا علم له بتلاوة إمامه حتى يؤمر بالسجود لها بعد سلام الامام. وأجاب ح بأنه يمكنه أن يخبره الامام بعد السلام قبل تكلم المقتدي وخروجه من المسجد أنه قرأها نواها في الركوع ا ه فتأمل. والأولى أن يحمل على القول بأن نية الامام لا تنوب عن نية المؤتم، والمتبادر من كلام القهستاني السابق أنه خلاف الأصح حيث قال: على رأي، فتأمل. قوله: (نعم لو ركع وسجد لها) أي للصلاة فورا ناب: أي سجود المقتدي عن سجود التلاوة بلا نية تبعا لسجود إمامه لما مر آنفا أنها تؤدى
120 بسجود الصلاة فورا وإن لم ينو، والظاهر أن المقصود بهذا الاستدراك التنبيه على أنه ينبغي للامام أن لا ينويها في الركوع، لأنه إذا لم ينوها فيه ونواها في السجود أو لم ينوها أصلا لا شئ على المؤتم، لان السجود هو الأصل فيها، بخلاف الركوع، فإذا نواها الامام فيه ولم ينوها المؤتم لم يجزه، ثم لا يخفى أن إرجاع الضمير في قوله: لها إلى التلاوة لا يصح إلا بتكلف، فلا حاجة إليه، فافهم. قوله: (ولو سجد لها) أي للتلاوة. وفي أغلب النسخ: لو ركع لها، وما هنا هو الصواب الموافق لما في البحر. أفاده ح. قوله: (لأنه انفرد بركعة) لان سجدة للتلاوة وسجدة تمت بها الركعة ط. قوله: (ولو سمع المصلي) أي سواء كان إماما أو مؤتما أو منفردا، وقوله: من غيره أي ممن ليس معه في الصلاة سواء كان إماما غير إمامه أو مؤتما بذلك الامام أو منفردا أو غير مصل أصلا ا ه ح. ونحوه في القهستاني، وهذا صريح بوجوبها بالسماع من المؤتم بغير إمام السامع بخلاف المؤتم بإمامه، لكن صرح في الامداد بأنها لا تجب بالسماع مقتد بإمام السامع أو بإمام آخر ا ه. نعم في النهاية وشرح المنية: وتجب على من سمعها من المؤتم ممن ليس في صلاته إجماعا ا ه. وهذا موافق للأول. وفي البدائع: إذا تلاها المؤتم لا تجب عليه في الصلاة إجماعا، وكذا على الامام والقوم إذا سمعوها منه. وأما بعد الصلاة فكذلك عندهما. وقال محمد: تلزمهم لتحقق السبب وهو التلاوة الصحيحة في حق المؤتم والسماع في حق الامام والقوم، ولذا تلزم من سمع منه وهو ليس في صلاتهم، إلا أنهم لا يمكنهم الأداء فيها فتجب خارجها، كما لو سمعوا من خارج عنهم، ولهما أن هذه السجدة من أفعال هذه الصلاة، لان تلاوة المؤتم محسوبة من صلاته وإن تحملها عنه الامام فلا تؤدى بعدها. ومن مشايخنا من علل بأن هذه القراءة منهي عنها فلا حكم لها، أو بأنه محجور عليه فيها، فمن علل بالأول يقول: تجب على من سمعها من المؤتم ممن لا يشاركه في صلاته لأنها ليست من أفعال الصلاة في حقه، ومن علل بالأخيرين يقول: لا تجب، فاختلفوا فيها لاختلاف الطرق ا ه ملخصا. والظاهر أن الثاني ضعيف فلم يعتد به في النهاية حتى نقل فيه الاجماع كما علمته، ولعل ما في الامداد مبني عليه، فتأمل. قوله: (لأنها غير صلاتية) فإن قيل: السبب في حق السامع السماع لا التلاوة وسماعه موجود في الصلاة فلم تكن أجنبية لكون السبب غير أجنبي؟ قلنا: السماع ليس من أفعال الصلاة فكان أجنبيا، بخلاف التلاوة شرح المنية قوله: (لسماعها من غير محجور) قد علمت أن المراد من الغير في قول المصنف من غيره ما يشمل المقتدي بإمام آخر، فتجب بالسماع منه مع أنه محجور، إلا أن يراد المحجور عن التلاوة في صلاة السامع وهو المقتدي بإمامه، لكن علمت أن من علل بالحجر يقول بعد الوجوب بالسماع من المؤتم مطلقا. قوله: (للنهي) علة للنقصان، وذلك أن الامر بإتمام الركن الذي هو فيه وانتقاله إلى آخر يقتضي النهي عن الاشتغال بأداء ما وجب بسبب خارج عن الصلاة فيها، فالنهي ضمني كما في غرر الأفكار. قوله: (لما مر) من قوله: لأنها ناقصة الخ. قوله: (إلا إذا تلاها الخ) استثناء من قوله: وأعاده. قوله: (غير المؤتم) صادق بالامام
121 والمنفرد. واحترز عن المؤتم فإنه يسجدها بعد الصلاة، ولا تصير صلاتية لان التي تلاها لا يعتد بها فلا تستتبع الخارجية ا ه ح. قوله: (ولو بعد سماعها) أي إذا تلاها المصلي وسجد لها لا إعادة عليه، سواء تلاها قبل سماعها وهو ظاهر الرواية، أو بعده وهو أحد روايتين، وبه جزم في السراج. بحر. قوله: (دونها الخ) هو ظاهر الرواية وهو الصحيح. وفي رواية النوادر: تبطل به الصلاة، وليس بصحيح، وقيل هو قول محمد. وعندهما: لا يعيد. إمداد. والظاهر أن الإعادة واجبة لكراهة التحريم كما هو مقتضى النهي المذكور. تأمل. قوله: (لمتابعته غير إمامه) لان المصلي سواء كان له إمام أو لا إذا تابع أحدا غير إمامه فسدت صلاته، والمتابعة هنا وإن كانت ليست اقتداء حقيقة، ولذا صح متابعة المرأة فيها وتقدم السامع على التالي، لكن المتابعة في كل شئ بحسبه، فلما تحققت المتابعة المعتبرة في محلها أشبهت الاقتداء الحقيقي فأفسدت الصلاة، لان متابعة المصلي لغير إمامه مفسدة، ولذا قال في البحر بعد عزوه المسألة إلى التجنيس والمجتبى والولوالجية: وقدمنا أن زيادة سجدة واحدة بنية المتابعة لغير إمامه مبطلة لصلاته ا ه. قوله: (ثم دخل في الصلاة فتلاها فيها) أي تلا تلك الآية بعينها أيضا في الصلاة سجد للتلاوة الثانية سجدة أخرى، لان الأقوى لا يكون تبعا للأضعف. قوله، (كفته واحدة) هذا ظاهر الرواية: وفي رواية النوادر: لا تكفيه الواحدة. ومنشأ الخلاف هل بالصلاة يتبدل المجلس أو لا،؟ نهر. قوله: (وإن اختلف المجلس) كذا في النهر عن البدائع ومثله في الدرر، وشرط في البحر اتحاده. قال الرملي في حواشيه: ومثله في غاية البيان والنهاية والزيلعي والظاهر أن فيه اختلافا، وينبغي ترجيح ما في البحر ا ه. قلت: لكن في الشرنبلالية ما يفيد عدم الخلاف حيث جعل قوله: وإن اختلف المجلس مبنيا على فرض تسليم الوجه لرواية النوادر، وهو أن المجلس بالصلاة تبدل حكما، لان مجلس التلاوة غير مجلس الصلاة فلا تستتبع إحداهما الأخرى. وأما على الظاهر فالمجلس متحد حقيقة وحكما فلو لم يتحد ولو حكما بعمل غير الصلاة لا تجزئه الصلاتية عما قبلها، كما في غاية البيان والزيلعي ا ه. قوله: (سقطتا) لان الخارجية أخذت حكم الصلاتية فسقطت تبعا لها ح. قوله: (في الأصح) وعلى روية النوادر: لا تسقط الخارجية، لان الصلاتية ما استتبعتها على هذه الرواية. ح عن الشنربلالية. قوله: (كما مر) أي مرتين الأولى: قوله: فيأثم بتأخيرها والثانية قوله: أثم فتلزمه التوبة خ. تتمة: لم يذكر عكس مسألة المتن: أي لو تلاها في الصلاة فجسدها فيها، ثم أعادها بعد السلام، فقيل تجب أخرى. قال الزيلعي: وهذا يؤيد رواية النوادر، وقيل: لا تجب. ووفق الفقيه بحمل الأول على ما إذا تكلم لان الكلام يقطع حكم المجلس. والثاني على ما إذا لم يتكلم وهو الصحيح، فلا تأييد. نهر. ولو لم يسجد لها حتى سلم ثم تلاها سجد سجدة واحدة وسقطت عنه الأولى. شرح المنية عن الخانية. قوله: (ولو كررها في مجلسين تكررت) الأصل أنه لا يتكرر
122 الوجوب إلا بأحد أمور ثلاثة: اختلاف التلاوة، أو السماع، أو المجلس. أما الأولان: فالمراد بهما اختلاف المتلو والمسموع، حتى لو تلا سجدات القرآن كلها أو سمعها في مجلس أو مجالس وجبت كلها. وأما الأخير فهو قسمان: حقيقي بالانتقال منه إلى آخر بأكثر من خطوتين كما في كثير من الكتب، أو بأكثر من ثلاث كما في المحيط ما لم يكن للمكانين حكم الواحد، كالمسجد والبيت والسفينة ولو جارية، والصحراء بالنسبة للتالي في الصلاة راكبا. وحكمي، وذلك بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله، كما لو تلا ثم أكل كثيرا أو نام مضطجعا أو أرضعت ولدها أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل أو أكل لقمة أو شرب شربة أو نام قاعدا أو كان جالسا فقام أو مشى خطوتين أو ثلاثا على الخلاف أو كان قائما فقعد أو نازلا فركب في مكانه فلا تتكرر. حلية ملخصا قوله: (بل كفته واحدة) ولا يندب تكرارها بخلاف الصلاة على النبي (ص) كما سيأتي. قوله: (وفي البحر التأخير أحوط) لان بعضهم قال: إن التداخل فيها في الحكم لا في السبب، حتى لو سجد للأولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا. نقله في المجتبى. بحر. وأجاب الرملي بأن المبادرة إلى العبادة أولى، ولا يمنع منه قول البعض لضعفه، ومثله في شرح الشيخ إسماعيل وقال: ولا سيما إذا كان بعض الحاضرين محتمل الذهاب كما يتفق في الدروس. قوله: (والأصل أن مبناها) أي السجدة، وهذا استحسان، والقياس أن تتكرر لان التلاوة سبب للوجوب. شرنبلالية. قوله: (دفعا للحرج) لان في إيجاب السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين وهو منفي بالنص. بحر. قوله: (بشرط اتحاد الآية والمجلس) أي بأن يكون المكرر آية واحدة، فلو تلا آيتين في مجلس واحد أو آية واحدة في مجلسين فلا تداخل، ولم يشترط اتحاد السماع لأنه إنما يكون باتحاد المسموع فيغني عنه اشتراط اتحاد الآية، وأشار إلى أنه متى اتحدت الآية والمجلس لا يتكرر الوجوب، وإن اجتمع التلاوة والسماع ولو من جماعة ففي البدائع لا يتكرر، ولو اجتمع سببا الوجوب وهما التلاوة والسماع بأن تلاها ثم سمعها أو بالعكس أو تكرر أحدها ا ه. وفي البزازية: سمعها من آخر ومن آخر أيضا وقرأها كفت سجدة واحدة في الأصح لاتحاد الآية والمكان ا ه. ونحوه في الخانية. فعلى هذا لو قرأها جماعة وسمعها بعضهم من بعض كفتهم واحدة. قوله: (وهو تداخل) الضمير راجع إلى عدم تكرار المفهوم من قول المصنف وفي مجلس واحد لا أو إلى التداخل في عبارة الشارح وهما بمعنى واحد قوله: (فتكون الخ) تفريع صحيح لأنه بيان وتوضيح لكيفية جعل الكل كتلاوة واحدة، فافهم. قوله: (لان تركها الخ) علة لمحذوف تقديره: وإنما لم يجعل من التداخل في الحكم مع تعدد الأسباب. أفاده ط. قوله: (لأنه أليق بالعقوبة) علة للنفي، وقوله: لأنها للزجر الخ علة للعلة. والحاصل أنا لم نقل بالتداخل في الحكم في العبادات لما يلزم عليه من الامر الشنيع وهو ترك العبادة المطلوب تكثيرها مع قيام
123 سببها، فجعلنا الكل سببا واحدا لدفع ذلك لأنه أليق بها، أما العقوبات فإن مبناها على الدرء والعفو فلا يلزم من تركها مع قيام سببها الامر الشنيع، بل يحصل المقصود منها في الدنيا وهو الزجر بعقوبة واحدة، مع جواز عفو المولى تعالى في الآخرة وإن تعدد السبب. قوله: (وأفاد الفرق) أي بين الداخلين. وجه الفرق أنه لما جعلنا الأولى سببا والباقي تبعا لها كان أينما سجد سجد بعد السبب، بخلافه في الثاني فإن الأسباب فيه على حالها، فلا بد من السجود بعد تمام الأسباب ح. قوله: (حد ثانيا) أي لوجود سببه مع ظهور أنه لم يحصل المقصود وهو الانزجار عن الزنا بالحد الأول، بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد، لان العار قد اندفع بالأول لظهور كذبه. بحر. قوله، (ذاهبا وآيبا) أما إذا كان يدير السداء (1) على الدائرة وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر. بحر عن الفتح بحثا، وفيه نظر يأتي قريبا. قوله: (وانتقاله عن غصن إلى آخر) أي سواء كان قريبا أو بعيدا على الصحيح. وفي الواقعات الحسامية: إن أمكنه الانتقال بدون نزول كفته واحدة لاتحاد المجلس وإلا فلا لاختلافه ا ه. وهذا ما أفتى به شمس الأئمة الحلواني وغيره من الأئمة. ط عن حاشية الزيلعي للشلبي. قوله: (أو حوض) قال محمد: إن كان عرض الحوض وطوله مثل طول المسجد وعرضه لا يتكرر الوجوب، والصحيح أنه يتكرر. خانية، قوله: (تبديل للمجلس) أي في حق التالي أو الآية: أي في حق السامع، كذا في شرحه على الملتقى. قلت: الظاهر أن يقال: أو التلاوة بدل الآية، لان السبب في حق السامع هو التلاوة كما مر، على أنه مخالف لقول المصنف الآتي لا عكسه فإنه مبني على سببية السماع، وعليه فكا المناسب التعبير بالسماع. وقد يجاب بأنه مبني على سببية السماع، ولما كان تبدل السماع بتبدل المسموع أتى بقوله: أو الآية بدل قوله: أو السماع تأمل. قوله: (فتجب سجدة أو سجدات) أي بقدر تعدد التلاوة، وقوله: أخرى صفة سجدة ويقدر لقوله: أو سجدات صفة غيرها: أي أخر، ففيه حذف الصفة لدليل، وإقحام المعطوف بين المعطوف عليه وصفته. قوله: (بخلاف زوايا مسجد) أي ولو كبيرا على الأوجه، وكذا البيت. في الخانية والخلاصة: إلا إذا كانت الدار كبيرة كدار السلطان ا ه. حلية. وظاهر أن الدار التي دونها لها حكم البيت وإن اشتملت على بيوت، ثم قال في الحلية: ثم الأصل على ما في الخانية والخلاصة أن كل موضع يصح الاقتداء فيه بمن يصلي في طرف منه يجعل كمكان واحد ولا يتكرر الوجوب فيه، وما لا فلا، فعلى هذا لو كانت الشجرة أو تسدية الثوب أو التردد في الدياسة أو حول رحى الطحن ونحو ذلك فيما له حكم المكان الواحد كالمسجد ينبغي أن لا يتكرر الوجوب بتكرير التلاوة ا ه.
(1) قوله: (السداء) كذا هو مرسوم بالأصل المقابل على خط المؤلف هنا وفيما يأتي. وفي المصباح: السدى وزان الحصى من الثوب خلاف اللحمة وهو ما يمد طولا في النسج ا ه فمفاده انه بالقصر ا ه. 124 قلت: هو بحث وجيه، لكن ظاهر إطلاقهم خلافه، ولعل وجهه أالانتقال من غصن إلى غصن والتسدية ونحو ذلك أعمال أجنبية كثيرة يختلف بها المجلس حكما كالكلام والاكل الكثير، لما مر من أن المجلس يختلف حكما بمباشرة عمل يعد في العرف قطعا لما قبله، ولا شك أن هذه الأفعال كذلك، وإن كانت في المسجد أو البيت بل يختلف بها حقيقة، لان المسجد مكان واحد حكما وبهذه الافعال المشتملة على الانتقال يختلف حقيقة، بخلاف الاكل فإن الاختلاف فيه حكمي، وعلى كل يتكرر الوجوب، ولذا قيد في الواقعات الانتقال من غصن إلى غيره بما إذا احتاج إلى نزول كما قدمناه: أي ليكون عملا كثيرا. والحاصل أن ما له حكم المكان الواحد كالمسجد والبيت لا يضر الانتقال فيه بأكثر من ثلاث خطوات ما لم يقترن بعمل أجنبي يعد في العرف قطعا لما قبله كالدياسة، والتسدية بخلاف مجرد المشي من غير عمل، بلا إطلاق كلامهم يدل على أن ذلك العمل الأجنبي كالأكل الكثير والبيع والشراء يضر هنا ولو بدون مشي وانتقال حيث لم يقيدوه بغير المسجد والبيت، ومقتضاه تكرار الوجوب لو فصل بين التلاوتين بعلم دنيوي كخياطة وحياكة ولو كان في المسجد أو البيت في مكان واحد، ولهذا قال في البدائع في تحقيق اختلاف المجلس: حكما بالبيع ونحوه، ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلم فيكون مجلس الدرس ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلس النكاح ثم بالبيع فيصير مجلس البيع، ثم بالاكل فيصير مجلس الاكل، فصار تبدله بهذه الافعال كتبدله بالذهاب والرجوع ا ه. وعلى هذا فما مر عن الفتح من أنه إذا كان يدير السداء على الدائرة وهو جالس في مكان واحد، فلا يتكرر فيه نظر، إلا أن يحمل على ما إذا لم يفصل بين التلاوتين بعمل كثير من ذلك وإلا فما الفرق بين إدارة الدائرة كثيرا وبين الاكل الكثير وإرضاع الولد ونحوهما مما مر أن يختلف به المجلس. وقد يقال: إنه إذا جلس للتسدية وقرأ مرارا لا تكون التسدية فاصلة لكون المجلس لها: وعليه يقال مثله في الاكل ونحوه، فتأمل. هذا ما ظهر لي تحريره في هذا المحل، والله تعالى أعلم. قوله: (وفعل قليل) احترز به عن الفعل الكثير الذي يعد قاطعا للمجلس عرفا كما مر، بخلاف ما إذا طال جلوسه أو قراءته أو سبح أو هلل كما قدمناه، أو وعظ أو درس كما في التاترخانية. قوله: (وقيام) أي في محله، ومثله لو مشى خطوتين أو ثلاثا على ما مر. قوله: (ورد سلام) أي وتشميت عاطس، بخلاف ما لو تكلم كلمات أو شرب جرعات أو عقد نكاحا أو بيعا فإنه لا يكفيه سجدة واحدة. شرح المنية. قوله: (وكذا دابة. أي سائرة ح قوله: (لان الصلاة تجمع الأماكن) ضرورة أن اختلاف المكان يمنع صحة الصلاة ومفاده التسوية بين كون التكرار في ركعة أو أكثر، وهو قول أبي يوسف وهو الأصح، خلافا لمحمد فإن عنده يتكرر الوجوب بتكرارها في ركعتين. شرح المنية. قوله: (ولو لم يصل تتكرر) لان سيرها مضاف إليه حتى يجب عليه ضمان ما أتلفت، بخلاف سير السفينة. ح عن الدرر. قوله: (كما تتكرر) أي على السامع دون التالي، وفي عكسه بعكسه ط. والحاصل أن من تكرر مجلسه من سامع أو تال تكرر الوجوب عليه دون صاحبه. قوله: (وغلامه يمشي) أقول: ومثله لو كان راكبا معه لما في شرح تلخيص الجامع: لو كان المصلي على
125 الدابة في محمل وكررها مرارا يتحد الوجوب في حقه ويتعدد في حق عديله لاختلاف المكان في حق السامع ا ه: أي إلا إذا اقتدى به. وفي الخانية: راكبان كل منهما يصلي صلاة نفسه فتلا أحدهما آية مرتين والآخر آية أخرى مرة وسمع كل من الآخر، فعلى الأول سجدتان: إحداهما في الصلاة لقراءته، والأخرى بعد الفراغ لقراءة صاحبه لأنها لا تكون صلاتية. وعلى الثاني سجدة في صلاته لقراءته، وسجدتان بعد الفراغ لتلاوتي صاحبه على رواية النوادر، ووحدة في ظاهر الرواية، وعليه الاعتماد لان السامع مكانه واحد، وكذا التالي ا ه. قوله: (تتكرر على الغلام) لتبدل المجلس في حقه، بخلاف الراكب لان الصلاة تجمع المتفرق ط. قوله: (لا تتكرر) أي على السامع. قوله: (على المفتى به) راجع إلى صورة العكس فقط، ومقابله ما صححه في الكافي من تكررها على السامع أيضا، لان التلاوة هي السبب في حقه أيضا لكن بشرط السماع، وصحح في الهداية والخانية الأول. قال في الينابيع: وعليه الفتوى. قال الفقير: وبه نأخذ. شرح المنية قوله: (وأما الصلاة على الرسول (ص) فكذلك) أي كالسجدة تتكرر عند ذكر اسمه الشريف أو سماعه في مجلسين لا في مجلس، وكان الأولى ذكر هذه المسألة عند قول المتن ولو كررها في مجلسين الخ كما فعل في البحر. قال في شرح المنية: واعلم أن حكم الصلاة على النبي (ص) عند ذكر اسمه على القول بوجوبها كحكم السجدة في عدم تكرر الوجوب عند اتحاد المجلس، لكن يندب تكرار الصلاة دون السجود. والفرق أن الصلاة عليه (ص) يتقرب بها مستقل وإن لم يذكر بخلاف السجدة فإنها لا يتقرب بها مستقلة من غير تلاوة ا ه. قوله: (وقال المتأخرون تتكرر) قال في البحر: وقدمنا ترجيحه ا ه. وتقدم هذا البحث في فصل إذا أراد الشروع، وقدمنا هناك ترجيح الأول، وصححه في الكافي هنا، وجزم بابن الهمام في (زاد الفقير). قوله: (فالأصح الخ) وقيل مرة، وقيل إلى العشر، وقيل كلما عطس ح. وإنما يجب تشميته إذا حمد الله تعالى، كذا في (شرح تلخيص الجامع). قوله: (فيه الخ) وقال محمد في الجامع الصغير: لان فيه هجر شئ من القرآن، وذلك ليس من أعمال المسلمين، لأنه فرار من السجدة وذلك ليس من أخلاق المؤمنين. نهر. قوله: (وتغيير تأليفه) عطف تفسير ح. قوله: (مأمور به) قال تعالى: * ((75) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) * (القيامة: 81) أي تأليفه. فتح عن البدائع. قوله: (ومفاده الخ) هو لصاحب النهر أخذا مما مر عن الجامع الصغير وعن البدائع، فافهم. قوله: (لا يكره عكسه) قال في البدائع: لو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك لأنها من القرآن، وقراءة ما هو من القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور ا ه. وظاهره أنه لا يكره لا تحريما ولا تنزيها، لأنه جعل قراءة الآية كقراءة السورة، ولا كراهة في
126 قراءة سورة واحدة أصلا، فكذا الآية الواحدة. وأما قوله: وندب الخ فقد ذكرنا مرارا أن ترك المندوب لا يلزم أن يكون مكروها تنزيها إلا بدليل، فتأمل هذا. وفي البحر: وقيد عدم الكراهة في الخانية بأن يكون في غير الصلاة ا ه. أما فيها فمكروه. قهستاني. قلت: وبين وجهه في الذخيرة حيث قال: قالوا ويجب أن يكره في حالة الصلاة، لان الاقتصار على آية واحدة في الصلاة مكروه ا ه. ومقتضاه أن الكراهة فيها تحريمية لترك الواجب وهو قراءة ثلاثة آيات لا للعلة الآتية في الشرح. قوله: (قبلها أو بعدها) أخذ التعميم من قول الخانية: إن قرأ معها آية أو آيتين فهو أحب. وكذا عبر في البدائع من أن الإمام محمدا قال، أحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين كما في البحر، وكأنهم أخذوا التعميم من عموم التعليل، إذ دفع الوهم لا يختص بما قبلها. والظاهر أن مثل ذلك ما إذا قرأ آية قبلها وآية بعده، وتشمله عبارة الخانية. قوله: (باشتماله على صفاته تعالى فزيادة الفضيلة باعتبار المذكور لا باعتباره من حيث هو قرآن. بحر وحينئذ ف يشكل ما ورد من تفضيل بعضه على بعض، كما ورد من أن سورة الاخلاص تعدل ثلث القرآن ونحو ذلك. قوله: (واستحسن إخفاؤها الخ) لأنه لو جهر بها لصار موجبا عليهم شيئا ربما يتكاسلون عن أدائه فيقعون في المعصية، فإن كانوا متهيئين جهر بها. بحر عن البدائع، قال في المحيط: بشرط أن يقع في قلبه أن لا يشق عليهم أداء السجدة، فإن وقع أخفاها ا ه. وينبغي أنه إذا لم يعلم بحالهم أن يخفيها. نهر. قوله: (واختلف التصحيح الخ) أقول: صحح عدم الوجوب في الذخيرة والتاترخانية، كذا في القهستاني عن المحيط، ومشى عليه في الحلية. نعم! قال المصنف في المنح: اختلف المشايخ في وجوب السجود، والصحيح الوجوب. قال بعض الأفاضل: وهو مشكل لان السماع في حق السامع شرط أو سبب للوجوب ولم يوجد، فلا يوجد الوجوب الذي هو المشروط أو المسبب، وجوابه أن الأصح عدم الوجوب، كما في مجمع الفتاوى، فليكن هو المعتمد. وعلى تقدير كون المعتمد الوجوب فجوابه أن المتشاغل نزل سامعا لأنه بعرضية أن يسمع، واللائق به أن يكلف به زجرا له تشاغله عن كلام الله جل جلاله ا ه ما في المنح ملخصا. قوله: (من كل واحد حرفا) لما تقدم أن الموجب للسجدة تلاوة أكثر الآية مع حرف السجدة، والظاهر أن المراد بالحرف الكلمة، ويكون الحرف الحقيقي مفهوما بالأولى ح وقدمنا تمام الكلام عليه. قوله: (فقد أفاد) أي صاحب الخانية بتعليله المذكور ط. قوله: (مهمة لكل مهمة) أي هذه فائدة مهمة: أي ينبغي أن يصرف المسلم همته إلى تعلمها لأجل
127 دفع كل مهمة: أي كل حادثة تهمه وتحزنه. قوله: (آي السجدة) بمد الهمزة جمع آية. قوله: (ولاء) بالكسر والمد م وفي بعض النسخ أو لا والمعنى واحد، وهو أنه أولا يسردها متوالية، ثم يسجد للكل أربع عشرة سجدة، قوله: (ويحتمل الخ) جواب عما أورد الكمال من أنه إذا قرأها في مجلس واحد يلزم عليه تغيير نظم القرآن، وقد مر أن اتباع النظم مأمور به. وأجاب في البحر بأن قراءة آية من السورة غير مكروه لما مر تعليله عن البدائع، وفيه نظر لان ما مر في قراءة آية واحدة، أما إذا قرأ آيات السجدة وضم بعضها إلى بعض يلزم عليه تغيير النظم وإحداث تأليف جديد كما نقله الرملي عن المقدسي، فلذا أجاب الشارح تبعا للنهر بحمل ما في الكافي على ما إذا سجد لكل آية بعد قراءتها فإنه لا يكره، لأنه لا يلزم منه تغيير النظم لحصول الفصل بين كل آيتين بالسجود، بخلاف ما إذا قرأها ولاء ثم سجد لها، فهذا يكره. قلت: لكن تقدم قبيل فصل القراءة أنه يستحب عقب الصلاة قراءة آية الكرسي والمعوذات، فلو كان ضم آية إلى آية من محل آخر مكروها لزم كراهة ضم آية الكرسي إلى المعوذات لتغيير النظم، مع أنه لا يكره لما علمت بدليل أن كل مصل يقرأ الفاتحة وسورة أخرى أو آيات أخر، ولو كان ذلك تغييرا للنظم لكره. فالأحسن الجواب بما في شرح المنية من أن تغيير النظم إنما يحصل بإسقاط بعض الكلمات أو الآيات من السورة، لا بذكر كلمة أو آية، فكما لا يكون قراءة سور متفرقة من أثناء القرآن مغيرا للتأليف والنظم لا يكون قراءة آية من كل سورة مغيرا له ا ه. وحاصله: أن المكروه إسقاط آية السجدة من السورة مع ضم ما بعدها إلى ما قبلها لأنه تغيير للنظم، أما ضم آيات متفرقة فلا يكره، كما لا يكره ضم سور متفرقة بدليل ما ذكرناه من القراءة في الصلاة، وحينئذ فلا كراهة في قراءة آيات السجدة ولاء، فيحمل كلام الكافي على ظاهره، والله تعالى أعلم. مطلب في سجدة الشكر قوله: (وسجدة الشكر) كان الأولى تأخير الكلام عليها بعد إنهاء الكلأ على سجدة التلاوة ط. وهي لمن تجددت عنده نعمة ظاهرة أو رزقه الله تعالى مالا أو ولدا أو اندفعت عنه نقمة ونحو ذلك، يستحب له أن يسجد لله تعالى شكرا مستقبل القبلة، يحمد الله تعالى فيها ويسبحه، ثم يكبر فيرفع رأسه كما في سجدة التلاوة. سراج. قوله: (به يفتى) هو قولهما. وأما عند الامام فنقل عنه في المحيط أنه قال: لا أراها واجبة، لأنها لو وجبت لوجب في كل لحظة، لان نعم الله تعالى على عبده متواترة، وفيه تكليف ما لا يطاق. ونقل في الذخيرة عن محمد عنه أنه كان لا يراها شيئا، وتكلم المتقدمون في معناه فقيل لا يراها سنة وقيل شكرا تاما، لاتمامه بصلاة ركعتين كما فعل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، وقيل أراد نفي الوجوب، وقيل نفي المشروعية، وأن فعلها مكروه لا يثاب عليه بل تركه أولى. وعزاه في المصفى إلى الأكثرين، فإن كان مستند الأكثرين ثبوت الرواية عن الامام به فذلك، وإلا فكل من عبارتيه السابقتين محتمل، والأظهر أنها مستحبة كما نص
128 عليه محمد، لأنها قد جاء فيها غير ما حديث، وفعلها أبو بكر وعمر وعلي، فلا يصح الجواب عن فعله (ص) بالنسخ، كذا في الحلية ملخصا. وتمام الكلام فيها وفي الامداد فراجعهما. وفي آخر شرح المنية: وقد وردت فيه روايات كثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، فلا يمنع عنه لما فيه من الخضوع، وعليه الفتوى. وفي فروق الأشباه: سجدة الشكر جائزة عنده لا واجبة، وهو معنى ما روي عنه أنها ليست مشروعة وجوبا، وفيها من القاعدة الأولى، والمعتمد أن الخلاف في سنيتها لا في الجواز ا ه. قول: (لكنها تكره بعد الصلاة) الضمير للسجدة مطلقا. قال في شرح المنية آخر الكتاب عن شرح القدوري للزاهدي: أما بغير سبب فليس بقربة ولا مكروه، وما يفعل عقيب الصلاة فمكروه، لان الجهال يعتقدونها سنة أو واجبة، وكل مباح يؤدي إليه فمكروه انتهى. وحاصله أن ما ليس لها سبب لا تكره ما لم يؤد فعلها إلى اعتقاد الجهلة سنيتها كالتي يفعلها بعض الناس بعد الصلاة، ورأيت من يواظب عليها بعد صلاة الوتر ويذكر أن لها أصلا وسندا، فذكرت له ما هنا فتركها. ثم قال في شرح المنية: وأما ما ذكر في المضمرات أن النبي (ص) قال لفاطمة رضي الله عنها: ما من مؤمن ولا مؤمنة يسجد سجدتين، إلى آخر ما ذكر فحديث موضوع باطل لا أصل له. قوله: (فمكروه) الظاهر أنها تحريمية لأنه يدخل في الدين ما ليس منه ط. قوله: (ويكره للامام الخ) لأنه إن ترك السجود لها فقد ترك واجبا، وإن سجد يشتبه على المقتدين. شرح المنية. قوله: (ونحو جمعة ويعيد) أشار ب نحو إلى أن الظهر مثلا لو أديت بجمع عظيم فهي كذلك. أفاده ح. قوله: (إلا أن تكون الخ) بأن كانت في آخر السورة أو قريبا منه أو في الوسط وركع لها فورا كما مر بيانه. قال ح: لكن ينبغي أن لا ينويها في الركوع لما فيه من المحذور المتقدم عن القنية: أي أنه يلزم المؤتم إذا لم ينوها فيه أيضا أن يأتي بها بعد سلام الامام ويعيد القعدة. قوله: (سجد) أي فوقه أو تحته. تاترخانية. قوله: (وسجد السامعون) أي لا غيرهم، بخلاف الصلاة. تاترخاني. وفي البدائع: ولو تلاها الامام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجدها معه من سمعها، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام تلا سجدة على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه ا ه والله تعالى أعلم. باب: صلاة المسافر قدر الشارح صلاة لأنها المقصودة من الباب. والسفر لغة: قطع المسافة من غير تقدير، والمراد سفر خاص وهو الذي تتغير به الاحكام، من قصر الصلاة وإباحة الفطر وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والأضحية وحرمة الخروج على الحرة من غير محرم ط عن العناية. قوله: (من إضافة الشئ) أي الصلاة إلى شرطه: أي المسافر فإنه شرط لها ح. وفيه أن الشرط السفر لا المسافر. ط عن الحموي. قوله: (أو محله) فإن المسافر محل لها أو من
129 إضافة الفعل إلى فاعله وقد قدمنا في أول باب صلاة المريض أن كل فاعل محل ولا عكس ح. قوله: (ولا يخفى) شروع في وجه تأخيره عن التلاوة، ويعلم منه المناسبة وهي العروض في كل. ط أي العروض المكتسب، بخلاف السهو والمرض فإن كلا منهما عارض سماوي. قوله: (إلا بعارض) استثناء من قوله: عبادة وقوله: مباح أي الأصل في التلاوة العبادة إلا بعارض نحو رياء أو سمعة أو جنابة فتكون معصية، وفي السفر الإباحة إلا بعارض نحو حج أو جهاد فيكون طاعة، أو نحو قطع طريق فيكون معصية. قوله: (فلذا أخر) الكون الأصل فيه الإباحة فإنه دون ما الأصل فيه العبادة. قوله: (لأنه يسفر) بفتح الياء من الثلاثي. ط عن القهستاني. قوله: (عن أخلاق الرجال) أو لأنه يسفر عوجه الأرض: أي يكشف، وعليهما فالمفاعلة بمعنى أصل الفعل، ويجوز أن تكون على بابها باعتبار أن السفر لا يكون إلا من اثنين فأكثر غالبا، فكل منهما يسفر عن أخلاق صاحبه، أو أنه ينكشف للأرض وهي تنكشف له ح. قوله: (من خرج من عمارة موضع إقامته) أراد بالعمارة ما يشمل بيوت الأخبية لان بها عمارة موضعها. قال في الامداد: فيشترط مفارقتها ولو متفرقة، وإن نزلوا على ماء أو محتطب يعتبر مفارقته، كذا في مجمع الروايات، ولعله ما لم يكن محتطبا واسعا جدا ا ه. وكذا ما لم يكن الماء نهرا بعيد المنبع، وأشار إلى أنه يشترط مفارقة ما كان من توابع موضع الإفاقة كربض المصر وهوما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر، وكذا القرى المتصلة بالربض في الصحيح، بخلاف البساتين، ولو متصلة بالبناء لأنها ليست من البلدة، ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها، ولا يعتبر سكنى الحفظة والأكرة اتفاقا. إمداد. وأما الفناء وهو المكان المعد لمصالح البلد كركض الدواب ودفن الموتى وإلقاء التراب، فإن اتصل بالمصر اعتبر مجاوزته وإن انفصل بغلوة أو مزرعة فلا كما يأتي، بخلاف الجمعة فتصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع، لان الجمعة من مصالح البلد، بخلاف السفر كما حققه الشرنبلالي في رسالته وسيأتي في بابها، والقرية المتصلة بالفناء دون الربض لا تعتبر مجاوزتها على الصحيح كما في شرح المنية. أقول: إذا علمت ذلك ظهر لك أن ميدان الحصا في دمشق من ربض المصر، وأن خارج باب الله إلى القرية القدم من فنائه لأنه مشتمل على الجبانة المتصلة بالعمران، وهو معد لنزول الحاج الشريف فإنه قد يستوعب نزولهم من الجبانة إلى ما يحاذي القرية المذكورة، فعلى هذا لا يصح القصر فيه للحجاج، وكذا المرجة الخضراء فإنها معدة لقصر الثياب وركض الدواب ونزول العساكر ما لم يجاوز صدر الباز بناء على ما حققه الشرنبلالي في رسالته من أن الفناء يختلف باختلاف كبر المصر وصغره، فلا يلزم تقديره بغلوة كما روي عن محمد، ولا يميل أو ميلين كما روي عن أبي يوسف. قوله: (من جانب خروجه الخ) قال في شرح المنية: فلا يصير مسافرا قبل أن يفارق عمران ما خرج منه من الجانب الذي خرج، حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر،
130 وقد كانت متصلة به يصير مسافرا ما لم يجاوزها، ولو جاوز العمران من جهة خروجه وكان بحذائه محلة من الجانب الآخر يصير مسافرا، إذ المعتبر جانب خروجه ا ه. وأراد بالمحلة في المسألتين ما كان عامرا. أما لو كانت المحلة خرابا ليس فيها عمارة فلا يشترط مجاوزتها في المسألة الأولى ولو متصلة بالمصر، كما لا يخفى، فعلى هذا لا يشترط مجاوزة المدارس التي في سفح قاسيون إلا ما كان له أبنية قائمة كمسجد الأفرم والناصرية. بخلاف ما صار منها بساتين ومزارع كالأبنية التي في طريق الربوة، ثم لا بد أن تكون المحلة في المسألة الثانية من جانب واحد، فلو كان العمران من الجانبين فلا بد من مجاوزته لما في الامداد: لو حاذاه من أحد جانبيه فقط لا يضره كما في قاضيخان وغيره ا ه والظاهر أن محاذاة الفناء المتصل كمحاذاة العمران، بقي هل المراد بالجانب البعيد أو ما يشمل القريب؟ وعليه فلينظر فيما لو خرج من جهة المرجة الخضراء فوق الشرف الاعلى من طريق، فإن المرجة أسفل منه وهي من الفناء كما ذكرناه، وأما هو فإنه بعد مجاوزة مزارع، فهل يشترط أن يجاوز ما يحاذيه من المرجة لقربها منه أم لا؟ فليحرر. والظاهر اشتراط مجاوزته لان ذلك من جانب خروجه لا من جانب آخر. قوله: (أقل من غلوة) هي ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة هو الأصح. بحر عن المجتبى. قوله: (قاصدا) أشار به مع قوله: خرج إلى أنه لو خرج ولم يقصد أو قصد ولم يخرج لا يكون مسافرا ح. قال في البحر: وأشار إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة، ولذا قال في التجنيس: إذا افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته فطرف البحر فنقلتها الريح ونوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف، خلافا لمحمد لأنه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الأربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الأربع احتياطا ا ه. وإنما يشترط قصده لو كان مستقلا برأيه، فلو تابعا لغيره فالاعتبار بنية المتبوع كما سيأتي، وعليه خرج في البحر ما في التجنيس لو حمله آخر وهو لا يدري أين يذهب معه: يتم حتى يسير ثلاث فيقصر، لأنه لزمه القصر من حين حمل، ولو صلى قصرا من يوم الحمل صح، إلا إذا سار به أقل من ثلاث، لأنه تبين أنه مقيم وفي الأول أنه مسافر ا ه. وأشار إلى أن الخروج مع قصد السفر كاف وإن رجع قبل تمامه كما يأتي، حتى لو سار يوما ولم يكن صلى فيه لعذر ثم رجع يقضيه قصرا كما أفتى به العلامة قاسم. قوله: (ولو كافرا) فيه أنه يشمل الصبي أيضا مع أنه سيأتي في الفروع ما يدل على أن نيته السفر غير معتبرة كما سنبينه. هناك. قوله: (بلا قصد) بأن قصد بلدة بينه وبينها يومان للإقامة بها، فلما بلغها بدا له أن يذهب إلى بلدة بينه وبينها يومان وهلم جرا. ح. قال في البحر: وعلى هذا قالوا: أمير خرج مع جيشه في طلب العدو ولم يعلم أين يدركهم، فإنه يتم وإن طالت المدة أو المكث، أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر ا ه. قوله: (مسيرة ثلاث أيام ولياليها) الأولى حذف الليالي كما فعل في الكنز والجامع الصغير، إذ لا (يشترط السير فيها مع الأيام ولذا قال في الينابيع: المراد بالأيام النهار، لان الليل للاستراحة فلا يعتبر ا ه. نعم لو قال: أو لياليها، بالعطف ب أو لكان أولى للإشارة إلى أنه يصح قصد السفر فيها وأن الأيام غير قيد،
131 فتأمل. قوله: (من أقصر أيام السنة) كذا في البحر والنهر، وعزاه في المعراج إلى العتاب وقاضيخان وصاحب المحيط، وبحث فيه في الحلية بأن الظاهر إبقاؤها على إطلاقها بحسب ما يصادفه من الوقوع فيها طولا وقصرا واعتدالا إن لم تقدر بالمعتدلة التي هي الوسط ا ه. قلت: والمعتدلة هي زمان كون الشمس في الحمل أو الميزان، وعليها مشى القهستاني، ثم قال: وفي شرح الطحاوي أن بعض مشايخنا قدوره بأقصر أيا السنة. قوله: (ولا يشترط الخ) إذ لا بد للمسافر من النزول للاكل والشرب والصلاة. ولاكثر النهار حكم كله، فإن المسافر إذا بكر في اليوم الأول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل بها للاستراحة وبات بها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في اليوم الثالث ومشى إلى الزوال فبلغ المقصد، قال شمس الأئمة السرخسي: الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية كما في الجوهرة والبرهان. إمداد. ومثله في البحر والفتح وشرح المنية. أقول: وفي قوله: حتى بلغ المرحلة إشارة إلى أنه لا بد أن يقطع في ذلك اليوم الذي ترك في أوله الاستراحات المرحلة المعتادة التي يقطعها في يوم كامل مع الاستراحات، وبهذا يظهر لك أن المراد من التقدير بأقصر أيام السنة إنما هو في البلاد المعتدلة التي يمكن قطع المرحلة المذكورة في معظم اليوم من أقصر أيامها، فلا يرد أن أقصر أيام السنة في بلاد بلغار قد يكون ساعة أو أكثر أو أقل، فيلزم أن يكون مسافة السفر فيها ثلاث ساعات أو أقل، لان القصر الفاحش غير معتبر كالطول الفاحش، والعبارات حيث أطلقت تحمل على الشائع الغالب دون الخفي النادر، ويدل على ما قلنا ما في الهداية، وعن أبي حنيفة التقدير بالمراحل وهو قريب من الأول ا ه. قال في النهاية: أي التقدير بثلاث مراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام، لان المعتاد من السير في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة، كذا في المبسوط ا ه. وكذا ما في الفتح من أنه قيل: يقدر بأحد وعشرين فرسخا، وقيل بثمانية عشرة، وقيل بخمسة عشر، وكل من قدر منها اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام ا ه: أي بناء على اختلاف البلدان، فكل قائل قدر ما في بلده من أقصر الأيام، أو بناء على اعتبار أقصر الأيام أو أطولها أو المعتدل منها، وعلى كل فهو صريح بأن المراد بالأيام ما تقطع فيها المراحل المعتادة، فافهم. قوله: (بل إلى الزوال) فإن الزوال أكثر النهار الشرعي الذي هو الفجر إلى الغروب، وهو نصف النهار الفلكي الذي هو من الطلوع إلى الغروب، ثم إن من الفجر إلى الزوال في أقصر أيام السنة في مصر وما ساواها في العرض سبع ساعات إلا ربعا، فمجموع الثلاثة أيام عشرون ساعة وربع، ويختلف بحسب اختلاف البلدان في العرض ح. قلت: ومجموع الثلاثة أيام في دمشق عشرون ساعة إلا ثلث ساعة تقريبا، لان من الفجر إلى الزوال في أقصر الأيام عندنا ست ساعات وثلثي ساعة إلا درجة ونصفا، وإن اعتبرت ذلك بالأيام المعتدلة كان مجموع الثلاثة أيام اثنين وعشرين ساعة ونصف ساعة تقريبا، لان من الفجر إلى الزوال سبع ساعات ونصفا تقريبا. قوله: (ولا اعتبار بالفراسخ) الفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: أربعة آلاف ذراع على ما تقدم في باب التيمم. قوله: (على المذهب) لان المذكور في ظاهر الرواية. اعتبار ثلاثة أيا كما في الحلية. وقال في الهداية: هو الصحيح احترازا عن قول عامة المشايخ من تقديرها بالفراسخ.
132 ثم اختلفوا فقيل أحد وعشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل. خمسة عشر، والفتوى على الثاني لأنه الأوسط، وفي المجتبى: فتوى أئمة خوارزم على الثالث. وجه الصحيح أن الفراسخ تختلف باختلاف الطريق في السهل والجبل والبر والبحر. بخلاف المراحل. معراج. قوله: (بالسير الوسط) أي سير الإبل ومشي الاقدام، ويعتبر في الجبل بما يناسبه من السير لأنه يكون صعودا وهبوطا ومضيقا ووعرا، فيكون مشي الإبل والاقدام فيه دون سيرهما في السهل. وفي البحر يعتبر اعتدال الريح على المفتى به. إمداد. فيعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه. بدائع. وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه لأنه أبطأ السير، كما أن أسرعه سير الفرس والبريد. بحر. قوله: (فوصل) أي إلى مكان مسافته ثلاثة أيام بالسير المعتاد. بحر. وظاهره أنه كذلك لو وصل إليه في زمن يسير بكرامة، لكن استبعده في الفتح بانتفاء مظنة المشقة والعلة في القصر. قوله: (قصر في الأول) أي ولو كان اختار السلوك فيه بلا غر ض صحيح، خلافا للشافعي كما في البدائع. قوله: (صلى الفرض الرباعي) خبر من في قوله من خرج واحترز بالفرض عن السنن والوتر، وبالرباعي عن الفجر والمغرب. قوله: (وجوبا) فيكره الاتمام عندنا حتى روي عن أبي حنيفة أنه قال: من أتم الصلاة فقد أساء وخالف السنة. شرح المنية، وفيه تفصيل سيأتي، فافهم. قوله: (لقول ابن عباس: إن الله فرض الخ) لفظ الحديث على ما في الفتح عن صحيح مسلم فرض الله الصلاة على لسان نبيكم (ص) في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة ا ه. وفيه وفي حديث عائشة في الصحيحين قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر وفي لفظ للبخاري قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر النبي (ص) ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأول. قوله: (لان الركعتين الخ) بدل من قوله: ولذا عدل المصنف قال في البحر: ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة والاكمال رخصة. قال في البدائع: وهذا التلقيب على أصلنا خطأ، لان الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر، والاكمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة، ولان الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر، ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا، إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين ثم زيدت في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله تعالى عنها، وفحق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر، فلم يكن ذلك رخصة في حقه أيضا، ولو سمى فهو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة وهو
133 التغيير انتهى. قوله: (لأنها وتر النهار) إنما سميت بذلك لقربها من النهار بوقوعها عقبه، وإلا فهي ليلية لا نهارية. تأمل. قوله: (وبهذا تجتمع الأدلة) أي فإن بعضها يدل على أن صلاة ركعتين في السفر أصل، وبعضها على أن ذلك عارض، فإذا حملت الأدلة على اختلاف الأزمان زال التعارض، لكن لا يخفى أن ما نقله شراح البخاري من الجمع بما ذكر مبني على مذهب الشافعي من أنها قصر لا إتمام، لان العمل على ما استقر عليه الامر وهو على هذا الجمع فرضيتها أربعا سفرا وحضرا ثم قصرها في السفر، وهذا خلاف مذهبنا. وينافي هذا الجمع ما قدمناه من حديث عائشة المتفق عليه، فإنه يدل على أن صلاة المسافر لم يزد فيها أصلا. وأما الآية فالمراد بالقصر فيها قصر هيئة الصلاة وفعلها وقت الخوف، كما أوضحه في شرح المنية وغيره، فافهم. قوله: (ولو كان عاصيا بسفره) أي بسبب سفره بأن كان مبنى سفره على المعصية كما لو سافر لقطع طريق مثلا، وهذا فيه خلاف الشافعي رحمه الله، وهذا بخلاف العاصي في السفر بأن عرضت المعصية في أثنائه فإنه محل وفاق. قوله: (لان القبح المجاور الخ) هو ما يقبل الانفكاك، كالبيع وقت النداء فإنه قبح لتر ك السعي وهو قابل للانفكاك، إذ قد يوجد ترك السعي بدون البيع، وبالعكس فكذا هنا لامكان قطع الطريق والسرقة مثلا بلا سفر وبالعكس، بخلاف القبيح لعينه وضعا كالكفر أو شرعا كبيع الحر فإنه يعدم المشروعية، وتمام بيانه في كتب الأصول. قوله: حاجة، لان مصره متعين للإقامة فلا يحتاج إلى نية. جوهرة، ودخل في موضع المقام ما ألحق به كالربض كما أفاده القهستاني. قوله: (إن سار الخ) قيد لقوله: حتى يدخل أي إنما يدوم على القصر إلى الدخول إن سار ثلاثة أيام. قوله: (وإلا فيتم الخ) أي ولو في المفازة وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان ولو بينه وبين بلده يومان لأنه يقبل النقض قبل استحكامه إذ لم يتم علة، فكانت الإقامة نقضا للسفر العارض، لا ابتداء علة للاتمام، أفاده في الفتح. ثم بحث فقال: ولو قيل العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفره ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك وقد تمت العلة لحكم السفر، فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الإقامة احتاج إلى الجواب ا ه. ولما قوي البحث عند صاحب البحر وخفي عليه الجواب قال: الذي يظهر أنه لا بد من دخوله المصر مطلقا، واعترضه في النهر بأن إبطال الدليل المعين لا يستلزم إبطال المدلول ا ه. أقول: ويظهر لي في الجواب أن العلة في الحقيقة هي المشقة وأقيم السفر مقامها، ولكن لا تثبت عليتها إلا بشرط ابتداء وشرط بقاء، فالأول مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام، والثاني استكمال السفر ثلاثة أيام، فإذا وجد الشرط الأول ثبت حكمها ابتداء، فلذا يقصر بمجرد مفارق العمران ناويا، ولا يدوم إلا بالشرط الثاني فهو شرط لاستحكامها علة، فإذا عزم على ترك السفر قبل تمامه بطل بقاؤها علة لقبولها النقض قبل الاستحكام، ومضى فعله في الابتداء على الصحة لوجود
134 شرطه، ولذا لو لم يصل لعذر ثم رجع يقضيها مقصورة كما قدمناه، فتدبره. قوله: (ولو في الصلاة) شمل ما إذا كان في أولها أو وسطها أو آخرها، أو كان منفردا أو مقتديا مدركا أو مسبوقا، بحر. وشمل ما إذا كان عليه سجود ونوى الإقامة قبل السلام والسجود أو بعدهما، أما لو نواها بينهما فلا تصح نيته بالنسبة لهذه الصلاة فلا يتغير فرضها إلى الأربع كما أوضحناه في بابه، فافهم. قوله: (إذا لم يخرج وقتها) أي قبل أن ينوي الإقامة، لأنه إذا نواها بعد صلاة ركعة ثم خرج الوقت تحول فرضه إلى الأربع، أما لو خرج الوقت وهو فيها ثم نوى الإقامة فلا يتحول في حق تلك الصلاة كما في البحر عن الخلاصة. قوله: (ولم يك لاحقا) أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة والامام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الامام ونوى الإقامة ولم يتم، لان اللاحق في الحكم كأنه خلف الامام إذا فرغ الامام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الامام، فكذا في حق اللاحق. بحر عن الخلاصة. فقيد حكم اللاحق بكونه بعد فراغ الامام وقد تركه الشارح. قوله: (حقيقة أو حكما) تعميم لقوله: ينوي. قوله: (لو دخل الحاج) أي في أول شوال أو قبله ح. والمراد بالحاج: الرجل القاصد الحج. قوله: (وعلم الخ) أي علم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم. بحر عن المحيط. وإنما كان ذلك نية للإقامة حكما لا حقيقة، لأنه نوى الخروج بعد خمسة عشر يوما وهي متضمنة نية الإقامة تلك المدة. تأمل. قوله: (بموضع) متعلق ب إقامة في كلام المصنف لا كلام الشارح، لئلا يخرج عن كونه شرطا لصحة النية. قوله: (صالح لها) هذا إن سار ثلاثة أيام، وإلا فتصح ولو في المفازة، وفيه من البحث ما قدمناه. بحر. وقدمنا جوابه. والحاصل أن نية الإقامة قبل تمام المدة تكون نقضا للسفر كنية العود إلى بلده والسفر قبل استحكامه يقبل النقض. قوله: (أو صحراء دارنا) احتراز عن صحراء دار أهل الحرب فحكمه حينئذ كحكم العسكر الداخل في أرضهم ط. قوله: (وهو من أهل الأخبية) قيد في قوله: أو صحراء دارنا وهذا هو الأصح كما سيأتي متنا مع بيان محترزه. قوله: (في أقل منه) ظاهره ولو بساعة واحدة، وهذا شروع في محترز ما تقدم ط. قوله: (أو نوى فيه) أي في نصف شهر. قوله: (كبحر) (1) قال في المجتبى: والملاح مسافر، إلا عند الحسن، وسفينته أيضا ليست بوطن ا ه بحر. وظاهره ولو كان ماله وأهله معه فيها، ثم رأيته صريحا في المعراج. قوله: (أو جزيرة) أي ليس لها أهل يسكنونها. قوله: (أو نوى فيه) أي في صالح لها. قوله: (بموضعين مستقلين) لا فرق بين المصرين والقريتين والمصر والقرية. بحر. قوله: (فلو دخل الخ) هو ضد مسألة دخول الحاج الشام فإنه يصير مقيما حكما وإن لم ينو الإقامة، وهذا مسافر حكما وإن نوى الإقامة لعدم انقضاء
(1) هذا قول المحشي، والذي في الشرح (كنحو جزيرة) ا ه ومصححه. 135 سفره ما دام عازما على الخروج قبل خمسة عشر يوما. أفاده الرحمتي. قيل: هذه المسألة كانت سببا لتفقه عيسى بن أبان، وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال: فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة شهرا، فجعلت أتم الصلاة، فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال لي: أخطأت فإنك تخرج إلى منى وعرفات، فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه، وجعلت أقصر الصلاة، فقال لي صاحب أبي حنيفة: أخطأت، فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا، فقلت: أخطأت في مسألة في موضعين، فرحلت إلى مجلس محمد واشتغلت بالفقه. قال في البدائع: وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ العلم فيصير مبعثة للطلبة على طلبه ا ه بحر. أقول: ويظهر من هذه الحكاية أن نيته الإقامة لم تعمل عملها إلا بعد رجوعه لوجود خمسة عشر يوما بلا نية خروج في أثنائها، بخلاف ما قبل خروجه إلى عرفات، لأنه لما كان عازما على الخروج قبل تمام نصف شهر لم يصر مقيما، ويحتمل أن يكون جدد نية الإقامة بعد رجوعه، وبهذا سقط ما أورده العلامة القاري في شرح اللباب من أن في كلام صاحب الامام تعارضا، حيث حكم أولا بأنه مسافر، وثانيا بأنه مقيم مع أن المسألة بحالها، والمفهوم من المتون أنه لو نوى في إحداهما نصف شهر صح، فحينئذ لا يضره خروجه إلى عرفات، إذ لا يشترط كونه نصف شهر متواليا بحيث لا يخرج فيه ا ه ملخصا. ووجه السقوط أن التوالي لا يشترط إذا لم يكن من عزمه الخروج إلى موضع آخر لأنه يكون ناويا الإقامة في موضعين، نعم بعد رجوعه من منى صحت نيته لعزمه على الإقامة نصف شهر في مكان واحد، والله أعلم. قوله: (كما لو نوى مبيته بأحدهما) فإن دخل أولا الموضع الذي نوى المقام فيه نهارا لا يصير مقيما، وإن دخل أولا ما نوى المبيت فيه يصير مقيما، ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا، لان موضع إقامة الرجل حيث يبيت به. حلية. قوله: (أو كان أحدهما تبعا للآخر) كالقرية التي قربت من المصر بحيث يسمع النداء على ما يأتي في الجمعة. وفي البحر: لو كان الموضعان من مصر واحد أو قرية واحدة فإنها صحيحة لأنهما متحدان حكما، ألا ترى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر ا ه ط. قوله: (بحيث تجب) حيثية تفسير للتبعية ح. قوله: (أو لم يكن مستقلا برأيه) عطف على قوله: إن نوى أقل منه وصورته: نوى التابع الإقامة ولم ينوها المتبوع أو لم يدر حاله فإنه لا يتم ا ه ح. والمسألة ستأتي مع بيان شروطها والخلاف فيها. قوله: (أو دخل بلدة) أي لقضاء حاجة أو انتظار رفقة. قوله: (ولم ينوها) وكذا إذا نواها وهو مترقب للسفر كما في البحر لان حالته تنافي عزيمته. قوله: (كما مر) أي في مسألة دخول الحاج الشام. قوله: (أو حاصر حصنا فيها) أشار به إلى أنه لا فرق في المحاصرة بين أن تكون للمدينة أو الحصن بعد ما دخلوا المدينة كما في البحر، ومثل ذلك لو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر فإن لسطح البحر حكم دار الحرب. حموي عن شرح النظم الهاملي ط. قوله: فإنه يتم) لان أهل
136 الحرب لا يتعرضون له لأجل الأمان. بحر عن النهاية ط. قوله: في غير مصر) بدل من قوله: في دارنا أو متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل حاصلا متعلق ب حاصر لئلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد. ثم اعلم: أن التقييد بغير المصر وقع في الجامع الصغير والهداية والكنز وغيرها، وهو يوهم صحة نية الإقامة ولو نزلوا في المصر وحاصروا حصنا فيه. قال في المعراج: لان إطلاق ما ذكر في المبسوط يدل على أنه ليس كذلك، وأطال في بيانه، وكذا نص في العناية على أنه ليس بقيد (1) كما يقتضيه التعليل الآتي، وذكر عبارته الشرنبلالي ومشى عليه في متنه. قوله: (للتردد بين القرار والفرار) الأول بالقاف والثاني بالفاء: أي فكانت حالتهم تنافي عزيمتهم، والاطلاق شامل لما إذا كانت الشوكة لعسكرنا لاحتمال وصول المدد للعدو أو وجود مكيدة كما في الفتح. وفي البحر عن التجنيس: إذا غلبوا على مدينة الحرب: إن اتخذوها دارا أتموا، وإلا بل أرادوا الإقامة بها شهرا أو أكثر قصروا لبقائها دار حرب وهم محاربون فيها، بخلاف الأول ا ه. تنبيه: لو انفلت الأسير من الكفار وتوطن في غار ونوى الإقامة فيه نصف شهر لم يصر مقيما، كما لو علموا بإسلامه فهرب منهم يريد مسيرة السفر لم تعتبر نيت، كذا في الخلاصة والخانية. ووجه الأول كما يفيده كلام الفتح كون حاله مترددا، لأنه إذا وجد الفرصة قبل تمام المدة خرج، وأما الثاني فمشكل (2). وحمله في شرح المنية على أن المراد من قولهم لم تعتبر نيته: أي نية الإقامة لا نية السفر، وإلا فقد صرح في التاترخانية عن المحيط بأنه يقصر، وكذا جعل في الذخيرة حكم المسألة الثانية كالأولى فأفاد لزوم القصر فيهما. قوله: (الأخبية) جمع خباء ككساء، قال في المغرب: هو الخيمة من الصوف. قوله: (كعرب) المناسب قول غيره كأعراب لما في المغرب العرب: هم الذين استوطنوا المدن والقرى العربية، والاعراب: أهل البدو. قوله: (في الأصح) وقيل يقصرون لأنه ليس موضع الإقامة حينئذ. قوله: (لان الإقامة أصل) علة لقوله: فإنها تصح أي نيتهم الإقامة قال في البحر: وظاهر كلام البدائع أن أهل الأخبية لا يحتاجون إلى نية الإقامة، فإنه جعل المفاوز لهم كالأمصار والقرى لأهلها، ولان الإقامة للرجل أصل، والسفر عارض، ولا ينوون السفر وإنما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى آخر ا ه. قوله: (بينهما) أي بين موضعهم والموضع الذي قصدوه. قوله: (إن نووا سفرا) فيه مسامحة مع قوله: إلا إذا قصدوا ح.
(1) قوله: (على أنه ليس بقيد الخ) قال شيخنا نقلا عن الرحمتي: الظاهر ابقاء التقييد على حاله لان الغلبة تكون لأهل العدل غالبا لقلة أهل البغي بالنسبة، والظاهر من حال المسلمين ان يمدوا أهل العدل ثم قال شيخنا وأيضا المبسوط ليس مما يعمل باطلاق وإفادة التعليل للاطلاق لا تقدح في التقييد. ا ه تأمل. (2) قوله: (فمشكل) قال شيخنا: لا اشكال أصلا بل يقال فيه ان حالته منافية لعزيمته لأنه اما ان لا يدركه أهل الحرب فيمضي أو يدركوه فيمنعوه والغالب ادراكهم إياه لأنه حيث كانت الدار لهم تكون سطوتهم قائمة ا ه. وهو وجيه جدا وحينئذ فيقصر ولعل في المسألة روايتين فيحل ما التاترخانية على القائلة بالاتمام. ا ه. 137 قوله: (لم يصح في الأصح) وروي عن أبي يوسف أنه يصير مقيما. ح عن البحر. قوله: (والحاصل) أي من كلام المصنف، لكن اشتراط ترك السير لم يعلم من كلام المصنف. تأمل. قوله: (ستة) زاد في الحلية شرطا آخر وهو أن لا تكون حالته منافية لعزيمته، قال: كما صرحوا به في مسائل ا ه: أي كمسألة من دخل بلدة لحاجة ومسألة العسكر، فافهم. ثم هذه شروط الامام بعد تحقق مدة السفر، وإلا فلا، فلو عزم على الرجوع إلى بلده قبل سيرة ثلاثة أيام على قصد قطع السفر فإنه يتم كما مر، وكذا لو رجع إلى بلدته لاخذ حاجة نسيها كما سنذكره. قوله: (وترك السير) أي إذا كان في مفازة ونوى الإقامة فيما سيدخله من مصر أو قرية، أما لو وجدت هذه الأمور وقد دخل مصرا أو قرية وهو يسير لطلب منزل أو نحوه فينبغي أن تصح نيته. حلية. قوله: (وصلاحيته) أي صلاحية الموضع للإقامة. قوله: (إن قعد الخ) لان القعدة على رأس الركعتين فرض على المسافر لأنها آخر صلاته. قال في البحر: وأشار إلى أنه لا بد أن يقرأ في الأوليين، فلو ترك فيهما أو في إحداهما وقرأ في الأخريين لم يصح فرضه ا ه. وأطلقه فشمل ما إذا نوى أربعا أو ركعتين، خلافا لما أفاده الدرر من اشتراط النية ركعتين لما في الشرنبلالية من أنه لا يشترط نية عدد الركعات، ولما صرح به الزيلعي في باب السهو من أن الساهي لو سلم للقطع يسجد لأنه نوى تغيير المشروع فتلغو، كما لو نوى الظهر ستا أو نوى مسافرا الظهر أربعا. أفاده أبو السعود عن شيخه. قلت: لكن ذكر في الجوهرة أنه يصح عند أبي يوسف ولا يصح عند محمد. قوله: (لتأخير لسلام) مقتضى ما قدمه في سجود السهو أن يقول: لتركه السلام فإنه ذكر أنه إذا صلى خامسة بعد القعود الأخير يضم إليها سادسة ويسجد للسهو لتركه السلام، وإن تذكر وعاد قبل أن يقيد الخامسة بسجدة يسجد للسهو لتأخيره السلام: أي سلام الفرض، ومسألتنا نظير الأولى لا الثانية. أفاده الرحمتي. قلت: لكن ما هنا أظهر. قوله: (وترك واجب القصر) الإضافة بيانية: أي واجب هو القصر، أو من إضافة الصفة للموصوف كجرد قطيفة: أي القصر الواجب، وفيه التصريح بأنه غير فرض كما قدمنا ما يفيده عن شرح المنية، ولو كان الواجب هنا بمعنى الفرض لما صح وإن قعد فافهم. ثم إن ترك واجب القصر مستلزم لترك السلام وتكبيرة النفل وخلط النفل بالفرض، وظاهر كلامه أنه يأثم بتركه زيادة على إثمه بهذه اللوازم. تأمل. قوله: (وواجب تكبيرة الخ) لان بناء النفل على الفرض مكروه، وهذا هو خلط النفل بالفرض. رحمتي. لكن قول الشارح وخلط النفل بالفرض يقتضي أنه غير ما قبله ويلزمه أن افتتاح النفل بتكبير مستأنفة واجب، مع أن بناء النفل على لنفل غير مكروه. أفاده ط. قوله: (وهذا) أي ما ذكر من اللوازم الأربعة ط. قوله: (بعد أن فسر أساء بأثم) وكذا صرح في البحر بتأثيمه، فعلم أن الإساءة هنا كراهة التحريم. رحمتي. قوله:
138 (واستحق النار) أي إذا لم يتب أو يعف عنها لعزيز الغفار ط. قوله: (وصار الكل نفلا) أي بتقييده الثالثة بسجدة لتمكنه من العود قبلها، وهذا عندهما بناء على أنه إذا بطل الوصف لا يبطل الأصل، خلافا لمحمد قوله: (لترك القعدة) علة لبطلان الفرض، ثم القعدة وإن كانت فرضا في النفل أيضا، لكنه إذا لم يأت بها في آخر الشفع تصير الخاتمة هي الفرض كما بيناه في باب النوافل. قوله: (إلا إذا نوى الإقامة قبل أن يقيد الثالثة بسجدة) أي فإنه إذا نواها حينئذ صحت نيته وتحول فرضه إلى الأربع، ثم إن كان قرأ في الأوليين تخير فيها في الأخريين. وإلا قرأ قضاء عن الأوليين، وهذا كله سواء قعد القعدة الأولى أو لا، فالاستثناء في كلامه راجع إلى المسألتين، وأما إذا نوى بعد أن قيد الثالثة بسجدة، فإن كان قعد القعدة الأولى فقد علمت أنه تم فرضه بالركعتين فلا يتحول ويضيف إليها أخرى ولو أفسدها لا شئ عليه، وإن لم يقعد بطل فرضه، وبضم إليها أخرى لتصير الأربع نافلة، خلافا لمحمد كما مر. هذا خلاصة ما نقله ط عن البحر، وقد أفاد بهذا الاستثناء أن قول المصنف: بطل فرضه أي بطلانا موقوفا لا باتا، وإلا لم تصح نيته. قوله: (فلا ينوب) أي النفل. قوله: (ولو نوى في السجدة) أي سجدة الثالثة صار نفلا، وهذا جرى على مذهب أبي يوسف من أن السجدة تتم بالوضع. والصحيح مذهب محمد من أنها لا تتم إلا بالرفع، ففي هذه الصورة ينقلب فرضه أربعا في الأصح ا ه ح: أي سواء قعد القعدة الأولى أو لا. وأما على قول أبي يوسف: فإن قعد تم فرضه بالركعتين وإلا انقلب الكل نفلا، فقوله: صار نفلا خاص بما إذا لم يقعد. قوله: (فإذا قام المقيم الخ) أي بعد سلام الامام المسافر، فلو قام قبله فنوى الامام الإقامة قبل أن يقيد المأمور ركعته بسجدة رفض ما أتى به وتابعه، وإن لم يفصل فسدت، وإن نوى بعده لا يتابعه، ولو تابعه فسدت كما في الفتح. قوله: (في الأصح) كذا في الهداية، والقول بوجوب القراءة كوجوب السهو ضعيف، والاستشهاد له بوجوب السهو استشهاد بضعيف موهم أنه مجمع عليه. شرنبلالية. قوله: (وقيل لا) أي قيل إن القعدة الأولى ليست فرضا عليه ا ه ح. قوله: (أن العلم) بفتح الهمزة بدل من الخانية على حذف مضاف: أي كلام الخانية ح. ثم وجه المخالفة أنه إذا كان يشترط لصحة الاقتداء العلم بحال الامام من كونه مسافرا أو مقيما لا يكون لقول الإمام أتموا صلاتكم فائدة لان المتبادر أن الشرط لا بد من وجوده في الاقتداء، واتفاقهم على استحباب قول الإمام ذلك لرفع التوهم ينافي اشتراط العلم بحاله في الابتداء. قوله: (لكن الخ) أورد ذلك سؤالا في النهاية والسراج والتاترخانية، ثم أجابوا بما يرجع إلى ذلك الجواب، وحاصله: تسليم اشتراط العلم بحال الامام، ولكن لا يلزم كونه في الابتداء، فحيث لم يعلموا ابتداء بحاله كان الاخبار مندوبا وحينئذ فلا مخالفة، فافهم. وإنما لم يجب مع كون إصلاح صلاتهم يحصل به، وما يحصل به ذلك فهو واجب على الامام لأنه لم يتعين، فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألونه كما في البحر، أو لأنه إذا سلم على الركعتين فالظاهر من حاله أنه مسافر حملا له على الصلاح، فيكون ذلك مندوبا لا واجبا لأنه زيادة إعلام كما في العناية. أقول: لكن حمل حاله على الصلاة ينافي اشتراط العلم، نعم ذكر في البحر عن المبسوط والقنية ما حاصله: أنه إذ صلى في مصر أو قرية ركعتين، وهم لا يدرون حاله فصلاتهم فاسدة
139 وإن كانوا مسافرين لأن الظاهر من حال من كان في موضع الإقامة أنه مقيم، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، أما إذا صلى خارج المصر لا تفسد، ويجوز الاخذ بالظاهر وهو السفر في مثله ا ه. والحاصل أنه يشترط العلم بحال الامام إذا صلى بهم ركعتين في موضع إقامة، وإلا فلا. قوله: (قبل شروعه) أي لاحتمال أن يكون معه من لا يعرف حاله فيتكلم لاعتقاده فساد صلاته قبل إخبار الامام بعد السلام. قوله: (في الأصح) وقيد بعد التسليمة الأولى. قال المقدسي: وينبغي ترجيحه في زماننا ط. قوله: (لم يصر مقيما) فلو أتم المقيمون صلاتهم معه فسدت لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل. ظهيرية: أي إذا قصدوا متابعته، أما لو نووا مفارقته ووافقوه صورة فلا فساد. أفاده الخير الرملي. قوله: (وأما اقتداء المسافر بالمقيم) هذا عكس مسألة المتن وقد ذكره في الكنز وغيره، لكن استغنى المصنف عنه لذكره إياه في باب الإمامة. قوله: (فيصح في الوقت ويتم) أي سواء بقي الوقت أو خرج قبل إتمامها لتغير فرضه بالتبعية لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت، ولو أفسده صلى ركعتين لزوال المغير، بخلاف ما لو اقتدى به متنفلا حيث يصلي أربعا إذا أفسده لأنه التزم صلاة الامام، وتصير القعدة الأولى واجبة في حق المقتدي المسافر أيضا، حتى لو تركها الامام ولو عامدا وتابعه المسافر لا تفسد صلاته على ما عليه الفتوى، وقيل تفسد، كذا في السراج ولا وجه له يظهر. نهر. قوله: (لا بعده) أي لا يصح اقتداؤه بعد خروج الوقت لعدم تغيره لانقضاء السبب، وهذا إذا كانت فائتة في حق الإمام والمأموم فلو في حق الامام فقط يصح كما لو اقتدى حنفي في الظهر بشافعي أو بمن يرى قولهما بعد المثل قبل المثلين كما في السراج. قال في البحر: وهو قيد حسن، لكن الأولى اشتراط كونها فائتة في حق المأموم فقط سواء فاتت الامام أو لا كمن صلى ركعة من الظهر مثلا فخرج الوقت فاقتدى به مسافر فإنها فائتة في حق المسافر لا المقيم ا ه أي فلا يصح الاقتداء، لكن فوتها في حق المأموم فقط ليس هو الشرط وحده، لان فوتها في حقهما معا كذلك بالأولى. قوله: (فيما يتغير) متعلق بيصح المقدر في قوله: لا بعده واحترز به عن الاقتداء بعد الوقت في الصلاة التي لا تتغير في السفر كالثنائية والثلاثية فإنه يصح. وفي البحر هذا القيد مفهوم من قوله صح وأتم، بل لا حاجة إليه أصلا لان السفر مؤثر في الرباعي فقط. قوله: (في حق القعدة) فإنها تصير فرضا في حق المأموم وغير فرض في حق الامام، وهو المراد بالنفل لأنه ما قابل الفرض فيدخل فيه القعدة الواجبة. بجر. قوله: (أو القراءة الخ) لان قراءة الإمام في الأخريين نافلة في حقه فرض في حق المأموم. فلم يقرأ في الأوليين واقتدى به في
140 الشفع الثاني ففيه روايتان، ومقتضى المتون عد الصحة مطلقا. قال في المحيط: لان القراءة في الآخرين قضاء عن الأوليين، والقضاء يلتحق بمحله فلا يبقى للأخريين قراءة ا ه بحر. تنبيه: زاد الزيلعي أو التحريمة، وعزاه في السراج إلى الحواشي فيدخل فيه ما لو اقتدى به في القعدة الأخيرة فإنه لا يصح، لان تحريمته اشتملت على نفلية القعدة الأولى والقراءة، بخلاف الامام (1) وهذا معنى قول السراج: لان تحريمة المأموم اشتملت على الفرض لا غير، وقوله في البحر: إنه ليس بظاهر: ليس بظاهر، وتمامه في النهر. أقول: وعليه فذكر التحريمة يغني عن ذكر القعدة والقراءة لشمول التعليل بها للاقتداء في جميع أجزاء الصلاة لا في القعدة الأخيرة فقط. قوله: (ويأتي المسافر بالسنن) أي الرواتب، ولم يتعرض للقراءة لذكره لها في فصل القرءاة حيث قال في المتن: ويسن في السفر مطلقا الفاتحة وأي سورة شاء، وتقدم أنه فرق في الهداية بين حالة القرار والفرار، وتقدم الكلام فيه. وقال في التاترخانية: ويخفف القراءة في السفر في الصلوات، فقد صح أن رسول الله (ص) قرأ في الفجر في السفر الكافرون والاخلاص وأطول الصلاة قراءة الفجر، وأما التسبيحات فلا ينقصها عن الثلاث ا ه. قوله: (هو المختار) وقيل الأفضل الترك ترخيصا، وقيل الفعل تقربا. وقال الهندواني: الفعل حال النزول، والترك حال السير. وقيل يصلي سنة الفجر خاصة، وقيل سنة المغرب أيضا. بحر. قال في شرح المنية: ما قاله الهندواني ا ه. قلت: والظاهر أن ما في المتن هو هذا، وأن المراد بالأمن والقرار النزول، وبالخوف والفرار السير، لكن قدمنا في فصل القراءة أنه عبر عن الفرار بالعجلة لأنها في السفر تكون غالبا من الخوف. تأمل. قوله، (والمعتبر في تغيير الفرض) أي من قصر إلى إتمام وبالعكس. قوله: (وهو) أي آخر الوقت قدر ما يسع التحريمة، كذا في الشرنبلالية والبحر والنهر، والذي في شرح المنية تفسيره بما لا يبقى منه قدر ما يسع التحريمة، وعند زفر بما لا يسع فيه أداء الصلاة. قوله: (وجب ركعتان) أي وإن كان في أوله مقيما. وقوله: وإلا فأربع أي وإن لم يكن في آخره مسافرا بأن كان مقيما في آخره فالواجب أربع. قال في النهر: وعلى هذا قالوا: لو صلى الظهر أربعا ثم سافر: أي في الوقت فصلى العصر ركعتين ثم رجع إلى منزله لحاجة فتبين أنه صلاهما بلا وضوء صلى الظهر ركعتين والعصر أربعا، لأنه كان مسافرا في آخر وقت الظهر ومقيما في العصر. قوله: (لأنه) أي آخر الوقت. قوله: (عند عدم الأداء قبله) أي قبل الآخر. والحاصل أن السبب هو الجزء الذي يتصل به الأداء أو الجزء الأخير إن لم يؤد قبله، وإن لم يؤد حتى خرج الوقت فالسبب هو كل الوقت. قال في البحر: وفائدة إضافته إلى الجزء الأخير
(1) قوله: (بخلاف الامام الخ) هكذا نسخة المؤلف، لعل الصواب المأموم. تأمل. ا ه. 141 اعتبار حال المكلف فيه، فلو بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون، أو طهرت الحائض أو النفساء في آخره لزمتهم الصلاة، ولو كان الصبي قد صلاها في أوله، وبعكسه لو جن أو حاضت أو نفست فيه لفقد الأهلية عند وجود السبب، وفائدة إضافته إلى الكل عند خلوه عن الأداء أنه لا يجوز قضاء عصر الأمس في وقت التغير، وتمام تحقيقه في كتب الأصول. مطلب في الوطن الأصلي ووطن الإقامة قوله: (الوطن الأصلي) ويسمى بالأهلي ووطن الفطرة والقرار. ح عن القهستاني. قوله: (أو تأهله) أي تزوجه. قال في شرح المنية: ولو تزوج المسافر ببلد ولم ينو الإقامة به فقيل لا يصير مقيما، وقيل يصير مقيما، وهو الأوجه ولو كان له أهل ببلدتين فأيتهما دخلها صار مقيما، فإن ماتت زوجته في إحداهما وبقي له فيها دور وعقار قيل لا يبقى وطنا له، إذ المعتبر الأهل دون الدار، كما لو تأهل ببلد واستقرت سكنا له وليس له فيها دار، وقيل تبقى ا ه. قوله: (أو توطنه) أي عزم على القرار فيه وعدم الارتحال وإن لم يتأهل، فلو كان له أبوان ببلد غير مولده وهو بالغ ولم يتأهل به فليس ذلك وطنا له، إلا إذا عزم على القرار فيه وترك الوطن الذي كان له قبله. شرح المنية. قوله: (يبطل بمثله) سواء كان بينهما مسيرة سفر أو لا، ولا خلاف في ذلك كما في المحيط قهستاني، وقيد بقوله: بمثله لأنه لو انتقل منه قاصدا غيره ثم بدا له أن يتوطن في مكان آخر قمر بالأول أتم لأنه لم يتوطن غيره. نهر. قوله: (إذا لم يبله بالأول أهل) أي وإن بقي له فيه عقار. قال في النهر: ولو نقل أهله ومتاعه وله دور في البلد لا تبقى وطنا له، وقيل تبقى، كذا في المحيط وغيره. قوله: (بل يتم فيهما) أي بمجرد الدخول وإن لم ينو إقامة ط. قوله: (ويبطل وطن الإقامة) يسمى أيضا الوطن المستعار والحادث، وهو ما خرج إليه بنية إقامة نصف شهر سواء كان بينه وبين الأصلي مسيرة السفر أو لا، وهذا رواية ابن سماعة عن محمد، وعنه أن المسافة شرط، والأول هو المختار عند الأكثرين. قهستاني. قوله: (بمثله) أي سواء كان بينهما مسيرة سفر أو لا. قهستاني. قوله: (وبالوطن الأصلي) كما إذا توطن بمكة نصف شهر ثم تأهل بمنى. أفاده القهستاني. قوله: (وبإنشاء السفر) أي منه، وكذا من غيره إذا لم يمر فيه عليه قبل سير مدة السفر. قال في الفتح: إن السفر الناقض لوطن الإقامة ما ليس فيه مرور على وطن الإقامة، أو ما يكون المرور فيه به بعد سير مدة السفر ا ه. أقول: ويوضح ذلك ما في الكافي والتاترخانية: خراساني قدم بغداد ليقيم بها نصف شهر ومكي قدم الكوفة كذلك، ثم خرج كل منهما إلى قصر ابن هبيرة، فإنهما يتمان في طريق القصر، لان من بغداد إلى الكوفة أربعة أيام، والقصر متوسط بينهما، فإن أقاما في القصر نصف شهر بطل وطنهما ببغداد والكوفة لأنه مثله، فإن خرجا بعده من القصر إلى الكوفة يتمان أيضا، فإن أقاما بها يوما مثلا ثم خرجا منها إلى بغداد وقصد المرور بالقصر يتمان إلى القصر، وفيه: ومنه إلى بغداد لأنه صار وطن إقامة لهما، فإذا قصدا الدخول فيه لم يصح سفرهما إذا لم يقصدا مسيرة سفر حتى لو لم يقصدا الدخول فيه قصرا كما لو خرجا من الكوفة لقصدهما مسيرة السفر، وأن المكي حين خرج من كوفة قصد بغداد أو الخراساني الكوفة والتقيا بالقصر وخرجا إلى الكوفة ليقيما فيها يوما ثم يرجعا إلى بغداد قصرا إلى الكوفة، وكذا إلى بغداد لقصد كل منهما مسيرة سفر، أما الخراساني فلانه ماض على سفره، وأما المكي فلان وطنه بالكوفة انتقض بإنشاء السفر، والقصر إذا لم يكن
142 وطنا لهما فقصد المرور به لا يمنع صحة السفر ا ه. وأفاد قوله: وأما المكي الخ، أن إنشاء السفر من وطن الإقامة مبطل له وإن عاد إليه، ولذا قال في البدائع: لو أقام خراساني بالكوفة نصف شهر ثم خرج منها إلى مكة فقبل أن يسير ثلاثة أيام عاد إلى الكوفة لحاجة فإنه يقصر، لان وطنه قد بطل بالسفر ا ه. والحاصل: أن إنشاء السفر يبطل وطن الإقامة إذا كان منه، أما لو أنشأه من غيره: فإن لم يكن فيه مرور على وطن الإقامة أو كان ولكن بعد سير ثلاثة أيام فكذلك، ولو قبله لم يبطل الوطن بل يبطل السفر، لان قيام الوطن مانع من صحته، والله أعلم. قوله: (والأصل أن الشئ يبطل بمثله) كما يبطل الوطن الأصلي بالوطن الأصلي ووطن الإقامة بوطن الإقامة ووطن السكنى بوطن السكنى. وقوله: وبما فوقه أي كما يبطل وطن الإقامة بالوطن الأصلي، وكما يبطل وطن السكنى بالوطن الأصلي وبوطن الإقامة، وينبغي أن يزيد وبضده كبطلان وطن الإقامة والسكنى بالسفر فإنه في البحر علل لذلك بقوله: لأنه ضده. قوله: (لا بما دونه) كما لم يبطل الوطن الأصلي بوطن الإقامة ولا بوطن السكنى ولا بإنشاء السفر، وكما لم يبطل وطن الإقامة بوطن السكنى ح. قوله: (وما صوره الزيلعي) حيث قال: رجل خرج من مصره إلى قرية لحاجة ولم يقصد السفر ونوى أن يقيم فيها أقل من خمسة عشر يوما فإنه يتم فيها لأنه مقيم، ثم خرج من القرية لا للسفر ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم ليلة في موضع آخر فسافر فإنه يقصر، ولو مر بتلك القرية ودخلها أتم لأنه لم يوجد ما يبطله مما هو فوقه أو مثله ا ه ح. قوله: (رده في البحر) بأن السفر باق لم يوجد ما يبطله، وهو مبطل لوطن السكنى على تقدير اعتباره، لان السفر يبطل وطن الإقامة فكيف لا يبطل وطن السكنى، فقوله لأنه لم يوجد ما يبطله ممنوع ا ه. قال ح: واعترضه شيخنا بأن المبطل لهما سفر مبتدأ منهما. وأما إذا خرج منهما إلى ما دون مدة السفر ثم أنشأ سفرا فإنهما لا يبطلان فإذا مر بهما أتم اه. ونقل الخير الرملي مثله عن خط بعضهم وأقره. قال ح: وهو وجيه، فإن من نوى الإقامة بموضع نصف شهر ثم خرج منه لا يريد السفر ثم عاد مريدا سفرا ومر بذلك أتم مع أنه أنشأ سفرا بعد اتخاذ هذا الموضع دار إقامة، فثبت أن إنشاء السفر لا يبطل وطن الإقامة، إلا إذا أنشأ السفر منه فليكن وطن السكنى كذلك، فما صوره الزيلعي صحيح، ومن تصويره علمت أنه لا بد أن يكون بين الوطن الأصلي وبين وطن السكنى أقل من مدة السفر، وكذا بين وطن الإقامة ووطن السكنى ا ه. أقول: قد علمت أن السفر المبطل للوطن لا يختص بالمنشأ منه، بل يكون بالمنشأ من غيره إذا لم يكن فيه مرور عليه قبل سير ثلاثة أيام، لكن هنا فيه مرور على الوطن قبل سير مدة السفر وقد أيد في الظهيرية قول عامة المشايخ باعتبار وطن السكنى بأن الامام السرخسي ذكر مسألة تدل عليه. وهي: كوفي خرج إلى القادسية لحاجة وبينهما دون مسيرة السفر ثم خرج منها إلى الحيرة يريد الشام، حتى إذا كان قريبا منها بدا له الرجوع إلى القادسية ليحمل ثقله منها ويرتحل إلى الشام ولا
143 يمر بالكوفة: أتم حتى يرتحل من القادسية استحسانا لأنها كانت له وطن السكنى، ولم يظهر له بقصد الحيرة وطن سكنى آخر ما لم يدخلها فيبقى وطنه بالقادسية، ولا ينتقض بهذا الخروج كما لو خرج منها لتشييع جنازة ونحوه ا ه ملخصا. أقول: ويمكن أن يوفق بين القولين بأن وطن السكنى إن كان اتخذه بعد تحقق السفر لم يعتبر اتفاقا، وإلا اعتبر اتفاقا، فإذا دخل المسافر بلدة ونوى أن يقيم بها يوما مثلا ثم خرج منها ثم رجع إليها قصر فيها كما كان يقصر قبل خروجه، وعليه يحمل كلام المحققين لقول البحر، إنهم قالوا لا فائدة فيه، لأنه يبقى فيه مسافرا على حاله فصار وجوده كعدمه ا ه. فقولهم: لأنه يبقى فيه مسافرا على حاله ظاهر في أنه كان مسافرا قبل اتخاذه وطنا، وما قاله عامة المشايخ محمول على ما إذا اتخذه وطنا قبل سفره كما صوره الزيلعي والامام السرخسي، هذا ما ظهر لي والله أعلم. قوله: (لأنه الأصل) فهو المتمكن من الإقامة والسفر. قوله: (وفاها مهرها المعجل) وإلا فلا تكون تبعا، لان لها أن تحبس نفسها عن الزوج للمعجل دون المؤجل ولا تسكن حيث يسكن. بحر. وقلت: وفيه أن هذا شرط لثبوت إخراجها وسفره بها على أحد القولين وكلامنا بعده، ولهذا قال في شرح المنية: والأوجه أنها تبع مطلقا، لأنها إذا خرجت معه للسفر لم يبق لها أتتخلف عنه ا ه. وقد يجاب: بأنها إذا ثبت لها حبس نفسها عن إخراجها من بلدها لأجل استيفاء معجلها فكذا يثبت لها إذا وصلت إلى بلدة أو قرية فتصح نيته الإقامة بها، لأنها حينئذ غير تبع له وإن كانت تبعا له في المفازة. قوله، (غير مكاتب) قال في البحر: وأطلق في العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد، وأما المكاتب فينبغي أن لا يكون تبعا لان له السفر بغير إذن المولى فلا تلزمه طاعته ا ه. قوله: (إذا كان يرتزق من الأمير أو بيت المال) اقتصر في القنية وغيرها على الأول. وقال في شرح المنية: وكذا إذا كان رزقه من بيت المال وقد أمره السلطان بالخروج مع الأمير فهو تابع له، نعم في الذخيرة أن المتطوع بالجهاد، لا يكون تبعا للوالي وهو ظاهر ا ه. ودخل تحت الجندي الأمير مع الخليفة. بحر عن الخلاصة. قوله: (وأجير) أي مشاهرة أو مسانهة كما في التاترخانية، أما لو كان مياومة بأن استأجره كل يوم بكذا فإن له فسخها إذا فرغ النهار، فالعبرة لنيته. قل في البحر: وأما الأعمى مع قائده: فإن كان القائد أجيرا فالعبرة لنية الأعمى، وإن متطوعا تعتبر نيته. قوله: (وأسير) ذكر في المنتقى أن المسلم إذا أسره العدو إن كان مقصده ثلاثة أيام قصر، وإن لم يعلم سأله، فإن لم يخبره وكان العدو مقيما أتم، وإن كان مسافرا قصر، وينبغي أن يكون هذا إذا تحقق أنه مسافر، وإلا يكون كمن أخذه الظالم لا يقصر إلا بعد السفر ثلاثا، وكذا ينبغي أن يكون حكم كل تابع يسأل متبوعه، فإن أخبر عمل بخبره، وإلا عمل بالأصل الذي كان عليه من إقامة وسفر حتى يتحقق خلافه، وتعذر السؤال بمنزلة السؤال مع عدم الاخبار شرح المنية. قوله: (وغريم) أي موسر. قال في البحر عن المحيط: ولو دخل مسافر مصرا فأخذه غريمه وحبسه: فإن كان معسرا قصر لأنه لم ينو الإقامة ولا يحل للطالب حبسه، وإن كان موسرا إن عزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم واعتقد أن لا يقضيه أتم ا ه. وقوله: إن عزم أن يقضي: أي قبل خمسة عشر يوما كما في
144 الفتح. قوله: (وتلميذ) أي إذا كان يرتزق من أستاذه. رحمتي. والمراد به مطلق المتعلم مع معلمه الملازم له لا خصوص طالب العلم مع شيخه. قلت: ومثله بالأولى الابن البار البالغ مع أبيه. تأمل. قوله: (ومستأجر) كان على الشارح أن يقول: وآسر ودائن وأستاذ ح. قوله: (قلت) تلخيص لحاصل ما تقدم ليبنى عليه حكم الحادثة. قوله: (وبه بان جواب حادثة جزيرة كريد) بكسر الكاف المعجمة المتوسطة بين الكاف العربية وبين الجيم ح. والحادثة: هي تفرق الجيش لما صار عليهم من الغلبة والهزيمة حتى تشتتوا في كل جانب وفاتت المعية والارتزاق فصار كل مستقلا بنفسه وزالت التبعية. رحمتي. قوله: (على الأصح) وقيل يلزمه الاتمام كالعزل الحكمي: أي بموت الموكل وهو الأحوط كما في الفتح، وهو ظاهر الرواية كما في الخلاصة. بحر. قوله: (دفعا للضرر عنه) لأنه مأمور بالقصر منهي عن الاتمام فكان مضطرا، فلو صار فرضه أربعا فإقامة الأصل بلا علمه لحقه ضرر عظيم من جهة غيره بكل وجه وهو مدفوع شرعا، بخلاف الوكيل فإن له أن لا يبيع فيمكنه دفع الضرر بالامتناع، فإذا باع بناء على ظاهر أمره كان الضرر ناشئا منه من وجه ومن الموكل من وجه فيصح العزل حكما لا قصدا. بحر ملخصا عن المحيط وشرح الطحاوي. قوله: (مبني على خلاف الأصح) قال في البحر: وكذا إن كان مع مولاه في السفر فباعه من مقيم والعبد في الصلاة ينقلب فرضه أربعا، حتى لو سلم على رأس الركعتين كان عليه إعادة تلك الصلاة مبني على غير الصحيح إن فرض عدم علم العبد أو على قول الكل إن علم ا ه. قوله: (والقضاء الخ) المناسب ذكر هذه المسألة مع قوله: والمعتبر في تغيير الفرض آخر الوقت لأنها من فروعه. قوله: (سفرا وحضرا) أي فلو فاتته صلاة السفر وقضاها في الحضر يقضيها مقصورة كما لو أداها، وكذا فائتة الحضر تقضى في السفر تامة. قوله: (لأنه بعد ما تقرر) أي بخروج الوقت، فإن الفرض بعد خروج وقته لا يتغير عما وجب، أما قبله فإنه قابل للتغير بنية الإقامة أو إنشاء السفر وباقتداء المسافر بالمقيم. قوله: (غير أن المريض الخ) قال في الفتح: ولا يشكل على هذا المريض إذا فاتته صلاة في مرضه الذي لا يقدر فيه على القيام فإنه يجب أن يقضيها في الصحة قائما، لان الوجوب بقيد القيام غير أنه رخص له أن يفعلها حالة العذر بقدر وسعه إذ ذاك، فحين لم يؤدها حالة العذر زال سبب الرخصة فتعين الأصل، ولذلك يفعلها المريض قاعدا إذا فاتت عن زمن الصحة، أما صلاة المسافر فإنها ليست إلا ركعتين ابتداء ومنشأ الغلط
145 اشتراك لفظ الرخصة ا ه. قوله: (سافر السلطان قصر) أي إذا نوى السفر يصير مسافرا ويقصر. قال في شرح المنية: قيل هذا إذا لم يكن في ولايته، إما إذا طاف في ولايته فلا يقصر، والأصل أنه لا فرق لان النبي (ص) والخلفاء الراشدين قصروا حين سافروا من المدينة إلى مكة، ومراد القائل لا يقصر هو ما صرح به في البزازية من أنه إذا خرج لتفحص أحوال الرعية وقصد الرجوع متى حصل مقصوده ولم يقصد مسيرة سفر حتى أنه في الرجوع يقصر لو كان من مدة سفر، ولا اعتبار لمن علل بأن جميع الولاية بمنزلة مصره، لان هذا تعليل في مقابلة النص مع عدم الرواية عن أحد من الأئمة الثلاثة فلا يسمع ا ه. قوله: (صار مقيما على الأوجه) أي بنفس التزوج وإن لم يتخذه وطنا أو لم ينو الإقامة خمسة عشر يوما، وأما المسافرة فإنها تصير مقيمة بنفس التزوج اتفاقا كما في القهستاني ح. وحكى الزيلعي هذا الوجه بقيل: فظاهره ترجيح المقابل فقد اختلف الترجيح ط. أقول: قد يقال لا يصير مقيما إذا كان مراده الخروج قبل نصف شهر. تأمل. قوله: (تتم في الصحيح) كذا في الظهيرية. قال ط: وكأنه لسقوط الصلاة عنها فيما مضى لم يعتبر حكم السفر فيه، فلما تأهلت للأداء اعتبر من وقته. قوله: (كصبي بلغ) أي في أثناء الطريق وقد بقي لمقصده أقل من ثلاثة أيام فإنه يتم، ولا يعتبر ما مضى لعدم تكليفه فيه ط. قوله: (بخلاف كافر أسلم) أي فإنه يقصر. قال في الدرر: لان نيته معتبرة فكان مسافرا من الأول، بخلاف الصبي فإنه من هذا الوقت يكون مسافرا، وقيل يتمان، وقيل يقصران ا ه. والمختار الأول كما في البحر وغيره عن الخلاصة. قال في الشرنبلالية: ولا يخفى أن الحائض لا تنزل عن رتبة الذي أسلم فكان حقها القصر مثله ا ه. وأجاب في (نهج النجاة) بأن مانعها سماوي بخلافه ا ه: أي وإن كان كل منهما من أهل النية بخلاف الصبي، لكن منعها من الصلاة ما ليس بصنعها فلغت نيتها من الأول، بخلاف الكافر فإنه قادر على إزالة المانع من الابتداء فصحت نيته. قوله: (عبد الخ) أي إذا سافر العبد مع سيديه فنوى أحدهما الإقامة. قوله: (وإلا) أي وإن لم يتهايآ في خدمته يفرض عليه القعود على رأس الركعتين ويتم احتياطا لأنه مسافر من وجه مقيم من وجه. شرح المنية. قوله: (ولا يأتم الخ) في شرح المنية: وعلى هذا فلا يجوز له الاقتداء بالمقيم مطلقا فليعلم هذا ا ه: أي لا في الوقت ولا بعده، ولا في الشفع الأول ولا الثاني، ولعل وجهه كما أفاده شيخنا أن مقتضى كونه يتم احتياطا أن تكون القعدة الثانية في حقه فرضا إلحاقا له بالقيم، وقد قلنا إن القعدة الأولى فرض عليه أيضا إلحاقا له بالمسافر، فإذا اقتدى بمقيم يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة الأولى ا ه. أقول: لكن قول شارح المنية: وعلى هذا الخ، يظهر منه أنه تفريع من عنده على وجه البحث، وإلا فالذي رأيته منقولا في التاترخانية عن الحجة أنه إن لم يكن بالمهايأة، وهو في أيديهما، فكل صلاة يصليها وحده يصلي أربعا ويقعد على رأس الركعتين ويقرأ في الأخريين، وكذا إذا اقتدى
146 بمسافر يصلي معه ركعتين، وفي قراءته في الركعتين اختلاف. وأما إذا اقتدى بمقيم فإنه يصلى أربعا بالاتفاق ا ه. قوله: (وهو مما يلغز) أي من جهات فيقال: أي شخص يصلي فرضه أربعا ويفترض عليه القعود الأول كالثاني، وأي شخص لا يصح اقتداؤه بالمقيم في الوقت، وأي شخص ليس بمقيم ولا مسافر؟ ويقال في صورة التهايؤ: أي شخص يتم يوما ويقصر يوما ط. قوله: (لان الأولى ضمت الوتر) وهي صادقة لأنه فرض عملي، ويحمل الفرض في كلام الزوج على ما يلزم ليعم فعله العملي ط. قوله: (وللثالثة ليوم الجمعة) أي قالت ذلك العدد لفروض يوم الجمعة القطعية ولم تنظر إلى الوتر، وكذا الرابعة، والله تعالى أعلم. باب: الجمعة مناسبته للسفر أن في كل منهما تنصيف الصلاة ابتداء لعارض، لكنه هنا في خاص وهو الظهر، وفي السفر في عام وهو كل رباعية، فلذا قدم. قوله: (بالدليل القطعي) وهو قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) * (الجمعة: 9) (1) الآية وبالسنة والاجماع. قوله: (كما حققه الكمال) وقال بعد ذلك: وإنما أكثرنا فيه نوعا من الاكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها، ومنشأ غلطهم قول القدوري: ومن صلى الظهر يوم الجمعة في منزله ولا عذر له كره وجازت صلاته، وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر لما سيأتي. قوله: (آكد من الظهر) أي لأنه ورد فيها من التهديد ما لم يرد في الظهر، من قوله قوله (ص): من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه رواه أحمد والحاكم وصححه، فيعاقب على تركها أشد من الظهر ويثاب عليها أكثر، ولان لها شروطا ليست للظهر، تأمل. قوله: (وليست بدلا عنه إلخ) تصريح بمفهوم قوله: وهي فرض مستقل لكن هذا مخالف لما قدمه المصنف في بحث النية من باب شروط الصلاة. وعبارته مع الشرح: ولو نوى فرض الوقت مع بقائه جاز، إلا في الجمعة لأنها بدل إلا أن يكون عنده في اعتقاده أنها فرض الوقت كما هو رأي البعض فتصح اه. وكتبنا هناك عن شرح المنية أن فرض الوقت عندنا الظهر لا الجمعة، ولكن قد أمر بالجمعة
(1) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) الآية الخ قال شيخنا: اختلف في المراد من الذكر هل هو الصلاة أو الخطبة؟ وعلى كل، فالامر يفيد فرضية الصلاة اما على تفسيره بالصلاة فظاهر، واما على التفسير الثاني فبالأولى وذلك لان الخطبة لم تقصد لذاتها بل هي من توابع الصلاة. الا ترى انها شرط للصلاة وحيث فرض السعي التابع فلأن يفرض المتبوع المقصود أولى، وفرضية السعي للشئ تستلزم كون ذلك الشئ فرضيا ضرورة. ا ه. 147 لاسقاط الظهر، ولذا لو صلى الظهر قبل أن تفوته الجمعة صحت عندنا، خلافا لزفر والثلاثة وإن حرم الاقتصار عليها ه. والحاصل أفرض الوقت عندنا الظهر وعند زفر الجمعة كما صرح به في الفتح وغيره فيما سيأتي حتى الباقاني في شرح الملتقى، وأما ما نقله عنه فلعله ذكره في شرحه عن النقاية، وبما ذكرناه ظهر ضعفه. قوله: (وفي البحر إلخ) سيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف: تؤدى في مصر واحد بمواضع كثيرة. قوله: (ويشترط إلخ) قال في النهر: ولها شرائط وجوب وأداء منها: ما هو في المصلي. ومنها ما هو في غيره، والفرق أن الأداء لا يصح بانتفاء شروطه ويصح بانتفاء شروط الوجوب، ونظمها بعضهم فقال: وحر صحيح بالبلوغ مذكر * مقيم وذو عقل لشرط وجوبها ومصر وسلطان ووقت وخطبة * وإذن كذا جمع لشرط أدائها ط عن أبي السعود. قوله: (ما لا يسع إلخ) هذا يصدق على كثير من القرى ط. قوله: (المكلفين بها) احترز به عن أصحاب الاعذار مثل النساء والصبيان والمسافرين ط عن القهستاني. قوله: (وعليه فتوى أكثر الفقهاء إلخ) وقال أبو شجاع: هذا أحسن ما قيل فيه. وفي الولوالجية: وهو صحيح. بحر. وعليه مشى في الوقاية ومتن المختار وشرحه، وقدمه في متن الدرر على القول الآخر، وظاهره ترجيحه، وأيده صدر الشريعة بقوله: لظهور التواني في أحكام الشرع سيما في إقامة الحدود في الأمصار. قوله: (وظاهر المذهب إلخ) قال في شرح المنية: والحد الصحيح ما اختاره صاحب الهداية أنه الذي له أمير وقاض ينفذ الاحكام ويقيم الحدود، وتزييف صدر الشريعة له عند اعتذاره عن صاحب الوقاية حيث اختار الحد المتقدم بظهور التواني في الاحكام مزيف بأن المراد القدرة على إقامتها على ما صرح به في التحفة عن أبي حنيفة أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمته وعلمه أو علم غيره يرجع الناس إليه فيما يقع من الحوادث، وهذا هو الأصح اه. إلا أن صاحب الهداية تر ك ذكر السكك والرساتيق، لان الغالب أن الأمير والقاضي الذي شأنه القدرة على تنفيذ الاحكام وإقامة الحدود لا يكون إلا في بلد كذلك اه. قوله: (له أمير وقاض) أي مقيمان فلا اعتبار بقاض يأتي أحيانا يسمى قاضي الناحية، ولم يذكر المفتي اكتفاء بذكر القاضي لان القضاء في الصدر الأول كان وظيفة المجتهدين، حتى لو لم يكن الوالي والقاضي مفتيا اشترط المفتي كما في الخلاصة. وفي تصحيح القدوري: أنه يكتفى بالقاضي عن الأمير. شرح الملتقى. قال الشيخ إسماعيل: ثم المراد من الأمير: من يحرس الناس ويمنع المفسدين ويقوي أحكام الشرع، كذا في الرقائق، وحاصله أن يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم كما فسره به في العناية اه. قوله: (يقدر إلخ) أفرد الضمير تبعا للهداية لعوده على القاضي، لان ذلك وظيفته، بخلا ف الأمير لما مر، وفي التعبير بيقدر رد على صدر الشريعة كما علمته. وفي
148 شرح الشيخ إسماعيل عن الدهلوي: ليس المراد تنفيذ جميع الأحكام بالفعل، إذ الجمعة أقيمت في عهد أظلم الناس وهو الحجاج، وأنه ما كان ينفذ جميع الأحكام، بل المراد والله أعلم اقتداره على ذلك اه. ونقل مثله في حاشية أبي السعود عن رسالة العلامة نوح أفندي. أقول: ويؤيده أنه كان الاخلال بتنفيذ بعض الأحكام مخلا بكون البلد مصرا على هذا القول الذي هو ظاهر الرواية لزم أن لا تصح جمعة في بلدة من بلاد الاسلام في هذا الزمان، بل فيما قبله من أزمان، فتعين كون المراد الاقتدار على تنفيذ الاحكام، ولكن ينبغي إرادة أكثرها، وإلا فقد يتعذر على الحاكم الاقتدار على تنفيذ بعضها لمنع ممن ولاه، وكما يقع في أيام الفتنة من تعصب سفهاء البلد بعضهم على بعض، أو على الحاكم بحيث لا يقدر على تنفيذ الاحكام فيهم لأنه قادر على تنفيذها في غيرهم وفي عسكره، على أن هذا عارض فلا يعتبر، ولذا لو مات الوالي أو لم يحضر لفتنة ولم يوجد أحد ممن له حق إقامة الجمعة نصب العامة لهم خطيبا للضرورة كما سيأتي مع أنه لا أمير ولا قاضي ثمة أصلا، وبهذا ظهر جهل من يقول: لا تصح الجمعة في أيام الفتنة، مع أنها تصح في البلاد التي استولى عليها الكفار كما سنذكره، فتأمل. قوله: (كما حررناه إلخ) هو حاصل ما قدمناه عن شرح المنية. قوله: (وفي القهستاني إلخ) تأييد للمتن، وعبارة القستاني: تقع فرضا في القصبات والقرى (1) الكبيرة التي فيها أسواق. قال أبو القاسم: هذا بلا خلا ف إذا أذن الوالي أو القاضي ببناء المسجد الجامع وأداء الجمعة، لان هذا مجتهد فيه، فإذا اتصل به الحكم صار مجمعا عليه، وفيما ذكرنا إشارة إلى أنه لا تجوز في الصغيرة التي ليس فيها قاض ومنبر وخطيب كما في المضمرات، والظاهر أنه أريد به الكراهة لكراهة النفل بالجماعة، ألا ترى أن في الجواهر لو صلوا في القرى لزمهم أداء الظهر، وهذا إذا لم يتصل به حكم، فإن في فتاوى الديناري: إذا بنى مسجد في الرستاق بأمر الإمام فهو أمر بالجمعة اتفاقا على ما قال السرخسي اه فافهم. والرستاق: القرى كما في القاموس. تنبيه: في شرح الوهبانية: قضاة زماننا يحكمون بصحة الجمعة عند تجديدها في موضع بأن يعلق الواقف عتق عبده بصحة الجمعة في هذا الموضع، وبعد إقامتها فيه بالشروط يدعي المعلق عتقه على الواقف المعلق بأنه علق عتقه على صحة الجمعة في هذا الموضع وقد صحت ووقع العتق فيحكم بعتقه فيتضمن الحكم بصحة الجمعة ويدخل ما لم يأت من الجمع تبعا اه. قال في النهر: وفي دخول ما لم يأت نظر، فتدبر اه. أقول: الجواب عن نظرة أن الحكم بصحة الجمعة مبني على كون ذلك الموضع محلا لاقامتها فيه، وبعد ثبوت صحتها فيه لا فرق فيه بين جمعة وجمعة، فتدبر. وظاهر ما مر عن القهستاني أن مجرد أمر السلطان أو القاضي ببناء المسجد وأدائها فيه حكم رافع للخلاف بلا دعوى وحادثة. وفي قضاء الأشباه: أمر القاضي حكم كقوله سلم المحدود إلى المدعي والامر بدفع الدين والامر بحبسه إلخ... وأفتى ابن نجيم بأن تزويج القاضي الصغيرة حكم رافع للخلاف ليس لغيره نقضه. قوله: (وإذا اتصل به الحكم إلخ) قد علمت الصغيرة حكم القهستاني صريحة في أن مجرد الامر رافع للخلاف بناء على
(1) قوله: (تقع فرضا في القصبات والقرى) القصبات: جمع قصبة وهي القرية فيكون عطف القرى عليه عطف تفسير. ا ه. 149 أن مجرد أمره حكم. قوله: (أو لا) زاده للإشارة إلى أن قول المصنف ما اتصل به ليس قيدا احترازيا لما في الشرنبلالية. قوله: (كما حرره ابن الكمال) حيث قال: واعتبر بعضهم قيد الاتصال، وقد خطأه صاحب الذخيرة قائلا، فعلى قول هذا القائل لا تجوز إقامة الجمعة ببخارى في مصلى العيد، لان بين المصلي وبين المصر مزارع. ووقعت هذه المسألة مرة وأفتى بعض مشايخ زماننا بعدم الجواز، ولكن هذا ليس بصواب، فإن أحدا لم ينكر جواز صلاة العيد في مصلى العيد ببخارى، لا من المتقدمين ولا من المتأخرين، وكما أن المصر أو فناءه شرط جواز الجمعة فهو شرط جواز صلاة العيد اه. قوله: (والمختار للفتوى إلخ) اعلم أن بعض المحققين أهل الترجيح أطلق الفناء عن تقديره بمسافة، وكذا محرر المذهب الإمام محمد، وبعضهم قدره بها، وجملة أقوالهم في تقديره ثمانية أقوال أو تسعة: غلوة، ميل، ميلان، ثلاثة، فرسخ، فرسخان، ثلاثة، سماع الصوت، سماع الاذان. والتعريف أحسن من التجديد، لأنه لا يوجد ذلك في كل مصر، وإنما هو بحسب كبر المصر وصغره. بيانه أن التقدير بغلوة أو ميل لا يصح في مثل مصر، لان القرافة والترب التي تلي باب النصر يزيد كل منهما على فرسخ من كل جانب، نعم هو ممكن لمثل بولاق، فالقول بالتحديد بمسافة يخالف التعريف المتفق على ما صدق عليه بأنه المعد لمصالح المصر، فقد نص الأئمة على أن الفناء ما أعد لدفن الموتى وحوائج المصر كركض الخيل والدواب وجمع العساكر والخروج للرمي وغير ذلك، وأي موضع يحد بمسافة يسع عساكر مصر ويصلح ميدانا للخيل والفرسان ورمي النبل والبندق البارود واختيار المدافع، وهذا يزيد على فراسخ، فظهر أن التحديد بحسب الأمصار اه ملخصا من تحفة أعيان الغنى بصحة الجمعة والعيدين في الفن للعلامة الشرنبلالي. وقد جزم فيها بصحة الجمعة في مسجد سبيل علان، الذي بناه بعض أمراء زمانه، وهو في فناء مصر بينه وبينها نحو ثلاثة أرباع فرسخ وشئ. مطلب في صحة الجمعة بمسجد المرجة والصالحية في دمشق أقول: وبه ظهر صحتها في تكية السلطان سليم بمرجة دمشق، وكذا في مسجده بصالحية دمشق فإنها من فناء دمشق بما فيها من التربة بسفح الجبل وإن انفصلت عن دمشق بمزارع لكنها قريبة لأنها على ثلث فرسخ من البلدة، وإن اعتبرت قرية مستقلة فهي مصر على تعريف المصنف، على أن مسجدها مبني بأمر السلطان، وكذا مسجدها القديم المشهور بمسجد الحنابلة الذي بناه الملك الأشرف وأمره كاف في صحتها على ما مر. تأمل. قوله: (أو امرأة) اعلم أن المرأة لا تكون سلطانا إلا تغلبا لما تقدم في باب الإمامة من اشتراط الذكورة في الامام، فكان على الشارح أن يقول: ولو امرأة: أي ولو كان ذلك المتغلب امرأة ح. والمراد بالمتغلب من فقد فيه شروط الإمامة وإن رضيه القوم. وفي الخلاصة: والمتغلب الذي لا عهد له: أي لا منشور له إن كان سيرته فيما بين الرعية سيرة الامراء ويحكم بينهم بحكم الولاة تجوز الجمعة بحضرته، بحر اه ط. قوله: (بإقامتها) أي إقامة الجمعة وقوله: (لاقامتها)، أي لإقامة المرأة والجمعة ح. وقوله: (أو مأموره بإقامتها) أي الجمعة،
150 وشمل الامر دلالة. قال في البحر: ولا خفاء في أن من فوض إليه أمر العامة في مصر إقامتها وإن لم يفوضها السلطان إليه صريحا كما في الخلاصة، والعبرة لأهلية النائب وقت الصلاة لا وقت الاستنابة، حتى لو أمر الصبي والذمي وفوض إليهما الجمعة فبلغ وأسلم، لهما إقامتها لأنه فوضها إليهما صريحا، بخلاف ما إذا لم يصرح، لكن ظاهر الخانية أن هذا قول البعض، وأن الراجح عدم الفرق لوقوع التفويض باطلا، وعليه فالمعتبر الأهلية وقت الاستنابة اه ملخصا. قلت: لكن في رسالة الشرنبلالي عن الخلاصة ما نصه: العبرة للأهلية وقت إقامتها لا وقت الاذن بها، وإن وقع في بعض العبارات ما يقتضي خلافه اه. قوله: (وإن لم تجز أنكحته وأقضيته) لأنهما يعتمدان الولاية: ولا ولاية له عن نفسه فضلا عن غيره، ولان شرط القضاء الحرية ط. قوله: (واختلف إلخ) ليس ذلك اختلافا بين مشايخ المذهب من أهل التخريج أو الترجيح، بل هو اختلاف بين المتأخرين في فهم عبارات مشايخ المذهب. مطلب في جواز استنابة الخطيب قوله: (هل يملك الاستنابة) أي بلا إذن من السلطان، أما بالاذن فلا خلاف فيه. قوله: (فقيل لا مطلقا) قائله صاحب الدرر حيث قال: إن الاستخلاف لا يجوز للخطبة أصلا ولا للصلاة ابتداء، بل بعد ما أحدث الامام، إلا إذا كان مأذونا من السلطان بالاستخلاف اه. قوله: (وقيل إن لضرورة جاز إلخ) قائله ابن كمال باشا حيث قال: إن كان ذلك لضرورة كشغله عن إقامة الجمعة في وقتها جاز التفويض إلى غيره، وإلا لا: أي وإن لم يكن ذلك لضرورة أصلا أو كان لعذر لكن يمكن إزالة عذره، وإقامة الجمعة بعده قبل خروج الوقت لا يجوز التفويض إلى خطيب آخر. ثم قال: وإقامة الجمعة عبارة عن أمرين: الخطبة، والصلاة، والموقوف على الاذن هو الأول دون الثاني، فالمراد من الاستخلاف لإقامة الجمعة الاستخلاف للخطبة لا للصلاة كما توهمه البعض اه منح ملخصا. قوله: (وقيل نعم إلخ) قائله قاضي القضاة محب الدين بن جرباش. منح. وبه قال شارح المنية البرهان إبراهيم الحلبي، وكذا صاحب البحر والنهر والشرنبلالي والمصنف والشارح. قوله: (بلا ضرورة) الأولى أن يقول: ولو بلا ضرورة ليتضح معنى الاطلاق ط. قال في الامداد بعد كلام: وإذا علمت جواز الاستخلاف للخطبة والصلاة مطلقا بعذر وبغير عذر حال الحضرة والغيبة وجواز الاستخلاف للصلاة دون الخطبة وعكسه فاعلم أنه إذا استناب لمرض ونحوه فالنائب يخطب ويصلي بهم والامر فيه ظاهر. وأما إذا استخلف للصلاة فقط لسبق حدث، فإما أن يكون بعد شروعه فيها أو قبله، فإن كان بعده فكل من صلح للاقتداء به يصح استخلافه، وأما إذا كان قبله بعد الخطبة فيشترط كون الخليفة قد شهد الخطبة أو بعضها مع أهليته للاقتداء به اه. قوله: (لأنه إلخ) هذه عبارة عن الهداية في كتاب أدب القاضي: أي لان أداء الجمعة على شرف الفوات لتوقته بوقت يفوت الأداء بانقضائه. درر عن شرح الهداية: أي فيكون ذلك إذنا بالاستخلاف دلالة لعلمه بما يعتري
151 المأمور من العوارض المانعة من إقامتها كمرض وحدث كما في البدائع. قوله: (ولا كذلك القضاء) فإنه يحصل في أي وقت كان، فلم يكن الامر به إذنا بالاستخلاف دلالة. قوله: (كل من ملك إلخ هو صريح في جواز استنابة الخطيب مطلقا أو كالصريح. بحر. قوله: (النجعة) بضم النون وسكون الجيم: طلب الكلأ في موضعه. قاموس. وهي هنا علم لكتاب ح. قوله: (لابن جرباش) بضم الجيم والراء ح وهو أحد شيوخ مشايخ صاحب البحر. قوله: (إنما يشترط الاذن إلخ) حاصله أن الاذن من السلطان إنما يشترط في أول مرة، فإذا أذن بإقامتها لشخص كان له أن يأذن لغيره وذلك الغير له أن يأذن لآخر وهلم جرا، وليس المراد أن السلطان إذا أذن بإقامتها في مسجد صار كل شخص أو كل خطيب مأذونا بأن يقيمها في ذلك المسجد بدون إذن من السلطان أو من مأذونه كما يوهمه ظاهر كلامه، ويدل على ذلك نص عبارة ابن جرباش التي نقلها عنه في البحر وهي قوله بعد كلام: وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما يقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع، فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لاذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ولاذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه إلخ. وحاصله أنه لا تصح إقامتها إلا لمن أذن له السلطان بواسطة أو بدونها، أما بدون ذلك فلا، كما هو صريح ما يذكره الشارح عن السراجية، نعم وقع في فتاوى ابن الشلبي ما يوهم ما أوهمه كلام الشارح حيث سئل عن ثغر فيه جوامع لها خطباء ليس لأحد منهم إذن صريح من السلطان مع علم السلطان بذلك الثغر وبإقامة الجمع والأعياد في جوامعه فهل يكون ذلك إذنا دلالة؟ فأجاب بأن أمور المسلمين محمولة على السداد، وقد جرت العادة بأن من بنى جامعا وأراد إقامة الجمعة استأذن الامام، فإذا وجد الاذن أول مرة فقد حصل به الغرض والاذن بعد ذلك اه ملخصا. لكن يمكن حمله على ما مر، أي: فلا يشترط إذن السلطان ثانيا، بل كل خطيب له أن يستنيب للاكتفاء بالاذن أول مرة، والله أعلم. قوله: (وما قيده الزيلعي) أي من أنه لا يجوز له الاستخلاف إلا إذا أحدث. قال في البحر: لا دليل عليه، والظاهر من عباراتهم الاطلاق. اه. قلت: وما ذكره الزيلعي تبعه عليه مله خسرو صاحب الدرر كما قدمناه عنه، لكنه ناقض نفسه حيث قال بعده: ولا ينبغي أن يصلي غيره الخطيب، لان الجمعة مع الخطبة كشئ واحد فلا ينبغي أن يقيمها اثنان، وإن فعل جاز اه. وهذا يكون باستخلاف الخطيب، ثم قال أيضا: خطب صبي بإذن السلطان وصلى بالغ جاز، كذا في الخلاصة اه. قال الشرنبلالي في رسالته: فهذا نص منه على جواز الاستخلاف للصلاة قبل الشروع فيها من غير سبق الحدث كما قدمناه من النصوص بمثله اه. وفيه نظر سنذكره آخر الباب. تنبيه: أحاب بعضهم عن الزيلعي بأن كلامه مبني على القول بالاستنابة عند الضرورة، وهذا عجيب فإن هذا القول لابن كمال باشا كما علمت، والأقوال الثلاثة المذكورة في المتن ليست منقولة في المذهب بل هي اختلاف من المتأخرين بعد الزيلعي، فكيف يبني كلامه على أحدها؟ على أن
152 اشتراط الاستنابة بالضرورة إنما هو للخطبة لا للصلاة كما قدمناه في عبارة ابن كمال، والكلام هنا في الصلاة، لان سبق الحدث لا يستوجب الاستنابة في الخطبة لصحتها معه، فافهم. قوله: (وما ذكره مله خسرو) أي من أنه ليس له الاستنابة إلا إذا فوض إليه ذلك ح. قلت: وهو القول الأول في المتن. قوله: (رده ابن الكمال) وكذا رده في شرح المنية والبحر والنهر والمنح والامداد وغيرها. قوله: (بلا شرط) أي بلا شرط الاذن من السلطان، واستند في ذلك إلى أشياء منها ما في الخلاصة أن له أن يستخلف وإن لم يكن في منشور الامام الاستخلاف اه. قال في شرح المنية: وعلى هذا عمل الأمة من غير نكير اه. نعم اشترط ابن كمال في هذه الرسالة لجواز الاستخلاف أن يكون لضرورة، وهو القول الثاني في المتن كما قدمناه، وبني على ذلك فساد ما يفعل في زماننا حيث يحضرون: أي السلاطين في الجامع بلا عذر ويستخلفون الغير في إقامة الجمعة اه. وقد رد عليه الشرنبلالي في رسالة بما في التاترخانية عن المحيط: إمام خطب فتولى غيره وشهد الخطبة ولم يعزل الأول ولكن أمر رجلا أن يصلي الجمعة بالناس فصلى: جاز، لأنه لما شهد الخطبة فكأنما خطب بنفسه، ولو أن القادم الذي تولى شهد خطبة الأول وسكت عنه حتى صلى بالناس وهو يعلم بقدومه فصلاته جائزة، لأنه على ولايته ما لم يظهر العزل اه. قال: فهذا نص في صحة صلاة الأصيل بحضرة نائبه لعلمه بعزله اه. أقول: وفيه نظر لان الأول ليس نائبا عنه بل هو باق على ولايته، لان قوله ما لم يظهر العزل معناه: ما لم يعزله بالفعل، وليس المراد به علمه بالعزل وإلا ناقض قوله قبله وهو يعلم بقدومه والأوضح في الرد ما في البدائع عن النوادر أنه يصير معزولا إذا علم بحضور الثاني، وأن الثاني إذا أمر الأول بإتمام الخطبة يجوز، وإلا بل سكت حتى أتمها، أو حضر بعد فراغ الأول من الخطبة لا تجوز الجمعة لأنها خطبة سلطان معزول، بخلاف ما إذا لم يعلم بحضور الثاني حتى خطب وصلى والأول ساكت، لأنه لا يعزل إلا بالعلم كالوكيل ا. فهذا صريح في صحة الخطبة والصلاة من النائب بحضرة الأصيل. وذكر في منية المفتي: صلى أحد بغير إذن الخطيب: لم يجز، إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة اه. ومثله ما يذكره الشارح عن السراجية، فتأمل. قوله: (أنه) أي الاستخلاف جائز مطلقا: أي سواء كان لضرورة أو لا كما يعلم من عبارة مجمع الأنهر ح. قوله: (إذن عام) أي لكل خطيب أن يستنيب لا لكل شخص أن يخطب في أي مسجد أراد ح. أقول لكن لا يبقى إلى اليوم الاذن بعد موت السلطان الآذن بذلك إلا إذا أذن به أيضا سلطان زماننا نصره الله تعالى كما بينته في تنقيح الحامدية وسنذكر في باب العيد عن شرح المنية ما يدل عليه أيضا، فتنبه. قوله: (وعليه الفتوى) لعل المراد فتوى أهل زمانه، فليس ذلك تصحيحا معتبرا إذ ليسوا من أهل التصحيح. قوله: (لو صلى أحد بغير إذن الخطيب لا يجوز) ظاهره أن الخطيب خطب بنفسه والآخر صلى بلا إذنه، ومثله ما لو خطب بلا إذنه لما في الخانية وغيرها: خطب بلا إذن الإمام والامام حاضر لم يجز اه. ولا ينافيه ما قدمناه عن التاترخانية من أنه لما شهد الخطبة فكأنما
153 خطب بنفسه، لان الخطبة هناك كانت ممن له ولايتها كما قدمناه. قوله: (إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة) شمل الخطيب المأذون، وذلك لان الاقتداء به إذن دلالة، بخلاف ما لو حضر ولم يقتد، وعليه تحمل عبارة الخانية السابقة، ثم إذا كان حضوره بدون اقتداء لم يعتبر إذنا، يفهم منه أنه لا تجوز خطبة غيره بلا إذن بالأولى، خلافا لمن فهم منه الجواز أفاده ط. قوله: (ويؤيد ذلك إلخ) أي يؤيد الجواز إذا اقتدى به بناء على أن اقتداءه به دليل الاذن، لأنهم وإن نووها جمعة لكن بدون شرطها تنعقد نفلا، فلو لم يكن اقتداؤه إذنا يلزم أن لا يكون مؤديا معهم النفل بجماعة وهو غير جائز، وفعل المسلم إنما يحمل على الكمال فيكون اقتداؤه إجازة لفعله، لان الإجازة اللاحقة كالاذن السابق، ونظيره إذا أجاز نكاح الفضولي بالفعل يجوز، ومجرد حضوره وسكوته وقت العقد لا يدل على الرضاء، فافهم. قوله: (مات والي مصر) وكذا لو لم يحضر بسبب الفتنة. بدائع. قوله: (فجمع) بتشديد الميم: أي صلى الجمعة خليفته: أي من عهد إليه قبل موته، أو المراد من كان يخلفه ويقوم مقامه إذا غاب، أو من إقامة أهل البلد خليفة بعده إلى أن يأتيهم وال آخر. قوله: (أو صاحب الشرط) جمع شرطي كتركي وجهني. قاموس. وفي المغرب: الشرطية بالسكون والحركة: خيار الجند وأول كتيبة تحضر الحرب، والجمع شرط وصاحب الشرطة. في باب الجمعة يراد به أمير البلدة كأمير بخارى، وقيل هذا على عادتهم لان أمور الدين والدنيا كانت حينئذ إلى صاحب الشرطة، فأما الآن فلا اه. قوله: (أو القاضي المأذون له في ذلك) قيد به لما في الخلاصة: ليس للقاضي إقامتها إذا لم يؤمر ولصاحب الشرط وإن لم يؤمر، وهذا في عرفهم. قال في الظهيرية: أما اليوم فالقاضي يقيمها، لان الخلفاء يأمرون بذلك، قيل أراد به قاضي القضاة الذي يقال له قاضي الشرق والغرب، فأما في زماننا فالقاضي وصاحب الشرط لا يوليان ذلك اه. قال في البحر: وعلى هذا فلقاضي القضاة بمصر أن يولي الخطباء ولا يتوقف على إذن، كما أن له أن يستخلف للقضاء وإن لم لم يؤذن له، مع أن القاضي ليس له الاستخلاف إلا بإذن السلطان، لان تولية قاضي القضاة إذن بذلك دلالة كما صرح به الفتح، ولا يتوقف ذلك على تقرير الحاكم المسمى بالباشا، لكن في التجنيس أن في إقامة القاضي روايتين، وبرواية المنع يفتى في ديارنا إذا لم يؤمر به ولم يكتب في منشوره. ويمكن حمل ما في التجنيس على ما إذا لم يول قاضي القضاة، أما إن ولى أغنى هذا اللفظ عن التنصيص عليه. نهر. قوله: (فلقاضي القضاة بالشام إلخ) أخذه من كلام البحر كما علمت، لكن فيه أن قاضي القضاة (1) الذي له ذلك هو قاضي المشرق والمغرب كما مر عن الظهيرية، وأما قاضي الشام ومصر فإن ولايته مستمدة من ذلك القاضي العام، وكونه مأذونا بالاستخلاف: أي استخلاف نواب عنه في بلدة وتوابعها لا يلزم منه إذن بإقامة الجمعة، بخلاف ذاك القاضي للعام الذي أذن له السلطان بإقامة مصالح الدين ونصب القضاة في سائر البلدان، ولذا يسمى قاضي القضاة، ويدل على ذلك أنه جرت العادة في هذه الدولة العثمانية أن كل من تولى خطابة لا
(1) قوله: (فيه ان قاضي القضاة الخ) فيه ان المدار على عموم التفويض في أمور الدين والدنيا، ولو في بلدة واحدة. ألا ترى إلى أمير البلدة المفوض إليه أمور الدين فإنه يقيمها ولا يشترط فيه عموم إمارته للمشرق والمغرب ا ه. 154 بد أن يرسل إلى جهة السلطان حفظه الله تعالى ليقرره فيها، فلو كان القاضي أو الباشا مأذونا بإقامتها لصح أن يولى الخطيب. والحاصل: أن المدار على الاذن وإنما يعلم ذلك من جهته، فإن قال: إني مأذون بذلك صدق لان مجرد تولية القضاة أو الامارة مثلا لا يكون إذنا بإقامتها على المفتى به كما مر عن التجنيس، إلا إذا فوض السلطان إليه أمور الدنيا والدين كما كان في زمانهم كما مر عن المغرب والظهيرية. ثم رأيت في نهج النجاة معزيا إلى رسالة للمصنف: لا يخفى أن هذا إنما يستقيم في قاض فوض له الأمور العامة، أما من فوض له السلطان قضاة بلدة ليحكم فيها بما صح من مذهب إمامه فلا، لعدم الاذن له صريحا أو دلالة اه. وهذا صريح فيما قلناه، والله أعلم. قوله: (وقالوا يقيمها إلخ) تقييد لعبارة المتن، فإنه لم يبين فيها ترتيبهم، والمعنى أنهم مرتبون كترتيب العصبات في ولاية التزويج، فيقيمها الابعد عند غيبة الأقرب أو موته لا بحضرته إلا بإذنه، هذا ما ظهر لي، وهو مفاد ما في البحر عن النجعة، فراجعه. لكن تقديم الشرطي على القاضي مخالف لما صرحوا به في صلاة الجنازة من تقديم القاضي على الشرطي، فتأمل. قوله: (مع وجود من ذكر) أي إذا كانوا مأذونين كما مر من أن من ذكر له إقامتها بالإذن العام، أما في زماننا فغير مأذون. قوله: (فيجوز للضرورة) ومثله ما لو منع السلطان (1) أهل مصر أن يجمعوا إضرارا وتعنتا فلهم أن يجمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة، أما إذا أراد أن يخرج ذلك المصر من أن يكون مصرا لسبب من الأسباب فلا، كما في البحر ملخصا عن الخلاصة. تتمة: في معراج الدراية عن المبسوط: البلاد التي في أيدي الكفار بلاد الاسلام لا بلاد الحرب لأنهم لم يظهروا فيها حكم الكفر، بل القضاة والولاة مسلمون يطيعونهم عن ضرورة أو بدونها، وكل مصر فيه وال من جهتهم يجوز له إقامة الجمع والأعياد والحد وتقليد القضاة لاستيلاء المسلم عليهم، فلو كان الولاة كفارا يجوز للمسلمين إقامة الجمعة ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، ويجب عليهم أن يلتمسوا واليا مسلما اه. قوله: (في الموسم) أي موسم الحاج وهو سوقهم ومجتمعهم، من الوسم: وهو العلامة. مغرب. قوله: (فقط) أي فلا تصح في منى في غير أيام اجتماع الحاج فيها لفقد بعض الشروط. قوله: (لوجود الخليفة) أي السلطان الأعظم. قاموس. قوله: (وأمير الحجاز) وهو السلطان بمكة، كذا في الدرر: أي شريف مكة الحاكم في مكة والمدينة والطائف وما يلي ذلك من أرض الحجاز. قوله: (أو العراق) كأمير بغداد بناء على أنه مأذون بذلك. قوله: (أو مكة) مكرر مع أمير الحجاز إلا أن يراد به أخص منه. قوله: (وكذا كل أبنية إلخ) قال في العناية: وفي كلام الهداية إشارة إلى أن الخليفة والسلطان إذا طاف في ولايته كان عليه الجمعة في
(1) قوله: (ما لو منع السلطان الخ) ونقل شيخنا عن عقد الآلئ انه لو تعذر الاستئذان من السلطان كما في هذا الزمان من عدم التفات الساطين لمثل تلك الأمور فاجتمعت على شخص ليصلي بهم جاز. ا ه. 155 كل مصر يكون فيه يوم الجمعة، لان إمامة غيره إنما تجوز بأمره فإمامته أولى وإن كان مسافرا اه. أقول: مقتضاه أن الجواز في قول المصنف وجازت بمنى في معنى الوجوب، مع أن من شروط وجوبها أن من شروط وجوبها الإقامة، ولا يلزم من جواز إمامة الخليفة فيها وجوبها عليه إذا كان مسافرا، ولا أن يأمر مقيما بإقامتها، ولا يلزم أيضا من كون المصر من جملة ولايته أن يصير مقيما بوصوله إليه إلا على قول ضعيف كما قدمناه في الباب السابق - تأمل - ثم رأيت صاحب الحواشي السعدية اعترضه بقوله: دلالة ما ذكره على ما ادعاه من وجوب الجمعة على الخليفة إذا طا ف ولايته غير طاهرة اه. وبه ظهر أن الجواز في كلام المصنف على معناه، ويدل عليه ما في فتح القدير من قوله: والخليفة وإن كان قصد السفر للحج فالسفر إنما يرخص في الترك لا أنه يمنع صحتها اه. فافهم. قوله: (وعدم التعييد بمنى) أي عدم إقامة العيد بها لا لكونها ليست بمصر بل للتخفيف على الحاج لاشتغالهم بأمور الحج من الرمي والحلق والذبح في ذلك اليوم، بخلاف الجمعة لأنه لا يتفق في كل سنة هجوم الجمعة في أيام الرمي، أما العيد فإنه في كل سنة. سراج. وأيضا فإن الجمعة تبقى إلى آخر وقت الظهر، والغالب فراغ الحاج من أعمال الحج قبل ذلك، بخلاف وقت العيد، ومقتضى هذا أن الجمعة إذا أقيمت بمنى أن يجب على المقيمين من أهل مكة إذا خرجوا للحج خلافا لما بحثه في شرح المنية بل الظاهر وجوب إقامتها عليه. تأمل. تنبيه: ظاهر التعليل وجوب العيد مكة، وقد ذكر البيري في كتاب الأضحية أنه هو ومن أدركه من المشايخ لم يصلوها فيها، قال: والله أعلم ما السبب في ذلك؟ اه. قلت: لعل السبب أن من له ولاية إقامتها يكون حاجا في منى. قوله: (لا تجوز لأمير الموسم) هو المسمى أمير الحاج كما في مجمع الأنهر. أقول: كانت عادة سلاطين بني عثمان أيدهم الله تعالى أنهم يرسلون أمير يولونه أمور الحاج فقط غير أمير الشام، والآن جعلوا أمير الشام والحاج واحدا، فعلى هذا لا فرق بين أمير الموسم وأمير العراق لان كلا منهما له ولاية عامة، فإذا كان من عموم ولايته إقامة الجمعة في بلده بقيمها في منى أيضا، بخلاف من كان أميرا على الحاج فقط، ويوضح ما ذكرناه قول الشارح تبعا لغيره لقصور ولايته إلخ فافهم. قوله: (لأنها مفازة) أي برية لا أبنية فيها، بخلاف منى. قوله: (مطلقا) أي سواء كان المصر كبيرا أو لا، وسواء فصل بين جانبيه نهر كبير كبغداد أو لا، وسواء قطع الجسر أو بقي متصلا، وسواء كان التعدد في مسجدين أو أكثر، هكذا يفاد من الفتح، ومقتضاه أنه لا يلزم أن يكون التعدد بقدر الحاجة كما يدل عليه كلام السرخسي الآتي. قوله: (على المذهب) فقد ذكر الامام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر، وبه نأخذ لاطلاق لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط، وبما ذكرنا اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين لا في أكثر وعليه الاعتماد اه. فإن المذهب الجواز مطلقا. بحر. قوله: (دفعا للحرج) لان في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراط لا سيما إذا كان مصرا كبيرا كمصرنا كما قاله الكمال ط.
156 قوله: (وعلى المرجوح) هو ما مر عن البدائع من عدم الجواز في أكثر من موضعين. قوله: (لمن سبق تحريمة) وقيل يعتبر بالسبق الفراغ، وقيل بهما، والأول أصح. بحر عن القنية: أي أصح عند صاحب القول المرجوح. قال في الحلية: وكنت قد راجعت شيخنا: يعني الكمال في هذا كتابة، فكتبت إلي: وأما السبق فلا شك عندي في اعتباره بالخروج، وهل يعتبر معه الدخول محل تردد في خاطري، لان سبق كذا بتقدم دخول (1) تمامه في الوجود أو بتقدم انقضائه، كل محتمل اه. مطلب في نية آخر ظهر بعد صلاة الجمعة قوله: (فيصلي بعدها آخر ظهر) تفريعه على المرجوح يفيد أنه على الراجح من جواز التعدد لا يصليها بناء على ما قدمه عن البحر من أنه أفتى بذلك مرارا خوف اعتقاد عدم فرضية الجمعة. وقال في البحر: إنه لا احتياط في فعلها لأنه العمل بأقوى الدليلين اه. أقول: وفيه نظر، بل هو الاحتياط بمعنى الخروج عن العهدة بيقين، لأن جواز التعدد وإن كان أرجح وأقوى دليلا، لكن فيه شبهة قوية لان خلافه مروي عن أبي حنيفة أيضا، واختاره الطحاوي والتمرتاشي وصاحب المختار، وجعله العتابي الأظهر، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد كما ذكره المقدسي في رسالته نور الشمعة في ظهر الجمعة بل قال السبكي من الشافعية: إنه قول أكثر العلماء، ولا يحفظ عن صحابي ولا تابعي تجويز تعددها اه. وقد علمت قول البدائع: إنه ظاهر الرواية. وفي شرح المنية عن جوامع الفقه أنه أظهر الروايتين عن الامام. قال في النهر وفي الحاوي القدسي: وعليه الفتوى. وفي التكملة للرازي: وبه نأخذ اه. فهو حينئذ قول معتمد في المذهب لا قول ضعيف، ولذا قال في شرح المنية: الأولى هو الاحتياط، لان الخلاف في جواز التعدد وعدمه قوي، وكون الصحيح الجواز للضرورة للفتوى لا يمنع شرعية الاحتياط للتقوى اه. قلت: على أنه لو سلم ضعفه فالخروج عن خلافه أولى، فكيف مع خلاف هؤلاء الأئمة؟ وفي الحديث المتفق عليه فمن اتقى الشبهات استبرأ لدنيه وعرضه ولذا قال بعضهم فيمن يقضي صلاة عمره مع أنه لم يفته منها شئ: لا يكره لأنه أخذ بالاحتياط. وذكر في القنية أنه أحسن إن كان في صلاته خلاف المجتهدين، ويكفينا خلاف من مر. ونقل المقدسي عن المحيط: كل موضع وقع الشك في كونه مصرا ينبغي لهم أن يصلوا بعد الجمعة أربعا بنية الظهر احتياطا، حتى لو أنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر، ومثله في الكافي. وفي القنية: لما ابتلى أهل مرو بإقامة الجمعتين فيها مع اختلاف العلماء في جوازهما أمر أئمتهم بالأربع بعدها حتما احتياطا اه. ونقله كثير من شراح الهداية وغيرها وتداولوه. وفي الظهيرية: وأكثر مشايخ بخارى عليه ليخرج عن العهدة بيقين.
(1) قوله: (بتقدم دخول الخ) اي دخول جملته، بمعنى انه ابتدأ أولا وختم كذلك بخلاف تقدم الانقضاء فان المدار فيه على أولية الختم فقط. ا ه. 157 ثم نقل المقدسي عن الفتح أنه ينبغي أن يصلي أربعا ينوي بها آخر فرض أدركت وقته ولم أؤده إن تردد في كونه مصرا أو تعددت الجمعة، وذكر مثله عن المحقق ابن جرباش. قال: ثم قال: وفائدته الخروج عن الخلاف المتوهم أو المحقق وإن كان الصحيح صحة التعداد فهي نفع بلا ضرر، ثم ذكر ما يوهم عدم فعلها ودفعه بأحسن وجه. وذكر في النهر أنه لا ينبغي التردد في ندبها على القول بجواز التعدد خروجا عن الخلاف اه. وفي شرح الباقاني: هو الصحيح. وبالجملة فقد ثبت أنه ينبغي الاتيان بهذه الأربع بعد الجمعة، لكن بقي الكلام في تحقيق أنه واجب أو مندوب، قال المقدسي: ذكر ابن الشحنة عن جده التصريح بالندب، وبحث فيه بأنه ينبغي أن يكون عند مجرد التوهم، أما عند قيام الشك والاشتباه في صحة الجمعة فالظاهر الوجوب، ونقل عن شيخه ابن الهمام ما يفيده، وبه يعلم أنها هل تجزي عن السنة أم لا؟ فعند قيام الشك لا، وعند عدمه نعم، ويؤيد التفصيل تعبير التمرتاشي ب لا بد وكلام القنية المذكور اه. وتمام تحقيق المقام في رسالة المقدسي، وقد ذكر شذرة منها في إمداد الفتاح، وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما يوهمه كلام الشارح تبعا للبحر من عدم فعلها مطلقا. نعم إن أدى إلى مفسدة لا تفعل جهارا والكلام عند عدمها، ولذا قال المقدسي: نحن لا نأمر بذلك أمثال هذه العوام، بل ندل عليه الخواص ولو بالنسبة إليهم اه. والله تعالى أعلم. قوله: (لان وجوبه عليه بآخر الوقت) قال في الحلية: في هذا التعليل نظر، فإن المذهب أن الظهر يجب بزوال الشمس وجوبا موسعا إلى وقت العصر، غير أن السبب هو الجزء الذي يتصل به الأداء، فإن لم يؤد إلى آخر الوقت تعين الجزء الأخير للسببية اه. أقول: يمكن أن يجاب بأن قوله: والأحوط نية آخر ظهر أدركت وقته، هو أحوط بالنسبة إلى ما إذا نوى آخر ظهر وجب علي أداؤه أو ثبت في ذمتي فإنه ذلك لا يفيده لو ظهر عدم صحة الجمعة لان وجوب أدائه أو ثبوته في ذمته لا يكون إلا في آخر الوقت أو بعده نعم لو قال وجب علي يفيده، لان الوجوب بدخول الوقت، بخلاف وجوب الأداء على ما حققه في التوضيح من الفرق بين الوجوب ووجوب الأداء، لكن الأولى أن يزيد: ولم أصله أو ولم أؤده كما مر عن الفتح، لأنه إذا كان عليه ظهر فائت وكانت هذه الجمعة صحيحة في نفس الامر ينصرف ما نوى إلى ما عليه، وبدون هذه الزيادة لا ينصرف إليه بل يقع نفلا، لان آخر ظهر أدركه هو ظهر يوم الجمعة لما مر من أن الوقت عندنا الظهر أصالة في يوم الجمعة خلافا لزفر، وكذا إذا قلنا: إن ظهر الجمعة سقط عنه بصلاة الجمعة لأنه يصير آخر ظهر أدركه ظهر يوم الخميس فلا ينصرف إلى ظهر فائت عليه قبله إلا إذا زاد قوله: ولم أصله ولعل الشارح أشار إلى هذا بقوله فتنبه فافهم. تتمة: قال في شرح المنية الصغير: والأولى أن يصلي بعد الجمعة سنتها ثم الأربع بهذه النية: أي نية آخر ظهر أدركته ولم أصله، ثم ركعتين سنة الوقت، فإن صحت الجمعة يكون قد أدى سنتها على وجهها، وإلا فقد صلى الظهر مع سنته، وينبغي أن يقرأ السورة مع الفاتحة في هذه الأربع إن لم يكن عليه قضاء، فإن وقعت فرضا فالسورة لا تضر، وإن وقعت نفلا فقراءة السورة واجبة اه: أي وأما إذا كان عليه قضاء فلا يضم السورة، لأن هذه الأربع فرض على كل حال.
158 قلت: وحاصله أنه يصلي بعد الجمعة عشر ركعات، أربعا سنتها وأربعا آخر ظهر وركعتين سنة الوقت: أي لاحتمال أن الفرض هو الظهر فتقع الركعتان سنته البعدية. والظاهر أنه يكفي نية آخر ظهر عن الأربع سنة الجمعة إذا صحت الجمعة، لان المعتمد عدم اشتراط التعيين في السنن، وإن لم تصح فالفرض هو الظهر وتقع الأربع التي صلاها قبل الجمعة عن سنة الظهر القبلية، لكن لطول الفصل بصلاة الجمعة وسماع الخطبة يصلي أربعا أخرى، فالأولى صلاة العشرة. قوله: (فتنبه) في بعض النسخ. قنية. وهي صحيحة لان ما ذكره هو نص عبارة القنية. قوله: (وقت الظهر) فيه أن الوقت سبب لا شرط، وأنه لا بد منه في سائر الصلوات. والجواب أنه سبب للوجوب وشرط لصحة المؤدى، وشرطيته للجمعة ليست كشرطيته لغيرها، فإنه بخروج الوقت لا تبقى صحة للجمعة لا أداء ولا قضاء، بخلاف غيرها. سعدية. قوله: (مطلقا) أي ولو بعد القعود قدر التشهد كما في طلوع الشمس في صلاة الفجر كما مر بيانه في المسائل الاثني عشرية. قوله: (على المذهب) رد لما في النوادر من أن المقتدي إذا زحمه الناس فلم يستطع الركوع والسجود حتى فرغ الامام ودخل وقت العصر فإنه يتم الجمعة بغير قراءة. ح عن البحر. قوله: (الخطبة فيه) أي في الوقت، وهذا أحسن من قول الكنز: والخطبة قبلها: إذ لا تنصيص فيه على اشتراط كونها في الوقت. تنبيه: في البحر عن المجتبى يشترط في الخطيب أن يتأهل للإمامة في الجمعة اه. لكن ذكر قبله ما يخالفه حيث قال: وقد علم من تفاريعهم أنه لا يشترط في الامام أن يكون هو الخطيب، وقد صرح في الخلاصة بأنه لو خطب صبي بإذن السلطان وصلى الجمعة رجل بالغ يجوز اه. وسيذكر الشارح أن هذا هو المختار. تتمة: لم يقيد الخطبة بكونها بالعربية اكتفاء بما قدمه في باب صفة الصلاة من أنها غير شرط ولو مع القدرة على العربية عنده، خلافا لهما حيث شرطاها إلا عند العجز كالخلاف في الشروع في الصلاة. قوله: (والخامس كونها قبلها) أي بلا فاضل كثير، على ما سيأتي، وهي شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا كل من صلاها، فلذا قالوا: لو أحدث الامام فقدم من لم يشهدها جاز، لأنه بان تحريمته على تلك التحريمة المنشأة، فلو أفسدها الخليفة فالقياس أن لا يستقبل بهم الجمعة، لكن استحسنوا الجواز لأنه لما قام مقام الأول التحق به حكما، ولو كان الأول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهدها لم يجز. فتح ملخصا. قوله: (تنعقد الجمعة بهم) بأن يكونوا ذكورا بالغين عاقلين ولو كانوا معذورين بسفر أو مرض. قوله: (ولو كانوا صما أو نياما) أشار إلى أنه لا يشترط لصحتها كونها مسموعة لهم بل يكفي حضورهم، حتى لو بعدوا عنه أو ناموا أجزأت والظاهر أنه يشترط كونها جهرا بحيث يسمعها من كان عنده إذا لم يكن به مانع. شرح المنية. قوله: (على الأصح الخ) عزا تصحيحه في الحلية أيضا إلى المعراج والمبتغي بالغين، وجزم به في البدائع والتبيين وشرح المنية. قال في الحلية: لكن هذا إحدى الروايتين عن أئمتنا الثلاثة والأخرى أنها غير
159 شرط حتى لو خطب وحده جاز. وأفاد شيخنا: يعني الكمال اعتمادها. قوله: (لان الامر بالسعي (1) ليس إلا لاستماعه) كذا قال في النهر، وفيه أن الشرط الحضور كما مر لا السماع، فكان المناسب أن يقول: لان المأمور بالسعي جمع. تأمل. قوله: (وجزم في الخلاصة الخ) مشى عليه في نور الايضاح، وقال في شرحه: وإنما اتبعناه لأنه منطوق فيقدم على المفهوم اه: أي يفهم من قولهم يشترط حضور جماعة أنه لا يصح بحضور واحد، وقول صاحب الخلاصة: لو حضر واحد أو اثنان وخطب وصلى بالثلاثة جاز منطوق، وفيه نظر، فإن جعل حضور الجماعة شرطا منطوق أيضا لان الجماعة من الاجتماع فتنافي الوحدة وقد جعلت شرطا والشرط ما يلزم من عدمه العدم. تأمل. قوله: (وكفت تحميدة الخ) شروع في ركن الخطبة بعد بيان شروطها، وذلك لان المأمور به في آية: * (فاسعوا) * (الجمعة: 9) مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، والمأثور عنه (ص) لا يكون بيانا لعدم الاجمال في لفظ الذكر. قوله: (مع الكراهة) ظاهر القهستاني أنها تنزيهية. تأمل. قوله: (وأقله الخ) في العناية وهو مقدار ثلاث آيات عند الكرخي، وقيل مقدار التشهد من قوله: التحيات لله إلى قوله: عبده ورسوله. قوله: (بنيتها) أي نية الخطب. قوله: (أو تعجبا) الأولى أن يقول: أو سبح تعجبا ط. قوله: (على المذهب) وروي عن الامام أنه تجزيه ح. قوله: (لكنه ذكر) أي المصنف حيث قال: ولو عطس عند الذبح فقال الحمد لله لا يحل في الأصح، بخلاف الخطبة اه. فإن مفاده أن حمد العطاس يكفي لها. قال ح: ويمكن أن يجاب بأنه مبني على الرواية التي قدمناها. قوله: (ويسن خطبتان) لا ينافي ما مر من أن الخطبة شرط، لان المسنون هو تكرارها مرتين والشرط إحداهما. قوله: (على المذهب) وقال الطحاوي: بقدر ما يمس موضع جلوسه من المنبر. بحر. قوله: (وتكره زيادتهما الخ) عبارة القهستاني: وزيادة التطويل مكروهة. قوله: (كتركه قراءة فدر ثلاث آيات) أي يكره الاقتصار في الخطبة على نحو تسبيحة وتهليلة مما لا يكون ذكرا طويلا قدر ثلاث آيات أو قدر التشهد الواجب، وليس المراد أن ترك قراءة ثلاث آيات مكروه، لان المصرح به في الملتقى والمواهب ونور الايضاح وغيرها أن من السنن قراءة آية. وقال في الامداد وفي المحيط: يقرأ في الخطبة سورة من القرآن أو آية، فالاخبار قد تواترت أن النبي (ص) كان يقرأ القرآن في خطبته لا تخلو عن سورة أو آية، ثم قال: وإذا قرأ سورة تامة يتعوذ ثم يسمي قبلها، وإن قرأ آية قيل يتعوذ ثم يسمي - وأكثرهم قالوا: يتعوذ ولا يسمي، والاختلاف في القراءة في غير الخطبة كذلك اه ملخصا. وبه علم أن الاقتصار على الآية غير مكروه، فتدبر.
(1) قوله: (لان الامر بالسعي) اي الذكر كما هو مصرح به في الشرح ا ه مصححه. 160 مطلب في قول الخطيب: قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم تنبيه: جرت العادة إذا قرأ الخطيب الآية أنه يقول: قال الله تعالى بعد (1) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * (من عمل صالحا) * (الجاثية: 51) الخ، وفيه إيهام أن أعوذ بالله من مقول الله تعالى، وبعضهم يتباعد عن ذلك فيقول: قال الله تعالى كلاما أتلوه بعد قولي أعوذ بالله الخ، ولكن في حصول سنة الاستعاذة بذلك نظر لان المطلوب إنشاء الاستعاذة، ولم تبق كذلك بل صارت محكية مقصودا بها لفظها، وذلك ينافي الانشاء كما لا يخفى فالأولى أن لا يقول: قال الله تعالى، ولشيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي شارح البخاري في رسالة في هذه المسألة لا يحضرني الآن ما قاله فيها، فراجعها. قوله: (ويبدأ) أي قبل الخطبة الأولى بالتعوذ سرا، ثم بحمد الله تعالى والثناء عليه والشهادتين، والصلاة على النبي (ص)، والعظة والتذكير والقراءة. قال في التجنيس: والثانية كالأولى، إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ. قال في البحر: وظاهره أنه يسن قراءة آية فيها كالأولى اه. تنبيه: ما يفعله بعض الخطباء من تحويل الوجه جهة اليمين وجهة اليسار عند الصلاة على النبي (ص) في الخطبة الثانية لم أر من ذكره، والظاهر أنه بدعة ينبغي تركه لئلا يتوهم أنه سنة. ثم رأيت في منهاج النووي قال: ولا يلتفت يمينا وشمالا في شئ منها. قال ابن حجر في شرحه: لان ذلك بدعة اه. ويؤخذ ذلك عندنا من قول البدائع: ومن السنة أن يستقبل الناس بوجهه ويستدبر القبلة، لان النبي (ص) كان يخطب هكذا اه. قوله: (والعمين) هما حمزة والعباس رضي الله تعالى عنهما. لطيفة سمعت من بعض شيوخي أنه كان يقول: إن الخطباء يلحنون هنا مرتين حيث يقولون: وارض عن عمى نبيك الحمزة والعباس، بإدخال أل على حمزة وإبقاء منع صرفه، مع أنه لم يسمع دخول أل عليه وإذا دخلت يصرف. قوله: (وجوزه القهستاني الخ) عبارته: ثم يدعو لسلطان الزمان بالعدل والاحسان متجنبا في مدحه عما قالوا إنه كفر وخسران كما في الترغيب وغيره اه. وأشار الشارح بقوله: وجوز إلى حمل قوله ثم يدعو الخ على الجواز لا الندب، لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل. وقد قال في البحر: إنه لا يستحب، لما روي عن عطاء حين سئل عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا اه. ولا ينافي ذلك ما قدمه الشارح في باب الإمامة من وجوب الدعاء له بالصلاح، لان الكلام في نفي استحبابه في خصوص الخطبة، بل لا مانع من استحبابه فيها كما يدعى لعموم المسلمين فإن في صلاحه صلاح العالم. وما في البحر من أنه محدث لا ينافيه، فإن سلطان هذا الزمان أحوج إلى الدعاء له ولا مرائه بالسلام والنصر على الأعداء، وقد تكون البدعة واجبة أو مندوبة، على أنه ثبت (2) أن أبا موسى الأشعري وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق، فأنكر عليه تقديم عمر، فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال: إنما أنكرت تقديمك
(1) قوله: (قال الله تعالى بعد الخ) اي يقول هذا اللفظ الذي من جملته لفظ بعد وليس لفظ بعد ظرفا ليقول كما يتوهم ا ه. (2) قوله: (على أنه ثبت الخ) قضية كلامه الاستدلال بهذا الأثر على جواز الدعاء للسلطان وفيه نظر فإنه انما يفيد جواز ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة، ولا ينبغي ان يقاس عليهم غيرهم من السلاطين بل هو دليل على ما تقدم من قول الشارح ويندب ذكر الخلفاء الراشدين، والله أعلم ا ه. 161 على أبي بكر، فبكى واستغفره، والصحابة حينئذ متوفرون لا يسكتون على بدعة إلا إذا شهدت لها س الشرع ولم ينكر أحد منهم الدعاء بل التقديم فقط، وأيضا فإن الدعاء للسلطان على المنابر قد صار الآن من شعار السلطنة، فمن تركه يخشى عليه، ولذا قال بعض العلماء: لو قيل إن الدعاء له واجب لما في تركه من الفتنة غالبا لم يبعد، كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض. والظاهر أن منع المتقدمين مبني على ما كافي زمانهم من المجازفة في وصفه مثل السلطان العادل الأكرم شاهنشاه الأعظم مالك رقاب الأمم. ففي كتاب الردة من التاترخانية: سأل الصفار: هل يجوز ذلك؟ فقال: لا، لان بعض ألفاظه كفر وبعضها كذب. وقال أبو منصور: من قال للسلطان الذي بعض أفعاله ظلم: عادل، فهو كافر. وأما شاهنشاه فهو من خصائص الله تعالى بدون وصف الأعظم لا يجوز وصف العباد به، وأما مالك رقاب الأمم فهو كذب اه. قال في البزازية: فلذا كان أئمة خوارزم يتباعدون عن المحراب يوم العيد والجمعة اه. أما ما اعتيد في زماننا من الدعاء للسلاطين العثمانية أيدهم الله تعالى كسلطان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين فلا مانع منه، والله تعالى أعلم. قوله: (في مخدعه) هو الخلوة التي تكون في المسجد، قال السيوطي في حاشيته على سنن أبي داود: المخدع هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، وميمه تضم وتفتح اه. وفي القاموس: المخدع كمنبر الخزانة اه مدني. قوله: (عن يمين المنبر) قيد لمخدعه. قال في البحر: فإن لم يكن ففي جهته أو ناحيته، وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة. قوله: (ولبس السواد) اقتداء بالخلفاء وللتوارث في الاعصار والأمصار. بحر عن الحاوي القدسي. قلت: الظاهر أن هذا خاص بالخطيب، وإلا فالمنصوص أنه يستحب في الجمعة والعيدين لبس أحسن الثياب. وفي شرح الملتقى من فصل اللباس: ويستحب الأبيض وكذا الأسود لأنه شعار بني العباس، ودخل عليه الصلاة والسلام مكة وعلى رأسه عمامة سوداء اه. وفي رواية لابن عدي: كان له عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه. قوله: (وترك السلام) ومن الغريب ما في السراج أنه يستحب للامام إذا صعد المنبر وأقبل على الناس أن يسلم عليهم لأنه استدبرهم في صعوده اه بحر. قلت: وعبارته في الجوهرة: ويروى أنه لا بأس به لأنه استدبرهم في صعوده. قوله: (وطهارة وستر عورة قائما) جعل الثلاثة في شرح المنية واجبات، مع أنه نفسه صرح في متن الملتقى بسنية الطهارة والقيام كما في كثير من المعتبرات، وأما ستر العور فصرح بأنه سنة أيضا في نور الايضاح والمواهب، وصرح في المجمع وغيره بكراهة ترك الثلاثة، ولعل معنى سنية الستر مع كونه واجبا خارجها ولو في خلوة على الصحيح إلا لغرض صحيح هو الاعتداد بها وعدم وجوب إعادتها لو انكشفت عورته بهبوب ريح ونحوه، وكذا الطهارة من الجنابة واجبة لدخول المسجد ولو بلا خطبة فتصح خطبته وإن أثم لو متعمدا، ويدل على ما قلناه ما في البدائع حيث قال: والطهارة سنة عندنا لا
162 شرط، حتى أن الامام إذا خطب جنبا أو محدثا فإنه يعتبر شرطا لجواز الجمعة (1) اه. وفي الفيض: ولو خطب محدثا أو جنبا جاز ويأثم إثم إقامة الخطيب في المسجد اه. وبه ظهر أن معنى السنية مقابل الشرط من حيث صحة الخطبة بدونه وإن كان في نفسه واجبا كما قلنا، ونظير ذلك عده من واجبات الطواف لأجل إيجاب الدم بتركه، مع أنه واجب في جميع مشاهد الحج، لكن لا يجب الدم بتركه إلا في الطواف، هذا ما ظهر لي فاغتنمه. قال في شرح المنية: فإن قيل: من المعلوم يقينا أنه عليه الصلاة والسلام لم يخطب قط بدون ستر وطهارة. قلنا: نعم، ولكن لكون ذلك دأبه وعادته وأدبه ولا دليل على أنه إنما فعله لخصوص الخطبة. قوله: (الأصح لا) ولذا لا يشترط لها سائر شروط الصلاة كالاستقبال والطهارة وغيرهما. قوله: (بل كشطره في الثواب) هذا تأويل لما ورد به الأثر من أن الخطبة كشطر الصلاة، فإن مقتضاه أنها قامت مقام ركعتين من الظهر كما قامت الجمعة مقام ركعتين منه فيشترط لها شروط الصلاة كما هو قول الشافعي. قوله: (جاز) أي ولا يعد الغسل فاصلا لأنه من أعمال الصلاة، ولكن الأولى إعادتها كما لو تطوع بعدها أو أفسد الجمعة أو فسدت بتذكر فائتة فيها كما في البحر. قوله: (فإن طال) الظاهر أنه يرجع في الطول إلى نظر المبتلى ط. قوله: (لكن سيجئ الخ) استدراك على لزوم إعادة الخطبة: يعني قد لا تلزم الإعادة بأن يستنيب شخصا قبل أن يرجع لبيته. قوله: (وأقلها ثلاثة رجال) أطلق فيهم فشمل العبيد والمسافرين والمرضى والأميين والخرسي لصلاحيتهم للإمامة في الجمعة، أما لكل أحد أو لمن هو مثلهم في الأمي والأخرس فصلحا أن يقتديا بمن فوقهما، واحترز بالرجال عن النساء والصبيان فإن الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة فيها بحال. بحر عن المحيط. قوله: (ولو غير الثلاثة الذين حضروا الخطبة) أي على رواية اشتراط حضور ثلاثة في الخطبة، أما على رواية عدم الاشتراط أصلا أو أنه يكفي حضور واحد فأظهر. قوله: (سوى الامام) هذا عند أبي حنيفة ورجح الشارحون دليله واختاره المحبوبي والنسفي، كذا في تصحيح الشيخ قاسم. قوله: (بنص فاسعوا) لان طلب الحضور إلى الذكر متعلقا بلفظ الجمع وهو الواو يستلزم ذاكرا فلزم أن يكون مع الامام جمع، وتمامه في شرح المنية. قوله: (فإن نفروا) أي بعد شروعهم معه. نهر. والمقصود من هذا التفريع بيان أن هذا الشرط وهو الجماعة لا يلزم بقاؤه إلى آخر الصلاة، خلافا لزفر لأنه شرط انعقاد لا شرط دوام كالخطبة: أي شرط انعقاد التحريمة عندهما، وشرط انعقاد الأداء عند أبي حنيفة، ولا يتحقق الأداء إلا بوجود تمام الأركان وهي القيام والقراءة والركوع والسجود، فلو نفروا بعد التحريمة قبل السجود فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده،
(1) قوله: (فإنه يعتبر شرطا) اي ما فعله الامام من الخطبة جنبا أو محدثا يعتبر ويعتد به من حيث كونه شرطا لصحة الجمعة بمعنى انه يجزى ويكفى وان كان مرتكبا لمحرم لو كان بلا عذر ا ه منه. 163 وعندهما يتم الجمعة، وتمامه في البحر وغيره. قوله: (ولذا) أي لكون المراد الرجال، أتى بالتاء فأفاد أنه لو بقي ثلاثة من النساء أو الصبيان ولو كان معهم رجل أو رجلان لا يعتبر، فلو قال: فإن نفر واحد منهم لكان أولى. أفاده في البحر. بقي أن يقال: إن المعدود إذا حذف يجوز تذكير العدد وتأنيثه فلا دلالة على اشتراط الذكورية من لفظ ثلاثة، ولو سلم فإنما تدل التاء على مطلق الذكورية لا بقيد الرجولية ط. فالأظهر والاخصر أن يقول: وإن بقوا ليعود ضميره على ما عاد عليه ضمير نفروا الأول وهو ثلاثة رجال. قوله: (أو عادوا) وكذا لو وقفوا إلى أن ركع فأحرموا وأدركوه فيه كما في البحر. قوله: (وأدركوه راكعا) تقييد حسن موافق لما في الخلاصة، خلافا لما يوهمه ظاهر البحر كما في النهر. قوله: (أو نفروا الخ) يغني عنه قوله أولا ولو غير الثلاثة الخ ط. قوله: (وأتمها جمعة) أي ولو وحده فيما إذا لم يعودوا ولم يأت غيرهم. قوله: (الاذن العام) أي أن يأذن للناس إذنا عاما بأن لا يمنع أحدا ممن تصح منه الجمعة عن دخول الموضع الذي تصلي فيه، وهذا مراد من فسر الاذن العام بالاشتهار، وكذا في البرجندي إسماعيل، وإنما كان هذا شرطا لان الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9) والنداء للاشتهار، وكذا تسمى جمعة لاجتماع الجماعات فيها، فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور تحقيقا لمعنى الاسم. بدائع. واعلم أن هذا الشرط لم يذكر في ظاهر الرواية، ولذا لم يذكره في الهداية بل هو مذكور في النوادر، ومشى عليه في الكنز و الوقاية والنقاية والملتقى وكثير من المعتبرات. قوله: (من الامام) قيد به بالنظر إلى المثال الآتي، وإلا فالمراد الاذن من مقيمها لما في البرجندي من أنه لو أغلق جماعة باب الجامع وصلوا فيه الجمعة لا تجوز. إسماعيل. قوله: (وهو يحصل الخ) أشار به إلى أنه لا يشترط صريح الاذن ط. قوله: (للواردين) أي من المكلفين بها فلا يضر منع نحو النساء لخوف الفتنة ط. قوله: (لان الاذن العام مقرر لأهله) أي لأهل القلعة لأنها في معنى الحصن، والأحسن عود الضمير إلى المصر المفهوم من المقام، لأنه لا يكفي الاذن لأهل الحصن فقط، بل الشرط الاذن للجماعات كلها كما مر عن البدائع. قوله: (وغلقه لمنع العدو الخ) أي أن الاذن هنا موجود قبل غلق البا ب لكل من أراد الصلاة، والذي يضر إنما هو منع المصلين لا منع العدو. قوله: (لكان أحسن) لأنه أبعد عن الشبهة، لأن الظاهر اشتراط الاذن وقت الصلاة لا قبلها لان النداء للاشتهار كما مر، وهم يغلقون الباب وقت النداء أو قبيله، فمن سمع النداء وأراد الذهاب إليها لا يمكنه الدخول، فالمنع حال الصلاة متحقق، ولذا استظهر (1) الشيخ إسماعيل عدم الصحة. ثم رأيت مثله في نهج الحياة معزيا إلى رسالة العلامة عبد البر بن الشحنة، والله أعلم. قوله: (وهذا
(1) قوله: (ولذا استظهر الخ) ظاهر الكلام المحشي اعتبار هذا البحث لكن قال شيخنا المعتبر كلام الشارح وان حصل الغلق وقت الصلاة لان الأبحاث لا يعمل بها إذا كان المنصوص بخلافها ا ه. 164 أولى مما في البحر والمنح) ما في البحر والمنح هو ما فرعه في المتن بقوله: فلو دخل أمير حصنا أي أنه أولى من الجزم بعدم الانعقاد. قوله: (أو قصره) كذا في الزيلعي والدرر وغيرهما، وذكر الواني في حاشية الدرر أن المناسب للسياق أو مصره بالميم بدل القاف. قلت: ولا يخفى بعده عن السياق. وفي الكافي التعبير بالدار حيث قال: والإذن العام وهو أن تفتح أبواب الجامع ويؤذن للناس، حتى لو اجتمعت جماعة في الجامع وأغلقوا الأبواب وجمعوا لم يجز، وكذا السلطان إذا أراد أن يصلي بحشمة فداره: فإن فتح بابها وأذن للناس إذنا عاما جازت صلاته شهدتها العامة أو لا، وإن لم يفتح أبواب الدار وأغلق الأبواب وأجلس البوابين ليمنعوا عن الدخول لم تجز، لان اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها على الناس وذا لا يحصل إلا بالإذن العام اه. قلت: وينبغي أن يكون (1) محل النزاع ما إذا كانت لا تقام إلا في محل واحد، أما لو تعددت فلا، لأنه لا يتحقق التفويت كما أفاده التعليل. تأمل. قوله: (لم تنعقد) يحمل على ما إذا منع الناس فلا يضر إغلاقه لمنع عدو أو لعادة كما مر ط. قلت: ويؤيده قول الكافي: وأجلس البوابين الخ، فتأمل. قوله: (وأذن للناس الخ) مفاده اشتراط علمهم بذلك. وفي منح الغفار) وكذا أي لا يصح لو جمع في قصره لحشمه ولم يغلق الباب ولم يمنع أحدا. إلا أنه لم يعلم الناس بذلك اه. قوله: (وكره) لأنه لم يقض حق المسجد الجامع. زيلعي ودرر. قوله: (فالامام الخ) ذكره في المجتبى. مطلب في شروط وجوب الجمعة قوله: (تختص بها) إنما وصف التسعة بالاختصاص لان المذكور في المتن أحد عشر، لكن العقل والبلوغ منها ليسا خاصين كما نبه عليه الشارح اه ح. قوله: (إقامة) خرج به المسافر، وقوله: بمصر أخرج الإقامة في غيره إلا ما استثنى بقوله: فإن كان يسمع النداء ح. قوله: (يسمع النداء) أي من المنابر بأعلى صوت كما في القهستاني. قوله: (وقدمنا الخ) فيه أن ما مر عن الولوالجية في حد (2) الفناء الذي تصح إقامة الجمعة فيه، والكلام هنا في حد المكان الذي من كان فيه يلزمه الحضور إلى المصر ليصليها فيه، نعم في التاترخانية عن الذخيرة أن من بينه وبين المصر
(1) قوله: (وينبغي ان يكون الخ) هذا بحث منه لا يصادم اطلاق عبارات الفقهاء ومن المعلوم ان الحكم يفاد من التعليل فالحق الاطلاق وعدم الانعقاد وان تعددت ا ه. (2) قوله: (والكلام هنا في حد الخ) محصل عبارته الاعتراض على الشارح بذكر عبارة الولوالجية هنا مع أن الموضوع مختلف. وأجاب شيخنا بان هذا الاختلاف لا يضر بأنه لا يلزم من كون هذا المكان تصح إقامة الجمعة فيه ان تجب على ساكنه فيكون فعل الشارح حينئذ مناسبا ويؤيد هذا الجواب ما قاله المحشي نفسه بعد بحثا بقوله فإذا صحت في الفناء وهو ملحق بالمصر يجب على من كان فيه ان يصليها. ا ه. 165 فرسخ يلزمه حضور الجمعة، وهو المختار للفتوى. قوله: (ورجح في البحر الخ) هو ما استحسنه في البدائع، وصحح في مواهب الرحمن قول أبي يوسف بوجوبها على من كان داخل حد الإقامة: أي الذي من فارقه يصير مسافرا وإذا وصل إليه يصير مقيما، وعلله في شرحه المسمى بالبرهان بأن وجوبها مختص بأهل المصر، والخارج عن هذا الحد ليس أهله اه. قلت: وهو ظاهر المتون. وفي المعراج أنه أصح ما قيل. وفي الخانية: المقيم في موضع من أطراف المصر إن كان بينه وبين عمران المصر فرجة من مزارع لا جمعة عليه وإن بلغه النداء، وتقدير البعد بغلوة أو ميل ليس بشئ، هكذا رواه أبو جعفر عن الامامين وهو اختيار الحلواني. وفي التاترخانية: ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن المصر أو ما يتصل به، فلا تجب على أهل السواد ولو قريبا، وهذا أصح ما قيل فيه اه. وبه جزم في التجنيس. قال في الامداد تنبيه قد علمت بنص الحديث والأثر والروايات عن أئمتنا الثلاثة واختيار المحققين من أهل الترجيح أنه لا عبرة ببلوغ النداء ولا بالغلوة والأميال فلا عليك من مخالفة غيره وإن صح اه. أقول: وينبغي تقييد ما في الخانية والتاترخانية بما إذا لم يكن في فناء المصر لما مر أنها تصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع، فإذا صحت في الفناء لأنه ملحق بالمصر يجب على من كان فيه أن يصليها لأنه من أهل المصر كما يعلم من تعلي البرهان، والله الموفق. قوله: (وصحة) قال في النهر: فلا تجب على مريض ساء مزاجه وأمكن في الأغلب علاجه، فخرج المقعد والأعمى ولذا عطفهما عليه فلا تكرار في كلامه كما توهمه في البحر اه. فلو وجد المريض ما يركبه ففي القنية هو كالأعمى على الخلاف إذا وجد قائدا، وقيل لا يجب عليه اتفاقا كالمقعد، وقيل هو كالقادر على الشئ فتجب في قولهم، وتعقبه السروجي بأنه ينبغي تصحيح عدمه لان في التزامه الركوب والحضور زيادة المرض. قلت: فينبغي تصحيح عدم الوجوب إن كان الامر في حقه كذلك. حلية. قوله: (وألحق بالمريض الممرض) أي من يعول المريض، وهذا إن بقي المريض ضائعا بخروجه في الأصح. حلية وجوهرة. قوله: (والأصح الخ) ذكره في السراج، قال في البحر: ولا يخفى ما فيه اه: أي لوجود الرق فيهما، والمراد بالمبعض من أعتق بعضه وصار يسعى كما في الخانية. قوله: (وأجير) مفاده أنه ليس للمستأجر منه، وهو أحد قولين، وظاهر المتون يشهد له كما في البحر. قوله: (بحسابه لو بعيدا) فإن كان قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة وليس للأجير أن يطالبه من الربع المحطوط بمقدار اشتغاله بالصلاة. تاترخانية. قوله: (ولو أذن له مولاه) أي بالصلاة، وليس المراد المأذون بالتجارة فإنه لا يجب عليه اتفاقا كما يعلم من عبارة البحر ح قوله: (ورجح في البحر التخيير) أي بأنه جزم به في الظهيرية وبأنه أليق بالقواعد اه. قلت: ويؤيده أنه في الجوهرة أعاد المسألة في الباب الآتي وجزم بعدم وجوبها عليه، حيث ذكر أن من لا تجب عليه الجمعة لا تجب عليه العيد، إلا المملوك فإنها تجب عليه إذا أذن له مولاه، لا الجمعة لان لها بدلا يقوم مقامها في حقه وهو الظهر، بخلاف العيد، ثم قال: وينبغي أن لا تجب
166 عليه كالجمعة لان منافعه لا تصير مملوكة له بالاذن، فحاله بعده كحاله قبله، ألا ترى أنه لو حج بالاذن لا تسقط عنه حجة الاسلام اه. ولا يخفى أنه إذا لم تجب عليه يخير لأنه فرع عدم الوجوب. وفي البحر أيضا: وهل يحل له الخروج إليها أو إلى العيدين بلا إذن مولاه؟ ففي التجنيس: إن علم رضاه أو رآه فسكت حل، وكذا إذا كان يمسك دابة المولى عند الجامع ولا يخل بحقه في الامساك، له ذلك في الأصح. قوله: (محققة) ذكره في النهر بحثا لاخراج الخنثى المشكل، ونقله الشيخ إسماعيل عن البرجندي: قيل معاملته بالأضر تقتضي وجوبها عليه. أقول: فيه نظر، بل تقتضي عدم خروجه إلى مجامع الرجال ولذا لا تجب على المرأة، فافهم. قوله: (وليسا خاصين) أي بالجمعة بل هما شرطا التكليف بالعبادات كلها كالاسلام، على أن الجنون يخرج بقيد الصحة لأنه مرض، بل قال الشاعر: وأصعب أمراض النفوس جنونها قوله: (فتجب على الأعور) وكذا ضعيف البصر فيما يظهر، أما الأعمى فلا وإن قدر على قائد متبرع أو بأخرة، وعندهما: إن قدر على ذلك تجب، وتوقف في البحر فيما لو أقيمت وهو حاضر في المسجد. وأجاب بعض العلماء بأنه إن كان متطهرا فالظاهر الوجوب لان العلة الحرج وهو منتف. وأقول: بل يظهر لي وجوبها (1) على بعض العميان الذي يمشي في الأسواق ويعرف الطرق بلا قائد ولا كلفة ويعرف أي مسجد أراده بلا سؤال أحد، لأنه حينئذ كالمريض القادر على الخروج بنفسه، بل ربما تلحقه مشقة أكثر من هذا. تأمل. قوله: (وقدرته على المشي) فلا تجب على المقعد وإن وجد حاملا اتفاقا. خانية. لأنه غير قادر على السعي أصلا فلا يجري فيه الخلاف في الأعمى كما نبه عليه القهستاني. قوله: (أحدهما) أي أحد الرجلين ح. والمناسب إحداهما. قوله: (لكن الخ) أجاب السيد أبو السعود بحمل ما في البحر على العرج الغير المانع من المشي، وما هنا على المانع منه. قوله: (وعدم حبس) ينبغي تقييده بكونه مظلوما كمديون معسر، فلو موسرا قادرا على الأداء حالا وجبت. قوله: (وعدم خوف) أي من سلطان أو لص. منح. قال في الامداد: ويلحق به المفلس إذا خاف الحبس كما جاز له التيمم به. قوله: (ووحل وثلج) أي شديدين. قوله: (ونحوهما) أي كبرد شديد كما قدمناه في باب الإمامة. قوله: (أي هذه الشروط) أي شروط الافتراض. قوله: (إن اختار العزيمة) أي صلاة الجمعة، لأنه رخص له في تركها إلى الظهر فصارت الظهر في حقه رخصة والجمعة عزيمة، كالفطر للمسافر هو رخصة له والصوم عزيمة في حقه لأنه أشق، فافهم. قوله: (بالغ عاقل) تفسير للمكلف، وخرج به الصبي فإنها تقع منه نفلا، والمجنون فإنه لا صلاة له
(1) قوله: (بل يظهر لي وجوبها الخ) الحق عدم الوجوب وان انتفت المشقة لان علل الفقه لا يشترط اطرادها بل يبنى الحكم فيه على الغالب. الا ترى المسافر فإنه لم يقل أحد بوجوب الصوم عليه وان انتفت المشقة ا ه. 167 أصلا. بحر عن البدائع. قوله: (لئلا يعود على موضوعه بالنقض) يعني لو لم نقل بوقوعها فرضا بل ألزمناه بصلاة الظهر لعاد على موضوعه بالنقض، وذلك لان صلاة الظهر في حقه رخصة، فإذا أتى بالعزيمة وتحمل المشقة صح، ولو ألزمناه بالظهر بعدها لحملناه مشقة ونقضنا الموضوع في حقه وهو التسهيل اه ح. قلت: فالمراد بالموضوع الأصل الذي بني عليه سقوط الجمعة هنا وهو التسهيل والترخيص الذي استدعاه العذر، ومنه النظر للمولى في جانب العبد. قال في البحر: لأنا لو لم نجوزها وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا. قوله: (وفي البحر الخ) أخذه في البحر من ظاهر قولهم: إن الظهر لهم رخصة، فدل على أن الجمعة عزيمة وهي أفضل، إلا للمرأة لان صلاتها في بيتها أفضل، وأقره في النهر. ومقتضى التعليل أنه لو كان بيتها لصيق جدار المسجد بلا مانع من صحة الاقتداء تكون أفضل لها أيضا. قوله: (من صلح لغيرها) أي لامامة غير الجمعة فهو على تقدير مضاف، والمراد الإمامة للرجال، فخرج الصبي لأنه مسلوب الأهلية والمرأة لأنها لا تصلح إماما للرجال. قوله: (وتنعقد بهم) أشار به إلى خلاف الشافعي رحمه الله، حيث قال بصحة إمامتهم وعدم الاعتداد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، وذلك لأنهم لما صلحوا للإمامة فلان يصلحوا للاقتداء أولى. عناية. قوله: (وحرم الخ) عدل عن قول القدوري والكنز، وكره لقول ابن الهمام: لا بد من كون المراد حرم، لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر، غير أن الظهر تقع صحيحة وإن كان مأمورا بالاعراض عنها. وأجاب في البحر بأن الحرام هو ترك السعي المفوت لها، أما صلاة الظهر قبلها فغير مفوتة للجمعة حتى تكون حراما، فإن سعيه بعدها للجمعة فرض كما صرحوا به، وإنما تكره الظهر قبلها لأنها قد تكون سببا للتفويت باعتماده عليها، وهم إنما حكموا بالكراهة على صلاة الظهر لا على ترك الجمعة اه ملخصا، واستحسنه في النهر. قوله: (لمن لا عذر له) أما المعذور فيستحب له تأخيرها إلى فراغ الامام كما يأتي. قوله: (فلا يكره) بل هو فرض عليه لفوات الجمعة. قال في البحر: فنفس الصلاة غير مكروهة وتفويت الجمعة حرام، وهو مؤيد لما قلنا اه: يعني أن الكراهة ليست لذات الصلاة بل لخارج عنها وهو كونها سببا لتفويت الجمعة، بدليل أنه لو صلاها بعد فوت الجمعة لم يكره فعلها بعدها بل يجب. وقد يقال: مراد الغاية عدم الكراهة عند الاشتباه في صحة الجمعة، فيكون المراد فعلها بعد صلاته للجمعة لا بعد فوتها، تأمل. قوله: (في يومها) متعلق بمحذوف حال من الظهر: أي الظهر الواقع في يومها احترازا عن ظهر سابق على يومها، فإنه لو قضاه قبلها لم يكره بل يجب على ذي ترتيب، فافهم. قوله: (بمصر) أما لو كان في قرية فلا يكره لعدم صحة الجمعة فيها. قوله: (لكونه سببا) قد علمت ما فيه من بحث صاحب البحر ح. قوله: (وهو) أي التفويت. قوله: (اتباعا للآية) أي لان السعي مقتض للهرولة، مع أن المطلوب المشي إليها بالسكينة والوقار اه ح. وكأنه اختير التعبير به في الآية للحث على الذهاب إليها، والله أعلم.
168 والأولى أن يقول: عبر به لأنه لو كان في المسجد الخ كما فعل في البحر والنهر، أو يقول: ولأنه بالعطف على اتباعا. قوله: (لم يبطل إلا بالشروع) ينبغي تقييده (1) بما إذا كان صلى في مجلسه، أما لو قام منه وسعى إلى مكان آخر على عزم صلاة الجمعة مع الامام يبطل بمجرد سعيه. تأمل. قوله: (لأنه لو خرج لحاجة الخ) ولو شرك فيها فالعبرة للأغلب كما يفاد من البحر ط، وفيه أن ما ذكره في البحر بالنظر إلى الثواب وهل يتأتى ذلك هنا؟ محل تأمل، والظاهر الاكتفاء بذلك ولو كان الأغلب الحاجة لتحقق السعي إليها وإن كان لا ثواب له تأمل. قوله: (أو مع فراغ الامام) ومثله بالأولى ما في الفتح: لو كان بعد فراغه منها، لأنه في الصورتين لا يكون سعيه إليها ولكن هذا مسلم لو كان عالما بذلك وإلا فلا، فالمناسب إخراج هذه المسائل بقوله بعده والامام فيها تأمل. قوله: (أو لم يقمها أصلا) أي لعذر أو غيره، وكذا لو توجه إليها والامام والناس فيها إلا أنهم خرجوا منها قبل إتمامها لنائبة فالصحيح أنه لا يبطل ظهره. بحر عن السراج. قوله: (فالبطلان به) أي بطلان الظهر بالسعي إلى الجمعة. قوله: (مقيد بإمكان إدراكها) كذا في البحر، وأيده في النهر بما يأتي عن السراج وهو غير صحيح كما تعرفه. قوله: (فالأصح أنه لا يبطل. سراج) تبع في هذا صاحب النهر، والصواب إسقاط لا قال في البحر: وأطلق: أي في البطلان فشمل ما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع كون الامام فيها وقت الخروج أو لم يكن شرع، وهو قول البلخيين. قال في السراج: وهو الصحيح لأنه توجه إليها وهي لم تفت بعد، حتى لو كان بيته قريبا من المسجد وسمع الجماعة في الركعة الثانية فتوجه بعد ما صلى الظهر في منزله بطل الظهر على الأصح أيضا لما ذكرنا اه. قلت: ومثله في شروح الهداية كالنهاية والكفاية والمعراج والفتح. قوله: (بطل ظهره) أي وصف الفرضية وصار نفلا بناء على أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما، خلافا لمحمد. قوله: (ولا ظهر من اقتدى به الخ) لان بطلانه في حق الامام بعد الفراغ فلا يضر المأموم. بحر عن المحيط: أي فلا يقال: الأصل أن صلاة المأموم تفسد بفساد صلاة الامام لأنه بعد الفراغ من الصلاة لم يبق مأموما، وله نظائر قدمناها في باب الإمامة. منها: ما لو ارتد الامام والعياذ بالله تعالى ثم أسلم في الوقت: يلزمه الإعادة دون القوم. ومنها: ما لو سلم القوم قبل الامام بعد قعوده قدر التشهد ثم عرض له واحدة من المسائل الاثني عشرية أو سجد هو للسهو ولم يسجدوا معه ثم عرض له ذلك: تبطل صلاته وحده، فافهم. قوله: (أدركها أو لا) أي ولو كان عدم إدراكه لها لبعد المسافة لما علمت من أن التقييد بإمكان إدراكها خلاف الصحيح، فافهم. ثم إذا لم يدركها أو بدا له الرجوع فرجع لزمه إعادة الظهر كما في شرح المنية. قوله: (بلا فرق بين معذور وغيره) قال في الجوهرة: والعبد والمريض والمسافر
(1) قوله: (ينبغي تقييده) قد يقال لا حاجة إلى التقييد. والظاهر الاطلاق لان حكمهم على المسجد بكونه بقعة واحدة في بعض الأحكام كسجود التلاوة لا يجب بتكرر الآية فيه الا مرة واحدة يقتضي الاطلاق ا ه. 169 وغيرهم سواء في الانتفاض بالسعي اه. وعزاه في البحر إلى غاية البيان والسراج، ثم استشكله بأن المعذور ليس بمأمور بالسعي إليها مطلقا، فينبغي أن لا يبطل ظهره بالسعي ولا بالشروع في الجمعة لان الفرض سقط عنه، ولم يكن مأمورا بنقضه فتكون الجمعة نفلا كما قال به زفر والشافعي. قال: وظاهر ما في المحيط أن ظهره إنما يبطل بحضوره الجمعة لا بمجرد سعيه كما في غير المعذور، وهو أخف إشكالا اه. قلت: ويجاب عنه بما في الزيلعي والفتح أنه إنما رخص له تركها للعذر وبالالتزام التحق بالصحيح. قوله: (على المذهب) عبارة شرح المنية هو الصحيح من المذهب ثم قال: خلافا لزفر هو يقول: إن فرضه الظهر وقد أداه في وقته فلا يبطل بغيره، ولنا أن المعذور إنما فارق غيره في الترخص بترك السعي، فإذا لم يترخص التحق بغيره اه. قوله: (لمعذور) وكذا غيره بالأولى. نهر. قوله: (ومسجون) صرح به كالكنز وغيره مع دخوله في المعذور لرد ما قيل إنها تلزمه، لأنه إن كان ظالما قدر على إرضاء خصمه وإلا أمكنه الاستغاثة اه. قال الخير الرملي: وفي زماننا لا مغيث للمظلوم والغلبة للظالمين، فمن عارضهم بحق أهلكوه. قوله: (تحريما) ذكر في البحر أنه ظاهر كلامهم. قلت: بل صرح به القهستاني. قوله: (أداء ظهر بجماعة) مفهومه أن القضاء بالجماعة غير مكروه، وفي البحر: وقيد بالظهر لان في غيرها لا بأس أن يصلوا جماعة اه. قوله: (في مصر) بخلاف القرى لأنه لا جمعة عليهم، فكان هذا اليوم في حقهم كغيره من الأيام. شرح المنية، وفي المعراج عن المجتبى: من لا تجب عليهم الجمعة لبعد الموضع صلوا الظهر بجماعة. قوله: (لتقليل الجماعة) لان المعذور قد يقتدى به غيره فيؤدي إلى تركها. بحر. وكذا إذا علم أنه يصلي بعدها بجماعة ربما يتركها ليصلي معه، فافهم. قوله: (وصورة المعارضة) لان شعار المسلمين في هذا اليوم صلاة الجمعة وقصد المعارضة لهم يؤدي إلى أمر عظيم فكان في صورتها كراهة التحريم. رحمتي. قوله: (تغلق) لئلا تجتمع فيها جماعة. بحر عن السراج. قوله: (إلا الجامع) أي الذي تقام فيه الجمعة، فإن فتحه في وقت الظهر ضروري، والظاهر أنه يغلق أيضا بعد إقامة الجمعة لئلا يجتمع فيه أحد بعدها، إلا أن يقال: إن العادة الجارية هي اجتماع الناس في أول الوقت فيغلق ما سواه مما لا تقام فيه الجمعة ليضطروا إلى المجئ إليه، وعلى هذا فيغلق غيره إلى الفراغ منها، لكن لا داعي إلى فتحه بعدها فيبقى مغلوقا إلى وقت العصر، ثم كل هذا مبالغة في المنع عن صلاة غير الجمعة وإظهارا لتأكدها. قوله: (وكذا أهل مصر الخ) الظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية لعدم التقليل والمعارضة المذكورين، ويؤيده ما في القهستاني عن المضمرات: يصلون وحدانا استحبابا. قوله: (بغير أذان ولا إقامة) قال في الولوالجية: ولا يصلي يوم الجمعة جماعة بمصر ولا يؤذن ولا يقيم في سجن وغيره لصلاة الظهر اه. قال في النهر: وهذا أولى مما في السراج معزيا إلى جمع التفاريق من أن الأذان والإقامة غير مكروهين. قوله: (ويستحب للمريض) عبارة القهستاني: المعذور، وهي أعم. قوله: (وكره) ظاهر قوله: يستحب أن الكراهة تنزيهية. نهر. وعليه فما في شرح الدرر للشيخ
170 إسماعيل عن المحيط من عدم الكراهة اتفاقا محمول على نفي التحريمية. قوله: (ومن أدركها) أي الجمعة. قوله: (أو سجود سهو) ولو في تشهده ط. قوله: (على القول به فيها) أي على القول بفعله في الجمعة. والمختار عند المتأخرين أن لا يسجد للسهو في الجمعة والعيدين لتوهم الزيادة من الجهال، كذا في السراج وغيره. بحر. وليس المراد عدم جوازه، بل الأولى تركه كيلا يقع الناس في فتنة. أبو السعود عن العزمية، ومثله في الايضاح لابن كمال. قوله: (يتمها جمعة) وهو مخير في القراءة إن شاء جهر وإن شاء خافت. بحر. قوله: (خلافا لمحمد) حيث قال: إن أدرك معه ركوع الركعة الثانية بنى عليها الجمعة، وإن أدرك فيما بعد ذلك بنى عليها الظهر لأنه جمعة من وجه وظهر من وجه لفوات بعض الشرائط في حقه، فيصلي أربعا اعتبارا للظهر ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة، ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية. ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى تشترط له نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه لما ذكر لأنهما مختلفان لا يبنى أحدهما على تحريمة الآخر كذا في الهداية. قوله: (لكن في السراج الخ) أقول: ما في السراج ذكره في عيد الظهيرية عن بعض المشايخ، ثم ذكر عن بعضهم أنه يصير مدركا بلا خلاف وقال: وهو الصحيح. قوله: (اتفاقا) لما علمت أنها عند محمد ليست ظهرا من كل وجه. قوله: (ثم الظاهر الخ) ذكر في الظهيرية معزيا إلى المنتقى: مسافر أدر ك الامام يوم الجمعة في التشهد يصلي أربعا بالتكبير الذي دخل فيه اه. قال في البحر: وهو مخصص لما في المتون مقتض لحملها على ما إذا كانت الجمعة واجبة على المسبوق، أما إذا لم تكن واجبة فإنه يتم ظهرا اه. وأجاب في النهر بأن الظاهر أن هذا مخرج على قول محمد، غاية الأمر أن صاحب المنتقى جزم به لاختياره إياه، والمسافر مثال لا قيد اه. قلت: ويؤيده ما مر عن الهداية من أنه لا وجه عندهما لبناء الظهر على الجمعة، لأنهما مختلفان على أن المسافر لما التزم الجمعة صارت واجبة عليه ولذا صحت إمامته فيها، وأيضا المسافر إذا صلى الظهر قبلها ثم سعى إليها بطل ظهره وإن لم يدركها، فكيف إذا أدركها؟ لا يصليها، بل يصليها ظهرا، والظهر لا يبطل الظهر، فالظاهر ما في النهر. ووجه تخصيص المسافر بالذكر دفع توهم أنه يصليها ظهرا مقصورة على قول محمد، لان فرض إمامه ركعتان، فنبه على أن يتمها أربعا عنده، لان جمعة إمامه قائمة مقام الظهر، والله أعلم. قوله: (إن كان) ذكره باعتبار المكان ط. قوله: (إذا خرج الامام الخ) هذا لفظ حديث ذكر في الهداية مرفوعا. لكن في الفتح أن رفعه غريب، والمعروف كونه من كلام الزهري. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم: كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الامام. والحاصل أن قول الصحابي حجة يجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شئ آخر من السنة اه. قوله: (فلا صلاة) شمل السنة وتحية المسجد. بحر. قال محشيه الرملي: فلا صلاة جائزة، وتقدم في شرح قوله: ومنع عن الصلاة وسجدة التلاوة الخ أن صلاة النفل صحيحه مكروهة حتى يجب قضاؤها
171 إذا قطعه، ويجب قطعه وقضاؤه في غير وقت مكروه في ظاهر الرواية، ولو أتمه خرج عهدة ما لزمه بالشروع، فالمراد الحرمة لا عدم الانعقاد. قوله: (ولا كلام) أي من جنس كلام الناس، أما التسبيح ونحوه فلا يكره، وهو الأصح كما في النهاية والعناية. وذكر الزيلعي أن الأحوط الانصات. ومحل الخلاف قبل الشروع، أما بعده فالكلام مكروه تحريما بأقسامه كما في البدائع. بحر ونهر. وقال البقالي في مختصره: وإذا شرع في الدعاء لا يجوز للقوم رفع اليدين ولا تأمين باللسان جهرا، فإن فعلوا ذلك أثموا، وقيل أساؤوا ولا إثم عليهم، والصحيح هو الأول وعليه الفتوى، وكذلك إذا ذكر النبي (ص) لا يجوز أن يصلوا عليه بالجهر بل بالقلب، وعليه الفتوى. رملي. قوله: (إلى تمامها) أي الخطبة، لكن قال في الدرر: لم يقل إلى تمام الخطبة كما قال في الهداية لما صرح به في المحيط، وغاية البيان أنهما يكرهان من حين يخرج الامام إلى أن يفرغ من الصلاة. قوله: (في الأصح) وقيل يجوز الكلام حال ذكرهم ط. قوله: (فإنهم لا تكره) بل يجب فعلها. قوله: (وإلا لا) أي وإن سقط الترتيب تكره. قوله: (في الأصح) عزاه في البحر إلى الولوالجية والمبتغي، ولم يذكر مسألة النفل في الشرنبلالية عن الصغرى، وعليه الفتوى. قال في البحر: وما في الفتح: من أنه لو خرج وهو في السنة يقطع على رأس ركعتين ضعيف، وعزاه قاضيخان إلى النوادر اه. قلت: وقدمنا في باب إدراك الفريضة ترجيح ما في الفتح أيضا، وأن هذا كله حيث لم يقم إلى الثالثة وإلا فإن قيدها بسجدة أثم، وإلا فقيل يتم، وقيل يقعد ويسلم. قال في الخانية: وهذا أشبه، لكن رجح في شرح المنية الأول، وتمامه هناك فراجعه. قوله: (ويخفف القراءة) بأن يقتصر على الواجب ط. قوله: (ولو تسبيحا) أي ولو كان الكلام تسبيحا. وفي ذكره في ضمن التفريع على ما في المتن نظر، لأنه لا يحرم في الصلاة. تأمل. قوله: (أو أمر بمعروف) إلا إذا كان من الخطيب كما قدمه الشارح. قوله: (بل يجب عليه أن يستمع) ظاهره أنه يكره الاشتغال بما يفوت السماع وإن لم يكن كلاما، وبه صرح القهستاني حيث قال: إذ الاستماع فرض كما في المحيط أو واجب كما صلاة المسعودية أو سنة، وفي إشعار بأن النوم عند الخطبة مكروه إلا إذا غلب عليه كما في الزاهدي اه ط. قال الحلية: قلت وعن النبي (ص) قال: إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. قوله: (في الأصح) وقيل لا بأس بالكلام إذا بعد. ح عن القهستاني قوله: (ولا يرد) أي على قوله: ولا كلام. قوله: (من خيف هلاكه) الأولى ضرره. قال في البحر: لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا يدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة اه. قلت: وهذا حيث تعين الكلام، إذ لو أمكن بغمز أو لكز لم يجز الكلام. تأمل. قوله: (وكان
172 أبو يوسف) هذا مبني على خلاف الأصح المتقدم. قال في الفيض: ولو كان بعيدا لا يسمع الخطبة ففي حرمة الكلام خلاف، وكذا في قراءة القرآن والنظر في الكتب. وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ويصححه بالقلم، والأحوط السكوت وبه يفتى اه. قوله: (في نفسه) أي بأن يسمع نفسه أو يصحح الحروف فإنهم فسروه به. وعن أبي يوسف: قلبا ائتمارا لامري الانصات والصلاة عليه (ص) كما في الكرماني، قهستاني. قبيل باب الإمامة. واقتصر في الجوهرة على الأخير حيث قال: ولم ينطق به لأنها تدرك في غير هذا الحال والسماع يفوت. قوله: (ولا رد سلام) وعن أبي يوسف لا يكره الرد لأنه فرض. قلنا: ذاك إذا كان السلام مأذونا فيه شرعا، وليس كذلك في حالة الخطبة، بل يرتكب بسلامه مأثما لأنه به يشغل خاطر السامع عن الفرض، ولان رد السلام يمكن تحصيله في كل وقت، بخلاف سماع الخطبة. فتح. قوله: (وختم) أي ختم القرآن كقولهم: الحمد لله رب العالمين حمد الصابرين الخ، وأما إهداء الثواب من القارئ كقوله: اللهم اجعل ثواب ما قرأناه لا يجب على الظاهر لأنه من الدعاء ط. قوله: (وقالا الخ) حاصله ما في الجوهرة أن عنده خروج الامام يقطع الصلاة والكلام. وعندهما خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. قوله: (عند الثاني) راجع إلى قوله: وإذا جلس ط. قوله: (وعلى هذا) أي على قوله: والخلاف. مطلب في حكم المرقي بين يدي الخطيب قوله: (فالترقية المتعارفة الخ) أي من قراءة آية: (إن الله وملائكته) * (الأحزاب: 65) والحديث المتفق عليه إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والامام يخطب فقد لغوت. أقول: وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أن ذلك بدعة لأنه حدث بعد الصدر الأول، قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام على رسول الله (ص) لا سيما في هذا اليوم، وكحث الخبر على تأكد الانصات المفوت تركه لفضل الجمعة، بل والموقع في الاثم عند الأكثرين من العلماء. وأقول: يستدل لذلك أيضا بأنه (ص) أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة الوداع، فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بالاستنصات، وهذا هو شأن المرقي، فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا اه. وذكر نحوه الخير الرملي عن الرملي الشافعي وأقره عليه وقال: إنه لا ينبغي القول بحرمة قراءة الحديث على الوجه المتعارف لتوافر الأمة وتظاهرهم عليه اه. ونقل ح نحوه عن العلامة الشيخ محمد البرهمتوشي الحنفي. أقول: كون ذلك متعارفا لا يقتضي جوازه عند الامام القائل بحرمة الكلام ولو أمرا بمعروف أو رد سلام استدلالا بما مر، ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص، لان التعارف إنما يصلح
173 دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به، وقياس خطبة الجمعة على خطبة منى قياس مع الفارق، فإن الناس في يوم الجمعة قاعدون في المسجد ينتظرون خروج الخطيب متهيئون لسماعه، بخلاف خطبة منى، فليتأمل. والظاهر أن مثل ذلك يقال أيضا في تلقين المرقي الاذان للمؤذن، والظاهر أن الكراهة على المؤذن دون المرقي لان سنة الاذان الذي بين يدي الخطيب تحصل بأذان المرقي فيكون المؤذن مجيبا لاذان المرقي، وإجابة الاذان حينئذ مكروهة، إلا أن يقال: إن أذان الأول إذا لم يكن جهرا يسمعه القوم يكون مخالف للسنة فيكون المعتبر هو الثاني، فتأمل. قوله: (من الترضي) أي عن الصحاب عند ذكر أسمائهم. وقوله: ونحوه من الدعاء للسلطان عند ذكره كل ذلك بأصوات مرتفعة كما هو معتاد في بعض البلاد كبلاد الروم، ومنه ما هو معتاد عندنا أيضا من الصلاة على النبي (ص) عند صعود الخطيب مع تمطيط الحروف والتنغم. قوله: (اتفاقا) هذا أظهر مما في البحر حيث قصر الكراهة على قول الإمام ط. قوله: (وتمامه في البحر) لم يذكر في البحر بعده إلا ما أفاده بقوله: والعجب ط. قوله: (إلا أن يحمل على قولهما) لأنه يقول ذلك قبل الخطبة، وهما يحملان قوله (ص): والامام يخطب على الشروع فيها حقيقة، فحينئذ لا يكون المرقي مخالفا لحديثه بقوله بعده: انصتوا، أما على قول الإمام من حمل قوله: يخطب على الخروج للخطبة بقرينة ما روي: إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام فيكون مخالفا لحديثه الذي يرويه ويكره، فافهم. قوله: (ووجب سعي) لم يقل افترض مع أنه فرض للاختلاف في وقته هل هو الاذان الأول أو الثاني أو العبرة لدخول الوقت؟ بحر. وحاصله أن السعي نفسه فرض والواجب كونه في وقت الاذان الأول، وبه اندفع ما في النهر من أن الاختلاف في وقته لا يمنع القول بفرضيته كصلاة العصر فرض إجماعا مع الاختلاف في وقتها. قوله: (وترك البيع) أراد به كل عمل ينافي السعي وخصه اتباعا للآية. نهر. قوله: (ولو مع السعي) صرح في السراج بعدم الكراهة إذا لم يشغله. بحر، وينبغي التعويل على الأول. نهر. قلت: وسيذكر الشارح في آخر البيع الفاسد أنه لا بأس به لتعليل النهي بالاخلال بالسعي، فإذا انتفى انتفى. قوله: (وفي المسجد) أو على بابه. بحر. قوله: (وفي الأصح) قال في شرح المنية: واختلفوا فالمراد بالاذان الأول: فقيل الأول باعتبار المشروعية وهي الذي بين يدي المنبر لأنه الذي أولا في زمنه عليه الصلاة والسلام وزمن أبي بكر وعمر حتى أحدث عثمان الاذان الثاني على الزوراء حيث كثر الناس. والأصح أنه الأول باعتبار الوقت، وهو الذي يكون على المنارة بعد الزوال اه. والزوراء بالمد: اسم موضع في المدينة. قوله: (صحة إطلاق الحرمة) قلت: سيذكر المصنف في أول كتاب الحظر والإباحة كل مكروه حرام عند محمد، وعندهما إلى الحرام أقرب اه. نعم قول محمد رواية عنهما كما سنذكره هناك إن شاء الله تعالى، وأشار إلى الاعتذار عن صاحب الهداية حيث أطلق الحرمة على البيع وقت الاذان مع أنه مكروه تحريما، وبه اندفع ما في غاية البيان
174 حيث اعترض على الهداية بأن البيع جائز لكنه يكره كما صرح به في شرح الطحاوي، لان النهي لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية. قوله: (ويؤذن ثانيا بين يديه) أي على سبيل السنية كما يظهر من كلامهم. رملي. قوله: (أفاد الخ) هذه الإفادة إنما تظهر إذا قرئ الفعل بالبناء للفاعل، أما إذا قرئ بالبناء للمفعول وهو الظاهر فلا تظهر ط. قلت: وعبارة الدرر: أذن المؤذن. قوله: (ذكره القهستاني) وذكر بعده أيضا ما نصه: وإليه أشار ما في قوله: (الهداية) وغيره أنهم يؤذنون دل عليه كلام شارحيه اه. وفيه نظر، بل الذي دل عليه كلام شرح الهداية خلافه. قال في العناية: ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، فإن المتوارث في أذان الجمعة اجتماع المؤذنين لتبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع اه. ومثله في النهاية والكفاية ومعراج الدراية. قلت: والعلة المذكورة إنما تظهر في الاذان الأول، مع أنه في الهداية ذكر المؤذنين بلفظ الجمع في الموضعين. قوله: (المنبر) بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع. والسنة أن يخطب عليه اقتداء به صلى الله عليه وسلم. بحر. وأن يكون على يسار المحراب. قهستاني. ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح. قال ابن حجر في التحفة: وبحث بعضهم أن ما اعتيد الآن من النزول في الخطبة الثاني إلى درجة سفلى ثم العود بدعة قبيحة شنيعة. قوله: (فإذا أتم) أي الامام الخطبة. قوله: (أقيمت) بحيث يتصل أول الإقامة بآخر الخطبة، وتنتهي الإقامة بقيام الخطيب مقام الصلاة، ويقرأ في الركعتين سورة الجمعة والمنافقون، ولا يكره غيرهما كما في شرح الطحاوي، وذكر الزاهدي أنه يقرأ فيهما سورة الاعلى والغاشية. قهستاني. وفي البحر: ولكن لا يواظب على ذلك كي لا يؤدي إلى هجر الباقي ولئلا يظنه العامة حتما اه. ومر تمام الكلام على ذلك في فصل القراءة عند قوله: ويكره التعين. قوله: (بأمر الدنيا) إما بنهي عن منكر أو أمر بمعروف فلا، وكذا بوضوء أو غسل لو ظهر أنه محدث أو جنب كما مر، بخلاف أكل أو شرب حتى لو طال الفصل استأنف الخطبة كما مر، فافهم. قوله: (لأنهما) أي الخطبة والصلاة كشئ واحد لكونهما شرطا ومشروطا، ولا تحقق للمشروط بدون شرطه، فالمناسب أن يكون فاعلهما واحدا ط. قوله: (وصلى بالغ) أي بإذن السلطان أيضا، والظاهر أن إذن الصبي له كاف لأنه مأذون بإقامة الجمعة، لما في قوله: (الفتح) وغيره من أن الاذن بالخطبة إذن بالصلاة وعلى القلب اه. فيكون مفوضا إليه إقامتها، ولان تقريره فيها إذن له بإنابة غيره دلالة لعلم السلطان بأنه لا تصح إمامته، نعم على القول باشتراط الأهلية وقت الاستنابة لا يصح إذنه بها، ولا بد له من إذن جديد بعد بلوغه، والله أعلم. تنبيه: ذكر الشلانبلالي وغيره، أن هذا الفرع صريح في الرد على صاحب الدرر في عدم تجويزه استنابة الخطيب غيره للصلاة قبل سبق الحدث، وفيه نظر، إذ ليس صريحا في أن البالغ صلى بدون إذن السلطان، بل الظاهر أنه بإذنه صريحا أو دلالة كما قررناه، فتدبر. ثم رأيت ذكر نحوه. قوله: (هو المختار) وفي الحجة أنه لا يجوز، وفي فتاوى العصر: فإن الخطيب يشترط فيه أن يصلح
175 للإمامة، وفي الظهيرية: لو خطب صبي اختلف المشايخ فيه، والخلاف في صبي يعقل اه. والأكثر على الجواز إسماعيل. قوله: (لا بأس بالسفر الخ) أقول السفر غير قيد، بل مثله ما إذا أراد الخروج إلى موضع لا تجب على أهله الجمع كما في التاترخانية. قوله: (كذا في الخانية) وذكر مثله في التجنيس وقال: إنه استشكله شمس الأئمة الحلواني بأن اعتبار آخر الوقت إنما يكون فيما ينفرد بأدائه والجمعة إنما يؤديها مع الامام والناس، فينبغي أن يعتبر وقت أدائهم حتى إذا كان لا يخرج من المصر قبل أداء الناس، ينبغي أن يلزمه شهود الجمعة اه. قلت: وذكر التاترخانية عن التهذيب اعتبار النداء، قيل الأول وقيل الثاني، واعتمده في الشرنبلالية. قوله: (وقال في شرح المنية) تأييد لما في الظهيرية أفاد به أن ما في الخانية ضعيف ط، وعلله في شرح المنية بقوله: لعدم وجوبها قبله، وتوجه الخطاب بالسعي إليها بعده اه. قلت: وينبغي أن يستثنى ما إذا كانت تفوته رفقته لو صلاها ولا يمكنه الذهاب وحدة. تأمل. قوله: (القروي) بفتح القاف نسبة إلى القرية وأراد به المقيم، أما المسافر فذكره بعد. قوله: (لا تلزمه) لأنه في الأول صار كواحد من أهل المصر في ذلك اليوم وفي هذا لم يصر. درر عن الخانية. قوله: (لكن في النهر الخ) مثله في الفيض، وحكي بعده ما في المتن بقيل. قوله: (لزمته) أي إذا مكث إلى دخول وقتها، وكذا يقال فيما ذكره بعده. قوله: (وفي شرح المنية الخ) ونصه: وإن دخل القروي المصر يوم الجمعة، فإن نوى المكث إلى وقتها لزمته، وإن نوى الخروج قبل دخوله لا تلزمه، وإن نواه بعد دخول وقتها تلزمه. وقال الفقيه أبو الليث: لا تلزمه، وهو مختار قاضيخان اه. قوله: (بسيف) أي متقلدا به كما في البحر عن المضمرات، ويخالفه ظاهر ما يأتي عن الحاوي، لكن وفق في النهر بإمكان إمساكه مع التقلد. قوله: (في بلدة فتحت به) أي بالسيف ليريهم أنها فتحت بالسيف، فإذا رجعتم عن الاسلام فذلك باق في أيدي المسلمين يقاتلونكم حتى ترجعوا إلى الاسلام. درر قوله: (كمكة) أي فإنها فتحت عنوة كما قاله أبو حنيفة ومالك والأوزاعي. وقال الشافعي وأحمد وطائفة: فتحت صلحا. إسماعيل عن تاريخ مكة للقطبي. قوله: (كالمدينة) فإنها فتحت بالقرآن. إمداد. قوله: (وفي الخلاصة الخ) استشكله في الحلية بأنه في رواية أبي داود أنه (ص) قام: أي في الخطبة متوكئا على عصا أقوس اه. ونقل القهستاني عن عبد المحيط أن
176 أخذ العصا سنة كالقيام. قوله: (إن خاف فوت جمعة أو مكتوبة) عزاه في التاترخانية إلى فتاوى أبي الليث. ثم فوت الجمعة بسلام الامام والمكتوبة بخروج وقتها لا بفوت جماعتها لأنه يمكنه صلاتها وحده، والاكل: أي الذي تميل إليه نفسه ويخاف ذهاب لذته عذر في ترك الجماعة كما مر في بابها، لكن يشكل ما مر من وجوب السعي إلى الجمعة بالاذان الأول وترك البيع ولو ماشيا، والمراد به كل عمل ينافي السعي، فتأمل. قوله: (رستاقي) نسبة إلى الرستاق وهو السواد والقرى. قاموس. قوله: (نال ثواب السعي) أما الصلاة فينال ثوابها على كل حال ط. مطلب: إذا شرك في عبادته العبرة للأغلب قوله: (من شرك في عبادته) كالسفر لتجارة والحج والصلاة لاسقاط الفرض ولدفع مذمة الناس ونحو ذلك مما لم يكن متمحضا لوجه الله تعالى. قوله: (فالعبرة للأغلب) الظاهر أن يراد به الأغلب الذي هو قصد العبادة، لان قوله: إن معظم مقصوده الجمعة الخ يفيد أنه لو كان معظم مقصوده الحوائج أو تساوي القصد: أن لا ثواب، وهذا التفصيل مختار الامام الغزالي أيضا وغيره من الشافعية، واختار منهم العز بن عبد السلام عدم الثواب مطلقا، وسيأتي ذلك في الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى. قوله: (الأفضل الخ) في التاترخانية: ويكره تقليم الأظفار وقص الشارب في يوم الجمعة قبل الصلاة لما فيه من معنى الحج وذلك قبل الفراغ من الحج غير مشروع اه. وسيأتي تمام الكلام على ذلك وبيان كيفية التقليم وما قيل فيه نظما ونثرا في الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى. قوله: (ولم يؤذ أحدا) بأن لا يطأ ثوبا ولا جسدا، وذلك لان التخطي حال الخطبة عمل، وهو حرام، وكذا الايذاء والدنو مستحب وترك الحرام مقدم على فعل المستحب، ولذا قال عليه الصلاة والسلام للذي رآه يتخطى الناس ويقول أفسحوا: اجلس فقد آذيت وهو محمل ما روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني قال: قال رسول الله (ص): من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم شرح المنية. مطلب في الصدقة على سؤال المسجد قوله: (ويكره التخطي للسؤال الخ) قال في النهر: والمختار أن السائل إن كان لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى الرقاب ولا يسأل إلحافا بل لأمر لا بد منه، فلا بأس بالسؤال والاعطاء اه. ومثله في البزازية. وفيها: ولا يجوز الاعطاء إذا لم يكونوا على تلك الصفة المذكور. قال الإمام أبو نصر العياضي: أرجو أن يغفر الله تعالى لمن يخرجهم من المسجد. وعن الامام خلف بن أيوب: لو كنت قاضيا لم أقبل شهادة من يتصدق عليهم اه. وسيأتي في باب المصرف أنه لا يحل أن يسأل شيئا من له قوت يومه بالفعل أو بالقوة كالصحيح المكتسب، ويأثم معطيه إن علم بحاله لإعانته على المحرم.
177 مطلب في ساعة الإجابة يوم الجمعة قوله: (وسئل عليه الصلاة والسلام الخ) ثبت في الصحيحين وغيرهما عنه (ص): فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وفي هذه الساعة أقوال: أصحها أو من أصحها أنها فيما بين أن يجلس الامام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة كما هو ثابت في صحيح مسلم عنه (ص) أيضا. حلية. قال في المعراج: فيسن الدعاء بقلبه لا بلسانه لأنه مأمور بالسكوت اه. وفي حديث آخر أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وصححه الحاكم وغيره وقال: على شرط الشيخين، ولعل هذا هو مراد المشايخ. ونقل ط عن الزرقاني أن هذين القولين مصححان من اثنين وأربعين قولا فيها، وأنها دائرة بين هذين الوقتين، فينبغي الدعاء فيهما اه. ثم الظاهر أنها ساعة لطيفة يختلف وقتها بالنسبة إلى كل بلدة وكل خطيب، لان النهار في بلدة يكون ليلا في غيرها، وكذلك وقت الظهر في بلد يكون وقت العصر في غيرها، لما قالوا من أن الشمس لا تتحرك درجة إلا وهي تطلع عند قوم وتغيب عند آخرين، والله أعلم. مطلب: ما اختص به يوم الجمعة قوله: (فقال يومها) تمام كلامه: لان معرفة هذا الليل وفضله لصلاة الجمعة. قوله: (في أحكامات) بفتح الهمزة جمع أحكام، فإن تراجمه في فن الجمع والفرق. القول في أحكام السفر. القول في أحكام المسجد ونحو ذلك. ومن جملتها أحكام يوم الجمعة ح. قوله: (قراءة الكهف) أي يومها وليلتها، والأفضل في أولهما مبادرة للخير وحذرا من الاهمال، وأن يكثر منها فيهما للخبر الصحيح أن الأول يضئ له من النور ما بين الجمعتين، ولخبر الدارمي أن الثاني يضئ له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. ابن حجر. قوله: (ومن فهم) كالمحشي الحموي. قوله: (ويكره إفراده بالصوم) هو المعتمد، وقد أمر به أولا ثم نهى عنه ط. قوله: (فقد وهم) ولنذكر عبارته برمتها ليعلم موضع الوهم وما فيها من الفوائد وإن كان بعضها علم مما تقدم وهي أحكام يوم الجمعة. اختص بأحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الامام، وكونها قبلها شرط، وقراءة السورة المخصوصة بها، وتحريم السفر قبلها بشرطه، واستنان الغسل لها والتطيب، ولبس الأحسن، وتقليم الأظفار، وحلق الشعر، ولكن بعدها أفضل، والبخور في المسجد، والتكبير لها، والاشتغال بالعبادة إلى خروج الخطيب، ولا يسن الابراد بها، ويكره إفراده بالصوم وإفراد ليلته بالقيام، وقراءة الكهف فيه، ونفي كراهة النافلة وقت الاستواء على قول أبي يوسف المصحح المعتمد، وهو خير أيام الأسبوع ويوم عيد، وفيه ساعة إجابة، وتجتمع فيه الأرواح، وتزار القبور ويأمن الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه أو في ليلته أمن من فتنة القبر وعذابه، ولا تسجر فيه جهنم، وفيه حلق آدم عليه السلام، وفيه أخرج من الجنة وفيه يزور أهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى اه ح.
178 قلت: وقوله: لا يسن الابراد بها قدمنا في أوقات الصلاة أنه قول الجمهور، وقدمنا أيضا ترجيح قول الإمام بكراهة النافلة في وقت الاستواء يومها، فافهم. قوله: (ويأمن الميت من عذاب القبر الخ) قال أهل السنة والجماعة: عذاب القبر حق، وسؤال منكر ونكير، وضغطة القبر حق، لكن إن كان كافرا فعذابه يدوم إلى يوم القيامة، ويرفع عنه يوم الجمعة وشهر رمضان، فيعذب اللحم متصلا بالروح، والروح متصلا بالجسم، فيتألم الروح مع الجسد وإن كان خارجا عنه، والمؤمن المطيع لا يعذب، بل له ضغطة يجد هول ذلك وخوفه، والعاصي يعذب ويضغط، لكن ينقطع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها ثم لا يعود، وإن مات يومها أو ليلتها يكون العذاب ساعة واحدة وضغطه القبر ثم يقطع. كذا في المعتقدات للشيخ أبي المعين النسفي الحنفي. من حاشية الحموي ملخصا. قوله: (ولا تسجر) في جامع اللغة: سجر التنور: أحماه ح. قوله: (وفيه يزور أهل الجنة ربهم تعالى) المراد بالزيارة الرؤية له تعالى، وهذا باعتبار بعض الاشخاص يراه في أقل من ذلك والبعض في أكثر منه، حتى قال بعضهم: إن النساء لا يرينه إلا في مثل أيام الأعياد عند التجلي العام، وتمامه في ط، نسأله تعالى أن يجعلنا من أهل رؤيته آمين. باب العيدين تثنية عيد، وأصله عود قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة اه ح. وفي الجوهرة: مناسبته للجمعة ظاهرة وهو أنهما يؤديان بجمع عظيم، ويجهر فيهما بالقراءة، ويشترط لأحدهما ما يشترط للآخر سوى الخطبة، وتجب على من تجب عليه الجمعة، وقدمت الجمعة للفرضية وكثرة وقوعها اه. قوله: (سمى به الخ) أي سمى العيد بهذا الاسم لان لله تعالى فيه عوائد الاحسان: أي أنواع الاحسان العائدة على عباده في كل عام: منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولان العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبا بسبب ذلك. مطلب في الفأل والطيرة قوله: (أو تفاؤلا) أي بعوده على من أدركه كما سميت القافلة قافلة تفاؤلا بقفولها: أي رجوعها. بحر. والفأل: ضد الطيرة، كأن يسمع مريض يا سالم أو يا طالب أو يا واجد، أو يستعمل في الخير والشر. قاموس. ومنه حديث: كان (ص) يتفاءل ولا يتطير وكذا حديث كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشد يا رجيح أخرجهما السيوطي في الجامع الصغير. ووجهه أن الفأل أمل ورجاء للخير من الله تعالى عند كل سبب ضعيف أو قوي، بخلاف الطيرة. قوله: (في كل يوم) أي
179 زمان. قوله: (وجه الحبيب) أي يوم رؤيته، وإلا فوجه الحبيب ليس زمانا. قوله: (عن مذهب الغير) أي مذهب غيرنا، أما مذهبنا فلزوم كل منهما. قال في الهداية ناقلا عن الجامع الصغير: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سنة، والثاني فريضة، ولا يترك واحد منهما اه. قال في المعراج: احترز به عن قول عطاء: تجزي صلاة العيد عن الجمعة، ومثله عن علي وابن الزبير. قال ابن عبد البر: سقوط الجمعة بالعيد مهجور. وعن علي أن ذلك في أهل البادية ومن لا تجب عليهم الجمعة اه. قوله: (في الأصح) مقابله القول بأنها سنة، وصححه النسفي في المنافع، لكن الأول قول الأكثرين كما في المجتبى، ونص على تصحيحه في الخانية والبدائع والهداية والمحيط والمختار والكافي النسفي. وفي الخلاصة: هو المختار لأنه (ص) واظب عليها، وسماها في الجامع الصغير سنة لان وجوبها ثبت بالسنة. حلية. قال في البحر: والظاهر أنه لا خلاف في الحقيقة، لان المراد من السنة المؤكدة بدليل قوله: ولا يترك واحد منهما، وكما صرح به في المبسوط، وقد ذكرنا مرارا أنها منزلة الواجب عندنا، ولهذا كان الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب اه. وسيأتي له نظير ذلك في تكبير التشريق، وفيه كلام ستعرفه. قوله: (بشرائطها) متعلق بتجب الأول والضمير للجمعة، وشمل شرائط الوجوب وشرائط الصحة، لكن شرائط الوجوب علمت من قوله: على من تجب عليه الجمعة فبقي المراد من قوله: بشرائطها القسم الثاني فقط، واستثنى من الثاني الخطبة، واستثنى في الجوهرة من الأول المملوك إذا أذن له مولاه فإنه تلزمه العيد، بخلا ف الجمعة لان لها بدلا وهو الظهر، وقال: وينبغي أن لا تجب عليه العيد أيضا لان منافعه لا تصير مملوكة له بالاذن اه. وجزم به في البحر. قلت: وفي إمامة البحر أن الجماعة في العيد تسن على القول بسنيتها وتجب على القول بوجوبها اه. وظاهره أنها غير شرط على القول بالسنية، لكن صرح بعده بأنها شرط لصحتها على كل من القولين: أي فتكون شرطا لصحة الاتيان بها على وجه السنة وإلا كانت نفلا مطلقا. تأمل. لكن اعترض ط ما ذكره المصنف بأن الجمعة من شرائطها الجماعة التي هي جمع، والواحد هنا مع الامام جماعة كما في النهر. قوله: (فإنها سنة بعدها) بيان للفرق وهو أنها فيها سنة لا شرط، وأنها بعدها لا قبلها، بخلاف الجمعة. قال فالبحر: حتى لو لم يخطب أصلا صح وأساء لترك السنة، ولو قدمها على الصلاة صحت وأساء ولا تعاد الصلاة. قوله: (صلاة العيد) ومثله الجمعة ح. قوله: (بما لا يصح) أي على أنه عيد، وإلا فهو نفل مكروه لأدائه بالجماعة ح. قوله: (لأنه واجب الخ) المراد بالواجب ما يلزم فعله إما على سبيل الوجوب المصطلح عليه وذلك في العيد، وأما على طريق الفرضية وذلك في الجنازة، فهو من عموم المجاز ط.
180 مطلب فيما يترجح تقديمه من صلاة عيد وجنازة أو كسوف أو فرض أو سنة قوله: (والجنازة كفاية) فيه أن العيد إن ترجح على الجنازة بالعينية فهي ترجحت عليه بالفرضية، فالأولى أن يعلل بأن العيد تؤدى بجمع عظيم يخشى تفرقه إن اشتغل الامام بالجنازة اه ح. قلت: بل الأولى التعليل بخوف التشويش على الجماعة بأن يظنوها صلاة العيد، ثم رأيته كذلك في جنائز البحر عن القنية. قوله: (على الخطبة) أي خطبة العيد، وذلك لفرضيتها وسنية الخطبة، وكذا يقال في سنة المغرب ط. قوله: (وغيرها) كسنة الظهر والجمعة والعشاء. قوله: (والعيد على الكسوف) لأنه وإن كان كل منهما يؤدى بجمع عظيم لكن العيد واجب والكسوف سنة ح. هذا وفي السراج: إن كان وقت العيد واسعا يبدأ بالكسوف لأنه يخشى فواته، وإن ضاق صلى العيد ثم الكسوف إن بقي. مطلب: الفقهاء قد يذكرون ما لا يوجد عادة فإن قيل كيف يجتمعان والكسوف في العادة لا يكون إلا في آخر يوم من الشهر والعيد أول يوم أو يوم العاشر؟ قلنا: لا يمتنع، فقد روي أنها كسفت يوم مات إبراهيم ابن رسول الله (ص)، وموته كان يوم العاشر من ربيع الأول. على أن الفقهاء قد يذكرون مالا يوجد عادة كقول الفرضيين: رجل مات وترك مائة جدة اه. قلت: ومثله قولهم لو تترس الكفار بنبي يسأل ذلك النبي، بل قد يتصور ذلك في الحكم بأن يشهدوا على نقصان رجب وشعبان فيقع العيد في آخر رمضان كما في البزازية. قوله: (عن الحلبي) أي العلامة المحقق محمد بن أمير حاج صاحب الحلية. شرح المنية. قوله: (عن السنة) أي سنة الجمعة كما صرح به هناك، وقال: فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب لأنها آكد اه. فافهم. قوله: (إلحاقا لها) أي للسنة بالصلاة: أي صلاة الفرض. قوله: (لكن في آخر الخ) استدراك على الاستدراك وعلى قول المصنف وتقدم على صلاة الجنازة ط. قوله: (ينبغي الخ) عبارة الأشباه: اجتمعت جنازة وسنة قدمت الجنازة، وأما إذا اجتمع كسوف وجمعة أو فرض وقت لم أره، وينبغي تقديم الفرض إن ضاق الوقت، وإلا فالكسوف لأنه يخشى فواته بالانجلاء. ولو اجتمع عيد وكسوف وجنازة ينبغي تقديم الجنازة، وكذا لو اجتمعت مع فرض وجمعة ولم يخف خروج وقته. وينبغي أيضا تقدم الخسوف على الوتر والتراويح اه. وفيه مخالفة لما مر من حيث تقديمه الجنازة على السنة، وهو خلاف المفتى به كما علمت وعلى العيد، وهو بحث مخالف لما ذكره المصنف تبعا للدرر، ومن حيث تقديمه الكسوف على الفرض، وهو بحث أيضا مخالف لما ذكره الشارح من تقديم العيد
181 على الكسوف مع أن العيد واجب فقدم، فبالأولى تقديم فرض الوقت. وفي الجوهرة باب الكسوف: إذا اجتمع الكسوف والجنازة بدئ بالجنازة لأنها فرض وقد يخشى على الميت التغير اه: أي لطول صلاة الكسوف. وقد يقال: قدم العيد لئلا يحصل الاشتباه لأنه يؤدى بجمع عظيم، وعلى هذا تقدم الجمعة أيضا على الكسوف ولذا خص صاحب الأشباه تقديم فرض الوقت دون الجمعة، ويؤخذ من قوله أيضا: إن ضاق الوقت تقديم فرض المغرب، لان وقته ضيق كما بحثه ح وهو ظاهر، ثم رأيته صريحا في جنائز التاترخانية، وقال بعده: وروى الحسن أنه يخير، فافهم. مطلب: يطلق المستحب على السنة وبالعكس قوله: (وندب يوم الفطر الخ) الندب قول البعض وعد المصنف الغسل سابقا من السنن، والصحيح أن الكل سنة لخصوص الرجال، قهستاني عن الزاهدي ط. وزاد في البحر عن المجتبى: وإنما سماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب. قال نوح أفندي: وحاصله تجويز إطلاق اسم المستحب على السنة وعكسه، ولهذا أطلق في الهداية اسم المستحب على الغسل، ثم قال: فيسن فيه الغسل اه. وفي القهستاني أيضا أن هذه الأمور مندوبة قبل الصلاة، ومن آدابها من آداب اليوم كما في الجلابي، لكن في التحفة أن في غسله اختلاف الجمعة اه. قوله: (حلوا) قال في فتح القدير: ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما في البخاري: كان عليه الصلاة والسلام لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا اه. قلت: فالظاهر أن التمر أفضل كما اقتضاه هذا الخبر، فإن لم يجد يأكل شيئا حلوا ثم رأيته في شرح المنية. قوله: (ولو قرويا) كذا في الشرنبلالية، ولعله يشير إلى أن ذلك ليس من سنن الصلاة بل من سنن اليوم، لان في الاكل مبادرة إلى قبول ضيافة الحق سبحانه، وإلى امتثال أمره بالافطار بعد امتثال أمره بالصيام. تأمل. قوله: (واستياكه) لأنه مندوب إليه في سائر الصلوات اختيار، ومفاده أن المراد به الاستياك عند القيام إلى الصلاة فإنه مستحب كما قدمناه في سنن الوضوء، وكذا عند الاجتماع بالناس، وعليه فيستحب قبل التوجه إليها أيضا. وأما السواك في الوضوء فإنه سنة مؤكدة ولا خصوصية للعيد فيه. قوله: (ولو غير أبيض) قال في البحر: وظاهر كلامهم تقديم الأحسن من الثياب في الجمعة والعيدين وإن ليكن أبيض والدليل دال عليه، فقد روى البيهقي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس يوم العيد بردة حمراء وفي الفتح: الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما خطوط حمر وخضر لا أنها أحمر بحت، فليكن محمل البردة أحدهما ه: أي أحد الثوبين اللذين هما الحلة: أي فلا يعارض ذلك حديث النهي عن لبس الأحمر، والقول مقدم على الفعل والحاظر على المبيح إذا تعارضا، فكيف إذا لم يتعارضا بالحمل المذكور اه بزيادة. وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على لبس الأحمر في كتاب الحظر والإباحة. قوله: (صح عطفه) جواب سؤال تقديره: كيف صح عطف أداء الفطرة على المندوبات مع وجوبه؟ فأجاب بأن الكلام هنا في الأداء قبل الخروج والواجب مطلق الأداء اه ح. قوله: (ومن ثم) أي من أجل كون جميع تلك الأحكام قبل الخروج ط. قوله: (أتى بكلمة ثم) أي المفيدة للترتيب والتراخي ليفيد تراخي الخروج عن الجميع، فيدل على أن
182 المراد فعل جميع ما ذكر قبله، بخلاف ما لو أتى بالواو أو بالفاء، لان الفاء ربما توهم تعقيبه على أداء الفطرة فقط، بخلاف ثم، ولذا قال: ليفيد تراخيه عن جميع ما مر، والأظهر أن يقول وليفيد عطفا على العلة السابقة. وقد يقال: حذف العاطف لأنه بمعنى العلة الأولى فالثانية بدل منها للتوضيح، فافهم. هذا والمصرح به أنه يندب أداء الفطرة في الطريق وهو متوجه إلى المصلى، وما هنا يوهم خلافه. فتأمل. قوله: (المصلى العام) أي في الصحراء. بحر عن المغرب. قوله: (والواجب مطلق التوجه) أي لا التوجه المترتب على ما ذكر، ولا التوجه المقيد بالمشي، ولا التوجه إلى خصوص الجبانة، وهذا تكملة الجواب عن السؤال المقدر. قوله: (هو الصحيح) قال في الظهيرية: وقال بعضهم: ليس بسنة، وتعارف الناس ذلك لضيق المسجد وكثرة الزحام، والصحيح هو الأول اه. وفي الخلاصة والخانية: السنة أن يخرج الامام إلى الجبانة، ويستخلف غيره ليصلي في المصر بالضعفاء بناء على أن صلاة العيدين في موضعين جائزة بالاتفاق، وإن لم يستخلف فله ذلك اه نوح. قوله: (ولا بأس بإخراج منبر إليها) عزاه في الدرر إلى الاختيار. قوله: (لكن في الخلاصة الخ) ومثله في الخانية فإنهما قالا: ولا يخرج المنبر إلى الجبانة يوم العيد. واختلف المشايخ في بنائه في الجبانة: قيل يكره، وقيل لا، فدل كلامهما على أنه لا خلاف في كراهة إخراجه إليها، وإنما الخلاف في بنائه فيها. ويمكن حمل الكراهة على التنزيهية وهي مرجع خلاف الأولى المفاد من كلمة لا بأس غالبا فلا مخالفة، فافهم. وفي الخلاصة عن خواهر زاده: هذا: أي بناؤه حسن في زماننا. قوله: (من طريق آخر) لما رواه البخاري: أنه كان (ص) إذا كان يوم عيد خالف الطريق ولان فيه تكثير الشهود لان أمكنة القرية تشهد لصاحبها. شرح المنية. قوله: (والتختم) ظاهره ولو لغير أمير وقاض ومفت. وما في كتاب الحظر من قصره على نوح هؤلاء محمول على الدوام، ويدل له ما في النهر عن الدراية أن من كان لا يتختم من الصحابة كان يتختم يوم العيد، وهذا أولى مما في القهستاني حيث خصه بذي سلطان. ومن المندوبات صلاة الصبح في مسجد حيه ط. قوله: (لا تنكر) خبر قوله: والتهنئة وإنما قال كذلك لأنه لم يحفظ فيها شئ عن أبي حنيفة وأصحابه، وذكر في القنية أنه لم ينقل عن أصحابنا كراهة، وعن مالك أنه كرهها، وعن الأوزاعي أنها بدعة. وقال المحقق ابن أمير حاج: بل الأشبه أنها جائزة مستحبة في الجملة، ثم ساق آثارا بأسانيد صحيحة عن الصحابة في فعل ذلك ثم قال: والمتعامل في البلاد الشامية والمصرية عيد مبارك عليك ونحوه، وقال: يمكن أن يلحق بذلك في المشروعية والاستحباب لما بينهما من التلازم، فإن من قبلت طاعته في زمان كان ذلك الزمان عليه مباركا، على أنه قد ورد الدعاء بالبركة في أمور شتى فيؤخذ منه استحباب الدعاء بها هنا أيضا اه. قوله: (في طريقها) ليس التقيد به للاحتراز عن البيت أو المصلى، وإنما هو لبيان المخالفة بين عيد الفطر والأضحى، فإن السنة في الأضحى التكبير في الطريق كما سيأتي، فافهم. قوله: (قبلها) ظرف لقوله: ولا ينتفل للاحتراز عما بعدها، فإن فيه
183 تفصيلا كما صرح به بعده. قوله: (يتعلق بالتكبير والتنفل) المراد بالتعلق المعنوي: أي إنه قيد لهما، فمعنى الاطلاق في التكبير: أي سواء كان سرا أو جهرا وفي التنفل سواء كان في المصلى اتفاقا أو في البيت في الأصح، وسواء كان ممن يصلي العيد أو لا، حتى أن المرأة إذا أرادت صلاة الضحى يوم العيد تصليها بعد ما يصلي الامام في الجبانة. أفاده في البحر. قوله: (كذا قرره المصنف تبعا للبحر الخ) حاصل الكلام في هذا المقام أنه قال في الخلاصة: ولا يكبر يوم الفطر، وعندهما يكبر ويخافت وهو إحدى الروايتين عنه، والأصح ما ذكرنا أنه لا يكبر في عيد الفطر اه. فأفاد أن الخلاف في أصل التكبير لا في صفته، وأن الاتفاق على عدم الجهر به. ورده في فتح القدير بأنه ليس بشئ، إذ لا يمنع من ذكر الله تعالى في وقت من الأوقات، بل من إيقاعه على وجه البدعة وهو الجهر لمخالفته قوله تعالى: * (أذكر ربك في نفسك) * (الأعراف: 502) فيقتصر على مورد الشرع وهو الأضحى لقوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * (البقرة: 302) ورد في البحر على الفتح بأن صاحب الخلاصة أعلم منه بالخلاف، وبأن تخصيص الذكر بوقت لم يرد به الشرع غير مشروع اه. أقول: ما في الخلاصة يشعر به كلام الخانية فإنه قال: ويكبر يوم الأضحى ويجهر، ولا يكبر يوم الفطر في قول أبي حنيفة، لكن لا شك أن المحقق ابن الهمام له علم تام بالخلاف أيضا، كيف وفي غاية البيان: المراد من نفي التكبير التكبير بصفة الجهر، ولا خلاف في جوازه بصفة الاخفاء اه. فأفاد أن الخلاف بين الامام وصاحبيه في الجهر والاخفاء لا في أصل التكبير، وقد حكي الخلاف كذلك في البدائع والسراج والمجمع ودرر البحار والملتقى والدرر والاختيار والمواهب و الامداد والايضاح والتاترخانية والتجنيس والتبيين ومختارات النوازل والكفاية والمعراج. وعزاه في النهاية إلى المبسوط وتحفة الفقهاء وزاد الفقهاء، فهذه مشاهير كتب المذهب مصرحة بخلاف ما في الخلاصة، بل حكى القهستاني عن الامام روايتين: إحداهما أنه يسر، والثانية أنه يجهر كقولهما، قال: وهي الصحيح على ما قال الرازي ومثله في النهر. وقال في الحلية: واختلف في عيد الفطر، فعن أبي حنيفة وهو قول صاحبيه واختيار الطحاوي أنه يجهر، وعنه أنه يسر، وأغرب صاحب النصاب حيث قال: يكبر في العيدين سرا كما أغرب من عزا إلى أبي حنيفة أنه لا يكبر في الفطر أصلا وزعم أنه الأصح كما هو ظاهر الخلاصة اه. فقد ثبت أن ما في الخلاصة غريب مخالف للمشهور في المذهب، فافهم. وفي شرح المنية الصغير: ويوم الفطر لا يجهر به عنده، وعندهما يجهر، وهو رواية عنه، والخلاف في الأفضلية. أما الكراهة فمنتفية عن الطرفين اه. وكذا في الكبير. وأما قول الفتح: إذ لا يمنع عن ذكر الله تعالى الخ فهو منقول في البدائع وغيرها عن الامام في بحث تكبير التشريق. هذا وقد ذكر الشيخ قاسم في تصحيحه أن المعتمد قول الإمام. قوله: (لكن تعقبه في النهر) أقول: لم يتعقبه صريحا لأنه نقل كلام البحر وأقره، نعم ذكر قبله أن الخلاف في الجهر وعدمه، وعزاه إلى معراج الدراية والتجنيس وغاية البيان والزيلعي. قوله: (زاد في البرهان الخ) أي زاد على ما في النهر التصريح بأنه سنة عندهما: أي لا مستحب، وإلا فقد علمت أنه في النهر صرح
184 بالخلاف بين الامام وصاحبيه لكنه لم يصرح بأنه سنة أو مستحب، فافهم. قوله: (ووجهها) أي هذه الرواية. قوله: (فيقتصر على مورد الشرع) وهو ما في البحر عن القنية: التكبير جهرا في غير أيام التشريق لا يسن إلا بإزاء العدو أو اللصوص، وقاس عليه بعضهم الحريق والمخاوف كلها ه. زاد القهستاني: أو علا شرفا. قوله: (وكذا لا يتنفل الخ) لما في كتب الستة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه (ص) خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها وهذا النفي بعدها محمول عليه في المصلي لما روى ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله (ص) لا يصلي قبل العيد فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين كذا في فتح القدير. قال في منح الغفار: أقول: وهكذا استدل به الشراح على الكراهة، وعندي في كونه مفيدا للمدعى نظر، لان غاية ما فيه أن ابن عباس حكى أنه عليه الصلاة والسلام خرج فصلى بهم العيد ولم يصل الخ، وهذا لا يقتضي أن ترك ذلك كان عادة له، وبمثل هذا لا تثبت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص كما ذكره صاحب البحر اه. قلت: لكن ذكر العلامة نوح أفندي أن وجه الاستدلال ما ذكروه في كراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتيه من أنه (ص) كان حريصا على الصلاة، فعدم فعله يدل على الكراهة، إذ لولاها لفعله مرة بيانا للجواز اه. قلت: هذا مسلم فيما إذا تكرر منه ذلك، أما عدم الفعل مرة فلا، وليس في حديث ابن عباس المار ما يفيد التكرار، فافهم. قوله: (بأربع) أو بركعتين، والأول أفضل كما في القهستاني. قوله: (وهذا) أي ما مر من المنع عن التكبير والتنفل. قوله: (للخواص) الظاهر أن المراد بهم الذين لا يؤثر عندهم الزجر غلاء ولا كسلا حتى يفضي بهم إلى الترك أصلا ط. قوله: (أصلا) أي لا سرا ولا جهرا في التكبير، ولا قبل الصلاة بمسجد أو بيت، أو بعدها بمسجد في التنفل ط. أقول: وظاهر كلام البحر أنه زاد التنفل بحثا منه، واستشهد له بما في التجنيس عن الحلواني: أن كسالى العوام إذا صلوا الفجر عند طلوع الشمس لا يمنعون، لأنهم إذا منعوا تركوها أصلا، وأداؤها مع تجويز أهل الحديث لها أولى من تركها أصلا. قوله: (وفي هامشه الخ) تقدم الكلام على هذه الصلاة في باب النوافل، وأن المراد ببراءة ليلة النصف من شعبان وليلة القدر السابع والعشرين من رمضان. ثم إن ما نقله قال الرحمتي: هو من الحواشي الموحشة، ويمنع التوثق بذلك الخط إجماعهم على حرمة العمل بالحديث الموضوع، وقد نصوا على وضع حديث هذه الصلوات، والفقه لا ينقل من الهوامش المجهولة، سيما ما كان فساده ظاهرا، وقوله: لان عليا
185 الخ، تعليل لما في البحر، وظاهر هذا الأثر تقرر الكراهة عندهم في المصلي وأنها تنزيهية وإلا لما أقره، إذ لا يجوز الاقرار على المنكر اه. ولا يرد ما مر من عدم منعهم عن صلاة الفجر عند طلوع الشمس لان ذلك لخوف تركها أصلا، فيقع التارك في محظور أعظم والله أعلم. قوله: (من الارتفاع) المراد به أن تبيض. زيلعي. قوله: (قدر رمح) هو اثنا عشر شبرا، والمراد به وقت حل النافلة فلا مباينة بينهما، خلافا لما في القهستاني ط. تنبيه: يندب تعجيل الأضحى لتعجيل الأضاحي وتأخير الفطر ليؤدي الفطرة كما في البحر. قوله: (بل تكون نفلا محرما) لأنها قبل دخول وقتها لم تصر واجبة، كما لو صلى ظهر اليوم عند طلوع الشمس فلا ينافي ما تقدم في أوقات الصلاة من أنه في وقت الطلوع والاستواء والغروب لا ينعقد شئ من الفرائض والواجبات الفائتة سوى عصر يومه، حتى لو شرع فيها بفريضة لم يكن داخلا في الصلاة أصلا فلا تنتقض طهارته بالقهقهة، بخلاف ما لو شرع في التطوع، فافهم. قوله: (بإسقاط الغاية) أي مثل - وأتموا الصيام إلى الليل - قال القهستاني: فالزوال ليس وقتا لها، لان الصلاة الواجبة لا تنعقد عند قيامه اه قال ط: وهذا يرشد إلى أن المراد بالزوال الاستواء، وأطلق عليه للمجاورة. قوله: (فسدت) أي فسد الوصف وانقلبت نفلا اتفاقا إن كان الزوال قبل القعود قدر التشهد، وعلى قول الإمام أن كان بعده. قلت: وهذا ذكره الشارح بحثا عند ذكر المسائل الاثني عشرية وقال: ولم أره. قوله: (كما في الجمعة) أي إذا دخل وقت العصر فيها ط. قوله: (وقدمناه) أي في باب الاستخلاف. قوله: (ويصلي الامام بهم الخ) ويكفي في جماعتها واحد كما في النهر ط. قوله: (مثنيا قبل الزوائد) أي قارئا الامام، وكذا المؤتم الثناء قبلها في ظاهر الرواية لأنه شرع في أول الصلاة. إمداد. وسميت زوائد لزيادتها على تكبيرة الاحرام والركوع، وأشار إلى أن التعوذ يأتي به الامام بعدها لأنه سنة القراءة. قوله: (وهي ثلاث تكبيرات) هذا مذهب ابن مسعود وكثير من الصحابة، ورواية عن ابن عباس وبه أخذ أئمتنا الثلاثة. وروي عن ابن عباس أنه يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية ستا. وفي رواية: خمسا منها ثلاثة أصلية، وهي تكبير الافتتاح وتكبيرتا الركوع، والباقي زوائد: في الأولى خمس، وفي الثانية خمس أو أربع، ويبدأ بالتكبير في كل ركعة. قال في الهداية: وعليه عمل العامة اليوم لأمر الخلفاء من بني العباس به، والمذهب الأول اه. مطلب: تجب طاعة الامام فيما ليس بمعصية قال في الظهيرية: وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد، فإنهما فعلا ذلك لان هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جده، ففعلا ذلك امتثالا له، لا مذهبا واعتقادا. قال في المعراج: لان طاعة الامام فيما ليس بمعصية واجبة اه. ومنهم من جزم بأن ذلك رواية عنهما، بل في المجتبى وعن أبي يوسف أنه رجع إلى هذا، ثم ذكر غير واحد من المشايخ أن المختار العمل برواية الزيادة: أي زيادة تكبيرة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الأضحى عملا بالروايتين وتخفيفا في الأضحى لاشتغال الناس بالأضاحي. وقيل: تعجيلا لحق الفقراء فيها بقدر تكبيرة، وتمامه في الحلية. وحمل
186 الشافعي جميع التكبيرات المروية عن ابن عباس على الزوائد، وهذا خلاف ما حملناه عليه، والمذهب عندنا قول ابن مسعود. وما ذكروا من عمل العامة بقول ابن عباس لأمر أولاده من الخلفاء به كان في زمنهم، أما فزماننا فقد زال، فالعمل الآن بما هو المذهب عندنا، كذا في شرح المنية وذكر في البحر أن الخلاف في الأولوية، ونحوه في الحلية. مطلب: أمر الخليفة لا يبقى بعد موته تنبيه: يؤخذ من قول شرح المنية: كان في زمنهم الخ، أن أمر الخليفة لا يبقى بعد موته أو عزله كما صرح به في الفتاوى الخيرية، وبنى عليه أنه لو نهى عن سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة لا يبقى نهيه بعد موته، والله أعلم. قوله: (ولو زاد تابعه الخ) لأنه تبع لامامه فتجب عليه متابعته وترك رأيه برأي الامام لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه فما لم يظهر خطؤه بيقين كان اتباعه واجبا ولا يظهر الخطأ في المجتهدات، فأما إذا خرج عن أقوال الصحابة فقد ظهر خطؤه بيقين فلا يلزمه اتباعه، ولهذا لو اقتدى بمن يرفع يديه عند الركوع أو بمن يقنت في الفجر أو بمن يرى تكبيرات الجنازة خمسا لا يتابعه لظهور خطئه بيقين، لان ذلك كله منسوخ. بدائع. أقول: يؤخذ منه أن الحنفي إذا اقتدى بشافعي في صلاة الجنازة يرفع يديه لأنه مجتهد فيه فهو غير منسوخ، لأنه قد قال به أئمة بلخ من الحنفية، وسيأتي تمامه في الجنائز وقدمناه في أواخر بحث واجبات الصلاة. قوله: (إلى ستة عشر) كذا في البحر عن المحيط. وفي الفتح قيل: يتابعه إلى ثلاث عشرة، وقيل إلى ست عشرة اه. قلت: ولعل وجه القول الثاني حمل الثلاث عشرة المروية عن ابن عباس على الزوائد كما مر عن الشافعي، وهي مع الثلاث الأصلية تصير ست عشرة، وإلا لم أر من قال بأن الزوائد ست عشرة، فليراجع، وقد راجعت مجمع الآثار للامام الطحاوي فلم أر فيما ذكره من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين أكثر مما مر عن ابن عباس، فهذا يؤيد القول الأول ولذا قدمه في الفتح ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ، على أن ضم الثلاث الأصلية إلى الزوائد بعيد جدا لان القراءة فاصلة بينهما، فتأمل. قوله: (فيأتي بالكل) قال في البحر نقلا عن المحيط: فإن زاد لا يلزمه متابعته لأنه مخطئ بيقين، ولو سمع التكبيرات من المكبرين يأتي بالكل احتياطا وإن كثر، لاحتمال الغلط من المكبرين، ولذا قيل ينوي بكل تكبيرة الافتتاح لاحتمال التقدم على الامام في كل تكبيرة اه. قلت: والظاهر أنه عبر عنه بقيل لضعفه، ولذا لم يذكر الشارح، فإنه يقتضي أن من لم يسمع من الامام ينوي الافتتاح بالثلاث أيضا وإن لم يزد عليها، فإن احتمال الغلط والتقدم موجود في الكل لا في خصوص الزائد على المأثور في الركعة الأولى، فتأمل. وسيأتي في صلاة الجنازة أنه ينوي فيها الافتتاح بتكبيرة أيضا، ويأتي تمام البحث فيه. قوله: (ويوالي ندبا بين القراءتين) أ بأن يكبر في الركعة الثانية بعد القراءة لتكون قراءتها تالية لقراءة الركعة الأولى، أما لو كبر في الثانية قبل القراءة أيضا كما يقول ابن عباس يكون التكبير فاصلا بين القراءتين، وأشار بقوله: ندبا إلى أنه لو كبر في أول كل ركعة جاز، لان الخلاف في الأولوية كما مر عن البحر. هذا، وأما ما في المحيط من التعليل للموالاة بأن التكبيرات من الشعائر ولهذا وجب الجهر بها فوجب ضم الزوائد في
187 الأولى إلى تكبيرة الافتتاح لسبقها على تكبيرة الركوع وإلى تكبيرة الركوع في الثانية لأنها الأصل، فقد قال في البحر: الظاهر أن المراد بالوجوب الثبوت لا المصطلح عليه لان الموالاة مستحبة اه. وكذا قوله وجب الجهر بها: أي ثبت في بعض المواضع كما في الاذان والتكبير في طريق المصلي وتكبير التشريق، وأما الجهر في تكبيرات الزوائد فالظاهر استحبابه للامام فقط للاعلام، فتأمل. لكن في البحر عن المحيط: إن بدأ الامام بالقراءة سهوا فتذكر بعد الفاتحة والسورة يمضي في صلاته، وإن لم يقرأ إلا الفاتحة كبر وأعاد القراءة لزوما، لان القراءة إذا لم تتم كان امتناعا من الاتمام لا رفضا للفرض اه. ونحوه في الفتح وغيره، وظاهره أن تقديم التكبير على القراءة واجب وإلا لم ترفض الفاتحة لأجله، ويؤيده ما قدمناه في باب صفة الصلاة من أنه إن كبر وبدأ بالقراءة ونسي الثناء والتعوذ والتسمية لا يعيد لفوت محلها. وقد يجاب بأن العود إلى التكبير قبل إتمام القراءة ليس لأجل المستحب الذي هو الموالاة بل لأجل استدراك الواجب الذي هو التكبير، لأنه لم يشرع في الركعة الأولى بعد القراءة بدليل أنه لو تذكره بعد قراءة السورة يتركه، فكان مثل ما لو نسي الفاتحة وشرع في السورة ثم تذكر يترك السورة ويقرأ الفاتحة لوجوبها، بخلاف الثناء والتعوذ والتسمية، والله أعلم. قوله: (ويقرأ كالجمعة) أي كالقراءة في صلاة الجمعة، لما روى أبو حنيفة: أنه (ص) كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة الاعلى والغاشية كما في الفتح. وقال في البدائع: فإن تبرك بالاقتداء به (ص) في قراءتهما في أغلب الأوقات فحسن، لكن يكره أن يتخذهما حتما لا يقرأ فيها غيرهما لما ذكرنا في الجمعة اه. ويجهر بالقراءة كما ذكره في فصل القراءة وصرح به في البحر هنا. قوله: (في القيام) أي الذي قبل الركوع، أما لو أدركه راكعا فإن أغلب على ظنه إدراكه في الركوع كبر قائما برأي نفسه ثم ركع، وإلا ركع وكبر في ركوعه، خلافا لأبي يوسف، ولا يرفع يديه لان الوضع على الركبتين سنة في محله والرفع لا في محله، وإن رفع الامام رأسه سقط عنه ما بقي من التكبير لئلا تفوته المتابعة، ولو أدركه في قيام الركوع لا يقضيها فيه لأنه يقضي الركعة مع تكبيراتها. فتح وبدائع. قوله: (كبر في الحال) أي وإن كان الامام قد شرع في القراءة كما في الحلية. قوله: (برأي نفسه الخ) أي ولو كان إمامه شافعيا كبر سبعا فإنه يكبر ثلاثا، بخلاف ما مر من أنه يتابعه في المأثور لأنه في المدرك. قوله: (لأنه مسبوق) أي وهو منفرد فيما يقضى، والذكر الفائت يقضى قبل فراغ الامام، بخلاف الفعل. فتح. قلت: فعلى هذا إذا أدرك مع الامام ما لا ينقص عن رأي نفسه ينبغي أن لا يقضي بعده شيئا، فتنبه له ا ه حلية. قوله: (يقرأ ثم يكبر) أي إذا قام إلى قضائها، أما الركعة التي أدركها مع الامام فينبغي أن يجري فيها التفضيل المار من إدراكه كل التكبير أو بعضه أولا، ولا كما أفاده في الحلية. قوله: (لئلا يتوالى التكبير) أي لأنه إذا كبر قبل القراءة وقد كبر مع الامام بعد القراءة لزم توالي التكبيرات في الركعتين، قال في البحر: ولم يقل به أحد من الصحابة ولو بدأ بالقراءة يصير فعله موافقا لقول علي رضي الله عنه فكان أولى، كذا في المحيط وهو مخصص لقولهم: إن المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار اه. تنبيه: قد علمت أن المسبوق يكبر برأي نفسه، أما اللاحق فإنه يكبر على رأي إمامه لأنه خلف الامام حكما. بحر عن السراج. قوله: (فلو لم يكبر الخ) مرتبط بقوله: ولو أدرك الامام في القيام.
188 قوله: (قبل أن يكبر المؤتم) يغني عنه ما قبله فالأولى حذفه. قوله: (ويكبر في الركوع على الصحيح) كذا قاله المصنف في منحه، ويخالفه قول البحر: ولو أدركه في القيام فلم يكبر حتى ركع لا يكبر في الركوع على الصحيح اه. ومثله في النهر. وذكر في الحلية: قيل يكبر في الركوع، وقيل لا، وقواه في المحيط اه. قال ط: كأنه لان التقصير جاء من جهته. قوله: (فالاتيان بالواجب) وهو التكبير أولى من المسنون وهو التسبيح وقد علمت ما فيه ط. وفسر الرحمتي الواجب بالمتابعة والمسنون بالاتيان بالتكبير في محض القيام: أي لان التكبير يكفي إيقاعه في الركوع لكن كونه في محض القيام سنة. تأمل. قوله: (في ظاهر الرواية) تبع فيه المصنف في المنح. والذي في البحر والحلية أن ظاهر الرواية أنه لا يكبر في الركوع ولا يعود إلى القيام. زاد في الحلية: وعلى ما ذكره الكرخي ومشى عليه في البدائع وهو رواية النوادر: يعود إلى القيام ويكبر ويعيد الركوع دون القراءة اه. وهذه الرواية أيضا تخالف ما في المتن. نعم صرح بمثله في البحر والحلية والفتح والذخيرة في باب الوتر والنوافل، وذكروا الفرق بين التكبير حيث يرفض الركوع لأجله وبين القنوت بكون تكبير العيد مجمعا عليه دون قنوت الوتر، وذكر مثله في البدائع هناك مخالفا لما ذكره في هذا الباب، ولكن حيث ثبت ظاهر الرواية لا يعدل عنه وعلى ما في المتن، فالفرق بين التكبير وبين القنوت حيث لا يأتي به في الركوع أنه لم يشرع إلا في محل القيام، بخلاف التكبير. قوله: (فلو عاد ينبغي الفساد) تبع فيه صاحب النهر، وقد علمت أن العود رواية النوادر، على أنه يقال عليه ما قاله ابن الهمام في إن ترجيح القول بعدم الفساد فيما لو عاد إلى القعود الأول بعد ما استتم قائما بأن فيه رفض لأجل الواجب، وهو إن لم يحل فهو بالصحة لا يخل. قوله: (ويرفع يديه) أي ماسا بإبهامه شحمتي أذنيه ط. قوله: (في الزوائد) قيد به للاحتراز عن تكبير الركوع الثاني، فإنه ألحق بها حتى قلنا بوجوبه أيضا مع أنه لا رفع فيه. نهر. وما وقع في البحر من التعبير بتكبيرتي الركوع بالتثنية اعترضه في الشرنبلالية بأن الكمال صرح في باب سجود السهو بأنه لا يجب بترك تكبيرات الانتفال إلا في تكبيرة ركوع الركعة الثانية من العيد اه. قوله: (ذلك) أي الرفع. قوله: (سنة في محله أي والرفع سنة في غير محله) وذو المحل أولى ط. قوله: (ولذا يرسل يديه) أي في أثناء التكبيرات، ويضعهما بعد الثالثة كما في شرح المنية، لان الوضع سنة قيام طويل فيه ذكر مسنون. قوله: (هذا يختلف الخ) أشار إلى ما في البحر عن المبسوط من أن هذا التقدير ليس بلازم، بل يختلف بكثرة الزحام وقلته، لان المقصود إزالة الاشتباه. قوله: (فلو خطب قبلها الخ) وكذا لو لم يخطب أصلا كما قدمناه عن البحر. قوله: (يسن فيها ويكره) أي إلا التكبير وعدم الجلوس قبل الشروع فيها فإنهما سنة هنا لا في خطب الجمعة. قوله: (بل عشر) أي بناء على القول
189 بأن للكسوف خطبة عندنا، وعلى قولهما بأن للاستسقاء خطبة كما سيأتي. قوله: (واستسقاء) أي بناء على قولهما من أن له خطبة. قوله: (إلا أن التي بمكة وعرفة الخ) وأما التي بمنى حادي عشر ذي الحجة فليس فيها تلبية، لان التلبية تنقطع بأول رمي ط. قوله: (ويستحب الخ) ذكر ذلك في المعراج عن مجمع النوازل. وقال في الخانية: إنه ليس للتكبير عدد في ظاهر الرواية، لكن ينبغي أن لا يكون أكثر الخطبة التكبير، ويكبر في الأضحى أكثر من الفطر اه. قلت: وإطلاق العدد في ظاهر الرواية لا ينافي تقييده بما ورد في السنة وقال به الشافعي رحمه الله تعالى. قوله: (لا يجلس عندنا) لان الجلوس لانتظار فراغ المؤذن من الاذان، والاذان غير مشروع في العيد فلا حاجة إلى الجلوس. معراج. قوله: (ولم أره) البحث لصاحب البحر، وقال بعده: والعلم أمانة في عنق العلماء اه. ويؤيده ما سيذكره الشارح في أول باب صدقة الفطر عن الشمني: أن النبي (ص) كان يخطب قبل الفطر بيومين يأمر بإخراجها. قوله: (وهكذا الخ) هو من تتمة كلام البحر حيث قال: ويستفاد من كلامهم أن الخطيب إذا رأى حاجة إلى معرفة بعض الأحكام فإنه يعلمهم إياها في خطبة الجمعة، خصوصا وفي زماننا لكثرة الجهل وقلة العلم، فينبغي أن يعلمهم فيها أحكام الصلاة كما لا يخفى اه. قوله: (مع الامام) متعلق بمحذوف حال من ضمير فاتت لا بفاتت، لان المعنى أن الامام أداها وفاتت المقتدي، لأنها لو فاتت الامام والمقتدي تقضى كما يأتي. أفاد في معراج الدراية. قوله: (ولو بالافساد) أي بعد أن دخل فيها مع الامام وفرغ منها الامام. قوله: (الأصح) مقابله ما حكاه في البحر هنا عن أبي يوسف أنه إذا أفسدها بعد الشروع تقضي، لان الشروع كالنذر في الايجاب. قوله: (وفيها) أي في صورة الافساد، وقوله: واجبة زيادة في الألغاز لا للاحتراز عن النفل فإنه يجب قضاؤه بالافساد ط. قوله: (اتفاقا) والخلاف إنما هو في الجمعة. بحر. قوله: (صلى أربعا كالضحى) أي استحبابا كما في القهستاني وليس هذا قضاء لأنه ليس على كيفيتها ط. قلت: وهي صلاة الضحى كما في الحلية عن الخانية، فقوله تبعا للبدائع كالضحى معناه أنه لا يكبر فيها للزوائد مثل العيد. تأمل. قوله: (بعذر كمطر) دخل فيه ما إذا لم يخرج الامام وما إذا غم
190 الهلال فشهدوا به بعد الزوال أو قبله بحيث لا يمكن جمع الناس، أو صلاها في يوم غيم وظهر أنها وقعت بعد الزوال، كما في الدرر وشرحه للشيخ إسماعيل. وفيه عن الحجة: أمام صلى العيد على غير وضوء ثم علم بذلك قبل أن يتفرق الناس توضأ ويعيدون، وإن تفرق الناس لم يعد بهم، وجازت صلاتهم صيانة للمسلمين وأعمالهم. قوله: (فقط) راجع إلى قوله: بعذر فلا تؤخر من غير عذر، وإلى قوله: إلى الزوال فلا تصح بعده، وإلى قوله: من الغد فلا تصح فيما بعد غد ولو بعذر كما في البحر ط. قوله: (وحكى القهستاني قولين) ثم قال: ولعله مبني على اختلاف الروايتين، ويؤيده ما في زكاة النظم أن لصلاته يوما واحدا في الأصول ويومين في مختصر الكرخي اه. تنبيه: ذكر في المجتبى الطحاوي أن ما ذكره المصنف قول أبي يوسف، وأن أبا حنيفة قال: إن فاتت في اليوم الأول لم تقض، لكن لم يذكر في الكتب المعتبرة اختلاف في هذا كما في البحر. قوله: (لكن هنا) أي في الأضحى. قوله: (يجوز تأخيرها الخ) وتكون فيما بعد اليوم الأول قضاء أيضا كما في أضحية البدائع والزيلعي. قوله (بلا عذر مع الكراهة) أثبت في المجتبى والجوهرة و البزازية وغيرها الإساءة بالتأخير لغير عذر، وبه يعلم أنها كراهة تحريم. تأمل رملي. قلت: إطلاق الكراهة تبعا للبحر والدرر يفيد التحريم، وأما الإساءة فقدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أنها دون الكراهة وأفحش، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية. قوله: (اتفاقا) أما في الفطر فقد علمت ما فيه من الخلاف في أصل التكبير أو في صفته وهي الجهر. قوله: (قيل وفي المصلى) قال في المحيط: وفي رواية لا يقطعه ما لم يفتتح الامام الصلاة لأنه وقت التكبير فيكبر عقب الصلاة جهرا اه. وجزم في البدائع بالأولى وعمل الناس في المساجد على الرواية الثانية. بحر. قوله: (لا في البيت) أي لا يسن، وإلا فهو ذكر مشروع. قوله: (ويندب تأخير أكله عنهما) أي يندب الامساك عما يفطر الصائم من صحبه إلى أن يصلي، فإن الاخبار عن الصحابة تواترت في منع الصبيان عن الاكل والأطفال عن الرضاع غداة الأضحى. قهستاني عن الزاهدي ط. قوله: (وإن لم يضح) شمل المصري والقروي، وقيده في غاية البيان بالمصري وذكر أن القروي يذوق من الصبح لان الأضاحي تذبح في القرى من الصباح. بحر. قوله: (في الأصح) وقيل لا يستحب في حق من لم يضح. بحر. مطلب: لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص قوله: (لم يكره) قال في البحر: وهو مستحب، ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إذ لا بد لها من دليل خاص اه. قوله: (أي تحريما) تبع فيه صاحب النهر وأشار به إلى ثبوت كراهة التنزيه، وفيه نظر لما علمت من كلام البحر. ولقول البدائع: إن شاء ذاق وإن شاء لم يذق، والأدب أن لا يذوق شيئا إلى وقت الفراغ من الصلاة حتى يكون تناوله من القرابين اه. قوله: (في الخطبة)
191 متعلق بيعلم، وينبغي تعليم تكبير التشريق في الجمعة التي قبل عيد الأضحى لان ابتداءه يوم عرفة كما بحثه في البحر. قوله: (يوم عرفة) الإضافة بيانيه، لان عرفة اسم اليوم وعرفات اسم المكان. شرنبلالية. قوله: (في غيرها) أي غير عرفة، وأراد بها المكان تجوزا، والمراد كما في شرح المنية اجتماعهم عشية يوم عرفة في الجوامع أو في مكان خارج البلد يتشبهون بأهل عرفة اه. قوله: (وقيل يستحب) لعله المراد من قوله النهاية، وعن أبي يوسف ومحمد في رواية الأصل أنه: يكره، لما روي أن ابن عباس فعل ذلك بالبصرة اه. قال في الفتح: وهذا يفيد أن مقابله من رواية الأصول الكراهة، ثم قال: وهو الأولى حسما لمفسدة اعتقادية تتوقع من العوام ونفس الوقوف وكشف الرؤوس يستلزم التشبه وإن لم يقصد، فالحق أنه إن عرض للوقوف في ذلك اليوم سبب يوجبه كالاستسقاء مثلا لا يكره، أما قصد ذلك اليوم بالخروج فيه فهو معنى التشبه إذا تأملت. وفي جامع التمرتاشي: لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم جاز يحمل عليه بلا وقوف وكشف اه. والحاصل أن الصحيح الكراهة كما في الدرر، بل في البحر أن ظاهر ما في غاية البيان أنها تحريمية، وفي النهر أن عبارتهم ناطقة بترجيح الكراهة وشذوذ غيره. قوله: (وقال الباقاني الخ) مأخوذ من آخر عبارة الفتح المتقدمة. والحاصل أن المكروه هو الخروج مع الوقوف وكشف الرؤوس بلا سبب موجب كاستسقاء، أما مجرد الاجتماع فيه على طاعة بدون ذلك فلا يكره. مطلب في تكبير التشريق قوله: (ويجب تكبير التشريق) نقل في الصحاح وغيره أن التشريق تقديد اللحم، وبه سميت الأيام الثلاثة بعد يوم النحر. ونقل الخليل بن أحمد النضر بن شميل عن أهل اللغة أنه التكبير فكان مشتركا بينهما، والمراد هنا الثاني، والإضافة فيه بيانية: أي التكبير الذي هو التشريق. وبه اندفع ما قيل إن الإضافة على قولهما، لأنه لا تكبير في أيام التشريق عنده، وتمامه في الاحكام للشيخ إسماعيل والبحر. قوله: (في الأصح) وقيل سنة وصحح أيضا، لكن في الفتح أن الأكثر على الوجوب، وحرر في البحر أنه لا خلاف لان السنة المؤكدة والواجب متساويان رتبة في استحقاق الاثم بالترك. مطلب: يطلق اسم السنة على الواجب قلت: وفيه نظر لما قدمناه عنه في بحث سنن الصلاة إن الاثم في ترك السنة أخف منه في ترك الواجب، وحررنا هناك أن المراد من ترك السنة الترك بلا عذر على سبيل الاصرار كما في شرح التحرير، فلا إثم في تركها مرة، وهذا مخالف للواجب، فالأحسن ما في البدائع من قوله: الصحيح أنه واجب، وقد سماه الكرخي سنة ثم فسره بالواجب فقال: تكبير التشريق سنة ماضية نقلها أهل العلم وأجمعوا على العمل بها، وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز، لان السنة عبارة عن الطريقة
192 المرضية أو السيرة الحسنة، وكل واجب هذا صفته اه. قلت: ومنه إطلاق كثير على القعود الأول أنه سنة. قوله: (للامر به) أي في قوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * وقوله تعالى: * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) * (الحج: 82) على القول بأن كليهما أيام التشريق، وقيل المعدودات: أيام التشريق والمعلومات: أيام ذي عشر ذي الحجة، وتمامه في البحر. قوله: (وإن زاد الخ) أفاد أن قوله: مرة بيان للواجب، لكن ذكر أبو السعود أن الحموي نقل عن القراحصاري أن الاتيان به مرتين خلاف السنة اه. قلت: وفي الاحكام عن البرجندي ثم المشهور من قول علمائنا أنه يكبر مرة، وقيل ثلاث مرات. قوله: (صفته الخ) فهو تهليلة بين أربع تكبيرات ثم تحميدة، والجهر به واجب، وقيل سنة. قهستاني. قوله: (هو المأثور عن الخليل) وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال: الله أكبر الله أكبر، فلما رآه إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: لا إله إلا الله والله أكبر، فلما علم إسماعيل الفداء قال: الله أكبر ولله الحمد. كذا ذكره الفقهاء ولم يثبت عند المحدثين كما في الفتح. بحر: أي هذه القصة لم تثبت، أما التكبير على الصفة المذكورة فقد رواه ابن أبي شيبة بسند جيد عن ابن مسعود أنه كان يقوله ثم عمم عن الصحابة، وتمامه في الفتح. ثم قال: فظهر أن جعل التكبيرات ثلاثا في الأول كما يقول الشافعي لا ثبت له. مطلب: المختار أن الذبيح إسماعيل قوله: (والمختار أن الذبيح إسماعيل) وفي أول الحلية أنه ظهر القولين اه. قلت: وبه قال أحمد ورجحه غالب المحدثين. وقال أبو حاتم: إنه الصحيح، والبيضاوي: إنه الأظهر. وفي الهدى أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، والقول بأنه إسحاق مردود بأكثر من عشرين وجها. نعم ذهب إليه جماعة من الصحابة والتابعين ونسبه القرطبي إلى الأكثرين واختاره الطبري وجزم به في الشفاء، وتمامه في شرح الجامع الصغير للعلقمي عند حديث الذبيح إسحاق. قال في البحر: والحنفية مائلون إلى الأول، ورجحه الإمام أبو الليث السمرقندي في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة. فأما الكتاب فقوله: * (وفديناه بذبح عظيم) * (الصافات: 701) ثم قال بعد قصة الذبح * (وبشرناه بإسحاق) * (الصافات: 211) الآية. وأما الخبر فما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين يعني أباه عبد الله وإسماعيل، واتفقت الأمة أنه كان من ولد إسماعيل. وقال أهل التوراة: مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق، فإن صح ذلك فيها آمنا به اه. ونقل ح عن الخفاجي في شرح الشفاء أن الأحسن الاستدلال (1) بقوله تعالى: * (ومن وراء إسحاق يعقوب) * فإنه مع إخبار الله تعالى أباه بإتيان يعقوب من صلب إسحاق لا يتم ابتلاؤه بذبحه لعدم فائدته حينئذ اه: أي لأنه أمر بذبحه
(1) قوله: (ان أحسن الاستدلال الخ) قال شيخنا لا يتم الاستدلال بهذه الآية الا إذا تقدم البشارة على الامتحان وهو الواقع فان إسحاق مبشر به قبل مجيئه بدليل قوله تعالى حكاية عن زوجة إبراهيم قالت: (يا ويلتى أألد وأنا عجوز) الآية، وهذا كان عقب قوله تعالى: (وبشرناه) الخ فثبت المراد جزما والله أعلم بالصواب. ا ه. 193 صغيرا، فلا يمكن أن يكون الامر بعد خروج يعقوب من صلبه، فافهم. قوله: (ومعناه) أي في العربية. قوله: (عقب كفرض عيني) شمل الجمعة. وخرج به الواجب كالوتر والعيدين والنفل. وعند البلخيين يكبرون عقب صلاة العيد لأدائها بجماعة كالجمعة، وعليه توارث المسلمين فوجب اتباعه كما يأتي، وخرج بالعيني الجنازة فلا يكبر عقبها. أفاده في البحر. قوله: (بلا فصل يمنع البناء) فلو خرج من المسجد أو تكلم عامدا أو ساهيا أو أحدث عامدا سقط عنه التكبير. وفي استدبار القبلة روايتان. ولو أحدث ناسيا بعد السلام الأصح أنه يكبر ولا يخرج للطهارة. فتح. قوله: (أدى بجماعة) خرج القضاء في بعض الصور كما يأتي والانفراد، وفي خلافهما كما يأتي. قوله: (أو قضى فيها الخ) الفعل مبني للمجهول معطوف على أدى، والمسألة رباعية: فائتة غير العيد قضاها في أيام العيد، فائتة أيام العيد قضاها في غير أيام العيد، فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عام آخر، فائتة أيام العيد قضاها في أيام العيد من عامه ذلك، ولا يكبر إلا في الأخير فقط، كذا في البحر: فقوله: أو قضى فيها أي في أيام العيد احترازا عن الثانية، وقوله: منها أي حال كون المقضية في أيام العيد من أيام العيد احترز به عن الأولى، وقوله: من عامه أي حال كون أيام العيد التي تقضى فيها الصلاة التي فاتت في أيام العيد من عام الفوات احترز به عن الثالث اه ح. قوله: (لقيام وقته) علة لوجوب تكبير التشريق في القضاء المذكور ح. قوله: (كالأضحية) فإنه إذا لم يفعلها في أول يوم يفعلها في الثاني أو الثالث إذا كانت من ذلك العام، بخلاف أضحية عام سابق. قوله: (في الأصح) فإن الأصح أن الحرية ليست بشرط، حتى لو أم العبد قوما وجب عليه وعليهم التكبير. بحر. قوله: (أوله من فجر عرفة) أي في ظاهر الرواية وهو قول عمر وعلي. وعن أبي يوسف: من ظهر النحر، وهو قول ابن عمر وزيد بن ثابت كما في المحيط. قهستاني. قوله: (فهي ثمان) بإظهار الاعراب أو بإعراب المنقوص ط. وقدمنا في باب النوافل اشتقاقه وإعرابه. قوله: (ووجوبه على إمام) تقدير المبتدأ غير لازم، لان الجار والمجرور متعلق بقوله قبله يجب ولكن قدره لبعد الفصل. قوله: (مقيم بمصر) فلا يجب على قروي ولا مسافر، ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الأصح. بحر عن البدائع: أي الأصح على قول الإمام، والظاهر أن صلاة القرويين في مصر كذلك. تأمل. قال القهستاني: والمتبادر أن يكون ذلك المقيم صحيحا، فإذا صلى المريض بجماعة لم يكبروا كما في الجلابي. قوله: (وعلى مقتد) أي ولو متنفلا بمفترض. إسماعيل عن القنية. قوله: (مسافر الخ) ليس للاحتراز بل لان غيرهم بالأولى. قوله: (بالتبعية) راجع إلى الثلاثة ط. قوله: (تخافت) لان صوتها عورة كما في الكافي والتبيين. قوله: (ويجب على مقيم الخ) الظاهر أنه بحث لصاحب الشرنبلالية، حيث قال عند قول الدرر: ولا على إمام مسافر. أقول: على هذا يجب على من اقتدى به من المقيمين لوجدان الشرط في حقهم اه. قلت: ولا يرد عليه قولهم بالتبعية لأنها فيما إذا كان الامام من أهل الوجوب دون المؤتم.
194 تأمل، لكن في حاشية أبي السعود عن الحموي ما نصه: وفي هداية الناطفي إذا كان الامام في مصر من الأمصار فصلى بالجماعة وخلفه أهل المصر فلا تكبير على واحد منهم عند أبي حنيفة، وعندهما عليهم بالتكبير اه. والمراد الامام المسافر دل عليه سياق كلامه اه. قوله: (فور كل فرض) بأن يأتي بلا بلا فصل يمنع البناء كما مر. ط. قوله: (لأنه تبع للمكتوبة) فيجب على كل من تجب عليه الصلاة المكتوبة. بحر. قوله: (وعليه الاعتماد الخ) هذا بناء على أنه إذا اختلف الامام وصاحباه فالعبرة لقوة الدليل، وهو الأصح كما في آخر الحاوي القدسي، أو على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا، وإلا فكيف يفتي بقول غير صاحب المذهب. وبه اندفع ما في الفتح من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما. بحر. مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (ولا بأس الخ) كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب كما في البحر من الجنائز و الجهاد، ومنه هذا الموضع لقوله: فوجب اتباعهم. قوله: (فوجب) الظاهر أن المراد بالوجوب الثبوت لا الوجوب المصطلح عليه، وفي البحر عن المجتبى والبلخيون: يكبرون عقب صلاة العيد لأنها تؤدى بجماعة فأشبهت الجمعة اه. وهو يفيد الوجوب المصطلح عليه ط. قوله: (ولا يمنع العامة الخ) في المجتبى: قيل لأبي حنيفة، ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن يكبروا أيام العشر في الأسواق والمساجد، قال: نعم، وذكر الفقيه أبو الليث أن إبراهيم بن يوسف كان يفتي بالتكبير فيها. قال الفقيه أبو جعفر: والذي عندي أنه لا ينبغي أن تمنع العامة عنه لقلة رغبتهم في الخير وبه نأخذ اه. فأفاد أن فعله أولى. قوله: (بحر ومجتبى) الأولى بحر عن المجتبى ط. قوله: (ويأتي المؤتم به الخ) ظاهره ولو كان مسافرا أو قرويا أو امرأة على قول الإمام مع أنه تقدم أن الوجوب عليهم بالتبعية، لكن المراد أن وجوبه عليهم تبع لوجوبه عليه فلا يسقط عنهم بعد وجوبه عليهم وإن تركه الامام، وليس المراد أنهم يفعلونه تبعا له. تأمل. قوله: (لأدائه بعد الصلاة) أي فلا يعد به مخالفا للامام، بخلاف سجود السهو، فإنه يتركه إذا تركه الامام لان يؤدي في حرمه الصلاة ط. قوله: (قال أبو يوسف الخ) تضمنت الحكاية من الفوائد الحكمية أنه إذا لم يكبر الامام لا يسقط عن المقتدى، والعرفية جلالة قدر أبي يوسف عند الامام وعظم منزلة الامام في قلبه حيث نسي ما لا ينسى عادة حين علمه خلفه، وذلك أن العادة نسيان التكبير الأول في الفجر، فأما بعد توالي ثلاثة أوقات فلا، لعدم بعد العهد به. فتح. قوله: (لا تفسد) لأنه ذكر. وعن الحسن: يتابعه كما في المجتبى ولا يعيده بعد الصلاة كما في خزانة الفتاوى إسماعيل. قوله: (ولو لبى فسدت) لأنه خطاب الخليل عليه السلام. وعن محمد: لا تفسد لأنه يخاطب الله تعالى بها فكانت ذكرا، كما في المجتبى. إسماعيل.
195 قلت: الأولى التعليل بما يأتي من أنها تشبه كلام الناس، إذ لا شك أن قول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك الخ، خطاب لله تعالى. قوله: (لوجوبه في تحريمتها) أي في حال بقاء تحريمتها التي يحرم بها ولذا يصح الاقتداء فيه. قوله: (في حرمتها) المراد به عقبها بلا فاصل حتى لو فصل سقط كما مر. قوله: (لعدمهما) أي لعدم وجوبها في تحريمتها ولا في حرمتها. قوله: (سقط السجود والتكبير) لان التلبية تشبه كلام الناس، وكلام الناس يقطع الصلاة، فكذا هي وسجود السهو لم يشرع إلا في التحريمة ولا تحريمة، والتكبير لم يشرع إلا متصلا وقد زال الاتصال. بدائع. ولعل وجه كونه يشبه كلام الناس أن من نادى رجلا يجيبه بقوله لبيك، وقد قال في البدائع: إذا قال اللهم أعطني درهما زوجني امرأة تفسد صلاته، لان صيغته من كلام الناس، وإن خاطب الله تعالى به فكان مفسدا بصيغته اه. فافهم، والله أعلم. مطلب في إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة خاتمة: قال في شرح المنية: وفي المضمرات عن ابن المبارك في تقليم الأظفار وحلق الرأس في العشر: أي عشر ذي الحجة قال: لا تؤخر السنة، وقد ورد ذلك ولا يجب التأخير اه. ومما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله (ص): إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا فهذا محمول على الندب دون الوجوب بالاجماع، فظهر قوله: ولا يجب التأخير، إلا أن نفي الوجوب لا ينافي الاستحباب فيكون مستحبا إلا إن استلزم الزيادة على وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الأربعين فلا يباح فوقها. قال في القنية: الأفضل أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع، وإلا ففي كل خمسة عشر يوما، ولا عذر في تركه وراء الأربعين ويستحق الوعيد، فالأول أفضل، والثاني الأوسط، والأربعون الابعد اه. باب: الكسوف أي صلاته وهي سنة كما سيأتي، والكسوف مصدر اللازم، والكسف مصدر المتعدي، يقال كسفت الشمس كسوفا وكسفها الله تعالى كسفا، وتمامه في. قوله: (من حيث الاتحاد) أي في أن كلا من العيد والكسوف يؤدى بالجماعة نهارا بلا أذان ولا إقامة، وقوله: أو التضاد أي من حيث أن الجماعة في العيد شرط والجهر فيها واجب، بخلاف الكسوف اه ح. أو لان للانسان حالتين: حالة السرور والفرح، وحالة الحزن والترح، وقدم حالة السرور على حالة الترح. معراج. قوله: (للشمس والقمر) لف ونشر مرتب. قال في الحلية: والأشهر في ألسنة الفقهاء تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر، وادعى الجوهري أنه الأفصح، وقيل هما فيهما سواء اه. وفي القهستاني: وقال ابن الأثير: إن الأول هو الكثير المعروف في اللغة، وأن ما وقع في الحديث من كسوفهما وخسوفهما فللتغليب. قوله: (من يملك إقامة الجمعة) وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول: لكل إمام مسجد أن يصلي بجماعة في مسجده، والصحيح ظاهر الرواية وهو أنه لا يقيمها إلا الذي يصلي بالناس الجمعة، كذا في البدائع. نهر. قوله: (بيان للمستحب) أي قوله:
196 يصلي بالناس بيان للمستحب وهو فعلها بالجماعة: أي إذا وجد إمام الجمعة، وإلا فلا تستحب الجماعة بل تصلى فرادى، إذ لا يقيمها غيره كما علمته. قوله: (رده في البحر) أي بتصريح الأسبيجابي بأنه يستحب فيها ثلاثة أشياء: الامام، والوقت: أي الذي يباح فيه التطوع، والموضع: أي مصلى العيد أو المسجد الجامع اه. وقوله: الامام: أي الاقتداء به. وحاصله أنها تصح بالجماعة وبدونها، والمستحب الأول، لكن إذا صليت بجماعة لا يقيمها إلا السلطان ومأذونه كما مر أنه ظاهر الرواية، وكون الجماعة مستحبة فيه رد على ما في السراج من جعلها شرطا كصلاة الجمعة. قوله: (عند الكسوف) فلو انجلت لم تصل بعده، وإذا انجلى بعضها جاز ابتداء الصلاة، وإن سترها سحاب أو حائل صلى لان الأصل بقاؤه، وإن غربت كاسفة أمسك عن الدعاء وصلى المغرب. جوهرة. قوله: (وإن شاء أربعا أو أكثر الخ) هذا غير ظاهر الرواية، وظاهر الرواية هو الركعتان ثم الدعاء إلى أن تنجلي. شرح المنية. قلت: نعم في المعراج وغيره: لو لم يقمها الامام صلى الناس فرادى ركعتين أو أربعا، وذلك أفضل. قوله: (أي بركوع واحد) وقال الأئمة الثلاثة: في كل ركعة ركوعان، والأدلة في الفتح وغيره. قوله: (في غير وقت مكروه) لان النوافل لا تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وهذه نافلة. جوهرة، وما مر عن الأسبيجابي من جعله الوقت مستحبا. قال في البحر: لا يصح. قال ط: وفي الحموي عن البرجندي عن الملتقط إذا انكسفت بعد العصر أو نصف النهار دعوا ولم يصلوا. قوله: (بلا أذان الخ) تصريح بما علم من قوله: كالنفل ط. قوله: (ولا جهر) وقال أبو يوسف: يجهر، وعن محمد روايتان. جوهرة. قوله: (ولا خطبة) قال القهستاني: ولا يخطب عندنا فيها بلا خلاف كما في التحفة والمحيط والكافي والهداية وشروحها. لكن في النظم يخطب بعد الصلاة بالاتفاق، ونحوه في الخلاصة وقاضيخان اه. وعلى الثاني يبتنى ما مر في باب العيد من عد الخطب عشرا، لكن المشهور الأول، وهو الذي في المتون والشروح. وفي شرح المنية أنه قال به مالك وأحمد. قال في البحر: وما ورد من خطبته عليه الصلاة والسلام يوم مات ابنه إبراهيم وكسفت الشمس فإنما كان للرد على من قال إنها كسفت لموته لا لأنها مشروعة له، ولذا خطب عليه الصلاة والسلام بعد الانجلاء، ولو كانت سنة له لخطب قبله كالصلاة والدعاء. قوله: (وينادي الخ) أي كما رواه مسلم في صحيحه كما في الفتح. قوله: (الصلاة جامعة) بنصبهما: أي أحضروا الصلاة في حال كونها جامعة ورفعهما على الابتداء والخبر، ونصب الأول مفعول فعل محذوف ورفع الثاني خبر مبتدإ محذوف: أي هي جامعة، وعكسه: أي حضرت الصلاة حال كونها جامعة. رحمتي. قوله: (ليجتمعوا) أي إن لم يكونوا اجتمعوا. بحر. قوله: (ويطيل فيها الركوع والسجود والقراءة) نقل ذلك في الشرنبلالية عن البرهان: أي لورود الأحاديث المذكورة في الفتح وغيره بذلك. قال القهستاني: فيقرأ: أي في الركعتين مثل البقرة وآل عمران كما في التحفة والاطلاق دال على أنه
197 يقرأ ما أحب في سائر الصلاة كما في المحيط اه. ويجوز تطويل القراءة وتخفيف الدعاء وبالعكس، وإذا خفف أحدهما طول الآخر لان المستحب أن يبقى على الخشوع والخوف إلى انجلاء الشمس، فأي ذلك فعل فقد وجد. جوهرة. قال الكمال: وهذا مستثنى من كراهة تطويل الامام الصلاة، ولو خففها جاز، ولا يكون مخالفا للسنة. ثم قال: والحق أن السنة التطويل، والمندوب مجرد استيعاب الوقت: أي بالصلاة والدعاء كما في الشرنبلالية. قوله: (الذي هو من خصائص النافلة) صفة للتطويل المفهوم من قوله: ويطيل كما يظهر من كلام البحر، وظاهره أن هذه الأدعية والأذكار يأتي بها في نفس الصلاة غير الأدعية التي يأتي بها بعد الصلاة، لان الركوع والسجود لا تشرع فيهما القراءة فلم يبق في تطويلهما إلا زيادة الأدعية والأذكار من تسبيح ونحوه. تأمل. قوله: (ثم يدعو بعدها) لأنه السنة في الأدعية. بحر. ولعله احترز عن الدعاء قبلها لأنه يدعو فيها كما علمت. تأمل. قوله: (أو قائما) قال الحلواني: وهذا أحسن، ولو اعتمد على قوس أو عصا كان حسنا، ولا يصعد المنبر للدعاء ولا يخرج، كذا في المحيط. نهر. قوله: (يؤمنون) أي على دعائه. قوله: (كلها) أي المراد كمال الانجلاء لا ابتداؤه شرنبلالية عن الجوهرة. قوله: (صلى الناس فرادى) أي ركعتين أو أربعا وهو أفضل كما قدمناه، والنساء يصلينها فرادى كما في الاحكام عن البرجندي. قوله: (في منازلهم) هذا على ما في شرح الطحاوي أو في مساجدهم على ما في الظهيرية وعزاه في المحيط إلى شمس الأئمة. إسماعيل. قوله: (تحرزا عن الفتنة) أي فتنة التقديم والتقدم والمنازعة فيهما كما في النهاية، وإن شاؤوا دعوا ولم يصلوا. غياثية. والصلاة أفضل. سراجية. كذا في الاحكام للشيخ إسماعيل. قوله: (كالخسوف للقمر الخ) أي حيث يصلون فرادى، سواء حضر الامام أو لا كما في البرجندي. إسماعيل. لان ما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام صلاه ليس فيه تصريح بالجماعة فيه، والأصل عدمها كما في الفتح وفي البحر عن المجتبى، وقيل الجماعة جائزة عندنا لكنها ليست بسنة اه. قوله: (والفزع) أي الخوف الغالب من العدو. بحر ودرر. قوله: (ومنه الدعاء برفع الطاعون) أي من عموم الأمراض، وأراد بالدعاء الصلاة لأجل الدعاء. قال في النهر: فإذا اجتمعوا صلى كل واحد ركعتين ينوي بهما رفعه، وهذه المسألة من حوادث الفتوى اه. قوله: ( أي حسنة) كذا في النهر. قلت: والبدعة تعتريها الأحكام الخمسة كما أوضحناه في باب الإمامة. قال في النهر: وليس دعاء برفع الشهادة لأنها أثره لا عينه اه. قلت: على أنه لا مانع منه إذا فرط وأضر كالمطر الدائم، مع أن المطر رحمة. قال السيد أبو السعود عن شيخه: ومن أدلة مشروعيته أن غاية أمره أن يكون كملاقاة العدو، وقد ثبت سؤاله عليه الصلاة والسلام العافية منه، فيكون دعاء برفع المنشأ. قوله: (وكل طاعون وباء الخ) لان الوباء اسم
198 لكل مرض عام. نهر. والطاعون والمرض العام بسبب وخز الجن ح. وهذا بيان لدخول الطاعون في عموم الأمراض المنصوص عليه عندنا وإن لم ينصوا على الطاعون بخصوصه. قوله: (وتمامه في الأشباه) أي في أواخرها وأطال الكلام فيه. قوله: (واختار في الاسرار وجوبها) قلت: ورجحه في البدائع للامر بها في الحديث، لكن في العناية أن العامة على القول بالسنية لأنها ليست شعائر الاسلام فإنها توجد بعارض، لكن صلاها النبي (ص) فكانت سنة، والامر للندب اه. وقواه في الفتح. قوله: (حسنة) الظاهر أن المراد بها الندب، ولهذا قال في البدائع: إنها حسنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم من هذه الافزاع شيئا فافزعوا إلى الصلاة. قوله: (وكذا البقية) أي صلاة الريح وما عطف عليها فإنها حسنة ح. قوله: (واختلف في صلاة الاستسقاء) أي في أصل مشروعيتها أو كونها بجماعة كما يأتي. فافهم. قوله: (فلذا أخرها) أي وقدم ما اتفق على استنانه مع اشتراكهما في كون كل منهما على صفة الاجتماع والحضور. باب: الاستسقاء هو لغة: طلب السقي وإعطاء ما يشربه، والاسم السقيا بالضم. وشرعا: طلب إنزال المطر بكيفية مخصوصة عند شدة الحاجة بأن يحبس المطر، ولم يكن لهم أودية وآبار وأنهار يشربون منها ويسقون مواشيهم وزرعهم، أو كان ذلك إلا أنه لا يكفي، فإذا كان كافيا لا يستسقي كما في المحيط. قهستاني. قوله: (هو دعاء) وذلك أن يدعو الامام قائما مستقبل القبلة رافعا يديه والناس قعود مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه ب اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مربعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما وما أشبهه، سرا وجهرا كما في البرهان شرنبلالية. وشرح ألفاظه في الامداد وزاد فيه أدعية أخر. قوله: (واستغفار) من عطف الخاص على العام لأنه الدعاء بخصوص المغفرة، أو يراد بالدعاء طلب المطر خاصة، فيكون من قبيل عطف المغاير ط. قوله: (لأنه السبب) بدليل أنه رتب إرسال المطر عليه في قوله تعالى: * (استغفروا ربكم) * الآية. قوله: (بلا جماعة) كان على المصنف أن يقول له صلاة بلا جماعة كما قال في الكنز وغيره ح. وهذا قول الإمام. وقال محمد: يصلي الامام أو نائبه ركعتين كما في الجمعة ثم يخطب: أي يسن له ذلك، والأصح أن أبا يوسف مع محمد. نهر. قوله: (بل هي) أي الجماعة جائزة لا مكروهة، وهذا موافق لما ذكره شيخ الاسلام من أن الخلاف في السنية لا في أصل المشروعية، وجوم به في غاية البيان معزيا إلى شرح الطحاوي، وكلام المصنف كالكنز يفيد عام المشروعية كما في البحر، وتمامه في النهر، وظاهر كلام الفتح ترجيحه. وذكر في الحلية أن ما ذكره شيخ الاسلام متجه من حيث الدليل، فليكن عليه التعويل اه. وقال في شرح المنية الكبير بعد سوقه الأحاديث والآثار: فالحاصل أن الأحاديث لما اختلفت في الصلاة بالجماعة وعدمها على وجه لا يصح به إثبات السنية لم يقل أبو حنيفة بسنيتها، ولا يلزم منها قوله بأنها بدعة كما نقله عنه بعض المتعصبين، بل هو قائل بالجواز اه. قلت: والظاهر أن المراد به الندب والاستحباب لقوله في الهداية: قلنا إنه فعله عليه الصلاة
199 والسلام مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة اه: لان السنة ما واظب عليه، والفعل مرة مع الترك أخرى يفيد الندب. تأمل. قوله: (كالعيد) أي بأن يصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة بلا أذان ولا إقامة ثم يخطب بعدها قائما على الأرض معتمدا على قوس أو سيف أو عصا خطبتين عند محمد وخطبة واحدة عن أبي يوسف حلية. قوله: (خلاف) ففي رواية ابن كأس عن محمد: يكبر الزوائد كما في العيد، والمشهور من الرواية عنهما أنه لا يكبر كما في الحلية. قوله: (خلافا لمحمد) فإنه يقول: يقلب الامام رداءه إذا مضى صدر من خطبته، فإن كان مريعا جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، وإن كان مدورا جعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وإن كان قباء جعل البطانة خارجا والظهارة داخلا. حلية. وعن أبي يوسف روايتان، واختار القدوري قول محمد لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك. نهر وعليه الفتوى كما في شرح درر البحار. قال في النهر: وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند كافة العلماء، خلافا لمالك. قوله: (وبلا حضور ذمي) أي مع الناس كما في شرح المجمع لابن ملك، وظاهره أنهم لا يمنعون من الخروج وحدهم، وبه صرح في المعراج، لكن منعه في الفتح باحتمال أن يسقوا فيفتتن به ضعفاء العوام. مطلب: هل يستجاب دعاء الكافر؟ قوله: (وإن كان الراجح الخ) اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال: يستجاب دعاء الكافي؟ فمنعه الجمهور للآية المذكورة، ولأنه لا يدعو الله لأنه لا يعرفه، لأنه وإن أقر به تعالى فلما وصفه بما لا يليق به فقد نقض إقراره، وما روي في الحديث من أن دعوة المظلوم وإن كان كافرا تستجاب فمحمول على كفران النعمة، وجوزه بعضهم لقوله تعالى حكاية عن إبليس - رب أنظرني - فقال تعالى: * (إنك من المنظرين) * (الأعراف: 51) وهذا إجابة، وإليه ذهب أبو القاسم الحكيم وأبو النصر الدبوسي. وقال الصدر الشهيد: وبه يفتى، كذا في شرح العقائد للسعد. وفي البحر عن الولوالجية أن الفتوى على أنه يجوز أن يقال: يستجاب دعاؤه اه. وما في النهر من قوله أي يجوز عقلا وإن لم يقع، فهو بعيد، بل الخلاف في الجواز شرعا، إذ المانع لا يقول إنه مستحيل عقلا. تأمل. قوله: (ففي الآخر) وهو دعاء أهل النار بتخفيف العذاب بدليل صدر الآية وهو: * (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ئ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * (غافر: 94، 05) قوله: (شروح مجمع) أقول: لم أر ذلك في شرحه لمصنفه ولا في شرحه لابن ملك ولعله في غيرهما. قوله: (ويخرجون) أي إلى الصحراء كما في الينابيع. إسماعيل. وهذا في غير أهل المساجد الثلاثة كما يأتي. قوله: (ويستحب للامام الخ) نقله في التاترخانية عن النهاية، مع أنه في النهاية عزاه إلى الخلاصة الغزالية بلفظ: إذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار وانهارت القنوات فيستحب للامام الخ ثم قال: وقريب من هذا في مذهبنا ما قاله الحلواني وساق ما في المتن، وذكر في المعراج مثل ما
200 في النهاية عن خلاصة الامام الغزالي، ولذا عبر عنه في شرح درر البحار وغيره بقوله: قيل ينبغي أن يأمر الامام الناس الخ، لكنه يوهم أنه قول في مذهبنا. تنبيه: إذا أمر الامام بالصيام في غير الأيام المنهية وجب لما قدمناه في باب العيد من أن طاعة الامام فيما ليس بمعصية واجبة. قوله: (ويجددون التوبة) ومن شروطها رد المظالم إلى أهلها. قوله: (ويستسقون بالضعفة الخ) أي يقدمونهم كما في النهر: أي للدعاء والناس يؤمنون على دعائهم، لان دعاءهم أقرب للإجابة. وفي خبر البخاري: وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم. وفي خبر ضعيف لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا وفي الخبر الصحيح: إن نبيا من الأنبياء قال جمع: هو سليمان صلى الله على نبينا وعليه وسلم: خرج يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة. قوله: (ويبعدون الأطفال الخ) أي ليكثر الضجيج والعويل فيكون أقرب إلى الرقة والخشوع. قوله: (كأنه لضيقه) كذا في البحر. واعترضه في الامداد بأنه غير ظاهر لان من هو مقيم بالمدينة المنورة لا يبلغ قدر الحاج، وعند اجتماعهم بجملتهم فيه يشاهد اتساع المسجد الشريف، فينبغي الاجتماع للاستسقاء فيه، إذ لا يستغاث وتستنزل الرحمة في المدينة المنور بغير حضرته ومشاهدته (ص) في كل حادثة، وتوقف الدواب بالباب كما في المسجد الحرام والأقصى اه ملخصا. قوله: (فلا بأس بالدعاء بحبسه الخ) أي فيقول كما قال (ص): اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر وتمام الكلام في الامداد. قوله: (شكرا لله تعالى أي ويستزيدونه من المطر كما في السراج. وفيه أيضا: ويستحب الدعاء عند نزول الغيث وأن يخرج إليه عند نزوله ليصيب جسده منه، وأن يقول عند سماع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وأن يقول: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا من قبل ذلك ويستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب اه ملخصا، وتمامه في ط. باب: صلاة الخوف مناسبته أن كلا من صلاتي الاستسقاء والخوف شرع لعارض خوف، إلا أنه في الأول سماوي وهو انقطاع المطر فلذا قدم، وهنا اختياري وهو الجهاد الناشئ عن الكفر كما في النهر والبحر. قوله: (من إضافة الشئ لشرطه) كذا في الجوهرة، لكن في الدرر وكذا في البحر عن التحفة أن سببها الخو ف. ووفق في الشرنبلالية بأن الأول بالنظر إلى الكيفية المخصوصة، لأن هذه الصفة شرطها العدو، والثاني بالنظر إلى أصل الصلاة، فإن سببها الخوف اه.
201 قلت: وفيه نظر، فإن أصل الصلاة سببها وقتها، وقدمنا في باب شروط الصلاة أن ما كان خارجا عن الشئ غير مؤثر فيه، فإن كان موصلا إليه في الجملة كالوقت فسبب، وإن لم يوصل إليه فإن توقف عليه كالوضوء للصلاة فشرط: والذي يظهر لي (1) أن الخوف سبب لهذه الصلاة، وحضور العدو شرط كما في صلاة المسافر، فإن المشقة سبب لها والسفر الشرعي وشرط، وحينئذ فمن أراد بالخوف العدو سماه شرطا، ومن أراد به حقيقته سماه سببا، لكن لا يشترط تحقق الخوف في كل وقت لأنه سبب المشروعية، وأقيم العدو مقامه كما أقيم السفر مقام المشقة. قال في المعراج: وفي مبسوط شيخ الاسلام: المراد بالخوف حضرة العدو لا حقيقة الخوف، لان حضرة العدو أقيمت مقام الخوف على ما عرف من أصلنا من تعليق الرخص بنفس السفر اه. قوله: (خلافا للثاني) أي أبي يوسف، له أنها إنما شرعت بخلاف القياس لاحراز فضيلة الصلاة خلف النبي (ص)، وهذا المعنى انعدم بعده، ولهما أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أقاموا بعده عليه الصلاة والسلام. درر. قوله: (بشرط حضور عدو) أشار إلى أنه يشترط أن يكون قريبا منهم، فلو بعيدا لم تجز كما في الدرر. قوله: (على ظنه) أي ظن حضوره بأن رأوا سوادا أو غبارا فظهر غير ذلك. درر. قوله: (أعادوا) أي القوم إذا صلوها بصفة الذهاب والمجئ، وجازت صلاة الامام كما في الحجة، واستثنى في الفتح ما إذا ظهر الحال قبل أن يجاوز المنصرفون الصفوف فلهم البناء استحسانا كمن انصرف على ظن الحدث يتوقف الفساد إذا ظهر أنه لم يحدث على مجاوزة الصفوف. إسماعيل. قوله: (أو سبع) من عطف الخاص على العام. واعترض بأنه من خصوصيات الواو. وفي الشرنبلالية أنه عطف مباين لان المراد بالأول من بني آدم. قوله: (ونحوها) كحرق وغرق. جوهرة. قوله: (وحان) أي قرب ح. قوله: (قلت الخ) مراده بهذا النقل أن يبين أن ما في مجمع الأنهر لا يعمل به لأنه قول البعض ولمخالفته لاطلاق سائر المتون ح. قلت: وهذه العبارة محلها عقب عبارة مجمع الأنهر، وتوجد في بعض النسخ عقب قوله وركعتين في غيره لزوما، وكأنه من سهو النساخ. قوله: (فيجعل الامام الخ) اعلم أنه ورد في صلاة الخوف روايات كثيرة، وأصحها ست عشرة رواية. واختلف العلماء في كيفيتها، وفي المستصفى أن كل ذلك جائز والكلام في الأولى والأقرب من ظاهر القرآن هذه الكيفية. إمداد. وفي ط عن المجتبى: ولا فرق بين ما إذا كان العدو في جهة القبلة أو لا، على المعتمد. قوله: (ومنه الجمعة والعيد) وكذا صلاة المسافر، وأشار بالعيد إلى أنها لا تقتصر على الفرائض ط. قوله: (وركعتين في
(1) قوله: (والذي يظهر لي الخ) الظاهر أن هذا مراد العلامة الشرنبلالي، فال يرد عليه ما قاله العلامة المحشي فإنه يبعد عن كمال علم العلامة الشرنبلالي وشدة فعلته وإحاطته بكتب القوم ان يفهم ان سبب وجود الظهر مثلا هو الخوف. والذي أوقع المحشي في هذا اطلاق الشرنبلالي لفظ الصلاة. ا ه. 202 غيره) أي ولو ثلاثيا كالمغرب، حتى لو عكس فسدت كما في النهر، وإليه أشار بقوله لزوما ط، وتوجيهه في الامداد وغيره. قوله: (وذهبت) أي هذه الطائفة بعد السجدة الثانية في الثنائي وبعد التشهد في غيره وقوله إليه أي إلى نحو العدو، ووقفت بإزائه ولو مستدبرة القبلة. قهستاني. والواجب أن يذهبوا مشاة، فلو ركبوا بطلت لأنه عمل كثير. جوهرة، وسيأتي. قوله: (ندبا) فلو أتموا صلاتهم في مكانهم صحت ط. قوله: (وجاءت الطائفة الأولى) مجيئها ليس متعينا، حتى لو أتمت مكانها ووقفت الطائفة الذاهبة بإزاء العدو صح، وهل الأفضل الاتمام في مكان الصلاة أو في محل الوقوف تقليلا للمشي؟ ينبغي أن يجري فيه الخلاف فيمن سبقه الحدث، ومشى في الكافي على أن العود أفضل. أفاده أبو السعود. قوله: (لأنهم لاحقون) ولهذا لو كانت معهم امرأة تفسد صلاة من حاذته منهم، بخلاف الطائفة المسبوقة كما في البحر، وعم كلامه المقيم خلف المسافر حتى يقضي ثلاثا بلا قراءة إن كان من الطائفة الأولى، وبقراءة إن كان من الثانية، والمسبوق إن أدرك ركعة من الشفع الأول فهو من أهل الأولى، وإلا فمن الثانية. نهر. قوله: (وهذا) أي ما ذكر من الصلاة على هذا الوجه إنما يحتاج إليه لو لم يريدوا إلا إماما واحدا، وكذا لو كان الوقت قد ضاق عن صلاة إمامين كما في الجوهرة. قلت: ويمكن أن يكون هذا مراد صاحب مجمع الأنهر فيما تقدم، فتأمل. قوله: (فالأفضل الخ) أي فيصلي الامام بطائفة ويسلمون ويذهبون إلى جهة العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيأمر رجلا ليصلي بهم. تتمة: حمل السلاح في صلاة الخوف مستحب عندنا لا واجب، خلافا للشافعي ومالك، والامر به في الآية للندب لأنه ليس من أعمال الصلاة فلا يجب فيها كما في الشرنبلالية عن البرهان. قوله: (وعجزوا الخ) بيان للمراد من اشتداد الخوف. قوله: (صلوا ركبانا) أي ولو مع السير مطلوبين، فالراكب لو طالبا لا تجوز صلاته لعدم ضرورة الخوف في حقه، وتمامه في الامداد. قوله: (فيصح الاقتداء) لعدم اختلاف المكان. قوله: (بالايماء) أي الايماء بالركوع والسجود. قوله: (وفسدت بمشي الخ) لان المشي فعله حقيقة وهو مناف للصلاة، بخلاف ما إذا كان راكبا مطلوبا لأنه فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيف إليه معنى التسيير وإذا جاء العذر انقطعت الإضافة إليه اه. من الامداد عن مجمع الروايات ومثله في البدائع، وبه علم أنها تفسد بالمشي طالبا أو مطلوبا، وأن ما ذكره ح عن مجمع الأنهر بقوله بمشي أي هروب من العدو لا المشي نحوه والرجوع اه. لا ينافي ذلك لأنها إذا فسدت بالهروب تفسد بالطلب بالأولى لعدم ضرورة الخوف كما مر في الراكب، وقوله لا المشي نحوه والرجوع هو معنى قول الشارح لغير اصطفاف أي لو مشوا ليصطفوا نحو العدو، أو رجعوا ليصطفوا خلف الامام، نعم في العبارة إيهام، فافهم. قوله: (وركوب) أي ابتداء على الأرض. قهستاني. قوله: (مطلقا) أي لاصطفاف أو غيره، لان الركوب عمل كثير وهو مما لا يحتاج
203 إليه، بخلاف المشي فإنه أمر لا بد منه حتى يصطفوا بإزاء العدو. ابن كمال عن البدائع. قوله: (كرمية سهم) ذكره الزيلعي والبحر، فإنه عمل قليل وهو غير مفسد، وفي كونه من العمل القليل نظر، فإن من رآه يرمي بالقوس يتحقق أنه خارج الصلاة ط. قوله: (وإلا لا تصح) وسقط الطلب لتحقق العذر ط. قوله: (والسائف) بالفاء ولذا أردفه بما يفسره. قال في المعراج: وفي المختلفات لو كانوا في المسايفة قبل الشروع وكاد الوقت يخرج يؤخرون الصلاة إلى أن يفرغوا من القتال. قوله: (لم يجز انحرافهم) أي بعد ذهابه لزوال سبب الرخصة ط عن أبي السعود: أي فتصلي كل طائفة في مكانها. تأمل. فلو كانوا انحرفوا قبله بنوا كما في التاترخانية. قوله: (جاز) أي لهم الانحراف في أوانه لوجوب الضرورة ط عن أبي السعود. قوله: (لا تشرع صلاة الخوف للعاصي) لأنها إنما شرعت لمن يقاتل أعداء الله تعالى ومن في حكمهم لا لمن يعاديه. أفاده أبو السعود عن شيخه. قلت: وهذا بخلاف القصر في السفر فإن سببه مشقة السفر، وهو مطلق في النص فيجري على إطلاقه ولا يمكن قياسه على صلاة الخوف، لأنها جاءت على غير القياس. تأمل. قوله: (في سفره) لعله بسفره، فليتأمل. إسماعيل. والفرق أن الباء للسببية فتفيد أن نفس سفره معصية كمن سافر لقطع الطريق مثلا، بخلاف في الظرفية فإنها تفيد أنه لو سافر للحج مثلا وعصى في أثنائه لا يصلي بهذه الكيفية، والظاهر أن المراد بالعاصي من كان قتاله معصية سواء كان سفره له أو لطاعة، وحينئذ فلا فرق بين التعبير بالباء أو في فتدبر. قوله: (في أربع) أي في أربعة مواضع، فلا ينافي ما في الامداد عن شرح المقدسي أنه (ص) صلاها أربعا وعشرين مرة. قوله: (ذات الرقاع) أي غزوة ذات الرقاع. وأصح الأقوال في وجه تسميتها ما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري قال: خرجنا مع رسول الله (ص) ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أظفارنا الخرق، فسميت غزوة الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق اه ط عن المواهب اللدنية. والصواب أنها كانت بعد الخندق، خلافا لما في الكافي والاختيار تبعا لجماعة من أهل السير كما حققه في الفتح. قوله: (وبطن نخل) بالخاء المعجمة اسم موضع ط. قوله: (وعسفان) بوزن عثمان. قاموس. قوله: (وذي قرد) بفتح القاف والراء وبالدال المهملة، وهو ماء على بريد من المدينة، وتعرف بغزوة الغابة، وكانت في ربيع الأول سنة ست قبيل الحديبية ط عن المواهب، والله تعالى أعلم. باب: صلاة الجنائز ترجم للصلاة وأتى بأشياء زائدة عليها بعضها شروط كالغسل، وبعضها مقدمات كالتكفين
204 والتوجيه والتلقين وبعضها متممات كالدفن، وأخرها لأنها ليست صلاة من كل وجه، ولأنها تعلقت بآخر ما يعرض للحي وهو الموت ت، ولمناسبة خاصة بما قبلها، وهي أن الخوف والقتال قد يفضيان إلى الموت. قوله: (لسببه) هو الجنازة بالفتح: يعني الميت ط. قوله: (وبالكسر السرير) قال الأزهري: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت عليه مكفنا. إمداد. قوله: (وقيل لغتان) أي الكسر والفتح لغتان في الميت كما يفيده قول القاموس جنزه يجنزه: ستره وجمعه، والجنازة: أي بالكسر: الميت ويفتح، أو بالكسر: الميت، وبالفتح السرير أو عكسه، أو بالكسر: السرير مع الميت اه. تأمل. قوله: (وقيل عدمية) لأنه قطع مواد الحياة عن الحي والمقابلة عليه من مقابلة العدم والملكة، وعلى الأول من مقابلة التضاد. أفاده ط. وقوله تعالى: * (خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) ليس صريحا في الأول لان الخلق يكون بمعنى الايجاد وبمعنى التقدير والاعدام مقدرة، فلذا ذهب أكثر المحققين إلى الثاني كما نقله في شرح العقائد. قوله: (يوجه المحتضر) بالبناء للمفعول فيهما: أي يوجه وجه من حضره الموت أو ملائكته، والمراد من قرب موته. قوله: (وعلامته الخ) أي علامة الاحتضار كما في الفتح، وزاد على ما هنا: أن تمتد جلدة خصيته لانشمار الخصيتين بالموت. قوله (القبلة) نصب على الظرفية لأنها بمعنى الجهة. قوله: (وجاز الاستلقاء) اختاره مشايخنا بما وراء النهر لأنه أيسر لخروج الروح. وتعقبه في الفتح وغيره بأنه لا يعرف إلا نقلا، والله أعلم بالأيسر منهما، ولكنه أيسر لتغميضه وشد لحييه وأمنع من تقوس أعضائه. بحر. قوله: (ليتوجه للقبلة) عبارة الفتح: ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء. قوله: (ترك على حاله) أي ولو لم يكن مستلقيا أو متوجها. قوله: (والمرحوم لا يوجه) لينظر وجهه، وهل يقال كذلك فيمن أريد قتله لحد أو قصاص؟ لم أره. مطلب في تلقين المحتضر الشهادة قوله: (ويلقن الخ) لقوله (ص): لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار ولقوله عليه الصلاة والسلام: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كذا في البرهان: أي دخلها مع الفائزين، وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يدخلها ولو بعد طول عذاب. إمداد. قوله: (وقيل وجوبا) في القنية، وكذا في النهاية عن شرح الطحاوي: الواجب على إخوانه وأصدقائه أن يلقنوه اه. قال في النهر: لكنه تجوز لما في الدراية من أنه مستحب بالاجماع اه. فتنبه. قوله: (بذكر الشهادتين) قال في الامداد: وإنما اقتصرت على ذكر الشهادة تبعا للحديث الصحيح، وإن قال في المستصفى وغيره: ولقن الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعليله في الدرر بأن الأولى لا تقبل بدون الثانية ليس على إطلاقه، لان ذلك في غير المؤمن، ولهذا قال ابن حجر من الشافعية: وقول جمع: يلقن محمد رسول الله أيضا القصد موته على الاسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما، مردود بأنه مسلم، وإنما المراد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب، أما الكافر
205 فيلقنهما قطعا مع لفظ أشهد لوجوبه إذ لا يصير مسلما إلا بهما اه. قلت: وقد يشير إليه تعبير الهداية والوقاية والنقاية والكنز بتلقين الشهادة، وفي التاترخانية كان أبو حفص الحداد يلقن المريض بقوله: أستغفر الله الذي لا إله هو الحي القيوم وأتوب إليه، وكان يقول فيها معان: أحدها توبة، والثاني توحيد، والثالث أن المريض ربما يفزع لان الملقن رأى فيه علامات الموت، ولعل أقرباء الميت يتأذون به. قوله: (عنده) متعلق بذكر. قوله: (قبل الغرغرة) لأنها تكون قرب كون الروح في الحلقوم، وحينئذ لا يمكن النطق بهما ط. وفي القاموس: غرغر: جاد بنفسه عند الموت اه. قلت: وكأنها مأخوذة من غرغر بالماء إذا أداره في حلقه، فكأنه يدير روحه في حلقه. مطلب في قبول توبة اليأس قوله: (واختلف في قبول توبة اليأس) بالياء المثناة التحتية ضد الرجاء وقطع الامل من الحياة، أو بالموحدة التحتية، والمراد به الشدة وأهوال الموت، ويحتمل مد الهمزة على أنه اسم فاعل وإسكانها على المصدرية بتقدير مضاف. قوله: (والمختار الخ) أقول: قال في أواخر البزازية: قيل توبة اليأس مقبولة لا إيمان اليأس، وقيل: لا تقبل كإيمانه، لأنه تعالى سوى بين من أخر التوبة إلى حضور الموت من الفسقة والكفار وبين من مات على الكفر في قوله: * (وليست التوبة) * (النساء: 81) الآية، كما في الكشاف والبيضاوي والقرطبي، وفي الكبير للرازي قال المحققون: قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة، بل المانع منه مشاهدة الأهوال التي يحصل العلم عندها على سبيل الاضطرار، فهذا كلام الحنفية والمالكية والشافعية من المعتزلة والسنية والأشاعرة أن توبة اليأس لا تقبل كإيمان اليأس بجامع عدم الاختيار، وخروج النفس من البدن، وعدم ركن التوبة، وهو العزم بطريق التصميم على أن لا يعود في المستقبل إلى ما ارتكب، وهذا لا يتحقق في توبة اليأس إن أريد باليأس معاينة أسباب الموت بحيث يعلم قطعا أن الموت يدركه لا محالة كما أخبر لا محالة كما أخبر تعالى عنه بقوله: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * غافر: 58) وقد ذكر في بعض التفاوى أن توبة اليأس مقبولة، فإن أريد باليأس ما ذكرنا يرد عليه ما قلنا، وإن أريد به القرب من الموت فلا كلام فيه، لكن الظاهر أن اليأس زمان معاينة الهول، والمسطور في الفتاوى أن توبة اليأس مقبولة لا إيمانه، لان الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى ويبدأ إيمانا وعرفانا، والفاسق عارف وحاله حال البقاء، والبقاء أسهل، والدليل على قبولهما منه مطلقا إطلاق قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * اه. ملخصا. وظاهر آخر كلامه اختيار التفضيل، وعزاه إلى مذهب الماتريدية الشيخ عبد السلام في شرح منظومه والده اللقاني وقال: وعند الأشاعرة لا تقبل حال الغرغرة توبة ولا غيرها، كما قاله النووي اه. وانتصر للثاني الملة علي القاري في شرحه على بدء الأمالي بإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أخرجه أبو داود، فإنه يشمل توبة المؤمن والكافر. واعترض قول بعض الشراح: إن التفصيل مختار أئمة بخارى من الحنفية وجمع من الشافعية كالسبكي والبلقيني بأنه على تقدير صحته يحتاج إلى ظهور حجته اه.
206 والحاصل أن المسألة ظنية، وأما إيمان اليأس فلا يقبل اتفاقا، وسيأتي إن شاء تعالى تمام الكلام عليه في باب الردة. قوله: (من غير أمره) أي من غير أن يقول له قل، فهو مصدر مضاف إلى مفعوله قوله: (لئلا يضجر) أي ويردها. قوله: (ويندب قراءة يس) لقوله (ص): اقرؤوا على موتاكم يس صححه ابن حبان وقال: المراد به من حضره الموت. وروى أبو داود عن مجالد عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا حضروا قرؤوا عند الميت سورة البقرة، إلا أن مجالدا مضعف. حلية. قوله: (والرعد) هو استحسان بعض المتأخرين لقول جابر: إنها تهون عليه خروج روحه. إمداد. مطلب في التلقين بعد الموت قوله: (ولا يلقن بعد تلحيده) ذكر في المعراج أنه ظاهر الرواية، ثم قال: وفي الخبازية والكافي عن الشيخ الزاهد الصفار أن هذا على قول المعتزلة، لان الاحياء بعد الموت عندهم مستحيل، أما عند أهل السنة فالحديث: أي لقنوا موتاكم لا إله إلا الله محمول على حقيقته، لان الله تعالى يحييه على ما جاءت به الآثار، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر بالتلقين بعد الدفن فيقول: يا فلان بن فلان، أذكر دينك الذي كنت عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا اه. وقد أطال في الفتح في تأييد حمل موتاكم في الحديث على حقيقته مع التوفيق بين الأدلة على أن الميت يسمع أو لا، كما سيأتي في باب اليمين في الضرب والقتل من كتاب الايمان، لكن قال في شرح المنية: إن الجمهور على أن المراد منه مجازه، ثم قال: وإنما لا ينهى عن التلقين بعد الدفن، لأنه لا ضرر فيه بل فيه نفع، فإن الميت يستأنس بالذكر على ما ورد في الآثار الخ. قلت: وما في ط عن الزيلعي لم أره فيه، وإنما الذي فيه قيل يلقن لظاهر ما رويناه، وقيل لا، وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه اه. وظاهر استدلاله للأول اختياره، فافهم. مطلب في سؤال الملكين: هل هو عام لكل أحد أو لا قوله: (ومن لا يسأل الخ) أشار إلى أن سؤال القبر لا يكون لكل أحد، ويخالفه ما في السراج: كل ذي روح من بني آدم يسأل في القبر بإجماع أهل السنة، لكن يلقن الرضيع الملك، وقيل لا، بل يلهمه الله تعالى كما ألهم عيسى في المهد اه. لكن (حكاية الاجماع) نظر. فقد ذكر الحافظ ابن عبد البر أن الآثار دلت على أنه لا يكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة بظاهر الشهادة دون الكافر الجاحد، وتعقبه ابن القيم، لكن رد عليه الحافظ السيوطي وقال: ما قاله ابن عبد البر هو الأرجح، ولا أقول سواه. ونقل العلقمي في شرحه على الجامع الصغير أن الراجح أيضا اختصاص السؤال بهذه الأمة خلافا لما استظهره ابن القيم، ونقل أيضا عن الحافظ ابن حجر العسقلاني أن الذي يظهر اختصاص السؤال بالمكلف، وقال: وتبعه عليه شيخنا: يعني الحافظ السيوطي.
207 مطلب: ثمانية لا يسألون في قبورهم ثم ذكر أن من لا يسأل ثمانية: الشهيد، والمرابط، والمطعون والميت زمن الطاعون بغيره إذا كان صابرا محتسبا، والصديق، والأطفال، والميت يوم الجمعة أو ليلتها، والقارئ كل ليلة تبارك الملك، وبعضهم ضم إليها السجدة، والقارئ في مرض موته: * (قل هو الله أحد) * (الاخلاص: 1) اه. وأشار الشارح إلى أنه يزاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنهم أولى من الصديقين. قوله: (والأصح الخ) ذكره ابن الهمام في المسايرة. قوله: (وتوقف الامام الخ) أي في أنهم يسألون، وفي أنهم في الجنة أو النار، قال ابن الهمام في المساير. مطلب في أطفال المشركين وقد اختلف في سؤال أطفال المشركين وفي دخولهم الجنة أو النار. فتردد فيهم أبو حنيفة وغيره، وقد وردت فيهم أخبار متعارضة، فالسبيل تفويض أمرهم إلى الله تعالى. وقال محمد بن الحسن: اعلم أن الله لا يعذب أحدا بلا ذنب اه. وقال تلميذه ابن أبي شريف في شرحه: وقد نقل الامر بالامساك عن الكلام في حكمهم في الآخرة مطلقا عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير، من رؤوس التابعين وغيرهما، وقد ضعف أبو البركات النسفي رواية التوقف عن أبي حنيفة وقال: الرواية الصحيحة عنه أنهم في المشيئة لظاهر الحديث الصحيح الله أعلم بما كانوا عاملين وقد حكى فيهم الامام النووي ثلاثة مذاهب، الأول أنهم في النار. الثاني: التوقف. الثالث: الذي صححه أنهم في الجنة لحديث كل مولود يولد على الفطرة ويميل إليه ما مر عن محمد بن الحسن، وفيه أقوال أخر ضعيفة اه. قوله: (وتمامه في النهر) حيث قال: ويكره تمني الموت لضرر نزل به للنهي عن ذلك، فإن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي كذا في السراج اه. قوله: (وسيجئ في الحظر) أي في كتاب الحظر والإباحة ويعبر عنه بكتاب الكراهة والاستحسان، وسقط من أغلب النسخ لفظ في الحظر. قوله: (ولذا اختار الخ) أي لكونه في حال زوال عقله يغتفر ما يصدر منه، اختار بعضهم زوال عقله في ذلك الوقت مخافة أن يتكلم بذلك قصدا من ألم الموت ومن أن يدخل عليه الشيطان، فإن ذلك الوقت وقت عروضه له. قوله: (ذكره الكمال) وقال أيضا: وبعضهم اختاروا قيامه في حال الموت. والعبد الضعيف مؤلف هذه الكلمات فوض أمره إلى الرب الغني الكريم، متوكلا عليه طالبا منه جلت عظمته أن يرحم عظيم فاقتي بالموت على الايمان والايقان - ومن يتوكل على الله فهو حسبه - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اه. وإني العبد الذليل أقول مثل قوله مستعينا بقوة الله تعالى وحوله. قوله: (لحياه) تثنية لحي بفتح اللام بهما، وهو منبت اللحية أو العظم الذي عليه الأسنان. بحر. قوله: (تحسينا له) إذا لو
208 ترك فظع منظره، ولئلا يدخل فاه الهوام والماء عند غسله. إمداد. قوله: (ثم تمد أعضاؤه) أي لئلا يبقى مقوسا كما في شرح المنية وفي الامداد، وتلين مفاصله وأصابعه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وفخذه لبطنه، ويردها ملينة ليسهل غسله وإدراجه في الكفن. قوله: (ويوضع الخ) يخالف ما مر من أن توجيهه على يمينه هو السنة، لان هذا الوضع لا يكون إلا مع الاستلقاء، إلا أن يقال: إن ذاك عند الاحتضار إلى خروج الروح، وهذا بعده. قوله: (لئلا ينتفخ) لان الحديد يدفع النفخ لسر فيه، وإن لم يوجد فيوضع شئ ثقيل. إمداد. قوله: (ويخرج من عنده الخ) في النهر: وينبغي إخراج الحائض الخ، وفي نور الايضاح: واختلف في إخراج الحائض. قوله: (ويعلم به جيرانه الخ) قال في النهاية: فإن كان عالما أو زاهدا أو ممن يتبرك به، فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته، وهو الأصح اه. ولكن لا يكون على جهة التفخيم، وتمامه في الامداد. قوله: (ويسرع في جهازه) لما رواه أبو داود عنه (ص) لما عاد طلحة بن البراء وانصرف قال: ما أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فإذا مات فآذنوني حتى أصلي عليه، وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله والصارف عن وجوب التعجيل الاحتياط للروح الشريفة فإنه يحتمل الاغماء. وقد قال الأطباء: إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء، لان يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفاضل الأطباء، فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغير. إمداد، وفي الجوهرة: وإن مات فجأة ترك حتى يتيقن بموته. مطلب في القراءة عند الميت قوله: (ويقرأ عنده القرآن الخ) في بعض النسخ ولا يقرأ ب لا والصواب إسقاطها لأني لم أرها في نسختين من القهستاني ولا في النتف ولا في البحر، نعم بذكرها لا يبقى مخالفة بين ما في النتف وما في الزيلعي ولا يحتاج إلى تفسير صاحب البحر برفع الروح، فافهم، والأنسب ذكر هذا البحث عند قول المصنف الآتي تريبا: وكره قراءة قرآن عنده قوله: (قلت الخ) أقول: راجعت النتف فرأيت فيها كما نقله القهستاني فالظاهر أن قوله: إلى الغسل سقط من نسخة صاحب البحر، وتبعه الشارح بلا مراجعة لعبارة النتف، نعم في شرح درر البحار: وقرئ عنده القرآن إلى أن يرفع اه. ومثله في المعراج عن المنتقى، لكن قال عقبه: وأصحابنا كرهوا القراءة بعد موته حتى يغسل، فأفاد حمل ما في المنتقى على ما قبل الموت أن المراد بالرفع رفع الروح، والله أعلم. قوله: (قيل نجاسة خبث) لان الآدمي حيوان دموي فيتنجس بالموت كسائر الحيوانات، وهو قول عامة المشايخ، وهو الأظهر. بدائع، وصححه في الكافي. قلت: ويؤيده إطلاق محمد نجاسة غسالته، وكذا قولهم: لو وقع في بئر قبل غسله نجسها،
209 وكذا لو حمل ميتا قبل غسله وصلى به لتصح صلاته، وعليه فإنما يطهر بالغسل كرامة للمسلم، ولذا لو كان كافرا نجس البئر ولو بعد غسله كما قدمنا ذلك كله في الطهارة. قوله: (وقيل حدث) يؤيده ما ذكره في البحر من كتاب الطهارة أن الأصح كون غسالته مستعملة، وأن محمدا أطلق نجاستها لأنها لا تخلو من النجاسة غالبا. قلت: لكن ينافيه ما مر من الفروع، إلا أن يقال ببنائها على قول العامة. قال في فتح القدير: وقد روي في حديث أبي هريرة: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا فإن صحت وجب ترجيح أنه للحدث اه. وقال في الحلية: وقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، فيترجح القول بأنه حدث اه. قلت: ويظهر لي إمكان الجواب بأن المراد بنفي النجاسة عن المسلم في الحديث النجاسة الدائمة، فيكون احترازا عن الكافر فإن نجاسته دائمة لا تزول بغسله. ويؤيد ذلك أنه لو كان المراد نفي النجاسة مطلقا لزم أنه لو أصابته نجاسة خارجية لا ينجس مع أنه خلاف الواقع فتعين ما قلنا، وحينئذ فليس في الحديث دلالة على أن المراد بنجاسته نجاسة حدث، فتأمل ذلك بإنصاف. قوله: (كقراءة المحدث) فإنه إذا جاز للمحدث حدثا أصغر القراءة فجوازها عند الميت المحدث بالأولى، لكن كان المناسب أن يقول: كالقراءة عند الجنب، لان حدث الموت موجب للغسل، فهو أشبه بالجنابة وإن لم يكن جنابة، بدليل أنهم ذكروا أن حدثه بسبب استرخاء المفاصل وزوال العقل قبل الموت فكان ينبغي اقتصاره على أعضاء الوضوء، لكن القياس في حدث الحي غسل جميع البدن، واقتصر على الأعضاء للحرج لتكرره كل يوم، بخلاف الجنابة، والموت شبيه بالجنابة في أنه لا يتكرر فأخذوا بالقياس فيه لأنه لا يتكرر، فلا حرج في غسل جميع البدن. تنبيه: الحاصل أن الموت إن كان حدثا فكراهة في القراءة عنده، وإن كان نجسا كرهت. وعلى الأول يحمل ما في النتف، وعلى الثاني ما في الزيلعي وغيره. وذكر ط أن محل الكراهة إذا كان قريبا منه، أما إذا بعد عنه بالقراءة فلا كراهة اه. قلت: والظاهر أن هذا أيضا إذا لم يكن الميت مسجى بثوب يستر جميع بدنه، لأنه لو صلى فوق نجاسة على حائل من ثوب أو حصير لا يكره فيما يظهر، فكذا إذا قرأ عند نجاسة مستورة، وكذا ينبغي تقييد الكراهة بما إذا قرأ جهرا. قال في الخانية: وتكره قراءة القرآن في موضع النجاسة كالمغتسل والمخرج والمسلخ وما أشبه ذلك، وأما في الحمام فإن لم يكن فيه أحد مكشوف العورة وكان الحمام طاهرا لا بأس بأن يرفع صوته بالقراء، وإن لم يكن كذلك: فإن قرأ في نفسه ولا يرفع صوته فلا بأس به، ولا بأس بالتسبيح والتهليل وإن رفع صوته اه. وفي القنية: لا بأس بالقراءة راكبا أو ماشيا إذا لم يكن ذلك الموضع معدا للنجاسة، فإن كان يكره اه. وفيها لا بأس بالصلاة حذاء البالوعة إذا لم تكن بقربه اه. فتحصل من هذا أن الموضع إن كان معدا للنجاسة كالمخرج والمسلخ كرهت القراءة مطلقا،
210 وإلا فإن لم يكن هناك نجاسة ولا أحد مكشوف العورة فلا كراهة مطلقا، وإن كان فإنه يكره رفع الصوت فقط إن كانت النجاسة قريبة، فتأمل. قوله: (كما مات) هذه الكاف الداخلة على ما تسمى كاف المبادرة مثل سلم كما تدخل كما في المغني: أي أنه يوضع على السرير عقب تيقن موته، وقيده القدوري بما إذا أرادوا غسله، والأول أشبه في الزيلعي. قوله: (في الأصح) وقيل يوضع إلى القبلة طولا، وقيل عرضا كما في القبر. أفاده في البحر. قوله: (مجمر) أي مبخر، وفي إشارة إلى أن السرير يجمر قبل وضعه عليه تعظيما وإزالة للرائحة الكريهة منه. نهر. قوله: (إلى سبع فقط) أي بأن تدار المجمرة حول السرير مرة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا، ولا يزاد عليها كما في الفتح والكافي والنهاية، وفي التبيين: لا يزاد على خمسة. قوله: (ككفنه) فإنه يجمر وترا أيضا ط. قوله: (وعند موته) أفاده بقوله سابقا ويحضر عنده الطيب ط. قوله: (فهي ثلاث الخ) قال في الفتح: وجميع ما يجمر فيه الميت ثلاث: عند خروج روحه لإزالة الرائحة الكريهة، وعند غسله، وعند تكفينه، ولا يجمر خلفه ولا في القبر، لما روي: لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار اه. قوله: (عبارة الزيلعي الخ) أشار بنقل العبارتين إلى أن قول المصنف إلى تمام غسله غير قيد لأنه يطهر بغسله مرة فلا يتوقف على التمام، فافهم. قوله: (وتستر عورته الغليظة فقط) أي القبل والدبر، وعللوه بأنه أيسر، وببطلان الشهوة، والظاهر أنه بيان للواجب بمعنى أنه لا يأثم بذلك لا لكون المطلوب الاقتصار على ذلك. تأمل. قوله: (صححه الزيلعي وغيره) والأول صححه في الهداية وغيرها، لكن قال في شرح المنية: إن الثاني هو المأخوذ به لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي: لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت لان ما كان عورة لا يسقط بالموت ولذا لا يجوز مسه، حتى لو ماتت بين رجال أجانب يممها رجل بخرقة ولا يمسها الخ. وفي الشرنبلالية: وهذا شامل للمرأة والرجل، لان عورة المرأة كالرجل للرجل. قوله: (مثلها) ليس بقيد، فالمراد ما يمنع المس ط. قوله: (لحرمة اللمس كالنظر) يفيد هذا التعليل أن الصغير الذي لا عورة له لا يضر عدم ستره ط. قوله: (ويجرد من ثيابه) ليمكنهم التنظيف، لان المقصود من الغسل هو التطهير والتطهير لا يحصل مع ثيابه، لان الثوب متى تنجس بالغسالة تنجس به بدنه ثانيا بنجاسة الثوب فلا يفيد الغسل، فيجب التجريد، كذا في العناية، وظاهره أن الوجوب على ظاهره. قوله: (كما مات) لان الثياب تحمى عليه فيسرع إليه التغير. بحر. قوله: (من خواصه) لما روى أبو داود: أنهم قالوا نجرده كما نجرد موتانا أم نغسله في ثيابه؟ فسمعوا من ناحية البيت: اغسلوا رسول الله (ص) وعليه ثيابه قال ابن عبد البر: روي ذلك عن عائشة من وجه صحيح، فدل هذا أن عادتهم كانت تجريد موتاهم للغسل في زمنه ص). شرح المنية. زاد في المعراج: وغسله (ص) ليس للتطهير، لأنه (ص) كان طاهرا حيا وميتا. قوله: (ويوضأ من يؤمر بالصلاة) خرج الصبي الذي لم يعقل لأنه لم يكن بحيث يصلي. قاله الحلواني. وهذا التوجيه ليس بقوي إذ
211 يقال إن هذا الوضوء سنة الغسل المفروض للميت لا تعلق لكون الميت بحيث يصلي أو لا كما في المجنون. شرح المنية. ومقتضاه أنه لا كلام في أن المجنون يوضأ، وأن الصبي الذي لا يعقل الصلاة يوضأ أيضا على خلاف ما يقتضيه توجيه الحلواني من أنهما لا يوضئان. قوله: (للحرج) إذ لا يمكن إخراج الماء أو يعسر فيتركان. زيلعي. قوله: (بخرقة) أي يجعلها الغاسل في أصبعه يمسح بها أسنانه ولهاته ولثته ويدخلها منخره أيضا. بحر. قوله: (وعليه العمل اليوم) قائله شمس الأئمة الحلواني كما في الامداد عن التاترخانية. قوله: (ولو كان جنبا الخ) نقل أبو السعود عن سرح الكنز للشلبي أن ما ذكره الخلخالي: أي في شرح القدوري من أن الجنب يمضمض ويستنشق غريب مخالف لعامة الكتب اه. قلت: وقال الرملي أيضا في حاشية البحر: إطلاق المتون والشروح والفتاوى يشمل من مات جنبا، ولم أر من صرح به لكن الاطلاق يدخله والعلة تقتضيه اه. وما نقله أبو السعود عن الزيلعي من قوله: بلا مضمضة واستنشاق ولو جنبا، صريح في ذلك، لكني لم أره في الزيلعي. قوله: (اتفاقا) لم أجده في الامداد ولا في شرح المقدسي. قوله: (ويبدأ بوجهه) أي لا يغسل يديه أولا إلى الرسغين كالجنب، لان الجنب يغسل نفسه بيديه فيحتاج إلى تنظيفهما أولا والميت يغسل بيد الغاسل. قوله: (ويمسح رأسه) أي في الوضوء وهو ظاهر الرواية كالجنب. بحر. تنبيه: لم يذكر الاستنجاء للاختلاف فيه. فعندهما يستنجي وعند أبي يوسف لا. وصورته أن يلف الغاسل على يديه خرقة ويغسل السوأة، لان مسها حرام كالنظر. جوهرة. قوله: (مغلي) بضم الميم اسم مفعول من الاغلاء لا من الغلي والغليان لأنه لازم، واسم المفعول إنما يبنى من المتعدي ح، وإنما طلب تسخينه مبالغة في التنظيف. قوله: (ورق النبق) بفتح النون وكسرها وبسكون الباء الموحدة وككتف كما يعلم من القاموس. وفي التذكرة: السدر شجر معروف، وثمره هو النبق، وسحيق ورقه يلحم الجراح ويقلع الأوساخ وينقي البشرة وينعمها ويشد الشعر. ومن خواصه أنه يطرد الهوام ويشد العصب ويمنع الميت من البلاء اه. وفي القاموس أيضا: النبق: حمل السدر، وبه علم أن السدر هو الشجر والنبق الثمر، فإضافة الورق إلى النبق لأدنى ملابسة، وتفسير السدر بالورق بيان للمراد منه، فالأحسن في التعبير قول المعراج: السدر شجرة النبق، والمراد ورقه اه. قوله: (فسكون) في الشرنبلالية: أنه يجوز في الراء السكون والضم كما في الصحاح. قوله: (الأشنان) بضم الهمزة وكسرها كما في القاموس، وقيده الكمال وغيره بغير المطحون. قوله: (وإلا فما خالص مغلي) أي إغلاء وسطا لان الميت يتأذى بما يتأذى به الحي ط. وأفاد كلامه أن الحار أفضل سواء كان عليه وسخ أو لا. نهر. قوله: (بالخطمي) في المصباح أنه مشدد الياء وكسر الخاء أكثر. من الفتح. قوله: (نبت بالعراق) طيب الرائحة يعمل على الصابون. نهر. قوله: (هذا الخ) الإشارة إلى قوله ويغسل رأسه ولحيته بالخطمي الخ. قوله: (ويضجع الخ) هذا أول الغسل
212 المرتب، وأما قوله: وصب عليه ماء مغلي الخ وقوله: وإلا فالقراح وقوله: وغسل رأسه بالخطمي يفعل قبل الترتيب الآتي. وعبارة الشرنبلالية: ويفعل هذا قبل الترتيب الآتي ليبتل ما عليه من الدرن اه ط. قلت: لكن صريح البحر والنهر وغيرهما أن قوله: وصب عليه ماء مغلي الخ ليس خارجا عن هذه الغسلات الثلاث الآتية، بل هو إجمال لبيان كيفية الماء: أي لبيان الماء: أي لبيان الماء الذي يغسل به، وهو كونه مغلي بسدر لا باردا ولا قراحا، وكذا قال في الفتح: وإذا فرغ من الوضوء غسل رأسه ولحيته بالخطمي ثم يضجعه الخ، ومثله في الجوهرة. نعم اختلفوا في شئ وهو أنه في الهداية لم يفصل في الغسلات بين القراح وغيره، وهو ظاهر كلام الحاكم، وذكر شيخ الاسلام أن الأولى بالقراح: أي الماء الخالص، والثانية بالمغلي فيه سدر، والثالث بالذي فيه كافور. قال في الفتح: والأولى كون الأوليين بالسدر كما هو ظاهر الهداية لما في أبي داود بسند صحيح أن أم عطية تغسل بالسدر مرتين والثالث بالماء والكافور. قوله: (إلى ما يلي التخت منه) بالخاء المعجمة: أي السرير ومنه بيان لما والمراد به الجانب الأسفل، وكأنه لم يصرح به لئلا يتوهم أن المراد به جانب الرجلين، وجوز العيني التحت بالحاء المهملة، ولا يظهر من جهة المعنى والاعراب (1) كما لا يخفى. قوله: (كذلك) بأن يغسله إلى أن يصل الماء إلى ما يلي التخت منه وهو الجانب الأيسر، وهذه غسلة ثانية كما في الفتح والبحر. وأفاد أنه لا يكب على وجهه ليغسل ظهره كما في شرح المنية عن غاية السروجي. قوله: (رفيقا) أي مسحا برفق. قوله: (وما خرج منه يغسله) أي تنظيفا له. بحر. قال الرملي: أي لا شرطا، حتى لو صلى عليه من غير غسله جاز، وهذا مما لا يتوقف فيه اه. وفي الاحكام عن المحيط: يمسح ما سال ويكفن. وفي كتاب الصلاة للحسن: إذا سال قبل أن يكفن غسل وبعده لا اه قلت: وسيأتي تمامه في بحث الصلاة عليه. قوله: (ليحصل المسنون) وهو تثليث الغسلات المستوعبات جسده. إمداد. قوله: (لما مر) أي من قوله ليحصل المسنون ط. قوله: (وإن زاد) أي عند الحاجة، لكن ينبغي أن يكون وترا. ذكره في شرح مختصر الكرخي شرح المنية. قوله: (قوله جاز) أي صح وكره بلا حاجة لأنه إسراف أو تقتير. قوله: (ولا يعاد غسله) بضم الغين، قيل وبالفتح أيضا، وقيل إن أضيف إلى المغسول: أي كالثوب مثلا. فتح. وإلى غيره ضم. نهر. قوله: (لبقائه بالموت) أي لان الموت حدث كالخارج، فلما لم يؤثر الموت في الوضوء وهو موجود لم
(1) قوله: (المعنى والاعراب) اما من جهةالاعراب: فلادخال أل على الظرف الملازم للإضافة، واما من جهة المعنى فلايهام عدم اشتراط وصول الماء إلى نفس الجنب إذ المعنى عليه يغسل حتى يصل الماء إلى الشئ الذي يلي الجانب التحتاني، والذي يلي الجانب التحتاني هو السرير ا ه. 213 يؤثر الخارج. بحر. ولأنه خرج عن التكليف بنقض الطهارة. شرح المنية. قوله: (بل لتنجسه بالموت) قدمنا الكلام فيه قريبا. قوله: (وقد حصل) أي الغسل، وبطرو النجاسة بعده لا يعاد بل يغسل موضعها. قوله: (وينشف في ثوب) أي كي لا تبتل أكفانه وهو طاهر كالمنديل الذي يمسح به الحي. بحر قوله: (ندبا) راجع إلى قوله: ويجعل والأولى ذكره بلصقه ط. قوله: (على مساجده) مواضع سجوده جمع مسجد بالفتح لا غيره وهو الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان. فتح. وسواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطي رأسه. إمداد عن التاترخانية. قوله: (كرامة لها) فإنه كان يسجد بهذه الأعضاء فتختص بزيادة كرامة وصيانة لها عن سرعة الفساد. درر. قوله: (أي يكره تحريما) لما في القنية من أن التنزيين بعد موتها والامتشاط وقطع الشعر لا يجوز. نهر، فلو قطع ظفره أو شعره أدرج معه في الكفن. قهستاني عن العتابي. قوله: (ولا بأس الخ) كذا في الزيلعي، وأشار إلى أن تركه أولى. قال في الفتح: وليس في الغسل استعمال القطن في الرويات الظاهرة. وعن أبي حنيفة أنه يجعل في منخريه وفمه، وقال بعضهم: في صماخه أيضا، وقال بعضهم: في دبره أيضا. قال في الظهيرية: واستقبحه عامة العلماء اه. لكن في الحلية أنه منقول عن الشافعي وأبي حنيفة فإطلاق أنه قبيح ليس بصحيح اه. قوله: (ويمنع زوجها الخ) أشار إلى ما في البحر من أن من شرط الغاسل أن يحل له النظر إلى المغسول فلا يغسل الرجل المرأة وبالعكس اه. وسيأتي ما إذا ماتت المرأة بين رجال أو بالعكس، والظاهر أن هذا شرط لوجوب الغسل أو لجوازه لا لصحته. قوله: (لا من النظر إليهما على الأصح) عزاه في المنح إلى القنية، ونقل عن الخانية أنه إذا كان للمحرم يممها بيده، وأما الأجنبي فبخرقة على يده ويغض بصره عن ذراعها، وكذا الرجل في امرأته إلا في غض البصر اه. ولعل وجهه أن النظر أخف من المس فجاز لشبهة الاختلاف، والله أعلم. قوله: (قلنا الخ) قال في شرح المجمع لمصنفه فاطمة رضي الله تعالى عنها غسلتها أم أيمن حاضنته (ص) ورضي عنها فتحمل رواية الغسل لعلي رضي الله تعالى عنه، على معنى التهيئة والقيام التام بأسبابه، ولئن ثبتت الرواية فهو مختص به، ألا ترى أن ابن مسعود رضي الله عنه لما اعترض عليه بذلك أجابه بقوله: أما علمت أن رسول الله (ص) قال: إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فادعاؤه الخصوصية دليل على أن المذهب عندهم عدم الجواز اه. مطلب: في حديث كل سبب ونسب منقطع إلا سببي ونسبي
214 قلت: ويدل على الخصوصية أيضا الحديث الذي ذكره الشارح، وفسر بعضهم السبب فيه بالاسلام والتقوى، والنسب بالانتساب ولو بالمصاهرة والرضاع، ويظهر لي أن الأولى كون المراد بالسبب القرابة السببية كالزوجية والمصاهرة، وبالنسب القرابة النسبية، لان سببية الاسلام والتقوى لا تنقطع عن أحد فبقيت الخصوصية في سببه ونسبه (ص) ولهذا قال عمر رضي الله تعالى عنه: فتزوجت أم كلثوم بنت علي لذلك. وأما قوله تعالى: * (فلا أنساب بينهم) * (المؤمنون: 101) فهو مخصوص بغير نسبه (ص) النافع في الدنيا والآخرة، وأما حديث: لا أغني عنكم من الله شيئا أي أنه لا يملك ذلك إلا أن ملكه الله تعالى فإنه ينفع الأجانب بشفاعته لهم بإذن الله تعالى، فكذا الأقارب، وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر. قوله: (وهي لا تمنع من ذلك) أي من تغسيل زوجها دخل بها أو لا كما في المعراج، ومثله في البحر عن المجتبى. قلت، أي لأنها تلزمها عدة الوفاة ولو لم يدخل بها، وفي البدائع: المرأة تغسل زوجها، لان إباحة الغسل مستفادة بالنكاح، فتبقى ما بقي النكاح، والنكاح بعد الموت باق إلى أن تنقضي العدة، بخلاف ما إذا ماتت فلا يغسلها لانتهاء ملك النكاح لعدم المحل فصار أجنبيا، وهذا إذا لم تثبت البينونة بينهما في حال حياة الزوج، فإن ثبتت بأن طلقها بائنا أو ثلاثا ثم مات لا تغسله لارتفاع الملك بالإبانة الخ. قوله: (ولو ذمية) الأولى ولو كتابية للاحتراز عن المجوسية إذا أسلم زوجها فمات لا تغسله كما في البحر إلا إذا أسلمت كما يأتي. قوله: (بشرط بقاء الزوجية) أي إلى وقت الغسل ويأتي محترزه. قوله: (فلا يغسلونه) تبع في النهر، والصواب: يغسلنه ط، وهو كذلك في بعض النسخ، ووجه ذلك أن أم الولد لا يبقى فيها الملك ببقاء العدة لان الملك فيها ملك يمين، وهي تعتق بموته والحرية تنافي ملك اليمين، بخلاف المنكوحة المعتدة فإن حريتها لا تنافي ملك النكاح حال الحياة، وأما المدبرة فلأنها تعتق ولا عدة عليها فلا تغسله بالأولى، وكذا الأمة لأنها زالت عن ملكه بالموت إلى الورثة، ولا يباح لامة الغير مس عورته. بدائع ملخصا. وأما المكاتبة فلأنها صارت بعقد الكتابة حرة: يدا حالا ورقبة مآلا: أي عند الأداء، ولذا حرم عليه وطؤها في حياته وغرم عقرها كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى. قوله: (ولا يغسلهن) لان الملك يبطل بموت محله. قوله: (في الزوجية) لم يظهر وجه في تقدير الشارح الزوجية كما قال ح: وقال ط: صوابه في الزوجة لان الصلاحية للزوجة لا للزوجية اه. والأحسن التعبير بما في المعراج والبحر وغيرهما، وهو أنه يشترط بقاء الزوجية عند الغسل، وبه يظهر التفريع بما زاده الشارح. قوله: (لو بانت قبل موته) أي بأي سبب من
215 الأسباب بردتها أو بتمكينها ابنه أو طلاق فإنها لا تغسله وإن كانت في العدة. فتح: أي لعدم بقاء الزوجية عند الغسل ولا عند الموت. واحترز عما لو طلقها رجعيا ثم مات في عدتها فإنها تغسله لأنه لا يزيل ملك النكاح. بدائع. قوله: (بعده) أي بعد موته. قوله: (لزوال النكاح) لان النكاح كان قائما بعد الموت فارتفع بالردة وبالمس بشهوة الموجب تحريم الممسوسة على أصول الماس وفروعه، ولو كان المعتبر بقاء الزوجية حالة الموت كما قال به زفر لجاز لها تغسيله. قوله: (وجاز لها الخ) الأولى في حل التركيب أن يقول: وجاز لامرأة المجوسي تغسيله لو أسلم الخ ح. قوله: (اعتبارا بحالة الحياة) فإنه لو أسلمت بعده وكان حيا يبقى النكاح ويحل المس، فكذا إذا أسلمت بعد موته. قوله: (ولو بلا رأس) وكذا يغسل لو وجد النصف مع الرأس. بحر. قوله: (لتعينه عليه) أي لأنه صار واجبا عليه عينا، ولا يجوز أخذ الأجرة على الطاعة كالمعصية، وفيه أن أخذ الأجرة (1) على الطاعة لا يجوز مطلقا عند المتقدمين، وأجازه المتأخرون على تعليم القرآن والاذان والإمامة للضرورة، كما بين في محله، ومقتضاه عدم الجواز هنا وإن وجد غيره لأنه طاعة تعين أو لا، ولا يختص عدم الجواز بالواجب نعم الاستئجار على الواجب غير جائز اتفاقا كما صرح به القهستاني في الإجارات، وعبارة الفتح ولا يجوز الاستئجار على غسل الميت، ويجوز على الحمل والدفن، وأجازه بعضهم في الغسل أيضا اه، فليتأمل. قوله: (ولذا) أي لكون النية ليست شرطا لصحة الطهارة بل شرط لاسقاط الفرض عن المكلفين. قوله: (فلا بد) أي في تحصيل الغسل المسنون، وإلا فالشرط مرة، وكأنه يشير ب لا بد إلى أنه بوجوده في الماء لم يسقط غسله المسنون فضلا عن الشرط. تأمل. قوله: (وتعليله) أي تعليل الفتح بقوله: لأنا أمرنا الخ أي ولم يقل في التعليل لأنه لم يطهر ط. تنبيه: اعلم أن حاصل الكلام في المقام أنه قال في التجنيس: ولا بد من النية في غسله في الظاهر. وفي الخانية إذا جرى الماء على الميت أو أصابه المطر: عن أبي يوسف أنه لا ينوب عن الغسل لأنا أمرنا بالغسل، وذلك ليس بغسل، وفي النهاية والكفاية وغيرهما أنه لا بد منه، إلا أن يحركه بنية الغسل. وقال في العناية: وفيه نظر لأن الماء مزيل بطبعه، وكما لا تجب النية في غسل الحي فكذا الميت، ولذا قال في الخانية: ميت غسله أهله من غير نية الغسل أجزأهم ذلك اه.
(1) قوله: (وفيه ان اخذ الاجرة الخ) قال شيخنا: حاصل ما يقال في هذا المقام: انه يجوز اخذ الاجرة على الطاعة إذا وجدت الضرورة إليه ما لم يتعين وأما إذا تعين صار كالصلوات والذكورات لا يجوز اخذ الاجر بالاتفاق. ويدل على ذلك تعليلهم بالضرورة إذ الضرورة ليست عامة وعليه فكلام الشارح مستقيم، وبالجملة كلام المحشي لا يخلو من نظر ا ه. 216 وصرح في التجريد والأسبيجابي والمفتاح بعد اشتراطها أيضا، ووفق في فتح القدير بقوله: الظاهر اشتراطها فيه لاسقاطها وجوبه عن المكلف لا لتحصيل طهارته هو وشرط صحة الصلاة عليه اه. وبحث فيه شارح المنية بأن ما مر عن أبي يوسف يفيد أن الفرض فعل الغسل منا، حتى لو غسله لتعليم الغير كفى، وليس فيه ما يفيد اشتراط النية لاسقاط الوجوب بحيث يستحق العقاب بتركها. وقد تقرر في الأصول أن ما وجب لغيره من الافعال الحسية يشترط وجوده لا إيجاده كالسعي والطهارة، نعم لا ينال ثواب العبادة بدونها ه. وأقره الباقاني وأيده بما في المحيط: لو وجد الميت في الماء لا بد من غسله، لان الخطاب يتوجه إلى بني آدم ولم يوجد منهم فعل اه. فتلخص: أنه لا بد في إسقاط الفرض من الفعل، وأما النية فشرط لتحصيل الثواب ولذا صح تغسيل الذمية زوجها المسلم مع أن النية شرطها الاسلام فيسقط الفرض عنا بفعلنا بدون نية، وهو المتبادر من قول الخانية: أجزأهم ذلك، بقي قول المحيط: لان الخطاب يتوجه إلى بني آدم ظاهره أنه لا يسقط بفعل الملك. ويرد عليه قصة حنظلة غسيل الملائكة. وقد يقال: إن فعلهم ذلك كان بطريق النيابة. تأمل. وسيأتي تحقيقه في باب الشهيد. هذا وقد صرح في أحكام الصغار بأن الصبي إذا غسل الميت جاز اه. ومثله ما سنذكره عن البدائع أنه لو ماتت امرأة من بين رجال ومعهم صبي غير مشتهى علموه الغسل ليغسلها، وبه علم أن البلوغ غير شرط. قوله: (وفي الاختيار الخ) استفيد منه أنه شريعة قديمة وأنه يسقط وإن لم يكن الغاسل مكلفا، ولذا لم يعد أولاد أبينا آدم عليه السلام غسله ط. قوله: (فإن في دارنا الخ) أفاد بذكر التفصيل في المكان بعد انتفاء العلامة أن العلامة مقدمة، وعند فقدها يعتبر المكان في الصحيح لأنه يحصل به غلبة الظن كما في النهر عن البدائع. وفيها أن علامة المسلمون أربعة: الختان، والخضاب، ولبس السواد، وحلق العانة اه. قلت: في زماننا لبس السواد لم يبق علامة للمسلمين. قوله: (اعتبر الأكثر) أي في الصلاة بقرينة قوله في الاستواء واختلف في الصلاة عليهم قال في الحلية: فإن كان بالمسلمين علامة فلا إشكال في إجراء أحكام المسلمين عليهم، وإلا فلو المسلمين أكثر صلى عليهم وينوي بالدعاء المسلمين، ولو الكفار أكثر. ففي شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي: لا يصلى عليهم، لكن يغسلون ويكفنون ويدفنون في مقابر المشركين اه. قال ط: وكيفية العلم بالأكثر أن يحصى عدد المسلمين ويعلم ما ذهب منهم ويعد الموتى فيظهر الحال. قوله: (واختلف في الصلاة عليهم) فقيل لا يصلى، لان ترك الصلاة على المسلم مشروع في الجملة كالبغاة وقطاع الطرق، فكان أولى من الصلاة على الكافر لأنها غير مشروعة لقوله تعالى: * ((9) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * (التوبة: 48) وقيل يصلى ويقصد المسلمين، لأنه إن عجز عن التعيين لا يعجز عن القصد كما في البدائع. قال في الحلية: فعلى هذا ينبغي أن يصلى عليهم في الحالة الثانية أيضا: أي حالة ما إذا كان الكفار أكثر، لأنه حيث قصد المسلمين فقط لم يكن مصليا على الكفار، وإلا لم تجز الصلاة عليهم في
217 الحالة الأولى أيضا مع أن الاتفاق على الجواز، فينبغي الصلاة عليهم في الأحوال الثلاث كما قالت به الأئمة الثلاث، وهو أوجه قضاء لحق المسلمين بلا ارتكاب منهي عنه اه ملخصا. قوله: (ومحل دفنهم) بالجر عطفا على الصلاة، ففيه خلاف أيضا. قوله: (كدفن ذمية) جعل الأول مشبها بهذا لأنه لا رواية فيه عن الامام، بل فيه اختلاف المشايخ قياسا على هذه المسألة، فإنه اختلف فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: تدفن في مقابرنا ترجيحا لجانب الولد، وبعضهم: في مقابر المشركين لان الولد في حكم جزء منها ما دام في بطنها، وقال واثلة بن الأسقع: يتخذ لها مقبرة على حدة. قال في الحلية، وهذا أحوط، والظاهر كما أفصح به بعضهم أن المسألة مصورة فيما إذا نفخ فيه الروح وإلا دفنت في مقابر المشركين. قوله: (لان وجه الولد لظهرها) أي والولد مسلم تبعا لأبيه فيوجه إلى القبلة بهذه الصفة ط. قوله: (يممه المحرم الخ) أي يمم الميت الأعم من الذكر والأنثى. وكذا قوله: فالأجنبي أي فالشخص الأجنبي الصادق بذلك، وأفاد أن المحرم لا يحتاج إلى خرقة لأنه يجوز له مس أعضاء التيمم، بخلاف الأجنبي، إلا إذا كان الميت أمة لأنها كالرجل. ثم اعلم أن هذا لم يكن مع النساء رجل لا مسلم ولا كافر ولا صبية صغيرة فلو معهن كافر علمنه الغسل، لان نظر الجنس إلى الجنس أخف وإن لم يوافق في الدين، ولو معهن صبية لم تبلغ حد الشهوة وأطاقت غسله علمنها غسله لان حكم العورة غير ثابت في حقها، وكذا في المرأة تموت بين رجال معهم امرأة كافرة أو صبي غير مشتهى كما بسطه في البدائع. قوله: (ولو مراهقا) المراد به هنا من بلغ حد الشهوة كما يعلم مما بعده. قوله: (وإلا فكغيره) أي من الصغار والصغائر. قال في الفتح: الصغير والصغيرة إذا لم يبلغا حد الشهوة يغسلهما الرجال والنساء، وقدره في الأصل بأن يكون قبل أن يتكلم اه. قوله: (يمم لفقد ماء الخ) قال في الفتح: ولو لم يوجد ماء فيمم الميت وصلوا عليه ثم وجدوه: غسلوه وصلوا عليه ثانيا عند أبي يوسف، وعنه: يغسل ولا تعاد الصلاة عليه، ولو كفنوه وبقي منه عضو لم يغسل فإنه يغسل ذلك العضو، ولو بقي نحو الإصبع لا يغسل اه. قوله: (وقيل لا) أي يغسل ولا يصلى عليه كما علمته. قلت: ولا يظهر الفرق بينه وبين الحي، فإن الحي لو تيمم لفقد الماء وصلى ثم وجده لا يعيد، ثم رأيت في شرح المنية نقلا عن السروجي هذه الرواية موافقة للأصول اه. وفيه إشعار بترجيحها لما قلنا. خاتمة: يندب الغسل من غسل الميت، ويكره أن يغسله جنب أو حائض. إمداد. والأول كونه أقرب الناس إليه، فإن لم يحسن الغسل فأهل الأمانة والورع، وينبغي للغاسل ولمن حضر إذا رأى ما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحد إلا به لأنه غيبة، وكذا إذا كان عيبا حادثا بالموت كسواد وجه ونحوه ما لم يكن مشهورا ببدعة فلا بأس بذكره تحذيرا من بدعته، وإن رأى من أمارات
218 الخير كوضاءة الوجه والتبسم ونحوه استحب إظهاره لكثرة الترحم عليه والحث على مثل عمله الحسن. شرح المنية مطلب: في الكفن قوله: (ويسن في الكفن الخ) أصل التكفين فرض كفاية، وكونه على هذا الشكل مسنون. شرنبلالية. قوله: (له) أي للرجل. قوله: (إزار الخ) هو من القرن إلى القدم والقميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص وكمين، واللفافة تزيد على ما فوق القرن والقدم ليلف فيها الميت وتربط من الأعلى والأسفل. إمداد. (والدخريص: الشق الذي يفعل في قميص الحي ليتسع للمشي). قوله: (وتكره العمامة الخ) هي الكسر ما يلف على الرأس. قاموس. قال ط: وهي محل الخلاف، وأما ما يفعل على الخشبة من العمامة والزينة ببعض حلي فهو من المكروه بلا خلاف لما تقدم أنه يكره فيه كل ما كان للزينة اه. قوله: (في الأصح) هو أحد تصحيحين. قال القهستاني: واستحسن على الصحيح العمامة يعمم يمينا ويذنب ويلف ذنبه على كورة من قبل يمينه، وقيل يذنب على وجهه كما في التمرتاشي، وقيل هذا إذا كان الاشراف، وقيل هذا إذا لم يكن في الورثة صغار وقيل لا يعمم بكل حال كما في المحيط، والأصح أنه تكره العمامة بكل حال كما في الزاهدي اه. قوله: (ولا بأس بالزيادة على الثلاثة) كذا في النهر عن غاية البيان، ونقل قبله عن المجتبى الكراهة، لكن قال في الحلية عن الذخيرة معزيا إلى عصام: إنه إلى خمسة ليس بمكروه ولا بأس به اه. ثم قال: ووجه بأن ابن عمر كفن ابنه واقدا في خمسة أثواب: قميص، وعمامة، وثلاث لفائف، وأدار العمامة إلى تحت حنكه. رواه سعيد بن منصور اه. قال في البحر بعد نقل الكراهة عن المجتبى: واستثنى في روضة الزندوستي ما إذا وصى بأن يكفن في أربعة أو خمسة فإنه يجوز، بخلاف ما إذا أوصى أن يكفن في ثوبين فإنه يكفن في ثلاثة، ولو أوصى أن يكفن بألف درهم كفن كفنا وسطا اه. قلت: الظاهر أن الاستثناء الذي في الروضة منقطع، إذ لو كره لم تنفذ وصيته كما لم تنفذ بالأقل. تأمل. قوله: (ويحسن الكفن) بأن يكفن بكفن مثله، وهو أن ينظر إلى ثيابه في حياته للجمعة والعيدين، وفي المرأة ما تلبسه لزيارة أبويها، كذا في المعراج. فقول الحدادي: وتكره المغالاة في الكفن: يعني زيادة على كفن المثل. نهر. قوله: (لحديث الخ) وفي صحيح مسلم عنه (ص): إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه وروى أبو داود عنه (ص): لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا وجمع بين الحديثين بأن المراد بتحسينه بياضه ونظافته لا كونه ثمينا. حلية. وهو في معنى ما مر عن النهر. قوله: (ويتفاخرون) المراد به الفرح والسرور حيث وافق السنة والزيارة وإن كانت للروح، لكن للروح نوع تعلق بالجسد. قوله: (ولها) أي ويسن في الكفن للمرأة. قوله: (أي قميص) أشار إلى ترادفهما كما قالوا: وقد فرق بينهما بأن شق الدرع إلى الصدر والقميص إلى
219 المنكب. قهستاني. قوله: (وخمار) بكسر الخاء: ما تغطي به المرأة رأسها. قال الشيخ إسماعيل: ومقداره حالة الموت ثلاثة أذرع بذراع الكرباس، يرسل على وجهها ولا يلف، كذا في الايضاح والعتابي اه. قوله: (وخرقة) والأولى أن تكون من الثديين إلى الفخذين. نهر عن الخانية. قوله: (وكفاية) أي الاقتصار على الثوبين له كفن الكفاية، لان أدنى ما يلبس حال حياته، وكفنه كسوته بعد الوفاة فيعتبر بكسوته في الحياة ولهذا تجوز صلاته فيهما بلا كراهة. معراج. وحاصله أن كفن الكفاية هو أدنى ما يكفيه بلا كراهة فهو دون كفن السنة، وهل هو سنة أيضا أو واجب؟ الذي يظهر لي الثاني، ولذا كره الأقل منه كما يذكره الشارح. وقال في البحر: قالوا ويكره أن يكفن في ثوب واحد حالة الاختيار، لان في حالة حياته تجوز صلاته في ثوب واحد مع الكراهة. وقالوا: إذا كان بالمال قلة والورثة كثرة فكفن الكفاية أولى وعلى القلب كفن السنة أولى، ومقتضاه أنه لو كان عليه ثلاثة أثواب وليس له غيرها وعليه دين أن يباع منها واحد للدين لان الثالث ليس بواجب حتى ترك للورثة عند كثرتهم والدين أولى، مع أنهم صرحوا كما في الخلاصة بأنه لا يباع شئ منها بالدين كما في حالة الحياة إذا أفلس وله ثلاثة أثواب هو لابسها لا ينزع عنه شئ ليباع اه ما في البحر، وهو مأخوذ من الفتح. وقال في الفتح: ولا يبعد الجواب اه. وذكر الجواب بعضهم بأن يفرق بين الميت والحي بأن عدم الاخذ من الحي لاحتياجه ولا كذلك الميت اه. أقول: أنت خبير بأن الاشكال جاء من تصريحهم بعدم الفرق بين الحي والميت، فأنى يصح هذا الجواب؟ نعم يصح على ما قال السيد في شرح السراجية من أنه إذا كان الدين مستغرقا فللغرماء المنع من تكفينه بما زاد على كفن الكفاية. وقال الشارح: في فراض الدر المنتقى: وهل للغرماء المنع من كفن المثل؟ قولان، والصحيح نعم اه. ومثله في سكب الأنهر، لكن قال أيضا: ألا ترى أنه لو كان للمديون ثياب حسنة في حال حياته ويمكنه الاكتفاء بما دونها يبيعها القاضي ويقضي الدين ويشتري بالباقي ثوبا يلبسه، فكذا في الميت المديون، كذا اختاره الخصاف في أدب القاضي اه. ثم رأيت مثله في حاشية الرملي عن شرح السراجية المسمى ضوء السراج للكلاباذي. وحينئذ فلا إشكال ولا جواب، وبه علم أن ما مر عن الخلاصة خلاف الصحيح، وقد يوفق بحمل ما في الخلاصة في الحي على ما إذا لم يكتف بما دون الثلاثة، وفي الميت على ما إذا لم يمنعهم الغرماء. قال في شرح قلائد المنظوم: صحح العلامة حيدر في شرحه على السراجية المسمى بالمشكاة بأن للورثة تكفينه بكفن المثل ما لم يمنعهم الغرماء اه. قلت: والظاهر أن المراد بعدم المنع الرضا بذلك، وإلا فكيف يسوغ للورثة تقديم المسنون على الدين الواجب؟ ثم إن هذا مؤيد لما بحثناه من أن كفن الكفاية واجب، بمعنى أنه لا يجوز أقل منه عند الاختيار. ثم رأيت في شرح المقدسي قال: وهذا أقل ما يجوز عند الاختيار، والله تعالى أعلم. قوله: (في الأصح) وقيل قميص ولفافة. زيلعي. قال في البحر: وينبغي عدم التخصيص بالإزار واللفافة، لان كفن الكفاية معتبر بأدنى ما يلبسه الرجل في حياته من غير كراهة، كما علل به في البدائع اه. قوله: (ولها ثوبان) لم يعينهما كما الهداية، وفسرهما في الفتح بالقميص واللفافة، وعينهما في الكنز بالإزار واللفافة. قال في البحر: والظاهر كما قدمناه عدم التعيين، بل إما قميص
220 وإزار، أو إزاران. والثاني أولى لان فيه زيادة في ستر الرأس والعنق. قوله: (ويكره) أي عند الاختيار. قوله: (وأقله ما يعم البدن) ظاهره أنه لو لم يوجد له ذلك سألوا الناس له ثوبا يعمه، وأن ما دون ذلك بمنزلة العدم، وإنه لا يسقط به الفرض عن المكلفين وإن كان ساترا للعورة ما لم يعم البدن، لكن لا يخفى أن كفن الضرورة ما لا يصار إليه إلا عند العجز، فلا يناسب تقييده بشئ، ولذا عبر المصنف بما يوجد. نعم ما يعم البدن هو كفن الفرض كما صرح به في شرح المنية فيسقط به الفرض عن المكلفين لا بقيد كونه عند الضرورة لأنها تقدر بقدرها، ولذا لما استشهد مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد ولم يكن عنده إلا نمرة: أي كساء مخطط، فكان إذا غطى به رأسه بدت رجلاه وبالعكس، أمر النبي (ص) بتغطية رأسه بها ورجليه بالإذخر إلا أن يقال: إن ما لا يستر البدن لا يكفي عند الضرورة أيضا، بل يجب ستر باقيه بنحو حشيش كالإذخر، ولذا قال الزيلعي بعد سوقه حديث مصعب: وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي خلافا الشافعي اه. تأمل. قوله: (ويقمص) أي الميت: أي يلبس القميص بعد تنشيفه بخرقة كما مر. قوله: (ويلف يساره ثم يمينه) الضميران للأزار، وأشار به إلى أن كلا من الإزار واللفافة يلف وحده، لأنه أمكن في الستر ط. قوله: (ليكون الأيمن على الأيسر) اعتبار بحالة الحياة. إمداد. قوله: (تحت اللفافة) الأوضح تحت الإزار. قوله: (ثم يفعل كما مر) أي بأن توضع بعد إلباس الدرع والخمار على الإزار ويلف يساره الخ. قال في الفتح: ولم يذكر الخرقة. وفي شرح الكنز: فوق الأكفان كيلا تنتشر، وعرضها ما بين ثدي المرأة إلى السرة، وقيل ما بين الثدي إلى الركبة، كيلا ينتشر الكفن على الفخذين وقت المشي. وفي التحفة: تربط الخرقة فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين اه. وقال في الجوهرة: وقول الخجندي: تربط الخرقة على الثديين فوق الأكفان يحتمل أن يراد به تحت اللفافة وفوق الإزار والقميص وهو الظاهر اه. وفي الاختيار: تلبس القميص ثم الخمار فوقه، ثم تربط الخرقة فوق القميص اه. ومفاد هذه العبارات الاختلاف في عرضها وفي محل وضعها وفي زمانه. تأمل. قوله: (وخنثى مشكل كامرأة فيه) أي فيكفن في خمسة أثواب احتياطا، لأنه على احتمال كونه ذكرا فالزيادة لا تضر. قال في النهر: إلا أنه يجنب الحرير والمعصفر والمزعفر احتياطا. قوله: (والمحرم كالحلال) أي فيغطي رأسه وتطيب أكفانه، خلافا للشافعي رحمه الله تعالى. قوله: (والمراهق كالبالغ) الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى ح. قال في البدائع: لان المراهق في حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة. فكذا يكفن فيما يكفن فيه. قوله: (ومن لم يراهق الخ) هذا لو ذكرا. قال في الزيلعي: وأدنى ما يكفن به الصبي الصغير ثوب واحد، والصبية ثوبان اه. وقال في البدائع: وإن كان صبيا لم يراهق فإن كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن، وإن كفن في إزار واحد جاز، وأما الصغيرة فلا بأس أن تكفن في ثوبين اه.
221 أقول: في قوله فحسن إشارة إلى أنه لو كفن بكفن البالغ يكون أحسن، لما في الحلية عن الخانية والخلاصة: الطفل الذي ليبلغ حد الشهوة الأحسن أن يكفن فيما يكفن فيه البالغ، وإن كفن في ثوب واحد جاز اه. وفيه إشارة إلى أن المراد بمن لم يراهق من لم يبلغ حد الشهوة. قوله: (والسقط يلف) أي في خرقة لأنه ليس له حرمة كاملة، وكذا من ولد ميتا. بدائع. قوله: (ولا يكفن) أي لا يراعى فيه سنة الكفن، وهل النفي بمعنى النهي أو بمعنى نفي اللزوم؟ الظاهر الثاني، فليتأمل. قوله: (كالعضو من الميت) أي لو وجد طرف من أطراف إنسان أو نصفه مشقوقا طولا أو عرضا يلف في خرقة إلا إذا كان معه الرأس فيكفن كما في البدائع قال: وكذا الكافر لو له ذو رحم محرم مسلم يغسله ويكفنه في خرقة، لان التكفين على وجه السنة من باب الكراهة اه. قوله: (منبوش طري) أي بأن وجد منبوشا بلا كفن. قوله: (لم يتفسخ) قيد به، لأنه لو تفسح يكفن في ثوب واحد كما صرح به بعده، والظاهر أنه بيان للمراد من قوله: طري كما تشهد به المقابلة بقوله: وإن تفسخ. قوله: (كالذي لم يدفن) أي يكفن في ثلاثة أثواب. قوله: (مرة بعد أخرى) أي لو نبش ثانيا وثالثا أكثر كفن كذلك ما دام طريا من أصل ما له عندنا ولو مديونا، إلا إذا قبض الغرماء التركة فلا يسترد منهم، وإن قسم ماله فعلى كل وارث بقدر نصيبه دون الغرماء وأصحاب الوصايا لأنهم أجانب. سكب الأنهر. قوله: (أحد عشر) المذكور منها متنا خمسة: الرجل، والمرأة، والخنثى، والمنبوش الطري، والمتفسخ. وذكر في الشرح ستة: المحرم، والمراهق ذكر أو أنثى، ومن لم يراهق كذلك أو السقط، لكن علمت أن المراهقة لم ينص على حكمها، وقدمنا عن البدائع اثنين آخرين وهما: من ولد ميتا، والكافر. قوله: (ولا بأس الخ) أشار إلى أن خلافه أولى وهو البياض من القطن. وفي جامع الفتاوى: ويجوز أن يكفن الرجل من الكتان والصوف، لكن الأولى القطن. وفي التاجية: ويكره الصوف والشعر والجلد. وفي المحيط وغيره: ويستحب البياض. إسماعيل. قوله: (ببرود) جمع برد بالضم من برود العصب. مغرب. ثم قال: والعصب من برود اليمن لأنه يعصب غزله ثم يصبغ ثم يحاك، وفيه: وأما البردة بالهاء فكساء مربع أسود صغير. قوله: (وفي النساء) على تقدير مضاف: أي وفي كفن النساء، واحترز عن الرجال لأنه يكره لهم ذلك. قوله: (وأحبه البياض) والجديد والغسيل فيه سواء. نهر. قوله: (أو ما كان يصلي فيه) مروي عن ابن المبارك ط. قوله: (من لا مال له) أما من له مال فكفنه في ماله يقدم على الدين والوصية والإرث إلى قدر السنة ما لم يتعلق به حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض والعبد الجاني، بحر وزيلعي. وقدمنا أن للغرباء منع الورثة من تكفينه بما زاد على كفن الكفاية. قوله: (على من تجب عليه نفقته) وكفن العبد على سيده والمرهون على الراهن والمبيع في يد البائع عليه. بحر. قوله: (فعلى قدر ميراثهم) كما كانت النفقة واجبة عليهم. فتح: أي فإنها على قدر الميراث، فلو له أخ لام وأخ شقيق فعلى الأول السدس والباقي على الشقيق.
222 أقول: ومقتضى اعتبار الكفن بالنفقة أنه لو كان له ابن وبنت كان عليهما سوية كالنفقة، إذ لا يعتبر الميراث في النفقة الواجبة على الفرع لاصله، ولذا لو كان له ابن مسلم وابن كافر فهي عليهما، ومقتضاه أيضا أنه لو كان للميت أب وابن كفنه الابن دون الأب كما في النفقة على التفاصيل الآتية في بابها إن شاء الله تعالى. تنبيه: لو كفنه الحاضر من ماله ليرجع على الغائب منهم بحصته فلا رجوع له إن أنفق بلا إذن القاضي. حاوي الزاهدي. واستنبط منه الخير الرملي أنه لو كفن الزوجة غير زوجها بلا إذنه ولا إذن القاضي فهو متبرع. مطلب في كفن الزوجة على الزوج قوله: (واختلف في الزوج) أي في وجوب حفن زوجته عليه. قوله: (عند الثاني) أي أبي يوسف، وأما عند محمد فلا يلزمه لانقطاع الزوجية بالموت. وفي البحر عن المجتبى أنه لا رواية عن أبي حنيفة، لكن ذكر في شرح المنية عن شرح السراجية لمصنفها أن قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف. قوله: (وإن تركت مالا الخ) اعلم أنه اختلفت العبارات في تحرير قول أبي يوسف: ففي الخانية والخلاصة والظهيرية: أنه يلزمه كفنها وإن تركت مالا، وعليه الفتوى. وفي المحيط والتجنيس والواقعات وشرح المجمع لمصنفه: إذا لم يكن لها مال فكفنها على الزوج، وعليه الفتوى. وفي شرح المجمع لمصنفه: إذا ماتت ولا مال لها فعلى الزوج المسر اه. ومثله في الاحكام عن المبتغى بزيادة: وعليه الفتوى ومقتضاه أنه لو معسرا لا يلزمه اتفاقا. وفي الاحكام أيضا عن العيون: كفنها في مالها إن كان، وإلا فعلى الزوج، ولو معسرا ففي بيت المال اه. والذي اختاره في البحر لزومه عليه موسرا أو لا، لها مال أو لا، لأنه ككسوتها وهي واجبة عليها مطلقا. قال: وصححه في نفقات الولوالجية اه. قلت: وعبارتها إذا ماتت المرأة ولا مال لها، قال أبو يوسف: يجبر الزوج على كفنها، والأصل فيه أن من يجبر على نفقته في حياته يجبر عليها بعد موته، وقال محمد: لا يجبر الزوج، والصحيح الأول اه فليتأمل. تنبيه: قال في الحلية: ينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم يقم بها مانع يمنع الوجوب عليه حالة الموت من نشوزها أو صغرها ونحو ذلك اه. وهو وجيه لأنه إذا اعتبر لزوم الكفن بلزوم النفقة سقط بما يسقطها. ثم اعلم أن الواجب عليه تكفيها وتجهيزها الشرعيان من كفن السنة أو الكفاية وحنوط وأجرة غسل وحمل ودفن، دون ما ابتدع في زماننا من مهللين وقراء ومغنين وطعام ثلاثة أيام ونحو ذلك، ومن فعل ذلك بدون رضا بقية الورثة البالغين يضمنه في ماله. قوله: (فإن لم يكن بيت المال معمورا) أي بأن لم يكن فيه شئ أو منتظما أي مستقيما بأن كان عامرا ولا يصرف مصارفه ط. قوله: (فعلى المسلمين) أي العالمين به وهو فرض كفاية يأثم بتركه جميع من علم به ط. قوله: (فإن لم يقدروا)
223 أي من علم منهم بأن كانوا فقراء. قوله: (وإلا كفن به مثله) هذا لم يذكره في المجتبى، بل زاده عليه في البحر عن التنجيس والواقعات. قلت: وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: فقير مات فجمع من الناس الدراهم وكفنوه وفضل شئ، إن عرف صاحبه يرد عليه، وإلا يصر ف إلى كفن فقير آخر أو يتصدق به. قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قوله ثوبا وهذا بحث لصاحب النهر، لكن قال في مختارات النوازل بعد ما نقلناه عنه: ولا يجمعن الناس إلا قدر كفايته اه. فتأمل. ثم رأيت في الاحكام عن عمدة المفتي: ولا يجمعون من الناس إلا قدر ثوب واحد اه. قوله: (لا يلزمه تكفينه به) لأنه محتا إليه، فلو كان الثوب للميت والحي وارثه يكفن به الميت، لأنه مقدم على الميراث. بحر. إلا إذا كان الحي مضطرا إليه لبرد أو سبب يخشى منه التلف، كما لو كان للميت ماء وهناك مضطر إليه لعطش قدم على غسله. شرح المنية. قوله: (ولا يخرج الكفن عن ملك المتبرع) حتى لو افترس الميت سبع كان للمتبرع لا للورثة. نهر: أي إن لم يكن وهبه لهم كما في الاحكام عن المحيط. مطلب في صلاة الجنازة قوله: (صفتها الخ) ذكر صفتها وشرطها وركنها وسننها وكيفيتها والاحق بها. قال القهستاني وسبب وجوبها الميت المسلم كما في الخلاصة، ووقتها وقت حضوره، ولذا قدمت على سنة المغرب كما في الخزانة اه. وفي البحر: ويفسدها ما أفسد الصلاة، إلا المحاذاة كما في البدائع، وتكره في الأوقات المكروهة، ولو أحدث الامام فاستخلف غيره فيها جاز هو الصحيح، كذا في الظهيرية اه. قوله: (بالاجماع) وما في بعض العبارات من أنها واجبة فالمراد الافتراض. بحر. لكن في القهستاني عن النظم: قيل إنها سنة اه. قلت: يمكن تأويله بثبوتها بالسنة كما في نظائره، لكن ينافيه التصريح بالاجماع، إلا أن يقال: إن الاجماع سنده السنة كقوله (ص): صلوا على كل بر وفاجر. وأما قوله تعالى: * (وصل عليهم) * ( التوبة: 301) فقيل إنه دليل الفرضية، لكن رد كما في النهر بإجماع المفسرين على أن المأمور به هو الدعاء والاستغفار للمتصدق اه. هذا، واستشكل المحقق ابن الهمام في التحرير وجوبها بسقوطها بفعل الصبي. قال: والجواب بأن المقصود الفعل لا يدفع الوارد من لفظ الوجوب اه: أي لان الوجوب على المكلفين فلا بد من صدور الفعل منهم، وذكر شارحه المحقق ابن أمير حاج أن سقوطها بفعل الصبي المميز هو الأصح عند الشافعية. قال: ولا يحضرني هذا منقولا فيما وقفت عليه من كتبنا، وإنما ظاهر أصول المذهب عدم السقوط اه. ويأتي تمام الكلام قريبا. قوله: (وشرطها) أي شرط
224 صحتها. وأما شروط وجوبها فهي شروط بقية الصلوات من القدرة والعقل والبلوغ والاسلام مع زيادة العلم بموته. تأمل. قوله: (ستة) ثلاثة في المتن وثلاثة في الشرح، وهي: ستر العورة، وحضور الميت، وكونه أو أكثره أمام المصلي، وزاد أيضا سابعا: وهو بلوغ الامام. ثم هذه الشروط راجعة إلى البيت، وأما الشروط التي ترجع إلى المصلي فهي شروط بقية الصلوات من الطهارة الحقيقية بدنا وثوبا ومكانا، والحكمية وستر العورة والاستقبال والنية سوى الوقت. قوله: (سلام الميت) أي ولو بطريق التبعية لاحد أبوية أو للدار أو للسابي كما سيأتي، والمراد بالميت من مات بعد ولادته حيا لا لبغي أو قطع أو مكابرة في مصر أو قتل لاحد أبويه أو قتل لنفسه كما يأتي بيان ذلك كله. قوله: (ما لم يهل عليه التراب) أما لو دفن بلا غسل ولم يهل عليه التراب فإنه يخرج ويغسل ويصلى عليه. جوهرة. قوله: (فيصلى على قبره بلا غسل) أي قبل أن يتفسخ كما سيأتي عند قول المصنف وإن دفن بلا صلاة. هذا، وذكر في البحر هناك أن الصلاة عليه إذا دفن بلا غسل رواية ابن سماعة عن محمد، وأنه صحح في غاية البيان معزيا إلى القدوري وصاحب التحفة أنه لا يصلى على قبره لأنها بلا غسل غير مشروعة. رملي. ويأتي تمام الكلام عليه. قوله: (وإن صلى عليه أو لا) أي ثم تذكروا أنه دفن بلا غسل. قوله: (استحسانا) لان تلك الصلاة لم يعتد بها لترك الطهارة مع الامكان، والآن زال الامكان وسقطت فريضة الغسل. جوهرة. قوله: (وفي القنية الخ) مثله في المفتاح والمجتبى معزيا إلى التجريد. إسماعيل. لكن في التاترخانية سئل قاضيخان عن طهارة مكان الميت هل تشترط لجواز الصلاة عليه؟ قال: إن كان الميت على الجنازة لا شك أنه يجوز، وإلا فلا رواية لهذا، وينبغي الجواز، وهكذا أجاب القاضي بدر الدين اه. وفي ط عن الخزانة: وإذا تنجس الكفن بنجاسة الميت لا يضر دفعا للحرج بخلاف الكفن المتنجس ابتداء اه. وكذا لو تنجس بدنه بما خرج منه إن كان قبل أن يكفن غسل وبعده، لا، كما قدمناه في الغسل فيقيد ما في القنية بغير النجاسة الخارجة من الميت. أعيدت لأنه لا صحة لها بدون الطهارة، وإذا لم تصح صلاة الامام لم تصح صلاة القوم. بحر. قوله: (وبعكسه لا) أي لا تعاد لصحة صلاة الامام وإن لم تصح صلاة من خلفه. قوله: (كما لو أمت امرأة) أي أمت رجلا فإن صلاتها تصح وإن لم يصح الاقتداء بها. قوله: (ولو أمة) ساقط من بعض النسخ. قوله: (لسقوط فرضها بواحد) أي بشخص واحد رجلا كان أو امرأة، فهو تعليل لمسألة العكس ومسألة المرأة. قال في البحر والحلية: وبهذا تبين أنه لا تجب صلاة الجماعة فيها اه. ومثله في البدائع. قوله: (وبقي من الشروط بلوغ الامام) الأولى ذكر ذلك بعد تمام الشروط لأنه شرط سابع زائد على الستة، فافهم. وإنما أمر بالتأمل لأنه مذكور بحثا لا نقلا. مطلب: هل يسقط فرض الكفاية بفعل الصبي قال الامام الاسروشني فكتاب أحكام الصغار: الصبي إذا غسل الميت جاز، وإذا أم في صلاة الجنازة ينبغي أن لا يجوز، وهو الظاهر لأنها من فروض الكفاية وهو ليس من أهل أداء
225 الفرض ولكن يشكل برد السلام إذا سلم على أقول: حاصله أنها لا تسقط عن البالغين بفعله، قوم فرد صبي جواب السلام اه لان صلاتهم لم تصح لفقد شرط الاقتداء وهو بلوغ الامام وصلاته، وإن صحت لنفسه لا تقع فرضا لأنه ليس من أهله، وعليه فلو صلى وحده لا يسقط الفرض عنهم بفعله، بخلاف المرأة لو صلت إماما أو وحدها كما مر، لكن يشكل على ذلك مسألة السلام، وكذا جواز تغسيله للميت مع أنه فرض أيضا، وقدمنا عن التحرير قريبا استشكال سقوط الصلاة بفعله. وعن شارحه أنه لم يره، وأن ظاهر أصول المذهب عدم السقوط، لكن نقل في الاحكام عن جامع الفتاوى سقوطها بفعلها كرد السلام، ونقل بعده عن السراجية أنه يشترط بلوغه. قلت: يمكن حمل الثاني على أن البلوغ شرط لكونه إماما، فلا ينافي السقوط بفعله، كما في التغسيل ورد السلام، وكونه ليس من أهل أداء الفرض لا ينافي ذلك، كما حققناه في باب الامام عند قوله: ولا يصح اقتداء رجل بامرأة فراجعه. قوله: (حضوره) أي كله أو أكثره، كالنصف مع الرأس كما مر. قوله: (ووضعه) أي على الأرض أو على الأيدي قريبا منها. قوله: (وكونه هو أو أكثره أمام المصلي) المناسب ذكر قوله: هو أو أكثره بعد قوله حضوره لأنه احترز عن كونه خلفه، مع أنه يوهم اشتراط محاذاته للميت أو أكثره وليس كذلك، فقد ذكر القهستاني عن التحفة أن ركنها القيام ومحاذاته إلى جزء من أجزاء الميت اه. لكن فيه نظر، بل الأقرب كون المحاذاة شرطا فيزاد على السبعة المذكورة، ثم هذا ظاهر إذا كان الميت واحدا، وإلا فيحاذي واحدا منهم بدليل ما سيأتي من التخيير في وضعهم صفا طولا أو عرضا. تأمل. ثم رأيته في ط. ثم قال: إن هذا ظاهر في الامام لان صف المؤتمين قد يخرج عن المحاذاة. قوله: (فلا تصح) بيان لمحترزات الشروط الثلاثة الأخيرة على اللف والنشر المرتب. قوله: (على نحو دابة) أي كمحمول على أيدي الناس، فلا تجوز في المختار إلا من عذر. إمداد عن الزيلعي. وهذا لو حملت على الأيدي ابتداء، أما لو سبق ببعض التكبيرات فإنه يأتي بعد سلام الامام بما فاته، وإن رفعت على الأيدي قبل أن توضع على الأكتاف كما سيأتي. قوله: (لان كالامام من وجه) لاشتراط هذه الشروط وعدم صحتها بفقدها أو فقد بعضها. قوله: (لصحتها على الصبي) أي والمرأة، وهذا علة لقوله: دون وجه إذ لو كان إماما من كل وجه لما صحت على الصبي ونحوه. قوله: (على النجاشي) بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها، أو هو أفصح: ملك الحبشة اسمه أصحمة. قاموس. وذكر في المغرب أنه بتخفيف الياء سماعا من الثقات، وأن تشديد الجيم فيه خطأ، وأن السين في أصحمة تصحيف. قوله: (لغوية) أي المراد بها مجرد الدعاء وهو بعيد. قوله: (أو خصوصية) أو لأنه رفع سريره حتى رآه عليه الصلاة والسلام بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الامام وبحضرته دون المأمومين، وهذا غير مانع من الاقتداء. فتح واستدل لهذين الاحتمالين بما لا مزيد عليه فارجع إليه، من جملة ذلك أنه توفي خلق كثير من أصحابه (ص) من أعزهم عليه القراء، ولم ينقل عنه أنه صلى عليهم مع حرصه على ذلك حتى قال: لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة له. قوله: (وصحت لو وضعوا الخ) كذا في البدائع، وفسره في شرح المنية معزيا للتاترخانية بأن وضعوا رأسه
226 مما يلي يسار الامام اه. فأفاد أن السنة وضع رأسه مما يلي يمين الامام كما هو المعروف الآن، ولهذا علل في البدائع للإساءة بقوله: لتغييرهم السنة المتوارثة ويوافقه قول الحاوي القدسي: يوضع رأسه مما يلي يمين المستقبل. فما في حاشية الرحمتي من خلاف هذا فيه نظر، فراجعه. قوله: (شيئان) وأما ما في القهستاني عن التحفة من زيادة المحاذاة إلى جزء من الميت فالذي يظهر كونه شرطا لا ركنا كما قدمناه. قوله: (فلذا الخ) أي لكونها ركنا لا شرطا، لأنه لو نواها للأخرى أيضا يصير مكبرا ثلاثا وإنه لا يجوز. بحر عن المحيط. قوله: (فلم تجز قاعدا) أي ولا راكبا. قوله: (بلا عذر) فلو تعذر النزول لطين أو مطر جازت راكبا، ولو كان الولي مريضا فصلى قاعدا والناس قياما أجزأهم عندهما. وقال محمد: تجزي الامام فقط. حلية. قوله: (التحميد والثناء) كذا في البحر عن المحيط، ومقتضى قول الشارح ثلاثة أن الثناء غير التحميد مع أنه فيما يأتي فسر الثناء بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك فعلم أن المراد بهما واحد على ما يأتي بيانه، فكان عليه أن يذكر الثالث: الصلاة على النبي (ص). قوله: (وما فهمه الكمال) تبعه شارحا المنية البرهان الحلبي وابن أمير حاج. قوله: (من أن الدعاء ركن) قال لقولهم: إن حقيقتها والمقصود منها الدعاء. قوله: (والتكبيرة الأولى شرط) قال لأنها تكبيرة الاحرام. قوله: (رده في البحر بتصريحهم بخلافه) أما الأول ففي المحيط أن الدعاء سنة، وقولهم: إن المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء يدل عليه. وأما الثاني فما مر من أنه لم يجز بناء أخرى عليها، وقولهم: إن التكبيرات الأربع قائمة مقام أربع ركعات اه. قلت: ما نقله عن المحيط من أن الدعاء سنة. قال في الحلية: في نظر ظاهر، فقد صرحوا عن آخرهم بأن صلاة الجنازة هي الدعاء للميت إذ هو المقصود منها اه. وأما قولهم: إن المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء، فقد قال في شرح المنية: إن الامام يتحمله عنه: أي فلا ينافي ركنيته كما يتحمل عنه القراءة وهي ركن أيضا اه. لكن تحمل القراءة في حالة الاقتداء، أما بعد الفراغ فيأتي المسبوق بها. وقد يقال: يتحمل الامام (1) الدعاء عن المسبوق لضرورة تصحيح صلاته، لان الكلام فيما إذا خيف رفع الجنازة وأتى بالتكبيرات نسقا. تأمل. أقول: وتقدم في باب شروط الصلاة أن المصلي ينوي مع الصلاة لله تعالى الدعاء للميت، وعلله الشارح هناك بأنه الواجب عليه، ونقلناه هناك عن الزيلعي والبحر والنهر، فهذا مؤيد لما اختاره المحقق، والله الموفق. وأما عدم جواز بناء أخرى عليها فلكونها قائمة مقام ركعة، وكونها
(1) قوله: (وقد يقال يتحمل الامام الخ) قد يقال: مقتضى هذا ان يتحمل القراءة من المسبوق في كل صلاة تبطل بخلروج وقتها ان خيف الخروج قبل اتمام المسبوق كما في صلاة الفجر والجمعة. ويمكن ان يقال: انما لم يتحمل الامام القراءة فيما ذكر لان الفجر تقضى، وللجمعة خلف بخلاف الجنازة، ولكن يشكل على هذا صلاة العيد فإنها تبطل بخروج الوقت ومع ذلك لا تقضى ولا خلف لها بالنسبة لهذا المسبوق عندهما على الأصح. ويمكن ان يحمل على قول الثاني من أن الشروع كالنذر في الايجاب. ا ه. 227 كذلك لا يلزم منه أن تكون ركنا من كل وجه، إذ لا شك أنها تحريمة يدخل بها في الصلاة، ولذا خصت برفع الأيدي، فهي شرط من وجه ركن من وجه، فتدبر. قوله: (وهي فرض على كل مسلم مات) لفظ على بمعنى اللام التعليلية مثل: * (ولتكبروا الله على ما هداكم) * (البقرة: 581) أو متعلق بمحذوف خبر ثان للضمير المبتدأ، أو متعلق به لأنه عائد للصلاة بمعنى المصدر، والتقدير، والصلاة على كل مسلم مات فرض: أي مفترض على المكلفين، ولو أسقط الشارح لفظ فرض لكان أصوب لأنه تقدم تصريح المصنف به، ولئلا يوهم تعلق الجار به فيفسد المعنى، فتدبر. قوله: (خلا أربعة) بالجر على أن خلا حرف استثناء. قوله: (بغاة) هم قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الامام بغير حق. قوله: (فلا يغسلوا الخ) في نسخة فلا يغسلون وهي أصوب، وإنما لم يغسلوا ولم يصل عليهم إهانة لهم وزجرا لغيرهم عن فعلهم. وصرح بنفي غسلهم، لأنه قيل يغسلون ولا يصلى عليهم للفرق بينهم وبين الشهيد كما ذكره الزيلعي وغيره، وهذا القيل رواية. وفيه إشارة إلى ضعفها، لكن مشى عليها في الدرر والوقاية. وفي التاترخانية: وعليه الفتوى. قوله: (ولو بعده الخ) قال الزيلعي: وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الامام عليهم فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، وهذا تفصيل حسن أخذ به كبار المشايخ، لان قتل قاطع الطريق في هذه الحالة حد أو قصاص، ومن قتل بذلك يغسل ويصلى عليه، وقتل الباغي في هذه الحالة للسياسة أو لكسر شوكتهم فينزل منزلته لعود نفعه إلى العامة اه. وقوله: أو قصاص أي بأن كان ثم ما يسقط الحد كقطعة على محرم ونحوه مما ذكر في بابه، وقد علم من هذا التفصيل أنه لو مات أحدهم حتف أنفه قبل الاخذ أو بعده يصلى عليه كما بحثه في الحلية، وقال: ولم أره صريحا. قلت: وفي الاحكام عن أبي الليث: ولو قتلوا في غير الحرب أو ماتوا يصلى عليهم اه. وهو صريح في المطلوب. قوله: (وكذا أهل عصبة) بضم فسكون، وفي نسخة عصبية. وفي نهاية ابن الأثير: العصبية والتعصب: المحاماة والمدافعة. والعصبي: من يعين قومه على الظلم والذي يغضب لعصبته، ومنه الحديث ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية قال في شرح درر البحار وفي النوازل: وجعل مشايخنا المقتولين في العصبية في حكم أهل البغي على هذا التفصيل. وفي المغني: جعل الدروازكي والكلاباذي (1) كالباغي، وكذا الواقفون الناظرون إليهما إن أصابهم حجر أو غيره وماتوا في تلك الحالة، ولو ماتوا بعد تفرقهم يصلى عليهم اه. قال ط: ومثلهم سعد وحرام بمصر، وقيس ويمن ببعض البلاد اه. أقول: والظاهر أن هذا حيث كان البغي من الفريقين، فلو بغى أحدهما على الآخر وقصد الآخر المدافعة عن نفسه بالقدر الممكن يكون المدافع شهيدا. وفي شرح منلا مسكين ما يؤيده فراجعه. قوله: (ومكابر في مصر ليلا بسلاح) كذا في الدرر و البحر وغيرهما. والمكابر: بالباء الموحدة المتغلب. إسماعيل. والمراد به من يقف في محل من المصر يتعرض لمعصوم. والظاهر
(1) قوله: (الدروازكي والكلاباذي) نسبة إلى محلتين إحداهما ببخارى والاخرى بنيسابور. أبو السعود عن طبقات عبد القادر ا ه منه. 228 أن هذا مبني على قول أبي يوسف من أنه يكون قاطع طريق إذا كان في المصر ليلا مطلقا أو نهارا بسلاح، وعليه الفتوى، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، فيعطى أحكام قاطع الطريق في غير المصر من أنه إذا ظهر عليه قبل أخذ شئ وقتل فإنه يحبس حتى يتوب، وإن أخذ مالا قطع من خلاف، وإن قتل معصوما قتل حدا على ما سيأتي تفصيله في محله، فحيث كان حده القتل لا يصلى عليه، وبما قررناه ظهر أن قوله بسلاح غير قيد، لأنه إذا وقف في المصر ليلا لا فرق بين كونه قاتلا بسلاح أو غيره كحجر أو عصا، والله أعلم. قوله: (خنق غير مرة) هو مفاد صيغة المبالغة، وقيده المصنف في باب البغاة بما إذا كان ذلك في المصر. وعبارته مع الشرح: ومن تكرر الخنق بكسر النون منه في المصر: أي خنق مرارا، ذكره مسكين، قتل به سياسة لسعيه بالفساد، وكل من كان كذلك يدفع شره بالقتل وإلا بأن خنق مرة، لا لأنه كالقتل بالمثقل، وفيه القود عند غير أبي حنيفة اه: أي وأما عنده ففيه الدية على عاقلته كالقتل بالمثقل، وظاهر قوله بأن خنق مرة، أن التكرار يحصل بمرتين. قوله: (فحكمهم كالبغاة) كذا في البحر والزيلعي: أي حكم أهل عصبية ومكابر وخناق حكم البغاة في أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم. وأما ما في الدرر من قوله وإن غسلوا: أي البغاة والقطاع والمكابر، فإنه مبني على الرواية الأخرى، وقدمنا ترجيحها. قوله: (به يفتى) لأنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد وإن كان باغيا على نفسه كسائر فساق المسلمين. زيلعي. قوله: (ورجح الكمال قول الثاني الخ) أي قول أبي يوسف: إنه يغسل ولا يصلى عليه. إسماعيل عن خزانة الفتاوى. وفي القهستاني والكفاية وغيرهما عن الامام السعدي: الأصح عندي أنه لا يصلى عليه لأنه لا توبة له. قال في البحر: فقد اختلف التصحيح، لكن تأيد الثاني بالحديث اه. أقول قد يقال: لا دلالة في الحديث على ذلك لأنه ليس فيه سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يصل عليه، فالظاهر أنه امتنع زجرا لغيره عن مثل هذا الفعل، كما امتنع عن الصلاة على المديون، ولا يلزم من ذلك عدم صلاة أحد عليه من الصحابة، إذ لا مساواة بين صلاته وصلاة غيره، قال تعالى: * (إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة 301) ثم رأيت في شرح المنية بحثا كذلك. وأيضا فالتعليل بأنه لا توبة له مشكل على قواعد أهل السنة والجماعة لاطلاق النصوص في قبول توبة العاصي، بل التوبة من الكفر مقبولة قطعا، وهو أعظم وزرا، ولعل المراد ما إذا تاب حالة اليأس كما إذا فعل بنفسه ما لا يعيش معه عادة كجرح مزهق في ساعته وإلقاء في بحر أو نار فتاب، أما لو جرح نفسه وبقي حيا أياما مثلا ثم تاب ومات فينبغي الجزم بقبول توبته ولو كان مستحلا لذلك الفعل، إذ التوبة من الكفر حينئذ مقبولة فضلا عن المعصية، بل تقدم الخلاف في قبول توبة العاصي حالة اليأس. ثم اعلم أن هذا كله فيمن قتل نفسه عمدا، أما لو كان خطأ فإنه يصلى عليه بلا خلاف، كما صرح به في الكفاية وغيرها، وسيأتي عده مع الشهداء. قوله: (لا يصلى على قاتل أحد أبويه الظاهر أن المراد أنه لا يصلي عليه إذا قتله الامام قصاصا، أما لو مات حتف أنفه يصلى عليه كما في البغاة ونحوهم، ولم أره صريحا، فليراجع قوله: (وألحقه فالنهر بالبغاة) أي فلا يعد خامسا،
229 هكذا فهمت، ثم رأيته في ط، لكن في أن عبارة النهر هكذا: والعصبية كالبغاة، ومن هذا النوع الخناق وقاتل أحد أبويه اه. وعليه فيكون المستثنى أقل من أربعة. تأمل. قوله: (وقال أئمة بلخ: في كلها) وهو قول الأئمة الثلاثة ورواية عن أبي حنيفة كما في شرح درر البحار، والأول ظاهر الرواية كما في البحر. وفي حاشيته للرملي: ربما يستفاد منه أن الحنفي إذا اقتدى بالشافعي فالأولى متابعته في الرفع ولم أره اه. أقول: ولم يقل يجب لان المتابعة إنما تجب في الواجب أو الفرض، وهذا الرفع غير واجب عند الشافعي، وما في شرح الكيدانية للقهستاني من أنه لا تجوز المتابعة في رفع اليدين في تكبيرات الركوع وتكبيرات الجنازة فيه نظر، إذ ليس ذلك مما لا يسوغ الاجتهاد فيه بالنظر إلى الرفع في تكبيرات الجنازة، لما علمت من أنه قال به البلخيون من أئمتنا، وقد أوضحنا المقام في آخر واجبات الصلاة، وقدمنا أيضا شيئا منه في صلاة العيدين. قوله: (وهو سبحانك اللهم وبحمدك) كذا فسر به الثناء في شرح درر البحار وغيره، وقال في العناية: إنه مراد صاحب الهداية لأنه المعهود من الثناء، وذكر في النهر أن هذه رواية الحسن عن الامام. والذي في المبسوط عن ظاهر الرواية أنه يحمد الله اه. أقول: مقتضى ظاهر الرواية حصول السنة بأي صيغة مصيغ الحمد، فيشمل الثناء المذكور لاشتماله على الحمد. قوله: (كما في التشهد) أي المراد الصلاة الإبراهيمية التي يأتي بها المصلي في قعدة التشهد. قوله: (لان تقديمها) أي تقديم الصلاة على الدعاء سنة، كما أن تقديم الثناء عليهما سنة أيضا. قوله: (ويدعو الخ) أي لنفسه وللميت وللمسلمين لكي يغفر له فيستجاب دعاؤه في حق غيره، ولان من سنة الدعاء أن يبدأ بنفسه. قال تعالى: * (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) * جوهرة. ثم أفاد أن من لم يحسن الدعاء بالمأثور يقول: اللهم اغفر لنا ولوالدينا وله وللمؤمنين والمؤمنات. قوله: (والمأثور أولى) ومن المأثور: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا. اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان. اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار منح. وثم أدعية أخر فانظرها في الفتح والامداد وشروح المنية. تنبيه: المراد الاستيعاب، فالمعنى: اغفر للمسلمين كلهم، فلا ينافي قوله وصغيرنا قوله الآتي ولا يستغفر لصبي أي لا يقول: اغفر له. أفاده القهستاني. والمراد بالابدال في الأهل والزوجة: إبدال الأوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذريتهم) * (الطور: 12) ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين وفيمن لا زوجة له على تقديرها له أن لو كانت، ولأنه صح الخبر بأن المرأة لآخر أزواجها: أي إذا مات وهي في عصمته، وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف المرأة منا ربما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة: لأيهما
230 هي؟ قال: لأحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا وتمامه في تحفة ابن حجر. قوله: (وقدم فيه الاسلام) أي في الدعاء المأثور كما مر. اعلم أن الاسلام على وجهين: شرعي، وهو بمعنى الايمان. ولغوي، وهو بمعنى الاستسلام والانقياد كما في شرح العمدة للنسفي، فقول الشارح مع أنه الايمان ناظر للمعنى الشرعي للاسلام، وقوله: لأنه منبئ ناظر إلى المعنى اللغوي له، وقوله فكأنه دعاء في حال الحياة بالايمان هو معنى الاسلام الشرعي، وقوله والانقياد: أي الذي هو معنى الاسلام اللغوي اه ح. وما ذكره الشارح مأخوذ من صدر الشريعة. والحاصل: أن الاسلام خص بحالة الحياة لأنه المناسب لها بمعنييه الشرعي وهو الايمان: أي التصديق القلبي، واللغوي وهو الانقياد بالاعمال الظاهرة، وخص الايمان بحالة الموت لأنه المناسب لها، إذ لا ينبئ عن العمل بل عن التصديق فقط، ولا يمكن في حالة الموت سواه. قوله: (بلا دعاء) هو ظاهر المذهب. وقيل يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة الخ، وقيل: * ((3) ربنا لا تزغ قلوبنا) * (آل عمران: 8) الخ، وقيل يخير بين السكوت والدعاء. بحر. قوله: (ناويا الميت مع القوم) كذا في الفتح. وقال الزيلعي: ينوي بهما كما وصفنا في صفة الصلاة، وينوي الميت كما ينوي الامام اه. وظاهره أنه ينوي الملائكة الحفظة أيضا، ثم رأيته صريحا في شرح درر البحار. وذكر في الخانية والظهيرية والجوهرة أنه لا ينوي الميت. قال في البحر: وهو الظاهر، لان الميت لا يخاطب بالسلام حتى ينوي به إذ ليس أهلا له اه. وأقره في النهر، لكن قال الخير الرملي: إنه غير مسلم، وسيأتي ما ورد في أهل المقبرة: السلام عليم دار قوم مؤمنين وتعليمه (ص) السلام على الموتى اه. قوله: (لكن في البدائع الخ) قد يقال: إن الزيلعي لم يرد دخول التسليم في الكلية المذكورة. والذي في البدائع: ولا يجهر بما يقرأ عقب كل تكبيرة لأنه ذكر والسنة فيه المخافتة. وهل يرفع صوته بالتسليم، لم يتعرض له في ظاهر الرواية. وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع لأنه للاعلام ولا حاجة له لان التسليم مشروع عقب التكبير بلا فصل، ولكن العمل في زماننا على خلافه اه. قوله: (وعين الشافعي الفاتحة) وبه قال أحمد، لان ابن عباس صلى على جنازة فجهر بالفاتحة وقال: عمدا فعلت ليعلم أنها سنة ومذهبنا قول عمر وابنه وعلي وأبي هريرة، وبه قال مالك كما في شرح المنية. قوله: (بنية الدعاء) والظاهر أنها حينئذ تقوم مقام الثناء على ظاهر الرواية من أنه يسن بعد الأولى التحميد. قوله: (وتكره بنية القراءة) في البحر عن التجنيس والمحيط: لا يجوز لأنها محل الدعاء دون القراءة اه. ومثله في الولوالجية والتاترخانية. وظاهرة أن الكراهة تحريمية. وقول القنية: لو قرأ فيها الفاتحة جاز: أي لو قرأها بنية الدعاء ليوافق ما ذكره غيره، أو أراد بالجواز الصحة، على أن كلام القنية لا يعمل به إذا عارضه غيره، فقول الشرنبلالي في رسالته: إنه نص على جواز قراءتها، فيه نظر ظاهر لما علمته، وقوله وقول منلا علي القاري أيضا: يستحب قراءتها بنية الدعاء خروجا من خلاف الامام
231 الشافعي، فيه نظر أيضا، لأنها لا تصح عنده ألا بنية القرآن، وليس له أن يقرأها بنية القراءة ويرتكب مكروه مذهبه ليراعي مذهب غيره كما مر تقريره أول الكتاب. قوله: (وأفضل صفوفها آخرها الخ) كذا في القنية، وبحث فيه في الحلية بإطلاق ما في صحيح مسلم عنه (ص): خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها وبأن إظهار التواضع لا يتوقف على التأخر اه. أقول: قد يقال: إن الحديث مخصوص بالصلاة المطلقة لأنها المتبادرة، ولقوله (ص): من صلى عليه ثلاثة صفوف غفر له رواه أبو داود وقال: حديث حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولهذا قال في المحيط ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف، حتى لو كانوا سبعة، يتقدم أحدهم للإمامة ويقف وراءه ثلاثة ثم اثنان ثم واحدا اه. فلو كان الصف الأول أفضل في الجنازة أيضا لكان الأفضل جعلهم صفا واحدا ولكره قيام الواحد وحده كما كره في غيرها، هذا ما ظهر لي. قوله: (لأنه منسوخ) لان الآثار اختلفت في فعل رسول الله (ص)، فروي الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك إلا أن آخر فعله عليه الصلاة والسلام كان أربع تكبيرات فكان ناسخا لما قبله ح عن الامداد. وفي الزيلعي: أنه (ص) حين صلى على النجاشي كبر أربع تكبيرات، وثبت عليها إلى أن توفي فنسخت ما قبلها ط. قوله: (فيمكث المؤتم الخ) لما كان قولهم لم يتبع صادقا بالقطع وبالانتظار أردفه ببيان المراد منه ط. قوله: به يفتى) رجحه في فتح القدير بأن البقاء في حرمة الصلاة بعد فراغها ليس بخطأ مطلقا، إنما الخطأ في المتابعة في الخامسة. بحر. وروي عن الامام أنه يسلم للحال ولا ينتظر تحقيقا للمخالفة ط. قوله: (هذا) أي عدم المتابعة ط. قوله: (وينوي الافتتاح الخ) لجواز أن تكبيرة الامام للافتتاح الآن، وأخطأ المبلغ نقل ذلك في البحر عن شرح المجمع الملكي بصيغة قالوا، ونقله في باب صلاة العيد بصيغة قيل، وكلا الصيغتين مشعر بالضعف، كيف وهو لا وجه له يظهر، لأنه إن كان المراد أنه ينوي الافتتاح بما زاد على الرابعة كما هو المتبادر لزم أن يأتي بعدها بثلاث تكبيرات أخر، لان نية الافتتاح لتصحيح صلاته باحتمال خطأ المبلغ، ولا صحة لها إلا بثلاث بعدها لأنها أركان، وإلا كانت نيته لغوا فكان الواجب عدمها، وإن كان المراد جميع التكبيرات فمن أين يعلم أن المبلغ يزيد على الرابعة حتى ينوي الافتتاح بالجميع، فإن احتمال الخطأ إنما ظهر وقت الزيادة؟ وإن قيل: إنه ثابت قبلها يلزم عليه أن ينوي الافتتاح بالجميع وإن لم يزد المبلغ شيئا وأنه يأتي بعد الرابعة بثلاث تكبيرات أيضا وإلا لم يكن لهذه النية فائدة، وأنه في غير صلاة الجنازة يأتي بتكبيرة أخرى لاحتمال خطأ المبلغ، ونحو ذلك يقال في تكبيرات العيد كما أشرنا إليه في بابه، ولم أر من تعرض لشئ من ذلك، ثم ظهر أنه يمكن أن يجاب باختيار الشق الأول، وأن فائدته أنه إذا زاد خامسة مثلا احتمل أن تكون التحريمة وأنه سيكبر بعدها ثلاثا أخرى، وهكذا في السادسة والسابعة، فإذا سلم احتمل أن أربعا قبل السلام هي الفرائض الأصلية وأن ما قبلها زائدة غلطا واحتمل أن أربعا من الابتداء هي الفرائض الأصلية وما بعدها زائد غلطا، فإذا نوى تكبيرة الافتتاح فيما زاد على الأربع الأول قد ينفعه ذلك في بعض الصور بلا ضرر، والله أعلم. قوله: (ولا يستغفر فيها لصبي) أي في صلاة الجنازة. قوله: (ومجنون ومعتوه) هذا في الأصلي، فإن الجنون والعته الطارئين
232 بعد البلوغ لا يسقطان الذنوب السالفة كما في شرح المنية. قوله: (بعد دعاء البالغين) كذا في بعض نسخ الدرر، وفي بعضها بدل دعاء البالغين. وكتب العلامة نوح على نسخة بعد إنها مخالفة لما في الكتب المشهور ومناقضة لقوله: لا يستغفر لصبي ولهذا قال بعضهم: إنها تصحيف من بدل اه. وقال الشيخ إسماعيل بعد كلام: والحاصل أن مقتضى متون المذهب والفتاوى وصريح غرر الأذكار الاقتصار في الطفل على: اللهم اجعله لنا فرطا الخ اه. قلت: وحاصله أنه لا يأتي بشئ من دعاء البالغين أصلا، بل يقتصر على ما ذكر. وقد نقل في الحلية عن البدائع والمحيط وشرح الجامع لقاضيخان ما هو كالصريح في ذلك فراجعه، وبه علم أن ما في شرح المنية من أنه يأتي بذلك الدعاء بعد قوله: ومن توفيته منا فتوفه على الايمان مبني على نسخة بعد من الدرر، فتدبر. هذا وما مر في المأثور في دعاء البالغين من قوله: وصغيرنا وكبيرنا لا ينافي قولهم: لا يستغفر لصبي كما قدمناه فافهم. قوله: (أي سابقا الخ) قال في المغرب اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا، وأصل الفارط والفرط فيمن يتقدم الواردة اه: أي من يتقدم الجماعة الواردة إلى الماء ليهيئه لهم، ومنه الحديث أنا فرطكم على الحوض واقتصر الشارح على المعنى الثاني الذي هو الأصل، لما في البحر أنه الأنسب هنا لئلا يتكرر مع قوله واجعله لنا أجرا اه. قال ط: والذي في النهر وغيره تفسيره بالمتقدم ليهيئ مصالح والديه في دار القرار. قوله: (وهو دعاء له) أي للصبي أيضا: أي كما هو دعاء لوالديه وللمصلين، لأنه لا يهيئ الماء لدفع الظمأ أو مصالح والديه في دار القرار إلا إذا كان متقدما في الخير، وهو جواب عن سؤال، حاصله أن هذا دعاء للاحياء ولا نفع للميت فيه ط. قوله: (لا سيما وقد قالوا الخ) حاصله أنه إذا كانت حسناته: أي ثوابها له يكون أهلا للجزاء والثواب، فناسب أن يكون ذلك دعاء له أيضا لينتفع به يوم الجزاء. قوله: (واجعله ذخرا) في الهداية والكافي والكنز وغيرهما واجعله لنا أجرا، واجعله لنا ذخرا وفي الدرر والوقاية كما هنا. قوله: (ذخيرة) أشار إلى أن المراد بالذخر الاسم: أي ما يذخر: لا المصدر، فإنه يستعمل اسما ومصدرا كما يفيده قول القاموس: ذكره كمنعه ذخرا بالضم. وادخره: اختاره، أو اتخذه. والذخيرة: ما أذخر كالذخر جمعه أذخار اه. قال العلامة ابن حجر: شبه تقدمه لوالديه بشئ نفيس يكون أمامها مدخرا إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما كما صح اه. قوله: (مقبول الشفاعة) تفسير لقوله: مشفعا بالبناء للمجهول. تتمة: في بعض الكتب يقول اللهم اجعله لوالديه فرطا وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وأجرا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، واغفر لنا وله ط. أقول: رأيت ذلك في كتب الشافعية، لكن بإبدال قوله واغفر لنا وله بقوله: ولا تحرمهما أجره وهذا أولى لما مر من أنه لا يستغفر لصبي. وقال في شرح المنية وفي المفيد: ويدعو لوالدي الطفل، وقيل يقول: اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجرهما ولا تفتنهما بعده، اللهم اجعله في كفالة إبراهيم، وألحقه بصالحي المؤمنين اه. قوله: (ندبا) أي كونه بالقرب من الصدر مندوب،
233 وإلا فمحاذاة جزء من الميت لا بد منها. قهستاني عن التحفة. ويظهر أن هذا في الامام وفيما إذا لم تتعدد الموتى، وإلا وقف عند صدر أحدهم فقط، ولا يبعد عن الميت كما في النهر ط. قوله: (للرجل والمرأة) أراد الذكر والأنثى الشامل للصغير والصغيرة ط عن أبي السعود. وعند الشافعي رحمه الله: يقف عند رأس الرجل وعجز المرأة. قوله: (والشافعة لأجله) أي أن المصلي شافع للميت لأجل إيمانه فناسب أي يقوم بحذاء محله. قوله: (والمسبوق) أي الذي لم يكن حاضرا تكبير الامام السابق ط. قوله: (ببعض التكبيرات) صادق بالأقل والأكثر ط. أما المسبوق بالكل فيأتي حكمه. قوله: (لا يكبر في الحال) فلو كبر كما حضر ولم ينتظر لا تفسد عندهما، لكن ما أداه غير معتبر، كذا في الخلاصة. بحر. ومثله في الفتح. وقضية عدم اعتبار ما أداه أنه لا يكون شارعا في تلك الصلاة، وحينئذ فتفسد التكبيرة مع أن المسطور في القنية أن يكون شارعا، وعليه فيعتبر ما أداه، وهذا لم أر من أفصح عنه فتدبره. نهر. وأجاب الحموي في شرح الكنز بأنه لا يلزم من عدم اعتباره عدم شروعه، ولا من اعتباره شروعه اعتبار ما أداه، ألا ترى أن من أدرك الامام في السجود صح شروعه مع أنه لا يعتبر ما أداه من السجود مع الامام، بل عليه إعادته إذا قام إلى قضاء ما سبق به، فلا مخالفة بين ما في الخلاصة والقنية اه. لكن فيه أن تكبيرة الافتتاح هنا بمنزلة ركعة، فلو صح شروعه بها يلزم اعتبارها، إلا أن يقال: إن لها شبهين كما مر، فنصحح شروعه بها من حيث كونها شرطا ولا نعتبرها في تكميل العدد من حيث شبهها بالركعة، فلذا قلنا: يصح شروعه بها ويعيدها بعد سلام إمامه، والله أعلم. قوله: (والمسبوق الخ) هو من تتمة التعليل: أي فلو كبر ولم ينتظر لكان كالمسبوق الذي شرع في قضاء ما سبق به قبل الفراغ من الاقتداء ط. قوله: (وقال أبو يوسف الخ) قال في النهاية: تفسير المسألة على قوله إنه لما جاء وقد كبر الامام تكبيرة الافتتاح كبر هذا الرجل للافتتاح، فإذا كبر الامام الثانية تابعه فيها ولم يكن مسبوقا. وعندهما: لا يكبر للافتتاح حين يحضر بل ينتظر حتى يكبر الامام الثانية، ويكون هذا التكبير تكبير الافتتاح في حق هذا الرجل فيصير مسبوقا بتكبيرة يأتي بها بعد سلام الامام اه. قوله: (كما لا ينتظر الحاضر الخ) أفاد بالتشبيه أن مسألة الحاضر اتفاقية، ولذا قال بل يكبر أي الحاضر اتفاقا، والمراد به من كان حاضرا وقت تحريمة الامام في محل يجزئه فيه الدخول في صلاة الامام كما يأتي عن المجتبى: أي بأن كان متهيئا للصلاة كما يفيده قول الهندية عن شرح الجامع لقاضيخان، وإن كان مع الامام فتغافل ولم يكبر معه، أو كان في النية بعد فأخر التكبير فإنه يكبر ولا ينتظر تكبير الامام الثانية في قولهم، لأنه لما كان مستعدا جعل بمنزلة المشارك اه. قوله: (في حال التحريمة) مفهومه أنه لو فاتته التحريمة وحضر في حالة التكبيرة الثانية مثلا لا يكون مدركا لها، بل ينتظر الثالثة ويكون مسبوقا بتكبيرتين لا بواحدة عندهما، لكن الظاهر أن التحريمة غير قيد
234 لما سيأتي فيما لو كبر (1) الأربع والرجل حاضر فإنه يكون مدركا لها، ويؤيده التعليل المار عن قاضيخان والآتي عقبه عن الفتح. تأمل. قوله: (لأنه كالمدرك) قال في فتح القدير: يفيد أنه ليس بمدرك حقيقة، بل اعتبر مدركا لحضوره التكبير دفعا للحرج، إذ حقيقة إدراك الركعة بفعلها مع الامام، ولو شرط في التكبير المعية ضاق الامر جدا، إذ الغالب تأخر النية قليلا عن تكبير الامام فاعتبر مدركا لحضوره اه. قوله: (ثم يكبران الخ) أي المسبوق والحاضر، وقوله ما فاتهما فيه خفاء، لان المراد بالحاضر في كلامه الحاضر في حال التحريمة، فإذا أتى بها لم يفته شئ، إلا أن يراد ما إذا حضر أكثر من تكبيرة فكبر واحدة فإنه يكبر بعد السلام ما فاته على ما سيأتي. تأمل. واحترز عن اللاحق كأن كبر مع الامام الأولى دون الثانية والثالثة فإنه يكبرهما ثم يكبر مع الامام الرابعة كما في الحلية والنهر. هذا، وفي نور الايضاح وشرحه أن المسبوق يوافق إمامه في دعائه لو علمه بسماعه اه. ولم يذكر ما إذا لم يعلم، وظاهر تقييده الموافقة بالعلم أنه إذا لم يعلم بأن لم يعلم أنه في التكبيرة الثانية أو الثالثة مثلا يأتي به مرتبا: أي بالثناء ثم الصلاة ثم الدعاء. تأمل. قوله: (نسقا) بالتحريك: أي متتابعة. وفي بعض النسخ تترى وهو بمعناه. قوله: (على الأعناق) مفهومه أنه لو رفعت بالأيدي ولم توضع على الأعناق أنه لا يقطع التكبير بل يكبر، وهو ظاهر الرواية، وعن محمد: إن كانت إلى الأرض أقرب يكبر، وإلا فلا معراج. ومثله في البزازية والفتح. ويخالفه ما في البحر عن الظهيرية: أنها لو رفعت بالأيدي ولم توضع على الأكتاف لا يكبر في ظاهر الرواية، لكن قال في الشرنبلالية: وينبغي أن يعول على ما في البزازية، ولا يخالفه ما يأتي من أنها لا تصح إذا كان الميت على أيدي الناس لأنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء اه. قوله: (وما في المجتبى من أن المدرك) أي الحاضر، وسماه مدركا لأنه بمنزلته كما مر. وعبارة المجتبى: رجل واقف حيث يجزيه الدخول في صلاة الامام فكبر الامام الأولى ولم يكبر معه فإنه يكبر ما لم يكبر الامام الثانية، فإن كبر كبر معه وقضى الأولى في الحال، وكذا إن لم يكبر في الثانية والثالثة والرابعة يكبر ويقضي ما فاته في الحال اه. قوله: (شاذ) لمخالفته ما نص عليه غير واحد من أنه يكبر ما فاته بعد سلام الامام. أفاده في النهر. قوله: (فلو جاء الخ هذا ثمرة الخلاف بينهما وبين أبي يوسف كما في النهر. قوله: (لتعذر الدخول الخ) لما مر أن المسبوق ينتظر الامام ليكبر معه، وبعد الرابعة لم يبق على الامام تكبير حتى ينتظره ليتابعه فيه. قال في الدرر: والأصل في الباب عندهما أن المقتدي يدخل في تكبيرة الامام، فإذا فرغ الامام من الرابعة تعذر عليه الدخول. وعند أبي يوسف يدخل إذا بقيت التحريمة، كذا في البدائع اه. قوله: (كما في الحاضر) أي في وقت التكبيرة الرابعة فقط
(1) قوله: (لما سيأتي فيما لو كبر الخ) قال شيخنا: دلالة ما ذكره من التصريح على ما ادعاه غير ظاهرة، لاحتمال ان يكون قوله والرجل حاضر الخ مقيد محضوره وقت التحريمة ا ه. 235 أو التكبيرات كلها ولم يكبرها مع الامام، وأشار بالتشبيه تبعا للبدائع إلى أن مسألة الحاضر اتفاقية، وفيه كلام يأتي. قوله: (وعليه الفتوى) أي على قول أبي يوسف في مسألة المسبوق، خلافا لما مشى عليه في المتن. قوله: (ذكره الحلبي وغيره) عبارة الحلبي في شرح المنية: وإن جاء بعد ما كبر الرابعة فاتته الصلاة عندهما. وعند أبي يوسف: يكبر، فإذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات. وذكر في المحيط أن عليه الفتوى اه. قلت: وذكر أيضا في الفتاوى الهندية عن المضمرات أنه الأصح، وعليه الفتوى، لكن ما مشى عليه في المتن صرح في البدائع بأنه الصحيح، ومثله في الدرر وشرح المقدسي ونور الايضاح، نعم نقل في الامداد عن التجنيس والولوالجية أن ذلك رواية عن أبي حنيفة، وأن عند أبي يوسف: يدخل في الصلاة، وعليه الفتوى، قال: فقد اختلف التصحيح. تنبيه: هذا كله في المسبوق، وأما الحاضر وقت التكبيرة الرابعة فإنه يدخل، وقد أشار الشارح كالبدائع إلى أنه بالاتفاق كما قدمنا، وبه صرح في النهر، وهو ظاهر عبارة المجتبى التي قدمناها، لكن في البحر عن المحيط: لو كبر الامام أربعا والرجل حاضر فإنه يكبر ما لم يسلم الامام ويقضي الثلاث، وهذه أقول أبي يوسف، وعليه الفتوى. وروى الحسن أنه لا يكبر وقد فاتته اه. أقول: لكن المفهوم من غالب عباراتهم أن عدم فوات الصلاة في الحاضر متفق عليه بين أبي يوسف وصاحبيه، وأن الفوات رواية الحسن عن أبي حنيفة، وأن المفتى به عدم الفوات، وهذا هو المناسب، لما مر من تقرير أقوالهم، أما على قول أبي يوسف فظاهر، لان المسبوق عنده لا تفوته الصلاة فالحاضر بالأولى، وأما على قولهما فلما صرح به في الهداية وغيرها من أن الحاضر بمنزلة المدرك عندهما، وهذا حاضر وقت الرابعة فيكبرها قبل سلام الامام ثم يقضي الثلاث لفوات محلها، وحينئذ فما في المحيط من قوله: وهذا قول أبي يوسف، لا يلزم منه أن يكون قولهما بخلافه، بل قولهما كقوله بدليل أنه قابله برواية الحسن فقط وإلا كان المناسب مقابلته بقولهما، ولذا لم يعزه في الخانية والولوالجية وغاية البيان إلى أبي يوسف، بل أطلقوه وقابلوه براوية الحسن، بل زاد في غاية البيان بعد ذلك: وعن أبي يوسف أنه يدخل معه (1)، فأفاد أن قول أبي يوسف كقولهما، وأن المخالفة في رواية الحسن فقط. تنبيه: نقل في البحر عبارة المحيط السابقة، ثم قال: فما في الحقائق من أن الفتوى على قول أبي يوسف إنما هو في مسألة الحاضر لا المسبوق. وقد يقال: إنه إذا كان حاضرا ولم يكبر حتى يكبر الامام ثنتين أو ثلاثا فلا شك أنه مسبوق، وحضوره من غير فعل لا يجعله مدركا، فينبغي أن يكون كمسألة المسبوق، وأن يكون الفرق بين الحاضر وغيره في التكبيرة الأولى فقط، كما لا يخفى اه. وأقول: إن ما في الحقائق محمول على مسألة المسبوق، لما مر من أن المخالف فيها أبو يوسف، وأن الفتوى على قوله. وأما مسألة الحاضر فإنها وفاقية كما علمته. وأما قوله وقد يقال
(1) قوله: (أنه يدخل معه) قال شيخنا: لعل في الكلام حذفا، والأصل انه لا يدخل معه، والملجئ لذلك قول المحشي فأفاد أن قوله كقولهما لان ما ذكره في غاية البيان بقوله عن أبي يوسف الخ ليس قوله بل هو مجرد رواية ومذهبه غير ذلك تأمل، والله أعلم ا ه. 236 الخ، فحاصله أنه لا تحقق لمسألة الحاضر إلا فيمن حضر وقت التكبيرة الأولى فكبرها قبل أن يكبر الامام الثانية. أما لو تشاغل حتى كبر الامام الثانية أو أكثر فهو مسبوق لا حاضر، وفيه نظر ظاهر، فإنه إذا كان حاضرا حتى كبر الامام تكبيرتين مثلا يكون مدركا للثانية فله أن يكبرها قبل أن يكبر الامام الثالثة ويكون مسبوقا بالأولى فيأتي بها بعد سلام الامام. فسبقه بها لا ينافي كونه حاضرا في غيرها، يدل على ذلك ما نقله في البحر عن الواقعات من أنه إن لم يكبر الحاضر حتى كبر الامام ثنتين كبر الثانية منهما ولم يكبر الأولى حتى يسلم الامام، لان الأولى ذهب محلها فكانت قضاء والمسبوق لا يشتغل بالقضاء قبل فراغ الامام اه. فانظر كيف جعله حاضرا ومسبوقا، إذ لو كان مسبوقا فقط لم يكن له أن يكبر الثانية بل ينتظر تكبير الامام الثالثة كما مر، فاغتنم تحرير هذا المقام. قوله: (أولى من الجمع) لان الجمع مختلف فيه. قنية. قوله: (وتقديم الأفضل أفضل) أي يصلى أولا على أفضلهم، ثم يصلى على الذي يليه في الفضل، وقيده في الامداد بقوله إن لم يكن سبق: أي وإلا يصلى على الأسبق ولو مفضولا، وسيأتي بيان الترتيب. قوله: (وإن جمع جاز) أي بأن صلى على الكل صلاة واحدة. وله: (صفا واحدا) أي كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة بدائع: أي بأن يكون رأس كل عند رجل الآخر فيكون الصف على عرض القبلة. قوله: (وإن شاء جعلها صفا الخ) ذكر في البدائع التخيير بين هذا والذي قبله، ثم قال: هذا جواب ظاهر الرواية. وروي عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول أن الثاني أولى، لان السنة هي قيام الامام بحذاء الميت، وهو يحصل في الثاني دون الأول اه. قوله: (درجا) أي شبه الدرج بان يكون رأس الثاني عند منكب الأول. بدائع. قوله: (لحصول المقصود) وهو الصلاة عليهم. درر. والأحسن ما في المبسوط لان الشرط أن تكون الجنائز أمام الامام وقد وجد. إسماعيل. قوله: (فيقرب منه الأفضل فالأفضل) أي في صورة ما إذا جعلهم صفا واحدا مما يلي القبلة بوجهيها، أما في صورة جعلهم صفا عرضا فإنه يقوم عند أفضلهم كما قدمه، إذ ليس أحدهم أقرب، وهذا حيث اختلفوا في الفضل، وإن تساووا قدم أسنهم كما في الحلية. وفي البحر عن الفتح: وفي الرجلين يقدم أكبرهما سنا وقرآنا وعلما، كما فعله عليه الصلاة والسلام في قتلى أحد من المسلمين. قوله: (يقدم على العبد) أي ولو بالغا كما يفيده قول البحر عن الظهيرية ويقدم الحر على العبد ولو كان الحر صبيا اه. قال ط: وأفاد أن الحر البالغ يقدم بالأولى، وهو المشهور، وروى الحسن عن الامام أن العبد إذا كان أصلح قدم. منح اه. قوله: (لضرورة) إنما قيد بها لأنه لا يدفن اثنان في قبر ما لم يصر الأول تراب، فيجوز حينئذ البناء عليه والزرع إلا لضرورة، فيوضع بينهما تراب أو لبن ليصير كقبرين، ويجعل الرجل مما يلي القبلة ثم الغلام ثم الخنثى ثم المرأة. شرح الملتقى.
237 مطلب في بيان من أحق بالصلاة على الميت قوله: (ونائبه) الأولى ثم نائبه ح: أي كما عبر في الفتح وغيره. قوله: (ثم صاحب الشرط) قال في الشرنبلالية: ظاهر كلام الكمال أن صاحب الشرط غير أمير البلد. وفي المعراج ما يفيد أنه هو حيث قال: الشرط بالسكون والحركة: خيار الجند، والمراد أمير البلدة كأمير بخارى اه. وأجاب ط بحمل أمير البلد على المولى من نائب السلطان لا من السلطان. هذا، وتقدم في الجمعة تقديم الشرطي على القاضي، وما هنا مخالف له، ولم أر من نبه عليه، فليتأمل. قوله: (ثم خليفته) كذا في البحر: أي خليفته صاحب الشرط كما هو المتبادر، وفيه أنه حيث قدم القاضي على صاحب الشرط كان المناسب تقديم خليفته على خليفة صاحب الشرط، فالمناسب قول الفتح: ثم خليفة الوالي، ثم خليفة القاضي اه. ومثله في الامداد عن الزيلعي. قوله: (ثم إمام الحي) أي الطائفة، وهو إمام المسجد الخاص بالمحلة، وإنما كان أولى، لا الميت رضي بالصلاة خلفه في حال حياته، فينبغي أن يصلى عليه بعد وفاته، قال في شرح المنية: فعلى هذا لو علم أنه كان غير راض به حال حياته ينبغي أن لا يستحب تقديمه. قلت: هذا مسلم إن كان عدم رضاه به لوجه صحيح، وإلا فلا. تأمل. قوله: (فيه إيهام) أي في كلام المصنف إيهام التسوية في الحكم بين تقديم المذكورين، لكن القاعدة الأصولية أن القرآن في الذكر لا يوجب الاتحاد في الحكم. تأمل. مطلب: تعظيم أولي الامر واجب قوله: (وذلك أن تقديم الولاة واجب) لان في التقديم عليهم ازدراء بهم وتعظيم أولي الامر واجب، كذا في الفتح. وصرح في الولوالجية والايضاح وغيرهما بوجوب تقديم السلطان، وعلله في المنبع وغيره بأنه نائب النبي (ص) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيكون هو أيضا كذلك. إسماعيل. قوله: (بشرط الخ) نقل عن هذا الشرط في الحلية، ثم قال: وهو حسن، وتبعه في البحر. قوله: (إمام المسجد الجامع) عبر عنه في شرح المنية بإمام الجمعة. تنبيه: وأما إمام مصلى الجنازة الذي شرطه الواقف وجعل له معلوما من وقفه فهل يقدم على الولي كإمام الحي أم لا للقطع بأن علة الرضا بالصلاة خلفه في حياته خاصة بإمام المحلة؟ والذي يظهر لي أنه إن كان مقررا من جهة القاضي فهو كنائبه، وإن من جهة الناظر فكالأجنبي. أفاده في البحر. وخالفه في النهر بأن ما مر في باب الإمامة من تقديم الراتب على إمام الحي يقتضي تقديمه هنا عليه. واستظهر المقدسي أنه كالأجنبي مطلقا لأنه إنما يجعل للغرباء ومن لا ولي له. أقول: وهذا أولى لما يأتي من أن الأصل أن الحق للولي، وإنما قدم عليه الولاة وإمام الحي لما مر من التعليل وهو غير موجود هنا، وتقرير القاضي له لاستحقاق الوظيفة لا لجعله نائبا عنه، وإلا لزم أن كل من قرره القاضي في وظيفة إمامه أن يكون نائبا عنه مقدما على إمام الحي، والفرق بينه وبين الامام الراتب ظاهر، لأنه لم يرضه للصلاة خلفه في حياته، بخلاف الراتب، هذا ما ظهر
238 لي، فتأمله. قوله: (ثم الوالي) أي ولي الميت البالغ العاقل فلا ولاية لامرأة وصبي ومعتوه كما في الامداد. قال في شرح المنية: الأصل أن الحق في الصلاة للولي، ولذا قدم على الجميع في قول أبي يوسف والشافعي ورواية عن أبي حنيفة، لان هذا حكم يتعلق بالولاية كالانكاح، إلا أن الاستحسان وهو ظاهر الرواية تقديم السلطان ونحوه، لما روي أن الحسين قدم سعيد بن العاص لما مات الحسن وقال: لولا السنة لما قدمتك، وكان سعيد واليا بالمدينة، ولما مر من الوجه في تقديم الولاة وإمام الحي. قوله: (بترتيب عصوبة الانكاح) فلا ولاية للنساء ولا للزوج إلا أنه أحق من الأجنبي. وفي الكلام رمز إلى أن الابعد أحق من الأقرب الغائب. وحد الغيبة هنا أن يكون بمكان تفوته الصلاة إذا حضر. ط عن القهستاني. زاد في البحر: وأن لا ينتظر الناس قدومه. قلت: والظاهر أن ذوي الأرحام داخلون في الولاية، والتقييد بالعصوبة لاخراج النساء فقط، فهم أولى من الأجنبي، وهو ظاهر، ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح. تأمل. قوله: (فيقدم على الابن اتفاقا) هو الأصح لان للأب فضيلة عليه وزيادة سن، والفضيلة والزيادة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات. بحر عن البدائع، وقيل هذا قول محمد. وعندهما الابن أولى. قال في الفتح: وإنما قدمنا الاسن بالسنة. قال عليه الصلاة والسلام في حديث القسامة: ليتكلم أكبرهما وهذا يفيد أن الحق للابن عندهما، إلا أن السنة أن يقدم هو أباه، ويدل عليه قولهم: سائر القرابات أولى من الزوج إن لم يكن له منها ابن، فإن كان فالزوج أولى منهم، لان الحق للابن وهو يقدم أباه، ولا يبعد أن يقال: إن تقديمه على نفسه واجب بالسنة اه. وفي البدائع: وللابن في حكم الولاية أن يقدم غيره، لان الولاية له، وإنما منع عن التقدم لئلا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته بالتقديم. قوله: (أن لا يكون الخ) قال في البحر: ولو كان الأب جاهلا والابن عالما ينبغي أن يقدم الابن، إلا أن يقال: إن صفة العلم لا توجب التقديم في صلاة الجنازة لعدم احتياجها له. واعترضه في النهر بما مر أن إمام الحي إنما يقدم على الولي إذا كان أفضل، قال: نعم، علل القدوري كراهة تقدم الابن على أبيه بأن فيه استخفافا به، وهذا يقتضي وجوب تقديمه مطلقا اه. قلت: وهذا مؤيد لما مر آنفا عن الفتح. قوله: (فالابن أولى) في نسخة: والاسن أولى، وعليها كتب المحشي فقال: أي إذا حصلت المساواة في الدرجة والقرب والقوة كابنين أو أخوين أو عمين فالأسن أولى. أقول: إلا أن يكون غير الاسن أفضل اه: أي قياسا على تقديم الابن الأفضل على أبيه، بل هذا أولى، فلو كان الأصغر شقيقا والأكبر لأب فالأصغر أولى كما في الميراث، حتى لو قدم أحدا فليس للأكبر منعه كما في البحر. قوله: (فإن لم يكن له ولي فالزوج ثم الجيران) كذا في فتح القدير، وهو صريح في تقديم الزوج على الأجنبي ولو جارا، وهو مقتضى إطلاق ما قدمناه عن القهستاني من أن الزوج أحق من الأجنبي، فما هنا أولى من قول النهر: والزوج والجيران أولى من الأجنبي اه. وشمل الولي مولى العتاقة وابنه ومولى الموالاة فإنهم أولى من الزوج لانقطاع الزوجية بالموت. بحر. قوله: (ومولى العبد أولى من ابنه الحر). وكذا من أبيه وغيره. قال الزيلعي: والسيد أولى من قريب عبده على الصحيح، والقريب
239 أولى من السيد المعتق اه. فما في القهستاني من أن ابن العبد وأباه أحق من المولى على خلاف الصحيح. قوله: (لبقاء ملكه) اعترض بما في شرح الهاملية من أن السيد لا يغسل أمته ولا أم ولده ولا مدبرته لانقطاع ملكنه عنهن بالموت اه. أقول: لان الجثة الميتة لا تقبل الملك، لكن المراد بقاء الملك حكما كما قيده في البحر، ولذا يلزمه تكفين عبده كالزوجة، مع أن الزوجية انقطعت بالموت كما مر آنفا، والتغسيل لما فيه من المس والنظر المحذورين لا يراعى فيه الملك الحكمي لضعفه، ففارق التكفين وولاية الصلاة، هذا ما ظهر لي. قوله: (والفتوى على بطلان الوصية) عزاه في الهندية إلى المضمرات: أي لو أوصى بأن يصلي عليه غير من له حق التقدم أو بأن يغسله فلان لا يلزم تنفيذ وصيته ولا يبطل حق الولي بذلك، كذا تبطل لو أوصى بأن يكفن في ثوب كذا أو يدفن في موضع كذا أو يدفن في موضع كذا كما عزاه إلى المحيط. وذكر في شرح درر البحار أن تعليل تقديم إمام الحي بما مر من أن الميت رضيه في حياته يعلم أن الموصى له يقدم على إمام الحي لاختياره له صريحا، إلا أن المذكور في المنتقى أن هذه الوصية باطلة اه. فتأمل. قوله: (ومثله كل من يقدم عليه من باب أولى) ظاهره أن للسلطان أن يأذن بالصلاة لأجنبي بلا إذن الولي، وقد ذكره في الحلية بحثا بناء على أن الحق ثابت للسلطان ونحوه ابتداء، واستثنى إمام الحي فليس له الاذن، لان تقديمه على الولي مستحب، فهو كأكبر الأخوين إذا قدم أجنبيا فللأصغر منعه فكذا للولي اه. أقول: وفي كون الحق ثابتا للسلطان ابتداء بحث لما قدمناه عن شرح المنية من أن الحق في الأصل للولي، وإنما قدم السلطان في ظاهر الرواية لئلا يزدرى به وتعظيمه واجب، وقدم إمام الحي لان الميت رضيه في حياته، ومثله ما في الكافي حيث علل لما يأتي من أن للولي الإعادة إذا صلى غيره بقوله: لان الحق للأولياء لأنهم أقرب الناس إليه وأولادهم به، غير أن السلطان أو الامام إنما يقدم بعارض السلطنة والإمامة (1) اه. وبهذا تندفع الأولوية، فتأمل. قوله: (فيها) أي في الصلاة على الميت، وفسر الاذن بتفسير آخر، وهو أن يأذن للناس في الانصراف بعد الصلاة قبل الدفن، لأنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا إلا بإذنه. وذكر الزيلعي معنى آخر وهو الاعلام بموته ليصلوا عليه. بحر. لكن يتعين المعنى الأول في عبارة المصنف للاستثناء المذكور، بخلاف عبارة الكنز والهداية. قوله: (فيملك إبطاله) أي بتقديم غيره هداية. فالمراد بالابطال نقله عنه إلى غيره. قوله: (ولو أصغر سنا) فلو كانا شقيقين، فالأسن أولى، لكنه لو قدم أحد فللأصغر منعه، ولو قدم كل منهما واحدا فمن قدمه الاسن أولى. بحر. قوله: (أما العبد فليس له المنع) فلو كان الأصغر شقيقا
(1) قوله: (انما يقدم بعارض السلطنة والإمامة) قد يقال: ان تقديم مأذون السلطان واجب أيضا وليس للولي المعارضة، لان في التقديم على المأذون ازدراء بالسلطان كالتقديم عليه نفسه ويؤيده متنا: ويقدم السلطان أو نائبه الخ أفاده شيخنا. وعليه، فتكون الأولوية باقية بالنسبة لمن فوق الولي من الولاة فقط دون امام الحي لعدم وجود العلة المذكورة تأمل. ا ه. 240 والأكبر لأب فقدم الأصغر أحدا فليس للأكبر المنع. بحر. وفيه: فإن كان الشقيق غائبا وكتب إلى إنسان ليتقدم فللأخ لأب منعه والمريض في المصر كالصحيح يقدم من شاء، وليس للأبعد منعه. قوله: (فإن صلى غيره) الأخصر أن يقول: فإن صلى من ليس له حق التقدم اه ح. قوله: (ممن ليس له حق التقدم الخ) بيان لغير المضاف إلى ضمير الولي أخرج به السلطان ونحوه وإمام الحي فإن صلى أحدهم لم يعد الولي كما يأتي لتقدمهم عليه. قوله: (أعاد الولي) مفهومه أن غير الولي كالسلطان لا يعيد إذا صلى غيره ممن ليس له حق التقدم معه إلا أن يراد بالولي من له حق الصلاة، وعليه فكان الأولى أن يقول: أعاد من له حق التقدم، لكن اختلف فيما إذا صلى الولي فهل لمن قبله كالسلطان حق الإعادة؟ ففي النهاية والعناية: نعم لان الولي إذا كان له الإعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان والقاضي بالأولى. وفي السراج والمستصفى: لا. ووفق في البحر بحمل الأول على ما إذا تقدم الولي مع وجود السلطان ونحوه، والثاني على ما إذا لم يوجد. واعترضه في النهر بأن السلطان لا حق له عند عدم حضوره، فالخلاف عند حضوره (1) اه. والذي يظهر لي ما في السراج والمستصفى لما قدمناه عن الكافي من أن الحق للأولياء وتقديم السلطان ونحوه لعارض وأن دعوى الأولوية غير مسلمة، ونظيره الابن فإن الحق له ابتداء ولكنه يقدم أباه لحرمة الأبوة. وأما تأييد صاحب البحر ما في النهر والعناية بما في الفتاوى كالخلاصة والولوالجية وغيرهما، من أنه لو صلى السلطان أو القاضي أو إمام الحي ولم يتابعه الولي ليس له الإعادة لأنهم أولى منه اه. ففيه نظر، إذ لا يلزم من كونهم أولى منه أن تثبت لهم الإعادة إذا صلى بحضرتهم لأنه صاحب الحق وإن ترك واجب احترام السلطان ونحوه، ويدل على ذلك قول الهداية: فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي لان الحق للأولياء وإن صلى الولي لم يجز لاحد أن يصلي بعده اه. ونحوه في الكنز وغيره، فقوله: لم يجز لاحد، يشمل السلطان. ثم رأيت في غاية البيان قال ما نصه: هذا على سبيل العموم حتى لا تجوز الإعادة لا للسلطان ولا لغيره اه. وما قيل إن المراد بالولي من له حق الولاية يبعده عطف السلطان قبله على الولي. ونقل في المعراج عن المجتبى أن للسلطان الإعادة إذا صلى الولي بحضرته، ثم قال: لكن في المنافع ليس للسلطان الإعادة، ثم أيد رواية المنافع فراجعه، وهذا عين ما قلناه، فاغتنم تحرير هذا المقام والسلام. قوله: (إن شاء الخ) وأما ما في التقويم من أنه لو صلى غير الولي كانت الصلاة باقية على الولي فضعيف كما في النهر. قوله: (ولذا الخ) علة لقوله: لا لاسقاط الفرض أي فإن الفرض لو لم يسقط بالأولى كان لمن صلى أو لا أن يعيد مع الولي، وبهذا رد في البحر ما في غاية البيان من أن الأولى موقوفة، فإن أعاد الولي تبين أن الفرض
(1) قوله: (عند حضوره ا ه) يوجد هنا عبارة بخطه نبه على اثباتها في الهامش، ونصها قلت: لكن ذكر في النهاية عن المبسوط بعد ما ذكره ان تأويل صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم ان أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان مشغولا بتسوية الأمور وتسكين الفتنة، فكانوا يصلون عليه قبل حضوره وكان الحق له فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل أحد بعده ا ه. فهذا يفيد ان للسلطان الإعادة ولو لم يكن حاضرا فينا في ما قاله في البحر وما قاله في النهر، الا ان يقال ان الولاية كانت للعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن صلى قبل أبي بكر، والكلام فيما إذا صلى الولي فلا منافاة، ولكن يحتاج إلى ثبوت ذلك فتأمل ا ه منه. 241 ما صلي وإلا سقط بالأولى، لكن قال العلامة المقدسي: إن ما في غاية البيان موافق للقواعد، لان التنفل بها غير مشروع عندنا، ولذلك نظير وهو الجمعة مع الظهر لمن أداه قبلها اه: نعم يحتاج إلى الجواب عما قاله في البحر وهو صعب، فالأحسن الجواب عما قاله المقدسي بأن إعادة الولي ليست نفلا، لان صلاة غيره وإن تأدى بها الفرض وهو حق الميت لكنها ناقصة لبقاء حق الولي فيها، فإذا أعادها وقعت فرضا مكملا للفرض الأول نظير إعادة المؤداة بكراهة، فإن كلا منهما فرض كما حققناه في محله، وحيث كانت الأولى فرضا فليس لمن صلى أولا أن يعيد مع الولي، لان إعادته تكون نفلا من كل وجه، بخلاف الولي لأنه صاحب الحق، هذا ما ظهر لي، فتأمله. قوله: (غير مشروع) أي عندنا. وعند مالك خلافا للشافعي رحمه الله والأدلة في المطولات. قوله: (أو إمام الحي) نص عليه في الخلاصة وغيرها كما قدمناه، وكذا صرح في المجمع وشرحه بأنه كالسلطان في عدم إعادة الولي، وبه ظهر ضعف ما في غاية البيان من أن للولي الإعادة لو صلى إمام الحي لا لو صلى السلطان لئلا يزدرى به. أفاده في البحر. قوله: (لأنهم أولى الخ) الأولى أن يقول أيضا: ولان متابعته إذن بالصلاة ليكون علة لقوله: أو من ليس له حق التقدم وتابعه الولي ط. قوله: (بأن لم يحضر الخ) لأنه لا حق للولي عند حضرة السلطان ونحوه، وقد علمت ما فيه. قوله: (وإن حضر) يعني بعد صلاة الولي، وإن وصلية. قوله: (أما لو صلى الخ) تصريح بمفهوم قوله بأن لم يحضر من يقدم عليه وهذا ما وفق به صاحب البحر بين عباراتهم، وقد علمت تحريم المقام آنفا. قوله: (وفيه) أي في المجتبى، وهذه العبارة عزاها إليه في البحر، لكني لم أجدها فيه والذي رأينه في المجتبى هكذا: ثم إذا دفن قبل الصلاة وصلى عليه من لا ولاية له يصلى عليه ما لم يتمزق اه. والمراد يصلي عليه الولي إن شاء لأجل حقه لا لاسقاط الفرض فلا ينافي ما مر، وكذا يمكن تأويل قول كعدم الصلاة كما أفاده ح بأنها بالنسبة إلى من له الولاية كالعدم حتى كان له الإعادة. قوله: (وأهيل عليه التراب) فإن لم يهل أخرج وصلي عليه كما قدمناه. بحر. قوله: (أو بها بلا غسل) هذه رواية ابن سماعه. والصحيح أنه لا يصلى على قبره في هذه الحالة لأنها بلا غسل غير مشروعة، كذا في غاية البيان، لكن في السراج وغيره: قيل لا يصلى على قبره، وقال الكرخي: يصلى، وهو الاستحسان، لان الأولى لم يعتد بها لترك الشرط مع الامكان والآن زال الامكان فسقطت فرضية الغسل، وهذا يقتضي ترجيح الاطلاق، وهو الأولى. نهر. تنبيه: ينبغي أن يكون في حكم من دفن بلا صلاة من تردى في نحو بئر أو وقع عليه بنيان ولم يمكن إخراجه، بخلاف ما لو غرق في بحر لعدم تحقق وجوده أمام المصلي. تأمل. قوله: (أو
242 ممن لا ولاية له) متعلق بمحذوف حالا من ضمير بها العائد إلى الصلاة، وهذا مكرر بما نقله عن المجتبى. قوله: (صلي على قبره) أي افتراضا في الأوليين وجوازا في الثالثة لأنها لحق الولي. أفاده ح. أقول: وليس هذا من استعمال المشترك في معنييه كما وهم، لان حقيقة الصلاة في المسائل الثلاث واحدة، وإنما الاختلاف في الوصف وهو الحكم، فهو كإطلاق الانسان على ما يشمل الأبيض والأسود، فافهم. قوله: (هو الأصح) لأنه يختلف باختلاف الأوقات حرا وبردا والميت سمنا وهزالا والأمكنة. بحر. وقيل يقدر بثلاثة أيام، وقيل عشرة، وقيل شهر. ط عن الحموي. قوله: (وظاهره الخ) أي ظاهر قوله ما لم يغلب الخ فإنه في الشك لم يغلب على الظن تفسخه ط. قوله: (كأنه تقديما للمانع) الخبر محذوف: أي كأنه قال ذلك تقديما: أي أنه دار الامر بين التفسخ المقتضي عدم الصلاة وبين عدمه الموجب لها، فاعتبرنا المانع وهو التفسخ ط. أقول: وفي الحلية، نص الأصحاب على أنه لا يصلى عليه مع الشك في ذلك، ذكره في المفيد والمزيد وجوامع الفقه وعامة الكتب، وعلله في المحيط بوقوع الشك في الجواز اه. وتمامه فيها. قوله: (بغير عذر) راجع إلى المسألتين، فلو صلى راكبا لتعذر النزول لطين أو مطر جاز، وكذا لو صلى الولي قاعدا لمرض والناس خلفه قياما عندهما. وقال محمد: تجزيه دون القوم بناء على الخلاف في اقتداء القائم بالقاعد. بحر. والتقييد بالولي لان الحق له، فلو صلى غيره ممن لا حق له إماما قاعدا لعذر، فالظاهر أن الحكم كذلك، ويسقط الفرض بصلاته خلافا لما بحثه السيد أبو السعود. أفاده ط. مطلب في كراهة صلاة الجنازة في المسجد قوله: (وقيل تنزيها) رجحه المحقق ابن الهمام وأطال، ووافقه تلميذه العلامة ابن أمير حاج، وخالفه تلميذه الثاني الحافظ الزيني قاسم في فتواه برسالة خاصة، فرجع القول الأول لاطلاق المنع في قول محمد في موطئه: لا يصلى على جنازة في مسجد. وقال الامام الطحاوي: النهي عنها وكراهيتها قول أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف أيضا وأطال، وحقق أن الجواز كان ثم نسخ وتبعه في البحر، وانتصر له أيضا سيدي عبد الغني في رسالة سماها نزهة الواجد في حكم الصلاة على الجنائز في المساجد. قوله: (في مسجد جماعة) أي المسجد الجامع، ومسجد المحلة. قهستاني. وتكره أيضا في الشارع وأرض الناس كما في الفتاوى الهندية عن المضمرات، وكما تكره الصلاة عليها في المسجد يكره إدخالها فيه كما نقله الشيخ قاسم. قوله: (أو مع القوم) أي كلا أو بعضا بناء على أن أل في القوم جنسية اه ح. قوله: (مطلقا) أي في جميع الصور المتقدمة كما في الفتح عن الخلاصة. وفي مختارات النوازل سواء كان الميت فيه أو خارجه هو ظاهر الرواية. وفي رواية:
243 لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد. قوله: (بناء على أن المسجد الخ) أما إذا عللنا بخوف تلويث المسجد فلا يكره إذا كان الميت خارج المسجد وحده أو مع بعض القوم اه ح. قال في شرح المنية: وإليه مال في المبسوط والمحيط، وعليه العمل وهو المختار اه. قلت: بل ذكر في غاية البيان والعناية أنه لا كراهة فيها بالاتفاق، لكن رده في البحر. وأجاب في النهر بحمل الاتفاق على عدم الكراهة في حق من كان خارج المسجد (1)، وما مر في حق من كان داخله. ثم اعلم أن التعليل الأول فيه خفاء، إذ لا شك أن الصلاة على الميت دعاء وذكر وهما مما بني له المسجد وإلا لزم المنع (2) عن الدعاء فيه لنحو الاستسقاء والكسوف، مع أن الوارد في ذلك ما رواه مسلم أن رجلا نشد في المسجد ضالة فقال (ص): لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له فليتأمل. قوله: (وهو الموافق الخ) كذا في الفتح، لكن فيه نظر، لان قوله: في المسجد يحتمل أن يكون ظرفا لصلى أو لميت أو لهما، فعلى الأول لا يكره كون الميت فيه والصلاة خارجه، وعلى الثاني لا يكر العكس، وعلى الثالث لا يكره إذا فقد أحدهما، وعلى كل فهو مخالف للمختار من إطلاق الكراهة. وأجاب في البحر بأنه لما لم يقم دليل على واحد من الاحتمالات بعينه قالوا بالكراهة بوجود أحدها أيا كان اه. أقوله: يلزم عليه إثبات الكراهة بلا دليل، لأنه إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولكن لا يخفى أن المتبادر لغة وعرفا من نحو قولك ضربت زيدا في الدار تعلق الظرف بالفعل، وأما أنه هل يقتضى كون كل من الفاعل والمفعول به أو أحدها بعينه في المكان؟ فغير لازم. مطلب مهم إذا قال: إن شتمت فلانا في المسجد يتوقف على كون الشاتم فيه، وفي إن قتلته بالعكس نعم ذكر ضابطا لذلك في تلخيص الجامع الكبير وشرحه في باب الحنث في الشتم، وهو أن الفعل قد لا يكون له أثر في المفعول كالعلم والذكر، وقد يكون كالضرب والقتل، فإذا قال: إن شتمت زيدا في المسجد مثلا فإنما يتحقق بكون الشاتم في ذلك المكان سواء كان المشتوم فيه أيضا أو لا، لان الشتم هو ذكر المشتوم بسوء، والذاكر يقوم بالذاكر ولا أثر له في المذكور، لأنه يتحقق شتما في حق الميت والغائب فيعتبر مكان الفاعل، وأما القتل والضرب ونحوهما في مكان فيتحقق بكون المفعول به فيه سواء كان الفاعل فيه أيضا أم لا، لأن هذه الأفعال لها آثار تقوم بالمحل، فيشترط وجود المفعول به وهو المحل في ذلك المكان دون الفاعل، لان من ذبح شاة هي في المسجد وهو خارجه يسمى ذابحا في المسجد، بخلاف عكسه، ألا ترى أن الرامي إلى صيد في
(1) قوله: (من كان خارج الخ) اي مع الميت، وقوله وما مر في حق من كان داخله اي وحدهم دون الميت ا ه. (2) قوله: (والالزام المنع الخ) قد فرق شيخنا بين الدعاء للاستسقاء وبين صلاة الجنازة بأنه، وان كان كل دعاء، لكن لما كان لصلاة الجنازة محلات متعينة في ذلك الزمان وكانت العادة جارية صلاتها في تلك الأماكن دون المساجد كان هذا الفرد من الدعاء وهو صلاة الجنازة غير مقصود للواقفين والمدار على القصد، يدل عليه قوله " انما بنيت المساجد لما بنيت له " اي لما قصده الباني. ا ه. 244 الحرم يكون قاتلا للصيد في الحرم وإن كان حال الرمي في الحل اه ملخصا، وتمام تحقيقه هناك فراجعه. إذا علمت ذلك فلا يخفى أن الصلاة على الميت فعل لا أثر له في المفعول، وإنما يقوم بالمصلي، فقوله: من صلى على ميت في مسجد يقتضي كون المصلى في المسجد سواء كان الميت فيه أو لا، فيكره ذلك أخذا من منطوق الحديث، ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم في رسالته من أنه روي: أن النبي (ص) لما نعى النجاشي (1) إلى أصحابه خرج فصلى عليه في المصلى قال: ولو جازت في المسجد لم يكن للخروج معنى اه. مع أن الميت كان خارج المسجد. وبقي ما إذا كان المصلي خارجه والميت فيه، وليس في الحديث دلالة على عدم كراهته، لان المفهوم عندنا غير معتبر في مثل ذلك، بل قد يستدل على الكراهة بدلالة النص، لأنه كرهت الصلاة عليه في المسجد وإن لم يكن هو فيه، مع أن الصلاة ذكر ودعاء يكره إدخاله فيه بالأولى، لأنه عبث مخص، ولا سيما على كون علة كراهة الصلاة خشيت تلويث المسجد. وبهذا التقرير ظهر أن الحديث مؤيد للقول المختار من إطلاق الكراهة الذي هو ظاهر الرواية كما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير الفريد فإنه مما فتح به المولى على أضعف خلقه، والحمد لله على ذلك. قوله: (فلا صلاة له) هذه رواية ابن أبي شيبة ورواية أحمد وأبي داود فلا شئ له وابن ماجة فليس له شئ وروي فلا أجر له وقال ابن عبد البر: هي خطأ فاحش، والصحيح فلا شئ له وتمامه في حاشية نوح أفندي والمدني، وليس الحديث نهيا غير مصروف ولا مقرونا بوعيد، لان سلب الاجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز وقد يقال: إن الصلاة نفسها سبب موضوع للثواب فسلبه مع فعلها لا الإباحة يكون إلا باعتبار ما يقترن بها من إثم يقاوم ذلك، وفيه نظر، كذا في الفتح، وكذا يقال في رواية فلا صلاة له لأنه علم قطعا أنها صحيحة فهي مثل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد بل تأويل هذه الرواية أقرب: أي لا صلاة كاملة، فلا تنافي ثبوت أصل الثواب. وبه اندفع ما في البحر من أن هذه الرواية تؤيد القول بكراهة التحريم. تتمة: إنما تكره في المسجد بلا عذر، فإن كان فلا. ومن الاعذار المطر كما في الخانية، والاعتكاف كما في المبسوط، كذا في الحلية وغيرها. والظاهر أن المراد اعتكاف الولي ونحوه ممن له حق التقدم، ولغيره الصلاة معه تبعا له وإلا ألا يصليهما غيره وهو بعيد، لان إثم الادخال والصلاة ارتفع بالعذر. تأمل، وانظر هل يقال: إن من العذر ما جرت به العادة في بلادنا من الصلاة عليها في المسجد لتعذر غيره أو تعسره بسبب اندراس المواضع التي كانت يصلى عليها فيها، فمن حضرها في المسجد إن لم يصل عليها مع الناس لا يمكنه الصلاة عليها في غيره، ولزم أن لا يصلي في عمره على جنازة، نعم قد توضع في بعض المواضع خارج المسجد في الشارح فيصل عليها، ويلزم منه فسادها من كثير من المصلين لعموم النجاسة وعدم خلعهم نعاله المتنجسة، مع أنا قدمنا كراهتها في الشارع. وإذا ضاق الامر اتسع، فينبغي الافتاء بالقول بكراهة التنزيه الذي هو خلاف الأولى
(1) قوله: (لما نعى النجاشي) اي ذكر موته إلى أصحابه، فالنعي ذكر الموت، والى بمعنى اللام ا ه. (2) قوله: (الذي هو خلاف الأولى) هكذا بخطه، ولعل صوابه التي هي الخ. لأنه نعت لكراهة التنزيه لا القول بها، اللهم الا ان يكون التذكير باعتبار انها حكم تأمل. ا ه. مصححه. 245 كما اختاره المحقق ابن الهمام، وإذا كان ما ذكرناه عذرا فلا كراهة أصلا، والله تعالى أعلم. قوله: (يغسل ويصلى عليه) أي ويكفن، ولم يصرح به لعلمه مما ذكره، لان ستر العورة شرط لصحة الصلاة. تأمل. قوله: (إن استهل) لا يخفى ما فيه (1) من التسامح به، لان ترتيبه الموت على الولادة: أي في قوله قبله فمات مفيد للحياة قبله فلا يحسن التفصيل بعده، فكان ينبغي أن يقول كالكنز: ومن استهل صلى عليه وإلا لا. شرنبلالية. قوله: (بالبناء للفاعل) لان أصل الاهلال والاستهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، فأطلق على رؤية الهلال، وعلى رفع الصوت مطلقا، ومنه أهل المحرم بالحج: أي رفع صوته بالتلبية، واستهل الصبي: إذا رفع صوته بالبكاء عند ولادته. وأما المبني للمجهول فيقال: استهل الهلال: أي أبصر، كذا يفاد من المغرب. قوله: (أي وجد منه ما يدل على حياته) أي من بكاء أو تحريك أو طرف ونحو ذلك. بدائع. وهذا معناه في الشرع كما في البحر. وقال في الشرنبلالية: يعني الحياة المستقرة، ولا عبرة لانقباض وبسط اليد وقبضها، لأن هذه الأشياء حركة المذبوح ولا عبرة بها، حتى لو ذبح رجل فمات أبوه وهو يتحرك لم يرثه المذبوح، لان له في هذه الحالة حكم الميت كما في الجوهرة اه. أقول: وما نقلناه عن البدائع مشى عليه في الفتح والبحر والزيلعي، ويمكن حمله على ما في الشرنبلالية. تأمل. تنبيه: قال في البدائع ما نصه: ولو شهدت القابلة أو الام على الاستهلال تقبل في حق الغسل والصلاة عليه، لان خبر الواحد في الديانات مقبول إذا كان عدلا، وأما في حق الميراث فلا يقبل قول الام لكونها متهمة بجرها المغنم إلى نفسها، وكذا شهادة القابلة عند أبي حنيفة. وقالا: تقبل إذا كانت عدلة اه. وظاهره اشتراط نصاب الشهادة عنده في الميراث، وبه صرح في البحر عن المجتبى بلفظ: وعن أبي حنيفة. قوله: (بعد خروج أكثره) متعلق بوجد، فلو خرج رأسه وهو يصيح ثم مات لم يرث ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا، بحر عن المبتغى. حد الأكثر من قبل الرجل سرته، ومن قبل الرأس صدره. نهر عن منية المفتى. قوله: (حتى لو خرج الخ) أي فلو اعتبر حياته عند خروج الأقل من النصف لكان الواجب الدية، فإيجاب الغرة في هذه الحالة مبني على أن هذا الخروج كعدمه، فإن الغرة إنما تجب فيمن ضرب بطن الحامل حتى أسقطته ميتا فذبحه قبل خروج أكثره في حكم ضربه وهو في بطن أمه، بخلاف ذبحه بعد خروج أكثره فإنه م وجب للقود، وبما قررناه ظهر صحة التفريع وبطل التشنيع، فافهم. قوله: (فعليه الغرة) هي نصف عشر دية الرجل لو الجنين ذكرا، وعشر دية المرأة لو أنثى، وكل منهما خمسمائة درهم، وهي خمسون دينارا كما سيأتي في محله.
(1) قوله: (لا يخفى ما فيه الخ) دفع شيخنا هذه المسامحة بان المستفاد من قوله ولد فمات انما هي مطلق حياة، وقوله ان استهل: معناه وجد منه ما يدل على الحياة المستقرة وهي المعتبرة كما يأتي المحشي عن الشرنبلالي، فالتفضيل صحيح لازم لما عرفت من أن المدار على الحياة المستقرة، وليست المستعارة كذلك بل هي عامة. ا ه. 246 هذا، وما ذكره الشارح نقله في البحر عن المبتغى بالمعجمة، لكن ذكرنا في كتاب الجنايات في أوائل فصل ما يوجب القود عن المجتبى التاترخانية أن عليه الدية، لكن ما قررناه آنفا يؤيد ما هنا، أو يراد بالدية الغرة، فتأمل. قوله: (فعليه الدية) ظاهر قوله فمات أن الموت بسبب القطع، وعليه فالمراد دية النفس إن كان القطع خطأ وإلا وجب القود، لكن عبارة البحر عن المبتغي: ثم مات، وعليه فإن كان موته لا بسبب القطع فالواجب دية الأذن، وإن كان به فالواجب دية النفس أو القود كما قلنا، لكن قال الرحمتي: وإنما وجبت الدية لا القصاص للشبهة حيث جرحه قبل تحقق كونه ولدا فليتأمل. وفي الاحكام للشيخ إسماعيل عن التهذيب لذهن اللبيب مسألة: رجل قطع أذن إنسان وجب عليه خمسمائة دينار، ولو قطع رأسه وجب عليه خمسون دينارا، جوابها قطع أذن صبي خرج رأسه عند الولادة فإن تمت ولادته وعاش وجب نصف الدية وهي خمسمائة دينار ولو قطع رأسه ومات قبل خروج الباقي وجبت فيه الغرة وهي خمسون دينارا اه. قوله: (وإلا يستهل غسل وسمى) شمل ما تم خلقه، ولا خلاف في غسله وما لم يتم وفيه خلاف. والمختار أنه يغسل ويلف في خرقة، ولا يصلى عليه كما في المعراج والفتح والخانية والبزازية والظهيرية. شرنبلالية. وذكر في شرح المجمع لمصنفه أن الخلاف في الأول وأن الثاني لا يغسل إجماعا اه. واغتر في البحر بنقل الاجماع على أنه لا يغسل، فحكم على ما في الفتح والخلاصة من أن المختار تغسيله بأنه سبق نظرهما إلى الذي تم خلقه أو سهو من الكاتب. واعترضه في النهر بأن ما في الفتح والخلاصة عزاه في المعراج إلى المبسوط والمحيط اه. وعلمت نقله أيضا عن الكتب المذكورة. وذكر في الاحكام أنه جزم به في عمدة المفتي والفيض والمجموع والمبتغي اه. فحيث كان هو المذكور في عامة الكتب فالمناسب الحكم بالسهو على ما في شرح المجمع، لكن قال في الشرنبلالية (1): يمكن التوفيق بأن من نفى غسله أراد الغسل المراعى فيه وجه السنة، ومن أثبته أراد الغسل في الجملة كصب الماء عليه من غير وضوء وترتيب لفعله كغسله ابتداء بسدر وحرض اه قلت: ويؤيده قولهم ويلف في خرقة حيث لم يراعوا في تكفينه السنة، فكذا غسله. قوله: (عند الثاني) المناسب ذكره بعد قوله الآتي: وإذا استبان بعض خلقه غسل لأنك علمت أن الخلاف فيه خلافا لما في شرح المجمع والبحر. قوله: (إكراما لبني آدم) علة للمتن كما يعلم من البحر، ويصح جعله علة لقوله فيفتى به. قوله: (وحشر) المناسب تأخيره عن قوله: هو المختار لان الذي في الظهيرية: والمختار أنه يغسل. وهل يحشر؟ عن أبي جعفر الكبير أنه إن نفخ فيه الروح حشر، وإلا لا. والذي يقتضيه مذهب أصحابنا أنه إن استبان بعض خلقه فإنه يحشر، وهو قول الشعبي وابن سيرين اه. ووجهه أن تسميته تقتضي حشره، إذ لا فائدة لها إلا في ندائه في المحشر باسمه. وذكر
(1) قوله: (لكن قال في الشرنبلالية الخ) هذا توفيق للخلاف الجاري في غسل من لم يستتم خلقه، ولا يصلح ان يكون توفيقا بين صاحب المجمع وغيره كما قد يتوهم، كما لا يخفى على من عنده أدنى تأمل. ا ه. 247 العلقمي في حديث: سموا أسقاطكم فإنهم فرطكم الحديث. فقال: فائدة: سأل بعضهم هل يكون السقط شافعا، ومتى يكون شافعا؟ هل هو من مصيره علقة أم من ظهور الحمل، أم بعد مضي أربعة أشهر، أم من نفخ الروح؟ والجواب أن العبرة إنما هو بظهور خلقه وعدم ظهوره كما حرره شيخنا زكريا. قوله: (ولم يصل عليه) أي سواء كان تام الخلق أم لا ط. قوله: (إن انفصل بنفسه) أما إذا أفصل كما إذا ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فإنه يرث ويورث، لان الشارع لما أوجب الغرة على الضارب فقد حكم بحياته. نهر: أي يرث إذا مات أبوه مثلا قبل انفصاله. قوله: (كصبي سبي مع أحد أبويه) وبالأولى إذا سبي معهما، والمجنون البالغ كالصبي كما في الشرنبلالية. ولا فرق بين كون الصبي مميزا أو لا، ولا بين موته في دار الاسلام أو الحرب، ولا بين كون السابي مسلما أو ذميا، لأنه مع وجود الأبوين لا عبرة للدار ولا للسابي، بل هو تابع لاحد أبويه إلى البلوغ ما لم يحدث إسلاما وهو مميز كما صرح به في البحر اه ح وقال المحقق ابن أمير حاج في شرحه على التحرير في فصل الحاكم بعد ذكره التبعية ما نصه: الذي في شرح الجامع الصغير لفخر الاسلام: ويستوي فيما قلنا أن يعقل أو لا يعقل، إلى هذا أشار في هذا الكتاب، ونص عليه في الجامع الكبير، فلا جرم أن قال في شرحه: أو أسلم أحد أبويه يجعل مسلما تبعا سواء كان الصغير عاقلا أو لم يكن، لان الولد يتبع خير الأبوين دينا ا. وذكر الخير الرملي أنه لو سبي مع الجد أبي الأب لا يكون كذلك بل يصلى عليه. قوله: (لا يصلى عليه) تصريح بالمقصود من التشبيه. قوله: (لا العقبى) وإلا كانوا في النار مثلهم، وهو أحد ما قيل فيهم. ونقله في شرح المقاصد عن الأكثرين ط، وقدمنا تمامه فيما مر أول هذا الباب. قوله: (ولو سبي بدونه) أي بدون أحد أبويه، بأن لم يكن معه واحد منهما ح. قلت: المراد بالمعية ما يشمل الحكمية، لما في سير أحكام الصغار: ولو دخل حربي دار الاسلام ذميا ثم سبي ابنه لا يصير الابن مسلما بالدار اه. وفيه: وإذا سبي المسلمون صبيان أهل الحرب وهم بعد في دار الحرب فدخل آباؤهم دار الاسلام وأسلموا فأبناؤهم صاروا مسلمين بإسلام آبائهم وإن لم يخرجوا إلى دار الاسلام اه. وهذا يفيد تقييد المسألة بما إذا لم يسلم أبوه. قوله: (تبعا للدار) أي إن كان السابي ذميا أو للسابي إن كان مسلما، كذا في شرح المنية. واقتصر في البحر على تبعية الدار، قال: لان فائدة تبعية السابي إنما تظهر في دار الحرب، بأن وقع صبي في سهم رجل ومات الصبي يصلى عليه تبعا للسابي، والكلام في السبي، وهو لغة الاسرى المحمولون من بلد إلى بلد، فلا بد من الحمل حتى يسمى سببا ولم يوجد اه. أقول: لكن الذي في الصحاح والقاموس أنه يقال: سبيت العدو سبيا: إذا أسرته، فهو سبي وهي سبي، ويقال سبيت الخمر سبيا: إذا حملتها من بلد إلى بلد فهي سبية اه. فجعل الحمل قيدا في الخمرة دون الأسير. تأمل، نعم ذكر الامام السرخسي في أواخر شرح السير الكبير ما يدل على كون ذلك شرطا خارجا عن مفهومه، فإنه قال: لو سبى وحده لا يحكم بإسلامه ما لم يخرج إلى دار الاسلام مسلما تبعا للدار أو يقسم الامام الغنائم أو يبيعها في دار الحرب فيصير مسلما تبعا للمالك، لان تأثير التبعية للمالك فوق تأثير التبعية للدار، فإن كان المالك ذميا بأن ملكه بشراء أو
248 رضخ فكذلك يحكم بإسلامه، وحتى لو مات يصلى عليه ويجبر الذمي على بيعه، لأنه صار محرزا بقوة المسلمين فقد ملكه بإحرازهم إياه فصار تمام الاحراز بالقسمة والبيع كتمامه بالاخراج إلى دارنا، ولو دخل الذمي دار الحرب متلصصا وأخرج صغيرا إلى دارنا فهو مسلم يجبر الذمي على بيعه، لأنه إنما ملكه بالاحراز بدارنا فصار كالمنفل بأن قال الأمير: من أصاب رأسا فهو له، فأصاب الذمي صغيرا ليس معه أحد أبويه فهو مسلم، لأنه إنما ملكه بمنعة المسلمين، بخلاف ما إذا دخل الذمي دارهم بأمان فاشترى صغيرا من مماليكهم لأنه يملكه بالعقد لا بمنعتنا، فإذا أخرجه إلينا لم يكن مسلما، أما لو كان الشاري منهم مسلما فإنه إذا أخرجه إلى دارنا وحده حكم بإسلامه، وتبعية الملك إنما تظهر في هذا، فإذا كان المالك مسلما فالملوك مثله تبعا له، أو ذميا فهو مثله اه ملخصا. وحاصله أنه إنما يحكم باسلامه بالاخراج إلى دار الاسلام تبعا للدار أو بالملك بقسمة أو بيع من الامام تبعا للمالك لو مسلما أو للغانمين لو ذميا، والله أعلم. قلت: ويؤخذ من قوله إن تمام الاحراز بالقسمة والبيع كتمامه بالاخراج. إن الذمي إذا ملكه يحكم بإسلامه قبل الاخراج، فإذا مات في دار الحرب يصلى عليه، فافهم. قوله: (أو به) أي سبي بأحد أبويه: أي معه ح. قوله: (فأسلم هو) أي أحد أبويه ح: أي فإن الصبي يصير مسلما، لان الولد يتبع خير الأبوين دينا. ولا فرق بين كون الولد مميزا أو لا كما مر. ونقل الخير الرملي في باب نكاح الكافر قولين، وأن الشلبي أفتى باشتراط عدم التمييز، لكن صرح السرخسي في شرح السير بأن هذا القول خطأ، وسيأتي تمام الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. أقول: وبقي ما لو سبي معه أبواه أو أحدهما فماتا ثم أخرج إلى دارنا وحده فهو مسلم، لأنه بموتهما في دار الحرب خرج عن كونه تبعا لهما، بخلا ف ما لو ماتا بعد الاخراج أو القسمة أو البيع، كذا في شرح السير الكبير. قوله: وهو عاقل) قيد لقوله: أو أسلم الصبي لان كلام غير العاقل غير معتبر لعدم صدوره عن قصد. قوله: (أي ابن سبع سنين) تفسير للعاقل الذي يصح إسلامه بنفسه، وعزاه في النهر إلى فتاوى قارئ الهداية، وفسره في العناية بأن يعقل المنافع والمضار. وأن الاسلام هدى واتباعه خير له، وفسره في الفتح بأن يعقل صفة الاسلام، وهو ما في الحديث أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره قال: وهذا دليل على أن مجرد قول لا إله إلا الله لا يوجب الحكم بالاسلام ما لم يؤمن بما ذكرنا، وتمامه في البحر والنهر. أقول: والظاهر أن مراده أن يؤمن بذلك إذا فصل له وطلب منه الايمان به بقرينة ما يأتي، فلو أنكره أو امتنع من الاقرار به بعد الطلب لا يكفيه قول لا إله إلا الله للعلم بأنه (ص) كان يكتفي من المشركين بقول لا إله إلا الله وبالاقرار برسالته من غير إلزام بتفصيل المؤمن به، نعم قد يشترط الأقراء بالشهادتين معا أو بواحدة منهما وقد يشترط التبري عن بقية الأديان المخالفة أيضا على ما سيجئ إن شاء الله تعالى تفصيله في باب الردة عند ذكر الشارح هناك أن الكفار خمسة أصناف.
249 قوله: (ولا يضر توقفه الخ) فإن العوام قد يقولون: لا نعرفه، وهم من التوحيد والاقرار والخوف من النار وطلب الجنة بمكان، وكأنهم يظنون أن جواب هذه الأشياء إنما يكون بكلام خاص منظوم فيحجمون عن الجواب. بحر عن الفتح. قوله: (ويغسل المسلم) أي جوازا لان من شروط وجوب الغسل كون الميت مسلما. قال في البدائع: حتى لا يجب غسل الكافر، لان الغسل وجب كرامة وتعظيما للميت، والكافر ليس من أهل ذلك. قوله: (قريبه) مفعول تنازع فيه الافعال الثلاثة قبله. قوله: (كخاله) أشار إلى أن المراد بالقريب ما يشمل ذوي الأرحام كما في البحر. قوله: (الكافر الأصلي) قيده القهستاني عن الجلابي في باب الشهيد بغير الحربي ط. قوله: (فيلقى في حفرة) أي ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يدفع إلى من انتقل إلى ديتهم. بحر عن الفتح. قوله: (فلو له قريب) أي من أهل ملته. قوله: (من غير مراعاة السنة) قيد للأفعال الثلاثة كما أفاده بالتفريع بعده. قوله: (وليس للكافر الخ) أي إذا لم يكن للمسلم قريب فيتولى تجهيزه المسلمون. ويكره أن يدخل الكافر في قبر قريبه المسلم ليدفنه. بحر، وقدمنا أنه لو مات بين نساء معهم كافر يعلمنه الغسل ثم يصلين عليه، فتغسيل الكافر المسلم فيه للضرورة فلا يدل على أنه يمكن من تجهيز قريبه المسلم عند عدمها، خلافا للزيلعي. أفاده في البحر. مطلب في حمل الميت قوله: (وإذا حمل الجنازة) شروع في بيان كيفية حملها، وكان ينبغي تقديمه على الصلاة كما فعل في البدائع لتقدمه عليها غالبا. قوله: (ندبا) لان فيه إيثارا لليمين والمقدم على اليسار والمؤخر. قوله: (بكسر الدال وتفتح) أشار إلى أن الكسر أفصح كما في البحر عن الغاية، لكن الكسر مع التخفيف والفتح مع التشديد كما في القاموس، حيث قال: مقدم الرحل كمحسن ومعظم. قوله: (لحديث من حمل الخ) الأولى تأخيره عن قوله: ثم مقدمها ثم مؤخرها ط. والحديث المذكور ذكره الزيلعي ونقله في البحر عن البدائع . وفي شرح المنية: ويستحب أن يحملها من كل جانب أربعين خطوة للحديث المذكور رواه أبو بكر النجار. قوله: (كفرت عنه أربعين كبيرة) ببناء كفرت للفاعل وضميره للجنازة على تقدير مضاف: أي حملها، والكبيرة قد تطلق على الصغيرة، لان كل ذنب صغير بالنظر لما فوقه كبيرة بالنسبة لما تحته، أو المراد بالكبيرة حقيقتها، وقولهم إن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة أو بمحض الفضل أو بالحج المبرور محمول على ما لم يرد النص في ط، وسيأتي تمام ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (كذلك) أي عشر خطوات، وهو معنى كذلك الثانية، ويمين الحامل يمين
250 الميت، ويساره الجنازة، ويساره يساره ويمين الجنازة. قهستاني ط. قوله: (ويكره عندنا الخ) لان السنة التربيع. بحر. وما نقل عن بعض السلف من الحمل بين العمودين إن ثبت فلعارض كضيق المكان أو كثرة الناس أو قلة الحاملين كما بسطه في فتح القدير. قوله: (قائمة) أي من قوائم السرير الأربع. قوله: (باليد) أي ثم يضع على العنق، وقوله: لا على العنق أي ابتداء كما أفاده شيخنا اه ح. وفي الحلية: أو يرفعونه أخذا باليد لا وضعا على العنق، كما تحمل الأثقال، ذكره الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير اه. والمراد بالعنق: الكتف كما قال ط. قوله: (ولذا الخ) علة لما استفيد (1) من أن حملة كالأمتعة مكروه ط. قوله: (يحمله واحد على يديه) أي ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم. بحر. قوله: (ويسرع بها) معطوف على قوله: وضع مقدمها. قوله: (بلا خبب) بمعجمة مفتوحة وموحدتين. وحد التعجيل المسنون أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة للحديث أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة قدمتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم والأفضل أن يعجل بتجهيزه كله من حين يموت. بحر. قوله: (ولو به كره) لأنه ازدراء بالميت وإضرار بالمتبعين. بحر. قوله: (إلا إذا خيف الخ) فيؤخر الدفن، وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة، والجنازة على الخطبة، والقياس تقديمها على العيد، لكنه قدم مخافة التشويش، وكي لا يظنها من في أخريات الصفوف أنها صلاة العيد. بحر عن القنية. ومفاده تقديم الجمعة على الجنازة للعلة المذكورة ولأنها فرض عين، بل الفتوى على تقديم سنتها عليها، ومر تمامه في أول باب صلاة العيد. قوله: (جلوس قبل وضعها) للنهي عن ذلك كما في السراج. نهر. ومقتضاه أن الكراهة تحريمية. رملي. قوله: (وقيام بعده) أي يكره القيام بعد وضعها عن الأعناق كما في الخانية والعناية. وفي المحيط خلافه حيث قال: والأفضل أن لا يجلسوا حتى يسووا عليه التراب. قال في البحر: والأول أولى، لما في البدائع: لا بأس بالجلوس بعد الوضع، لما روي عن عبادة بن الصامت أنه (ص) كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد، فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي: هكذا نصنع بموتانا، فجلس (ص) وقال لأصحابه: خالفوهم أي في القيام، فلذاكره ومقتضاه أنها كراهة تحريم، وهو مقيد بعدم الحاجة والضرورة. رملي. قوله: (وما ورد فيه) أي من
(1) قوله: (علة لما استفيد) هكذا بخطه، ولعل الصواب ايدال علة بالإشارة، والا فهو لما تعلق به حرف العة بعده، أعني وله كره حمله الخ لا استفيد الخ كما قال، فتأمل ا ه. مصححه. 251 قوله (ص): إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع اه ح. قال النووي في شرح مسلم: هو بضم التاء وكسر اللام المشددة: أي تصيرون وراءها غائبين عنها اه مدني. قوله: (منسوخ) أي بما رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والطحاوي من طرق عن علي قال رسول الله (ص) ثم قعد ولمسلم بمعناه، وقال: قد كان ثم نسخ شرح المنية. قوله: (لأنها متبوعة) يشير إلى ما في صحيح البخاري عن البراء بن عازب: أمرنا رسول الله (ص) باتباع الجنازة قال علي: الاتباع لا يقع إلا على التالي. ولا يسمى المقدم تابعا بل هو متبوع، والامر للندب لا للوجوب للاجماع. وعن علي: قدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك، فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة. وتمامه في شرح المنية. قوله: (إلا أن يكون خلفها نساء) الظاهر تقييده بما إذا خشي الاختلاط معهن أو كان فيهن نائحة بقرينة ما بعده. تأمل.. قوله: (ويكره خروجهن تحريما) لقوله عليه الصلاة والسلام: ارجعن مأزورات غيرة مأجورات رواه ابن ماجة بسند ضعيف، لكن يعضده المعنى الحادث باختلاف الزمان الذي أشارت إليه عائشة بقولها: لو أن رسول الله (ص) رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل، وهذا في نساء زمانها، فما ظنك بنساء زماننا. وأما ما في الصحيحين عن أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا أي أنه نهي تنزيه فينبغي أن يختص بذلك الزمن حيث كان يباح لهن الخروج للمساجد والأعياد، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وتزجر النائحة) وكذا الصائحة. شرنبلالية. قوله: (ولا يترك اتباعها لأجلها) لأجل النائحة، لان السنة لا تترك بما اقترن بها من البدعة. ولا يرد الوليمة حيث يترك حضورها لبدعة فيها للفارق، بأنهم لو تركوا المشي مع الجنازة لزم عدم انتظامها، ولا كذلك الوليمة لوجود من يأكل الطعام. ط عن أبي السعود. والظاهر أن المراد باتباعها المشي معها مطلقا لا خصوص المشي خلفها، بل يترك المشي خلفها إذا كانت نائحة، لما مر عن الاختيار، ويحصل التوفيق. قوله: (ولا يمشي عن يمينها ويسارها) كذا في الفتح والبحر. وفي القهستاني: لا بأس به، فأفاد أنه خلاف الأولى، لان فيه ترك المندوب وهو اتباعها. قوله: (جاز) أي بلا كرهة. حلية. قوله: (وفيه فضيلة أيضا) أخذا من قولهم: أن المشي خلفها أفضل عندنا. قوله: (إن تباعد عنها) أي بحيث يعد ماشيا وحده. قوله: (أو تقدم الكل) أي وتركوها خلفهم ليس معها أحد. قوله: (أو ركب أمامها) لأنه يضر بمن خلفه بإثارة الغبار، أما الركوب خلفها فلا بأس به، والمشي أفضل كما في البحر. قوله: (كره) الظاهر أنها تنزيهية. رملي. أقول: لكن إن تحقيق الضرر بالركوب أمامها فهي تحريمية. تأمل. قوله: (كما كره الخ) قيل تحريما، وقيل تنزيها كما في البحر عن الغاية. وفيه عنها: وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت. وفيه عن الظهيرية فإن أراد أن يذكر الله تعالى يذكره في نفسه، لقوله تعالى: * (إنه لا يحب المعتدين) * أي الجاهرين بالدعاء. وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها: استغفروا له غفر الله لكم اه. قلت: وإذ كان هذا في الدعاء والذكر فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان؟
252 مطلب في دفن الميت قوله: (وحفر قبره الخ) شروع في مسائل الدفن. وهو فرض كفاية إن أمكن إجماعا. حلية. واحترز بالامكان عما إذا لم يمكن، كما لو مات في سفينة كما يأتي. ومفاده أنه لا يجزي دفنه على وجه الأرض ببناء عليه كما ذكره الشافعية، ولم أره لائمتنا صريحا، وأشار بإفراد الضمير إلى ما تقدم من أنه لا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة، وهذا في الابتداء، وكذا بعده. قال في الفتح: ولا يحفر قبر لدفن آخر إلا إن بلي الأول فلم يبق له عظم إلا أن لا يوجد، فتضم عظام الأول ويجعل بينهما حاجز من تراب. ويكره الدفن في الفساقي اه. وهي كبيت معقود بالبناء يسع جماعة قياما لمخالفتها السنة. إمداد. والكراهة فيها من وجوه: عدم اللحد، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها. بحر. (قال في الحلية): وخصوصا إن كان فيها ميت لم يبل، وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبول التي لم تبل أربابها، وإدخال أجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر، وليس من الضرورة المبيحة لجمع ميتين فأكثر ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه أو ضيق المحل في تلك المقبرة مع وجود غيرها، وإن كانت مما يتبرك بالدفن فيها فضلا عن كون ذلك ونحوه مبيحا للنبش، وإدخال البعض على البعض قبل البلاء مع ما فيه من هتك حرمة الميت الأول وتفريق أجزائه، فالحذر من ذلك اه. وقال الزيلعي: ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه اه. قال في الامداد: ويخالفه ما في التاترخانية: إذا صار الميت ترابا في القبر يكره دفن غيره في قبره، لان الحرمة باقية، وإن جمعوا عظامه في ناحية ثم دفن غيره فيه تبركا بالجيران الصالحين ويوجد موضع فارغ يكره ذلك اه. قلت: لكن في هذا مشقة عظيمة، فالأولى (1) إناطة الجواز بالبلاء، إذا لا يمكن أن يعد لكل ميت قبر لا يدفن فيه غيره، وإن صار الأول ترابا لا سيما في الأمصار الكبيرة الجامعة، وإلا لزم أن تعم القبول السهل والوعر، على أن المنع من الحفر إلى أن لا يبقى عظم عسر جدا وإن أمكن ذلك لبعض الناس، لكن الكلام في جعله حكما عاما لكل أحد، فتأمل. تتمة: قال في الاحكام: لا بأس بأن يقبر المسلم في مقابر المشركين إذا لم يبق من علاماتهم شئ كما في خزانة الفتاوى، وإن بقي من عظامهم شئ تنبش وترفع الآثار وتتخذ مسجدا، لما روي: أن مسجد النبي (ص) كان قبل مقبرة للمشركين فنبشت كذا في الواقعات اه. قوله: (في غير دار) يغني عنه ما يأتي متنا. قوله: (مقدار نصف قامة الخ)، أو إلى حد الصدر، وإن زاد إلى مقدار قامة فهو أحسن كما في الذخيرة، فعلم أن الأدنى نصف القامة والأعلى القامة، وما بينهما شرح المنية، وهذا حد العمق، والمقصود منه المبالغة في منع الرائحة ونبش السباع. وفي القهستاني: وطوله على قدر طول الميت، وعرضه على قدر نصف طوله. قوله: (ويلحد) لأنه السنة وصفته أن يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت
(1) قوله: (فالأولى إناطة) لعل الصواب نوط فإنه مصدر ناط وهو ثلاثي. اللهم الا ان يكون من قبيل قولهم خطأ مشهور الخ تأمل. ا ه. مصححه. 253 المسقف. حلية. قوله: (ولا يشق) وصفته أن يحفر في وسط القبر حفيرة فيوضع فيها الميت. حلية. قوله: (إلا في أرض رخوة) فيخير بين الشوق واتخاذ التابوت. ط عن الدر المنتقى، ومثله في النهر. ومقتضى المقابلة أنه يلحد ويوضع التابوت في اللحد، لان العدول إلى الشق لخوف انهيار اللحد كما صرح به في الفتح، فإذا وضع التابوت في اللحد أمن انهياره على الميت، فلو لم يمكن حفر اللحد تعين الشق ولم يحتج إلى التابوت، إلا إذا كانت الأرض ندية يسرع فيها بلاء الميت. قال في الحلية عن الغاية: ويكون التابوت من رأس المال إذا كانت الأرض رخوة أو ندية مع كون التابوت في غيرها مكروها في قول العلماء قاطبة اه. وقد يقال: يوضع التابوت في الشق إذا لم يكن فوقه بناء لئلا يرمس الميت في التراب، أما إذا كان له سقف أو بناء معقود فوقه كقبور بلادنا ولم تكن الأرض ندية ولم يلحد فيكره التابوت. قوله: (ولا يجوز الخ) أي يكره ذلك. قال في الحلية: ويكره أن يوضع تحت الميت في القبر مضربة أو مخدة أو حصير أو نحو ذلك اه. ولعل وجهه أنه إتلاف مال بلا ضرورة، فالكراهة تحريمية، ولذا عبر بلا يجوز قوله: (وما روي عن علي) يعني من فعل ذلك. نهر. ثم إن الشارح تبع في ذلك المصنف في منحه. والذي وجدته في الظهيرية عن عائشة، وكذا عزاه إلى الظهيرية في البحر والنهر. قال في شرح المنية: وما روي أنه جعل في قبره عليه الصلاة والسلام قطيفة، قيل لان المدينة سبخة، وقيل إن العباس وعليا تنازعاها فبسطها شقران تحته لقطع التنازع، وقيل كان عليه الصلاة والسلام يلبسها ويفترشها، فقال شقران: والله لا يلبسك أحد بعده أبدا، فألقاها في القبر. قوله: (فغير مشهور) أي غير ثابت عنه، أو المراد أنه لم يشتهر عنه فعله بين الصحابة ليكون إجماعا منهم، بل ثبت عن غيره خلافه. ففي شرح المنية: وكره ابن عباس أن يلقى تحت الميت شئ رواه الترمذي. وعن أبي موسى لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا اه. قوله: (ولا بأس باتخاذ تابوت الخ) أي يرخص ذلك عند الحاجة والاكراه كما قدمنا آنفا. قال في الحلية: نقل غير واحد عن الإمام ابن الفضل أنه جوزه في أراضيه لرخاوتها. وقال: لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب، وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد، والمراد بقوله: ينبغي يسن، كما أفصح به فخر الاسلام وغيره، بل في الينابيع: والسنة أن يفرض في القبر التراب، ثم لم يتعقبوا الرخصة في اتخاذه من حديد بشئ، ولا شك في كراهته كما هو ظاهر الوجه اه: أي لأنه لا يعمل إلا بالنار فيكون كالاجر المطبوخ بها كما يأتي. قوله: (له) أي للميت كما في البحر أو للرجل، ومفهومه أنه لا بأس به للمرأة مطلقا، وبه صرح في شرح المنية فقال: وفي المحيط: واستحسن مشايخنا اتخاذ التابوت للنساء: يعني ولو لم تكن الأرض رخوة فإنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الوضع في القبر اه. قوله: (كرخاوة الأرض) أي كونها ندية، فيوضع في اللحد أو في الشق إن كانت ندية أو لم يكن للشق سقف كما قدمناه. قوله: (أن يفرش فيه) أي في القبر أو في اللحد كما بيناه. قوله: (وألقي في البحر) قال في الفتح: وعن أحمد يثقل
254 ليرسب. وعن الشافعية كذلك إن كان قريبا من دار الحرب، وإلا شد بين لوحين ليقذفه البحر فيدفن اه. قوله: (إن لم يكن قريبا من البر) الظاهر تقديره، بأن يكون بينهم وبين البر مدة يتغير الميت فيها. ثم رأيت في نور الايضاح التعبير بخوف الضرر به. (في الدار كذا في الحلية عن منية المفتي وغيرها، وهو أعم من قول الفتح، ولا يدفن صغير ولا كبير في البيت الذي مات فيه فإن ذلك خاص بالأنبياء، بل ينقل إلى مقابر المسلمين اه. ومقتضاه أنه لا يدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها، ويبني له بقربها مدفنا، تأمل. قوله: (بأن يوضع من جهتها ثم يحمل) أي فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الاخذ. وقال الشافعي وأحمد: يستحب السل، بأن يوضع الميت عند آخر القبر ثم يسل من قبل رأسه منحدرا، وبيان الأدلة في شرح المنية والفتح. ولا يضر عندنا كون الداخل في القبر وترا أو شفعا، واختار الشافعي الوتر، وتماه في البحر. قوله: (فيلحد) وكذا لو كان القبر شقا غير مسقف، أما المسقف فيتعين فيه السل. قوله: (وبالله) زاده على ما في الكنز والهداية، وهو ثابت في لفظ للترمذي، والأول في لفظ لابن ماجة، وفي لفظ له بزيادة وفي سبيل الله بعد قوله: بسم الله وذكره في البدائع عن الحسن عن أبي حنيفة، قالوا: والمعنى بمس الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله (ص) سلمناك. ثم قال الإمام أبو منصور الماتريدي: ليس هذا دعاء للميت، لأنه إن مات على ملة رسول الله (ص) لم يجز أن يبدل حاله، وإن مات على غير ذلك لم يبدل أيضا، ولكن المؤمنون شهدا الله في أرضه، فيشهدون بوفاته على الملة، وعلى هذا جرت السنة اه. حلية. تنبيه: في الاقتصاد على ما ذكر من الوارد إشارة إلى أنه لا يسن الاذان عند إدخال الميت في قبره كما هو المعتاد الآن، وقد صرح ابن حجر في فتاويه بأنه بدعة. وقال: ومن ظن أنه سنة قياسا على ندبهما للمولود إلحاقا لخاتمة الامر بابتدائه فلم يصب اه. وقد صرح بعض علمائنا وغيرهم بكراهة المصافحة المعتادة عقب الصلوات مع أن المصافحة سنة، وما ذاك إلا لكونها لم تؤثر في خصوص هذا الموضع، فالمواظبة عليها فيه توهم العوام بأنها سنة فيه، ولذا منعوا عن الاجتماع لصلاة الرغائب التي أحدثها بعض المتعبدين لأنها لم تؤثر على هذه الكيفية في تلك الليالي المخصوصة، وإن كانت الصلاة خير موضوع. قوله: (وجوبا) أخذه من قوله الهداية: بذلك أمر رسول الله (ص)، لكن لم يجده المخرجون. وفي الفتح: إنه غريب، واستؤنس له بحديث أبي داود والنسائي: أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: هي تسع فذكر منها استحلال البيت الحرام: قبلتكم أحياء وأمواتا اه. قلت: ووجهه أن ظاهره التسوية بين الحياة والموت في وجوب استقباله، لكن صرح في التحفة بأنه كما يأتي عقبه. قوله: (ولا ينبش ليوجه إليها) أي لو دفن مستدبرا لها وأهالوا التراب
255 لا ينبش، لان التوجه إلى القبلة سنة والنبش حرام، بخلاف ما إذا كان بعد إقامة اللبن قبل إهالة التراب فإنه يزال ويوجه إلى القبلة عن يمينه. حلية عن التحفة. ولو بقي فيه متاع لانسان فلا بأس بالنبش. ظهيرية. قوله: (للاستغناء عنها) لأنها تعقد لخوف الانتشار عند الحمل. قوله: (ويسوي اللبن عليه) أي على اللحد بأن يسد من جهة القبر ويقام اللبن فيه. حلية عن شرح المجمع. قوله: (والقصب) قال في الحلية: وتسد الفرج التي بين اللبن بالمدر والقصب كي لا ينزل التراب منها على الميت. ونصوا على استحباب القصب فيها كاللبن اه. قوله: (لا الآجر) بمد الهمزة والتشديد أشهر من التخفيف مصباح. وقوله: المطبوخ صفة كاشفة. قال في البدائع: لأنه يستعمل للزينة ولا حاجة للميت إليها، ولأنه مما مسته النار، فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا كما يكره أن يتبع قبره بنار تفاؤلا. قوله: (لوحوله الخ) قال في الحلية: وكرهوا الآجر وألواح الخشب. وقال الامام التمرتاشي: هذا إذا كان حول الميت، فلو فوقه لا يكره لأنه يكون عصمة من السبع. وقال مشايخ بخارى: لا يكره الآجر في بلدتنا للحاجة إليه لضعف الأراضي. قوله: (وعدد لبنات الخ) نقله أيضا في الاحكام عن الشمني عن شرح مسلم بلفظ يقال عدد الخ. قوله: (وجاز ذلك) أي الآجر والخشب. قوله: (ويسجى قبرها) أي بثوب ونحوه استحبابا حال إدخالها القبر حتى يسوى اللبن على اللحد كذا في شرح المنية والامداد. ونقل الخير الرملي أن الزيلعي صرح في كتاب الخنثى أنه على سبيل الوجوب. قلت: ويمكن التوفيق بحمله على ما إذا غلب على الظن ظهور شئ من بدنها. تأمل. قوله: (كمطر) أي وبرد وحر وثلج. قهستاني. قوله: (عليه) أي على القبر أو على الميت، وهو أقرب لفظا، والأول أقرب معنى. قوله: (وتكره الزيادة عليه) لما في صحيح مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه زاد أبو داود: أو يزاد عليه حلية. قوله: (لأنه بمنزلة البناء) كذا في البدائع. وظاهره أن الكراهة تحريمية، وهو مقتضى النهي المذكور، لكن نظر صاحب الحلية في هذا التعليل وقال: وروي عن محمد أنه لا بأس بذلك، ويؤيده ما روى الشافعي وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه: أرسول الله (ص) رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء وهو مرسل صحيح، فتحمل الكراهة على الزيادة الفاحشة، وعدمها على القليلة المبلغة له مقدار شبر أو ما فوقه قليلا. قوله: (ويستحب حثيه) أي بيديه جميعا. جوهرة. قال في المغرب: حثيث التراب حثيا وحثوته حثوا: إذا قبضته ورميته اه. ومثله في القاموس، فهو واوي ويائي، فافهم. قوله: (من قبل رأسه ثلاثا) لما في ابن ماجة عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) صلى على جنازة ثم أتى القبر فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثا شرح المنية. قال في الجوهرة: ويقول في الحثية الأولى: * (منها خلقناكم) * وفي الثانية: * (وفيها نعيدكم) * وفي الثالثة: * (ومنها نخرجكم تارة أخرى) * (طه: 55)
256 وقيل يقول في الأولى: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وفي الثانية: اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وفي الثالثة: اللهم زوجه من الحور العين. وللمرأة: اللهم أدخلها الجنة برحتمك اه. قوله: (وجلوس الخ) لما في سنن أبي داود: كان النبي (ص) إذا فرغ من دفن الميت وقف على قبره وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل وكان ابن عمر يستحب أن يقرى على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها، وروي أن عمرو بن العاص قال وهو في سياق الموت: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع رسل ربي جوهرة. قوله: (ولا بأس برش الماء عليه) بل ينبغي أن يندب، لأنه (ص) فعله بقبر سعد كما رواه ابن ماجة، وبقبر ولده إبراهيم كما رواه أبو داود في مراسيله، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون كما رواه البزار، فانتفى ما عن أبي يوسف من كراهته لأنه يشبه التطيين. حلية. قوله: (للنهي) هو ما رواه محمد بن الحسن في الآثار: أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي (ص): أنه نهى عن تربيع القبول وتجصيصها إمداد. قوله: (ويسنم) أي يجعل ترابه مرتفعا عليه كسنام الجمل، لما روى البخاري عن سفيان النمار أنه رأى قبر النبي (ص) مسنما وبه قال الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور. وقال الشافعي، التسطيح: أي التربيع أفضل، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وفي الظهيرية وجوبا) هو مقتضى النهي المذكور، ويؤيده ما في البدائع من التعليل بأنه من صنيع أهل الكتاب، والتشبه بهم فيما منه بد مكروه اه لكن في النهر: أن الأول أولى. قلت: ولعل وجهه شبهة الاختلاف، والحديث الذي استدل به الشافعي على التربيع فيكون النهي مصروفا عن ظاهره، فتأمل. قوله: (قدر شبر) أو أكثر شيئا قليلا. بدائع. قوله: (ولا يجصص) أي لا يطلى بالجص بالفتح ويكسر. قاموس. قوله: (ولا يرفع عليه بناء) أي يحرم لو للزينة، ويكره لو للأحكام بعد الدفن، وأما قبله فليس بقبر. إمداد. وفي الاحكام عن جامع الفتاوى: وقيل لا يكره البناء إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات اه. قلت: لكن هذا في غير المقابر المسبلة كما لا يخفى. قوله: (وقيل لا بأس به الخ) المناسب ذكره عقب قوله: ولا يطين لان عبارة السراجية كما نقله الرحمتي ذكر في تجريد أبي الفضل أن تطيين القبور مكروه، والمختار أنه لا يكره اه. وعزاه إليها المصنف في المنح أيضا. وأما البناء عليه فلم أر من اختار جوازه. وفي شرح المنية عن منية المفتي: المختار أنه لا يكره التطيين، وعن أبي حنيفة يكره أن يبنى عليه بناء من بيت أو قبة أو نحو ذلك، لما روى جابر: نهى رسول الله (ص) عن تجصيص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها رواه مسلم وغيره اه. نعم في الامداد عن الكبرى: واليوم اعتادوا التسنيم باللبن صيانة للقبر عن النبش، ورأوا ذلك حسنا. وقال (ص): ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن اه. قوله: (لا بأس بالكتابة الخ) لان النهي عنها وإن صح فقد
257 وجد الاجماع العملي بها، فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق، ثم قال: هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من المشرق والمغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف اه. ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد أن رسول الله (ص) حمل حجرا فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من تاب من أهلي فإن الكتابة طريق إلى تعرف القبر بها، نعم يظهر أن محل هذا الاجماع العملي على الرخصة فيها ما إذا كانت الحاجة داعية إليه في الجملة كما أشار إليه في المحيط بقوله: وإن احتيج إلى الكتابة، حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن فلا بأس به، فأما الكتابة بغير عذر فلا اه. حتى أنه يكره كتابة شئ عليه من القرآن أو الشعر أو اطراء مدح له ونحو ذلك. حلية ملخصا. قلت: لكن نازع بعض المحققين من الشافعية في هذا الاجماع بأنه أكثري، وإن سلم فمحل حجيته عند صلاح الأزمنة بحيث ينفذ فيها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعطل ذلك منذ أزمنة، ألا ترى أن البناء على قبورهم في المقابر المسبلة أكثر من الكتابة عليها كما هو مشاهد، وقد علموا بالنهي عنه، فكذا الكتابة اه. فالأحسن التمسك بما يفيد حمل النهي على عدم الحاجة، كما مر. تتمة: في الاحكام عن الحجة: تكره الستور على القبور اه. قوله: (إلا لحق آدمي) احتراز عن حق الله تعالى، كما إذا دفن بلا غسل أو صلاة أو وضع على غير يمينه أو إلى غير القبلة فإنه لا ينبش عليه بعد إهالة التراب كما مر. قوله: (كأن تكون الأرض مغصوبة) وكما إذا سقط في القبر متاع أو كفن بثوب مغصوب أو دفن معه مال قالوا: ولو كان المال درهما. بحر قال الرملي: واستفيد منه جواب حادثة الفتوى: امرأة دفنت مع بنتها من المصاغ والامتة المشتركة إرثا عنها بغيبة الزوج أنه ينبش لحقه، وإذا تلفت به تضمن المرأة حصته اه. واحترز بالمغصوبة عما إذا كانت وقفا. قال في التاترخانية: أنفق مالا في إصلاح قبر فجاء رجل ودفن فيه ميتة وكانت الأرض. موقوفة يضمن ما أنفق فيه، ولا يحول ميتة من مكانه لأنه دفن في وقف اه. وعبر في الفتح بقوله: يضمن قيمة الحفر، فتأمل. قوله: (أو أخذت بشفعة) أي بأن اشترى أرضا فدفن فيها ميته ثم علم الشفيع بالشراء فتملكها بالشفعة. قوله: (ومساواته بالأرض) أي ليزرع فوقه مثلا، لان حقه في باطنها وظاهرها، فإن شاء ترك حقه في باطنها وإن شاء استوفاه. فتح. قوله: (كما جاز زرعه) أي القبر ولو غير مغصوب، وكذا يجوز دفن غيره كما في الزيلعي أيضا، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (من الأيسر كذا قيده في الدرر، ولينظر وجهه. قوله: (ولو بالعكس) بأن مات الولد في بطنها وهي حية. قوله: (قطع) أي بأن تدخل القابلة يدها في الفرج وتقطعه بآلة في يدها بعد تحقق موته. قوله: (لو ميتا) لا وجه له بعد قوله: ولو بالعكس ط. قوله: (وإلا لا) أي ولو كان حيا لا
258 يجوز تقطيعه، لان موت الام به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي حي لأمر موهوم. قوله: (ولو بلع مال غيره) أي ولا مال له كما الفتح وشرح المنية، ومفهومه أنه لو ترك مالا يضمن ما بلعه لا يشق اتفاقا. قوله: (والأولى نعم) لأنه وإن كان حرمة الآدمي أعلى من صيانة المال لكنه أزال احترامه بتعديه كما في الفتح. ومفاده أنه لو سقط في جوفه بلا تعد لا يشق اتفاقا كما لا يشق الحي مطلقا لافضائه إلى الهلاك لا لمجرد الاحترام. قوله: (الاتباع أفضل) أي اتباع الجنازة، لأنه ير الحي والميت، فالثواب المترتب عليه أكثر ط. قوله: (أو جوار) سيأتي في باب الوصية للأقارب وغيرهم أن الجار من لصق به. وقالا: من يسكن في محلته. ويجمعهم مسجد المحلة، وهو استحسان. وقال الشافعي: الجار إلى أربعين دارا من كل جانب اه. قلت: والصحيح قول الإمام كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى، وهل يقيد هنا بالملاصق أيضا؟ الظاهر نعم ما لو يوجد دليل الاطلاق. وقد يقال: كلام الموصي يحمل على العرف. والجار عرفا الملاصق أو من يسكن في المحلة فتصرف إليه الوصية، بخلافه هنا فيكون حده إلى الأربعين كما في الحديث، والله أعلم. قوله: (يندب دفنه في جهة موته) أي في مقابر أهل المكان الذي مات فيه أو قتل، وإن نقل قدر ميل أو ميلين فلا بأس، شرح المنية، ويأتي الكلام على نقله. قلت: ولذا صح أمره (ص) بدفن قتلى أحد في مضاجعهم مع أن مقبرة المدينة قريبة، ولذا دفنت الصحابة الذين فتحوا دمشق عند أبوابها ولم يدفنوا كلهم في محل واحد. وتعجيله أي تعجيل جهازه عقب تحقق موته، ولذا كره تأخير صلاته ودفنه ليصلي عليه جمع عظيم بعد صلاة الجمعة كما مر. قوله: (لم يجز ذكره) أي ما لم يكن الميت صاحب بدعة ليرتدع غيره، كما قدمناه. قوله: (ولا بأس بنقله قبل دفنه) قيل مطلقا، وقيل إلى ما دون مدة السفر وقيده محمد بقدر ميل أو ميلين، لان مقابر البلد ربما بلغت هذه المسافة فيكره فيما زاد. قال في النهر عن عقد عقد الفرائد: وهو الظاهر اه. وأما نقله بعد دفنه فلا مطلقا. قال في الفتح: واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر وأرادت نقله على أنه لا يسعها ذلك، فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه. وأما نقل يعقوب ويوسف عليهما السلام من مصر إلى الشام ليكونا مع آبائهما الكرام فهو شرع من قبلنا ولم يتوفر فيه شروط كونه شرعا لنا اه ملخصا، وتمامه فيه. قوله: (وبالاعلام بموته) أي إعلام بعضهم بعضا ليقضوا حقه، هداية. وكره بعضهم أن ينادى عليه في الأزقة والأسواق لأنه يشبه نعي الجاهلية. والأصح أنه لا يكره إذا لم يكن معه تنويه بذكره وتفخيم، بل يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلابن فلان الفلاني، فإن نعي الجاهلية ما كان فيه قصد الدوران مع الضجيج والنياحة، وهو المراد بدعوى الجاهلية في قوله (ص): ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية شرح المنية. قوله: (وبإرثائه) تبع فيه صاحب النهر. واعترضه ح بأن مقتضاه أنه رباعي وليس كذلك. ففي القاموس: رثيت الميت ورثوته: بكيته وعددت محاسنه الخ. قوله: (من تعزى
259 الخ) تمامه فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا قال في المغرب: تعزى واعتزق: انتسب، والعزاء اسم منه، والمراد به قولهم في الاستعانة: يا لفلان أعضوه: أي قولوا له اعضض بأير أبيك، ولا تكنوا عن الأير بالهن، وهذا أمر تأديب ومبالغة في الزجر عن دعوى الجاهلية اه. لكن كون المراد بدعوى الجاهلية هنا ما قدمناه عن شرح المنية أولى. قوله: (وبتعزية أهله) أي تصبيرهم والدعاء لهم به. قال في القاموس: العزاء الصبر أو حسنه. وتعزى: انتسب اه. فالمراد هنا الأول، وفيما قبله الثاني فافهم. قال في شرح المنية: وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن، لقوله عليه الصلاة والسلام: من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة رواه ابن ماجة، وقوله عليه الصلاة والسلام: من عزى مصابا فله مثل أجره رواه الترمذي وابن ماجة. والتعزية أن يقول: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك اه. مطلب في الثواب على المصيبة تنبيه: هذا الدعاء بإعظام الاجر المروي عنه (ص) لما عزى معاذا بابن له يقتضي ثبوت الثواب على المصيبة. وقد قال المحقق ابن الهمام في المسايرة: قالت الحنفية: ما ورد به السمع من وعد الرزق، ووعده الثواب على الطاعة، وعلى ألم المؤمن وألم طفله حتى الشوكة يشاكها محض فضل وتطول منه تعالى لا بد من وجوده لوعده الصادق اه. وهل يشترط للثواب الصبر أم لا؟ قال ابن حجر: وقع للعز بن عبد السلام: أن المصائب نفسها لا ثواب فيها، لأنها ليست من الكسب بل في الصبر عليها، فإن لم يصبر كفرت الذنب، إذ لا يشترط في المكفر أن يكون كسبا كالبلاء، فالجزع لا يمنع التكفير بل هو مصيبة أخرى. ورد بتصريح الشافعي رحمها بأن كلا من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور مثا ب مكفر عنه بالمرض، فحكم بالاجر مع انتفاء العقل المستلزم لانتفاء الصبر، ويؤيده خبر الصحيحين ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه مع الحديث الصحيح: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما ففيه أنه يحصل له ثواب مماثل لفعله الذي صدر منه قبل بسبب المرض فضلا من الله تعالى، فمن أصيب وصبر يحصل له ثوابان: لنفس المصيبة، وللصبر عليها. ومن انتفى صبره فإن كان لعذر كجنون فكذلك، أو لنحو جزع لم يحصل من ذينك الثوابين شئ اه ملخصا. وحاصله اشتراط الصبر للثواب على المصيبة إلا إذا انتفى لعذر كجنون. وأما التكفير بها فهو حاصل بلا شرط. قوله: (وباتخاذ طعام لهم) قال في الفتح: ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله (ص): اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم حسنه الترمذي وصحح الحاكم، ولأنه بر ومعروف ويلح عليهم في الاكل لان الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون اه. مطلب في كراهة الضيافة من أهل الميت وقال أيضا: ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة. وروى الإمام أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله قال:
260 كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة اه. وفي البزازية: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث (1). وبعد الأسبوع ونقل الطعام إلى القبر في المواسم، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن وجمع الصلحاء والقراء للختم أو لقراءة سورة الأنعام أو الاخلاص. والحاصل أن اتخاذ الطعام عند قراءة القرآن لأجل الاكل يكره. وفيها من كتاب الاستحسان: وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا اه. وأطال في ذلك المعراج. وقال: وهذه الأفعال كلها للسمعة والرياء فيحترز عنها لأنهم لا يريدون بها وجه الله تعالى اه. وبحث هنا في شرح المنية بمعارضة حديث جرير المار بحديث آخر فيه: أنه عليه الصلاة والسلام دعته امرأة رجل ميت لما رجع من دفنه فجاء وجئ بالطعام. أقول: وفيه نظر، فإنه واقعة حال لا عموم لها مع احتمال سبب خاص، فخلاف ما في حديث جرير. على أنه بحث في المنقول في مذهبنا ومذهب غيرنا كالشافعية والحنابلة استدلالا بحديث جرير المذكور على الكراهة، ولا سيما إذا كان في الورثة صغار أو غائب، مع قطع النظر عما يحصل عند ذلك غالبا من المنكرات الكثيرة كإيقاد الشموع والقناديل التي لا توجد في الأفراح، وكدق الطبول، والغناء بالأصوات الحسان، واجتماع النساء والمردان، وأخذ الأجرة على الذكر وقراءة القرآن، وغير ذلك مما هو مشاهد في هذه الأزمان، وما كان كذلك فلا شك في حرمته وبطلان الوصية به، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: (وبالجلوس لها) أي للتعزية، واستعمال لا بأس هنا على حقيقته، لأنه خلاف الأولى كما صرح به في شرح المنية. وفي الاحكام عن خزانة الفتاوى: الجلوس في المصيبة ثلاثة أيام للرجال جاءت الرخصة فيه، ولا تجلس النساء قطعا اه. قوله: (في غير مسجد) أما فيه فيكره كما في البحر عن المجتبى، وجزم به في شرح المنية والفتح، لكن في الظهيرية: لا بأس به لأهل الميت في البيت أو المسجد والناس يأتونهم ويعزونهم اه. قلت: وما في البحر من أنه (ص) جلس لما قتل جعفر وزيد بن حارثة والناس يأتون ويعزونه اه. يجاب عنه بأن جلوسه (ص) لم يكن مقصودا للتعزية. وفي الامداد: وقال كثير من متأخري أئمتنا: يكره الاجتماع عند صاحب البيت ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزي، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل الناس بأمورهم، وصاحب البيت بأمره اه. قلت: وهل تنتفي الكراهة بالجلوس في المسجد وقراءة القرآن حتى إذا فرغوا قام ولي الميت وعزاه الناس كما يفعل في زماننا؟ الظاهر لا لكون الجلوس مقصودا للتعزية لا للقراءة، ولا سيما إذا كان هذا الاجتماع والجلوس في المقبرة فوق القبور المدثورة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قوله: (وأولها أفضل) وهي بعد الدفن أفضل منها قبله، لان أهل الميت مشغولون قبل الدفن بتجهيزه،
(1) قوله: (وفي البزازية ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث الخ) عبارة البزازية: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثاني والثالث الخ فلعل لفظ الثاني سقط من نسخة المحشي ا ه. 261 ولان وحشتهم بعد الدفن لفراقه أكثر، وهذا إذا لم ير منهم جزع شديد، وإلا قدمت لتسكينهم. جوهرة. قوله: (وتكره بعدها) لأنها تجدد الحزن. منح. والظاهر أنها تنزيهية ط. قوله: (إلا لغائب) أي إلا أن يكون المعزي أو المعزى غائبا فلا بأس بها. جوهرة. قلت: والظاهر أن الحاضر الذي لم يعلم بمنزلة الغائب كما صرح به الشافعية. قوله: (وتكره التعزية ثانيا) في التاترخانية لا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي مرة أخرى رواه الحسن عن أبي حنيفة اه إمداد. قوله: (وعند القبر) عزاه في الحلية إلى المبتغى بالغين المعجمة، وقال: ويشهد له ما أخرج ابن شاهين عن إبراهيم: التعزية عند القبر بدعة اه. قلت: لعل وجهه أن المطلوب هناك القراءة والدعاء للميت بالتثبيت. قوله: (وعند باب الدار) في الظهيرية: ويكره الجلوس على باب الدار للتعزية لأنه عمل أهل الجاهلية وقد نهى عنه، وما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط، والقيام على قوارع الطريق من أقبح القبائح اه بحر. قوله: ويقول أعظم الله أجرك) أي جعله عظيما بزيادة الثواب والدرجات، وأحسن عزاءكم بالمد: أي جعل سلوكك، وصبرك حسنا ابن حجر، وقوله: وغفر لميتك بقوله إن كان الميت مكلفا، وإلا فلا، كما في شرح المنية. وفي كتب الشافعية: ويعزى المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك وصبرك، والكافر بالمسلم: غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك. مطلب في زيارة القبور قوله: (وبزيارة القبور) أي لا بأس بها، بل تندب كما في البحر عن المجتبى، فكان ينبغي التصريح به للامر بها في الحديث المذكور كما في الامداد، وتزار في كل أسبوع كما في مختارات النوازل. قال في شرح لباب المناسك: إلا أن الأفضل يوم الجمعة والسبت والاثنين والخميس، فقد قال محمد بن واسع: الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده، فتحصل أن يوم الجمعة أفضل اه. وفيه يستحب أن يزور شهداء جبل أحد، لما روى ابن أبي شيبة: أن النبي (ص) كان يأتي قبور الشهداء بأحد على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار والأفضل أن يكون ذلك يوم الخميس متطهرا مبكرا لئلا تفوته الظهر بالمسجد النبوي اه. قلت: استفيد منه ندب الزيارة وإن بعد محلها. وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده، وزيارة السيد البدوي وغيره من الأكابر الكرام؟ لم أر من صرح به من أئمتنا، ومنع منه بعض أئمة الشافعية إلا لزيارته (ص)، قياسا على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث. ورده الغزالي بوضوح الفرق، فإن ما عدا تلك المساجد الثلاثة مستوية في الفضل، فلا فائدة في الرحلة إليها. وأما الأولياء فإنهم متفاوتون في القرب من الله تعالى، ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهم. قال ابن حجر في فتاويه: ولا تترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك، لان القربات لا تترك لمثل ذلك، بل على الانسان فعلها وإنكار البدع، بل وإزالتها إن أمكن اه. قلت: ويؤيد ما مر من عدم ترك اتباع الجنازة، وإن كان معها نساء ونائحات. تأمل. قوله: (ولو للنساء) وقيل تحرم عليهن. والأصح أن الرخصة ثابتة لهن. بحر. وجزم في شرح المنية بالكراهة لما مر في اتباعهن الجنازة. وقال الخير الرملي: إن كان ذلك
262 لتجديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن فلا تجوز، وعليه حمل حديث: لعن الله زائرات القبور وإن كان للاعتبار والترحم من غير بكاء والتبرك بزيارة قبور الصالحين فلا بأس إذا كن عجائز. ويكره إذا كن شواب كحضور الجماعة في المساجد اه. وهو توفيق حسن. قوله: (ويقول الخ) قال في الفتح: والسنة زيارتها قائما، والدعاء عندها قائما، كما كان يفعله (ص) في الخروج إلى البقيع ويقول: السلام عليكم الخ. وفي شرح اللباب للمله علي القاري: ثم من آداب الزيارة ما قالوا، من أنه يأتي الزائر من قبل رجلي المتوفي لا من قبل رأسه لأنه أتعب لبصر الميت، بخلاف الأول لأنه يكون مقابل بصره، لكن هذا إذا أمكنه، وإلا فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قرأ أول سورة البقرة عند رأس ميت وآخرها عند رجليه. ومن آدابها أن يسلم بلفظ السلام عليكم على الصحيح لا عليكم السلام، فإنه ورد: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ونسأل الله لنا ولكم العافية ثم يدعو قائما طويلا، وإن جلس يجلس بعيدا أو قريبا بحسب مرتبته في حال حياته اه. قال ط: ولفظ الدار مقحم، أو هو من ذكر اللازم، لأنه إذا سلم على الدار فأولى ساكنها، وذكر المشيئة للتبرك، لان اللحوق محقق، أو المراد اللحوق على أتم الحالات فتصح المشيئة. قوله: (ويقرأ يس) لما ورد: من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات بحر. وفي شرح اللباب: ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي (البقرة: 522). * (وآمن الرسول) * (البقرة: 582) وسورة يس وتبارك الملك وسورة التكاثر والاخلاص اثني عشر مرة (1). أو عشرا أو سبعا أو ثلاثا ثم يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إليهم اه. مطلب في القراءة للميت وإهداء ثوابها له تنبيه: صرح علماؤنا في باب الحج عن الغير بأن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها، كذا في الهداية. بل في زكاة التاترخانية عن المحيط: الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شئ ا ه. هو مذهب أهل السنة والجماعة، لكن استثنى مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها كالصدقة والحج. وخالف المعتزلة في الكل، وتمامه في فتح القدير. أقول: ما مر عن الشافعي هو المشهور عنه. والذي حرره المتأخرون من الشافعية وصول القراءة للميت إن كانت بحضرته أو دعي له عقبها ولو غائبا، لان محل القراءة تنزل الرحمة والبركة، والدعاء عقبها أرجى للقبول، ومقتضاه أن المراد انتفاع الميت بالقراءة لا حصول ثوابها له، ولهذا
(1) قوله: (اثني عشر مرة) هكذا بخطه، وصوابه اثنتي عشرة مرة، وكذلك قول الشارح أحد عشر مرة صوابه إحدى عشرة مرة كما لا يخفى ا ه. مصححه. 263 اختاروا في الدعاء: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته لفلان، وأما عندنا فالواصل إليه نفس الثواب. وفي البحر: من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والاحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة، كذا في البدائع، ثم قال: وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا. والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره، لاطلاق كلامهم، وأنه لا فرق بين الفرض والنفل اه. وفي جامع الفتاوى: وقيل لا يجوز في الفرائض اه. وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحي، فقيل يصحح لاطلاق قول أحمد: يفصل الخير ويجعل نصفه لأبيه أو أمه، وقيل لا لكونه غير محتاج لأنه يمكنه العمل بنفسه. وكذا. اختلف في اشتراط نية ذلك عند الفعل، فقيل لا لكن الثواب له فله التبرع به وإهداؤه لمن أراد كإهداء شئ من ماله، وقيل نعم لأنه إذا وقع له لا يقبل انتقاله عنه وهو الأولى. وعلى القول الأول (1) لا يصح إهداء الواجبات، لان العامل ينوي القربة بها عن نفسه. وعلى الثاني يصح، وتجزى عن الفاعل. وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم للمسلمين وقالوا: نلقى الله تعالى بالفقر والافلاس، والشريعة لا تمنع من ذلك. ولا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه، كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة، لان السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم إذا فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف، كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق، ويصح إهداء نصف الثواب أو ربعه كما نص عليه أحمد، ولا مانع منه. ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل منهم ربعه، فكذا لو أهدى الربع لواحد وأبقى الباقي لنفسه اه ملخصا. قلت: لكن سئل ابن حجر المكي عما لو قرأ لأهل المقبرة الفاتحة هل يقسم الثواب بينهم أو يصل لكل منهم مثل ثواب ذلك كاملا؟ فأجاب بأنه أفتى جمع بالثاني، وهو اللائق بسعة الفضل. مطلب في إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم تتمة: ذكر ابن حجر في الفتاوى الفقهية أن الحافظ ابن تيمية زعم منع إهداء ثواب القراءة للنبي (ص)، لان جنابه الرفيع لا يتجرأ عليه إلا بما أذن فيه، وهو الصلاة عليه وسؤال الوسيلة له. قال: وبالغ السبكي وغيره في الرد عليه، بأن مثل ذلك لا يحتاج لاذن خاص، ألا ترى أن ابن عمر كان يعتمر عنه (ص) عمرا بعد موته من غير وصية، وحج ابن الموفق وهو في طبقة الجنيد عنه سبعين حجة، وختم ابن السراج عنه (ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك اه. قلت: رأيت نحو ذلك بخط مفتي الحنفية الشهاب أحمد بن الشلبي شيخ صاحب البحر عن شرح الطيبة للنويري، ومن جملة ما نقله أن ابن عقيل من الحنابلة قال: يستحب إهداؤها له (ص) اه.
(1) قوله: (وعلى القول الأول) صوابه: وعلى القول الثاني، وكذا قوله وعلى الثاني صوابه على الأول. تأمل. ا ه. 264 قلت: وقول علمائنا له أن يجعل ثواب عمله لغيره يدخل فيه النبي (ص)، فإنه أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له، والكامل قابل لزيادة الكمال، وما استدل به بعض المانعين من أنه تحصيل الحاصل لان جميع أعمال أمته في ميزانه. يجاب عنه بأنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلى عليه، ثم أمرنا بالصلاة عليه، بأن نقول: اللهم صل على محمد، والله أعلم، وكذا اختلف في إطلاق قول: اجعل ذلك زيادة في شرفه (ص)، فمنع منه شيخ الاسلام البلقيني والحافظ ابن حجر لأنه لم يرد له دليل. وأجاب ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثة بأن قوله تعالى: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 411) وحديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: واجعل الحياة زيادة لي في كل خير دليل على أن مقامه (ص) وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات، وكذا ورد في دعاء رؤية البيت: وزد من شرفه وعظمه واعتمره تشريفا الخ، فيشمل كل الأنبياء، ويدل على أن الدعاء لهم بزيادة الشرف مندوب، وقد استعمله الامام النووي في خطبتي كتابيه الروضة والمنهاج، وسبقه إليه الحليمي وصاحبه البيهقي، وقد رد على البلقيني وابن حجر شيخ الاسلام القاياني، ووافقه صاحبه الشرف المناوي، ووافقهما أيضا صاحبهما إمام الحنفية الكمال بن الهمام، بل زاد عليهما بالمبالغة حيث جعل كل ما صح من الكيفيات الواردة في الصلاة عليه (ص) موجودا في كيفية الدعاء بزيادة الشرف، وهي: اللهم صل أبدا أفضل الصلوات على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، وزده تشريفا وتكريما، وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة اه. فانظر كيف جعل طلب هذه الزيادة من الأسباب المقتضية لفضل هذه الكيفية على غيرها من الوارد كصلاة التشهد وغيرها، وهذا تصريح من هذا الامام المحقق بفضل طلب الزيادة له (ص)، فكيف مع هذا يتوهم أن في ذلك محذورا؟ ووافقهم أيضا صاحبهم شيخ الاسلام زكريا اه. ملخصا. قوله: (ويحفر قبرا لنفسه) في بعض النسخ وبحفر قبر لنفسه على أن لفظة حفر مصدر مجرور بالباء مضاف إلى قبر أي ولا بأس به. وفي التاترخانية: لا بأس به، ويؤجر عليه، هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خيثم وغيرهما اه. قوله: (والذي ينبغي الخ) كذا قاله في شرح المنية، وقال: لان الحاجة إليه متحققة غالبا، بخلاف القبر، لقوله تعالى: * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * (لقمان: 43). قوله: (يكره المشي الخ) قال في الفتح: ويكره الجلوس على القبر، ووطؤه، وحينئذ فما يصنعه من دفنت حول أقاربه خلق من وطئ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه، ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة، بل أولى، وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما اه. قلت: وفي الاحكام عن الخلاصة وغيرها: لو وجد طريقا إن وقع في قلبه أنه محدث لا يمشي عليه وإلا فلا بأس به وفي خزانة الفتاوى وعن أبي حنيفة: لا يوطأ القبر إلا لضرورة، ويزار من بعيد ولا يقعد، وإن فعل يكره. وقال بعضهم: لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح أو يدعو لهم اه. وقال في الحلية: وتكره الصلاة عليه وإليه لورود النهي عن ذلك، ثم ذكر عن الامام الطحاوي أنه حمل ما ورد من النهي عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة، وأنه لا
265 يكره الجلوس لغيره جمعا بين الآثار، وأنه قال: إن ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، ثم نازعه بما صرح به في النوادر والتحفة والبدائع المحيط وغيره، من أن أبا حنيفة كره وطئ القبر والقعود أو النوم أو قضاء الحاجة عليه، وبأنه ثبت النهي عن وطئه والمشي عليه، وتمامه فيها. وقيد في نور الايضاح كراهة القعود على القبر بما إذا كان لغير قراءة. قلت: وتقدم أنه إذا بلي الميت وصار ترابا يجوز زرعه والبناء عليه، ومقتضاه جواز المشي فوقه. ثم رأيت العيني في شرحه على صحيح البخاري ذكر كلام الطحاوي المار، ثم قال: فعلى هذا ما ذكره أصحابنا في كتبهم من أن وطئ القبور حرام، وكذا النوم عليها ليس كما ينبغي، فإن الطحاوي هو أعلم الناس بمذاهب العلماء، ولا سيما بمذهب أبي حنيفة انتهى. قلت: لكن قد علمت أن الواقع في كلامهم التعبير بالكراهة لا بلفظ الحرمة، وحينئذ فقد يوفق بأن ما عزاه الامام الطحاوي إلى أئمتنا الثلاثة من حمل النهي على الجلوس لقضاء الحاجة يراد به في نهي التحريم، وما ذكره غيره من كراهة الوطئ والقعود الخ يراد به كراهة التنزيه في غير قضاء الحاجة. وغاية ما فيه إطلاق الكراهة على ما يشمل المعنيين، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قولهم مكروهات الصلاة، وتنتفي الكراهة مطلقا إذا كان الجلوس للقراءة كما يأتي، والله سبحانه أعلم. مطلب في وضع الجريد ونحو الآس على القبور تتمة: يكره أيضا قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة دون اليابس كما في البحر والدرر وشرح المنية، وعلله في الامداد بأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكره الرحمة اه. ونحوه في الخانية. أقول: ودليله ما ورد في الحديث من وضعه عليه الصلاة والسلام الجريدة الخضراء بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان. وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم يبيسا: أي يخفف عنهما ببركة تسبيحهما، إذ هو أكمل من تسبيح اليابس لما في الأخضر من نوع حياة، وعليه فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك لان فيه تفويت حق الميت. ويؤخذ من ذلك ومن الحديث ندب وضع ذلك للاتباع، ويقاس عليه ما اعتيد في زماننا من وضع أغصان الآس ونحوه، وصرح بذلك أيضا جماعة من الشافعية، وهذا أولى مما قاله بعض المالكية من أن التخفيف عن القبرين إنما حصل ببركة يده الشريفة (ص) أو دعائه لهما فلا يقاس عليه غيره. وقد ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، والله تعالى أعلم. قوله: (لا يكره الدفن ليلا) والمستحب كونه نهارا. شرح المنية. قوله: (ولا إجلاس القارئين عند القبر) عبارة نور الايضاح وشرحه: ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار لتأدية القراءة على الوجه المطلوب بالسكينة والتدبر والاتعاظ اه. قوله: (عظم الذمي محترم) فلا يكسر إذا وجد في قبره، لأنه كما حرم إيذاؤه في حياته لأنه مثلة وجبت صيانة نفسه عن الكسر بعد موته. خانية. وأما أهل الحرب، فإن احتيج إلى نبشهم فلا بأس به. تاترخانية عن الحجة، فتنبش وترفع العظام والآثار، وتتخذ مقبرة للمسلمين أو مسجدا كما في الواقعات. إسماعيل. قوله: (إنما يعذب الخ) قال بعضهم: يعذب لما
266 في الحديث إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وقال عامة العلماء: لا لقوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الانعام: 461) وتأويل الحديث أنهم في ذلك الزمان كانوا يوصون بالنوح، فقال عليه الصلاة والسلام ذلك. بحر عن الظهيرية. وفي شرح التكملة أن المراد من الحديث الندب والنياحة. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي (ص) قال ذلك لما مر على قوم يبكون على يهودي فقال: إنه ليعذب وهم يبكون عليه اه. إسماعيل. قوله: (عهد نامه) بفتح الميم وسكون الهاء، ومعناه بالفارسية: الرسالة، والمعنى رسالة العهد. والمعنى أن يكتب شئ مما يدل أنه على العهد الأزلي الذي بينه وبين ربه يوم أخذ الميثاق من الايمان والتوحيد والتبرك بأسمائه تعالى، ونحو ذلك ح. قوله: (يرجى الخ) مفاده الإباحة أو الندب. وفي البزازية قبيل كتاب الجنايات: وذكر الامام الصفار: لو كتب على جبهة الميت أو على عمامته أو كفنه عهد نامه يرجى أن يغفر الله تعالى للميت ويجعله آمنا من عذاب القبر. قال نصير: هذه رواية في تجويز، وقد روي أنه كان مكتوبا على أفخاذ أفراس في إصطبل الفاروق: حبيس في سبيل الله تعالى اه. مطلب فيما يكتب على كفن الميت وفي فتاوى المحقق ابن حجر المكي الشافعي: سئل عن كتابة العهد على الكفن وهو لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقيل إنه: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك (ص)، فلا تكلني إلى نفسي، تقربني من الشر وتبعدني من الخير، وأنا لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدا عندك توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد هل يجوز، ولذلك أصل؟ فأجاب بقوله: نقل بعضهم عن نوادر الأصول للترمذي ما يقتضي أن هذا الدعاء له أصل، وأن الفقيه ابن عجيل كان يأمر به، ثم أفتى بجواز كتابته قياسا على كتابة لله في إبل الزكاة، وأقره بعضهم، وفيه نظر. وقد أفتى ابن الصلاح بأنه لا يجوز أن يكتب على الكفن يس والكهف وغيرهما خوفا من صديد الميت، والقياس المذكور ممنوع، لان القصد ثم التمييز وهنا التبرك، فالأسماء المعظمة باقية على حالها فلا يجوز تعريضها للنجاسة، والقول بأنه يطلب فعله مردود، لان مثل ذلك لا يحتج به إلا إذا صح عن النبي (ص) طلب ذلك وليس كذلك اه. وقدمنا قبيل باب المياه عن الفتح أنه تكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش، وما ذاك إلا لاحترامه وخشية وطئه ونحوه مما فيه إهانة، فالمنع هنا بالأولى ما لم يثبت عن المجتهد أو ينقل فيه حديث ثابت، فتأمل، نعم نقل بعض المحشين عن فوائد الشرجي أن مما يكتب على جبهة الميت بغير مداد بالإصبع المسبحة: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * وعلى الصدر: لا إله الله محمد رسول الله، وذلك بعد الغسل قبل التكفين اه. والله أعلم.
267 باب: الشهيد أخرجه من صلاة الجنازة مبوبا له، مع أن المقتول ميت بأجله لاختصاصه بالفضيلة التي ليست لغيره. نهر. قوله: فعيل الخ) وهو إما من الشهود: أي الحضور، أو من الشهادة: أي الحضور مع المشاهدة بالبصر أبو البصرة. قهستاني. قوله: (لأنه مشهود له بالجنة) أفاد أنه من باب الحذف والإيصال، حذف اللام فاستتر الضمير المجرور ح. وهذا على أنه من الشهادة، وأما على أنه من الشهود فلان الملائكة تشهده إكراما له. قوله: (لأنه حي الخ) هذا على أنه من الشهود، وأما على أنه من الشهادة فلان عليه شاهدا يشهد له وهو دمه وجرحه، أو لأنه شاهد على من قتله بالكفر. قوله: (هو الخ) أي الشهيد في العرف ما ذكر، وهو تعريف له باعتبار الحكم الآتي: أعني عدم تغسيله ونزع ثيابه لا لمطلقه لأنه أعم من ذلك كما سيأتي. قوله: (كل مكلف) هو البالغ العاقل، خرج به الصبي والمجنون فيغسلان عنده خلافا لهما، لان السيف أغنى من الغسل لكونه طهرة، ولا ذنب للصبي ولا للمجنون، وهذا يقتضي أن يقيد المجنون بمن بلغ كذلك، وإلا فلا خفاء في احتياجه إلى ما يطهر ما مضى من ذنوبه، إلا أن يقال: إذ مات على جنونه لم يؤاخذ بما مضى لعدم قدرته على التوبة. بحر. ولا يخفى أن مسلم فيما إذا جن عقب المعصية، أما لو مضى بعدها زمن يقدر فيه على التوبة فلم يفعل كان تحت المشيئة. نهر. قوله: (مسلم) أما الكافر فليس بشهيد وإن قتل ظلما فلقريبه المسلم تغسيله كما مر، وما في ط عن القهستاني غير طاهر. قوله: طاهر) أي ليس به جنابة ولا حيض ولا نفاس ولا انقطاع أحدهما كما هو المتبادر، فإذا استشهد الجنب يغسل، وهذا عنده خلافا لهما، فإذا انقطع الحيض والنفاس واستشهدت فعلى هذا الخلاف، وإن استشهدت قبل الانقطاع تغسل على أصح الروايتين عنه كما في المضمرات. قهستاني. وحاصله أنها تغسل قبل الانقطاع في الأصح كما بعده. وفي رواية: لا تغسل قبله لان الغسل لم يكن واجبا عليها، كما لو انقطع قبل الثلاث فإنها لا تغسل بالاجماع كما في السراج والمعراج. قوله: (فالحائض) المراد بها من كانت من ذوات الحيض لا من اتصفت بالحيض، لئلا ينافي قوله. قوله: لعدم كونها حائضا فافهم. واقتصر في التفريع على بعض أفراد المحترزات لخفائه، لما فيه من التفصيل، ولم يفصل في النفساء لان النفاس لا حد لأقله. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم تراه ثلاثة أيام لا تغسل بالاجماع كما نقلناه آنفا عن السراج والمعراج، فما في الامداد من أن الحائض تغسل سواء كان القتل بعد انقطاع الدم، أو قبل استمراره ثلاثة أيام فهو سهو أو سقط، وصوابه: أو قبله بعد استمراره الخ، فتنبه. قوله: (ولم يعد الخ) استدل الامام على وجوب الغسل لمن قتل جنبا بما صح عنه (ص) أنه قال لما قتل حنظلة بن أبي عامر الثقفي: إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة، فسألوا زوجته، فقالت: خرج وهو جنب، فقال عليه الصلاة والسلام: لذلك غسلته الملائكة وأورد الصاحبان أنه لو كان واجبا لوجب على بني آدم ولما اكتفى بفعل الملائكة. والجواب بالمنع وهو ما أشار إليه الشارح من أنه يحصل بفعلهم بدليل قصة آدم المارة، لان الواجب نفس الغسل، فأما الغاسل
268 فيجوز أن يكون أيا كان كما في المعراج. واعترضه في البحر بأن هذا الغسل عنده للجنابة لا للموت اه: أي وإذا كان للجنابة كما هو ظاهر قوله في الحديث لذلك غسلته الملائكة لم يحسن الاستدلال بقصة الملائكة لان تغسليهم لآدم كان للموت لا للجنابة، لكن فيه أنه إذا وجب للجنابة كان كوجوبه للموت، فدلت القصة على الاكتفاء بفعل الملائكة، لكن تقدم في بحث الغسل أن الميت لو وجد في الماء لا بد من تغسيله لأنا أمرنا به، فيحركه في الماء بنيته لاسقاط الفرض عن ذمة المكلفين لا لطهارته، فلو صلى عليه بلا إعادة لغسله صح وإن لم يسقط عنهم الوجوب، ومقتضاه أنه لا يكتفى بفعل الملائكة إلا أن يفرق بأنه واجب على المكلفين إذا لم يغسله غيرهم لقيام فعله مقام فعلهم، ولذا صح تغسيل الذمي أو الصبي لمسلم مات بين نساء ليس معهن سواهما كما مر. على أن فعل الملائكة بإذن من الله تعالى، فهو إذن من صاحب الحق بالاكتفاء عن فعل المكلفين ولا سيما على القول بتكليفهم، وبعثة نبينا (ص) إليهم، والقصة والحديث دليلان على الاكتفاء بفعلهم. وأما وقوعه في الماء فليس فيه تغسيل من أحد، فلم يسقط الفرض عنهم وإن حصلت الطهارة، كما لو غسله مكلف بلا نية (1) فإنه يجزى لطهارته لا لإسقاطه الفرض عن ذمتنا فتصح الصلاة عليه وإن لم يسقط الفرض عنا، فلذا وجب إعادة غسل الغريق أو تحريكه عند إخراجه بنية الغسل فيكون فعلا منا فيسقط به الفرض عنا، إذ بدونه لم يحصل فعل منا ولا ممن ناب عنا، فاتضح الفرق، هذا ما ظهر لي فاغتنمه فإنه نفيس. قوله: (قتل ظلما) لم يقل قتله مسلم كما في الكنز لان الذمي كذلك، وقيد بالقتل لأنه لو مات حتف أنفه أو ابترد أو حرق أو غرق أو هدم لم يكن شهيدا في حكم الدنيا وإن كان شهيد الآخرة كما سيأتي، وبقوله ظلما لما يأتي من أنه لو قتل بحد أو قصاص مثلا لا يكون شهيدا فيغسل، ودخل فيه المقتول مدافعا عن نفسه أو ماله أو المسلمين أو أهل الذمة فإنه شهيد، لكن لا يشترط كون قتله بمحدد كما في البحر عن المحيط، واستشكله في النهر، ويأتي جوابه. قوله: (بغير حق) تفسير لقوله ظلما. قوله: (بجارحة) أي خلافا لهما كما في النهاية، وهذا قيد في غير من قتله باغ أو حربي أو قطاع طريق بقرينة العطف الآتي، واحترز بها عن المقتول بمثقل فإنه لا يوجب القصاص عنده. قوله: (أي بما يوجب القصاص) أي فالمراد بها ما يفرق الاجزاء، فيدخل فيه النار والقصب كما في الفتح. قوله: (بل قصاص) أي بل وجب به قصاص، أشار به إلى أن وضع المسألة فيمن علم قاتله كما صرح به شراح الهداية، إذ لا قصاص إلا على قاتل معلوم، خلافا لما زعمه صدر الشريعة كما حققه في الدرر. أما إذا لم يعلم قاتله فسيأتي أنه يغسل، لكن كان عليه أن يزيد أو لم يجب به شئ أصلا كقتل الأسير مثله في دار الحرب عند أبي حنيفة، وقتل السيد عبده عن الكل كما في شرح المنية. قوله: (حتى لو وجب الخ) تفريع على مفهوم قوله: بنفس القتل فإن المال لم يجب بنفس القتل العمد، لان الواجب به القصاص، وإنما سقط بعارض وهو الصلح أو شبهة الأبوة، فلا يغسل في الرواية المختارة كما في الفتح.
(1) قوله: (مكلف بلا نية) قد تقدم له ان المدار في اسقاط الفرض على حصول الفعل منا، واما النية فهي شرط للثواب فقط، فحينئذ لا يكون قوله غسله مكلف الخ مناسبا. تأمل. ا ه. 269 فالحاصل أنه إذا وجب بقتله القصاص وإن سقط لعارض أو لم يجب بقتله شئ أصلا فهو شهيد كما علمته. أما إذا وجب به المال ابتداء فلا، وذلك بأن كان قتله شبه العمد كضرب بعصا، أو خطأ كرمي غرض فأصابه، أو ما جرى مجراه كسقوط نائم عليه، وكذا إذا وجب به القسامة لوجوب المال بنفس القتل شرعا، وكذا لو وجد مذبوحا ولم يعلم قاتله سواء وجبت فيه القسامة أو لا هو الصحيح لاحتمال أنه لم يقتل ظلما كما سيأتي، وهو الذي حققه في شرح الدرر اه ملخصا من القهستاني وشرح المنية. قوله: (أو قتل الأب ابنه) أو قتله شخصا آخر يرثه الابن. بحر. كما إذا قتل زوجته وله منها ولد فإن الولد استحق القصاص على أبيه فيسقط للأبوة. قوله: (ولم يرتث) بالبناء للمجهول وتشديد المثلثة آخره، أشار إلى أن شرط عدم الارتثاث ليس خاصا بشهيد المعركة، ولذا لما قتل عمر وعلي غسلا لأنهما ارتثا، وعثمان أجهز عليه في مصرعه ولم يرتث فلم يغسل كما في البدائع، وسيجئ بيان الارتثاث. قوله: (وكذا يكون شهيدا الخ) أي بشرط أن لا يرتث أيضا. قوله: (أو قاطع طريق) والمكابرون في المصر ليلا بمنزلة قطاع الطريق كما في البحر عن شرح المجمع، فمن قتلوه ولو بغير محدد فهو شهيد، كما لو قتله القطاع، وكذا من قتله اللصوص ليلا، كما سيأتي. وذكر في البحر أنه زاد في المحيط سببا رابعا، وهو من قتل مدافعا ولو عن ذمي فإنه شهيد بأي آلة قتل وإن لم يكن واحدا من الثلاثة: أي ممن قتله باغ أو حربي أو قاطع طريق. وقال في النهر: كونه شهيدا وإن قتل بغير محدد مشكل جدا لوجوب الدية بقتله، فتدبره ممعنا النظر فيه اه. قلت: يمكن حمله على ما إذا لم يعلم قاتله عينا، كما لو خرج عليه قطاع طريق أو لصوص أو نحوهم. وفي البحر عن المجتبى: إذا التقت سريتان من المسلمين وكل واحدة ترى أنهم مشركون فأجلوا عن قتلى من الفريقين. قال محمد: لا دية على أحد ولا كفارة لأنهم دافعون عن أنفسهم، ولم يذكر حكم الغسل، ويجب أن يغسلوا، لان قاتلهم لم يظلمهم اه. ومفاده أنه لو كانت إحدى الفرقتين ظالمة للأخرى، بأن علموا حالهم لا يغسل من قتل من الأخرى وإن جهل قاتله عينا لكونه مدافعا عن نفسه وجماعته. تأمل. قوله: (ولو تسببا) لان موته يكون مضافا إليهم، فلو أوطؤوا دابتهم مسلما، أو نفروا دابة مسلم فرمته، أو رموا نارا في سفينة فاحترقت ونحو ذلك، فهو شهيد. أما لو قتل بانفلات دابة مشرك ليس عليها أحد أو دابة مسلم أو برمينا إليهم فأصابه أو نفر المسلمون منهم فألجؤوهم إلى خندق أو نار أو نحوه فمات لم يكن شهيدا، خلافا لأبي يوسف، لان فعله يقطع النسبة إليهم، وتمامه في البحر. قوله: (المراد بالجراحة علامة القتل) ليشمل ما ذكره من الجراحة الباطنة، وما ليس بجراحة أصلا كخنق وكسر عضو. وفيه إشارة إلى أن الأولى قوله الهداية وغيرها: أو وجد في المعركة وبه أثر اه. فلو لم يكن به أثرا أصلا لا يكون شهيدا، لأن الظاهر أنه لشدة خوفه انخلع قلب. فتح: أي فلم يكن بفعل مضاف إلى العدو، بدائع. قوله: (كخروج الدم الخ) أي إن كان الدم يخرج من مخارقه ينظر، إن كان موضعا يخرج منه الدم من غير آفة في الباطن كالأنف والذكر والدبر لم يكن شهيدا، لان المرء قد يبتلي بالرعاف، وقد يبول
270 دما لشدة الفزع، وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن فوقع الشك في سقوط الغسل فلا يسقط بالشك، وإن كان يخرج من أذنه أو عينه كان شهيدا لأنه لا يخرج منهما عادة إلا لآفة في الباطن، فالظاهر أنه ضرب على رأسه حتى خرج منهما الدم، وإن كان يخرج من فمه، فإن نزل من رأسه لم يكن شهيدا، وإن كان يعلو من جوفه كان شهيدا لأنه لا يصعد إلا لجرح في الباطن، وإنما يميز بينهما بلون الدم. بدائع، فالنازل من الرأس صاف والصاعد من الجوف علق. جوهرة وفتح. والعلق: الجامد، واستشكله في الفتح بأن المرتقي من الجوف قد يكون رقيقا من قرحة في الجوف على ما تقدم في الطهارة فلا يلزم كونه من جراحة حادثة بل أحد المحتملان اه. قوله: (صافيا) قيد لقوله: أو حلقه وكذا قوله الآتي: جامدا وفيه قلب. والصواب ذكر جامدا في الأول وصافيا في الثاني كما علم مما نقلناه آنفا. قوله: (فينزع عنه الخ) شروع في أحكامه، والمراد بما لا يصلح للكفن مثل الفرو والحشو والقلنسوة والخف والسلاح والدرع لا السراويل، فلا ينزع في الأشبه كما في الهندية عن الهنداوي، وكذا لا ينزع الفرو الحشو إذا لم يوجد غيره كما أفاده في الامداد. قوله: (ويزاد إن نقص) في المحيط: قيل إن قولهم: يزاد وينقص معناه: يزاد ثوب جديد تكريما وينقص ما شاؤوا، وإن كان عليه ما يبلغ السنة. وقيل يزاد إذا قل وينقص إذا كثر حتى يبلغ السنة، وهذا أنسب بقوله: ليتم كفنه قهستاني. قال في البحر: وأشار إلى أنه يكره أن ينزع عنه جميع ثيابه ويجدد الكفن، ذكره الاسيبجابي اه. قوله: (لحديث الخ) أي لقوله (ص) في شهداء أحد زملوهم بكلومهم ودمائهم رواه أحمد، كذا في شرح المنية. ثم ذكر دليل الصلاة عليه أنه عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد، وساق أحاديث وقال: كل منها إن سلم أنه لم يرتق إلى درجة الصحة فليس بنازل عن درجة الحسن، ومجموعها مرتق إليها قطعا، فتعارض ما في البخاري عن جابر، وترجح عليه بأنها مثبتة وهو ناف، وتمامه فيه. والتزميل، اللف. والكلوم: جمع كلم بفتح فسكون: الجرح. قوله: (أي في موضع تجب فيه الدية) فالمراد بالمصر والقرية ما يشمل ما قرب منهما، وخرج ما لو وجد في مفازة ليس بقربها عمران، فإنه لا تجب فيه قسامة ولا دية، فلا يغسل لو وجد به أثر القتل كما في البحر والمعراج. قوله: (ولم يعلم قاتله) أي مطلقا، سواء قتل بما يوجب القصاص أو لا، لعدم تحقق كون قتله ظلما، ولوجب الدية. ولما كان مفهومه أنه إن علم لا يغسل مطلقا أيضا مع أن الاطلاق غير مراد، فصل الشارح بأنه إن علم ولم يجب القصاص بأن قتل بمثقل أو خطأ فكذلك: أي يغسل، وإلا فلا، وكأن المصنف أطلقه على التقييد استغناء بما مر من قوله: قتل ظلما الخ. قوله: (كمن قتله اللصوص الخ) أي سواء قتل بسلاح أو غيره، وكذا من قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فإنه شهيد، لان القتل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال. بحر عن البدائع. لان موجب قطع الطريق القتل لا المال كما في البدائع. قوله:
271 (فليحفظ الخ) أصل ذلك لصاحب البحر حيث قال بعد ما مر عن البدائع: وبهذا يعلم أن من قتله اللصوص في بيته ولم يعلم له قاتل معين منهم لعدم وجودهم فإنه لا قسامة ولا دية على أحد، لأنهما لا يجبان إلا إذا لم يعلم القاتل، وهنا قد علم أن قاتله اللصوص وإن لم يثبت عليهم لفرارهم، فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون اه. قلت: ووجه الغفلة طلاق ما سيأتي في القسامة من أنه إذا وجد قتيل في دار نفسه فالدية على عاقلة ورثته، ولم أر من قيده هناك بما ذكر هنا، فلذا أكد في التنبيه عليه. قوله: (أي يغسل) أفاد أنه معطوف على صلة من في قوله: ويغسل من وجد الخ، لان هذا القتل ليس بظلم وهو المناط. إسماعيل. قوله: (أو جرح) فعل ماض مبني للمفعول وهو عطف على قتل، وقوله، وارتث بالبناء للمفعول: أي حمل من المعركة رثيثا: أي جريحا. وفي النهاية: الرث: البالي الخلق: أي صار خلقا في الشهادة، ومعناه الشرعي ما أفاده بقوله بأن أكل الخ. نهر: لأنه حصل له بذلك رفق من مرافق الحياة فلم تبق شهادته على جدتها وهيئتها التي كانت في شهداء أحد الذين هم الأصل في حكمه، لان ترك الغسل على خلاف القياس المشروع في حق سائر أموات بني آدم، فيراعى فيه جميع الصفات التي كانت في المقيس عليه، وتمامه في شرح المنية. قوله: (ولو قليلا) يرجع إلى الأربعة قبله. أفاده في البحر ط. قوله: (أو أوى خيمة) بالمد والقصر يتعدى بإلى وأنكر بعضهم تعديته بنفسه. وقال الأزهري: إنها لغة فصيحة كما ذكره ابن الأثير. أفاده القهستاني والمراد هنا ما إذا ضربت عليه خيمة وهو في مكانه، وإلا فهي مسألة النقل من المعركة. أفاده في البحر. قوله: (وهو يعقل) فلو لم يعقل لا يغسل وإن زاد على يوم وليلة. قوله: (ويقدر على أدائها) كذا قيده الزيلعي وقال: حتى يجب عليه القضاء بتركها فيكون بذلك من أحكام الدنيا كما في الدرر، قال في الفتح: والله أعلم بصحته، وتمامه في البحر. قوله: (أو نقل من المعركة) أو من المكان الذي جرح فيه كما في الينابيع. إسماعيل. قوله: (وكذا الخ) أي بالأولى. قوله: (لا لخوف وطئ الخيل) قيد لقوله: أو نقل من المعركة فحينئذ لا يكون النقل منافيا للشهادة، وهذا القيد (1) مذكور في شرح الزيادات والكافي والمنبع وابن ملك وغرر الأذكار والزيلعي والدرر وغيرها. إسماعيل. وكذا في الهداية والبدائع معللا بأنه ما نال شيئا من راحة الدنيا. قوله: (وهو الأصح) ذكر في البحر عن المحيط أن الأظهر أنه لا خلاف، فقول أبي يوسف: إنه لا يكون (2) مرتثا، فيما إذا أوصى بأمور الدنيا، وقول محمد بعدمه، فيما إذا أوصى بأمور الآخرة كما في وصية سعد بن الربيع، وجزم به في النهر.
(1) قوله: (وهذا القيد الخ) أشار بعزو هذا القيد إلى هذه الكتب إلى الرد على بعض الشرح من التسوية بينه وبين قوله للتداوي منلا بحثا ا ه. (2) قوله: (يقول أبي يوسف انه لا يكون الخ) الصواب اسقاط لا. تأمل. ا ه. 272 وذكر ط وصية سعد عن سيرة الشامي حاصلها أن رسول الله (ص) أرسل إليه من ينظر حاله فقال: إني في الأموات، فأبلغ رسول الله (ص) عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقل له: إني أجد ريح الجنة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله (ص) مكروه وفيكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات. قوله: (أو تكلم بكلام كثير) يمكن حمله على كلام ليس بوصية توفيقا بينهما، لكن ذكر أبو بكر الرازي أنه لو أكثر كلامه في الوصية غسل، لأنها إذا طالت أشبهت أمور الدنيا. بحر عن غاية البيان. قلت: يمكن حمل ما ذكره الرازي على الوصية بأمور الدنيا، بدليل ما مر من وصية سعد، فإن فيها كلاما طويلا. قوله: (وإلا فلا) أي وإن لم يكن كثيرا ككلمة أو كلمتين فلا يكون مرتثا. قوله: (وهذا كله) أي كون ما ذكر في بيان ارتثاث موجبا للغسل. درر. قوله: (إذا كان الخ) هذا الشرط يظهر فيمن قتل بمحاربة، أما من قتل بغيرها كمن قتل ظلما فلا يظهر فيه، بل إن ارتث غسل وإلا لا، ولذا لم يقتد به هناك. قوله: (وكل ذلك) أي ما تقدم من الشروط وهي ست كما في البدائع: العقل، والبلوغ، والقتل ظلم، وأن لا يجب به عوض مالي، والطهارة عن الحدث الأكبر، وعدم الارتثاث ط. مطلب في تعداد الشهداء قوله: (في الشهيد الكامل) وهو شهيد الدنيا والآخرة، وشهادة الدنيا بعدم الغسل إلا لنجاسة أصابته غير دمه كما في أبي السعود، وشهادة الآخرة بنيل الثواب الموعود للشهيد. أفاده في البحر ط. والمراد بشهيد الآخرة: من قتل مظلوما أو قاتل لاعلاء كلمة الله تعالى حتى قتل، فلو قاتل لغرض دنيوي فهو شهيد دنيا فقط، تجري عليها أحكام الشهيد في الدنيا، وعليه فالشهداء ثلاثة. قوله: (ونحوه) أي كالمجنون والصبي والمقتول ظلما إذا وجب بقتله مال. قوله: (والمطعون) وكذا من مات في زمن الطاعون بغيره إذا أقام في بلده صابرا محتسبا فإن له أجر الشهيد كما في حديث البخاري وذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يسأل في قبره. أجهوري. قوله: (والنفساء) ظاهره سواء ماتت وقت الوضع أو بعده قبل انقضاء مدة النفاس ط. قوله: (والميت ليلة الجمعة) أخرج حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال عن مرسل إياس بن بكير أن رسول الله (ص) قال: من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد أجهوري. قوله: (وهو يطلب العلم) بأن كان له اشتغال به تأليفا أو تدريسا أو حضورا فيما يظهر، ولو كل يوم درسا، وليس المراد الانهماك ط. قوله: (وقد عدهم السيوطي الخ) أي في التثبيت نحو الثلاثين فقال: من مات بالبطن.
273 واختلف فيه، هل المراد به الاستسقاء أو الاسهال؟ قولان. ولا مانع من الشمول أو الغرق أو الهدم أو بالجنب: هي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تنتفخ في الجنب، أو بالجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي الجيم. والمعنى: أنها ماتت من شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة، وقد تفتح الجيم أيضا على قلة. قال (ص): أيما امرأة ماتت بجمع فهي شهيدة أو بالسل وهو داء يصيب الرئة، ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار. وفي الغربة أو بالصرع، أو بالحمى، أو دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة، أو بالعشق مع العفاف والكتم وإن كان سيئة حراما، أو بالشرق، أو بافتراس السبع، أو بحبس سلطان ظلما، أو بالضرب، أو متواريا، أو لدغته هامة، أو مات على طلب العلم الشرعي، أو مؤذنا محتسبا، أو تاجرا صدوقا، ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه، يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال كان حقا على الله تعالى أن يجعله من الشهداء في درجاتهم يوم القيامة، والمائد في البحر: أي الذي حصل له غثيان، والذي يصيبه القئ له أجر شهيد، ومن ماتت صابرة على الغيرة لها أجر شهيد، ومن قال كان يوم خمسا وعشرين مرة: اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ثم مات على فراشه أعطاه الله أجر شهيد، ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يترك الوتر سفرا ولا حضرا كتب له أجر شهيد، والمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ومن قال في مرضه أربعين مرة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فمات أعطي أجر شهيد، وإن برئ، برئ مغفورا له وحذفت أدلة ذلك طلبا للاختصار اه ملخصا ط. أقول: وقد نظمها العلامة الشيخ علي الأجهوري المالكي وشرحها شرحا لطيفا، وذكر نحو الثلاثين أيضا، لكنه زاد على ما هنا: من مات بالطاعون كما مر أو بالحرق أو مرابطا أو يقرأ كل ليلة سورة يس، ومن صرع عن دابة فمات، ويحتمل أن يكون هو المراد بقوله فيما مر: أو بالصرع، ومن مات على طهارة فمات، ومن عاش مداريا مات شهيدا أخرجه الديلمي، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة أخرجه الطبراني. ومن سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد. رواه الحاكم وغيره. ومن جلب طعاما إلى مصر من أمصار المسلمين كان له أجر شهيد. رواه الديلمي. ومن مات يوم الجمعة كما مر. وسئل الحسن عن رجل اغتسل بالثلج فأصابه البرد فمات، فقال: يا لها من شهادة وأخرج الترمذي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله (ص): من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة حتى يصبح اه. وبذلك زادت على الأربعين، وقد عدها بعضهم أكثر من خمسين، وذكرها الرحمتي منظومة فراجعه. مطلب: المعصية هل تنافي الشهادة؟ خاتمة: ذكر الأجهوري قال في العارضة: من غرق في قطع الطريق فهو شهيد وعليه إثم معصيته، وكل من مات بسبب معصية فليس بشهيد، وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة فله أجر شهادته وعليه إثم معصيته، وكذلك لو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت فلهم الشهادة وعليهم إثم المعصية انتهى، ثم نقل عن بعض شيوخه أنه يؤخذ منه
274 أن من شرق بالخمر فمات فهو شهيد لأنه مات في معصية لا بسببها، ثم نظر فيه لأنه مات بسببها، لان الشرقة بالخمر معصية لأنها شرب خاص. قال: ويتردد النظر فيمن ماتت بالولادة من الزنا أن سبب السبب هل يكون بمنزلة السبب فلا تكون شهيدة أم لا؟ والظاهر الأول اه. وجزم الرملي الشافعي بالثاني وقال: أي فرق بينها وبين من ركب البحر لمعصية أو سافر آبقا أو ناشزة، بخلاف ما إذا ركب البحر في وقت لا تسير فيه السفن أو تسببت امرأة في إلقاء حملها للعصيان بالسبب اه ملخصا. قلت: الذي يظهر تقييد ركوب البحر أو السفر بما إذا كان لغير معصية، وإلا كان معصية لكونه سببا للمعصية فهو كمن قاتل عصبية فجرح ثم مات، فالمناسب ما نقله عن بعضهم من تقييد السفر بالإباحة. والله أعلم. باب: الصلاة في الكعبة لما بين حكم الصلاة خارجها شرع في بيانها داخلها، وقدم الأول لكثرة وقوعه. قوله: (في الباب زيادة) وهي الصلاة عليها وحولها ط. قوله: (وهو حسن) بخلاف ما لو نقص عنها ومثله الزيادة على ما في السؤال كقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن التطهر بماء البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قوله: (يصح فرض ونفل فيها) أي في جوفها. وعن مالك: لا يصح الفرض فيها، لأنه إن كان استقبل جهة كان مستدبرا جهة أخرى. ولنا أن الواجب استقبال جزء منها غير عين، وإنما يتعين الجزء قبلة له الشروع في الصلاة والتوجه إليه، ومتى صار قبلة فاستدبار غيره لا يكون مفسدا، وعلى هذا ينبغي أنه لو صلى ركعة إلى جهة أخرى لم يصح، لأنه صار مستدبرا الجهة التي صارت قبلة في حقه بيقين بلا ضرورة، بخلاف المتحري، لان ما تحول عنها لم تصر قبلة له بيقين بل باجتهاد، ولم يبطل ما أدى بالاجتهاد الأول، لان ما مضى باجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله. بدائع ملخصا. قوله: (هي العرصة والهواء) أي لا البناء بدليل أنه لو نقل إلى عرصة أخرى وصلى إليه لم يجز، ولأنه لو صلى على أبي قبيس جازت بالاجماع، مع أنه لم يصل إلى البناء. بدائع. والعرصة بالسكون: كل بقعة من الدور ليس فيها بناء. قاموس. قوله: (إلى عنان السماء) بفتح العين المهملة: نواحيها، وبكسرها: ما بدا لك منها إذا نظرتها. قاموس. قوله: (وإن كره الثاني) أي الصلاة فوقها. قوله: (للنهي) لأنها من السبع التي نهى عنها رسول الله (ص) وجمعها الطرسوسي في قوله: نهى الرسول أحمد خير البشر * عن الصلاة في بقاع تعتبر معاطن الجمال ثم المقبرة * مزبلة طريقهم ومجزره وفوق بيت الله والحمام * والحمد لله على التمام قوله: (وإن اختلفت وجوههم) شامل لست عشرة صورة حاصلة من ضرب أربع: وجه المؤتم، وقفاه، ويمينه، ويساره في مثلها من الامام ح.
275 قلت: ويشمل ست عشرة صورة أيضا حاصلة من ذلك بالنظر إلى المقتدين بعضهم مع بعض، كما أشار إليه في البدائع، حيث قال: وكذا إذا كان وجه بعضهم إلى ظهر بعض وظهر بعضهم إلى ظهر بعض لوجود استقبال القبلة. قوله: (في التوجه إلى الكعبة) زاده للإشارة إلى أنه ليس المراد اختلفت وجوههم بعضها عن بعض، لأنه على هذا التقدير لا يشمل صورة المواجهة ط. تأمل. قوله: (إلى وجه إمامه) أي بأن يتوجه إلى الجهة التي توجه إليها إمامه، ويكون متقدما عليه فيها، سواء كاظهره مسامتا لوجه إمامه أو منحرفا عنه يمينا أو يسارا، لان العلة التقدم عند اتحاد الجهة. قوله: (ويكره الخ) قال في شرح الملتقى: لأنه يشبه عبادة الصور. وفي القهستاني عن الجلابي: وينبغي أن يجعل بينه وبين الامام سترة، بأن يعلق نطعا أو ثوبا ط: أي ليمنع عن المواجهة. قوله: (فهي أربع) يعني الجوانب من كل من المؤتم والامام فلا ينافي ما مر من أنها ستة عشرة، فافهم. قوله: (ويصح لو تحلقوا حولها) شروع في حكم الصلاة خارجها، والتحلق جائز، لان الصلاة بمكة تؤدى هكذا من لدن رسول الله (ص) إلى يومنا هذا والأفضل للامام أن يقف في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام. بدائع. قوله: (إن لم يكن في جانبه) أما إذا كان أقرب إليها من الامام في الجهة التي يصلي إليها الامام، بأن كان متقدما على الامام بحذائه فيكون ظهره إلى وجه الامام، أو كان على يمين الامام أو يساره متقدما عليه من تلك الجهة ويكون ظهره إلى الصف الذي مع الامام ووجهه إلى الكعبة، فلا يصح اقتداؤه، لأنه إذا كان متقدما عليه لا يكون تابعا له. بدائع. قوله: (لتأخره حكما) علة لصحة صلاة الأقرب إليها من إمامه إن لم يكن في جانب الامام، لان التقدم إنما يظهر عند اتحاد الجهة، فإذا لم تتحد لم يتحقق تقدمه على إمامه، والمانع من صحة الاقتداء هو التقدم ولم يوجد، وبما قررناه ظهر أن الأولى في التعليل أن يقول لعدم تقدمه، لان صحة الاقتداء لا تتوقف على التأخر بل تكون مع المساواة كما مر في محله. قوله: (وينبغي الفساد احتياطا الخ) البحث للشرنبلالي في حاشية الدرر، وكذا للرملي في حاشية البحر. وبيانه: أن المقتدى إذا استقبل ركن الحجر مثلا يكون كل من جانبيه جهة له، فإذا كان الامام مستقبلا لباب الكعبة وكان المقتدي أقرب إليها من الامام لا يصح، لان المقتدى وإن كان جانب يساره جهة له لكن جهة يمينه لما كانت جهة إمامه ترجحت احتياطا تقديما لمقتضى الفساد على مقتضى الصحة،
276 ومثل ذلك لو استقبل الامام الركن وكان أحد المقتدين من جانبيه أقرب إلى الكعبة. وعبارة الخير الرملي أقول: رأيت في كتب الشافعية: لو توجه الامام أو المأموم إلى الركن فكل من جانبيه جهته، وأقول: ولا شئ من قواعدنا يأباه، فلو صلى الامام إلى الركن فكل من جانبيه جانبه فينظر إلى من عن يمينه وشماله من المقتدين، فمن كان الامام أقرب منه إلى الحائط أو بمساواته له فيحكم بصحة صلاته، وأما الذي هو أقرب من الامام إلى الحائط فصلاته فاسدة، وبه يتضح الحال في التحلق حول الكعبة المشرفة مع الامام في سائر الأحوال اه. قوله: (وكذا لو اقتدوا من خارجها بإمام فيها الخ) أي سواء كان معه بعض القوم أو لا. قال في الامداد: ولعل اشتراط فتح الباب ليعلم انتقال الامام بالنظر إليه، فلو سمع انتقالاته بالتبليغ والباب مغلق لا مانع من صحة الاقتداء لعدم المانع منه كما قدمناه في شروط صحة الاقتداء اه. ولكنه يكره ذلك لارتفاع مكان الامام قدر القامة، كانفراده على الدكان إن لم يكن معه أحد ط. أقول: ولم أر من ذكر عكس المسألة، وهو ما لو كان المقتدي فيها والامام خارجها. والظاهر الصحة إن لم يمنع مانع من التقدم على الامام عند اتحاد الجهة. ثم رأيت رسالة لسيد عبد الغني سماها (نفض الجمعة في الاقتداء من جوف الكعبة) ذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة وأنه وقع فيها اختلاف بين أهل عصره في مكة، وأنه أجاب بعضهم بالجواز وبعضهم بالمنع، ولم توجد منصوصة، وأجاب هو بالجواز، ورد ما استند إليه المانع، وذكر أنه ذكرها الزركشي من الشافعية في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد وذكر أن قواعدنا لا تأبى ما ذكره من الجواز اه. قلت: ولما حججت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف اجتمعت في منى سقى الله عهدها مع بعض أفاضل الروم من قضاة المدينة المنورة، فسألني عن هذه المسألة، فقلت له ما تقدم، فقال: لا يصح الاقتداء، لان المقتدى يكون أقوى حالا من الامام لكونه داخلها والامام خارجها، وبني على ذلك أنه لا يصح اقتداء من يصلي في الحجر إذا كان الامام في جهة أخرى، لان الحجر من الكعبة، وقال: إذا وليت قضاء مكة أمنع الناس من ذلك، فعارضته بأن ما ذكرته من القوة لا يؤثر في المنع للتساوي في الواجب وهو استقبال جزء من الكعبة، وبأن التحلق حول الكعبة عادة قديمة من عهد النبي (ص) وإن كان الامام خارج الحجر، ولم نسمع عن أحد من المجتهدين أو ممن بعدهم أنه منع من وصل الصفو ف في الحجر، فكان ذلك إجماعا على الصحة، وبأن الحجر: أي بعضه ليس من الكعبة على سبيل القطع، ولذا لا تصح الصلاة مستقبلا إليه، وإنما هو ظني، فإذا وجدت شروط الصحة القطعية لا يحكم بالفساد لأمر ظني بعد تسليم أصل المسألة، وإلا فهو غير مسلم لما علمت، والله تعالى أعلم.
277 كتاب الزكاة إنما ترك في العنوان العشر وغيره أنه داخل فيه تغليبا أو تبعا. قهستاني. قوله: (قرنها) بصيغة المصدر مبتدأ، وقوله: دليل الخ خبر ط. وحاصله أن القياس ذكر الصوم عقب الصلاة كما فعل قاضيخان لأنه بدني محض مثلها، إلا أن أكثرهم قدموا الزكاة عليه اقتداء بكتاب الله تعالى. نوح. ولأنها أفضل العبادات بعد الصلاة. قهستاني. قلت: وهو موافق لما في التحرير وشرحه أوائل الفصل الثاني من الباب الأول من أن ترتيبها في الأشرفية بعد الايمان هكذا: الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم العمرة والجهاد والاعتكاف، وتمام الكلام عليه هناك. قوله: (في اثنين وثمانين موضعا) كذا عزاه في البحر إلى المناقب البزازية، وتبعه النهر والمنح. قال ح: وصوابه اثنين وثلاثين كما عده شيخنا السيد رحمه الله تعالى. قوله: (قبل فرض رمضان) هذا ممن يحسن تقديمها على الصوم ط. قوله: (ولا تجب على الأنبياء) لان الزكاة طهرة لمن عساه أن يتدنس والأنبياء مبرؤون منه، وأما قوله تعالى: * (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * (مريم: 13) فالمراد بها زكاة النفس من الرذائل التي لا تليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أوصاني بتبليغ الزكاة وليس المراد زكاة الفطر، لان مقتضى جعل عدم الزكاة من خصوصياتهم أنه لا فرق بين زكاة المال والبدن، كذا أفاده الشبراملسي. قوله: (الطهارة) هذا أنسب مما في بعض النسخ من إبداله بالنظافة. قوله: (والنماء) أي الزيادة، ولها معان أخر: البركة، يقال زكت البقعة: إذا بورك فيها، والمدح، يقال زكى نفسه: إذا مدحها، والثناء الجميل، يقال زكى الشاهد: إذا أثنى عليه. بحر. وكلها توجد في المعنى الشرعي لأنها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل والمال بإنفاق بعضه، ولذا كان المدفوع مستقذرا فحرم على آل البيت: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 201) وتنميه بالخلف: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) * (سبأ: 93) * (ويربي الصدقات) * (البقرة: 672) وبها تحصل البركة لا ينقص مال من صدقة ويمدح بها الدافع ويثني عليه بالجميل * (والذين هم للزكاة فاعلون) * * (وقد أفلح من تزكى) *. قوله: (وشرعا تمليك الخ) أي إنها اسم للمعنى المصدري لوصفها بالوجوب الذي هو من صفات الافعال، ولان موضوع علم الفقه فعل المكلف. ونقل القهستاني أنها شرعا: القدر الذي يخرجه إلى الفقير، ثم قال: وفي الكرماني أنها في القدر مجاز شرعا، فإنها إيتاء ذلك القدر، وعليه المحققون كما في المضمرات وهو القابل للعنوان، وبالاشتراك، قاله الزمخشري وابن الأثير اه. وقوله تعالى: * (آتوا الزكاة) * (الحج: 87) ظاهره القدر الواجب، ويحتمل تأويل الايتاء بإخراج الفعل من العدم إلى الوجود كما في: * (أقيموا الصلاة) * (الحج: 87). تنبيه: هذا التعريف لا يدخل فيه زكاة السوائم لأنه يأخذها العامل ولو جبرا فلم يوجد التمليك من المزكي، إلا أن يقال: إن السلطان أو عامله بمنزلة الوكيل عنه في صرفها مصارفها
278 وتمليكها أو عن الفقراء، فتأمل. قوله: (خرج الإباحة) فلا تكفي فيها، وأما الكفارة فلم تخرج بقيد التمليك، لان الشرط فيها التمكين وهو صادق بالتمليك وإن صدق بالإباحة أيضا، نعم تخرج بقوله جزء مال الخ، فافهم. قوله: (إلا إذا دفع إليه المطعوم) لأنه بالدفع إليه بنية الزكاة يملكه فيصير آكلا من ملكه، بخلاف ما إذا أطعمه معه، ولا يخفى أنه يشتر كونه فقيرا، ولا حاجة إلى اشتراط فقر أبيه أيضا لان الكلام في اليتيم ولا أبا له، فافهم. قوله: (كما لو كساه) أي كما يجزئه لو كساه ح. قوله: (بشرط أن يعقل القبض) قيد في الدفع والكسوة كليهما ح. وفسره في الفتح وغيره بالذي لا يرمى به ولا يخدع عنه، فإن لم يكن عاقلا فقبض عنه أبوه أو وصية أو من يعوله قريبا أو أجنبيا أو ملتقطه صح كما البحر والنهر، وعبر بالقبض لان التمليك في التبرعات لا يحصل إلا به فهو جزء من مفهومه، فلذا لم يقيد به أولا كما أشار إليه في البحر تأمل. قوله: (إلا إذا حكم عليه بنفقتهم) أي نفقة الأيتام، والأولى إفراد الضمير لان مرجعه في كلامه مفرد: أي إلا إذا كان اليتيم ممن تلزمه نفقته وقضى عليه بها: أي فلا تجزيه عن الزكاة لأنه استثناء من المستثنى الذي هو إثبات، وهذا إذا كان يحتسب المؤدى إليه من النفقة، أما إذا احتسبه من الزكاة فيجزئه كما في البحر عن الولوالجية، ومثله في التاترخانية عن العيون، فكان على الشارح أن يقول: واحتسبه منها، كما أفاده ح. قلت: والظاهر أنه إذا احتسبه من الزكاة تسقط عنه النفقة المفروضة لاكتفاء اليتيم بها، لما صرحوا به من أن نفقة الأقارب تجب باعتبار الحاجة، ولذا تسقط بمضي المدة ولو بعد القضاء لوقوع الاستغناء عما مضى، وهنا كذلك فتأمل. قوله: (خلافا للثاني) (1) أي أبي يوسف، فعنده يصح. وعبارة البزازية: قضى عليه بنفقة ذي رحمه المحرم فكساه وأطعمه ينوي الزكاة صح عند الثاني اه. زاد في الخانية: وقال محمد: يجوز في الكسوة ولا يجوز في الاطعام، وقول أبي يوسف في الاطعام خلاف ظاهر الرواية اه. قلت: هذا إذا كان على طريق الإباحة دون التمليك كما يشعر به لفظ الاطعام، ولذا قال في التاترخانية عن المحيط: إذا كان يعول يتيما ويجعل ما يكسوه ويطعمه من زكاة ماله، ففي الكسوة لا شك في الجواز لوجود الركن وهو التمليك، وأما الطعام فما يدفعه إليه بيده يجوز أيضا لما قلنا، بخلاف ما يأكله بلا دفع إليه. قوله: (فلو أسكن الخ) عزاه في البحر إلى الكشف الكبير وقال قبله: والمال كما صرح به أهل الأصول ما يتمول ويدخر للحاجة، وهو خاص بالأعيان فخرج به تمليك المنافع اه. قوله: (عينه) أي الجزء أو المال وقول الشارح: وهو ربع عشر نصاب صالح لهما، فإن ربع العشر معين والنصاب معين أيضا، فافهم. قوله: (وهو ربع عشر نصاب) أي أو ما يقوم مقامه من صدقات السوائم كما أشار إليه في البحر ط. قوله: (خرج النافلة الخ) لأنهما غير معينين، أما النافلة فظاهر، وأما الفطرة فلأنها وإن كانت مقدرة بالصاع من نحو تمر أو شعير وبنصفه من نحو بر
(1) قوله: (خلافا للثاني) هكذا بخطه، ولا وجود لذلك في نسخ الشارح التي بيدي، وليحرر ا ه مصححه. 279 أو زبيب فليست معينة من المال لوجوبها في الذمة، ولذا لو هلك المال لا تسقط كما سيأتي في بابها، بخلاف الزكاة، ولذا تجب من البر وغيره وإن لم يكن عنده منه شئ، أما ربع العشر في الزكاة فلا يجب إلا على من عنده تسعة أعشار غيره. والحاصل أن الفرق بينهما بالتعيين والتقدير، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (من مسلم الخ) متعلق بتمليك، واحترز بجميع ما ذكر عن الكافر والغني والهاشمي ومولاه، والمراد عند العلم بحالهم كما سيأتي في المصرف ح. قال في البحر - ولم يشترط الحرية لان الدفع إلى غير الحر جائز كما سيأتي في بيان المصرف. مطلب في أحكام المعتوه قوله: (ولو معتوها) في المغرب: المعتوه: الناقص العقل، وقيل: المدهوش من غير جنون اه. وفيه التفصيل المار في الصبي كما في التاترخانية، وفي عامة كتب الأصول أن حكمه كالصبي العاقل في كل الاحكام. واستثنى الدبوسي العبادات فتجب عليه احتياطا. ورده أبو اليسر بأنه نوع جنون فيمنع الوجوب. وفي أصول البستي أنه لا يكلف بأدائها كالصبي العاقل، إلا أنه إن زال العته توجه عليه الخطاب بالأداء حالا، وبقضاء ما مضى بلا حرج، فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير وإن لم يكن مخاطبا فيما قيل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذا بلغ، وهو أقرب إلى التحقيق، كذا في شرح المغني للهندي إسماعيل ملخصا. قوله: (أي معتقه) بفتح التاء، والضمير للهاشمي. قوله: (وهذا) أي ما عرف به المصنف. قوله: (أي المعهود) إشارة إلى ما أجاب به في النهر عن اعتراض الدرر على الكنز بأن قوله: تمليك المال يتناول الصدقة النافلة، فزاد قوله: عينه الشارع كما فعل المصنف لاخراجها، وحاصل الجواب أن أل في المال للعهد وهو ما عينه الشارع. قوله: (مع قطع) متعلق بتمليك، وقوله: من كل وجه متعلق ب - قطع ط. قوله: (فلا يدفع لاصله) أي وإن علا، وفرعه وإن سفل، وكذا لزوجته وزوجها وعبده ومكاتبه، لأنه بالدفع إليهم لم تنقطع المنفعة عن المملك: أي المزكي من كل وجه. قوله: (لله تعالى) متعلق بتمليك: أي لأجل امتثال أمره تعالى. قوله: (بيان لاشتراط النية) فإنها شرط بالاجماع في مقاصد العبادات كلها. بحر. قوله: (عقل وبلوغ) فلا تجب على مجنون وصبي لأنها عبادة محضة وليسا مخاطبين بها، وإيجاب النفقات والغرامات لكونها من حقوق العباد والعشر، وصدقة الفطر لان فيهما معنى المؤنة. ولا خلاف أنه في المجنون الأصلي يعتبر ابتداء الحول من وقت إفاقته كوقت بلوغه. أما العارضي، فإن استوعب كل الحول فكذلك في ظاهر الرواية، وهو قول محمد ورواية عن الثاني، وهو الأصح، وإن لم يستوعبه لغا. وعن الثاني أنه يعتبر في وجوبها إفاقة أكثر الحول. نهر. ولم يذكر المعتوه هنا. والظاهر أن فيه هذا التفصيل، وأنه لا تجب عليه في حال العته، لما علمت من أن حكمه كالصبي العاقل فلا تلزمه لأنها عبادة محضة كما علمت، إلا إذا لم يستوعب الحول، لان الجنون يلغو معه فالعته بالأولى.
280 وأما ما في القهستاني من قوله فتجب على المعتوه والمغمى عليه ولو استوعب حولا كما في قاضيخان اه، ففيه: إني راجعت نسختين من قاضيخان فلم أره ذكر حكم المعتوه، وإنما ذكر حكم المجنون والمغمى عليه ولو وجد فيه ذلك فهو مشكل، فتأمل. قوله: (وإسلام) فلا زكاة على كافر لعدم خطابه بالفروع سواء كان أصليا أو مرتدا، فلو أسلم المرتد لا يخاطب بشئ من العبادات أيام ردته، ثم كما شرط للوجوب شرط لبقاء الزكاة عندنا، حتى لو ارتد بعد وجوبها سقط كما في الموت. بحر عن المعراج. قوله: (وحرية) فلا تجب على عبد ولو مكاتبا أو مستسعى، لان العبد لا ملك له، والمكاتب ونحوه وإن ملك إلا أن ملكه ليس تاما. نهر. قوله: (والعلم به) أي وبالافتراض ح. وإنما لم يذكره المصنف لأنه شرط لكل عبادة. وقد يقال: إنه ذكر الشروط العامة هنا كالاسلام والتكليف فينبغي ذكره أيضا. بحر. قوله: (ولو حكما الخ) فلو أسلم الحربي ثم مكث سنين وله سوائم. ولا علم له بالشرائع لا تجب عليه زكاتها فلا يخاطب بأدائها إذا خرج إلى دارنا خلافا لزفر. بدائع. قوله: (ملك نصاب) فزكاة في سوائم الوقف والخيل المسبلة لعدم الملك، ولا فيما أحرزه العدو بدارهم لأنهم ملكوه بالاحراز عندنا، خلافا للشافعي، بدائع. ولا فيما دون النصاب. مطلب: الفرق بين السبب والشرط والعلة ثم اعلم أن هذا جعله في الكنز شرطا. واعترضه في الدرر بأنه سبب. وأجاب عنه في البحر بأنه أطلق على السبب اسم الشرط لاشتراكهما في أن كلا منهما يضاف إليه الوجود لا على وجه التأثير فخرج العلة، ويتميز السبب عن الشرط بإضافة الوجوب إليه أيضا دون الشرط كما عرف في الأصول اه. أقول: ولا حاجة إلى ذلك، فقد ذكر في البدائع من الشروط الملك المطلق. قال: وهو الملك يدا ورقبة، وقال: إن السبب هو المال لأنها وجبت شكرا لنعمة المال، ولذا تضاف إليه، يقال: زكاة المال والإضافة في مثله للسببية كصلاة الظهر وصوم الشهر وحج البيت اه. وعليه فملك النصاب حيث جعل شرطا كما في عبارة الكنز يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، وحيث جعل سببا كما في عبارة المصنف يكون من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي النصاب المملوك وبه علم أنه لا يصح تفسير عبارة الكنز بهذا خلافا لما فعله في النهر لئلا يحتاج إلى الجواب بما مر عن البحر، وأنه لا يصح تفسير عبارة المصنف بما فسرنا به عبارة الكنز، فافهم. قوله: (نصاب) هو ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة من المقادير المبينة في الأبواب الآتية، وهذا شرط في غير زكاة الزرع والثمار، إذ لا يشترط فيها نصاب ولا حولان حول كما سيأتي في باب العشر. قوله: (نسبة للحول) أي الحول القمري لا الشمسي كما سيأتي متنا قبيل زكاة المال. قوله: (لحولانه عليه) أي لان حولان الحول على النصاب شرط لكونه سببا، وهذا علة للنسبة، وسمي الحول حولا لان الأحوال تتحول فيه، أو لأنه يتحول من فصل إلى فصل من فصوله الأربع. قوله: (خرج مال المكاتب) أي خرج بالتقييد به، لان المراد التام: المملوك رقبة ويدا، وملك المكاتب ليس بتام
281 لوجود المنافي، ولأنه دائر بينه وبين المولى، فإن أدى مال الكتابة سلم له، وإن عجز سلم للمولى، فكما لا يجب على المولى فيه شئ، فكذا المكاتب كما في الشرنبلالية. قلت: وخرج أيضا نحو المال المفقود والساقط في بحر ومغصوب لا بنية عليه ومدفون في برية فلا زكاة عليه إذا عاد إليه كما سيأتي، لأنه وإن كان مملوكا له رقبة لكن لا يد له عليه كما أفاده في البدائع وخرج به أيضا كما في البحر المشتري للتجارة قبل القبض والآبق المعد للتجارة. قوله: (أقول الخ) حاصله أنه لا حاجة إلى قوله تام وفيه نظر لأنه في صدد تعريف سبب الوجوب، ولا بد في التعريف من كونه جامعا مانعا، فلو أطلق الملك عن قيد التمام لورد عليه ملك المكاتب، وذكر الحرية في بيان الشرط لا يخرج تعريف السبب عن كونه ناقصا فحينئذ لا بد من ذكره. تأمل. قوله: (على أن الخ) زيادة ترق في بيان الاستغناء عن قيد التمام: أي ولو فرض أن مال المكاتب لم يخرج باشتراط الحرية وقصد إخراجه وإخراج غيره مما تقدم يخرج بإطلاق الملك لانصرافه إلى الكامل، والملك الكامل هو التام فلا حاجة إلى التصريح به، لكن لا يخفى أن هذه عناية يعتذر بها عند عدم التصريح بالقيد دفعا لاعتراض المعترض، فإن المطلق كثيرا ما يراد منه إطلاقه، بل هو الأصل فيه كما في كتب الأصول، فالتصريح بالقيد حيث لم يرد الاطلاق أحسن، ولا سيما في مقام التفهيم وتعليم الأحكام الشرعية، وقصد الاحتراز به عن غيره، ولذا ذكر في المتون المبنية على الاختصار كالغرر والملتقى وغيرهما. قوله: (ودخل) أي في ملك النصاب المذكور. فتح. قوله: (ما ملك يسبب خبيث الخ) أي على قول الإمام، لان خلط دراهمه بدراهم غير عنده استهلاك، أما على قولهما فلا ضمان، فلا يثبت الملك لأنه فرع الضمان فلا يورث عنه لأنه مال مشترك، وإنما يورث حصة الميت منه. فتح. وفي القهستاني: ولا زكاة في المغصوب والمملوك شراء فاسدا اه، والمراد بالمغصوب ما لم يخلطه بغيره لعدم الملك. وأما المملوك شراء فاسدا فهو مشكل، لأنه (1) قبل قبضه غير مملوك وبعده مملوك ملكا تاما وإن كان مستحق الفسخ، فتأمل. وقيد بما إذا كان له غيره الخ، لأنه إذا لم يكن له غيره يكون مشغولا بالدين للمغصوب منه، فلا تلزمه زكاته ما لم يبرئه منه، والمراد بالغير ما تجب في الزكاة، لما في السراج: لا يصرف الدين لملك آخر لا زكاة فيه، والتقييد بالانفصال غير لازم، وسيأتي تمام الكلام على مسألة الغصب في باب زكاة الغنم. قوله: (فارغ عن دين) بالجر صفة نصاب، وأطلقه فشمل الدين العارض كما يذكره الشارح ويأتي بيانه، وهذا إذا كان الدين في ذمته قبل وجوب الزكاة، فلو لحقه بعده لم تسقط الزكاة لأنها ثبتت في ذمته فلا يسقطها ما لحق من الدين بعد ثبوتها. جوهرة. قوله: (له مطلب من جهة العباد) أي طلبا واقعا من جهتهم. قوله: (سواء كان) أي الدين قوله: (كزكاة) فلو كان له نصاب حال عليه حولان ولم
(1) قوله: (فهو مشكل لأنه الخ) قال شيخنا عن القهستاني: المراد بالملك التام القدرة على التصرف من غير أن يلزم بهذا التصرف تبعة في الدنيا ولا في العقبى، والمملوك شراء فاسدا لم توجد فيه هذه القدرة لأنه يلزم بتصرفه فيه القيمة فلم يكن الملك تاما على هذا، واندفع الاشكال. ا ه. 282 يزكه فيهما لا زكاة عليه في الحول الثاني، وكذا لو استهلك النصاب بعد الحول ثم استفاد نصابا آخر وحال عليه الحول لا زكاة في المستفاد لاشتغال خمسة منه بدين المستهلك، أما لو هلك يزكي المستفاد لسقوط زكاة الأول بالهلاك. بحر. والمطالب هنا السلطان تقديرا، لان الطلب له في زكاة السوائم وكذا في غيرها، لكن لما كثرت الأموال في زمن عثمان رضي الله عنه وعلم أن في تتبعها ضررا بأصحابها رأى المصلحة في تفويض الأداء إليهم بإجماع الصحابة، فصار أرباب الأموال كالوكلاء عن الامام ولم يبطل حقه عن الاخذ، ولذا قال أصحابنا: لو علم من أهل بلدة أنهم لا يؤدون زكاة الأموال الباطنة فإنه يطالبهم، وإلا فلا لمخالفته الاجماع. بدائع. تنبيه: ما وقع في صدر الشريعة من أن دين الزكاة لا يمنع سهو كما نبه عليه ابن كمال وغيره. قوله: (وخراج) في البدائع: وقالوا دين الخراج يمنع وجوب الزكاة لأنه يطالب به، وكذا إذا صار العشر دينا في الذمة بأن أتلف الطعام العشري صاحبه، فأما وجوب العشر فلا يمنع لأنه متعلق بالطعام وهو ليس من مال التجارة. بحر. قوله: (أو للعبد) معطوف على قوله: لله تعالى. قوله: (ولو كفالة) مبالغة في دين العبد. قال في المحيط: لو استقرض ألفا فكفل عنه عشرة ولكل ألف في بيته وحال الحول فلا زكاة على واحد منهم لشغله بدين الكفالة، لان له أن يأخذ من أيهم شاء. بحر. قال في الشرنبلالية: وهذا الفرع ظاهر على القول بأن الكفالة ضم دمة إلى ذمة في الدين، أما على الصحيح من أنها في المطالبة فقط، ففيه تأمل اه. قلت: لا شك أيضا على القول بأنها في المطالبة يكون لرب المال أخذ الدين من الكفيل وحبسه إذا امتنع، فيكون الكفيل محتاجا إلى ما في يده لقضاء ذلك الدين وإن لم يكن في ذمته دفعا للملازمة أو الحبس عنه، وقد عللوا سقوط الزكاة بالدين بأن المديون محتاج إلى هذا المال حاجة أصلية، لان قضاء الدين من الحوائج الأصلية والمال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون مال الزكاة. تأمل. قوله: (أو مؤجلا الخ) عزاه في المعراج إلى شرح الطحاوي، وقال: وعن أبي حنيفة لا يمنع.. وقال الصدر الشهيد: لا رواية فيه، ولكل من المنع وعدمه وجه. زاد القهستاني عن الجوهرة: والصحيح أنه غير مانع. قوله: (ونفقة) بالنصب عطفا على كفالة بتقدير مضاف فيهما: أي دين كفالة ودين نفقة ط. قوله: (لزمته بقضاء أو رضا) أي بقضاء القاضي أو تراضيهما على قدر معين، لأنها بدون ذلك تسقط بمضي المدة، وإنما تصير دينا بأحدهما لكن في نفقة الزوجة مطلقا، أما في نفقة الأقارب فلا تصير دينا إلا إذا كانت المدة قصيرة دون شهر، أو استدان القريب النفقة بإذن القاضي، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها. قوله: (بخلاف دين نذر) كما إذا كان له مائتا درهم ونذر أن يتصدق بمائة منها، فإذا حال الحول عليها تلزمه زكاتها ويسقط النذر بقدر درهمين ونصف، لأنه استحق بجهة الزكاة فيبطل النذر فيه ويتصدق بباقي المائة، ولو تصدق بكلها للنذر وقع عن الزكاة درهمان ونصف لتعيينه بتعيين الله تعالى فلا يبطله تعيينه ولو نذر مائة مطلقه فتصدق بمائة منها للنذر، يقع درهمان ونصف للزكاة ويتصدق بمثلها للنذر، كما في المعراج عن الجامع. قوله: (وكفارة) أي بأنواعها ح، وكذا لا يمنع دين صدقة الفطر وهدي المتعة والأضحية. بحر.
283 مطلب: في زكاة ثمن المبيع وفاء تتمة: قالوا ثمن المبيع وفاء إن بقي حولا فزكاته على البائع لأنه ملكه. وقال بعض المشايخ: على المشتري لأنه يعده مالا موضوعا عند البائع فيؤاخذ بما عنده. بدائع. وذكر في الذخيرة أن زكاته عليهما للتعليلين المذكورين. قال: وليس هذا إيجاب الزكاة على شخصين في مال واحد، لان الدراهم لا تتعين في العقود والفسوخ، وهكذا ذكر فخر الدين البزدوي هذه المسألة أيضا في شرح الجامع اه. ومثله في البزازية. قلت: ينبغي لزومها على المشتري فقط على القول الذي عليه العمل الآن من أن بيع الوفاء منزل منزلة الرهن، وعليه فيكون الثمن دينا على البائع. تأمل. قوله: (ولا يمنع الدين وجوب عشر وخراج) برفع الدين ونصب وجوب والكلام الآن في موانع الزكاة، لكن لما كان كل من العشر والخراج زكاة الزروع والثمار قد يتوهم أن الدين يمنع وجوبهما: نبه على دفعه وذكر الكفارة استطرادا، فافهم. قوله: (لأنها مؤنة الأرض النامية) (1) حتى يجب في الأرض الموقوفة وأرض المكاتب) بدائع. قوله: (وكفارة) أي إن الدين لا يمنع وجوب التكفير بالمال على الأصح. بحر عن الكشف الكبير. قلت: لكن قال صاحب البحر في شرحه على المنار والأشباه والنظائر: إنه صحح في التقرير منع وجوبها بالمال مع الدين كالزكاة اه. ويوافقه ما سيأتي في زكاة الغنم من قصة أمير بلخ. قوله: (وفارغ عن حاجته الأصلية) أشار إلى أنه معطوف على قوله: عن دين. قوله: (وفسره ابن ملك) أي فسر المشغول بالحاجة الأصلية، والأولى فسرها وذلك حيث قال: وهي ما يدفع الهلاك عن الانسان تحقيقا كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد، أو تقديرا كالدين، فإن المديون محتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب دفعا عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك، وكآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها، فإن الجهل عندهم كالهلاك، فإذا كان له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة، كما أن الماء المستحق بصرفه إلى العطش كان كالمعدوم وجاز عنده التيمم اه. وظاهر قوله: فإذا كان له دراهم الخ أن المراد من قوله: وفارغ عن حاجته الأصلية ما كان نصابا من النقدين أو أحدهما فارغا عن الصرف إلى تلك الحوائج، لكن كلام الهداية مشهر بأن المراد به نفس الحوائج، فإنه قال: وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاحا لاستعمال زكاة لأنها مشغولة بحاجته الأصلية وليست بنامية أيضا اه. وبه يشعر كلام المصنف الآتي أيضا. وأشار كلام الهداية إلى أنه لا يضر كونها غير نامية أيضا، إذ لا مانع من خروجها مرتين كما خرج الدين ثانيا بقوله فارغ عن حوائجه الأصلية وخصه بالذكر كما قال القهستاني لما فيه من التفصيل. قلت: على أنه لا يعترض بالقيد اللاحق على السابق الأخص، فإن الحوائج الأصلية أعم من
(1) قوله: (لأنهما مؤنة الأرض الخ) هكذا بخطه، ولا وجود لذلك في نسخ الشارح التي بيدي ا ه مصححه. 284 الدين، والنامي أعم منها لأنه يخرج كتب به العلم لغير أهلها وليس من الحوائج الأصلية، لكن قد يقال: المتون موضوعة للاختصار فما فائدة إخراج الحوائج مرتين، نعم تظهر الفائدة في ذكر القيدين على ما قرره ابن ملك من أن المراد بالأول النصاب من أحد النقدين المستحق الصرف إليها، فيكون التقييد بالنماء احترازا عن أعيانها والتقييد بالحوائج الأصلية احترازا عن أثمانها، فإذا كان معه دراهم أمسكها بنية صرفها إلى حاجته الأصلية لا تجب الزكاة فيها إذا حال الحول وهي عنده، لكن اعترضه في البحر بقوله: ويخالفه ما في المعراج في فصل زكاة العروض أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة، وكذا في البدائع في بحث النماء التقدير اه. قلت: وأقره في النهر والشرح نبلالية وشرح المقدسي، وسيصرح به الشارح أيضا، ونحوه قوله في السراج: سواء أمسكه للتجارة أو غيرها، وكذا قوله في التاترخانية: نوى التجارة أو لا، لكن حيث كان ما قاله ابن ملك موافقا لظاهر عبارات المتون كما علمت، وقال ح: إنه الحق، فالأولى التوفيق بحمل ما في البدائع، وغيرها، على ما إذا أمسكه لينفق منه كل ما يحتاجه فحال الحول وقد بقي معه منه نصاب فإنه يزكي ذلك الباقي، وإن كان قصد الانفاق أيضا في المستقبل لعدم استحقاق صرفه إلى حوائجه الأصلية وقت حولان الحول، بخلاف ما إذا حال الحول وهو مستحق الصرف إليها، لكن يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما حال الحول عليه وهو محتاج منه إلى أداء دين كفارة أو نذر أو حج، فإنه محتاج إليه أيضا لبراءة ذمته، وكذا ما سيأتي في الحج من أنه لو كان له مال ويخاف العزوبة يلزمه الحج به إذ اخرج أهل بلده قبل أن يتزوج، وكذا لو كان يحتاجه لشراء دار أو عبد، فليتأمل والله أعلم. قوله: (نام لو تقديرا) النماء في اللغة بالمد: الزيادة، والقصر بالهمز خطأ، يقال: نمى المال ينمي وينمو نموا وأنماه الله تعالى، كذا في المغرب. وفي الشرع: هو نوعان، حقيقي، وتقديري، فالحقيقي الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات، والتقديري تمكنه من الزيادة بكون المال في يده أو يد نائبه. بحر. قوله: (الاستنماء) أي طلب النمو. قوله: (فلا زكاة على مكاتب) أي ولا على سيده، كما في الشرنبلالية عن الجوهرة، فلو قال: فلا زكاة في كسب مكاتب لكان أولى ح. قوله: (لعدم الملك التام) أي لعدم اليد في حق السيد وعدم ملك الرقبة في حق المكاتب، ثم إن رجع المال للمولى بالتعجيز أو للمكاتب بأداء بدل الكتابة لا يزكي عن السنين الماضية بل يستأنف حولا جديدا اه ح. وكان الأولى بالشارح تأخير التعليل إلى آخر المسائل الثلاث التي ذكرها فإنه علة لها أيضا، لان المفقود فيها إما عدم اليد أو عدم ملك الرقبة، وقد مر أن المراد بالملك التام المملوك رقبة ويدا. قوله: (ولا في كسب مأذون) أي لا عليه ولا على سيده ما دام في يده، أما إذا أخذه السيد فإنه يزكيه لما مضى من السنين على الصحيح، وقيل يلزمه الأداء قبل الاخذ، وهذا إذا لم يكن على المأذون دين مستغرق، فإن كان لا يلزم السيد الأداء قبل الاخذ ولا بعده، كذا في البحر. وكان على الشارح أن يقول: ولا في كسب مأذون قبل قبضه كما قال في المشتري لتجارة، بل ربما يتوهم من كلامه أن قوله بعد قبضه المذكور في مسألة الرهن ظرف لمسألة المأذون أيضا ح. قوله: (ولا في مرهون) أي لا على المرتهن لعدم ملك
285 الرقبة، ولا على الراهن لعدم اليد، وإذا استرده الراهن لا يزكي عن السنين الماضية، وهو معنى قول الشارح بعد قبضه ويدل على قول البحر: ومن موانع الوجوب الرهن ح. وظاهره ولو كان الرهن أزيد من الدين ط. قلت: لكن أرجع شيخ مشايخنا السائحاني الضمير في قول الشارح بعد قبضه إلى المرتهن كما رأيته بخطه في هامش نسخته، ويؤيده أن عبارة البحر هكذا: ومن موانع الوجوب الرهن إذا كان في يد المرتهن لعدم ملك اليد اه. وليس فيها ما يدل على أنه لا يزكيه بعد الاسترداد، لكن قال في الخانية: السائمة إذا غصبها ومنعها عن المالك وهو مقر ثم ردها عليه لا زكاة على المالك فيما مضى، وكذا لو رهنها بألف وله مائة ألف فحال الحول على الرهن في يد المرتهن يزكي الراهن ما عنده من المال إلا ألف الدين، ولا زكاة في غنم الرهن لأنها كانت مضمونة بالدين، فرق بين الدراهم المغصوبة والسائمة فإنه يزكي الدراهم إذا قبضها دون السائمة ولو الغاصب مقرا اه. وظاهره أنه لا فرق في الرهن بين السائمة والدراهم، فليتأمل. قوله: (قبل قبضه) أما بعده فيزكيه عما مضى كما فهمه في البحر من عبارة المحيط فراجعه، لكن في الخانية: رجل له سائمة اشتراها رجل للسيامة ولم يقبضها حتى حال ثم قبضها لا زكاة على المشتري فيما مضى لأنها كانت مضمونة على البائع بالثمن اه. ومقتضى التعليل عدم الفرق بين ما اشتراها للسيامة أو للتجارة فتأمل. قوله: (ومديون للعبد) الأولى: ومديون بدين يطالبه بالعبد ليشمل دين الزكاة والخراج لان لله تعالى مع أنه يمنع له مطالبا من جهة العباد كما مر ط. قوله: (بقدر دينه) متعلق بقوله: فلا زكاة. قوله: (وعروض الدين) أي المستغرق في أثناء الحول، ومثله المنقص للنصاب ولم يتم آخر الحول، وأما الحادث بعد الحول فلا يعتبر اتفاقا ط. قوله: (ورجحه في البحر) وعبارته: وعند أبي يوسف لا يمنع بمنزلة نقصانه، وتقديمهم قول محمد يشعر بترجيحه، وهو كذلك كما لا يخفى. وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أبرأه، فعند محمد يستأنف حولا جديدا، لا عند أبي يوسف كما في المحيط اه. أقول: إن كان مجرد التقديم يقتضي الترجيح فقد قدم في الجوهرة قول أبي يوسف، وأشار في المجمع إلى أنه قول أبي حنيفة أيضا، وأخر في شرحه دليلهما عن دليل محمد فاقتضى ترجيح قولهما، لان الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن المتقدم، بل ما عزاه إلى محمد عزاه في البدائع وغيرها إلى زفر. وفي البحر في آخر باب زكاة المال عن المجتبى: الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول وإن كان مستغرقا. وقال زفر: يقطع اه. وجزم به الشارح هناك قبيل قول المصنف: وقيمة العرض تضم إلى الثمنين فقد ظهر لك ما في ترجيح البحر، فتدبر، نعم ما في البحر أوجه لان الدين مانع من ابتداء الحول فيمنع من بقائه بالأولى لان البقاء أسهل. تأمل. ولعل القول بعدم المنع مبني على ما إذا كان النصاب تاما في آخر الحول أيضا، بأن ملك ما يفي الدين من غير النصاب. تأمل. قوله: (ولو له نصب الخ) كأن يكون عنده دراهم ودنانير وعروض التجارة وسوائم يصرف الدين إلى الدراهم والدنانير ثم إلى العروض ثم إلى السوائم كما في البحر. قوله: (5 لو أجناسا) أي ولو كانت السوائم التي عند أجناسا، بأن كان له أربعون من الغنم وثلاثون من البقر
286 وخمس من الإبل: صرف الدين إلى الغنم أو الإبل دون البقر، لان التبيع فوق الشاة. بحر. ثم قال: هكذا أطلقوا، وقيده في المبسوط بأن يحضر الساعي، وإلا فالخيار لرب المال إن شاء صرف الدين إلى السائمة وأدى الزكاة من الدراهم، وإن شاء عكس لأنهما في حقه سواء اه. قوله: (خير) لان الواجب في كل منهما شاة واحدة. قال في البحر: وقيل يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة في الإبل في العام القابل اه: أي لأنه دفع من الغنم واحدة يبقى تسعة وثلاثون لا تجب زكاتها في القابل. تتمة: بقي ما إذا كان للمديون مال الزكاة وغيره من عبيد الخدمة وثياب البذلة ودور السكنى، فيصرف الدين أولا إلى مال الزكاة لا إلى غيره ولو من جنس الدين خلافا لزفر، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخادم صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم عندنا، لان غير مال الزكاة يستحق للحوائج، ومال الزكاة فاضل عنها فكان الصرف إليه أيسر، وأنظر بأرباب الأموال، ولهذا لا يصرف إلى ثياب البذلة وقوته ولو من جنس الدين، قال محمد في الأصل: أرأيت لو تصدق عليه ألم يكن موضعا للصدقة؟ ومعناه: أن مال الزكاة مشغول بالدين فالتحق بالعدم وملك الدار، والخادم لا يحرم عليه أخذ الصدقة فكان فقيرا ولا زكاة على الفقير، وأما إذا لم يكن له مال زكاة يصرف الدين إلى عروض البذلة ثم إلى العقار لان الملك مما يستحدث في العروض ساعة فساعة، أما العقار فبخلافها غالبا. بدائع. أقول: والظاهر أن قوله يصرف الدين إلى عروض البذلة الخ، كلام استطرادي مفروض فيما إذا أراد القاضي بيع ما له عليه في قضاء دينه كما صرحوا به في الحجر لا في مسألة الزكاة، إذ الفرض أنه ليس له مال زكاة فأي شئ يزكيه. ولو كان له مال زكاة فقد صرح قبله بأن الدين يصرف إلى مال الزكاة دون غيره، وعليه فلو استقرض مائتي درهم وحال عليها الحول عنده وليس له إلا ثياب البذلة ونحوها مما ليس مال زكاة لا زكاة عليه ولو كانت الثياب تفي بالدين، لان الدين الذي عليه يصرف إلى الدراهم التي عنده دون الثياب، وقد صرح في السراج أيضا بأنه لا يصرف الدين لملك آخر لا زكاة فيه. وفي الزيلعي أيضا: ولا يتحقق الغنى بالمال المستقرض ما لم يقض. قوله: (المحتاج إليها الخ) إنما قيد ابن ملك بذلك لأنه أراد بيان الحوائج الأصلية كما قدمناه عنه. أما كلام المصنف هنا فلا حاجة إلى تقييده بذلك، وكأن الشارح أراد أن قوله: ولا في ثياب البدن محترز قوله: عن حاجته الأصلية لتقدمه، فقيد بذلك وجعل غير المحتاج إليها من محترزات القيد الذي تعده وهو قوله: نام ولو تقديرا مراعاة لترتيب القيود. تأمل. قوله: (وأثاث المنزل) محترز قوله: نام ولو تقديرا، وقوله: ونحوها أي كثياب البدن الغير المحتاج إليها وكالحوانيت والعقارات. قوله: (وإن لم تكن لأهلها) أشار إلى أن تقييد الهداية بقوله لأهلها غير معتبر المفهوم هنا، لكن قد يقال: أراد إخراجها بقوله وعن حاجته الأصلية وجعل التي لغير أهلها خارجة بقوله: نام كما قررناه في ثياب البذلة، والمراد بأهلها من يحتاج إليها لتدريس وحفظ وتصحيح كما يعلم مما يأتي عن الفتح. قوله: (غير أن الأهل الخ) استدراك على التعميم المأخوذ من قوله: وإن لم تكن لأهلها أي إن الكتب لا زكاة فيها على الأهل وغيرهم من أي علم كانت لكونها غير نامية، وإنما الفرق بين
287 الأهل وغيرهم في جواز أخذ الزكاة والمنع عنه، فمن كان من أهلها إذا كان محتاجا إليها للتدريس والحفظ والتصحيح فإنه لا يخربها عن الفقر، فله أخذ الزكاة إن كانت فقها أو حديثا أو تفسيرا ولم يفضل عن حاجته نسخ تساوي نصابا، كأن يكون عنده من كل تصنيف نسختان، وقيل ثلاث لان النسختين يحتاج إليهما لتصحيح كل من الأخرى، والمختار الأول: أي كون الزائد على الواحدة فاضلا عن الحاجة، وأما غير الأهل فإنهم يحرمون بالكتب من أخذ الزكاة لتعلق الحرمان بملك قدر نصاب غير محتاج إليه وإن لم يكن ناميا. وأما كتب الطب والنحو والنجوم فمعتبرة في المنع مطلقا. ونص في الخلاصة على أن كتب الأدب والمصحف الواحد ككتب الفقه، لكن اضطرب كلامه في كتب الأدب، فصرح في باب صدقة الفطر بأنها كالتعبير والطب والنجوم. والذي يقتضيه النظر أن نسخة من النحو أو نسختين على الخلاف لا تعتبر من النصاب. وكذا من أصول الفقه والكلام غير المخلوط بالآراء، بل مقصور على تحقيق الحق من مذهب أهل السنة، إلا أن لا يوجد غير المخلوط لأن هذه من الحوائج الأصلية. أفاده في فتح القدير. قلت: والذي يقتضيه النظر أيضا أنه إن أريد بالأدب الظرافة كما في القاموس وذلك ككتب الشعر والعروض والتاريخ ونحوه تمنع الاخذ، وإن أريد به آداب النفس كما في المغرب وهو المسمى بعلم الأخلاق كالاحياء للغزالي ونحوه فهو كالفقه لا يمنع، وإن كتب الطب لطبيب يحتاج إلى مطالعتها ومراجعتها لا تمنع لأنها من الحوائج الأصلية كآلات المحترفين، وإن الأهل إذا كان غير محتاج إليها فهو كغير الأهل كما يعلم مما مر، وكذا حافظ قرآن له مصحف لا يحتاجه لان المناط هو الحاجة. قوله: (أو تزيد على نسختين) صوابه على نسخة، لان المختار هو كون الزائد على نسخة واحدة فاضلا عن الحاجة كما قدمناه عن الفتح ومثله في النهر. قوله: (وكذلك آلات المحترفين) أي سواء كانت مما لا تستهلك عينه في الانتفاع كالقدوم والمبرد أو تستهلك، لكن هذا منه ما لا يبقى أثر عينه، كصابون وجرض الغسال، ومنه ما يبقى كعصفر وزعفران لصباغ ودهن وعفص لدباغ فلا زكاة في الأولين، لان ما يأخذه من الأجرة بمقابلة العمل. وفي الأخير الزكاة إذا حال عليه الحول، لان المأخوذ بمقابلة العين كما في الفتح پ قال: وقوارير العطارين ولحم الخيل والحمير المشتراة للتجارة ومقاودها وجلالها إن كان من غرض المشتري بيعها بها ففيها الزكاة وإلا فلا. قوله: (كالعصفر الأولى كالعفص كما في بعض النسخ لأنه المناسب لقوله: لدبغ الجلد. قوله: (وإن حال الحول) أي ولم ينو بها التجارة، بل أمسكه لحرفته. قوله: (فتباع له) أي يجبره القاضي على بيعها لقضاء الدين، وإن أبى باعها عليه. قوله: (ولا في مال مفقود الخ) شروع في مسألة مال الضمار كما يأتي. قوله: (بعدما) أي بعد سنين. قوله: (فلو له بينة لما مضى) أي تجب الزكاة بعد قبضه من الغاصب لممضى من السنين. قال ح: وينبغي أن يجري هنا ما يأتي مصححا عن محمد من أنه لا زكاة فيه، لان البينة قد لا تقبل فيه اه. قال ط: والظاهر على القول
288 بالوجوب أن حكمه حكم الدين القول اه: أي فتجب عند قبض أربعين درهما. قوله: (فلا تجب لعدم تحقق الإسامة ط. قوله: (عند غير معارفه) أي عند الأجانب، فلو عند معرفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير محله. بحر. قوله: (في حرز) كداره أو دار غيره. بحر. وقيل إذا كانت الدار عظيمة فلها حكم الصحراء. إسماعيل عن البرجندي. قوله: (واختلف في المدفون الخ) فقيل بالوجوب لامكان الوصول، وقيل لا، لأنها غير حرز. بحر. قوله: (ولا بينة له عليه) هذا على أحد القولين المصححين كما يأتي. قوله: (ثم صارت) أي البينة. قوله: (بعدها) أي السنين. قوله: (وقيده الخ) أي قيد عدم الوجوب في المجحود عند عدم البينة بما إذا حلفه عند القاضي فحلف، إما قبله لاحتمال نكوله، وهذا نقله في غرر الأذكار بلفظ: وعن أبي يوسف، ثم لا يخفى أنه على التصحيح الآتي من عدم الوجوب، ولو مع البينة يقتضي أن لا تجب قبل التحليف بالأولى كما أفاده ط: عن أبي السعود. قوله: (وما أخذ مصادره) المصادرة: أن يأمره بأن يأتي بالمال، والغصب: أخذ المال مباشرة على وجه القهر، فلا يتكرر هذا مع قوله: ومغصوب لا بينة عليه أفاده ح. قوله: (ثم وصل إليه) أي المال في جميع هذه الصور. قوله: (لعدم النمو) علة لقوله: ولا في مال مفقود الخ أفاد به من محترزات قوله نام ولو تقديرا لأنه غير متمكن من الزيادة لعدم كونه في يده أو يد نائبه. قوله: (حديث علي) كذا عزاه في الهداية إلى علي وليس بمعروف، وإنما ذكره سبط ابن الجوزي في آثار الانصاف عن عثمان وابن عمر، كذا في شرح النقابة لمله علي القاري. قوله: (لا زكاة في مال الضمار) الضمار بالضاد المعجمة بوزن حمار. قال في البحر: وهو في اللغة الغائب الذي لا يرجى، فإذا رجي فليس بضمار، وأصله الاضمار وهو التغييب والاخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا. قوله: (ملئ) فعيل بمعنى فاعل هو الغني ط. وفي المحيط، عن المنتقى عن محمد: لو كان له دين على وال، وهو مقر به إلا أنه لا يعطيه وقد طالبه بباب الخليفة فلم يعطه فلا زكاة فيه، ولو هرب غريمه وهو يقدر على طلبه أو التوكيل بذلك فعليه الزكاة، وإن لم يقدر على ذلك فلا زكاة عليه اه. قوله: (أو على معسر) الأصوب إسقاط على لأنه عطف على ملئ نعت لمقر أيضا لا مقابل له، لأنه لو كان غير مقر فهو المسألة المتقدمة. والاخصر قول الدرر: على مقر ولو معسرا. قوله: (أي محكوم بإفلاسه) أفاد أن قوله: مفلس مشدد اللام، وقيد به لأنه محل الخلاف، لان الحكم به لا يصح عند أبي حنيفة فكان وجوده كعدمه فهو معسر، ومر حكمه، ولو لم يفلسه القاضي وجبت الزكاة بالاتفاق كما في العناية وغيرها، لان المال غاد ورائح. قوله: (وعن محمد لا زكاة) أي وإن كان له بينة. بحر. قوله: (وهو الصحيح) صححه في التحفة كما في غاية
289 البيان، وصححه في الخانية أيضا وعزاه إلى السرخسي. بحر. وفي باب المصرف من النهر عن عقد الفرائد: ينبغي أن يعول عليه. قلت: ونقل الباقاني تصحيح الوجوب عن الكافي، قال: وهو المعتمد، وإليه مال فخر الاسلام اه. ولذا جزم به في الهداية والغرر والملتقى والمصنف. والحاصل أن فيه اختلاف التصحيح، ويأتي تمامه في باب المصرف. قوله: (لان البينة الخ) ولان القاضي قد لا يعدل، وقد لا يظفر بالخصومة بين يديه لمانع فيكون: أي الدين في حكم الهالك. بحر. قوله: (سيجيئ) أي في كتاب القضاء ط. قوله: (عدم القضاء) أي عدم صحة قضاء القاضي اعتمادا على علمه، فلو علم بالمجحود وقضى به لم يصح، ولا يجب أن يزكي لما مضى. قوله: (فوصل إلى ملكه) أقول: من ذلك ما في المحيط: له ألف على معسر فاشترى منه بالألف دينارا ثم وهب منه الدينار فعليه زكاة الألف لأنه صار قابضا لها بالدينار اه. ومنه ما في الولوالجية: وهب دينه من رجل وولكه بقبضه فوجبت فيه الزكاة، ثم قبضه الموهوب له فالزكاة على الواهب لان القابض وكيل عنه بالقبض له أو لا. وأقول أيضا: الوصول إلى ملكه غير قيد، لأنه لو أبرأ مديونه الموسر تلزمه الزكاة لأنه استهلاك، كما ذكره عند تفصيل الدين قبيل باب العاشر، وسيأتي الكلام فيه. قوله: (وسنفصل الدين) أي إلى قوي ووسط وضعيف والأخير لا يزكيه لما مضى أصلا، وفي الأولين تفصيل سيأتي، ففيه إشارة إلى أن ما هنا ليس على إطلاقه. قوله: (وسبب الخ) هذا هو السبب الحقيقي، وما تقدم من قوله: وسببه ملك نصاب الخ وهو السبب الظاهري كالزوال للظهر ط. قوله: (توجه الخطاب) أي الخطاب المتوجه إلى المكلفين بالامر بالأداء ط. قوله: (وشرطه الخ) ما تقدم في قول المصنف وشرط افتراضها عقل الخ شروط في رب المال، وما هنا شروط في نفس المال المزكى ط. قوله: (وهو في ملكه) أي والحال أن نصاب المال في ملكه التام كما مر، والشرط تمام النصاب في طرفي الحول كما سيأتي، وقدمنا أن الحول لا يشترط في زكاة الزروع والثمار. قوله: (ولو للنفقة) تقدم الكلام في ذلك فلا تغفل. قوله: (بقيدها الآتي) هو الاكتفاء بالرعي في أكبر السنة بقصد الدر والنسل، وأنث الضمير إشارة إلى أن المراد بالسوم الإسامة إذ لا بد فيه من نيتها، لان السائمة تصلح لغير الدر والنسل كالحمل والركوب، ولا تعتبر هذه النية ما لم تتصل بفعل الإسامة كما في البحر. قوله: (كما سيجئ) أي في آخر هذا الباب، ويأتي بيانه. قوله: (أو يؤاجر داره الخ) قال في البحر: لكن ذكر في البدائع الاختلاف في بدل منافع عين معدة للتجارة. ففي كتاب زكاة الأصل
290 أنه للتجارة بلا نية. وفي الجامع ما يدل على التوقف على النية، وصحح مشايخ بلخ رواية الجامع، لأن العين وإن كانت للتجار لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة، فتؤجر الدابة لينفق عليها والدار للعمارة فلا تصير للتجارة مع التردد إلا بالنية اه. وقيد بقوله: التي للتجارة إذ لو كانت للسكنى مثلا لا يصير بدلها للتجارة بدون النية، فإذا نوى يصح ويكون من قسم الصريح. قوله: (واستثنوا الخ) ذكر في النهر أنه ينبغي جعله من النية دلالة فلا حاجة إلى الاستثناء. قوله: (مطلقا) أي وإن لم ينوها أو نوى الشراء للنفقة، حتى لو اشترى عبيدا بمال المضاربة ثم اشترى لهم كسوة وطعاما للنفقة كان الكل للتجارة، وتجب الزكاة في الكل بدائع. قوله: (لأنه لا يملك بمالها غيرها) أي بمال التجارة غير التجارة، بخلاف المالك إذا اشترى لهم طعاما وثيابا للنفقة لا يكون للتجارة لأنه يملك الشراء لغير التجارة. بدائع. قوله: (ولا تصح نية التجارة الخ) لأنها لا تصح إلا عند عقد التجارة، فلا تصح فيما ملكه بغير عقد كإرث ونحوه كما سيأتي، ومثله الخارج من أرضه، لان الملك يثبت فيه بالنيات ولا اختيار له فيه، ولذا قال في البحر: وخرج: أي بقيد العقد ما إذا دخل من أرضه حنطة تبلغ قيمتها نصابا ونوى أن يمسكها ويبيعها فأمسكها حولا: لا تجب فيها الزكاة كما في الميراث، وكذا لو اشترى بذر التجارة وزرعها في أرض عشر استأجرها كان فيها العشر لا غير، كما لو اشترى أرض خراج أو عشر للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة إنما عليه حق الأرض من العشر أو الخراج. قوله: (أو المستأجرة أو المستعارة) يعني وكانت الأرض عشرية، فإن العشر على المستعير اتفاقا وعلى المستأجر على قولهما المأخوذ به، وأما إذا كانتا خراجتين فإن الخراج على سب الأرض فإذا نوى المستعير أو المستأجر في الخارج منهما التجارة يصح لعدم اجتماع الحقين، أفاده ح. قلت: يتعين فرض المسألة فيما إذا اشترى بذرا للتجارة وزرعه ليصح التعليل بعدم اجتماع الحقين، أما لو نوى التجارة فيما خرج من أرضه، فقد علمت أنها لا تصح بعدم العقد فلم يصر الخارج مال تجارة فلا زكاة فيه، فافهم. قوله: (لئلا يجتمع الحقان) علمت ما فيه. قوله: (وشرط صحة أدائها الخ) قد علم اشتراط النية من قوله أولا لله تعالى، لكن ذكرت هنا لبيان تفاصيلها، أفاده في البحر. قوله: (نية) أشار إلى أنه لا اعتبار للتسمية، فلو سماها هبة أو قرضا تجزيه في الأصح، وإلى أنه لو نوى الزكاة والتطوع وقع عنها عند الثاني، لان نية الفرض أقوى، وعند الثالث يقع عنه، وإلى أنه ليس للفقير أخذها بلا علمه إلا إذا لم يكن في قرابته أو قبيلته منه فيضمن حكما لا ديانة، وإلى أن الساعي لو أخذها منه كرها لا يسقط الفرض عنه في الأموال الباطنة، بخلاف الظاهرة، هو المفتى به، وإلى أنها لا تؤخذ من تركته لفقد النية إلا إذا أوصى فتعتبر من الثالث، وتمامه في البحر. زاد في الجوهرة: أو تبرع ورثته. قلت: ولعل وجهه أنهم قائمون مقامه فتكفي نيتهم، فتأمل. قوله: (مقارنة) هو الأصل كما في سائر العبادات، وإنما اكتفي بالنية عند العزل كما سيأتي، لان الدفع يتفرق فيتحرج باستحضار النية
291 عند كل دفع فاكتفي بذلك للحرج. بحر والمراد مقارنتها للدفع إلى الفقير، وأما المقارنة للدفع إلى الوكيل فهي من الحكمية كما يأتي ط. قوله: (والمال قائم في يد الفقير) بخلاف ما إذا نوى بعد هلاكه. بحر. وظاهره أن المراد بقيامه في يد الفقير بقاؤه في ملكه لا اليد الحقيقية، وأن النية تجزيه ما دام في ملك الفقير ولو بعد أيام. قوله: (أو دفعها لذمي) نبه على الفرق بين الزكاة والحج، لان الزكاة عبادة مالية محضة، فتصح فيها إنابة الذمي وإن لم يكن من أهل النية، لان الشرط فيها نية الامر، بخلاف الحج لأنه عبادة مركبة من المال والبدن فتشترط فيه أهلية المأمور للنية. قوله: (لان المعتبر نية الآمر) علة للمسألتين. قوله: (ولذا) أي لكون المعتبر نية الآمر. قوله: (لو قال) أي عند الدفع إلى الوكيل. قوله: (ثم نواه عن الزكاة) أي ولم يعلم الوكيل بذلك، بل دفع إلى الفقير بنية التطوع أو الكفارة. قوله: (ضمن وكان متبرعا) لأنه ملكه بالخلط وصار مؤديا مال نفسه. قال في التاترخانية: إلا إذا وجد الاذن أو أجاز المالكان اه: أي أجاز قبل الدفع إلى الفقير، لما في البحر: لو أدى زكاة غيره بغير أمره فبلغه فأجاز لم يجز لأنها وجدت نفاذا على المتصدق لأنها ملكه ولم يصر نائبا عن غيره فنفذت عليه اه. لكن قد يقال: تجزي عن الآمر مطلقا لبقاء الاذن بالدفع. قال في البحر: ولو تصدق عنه بأمره جاز، ويرجع بما دفع عند أبي يوسف. وعند محمد، لا يرجع إلا بشرط الرجوع اه تأمل. ثم قال في التاترخانية: أو وجدت دلالة الاذن بالخلط كما جرت العادة بالاذن من أرباب الحنطة بخلط ثمن الغلات، وكذلك المتولي إذا كان في يده أوقات مختلفة وخلط غلاتها ضمن، وكذلك إذا خلط الأثمان أو البياع إذا خلط الأمتعة يضمن اه. قال في التجنيس: ولا عرف في حق السماسرة والبياعين بخلط ثمن الغلات والأمتعة اه. ويتصل بهذا العالم إذا سأل للفقراء شيئا وخلط يضمن. قلت: ومقتضاه أنه لو وجد العرف فلا ضمان لوجود الاذن حينئذ دلالة. والظاهر أنه لا بد من علم المالك بهذا العرف ليكون إذنا منه دلالة. قوله: (إذا وكله الفقراء) لأنه كلما قبض شيئا ملكوه وصار خالطا مالهم بعضهم ببعض، ووقع زكاة عن الدافع، لكن بشرط أن لا يبلغ المال الذي بيده الوكيل نصابا، فلو بلغه وعلم به الدافع لم يجزه إذا كان الآخذ وكيلا عن الفقير كما في البحر عن الظهيرية. قلت: وهذا إذا كان الفقير واحدا، فلو كانوا متعددين لا بد أن يبلغ لكل واحد نصابا، لان ما في يد الوكيل مشترك بينهم، فإذا كانوا ثلاثة وما في يد الوكيل بلغ نصابين لم يصيروا أغنياء فتجري الزكاة عن الدافع بعده إلى أن يبلغ ثلاثة أنصباء، إلا إذا كان وكيلا عن كل واحد بانفراده، فحينئذ يعتبر لكل واحد نصابه على حدة، وليس له الخلط بلا إذنهم، فلو خلط أجزأ عن الدافعين وضمن للموكلين. وأما إذا لم يكن الآخذ وكيلا عنهم فتجزي وإن بلغ المقبوض نصبا كثيرة لأنهم لم يملكوا شيئا مما في يده. قوله: (لولده الفقير) وإذا كان ولدا صغيرا فلا بد من كونه هو فقيرا أيضا، لان الصغير يعد غنيا بغنى أبيه. أفاده ط عن أبي السعود. وهذا حيث لم يأمره بالدفع إلى معين، إذ لو
292 خالف ففيه قولان حكاهما في القنية. وذكر في البحر أن القواعد تشهد للقول بأنه لا يضمن لقولهم: لو نذر التصدق على فلان له أن يتصدق على غيره اه. أقول: وفيه نظر، لان تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير غير معتبر في النذر، لان الداخل تحته ما هو قربة وهو أصل التصدق دون التعيين فيبطل وتلزم القربة كما صرحوا به، وهنا: الوكيل إنما يستفيد التصرف من الموكل وقد أمره بالدفع إلى فلان فلا يملك الدفع إلى غيره، كما لو أوصى لزيد بكذا ليس للوصي الدفع إلى غيره، فتأمل. قوله: (وزوجته) أي الفقيرة. قوله: (ولو تصدق الخ) أي الوكيل بدفع الزكاة إذا أمسك دراهم الموكل ودفع من ماله ليرجع ببدلها في دارهم الموكل صح، بخلاف ما إذا أنفقها أولا على نفسه مثلا، ثم دفع من ماله فهو متبرع، وعلى هذا التفصيل الوكيل بالانفاق أو بقضاء الدين أو الشراء كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوكالة. وفيه إشارة إلى أنه لا يشترط الدفع من عين مال الزكاة، ولذا لو أمر غيره بالدفع عنه جاز كما قدمناه، لكن اختلف فيما إذا دفع من مال آخر خبيث. قال في البحر: وظاهر القنية ترجيح الاجزاء استدلالا بقولهم: مسلم له خمر فوكل ذميا فباعها من ذمي فللمسلم صرف ثمنها عن زكاة ماله. فرع: للوكيل بدفع الزكاة أن يوكل غيره بلا إذن. بحر عن الخانية. وسيأتي متنا في الوكالة. قوله: (بعزل ما وجب) في نسخة لعزل باللام وهي أحسن ليوافق المعطوف عليه. قوله: (ولا يخرج عن العهدة بالعزل) فلو ضاعت لا تسقط عنه الزكاة، ولو مات كانت ميراثا عنه، بخلاف ما إذا ضاعت في يد الساعي لان يده كيد الفقراء. بحر عن المحيط. قوله: (أو تصدق بكله) بالرفع عطفا على قوله نية وأفاد به سقوط الزكاة، ولو نوى نفلا أو لم ينو أصلا لان الواجب جزء منه، وإنما تشترط النية لدفع المزاحم، فلما أدى الكل زالت المزاحمة. بحر. قوله: (إلا إذا نوى الخ) في التعبير بالتصدق إيماء إلى هذا الاستثناء كما في النهر. قوله: (فيصح) أي عما نوى. قوله: (لا تسقط حصته) أي لا تسقط زكاة ما يصدق به فتجب زكاته وزكاة الباقي. قوله: (خلافا للثالث) أشار بذلك تبعا لمتن الملتقى إلى اعتماد قول أبي يوسف ولذا قدمه قاضيخان، وقد أخره في الهداية مع دليله وعادته تأخير المختار عنده على عكس عادة قاضيخان وصاحب الملتقى، فافهم. قوله: (وأطلقه) أي أطلق التصدق. قوله: (حتى الخ) تفريع على شموله الدين ح. وقيد بالفقير، لأنه لو كان غنيا فوهبه بعد الحول ففيه روايتان: أصحهما الضمان. بحر عن المحيط: أي ضمان زكاة ما وهبه لأنه استهلكه بعد الوجوب. قوله: (صح وسقط عنه) أي صح الابراء وسقط عنه زكاته، نوى
293 الزكاة أو لا، لما مر، ولو أبرأه (1) عن البعض سقط زكاته دون الباقي، ولو نوى به الأداء عن الباقي. بحر. قوله: (واعلم الخ) المراد بالدين ما كان ثابتا في الذمة من مال الزكاة، وبالعين ما كان قائما في ملكه من نقود وعروض والقسمة رباعية، لان الزكاة إما أن تكون دينا أو عينا، والمال المزكى كذلك، لكن الدين إما أن يسقط بالزكاة أو يبقى مستحق القبض بعدها، فتصير خمسة، فيجوز الأداء في ثلاثة. الأولى: أداء الدين عن دين سقط بها كما مثل من إبراء الفقير عن كل النصاب. الثانية: أداء العين عن العين كنقد حاضر عن نقد أو عرض حاضر. الثالثة: أداء العين عن الدين كنقد حاضر عن نصاب دين. وفي صورتين لا يجوز: الأولى: أداء العين عن العين كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر. بخلاف ما إذا أمر فقيرا بقبض دين له على آخر عن زكاة عين عنده فإنه يجوز لأنه عند قبض الفقير يصير عينا فكان عينا عن عين. الثانية: أداء دين عن دين سيقبض كما تقدم عن البحر، وهو ما لو أبرأ الفقير عن بعض النصاب ناويا به الأداء عن الباقي، وعلله بأن الباقي يصير عينا بالقبض فيصير مؤديا بالدين عن العين اه، ولذا أطلق الشارح الدين (2) أولا عن التقييد بالسقوط، ولقوله بعده سيقبض. قوله: (وحيلة الجواز) أي فيما إذا كان له دين على معسر وأراد أن يجعله زكاة عن عين عنده أو عن دين له على آخر سيقبض. قوله: (أن يعطي مديونه الخ) قال في الأشباه: وهو أفضل من غيره: أي لأنه يصير وسيلة إلى براءة ذمة المديون. قوله: (لكونه ظفر بجنس حقه) نقل العلامة البيري في آخر شرح الأشباه أن الدراهم والدنانير جنس واحد في مسألة الظفر. قوله: (فإن مانع الخ) والحلية إذا خاف ذلك ما في الأشباه، وهو أن يوكل المديون خادم الدائن بقبض الزكاة ثم بقضاء دينه، فبقبض الوكيل صار ملكا للموكل، ولا يسلم المال للوكيل إلا في غيبة المديون لاحتمال أن يعزله عن وكالة قضاء دينه حال القبض قبل الدفع اه. وفيها: وإن كان الدائن شريك في الدين يخاف أن يشاركه في المقبوض، فالحيلة أن يتصدق الدائن بالدين ويهب المديون ما قبضه للدائن فلا مشاركة. قوله: (ثم هو) أي الفقير يكفن. والظاهر له أن يخالف أمره لأنه مقتضى صحة التملك كما سيأتي في باب
(1) قوله: (ولو أبرأه الخ) هذا الفرع من موضوع الخلاف كمسألة التصدق التي ذكرها الشارح أيضا فجزم صاحب البحر بسقوط الزكاة عن القدر المبرأ عنه مبني على قول محمد. ا ه. (2) قوله: (ولذا اطلق الشارح اليدين) اي في قوله واعلم أن أداء الدين عن الدين، وقوله ولذا اي لكون الدين الذي سيقبض كالعين أطلق الشارح: اي استغنى عن التقييد أولا فهذا جواب عن سؤال يرد على الشارح صورة لم اطلق أداء الدين عن الدين أولا مع أنه مقيد بالساقط وحاصل الجواب ان الشارح استغنى عن تقييده بدلالة قوله بعد وعن دين سيقبض وبالتعليل. ا ه. 294 المصرف بحثا. قوله: (فيكون الثواب لهما) أي ثواب الزكاة للمزكي وثواب التكفين للفقير. وقد يقال: إن ثواب التكفين يثبت للمزكي أيضا، لان الدال على الخير كفاعله وإن اختلف أثواب كما وكيفا ط. قلت: وأخرج السيوطي في الجامع الصغير لو مرت الصدقة على يدي مائة لكان لهم من الاجر مثل أجر المبتدئ من غير أن ينقص من أجره شئ. قوله: (وكذا) الإشارة إلى الحلية. قوله: (وتمامه الخ) هو ما قدمناه عن الأشباه. قوله: (وافتراضها عمري) قال في البدائع: وعليه عامة المشايخ، ففي أي وقت أدى يكون مؤديا للواجب ويتعين ذلك الوقت للوجوب، وإذا لم يؤد إلى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب، حتى لو لم يؤد حتى مات يأثم، واستدل الجصاص له بمن عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد تمام الحول والتمكن من الأداء أنه لا يضمن، ولو كانت على الفور يضمن، كمن أخر صوم شهر رمضان عن وقته فإن عليه القضاء. قوله: (وصححه الباقاني وغيره) نقل تصحيحه في التاترخانية أيضا. قوله: (أي واجب على الفور) هذا ساقط من بعض النسخ، وفيه ركاكة لأنه يؤول إلى قولنا: افتراضها واجب على الفور، مع أنها فريضة محكمة بالدلائل القطعية. وقد يقال: إن قوله افتراضها على تقدير مضاف: أي افتراض أدائها، وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها، فيصير المعنى أداؤها المفترض واجب على الفور: أي أن أصل الأداء فرض، وكونه على الفور واجب، وهذا ما حققه في فتح القدير من أن المختار في الأصول أن مطلق الامر لا يقتضي الفور ولا التراخي بل مجرد الطلب فيجوز للمكلف كل منهما لكن الامر هنا معه قرينة الفور الخ ما يأتي. قوله: (فيأثم بتأخيرها الخ) ظاهره الاثم بالتأخير ولو قل كيوم أو يومين، لأنهم فسروا الفور بأول أوقات الامكان. وقد يقال: المراد أن لا يؤخر إلى العام القابل لما في البدائع عن المنتقى ب النون إذا لم يؤد حتى مضى حولان فقد أساء وأثم اه. فتأمل. قوله: (وهي) أي القرينة أنه أي الامر بالصرف. قوله: (وهي معجلة) كذا عبارة الفتح. أي حاجة الفقير معجلة أي حاصلة. قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال بعد ما مر: فتكون الزكاة فريضة وفوريتها واجبة، فيلزم بتأخيره من غير ضرورة الاثم كما صرح به الكرخي والحاكم الشهيد في المنتقى، وهو عين ما ذكره الإمام أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يكره، فإن كراهة التحريم هي المحمل عند اطلاق اسمها، وقد ثبت عن أئمتنا الثلاثة وجوب فوريتها، وما نقله ابن شجاع عنهم من أنها على التراخي فهو بالنظر إلى دليل الافتراض: أي دليل الافتراض لا يوجبها، وهو لا ينفي وجود دليل الايجاب. وعلى هذا قولهم: إذا شك: هل زكى أو لا؟ يجب عليه أن يزكي، لان وقتها العمر، كالشك حينئذ بالشك في الصلاة في الوقت اه ملخصا. تتمة: في الفتح أيضا: إذا أخر حتى مرض يؤدي سرا من الورثة، ولو لم يكن عنده مال فأراد
295 أن يستقرض لأداء الزكاة: إن كان أكبر رأيه أنه يقدر على قضائه فالأفضل الاستقراض، وإلا فلا، لان خصومة صاحب الدين أشد اه. قوله: (أي عبد) خصه بالذكر ليناسب قوله: فنوى خدمته، وأشار بقوله مثلا إلى أن العبد يقيد، لكن الأولى أن يقول بعده: فنوى استعماله ليعم مثل الثوب والدابة، ولا بد من تخصيصه بما تصح فيه نية التجارة ليخرج ما لو اشترى أرضا خراجية أو عشرية ليتجر فيها فإنها لا تجب فيها زكاة التجارة كما يأتي، ونبه عليه في الفتح. قوله: (فنوى بعد ذلك خدمته) أي وأن لا يبقى للتجارة لما في الخانية عبد التجارة: إذا أراد أن يستخدمه سنتين فاستخدمه فهو للتجارة على حاله، إلا أن ينوي أن يخرجه من التجارة ويجعله للخدمة اه. قوله: (ما لم يبعه) أي أو يؤجره كما في النهر وغيره، وبدله من قسم الذين الوسط فيعتبر ما مضى أو يعتبر الحول بعد قبضه على الخلاف الآتي في بيان أقسام الديون. قوله: (بجنس ما فيه الزكاة) فلو دفعه لامرأته في مهرها أو دفعه بصلح عن قود أو دفعته لخلع زوجها لا زكاة، لأن هذه الأشياء لم تكن جنس ما فيه الزكاة ط. قوله: (والفرق) أي بين التجارة حيث لا تتحقق بالفعل وبين عدمها، بأن نواه للخدمة حيث تحقق بمجرد النية ط. قوله: (فيتم بها) لان التروك كلها يكتفى فيها بالنية ط. ونظير ذلك المقيم والصائم والكافر والعلوفة والسائمة، حيث لا يكون مسافرا ولا مفطرا ولا مسلما ولا سائمة ولا علوفة بمجرد النية، وتثبت أضدادها بمجرد النية. زيلعي. لكن صرح في النهاية والفتح بأن العلوفة لا تصير سائمة بمجرد النية، بخلاف العكس. ووفق في البحر بحمل الأول على ما إذا نوى أن تكون السائمة علوفة وهي باقية في المرعى، إلا بد من العمل وهو إخراجها من المرعى لا العلف، وحمل الثاني على ما إذا نوى بعد إخراجها منه. قوله: (كان لها الخ) لان الشرط في التجارة مقارنتها لعقدها وهو كسب المال بالمال بعقد شراء أو إجارة أو استقراض حيث لا مانع على ما يأتي في الشرح مع بيان المحترزات، ثم إن نية التجارة قد تكون صريحا وقد تكون دلالة، فالأول ما ذكرنا، والثاني ما تقدم في الشرح عند قول المصنف أو نية التجار. قوله: (لا ما ورثه) قال في النهر: ويلحق بالإرث ما دخله من حبوب أرضه فنوى إمساكها للتجارة فلا تجب لو باعها بعد حول اه. قوله: (أي ناويا) قال في النهر: يعني نوى وقت البيع مثلا أن يكون بدله للتجارة ولا تكفيه النية السابقة كما هو ظاهر ما في البحر اه. قوله: (فتجب الزكاة) أي إذا حال الحول على البدل ط. قوله: (نواه أو لا) أي نوى السوم أو لا، لأنها كانت سائمة فبقيت على ما كانت وإن لم ينو. خانية. قوله: (وما ملكه بصنعه الخ) أي ما كان متوقفا على قبوله وليس مبادلة مال بمال، كهذه العقود إذا نوى عند العقد كونه للتجارة لا يصير لها، على الأصح، لان الهبة والصدقة والوصية ليست بمبادلة أصلا، والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد مبادلة مال بغير مال كما في البدائع.
296 قال في فتح القدير: والحاصل أن نية التجارة فيما يشتريه تصح بالاجماع، وفيما يرثه لا بالاجماع، وفيما يملكه بقبول عقد مما ذكر خلاف اه. قوله: (أو نكاح أو خلع) أي لو تزوجها على عبد مثلا فنوت كونه للتجارة أو خالعته عليه فنوى كذلك. قوله: (أو صلح عن قود) أي إذا نوى عند عقد الصلح التجارة بالبدل. وفي الخانية: لو كان عبدا للتجارة فقتله عن عمدا فصولح من القصاص على القاتل لم يكن القاتل للتجارة لأنه بدل عن القصاص لا عن المقتول اه. قوله: (كان المدفوع للتجارة) أي بلا نية ح، وذلك لأنه بدل عن المقتول، وقد كان المقتول للتجارة فكذا بدله، فكان مبادلة مال بمال، ومثله فيما يظهر لو اختار سيد الجاني الفداء بعرض لما قلنا، ولا ينافيه ما يأتي عن الأشباه، فافهم. قوله: (فإنه يكون لها) لان حكم البدل حكم الأصل. خانية. وسيأتي تمام الكلام على استبدال مال التجارة في باب زكاة الغنم. قوله: (كما مر) أي في شرح قوله أو نية التجارة ح. قوله: (والأصح أنه لا يكون لها) لان التجارة كسب المال ببدل هو مال، والقبول اكتساب بغير بدل أصلا، فلم تكن النية مقارنة عمل التجارة. بدائع. قوله: (وفي أول الأشباه) أتى به تأييدا للأصح ط. قوله: (والجواهر) كاللؤلؤ والياقوت والزمرد وأمثالها. درر عن الكافي. قوله: (وإن ساوت ألفا) في نسخة ألوفا. قوله: (ما عدا الحجرين) هذا علم بالغلبة على الذهب والفضة ط. وقوله: والسوائم بالنصب عطفا على الحجرين وما عدا ما ذكر كالجواهر والعقارات والمواشي العلوفة والعبيد والثياب والأمتعة ونحو ذلك من العروض. قوله: (المؤدي إلى الشئ) هذا وصف في معنى العلة: أي لا زكاة فيما نواه للتجارة من نحو أرض عشرية أو خراجية لئلا يؤدي إلى تكرار الزكاة، لان العشر أو الخراج زكاة أيضا، والثني بكسر الثاء المثلثة وفتح النون في آخره ألف مقصورة: وهو أخذ الصدقة مرتين في عام كما في القاموس، ومنه كما في المغرب قوله (ص): لا ثني في الصدقة. قوله (وشرط مقارنتها) بالجر عطفا على شرط الأول، ومن المقارنة ما ورثه ناويا لها ثم تصرف فيه ناويا أيضا، لان المعتبر هو النية المقارنة للتصرف بالبيع مثلا كما، فيكون بدله الذي نوى به التجارة مقارنا لعقد الشراء، فافهم. قوله: (أو إجارة) كأن أجر داره بعروض ناويا بها التجارة، ولو كانت الدار للتجارة يصير بدلها للتجارة بلا نية لوجود التجارة دلالة كما مر، وفيه خلاف قدمناه. قوله: (أو استقراض) لان القرض ينقلب معاوضة المال بالمال في العاقبة، وهذا قول بعض المشايخ، وإليه أشار في الجامع أن من كان له مائتا درهم لا مال له غيرها فاستقرض من رجل قبل حولان الحول خمسة أقفزة لغير التجارة ولم يستهلك الاقفزة حتى حال الحول لا زكاة عليه، ويصرف الدين إلى مال الزكاة دون الجنس الذي ليس بمال الزكاة، فقوله: لغير التجارة دليل أنه لو استقرض للتجارة يصير لها. وقال بعضهم: لا وإن نوى، لان القرض إعارة وهو تبرع ولا تجارة.
297 بدائع. وعلى الأول مشى في البحر والنهر والمنح وتبعهم الشارح، لكن ذكر في الذخيرة عن شرح الجامع لشيخ الاسلام أن الأصح الثاني، ومن معنى قول محمد في الجامع: لغير التجارة، أنها كانت عند المقرض لغير التجارة، وفائدته: أنها إذا ردت عليه عادت لغير التجارة، وأنها لو كانت عند التجارة فردت عليه عادت للتجارة اه. والظاهر أن الثاني مبني على قول أبي يوسف: إن المستقرض لا يملك ما استقرضه إلا بالتصرف وعندهما يملكه بالقبض، حتى لو كان قائما في يده فباعه من المقرض يصح عنده لا عندهما (1)، ولو باعه من أجنبي يصح اتفاقا كما سيأتي تحريره في بابه إن شاء الله تعالى، وعلى قولهما فالوجه للأول، تأمل. لا يقال: يشكل الأول بأن المستقرض صار مديونا بنظير ما استقرضه، والمديون لا زكاة عليه بقدر دينه، فما فائدة صحة نية التجارة فيه؟ لأنا نقول: فائدتها ضم قيمته إلى النصاب الذي معه، لما سيأتي أن قيمة عروض التجارة تضم إلى النقدين، فإذا كان له مائتا درهم فقط واستقرض خمسة أقفزة للتجارة قيمتها خمسة دراهم مثلا كان مديونا بقدرها وبقي لها نصاب تام فيزكيه، بخلاف ما إذا لم تكن للتجارة فإنه لا زكاة عليه أصلا، لان الدين يصر ف إلى مال الزكاة دون غيره كما مر، فينقص نصاب الدراهم الذي معه فلا يزكيه ولا يزكي الاقفزة، فافهم. قوله: (ولو نوى الخ) محترز قوله: وشرط مقارنتها لعقد التجارة ح. قوله: (كما لو نوى الخ) خرج باشتراط عقد التجارة، وهذا ملحق بالميراث كما مر عن النهر، فلا يصح تعليله باجتماع الحقين كما قدمناه، فافهم. قوله: (كما مر) قبيل قوله: وشرط صحة أدائها ح. قوله: (وكما لو شرى الخ) محترز قوله: بشرط عدم المانع الخ. قوله: (وزرعها) قيد للعشرية لتعلق العشر بالخارج، بخلاف الخراج إلا إذا كان خراج مقاسمة لا موظفا. ومفهومه أنه إذا لم يزرعها تجب زكاة التجارة فيها لعدم وجوب العشر فلم يوجد المانع، أما الخراجية فالمانع موجود وهو الثني وإن عطلت. قوله: (لقيام المانع) وهو الثني. ومفاد التعليل أنه لو زرع البذر في أرضه المملوكة تجب فيه الزكاة، ويخالفه ما في البحر حيث قال في باب زكاة المال: لو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه لا زكاة فيه، وإنما فيه العشر لان بذره في الأرض أبطل كونه للتجارة، فكان ذلك كنية الخدمة في عبد التجارة بل أولى، ولو لم يزرعه تجب اه. فإن مفاده سقوط الزكاة عن البذر بالزراعة مطلقا أفاده ط. تنبيه: ما ذكره الشارح من عدم وجوب الزكاة في الأرض المشرية للتجارة، وإنما فيها العشر أو الخراج للمانع المذكور. قال في البدائع: هو الرواية المشهور عن أصحابنا. وعن محمد أنه تجب الزكاة أيضا، لان زكاة التجارة تجب في الأرض والعشر يجب في الخارج وهما مختلفان، فلا يجتمع الحقان في مال واحد. ووجه ظاهر الرواية أن سبب الوجوب في الكل واحد لأنه يضاف إليها، فيقال عشر الأرض وخراجها وزكاتها، والكل حق الله تعالى وحقوقه تعالى المتعلقة بالأموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد، كزكاة السائمة مع التجارة اه. فافهم.
(1) قوله: (عنده لا عندهما) صوابه عندهما لا عنده تأمل ا ه. 298 باب السائمة بالإضافة أو بالتنوين على أنه مبتدأ وخبر، فهو لبيان حقيقتها وما بعده لبيان حكمها، ولذا لم يقدر مضافا: أي صدقة السائمة. قال في النهر: وبدأ محمد في تفصيل أموال الزكاة بالسوائم اقتداء بكتبه عليه الصلاة والسلام، وكانت كذلك لأنها إلى العرب، وكان جل أموالهم السوائم والإبل أنفسها عندهم فبدأ بها. قوله: (هي الراعية) أي لغة، يقال سامت الماشية: رعت، وأسامها ربها إسامة، كذا في المغرب، سميت بذلك لأنها تسم الأرض: أي تعلمها. ومنه: * (شجر فيه تسيمون) * (1) (النحل: 01) وفي ضياء الحلوم: السائمة: المال الراعي. نهر. قوله: (وشرعا المكتفية بالرعي الخ) أطلقها فشمل المتولدة من أهلي ووحشي، لكن بعد كون الام أهلية كالمتولدة من شاة وظبي وبقر وحشي وأهلي فتجب الزكاة بها ويكمل بها النصاب عندنا، خلافا للشافعي. بدائع. قوله: (بالرعي) بفتح الراء مصدر، وبكسرها الكلأ نفسه، والمناسب الأول، إذ لو حمل الكلأ إليها في البيت لا تكون سائمة. بحر (2). قال في النهر: وأقول: الكسر هو المتداول على الألسنة، ولا يلزم عليه أن تكون سائمة لو حمله إليها إلا لو أطلق الكلأ على المنفصل. ولقائل منعه، بل ظاهر قول المغرب: الكلأ هو كل ما رعته الدواب من الرطب واليابس، يفيد اختصاصه بالقائم في معدنه ولم تكن به سائمة لأنه ملكه بالحوز، فتدبره اه. قلت: لكن في القاموس: الكلأ كجبل العشب رطبه ويابسه، فلم يقيده بالمرعى. قوله: (ذكره الشمني) أي ذكر التقييد بالمباح. قال في البحر والنهر: ولا بد منه، لان الكلأ يشمل غير المباح ولا تكون سائمة به، لكن قال المقدسي: وفيه نظر. قلت: لعل وجهه (3) منع شموله لغير المباح، لحديث أحمد: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار فهو مباح ولو في أرض مملوكة كما سيأتي في فصل الشرب إن شاء الله تعالى. قوله: (ذكره الزيلعي) أي ذكر قوله: لقصد الدر والنسل تبعا لصاحب النهاية. قوله: (والسمن) عطف تفسير ط. قوله: (ليعم الذكور) لان الدر والنسل لا يظهر فيها ط. قوله: (فقط) أي الذكور المحضة، وليس المراد أنه يعم الذكور ولا يعم غيرها اه ح. وحاصله أنه قيد للذكور لا ليعم. قوله: (لكن في البدائع الخ) استدراك على ما في المحيط من اعتبار السمن. والجواب أن مراد المحيط أن السمن لا لأجل اللحم بل لغرض آخر مثل أن لا تموت في الشتاء من البرد، فلا تناقض بين كلامي البدائع والمحيط اه ح. أو يحمل على اختلاف الرواية أو المشايخ ط. وبه جزم الرحمتي.
(1) قوله: (شجر فيه تسيمون الخ) قال العلامة المفتي أبو السعود في تفسير قوله تعالى: (فيه تسيمون) ترعون، من سامت الماشية أو أسامها صاحبها، وأصلها السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات في الأرض ا ه. (2) قوله: (لا تكون سائمة بحر) سيأتي قريبا له التصريح بلزوم التقييد المباح، وحينئذ لا يراد ما ذكره فإنه بعد قطعه لا يقال له مباح ا ه. (3) قوله: (وفيه نظر قلت لعل وجهه الخ) قد يقال: لا وجه في هذا النظر، فإنه محتاج إليه لاخراج ما قطع وحمل إلى البيت فإنه يقال له كلأ أيضا ا ه. 299 أقول: عبارة البدائع هكذا: نصاب السائمة له صفات: منها كونه معدا للاسامة للدر والنسل لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي، والمال النامي في الحيوان بالاسامة إذ به يحصل النسل فيزداد المال، فإن أسميت للحمل والركوب أو اللحم فلا زكاة فيها اه. فقد أفاد أن الزكاة منوطة بالاسامة لأجل النمو: أي الزيادة (1)، فيشمل الإسامة لأجل السمن لأنه زيادة فيها، ثم تفريعه على ذلك بإخراج ما إذا أسميت للحمل والركوب أو للحم يعلم منه أنه لم يرد باللحم السمن وإلا كان كلاما متناقضا لان اللحم زيادة، ولا يتوهم أحد أن ذلك مبني على رواية أخرى لأنه في صدد كلام واحد، فتعين أن المراد باللحم الاكل: أي إذا أسامها لأجل أن يأكل لحمها هو وأضيافه، فهو كما لو أسامها للحمل والركوب، إذ لا بد من قصد الإسامة للزيادة والنمو، هذا ما ظهر لي. ثم رأيت في المعراج ما نصه: له غنم للتجارة نوى أن تكون للحم فذبح كل يوم شاة أو سائمة نواها للحمولة فهي للحم والحملة عند محمد اه. وفيه لف ونشر مرتب، والله تعالى أعلم. قوله: (كما لو أسامها وللحمل والركوب) لأنه تصير كثياب البدن وعبيد الخدمة. قوله: (ولعلهم تركوا ذلك) أي ترك أصحاب المتون من تعريف السائمة ما زاده المصنف تبعا للزيلعي والمحيط لتصريحهم: أي تصريح التاركين لذلك بالحكمين: أي بحكم ما نوى به التجارة من العروض الشاملة للحيوانات وبحكم المسامة للحمل والركوب، وهو وجوب زكاة التجارة في الأول وعدمه في الثاني، فلا يرد على تعريفهم بأنها المكتفية بالرعي في أكثر العام أنه تعريف بالأعم، أفاده في البحر. وحاصله أن القيدين المذكورين في الزيلعي والمحيط ملحوظان في التعريف المذكور بقرينة التصريح المزبور، فلا يكون تعريفا بالأعم، على أن التعريف بالأعم إنما لا يصح على رأي المتأخرين من علماء الميزان، وإلا فالمتقدمون وأهل اللغة على جوازه، وبه اندفع قول النهر: إن هذا غير دافع، إذ التعريف بالأعم لا يصح ولا ينفع فيه ذكر الحكمين بعده اه. تأمل. قوله: (للشك في الموجب) بكسر الجيم وهو كونها سائمة، فإنه شرط لكونها سببا للوجوب. قال في فتح القدير: العلف اليسير لا يزول به اسم السوم المستلزم للحكم، وإذا كان مقابله كثيرا بالنسبة كان هو يسيرا، والنصف ليس بالنسبة إلى النصف كثيرا، ولأنه يقع الشك في ثبوت سبب الايجاب، فافهم. قوله: (مختلفان قدرا وسببا) لان القدرة في مال التجارة ربع العشر، وفي السوائم ما يأتي بيانه، والسبب فيهما هو المال النامي، لكن بشرط نية التجارة في الأول ونية الإسامة للدر والنسل في
(1) قوله: (لأجل النمو اي الزيادة) يعني الزيادة المطلقة الشاملة للسمن، هكذا فهم المحشي وبنى عليه كلامه، وهو كما ترى مخالف لصريح عبارة البدائع، فان النماء فيها مخصوص بالنسل كما يرشد إلى هذا تفسيره النماء به، فالأحسن ان يقال المراد بقوله: فان اسيمت للحم انما هو الاكل كما قال المحشي وبضميمة هذا إلى ما علمت نم ان المراد بالنماء الدر والنسل لا تظهر منافاة أصلا، فإنه حينئذ لم يتعرض لمسألة السمن فتكون عبارة البدائع حينئذ مساوية لعبارة الزيلعي. غاية الامر ان صاحب البدائع زاد مسألة من محترزات القيد الذي اتفقنا على ذكره، وقد صرح صاحب البدائع قبل هذه المسألة بما يل على مسألة السمن فلا يعترض عليه باهمالها. ا ه. 300 الثاني، فالاختلاف في الحقيقة في القدر والشرط، لكن لما كانت السببية لا تتم إلا بشرطها جعله من الاختلاف في السبب، فافهم. قوله: (فلو اشترى) تفريع على البطلان. قوله: (كما لو باع السائمة) قيد بها لان عروض التجارة إذا استبدلت لا ينقطع الحول. قلت: ومثل العروض الدراهم والدنانير عندنا، خلافا للشافعي فلا زكاة على الصيرفي في قياس قوله كما في البدائع. قوله: (في وسط الحول) بسكون السين وهو أفيد، لأنه اسم لجزء مبهم بين طرفي الشئ، بخلاف محركها فإنه اسم لجزء تساوى بعده عن طرفي الشئ فيكون جزءا معينا من الحول، وليس بمراد اه ح. قوله: (أو قبله) أي قبل الحول على تقدير مضاف: أي قبل انتهائه بيوم، والمراد به مطلق الزمان ولو ساعة، وهو من عطف الخاص على العام فإنه قد يكون ب أو كما في الحديث: ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها وفائدته مع أنه داخل في الوسط التنبيه على بطلان الحول بالبيع وإن مضى معظمه، ودفع توهم أن المراد بالوسط الجزء المعين، فافهم. قوله: (ولا نقد عنده) أما لو كان عنده نصابا فإنه يضم إليه ويزكيه معه بلا استقبال حول، وكان الأولى أن يقول: ولا نصاب عنده، ليشمل ما إذا باعها بجنسها أو بغيره، ففي الجوهرة: ولو باع الماشية قبل الحول بدراهم أو بماشية ضم الثمن إلى جنسه بالاجماع: أي يضم الدراهم إلى الدراهم والماشية إلى الماشية. قوله: (المسبلة) أي المجعولة ليغازي عليها في سبيل الله تعالى بوقف أو وصية، وهذا التفصيل عند الامام، أما عندهما فلا شئ في الخيل مطلقا ط. بزيادة. قوله: (ولا في المواشي العمي) نقل في الظهيرية في العمى روايتين. وعندهما تجب، كما لو كان فيها عمى. نهر. وجزم في البحر في الباب الآتي بالوجوب فيها، والذي يظهر أنه إن تحقق فيها السوم وجبت، وإلا فلا بدليل التعليل، والله أعلم. باب بالتنوين مبتدأ حذف خبره، أو بالعكس، ونصاب مبتدأ وخمس خبره، والذي في المنح: نصاب الإبل بغير باب ط. قوله: (نصاب الإبل) أطلقه فشمل الذكور، والإناث ولو أبوه وحشيا بعد أن كانت الام أهلية، وشمل الصغار بشرط أن لا تكون كلها كذلك لما سيصرح به. فالصغار تبع للكبار، وشمل الأعمى والمريض والأعرج، لكن لا يؤخذ في الصدقة، وشمل السمان والعجاف، لكن تجب شاة بقدر العجاف، وبيانه في البحر. قوله: (مؤنثه) قال في ذيل المغرب: كل جمع مؤنث إلا ما صح بالواو والنون فيمن يعلم، تقول: جاء الرجال والنساء وجاءت الرجال والنساء، وأسماء الجموع مؤنثه نحو الإبل والذود والخيل والغنم والوحش والعرب والعجم، وكذا كل ما يفرق بينه وبين واحدة بالتاء أو ياء النسب كتمر ونخل ورومي وروم وبختي وبخت اه. فافهم. قوله: (بفتح
301 الباء) كقولهم في النسبة إلى سلمة: أي بكسر اللام سلمى بالفتح لتوالي الكسرات مع الياء. بحر. قوله: (لأنها تبول أفخاذها) فيه إشارة إلى أن بينهما اشتقاقا أكبر، وهو اشتراك الكلمتين في أكثر الحروف مع التناسب في المعنى كما هنا، فإن الإبل مهموز وبال أجوف ح. قوله: (وبخت) بالجر بدل منقوله: إلى خمس وعشرين والأولى نصبه على التمييز. ط وهو كذلك في بعض النسخ. قوله: (بخنتصر) بضم الباء وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق والنون والصاد المهملة المشددة في آخره راء: علم مركب تركيب مزج على ملك ح. وفي القاموس: بخنتصر بالتشديد، أصله بوخت ومعناه: ابن، ونصر كبقم: ضم، وكان وجد عند الصنم ولو يعرف له أب فنسب إليه، خرب القدس اه. قوله: (أو عراب) جمع عربي للبهائم وللأناسي عرب، ففرقوا بينهما في الجمع. بحر. قوله: (شاة) ذكرا كان أو أنثى. بحر. وفي الشرنبلالية عن الجوهرة قال الخجندي: لا يجوز في الزكاة إلا الثني من الغنم فصاعدا، وهو ما أتى عليه حول. ولا يؤخذ الجذع: وهو الذي أتى عليه ستة أشهر وإن كان يجزئ في الأضحية اه. قوله: (عفو) مصدر بمعنى اسم المفعول: أي عفا الشارع عنه فلم يوجب فيه شيئا ط. قوله: (بنت مخاض) قيد بها لأنها لا يجوز دفع الذكور فيها إلا بطريق القيمة كما يأتي، والواجب في المأخوذ الوسط كما سيجئ في باب الغنم. قوله: (سميت به الخ) قال في المغرب: مخضت الحامل مخضا: ومخاضا: أخذها وجع الولادة، ومنه: * (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) * (مريم: 32) والمخاض أيضا: النوق الحوامل الواحدة خلفه، ويقال لولدها إذا استكمل سنة ودخل في الثانية ابن مخاض، لان أمه لحقت بالمخاض من النوق اه. ومثله في القاموس، فافهم. قوله: (غالبا) لأنها قد لا تحمل، وأشار إلى أن المراد ببنت مخاض وكذا بنت لبون السن، لا أن تكون أمها مخاضا أو لبونا، فهو مخرج مخرج العادة لا مخرج الشرط كما في البحر عن الزيلعي في فصل محرمات النكاح وهذا مع ما مر عن المغرب يدل على أن هذا معنى لغوي أيضا لا شرعي فقط كما فهمه في البحر من عبارة الزيلعي المذكورة، فافهم. قوله: (وهي التي طعنت في الثالثة) أي ولو بزمن يسير كيوم، فلا يخالف ما في القهستاني من أنها التي أتى عليها سنتان. أفاده ط. قوله: (لاخرى) أي لبنت أخرى ط. قوله: (وحق ركوبها) بيان لعلة التسمية كما في القاموس. قوله: (كذا كتب رسول الله (ص)) كتب مبتدأ مضاف، وكذا خبره
302 وأبي بكر عطف على المضاف إليه ح. وفي عامة النسخ: إلى أبي بكر: أي الواصلة إليه، ففي الفتح عن رواية الزهري أنه (ص) قد كتبت الصدقة ولم يخرجها إلا عماله، حتى توفي فأخرجها أبو بكر من بعده، فعمل بها حتى قبض، ثم أخرجها عمر فعمل بها الخ. قلت: وإنما ذكر الشارح هذه الجملة ولم يؤخرها إلى آخر الكلام لوقوع الخلاف لاختلاف الروايات فيما بعد المائة والخمسين (1) كما أشار إليه بقوله الآتي: عندنا أما ما دونها فلا خلاف فيه، إلا ما ورد عن علي أنه قال: في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه، وتمامه في الزيلعي. قوله: (عندنا) وقال الشافعي وأحمد: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، إلا مائة وثلاثين ففيها حقه وبنتا لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وعن مالك قولان: أحدهما كمذهبنا، والآخر كمذهب الشافعي. إسماعيل. قوله: (ثم في كل مائة وخمس وأربعين) الأصول إسقاط كل ليوافق ما في المنح والدرر وغيرهما، ولايهامه أنه إن تكرر هذا العدد مرتين تكرر هذا الواجب مرتين، وإن تكرر ثلاثا فثلاث وليس ذلك بمراد. والأصوب أيضا العطف بالواو بدل ثم لان هذا ليس استئنافا آخر بل هو من جملة الاستئناف الذي قبله. قوله: (بنت مخاض وحقتان) فالحقتان في المائة والعشرين وبنت مخاض في الخمسة والعشرين الزائدة عليها. قوله: (ثم في كل مائة وخمسين) الأصوب إسقاط كل لما مر، وعطفه بثم (2) لا بالواو، لان مقتضى الاستئناف فيما بعد المائة والعشرين أن يجب في ست وثلاثين بعدها بنت لبون مع الحقتين، لكن ليس في هذا الاستئناف بنت لبون، بخلاف الاستئنافين اللذين بعده. قوله: (ثم في كل خمس وعشرين) أي بعد المائة والخمسين، والأصوب أيضا إسقاط كل والعطف فيه وفيما بعده بالواو بدل ثم لما مر. قوله: (أربع حقاق) منها ثلاث وجبت في المائة والخمسين، والرابعة وجبت في الست والأربعين الزائدة عليها، وإلى هنا انتهى حكم الاستئناف الثاني فلا تجب فيه جذعة. قوله: (إلى مائتين) وهو في المائتين بالخيار، إن شاء دفع أربع حقاق من كل خمسين حقة أو خمس بنات لبون من كل أربعين بنت لبون كما في المحيط والمبسوط والخانية. إسماعيل. قوله: (كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين) قيد به احترازا عن الاستئناف الأول: يعني الذي بعد المائة والعشرين، إذ ليس فيه إيجاب بنت لبون كما قدمناه، ولا إيجاب حقاق لعدم نصابهما، لأنه لما زاد خمس وعشرون على المائة والعشرين صار كل النصاب مائة وخمسة وأربعين، فهو نصاب بنت المخاض مع الحقتين، فلما زاد عليها وصار مائة وخمسين وجب ثلاث حقاق. درر. قوله:
(1) قوله: (فيما بعد المائة والخمسين الخ) لعل الصواب ابدال الخمسين بالعشرين. تأمل ا ه. (2) قوله: (وعطفه بثم الخ) قد أبدى شيخنا نكتة لطيفة للتعبير بثم وهي ان ثم تفيد التراخي والمهلة وقد اتى بها هنا لتفيد تراخي وجوب الثلاث حقاق عن وجوب الحقتين الواجبتين في مائة وعشرين، ولو أتى بالواو لم يستفد ذلك تأمل ا ه. 303 (حتى يجب في كل خمسين حقة) كذا في صدر الشريعة والدرر، والمراد في كل ست وأربعين إلى الخمسين كما عبر به في النقاية. قال في البحر: فإذا زاد على المائتين خمس شياه ففيها شاة مع الأربع حقاق أو الخمس بنات لبون، وفي عشر شاتان معها، وفي خمس عشرة ثلاث شياه معها، وفي عشرين أربع معها، فإذا بلغت مائتين وخمسا وعشرين ففيها بنت مخاض معها إلى ست وثلاثين، فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها خمس حقاق إلى مائتين وخمسين، ثم تستأنف كذلك، ففي مائتين وست وتسعين ست حقاق إلى ثلاثمائة وهكذا اه. قوله: (للإناث) نعت للقيمة: أي القيمة الكائنة للإناث ح. قوله: (فإن المالك مخير) لعدم فضل الأنوثة فيهما على الذكورة ط. باب زكاة البقر قدمت على الغنم لقربها من الإبل في الضخامة حتى شملها اسم البدنة. بحر. قوله: (كالثور الخ) هو ذكر البقر. قاموس: أي كما سمي الثور ثورا لأنه يثير الأرض: أي يحرثها. قال في المغرب: * (وأثاروا الأرض) * (الروم: 9) حرثوها وزرعوها، وسميت البقرة المثيرة لأنها تثير الأرض اه. قوله: (والتاء للوحدة) أي لا للتأنيث فيشمل الذكر والأنثى كما في البحر. قوله: (والجاموس) هو نوع من البقر كما في المغرب، فهو مثل البقر في الزكاة والأضحية والربا، ويكمل به نصاب البقر، وتؤخذ الزكاة من أغلبها، وعند الاستواء يؤخذ أعلى الأدنى وأدنى الاعلى. نهر. وعلى هذا الحكم البخت والعراب والضأن والمعز. ابن ملك. قوله: (بخلاف عكسه) أي المتولد من أهلي ووحشية، لان المعتبر الام. قوله: (ووحشي) بالجر عطفا على عكسه. قوله: (فإنه لا يعد في النصاب) لأنه ملحق، بخلاف الجنس كالحمار الوحشي، وإن ألف فيما بيننا لا يلحق بالأهلي حتى يبقى حلال الاكل. بحر. قوله: (ثلاثون) ذكورا كانت أو إناثا، وكذا الجواميس كما في البرجندي إسماعيل. قوله: (سائمة) نعت لثلاثون فهو مرفوع، ويجوز النصب على التمييز ح. فلو علوفة فلا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، فلا يعتبر فيها العدد بل القيمة. قوله: (غير مشتركة) فلو مشتركة لا تزكى لنقصان نصيب كل منهما عن النصاب وإن صحت الخلطة فيه كما سيأتي بيانه في باب زكاة المال. قوله: (وفيها تبيع) نص على الذكر لئلا يتوهم اختصاصه بالأنثى كما في الإبل. قوله: (كاملة) قيد به ليوافق قول غيره، وطعن في الثانية لأنه إذا تمت السنة لزم طعنه في الثانية فلا مخالفة. أفاده الشيخ إسماعيل. قوله: (مسن) بضم الميم وكسر السين مأخوذ من الأسنان: وهو طلوع السن في هذه السنة لا الكبر. قهستاني عن ابن الأثير ط. قوله: (بحسابه) أي لا يكون عفوا بل يحسب إلى ستين،
304 ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الثنتين نصف عشر مسنة. درر. قوله: (بحر عن الينابيع) عزاه في البحر إلى الأسبيجابي وتصحيح القدوري وليس فيه ذكر الينابيع. وفي النهر: وهي أعدل كما في المحيط، وفي جوامع الفقه: المختار قولهما، وفي الينابيع والأسبيجابي: وعليه الفتوى اه. قوله: (ثم في كل ثلاثين الخ) فيتغير الواجب بكل عشرة، ففي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثماني مسنتان، وفي تسعين ثلاث أتبعة، وفي مائة تبيعا و مسنة، فعلى ما ذكروه مدار الحساب على الثلاثينات والأربعينات. ط عن القهستاني. قوله: (إلا إذا تداخلا) أي التبيعات والمسنات بأن كان العدد يصح أن يعطى فيه من هذه أو هذه ط. قوله: (وهكذا) أي الحكم على هذا المنوال، ففي مائتين وأربعين ثمانية أتبعة أو ست مسنات. باب زكاة الغنم الغنم محركة: الشاء لا واحد لها من لفظها، الواحدة شاة، وهو اسم مؤنث للجنس يقع على الذكور والإناث. قاموس. وفيه الشاة الواحدة من الغنم للذكر والأنثى، وتكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش والمرأة، جمعه شاء وشياه وشواه إلخ. قوله: (مشتق من الغنيمة) أي بينهما اشتقاق أكبر كما مر في الإبل، فافهم، وذكر الضمير وإن كانت الغنم مؤنثة كما علمت، لان المراد هنا اللفظ. قوله: (لأنه الخ) علة مقدمة على معلولها، وقوله: آلة الدفاع أي الدفع عن نفسها، ولا ينافي وجود آلة لها غير دافعة كقرونها ط. قوله: (ضأنا أو معزا) بسكون الهمزة والعين وفتحهما جمع ضأن، كذا في القاموس والكشاف، وهو مذب الأخفش. والصحيح مذهب سيبويه أن كلا منهما اسم جنس يقع على القليل والكثير والذكر والأنثى، والضأن: ما كان من ذوات الصفوف والمعز من ذوات الشعر. قهستاني ط. قوله: (فإنهما سواء) لان النص ورد باسم الشاة والغنم وهو شامل لهما. نهر قوله: (في تكميل النصاب) فإن نقص نصاب الظأن وعنده من المعز ما يكمله أو بالعكس وجبت فيه الزكاة، وكذا لو كان المعز تاما يجب فيه. قوله: (والأضحية) أي تجزئ منهما، إلا أنها يجوز بالجذع (1)، وأما أخذه في الزكاة ففيه الخلاف الآتي. قوله: (والربا) فلا يجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز متفاضلا ح. قوله: (لا في أداء الواجب) لان النصاب إذا كان ضأنا يؤخذ الواجب من الضأن، ولو معزا فمن المعز، ولو منهما فمن الغالب، ولو سواء فمن أيهما شاء. جوهرة: أي فيعطي أدنى الاعلى أو أعلى الأدنى كما قدمناه في الباب السابق. قوله: (والايمان) فإن من حلف لا يأكل لحم الضأن لا يحنث بأكل لحم المعز للعرف ح: أي فإن الضأن
(1) قوله: (الا انها تجوز بالجذع) اي من الضأن، والأحسن من هذه العبارة قول ط اي انها تجوز منهما لكن يختلفان من حيث إن الجذع من الضأن يجزي لا من المعز ز ا ه. 305 غير المعز في العرف. قوله: (وما بينهما عفو) أي ما بين كل نصاب ونصاب فوقه عفو لا شئ فيه زائدا، فما زاد على أربعين شاة مثلا إلى المائة و العشرين لا شئ فيه إذا اتحد المالك، فلو مشتركة بين ثلاثة أثلاثا فعلى كل شاة. قال في البحر: ولو كانت لرجل فليس للساعي أن يفرقها ويجعلها أربعين أربعين فيأخذ ثلاث شياه لأنه باتحاد المالك صار الكل نصابا، ولو كان بين رجلين أربعون شاة لا تجب على واحد منهما الزكاة، وليس للساعي أن يجمعها ويجعلها نصابا ويأخذ الزكاة منها، لان ملك كل واحد منهما قاصر عن النصاب اه. قوله: (وهو ما تمت له سنة) أي ودخل في الثانية، كما في الهداية وسائر كتب الفقه. والمذكور في الصحاح والمغرب وغيرهما من كتب اللغة أنه من الغنم ما دخل في السنة الثالثة، كذا في البرجندي، ولذا قال الزيلعي: هذا على تفسير الفقهاء. وعند أهل اللغة: ما طعن في الثالثة. إسماعيل. قوله: (لا الجذع) بالتحريك. قاموس. قوله: (وهو ما أتى عليه أكثرها) كذا في الهداية والكافي والدرر، وقيل ما له ثمانية أشهر، وقيل سبعة، وذكر الأقطع أنه عند الفقهاء ما تم له ستة أشهر. قال في البحر: وهو الظاهر. قوله: (على الظاهر) راجع إلى قوله: لا الجذع فإن عدم إجزائه هو ظاهر الرواية، صرح به في البحر ح. قوله: (من الضأن) قيد به لان المعز لا خلاف أنه لا يؤخذ فيه إلا الثني. بحر عن الخانية. قوله: (ذكره الكمال) وأقره في النهر، لكن جزم في البحر وغيره بظاهر الرواية، وفي الاختيار أنه الصحيح. قوله: (والجذع من البقر الخ) وأما الجذع من المعز فقال في البحر: لم أره عند الفقهاء، وإنما نقلوا عن الأزهري أنه ما تم له سنة اه. قلت: لكن لا يصح أن يكون مراد الفقهاء، لأنه بهذا المعنى ثني عندهم كما تقدم في كلام الشارح، فالظاهر أنه لا فرق عندهم في الجذع بين الغنم والمعز. قوله: (ولا شئ في خيل سائمة) في المغرب: الخيل اسم جمع للعراب، والبراذين ذكورهما وإناثهما اه. وقيد بالسائمة لأنها محل الخلاف، أما التي نوى بها التجارة فتجب فيها زكاة التجارة اتفاقا كما يأتي. قوله: (عندهما) لما في الكتب الستة من قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة زاد مسلم إلا صدقة الفطر. وقال الامام: إن كانت سائمة للدر والنسل ذكورا وإناثا وحال عليها الحول وجب فيها الزكاة، غير أنها إن كانت من أفراس العرب خير بين أن يدفع عن كل واحدة دينارا وبين أن يقومها ويعطي عن كل مائتي درهم خمسة دراهم، وإن كانت من أفرا س غيرهم قومها لا غير، وإن كانت ذكورا أو إناثا فروايتان: أشهر عدم الوجوب، كذا في المحيط. وفي الفتح: الراجح في الذكور عدمه، وفي الإناث الوجوب، وأجمعوا أنها لو كانت للحمل والركوب أو علوفة فلا شئ فيها، وأن الامام لا يأخذها جبرا. نهر. قوله: (وعليه الفتوى) قال الطحاوي: هذا أحب القولين
306 إلينا، ورجحه القاضي أبو زيد في الاسرار. وفي الينابيع، وعليه الفتوى. وفي الجواهر: والفتوى على قولهما. وفي الكافي: هو المختار للفتوى، وتبعه الزيلعي والبزازي تبعا للخلاصة. وفي الخانية قالوا: الفتوى على قولهما. تصحيح العلامة قاسم. قلت: وبه جزم في الكنز، لكن رجح قول الإمام في الفتح. وأجاب عن دليلهما المار تبعا للهداية بأن المراد فيه فرس الغازي، وحقق ذلك بما لا مزيد عليه، واستدل للامام بالأدلة الواضحة، ولذا قال تلميذه العلامة قاسم: وفي التحفة الصحيح قوله، ورجحه الامام السرخسي في المبسوط، والقدوري في التجريد، وأجاب عما عساه يورد على دليله، وصاحب البدائع وصاحب الهداية، وهذا القول أقوى حجة علما شهد به التجريد والمبسوط وشرح شيخنا اه. قوله: (الأصح لا) وقيل ثلاث وقيل خمس. قهستاني. قوله: (ليست للتجارة) أي هذه الثلاثة. قوله: (فلا كلام) أي لا كلام يتعلق بنفي زكاة التجارة موجود اه ح. قوله: (ولا في عوامل) أي التي أعدت للعمل كإثارة الأرض بالحراثة، وكالسقي ونحوه. زاد في الدر الحوامل وهي التي أعدت لحمل الأثقال، وكأن المصنف نظر إلى أن العوامل تشملها. قوله: (وعلوفة) بالفتح: ما يعلف من الغنم وغيرها، الواحد والجمع سواء. مغرب. قال في البحر: وقدمنا عن القنية أنه لو كان له إبل عوامل يعمل بها في السنة أربعة أشهر ويسميها في الباقي ينبغي أن لا تجب فيها زكاة اه. قوله: (ما لم تكن العلوفة للتجارة) قيد بالعلوفة لان العوامل لا تكون للتجارة وإن نواها لها، كما في النهر: أي لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية. قوله: (وحمل وفصيل وعجول) في النهر: الحمل ولد الشاة في السنة الأولى، والفصيل: ولد الناقة قبل أن يصير ابن مخاض. والعجول: ولد البقرة حين تضعه أمه إلى شهر كما في المغرب. قوله: (وصورته الخ) أي إذا كانت له سوائم كبار وهي نصاب فمضت ستة أشهر مثلا فولدت أولادا ثم ماتت وتم الحول على الصغار لا تجب الزكاة فيها عندهما، وعند الثاني تجب واحدة منها، والمراد من النصاب خمس وعشرون إبلا وثلاثون بقرا وأربعون غنما، وأما ما دون خمس وعشرين إبلا فلا شئ فيه اتفاقا، لان الثاني أوجب واحدة منها، ولا يتصور فيما دون المقدار، وتمامه في الاختيار. وفي القهستاني عن التحفة: الصحيح قولهما. قوله: (إلا تبعا لكبير) قال في النهر: والخلاف، أي المذكور آنفا مقيد بما إذا لم يكن فيه كبار، فإن كان كما إذا له، مع تسع وثلاثين حملا مسن وكذلك في الإبل والبقر كانت الصغار تبعا للكبير ووجب إجماعا، كذا في الدراية اه. قوله: (ويجب ذلك الواحد ولو ناقصا، فلو جيدا يلزم الوسط) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها ويجب ذلك الواحد ما لم يكن جيدا فيلزم الوسط وهذه النسخة أحسن. قوله: (وهلاكه يسقطها) أي لو هلك الكبير بعد الحول بطل الواجب عندهما، وعند الثاني يجب في الباقي تسعة وثلاثون جزءا من أربعين جزءا من حمل. نهر ولو هلك الحملان وبقي الكبير يؤخذ جزء من
307 أربعين جزءا منه. بدائع. قوله: ولو تعدد الواجب الخ) بيانه إذا كان له مسنتان ومائة وتسعة عشر حملا فإنه يجب مسنتان في قولهم: أما لو كان له مسنة ومائة وعشرون حملا وجبت مسنة واحدة عندهما. وقال الثاني: مسنة وحمل، وعلى هذا لو كان له تسعة وخمسون عجولا وتبيع. نهر عن غاية البيان. قوله: (ولا في عفو) هذا قولهما، وهو أن الواجب في النصاب لا في العفو. وقال محمد وزفر: الواجب عن الكل، وأثر الخلاف يظهر فيمن ملك تسعا من الإبل فهلك بعد الحول منها أربعة لم يسقط شئ على الأول، ويسقط على الثاني أربعة أتساع شاة، وكذا لو كان له مائة وعشرون شاة فهلك منها ثمانون يسقط على الثاني ثلثا شاة منها، وتمامه في الزيلعي. قوله: (وخصاه بالسوائم) أي خص الصاحبان العفو بها دون النقود. لان ما زاد على مائتي درهم لا عفو فيه عندهما، بل يجب فيما زاد بحسابه، أما عند أبي حنيفة فإن الزائد عليها عفو ما لم يبلغ أربعين درهما ففيها درهم آخر كما سيأتي. قوله: (ولا في هالك الخ) أي لا تجب الزكاة في نصاب هالك بعد الوجوب: أي بعد مضي الحول بل تسقط، وإن طلبها الساعي منه فامتنع حتى هلك النصاب على الصحيح. وفي الفتح أنه الأشبه بالفقه، لان للمالك رأيا في اختيار محل الأداء بين العين والقيمة، والرأي يستدعي زمانا. قوله: (ومنع الساعي) عطف على وجوبها ح. قوله: (لتعلقها بالعين) لان الواجب جزء من النصاب فيسقط بهلاك محله، كدفع العبد بالجناية يسقط بهلاكه. هداية. قوله: (وإن هلك بعضه) أي بعض النصاب سقط حظه: أي حظ الهالك: أي سقط من الواجب فيه بقدر ما هلك منه. قوله: (ويصرف الهالك إلى العفو الخ) أقول: أي لو كان عنده ثلاث نصب مثلا وشئ زائد مما لا يبلغ نصابا رابعا فهلك بعض ذلك يصرف الهالك إلى العفو أولا، فإن كان الهالك يقدر العفو يبقى الواجب عليه في الثلاث نصب بتمامه، وإن زاد يصرف الهالك إلى نصاب يليه: أي إلى النصاب الثالث ويزكي عن النصابين، فإن زاد الهالك على النصاب الثالث يصرف الزائد إلى النصاب الثاني، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأول ومقتضى ما مر أنه إذا نقص النصاب يسقط عنه حظه ويزكي عن الباقي بقدره. تأمل. ثم إن هذا قول الإمام رضي الله عنه. وعند أبي يوسف: يصرف الهالك بعد العفو الأول إلى النصب شائعا. وعند محمد: إلى العفو والنصب لما مر من تعلق الزكاة بهما عنده. قال في الملتقى وشرحه للشارح: فلو هلك بعد الحول أربعون من ثمانين شاة تجب شاة كاملة عندهما، وعند محمد: نصف شاة. ولو هلك خمسة عشر من أربعين بعيرا: تجب بنت مخاض، لما مر أن الامام يصرف الهالك إلى العفو ثم إلى نصاب يليه ثم وثم. وعند أبي يوسف خمسة وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من بنت مخاض (1) لما مر أنه يصرف الهالك بعد العفو الأول إلى النصب. وعند محمد: نصف بنت لبون وثمنها، لما مر أنه يعلق الزكاة بالنصاب والعفو اه. وفي البحر: ظاهر الرواية عن أبي يوسف كقول الإمام. قوله: (بخلاف المستهلك) أي بفعل رب
(1) قوله: (من بنت مخاض) صوابه بنت لبون، كذا في هامش نسخة المؤلف ا ه. 308 المال مثلا ط. قوله: (بعد الحول) أما قبله لو استهلكه قبل تمام الحول فلا زكاة عليه لعدم الشرط، وإذا فعله حيلة لدفع الوجوب، كأن استبدل نصاب السائمة بآخر أو أخرجه عن ملكه ثم أدخله فيه، قال أبو يوسف: لا يكره لأنه امتناع عن الوجوب، لا إبطال حق الغير. وفي المحيط أنه الأصح. وقال محمد: يكره، واختار الشيخ حميد الدين الضرير، لان فيه إضرارا بالفقراء وإبطال حقهم مآلا، وكذا الخلاف في حيلة دفع الشفعة قبل وجوبها. وقيل الفتوى في الشفعة على قول أبي يوسف، وفي الزكاة على قول محمد، وهذا تفصيل حسن. شرح درر البحار. قلت: وعلى هذا التفصيل مشى المصنف في كتاب الشفعة، وعزاه الشارح هناك إلى الجوهرة، وأقره، وقال: ومثل الزكاة الحج وآية السجدة. قوله: (لوجود التعدي) علة لقوله بخلاف المستهلك فإنه بمعنى تجب فيه الزكاة. قوله: (ومنه الخ) أي من الاستهلاك المفهوم من المستهلك. قال في النهر: وهو أحد قولين. والقول الآخر أنه لا يضمن، لأنه لو فعل ذلك في الوديعة لا يضمن، فكذا هنا. والذي يقع في نفسي ترجيح الأول، ثم رأيته في البدائع جزم له ولم يحك غيره اه. قلت: ومن الاستهلاك ما لو أبرأ مديونه الموسر، بخلاف المعسر على ما سيأتي قبيل باب العاشر. قوله: (والتوي) بالقصر: أي الهلاك مبتدأ خبره هلاك. قوله: (بعد القروض والإعارة) الأصوب الاقراض. قال في الفتح: وإقراض النصاب الدراهم بعد الحول ليس باستهلاك، فلو ترى المال على المستقرض لا تجب: أي الزكاة، ومثله إعارة ثوب التجارة اه. والتوى هنا: أن يجحد ولا بينة عليه، أو يموت المستقرض لا عن تركة. قوله: (واستبدال) بالجر عطفا على القرض اه ح. لان المعنى أنه لو استبدل مال التجارة بمال التجارة ثم هلك البدل لا تجب الزكاة لأنه ليس باستهلاك، فعلى هذا لا يصح كونه مرفوعا عطفا على التوى لاستلزامه أن يكون نفس الاستبدال هلاكا، وليس كذلك لقيام البدل مقام الأصل، وما عزي إلى النهر من أنه هلاك لم أره فيه، بل المصرح به فيه وفي غيره أنه ليس باستهلاك، ولا يلزم منه أن يكون هلاكا. قال في البدائع: وإذا حال الحول على مال التجارة فأخرجه عن ملكه بالدراهم أو الدنانير أو بعرض التجارة بمثل قيمته لا يضمن الزكاة، لأنه ما أتلف الواجب بل نقله من محل إلى مثله، إذ المعتبر في مال التجارة هو المعنى، وهو المالية لا الصورة، فكان الأول قائما معنى فيبقى الواجب ببقائه ويسقط بهلاكه، وأما إذا باعه وحابى بيسير فكذلك، لأنه مما لا يمكن التحرز عنه فكان عفوا وإن حابى بما لا يتغابن الناس فيه ضمن قدر زكاة المحاباة، وزكاة ما بقي تتحول إلى العين فتبقى ببقائه وتسقط بهلاكه انتهى. والاستبدال قبل الحول كذلك. ففي البدائع أيضا: لو استبدل مال التجارة بمال التجارة وهي العروض قبل تمام الحول لا يبطل حكم الحول، سواء استبدلها بجنسها أو بخلافه بلا خلاف لتعلق وجوب زكاتها بمعنى المال وهو المالية والقيمة وهو باق، وكذا الدراهم أو الدنانير إذا باعها بجنسها أو بخلافه كدراهم أو بدنانير. وقال الشافعي: ينقطع حكم الحول، فعلى قياس قوله لا تجب الزكاة في مال الصيارفة
309 كما إذا باع السائمة بالسائمة. ولنا ما قلنا: إن الوجوب في الدراهم تعلق بالمعنى لا بالعين، والمعنى قائم بعد الاستبدال فلا يبطل حكم الحول، بخلاف استبدال السائمة بالسائمة، فإن الحكم فيها يتعلق بالعين فيبطل الحول المنعقد على الأول ويستأنف للثاني حولا اه. فافهم. قوله: (هلاك) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها يعد هلاكا. قوله: (وبغير مال التجارة) متعلق بمبتدأ محذوف دل عليه المذكور: أي واستبدال مال التجارة بغير مال التجارة استهلاك فيضمن زكاته. قال في النهر: وقيده في الفتح بما إذا نوى في البدل عدم التجارة عند الاستبدال، أما إذا لم ينو: وقع البدل للتجارة اه. قلت: أي وإذا وقع البدل للتجارة فلا يكون الاستبدال استهلاكا، فلا يضمن زكاة الأصل لو كان بعد تمام الحول، ولا ينقطع حكم الحول لو كان الاستبدال قبل تمامه، بل يتحول الوجوب إلى البدل فيبقى ببقائه ويسقط بهلاكه كما نقلناه صريحا عن البدائع، فما قيل من أنه لا تجب زكاة البدل بهذا الاستبدال بل يعتبر له حول جديد: خطأ صريح، فافهم. تنبيه: شمل قوله وبغير مال التجارة ما لو استبدله بعوض ليس بمال أصلا، بأن تزوج عليه امرأة، أو صالح به عن دم العمد، أو اختلعت به المرأة، أو بعوض هو مال لكنه ليس مال الزكاة بأن باعه بعبد الخدمة أو ثياب البذلة أو استأجر به عينا، فيضمن الزكاة في ذلك كله لأنه استهلاك، وكذا لو باع مال التجارة بالسوائم على أن يتركها سائمة لاختلاف الواجب فكان استهلاكا، وتمامه في البدائع. تتمة: حكم النقود مثل مال التجارة، ففي الفتح: رجل له ألف حال حولها فاشترى بها عبدا للتجارة فمات أو عروضا للتجارة فهلكت، بطلت عنه زكاة الألف، ولو كان العبد للخدمة لم تسقط بموته، وتمامه فيه. قوله: (والسائمة بالسائمة) الأول إسقاط قوله بالسائمة ليشمل استبدالها بغير سائمة. قال في فتح القدير: واستبدال السائمة استهلاك مطلقا سواء استبدلها بسائمة من جنسها أو من غيره، أو بغير سائمة دراهم أو عروض لتلقي الزكاة بالعين أو لا وبالذات وقد تبدلت، فإذا هلكت سائمة البدل تجب الزكاة، ولا يخفى أن هذا إذا استبدل بها بعد الحول، أما إذا باعها قبله فلا، حتى لا تجب الزكاة في البدل إلا بحول جديد أو يكون له دراهم وقد باعها بأحد النقدين اه: أي فحينئذ يضم ثمنها إلى ما عنده من الدراهم ويزكيه معه بلا استقبال حول جديد، وكذا لو باعها بسائمة وعنده سائمة فإنه يضمها إليها كما قدمناه في فصل السائمة عن الجوهرة. قوله: (وجاز دفع القيمة) أي ولو مع وجود المنصوص عليه. معراج. فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز. وتمامه في الفتح. ثم إن هذا مقيد بغير المثلى، فلا تعتبر القيمة في نصاب كيلي أو وزني، فإذا أدى أربعة مكاييل أو دراهم جيدة عن خمسة رديئة أو زيوف لا يجوز عند علمائنا الثلاثة إلا عن أربعة، وعليه كيل أو درهم آخر خلافا لزفر، وهذا إذا أدى من جنسه. وإلا فالمعتبر هو القيمة اتفاقا لتقوم الجودة في المال الربوي عند المقابلة، بخلاف جنسه. ثم إن المعتبر عند محمد الأنفع للفقير من القدر والقيمة. وعندهما القدر، فإذا أدى خمسة أقفزة رديئة عن خمسة جيدة لم يجز عنده حتى يؤدي تمام قيمة الواجب وجاز عندهما، وهذا إذا كان المال
310 جيدا وأدى من جنسه رديئا، أما إذا أدى من خلا ف جنسه فالقيمة معتبرة اتفاقا. وإذا أدى خمسة جيدة عن خمسة رديئة جاز اتفاقا على اختلاف التخريج، وتمامه في شرح درر البحار وشرح المجمع. قوله: (في زكاة الخ) قيد بالمذكورات لأنه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا والعتق، لان معنى القربة إراقة الدم، وفي العتق نفي الرق وذلك لا يتقوم. بحر عن غاية البيان ثقال: ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام النحر، أما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عر ف الأضحية اه. قوله: (وخراج) ذكره في الشرنبلالية بحثا، لكن نقله الشيخ إسماعيل عن الخلاصة. قوله: (ونذر) كأن نذر أن يتصدق بهذا الدينار فتصدق بقدره دراهم، أو بهذا الخبز فتصدق بقيمته، جاز عندنا، كذا في فتح القدير. وفيه: لو نذر أن يهدي شاتين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين لا يجوز، لان القربة في الإراقة والتحرير وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحد، بخلاف النذر بالتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما جاز، لان المقصود إغناء الفقير وبه تحصل القربة وهو يحصل بالقيمة، ولو نذر أن يتصدق بقفيز دقل (1) فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه لا يجزيه، لان الجودة لا قيمة لها هنا للربوية وللمقابلة بالجنس، بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساويه جاز اه. قوله: (وكفارة) بالتنوين وغير الاعتاق نعته، ولم يذكر هندا الاستثناء في الهداية والكنز والتبيين والكافي، وذكره في غاية البيان لما قدمنا معللا بأن معنى القربة فيه إتلاف الملك ونفي الرق وذلك لا يتقوم. شرنبلالية. قلت: وينبغي استثناء الكسوة أيضا لما في البحر عن الفتح، بخلاف ما لو كان كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد، لان المنصوص عليه في الكفارة مطلق الثوب لا بقيد الوسط، فكان الاعلى وغيره داخلا تحت النص اه. قوله: (وهو الأصح) أي كون المعتبر في السوائم يوم الأداء إجماعا هو الأصح فإنه ذكر في البدائع أنه قيل: إن المعتبر عنده فيها يوم الوجوب، وقيل يوم الأداء اه. وفي المحيط: يعتبر يوم الأداء بالاجماع وهو الأصح اه. فهو تصحيح للقول الثاني الموافق لقولهما، وعليه فاعتبار يوم الأداء يكون متفقا عليه عنده وعندهما. قوله: (ويقوم في البلد الذي المال فيه) فلو بعث عبدا للتجارة في بلد آخر يقوم في البلد الذي فيه العبد. بحر. قوله: (ففي أقرب الأمصار إليه) أي إلى المفازة، وذكر الضمير باعتبار الموضع. وعبارة الفتح إلى ذلك الموضع قال في البحر في الباب الآتي: وهذا أولى مما في التبيين من أنه إذا كان في المفازة يقوم في المصر الذي يصير إليه. قوله: (والمصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة: هو الساعي آخذ الصدقة، وأما المالك فالمشهور فيه تشديدهما وكسر الدال، وقيل بتخفيف الصاد. شرنبلالية عن العناية. قوله: (لا يأخذ إلا الوسط) أي من السن الذي وجب، فلو وجب بنت لبون لا يأخذ خيار بنت لبون ولا رديئها، بل يأخذ الوسط، لقوله (ص) لمعاذ حين بعثه إلى اليمن إياك وكرائم أموالهم
(1) الدقل: محركا أردأ التمر قاموس. ا ه. منه. 311 رواه الجماعة، ولان فأخذ الوسط نظرا للفقراء ولرب المال. منلا علي القارئ. وفي الخانية: ولا تؤخذ الربي والأكيلة والماخض وفحل الغنم لأنها من الكرائم اه. والربى بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة، وهي التي تربي ولدها. مغرب. وفي البدائع قال محمد: الربى: هي التي تربي ولدها. والأكيلة: التي تسمن للاكل. والماخض: هي التي في بطنها ولد، ومن الناس من طعن فيه وزعم أن الربى هي المرباة والأكيلة المأكولة، وطعنه مردود عليه، وكان عليه تقليد محمد إذ هو إمام في اللغة أيضا واجب التقليد فيا كأبي عبيد والأصمعي والخليل والكسائي والفراء وغيرهم، وقد قلده أبو عبيد مع جلالة قدره واحتج بقوله، وكذا أبو العباس (2). مطلب: محمد إمام في اللغة واجب القليد فيها من أقران سيبويه وكان ثعلب يقول: محمد عندنا من أقران سيبويه، فكان قوله حجة في اللغة اه. وتمامه فيها. قوله: (ولو كله جيدا فجيد) في الظهيرية، بل نخيل تمر برني ودقل. قال الامام: يؤخذ من كل نخلة حصتها من التمر. وقال محمد: يؤخذ من الوسط إذا كانت أصنافا ثلاثة: جيد، ووسط، وردئ اه. وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا اشتمل المال على جيد ووسط وردئ أو على صنفين منها، أما لو كان المال كله جيدا كأربعين شاة أكولة تجب شاة من الكرائم لا شاة وسط عند الامام، خلافا لمحمد كما لا يخفى. بحر. وفي النهر عن المعراج: وإن لم يكن فيها وسط يعتبر أفضلها ليكون الواجب بقدره. قوله: (كذا نقله الشافعية) (3) وعللوه بأن الحامل حيوانان كما في شرح ابن حجر. قوله: (فليراجع) لا يقال: تقدم أنه لا تؤخذ الماخض، لان المراد هنا ما إذا كان النصاب كله كذلك، ولا يقال: صرحوا بأنه لا زكاة في العوامل والحوامل لان المراد بها المعدة للحمل على ظهرها، والمراد هنا ما في بطنها ولد، لكن إذا كان النصاب كله كذلك، فما المانع من أخذها وإن كانت حيوانين؟ كما لو كانت كلها أكولة فإنها تؤخذ مع كونها من الكرائم المنهي عن أخذها. وقول البحر المار آنفا: تجب شاة من الكرائم يشمل الحامل، فتأمل. قوله: (فالقيد اتفاقي) كذا في البحر ودرر البحار وغيرهما، لكن ظاهر ما في البحر عن المعراج أنه اتفاقي بالنسبة إلى أداء القيمة، فإنه قال: وأداء القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا اه، فتأمل. قوله: (من ذات سن) أشار بتقدير المضاف تبعا للنهر إلى أن المراد بالسن معناها الحقيقي واحدة الأسنان لكن قال في المغرب: السن هي المعروفة، ثم سمي بها صاحبها كالناب للمسنة من النوق، ثم استعيرت لغيره كابن المخاض وابن اللبون اه. زاد في الدرر: وذلك إنما يكون في الدواب دون الانسان لأنها تعرف بالسن اه: أي سميت بذلك لان عمرها يعرف بالسن، بخلاف الآدمي، ومقتضاه أنه مجاز في اللغة من إطلاق اسم البعض على الكل كالرقبة على المملوك، فلا حاجة إلى تقدير مضاف إلى أن يريد الإشارة إلى تجويز كونه من مجاز الحذف. تأمل. قوله: (الأدنى) أي وصفا أو سنا، وكذا
(2) قوله: (أبو العباس) الظاهر أنه المبرد ا ه. منه. (3) قوله: (كذا نقله الشافعية) وقوله فليراجع، هكذا في نسخة المؤلف بخطه، ولعل ذلك في نسخة الشارح التي كتب عليها والا فلا وجود له في نسخة الشارح التي بيدي ا ه مصححه. 312 قوله: أو الاعلى. قوله: (مع الفضل) أي ما يزيد من قيمة الواجب على المدفوع. قوله: (لأنه دفع بالقيمة) أي لا يبيع حتى ينافي الجبر. قوله: (ورد الفضل) أي استرده، ولم يقدروه عندنا بشئ لأنه يختلف بحسب الأوقات غلاء ورخصا. وقدرة الشافعي بشاتين أو عشرين درهما كما بسطه في العناية وغيرها. إسماعيل. قوله: (بلا جبر) كذا في الهداية، وبه جزم الكمال والزيلعي. وفي النهر عن الصيرفي أنه الصحيح، وقيل الخيار للساعي ذكره محمد في الأصل، وجرى عليه القدوري، واختاره الأسبيجابي، وقيل للمالك في الصورتين، وهو ظاهر المتن ك الكنز والدرر والملتقى، وصححه في الاختيار. وذكر في النهاية والمعراج أنه الصواب، ومشى عليه في البحر، وعزاه إلى المبسوط وانتصر في النهر للأول فلذا جزم به الشارح. قوله: (جاز) أي بخلاف المثلي كما قدمناه موضحا. قوله: (والمستفاد) السين والتاء زائدتان: أي المال المفاد ط. قوله: (ولو بهبة أو إرث) أدخل فيه المفاد بشراء أو ميراث أو وصية، وما كان حاصلا من الأصل كالأولاد والربح كما في النهر. قوله: (إلى نصاب) قيد به لأنه لو كان النصاب ناقصا وكمل بالمستفاد فإن الحول ينعقد عليه عند الكمال، بخلاف ما لو هلك بعض النصاب في أثناء الحول فاستفاد ما يكمله فإنه يضم عندنا، وأشار إلى أنه لا بد من بقاء الأصل، حتى لو ضاع استأنف للمستفاد حولا منذ ملكه، فإن وجد منه شيئا قبل الحول ولو بيوم ضمه وزكى الكل، وكذا لو وهب له ألف فاستفاد مثلها في الحول ثم رجع الواهب بقضاء استأنف حولا للفائدة، وشمل كلامه ما لو كان النصاب دينا، فاستفاد مائة فإنها تضم إجماعا، غير أنه لو تم حول الدين، فعند الامام لا يلزمه الأداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما، فلو مات المديون مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد، وعندهما يجب اه من البحر والنهر. قوله: (من جنسه) سيأتي: أن أحد النقدين يضم إلى الآخر، وأن عروض التجارة تضم إلى النقدين للجنسية باعتبار قيمتها، واحترز عن المستفاد من خلاف جنسه كالإبل مع الشياه فلا تضم. بحر. قوله: (ولو أدى الخ) هذا بمنزلة الاستثناء مما في المتن كأنه قال: يضم المستفاد إلى جنسه ما لم يمنع منه مانع وهو الثني المنفي بقوله عليه الصلاة والسلام: لا ثني في الصدقة. قوله: (لا تضم) أي إلى سائمة عنده من جنس السائمة التي اشتراها بذلك النقد المزكى: أي لا يزكيها عند تمام حول السائمة الأصلية عند الامام للمانع المذكور، وعندهما يضم، وكذا الخلاف لو باع السائمة المزكاة بنقد، بخلاف ما لو أدى عشر طعام أو أرض أو صدقة فطر عبد ثم باع حيث تضم أثمانها إجماعا. والفرق للامام أن ثمن السائمة بدل مال الزكاة، وللبدل حكم المبدل منه، فلو ضم لأدى إلى الثني، وكذا جعل السائمة علوفة بعد ما زكاها ثم باعها، أو جعل عبد التجارة المؤدي زكاته للخدمة ثم باعه ضم لخروجه عن مال الزكاة فصار كمال آخر، وتمامه في البحر. قوله: (كثمن سائمة مزكاة) أي وكالفرع المذكور قبله، ففيه لو ورث سائمة من جنس السائمتين تضم إلى أقربهما أيضا. قوله: (ضمت) أي الألف الموروثة إلى أقربهما: أي الأقرب الألفين الأولين حولا. قال في البحر: لأنهما استويا في علة الضم
313 وترجح أحدهما باعتبار القرب لأنه أنفع للفقراء. قوله: (وربح كل الخ) قال في البحر: ولو كان المستفاد ربحا أو ولدا ضمه إلى أصله وإن كان أبعد حولا لأنه ترجح باعتبار التفرع والتولد، لأنه تبع وحكم التبع لا يقطع عن الأصل. قوله: (أخذ البغاة) الاخذ ليس قيدا احترازيا حتى لو لم يأخذوا منه ذلك سنين وهو عندهم لم يؤخذ منه شئ أيضا، كما في البحر والشرح نبلالية عن الزيلعي. والبغاة: قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام الحق بأن ظهروا فأخذوا ذلك. نهر. ويظهر لي أن أهل الحرب لو غلبوا على بلدة من بلادنا كذلك لتعليلهم أصل المسألة بأن الامام لم يحمهم والجباية بالحماية. وفي البحر وغيره: لو أسلم الحربي في دار الحرب وأقام فيها سنين ثم خرج إلينا لم يأخذ منه الامام الزكاة لعدم الحماية، ونفتيه بأدائها إن كان عالما بوجوبها، وإلا فلا زكاة عليه، لان الخطاب لم يبلغه وهو شرط الوجوب اه. وسيأتي متنا في باب العاشر أنه لو مر على عاشر الخوارج فعشروه ثم مر على عاشر أهل العدل أخذ منه ثانيا: أي لتقصيره بمروره بهم. قوله: (والخراج) أي خراج الأرض كما في غاية البيان. والظاهر أن خراج الرؤوس (1) كذلك. نهر. قلت: ما استظهره صرح به في المعراج. قوله: (الآتي ذكره) أي في باب المصرف. قوله (فعليهم الخ) أي ديانة كما في بعض النسخ. قال في الهداية: وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج اه. لكن هذا فيما أخذه البغاة لتعليلهم بأن البغاة لا يأخذون بطريق الصدقة بل بطريق الاستحلال فلا يصرفونها إلى مصارفها اه. أما السلطان الجائر فله ولاية أخذها، وبه يفتي كما نذكره قريبا عن أبي جعفر، نعم ذكر في المعراج عن كثير من مشايخ بلخ أنه كالبغاة لأنه لا يصرفه إلى مصارفه. وفي الهداية أنه الأحوط. قوله: (إعادة غير الخراج) موافق لما نقلناه عن الهداية. قال في الشرنبلالية: وعليه اقتصر في الكافي، وذكر الزيلعي ما يفيد ضعفه حيث قال: وقيل لا نفتيهم بإعادة الخراج. قوله: (لأنهم مصارفه) علة لمحذوف تقديره: أما الخراج فلا يفتون بإعادته لأنهم مصارفه، إذ أهل البغي يقاتلون أهل الحرب والخراج حق المقاتلة. شرح الملتقى ط. قوله: (واختلف في الأموال الباطنة) هي النقود وعروض التجارة إذا لم يمر على العاشر، لأنها بالاخراج تلتحق بالأموال الظاهرة كما يأتي في بابه، والأموال الظاهرة هي التي يأخذ زكاتها الامام وهي السوائم وما فيه العشر والخراج وما يمر به على العاشر، ويفهم من كلام الشارح أنه لا خلاف فيه الأموال الظاهرة مع أن فيها خلافا أيضا.
(1) قوله: (خراج الرؤوس) هو الجزية ا ه. 314 مطلب: فيما لو صادر السلطان رجلا فنوى بذلك أداء الزكاة إليه قال في التجنيس والولوالجية: السلطان الجائر إذا أخذ الصدقات: قيل إن نوى بأدائها إليه الصدقة عليه لا يؤمر بالأداء ثانيا لأنه فقير حقيقة، ومنهم من قال: الأحوط أن يفتي بالأداء ثانيا كما لو لم ينو لانعدام الاختيار الصحيح، وإذا لم ينو: منهم من قال: يؤمر بالأداء ثانيا، وقال أبو جعفر: لا لكون السلطان له ولاية الاخذ فيسقط عن أرباب الصدقة، فإن لم يضعها موضعها لا يبطل أخذه، وبه يفتى، وهذا في صدقات الأموال الظاهرة. أما لو أخذ منه السلطان أموالا مصادرة ونوى أداء الزكاة إليه، فعلى قول المشايخ المتأخرين يجوز. والصحيح أنه لا يجوز، وبه يفتى، لأنه ليس للظالم ولاية أخذ الزكاة من الأموال الباطنة اه. أقول: يعني وإذا لم يكن له ولاية أخذها لم يصح الدفع إليه وإن نوى الدافع به التصدق عليه لانعدام الاختيار الصحيح، بخلاف الأموال الظاهرة، لأنه لما كان له ولاية أخذ زكاتها لم يضر انعدام الاختيار، ولذا تجزيه سواء نوى التصدق عليه أو لا. هذا، وفي مختارات النوازل: السلطان الجائر إذا أخذ الخراج يجوز. ولو أخذ الصدقات أو الجبايات أو أخذ مالا مصادرة: إن نوى الصدقة عند الدفع قيل يجوز أيضا، وبه يفتى، وكذا إذا دفع إلى كل جائر بنية الصدقة لأنهم بما عليهم من التبعات صاروا فقراء، والأحوط الإعادة اه. وهذا موافق لما صححه في المبسوط، وتبعه في الفتح، فقد اختلف التصحيح والافتاء في الأموال الباطنة إذا نوى التصدق بها على الجائر وعلمت ما هو الأحوط. قلت: وشمل ذلك ما يأخذه المكاس، لأنه وإن كان في الأصل هو العاشر الذي ينصبه الامام، لكن اليوم لا ينصب لاخذ الصدقات بل لسلب أموال الناس ظلما بدون حماية، فلا تسقط الزكاة بأخذه كما صرح به في البزازية، فإذا نوى التصدق عليه كان على الخلاف المذكور. قوله: (لأنهم بما عليهم الخ) علة لقوله قبله الأصح الصحة وقوله بما عليهم متعلق بقوله: فقراء. قوله: (حتى أفتى) بالبناء للمجهول، والمفتي بذلك محمد بن سلمة، وأمير بلخ هو موسى بن عيسى بن ماهان والي خراسان، سأله عن كفارة يمينه فأفتاه بذلك، فجعل يبكي ويقول لحشمه: إنهم يقولون لي ما عليك من التبعات فوق مالك من المال فكفارتك كفارة يمين من لا يملك شيئا. قال في الفتح: وعلى هذا لو أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع إلى السلطان الجائر سقط. ذكره قاضيخان في الجامع الصغير. وعلى هذا فإنكارهم على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث أفتى بعض ملوك المغاربة في كفارة عليه بالصوم غير لازم، لجواز أن يكون للاعتبار المذكور لا لكون الصوم أشق عليه من الاعتاق، وكون ما أخذه خلطه بماله بحيث لا يمكن تمييزه فيملكه عند الامام غير مضر لاشتغال ذمته بمثله، والمديون بقدر ما في يده فقير اه ملخصا. قلت: وإفتاء ابن سلمة مبني على ما صححه في التقرير من أن الدين لا يمنع (1) التكفير
(1) قوله: (من أن الدين لا يمنع الخ) صوابه اسقاط لا، تأمل. ا ه. 315 بالمال، أما على ما صححه في الكشف الكبير وجرى عليه الشارح فيما مر تبعا للبحر والنهر فلا. قوله: (لم تقع زكاة) في بعض النسخ: لم تصح زكاة، وعزا هذا في البحر إلى المحيط. ثم قال: وفي مختصر الكرخي إذا أخذها الامام كرها فوضعها موضعها أجزأ، لأن ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك. وفي القنية: فيه إشكال، لأن النية فيه شرط ولم توجد منه اه. قلت: قول الكرخي: فقام أخذه الخ، يصلح للجواب. تأمل. ثم قال في البحر: والمفتى به التفصيل إن كان في الأموال الظاهرة يسقط الفرض، لان للسلطان أو نائبه ولاية أخذها، وإن لم يضعها موضعها لا يبطل أخذه، وإن كان في الباطنة فلا اه. قوله: (وفي التجنيس) في بعض النسخ لكن بدل الواو وهو استدراك على ما في المبسوط، وقد أسمعناك آنفا ما في التجنيس. وقد يدعى عدم المخالفة بينهما بحمل ما في التجنيس على ما إذا دفع إلى السلطان مال المكس أو المصادرة ونوى به كونه زكاة ليصرفه السلطان في مصارفه ولم ينو بذلك التصدق به على السلطان، ويؤيد هذا الحمل قوله: لأنه ليس له ولاية أخذ الزكاة من الأموال الباطنة، فلا ينافي ذلك قول المبسوط: الأصح أن ما يأخذه ظلمة زماننا من الجبايات والمصادرات يسقط عن أرباب الأموال إذا نووا عند الدفع التصدق عليهم لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء، فليتأمل. قوله: (بماله) متعلق بخلط، وأما لو خلطه بمغصوب آخر فلا زكاة فيه كما يذكره في قوله: كما لو كان الكل خبيثا. قوله: (لان الخلط استهلاك) أي بمنزلته من حيث أن حق يتعلق بالذمة لا بالأعيان ط. قوله: (عند أبي حنيفة) أما على قولهما فلا ضمان، وحينئذ فلا يثبت الملك لأنه فرع الضمان، ولا يورث عنه لأنه مال مشترك، وإنما يورث عنه حصة الميت منه. فتح. قوله: (وهذا الخ) الإشارة إلى وجوب الزكاة الذي تضمنه قوله فتجب الزكاة فيه. قوله: (منفصل عنه) الذي في النهر عن الحواشي: محل ما ذكروه ما إذا كان له مال غير ما استهلكه بالخلط يفضل عنه فلا يحيط الدين بماله اه: أي بفضل عنه بما يبلغ نصابا. قوله: (كما لو كان الكل خبيثا) في القنية: ولو كان الخبيث نصابا لا يلزمه الزكاة، لان الكل واجب التصدق عليه فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه اه. ومثله في البزازية. قوله: (كما في النهر) أي أول كتاب الزكاة عند قول الكنز: وملك نصاب حولي، ومثله في الشرنبلالية، وذكره في شرح الوهبانية بحثا. وفي الفصل العاشر من التاترخانية عن فتاوى الحجة: من ملك أموالا غير طيبة أو غصب أموالا وخلطها ملكها بالخلط ويصير ضامنا، وإن لم يكن له سواها نصاب فلا زكاة عليه فيها وإن بلغت نصابا، لأنه مديون ومال المديون لا ينعقد سببا لوجوب الزكاة عندنا اه. فأفاد بقوله: وإن لم يكن له سواها نصاب الخ، أن وجوب الزكاة مقيد بما إذا كان له نصاب سواها، وبه يندفع ما استشكله في البحر من أنه وإن ملكه بالخلط فهو مشغول بالدين فينبغي أن لا تجب الزكاة اه. لكن لا يخفى أن الزكاة حينئذ إنما تجب فيما زاد عليها لا فيها.
316 لا يقال: يمكن أن يكون له مال سواها مما لا زكاة فيه كدور السكنى وثياب البذلة مما يبلغ مقدار ما عليه أو يزيد فتجب الزكاة فيها من غير أن يكون لنصاب آخر سواها. لأنا نقول: إنه لما خلطها ملكها وصار مثلها دينا في ذمته لا عينها، وقدمنا أن الدين يصرف أولا إلى مال الزكاة دون غيره، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخدام صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم: أي فلو حال الحول على المائتين لا زكاة عليه لاشتغالها بالدين مع وجود ما يفي به من جنسه وهو الخادم، وهنا كذلك ما لم يملك نصابا زائدا، نعم تظهر الثمرة فيما إذا أبرأه المغصوب منهم كما نقله في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة، وقال: وهو قيد حسن يجب حفظه اه. أو إذا صالح غرماءه على عقار مثلا فيبقى ما غصبه سالما عن الدين فتجب زكاته. وقد يجاب عن الاشكال كما أفاده شيخنا بأن المراد ما إذا لم يعلم أصحاب المال المغصوب، لان الدين إنما يمنع وجوب الزكاة إذا كان له مطالب من جهة العباد ويجهل أصحابه لا يبقى له مطالب فلا يمنع وجوبها. قلت: لكن قدمنا عن القنية والبزازية أن ما وجب التصدق بكله لا يفيد التصدق ببعضه، لان المغصوب إن علمت أصحابه أو ورثتهم وجب رده عليهم، وإلا وجب التصدق به. وأيضا فقد مر أن الامراء فقراء بما عليهم من التبعات، ولا شك أن غالب غرمائهم مجهولون، وتقدم أيضا أن الموصى به للفقراء لو دفعه إلى السلطان الجائر سقط، فجواز أخذه الزكاة لفقره ينافي وجوبها عليه، وإن جاز أخذه لها مع وجوبها عليه لعلة أخرى كعدم وصوله إلى ماله كابن السبيل ومن له دين مؤجل. تأمل. مطلب: في التصدق من المال الحرام قوله: (وفي شر الوهبانية الخ) فيه دفع لما عسى يورد على قول المتن: فتجب الزكاة فيه من أنه مال خبيث فكيف يزكي منه؟ لكن علمت أنه لا تجب زكاته إلا إذا استبرأ من صاحبه أو صالح عنه فيزول خبثه نعم لو أخرج زكاة المال الحلال من مال حرام: ذكر في الوهبانية أنه يجزئ عند البعض، ونقل القولين في القنية. وقال في البزازية: ولو نوى في المال الخبيث الذي وجبت صدقته أن يقع عن الزكاة وقع عنها اه: أي نوى في الذي وجب التصدق ب لجهل أربابه، وفيه تقييد لقول الظهيرية: رجل دفع إلى فقير من المال الحرام شيئا يرجو به الثواب يكفر، ولو علم الفقير بذلك فدعا له وأمن المعطى كفرا جميعا. ونظمه في الوهبانية وفي شرحها: ينبغي أن يكون كذلك لو كان المؤمن أجنبيا غير المعطي والقابض، وكثير من الناس عنه غافلون ومن الجهال فيه واقعون اه. قلت: الدفع إلى الفقير غير قيد، بل مثله فيما يظهر لو بنى من الحرام بعينه مسجدا ونحوه مما يرجو به التقرب لان العلة رجاء الثواب فيما فيه العقاب، ولا يكون ذلك إلا باعتقاد حله. قوله: (إذا تصدق بالحرام القطعي) أي مع رجاء الثواب الناشئ عن استحلاله كما مر، فافهم. قوله: (لا يكفر) اقتصر على نفي الكفر لان التصرف به قبل أداء بدله لا يحل وإن ملكه بالخلط كما علمته. وفي حاشية الحموي عن الذخيرة: سئل الفقيه أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمراء السلطان وجمع المال
317 من أخذ الغرامات المحرمات وغير ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي أن لا يأكل منه ويسعه حكما أن يأكله إن كان ذلك الطعام لم يكن في يد المطعم غصبا أو رشوة اه: أي إن لم يكن عين الغصب أو الرشوة لأنه لم يملكه فهو نفس الحرام فلا يحل له ولا لغيره. وذكر في البزازية هنا أن من لا يحل له أخذ الصدقة فالأفضل له أن لا يأخذ جائزة السلطان. ثم قال: وكان العلامة بخوارزم لا يأكل من طعامهم ويأخذ جوائزهم، فقيل له فيه، فقال تقديم الطعام يكون إباحة، والمباح له يتلفه على ملك المبيح فيكون آكلا طعام الظالم، والجائزة تمليك فيتصرف في ملك نفسه اه. قلت: ولعله مبني على القول بأن الحرام لا يتعدى إلى ذمتين، وسيأتي تحقيق خلافه في البيع الفاسد والحظر والإباحة. قوله: (لأنه ليس بحرام بعينه الخ) يوهم أنه قبل الخلط حرام لعينه مع أن المصرح به في كتب الأصول أن مال الغير حرام لغيره لا لعينه، بخلاف لحم الميتة وإن كانت حرمته قطعية، إلا أن يجاب بأن المراد ليس هو نفس الحرام لأنه ملكه بالخلط، وإنما الحرام التصرف فيه قبل أداء بدله. ففي البزازية قبيل كتاب الزكاة: ما يأخذه من المال ظلما ويخلطه بماله وبمال مظلوم آخر يصير ملكا له وينقطع حق الأول فلا يكون أخذه عندنا حراما محضا، نعم لا يباح الانتفاع به قبل أداء البدل في الصحيح من المذهب اه. مطلب: استحلال المعصية القطعية كفر لكن في شرح العقائد النسفية: استحلال المعصية كفر إذا ثبت كونها معصية بدليل قطعي، وعلى هذا تفرع ما ذكر في الفتاوى من أنه إذا اعتقد الحرام حلالا، فإن كان حرمته لعينه وقد ثبت بدليل قطعي يكفر، وإلا فلا بأن تكون حرمته لغيره أو ثبت بدليل ظني. وبعضهم لم يفرق بين الحرام لعينه ولغيره وقال: من استحل حراما قد علم في دين النبي عليه الصلاة والسلام تحريمه كنكاح المحارم فكافر اه. قال شارحه المحقق ابن الغرس: وهو التحقيق. وفائدة الخلاف تظهر في أكل مال الغير ظلما فإنه يكفر مستحله على أحد القولين اه. وحاصله أن شرط الكفر على القول الأول شيئان: قطعية الدليل، وكونه حراما لعينه. وعلى الثاني يشترط الشرط الأول فقط وعلمت ترجيحه، وما في البزازية مبني عليه. قوله: (ولو عجل ذو نصاب) قيد بكونه ذا نصاب، لأنه لو ملك أقل منه فعجل خمسة عن مائتين ثم تم الحول على مائتين لا يجوز، وفيه شرطان آخران: أن لا ينقطع النصاب في أثناء الحول، فلو عجل خمسة من مائتين ثم هلك ما فيه يده إلا رهما ثم استفاد فتم الحول على مائتين جاز ما عجل، بخلاف ما لو هلك الكل. وأن يكون النصاب كاملا في آخر الحول، فلو عجل شاة من أربعين وحال الحول وعنده تسعة وثلاثون، فإن كان دفعها للفقير وقعت نفلا، وإن كانت قائمة في يد الساعي فالمختار كما في الخلاصة وقوعها زكاة، وتمامه في النهر والبحر. قوله: (لسنين) بأن كان له ثلاثمائة درهم دفع منها مائة درهم عن المائتين عشرين سنة، وقوله: أو لنصب صورته: أن يدفع المائة المذكور عن
318 المائتين وعن تسعة عشر نصابا ستحدث فحدثت له في ذلك العام صح، وإن حدثت في عام آخر فلا بد لها من زكاة على حدة كما صرح به في البحر ح لكن المائة التي عجلها تقع زكاة عن المائتين عشرين سنة ويكون من المسألة الأولى، فقد قال في النهر: وعلى هذا تفرع ما في الخانية: لو كان له خمس من الإبل الحوامل فعجل شاتين عنها وعما في بطونها ثم نتجت خمسا قبل الحول أجزأه، وإن عجل عما تحمل في السنة الثانية لا يجوز اه. وذلك لأنه لما عجل عما تحمله في السنة الثانية لم يوجد المعجل عنه في سنة التعجيل فلم يجز عما نوى التعجيل عنه، وهذا أراد، لا نفي الجواز مطلقا لأنه يقع عما في ملكه في الحول الثاني فيكون من المسألة الأولى، لان التعيين في الجنس الواحد لغو. وفي الولوالجية: لو كان عنده أربعمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة ظانا أنها كذلك كان له أن يحسب الزيادة للسنة الثانية، لأنه أمكن أن يجعل الزيادة تعجيلا اه. وقيد في البحر بكون الجنس متحدا قال: لأنه لو كان له خمس من الإبل وأربعون من الغنم فعجل شاة عن أحد الصنفين ثم هلك لا يكون عن الآخر، ولو كان له عين ودين فعجل عن العين فهلكت قبل الحول جاز عن الدين، ولو بعده فلا، والدراهم والدنانير وعروض التجارة جنس واحد اه. قوله: (لوجوب السبب) أي سبب الوجوب وهو ملك النصاب النامي فيجوز التعجيل لسنة وأكثر كما إذا كفر بعد الجرح، وكذا النصب لان النصاب الأول هو الأصل في السببية والزائد عليه تابع له. قال في البحر: ولا يخفى أن الأفضل عدم التعجيل للاختلاف فيه عند العلماء، ولم أره منقولا. قوله: (وكذا لو عجل) التشبيه راجع إلى المسألة الأولى وهي التعجيل لسنة أو سنين، لأنه إذا ملك نصابا وأخرج زكاته قبل أن يحول الحول كان ذلك تعجيلا بعد وجود السبب لكونه أداء قبل وقت وجوبه، وهنا كذلك لان وقت أداء العشر وقت الادراك، فإذا أدى قبله يكون تعجيلا عن وقت الأداء بعد وجود السبب وهو الأرض النامية بالخارج حقيقة، ولا يصح إرجاعه إلى المسألة الثانية، لان صورتها أي يؤدي زكاة نصب ستحدث له في عامه زائدة على ما في ملكه وقت الأداء، والمراد هنا أداء عشر ما خرج في ملكه وقت الأداء قبل وقته لا عشر ما سيحدث له بعد الخروج، وقوله: بعد الخروج قبل الادراك دليل على ما قلنا، وليس في البحر ما يفيد خلاف ذلك فضلا عن التصريح به، فافهم. قوله: (بعد الخروج) أي خروج الزرع أو الثمرة. قوله: (قبل الادراك) أي إدراك الزرع أو الثمرة الذي هو وقت أداء العشر، لكن ذكر في البحر في باب العشر أن وقته وقت خروج الزرع وظهور الثمرة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف وقت الادراك. وعند محمد: عند التنقية والجذاذ اه. وعليه فيتحقق التعجيل على قولهما لا على قول الإمام. ثم رأيت ابن الهمام نبه على ذلك هناك. قوله: (واختلف فيه قبل النبات وخروج الثمرة) الأخضر أن يقول: واختلف فيه قبل الخروج: أي خروج النبات والثمرة، وأفاد أن التعجيل قبل الزرع أو قبل الغرس لا يجوز اتفاقا لأنه قبل وجود السبب، كما لو عجل زكاة المال قبل ملك النصاب. قوله: (والأظهر الجواز) في نسخة عدم الجواز وهي الصواب. قال في النهر: والأظهر أنه لا يجوز في الزرع قبل النبات وكذا قبل طلوع الثمر في ظاهر الرواية اه. قوله: (وكذا لو عجل خراج رأسه) هذا التشبيه أيضا راجع إلى المسألة الأولى. قال ح: فإن من عجل خراج رأسه
319 لسنين صح كما سيأتي في باب الجزية، وذلك لوجود السبب وهو رأسه، وكذا لو عجل خراج أرضه عن سنين جاز كما ذكره القهستاني في باب العشر والخراج، وعلله بوجود السبب وهو الأرض النامية، لكن يجب حمل كلامه على الموظف لتعلقه بالقدرة على النماء فيكون سببه الأرض النامية بإمكان النماء، لا بحقيقته كالعشر وخراج المقاسمة. تأمل. قوله: (وتمامه في النهر) حيث قال: ولو نذر صوم يوم معين فعجله جاز عند الثاني، خلافا لمحمد. وعلى هذا الخلاف الصلاة والاعتكاف، ولو نذر حج سنة كذا فأتى به قبلها جاز عندهما، خلافا لمحمد، كذا في السراج اه ح. قوله: (قبل تمام الحول) أي أو قبل ملك النصب التي عجل زكاتها في المسألة الثانية كما يؤخذ من التعليل. قوله: (لان المعتبر كونه مصرفا وقت الصرف إليه) فصح الأداء إليه ولا ينتقض بهذه العوارض. بحر. قوله: (ولو غرس الخ) هذه المسألة استطردها، ومحلها العشر والخراج ط. قوله: (فما لم يتم) أي يثمر، وبه عبر في بعض النسخ. قوله: (كان عليه خراج الزرع) لان في غرسه الكرم تعطيل الأرض. ومن عطل أرض الخراج يجب عليه خراجها، وقد كانت صالحة للزرع فيؤدي خراجه، حتى يثمر الكرم فعليه خراج الكرم ويسقط عنه خراج الزرع لوجود خلفه، فخراج الزرع صاع ودرهم في كل جريب فيؤديه إلى أن يتم الكرم فيؤدي عشرة دراهم. رحمتي. قوله: (ولا شئ في مال صبي تغلبي) أي في مال الزكاة، بخلاف الخارج في أرضه العشرية من الزروع والثمار ففيه ضعف العشر، كما يجب العشر في أرض الصبي المسلم كما يأتي في بابه. قوله: (لبني تغلب) الأولى حذف بني فإن النسبة لتغلب وهو أبو القبيلة كما في المنح ط. وقد يقال: لا مانع من النسبة إلى القبيلة المنسوبة إلى أبيها. قوله: (قوم الخ) قال في الفتح: بنو تغلب: عرب نصارى هم عمر رضي الله عنه أن يضرب عليهم الجزية فأبوا وقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض: يعنون الصدقة، فقال عمر: لا، هذه فرض المسلمين، فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، ففعل وتراضي هو وهم أن يضعف عليهم الصدقة. وفي بعض طرقه: هي جزية سموها ما شئتم اه. قوله: (ما على الرجل منهم) وهو نصل العشر ح. قوله: (ويؤخذ الوسط) مكرر مع قوله فما تقدم والمصدق يأخذ الوسط ح. قوله: (إلا أن يجيز الورثة) أي إذا أوصى بها وزادت على الثلث يؤخذ الزائد، إلا أن يجيز الورثة. فرع: لو زادت على الثلث وأراد أن يؤديها في مرضه يؤديها سرا من ورثته، وإن لم يكن عنده مال استقرض من آخر وأدى الزكاة إن كان أكبر رأيه أنه يقدر على قضائه، فإن اجتهد ولم يقدر حتى مات فهو معذور، كذا في مختارات النوازل وغيرها. وظاهر قولهم سرا أن الورثة إن علموا بذلك
320 كان لهم أخذ الزائد قضاء، وأن ما فعله المورث جائز ديانة لكونه مضطرا إلى أداء الفرض كما علل به في شرح الكافي قائلا: وهو الصحيح. قال في شرح الوهبانية: ويمكن التوفيق بين القولين بالقضاء والديانة: أي بحمل القول باعتبارها من الثلث المقابل للصحيح على أنه في القضاء والأول على الديانة، وهو مؤيد لما قلنا. قوله: (وسيجئ الفرق في العنين) عبارته مع المتن: وأجل سنة قمرية بالأهلة على المذهب وهي ثلاثمائة وأربع وخمسون وبعض يوم، وقيل شمسية بالأيام وهي أزيد بأحد عشر يوما اه. ثم إن هذا إنما يظهر إذا كان الملك في ابتداء الأهلة، فلو ملكه في أثناء الشهر، قيل يعتبر بالأيام، وقيل يكمل الأول من الأخير ويعتبر ما بينهما بالأهلة نظير ما قالوه في العدة ط. قوله: (لان وقتها العمر) قال في البحر عن الواقعات: فرق بين هذا وبين ما إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أصلاها أم لا؟ والفرق أن العمر كله وقت لأداء الزكاة، فصار هذا بمنزلة شك وقع في أداء الصلاة في وقتها، ولو كان كذلك يعيد اه. قال في البحر: وقعت حادثة هي أن من شك هل أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بأن كان يؤدي متفرقا ولا يضبطه هل يلزمه إعادتها؟ ومقتضى ما ذكرنا لزوم الإعادة حيث لم يغلب على ظنه دفع قدر معين لأنه ثابت في ذمته بيقين فلا يخرج عن العهدة بالشك اه. قلت: وحاصله أن يتحرى في مقدار المؤدى: كما لو شك في عدد الركعات، فما غلب على ظنه أنه أداه سقط عنه وأدى الباقي، وإن لم يغلب على ظنه شئ أدى الكل، والله تعالى أعلم. باب زكاة المال قوله: (أل فيه للمعهود الخ) جواب عما يقال: إن المال اسم لما يتمول فيتناول السوائم أيضا، قال في النهر: وبهذا الجواب استغني عما قيل: المال في عرفنا يتبادر إلى النقد والعروض اه. أقول: والجواب الأول ذكره الزيلعي وتبعه في الدرر، والثاني ذكره في الفتح وتبعه في البحر، ويظهر لي أنه أحسن، لان تبادر الذهن إلى المعهود في العرف أقرب من تبادره إلى المذكور في الحديث. تأمل. قوله: (غير مقدرة به) أي بربع العشر. قوله: (عشرون مثقالا) فما دون ذلك لا زكاة فيه ولو كان نقصانا يسيرا يدخل بين الوزنين، لأنه وقع الشك في كمال النصاب فلا يحكم بكماله مع الشك، بحر عن البدائع. والمثقال لغة: ما يوزن به قليلا كان أو كثيرا. وعرفا: ما يأتي ط. قوله: (كل عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل) اعلم أن الدراهم كانت في عهد عمر رضي الله عنه مختلفة، فمنها عشرة دراهم على وزن عشرة مثاقيل، وعشرة على ستة مثاقيل، وعشرة على خمسة مثاقيل، فأخذ عمر رضي الله تعالى عنه من كل نوع ثلثا كي لا تظهر الخصومة في الاخذ والعطاء
321 ، فثلث عشرة ثلاثة وثلث، وثلث ستة اثنان، وثلث الخمسة درهم وثلثان، فالمجموع سبعة، وإن شئت فاجمع المجموع فيكون إحدى وعشرين، فثلث المجموع سبعة، ولذا كانت الدراهم العشرة وزن سبعة، وهذا يجري في كل شئ حتى في الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات. ط عن المنح. لكن قوله تبع للدرر: وثلث الخمسة درهم وثلثان، صوابه: مثقال وثلثان. قوله: (والدينار) أي الذي هو المثقال كما في الزيلعي وغيره. قال في الفتح: والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به، والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته اه. وحاصله أن الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن. قوله: (والدرهم أربعة عشر قيراطا) فتكون المائتان ألفي قيراط وثمانمائة قيراط. واعلم أن هذا هو الدرهم الشرعي، والدرهم المتعارف ستة قيراطا، وزنة الريال الفرنجي بالدراهم المتعارفة تسعة دراهم وقيراط، وبالدراهم الشرعية عشرة دراهم وخمسة قراريط، وذلك مائة وخمسة وأربعون قيراطا، فيكون النصاب من الريال تسعة عشر ريالا وثلاثة دراهم وثلاثة قراريط اه ط مع بعض زيادة وتصحيح غلط وقع في عبارته، فافهم، ومقتضاه أن الدراهم المتعارف أكبر من الشرعي، وبه صرح الامام السروجي في الغاية بقوله: درهم مصر أربع وستون حبة، وهو أكبر من درهم الزكاة، فالنصاب منه مائة وثمانون وحبتان اه. لكن نظر فيه صاحب الفتح بأنه أصغر لا أكبر، لان درهم الزكاة سبعون شعيرة، ودرهم مصر لا يزيد على أربعة وستين شعيرة، لان ربعه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة أربع قمحات وسط اه. قلت: والظاهر أن كلام السروجي مبني على تقدير القيراط بأربع حبات كما هو المعروف الآن، فإذا كان الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا يكون ستة وخمسين حبة، فيكون الدرهم العرفي أكبر منه، لكن المعتبر في قيراط الدرهم الشرعي خمس حبات، بخلاف قيراط الدرهم العرفي. قال بعض المحشين: الدرهم الآن المعروف بمكة والمدينة وأرض الحجاز هو المسمى في عرفنا بالقفلة بالقاف والفاء على وزن تمرة، وهو ست عشرة خرنوبة، كل خرنوبة أربع شعيرات أو أربع قمحات، لأنا اختبرنا الشعيرة المتوسطة مع القمحة المتوسطة فوجدناهما متساويتين، والقيراط في عرفنا الآن هو الخرنوبة، فيكون الدرهم العرفي أربعا وستين شعيرة وهو ينقص عن الشرعي بست شعيرات، والمثقال المعروف الآن أربع وعشرون خرنوبة فهو ست وتسعون شعيرة فينقص عن الشرعي بأربع شعيرات، فالمائتان من الدراهم الشرعية مائتا قفلة وثلاثة أرباع قفلة، وزكاتها خمسة دراهم عرفية وسبعة خرانيب ونصف خرنوبة، والعشرون مثقالا الشرعية أحد وعشرون مثقالا عرفية إلا أربع خرانيب، وزكاتها اثنتا عشرة خرنوبة ونصف خرنوبة اه. وما ذكره من أن المثقال العرفي ست وتسعون شعيرة موافق لما نقله الشارح في شرح الملتقى عن شرح الترتيب من أنه بمصر الآن درهم ونصف. وذكر الرحمتي عن السيد محمد أسعد مفتي المدينة المنورة أنه وقف على عدة دنانير قديمة، منها ما هو مضروب في خلافة بني أمية، ومنها في خلافة بني العباس سنة 97 وفي خلافة عبد
322 الملك بن مروان سنة 38 وفي خلافة الرشيد سنة 181، ومنها سنة 371، ومنها في زمن المأمون، ودنانير أخر متقدمة ومتأخرة وكلها متساوية الوزن، كدينار درهم وربع بدراهم المدينة المنورة، كل درهم منها ستة عشر قيراطا، والقيراط أربع حبات حنطة اه. قلت: وهذا موافق لما ذكره الشارح من كون الدينار الشرعي عشرين قيراطا، لكن يخالفه من حيث اقتضاؤه أن القيراط أربع حبات، والمثقال ثمانون حبة، والمذكور في كتب الشافعية والحنابلة أن درهم الزكاة ستة دوانق، والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، والمثقال اثنان وسبعون شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال وهو لم يتغير جاهلية ولا إسلاما، ومتى نقص منه ثلاثة أعشاره كان درهما، ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا اه. قلت: وعليه فالدرهم اثنا عشر قيراطا، كل قيراط نصف دانق أربع حبات وخمس حبة، والمثقال سبعة عشر قيراطا وحبتان، وذلك لان ثلاثة أسباع الدرهم على تقديرهم أحد وعشرون حبة وثلاثة أخماس حبة، فإذا زيد ذلك على الدرهم وهو خمسون حبة وخمسا حبة بلغ اثنين وسبعين حبة. وقد ذكر في سكب الأنهر أقوالا كثيرة في تحديد القيراط والدرهم بناء على اختلاف الاصطلاحات، والمقصود تحديد الدرهم الشرعي. وقد سمعت ما فيه من الاضطراب، والمشهور عندنا ما ذكره الشارح. ثم اعلم أن الدراهم والدنانير المتعامل بها في هذا الزمان أنواع كثيرة مختلفة الوزن والقيمة، ويتعامل بها الناس عددا بدون معرفة وزنها، ويخرجون زكاتها عددا أيضا لعسر ضبطها بالوزن ولا سيما لمن كان له ديون، فإنه إن قدرها بالأثقل وزنا بلغت مقدارا، وإن قدرها بالأخف بلغت دونه، فيخرجون عن كل أربعين قرشا منها قرشا، وعن كل مائتين خمسة وهكذا، مع أن الواجب فيها الوزن كما مر ويأتي، فينبغي أن يكون ما يخرجه من جنس القروش الثقيلة أو الذهب الثقيل حتى لا ينقص ما يخرجه بالعدد عن ربع الشعر فتبرأ ذمته بيقين، بخلاف ما إذا أخرج من الخفيف فقط أو منه ومن الثقيل، فإنه قد لا يبلغ ربع عشر ماله إلا إذا كان جميع ماله من جنس الخفيف، وغالب أصحاب الأموال عن هذا غافلون، فليتنبه له. قوله: (وقيل يفتي في كل بلد بوزنهم) جزم به في الولوالجية، وعزاه في الخلاصة إلى ابن الفضل، وبه أخذ السرخسي، واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون والمعراج والخانية والفتح، وقال بعده: إلا أني أقول: ينبغي أن يقيد بما إذا كانت لا تنقص عن أقل وزن كان في زمنه (ص) وهي ما تكون العشرة وزن خمسة اه بحر ملخصا. زاد في النهر عن السراج: إلا أن كون الدرهم أربعة عشر قيراطا عليه الجم الغير والجمهور الكثير وإطباق كتب المتقدمين والمتأخرين. قوله: (وسنحققه الخ) الذي حققه هناك لا يتعلق بالزكاة بالعقود، فإذا أطلق اسم الدرهم في العقد انصرف إلى المتعارف، وكذلك إذا أطلقه الواقف ح. قوله: (والمعتبر وزنهما أداء) أي من حيث الأداء: يعني يعتبر أن يكون المؤدى قدر الواجب وزنا عند الامام والثاني. وقال زفر: تعتبر القيمة. واعتبر محمد الأنفع للفقراء. فلو أدى عن خمسة جيدة خمسة زيوفا قيمتها أربعة جيدة جاز عندهما وكره. وقال محمد وزفر: لا يجوز حتى يؤدي الفضل، ولو أربعة جيدة قيمتها خمسة رديئة لم يجز إلا عند زفر. ولو كان له إبريق فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة إن أدى خمسة من
323 عينه فلا كلام، أو من غيره جاز عندهما، خلافا لمحمد وزفر إلا أن يؤدي الفضل. وأجمعوا أنه لو أدى من خلاف جنسه اعتبرت القيمة، حتى لو أدى من الذهب ما تبلغ قيمته خمسة دراهم من غير الاناء لم يجز في قولهم لتقوم الجودة عند المقابلة، بخلاف الجنس، فإن أدى القيمة وقعت عن القدر المستحق، كذا في المعراج. نهر. قوله: (وجوبا) أي من حيث الوجوب، يعني يعتبر في الوجوب أن يبلغ وزنهما نصابا. نهر. حتى لو كان له إبريق ذهب أو فضة وزنه عشرة مثاقيل أو مائة درهم وقيمته لصياغته عشرون أو مائتان لم يجب فيه شئ إجماعا. قهستاني. قوله: (لا قيمتها) نفي لقول زفر باعتبار القيمة في الأداء، وهذا إن لم يؤد من خلاف الجنس، وإلا اعتبرت القيمة إجماعا كما علمت، وكان على الشارح أن يزيد: ولا الأنفع نفيا لقول محمد رحمه الله اه ح. قوله: (مضروب كل منهما) أي ما جعل دراهم يتعامل بها أو دنانير ط. قوله: (ومعموله) أي ما يعمل من نحو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني وغيرها إذا كانت تخلص بالإذابة. بحر. قوله: (ولو تبرأ) التبر: الذهب والفضة قبل أن يصاغا. بحر عن ضياء الحلوم. ولذا قال ح: لا يصح الاتيان به هنا، لأنه لا يصدق عليه المضروب ولا المعمول، بل كان عليه أن يقول بعد قوله: مطلقا وتبره، بخلاف عبارة الكنز حيث قال: يجب في مائتي درهم وعشرين دينارا ربع العشر ولم تبرأ فإنه داخل فيما قبله. قوله: (أو حليا) بضم الحاء وكسرها وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وإسكان اللام: ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة. نهر. قلت: ولا يتعين ضبط المتن بصيغة الجمع فإنه يحتمل المفرد، بل هو الأنسب بقول الشارح مباح الاستعمال حيث ذكر الضمير، إلا أن يقال: إنه عائد إلى المذكور من المعمول والحلي. قوله: (أو لا) كخاتم الذهب للرجال والأواني مطلقا ولو من فضة. قوله: (ولو للتجمل) أي التزين بهما في البيوت من غير استعمال ط. قوله: (والنفقة) فيه منافاة لقول ابن الملك: إذا كانت مشغولة بحوائجه فلا زكاة فيها كما قدمناه في أول كتاب الزكاة، فارجع إليه ح. قوله: (وهو هنا من ليس بنقد) كذا فسره في المغرب، ونقله في البحر عن ضياء الحلوم. وفي الدرر: العرض بسكون الراء: متاع لا يدخله كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا، كذا في الصحاح. وأما بفتحها فمتاع الدنيا، ويتناول جميع الأموال، ولا وجه له ها هنا لجعله مقابلا للذهب والفضة اه: أي مفتوح الراء غير مراد هنا لتناوله جميع الأموال، مع أن النقدين غير داخلين فيه هنا بقرينة المقابلة، فيتعين إرادة ساكن الراء، لكن على ما في الصحاح يخرج عنه الدواب والمكيلات والموزونات مع أنها من عروض التجارة إذا نواها فيها، فلذا قال الشارح: هو هنا ما ليس بنقد: أي إن المناسب للمراد هنا الاقتصار على تفسيره بذلك ليدخل فيه ما ذكر. قوله: (وأما عدم صحة النية الخ) جواب عما أورده الزيلعي من أن الأرض الخراجية لا يجب فيها الزكاة وإن نوى عند شرائها التجارة مع أنها من العروض، والجواب ما تقدم قبيل باب السائمة من قوله: والأصل أن ما عدا الحجرين والسوائم إنما يزكى بنية التجارة بشرط عدم المانع المؤدي إلى الثني. قوله: (لا لان الأرض الخ) رد على ما في
324 الدرر حيث أجاب عما أورده الزيلعي بأن الأرض ليست من العرض بناء على ما نقله عن الصحاح. قال في البحر: وهو مردود لما علمت من أن الصواب تفسيره هنا بما ليس بنقد اه. وقد أورد الزيلعي أيضا ما إذا اشترى أرض عشر وزرعها أو اشترى بدرا للتجارة وزرعه فإنه يجب فيه العشر، ولا تجب فيه الزكاة لأنهما لا يجتمعان اه. ويجاب عنه بما ذكره الشارح من قيام المانع. وأجاب في الدرر وتبعه في البحر بأن عدم وجوب الزكاة في البذر إنما حدث بعد الزراعة، وذلك لا يضر، ون مجرد نية الخدمة إذا أسقط وجوب الزكاة في العبد المشتري للتجارة، كما مر فلان يسقطه التصرف الأقوى من النية أولى اه. قوله: (من ذهب أو ورق) بيان لقوله: نصاب وأشار بأو إلى أنه مخير، إن شاء قومها بالفضة، وإن شاء بالذهب، لان الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء. بحر. لكن التخيير ليس على إطلاقه كما يأتي. قوله: (فأفاد) تفريع على تفسير الورق بالفضة المضروبة ط. قوله: (قوله بالمسكوك) بالسين المهملة: أي المضروب على السكة، وهي حديدة منقوشة يضرب عليها الدراهم. قاموس. ووجه الإفادة ظاهر من الورق، أما الذهب فلا، كما لا يخفى، إلا أن يقال: لما اقترن بالمضروب من الفضة كان المراد به المضروب اه ح. قوله: (عملا بالعرف) فإن العرف التقويم بالمسكوك. بحر. وهو علة لقوله: أفاد. قوله: (مقوما بأحدهما) تكرار مع قوله: من ذهب أو ورق لان معناهما التخيير، ومحل التخيير إذا استويا فقط، أما إذا اختلفا قوم بالأنفع اه ح. وقدم الشارح عند قوله: وجاز دفع القيمة أنها تعتبر يوم الوجوب، وقالا: يوم الأداء كما في السوائم، ويقوم في البلد الذي المال فيه الخ. قوله: (تعين التقويم به) أي إذا كان يبلغ به نصابا، لما في النهر عن الفتح: يتعين ما يبلغ نصابا دون ما لا يبلغ، فإن بلغ بكل منهما وأحدهما أروج تعين التقويم بالاروج. قوله: (ولو بلغ بأحدهما نصابا وخمسا الخ) بيانه ما في النهر عن السراج: لو كان بحيث لو قومها بالدراهم بلغت مائتين وأربعين وبالدنانير ثلاثا وعشرين قومها بالدراهم لوجوب ستة فيها بخلاف الدنانير فإنه يجب فيها نصف دينار فإنه يجب فيه نصف دينار وقيمته خمسة، ولو بلغت بالدنانير أربعة وعشرين وبالدراهم مائة وستة وثلاثين قومها بالدنانير اه. وفي الهداية: كل دينار عشرة دراهم في الشرع. قال في الفتح: أي يقوم في الشرع بعشرة، كذا كان في الابتداء. قوله: (وفي كل خمس بحسابه) أي ما زاد على النصاب عفو إلى أن يبلغ خمس نصاب، ثم كل ما زاد على الخمس عفو إلى أن يبلغ خمسا آخر. قوله: (وقالا ما زاد بحسابه) يظهر أثر الخلاف فيما لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان. قال الامام: يلزمه عشرة. وقالا: خمسة لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن، فبقي السالم من الدين في الثاني نصاب إلا ثمن. وعنده: لا زكاة في الكسور فبقي النصاب في الثاني كاملا، وفيما إذا كان له ألف حال عليها ثلاثة أحوال كان عليه في الثاني أربعة وعشرون وفي الثالث ثلاثة وعشرون عنده. وقالا: يجب مع الأربعة والعشرين ثلاثة أثمان
325 درهم، ومع الثلاثة والعشرين نصف وربع ثمن درهم، ولا خلاف أنه يجب في الأول خمسة وعشرون، كذا في السراج. نهر. أقول: قوله: وثمن درهم، كذا وجدته أيضا في السراج، وصوابه (1): وثمن ثمن درهم كما لا يخفى على الحاسب. تنبيه: يظهر أثر الخلاف أيضا فيما ذكره في البحر والنهر عن المحيط من أنه لا تضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى: أي الزيادة على نصاب الفضة لا تضم إلى الزيادة على نصاب الذهب ليتم أربعين أو أربعة مثاقيل عند الامام، لأنه لا زكاة في الكسور عنده. وعندهما تضم لوجوبها في الكسور اه موضحا، لكن توقف الرحمتي في فائدة الضم عندهما بعد قولهما بوجوب الزكاة في الكسور عن هذا، والله أعلم. نقل بعض محشي الكتاب عن شيخه محمد أمين ميرغني أن السروجي نقل عن المحيط الخلاف بالعكس وأن ما في البحر والنهر غلط اه. قلت: وقد راجعت المحيط فرأيته مثل ما نقله السروجي وصرح به في البدائع أيضا. قوله: (وهي مسألة الكسور) أي التي يقال فيها: لا زكاة في الكسور عنده ما لم تبلغ الخمس أخذا من حديث: لا تأخذ من الكسور شيئا سميت كسورا باعتبار ما يجب فيها. قوله: (وغالب الفضة الخ) لان الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به، فجعلت الغلبة فاصلة. قوله: (نهر). ومثلها الذهب ط. قوله: (فضة وذهب) لف ونشر مرتب: أي فتجب زكاتهما لا زكاة العروض وإن أعدها للتجارة كما أفاده في النهر. قوله: (ويشترط فيه النية) أي تعتبر قيمته إن نوى فيه التجارة. نهر. وتقدم قبيل باب السائمة شرط نية التجارة. قوله: (إلا إذا الخ) استثناء من اشتراط النية. قوله: (وعنده ما يتم به) أي من عروض تجارة أو أحد النقدين، وهو مرتبط بقوله أو أقل ط. قوله: (وبلغت) أي بالقيمة كما في البحر. قوله: (من أدنى الخ) فسر الأدنى في البدائع بالتي يغلب عليها الفضة، وقلت: ينبغي تفسيرها بالمساوي على ما اختاره المصنف من وجوبها فيه كما يذكره قريبا. قوله: (فتجب) أي فيما غلب غشه إذا نوى فيه التجارة أو لم ينو، ولكن يخلص منه ما يبلغ نصابا أو لم يخلص، ولكن كان أثمانا رائجة وبلغت قيمته نصابا، وقوله وإلا فلا أي وإن لم يوجد شئ من ذلك فلا تجب الزكاة. وحاصله أن ما يخلص منه نصاب أو كان ثمنا رائجا تجب زكاته سواء نوى التجارة أو لا،
(1) قوله: (وصوابه الخ) وجه ذلك أن الواجب في الحول الأول خمسة وعشرون، وف يالثاني أربعة وعشرون وثلاثة أثمان. فالفارغ عن الدين في الحول الثالث تسعمائة وخمسون درهما وخسمة أثمان درهم. ففي تسعمائة وعشرين ربع عشرها وذلك ثلاثة وعشرون، وفي ثلاثين نصف درهم وربعه، وفي خمسة أثمان درهم ثمن ثمن درهم لأنه ربع عشرها كسنبة الخمسة إلى ثلاثمائة وعشرين فإنها ثمن ثمنها وربع عشر خمسة أثمانها، فان خمسة أثمان الثلاثمائة وعشرين مائتان وربع عشر المائتين خمسة ونسبة الخمسة إلى الثلاثمائة وعشرين ثمن الثمن لان ثمنها أربعون وثمن الاربيعن خمسة ا ه منه. 326 لأنه إذا كان يخلص منه نصاب تجب زكاة الخالص كما صرح به في الجوهرة، وعين النقدين لا يحتاج إلى نية التجار كما في الشمني وغيره، وكذا ما كان ثمنا رائجا، فبقي اشتراط النية لما سوى ذلك، هذا ما يعطيه كلام الشارح ومثله في البحر والنهر، لكن في الزيلعي أن الغالب غشه، إن نواه للتجارة تعتبر قيمته مطلقا وإلا فإن كانت فضة تخلص تجب فيها الزكاة إن بلغت نصابا وحدها أو بالضم إلى غيرها اه. ومفاده اعتبار القيمة فيما نواه للتجارة وإن تخلص منه ما يبلغ نصابا، ويظهر لي عدم المنافاة لأنه إذا كان يخلص منه ما يبلغ نصابا تجب زكاة ذلك الخالص وحده كما مر عن الجوهرة، إلا إذا نوى التجارة فتجب الزكاة فيه كله باعتبار القيمة، وإذا تأملت (1) كلام الزيلعي تراه كالصريح فيما ذكرته، فافهم. فرع: في الشرنبلالية: الفلوس إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها، وإلا فلا اه. قوله: (والمختار لزومها) أي الزكاة: أي ولو من غير نية التجارة، وقيل لا تجب. نهر. قال في الشرنبلالية عن البرهان: والأظهر عدم الوجوب لعدم الغلبة المشروطة للوجوب، وقيل يجب درهمان ونصف نظرا إلى وجهي الوجوب وعدمه اه. وظاهر الدرر اختيار الأول تبعا للخانية والخلاصة. قال العلامة نوح: وهو اختياري، لان الاحتياط في العبادة واجب كما صرحوا به في كثير من المسائل: منها ما إذا استوى الدم والبزاق ينقض الوضوء احتياطا اه. تأمل. قوله: (ولذا) أي للاحتياط. وفي نسخة: وكذا بالكاف، وبها عبر في البحر والمنح، وقوله: لا تباع إلا وزنا أي للتحرز عن الربا اه ط. قوله: (وأما الذهب الخ) محترز قوله: وغالب الفضة الخ فإن ذلك مفروض فيما إذا كان المخالط غشا ط. قوله: (فإن غلب الذهب الخ) اعلم أن الذهب إذا خلط بالفضة، فإما أن يكون غالبا أو مغلوبا أو مساويا. وعلى كل إما أن يبلغ كل منهما نصابا أو الذهب فقط أو الفضة فقط أو لا ولا، فهي اثنتا عشرة صورة، منها صورتان غفليتان فقط، وهما أن تبلغ الفضة وحدها نصابا والذهب غالب عليها أو مساو لها والعشرة خارجية. إذا عرفت هذا فقوله: فإن غلب الذهب فذهب فيه أربع صور: بلوغ كل منهما نصابه، وعده، وبلوغ الذهب فقط، وبلوغ الفضة فقط، لكن الرابعة ممتنعة كما علمت، لأنه متى غلب الذهب على الفضة البالغة نصابا لزم بلوغه نصابا بل نصبا، وبين حكم الثلاثة الباقية بقوله: فذهب. أما الأولى والثالثة فظاهر، لان الذهب فيهما بلغ بانفراده نصابا فكانت الفضة تبعا له، سواء بلغت نصابا أيضا كما في الأولى أو لا كما في الثالثة فتزكى بزكاته، وكذلك الثانية، لان الذهب متى غلب كان هو المعتبر لأنه أعز وأغلى كما يأتي، فإذا بلغ مجموعها نصابا زكي زكاة الذهب. وقوله: وإلا أي وإن لم يغلب الذهب بأن غلبت الفضة أو تساويا فيه ثمانية صور: بلوغ كل منهما نصابه وعدمه وبلوغ الذهب فقط أو الفضة فقط مع غلبة الفضة أو التساوي، لكن بلوغ الفضة فقط مع
(1) قوله: (وإذا تأملت الخ) وجه ان قول الزيلعي فان نواه التجارة تعتبر قيمته، أي قيمة ما غلب فيه الغش سواء تخلص منه نصاب أو لا. وقوله والا فان كانت فضته تخلص وجبت فيها الزكاة: اي وجبت في الفضة التي تخلص منه دون باقيه من الغش تأمل ا ه منه. 327 التساوي ممتنعة كما علمت فبقي سبعة، وتقييده ببلوغ الذهب أو الفضة نصابه مخرج لصورتين منها، وهما ما إذا لم يبلغ كل منهما نصابه مع غلبة الفضة أو التساوي وسنذكر حكمهما، فبقي خمس صور: ثنتان في التساوي، وثلاثة في غلبة الفضة. وقوله: فإن بلغ الذهب أي بلغ نصابا وحده أو مع الفضة عند غلبة الفضة أو التساوي، فهذه أربع صور. وقوله: أو الفضة أو بلغت الفضة وحدها نصابا عند غلبتها على الذهب فهذه الخامسة. وقوله: وجبت أي زكاة البالغ النصاب، فإن بلغه الذهب وجبت زكاة الذهب في الصور الأربع المذكورة، لأنه لما بلغ النصاب وجب اعتباره لأنه أعز وأغلى وتصير الفضة تبعا له، ولو بلغت نصاب معه وإن كان البالغ هو الفضة الغالبة عليه دونه وجبت زكاة الفضة ترجيحا لها ببلوغ النصاب فيجعل كله فضة، لكن على تفصيل فيه سنذكره، وقد علم حكم ما ذكرنا في تقرير كلام الشارح في الصور الثلاث الأول والخمس الاخر من عبارة الشمني. وعبارة الزيلعي: أما عبارة الشمني فهي قوله: ولو سبك الذهب مع الفضة، فإن بلغ الذهب نصابا زكي الجميع زكاة الذهب سواء كان غالبا أو مغلوبا لأنه أعز، وإن لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغت الفضة نصابها زكي الجميع زكاة الفضة اه. وأما عبارة الزيلعي فهي قوله: وللذهب المخلوط بالفضة إن بلغ الذهب نصاب الذهب وجبت فيه زكاة الذهب، وإن بلغت الفضة نصاب الفضة وجبت فيه زكاة الفضة، وهذا إذا كانت الفضة غالبة، وأما إذا كانت مغلوبة فهو كله ذهب لأنه أعز وأغلى قيمة اه. وكل من هاتين العبارتين مؤداهما واحد، وما قررناه في كلام الشارح من أحكام الصور السبع يؤخذ منهما، فقول الشمني: سواء كان غالبا أو مغلوبا يشمل ما إذا بلغت الفضة نصابها أو لا بدليل قوله بعده: وإن لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغت الفضة الخ، فإنه لم يعتبر زكاة الجميع زكاة الفضة إلا إذا لم يبلغ الذهب نصابه، فأفاد أن قوله قبله: فإن بلغ الذهب نصابه الخ، أنه يجعل الكل ذهبا إذا بلغ الذهب نصابه سواء بلغته أيضا أو لا، وكذا قول الزيلعي: وإن بلغت الفضة الخ: أي ولم يبلغ الذهب نصابه بدليل المقابلة، فإنه اعتبر أولا الكل ذهبا حيث بلغ الذهب نصابه، وأطلقه فشمل ما إذا بلغت الفضة أيضا نصابا أولا، فعلم أنه لا يعتبر الكل فضة إلا إذا لم يبلغ الذهب نصابه، فإن بلغ كان الكل ذهبا فيزكى زكاة الذهب لأنه أعز وأغلى قيمة، وكذا لو غلب الذهب وبلغ بضم الفضة إليه نصابا كما علم من قوله: وأما إذا كانت مغلوبة فهو كله ذهب الخ، وهذا ما عبر عنه الشارح بقوله: فإن غلب الذهب فذهب ودخل في قول الشمني: سواء كان غالبا أو مغلوبا حكم المساواة بالأولى، وهو مفهوم أيضا من إطلاق الزيلعي قوله: إن بلغ الذهب نصاب الذهب الخ، فقد ظهر أنه لا تخالف بين العبارتين ولا بينهما وبين عبارة الشارح، لكن قول الزيلعي: وهذا إذا كانت الفضة غالبة لا حاجة إليه، لان الفضة إذا بلغت وحدها نصابا لا بد أن تكون غالبة على الذهب الذي لم يبلغ نصابا، ولذا لم يذكره الشمني، وكأن الزيلعي ذكره ليبني عليه قوله: وأما إذا كانت مغلوبة، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، والله أعلم، فافهم. تنبيه: قال في التاترخانية: وإذا كانت الفضة غالبة والذهب مغلوبا مثل أن يكون الثلثان فضة أو أكثر لا يجعل كله فضة، لان الذهب أكثر قيمة فلا يجوز جعله تبعا لما هو دونه، بخلاف ما إذا كان الذهب غالبا اه. ومفاده أن ما مر من أنه إذا بلغت الفضة نصابا ولم يبلغ الذهب نصابه تجب زكاة الفضة مقيد بما إذا لم يكن الذهب الذي خالطها أكثر قيمة منها، وإلا كان الكل ذهبا، وهذا التفصيل
328 الموعود بذكره، وفي عبارة الزيلعي المارة إشارة إليه. ويؤخذ منه حكم الصورتين الباقيتين من السبع: وهما ما إذا لم يبلغ كل منهما نصابه مع غلبة الفضة أو التساوي، وعلى هذا فيمكن دخولهما في قول الشارح: فإن غلب الذهب فذهب بأن يراد غلبته على ما معه من الفضة وزنا أو قيمة، لكن في المحيط والبدائع: الدنانير الغالب عليها الذهب كالمحمودية حكمها حكم الذهب، والغالب عليها الفضة كالهروية والمروية إن كانت ثمنا رائجا أو للتجارة تعتبر قيمتها، وإلا يعتبر قدر ما فيها من الذهب والفضة وزنا، لان كل واحد منهما يخلص بالإذابة اه. وهذا كالصريح في أن الدنانير المسكوكة المخلوطة بالفضة حكمها كحكم الفضة المخلوطة بالغش، فإذا كان الذهب فيها غالبا كانت ذهبا كالفضة الغالبة على الغش، وإذا كانت الفضة غالبة عليها كانت كالفضة المغلوبة بالغش فتقوم، فإن بلغت قيمتها نصابا زكاها إن كانت أثمانا رائجة أو نوى فيها التجارة، وإلا اعتبر ما فيها وزنا، فإن بلغ ما فيها نصابا أو كان عنده ما تتم به نصابا زكاة وإلا فلا، فعلم أن ما ذكره الشارح تبعا للزيلعي والشمني في غير الدنانير المسكوكة أو المسكوكة التي ليست للتجارة ولا أثمانا رائجة، أو هو قول آخر، فليتأمل، والله تعالى أعلم. قوله: (وشرط كمال النصاب الخ) أي ولو حكما، لما في البحر والنهر: لو كان له غنم للتجارة تساوي نصابا فماتت قبل الحول فدبغ جلودها وتم الحول عليها كان عليه الزكاة إن بلغت نصابا، ولو تخمر عصيره الذي للتجارة قبل الحول ثم صار خلا وتم الحول عليه وهو كذلك لا زكاة عليه، لان النصاب في الأول باق لبقاء الجلد لتقومه، بخلافه في الثاني. وروى ابن سماعة أنه عليه الزكاة في الثاني أيضا. قوله: (للانعقاد) أي انعقاد السبب: أي تحققه بتملك النصاب ط. قوله: (للوجوب) أي لتحقق الوجوب عليه ط. قوله: (فلو هلك كله) أي في أثناء الحول بطل الحول، حتى لو استفاد فيه غيره استأنف له حولا جديدا أو تقدم حكم هلاكه بعد تمام الحول في زكاة الغنم. قال في النهر: ومنه أن من الهلاك ما لو جعل السائمة علوفة، لان زوال الوصف كزوال العين. قوله: (وأما الدين الخ) قدم الشارح عند قول المصنف فلا زكاة على مكاتب ومديون للعبد بقدر دينه أن عروض الدين كالهلاك عند محمد ورجحه في البحر اه. وقدمنا هناك ترجيح ما هنا فراجعه، والخلاف في الدين المستغرق للنصاب كما هو صريح ما في الجوهرة، فلا يمكن التوفيق بحمل ما في البحر على غير المستغرق فافهم. قوله: (وقيمة العرض الخ) تقدم قريبا تقويم العرض إذا بلغ نصابا، وما هنا في بيان ما إذا لم يبلغ. وعنده من الثمنين ما يتم به النصاب. وفي النهر قال الزاهدي: وله أن يقوم أحد النقدين ويضمه إلى قيمة العروض عند الامام. وقالا: لا يقوم النقدين بل العروض ويضمها. وفائدته تظهر فيمن له حنطة للتجارة قيمتها مائة درهم وله خمسة دنانير قيمتها مائة تجب الزكاة عنده، خلافا لهما. قوله: (وضعا) راجع للثمنين، وقوله: وجعلا راجع للعرض. والمعنى: أن الله تعالى خلق الثمنين ووضعهما للتجارة والعبد يجعل العرض للتجارة اه ح: أي لأنه لا يكون للتجارة إلا إذا نوى به العبد التجارة، بخلاف النقود. قوله: (ويضم الخ) إلى عند الاجتماع. أما عند انفراد أحدهما فلا تعتبر القيمة إجماعا. بدائع. لان المعتبر
329 وزنه أداء ووجوبا كما مر. وفي البدائع أيضا أن ما ذكر من وجوب الضم إذا لم يكن كل واحد منهما نصابا بأن كان أقل، فلو كان كل منهما نصابا تاما بدون زيادة لا يجب الضم، بل ينبغي أن يؤدي من كل واحد زكاته، فلو ضم حتى يؤدي كل من الذهب أو الفضة فلا بأس به عندنا، ولكن يجب أن يكون التقويم بما هو أنفع للفقراء رواجا، وإلا يؤدي من كل منهما ربع عشره. قوله: (وعكسه) وهو ضم الفضة إلى الذهب، وكذا يصح العكس في قوله: وقيمة العرض تضم إلى الثمنين عند الامام كما مر عن الزاهدي، وصرح به في المحيط أيضا، ولو أسقط قوله: بجامع الثمنية لصح رجوع الضمير في عكسه إلى المذكور من المسألتين. ويمكن إرجاعه إليه، ولا يضره بيان في العلة في أحدهما. قوله: (قيمة) أي من جهة القيمة، فمن له مائة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مائة عليه زكاتها خلافا لهما، ولو له إبريق فضة وزنه مائة وقيمته بصياغته مائتان لا تجب الزكاة باعتبار القيمة لان الجودة والصنعة في أموال الربا لا قيمة لها عند انفرادها، ولا عد المقابلة بجنسها، ثم لا فرق بين ضم الأقل إلى الأكثر كما مر، وعكسه كما لو كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير لا تساوي خمسين درهما تجب على الصحيح عنده، ويضم الأكثر إلى الأقل، لان المائة والخمسين بخمسة عشر دينارا، وهذا دليل على أنه لا اعتبار بتكامل الاجزاء عنده، وإنما يضم أحد النقدين إلى الآخر قيمة ط عن البحر. قلت: ومن ضم الأكثر إلى الأقل ما في البدائع أنه روي عن الامام أنه قال: إذا كان لرجل خمسة وتسعون درهما ودينار يساوي خمسة دراهم أنه تجب الزكاة، وذلك بأن تقوم الفضة بالذهب كل خمسة منها بدينار. قوله: (وقالا بالاجزاء) فإن كان من هذا ثلاثة أرباع نصاب ومن الآخر ربع ضم، أو النصف من كل أو الثلث من أحدهما والثلثان من الآخر، فيخرج من كل جزء بحسابه، حتى أنه في صورة الشارح يخرج من كل نصف ربع عشره كما ذكره صاحب البحر. قوله: (وخمسة عندهما) تبع فيه صاحب النهر. وفيه نظر، لأنه إذا اعتبر عندهما الضم بالاجزاء يجب في كل نصف ربع عشره كما مر عن البحر، وعزاه إلى المحيط، وحينئذ فيخرج عن العشرة الدنانير التي قيمتها مائة وأربعون، ربع دينار منها قيمته ثلاثة دراهم ونصف، فإذا أراد دفع قيمته يكون الواجب ستة دراهم عندهما أيضا. لا يقال: إن اعتبار الضم بالاجزاء: أي بالوزن عندهما مبني على أنه لا اعتبار للجودة لعدم تقومها شرعا، فلا تعتبر القيمة بل الوزن. والدينار في الشرع بعشر دراهم كما قدمناه، وزيادة قيمته هنا للجودة فلا تعتبر. لأنا نقول: إن عدم اعتبار الجودة إنما هو عند المقابلة بالجنس، أما عند المقابلة بخلافه فتعتبر اتفاقا كما قدمناه عند قوله والمعتبر وزنهما فتأمل. قوله: (فافهم) أشار به إلى رد ما قاله صاحب الكافي من أنه عند تكامل الاجزاء، كما لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها أقل من مائة درهم لا تعتبر القيمة عند ظنا أن إيجاب الزكاة فيها لتكامل الاجزاء لا باعتبار القيمة، وليس كما ظن بل الايجاب باعتبار القيمة من جهة كل من النقدين لا من جهة أحدهما، فإنه إن لم يتم باعتبار قيمة الذهب بالفضة يتم باعتبار قيمة الفضة بالذهب والمائة درهم في المسألة مقومة بعشرة دنانير فتجب فيها الزكاة لهذا التقويم ط. وتمام بيانه في البحر وفتح القدير. قوله: (في نصاب
330 مشترك) المراد أن يكون بلوغه النصاب بسبب الاشتراك وضم أحد المالين إلى الآخر بحيث لا يبلغ مال كل منهما بانفراده نصابا. قوله: (وإن صحت الخلطة فيه) أي في النصاب المذكور، وأشار بذلك إلى خلاف سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه، فإنها تجب عنده إذا صحت الخلطة، وصحتها عنده بالشروط التسعة الآتية، ولذا قيده الشارح بقوله باتحاد الخ فأفاد أنه إذا لم توجد هذه الشروط لا تجب عندنا بالأولى، وسماها أسبابا مع أنها شروط إطلاقا لاسم السبب على الشرط كما أطلق بالعكس، وقدمنا وجهه أول الباب عند قوله: ملك نصاب فافهم. قوله: (أوص من يشفع) فالهمزة لأهلية كل منهما لوجوب الزكاة، والواو لوجود الاختلاط في أول السنة، والصاد لقصد الاختلاط، والميم لاتحاد المسرح بأن يكون ذهابهما إلى المرعى من مكان واحد، والنون لاتحاد الاناء الذي يحلب فيه، والياء لاتحاد الراعي، والشين المعجمة لاتحاد المشرع: أي موضع الشرب، والفاء لاتحاد الفحل، والعين لاتحاد المرعى، وهذه شروط الخلطة في السائمة. وأما شروطها في مال التجارة فمذكورة في كتب الشافعية: منها أن لا يتميز الدكان والحارث ومكان الحفظ كخزانة. قوله: (وإن تعدد النصاب) أي بحيث يبلغ قبل الضم مال كل واحد بانفراده نصابا، فإنه يجب حينئذ على كل منهما زكاة نصابه، فإذا أخذ الساعي زكاة النصابين من المالين: فإن تساويا فلا رجوع لأحدهما على الآخر، كما لو كان ثمانين شاة لكل منهما أربعون وأخذ الساعي منهما شاتين، وإلا تراجعا كما يأتي بيانه، وهذا مقابل قوله: في نصاب. قوله: (وبيانه في الحاوي) بينه قاضيخان بأتم مما في الحاوي حيث قال: صورته أن يكون لهما مائة وثلاثة وعشرون شاة لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث، فالواجب شاتان، فيأخذ من كل منهما شاة، فيرجع صاحب الثلثين بالثلثين من الشاة التي دفعها صاحب الثلث، ويرجع صاحب الثلث بالثلث من شاة دفعها صاحب الثلثين، فيقام ثلثه في مقام الثلث من الثلثين المطالب بهما ويبقى ثلث شاة، فيطالب به صاحب ثلثي المال اه ط. وبه ظهر أن التراجع من الجانبين فالتفاعل على بابه، فافهم. قوله: (فإن بلغ الخ) كما لو كانت ثمانون شاة بين رجلين أثلاثا فأخذ المصدق منها شاة لزكاة صاحب الثلثين فلصاحب الثلث أن يرجع عليه بقيمة الثلث لأنه لا زكاة عليه. محيط. قوله: (ولو بينه الخ) في التجنيس: ثمانون شاة بين أربعين رجلا لرجل واحد من كل شاة نصفها والنصف الآخر للباقين ليس على صاحب الأربعين صدقة عند أبي حنيفة، وهو قول محمد، ولو كانت بين رجلين تجب على كل واحد منهما، شاة، لأنه مما يقسم في هذه الحالة، وفي الأولى لا يقسم اه: أي لان قسمة كل شاة بينه وبين من شاركه فيها لا تمكن إلا بإتلافها، بخلاف قسمة الثمانين نصفين. قوله: (عند الامام) وعندهما: الديون كلها سواء تجب زكاتها، ويؤدي متى قبض شيئا قليلا أو كثيرا إلا دين الكتابة والسعاية والدية في رواية. بحر. قوله: (إذا تم نصابا) الضمير في تم يعود للدين المفهوم من الديون، والمراد إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما عنده مما يتم
331 به النصاب. قوله: (وحال الحول) أي ولو قبل قبضه في القوي والمتوسط وبعده في الضعيف ط. قوله: (عند قبض أربعة درهما) قال في المحيط: لان الزكاة لا تجب في الكسور من النصاب الثاني عنده ما لم يبلغ أربعين للحرج، فكذلك لا يجب الأداء ما لم يبلغ أربعين للحرج. وذكر في المنتقى: رجل له ثلاثمائة درهم دين حال عليها ثلاثة أحوال فقبض مائتين، فعند أبي حنيفة: يزكي للسنة الأولى خمسة وللثانية والثالثة أربعة أربعة من مائة وستين، ولا شئ عليه في الفضل لأنه دون الأربعين اه. مطلب: في وجوب الزكاة في دين المرصد قوله: (كقرض) قلت: الظاهر أن منه مال المرصد المشهور في ديارنا، لأنه إذا أنفق المستأجر لدار الوقف على عمارتها الضرورية بأمر القاضي للضرورة الداعية إليه يكون بمنزلة استقراض المتولي من المستأجر فإذا قبض ذلك كله أو أربعين درهما منه ولو باقتطاع ذلك من أجرة الدار تجب زكاته لما مضى من السنين والناس عنه غافلون. قوله: (فكلما قبض أربعين درهما يلزمه درهم) وهو معنى قول الفتح والبحر: ويتراخى الأداء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم، وكذا فيما زاد فبحسابه اه: أي فيما زاد على الأربعين من أربعين ثانية وثالثة إلى أيبلغ مائتين ففيها خمسة دراهم، ولذا عبر الشارح بقوله: فكلما الخ وليس المراد ما زاد على الأربعين من درهم أو أكثر كما توهمه عبارة بعض المحشين حيث زاد بعد عبارة الشارح: وفيما زاد بحسابه، لأنه يوهم أن المراد مطلق الزيادة في الكسور، وهو خلاف مذهب الامام كما علمته مما نقلناه آنفا عن المحيط، فافهم. قوله: (أي من بدل مال لغير تجارة) أشار إلى أن الضمير في قول المصنف منه عائد إلى بدل وفي لغيرها إلى التجارة، ومثل بدل التجارة القرض. قوله: (كثمن سائمة) جعلها من الدين المتوسط تبعا للفتح والبحر والنهر لتعريفهم له بما هو بدل ما ليس للتجارة، وجعلها ابن ملك في شرح المجمع من القوي، ومثله في شرح درر البحار، وهو مناسب لما في غاية البيان، حيث جعل الدين الذي هو بدل عن مال قسمين: إما أن يكون ذلك المال لو بقي في يده تجب زكاته، أو لا يكون كذلك اه. فبدل القسم الأول هو الدين القوي، ويدخل فيه ثمن السائمة، لأنها لو بقيت في يده بجب زكاتها، وكذا قوله في المحيط: الدين القوي ما يملكه بدلا عن مال الزكاة، تأمل. قوله: (بحوائجه الأصلية) قيد به اعتبارا بما هو الأحرى بالعاقل أن لا يكون عنده سوى ما هو مشغول بحوائجه، وإلا فما ليس للتجارة يدخل فيه ما لا يحتاج إليه كما أفاده بما بعده. قوله: (وأملاك) من عطف العام على الخاص لأنه جمع ملك بكسر الميم بمعنى مملوك، هذا بالنظر إلى اللغة، أما في العرف فخاصة بالعقار فيكون عطف مباين اه ح. وهو معطوف على طعام أو على ما في قوله مما هو. قوله: (ويعتبر ما مضى من الحول) أي في الدين المتوسط، لان الخلاف فيه، أما القوي فلا خلاف فيه لما في المحيط من أنه تجب الزكاة فيه بحول الأصل، لكن لا يلزمه الأداء حتى يقبض منه أربعين درهما، وأما المتوسط ففيه
332 روايتان: في رواية الأصل تجب الزكاة فيه ولا يلزمه الأداء حتى يقبض مائتي درهم فيزكيها. و رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة: لا زكاة فيه حتى يقبض ويحول عليه الحول، لأنه صار مال الزكاة الآن فصار كالحادث ابتداء. ووجه ظاهر الرواية أنه بالاقدام على البيع صيره للتجارة فصار مال الزكاة قبيل البيع اه. ملخصا. والحاصل أن مبنى الاختلاف في الدين المتوسط على أنه: هل يكون مال زكاة بعد القبض أو قبله؟ فعلى الأول لا بد من مضي حول بعد قبض النصاب. وعلى الثاني ابتداء الحول من وقت البيع، فلو له ألف من دين متوسط مضى عليها حول ونصف فقبضها يزكيها عن الحول الماضي على رواية الأصل، فإذا مضى نصف حول بعد القبض زكاها أيضا. وعلى رواية ابن سماعة لا يزكيها عن الماضي ولا عن الحال إلا بمضي حول جديد بعد القبض. وأما إذا كانت الألف من دين قوي كبدل عروض تجارة، فإن ابتداء الحول هو حول الأصل لا من حين البيع ولا من حين القبض، فإذا قبض منه نصابا أو أربعين درهما زكاه عما مضى بانيا على حول الأصل، فلو ملك عرضا للتجارة ثم بعد نصف حول باعه ثم بعد حول ونصف قبض ثمنه فقد تم عليه حولان فيزكيهما وقت القبض بلا خلاف، كما يعلم مما نقلناه عن المحيط وغيره، فما وقع للمحشين هنا من التسوية بين الدين القوي والمتوسط وأنه على الرواية الثانية لا يزكي الألف ثانيا إلا إذا مضى حول من وقت القبض فهو خطأ، لما علمت من أن الرواية الثانية لا يزكي في المتوسط فقط، ولأنه عليها لا يزكي أولا للحول الماضي خلافا لما يفهمه لفظ ثانيا، فافهم. قوله: (في الأصح) قد علمت أنه ظاهر الرواية وعبارة الفتح والبحر. في صحيح الرواية. قلت: لكن قال في البدائع: إن رواية ابن سماعة أنه لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين ويحول الحول من وقت القبض هي الأصح من الروايتين عن أبي حنيفة اه. ومثله في غاية البيان. وعليه فحكمه حكم الدين الضعيف الآتي. قوله: (ومثله ما لو ورث دينا على رجل) أي مثل الدين المتوسط فيما مر ونصابه من حين ورثه. رحمتي. وروي أنه كالضعيف. فتح وبحر. والأول ظاهر الرواية، وشمل ما إذا وجب الدين في حق المورث بدلا عما هو مال التجارة أو بدلا عما ليس لها. تاترخانية. لان الوارث (1) يقوم مقام المورث في حق الملك لا في حق التجارة، فأشبه بدل مال لم يكن للتجارة، محيط. وفيه: وأما الدين الموصى به فلا يكون نصابا قبل القبض، لان الموصى له ملكه ابتداء من غير عوض ولا قائم مقام الموصى في الملك فصار كما لو ملكه بهبة اه: أي فهو كالدين الضعيف. تنبيه: مقتضى ما مر أن الدين القوي والمتوسط لا يجب. أداء زكاته إلا بعد القبض أن المورث لو مات بعد سنين قبل قبضه لا يلزمه الايصار بإخراج زكاته عند قبضه لأنه لم يجب عليه
(1) قوله: (لان الوارث الخ) قال شيخنا: ظهر قيامه في الملك فقط استواء الديون في كونها بالنسبة للوارث تكون من الوسط فليراجع ا ه. 333 الأداء في حياته ولا على الوارث أيضا لأنه لم يملكه إلا بعد موت مورثه، فابتداء حوله من وقت الموت. قوله: (إلا إذا كان عنده ما يضم إلى الدين الضعيف) استثناء من اشتراط حولان الحول بعد القبض. والأولى أن يقول: ما يضم الدين الضعيف إليه كما أفاده ح. والحاصل أنه إذا قبض منه شيئا وعنده نصاب يضم المقبوض إلى النصاب ويزكيه بحوله، ولا يشترط له حول بعض القبض. ثم اعلم أن التقييد بالضعيف عزاه في البحر إلى الولوالجية، والظاهر أنه اتفاقي، إذ لا فرق يظهر بينه وبين غيره كما يقتضيه إطلاق قولهم: والمستفاد في أثناء الحول يضم إلى نصاب من جنسه، ويدل على ذلك أنه في البدائع قسم الدين إلى ثلاثة، ثم ذكر أنه لا زكاة في المقبوض عند الامام ما لم يكن أربعين درهما، ثم قال: وقال الكرخي: إن هذا إذا لم يكن له مال سوى الدين وإلا فما قبض منه فهو بمنزلة المستفاد فيضم إلى ما عنده اه. وكذلك في المحيط، فإنه ذكر الديون الثلاثة وفرع عليها فروعا آخرها أجرة دار أو عبد للتجارة، قال إن فيها روايتين: في رواية لا زكاة فيها حتى تقبض ويحول الحول، لان المنفعة ليست بمال حقيقة فصار كالمهر. وفي ظاهر الرواية تجب الزكاة ويجب الأداء إذا قبض نصابا لان المنافع مال حقيقة، لكنها ليست بمحل لوجوب الزكاة لأنها لا تصلح نصابا إذ لا تبقى سنة، ثم قال: وهذا كله إذا لم يكن له مال غير الدين، فإن كان له غير ما قبض فهو كالفائدة فيضم إليه اه. فهذا كالصريح في شموله لأقسام الدين الثلاثة، ولعل التقييد بالضعف ليدل على غيره بالأولى، لان المقبوض منه يشترط فيه كونه نصابا مع حولان الحول بعد القبض، فإذا كان يضم إلى ما عنده ويسقط اشتراط الحول الجديد، فما لا يشترط فيه ذلك يضم بالأولى. تأمل. تنبيه: ما ذكرناه عن المحيط صريح في أن أجرة عبد التجارة أو دار التجارة على الرواية الأولى من الدين الضعيف، وعلى ظاهر الرواية من المتوسط. ووقع في البحر عن الفتح أنه كالقوي في صحيح الرواية ثم رأيت في الولوالجية التصريح بأن فيه ثلاث روايات. قوله: (كما مر) أي في قوله: والمستفاد في وسط الحول يضم إلى نصاب من جنسه. والمراد أن ما هنا من أراد تلك القاعدة يعلم حكمه منها، وإلا فلم يصرح به هناك. قوله: (وقيده) أي قيد عدم الزكاة فيما إذا أبرأ الدائن المديون ط. قوله: (بالمعسر) أي بالمديون المعسر، فكان الابراء بمنزلة الهلاك ط. قوله: (فهو استهلاك) أي فتجب زكاته ط. قوله: (وهذا ظاهر الخ) أي قول البحر، وقيده الخ، ظاهر في أن مراده أنه تقييد للاطلاق المذكور في قوله سواء كان الدين قويا أو لا الشامل لأقسام الدين الثلاثة: أي أن سقوط الزكاة بإبراء الموسر عنه بعد الحول في الديون الثلاثة مقيد بالمعسر احترازا عن الموسر، فإن المديون إذا كان موسرا وأبرأه الدائن لا تسقط الزكاة لأنه استهلاك، هذا غير صحيح في الدين الضعيف لأنه لا تجب زكاته إلا بعد قبض نصاب وحولان الحول عليه بعد القبض، فقبله لا تجب، فيكون إبراؤه استهلاكا قبل الوجوب فلا يضمن زكاته ومثله الدين المتوسط على ما
334 قدمناه من تصحيح البدائع وغاية البيان. وكان الأوضح في التعبير أن يقول: وهذا ظاهر في أن إبراء المديون الموسر استهلاك مطلقا، وهو غير صحيح الخ. ثم إن عبارة المحيط لا غبار عليها لأنها في الدين القوي. ونصها: ولو باع عرض التجارة بعد الحول بالدراهم ثم أبرأه من ثمنه والمشتري موسى يضمن الزكاة لأنه صار مستهلكا، وإن كان معسرا أو لا يدري فلا زكا عليه لأنه صار دينا عليه وهو فقير فصار كأنه وهبه منه، ولو وهب الدين ممن عليه وهو فقير تسقط عنه الزكاة اه. وفيه: ولو كان له ألف على معسر فاشترى منه بدينارا ثم وهبه منه فعليه زكاة الألف لأنه صار قابضا لها بالدينار. قوله: (ويجب عليها الخ) صورتها: تزوج امرأة بألف وقبضتها وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول فعليها رد نصفها اتفاقا، لكن زكاة النصف المردود لا تسقط عنها خلافا لزفر. شرح المجمع. قوله: (من نقد) هو الذهب أو الفضة احترازا كما لو كان المهر سائمة أو عرضا (1) ففي المحيط أنها تزكى النصف لأنه استحق عليها نصف عين النصاب والاستحقاق بمنزلة الهلاك اه. وكان الأولى بالشارح إسقاطه، لأنه يغني عنه قول المصنف من ألف. قوله: (من ألف) متعلق بقوله نصف مهر على أنه صفته وقوله: ثم ردت النصف لا حاجة إليه بعد قوله: مردود وقوله لطلاق متعلق بقوله مردود نظرا للمتن ط. قوله: (لا تتعين الخ) أي فلم يجب عليها أن ترد نصف ما قبضته بعينه بل مثله، والدين بعد الحول لا يسقط الواجب. والولوالجية ثم قال: ولا يزكي الزوج شيئا لان ملكه الآن عاد اه. قلت: بقي ما إذا لم تقبض المرأة شيئا وحال الحول عليه في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول، ولم أر من صرح به، والظاهر أن لا زكاة على أحد، أما الزوج فلانه مديون بقدر ما في يده ودين العباد مانع كما مر، واستحقاقه لنصفه إنما هو بسبب عارض وهو الطلاق بعد الحول فصار بمنزلة ملك جديد، وأما المرأة فلأن مهرها على الزوج دين ضعيف، وقد استحق الزوج نصفه قبل القبض فلا زكاة عليها ما لم يمض حول جديد بعض القبض للباقي. تأمل. قوله: (في العقود والفسوخ) أي عقود المعاوضات من بيع وإجازة وعقد النكاح، وفي الفسوخ كفسخ النكاح بالطلاق قبل الدخول ونحوه، وتمامه في أحكام النقد من الأشباه. قوله: (لورود الاستحقاق الخ) لان الرجوع في الهبة فسخ من وجه ولو بغير قضاء، والدراهم مما تتعين في الهبة فاستحق عين مال الزكاة من غير اختباره، فصار كما لو هلك. والولوالجية وبه ظهر الفرق بين الهبة والمهر. قوله:
(1) قوله: (احترازا عما لو كان المهر سائمة أو عرضا) قال شيخنا: هذا ظاهر في السائمة واما العرض فلا يتأتى فيه ذلك لأنه يشترط لكونه عرض تجارة النية عند العقد اي عقد التجارة وهو كما قدمه الشارح كسب المال بالمال بعقد شراء أو إجارة أو استقراض وعقد النكاح ليس مبادلة المال بالمال. وقد مر عن الشارح أيضا ان ما ملك بعقد النكاح ونوي به التجارة الأصح ان لا يكون لها ويمكن ان يحمل ما هنا على ما إذا باعه واشترته ونوت به التجارة مثلا أو يكون مبنيا على قول أبي يوسف من أن ما ملك بالنكاح تصح فيه نية التجارة ا ه. 335 (فيد به) أي بقوله: عن موهوب له. قوله: (اتفاقا لعدم الملك) لان ملك الواهب انقطع بالهبة، وأشار بقوله: اتفاقا إلى أن في سقوطها عن الموهوب له خلافا، لان زفر يقول بعدمه إن رجع الواهب بلا قضاء، لأنه لما أبطل ملكه باختياره صار ذلك كهبة جديدة وكمستهلك. قلنا: بل هو غير مختار، لأنه لو امتنع عن الرد أجبر بالقضاء فصار كأنه هلك. شرح درر البحار. قوله: (وهي من الحيل) أي هذه المسألة من حيل إسقاط الزكاة بأن يهب النصاب قبل الحول بيوم مثلا ثم يرجع في هبته بعد تمام الحول، والظاهر أنه لو رجع قبل تمام الحول تسقط عنه الزكاة أيضا لبطلان الحول بزوال الملك. تأمل. وقدمنا الاختلاف في كراهة الحيلة عند قوله: ولا في هالك بعد وجوبها بخلاف المستهلك. قوله: (ومنها الخ) لكن لا يمكنه الرجوع في هذه الهبة لكنها لذي رحم محرم منه، نعم إن احتاج إليه فله الانفاق منه على نفسه بالمعروف، والله أعلم. باب العاشر ألحقه بالزكاة اتباعا للمبسوط وغيره، لان بعض ما يؤخذ زكاة وليس متحمضا، فلذا أخره عما تمحض وقدمه على الركاز لما فيه من معنى العبادة، مأخوذ من عشرت القوم أعشرهم عشرا بالضم فيهما (1) إذا أخذت عشر أموالهم. نهر. قوله: (ذكره سعدي) أي في حاشية العناية حيث قال: المأخوذ هو ربع العشر لا العشر، إلا أن يقال: أطلق العشر وأراد به ربعه مجازا، من باب الكل وإرادة جزئه، أو يقال: العشر صار علما لما يأخذه العاشر سواء كان المأخوذ عشرا لغويا أو ربعه أو نصفه، فلا حاجة إلى أن يقال: العاشر تسمية الشئ باعتبار بعض أحواله كما لا يخفى اه. وفسره الشارح تبعا للنهر بالعلم الجنسي، إذ لا شك أنه ليس علم شخص، والأقرب كونه اسم جنس شرعي، إذ لا دليل على علميته، لان العلماء لما رأوا العرب فرقت بين أسامة وأسد الموضوعين لماهية الحيوان المفترس بإجرائهم أحكام الاعلام على الأول من نحو منع الصرف، وجواز مجئ الحال منه، وعدم دخول أل عليه، حكموا على الأول بالعلمية الجنسية دون الثاني، وفرقوا بينهما بقيد الاستحضار عند الوضع وعدمه، كما بين في محله، وليس هنا ما يقتضي علمية العشر حتى يعدل عن تنكيره الأصلي، على أن ادعاء التصرف والنقل في العشر ليس بأولى من ادعائه في العاشر، بل المتبادر من قول الكنز وغيره هو من نصبه الامام ليأخذ الصدقات من التجار، وأن العاشر اسم لذلك نقل شرعا إليه، إذ لو كان التصرف وقع في العشر لكان حقه بيان معنى العشر المنقول إليه لا بيان العاشر، أو يبين كلا منهما فيقول: هو من نصبه الامام ليأخذ العشر الشامل لربعه ونصفه، وأيضا فالمتعارف إطلاق العاشر على من يأخذ العشر وغيره دون إطلاق العشر على
(1) قوله: (بالضم فيهما) اي ضم الشين في الفعلين ا ه. 336 نصفه وربعه، فتأمل. وأجاب في النهاية وتبعه في الفتح والبحر بأنه لما كان يأخذ العشر أو نصفه أو ربعه سمي عاشر الدور، إن اسم العشر في متعلق أخذه، وهذا مؤيد لما قلنا، والله أعلم. مطلب: لا يجوز اتخاذ الكافر في ولاية قوله: (هو حر مسلم) فلا يصح أن يكون عبدا لعدم الولاية، ولا يصح أن يكون كافرا لأنه لا يلي على المسلم بالآية. بحر عن الغاية. والمراد بالآية قوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141). قوله: (بهذا الخ) أي باشتراط الاسلام للآية المذكورة، زاد في البحر: ولا شك في حرمة ذلك أيضا اه: أي لان في ذلك تعظيمه، وقد نصبوا على حرمة تعظيمه، بل قال في الشرنبلالية: وما ورد من ذمه: أي العاشر فمحمول على من يظلم كزماننا، وعلم مما ذكرناه حرمة تولية الفسقة فضلا عن اليهود والكفرة اه. قلت: وذكر في شرح السير الكبير أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص: ولا تتخذ أحدا من المشركين كاتبا على المسلمين، فإنهم يأخذون الرشوة في دينهم ولا رشوة في دين الله تعالى. قال: وبه نأخذ، فإن الوالي ممنوع من أن يتخذ كاتبا من غير المسلمين لقوله تعالى: * (لا تتخذوا بطانة من دونكم) * (آل عمران: 811) اه. قوله: (لما فيه من شبهة الزكاة) أي وهو من جملة المصارف، فيعطي كفايته منه نظير عمله، ولذا لو هلك ما جمعه لا شئ له كما صرح به في الزيلعي، فكان فيه شبه الأجرة وشبه الصدقة. ثم اعلم أن هذا الشرط: أعني كونه غير هاشمي عزاه في البحر إلى الغاية، ولم أر من ذكره غيره وهو مخالف لما ذكره في النهاية وغيرها في باب المصرف من أنه إذا استعمل الهاشمي على الصدقة لا ينبغي له الاخذ منها، ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به اه. ومراه بلا ينبغي: لا يحل كما عبر الزيلعي هناك، وهذا كالصريح في جواز نصبه عاملا فيحمل ما هنا على أنه شرط لحل أخذه من الصدقة، ويدل عليه تعليل صاحب الغاية بقوله: لما فيه من شبهة الزكاة، فإن مفاده أنه يجوز كونه هاشميا إذا جعل له الامام شيئا من بيت المال، أو كان لا يأخذ شيئا مما يأخذه من المسلمين، وسنذكر في باب المصرف تمامه. قوله: (لان الجباية بالحماية) أي جباية الامام هذا المأخوذ بسبب حمايته للأموال، ولذا لو غلب الخوارج على مصر أو قرية وأخذوا منهم الصدقات لا شئ عليهم إلا إعادة الخراج كما مر (1). قوله: (للمسافرين) طريق السفر لأجل الحماية، ولذا قال في الشرنبلالية: أشار بقوله: ليأمنوا من اللصوص إلى قيد لا بد منه. ذكره في المبسوط. وهو أن يأمن به التجارة من اللصوص ويحميهم منه. قوله: (خرج الساعي) في البحر عن البدائع.
(1) قوله: (لا شئ عليهم الا إعادة الخراج كما مر) اي متنا والذي مر متنا أخذ البغاة زكاة السوائم والعشر والخراج لا إعادة على أربابها ان صرف في محله فعليهم إعادة غير الخراج ا ه وهو بزيادة لفظ غير. أقول: وهو الصواب ولعله هنا ساقط من قلم سيدي المؤلف. ويدل عليه كتابته عليه ثمة عند قول المصنف أخذ البغاة الخ ا ه محمد علاء الدين ابن المؤلف. 337 والمصدق بتخفيف الصاد وتشديد الدال اسم جنس لهما. قوله: (تغليبا الخ) دفع لما يقال: إن ما يأخذه من الكافر ليس بصدقة. قوله: (الظاهرة والباطنة) فإن مال الزكاة نوعان: ظاهر، وهو المواشي، وما يمر به التاجر على العاشر، وباطن: وهو الذهب والفضة، وأموال التجارة في مواضعها. بحر. ومراده هنا بالباطنة ما عدا المواشي، بقرينة قوله: المارين بأموالهم وإلا فكل ما مر به على العاشر فهو من نوع الظاهر، وسماها باطنة باعتبار ما كان قبل المرور، أما الباطنة التي في بيته لو أخبر بها العاشر فلا يأخذ منها كما سرح به في البحر، وسيأتي متنا أيضا، وأشار بهذا التعميم إلى رد ما في العناية وغيرها من أن المراد هنا الأموال الباطنة، لأن الظاهرة: وهي السوائم لا يحتاج العاشر فيها إلى مور صاحب المال عليه، فإنه يأخذ عشرها وإن لم يمر صاحب المال عليه اه. فإنه كما في النهر مبني على عدم التفرقة بين العاشر والساعي، وقد علمت التفرقة بينهما بما مر، وهي مذكورة في البدائع. مطلب: ما ورد في ذم العشار قوله: (وما ورد من ذم العشار الخ) من ذلك ما رواه الطبراني إن الله تعالى يدنو من خلقه: [أي برحمته وجوده وفضله] فيغفر لمن شاء إلا لبغي بفرجها أو عشار وما رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول: لا يدخل صاحب مكس الجنة قال يزيد بن هارون يعني: العشار. وقال البغوي: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر: أي الزكاة. قال الحافظ المنذري: أما الآن فإنهم يأخذونه مكسا باسم العشر، ومكسا آخر ليس له اسم، بل شئ يأخذونه حراما وسحتا، ويأكلونه في بطونهم نارا، حجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد، كذا في الزواجر لابن حجر. مطلب: لا تسقط الزكاة بالدفع إلى العاشر في زماننا ثم قال: واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة، وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي، لان الامام لا ينصب المكاسين لقبض الزكاة، بل لاخذ عشورات مال وجدوه قل أو كثر، وجبت فيه الزكاة أو لا اه. وتمامه هناك. قلت: على أنه اليوم صار المكاس يقاطع الامام بشئ يدفعه إليه ويصير يأخذ ما يأخذه لنفسه ظلما وعدوانا، ويأخذ ذلك، ولو مر التاجر عليه أو على مكاس آخر في العام الواحد مرارا متعددة، ولو كان لا تجب عليه الزكاة، فعلم أيضا أنه لا يحسب من الزكاة عندنا لأنه ليس هو العاشر الذي ينصبه الامام على الطريق ليأخذ الصدقات من المارين، وقد مر أيضا أنه لا بد من شرط: أن يأمن به التجار من اللصوص، ويحميهم منهم وهذا يعقد على أبواب البلدة، ويؤذي البحار أكثر من اللصوص وقطاع الطريق ويأخذه منهم قهرا، ولذا قال في البزازية: إذا نوى أن يكون المكس زكاة فالصحيح أنه لا يقع عن الزكاة، كذا قال الامام السرخسي اه. وأشار بالصحيح إلى القول بأنه إذا نوى عند الدفع التصدق على المكاس جاز، لأنه فقير بما عليه من التبعات، وقد مر الكلام عليه.
338 قوله: (فمن أنكر تمام الحول) أي على ما في يده وعلى ما في بيته، فلو كان في بيته مال آخر قد حال عليه الحول وما مر به لم يحل عليه الحول واتحد الجنس، فإن العاشر لا يلتفت إليه لوجوب الضم في متحد الجنس إلا لمانع. بحر. قوله: (أو قال لم أنو التجارة) أو قال: ليس هذا المال لي بل هو وديعة أو بضاعة أو مضاربة، أو أنا أجير فيه أو مكاتب أو عبد مأذون. زيلعي. وكذا لو قال: ليس في هذا المال صدقة فإنه يصدق مع يمينه كما في المبسوط، وإن لم يبين سبب النفي. بحر. قوله: (أو على دين) أي دين له مطالب من جهة العباد لأنه المانع من وجوب النصاب كما مر. قال في البحر: وقدمنا أن منه دين الزكاة. قوله: (لان ما يأخذه زكاة) أي فلا فرق في ذلك بين كونه الدين محيطا أو منقصا للنصاب، والمراد ما يأخذه منا أما ما يأخذه من الذمي والحربي فيعطى حكم الزكاة هنا وإن كان جزية ويصرف في مصارفها كما يأتي. قوله: (وهو الحق) أي ما ذكر من تعميم الدين بقوله: محيط أو منقص لان المنقص للنصاب مانع من الوجوب، فلا فرق كما في المعراج. بحر. وهو رد على ما في الخبازية، وغاية البيان من التقييد ب المحيط، والظاهر أنهما أرادا به الاحتراز عما لا يفضل عنه (1) نصاب لا عن المنقص أيضا، فلا ينافي إطلاق الكنز كإطلاق المصنف، ولا ما صرح به في المعراج من عدم الفرق، وما في الشرنبلالية من أن المنطوق لا يعارضه المفهوم فيه نظر لما علمت من التصريح في المعراج، بخلاف هذا المنطوق ومن تأويله بما ذكرنا، فتدبر. قوله: (محقق) فلو لم يدر هل هناك عاشر أم لا لم يصدق كما في السراج لان الأصل عدمه. نهر. والمراد بالعاشر هنا عاشر أهل العدل، فلو مر على عاشر الخوارج عشر ثانيا كما سيأتي. قوله: (أو قال أديت إلى الفقراء في المصر) لان الأداء كان مفوضا إليه فيه. بحر. قوله: (لا بعد الخروج) أي لو قال: أديت زكاتها بعد ما أخرجتها من المدينة، لا يصدق لأنها بالاخراج التحقت بالأموال الظاهرة، فكان الاخذ فيها إلى الامام. زيلعي. وفي شرح الجامع لقاضيخان: وإنما تثبت ولاية المطالبة للامام بعد الاخراج إلى المفازة إذا لم يكن أدى بنفسه، فإذا ادعى ذلك فقد أنكر ثبوت حق المطالبة فكان القول قوله مع اليمين اه. قوله: (لما يأتي) أي قريبا في قوله: بعد إخراجها. قوله: (وحلف) القياس أن لا يمين عليه لأنها عبادة، ولا يمين فيها، وجه الاستحسان أنه منكر وله مكذب، وهو العاشر فهو مدعى عليه معنى، لو أقر به لزمه، فيحلف لرجاء النكول، بخلاف باقي العبادات لأنه لا مكذب له. نهر. قوله: (في الكل) أي في إنكار تمام الحول، وما ذكره بعده. قوله: (في الأصح) كذا في الكافي وهو ظاهر الرواية كما في البدائع، وشرط إخراجها رواية الأصل. واختلف في اشتراط اليمين معها كما في المعراج. قوله: (لاشتباه الخط) لان الخط يشبه الخط، وقد يزور وقد لا يأخذ البراءة غفلة منه، وقد تضل بعد الاخذ فلا
(1) قوله: (الاحتراز عما لا يفضل عنه الخ) الصواب حذف لا تأمل ا ه. 339 يمكن أن تجعل حكما فيعتبر قوله مع يمينه. كافي. قوله: (وعدت عدما) قد يقال: إنه دليل كذبه، وهو نظير ما لو ذكر الحد الرابع وغلط فيه، فإنه لا تسمع الدعوى، وإن جاز تركه إلا أن يقال: إنها عبادة، بخلاف حقوق العباد المحضة. بحر وتمامه في النهر. قوله: (أخذت منه) لان حق الاخذ ثابت فلا يسقط باليمين الكاذبة. بحر. وهذا في غير الحربي، أما فيه فسيأتي أنه إذا دخل دار الحرب ثم خرج لا يؤخذ منه لما مضى اه ح. قوله: (إلا في السوائم الخ) استثناء من تصديقه في قوله: أديت إلى الفقراء أي فلا يصدق في قوله: أديت زكاتها بنفسي إلى الفقراء في المصر، لان حق الاخذ للسلطان فلا يملك إبطاله، بخلاف الأموال الباطنة. بحر. قلت: ومقتضاه أنه لو ادعى الأداء إلى الساعي يصدق. قوله: (والأموال الباطنة) أي وإلا في الأموال الباطنة، وقوله: بعد إخراجها أي إخراج الأموال الباطنة متعلق بأديت المقدر المدلول عليه بالاستثناء. والمعنى: لو ادعى أنه أدى زكاة الأموال الباطنة بنفسه بعد إخراجها من البلد لا يصدق، ولا يصح تعلقه بالأموال الباطنة تعلقا نحويا كما هو ظاهر، ولا معنويا على أنه صفة أو حال لايهامه أنه لا يصدق بعد إخراجها، سواء قال: أديت قبل الاخراج أو بعده، مع أنه بعد مرور بها على العاشر لو قال: أديت إلى الفقراء في المصر يصدق كما مر في المتن، فافهم. قوله: (فكان الاخذ فيها للامام) كما في الأموال الظاهرة وهي السوائم. قوله: (والأول ينقلب نفلا) هو الصحيح، وقيل الثاني سياسة، وهذا لا ينافي انفساخ الأول ووقوع الثاني سياسة بأدنى تأمل. كذا في الفتح. ولو لم يأخذ منه ثانيا لعلمه بأدائه ففي براءة ذمته اختلاف المشايخ. وفي جامع أبي اليسر: لو أجاز إعطاءه فلا بأس به، لأنه لو أذن له في الدفع جاز، وكذا إذا أجاز دفعه. نهر. قوله: (ويأخذها منه بقوله) أي يأخذ منه العاشر الصدقة بقوله. قال في البحر عن المبسوط إذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر فيه وفيه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله، لأنه ليس له ولاية الإضرار به، وقد نقل عن عمر أنه قال لعماله: ولا تفتشوا على الناس متاعهم اه. قوله: (لا تنبشوا) النبش: إبراز المستور وكشف الشئ عن الشئ. قاموس. وبابه نصر، كذا في جامع اللغة ح. والذي قدمناه عن البحر: لا تفتشوا بالفاء، وهو قريب منه. قوله: (وكل ما صدق) في بعض النسخ وكل مال والمناسب هو الأول لان ما غير واقعة على المال ولذا بينها بقوله مما مر أي من إنكار الحول وما بعده. قوله: (لان لهم ما لنا) أي فيراعى في حقهم تلك الشرائط من الحول والنصاب، والفراغ من الدين، وكونه للتجارة. فإن قيل: إذا ألحقوا بالمسلمين وجب أن يؤخذ منهم ربع العشر كالمسلمين. قلنا: المأخوذ منا زكاة حقيقة، والمأخوذ منهم كالجزية حتى يصرف إلى مصارفها: لا زكاة، لأنها طهرة وليسوا من أهلها. وتمامه في الكفاية. قوله: (لعدم ولاية ذلك) فإن ما يؤخذ منه جزية
340 وفيها لا يصدق إذا قال أديتها، لان فقراء أهل الذمة ليسوا مصرفا لها، وليس له ولاية الصرف إلى مستحقها وهو مصالح المسلمين. زيلعي. وفي البحر أنه ليس بجزية، بل في حكمها لصرفه في مصارفها حتى لا تسقط جزية رأسه تلك السنة كما نص عليه الأسبيجابي اه. قلت: صرح في شرح درر البحار بأنه جزية حقيقة، والظاهر أنه أراد أنها جزية في ماله كما يسمى خراج أرضه جزية. وعليه فالجزية أنواع: جزية مال، وجزية أرض، وجزية رأس، ولا يلزم من أخذ بعضها سقوط باقيها كما لا يخفى، إلا في بني تغلب، لان المأخوذ في مالهم هو جزية رؤوسهم، ولذا قال في البحر: إذا أخذ العاشر ما عليهم سقطت عنهم الجزية، لان عمر صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة. قوله: (لا يصدق حربي) أي لا يلتفت إلى قوله، ولو ثبت صدقه ببينة عادلة. أفاده الكمال ط. قوله: (في شئ) بيان للمستثنى منه المحذوف. ط عن الحموي: أي في شئ مما مر لعدم الفائدة في تصديقه لأنه لو قال: لم يتم الحول، ففي الاخذ منه لا يعتبر الحول، لأن اعتباره لتمام الحماية ليحصل النماء وحماية الحربي تتم بالأمان من السبي، إن قال: علي دين، فما عليه في داره لا يطالب به في دارنا، وإن قال: المال بضاعة، فلا حرمة لصاحبها ولا أمان، وإن قال: ليس للتجارة، كذبه الظاهر، وإن قال: أديتها أنا، كذبه اعتقاده، وتمامه في العناية. قوله: (إلا في أم ولده الخ) فإنه يصدق في دعواه أن الجارية التي معه أم ولده لان إقراره بنسب من في يده صحيح، فكذا بأمومية الولد. نهر. وعبارة الجامع الصغير والهداية: إلا في الجواري يقول هن أمهات أولادي. وفي البحر: فلو أقر بتدبير عبده لا يصدق، لان التدبير في دار الحرب لا يصح. قوله: (لغلام) أي ليس بثابت النسب من غيره ولا يكذبه على قياس ما ذكروا في ثبوت النسب ط. قوله: (هذا ولدي) فلو قال أخي لا يصدق لأنه إقرار بنسبه على الأب وثبوته يتوقف على تصديق الأب فيؤخذ عشره، كذا ظهر لي، ولم أره صريحا، نعم رأيت في شرح السير الكبير: لو مر برقيق فقال هؤلاء أحرار لم يعشر، لأنه إن كان صادقا فهم أحرار، وإلا فقد صاروا أحرارا بقوله. قوله: (لفقد المالية) علة للمسألتين: أي والاخذ لا يجب إلا من المال ط عن النهر. مطلب: ما يؤخذ من النصارى لزيارة بيت المقدس حرام قال الخير الرملي: أقول: منه يعلم حرمه ما يفعله العمال اليوم من الاخذ على رأس الحربي والذمي خارجا عن الجزية حتى يمكن من زيارة بيت المقدس. قوله: (وعشر) بالتخفيف: أي أخذ عشره. قوله: (لأنه أقر بالعتق) لان قوله: هذا ولدي للأكبر منه سنا مجاز عن هو حر عند أبي حنيفة. قوله: (فلا يصدق في حق غيره) أي في إبطال حق العاشر، وهو أخذ العشر لبقاء المالية في حقه حكما. قوله: (لئلا يؤدي إلى استئصال المال) علة للاستثناء: أي لأنه لو لم يصدق في ذلك لزم أنه كلما مر على عاشر أخذ منه العشر فيؤدي إلى استئصال ماله: أي أخذه من أصله. قوله: (جزم به منلا خسرو) كذا في بعض نسخ البحر بزيادة قوله: في شرح الدرر وفي نسخة أخرى: منلا
341 شيخ في شرح الدرر وهي الصواب. فإن عبارة منلا خسرو كعبارة الكنز الآتية، والعبارة التي ذكرها الشارح للإمام محمد بن محمد بن محمود البخاري الشهير بمله شيخ في كتابه المسمى غرر الأذكار وشرح درر البحار للإمام محمد بن يوسف القوني. قوله: (والغاية) يعني غاية البيان للاتقاني، وإلا فالغاية للسروجي وهي شرح الهداية أيضا. قوله: (ورجحه في النهر) أي بقوله: إلا أن كلام أهل المذهب أحق ما إليه يذهب اه: أي لأنه هو مقتضى حصر صاحب الكنز بقوله: لا الحربي إلا في أم ولده، وكذا عبارة الدرر والجامع الصغير لمحرر المذهب الإمام محمد. وعبارة الهداية كما قدمناه، فالمراد بأهل المذهب الناقلون لكلام صاحب المذهب، وأما السروجي ومن تبعه كالعيني والزيلعي وشارح درر البحار فقد ذكروا ذلك بطريق البحث كما يشعر به لفظ ينبغي فافهم (1)، نعم قد يقال: إن ما ذكره السروجي وغيره يعلم حكمه مما ذكره غيرهم أيضا وهو ما سيأتي من أنه إذا أخذ من الحربي مرة لا يؤخذ منه ثانيا الخ، وكذا قال الزيلعي، فإنه لو لم يصدق فيه يؤدي إلى استئصال المال وهو لا يجوز على ما يجئ اه. فالحصر في كلام الهداية عن الكنز وغيرهما إضافي، صرح فيه بأخذ المستثنيين وسكت عن الآخر اعتمادا على ما صرحوا به بعد، وكم له من نظير، فلم يكن كلام السروجي ومن تبعه مخالفا للمذهب، بل هو تحقيق له على ما هو عادة الشراح من تقييد المطلق وبيان المجمل وإظهار الخفي ونحو ذلك. وأما ما ذكره في العناية وغاية البيان فهو جري على ظاهر عبارة الهداية، فإن كان صريحه منقولا عن صاحب المذهب فلا كلام، وإلا فالتحقيق خلافه فافهم، والله تعالى أعلم. قوله: (وأخذ منا الخ) بالبناء للمجهول كما يدل عليه آخر العبارة ط. والمأخوذ من المسلم زكاة، ومن غيره جزية يصرف في مصارفها، ولكن تراعى فيه شروط الزكاة من الحول ونحوه كما قدمنا. قوله: (بذلك) أي بهذه الأقسام الثلاثة أمر عمر سعاته ط. قوله: (لان ما دونه عفو) أما في المسلم والذمي فظاهر، وأما في الحربي فلعدم احتياجه إلى الحماية لقلته. نهر. قوله: (وبشرط جهلنا الخ) هذا خاص بالحربي فقط بقرينة قوله: ما أخذوا منا أي أهل الحرب كما هو ظاهر، فليس في عطفه على ما يعم الثلاثة إبهام أصلا، فافهم. قوله: (قدر ما أخذوا منا) قال البرجندي: ظاهر العبارة يدل على أن الاخذ معلوم والمأخوذ مجهول، ويفهم من ذلك أنه لو لم يكن أصل الاخذ معلوما لا يؤخذ منه شئ اه. قال الشيخ إسماعيل: لكن المفهوم من إناطة صاحب الفتح وغيره عدم الاخذ منهم بمعرفة
(1) قوله: (نعم قد يقال الخ) قال شيخنا: لا دلالة على ما ادعاه أصلا نعم قولهم إذا اخذ من الحربي مرة لا يؤخذ منه ثانيا معناه إذا تحقق الاخذ منه أولا لا يؤخذ منه ثانيا وما نحن فيه لم يتحقق فيه الاخذ أو لا فيكون بين المسألتين تباين لاختلاف الموضوع وحينئذ فيكون الحصر في كلام الهداية وغيرها حقيقيا لا اضافيا بل يكون كلام السروجي ومن تبعه بحثا مخالفا لمفهوم عبارات أهل المذهب لا تحقيقا لها. ا ه. 342 عدم الاخذ منا أنه يؤخذ منهم عند عدم العلم بأصل الاخذ، فليتأمل اه. وهو الظاهر كما يظهر قريبا. قوله: (مجازاة) أي الاخذ بكمية خاصة بطريق المجازاة، لا أصل الاخذ فإنه حق منا وباطل منهم. فالحاصل أن دخوله في الحماية أوجب حق الاخذ منهم، ثم إن عرف كمية ما يأخذون منا أخذنا منهم مثله مجازاة، إلا إذا عرف أخذهم الكل، وإن لم يعرف كمية ما يأخذون فالعشر، لأنه قد ثبت حق الاخذ بالحماية وتعذر اعتبار المجازاة فقدر بضعف ما يؤخذ من الذمي لأنه أحوج إلى الحماية منه، وتمامه في الفتح. قلت: ويعلم من قوله: لأنه قد ثبت الخ، أنه لو لم يعلم أصل أخذ شئ منا أنه يؤخذ منهم العشر لتحقق سببه، ولان أخذ غيره إنما هو بطريق المجازاة، ومع عدم العلم أصلا لا مجازاة، ولان عدم الاخذ منهم أصلا عند العلم بعدم أخذ شئ إنما هو ليستمروا عليه، ولأنا أحق بالمكارم كما يأتي، وهو في الحقيقة بمعنى المجازاة حيث تركناهم كما تركونا، وليس مثله عدم العلم بأصل الاخذ لتحقق سبب أخذ العشر وهو دخوله في الحماية وعدم تحقق المانع، بخلاف قصد المجازاة فإنه مانع من إيجاب العشر بعد تحقق سببه، فقد تأيد ما ذكره الشيخ إسماعيل، فتدبر. قوله: (ولا نأخذ منهم شيئا الخ) تصريح بمفهوم قوله: بشرط كون المال نصابا ح. قوله: (لأنه ظلم) فيه أن جميع ما يأخذونه منا ظلم، إلا أن يقال: إن الاخذ من القليل ظلم يعرفه كل ذي عقل، لان القليل معد للنفقة غالبا، والاخذ منه مخالف لمقتضى الأمان الواجب الوفاء به حتى عندهم مثل ما لو أخذوا الكل. قوله: (ليستمروا عليه أي على عدم الاخذ منا ح. قوله: (لا يؤخذ منه ثانيا) لان حكم الأمان الأول باق، والاخذ في كل مرة استئصال. نهر. قوله: (بلا تجدد حول أو عهد) لكن لا يمكن من المقام في دارنا حولا كاملا، بل يقول له الامام حين دخوله: إن أقمت ضربت عليك الجزية، فإن أقام ضربها، ثم لا يمكن من العود، غير أنه إن مر عليه بعد الحول ولم يكن له علم (1) بمقامه حولا عشرة ثانيا زجرا له ويرده إلى دارنا. فتح. قوله: (حتى دخل دار الحرب) أي بعد أن دخل دار الاسلام وخرج منها ط. قوله: (بخلاف المسلم والذمي) أي إذا مرا ولم يعلم بهما العاشر حيث يؤخذ منهما. نهر. قوله: (من قيمة خمر) بجر خمر بلا تنوين لاضافته إلى كافر على حد قول الشاعر:
(1) قوله: (ولم يكن له علم الخ) اي ثم علم بعد ذلك ا ه منه. 343 بين ذراعي وجبهة الأسد قال في البحر: وفي الغاية: تعرف قيمة الخمر بقول فاسقين تابا أو ذميين أسلما. وفي الكافي: يعرف ذلك بالرجوع إلى أهل الذمة اه. وفي حاشية نوح عن شرح المجمع أن الأول أولى. قوله: (وجلود ميتة كافر) كذا في المعراج عن المحبوبي أنه ذكره أبو الليث رواية عن الكرخي، وعلله بأنه كانت مالا في الابتداء، وتصير مالا في الانتهاء بالدبغ فكانت كالخمر اه. ونقله في البحر وأقره. واستشكله ح بأن الجلد قيمي وسيأتي أنأخذ قيمة القيمي كأخذ عينه، وكونه مالا في الابتداء ويصير مالا في الانتهاء مما لا تأثير له في الحكم، لأنهم لم يجعلوا ذلك علة عشر الخمر، وإنما جعلوا العلة كونه مثليا اه. وأجاب الرحمتي بأن الجلد مثلي لا قيمي، بدليل جواز السلم فيه، فكان كالخنزير لا كالخمر (1). قلت: سيأتي في الغضب التنصيص على أنه قيمي، وجواز السلم لا يدل على أنه مثلي لجوازه في غيره. وأجاب ط بأنه في البحر علل للخمر بعلة ثانية، وهي أن حق الاخذ منها للحماية فيقال مثله في جلود الميتة. قلت: لكن هذا لا يدفع الاشكال بأن أخذ قيمة القيمي كأخذ عينه. وقد يجاب بالفرق بين قيمة مالا يتمول أصلا وهو نجس العين كالخنزير وقيمة ما هو قابل للتمول والانتفاع كجلود الميتة، ولذا قالوا: فكانت كالخمر. تأمل. قوله: (كذا أقر المصنف متنه في شرحه) اعلم أن المتن المذكور في شرح المصنف هكذا: ويؤخذ نصف عشر من قيمة خمر كافر للتجارة لا من خنزيره، فيكون قوله: ويؤخذ عشر القيمة من حربي من كلام الشارح، وكتابتها بالأحمر في بعض النسخ غلط. ورأيت في متن مجرد ما نصه: ويؤخذ نصف عشر من قيمة خمر ذمي وعشر قيمته من حربي للتجارة من خنزيره، وكل مما أقره ورجع عنه خطأ، أما ما أقره فلانه بإطلاقه الكافر صريح في أن المأخوذ من الذمي والحربي نصف عشر، وأنه يشترط نية التجارة في حق كل منهما، مع أن المأخوذ من الحربي عشر، ولا يشترط في حقه نية التجارة، وأما ما رجع عنه فلانه يقتضي اشتراط نية التجارة في حق الحربي، ولذلك حمل الشارح الكافر على الذمي فصار المصنف ساكتا عن الحربي، فذكره الشارح بقوله: ويؤخذ عشر القيمة من حربي الخ اه ط. قوله: (وبلغ نصابا) أي وحده أو بالضم إلى مال آخر معه، ولكن لما كان ظاهر المتن أنه ليس معه غيره وأنه بعشره مطلقا أطلق العبارة (2) ولم يكتف بما مر من قوله: ولا نأخذ منهم شيئا إذا لم يبلغ مالهم نصابا هذا ما ظهر لي. قوله: (لا من خنزيره) أي الكافر ح. قوله: (مطلقا) أي سواء مر به وحده أو مع الخمر عندهما. وقال الثاني: إن
(1) قوله: (كالخنزير لا كالخمر) هكذا نسخة المحشي، ولعل صوابها كالخمر لا كالخنزير تأمل ا ه. (2) قوله: (أطلق العبارة الخ) وحقها ان تكون هكذا لما كان ظاهر المتن انه ليس معه غيره وانه يعشر مطلقا قيد الشارح العبارة بقوله: وبلغ نصابا ولم يكتف بما مر من قوله ولا نأخذ منهم شيئا إذا لم يبلغ ما لهم نصابا وأطلق في بلوغ النصاب ولم يقيده بما إذا لم يكن عنده غيره، فيكون تقييده ببلوغ النصاب لظاهر المتن من أنه يعشر مطلقا واطلاقه في بلوغ النصاب لظاهره من أنه ليس معه غيره ا ه. 344 مر بهما عشر فكأنه جعله تبعا للخمر ولم يعكسه لأنها أطهر مالية إذ هي قبل التخمر مال، وكذا بعد بتقدير التخلل، وليس الخنزير كذلك. نهر. قوله: (فأخذ قيمته كعينه) أي كأخذ عينه، لان قيمة الحيوان لها حكم عينه، ولهذا لو تزوج امرأة على حيوان في الذمة إن شاء دفع عينه وإن شاء دفع قيمته، أما قيمة الخمر فليس لها حكم عين الخمر، ولهذا لو تزوج الذمي امرأة على خمر فأتاها بقيمتها لا تجبر على القبول، فأمكن أخذ العشر من قيمتها لا من عينها، لان المسلم ممنوع عن تملكها، شرح الجامع لقاضيخان. قوله: (بخلاف الشفعة الخ) جواب عما قيل: إن القيمة ليس لها حكم العين، بدليل أن الذمي لو باع داره من ذمي بالخنزير وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير. وحاصل الجواب: أن الجواز هنا ضرورة حق العبد لاحتياجه، ولا ضرورة في حق الشرع لاستغنائه كما بسطه في المعراج عن الكافي. وأجاب في النهر نقلا عن العناية بأن القيمة لم تأخذ حكم العين في الاعطاء، لأنه موضع إزالة وتبعيد. قلت: وحاصله الفرق بين أخذها ودفعها، وفيه نظر، فإن في دفعها للذمي تمليكها، والمسلم منهي عن تملكها وتمليكها. قوله: (في بيته) الضمير يرجع إلى من مر على العاشر مسلما أو ذميا أو حربيا كما صرح به الشارح في قوله: مطلقا ح. قوله: (ولا من مال بضاعة) هي لغة: القطعة من المال. واصطلاحا: ما يدفعه المالك لانسان يبيع فيه ويتجر ليكون الربح للمالك ولا شئ للعامل. بحر عن المغرب. ولو عبر المصنف بالأمانة كصدر الشريعة لأغناه عما بعده. قوله: (إلا أن تكون لحربي) الأولى تأخير هذا الاستثناء عن المضاربة لقول الزيلعي: وإن ادعى بضاعة أو نحوها فلا حرمة لصاحبها ولا أمان، وإنما الأمان للذي في يده اه. ويظهر من هذا أن المال لحربي، وذو اليد حربي أيضا فيعشر باعتبار الأمان لذي اليد وإن لم يحتجه المالك باعتبار كونه في بلد الحرب. والظاهر أن ذا اليد لو كان مسلما والمالك حربي لا يعشر، لأنه لا أمان للمالك ولا لذي اليد، ولو كان بالعكس فكذلك فيما يظهر، لان ذا اليد غير مالك وما في يده مال مسلم لا يحتاج لأمان، فليتأمل. قوله: (بماله ورقبته) إنما قيد به لأنه محل الخلاف بين الامام وصاحبيه، فعنده لا يملك مولاه ما في يده من كسبه، وعندهما يملك كما يملك رقبته بلا خلاف، فلم ينفذ عتقه عبدا من كسب المأذون عنده، وعندهما ينفذ كما سيأتي في كتاب المأذون، فإذا مر على العاشر والحالة هذه لا يؤخذ منه سواء كان معه مولاه أو لا، أما إذا كان مولاه فلانعدام ملك المولى عنده وللشغل بالدين عندهما كما في البحر، وأما إذا لم يكن معه فظاهر اه ح مع تغيير، فافهم. قوله: (أو مأذون غير مديون) أو مديون بغير محيط، بل هو أولى أفاده ح. قوله: (ليس معه مولاه) أما لو كان معه ولم يكن عليه دين أو عليه دين لم يحط بكسبه عشر الفاضل من الدين إذا بلغ نصابا كما في المعراج.
345 والحاصل كما قال ط أن المأذون إما أن يكون مديونا بمحيط أو بغير محيط أو غير مديون أصلا، وفي كل إما أن يكون معه مولاه أو لا، ففي الأول لا شئ عليه مطلقا، وكذا في الأخيرين إن لم يكن معه مولاه وإن كان عشر حيث بقي بعد وفاء الدين نصاب. قوله: (على الصحيح في الثلاثة) كذا في البحر: وقال في المعراج: وذكر فخر الاسلام في جامعه بعد ذكر المضارب والمستبضع والعبد لا يؤخذ من هؤلاء جميعا هو الصحيح لانعدام الملك اه ونحوه في الزيلعي لكنه ذكر أولا أن أبا حنيفة كان يقول بعشر المضاربة وكسب المأذون، ثم رجع فيهما على الصحيح لعدم الملك، وظاهره أنه لا خلاف في البضاعة. قوله: (لعدم ملكهم) أي الثلاثة، وهم المضارب والمستبضع والعبد. قال في المعراج: وفي الايضاح يشترط للاخذ حضور المالك والملك جميعا، فلو مر مالك بلا مال لا يأخذ، ولو مر مال بلا مالك لم يأخذ أيضا. قوله: (ولا من عبد) هذه مسألة المأذون المتقدم. رحمتي. قوله: (ومكاتب). قوله: (ومكاتب) لأنه لا ملك له تام، إذ يجوز أن يعجز نفسه فيكون ما بيده للمولى ط. قوله: (بخلاف ما لو غلبوا على بلد) تقدمت المسألة في باب زكاة الغنم، والظاهر أن مثله ما لو اضطر إلى المرور عليهم، فليراجع. قوله: (مر بنصاب رطاب) أي مما لا يبقى حولا. قال في الشرنبلالية: صورة المسألة أن يشتري بنصاب قرب مضي الحول عليه شيئا من هذه الخضروات للتجارة فتم عليه الحول، فعنده لا يأخذ الزكاة لكن يأمر المالك بأدائها بنفسه، وقالا: يأخذ من جنسه لدخوله تحت حماية الامام، كذا في البرهان. وقال الكمال في تعليل قول الإمام لا يؤخذ منها: أنها تفسد بالاستبقاء وليس عند العامل فقراء في البر ليدفع لهم، فإذا بقيت ليجدهم فسدت فيفوت المقصود، فلو كان عنده أو أخذ ليصرف إلى عمالته كان له ذلك اه. قوله: (نهر بحثا) ليس في عبارة النهر ما يشعر بأنه بحث، على أنه مذكور في كلام الكمال كما علمت، وليس في عبارة الكمال أيضا ما يشعر بالبحث، على أن ما ذكره الكمال مذكور في شرح المنظومة، مع زيادة أنه لو رضي أن يعطيه القيمة أخذها. وفي العناية من باب العشر: إذا مر بالخضروات على العاشر وأراد العاشر أن يأخذ من عينها لأجل الفقراء عند إباء المالك عن دفع القيمة لا يأخذ، وإنما قلنا لأجل الفقراء، لأنه لو أخذ من عينها ليصرف إلى عمالته جاز، وإنما قلنا عند إباء المالك عن دفع القيمة لأنه إذا أعطى القيمة لا كلام في جواز أخذه اه. ومثله في النهاية فافهم والله أعلم. باب الركاز قوله: (ألحقوه الخ) جواب سؤال تقدير: كان حق هذا الباب أن يذكر في السير، لان
346 المأخوذ فيه ليس زكاة وإنما يصرف مصارف الغنيمة كما في النهر ح. وقدمه على العشر لان العشر مؤنة فيها معنى القربة، والركاز قربة محضة ط. قوله: (منه من الركز) أي مأخوذ لا مشتق لان أسماء الأعيان جامدة ط. قوله: (بمعنى المركوز خبر بعد خبر للضمير: أي هو مشتق من الركز، وهو بمعنى المركوز، وليس نعتا للاثبات كما لا يخفي ح. قلت: ويحتمل كونه حالا من الركز: يعني أنه مأخوذ من الركز مرادا به اسم المفعول، وهذا أولى بناء على أن الركاز اسم جامد لا مصدر. قوله: (وشرعا الخ) ظاهره أنه ليس معنى لغويا. وفي المنح عن المغرب: هو المعدن أو الكنز، لان كلا منهما مركوز في الأرض إن اختلف الراكز اه. وظاهره أنه حقيقة فيهما مشترك اشتراكا معنويا وليس خاصا بالدفين اه. قال في النهر: وعلى هذا فيكون متواطئا، وهذا هو الملائم لترجمة المصنف، ولا يجوز أن يكون حقيقة في المعدن مجازا في الكنز لامتناع الجمع بينهما بلفظ واحد والباب معقود لهما اه ط قوله: (فلذا) أي لأجل عمومه ط. قوله: (من معدن) بفتح الميم وكسر الدال وفتحها. إسماعيل عن النووي. من العدن: وهو الإقامة، وأصل المعدن المكان بقيد الاستقرار فيه، ثم اشتهر في نفس الاجزاء المستقرة التي ركبها الله تعالى في الأرض يوم خلق الأرض حتى صار الانتقال من اللفظ إليه ابتداء فلا قرينة. فتح. قوله: (خلقي) بكسر الخاء أو فتحها نسبة إلى الخلقة أو الخلق ح. قوله: (وكنز) من كنز المال كنزا من باب ضرب جمعه تسمية بالمصدر كما في المغرب. قوله: (لأنه الذي يخمس) يعني أن الكنز في الأصل اسم للمثبت في الأرض بفعل إنسان كما في الفتح وغيره، والانسان يشمل المؤمن أيضا لكن خصه الشارح بالكافر لان كنزه هو الذي يخمس، أما كنز المسلم فلقطة كما يأتي. قوله: (وجد مسلم أو ذمي) خرج الحربي وسيأتي حكمه متنا. قوله: (ولو قنا صغيرا أنثى) لما في النهر وغيره أنه يعم ما إذا كان الواجد حرا أو لا، بالغا أو لا، ذكرا أو لا، مسلما أو لا. قوله: (نقد) أي ذهب أو فضة. بحر. قوله: (ونحو حديد) أي حديد ونحوه، وهو من عطف العام على الخاص ح. قوله: (وهو) أي نحو الحديد كل جامد ينطبع: أي يلين بالنار. قوله: (ومنه الزيبق) بالياء وقد تهمز، ومنهم حينئذ من يكسر الموحدة بعد الهمزة، كذا في الفتح، وهو ظاهر في أنها إذا لم تهمز فتحت، ثم هذا قول الإمام آخر وقول محمد، وكان أولا يقول: لا شئ عليه، وبه قال الثاني آخرا لأنهم بمنزلة القبر، والنفط: يعني المياه ولا خمس فيها. ولهما أنه يستخرج بالعلاج عن عينه وينطبع مع غيره فكان كالفضة. نهر: أي فإن الفضة لا تنطبع ما لم يخالطها شئ، فتح قال في النهر والخلاف في المصاف في معدنه، أما الموجود في خزائن الكفار ففيه الخمس اتفاقا. قوله: (فخرج المائع) أي بالتقييد بجامد، وقوله: وغير المنطبع أي بالتقييد بينطبع فلا يخمس شئ من هذين القسمين وبه ظهر أن المعدن كما في القهستاني وغيره ثلاثة أقسام: منطبع
347 كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد. ومائع كالماء والملح والقير والنفط. وما ليس شيئا منهما كاللؤلؤ والفيروزج والكحل والزاج وغيرها كما في المبسوط والتحفة وغيرهما. لكن المطرزي خصه بالحجرين، والظاهر أنه في الأصل اسم لمركز كل شئ اه. قوله: (كنفط) بكسر النون وقد تفتح. قاموس. وهو دهن يعلو الماء كما سيذكره الشارح في باب العشر ح. قوله: (وقار) القار والقير والزفت: شئ يطلى به السفن. قوله: (كمعادن الأحجار) كالجص والنورة، والجواهر كاليواقيت والفيروزج والزمرد فلا شئ فيها. بحر. قوله: (في أرض خراجية أو عشرية) متعلق بوجد، وسيأتي بيانهما في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. قال ح: واعلم أن الأرض على أربعة أقسام: مباحة، ومملوكة لجميع المسلمين، ومملوكة لمعين، ووقف. فالأول لا يكون عشريا ولا خراجيا. وكذا الثاني كأراضي مصر الغير الموقوفة فإنها وإن كانت خراجية الأصل إلا أنها آلت إلى بيت المال لموت المالك من غير وارث كما صرح به صاحب البحر في التحفة المرضية في الأراضي المصرية والثالث والرابع إما عشري أو خراجي. ثم إن الخمس في المباحة لبيت المال والباقي للواجد. وأما الثاني وهو المملوكة لغير معين فلم أر حكمه. والذي يظهر لي أن الكل لبيت المال، أما الخمس فظاهر، وأما الباقي فلوجود المالك وهو جميع المسلمين فيأخذه وكيلهم وهو السلطان، وأما الثالث وهو المملوكة لمعين فالخمس فيه لبيت المال والباقي للمالك. وأما الرابع وهو الوقف فالخمس فيه لبيت المال أيضا كما نقله الحموي عن البرجندي ولم يعلم من عبارته حكم باقيه، والذي يظهر لي أنه للواجد كما في الأول لعدم المالك، فليحرر اه. قلت: وفيه بحث من وجوه: أما أولا فقوله: إن المباح لا يكون عشريا ولا خراجيا، فيه نظر لما صرح به في الخانية والخلاصة وغيرهما من أن أرض الجبل الذي لا يصل إليه الماء عشرية. وأما ثانيا فإن قوله: والثالث والرابع إما عشري أو خراجي فيه نظر، فقد ذكر الشارح في باب العشر والخراج أن الأرض المشتراة من بيت المال إذا وقفها مشتريها أو لم يوقفها فلا عشر فيها ولا خراج، لكن فيه كلام نذكره في الباب الآتي. وأما ثالثا فجعله الموقوفة كالمباحة في كون الباقي عن الخمس للواجد فيه نظر أيضا لان الوقف هو حبس العين على ملك الواقف عند الامام أو على حكم ملك الله تعالى عندهما والتصدق بالمنفعة، وليس المعدن منفعة بل هو من أجزاء الأرض التي كانت ملكا للواقف، ثم حبسها فهو بمنزلة نقض الوقف. وقد صرحوا بأن النقض يصرف إلى عمارة الوقف إن احتاج، وإلا حفظه للاحتياج، ولا يصرف بين المستحقين لان حقهم في المنافع لا في العين، فإذا لم يكن فيه حق للمستحقين فكيف يملكه الأجنبي، إلا أن يدعي الفرق بين المعدن والنقض، فليتأمل. وأما رابعا فإن إيجابه الخمس في المملوكة لمعين مخالف لما مشى عليه المصنف من أنه لا شئ في الأرض المملوكة كما يأتي. تنبيه: قال في فتح القدير: قيد بالخراجية والعشرية ليخرج الدار فإنه لا شئ فيها، لكن ورد عليه الأرض التي لا وظيفة فيها كالمفازة، إذ يقضي أنه لا شئ في المأخوذ منها وليس كذلك، فالصواب أن لا يجعل ذلك لقصد الاحتراز بل للتنصيص على أن وظيفتهما المستمرة لا تمنع الاخذ مما
348 يوجد فيهما اه. وأجاب في النهر بما يشير إليه الشارح، وهو أنه يصح جعله للاحتراز عن الدار ويعلم حكم المفازة بالأولى، لأنه إذا وجب في الأرض مع الوظيفة فلان يحب لا في الخالية عنها أولى اه. وأقول: يمكن الجواب بأن المراد بالعشرية والخراجية ما تكون وظيفتها العشر أو الخراج سواء كانت بيد أحد أو لا، فشمل المفازة وغيرها بدليل ما قدمناه عن الخانية من أن أرض الجبل عشرية، فيكون المراد الاحتراز بها عن دار الحرب، ويدل عليه أنه في متن درر البحار عبر بمعدن غير الحرب، فعلم أنا لمراد معدن أرضنا، ولهذا قال القهستاني بعد قوله في أرض خراج أو عشر الأخضر في أرضنا سواء كانت جبلا أو سهلا مواتا أو ملكا، واحترز به عن داره وأرضه وأرض الحرب اه. ثم رأيت عين ما قلته في شرح الشيخ إسماعيل حيث قال: ويحتمل أن يكون احترازا عما وجد في دار الحرب، فإن أرضها ليست أرض خراج أو عشر، والمراد بأرض الخراج أو العشر أعم من أن تكون مملوكة لاحد أو لا، صالحة للزراعة أو لا، فيدخل فيه المفاوز وأرض الموات، فإنها إذا جعلت صالحة للزراعة كانت عشرية أو خراجية اه. قلت: وعلى هذا فيدخل في الخراجية والعشرية جميع أقسام الأرض المارة فإن في معدنها الخمس، لكن سيصرح المصنف بإخراج الموجود في داره أو أرضه فإنه لا خمس فيه، فافهم. قوله: (خرج الدار لا المفازة الخ) إشارة إلى ما قدمناه آنفا عن النهر. وعلى ما قررناه لا حاجة إلى دعوى الأولوية ولا إلى التعرض لاخراج الدار، لان المصنف سينبه على إخراجها. على أنه كان عليه حيث تعرض للدار أن يتعرض للأرض، فإنها وإن كانت مملوكة تكون خراجية أو عشرية، مع أنه لا خمس في معدنها كما يأتي إلا أن يقال: تركه لان فيها روايتين. تأمل. قوله: (خمس) مبني للمجهول من خمس القوم: إذا أخذ خمس أموالهم من باب طلب. بحر عن المغرب. قوله: (مخففا) لان التشديد غير سديد، إذ لا معنى لكونه يجعله خمسة أخماس فقط. نهر: أي لان المراد أخذ الخمس من المعدن لا مجرد جعله أخماسا. قوله: (لحديث الخ) أي قوله عليه الصلاة والسلام: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس (1) أخرجه الستة، كذا في الفتح. وقال في بيان دلالته على المطلوب: إن الركاز يعم المعدن والكنز على ما حققناه فكان إيجابا فيهما، ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطفه عليه بعد إفادة أنه جبار: أي هدر لا شئ فيه للتناقض، فإن الحكم المعلق بالمعدن ليس هو المعلق به في ضمن الركاز ليختلف بالسلب والايجاب، إذ المراد به أن هلاكه أو الهلاك به للأجير الحافر له غير مضمون، لا أنه لا شئ فيه نفسه، وإلا لم يجب شئ أصلا وهو خلاف المتفق عليه. فحاصله أنه أثبت للمعدن بخصوصه حكما، فنص على خصوص اسمه، ثم أثبت له حكما
(1) قال الإمام أبو يوسف في كتابه المسمى بالخراج: حدثني عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله وإذا قتلته دابة جعلوها عقله وإذا قتله معدن جعلوه عقله فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (العجماء جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس فقيل: ما الركاز يا رسول الله؟ فقال الذهب والفضة الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقت) ا ه منه. 349 آخر مع غيره، فعبر بالاسم الذي يعمهما ليثبت فيهما اه ملخصا. ونقله في النهر أيضا، فافهم. قوله: (قوله وباقيه لمالكها الخ) كذا في الملتقى والوقاية والنقاية والدرر والاصلاح، ولم يذكره في الهداية وشروحها وفي الكنز وشروحه ولا في درر البحار والمواهب والاختيار والجامع الصغير، وهذا هو الظاهر، فإن من ذكر هذه العبارة قال بعدها: وفي أرضه روايتان: أي في وجوب الخمس، فهذا يدل على أن المراد بالخراجية والعشرية غير المملوكة، وأغرب من ذلك أن المصنف اقتصر على رواية عدم الوجوب فقال: ولا شئ فيه إن وجده في داره وأرضه، فناقض أول كلامه آخر، فإن أرضه لا تخرج عن كونها عشرية أو خراجية كما يأتي، وقد جزم أولا بوجوب الخمس فيها. والحاصل: أن معدن الأرض المملوكة جميعه للمالك، سواء كان هو الواجد أو غيره، وهذا رواية الأصل الآتية. وفي رواية الجامع: يجب فيه الخمس وباقيه للمالك مطلقا، فقوله: ولا شئ في أرضه ينافي قوله: وباقيه لمالكه فلذا قال الرحمتي: إن صدر كلامه مبني على إحدى الروايتين وآخره على الأخرى. قلت: وذكر نحو القهستاني، ورأيت في حاشية السيد محمد أبي السعود أن الصواب حمل المملوكة هنا على المملوكة لغير الواجد، فلا ينافي ما بعده، لان المراد به الأرض المملوكة للواجد اه. قلت: يؤيد هذا تعبير المصنف كصاحب الكنز بأرضه، فإنه يفيد أن المراد أرض الواجد، لكن ينافيه أن صاحب البدائع لم يعبر بالخراجية والعشرية، بل قال ابتداء، فإن وجده في دار الاسلام في أرض غير مملوكة يجب فيه الخمس، وإن وجده في دار الاسلام في أرض مملوكة أو دار أو منزل أو حانوت فلا خلاف في أن أربعة الأخماس لصاحب الملك وحده، هو أو غيره لان المعدن من توابع الأرض لأنه من أجزائها، وإذا ملكها المختلط له بتمليك الامام ملكها بجميع أجزائها، فتنتقل عنه إلى غيره بتوابعها أيضا. واختلف في وجوب الخمس الخ فقوله: فلا خلاف الخ صريح في أنه لا فرق فيه بين المملوكة للواجد أو غيره، فإن قوله: هو أو غيره يرجع إلى الواجد، فكل من الخلاف في وجوب الخمس، والاتفاق على أن الباقي للمالك إنما هو في المملوكة للواجد أو غيره، ولا وجه لوجوب الخمس إذا كان الواجد غير المالك، وعدمه إذا كان هو المالك لاتحاد العلة فيهما، وهي كون المالك ملكها بجميع أجزائها ووقع التعبير بقوله هو أو غيره في عبارة البحر أيضا، وسنذكر في توجيه الروايتين ما هو كالصريح في عدل الفرق، والله تعالى أعلم. قوله: (وإلا كجبل ومفازة) جعله ذلك مما صدقات الأرض العشرية والخراجية يصح على جوابنا السابق بأنه أراد بها ما تكون وظيفتها العشر أو الخراج إذا استعملت، فافهم. قوله: (والمعدن) قيد به احترازا عن الكنز، فإنه يخمس ولو في أرض مملوكة لاحد أو في داره لأنه ليس من أجزائها كما في البدائع، ويأتي. قوله: (في داره وحانوته) أي عند أبي حنيفة خلافا لهما ملتقى. قوله: (في رواية الأصل الخ) راجع لقوله: وأرضه قال في غاية البيان: وفي الأرض المملوكة روايتان عن أبي حنيفة: فعلى رواية الأصل لا فرق بين الأرض والدار حيث لا شئ فيهما، لان الأرض لما انتقلت إليه انتقلت بجميع أجزائها، والمعدن من
350 تربة الأرض فلم يجب فيه الخمس لما ملكه كالغنيمة إذا باعها الامام من إنسان سقط عنها حق سائر الناس لأنه ملكها ببدل، كذا قال في الجصاص. وعلى رواية الجامع الصغير بينهما فرق، ووجهه أن الدار لا مؤنة فيها أصلا فلم تخمس فصار الكل للواجد، بخلاف الأرض، فإن فيها مؤنة الخراج والعشر فتخمس اه. قوله: (واختارها في الكنز) أي حيث اقتصر عليها كالمصنف وأراد بذلك بيان أنها الأرجح، لكن في الهداية قال: عن أبي حنيفة روايتان، ثم ذكر وجه الفرق بين الأرض والدار على رواية الجامع الصغير ولم يذكر وجه رواية الأصل، وربما يشعر هذا باختيار رواية الجامع. وفي حاشية العلامة نوح أن القياس يقتضي ترجيحها لامرين: الأول أن رواية الجامع الصغير تقدم على غيرها عند المعارضة. الثاني أنها موافقة لقول الصاحبين، والاخذ بالمتفق عليه في الرواية أولى. والحاصل: أن الامام فرق في وجوب الخمس بين المعدن والكنز، وبين المفازة والدار، وبين الأرض المباحة والمملوكة، وهما لم يفرقا بين ذلك في الوجوب. قوله: (وزمرد) بالضمات وتشديد الراء وبالذال المعجمة آخره: الزبرجد كما في القاموس. قوله: (وفيروزج) معرب فيروز، أجوده الأزرق الصافي اللون لم ير قط في يد قتيل، وتمامه في إسماعيل. قوله: (ونحوها) أي من الأحجار التي لا تنطبع. قوله: (أي في معادنها) أي الموجودة فيها بأصل الخلقة، فالجبل غير قيد قوله: (ولو وجدت) محترز قوله: في معادنها وقوله: دفين حال بمعنى مدفون، واحترز بدفين الجاهلية عن دفين الاسلام. وقوله: أي كنز أشار به إلى أن حكمه ما يأتي في الكنوز. قوله: (لكونه غنيمة) فإنه كان في أيدي الكفار وحوته أيدينا. بحر. قوله: (كيف كان) أي سواء كان من جنس الأرض أو لا بعد أن كان مالا متقوما. بحر ويستثنى مه كنز البحر كما يأتي. قوله: (إن كان ينطبع) أما المائع وما لا ينطبع من الأحجار فلا يخمس كما مر. قوله: (هو مطر الربيع) أي أصله منه، قال القهستاني: هو وجهر مضئ يخلقه الله تعالى من مطر الربيع الواقع في الصدف الذي قيل إنه حيوان من جنس السمك يخلق الله تعالى اللؤلؤ كما في الكرماني. قوله: (حشيش الخ) قال الشيخ داود الأنطاكي في تذكرته: الصحيح أنه عيون بقعر البحر تقذف دهنية، فإذا فارت على وجه الماء جمدت فيلقيها البحر على الساحل اه. قوله: (ولو ذهبا) لو وصلية، وقوله كان كنزا نعت لقوله ذهبا أي ولو كان ما يستخرج من البحر ذهبا مكنوزا بصنع العباد في قعر البحر فإنه لا خمس فيه وكله للواجد، والظاهر أن هذا مخصوص فيما ليس عليه علامة الاسلام ولم أره، فتأمل. قوله: (لأنه لم يرد عليه القهر الخ) حاصله: أن محل الخمس الغنيمة، والغنيمة ما كانت للكفرة ثم تصير للمسلمين بحكم القهر والغلبة، وباطن البحر لم يرد عليه هو فلم يكن غنيمة. قاضيخان. قوله: (سمة الاسلام) بالكسر وهي في الأصل أثر الكي، والمراد بها العلامة، وذلك كتابة كلمة الشهادة أو نقش آخر معروف للمسلمين. قوله: (نقدا أو غيره) أي من السلاح والآلات وأثاث المنازل
351 والفصوص والقماش. بحر. قوله: (فلقطة) لان مال المسلمين لا يغنم. بدائع. قوله: (سيجئ حكمها) وهو أنه ينادي عليها في أبواب المساجد والأسواق إلى أن يظن عدم الطلب، ثم يصرفها إلى نفسه إن فقيرا، وإلا فإلى فقير آخر بشرط الضمان ح. قوله: (سمة الكفر) كنقش صنم أو اسم ملك من ملوكهم المعروفين. بحر. قوله: (خمس) أي سواء كان في أرضه أو أرض غيره أو أرض مباحة. كفاية. قال قاضيخان: وهذا بلا خلاف، لان الكنز ليس من أجزاء الدار فأمكن إيجاب الخمس فيه، بخلاف المعدن. قوله: (أول الفتح) ظرف للمالك: أي المختلط له وهو من خصه الامام بتمليك الأرض حين فتح البلد. قوله: (على الأوجه) قال في النهر: فإن لم يعرفوا: أي الورثة، قال السرخسي: هو لأقصى مالك للأرض أو لورثته، وقال أبو اليسر: يوضع في بيت المال، قال في الفتح: وهذا أوجه للمتأمل اه. وذلك لما في البحر من أن الكنز مودع في الأرض، فلما ملكها الأول ملك ما فيها ولا يخرج ما فيها عن ملكه ببيعها كالسمكة في جوفها درة. قوله: (وهذا إن ملكت أرضه) الإشارة إلى قوله: وباقية للمالك وهذا قولهما، وظاهر الهداية وغيرها ترجيحه، لكن في السراج: وقال أبو يوسف: الباقي للواجد كما في أرض غير مملوكة وعليه الفتوى اه. قلت: وهو حسن في زماننا لعدم انتظام بيت المال، بل قال ط: إن الظاهر أن يقال: أي على قولهما إن للواجد صرفه حينئذ إلى نفسه إن كان فقيرا، كما لو قالوا في بنت المعتق إنها تقدم عليه ولو رضاعا ويدل عليه ما في البحر عن المبسوط: ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين، وإذا طلع الامام على ذلك أمضى له ما صنع لان الخمس حق للفقراء وقد أوصله إلى مستحقه، وهو في إصابة الركاز غير محتاج إلى الحماية فهو كزكاة الأموال الباطنة اه. تنبيه: في البحر عن المعراج أن محل الخلاف ما إذا لم يدعه مالك الأرض، فإن ادعى أنه ملكه فالقول له اتفاقا. قوله: (وإلا للواجد) أي وإن لم تكن مملوكة كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه وباقيه للواجد مطلقا. بحر. قوله: (لأنهم من أهل الغنيمة) لان الامام يرضخ لهم. رحمتي. قوله: (في المفاوز) فلو في أرض مملوكة فالباقي للمختلط له على ما مر من الخلاف. أفاده إسماعيل. قوله: (فهو واجد) ظاهره أنه لا شئ عليه للآخر، وهذا ظاهر فيما إذا حفر أحدهما مثلا، ثم جاء آخر وأتم الحفر واستخرج الركاز، أما لو اشتركا في طلب ذلك فسيذكر في باب الشركة الفاسدة أنها لا تصح في احتشاش واصطياد واستقاء وسائر مباحات كإجتناء ثمار من جبال
352 وطلب معدن من كنز وطبخ آجر من طين مباح لتضمنها الوكالة، والتوكيل في أخذ المباح لا يصح، وما حصله أحدهما فله، وما حصلاه معا فلهما نصفين إن لم يعلم ما لكل، وما حصله أحدهما بإعانة صاحبه فله، ولصاحبه أجر مثله بالغا عند محمد، وعند أبي يوسف: لا يجاوز به نصف ثمن ذلك اه. قوله: (فهو للمستأجر) سيذكر المصنف في باب الإجارة الفاسدة: استأجر ليصيد له أو يحتطب، فإن وقت لذلك وقتا جاز، وإلا لا، إلا إذا عين الحطب وهو ملكه اه. وكتب ط هناك على قوله: وإلا لا: أن الحطب للعامل. قلت: ومقتضاه أن الركاز هنا للعامل أيضا إذا لم يوقتا، لأنه إذا فسد الاستئجار بقي مجرد التوكيل، وعلمت أن التوكيل في أخذ المباح لا يصح، بخلاف ما إذا حصله أحدهما بإعانة الآخر كما مر فإن للمعين أجر مثله لأنه عمل له غير متبرع، هذا ما ظهر لي، فتأمله. قوله: (ذكره الزيلعي) ومثله في الهداية. قوله: (لأنه الغالب) لان الكفار هم الذين يحرصون على جمع الدنيا وادخارها ط. قوله: (وقيل كاللقطة) عبارة الهداية: وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد اه: أي فالظاهر أنه لم يبق شئ من آثار الجاهلية، ويجب البقاء مع الظاهر ما لم يتحقق خلافه، والحق منع هذا الظاهر، بل دفينهم إلى اليوم يوجد بديارنا مرة أخرى، كذا في فتح القدير: أي وإذا علم أن دفينهم باق إلى اليوم انتفى ذلك الظاهر. قلت: بقي أن كثيرا من النقود التي عليها علامة أهل الحرب يتعامل بها المسلمون، والظاهر أنها من قسم المشتبه، إلا إذا علم أنها من ضرب الجاهلية الذين كانوا قبل فتح البلدة. تأمل. ثم رأيت في شرح النقاية لمله علي القارئ، قال: وأما مع اختلاط دراهم الكفار مع دراهم المسلمين كالمشخص المستعمل في زماننا فلا ينبغي أن يكون خلاف في كون إسلاميا اه. قوله: (معدنا كان أو كنزا) وتقييد القدوري بالكنز لكون الخلاف فيه، فإن شيخ الاسلام أوجب فيه الخمس فيعلم حكم المعدن بالأولى بعدم الخلاف فيه كما في البحر عن المعراج. قوله: (لأنه كالمتلصص) قال في الهداية: فهو له لأنه: أي ما في صحرائهم ليس في يد أحد على الخصوص، فلا يعد غدرا ولا شئ فيه لأنه بمنزلة متلصص. قوله: (ولذا) الإشارة لما أفهمه. قوله: (لأنه كالمتلصص) من أنه لا يخمس إلا إذا كان بالقهر والغلبة كما صرح به بعده بقوله: لكونه غنيمة. قوله: (وإن وجده الخ) حاصله أنه إن وجده في أرضهم الغير المملوكة فالكل للواجد بلا فرق بين المستأمن وغيره، وهذا ما مر، أما لو وجده في المملوكة فإن كان غير مستأمن: فالكل له أيضا، وإلا وجب رده للمالك. قوله: (أي الركاز) يعم الكنز والمعدن وما في البرجندي من تقييد بالكنز، فكأنه مبني على ما مر عن القدوري. تأمل. قوله: (لكن لا يطيب للمشتري) بخلا ف ما إذا اشترى رجل شيئا شراء فاسدا
353 ثم باعه فإنه يطيب للمشتري الثاني لامتناع الفسخ حينئذ ح عن البحر، فليتأمل. قوله: (ولا يخمس) إلا إذا كانوا جماعة ذوي منعة لكونه غنيمة كما تقدم ويأتي. قوله: (قوله لما مر) أي من أنه كالمتلصص كما في الدرر عن غاية البيان. قوله: (وما في النقاية) أي لمحقق صدر الشريعة، وكذا في الوقاية لجده تاج الشريعة، وعبارة الوقاية: وإن وجد ركاز متاعهم في أرض منها لم تملك خمس اه. قال في الدرر: إنه غير صحيح لما صرح به شراح الهداية وغيرهم: إن الخمس إنما يجب فيما يكون في معنى الغنيمة، وهو ما كان في يد أهل الحرب وقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل، والمذكور في الوقاية ليس كذلك، لان المستأمن كالمتلصص، والأرض من دار الحرب لم تقع في أيدي المسلمين، فالصواب أن يقطع لفظ وجد عما قبله ويقرأ على البناء للمفعول ويترك لفظ منها وتضاف الأرض إلى المسلمين اه. وأجاب في الشرنبلالية بأن وجد مبني للمفعول ونائب فاعله محذوف: أي ذوو منعة لا المستأمن، والتقييد بقوله: لم تملك يعلم منه المملوكة بالأولى اه. قوله: (إلا أن يحمل الخ) هذا الحمل صحيح في عبارة قوله: (النقاية)، لأنه ليس فيها لفظة منها: أي من دار الحرب، بخلاف عبارة الوقاية إلا بما مر عن الشرنبلالية. والحاصل: أن المسألة في عبارة الوقاية مفروضة فيما إذا كان المتاع في أرض غير مملوكة من دار الحرب والواجد ذو منعة فيجب الخمس، وفي عبارة النقاية: فيما إذا كانت الأرض من دار الاسلام والواجد رجل منا ولا يصح أن يكون فاعل وجد المستأمن، لان مستأمنهم لا يستحق شيئا إلا بالشرط كما مر، والمسلم لا يكون مستأمنا في دار الاسلام، ثم إن هذه المسألة على العبارتين قد علمت مما مر، وفائدة ذكرها ما أشار إليه الشارح أولا وصرح به في العناية وغيرها، وهو أن وجوب الخمس لا يتفاوت بين أن يكون الركاز من النقدين أو غيرهما كالمتاع، وهو كما في اليعقوبية ما يتمتع به في البيت من الرصاص والنحاس وغيرهما. قوله: (لنفسه) أي إن كان محتاجا ولا تغنيه الأربعة الأخماس بأن كان دون المائتين، أما إذا بلغ مائتين فلا يجوز له تنازل الخمس. بحر عن البدائع. قلت: لكن فيه أنه قد يبلغ مائتين فأكثر، ولا يغنيه كمديون بمائتين مثلا، فالأولى الاقتصار على الحاجة. وفي كافي الحاكم: ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين، فإذا اطلع الامام على ذلك أمضى له ما صنع، وإن كان محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه، وإن تصدق بالخمس على أهل الحاجة من آبائه وأولاده جاز ذلك، وليس هذا بمنزلة عشر الخارج من الأرض اه.
354 باب العشر هو واحد الاجزاء العشرة، والمراد به هنا ما ينسب إليه لتشمل الترجمة نصف العشر، وضعفه حموي وذكره في الزكاة لأنه منها. قال في الفتح: قيل إن تسميته زكاة على قولهما لاشتراطهما النصاب والبقاء، بخلاف قوله وليس بشئ، إذ لا شك أنه زكاة حتى يصرف مصافرها، واختلافهم في إثبات بعض شروط لبعض أنواع الزكاة ونفيها لا يخرجه عن كونه زكاة اه. واستظهر في النهر قول العناية: إن تسميته زكاة مجاز، وأيد الشيخ إسماعيل الأول بأنه يجب فيما لا يؤخذ منه سواه، ولا يجامع الزكاة، وبتسميته في الحديث صدقة واختلافهم في وجوبه على الفور أو التراخي كما في الزكاة اه والكلام هنا في عشرة مواضع بسطها في البحر. قوله: (يجب العشر) ثبت ذلك بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول: أي يفترض لقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * فإن عامة المفسرين على أنه العشر أو نصفه، وهو مجمل بينه قوله (ص): ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر واليوم ظرف للحق لا للايتاء، فلا يرد أنه لو كان المراد ذلك فزكاة الحبوب لا تخرج يوم الحصاب بل بعد التنقية والكيل ليظهر مقدارها، على أنه عند أبي حنيفة يجب العشر في الخضروات، ويخرج حقها يوم الحصاد: أي القطع. بدائع ملخصا. قوله: (في عسل) بغير تنوين، فإن قوله: وإن قل معترض بين المضاف والمضاف إليه ولا حاجة إليه، فإن قوله، بلا شرط نصاب مغن عنه كما نبه عليه بقوله راجع للكل ح. وصرح بالعسل إشارة إلى خلاف مالك والشافعي حيث قالا ليس فيه شئ لأنه متولد من حيوان فأشبه الإبريسم، ودليلنا مبسوط في الفتح. قوله: (أرض غير الخراج) أشار إلى أن المانع من وجوبه كون الأرض خراجية، لأنه لا يجتمع العشر والخراج فشمل العشرية، وما ليست بعشرة ولا خراجية كالجبل والمفازة، لكن قدمنا عن الخانية وغيرها، أن الجبل عشري، وقدمنا أيضا أن المراد أنه لو استعمل فهو عشري، هذا وقيد الخير الرملي الأرض الخراجية بالخراج الموظف لأنه المراد عند الاطلاق. قال: فلو وجد في أرض خراج المقاسمة ففيه مثل ما في التمر الموجود فيها اه. لكن الكلام هنا في نفي وجوب العشر، وهو غير واجب في الخراجية مطلقا كما أفاده الرحمتي. واستفيد أن الخراج قسمان خراج مقاسمة، وهو ما وضعه الامام على أرض فتحها ومن على أهلها بها من نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه، وخراج وظيفة مثل الذي وظفه عمر رضي الله تعالى عنه على أرض السواد لكل جريب يبلغه الماء صاع بر أو شعير كما سيأتي تفصيله في الجهاد إن شاء الله تعالى، ويأتي هنا بعض أحكامها. قوله: (في ثمرة جبل) يدخل فيه القطن، لان الثمر اسم لشئ متفرع من أصل يصلح للاكل واللباس كما في الكرماني. وفي القاموس إنه اسم لحمل الشجر، والمشهور ما في المفردات أنه اسم لكل ما يستطعم من أحمال الشجر، ويجب العشر، ولو كان الشجر غير مملوك ولم يعالجه أحد وخرج ثمرة شجر في دار رجل، ولو بستانا في داره لأنه للدار، كذا في الخانية. ط عن القهستاني. قوله: (إن حماه الامام) الضمير عائد إلى المذكور وهو
355 العسل والثمرة، والظاهر أن المراد الحماية من أهل الحرب والبغاة وقطاع الطريق، لا عن كل أحد، فإن ثمر الجبال مباح لا يجوز منع المسلمين عنه، وقال أبو يوسف: لا شئ فيما يوجد في الجبال، لان الأرض ليست مملوكة، ولهما أن المقصود من ملكها النماء وقد حصل اه ح. قوله: (لأنه مال مقصود) أي مقصود للامام بالحفظ اه ط. أو مقصود بالأخذ فلذا تشترط حمايته حتى يجب فيه العشر لان الجباية بالحماية، فهو علة لاشتراط الجباية أو من جنس ما يقصد به استغلال الأرض فهو علة للوجوب. تأمل. قوله: (أي مطر) سمي بذلك مجازا، من تسمية الشئ باسم ما يجاوره أو يحل فيه. بهر. قوله: (وسيح) بالسين والحاء المهملتين بينهما مثناة تحتية. قال في المغرب: ساح الماء سيحا: جرى على وجه الأرض، ومنه ما سقي سيحا: يعني ماء الأنهار والأودية اه. قوله: (بلا شرط نصاب) فيجب فيما دون النصاب بشرط أن يبلغ صاعا، وقيل نصفه، وفي الخضروات التي لا تبقى وهذا قول الإمام، وهو الصحيح كما في التحفة، وقالا: لا يجب إلا فيما له ثمرة باقية حولا بشرط أن يبلغ خمسة أوسق إن كان مما يوسق، والوسق ستون صاعا كل صاع أربعة أمناء، وإلا فحتى يبلغ قيمة نصاب من أدنى الموسوق عند الثاني، واعتبر الثالث خمسة أمثال مما يقدر به نوعه، ففي القطن خمسة أحمال، وفي العسل أفراق، وفي السكر أمناء. وتمامه في النهر. قوله: (وحولان حول) حتى لو أخرجت الأرض مرارا وجب في كل مرة، لاطلاق النصوص عن قيد الحول، ولان العشر في الخارج حقيقة فيتكرر بتكرره، وكذا خراج المقاسمة لأنه في الخارج، فأما خراج الوظيفة فلا يجب في السنة إلا مرة، لأنه ليس في الخارج بل في الذمة. بدائع. قوله: (لان فيه معنى المؤنة) أي في العشر، معنى مؤنة الأرض: أي أجرتها فليس بعبادة محضة ط. قوله: (أخذه جبرا) ويسقط عن صاحب الأرض كما لو أدى بنفسه، إلا أنه إذا أدى بنفسه يثاب ثواب العبادة، وإذا أخذه الامام يكون له ثواب ذهاب ما له في وجه الله تعالى. قوله: (وفي أرض صغير ومجنون ومكاتب) من مدخول العلة فلا يشترط في وجوبه العقل والبلوغ والحرية. قوله: (ووقف) أفاد أن ملك الأرض ليس بشرط لوجوب العشر، وإنما الشرط ملك الخارج، لأنه يجب في الخارج لا في الأرض، فكان ملكه لها وعدمه سواء. بدائع. مطلب مهم في حكم أراضي مصر والشام السلطانية قلت: هذا ظاهر فيما إذا زرعها أهل الوقف، أما إذا زرعها غيرهم بالأجرة فيجري فيه الخلاف الآتي في الأرض المستأجرة، وفي حكم ذلك أراضي مصر والشام السلطانية، فإنها في الأصل كانت خراجية أما الآن فلا، فقد صرفي فتح القدير في أرض مصر بأن المأخوذ الآن منها أجرة لا خراج. قال: ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع كأنه لموت المالكين بلا وارث فصارت لبيت المال اه. وكذا أراضي الشام كما في جهاد شرح الملتقى، لكن في كونها كلها صارت لبيت المال بحث سنذكره في باب العشر والخراج إن شاء الله تعالى، وحيث صارت لبيت المال سقط عنها الخراج لعدم من يجب عليه، وهل على زراعها عشر أم لا؟ سنتكلم عليه في هذا الباب.
356 ثم اعلم أنه إذا باعها الامام بشرطه (1) لم يجب على المشتري خراج، لأنه بعد أخذ الثمن لبيت المال لا يمكن أن تكون المنفعة كلها له أو بعضها، ولان المسلم لا يجوز وضع الخراج عليه ابتداء وإن جاز بقاء، ولان الساقط لا يعود، كذا قاله ابن نجيم في التحفة المرضية، وقال أيضا: إنه لا يجب فيها العشر أيضا، قال: لأني لم أر نقلا في ذلك. قلت: وفيه نظر لما علمت أن الشرط ملك الخارج، لأنه يجب فيه لا في الأرض حتى وجب في الخارج من أرض الصغير والمجنون والمكاتب والوقف، ولان سببه الأرض النامية بالخارج تحقيقا، ولا يلزم من سقوط الخراج المتعلق بالأرض سقوط العشر المتعلق بالخارج، والثمن المأخوذ لبيت المال هو بدل الأرض لا بدل الخارج، على أنه قد ينازع في سقوط الخراج حيث كانت من أرض الخراج، أو سقيت بمائة بدليل أن الغازي الذي اختط له الامام دارا لا شئ عليه فيها، فإذا جعلها بستانا وسقاها بماء العشر، فعليه العشر أو بماء الخراج، فعليه الخراج كما يأتي، فإن وضع الخراج عليه ابتداء بالتزامه جائز ولا يلزم من سقوطه حين صارت لبيت المال لعدم من يجب عليه أن لا يجب حين وجد التزام المشتري بسقيه ما اشتراه بماء الخراج، لان ذلك بسبب حادث، كما آجر داره لرجل مدة ثم انقضت المدة فإن أجرتها تسقط لعدم من تجب عليه، فإذا آجرها لآخر تجب الأجرة ثانيا، وعلى فرض سقوط الخراج لا يسقط العشر، فإن الأرض المعدة للاستغلال لا تخلو من أحدى الوظيفتين لما ذكرنا من مسألة الدار، وحيث تحقق السبب والشرط مع قيام ما قدمناه من ثبوته بالكتاب والسنة والاجماع، وهو دليل الوجوب الشامل للأرض المشتراة المذكور، ومع إطلاق قول الفقهاء يجب العشر في مسقى سماء وسيح، ونصفه في مسقى غرب ودالية، فلا حاجة إلى نقل في خصوص ذلك حيث تحقق ما ذكرنا فيه، بل القول بعدم الوجوب يحتاج إلى نقل صريح. وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. قوله: مجازا (تقدم الكلام فيه). قوله: (إلا فيما لا يقصد الخ) أشار إلى أن ما اقتصر عليه المصنف كالكنز وغيره ليس المراد به ذاته بل لكونه من جنس ما لا يقصد به استغلال الأرض غالبا، وأن المدار على القصد حتى لو قصد بذلك وجب العشر كما صرح به بعده (قوله وقصب) هو كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا، والكعوب: العقد، والأنبوب: ما بين الكعبين، واحترز بالفارسي عن قصب السكر وقصب الذريرة، وهو قصب السنبل ففيهما العشر كما في الجوهرة. وفي المعراج: قصب العسل يجب العشر في عسله دون خشبه. شرنبلالية. قوله: (وتبن) بالباء الموحدة، قال في الفتح: غير أنه لو فصله قبل انعقاد الحب وجب العشر فيه لأنه صار هو المقصود، وعن محمد: في التبن إذا يبس العشر. قوله: (وسعف) بفتح السين والعين المهملتين: ورق جريد النخل الذي يتخذ منه الزنبيل والمراوح، وقد يقال للجريد نفسه، والواحدة سعفة. مغرب. قوله: (وقطران) بفتح
(1) قوله: (إذا باعها الامام بشرطه الخ) اي بشرط البيع اي مع وجود شرط صحته وهو وجود مسوغ لبيعها كاحتياج بيت مال المسلمين لبيعها وبدون مسوغ لا يصح بيعها لان أراضي بيت المال كعقار اليتيم لا يصح بيعه الا بمسوغ شرعي ا ه. 357 القاف أو كسرها مع سكون الطاء المهملة، وبفتح القاف وكسر الطاء: عصارة الأرز ونحوه، والأرز بفتح الهمزة وتضم: شجر الصنوبر، وبالتحريك: شجر الأرزن. قاموس. قوله: (وخطمي) نبت طيب الريح يخرج بالعراق ط. قوله: (وأشنان) بضم الهمزة وكسرها. قاموس. قوله: (وشجر وقطن) أما القطن نفسه ففيه العشر كما مر ط. قوله: (وباذنجان) عطف على قطن فلا يجب في شجره، ويجب في الخارج منه ط. قوله: (وبزر بطيخ وقثاء) أي كل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ والقثاء، لكونها غير مقصودة في نفسها. بحر: أي لأنه لا يقصد زراعة الحب لذاته، بل لما يخرج منه وهو الخضروات، وفيها العشر كما مر، قال في البدائع: الخضروات كالبقول والرطاب والخيار والبصل والثوم ونحوها اه. وفي البحر: ويجب في العصفر والكتاب وبزره لان كل واحد منها مقصود فيه. قوله: (وأدوية) في الخانية: ولا يجب العشر فيما كان من الأدوية كالموز والهليلج، ولا في الكندر اه. قوله: (كحلبة) بضم الحاء، وشونيز بضم الشين: الحبة السوداء. قاموس. قوله: (حتى لو أشغل أرضه بها يجب العشر) فلو استمنى أرضه بقوائم الخلاف وما أشبهه أو بالقصب أو الحشيش وكان يقطع ذلك ويبيعه كان فيه العشر. غاية البيان، ومثله في البدائع وغيرها. قال في الشرنبلالية: وبيع ما يقطعه ليس بقيد، ولذا أطلقه قاضيخان اه. قال الشيخ إسماعيل: ومثل الخلاف الحور بالمهملتين والصفصاف في بلادنا اه. والخلاف ككتاب وتشديده لحن: صنف من الصفصاف وليس به. قاموس. قوله: (غرب) بفتح المعجمة وسكون الراء. قوله: (ودالية) بالدال المهملة. قوله: (أي دولاب) في المغرب الدولاب بالفتح: المنجنون التي تديرها الدابة، والناعورة: ما يديرها الماء، والدالية: جذع طويل يركب تركيب مداق الأرز، وفي رأسه مغرفة كبيرة يستقي بها اه. وفي القاموس: الدالية المنجنون، والناعورة: شئ يتخذ من خوص يشد في رأس جذع طويل، والمنجنون الدولاب يستقى عليه اه. قوله: (لكثرة المؤنة) علة لوجوب نصف العشر فيما ذكر. قوله: (وقواعدنا لا تأباه) كذا نقله الباقاني في شرح الملتقى عن شيخه البهنسي، لان العلة في العدول عن العشر إن نصفه في مستقى غرب ودالية هي زيادة الكلفة كما علمت، وهي موجودة في شراء الماء، ولعلهم لم يذكروا ذلك، لان المعتمد عندا أن شراء الشرب لا يصح، وقيل إن تعارفوه صح وهل يقال عدم شرائه (1) يوجب عدم اعتباره أم لا؟ تأمل. نعم لو كان محرزا فإنه يملك، فلو اشترى ماء بالقرب أو في حوض ينبغي أن يقال: بنصف العشر لان كلفته ربما تزيد على السقي بغرب أو دالية. قوله: (اعتبر الغالب) أي أكثر السنة كما مر في السائمة والعلوفة زيلعي: أي إذا
(1) قوله: (وهل يقال عدم شرائه الخ) اي مع عدم شرب الشرب لعدم التعارف يوجب عدم اعتبار وجوب نصف العشر، بل للواجب العشر كاملا أو نقول وهل يقال عدم تعارف شراء الشرب يجب عدم اعتبار هذا الشراء بل يكون كالسيح المباح حتى يجب في الخارج من ارض سقيت به العشر كاملا وهو قريب من الأول أو تبقى العبارة على ظاهرها بدون تقدير ويكون المعنى انه إذا سقى ارضه يشرب الغير لكنه لم يشتره هل يكون هذا كالسقي بمباح أولا. ا ه. 358 أسامها في بعض السنة وعلفها في بعضها يعتبر الأكثر. قوله: (ولو استويا فنصفه) كذا في القهستاني عن الاختيار، لأنه وقع الشك في الزيادة على النصف فلا تجب الزيادة بالشك. قوله (وقيل ثلاثة أرباعه) قال في الغابة: قال به الأئمة الثلاثة، فيؤخذ نصف كل واحد من الوظيفتين ولا نعلم فيه خلافا اه: أي لان نصفه مسقي سيح ونصفه مسقي غرب، فيجب نصف العشر ونصف نصفه، ورجح الزيلعي الأول قياسا على السائمة إذا علفها نصف الحول فإنه تردد بين الوجوب وعدمه فلا يجب بالشك. قال في اليعقوبية: وفيه كلام، وهو أن الفرق بينهما ظاهر، لان في الأصل: أي المقيس عليه سبب الوجوب ليس بثابت يقينا، وهنا سببه ثابت يقينا، والشك في نقصان الواجب وزيادته باعتبار كثرة المؤنة وقلتها، فاعتبر الشبهان: شبه القليل وشبه الكثير، فليتأمل اه. قلت: فيه نظر، لان سبب الوجوب في السائمة موجود أيضا وهو ملك نصابها، وإنما الشك في الإسامة وهو شرط الوجوب لا سببه كما مر أول كتا ب الزكاة، وهنا أيضا وقع الشك في شرط وجوب الزيادة على النصف مع تحقق سبب أصل الوجوب وهو الأرض النامية بالخارج تحقيقا، فتدبر. قوله: (بلا رفع مؤن) أي يجب العشر في الأول ونصفه في الثاني بلا ربع أجرة العمال ونفقة البقر وكرى الأنهار وأجرة الحافظ ونحو ذلك. درر. قال في الفتح: يعني لا يقال بعدم وجوب العشر في قدر الخارج الذي بمقابلة المؤنة، بل يجب العشر في الكل لأنه عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة، ولو رفعت المؤنة كان الواجب واحدا وهو العشر دائما في الباقي، لأنه لم ينزل إلى نصفه إلا للمؤنة والباقي بعد رفع المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائما العشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعا فعلمنا أنه لم يعتبر شرعا عدم عشر بعض الخارج وهو القدر المساوي للمؤنة أصلا اه. وتمامه فيه. قوله: (وبلا إخراج البذر الخ) قيل: هذا زاده صاحب الدرر على ما في المعتبرات، وفيه نظر اه. وجوابه أنه داخل في قولهم ونحو ذلك الذي تقدم عن الدرر، وفي النهر وظاهر قول الكنز، ولا ترفع المؤن أنه لا فرق بين كون المؤنة عين الخارج أو لا. قال الصيرفي: ويظهر أنها إذا كانت جزءا من الطعام أن تجعل كالهالك، ويجب العشر في الباقي لأنه لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه فهو مضطر إلى إخراجه، لكن ظاهر كلامه الاطلاق اه. قوله: (لتصريحهم بالعشر) أي وبنصفه وضعفه ط. قوله: (ويجب ضعفه) أي ضعف العشر وهو الخمس. نهر. لان بني تغلب قوم من العرب نصارى تصالح عمر رضي الله عنه معهم على أن يأخذ منهم ضعف ما يؤخذ مناكما قدمناه قبيل باب زكاة المال. قال ط: ولم يفصلوا بين كون الأرض مسقية بغرب أو سيح، ومقتضى الصلح الواقع أن يؤخذ منهم ضعف المأخوذ منا مطلقا. قلت: ويؤيده قول الإمام قاضيخان في شرحه على الجامع الصغير في تعليل المسألة، لان يؤخذ من المسلم يؤخذ من التغلبي ضعفه. قوله: (وإن كان طفلا أو أنثى) بيان للاطلاق، لان العشر يؤخذ من أراضي أطفالنا ونسائنا فيؤخذ ضعفه من أراضي أطفالهم ونسائهم اه نوح. قال ح: وسواء كانت الأرض للتغلبي أصالة أو موروثة أو تداولتها الأيدي من تغلبي إلى تغلبي. قوله: (أو أسلم) أي
359 التغلبي وفي ملكه أرض تضعيفية فإنها تبقي وظيفتها عندهما، وعند أبي يوسف تعود إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف وهو الكفر اه ح. ومثله يقال فيما إذا ابتاعها منه مسلم ط. قوله: (أو ابتاعها من مسلم) أي إذا اشترى التغلبي أرضا عشرية من مسلم تصير تضعيفية عندهما، وعند محمد تبقى عشرية لان الوظيفة لا تتغير بتغير المالك اه ح. قوله: (أو ذمي) أي إذا اشترى الذمي أرضا تضعيفية من التغلبي تبقى تضعيفية اتفاقا ح. تنبيه: تخصيص الشراء بالذكر مبني على الغالب، وإلا فكل ما فيه انتقال الملك فكذلك في الحكم. إسماعيل عن البرجندي. قوله: (فلا يتبدل) هذا في الخراج مطلقا اتفاقا، وفي التضعيف كذلك إلا عند أبي يوسف فيما إذا اشتراها المسلم أو أسلم فإنها تعود عشرية لفقد الداعي كما قدمناه ح. قوله: (وأخذ الخراج الخ) حاصل هذه المسائل كما في البحر أن الأرض إما عشرية أو خراجية أو تضعيفية والمشترون مسلم وذمي وتغلبي، فالمسلم إذا اشترى العشرية أو الخراجية بقيت على حالها أو التضعيفية، فكذلك عندهما، وقال أبو يوسف: ترجع إلى عشر واحد. وإذا اشترى التغلبي الخراجية بقيت خارجية، أو التضعيفية فهي تضعيفية، أو العشرية من مسلم ضوعف عليه العشر عندهما، خلافا لمحمد. وإذا اشترى ذمي غير تغلبي خراجية أو تضعيفية بقيت على حالها، أو عشرية صارت خراجية إن استقرت في ملكه عنده اه ط. قوله: (من ذمي) أي عندهما، أما عند محمد فتبقى عشرية لان الوظيفة لا تتغير عنده بتغير المالك كما قدمناه ح. قوله: (غير تغلبي) قيد به لان العشرية تضعف عليه عندهما، خلافا لمحمد ط. قوله: (وقبضها منه) قيد به لان الخراج لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة وذلك بالقبض. بحر. قوله: (للتنافي) علة لقوله وأخذ الخراج يعني إنما وجب الخراج لا العشر، لان في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها ح. قوله: (لتحول الصفقة إليه) أي إلى الشفيع فكأنه اشتراها من المسلم. بحر وغيره. واعترض بأنه لو كان كذلك لما رجع الشفيع بالعيب على المشتري إذا قبضها منه. وأجيب بأن الرجوع عليه لوجود القبض منه كما في الوكيل بالبيع حتى لو كان قبضها من البائع يرجع عليه لا على المشتري. إسماعيل. واستشكله أيضا الخير الرملي بأنهم صرحوا بأن الاخذ بالشفعة شراء من المشتري لولا الاخذ بعد القبض وإلا فمن البائع، والكلام هنا بعد القبض فهو شرا من الذمي. قال: ويمكن الجواب بما في النهاية عن نوادر زكاة المبسوط: لو اشترى كافر عشرية فعلية الخراج في قول الإمام، ولكن هذا بعد ما انقطع حق المسلم عنها من كل وجه، حتى لو استحقها مسلم أو أخذها مسلم بالشفعة كانت عشرية على حالها ولو وضع عليها الخراج لأنه لم ينقطع حق المسلم عنها اه. قوله: (أو ردت عليه) معطوف على أخذها أي إذا اشتراها الذمي من مسلم شراء فاسدا فردت عليه لفساد البيع فهي عشرية على حالها قال في البحر: لأنه بالرد والفسخ جعل البيع كأن لم يكن، لان حق المسلم وهو البائع لم ينقطع بهذا البيع لكونه مستحق الرد. قوله: (أو بخيار شرط) أي للبائع كما قيده به قاضيخان في شرح الجامع، وقال: لان خيار البائع يمنع زوال
360 ملكه. قوله: (أو رؤية) لأنه فسخ فصار البيع كأن لم يكن كما مر. قوله: (مطلقا) أي سواء كان بقضاء أو لا. وفيه رد على ظاهر عبارة الدرر حيث علق قوله الآتي: بقضاء بقوله: ردت. قوله: (لان إقالة) أي لان الرد بغير قضاء إقالة، وهي فسخ من حق المتعاقدين، بيع جديد في حق غيرهما، وهو مستحق الخراج فصار شراء المسلم من الذمي بعد ما صارت خراجية، فتبقى على حالها كما في الفتح. قال في البحر: واستفيد من وضع المسألة أن للذمي أن يردها بعيب قديم، ولا يكون وجوب الخراج عليها عيبا حادثا لأنه يرتفع بالفسخ بالقضاء فلا يمنع الرد. قوله: (جعلت بستانا هو أرض يحوط عليها حائط وفيها أشجار متفرقة، كذا في المعراج)، قيد بجعلها بستانا، لأنه لو لم يجعلها بستانا وفيها نخل تغل أكرارا لا شئ فيها. بحر. وكذلك ثمر بستان الدار لأنه تابع لها كما في قاضيخان قهستاني. قوله: (مطلقا) أي سواء سقاها بماء العشر أو الخراج لأنه أهل للخراج لا للعشر. بحر. قوله: (بمائه) أي ماء الخراج وهو ماء أنهار حفرتها العجم، وكذا سيحون وجيحون ودجلة والفرات، خلافا لمحمد، وماء العشر هو ماء السماء والبئر والعين والبحر الذي لا يدخل تحت ولاية أحد، كذا في الملتقى وشرحه. والحاصل أن ماء الخراج ما كان للكفرة يد عليه ثم حويناه قهرا، وما سواه عشري لعدم ثبوت اليد عليه فلم يكن غنيمة، وأورد أن هذا ظاهر في ماء البحار والأمطار. أما الآبار والعيون فهي خراجية لأنها غنيمة حيث حويناها قهرا منهم. وأجاب في الفتح بأنه لا يلزم ذلك في كل عين وبئر، فإن أكثر ما كان من حفر الكفرة قد دثر، وما نراه الآن إما معلوم الحدوث بعد الاسلام أو مجهول الحال، فيجب الحكم فيه بأنه إسلامي إضافي للحادث إلى أقرب وقتيه الممكنين اه. قوله: (لرضاه) جواب عما استشكله العتابي من أن فيه وجوب الخراج على المسلم ابتداء، حتى نقل في غاية البيان أن الامام السرخسي ذكر في كتاب الجامع أن عليه العشر بكل حال، لأنه أحق بالعشر من الخراج وهو الأظهر اه. وجوابه أن الممنوع وضع الخراج ابتداء جبرا، أما باختياره فيجوز، وقد اختاره هنا حيث سقاه بماء الخراج، فهو كما إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الامام وسقاها بماء الخراج فإنه يجب عليه الخراج. بحر. وأجاب في الفتح بأن المسلم إذا سقى بالماء الخراجي ينتقل الماء بوظيفته إلى الأرض، فليس فيه وضع الخراج عليه ابتداء بل هو انتقال ما وظيفته الخراج إليه بوظيفته، كما لو اشترى أرضا خراجية اه. وأصله للزيلعي. تنبيه: مقتضى تعليقهم الحكم بالماء أنه لا اعتبار بكونها في أرض عشر أو خراج، وهو خلاف ما مشى عليه في الخانية ومثله لو أحيا أرضا مواتا فإن المعتبر الماء دون الأرض على خلاف فيه سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى في باب العشر والخراج من كتاب الجهاد. قوله: (بمائه) أي ماء العشر، وقوله: أو بهما أي بماء العشر والخراج. قال ط: ظاهره ولو كان ماء الخراج أكثر. قوله: (لأنه أليق به) أي لان العشر أنسب بحال المسلم لما فيه من معنى العبادة. قوله: (ولا شئ في دار) لان عمر رضي الله عنه جعل المساكن عفوا، وعليه إجماع الصحابة ولأنها لا تستمنى، ووجوب
361 الخراج باعتباره، وعلى هذا المقابر. زيلعي. وظاهر التعليل أنه لا فرق بين القديمة والحديث لكن صرحوا بأن أرض الخراج لو عطلها صاحبها عليه الخراج. وفي الخانية: اشترى أرض خراج فجعلها دارا وبنى فيها بناء كان عليه خراج الأرض كما لو عطلها اه. وذكر مثله في الذخيرة ثم قال: وفي فتاوى أبي الليث إذا جعل أرضه الخراجية مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا للفقراء سقط الخراج اه. ويمكن بناء الثاني على أن فيه منفعة عامة، فليتأمل. قوله: (ولو لذمي) دخل المسلم بالأولى، وعبر في الهداية بالمجوسي، لأنه أبعد من الذمي عن الاسلام لحرمة مناكحته وذبيحته، فلو عبر الشارح به لكان أولى. قوله: (ولا في عين قير) لأنه ليس من إنزال الأرض وإنما هو عين فوارة كعين الماء، فلا عشر فيها ولا خراج. بحر. قوله: (ونفط) بالفتح والكسر وهو أفصح. بحر. وكذا الملح كما في الكافي والنهاية. إسماعيل. قوله: (في حريمها) حريم الدار: ما يضاف إليها من حقوقها ومرافقها. قاموس. قوله: (لا فيها) أي لا في نفس العين. وقال بعض المشايخ: يجب فيها، وهو ظاهر الكنز كما في البحر. قوله: (لتعلق الخراج بالتمكن) علة لقوله: الصالح لها وهذا إنما يظهر في الخراج الموظف، وأما خراج المقاسمة فحكمه كالعشر ط. قوله: (لتعلقه بالخارج) فلا يكفي لوجوبه التمكن من الزراعة ط. قوله: (ويؤخذ العشر الخ) قال في الجوهرة: واختلفوا في وقت العشر في الثمار والزرع. فقال أبو حنيفة وزفر: يجب عند ظهور الثمرة والامن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع بها. وقال أبو يوسف: عند استحقاق الحصاد. وقال محمد: إذا حصدت وصارت في الجرين، وفائدته فيما إذا أكل منه بعد ما صار جهيشا أو أطعم غيره منه بالمعروف فإنه يضمن عشر ما أكل وأطعم عند أبي حنيفة وزفر. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يضمن ويحتسب به في تكميل الأوسق، ولا يحتسب به في الوجوب: يعني إذا بلغ المذكور مع الباقي خمسة أوسق وجب العشر في الباقي لا غير. وإن أكل منها بعد ما بلغت الحصاد قبل أن تحصد ضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولم يضمن عند محمد. وإن أكل بعد ما صارت في الجرين ضمن إجماعا، وما تلف بغير صنعه بعد حصاده أو سرق وجب العشر في الباقي لا غير اه. والكلام في العشر ومثله فيما يظهر خراج المقاسمة لأنه جزء من الخارج، أما خراج الوظيفة فهو في الذمة لا في الخارج فلا يختلف حكمه بالاكل وعدمه. تأمل. قوله: (ولا يحل لصاحب أرض خراجية) قيل المراد به خراج المقاسمة فقط، لان خراج الوظيفة يجب في الذمة لا تعلق له بالمحل. وقيل إن خراج الوظيفة كذلك، لان للامام حق حبس الخارج للخراج، ففي أكله
(1) قوله: (جهشيا) لم أر معنى الجهشي، فليراجع ا ه منه. 362 إبطال حقه، كذا في الذخيرة فافهم. قال ط: وفي الواقعات عن البزازية لا يحل الاكل من الغلة قبل أداء الخراج، وكذا قبل أداء العشر إلا إذا كان المالك عازما على أداء العشر اه. وهو تقييد حسن، ومنه يعلم أخذ الفريك من الزرع قبل أداء ما عليه فلا يجوز (1). قوله: (ولا يأكل الخ لو قال أو عشرية بعد قوله: خراجية لاستغنى عن هذه الجملة، فإنه في كل من العشر وخراج المقاسمة لا يحل الاكل، ولو أكل ضمن اه ح. وفي شرح الملتقى عن المضمرات: إذا أكل قليلا بالمعروف لا شئ عليه. قال الفقيه: وبه نأخذ ط. قوله: (للخراج) أي الموظف لثبوته في الذمة فيستعين على أخذه بإمساك الخارج، بخلاف خراج المقاسمة فإنه ثابت في العين كالعشر، وإذا كان العشر يؤخذ جبرا كما تقدم أول الباب لما فيه من معنى المؤنة فخراج المقاسمة أولى (2) ح بزيادة. قلت: وفي البدائع أن الواجب في الخراج جزء من الخارج لأنه عشر الخارج أو نصف عشره وذلك جزؤه، إلا أنه واجب من حيث إن مال لا من حيث إنه جزء عندنا حتى يجوز أداء قيمته اه. والمتبادر منه أن المراد خراج المقاسمة، فإذا كان له أداء القيمة لا يكون للامام الاخذ من عين الخارج جبرا فينبغي تعميم الخراج (3) في عبارة الشارح. قوله: (ومن منع الخراج سنين الخ) ذكر المسألة المصنف في كتاب الجهاد في باب الجزية أيضا فقال: ويسقط الخراج بالتداخل، وقيل لا. وقال الشارح هناك: وقيل لا يسقط كالعشر وينبغي ترجيح الأول لان الخراج عقوبة، بخلاف العشر. بحر. قال المصنف: أي في المنح عزاه في الخانية لصاحب المذهب، فكان هو المذهب اه ما ذكره الشارح هناك. وأقول: هذا موافق لما ذكره صاحب الخانية في هذا الباب ومثله في الذخيرة وأما ما ذكره في كتاب الجهاد من الخانية في باب خراج الأرض فنصه هكذا: فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة ولا يؤخذ بخراج السنة الأولى ويسقط ذلك عنه كما في الجزية، ومنهم من قال: لا يسقط الخراج بالاجماع، بخلاف الجزية، وهذا إذا عجز عن الزراعة، فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل اه. أقول: جزم بالقول الثاني في الملتقى في باب الجزية، والظاهر أن قول الخانية: وهذا إذا عجز الخ، توفيق بين القولين، وجعل الخلا ف لفظيا بحمل الأول على ما إذا عجز عن الزراعة والثاني على ما إذا لم يعجز إذ لا يخفي أن الخراج لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة كما هو منصوص عليه في بابه، فلا يصح إرجاع اسم الإشارة إلى القول الثاني فقط، بل هو راجع إلى
(1) قوله: (فال يجوز) تمام العبارة ط الا إذا نوى الأداء أو كان من الخراج الموظف ا ه. لكن قوله: أو كان الخ انما يتأتى تقييد بعضهمالخراج بخراج المقاسمة اما على ما مشى عليه المحشي هنا فلا ا ه. (2) قوله: (قوله فخراج المقاسمة أولى) اي لأنه مؤنة محضة والعشر عبادة فيه معنى المؤنة ومع ذلك اخذ جبرا فكيف ما لا عبادة فيه أصلا ا ه. (3) قوله: (فينبغي تعميم الخراج الخ) اي لئلا يفوت حق المالك في دفع القيمة إذا اخذ الامام جبرا، واعترضه شيخنا بأنه لو كان مجرد التخيير بين دفع القيمة إذا اخذ الامام جبرا لما جاز اخذ العشر جبرا إذا التخيير المذكور ثابت فيه أيضا مع أنهم صرحوا بجواز اخذه جبرا فتم ما للعلامة الحليسي وسقك ما للمحشي تأمل ا ه. 363 القولين توفيقا بينهما كما قلنا، فقد ظهر أن ما عزاه الشارح هنا إلى الخانية محمول على حالة العجز بدليل عبارة الخانية الثانية، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم. وسيأتي تمام تحقيق ذلك في باب الجزية وأن المعتمد عدم السقوط. قوله: (والأول ظاهر الرواية) أقول: قال في الذخيرة: ولا يسقط العشر بموت من عليه في ظاهر الرواية. وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه يسقط، ثم قال بعد ورقتين: ويسقط خراج الأرض بموت من عليه إذا كان خراج وظيفة في ظاهر الرواية. وروى ابن المبارك أنه لا يسقط فوقع الفرق بين الخراج والعشر على الروايتين اه. ويظهر من تقييده السقوط بخراج الوظيفة أن خراج المقاسمة لا يسقط كالعشر في ظاهر الرواية، فافهم. قوله: (وجب الخراج أي الموظف. أما خراج المقاسمة فلا يجب كما سيذكره المصنف في باب العشر والخراج: أي لتعلقه بالخارج كما قدمناه. قوله: (ويسقطان) أي العشر وخراج المقاسمة لتعلقهما بعين الخارج، أما الموظف فإن هلك الخارج قبل الحصار يسقط وبعده لا. ح عن الهندية عن السراج والخانية. وفي البزازية: هلاك الخارج بعد الحصاد لا يسقطه، وقبله يسقط لو بآفة لا تدفع كالغرق والحرق وأكل الجراد والحر والبرد، أما إذا أكلته الدابة فلا إمكان الحفظ عنها غالبا. هذا إذا هلك الكل، أما إذا بقي البعض إن مقدار قفيزين ودرهمين وجب قفيز ودرهم، وإن أقل يجب نصفه، وإنما يسقط إذا لم يبق من السنة ما يتمكن فيه من زراعة ما اه: أي من زراعة أي شئ كان قمحا أو شعيرا أو غيرهما. قوله: (والخراج على الغاصب) قال في الخانية: أرض خراجها وظيفة اغتصبها غاصب جاحدا، ولا بينة للمالك إن لم يزعها الغاصب، فلا خراج على أحد، وإن زرعها الغاصب ولم تنقصها الزراعة فالخراج على الغاصب، وإن كان الغاصب مقرا بالغصب أو كان للمالك بينة ولم تنقصها الزراعة فالخراج على رب الأرض اه. قلت: وفي الذخيرة: قال بعض المشايخ: على المالك، وقال بعضهم: على الغاصب على كل حال اه. ثم قال في الخانية: وإن نقصتها الزراعة عند أبي حنيفة على رب الأرض قل النقصان أو كثر، كأنه آجرها من الغاصب بضمان النقصان. وعند محمد: على الغاصب، فإن زاد النقصان على الخراج يدفع الفضل إلى المالك، وإن غصب عشرية فزرعها إن لم تنقصها الزراعة فلا عشر على المالك، وإن نقصتها فالعشر على المالك كأنه آجرها بالنقصان اه. قال ح: وظاهر أن حكم دات خراج المقاسمة كالعشرية. قوله: (في بيع الوفاء) هو المسمى بيع الطاعة وهو المشروط فيه رجوع المبيع للبائع متى رد الثمن على المشتري، وسيأتي مع الأقوال فيه آخر البيوع قبيل كتاب الكفالة إن شاء الله تعالى. قوله: (على البائع إن بقي في يده) أما إذا قبضه المشتري وزرع فيه وأخذ الغلة فالخراج عليه، لأنه في الحقيقة رهن فيصير بالزراعة غاصبا، إذ ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن فيكون
364 كمسألة الغصب على السواء، ويكون في وجوبه على البائع أو المشتري الخلاف المذكور في الغصب، كذا في الذخيرة. وفي البزازية بعد التقابض: إن لم تنقصها الزراعة فالعشر على المشتري، وإن نقصتها فعلى البائع الخراج والعشر لأنه بمنزلة الرهن والمرتهن لا يملك الزراعة فأشبه الغصب، ولا يتفاوت ما إذا كان الخارج أقل أو أكثر كما جاء في الإجارة اه. قوله: (ولو باع الزرع الخ) الظاهر أن حكم خراج المقاسمة كالعشر كما يعلم مما مر ح. ثم هذا إذا باع الزرع وحده وشمل ما إذا باعه وتركه المشتري بإذن البائع حتى أدرك فعندهما عشره على المشتري، وعند أبي يوسف عشر قيمة القصيل على البائع، والباقي على المشتري كما في الفتح، وبقي ما لو باع الأرض مع الزرع أو بدونه، قال في البزازية: باع الأرض وسلمها للمشتري إن بقي مدة يتمكن المشتري فيها من الزراعة، فالخراج عليه، وإلا فعلى البائع، والفتوى على تقرير المدة بثلاثة أشهر هذا لو باعها فارغة، ولو فيها زرع لم يبلغ فعلى المشتري بكل حال. وقال أبو الليث: إن باعها بزرع انعقد حبه وبلغ ولم تبق مدة يتمكن المشتري من الزرع فالخراج على البائع، ولو باع من آخر والمشتري من آخر وآخر حتى مضى وقت التمكن لا يجب الخراج على أحد اه ملخصا: أي بأن لم تبق في يد أحد من المشترين مدة يتمكن فيها من الزراعة قبل دخول السنة الثانية. قوله: (والعشر على المؤجر) أي لو أجر الأرض العشرية فالعشر عليه من الأجرة كما في التاترخانية، وعندهما على المستأجر. قال في فتح القدير: لهما أن العشر منوط بالخارج وهو للمستأجر، ولأنها كما تستنمي بالزراعة تستنمي بالإجارة فكانت الأجرة مقصودة كالثمرة فكان النماء له معنى مع ملكه فكان أولى بالايجاب عليه اه. قوله: (كخراج موظف) فإنه على المؤجر اتفاقا لتعلقه بتمكن الزراعة لا بحقيقة الخارج، وأما خراج المقاسمة وهو كون الواجب جزءا شائعا من الخارج كثلث وسدس ونحوهما فعلى الخلاف، كذا في شرح درر البحار، وكذا الخراج الموظف على المعير. ذخيرة: أي اتفاقا. بدائع. أما العشر فعلى المستعير كما يأتي. تنبيه: قال في الخانية: وإن استأجر أو استعار أرضا تصلح للزراعة فغرس فيها كرما أو فحرر طابا فالخراج على المستأجر والمستعير في قول أبي حنيفة ومحمد لأنها صارت كرما فخراجها على من جعلها كرما اه. قال الرملي: مفاده اشتراط كونه ملتف الأشجار بحيث لا يصلح ما بين الأشجار للزراعة، فإن صلح فالخراج على المالك اه. والحاصل: أنه يجب الخراج على المؤجر والمعير إن بقيت الأرض صالحة للزراعة، وإلا فعلى المستأجر والمستعير. قوله: (كمستعير مسلم) وأوجبه زفر على المعير، لأنه لما أقام المستعير مقامه لزمه كالمؤجر. قلنا: حصل للمؤجر الاجر الذي هو كالخارج معنى، بخلاف المعير، وقيد بالمسلم لأنه لو استعارها ذمي فالعشر على المعير اتفاقا لتفويته حق الفقراء بالإعارة من الكافر، كذا في شرح درر البحار: أي لكونه ليس أهلا للعشر، لكن في البدائع: لو استعارها كافر فعندهما العشر عليه وعن الامام روايتان في رواية كذلك وفي رواية عن المالك اه. تأمل. قوله: (وفي الحاوي) أي القدسي ح. قوله: (وبقولهما نأخذ) قلت: لكن أفتى بقول الإمام جماعة من المتأخرين كالخير الرملي
365 في فتاواه، وكذا تلميذ الشارح الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق وقال: حتى تفسد الإجارة باشتراط خراجها أو عشرها على المستأجر كما في الأشباه، وكذا حامد أفندي العمادي، وقال في فتاواه قلت: عبارة الحاوي القدسي لا تعارض عبارة غيره، فإن قاضيخان من أهل الترجيح، فإن من عادته تقديم الأظهر والأشهر وقد قدم قول الإمام فكان هو المعتمد، وأفتى به غير واحد منهم زكريا أفندي شيخ الاسلام وعطاء الله أفندي شيخ الاسلام، وقد اقتصر عليه في الإسعاف والخصاف اه. قلت: لكن في زماننا عامة الأوقاف من القرى والمزارع لرضا المستأجر بتحمل غراماتها ومؤنها يستأجرها بدون أجر المثل بحيث لا تفي الأجرة، ولا أضعافها بالعشر أو خراج المقاسمة، فلا ينبغي العدول عن الافتاء بقولهما في ذلك لأنهم في زماننا يقدرون أجرة المثل بناء على أن الأجرة سالمة لجهة الوقف ولا شئ عليه من عشر وغيره، أما لو اعتبر دفع العشر من جهة الوقف وأن المستأجر ليس عليه سوى الأجرة فإن أجرة المثل تزيد أضعافا كثيرة كما لا يخفى، فإن أمكن أخذ الأجرة كاملة يفتى بقول الإمام، وإلا فبقولهما لما يلزم عليه من الضرر الواضح الذي لا يقول به أحد، والله تعالى أعلم. مطلب: هل يجب العشر على المزارعين في الأراضي السلطانية تتمة: في التاترخانية: السلطان إذا دفع أراضي لا مالك لها وهي التي تسمى الأراضي المملكة إلى قوم ليعطوا الخراج جاز، وطريق الجواز أحد شيئين. إما إقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج أو الإجارة بقدر الخراج ويكون المأخوذ منهم خراجا في حق الامام أجرة في حقهم اه. ومن هذا القبيل الأراضي المصرية والشامية كما قدمناه. ويؤخذ من هذا أنه لا عشر على المزارعين في بلادنا إذا كانت أراضيهم غير مملوكة لهم، لان ما يؤخذه منهم نائب السلطان وهو المسمى بالزعيم أو التيماري إن كان عشرا فلا شئ عليهم غيره، وإن كان خراجا فكذلك لأنه لا يجتمع مع العشر، وإن كان أجرة فكذلك على قول الإمام من أنه لا عشر على المستأجر، وأما على قولهما فالظهر أنه كذلك لما علمت من أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه لأنه خراج في حق الامام. تأمل. قوله: (وفي المزارعة الخ) قال في النهر: ولو دفع الأرض العشرية مزارعة إن البذر من قبل العامل فعلى رب الأرض في قياس قوله لفسادها، وقالا في الزرع لصحتها، وقد اشتهر أن الفتوى على الصحة وإن من قبل رب الأرض كان عليه إجماعا اه. ومثله في الخانية والفتح. والحاصل أن العشر عند الامام على رب الأرض مطلقا، وعندهما كذلك لو البذر منه ولو من العامل فعليهما، وبه ظهر أن ما ذكره الشارح هو قولهما اقتصر عليه لما علمت من أن الفتوى على قولهما بصحة المزارعة، فافهم. لكن ما ذكر من التفصيل يخالفه ما في البحر و المجتبى والمعراج والسراج والحقائق والظهيرية وغيرهما من أن العشر على رب الأرض عنده عليهما عندهما من غير ذكر هذا التفصيل وهو الظاهر، لما في البدائع من أن المزارعة جائرة عندهما، والعشر يجب في الخارج، والخارج بينهما فيجب العشر عليهما اه. وفي شرح درر البحار: عشر جميع الخارج على رب الأرض عنده، لان المزارعة فاسدة عنده، فالخارج له إما تحقيقا أو تقديرا، لان البذر إن كان من قبله فجميع الخارج له وللمزارع
366 أجر مثل عمله، وإن كان من قبل الزارع فالخارج ولرب الأرض أجر مثل أرضه الذي هو بمنزلة الخارج، إلا أن عشر حصته في عين الخارج وعشر حصة المزارع في ذمة رب الأرض. وفائدة ذلك السقوط بالهلاك إذا نيط بالعين، وعدمه إذا نيط بالذمة وأوجبا ومعهما أحد العشر عليهما بالحصص لسلامة الخارج لهما حقيقة اه. فكان ينبغي للشارح متابعة ما في أكثر الكتب. ثم اعلم أن هذا كله في العشر، أما الخراج فعلى رب الأرض إجماعا كما في البدائع. قوله: (ومن له حظ) أي نصيب في بيت المال في أي بيت من البيوع الأربعة الآتية مع بيان مستحقيها في النظم ط. قلت: وهذه المسألة ذكرها المصنف متنا في مسائل شتى آخر الكتاب، ونظمها ابن وهبان في منظومته، وقال ابن الشحنة في شرحها: ومن له الحظ هم القضاة والعمال والعلماء والمقاتلة وذراريهم، والقدر الذي يجوز لهم أخذه كفايتهم. قال المصنف: وكذلك طالب العلم والواعظ الذي يعظ الناس بالحق والذي علمهم اه. قلت: لكن هؤلاء لهم حظ في أحد بيوت المال وهو بيت الخراج والجزية كما يأتي قريبا، وظاهر كلامه أن لأحدهم الاخذ من أي شئ وجده، وإن لم يكن من مال البيت المعد لهم، وهو خلاف الظاهر من كلامهم وإلا لم تبق فائدة لجعل البيوت أربعة، نعم يأتي أنه للامام أن يستقرض من أحد البيوت ليصرفه للآخر ثم يرد ما استقرض فإنه يقتضي جواز الدفع من بيت آخر للضرورة. ففي مسألتنا إن كان يمكنه الوصول إلى حقه ليس له الاخذ من غير بيته الذي يستحق هو منه، وإلا كما فزماننا يجوز للضرورة، إذ لو لم يجز أخذه إلا من بيته لزم أن لا يبقى حق لاحد زماننا لعدم إفراز كل بيت على حدة، بل يخلطون المال كله، ولو لم يأخذ ما ظفر به لا يمكنه الوصول إلى شئ، فليتأمل. قوله: (بما هو موجه له) أي بشئ يتوجه لبيت المال: أي يستحق له، والذي في شرح الوهبانية عن القنية عن الامام: لو بري من له حظ في بيت المال ظفر بمال وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة، وللامام الخيار في المنع والاعطاء في الحكم أي في القضاء اه. قلت: أي في الخيار في إعطاء ذلك للواجد إذا علم به ليعطيه حقه من غيره، إذ ليس له الخيار في منع حقه من بيت المال مطلقا كما لا يخفى. قوله: (وللمودع الخ) قال في شرح الوهبانية وفي البزازية: قال الامام الحلواني: إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا هذا، لأنه لو أعطاها لبيت المال لضاع لأنهم لا يصرفون مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه، وإن لم يكن من المصارف صرفه إلى المصرف اه. وقوله وإن لم يكن من المصارف يؤيد ما قلنا آنفا، حيث أطلق المصارف ولم يقيدها بمصارف هذا المال فشمل مصارف البيوت الأربعة. تأمل. قوله: (دفع النائبة والظلم عن نفسه أولى الخ) النائبة: ما ينوبه من جهة السلطان من حق أو باطل أو غيره كما في القنية عن البزدوي والمراد دفع ما كانت بغير حق، ولذا عطف الظلم تفسيرا، وفيها عن شمس الأئمة السرخسي توجه على جماعة جباية بغير حق فلبعضهم دفعها عن نفسه إذا لم يحمل حصته على الباقين، وإلا فالأولى أن لا يدفعها عن نفسه،
367 ثم نقل صاحب القنية عن شيخه بديع أن فيه إشكالا، لان إعطاءه إعانة للظالم على ظلمه، فإن أكثر النوائب في زماننا بطريق الظلم، فمن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فذلك خير له اه ملخصا. وعليه مشى ابن وهبان في منظومته، وأجاب ابن الشحنة بأن الاشكال مدفوع بما فيه من أنواع الظلم على الضعيف العاجز بواسطة دفعه عن نفسه اه. قلت: فيه نظر، فإن ما حرم أخذه حرم إعطاءه كما في الأشباه: أي إلا لضرورة، فإذا كان الظالم لا بد من أخذه المال على كل حال لا يكون العاجز عن الدفع عن نفسه آثما بالاعطاء، بخلاف القادر فإنه بإعطائه ما يحرم أخذه يكون معينا على الظلم باختياره. تأمل. قوله: (حصته) مفعول تحمل وباقيهم فاعله: أي باقي جماعته. قوله: (وتصح الكفالة بها) أي بالنائبة سواء كانت بحق ككرى النهر المشترك للعامة، وأجرة الحارس للمحلة المسمى بديار مصر الخفير، وما وظف للامام ليجهز به الجيوش وفداء الأسارى بأن احتاج إلى ذلك ولم يكن في بيت المال شئ فوظف على الناس ذلك والكفالة به جائزة اتفاقا، أو كانت بغير حق كجبايات زماننا فإنها في المطالبة كالديون بل فوقها، حتى لو أخذت من الأكار، فله الرجوع على مالك الأرض، وعليه الفتوى. وقيده شمس الأئمة بما إذا أمره به طائعا، فلو مكرها في الامر لم يعتبر أمره بالرجوع. ذكره الشارح وصاحب النهر في الكفالة ط. قلت: ومعنى صحة الكفالة بالنائبة التي بغير حق أن الكفيل إذا كفل غيره بها بأمره كان له الرجوع عليه بما أخذه الظالم منه، لا بمعنى أنه يثبت للظالم حق المطالبة على الكفيل، فلا يرد ما قيل: إن الظلم يجب إعدامه فكيف تصح الكفالة به؟ كما سنحققه في محله إن شاء الله تعالى. قوله: (ويؤجر من قام بتوزيعها بالعدل) أي بالمعادلة كما عبر في القنية: أي بأن يحمل كل واحد بقدر طاقته، لأنه لو ترك توزيعها إلى الظالم ربما يحمل بعضهم ما لا يطيق فيصير ظلما على ظلم، ففي قيام العارف بتوزيعها بالعدل تقليل للظلم فلذا يؤجر، وهذا اليوم كالكبريت الأحمر، بل هو أندر. قوله: (وهذا يعرف الخ) المشار إليه غير مذكور في كلامه، وأصله في القنية حيث قال: وقال أبو جعفر البلخي: ما يضر به السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير دينا واجبا وحقا مستحقا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضر به الامام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا، حتى أجره الحراسين لحفظ الطريق واللصوص ونصب الدروب وأبواب السكك، وهذا يعرف ولا يعرف خوف الفتنة: ثم قال: فعلى هذا ما يؤخذ في خوارزم من العامة لاصلاح مسناة الجيحون أو الربض ونحوه من مصالح العامة دين واجب لا يجوز الامتناع عنه، وليس بظلم، ولكن يعلم هذا الجواب للعمل به، وكف اللسان عن السلطان وسعاته، فيه لا للتشهير حتى لا يتجاسروا في الزيادة على القدر المستحق اه. قلت: وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك لما سيأتي في الجهاد من أنه يكره الجعل إن وجد فئ. قوله: (يجوز تر ك الخراج للمالك الخ) سيأتي في الجهاد متنا وشرحا ما نصه: ترك السلطان أو نائبه الخراج لرب الأرض أو وهبه ولو بشفاعة جاز عند
368 الثاني وحل له لو مصرفا وإلا تصدق به، به يفتي. وما في الحاوي من ترجيح حله لغير المصرف خلاف المشهور، ولو ترك العشر لا يجوز إجماعا ويخرجه بنفسه للفقراء. سراج. خلافا لما في قاعدة تصرف الامام منوط بالمصلحة من الأشباه معزيا للبزازية فتنبه اه. قلت: والذي في الأشباه عن البزازية: إذا ترك العشر لمن عليه جاز غنيا كان أو فقيرا، لكن إذا كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان، وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اه. قلت: وما في الأشباه ذكر مثله في الذخيرة عن شيخ الاسلام بقوله: لو غنيا كان له جائزة من السلطان، ويضمن مثله من بيت الخراج لبيت الصدقة، ولو فقيرا كان صدقة عليه فيجوز كما لو أخذه منه ثم صرفه إليه، ولذا قالوا بأن السلطان إذا أخذ الزكاة من صاحب المال فافتقر قبل صرفها للفقراء كان له أن يصرفها إليه كما يصرفها إلى غيره. قوله: (ونظمها ابن الشحنة) هو محمد والد شارح المنظومة عبد البر، والنظم من بحر الوافر. مطلب: في بيان بيوت المال ومصارفها قوله: (بيوت المال أربعة) سيأتي في آخر فصل الجزية عن الزيلعي أن على الامام أن يجعل لكل نوع بيتا يخصه، وله أن يستقرض من أحدها ليصرفه للآخر ويعطي بقدر الحاجة والفقه والفضل، فإن قصر كان الله تعالى عليه حسيبا اه. وقال الشرنبلالي في رسالته: ذكروا أنه يجب عليه أن يجعل لكل نوع منها بيتا يخصه، ولا يخلط بعضه ببعض، وأنه إذا احتاج إلى مصرف خزانة وليس فيها ما يفي به يستقرض من خزانة غيرها، ثم إذا حصل للتي استقرض لها مال يرد إلى المستقرض منها، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو خمس الغنائم على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد شيئا لاستحقاقهم للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق اه. قوله: (لكل مصارف) أي لكل بيت محلات يصرف إليها. قوله: (فأولها الغنائم الخ) أي أول الأربعة بيت أموال الغنائم فهو على حذف مضافين، وكذا يقال فيما بعده ط. ويسمى هذا بيت مال الخمس: أي خمس الغنائم والمعادن والركاز كما في التاترخانية فقوله: الركاز وفي نسخة: ركاز منونا من عطف العام بحذف حرف العطف. قوله: (وبعدها المتصدقونا) (1) مبتدأ وخبر، والأولى وبعده بالتذكير: أي بعد الأول، إلا أن يقال: إن أولها اكتسب التأنيث من المضاف إليه أو أعاد الضمير على الغنائم وما عطف عليها لأنها نفس الأول: أي وثانيها بيت أموال المتصدقين: أي زكاة السوائم وعشور الأراضي وما أخذه العاشر من تجار المسلمين المارين عليه كما في البدائع.
(1) قول المحشي: (وبعدها الخ) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف بالواو ونسخ الشرح بدونها وهو المتعين ا ه مصححه. 369 قوله: (وثالثها الخ) قال في البدائع: الثالث: خراج الأراضي وجزية الرؤوس وما صولح عليه بنو نجران من الحلل وبنو تغلب من الصدقة المضاعفة، وما أخذ العشار من تجار أهل الذمة والمستأمنين من أهل الحرب اه. زاد الشرنبلالي في رسالته عن الزيلعي: وهدية أهل الحرب، وما أخذ منهم بغير قتال وما صولحوا عليه لترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم، فقوله: مع عشور المراد به ما يأخذه العاشر من أهل الذمة والمستأمنين فقط بقرينة ذكره مع الخراج لأنه في حكمه، أو هو خراج حقيقة كما قدمناه في بابه، بخلاف ما يأخذه منا فإنه زكاة حقيقة أدخله في قوله: المتصدقون كما مر فافهم، وقوله: وجالية هم أهل الذمة، لان عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من أرض العرب كما في القاموس: أي أخرجهم منها ثم صار يستعمل حقيقة عرفية في الجزية التي يليها العاملون: أي يلي أمرها عمال الامام، وكأن الناظم أدخل فيها ما يؤخذ من بني نجران وبني تغلب وما أخذ من أهل الحرب من هدية أو صلح لأنها في معنى جزية رؤوسهم. قوله: (الضوائع) جمع ضائعة أي اللقطات، وقوله: مثل مالا الخ أي مثل تركة لا وارث لها أصلا، ولها وارث لا يرد عليه كأحد الزوجين، والأظهر جعله معطوفا على الضوائع بإسقاط العاطف، لان من هذا النوع ما نقله الشرنبلالي دية مقتول لا ولي له، لكن الدية من جملة تركة المقتول ولذا نقضي منها ديونه كما صرحوا به. تأمل. قوله: (فمصروف الأولين الخ) بنقل حركة الهمزة إلى اللام لضرورة الوزن: أي بيت الخمس وربيت الصدقات، والنصفي الأول قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم) * (الأنفال: 14) الآية - وسيأتي بيانه في الجهاد إن شاء الله تعالى، وفي الثاني قوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء) * (التوبة: 06) الآية - ويأتي بيانه قريبا. قوله: (وثالثها حواه مقاتلونا) الذي في الهداية وعامة الكتب المعتبرة أنه يصرف في مصالحنا كسد الثغور وبناء القناطر والجسور وكفاية العلماء والقضاة والعمال ورزق المقاتلة وذراريهم اه: أي ذراري الجميع كما سيأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى. قوله: (ورابعها فمصرفه جهات الخ) موافق لما نقله ابن الضياء في شرح الغزنوية عن البزدوي من أنه يصرف إلى المرضي والزمني واللقيط وعمارة القناطر والرباطات والثغور والمساجد وما أشبه ذلك اه. ولكنه مخالف لما في الهداية والزيلعي. أفاده الشرنبلالي: أي فإن الذي في الهداية وعامة الكتب أن الذي يصرف في مصالح المسلمين هو الثالث كما مر، وأما الرابع فمصرفه المشهور هو اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم، فيعطي منه نفقتهم وأدويتهم وكفنهم وعل جنايتهم كما في الزيلعي وغيره. وحاصله أن مصرفه العاجزون الفقراء، فلو ذكر الناظم الرابع مكان الثالث ثم قال: وثالثها حواه عاجزونا، ورابعها فمصرفه الخ لوافق ما في عامة الكتب. قوله: (تساوى) فعل ماضي والنفع منصوب على التمييز كطبت النفس: أي تساوى المسلمون فيها من جهة النفع اه ح. والله تعالى أعلم.
370 باب المصرف قوله: (أي مصرف الزكاة والعشر) يشير إلى وجه مناسبته هنا، والمراد بالعشر ما ينسب إليه كما مر، فيشمل العشر ونصفه المأخوذين من أر ض المسلم وربعه المأخوذ منه إذا مر على العاشر، أفاده ح. وهو مصرف أيضا لصدقة الفطر والكفارة والنذر وغير ذلك من الصدقات الواجبة كما في القهستاني. قوله: (وأما خمس المعدن) بيان لوجه اقتصاره على الزكاة والعشر، وأنه لا يناسب ذكره معهما وإن ذكره في العناية والمعراج، والأولى كما قال ح: وأما خمس الركاز ليشمل الكنز لأنه كالمعدن في المصرف. قوله: (هو فقير) قدمه تبعا للآية، ولان الفقر شرط في جميع الأصناف إلا العامل والمكاتب وابن السبيل ط. قوله: (قوله أدنى شئ) المراد بالشئ: النصاب النامي، وبأدنى: ما دونه، فأفعل التفضيل ليس على بابه كما أشار إليه الشارح. والأظهر أن يقول: من لا يملك نصابا ناميا ليدخل فيه ما ذكره الشارح. وقد يقال: إن المراد التمييز بين الفقير والمسكين لرد ما قيل إنهما صنف واحد لا بينهما وبين الغني للعلم بتحقق عدم الغنى فيهما: أي عدم ملك النصاب النامي، فذكر أن المسكين من لا شئ له أصلا، والفقير من يملك شيئا وإن قل، فاقتصاره على الأدنى لأنه غاية ما يحصل به التمييز. والحاصل أن المراد هنا الفقير المقابل للمسكين لا للغني. قوله: (أي دون نصاب) أي نام فاضل عن الدين، فلو مديونا فهو مصرف كما يأتي. قوله: (مستغرق في الحاجة) كدار السكني وعبيد الخدمة وثياب البذلة وآلات الحرفة وكتب العلم للمحتاج إليها تدريسا أو حفظا أو تصحيحا كما مر أول الزكاة. والحاصل أن النصاب قسمان: موجب للزكاة وهو النامي الخالي عن الدين. وغير موجب لها وهو غيره، فإن كان مستغرقا بالحاجة لمالكه أباح أخذها، وإلا حرمه وأوجب غيرها من صدقة الفطر والأضحية ونفقة القريب المحرم كما في البحر وغيره. قوله: (من لا شئ له) فيحتاج إلى المسألة لقوته وما يواري بدنه ويحل له ذلك، بخلاف الأول، ويحل صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرا. فتح. قوله: (على المذهب) من أنه أسوأ حالا من الفقير، وقيل على العكس، والأول أصح. البحر. وهو قول عامة السلف. إسماعيل. وأفهم بالعطف أنهما صنفان وهو قول الإمام، وقال: الثاني صنف واحد، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا أوصى بثلث ماله لزيد والفقراء والمساكين أو وقف كذلك كان لزيد الثلث ولكل صنف ثلث عنده، وقال: الثاني لزيد النصف ولهما النصف، وتمامه في النهر. قوله: (لقوله تعالى: * (أو مسكينا ذا متربة) * (البلد: 61) أي ألصق جلده بالتراب محتفرا حفرة جعلها إزاره لعدم ما يواريه أو ألصق بطنه من الجوع، وتمام الاستدلال به موقوف على أن الصفة كاشفة، والأكثر خلافه فيحمل عليه، تمامه في الفتح. قوله: (وآية السفينة للترحم) جواب عما استدل به القائل بأن الفقير أسوأ حالا من المسكين حيث أثبت للمساكين سفينة. والجواب أنه قيل لهم مساكين ترحما. وأجيب أيضا بأنها لم تكن لهم بل هم أجراء فيها أو عارية لهم. فتح: أي فاللام في - كانت لمساكين -
371 للاختصاص لا للملك. قوله: (يعم الساعي) هو من يسعى في القبائل لجمع صدقة السوائم والعاشر من نصبه الامام على الطرق ليأخذ العشر ونحوه في المارة. قوله: (لأنه فرغ نفسه) أي فهو يستحقه عمالة، ألا ترى أن أصحاب الأموال لو حملوا الزكاة إلى الامام لا يستحق شيئا، ولو هلك ما جمعه من الزكاة لم يستحق شيئا كالمضارب إذا هلك مال المضاربة، إلا أن فيه شبهة الصدقة بدليل سقوط الزكاة عن أرباب الأموال فلا تحل للعامل الهاشمي تنزيها لقرابة النبي (ص) عن شبهة الوسخ، وتحل للغني لأنه لا يوازي الهاشمي في استحقاق الكرامة فلا تعتبر الشبهة في حقه. زيلعي. على أن منع العامل الهاشمي من الاخذ صريح في السنة كما بسطه في الفتح. قال في النهر: وفي النهاية: استعمل الهاشمي على الصدقة فأجري له منها رزق لا ينبغي له أخذه، ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به. قال في البحر: وهذا لا يفيد صحة توليته، وأن أخذه منها مكروه لا حرام اه. والمراد كراهة التحريم لقولهم: لا يحل، لكن ما مر من أن شرائط الساعي أن لا يكون هاشميا يعارضه، وهذا الذي ينبغي يعول عليه اه ما في النهر. أقول: الظاهر أن الإشارة في قوله، وهذا إلى ما ذكر هنا من صحة توليته. ووجهه أن ما ذكروه هنا صريح في عدم حل الاخذ مما جمعه من الصدقة لا من غيره، فلا دليل حينئذ على عدم صحة توليته عاملا إذا رزق من غيرها، وقدمنا أن اشتراط أن لا يكون هاشميا نقله في البحر عن الغاية، ولم أره لغيره، على أنه في الغاية علل ذلك بقوله: لما فيه من شبهة الزكاة، كما عللوا به هنا، فعلم أن ذلك شرط لحل الاخذ من الصدقة لا لصحة التولية، فلا يعارض ما هنا كما قدمناه هناك، والله تعالى أعلم. قوله: (فيحتاج إلى الكفاية) لكن لا يزاد على نصف ما قبضه كما يأتي، ولا يستحق لو هلك ما جمعه، لان ما يستحقه منه أجرة عمالته من وجه كما مر. قال في المعراج: لان عمالته في معنى الأجرة وأنه يتعلق بالمحل الذي عمل فيه. فإذا هلك سقط حقه كالمضارب اه. قلت: وهذا مفاد التفريع على قوله: لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فإنه يفيد أن ما يأخذه ليس صدقة من كل وجه بل في مقابلة عمله، فلا ينافي ما مر من أن له شبهين، فافهم. قوله: (ما نسب للواقعات) ذكر المصنف أنه رآه بخط ثقة معزيا إليها. قلت: ورأيته في جامع الفتاوى ونصه: وفي المبسوط لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا إلى طالب العلم والغازي ومنقطع الحج لقوله عليه الصلاة والسلام: (يجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة) اه. قوله: (من أن طالب العلم) أي الشرعي. قوله: (إذا فرغ نفسه) أي عن الاكتساب. قال ط: المراد أنه لا تعلق له بغير ذلك، فنحو البطالات المعلومة وما يجلب له النشاط من مذهبات الهموم لا ينافي التفرع، بل هو سعي في أسباب التحصيل. قوله: (واستفادته) لعل الواو بمعنى أو المانعة الخلو ط. قوله: (لعجزه) علة لجواز الاخذ ط. قوله: (والحاجة داعية الخ) الواو للحال.
372 والمعنى أن الانسان يحتاج إلى أشياء لا غنى له عنها، فحينئذ إذا لم يجز له قبول الزكاة مع عدم اكتسابه أنفق ما عنده ومكث محتاجا فينقطع عن الإفادة والاستفادة فيضعف الدين لعدم من يتحمله، وهذا الفرع مخالف لاطلاقهم الحرمة في الغنى، ولم يعتمده أحد. قلت: وهو كذلك. والأوجه تقييده بالفقير، ويكون طلب العلم مرخصا لجواز سؤاله من الزكاة وغيرها وإن كان قادرا على الكسب إذ بدونه لا يحل له السؤال كما سيأتي. ومذهب الشافعية والحنابلة أن القدرة على الاكتساب تمنع الفقر فلا يحل له الاخذ فضلا عن السؤال، إلا إذا اشتغل عنه بالعلم الشرعي. قوله: (ما يكفيه وأعوانه) بيان لقوله: بقدر عمله وقدمنا أنه يعطي ما لم يهلك المال وإلا بطلت عمالته، ولا يعطي من بيت المال شيئا كما في البحر. وفي البزازية: أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي رزقه قبل المدة جاز، والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة اه. قال في النهر: ولم أر ما لو هلك المال في يده وقد تعجل عمالته، والظاهر أنه لا يسترد. قوله: (بالوسط) فيحرم أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب لأنه إسراف محض، وعلى الامام أن يبعث من يرضى بالوسط. بحر. قوله: (لكن الخ) أي لو استغرقت كفايته الزكاة لا يزاد على النصف، لان التنصيف عين الانصاف. بحر. قوله: (ومكاتب) هذا هو المعني بقوله تعالى: * (وفي الرقاب) * (التوبة: 06) في قول أكثر أهل العلم، وهو المروي عن الحسن البصري أطلقه فعم مكاتب الغني أيضا، وقيده الحدادي بالكبير أما الصغير فلا يجوز، وفيه نظر إذ صرحوا بأن المكاتب يملك المدفوع إليه، وهذا بإطلاقه يعم الصغير أيضا نهر. قلت: قد يجاب بأن مراد الحدادي بالصغير من لا يعقل، لان كتابته استقلالا غير صحيحة، أو لأنه لا يصح قبضه. تأمل. ثم قال في النهر: وعلى هذا فالعدول فيه وفيما بعده عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقبة، أو للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم من غيرهم، لا لأنهم لا يملكون شيئا كما ظن، إلا أن يراد لا يملكونه ملكا مستقرا، وهل يجوز للمكاتب صرف المدفوع إليه في غير ذلك الوجه؟ لم أره لهم اه. والضمير في لهم لائمتنا، وأصل التوقف لصاحب البحر، فإنه نقل عن الطيبي من الشافعية ما يفيد أن المكاتب ومن بعده ليس لهم صرف المال في غير الجهة التي أخذوا لأجلها لأنهم لا يملكونه. ثم قال: وفي البدائع: إنما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب لأنه تمليك، وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب، فبقية الأربعة بالطريق الأولى، لكن بقي هل لهم على هذا الصرف إلى غير الجهة؟ اه. قال الخير الرملي: والذي يقتضيه نظر الفقيه الجواز اه. قلت: وبه جزم العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز. فرع: ذكر الزيلعي في كتاب المكاتب عند قوله: ولو اشترى أباه أو ابنه فكاتب عليه أن للمكاتب كسبا وليس له ملك حقيقة لوجود ما ينافيه وهو الرق، ولهذا اشترى زوجته لا يفسد نكاحه، ويجوز دفع الزكاة إليه ولو وجد كنزا اه. كذا في شرح الكنز للعلامة ابن الشلبي شيخ صاحب البحر.
373 قلت: وهو صريح في جواز دفع الزكاة إليه وإن ملك نصابا زائدا على بدل الكتابة وسنذكر عن القهستاني ما يفيده. قوله: (لغير هاشمي) لأنه إذا لم يجز دفعها لمعتق الهاشمي الذي صار حرا يدا ورقبة، فمكاتبه الذي بقي مملوكا رقبة بالأولى. وفي البحر عن المحيط: وقد قالوا: إنه لا يجوز لمكاتب هاشمي لان الملك يقع للمولى من وجه والشبهة ملحقة بالحقيقة في حقهم اه: أي إن المكاتب وإن صار حرا يدا حتى يملك ما يدفع إليه لكنه مملوك رقبه ففيه شبهة وقوع الملك لمولاه الهاشمي، والشبهة معتبرة في حقه لكرامته، بخلا ف الغني كما مر في العامل، فلذا قيد بقوله في حقهم: أي حق بني هاشم. وأنت خبير بأن ما ذكر من التعليل مسوق في كلام البحر لعدم الجواز لمكاتب الهاشمي لا لمنع تصرف المكاتب في المسألة التي توقف في حكمها أو لا، بل لا يفيد التعليل المذكور ذلك أصلا، فافهم. قوله: (حل لمولاه) لأنه انتقل إليه بملك حادث بعد ما ملكه المكاتب لأنه حر يدا، وتبدل الملك بمنزلة تبدل العين، وفي الحديث الصحيح هو لها صدقة ولنا هدية. قوله: (كفقير استغنى) أي وفضل معه شئ مما أخذه حالة الفقر، لان المعتبر في كونه مصرفا هو وقت الدفع، وكذا يقال في ابن السبيل. قوله: (وسكت عن المؤلفة قلوبهم) كانوا ثلاثة أقسام: قسم كفار كان عليه الصلاة والسلام يعطيهم ليتألفهم على الاسلام. وقسم كان يعطيهم ليدفع شرهم. وقسم أسلموا وفيهم ضعف في الاسلام، فكان يتألفهم ليثبتوا، وكان ذلك حكما مشروعا ثابتا بالنص، فلا حاجة إلى الجواب عما يقال: كيف يجوز صرفها إلى الكفار بأنه كان من جهاد الفقراء (1) في ذلك الوقت أو من الجهاد، لأنه تارة بالسنان وتارة بالاحسان. أفاده في الفتح. قوله: (لسقوطهم) أي في خلافة الصديق لما منعهم عمر رضي الله تعالى عنهما وانعقد عليه إجماع الصحابة، نعم على القول بأنه لا إجماع إلا عن مستند يجب علمهم بدليل أفاد نسخ ذلك قبل وفاته (ص) أو تقييد الحكم بحياته أو كونه حكما مغيا بانتهاء علته وقد اتفق انتهاؤها بعد وفاته. وتمامه في الفتح، لكن لا يجب علمنا نحن بدليل الاجماع كما هو مقرر في محله. قوله: (إما بزوال العلة) هي إعزاز الدين، فهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته الغائية التي كان لأجلها الدفع، فإن الدفع كان للإعزاز، وقد أعز الله الاسلام وأغنى عنهم. بحر. لكن مجرد التعليل بكونه معللا بعلة انتهت لا يصلح دليلا على نفي الحكم المعلل، لان الحكم لا يحتاج في بقائه إلى بقاء علته (2)، لاستغنائه في البقاء عنها لما علم في الرق والاضطباع والرمل، فلا بد من دليل يدل على أن هذا الحكم مما شرع مقيدا بقاؤه ببقائها، لكن لا يلزمنا تعيينه في محل الاجماع فنحكم بثبوت الدليل وإن لم يظهر لنا، على أن الآية التي ذكرها عمر تصلح لذلك، وهي قوله تعالى: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن
(1) قوله: (من جهاد الفقراء إلى الخ) في أنه عليه السلام كان معظم اعطائه لأغنيائهم ليتبعوا فلا يصلح ان يكون هذا جوابا على تسليم ورود السؤال، فالأحسن في الجواب ما عطفه عليه بقوله أو كان من الجهاد الخ ا ه. (2) قوله: (إلى بقاء علته الخ) فان علته الكفر لأنه اي الرق جزاء من استنكافهم، وعدم انقيادهم لله تعالى فجعلهم أرقاء لعبيده ولا ينتفي الرق بانتفاء العلة لان العة يشترط وجودها في الابتداء دون البقاء كذا في التلويح ببعض تغيير. وعلة الاضطباع والرمل هي " ان المشركين لما قالوا عن المسلمين قتلتهم حمى يثرب أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالاضطباع والرمل واظهار القوة للرد على المشركين في زعمهم " والآن قد زالت العلة ولم يزالا مشروعين ا ه. 374 ومن شاء فليكفر) * (الكهف: 92) وتمامه في الفتح. قوله: (أو نسخ بقوله (ص) الخ) أي هو مستند الاجماع، فالنسخ في حياته (ص) بالحديث المذكور الذي سمعه أهل الاجماع من النبي (ص)، فكان قطعيا بالنسبة إليهم، فيصح نسخه للكتاب. وجعل في البحر مستند الاجماع الآية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه، وإنما لم يجعل الاجماع ناسخا لأنه خلاف الصحيح، لان النسخ لا يكون إلا في حياته (ص)، والاجماع لا يكون إلا بعده كما أوضحه المصنف في المنح. قوله: (وردها في فقرائهم) في نسخة على فقرائهم ولفظ الحديث على ما في الفتح من رواية أصحاب الكتب الستة: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم الخ اه. وأما باللفظ الذي ذكر الشارح تبعا للهداية ففي حاشية نوح عن الحافظ ابن حجر أنه لم يره في شئ من المسانيد اه. وضمير فقرائهم للمسلمين، فلا تدفع إلى من كان من المؤلفة كافرا أو غنيا، وتدفع إلى من كان منهم مسلما فقيرا بوصف الفقر لا لكونه من المؤلفة، فالنسخ للعموم (1) أو لخصوص الجهة. تأمل. قوله: (ومديون) هو المراد بالغارم في الآية. وذكر في الفتح ما يقتضي أنه يطلق على رب الدين أيضا فإنه قال: والغارم من لزمه دين أو له دين على الناس لا يقدر على أخذه وليس عنده نصاب، وفيه نظر لما قال القتبي: الغارم من عليه الدين ولا يجد وفاء. وأما في الصحاح من أن الغريم قد يطلق على رب الدين فليس مما الكلام فيه، لان الكلام في الغارم الأخص لا في الغريم. وأما ما زاده في الفتح فإنما جاز الدفع إليه لأنه فقير يدا كابن السبيل كما علل به في المحيط لا لأنه غارم. وأما قول الزيلعي: والغارم من لزمه دين، ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه أو كان له مال على الناس ولا يمكنه أخذه اه. فليس فيه إطلاق الغارم على رب الدين كما لا يخفى، لان قوله: أو كان له مال معطوف على قوله: ولا يملك نصابا فافهم، وكلام النهر هنا غير محرر فتدبر. قوله: (لا يملك نصابا) قيد به لان الفقر شرط في الأصناف كلها، إلا العامل وابن السبيل إذا كان له في وطنه مال بمنزلة الفقير. بحر. ونقل ط عن الحموي أنه يشترط أن لا يكون هاشميا. قوله: (أولى منه للفقير) أي أولى من الدفع للفقير الغير المديون لزيادة احتياجه. قوله: (وهو منقطع الغزاة) أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الاسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الصدقة وإن كانوا كاسبين، إذ الكسب يقعدهم عن الجهاد. قهستاني. قوله: (وقيل الحاج) أي منقطع الحاج. قال في المغرب: الحاج بمعنى الحجاج كالسامر بمعنى السمار في قوله تعالى: * (سامرا تهجرون)
(1) قوله: (فالنسخ للعموم) اي لعموم المؤلفة قلوبهم فإنه شامل للأغنياء والفقراء كفارا كانوا أو مسلمين فقوله صلى الله عليه وسلم: " فترد على فقرائهم " قد نسخ هذا العموم، وقوله: أو الخصوص الجهة اي جهة التأليف اي هذا الحديث المتقدم نسخ كون جهة التأليف مجوزة للصرف إلى من اتصف بها والصرف إلى الفقير المسلم ممن اتصف بها ليس لكونه متصفا بها بل كونه فقيرا مسلما. ا ه. 375 * (المؤمنون: 76) وهذا قول محمد، والأول قول أبي يوسف اختاره المصنف تبعا للكنز. قال في النهر: وفي غاية البيان إنه الأظهر، وفي الأسبيجابي أنه الصحيح. قوله: (وقيل طلبة العلم) كذا في الظهيرية والمرغيناني واستبعده السروجي بأن الآية نزلت وليس هناك قوم يقال لهم طلبة علم. قال في الشرنبلالية: واستبعاده بعيد لان طلب العلم ليس إلا استفادة الاحكام، وهل يبلغ طالب رتبة من لازم صحبة النبي (ص) لتلقي الاحكام عنه كأصحاب الصفة؟ فالتفسير بطالب العلم وجيه خصوصا وقد قال في البدائع: في سبيل الله جميع القرب، فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا اه. قوله: (وثمرة الاختلاف الخ) يشير إلى أن هذا الاختلاف إنما هو في تفسير المراد بالآية لا في الحكم، ولذا قال في النهر: والخلف لفظي للاتفاق على أن الأصناف كلهم سوى العامل يعطون بشرط الفقر، فمنقطع الحاج: أي وكذا من ذكر بعده يعطي اتفاقا، وعن هذا قال في السراج وغيره: فائدة الخلاف تظهر في الوصية: يعني ونحوها كالأوقاف والنذور على ما مر اه: أي تظهر فيما لو قال الموصي ونحوه: في سبيل الله. وفي البحر عن النهاية، فإن قلت: منقطع الغزاة أو الحج إن لم يكن في وطنه مال فهو فقير، وإلا فهو ابن السبيل، فكيف تكون الأقسام سبعة؟ قلت: هو فقير إلا أنه زاد عليه بالانقطاع في عبادة الله تعالى فكان مغايرا للفقير المطلق الخالي عن هذا القيد. قوله: (وابن السبيل) هو المسافر، سمي به للزومه الطريق. زيلعي. قوله: (من له مال لا معه) أي واء كان هو في غير وطنه أو في وطنه وله ديون لا يقدر على أخذها كما في النهر عن النقاية، لكن الزيلعي جعل الثاني ملحقا به حيث قال: وألحق به كل من هو غائب عن ماله وإن كان في بلده، لان الحاجة هي المعتبرة وقد وجدت، لأنه فقير يدا وإن كان غنيا ظاهرا اه. وتبعه في الدرر والفتح وهو ظاهر كلام الشارح. وقال في الفتح أيضا: ولا يحل له: أي لابن السبيل أن يأخذ أكثر من حاجته، والأولى له أن يستقرض إن قدر، ولا يلزمه ذلك لجواز عجزه عن الأداء، ولا يلزمه التصدق بما فضل في يد عند قدرته على ماله، كالفقير إذا استغنى والمكاتب إذا عجز. وعندها من مال الزكاة لا يلزمهما التصدق اه. قلت: وهذا بخلاف الفقير، فإنه يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته، وبهذا فارق ابن السبيل كما أفاده في الذخيرة. قوله: (ومنه ما لو كان ماله مؤجلا) أي إذا احتاج إلى النفقة يجوز له أخذ الزكاة قدر كفايته إلى حلول الأجل. نهر عن الخانية. قوله: (أو على غائب) أي ولو كان حالا لعدم تمكنه من أخذه ط. قوله: (أو معسر) فيجوز له الاخذ في أصح الأقاويل لأنه بمنزلة ابن السبيل، ولو موسرا معترفا لا يجوز كما في الخانية، وفي الفتح: دفع إلى فقيرة لها مهر دين على زوجها يبلغ نصابا وهو موسر بحيث لو طلبت أعطاها: لا يجوز، وإن كان لا يعطي لو طلبت جاز. قال في البحر: المراد من المهر ما تعورف تعجيله، وإلا فهو دين مؤجل لا يمنع، وهذا مقيد لعموم ما في الخانية ويكون عدم إعطائه بمنزلة إعساره، ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة، بخلاف غيره، لكن في البزازية: إن موسرا والمعجل قدر النصاب لا يجوز عندهما،
376 وبه يفتى احتياطا. وعند الامام: يجوز مطلقا اه. قال السراج: والخلاف مبني على أ المهر في الذمة ليس بنصاب عنده، وعندهما نصاب اه نهر. قلت: ولعل وجه الأول كون دين المهر دينا ضعيفا، لأنه ليس بدل مال، ولهذا لا تجب زكاته حتى يقبض ويحول عليه حول جديد، فهو قبل القبض لم ينعقد نصابا في حق الوجوب، فكذا في حق جواز الاخذ، لكن يلزم من هذا عدم الفرق بين معجله ومؤجله، فتأمل. قوله: (ولو لو بينة في الأصح) نقل في النهر عن الخانية أنه لو كان جاحدا وللدائن بينة عادلة لا يحل له أخذ الزكاة، وكذا إن لم تكن البينة عادلة ما لم يحلفه القاضي، ثم قال: ولم يجعل في الأصل الدين المجحود، ولم يفصل بين ما إذا كان له بينة عادلة أو لا. قال السرخسي: والصحيح جواب الكتاب: أي الأصل إذ ليس كل قاض يعدل، ولا كل بينة تقبل، والجثو بين يدي القاضي ذل، وكل أحد لا يختار ذلك، وينبغي أن يعول على هذا كما في عقد الفرائد اه. قلت: وقدمنا أول الزكاة اختلاف التصحيح فيه، ومال الرحمتي إلى هذا وقال: بل في زماننا يقر المديون بالدين وبملاءته، ولا يقدر الدائن عل تخليصه منه فهو بمنزلة العدم. قوله: (لان أل الجنسية) أي الدالة على الجنس: أي الحقيقة. قال ح: وهذا تعليل لجواز الاقتصار على فرد من كل صنف من الأصناف السبعة، وأما جواز الاقتصار على بعض الأصناف فعلته أن المراد بالآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع لهم. بحر اه ط. وبيان الاستدلال على ذلك مبسوط في الفتح وغيره. قوله: (تمليكا) فلا يكفي فيها الاطعام إلا بطريق التمليك، ولو أطعمه عنده ناويا الزكاة لا تكفي ط. وفي التمليك إشارة إلى أنه لا يصرف إلى مجنون وصبي غير مراهق، إلا إذا قبض لهما من يجوز له قبضه كالأب والوصي وغيرهما، ويصرف إلى مراهق يعقل الاخذ كما في المحيط. قهستاني. وتقدم تمام الكلام على ذلك أو الزكاة. قوله: (كما مر) أي في أول كتاب الزكاة ط. قوله: (نحو مسجد) كبناء القناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وكرى الأنهار والحج والجهاد وكل ما لا تمليك فيه. زيلعي. قوله: (قوله ولا إلى كفن ميت) لعدم صحة التمليك منه، ألا ترى أنه لو افترسه سبع كان الكفن للمتبرع لا للورثة. نهر. قوله: (وقضاء دينه) لان قضاء دين الحي لا يقتضي التمليك من الديون، بدليل أنهما لو تصادقا: أي الدائن والمديون على أن لا دين عليه يسترده الدافع، وليس للمديون أن يأخذه. زيلعي: أي وقضاء دين الميت بالأولى، وإنما يسترد الدافع ما دفعه في مسألة التصادق، لأنه ظهر به أن لا دين للدائن فقد قبض ما لا حق له به لأنه قبض عن ذمة مديونه، وقوله: وليس للمديون أن يأخذه: أي لأنه لم يملكه أيضا، وقيده في البحر بما إذا كان الدفع بغير أمر المديون، فلو بأمره فهو تمليك من المديون فيرجع عليه لاعلى الدائن اه: أي لان من قضى دين غيره بأمره له أن يرجع عليه بلا شرط الرجوع في الصحيح فيكون تمليكا من المديون على سبيل القرض، ثم هذا إذا لم ينو بالدفع الزكاة على المديون، وإلا فلا رجوع له على
377 أحد كما نذكر قريبا، فافهم. قوله: (فيجوز لو بأمره) أي يجوز عن الزكاة على أنه تمليك منه والدائن يقبضه لحكم النيابة عنه ثم يصير قابضا لنفسه. فتح. قوله: (فإطلاق الكتاب) يعني الهداية أو القدوري حيث أطلقا دين الميت عن التقييد بالامر، وأصل البحث لابن الهمام في شرح الهداية حيث قال: وفي الغاية عن المحيط والمفيد لو قضى بها دين حي أو ميت بأمره جاز، وظاهر الخانية يوافقه، لكن ظاهر اطلاق الكتاب يفيد عدم الجواز في الميت مطلقا، وهو ظاهر الخلاصة أيضا حيث قال: لو قضى دين حي أو ميت بغير إذن الحي لا يجوز فقيد الحي وأطلق الميت اه. قوله: (وهو الوجه) لأنه لا بد من كونه تمليكا، وهو لا يقع عند أمره بل عند أداء المأمور وقبض النائب، وحينئذ لم يكن المديون أهلا للتملك لموته، وعلى هذا فإطلاق مسألة التصادق السابقة محمول على ما إذا كان الوفاء بغير أمر المديون، أما لو كان بأمره فينبغي أن يرجع على المديون (1)، إذ غاية الأمر أنه ملك فقيرا على ظن أنه مديون وظهور عدمه لا يؤثر عدم التمليك بعد وقوعه لله تعالى، كذا في النهر وهو ملخص من كلام الفتح، لكن قوله: فينبغي أن يرجع على المديون ليس في عبارة الفتح، وهو سبق قلم لان هذا فيما إذا لم ينو بالدفع الزكاة كما قدمناه، والكلام الآن فيما إذا نواها بدليل التعليل، وحينئذ لا رجوع له على أحد لوقوعه زكاة، نعم ينبغي أن يرجع به المديون على دائنه لان الدائن قبضه نيابة عنه ثم لنفسه، وقد تبين بالتصادق عدم صحة قبضه لنفسه فبقي على ملك المديون، ثم رأيت العلامة المقدسي اعترض ما بحثه في الفتح بأن الدفع وقع نيابة عن المديون لوفاء دينه وإذا لم يكن دين لم يعتبر ذلك التوكيل الضمني في القبض لأنه ثبت ضرورة للدين، ولا دين فلا قبض فلا ملك للفقير اه. قلت: وفيه نظر لان أمره بالدفع إلى دائنه لم يبطل بظهور عدم الدين كما لو أمره بالدفع إلى أجنبي فيكون وكيلا بالقبض قصدا لا ضمنا. تأمل. قوله: (يعتق) أي يعتقه الذي اشتراه بزكاة ماله، أو يعتق عليه بأن اشترى بها أباه مثلا. قوله: (لعدم التمليك) علة للجميع. قوله: (وهو الركن) أي ركن الزكاة بالمعنى المصدري لأنها كما مر تمليك المال من فقير مسلم الخ، وتسميته ركنا تبعا للهداية وغيرها ظاهر، بخلاف ما في الدرر من تسميته شرطا، قوله: (وقدمنا) أي قبيل قوله: وافتراضها عمري. قوله: (إن الحيلة) أي في الدفع إلى هذه الأشياء مع صحة الزكاة. قوله: (ثم يأمره الخ) ويكون له ثواب الزكاة وللفقير ثواب هذه القرب. بحر. وفي التعبير بثم إشارة إلى أنه لو أمره أولا: لا يجزي، لأنه يكون وكيلا عنه في ذلك، وفيه نظر لان المعتبر نية الدافع ولذا جازت وإن سماها قرضا أو هبة في الأصح كما قدمناه، فافهم. قوله: (والظاهر نعم) البحث لصاحب النهر، وقال: لأنه مقتضى صحة التمليك. قال الرحمتي: والظاهر أنه لا شبهة فيه لأنه ملكه إياه عن
(1) قوله: (ان يرجع على المديون الخ) وقال شيخنا: الذي رأيته في عدة نسخ من النهر: فينبغي ان يرجع المديون باسقاط " على " وحينئذ فلا كلام. ا ه. 378 زكاة ماله وشرط عليه شرطا فاسدا، والهبة والصدقة لا يفسدان بالشرط الفاسد. قوله: (وإلى من بينهما ولاد) (1) أي بينه وبين المدفوع إليه، لان منافع الاملاك بينهم متصلة فلا يتحقق التمليك على الكمال. هداية. والولاد بالكسر مصدر ولدت المرأة ولادة وولادا. مغرب: أي أصله وإن علا كأبويه وأجداده وجداته من قبلهما وفرعه وإن سفل بفتح الفاء من باب طلب، والضم خطأ لأنه من السفالة وهي الخساسة. مغرب. كأولاد الأولاد، وشمل الولاد بالنكاح والسفاح فلا يدفع إلى ولده من الزنا ولا إلى من نفاه كما سيأتي، وكذا كل صدقة واجبة كالفطرة والنذر والكفارات، أما التطوع فيجوز، بل هو أولى كما في البدائع، وكذا يجوز خمس المعادن لان له حبسه لنفسه إذا لم تغنه الأربعة الأخماس كما في البحر عن الاسيبجابي، وقيد بالولاد لجوازه لبقية الأقارب كالاخوة والأعمام والأخوال الفقراء، بل هم أولى لأنه صلة وصدقة. وفي الظهيرية: ويبدأ في الصدقات بالأقارب، ثم الموالي ثم الجيران، ولو دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من الأقارب جاز إذا لم يحسبها من النفقة. بحر. وقدمناه موضحا أول الزكاة.. ويجوز دفعها لزوجة أبيه وابنه وزوج ابنته. تاترخانية. وفي القنية: اختلف في المريض إذا دفع زكاته إلى أخيه وهو وارثه: قيل يصح، وقيل لا، كمن أوصى بالحج ليس للوصي أن يدفعه إلى قريب الميت لأنه وصية، وقيل للورثة الرد باعتبارها اه. وظاهر كلامهم يشهد للأول. نهر. وكذا استظهره في البحر. قلت: ويظهر لي الأخير، وهو أنه يقع زكاة فيما بينه وبين الله تعالى، وللورثة إن علموا به الرد باعتبار أنها في حكم الوصية للوارث، ويشهد له ما قدمناه قبيل باب زكاة المال عن المختارات وغيرها من أنها لو زادت على الثلث وأراد أن يؤديها في مرضه يؤديها سرا من الورثة، وقدمنا أن ظاهر قولهم سرا أن الورثة لو علموا بذلك لهم أخذ ما زاد على الثلث. وقد يفرق بين المسألتين بأن المريض هناك مضطر إلى أداء الزائد على الثلث للخروج عن عهدتها، بخلاف أدائه إلى وارثه. تأمل. فرع: يكره أن يحتال في صرف الزكاة إلى والديه المعسرين بأن تصدق بها على فقير ثم صرفها الفقير إليهما كما في القنية. قال في شرح الوهبانية: وهي شهيرة مذكورة في غالب الكتب. قوله: (ولو مملوكا لفقير) قد راجعت كثيرا فلم أر من ذكر ذلك، وهو مشكل، فإن الملك يقع للمولى الفقير، ثم رأيت الرحمتي قال: حكاه الشلبي في حاشية التبيين بقيل فقال: وقيل في الولد الرقيق والزوجة كذلك اه: أي لا تدفع لهم الزكاة اه. ثم رأيت عبارة الشلبي بعينها في المعراج ومقتضى التعبير بقيل ضعفه لما قلنا، والله أعلم. قوله: (ولو مبانة) أي في العدة ولو بثلاث. نهر عن معراج الدراية. قوله: (ولا إلى مملوك المزكي) وكذا مملوك من بينه وبينه قرابة ولاد أو زوجية لما قال في البحر والفتح: إن الدفع لمكاتب الولد غير جائز كالدفع لابنه. شرنبلالية. قوله: (ولو مكاتبا أو مدبرا) لعدم التمليك في العبد والمدبر، ولان له في كسب مكاتبه حقا. زيلعي. واعترض
(1) قوله: (والى من بينهما الخ) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه كلمة لا، تأمل ا ه مصححه. 379 الشرنبلالي جعله المملوك شاملا للمكاتب بأنهم صرحوا بأنه لو قال: كل مملوك لي حر لا يتناول المكاتب، لأنه ليس بمملوك مطلقا لأنه مالك يدا. قلت: وقد يجاب بأنه لم يتناوله هناك لشبهة انصراف المطلق إلى الكامل فلم يعتق، لان الشبهة تصلح للدفع لا للاثبات، ولا مقتضى هنا لمراعاة هذه الشبهة. قوله: (أعتق المزكي بعضه) اعلم أن حكم معتق البعض عند الامام أن العبد إن كان كله للمعتق عتق بقدر ما أعتق، وله استسعاؤه في قيمة الباقي أو تحريره وإن كان مشتركا، فإن كان المعتق موسرا فلشريكه استسعاء العبد في قيمة حصته أو تضمين المعتق، ويرجع بما ضمن على العبد أو يعتق باقيه، وإن كان معسرا استسعى العبد لا غير. وعندهما إن أعتق بعض عبده عتق كله ولا يسعى، وإن أعتق بعض المشترك فليس للآخر إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الاعسار ولا يرجع المعتق على العبد، وسيأتي تمام الاحكام في بابه. قوله: (معسرا) حال من الأب وليس بقيد احترازي. قوله: (لا يدفع له) ذكره ليعلل له، وإلا فيغني عنه قول المصنف: ولا إلى عبده ط. قوله: (لأنه مكاتبه أو مكاتب ابنه) لأنه على تقدير أن يكون كله له أو يكون بينه وبين ابنه وكان موسرا، واختار الابن تضمينه ورجع الأب على العبد بما ضمن فهو مكاتبه، وإن كان معسرا أو كان موسرا واختار الابن الاستسعاء فهو مكاتب ابنه، ومكاتب الابن لا يجوز دفع الزكاة إليه كما لا يجوز دفعها إلى الابن، فافهم. وبما قررنا ظهر أن قوله معسرا ليس بقيد احترازي كما قلنا، ولعل فائدته رجوع شقى التعليل إلى المسألتين على سبيل اللف والنشر المرتب، ثم إنه سماه مكاتبا لأنه يشبهه في السعاية وإن خالفه من بعض الأوجه كعدم الرد إلى الرق. قوله: (وأما المشترك الخ) قال في البحر: ولو كان بين اثنين أجنبيين فأعتق أحدهما حصته وهو معسر واختار الساكت الاستسعاء فللمعتق الدفع لأنه مكاتب لشريكه، وليس للساكت الدفع لأنه مكاتبه، وإن كان المعتق موسرا واختار الساكت تضمينه فللساكت الدفع إلى العبد لأنه أجنبي عنه، وليس للمعتق الدفع إذا اختار بعد تضمينه استسعاءه اه. قوله: (لأنه إما مكاتب نفسه) أي فيما إذا كان المزكي هو الساكت المستسعى وكان المعتق معسرا، أو كان المزكي هو المعتق الموسر واستسعى العبد بعد أن ضمنه الساكت، وقوله: أو غيره أي فيما إذا كان المزكي هو المعتق في الصورة الأولى أو الساكت في الثانية كما علم مما ذكرناه آنفا عن البحر، ففي المسألتين الأوليين لا يجوز الدفع إليه لأنه مكاتب نفسه كما علم من قوله ولا إلى مملوك المزكي ولو مكاتبا وفي الأخيرتين يجوز لأنه مكاتب غيره كما علم من قول المتن سابقا ومكاتب فقوله لأنه الخ تعليل لقوله فحكمه علم مما مر وهو ظاهر، فافهم. قال في النهر: فإن قلت: كيف يتصور دفع الزكاة من المعسر؟ قلت: يتصور بأن يكون زكاة مال مستهلك قبل الاعتاق ويكون وقت الاعتاق فقيرا. قوله: (مطلقا) أي سواء كان المعتق موسرا أو معسرا والعبد كله له أو مشترك بينه وبين ابنه أو أجنبي. قوله: (لأنه حر كله) أي غير مديون، وهو فيما إذا كان كل العبد للمعتق أو بعضه وهو موسر وضمنه الساكت. قوله: (أو حر مديون) أي فيما
380 إذا كان المعتق معسرا فإن العبد يسعى للساكت وهو حر. قوله: (فافهم) أشار به إلى أنه حرر المراد على وجه لا يرد عليه ما أورده في الدرر حر. قوله: (فافهم) أشار به إلى أنه حرر المراد على وجه لا يرد عليه ما أورده في الدرر على عبارة الهداية وإن تكلف شراحها إلى تأويلها كما يعلم بمراجعة ذلك. قوله: (ولا إلى غني) استثنى منه القهستاني المكاتب وابن السبيل والعامل، ومقتضاه جواز الدفع إلى المكاتب وإن حصل نصابا زائدا على بدل الكتابة، وقدمنا نحوه عن شرح ابن الشلبي، وأما دفعها إلى السلطان فتقدم الكلام عليه أو الزكاة، وكذا لو جمع رجل لفقير زكاة من جماعة. قوله: (فارغ عن حاجته) قال في البدائع: قدر الحاجة هو ما ذكره الكرخي في مختصره: لا بأس أن يعطى من الزكاة من له مسكين، وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله، فإن كان له فضل عن ذلك تبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة، لما روي عن الحسن البصري قال: كانوا: يعني الصحابة يعطون من الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من السلاح والفرس والدار والخدم، وهذا لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للانسان منها. وذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت ودور للغلة لكن غلتها لا تكفيه وعياله أنه فقير ويحل له أخذ الصدقة عند محمد، وعند أبي يوسف: لا يحل، وكذا لو له كرم لا تكفيه غلته، ولو عنده طعام للقوت يساوي مائتي درهم، فإن كان كفاية شهر يحل أو كفاية سنة قيل لا يحل، وقيل يحل لأنه مستحق الصرف إلى الكفاية فيلحق بالعدم، وقد ادخر عليه الصلاة والسلام لنسائه قوت سنة، ولو له كسوة الشتاء وهو لا يحتاج إليها في الصيف يحل، ذكر هذه الجملة في الفتاوى اه. وظاهر تعليله للقول الثاني في مسألة الطعام اعتماده. وفي التاترخانية عن التهذيب أنه الصحيح، وفيها عن الصغرى له دار يسكنها لكن تزيد على حاجته بأن لا يسكن الكل يحل له أخذ الصدقة في الصحيح، وفيها سئل محمد عمن له أرض يزرعها أو حانوت يستغلها أو دار غلتها ثلاثة آلاف ولا تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة؟ يحل له أخذ الزكاة وإن كانت قيمتها تبلغ ألوفا، وعليه الفتوى، وعندهما لا يحل اه ملخصا. مطلب: في جهاز المرأة هل تصير به غنية؟ قلت: وسئلت عن المرأة هل تصير غنية بالجهاز الذي تزف به إلى بيت زوجها؟ والذي يظهر مما مر أن ما كان من أثاث المنزل وثياب البدن وأواني الاستعمال مما لا بد لأمثالها منه فهو من الحاجة الأصلية، وما زاد على ذلك من الحلي والأواني والأمتعة التي يقصد بها الزينة إذا بلغ نصابا تصير به غنية، ثم رأيت في التاترخانية في باب صدقة الفطر: سئل الحسن بن علي عمن لها جواهر ولآلي تلبسها في الأعياد وتتزين بها للزوج وليست للتجارة، هل عليها صدقة الفطر؟ قال: نعم إذا بلغت نصابا. وسئل عنها عمر الحافظ فقال: لا يجب عليها شئ اه. مطلب: في الحوائج الأصلية وحاصله ثبوت الخلاف من أن الحلي غير النقدين من الحوائج الأصلية، والله تعالى أعلم. قوله: (كما جزم به في البحر) حيث قال: ودخل تحت النصاب النامي الخمس من الإبل، فإن ملكها أو نصابا من السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له سواء كان يساوي مائتي دراهم أو لا، وقد
381 صرح به شراح الهداية عند قوله من أي مال كان اه. قوله: (ما في الوهبانية) أي في آخرها عند ذكر الألغاز. قوله: (لكن اعتمد في الشرنبلالية الخ) حيث قال: وما وقع في البحر خلاف هذا فهو وهم فليتنبه له، وقد ذكر خلافه في ألغاز الأشباه والنظائر فقد ناقض نفسه، ولم أر أحدا من شراح الهداية صرح بما ادعاه بل عبارتهم تفيد خلافه، غير أنه قال في العناية: ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض اه. فأوهم ما في البحر وهو مدفوع، لان قول العناية سواء كان الخ مفيد تقدير النصاب بالقيمة سواء كان من العروض أو السوائم لما أن العروض ليس نصابها إلا ما يبلغ قيمته مائتي درهم، وقد صرح بأن المعتبر مقدار النصاب في التبيين وغيره واستدل له في الكافي بقوله (ص): من سأل وله ما يغنيه فقد سأل الناس إلحافا، قيل: وما الذي يغنيه؟ قال: مائتا درهم أو عدلها اه. فقد شمل الحديث اعتبار السائمة بالقيمة لاطلاقه، وقد نص على اعتبار قيمة السوائم في عدة كتب من غير خلاف في الأشباه والسراج والوهبانية وشرحيها والذخائر الأشرفية وفي الجوهرة. قال المرغيناني: إذا كان له خمس من الإبل قيمتها أقل من مائتي درهم تحل له الزكاة وتجب عليه، وبهذا ظهر أن المعتبر نصاب النقد من أي مال كان، بلغ نصابا من جنسه أو لم يبلغ اه ما نقله عن المرغيناني اه ما في الشرنبلالية ملخصا. ووفق ط بأنه روي عن محمد روايتان في النصاب المحرم للزكاة هل المعتبر فيه القيمة أو الوزن؟ ففي المحيط عنه الأول، وفي الظهيرية عنه الثاني. وتظهر الثمرة فيمن له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلاثمائة درهم مثلا فيحرم أخذ الزكاة على الأول لا على الثاني. وتظهر الثمرة فيمن له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلاثمائة درهم مثلا فيحرم أخذ الزكاة على الأول لا على الثاني. والظاهر أن اعتبار الوزن في الموزون لتأتيه فيه، أما لمعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد على الرواية الثانية، وعليها يحمل ما في البحر، وعلى رواية المحيط من اعتبار القيمة يحمل ما في الشرنبلالية وغيرها، وبه يندفع التنافي بين كلامهم اه. أقول: وفيه نظر، فإن قوله: أما لمعدود كالسائمة فيعتبر فيها العدد وهو مسلم في حق وجوب الزكاة، أما في حق حرمة أخذها فهو محل النزاع. فقد يقال: إذا كان اختلاف الرواية في الموزون يكون المعدود معتبرا بالقيمة بلا اختلاف كما تعتبر القيمة اتفاقا في العروض، وقد علمت أن ما ذكره في البحر لم يصرح به شراح الهداية. وإنما صرحوا بما مر عن العناية، وقد علمت تأويله مع تصريح المرغيناني بما يزيل الشبهة من أصلها، فلم يحصل التنافي بين كلامهم حتى يقتحم التوفيق البعيد، وإنما حصل التنافي بين ما فهمه في البحر وبين ما صرح به غيره، والواجب الرجوع إلى ما صرحوا به حتى يرى تصريح آخر منهم، بخلافه يحصل به التنافي فحينئذ يطلب منه التوفيق، فافهم. قوله: (أي الغني) احترز به عن مملوك الفقير فيجوز دفعها إليه كما في منية المفتي ط. قوله: (ولو مدبرا) مثله أم الولد كما في البحر. قوله: (أو زمنا الخ) أي ولا يجد ما ينفقه كما في الذخيرة. قوله: (على المذهب) أي حيث أطلق فيه العبد وهذا راجع إلى قوله: أو زمنا قال في الذخيرة: وروى عن أبي يوسف جواز الدفع إليه اه.
382 قال في الفتح: وفيه نظر، لأنه لا ينتفي وقوع الملك لمولاه بهذا العارض وهو المانع، وغاية ما فيه وجوب كفايته على السيد وتأثيمه بتركه واستحباب الصدقة النافلة عليه. وقد يجاب بأنه عند غيبة مولاه الغني وعدم قدرته على الكسب لا ينزل عن حال ابن السبيل اه. قال في البحر: وقد يقال: إن الملك هنا يقع للمولى وليس بمصرف، وأما ابن السبيل فمصرف، فالأولى الاطلاق كما هو المذهب اه. قلت: مراد صاحب الفتح إلحاقه بابن السبيل في جواز الدفع إليه، للعجز مع قيام المانع كما ألحق به من له مال لا يقدر عليه كما مر، فإذا جاز فيه مع تحقق غناه ففي العبد العاجز من كل وجه أولى، لكن قد ينازع في صحة الالحاق بأن الزكاة لا بد فيها من التمليك، والعبد لا يملك، وإن ملك ففي ابن السبيل ونحوه وقع الملك في محل العجز فجاز الدفع، والعبد لا يملك، وإن ملك ففي ابن السبيل ونحوه ونحوه وقع الملك في محل العجز فجاز الدفع، وفي العبد وقع في غير محل العجز، لان الملك يقع للمولى إلا أن يدعي وقوعه للعبد هنا إحياء لمهجته حيث لم يجد متبرعا. قوله: (غير المكاتب) أي مكاتب الغني. قوله: (بمحيط) أي بدين محيط: أي مستغرق لرقبته ولما في يده. قوله: (فيجوز) جواب لشرط مقدر: أي أما المكاتب والمأذون المذكور فيجوز دفع الزكاة إليها، أما المكاتب فقد مر، وأما المأذون فلعدم ملك المولى إكسابه في هذه الحالة عند الامام خلافا لهما كما في البحر. قوله: (قوله ولا إلى طفله) أي الغني فيصرف إلى البالغ ولو ذكرا صحيحا. قهستاني. فأفاد أن المراد بالطفل غير البالغ ذكرا كان أو أنثى في عيال أبيه أو لا على الأصح لما أنه يعد غنيا بغناه. نهر. قوله: (بخلاف ولده الكبير) أي البالغ كما مر ولو زمنا قبل فرض نفقته إجماعا وبعده عند محمد خلافا للثاني، وعلى هذا بقية الأقارب، وفي بنت الغني ذات الزوج خلاف. والأصح الجواز وهو قولهما: ورواية عن الثاني. نهر. قوله: (وطفل الغنية) أي ولو لم يكن له أب. بحر عن القنية. قوله: (لانتفاء المانع) علة للجميع، والمانع أن الطفل يعد غنيا بغنى أبيه، بخلاف الكبير فإنه لا يعد غنيا بغنى أبيه ولا الأب بغنى ابنه الزوجة بغنى زوجها ولا الطفل بغنى أمه ح عن البحر. قوله: (وبني هاشم الخ) اعلم أن عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي (ص) أعقب أربعة وهم: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس. ثم هاشم أعقب أربعة انقطع نسل الكل، إلا عبد المطلب فإنه أعقب اثنى عشر، تصرف الزكاة إلى أولاد كل إذا كانوا مسلمين فقراء، إلا أولاد عباس وحارث وأولاد أبي طالب من علي وجعفر وعقيل. قهستاني. وبه علم أن إطلاق بني هاشم مما لا ينبغي، إذ لا تحرم عليهم كلهم بل على بعضهم ولهذا قال في الحواشي السعدية: إن آل أبي لهب ينسبون أيضا إلى هاشم وتحل لهم الصدقة اه. وأجاب في النهر بقوله: وأقل قال في النافع بعد ذكر بني هاشم: إلا من أبطل النص قرابته: يعني به قوله (ص): لا قرابة بيني وبين أبي لهب، فإنه آثر علينا الأفجرين وهذا صريح في انقطاع نسبته عن هاشم، وبه ظهر أن في اقتصار المصنف على بني هاشم كفاية، فإن من أسلم من أولاد أبي لهب غير داخل لعدم قرابته، وهذا حسن جدا لم أر من نحا نحوه فتدبره اه. قوله: (بنو لهب)
383 في بعض النسخ: بنو أبي لهب وهي أصوب. قوله: (فتحل لهم) (1) هذا ما جرى عليه جمهور الشارحين خلافا لما في غاية البيان كما في البحر والنهر. قوله: (لبني المطلب) أي لمن أسلم منهم وهو أخو هاشم كما مر. قوله: (إطلاق المنع الخ) يعني سواء في ذلك كل الأزمان وسواء في ذلك دفع بعضهم لبعض ودفع غيرهم لهم. وروى أبو عصمة عن الامام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه، لان عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم لاهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقيها. وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوض كذا في البحر. وقال في النهر: وجوز أبو يوسف دفع بعضهم إلى بعض، وهو رواية عن الامام، وقول العيني والهاشمي: يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف، صوابه، لا يجزي ولا يصح حمله على اختيار الرواية السابقة عن الامام لمن تأمل اه. ووجهه أنه لو اختار تلك الرواية ما صح قوله خلافا لأبي يوسف، لما علمت من أنه موافق لها، وفي اختصار الشارح بعض إيهام ا ه ح. قوله: (فأرقاؤهم أولى) أي بالمنع لان تمليك الرقيق يقع لمولاه، بخلاف العتيق. قال في النهر: قيد بمواليهم لان مولى الغني يجوز الدفع إليه. قوله: (لحديث مولى القوم منهم) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بلفظ: مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة قال الترمذي: حسن صحيح، وكذا صححه الحاكم. فتح. وهذا في حق حل الصدقة وحرمتها لا في جميع الوجوه، ألا ترى أنه ليس بكفء لهم، وأن مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية ومولى التغلبي لا تؤخذ منه المضاعفة بل الجزية. نهر. قلت: سيأتي في باب الكفاءة في النكاح أن معتق الوضيع ليس بكفء لمعتقه الشريف. قوله: (لسائر الأنبياء) أي لباقيهم. قوله: (واعتمد في النهر الخ) هو اعتماد لثاني القولين الآتي نقلهما عن المبسوط في حواشي مسكين عن الحموي عن شرح البخاري لابن بطال: اتفق الفقهاء على أن أزواجه (ص) لا يدخلن في الذين حرمت عليهم الصدقة. ثم قال الحموي: وفي المغني عن عائشة رضي الله عنها: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة قال: فهذا يدل على تحريمها عليهن اه. تأمل. قوله: (وجازت التطوعات الخ) قيد بها ليخرج بقية الواجبة كالنذر والعشر والكفارات وجزاء الصيد، إلا خمس الركاز فإنه يجوز صرفه إليهم كما في النهر عن السراج. قوله: (كما حققه في الفتح) أقول: نقل في البحر عن عدة كتب أن النفل جائز لهم إجماعا، وذكر أنه المذهب، وأنه لا فرق بين التطوع والوقف كما في المحيط وكافي النسفي، وأن الزيلعي أثبت الخلاف على وجه يشعر بحرمة التطوع عليهم، وقواه في الفتح من جهة الدليل اه.
(1) قوله: (فتحل لهم) هكذا بخطه ولعلها نسخة، والا فالذي في نسخ الشارح فتحل لمن أسلم منهم وهو أصح بالمراد ا ه مصححه. 384 قلت: وذكر في الفتح أن الحق إجراء الوقف مجرى النافلة، لان الواقف متبرع، ووجوب الدفع على الناظر لوجوب اتباعه لشرط الواقف لا يصير به واجبا على الواقف، ونقل ح عبارته بطولها. وحاصلها ترجيح منع الوقف عليهم كالنافلة، وبه يظهر ما في كلام الشارح، فإن مفاده أن كلام الفتح في الوقف فقط وأنه يحل لهم، لكن وقع في نسخة كتب عليها ح بزيادة: وقيل لا مطلقا قبل قوله: على ما هو الحق وبها يصح الكلام، وسقطت هذه الزيادة وما بعدها في بعض النسخ إلى قوله: ولا تدفع إلى ذمي. قوله: (لكن في السراج وغيره) عزاه في البحر إلى شرح الطحاوي وغيره. قوله: (وجعله محشي الأشباه) أي الشيخ صالح الغزي ابن المصنف، وكذا البيري شارح الأشباه، والضمير إلى ما في السراج وغيره ط. قوله: (محمل القولين) أي محمل القول بالجواز على ما إذا سماهم، وبعدمه على ما إذا لم يسمهم، كما إذا وقف على الفقراء، ولعل وجهه أنه حينئذ يكون صدقة من كل وجه، فلا يجوز الدفع إلى فقرائهم، بخلاف ما إذا سماهم لأنه يكون تبرعا وصلة لا صدقة، فهو كما لو وقف على جماعة أغنياء ثم على الفقراء، ويؤيده ما في خزانة المفتين: لو قال مالي لأهل بيت النبي (ص) وهم يحصون جاز، لأن هذه وصية وليست بصدقة، ويصرف إلى أولاد فاطمة رضي الله عنها اه. قوله: (ثم نقل عن صاحب البحر الخ) هذا موجود في بعض النسخ، والأصوب إسقاطه لتكرره بقوله المار: وهل كانت تحل الخ. قوله: (لحديث معاذ) أي المار عند قوله: ومكاتب إذ لا خلاف أن الضمير في أغنيائهم يرجع للمسلمين فكذا في فقرائهم. معراج. قوله: (غير العشر) (1) فإنه ملحق بالزكاة ولذا سموه زكاة الزرع، وأما الخراج فليس من الصدقات التي الكلام فيها، ومصرفه مصالح المسلمين كما مر، ولذا لم يستثن في الكنز والهداية إلا الزكاة. قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: إن دفع سائر الصدقات الواجبة إليه لا يجوز اعتبارا بالزكاة، وصرح في الهداية وغيرها بأن هذا رواية عن الثاني، وظاهره أن قوله المشهور كقولهما. قوله: (وبقوله يفتى) الذي في حاشية الخير الرملي عن الحاوي وبقوله نأخذ. قلت: لكن كلام الهداية وغيرها يفيد ترجيح قولهما وعليه المتون. قوله: (وأما الحربي) محترز الذمي. قوله: (عن الغاية) أي غاية البيان، وقوله: وغيرها أي النهاية، فافهم. قوله: (لكن جزم الزيلعي بجواز التطوع له) أي للمستأمن كما تفيده عبارة النهر، ثم إن هذا لم أره في الزيلعي، وكذا
(1) قوله: (غير العشر) هكذا بخطه بدون واو، والذي في نسخ الشارح وغير العشر بالواو والمآل واحد ا ه مصححه. 385 قال أبو السعود وغيره مع أنه مخالف لدعوى الاتفاق، لكن رأيت في المحيط من كتاب الكسب: ذكر محمد في السير الكبير: لا بأس للمسلم أن يعطي كافرا حربيا أو ذميا، وأن يقبل الهدية منه، لما روي: أن النبي (ص) بعث خمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا وأمر بدفعها إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة ولان صلة الرحم محمودة في كل دين، والاهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق الخ، وسنذكر تمام الكلام على ذلك في أول كتاب الوصايا. قوله: (دفع بتحر) أي اجتهاد، وهو لغة: الطلب والابتغاء، ويرادفه التوخي، إلا أن الأول يستعمل في المعاملات، والثاني في العبادات. وعرفا: طلب الشئ بغالب الظن عند عدم الوقوف على حقيقته. نهر. قوله: (لمن يظنه مصرفا) أما لو تحرى فدفع لمن ظنه غير مصرف أو شك ولم يتحر لم يجز حتى يظهر أنه مصرف فيجزيه في الصحيح، خلافا لمن ظن عدمه، وتمامه في النهر. وفيه: واعلم أن المدفوع إليه لو كان جالسا في صف الفقراء يصنع صنعهم أو كان عليه زيهم أو سأله فأعطاه كانت هذه الأسباب بمنزلة التحري، وكذا في المبسوط حتى لو ظهر غناه لم يعد. قوله: (فبان أنه عبده) أي ولو مدبرا أو أم ولد. نهر وجوهرة. وهو مفاد من مقابلته بالمكاتب، وإنما لم يجز لأنه لم يخرج المدفوع عن ملكه، والتمليك ركن. قوله: (أو مكاتبه) لان له في كسبه حقا فلم يتم التمليك. زيلعي. والمستسعي كالمكاتب عنده، وعندهما حر مديون. بحر عن البدائع. قوله: (أو حربي) قال في البحر: وأطلق: أي في الكنز الكافر فشمل الذمي والحربي، وقد صرح بهما في المبتغى. وفي المحيط: في الحربي روايتان، والفرق على إحداهما أنه لم توجد صفة القربة أصلا والحق المنع. ففي غاية البيان عن التحفة أجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي ولو مستأمنا لا يجوز، وكذا في المعراج معللا بأن صلته لا تكون برا شرعا، ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع قربة اه. أقول: ينافيه ما قدمناه قريبا عن المحيط عن السير الكبير من أنه لا بأس أن يعطي حربيا، إلا أن يقال: إن معناه لا يحرم بل تركه أولى فلا يكون قربة، فتأمل. وفي شرح الكنز لابن الشلبي قال في كفاية البيهقي: دفع إلى حربي خطأ ثم تبين جاز على رواية الأصل. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وهو قوله اه. قال الأقطع وقال أبو يوسف: لا يجوز، وهو أحد قولي الشافعي، وقوله الآخر مثل قول أبي حنيفة. قال في مشكلات جواهر زاده: الاجماع منعقد أنه لو كان متسأمنا أو حربيا تجب الإعادة اه. ونص في المختار على الجواز وإطلاق الكنز يدل عليه. اه كلام ابن الشلبي. قلت: وكذا إطلاق الهداية والملتقى الكافر يدل على الجواز، وما نقله عن الأقطع يدل على أنه قول إما المذهب فحكاية الاجماع على خلافه في غير محلها. قوله: (لما مر) أي في قوله فجميع الصدقات لا تجوز له اتفاقا. قوله: (أو كونه ذميا) عدل عن تعبير الهداية وغيرها بالكافر بناء على ما مر. قوله: (لا يعيد) أي خلافا لأبي يوسف. قوله: (لأنه أتى بما في وسعه) أي أتى بالتمليك الذي هو الركن على قدر وسعه، إذ ليس مكلفا إذا دفع في ظلمة مثلا بأن يسأل عن
386 القابض من أنت؟ وبقولنا أتى بالتمليك يندفع ما قد يقال: إنه لو دفع إلى عبده أو مكاتبه يكون آتيا بما في وسعه، لكن يرد عليه الحربي لحصول التمليك، وهذا يؤيد ما مر من عدم وجوب الإعادة فيه، والتعليل بعدم وجود صفة القربة محل نظر، فتدبر. قوله: (ولو دفع بلا تحر) (1) أي ولا شك كما في الفتح. وفي القهستاني بأن لم يخطر بباله أنه مصر ف أو لا، وقوله: لم يجز إن أخطأ: أي إن تبين له أنه غير مصرف، فلو لم يظهر له شئ فهو على الجواز، وقدمنا ما لو شك فلم يتحر أو تحرى وغلب على ظنه أنه غير مصرف. تنبيه: في القهستاني عن الزاهدي: ولا يسترد منه لو ظهر أنه عبد أو حربي. وفي الهاشمي روايتان ولا يسترد في الولد والغني، وهل يطلب له؟ فيه خلاف وإذا لم يطلب قيل يتصدق، وقيل يرد على المعطي اه. قوله: (وكره إعطاء فقير نصابا أو أكثر) وعن أبي يوسف: لا بأس بإعطاء قدر النصاب، وكره الأكثر لان جزءا من النصاب مستحق لحاجته للحال والباقي دونه. معراج. وبه ظهر وجه ما في الظهيرية وغيرها عن هشام قال: سألت أبا يوسف عن رجل له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين، قال: يأخذ واحدا ويرد واحدا اه. فما في البحر والنهر هنا غير محرر فتدبر، وبه ظهر أيضا أن دفع ما يكمل النصاب كدفع النصاب. قال في النهر: والظاهر أنه لا فرق بين كون النصاب ناميا أو لا حتى لو أعطاه عروضا تبلغ نصابا فكذلك ولا بين كونه من النقود أو من الحيوانات حتى لو أعطاه خمسا من الإبل لم تبلغ قيمتها نصابا كره لما مر اه. وفي بعض النسخ: تبلغ بدون لم، والأنسب الأول. قوله: (بحيث لو فرقه عليهم) أي على العيال، فهو راجع إلى قوله أو كان صاحب عيال قال في المعراج: لان التصدق عليه في المعنى تصدق على عياله، وقوله: أو لا يفضل معطوف على قوله: لو فرقه وهو راجع إلى قوله مديونا ففيه لف ونشر غير مرتب. وقوله: نصاب تنازع فيه يخص ويفضل، فافهم. قوله: (وكره نقلها) أي من بلد إلى بلد آخر، لان فيه رعاية حق الجوار فكان أولى. زيلعي. والمتبادر منه أن الكراهة تنزيهية. تأمل. فلو نقلها جاز لان المصرف مطلق الفقراء. درر. ويعتبر في الزكاة مكان المال في الروايات كلها. واختلف في صدقة الفطر كما يأتي. قوله: (بل في الظهيرية الخ) إضراب انتقالي عن عدم كراهة نقلها إلى القرابة إلى تعيين النقل إليهم، وهذا نقله في مجمع الفوائد معزيا للأوسط عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي (ص) أنه قال: يا أمة محمد، والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم، والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة اه رحمتي. والمراد بعدم القبول عدم الإثابة عليها وإن سقط بها الفرض، لان المقصود منها سد خلة المحتاج، وفي القريب جمع بين الصلة والصدقة. وفي القهستاني: والأفضل إخوته وأخواته ثم أولادهم ثم أعمامه وعماته ثم أخواله وخالاته ثم ذوو أرحامه ثم جيرانه ثم أهل سكته ثم أهل بلده كما في النظم اه.
(1) قوله: (ولو دفع بلا تحر) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح: حتى لو دفع الخ مصححه. 387 قلت: ونظم ذلك المقدسي في شرحه. قوله: (أو من دار الحرب الخ) لان فقراء المسلمين الذي في دار الاسلام أفضل من فقراء دار الحرب. بحر. قلت: ينبغي استثناء أسارى المسلمين إذا كان في دفعها إعانة على فك رقابهم من الأسر. تأمل. قوله: (وفي المعراج الخ) تمام عبارته: وكذا على المديون المحتاج. قوله: (أفضل) أي من الجاهل الفقير. قهستاني. قوله: (خلاصة) عبارتها كما في البحر: لا يكره أن ينقل زكاة ماله المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج ومديون. قوله: (ولا يجوز صرفها لأهل البدع) عبارة البزازية: ولا يجوز صرفها للكرامية الخ. فالمراد هنا بالبدع المكفرات. تأمل. قوله: (كالكرامية) بالفت والتشديد، وقيل بالتخفيف، والأول الصحيح المشهور: فرقة من المشبهة نسبت إلى عبد الله محمد بن كرام (1) وهو الذي نص على أن معبوده على العرش استقرارا وأطلق اسم الجوهر عليه، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا. مغرب. قوله: (وكذا المشبهة في الصفات) هم الذين يجوزون قيام الحوادث به تعالى، فيجعلون بعض صفاته حادثة كصفات الحوادث ط. قوله: (لان مفوت المعرفة الخ) العبارة مقلوبة، وعبارة البزازية وغيرهم أي غير الكرامية من المشبهة في الصفات أقل حالا منهم لأنهم مشبهة في الصفات، والمختار أنه لا يجوز الصرف إليهم لان مفوت المعرفة من جهة الصفة ملحق بمفوت المعرفة من جهة الذات. قوله: (كما لا يجوز دفع زكاة الخ) مثل الزكاة كل صدقة واجبة إلا خمس الركاز ط حاشية الأشباه لأبي السعود. قوله: (وكذا الذي نفاه) كولد أم الولد إذا نفاه، كذا في البحر، ومثله في المنفي باللعان كما يأتي في بابه، وهل مثله ولد قنته إذا سكت عنه أو نفاه؟ فليراجع ح. قوله: (احتياطا) علة لقوله لا يجوز. قوله: (إلا إذا كان الولد الخ) علله في العمادية بأن النسب يثبت من الناكح. وقد ذكر في الصيرفية: جاءت بولد من الزنى يثبت النسب من الزوج لا من الزاني في الصحيح فلو دفع صاحب الفراض زكاته إلى هذا الولد يجوز، ولو دفع الزاني لا يجوز عندنا، خلافا للشافعي اه. فقد صرح بعدم جواز الدفع إلى ولده من الزنى وإن كان لها زوج معروف، رحمتي عن الحموي. وهذا مخالف لما ذكره المصنف. وتصوير المسألة بالزنى مع العلم بأنها ذات زوج ليخرج ما إذا لم يعلم ذلك لكون الوطئ حينئذ وطئ شبهة لا زنى، ولذا قال في البحر: وخرج ولد المنعي إليها زوجها إذا تزوجت، ثم ولدت ثم جاء الأول حيا فإن على قول الإمام المرجوع عنه الأولاد للأول، ومع هذا يجوز دفع زكاته إليهم وشهادتهم له، وكذا في المعراج لعدم الفرعية ظاهرا، وعليه فينبغي أن لا يجوز ذلك للثاني لوجود الفرعية حقيقة وإن لم يثبت النسب منه، لكن المنقول في
(1) قوله: (نسبت إلى عبد الله محمد الخ) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه أبي ففي المصباح: وكرم بفتح الكاف مثقل لأنه أبي عبد الله محمد بن كرام المشبه الذي اطلق اسم الجوهر على الله تعالى إلى آخر ما قال فليحرر ا ه مصححه. 388 الولوالجية جواز ذلك له على قول الإمام، وروى رجوعه وعليه الفتوى، وعليه فللأول الدفع إليهم دون الثاني اه. قوله: (والكل) أي كل الفروع المذكورة من قوله: ولا يجوز دفعها لأهل البدع إلى هنا. قوله: (ولا يحل أن يسأل الخ) قيد بالسؤال لان بدونه لا يحرم. بحر. وقيد بقوله: شيئا من القوت لان له سؤال ما هو محتاج إليه غير القوت كثوب. شرنبلالية. وإذا كان له دار يسكنها ولا يقدر على الكسب قال ظهير الدين: لا يحل له السؤال إذا كان يكفيه ما دونها. معراج. ثم نقل ما يدل على الجواز وقال: وهو أوسع، وبه يفتى. قوله: (كالصحيح المكتسب) لأنه قادر بصحته واكتسابه على قوت اليوم. بحر. قوله: (ويأثم معطيه الخ) قال الأكمل في شرح المشارق: وأما الدفع إلى مثل هذا السائل عالما بحاله فحكمه في القياس الاثم به لأنه إعانة على الحرم، لكنه يجعل هبة وبالهبة للغني أو لمن لا يكون محتاجا إليه لا يكون آثما اه. أي لان الصدقة على الغني هبة، كما أن الهبة للفقير صدقة، لكن فيه أن المراد بالغني من يملك نصابا، أما الغني بقوت يومه فلا تكون الصدقة عليه هبة بل صدقة، فما فر وقع فيه. أفاده في النهر. وقال في البحر: لكن يمكن دفع القياس المذكور بأن الدفع ليس إعانة على المحرم، لان الحرمة في الابتداء إنما هي بالسؤال وهو متقدم على الدفع، ولا يكون الدفع إعانة إلا لو كان الاخذ هو المحرم فقط، فليتأمل اه. قال المقدسي في شرحه: وأنت خبير بأن الظاهر أن مرادهم أن الدفع إلى مثل هذا يدعو إلى السؤال على الوجه المذكور، وبالمنع ربما يتوب عن مثل ذلك، فليتأمل اه. قوله: (للكسوة) ومثلها أجرة المسكن ومرمة البيت الضرورية، لا ما يشترى به بيتا فيما يظهر. قوله: (أو لاشتغاله عن الكسب بالجهاد) أشار إلى أن له السؤال وإن كان مكتسبا كما صرح به في البحر عن غاية البيان. قوله: (أو طلب العلم) ذكره في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن يلحق به: أي بالغازي طالب العلم لاشتغاله عن الكسب بالعلم، ولهذا قالوا: إن نفقته على أبيه وإن كان صحيحا مكتسبا كما لو كان زمنا. قوله: (واعتبار حاله الخ) أشار إلى أنه ليس المراد دفع ما يغنيه في ذلك اليوم عن سؤال القوت فقط، بل عن سؤال جميع ما يحتاجه فيه لنفسه وعياله. وأصل العبارة للشرنبلالي حيث قال: قوله وندب دفع ما يغنيه عن سؤال يوم ظاهره تعلق الاغناء بسؤال القوت، والأوجه أن ينظر إلى ما يقتضيه الحال في كل فقير من عيال وحاجة أخرى كدهن وثوب وكراء منزل وغير ذلك كما في الفتح اه. وتمامه فيها فافهم. قوله: (والمعتبر في الزكاة فقراء مكان المال) أي لامكان المزكي، حتى لو كان هو في بلد وماله في آخر يفرق في موضع المال. ابن كمال: أي في جميع الروايات. بحر. وظاهره أنه لو فرق في مكانه نفسه يكره كما في المسألة نقلها إلى مكان آخر. بقي هنا شئ لم أره وهو أنه لو كان له مال مع مضارب مثلا في بلدة وحال عليه الحول هناك ثم جاء المضارب بالمال إلى بلدة رب المال وكان لم يخرج زكاته فهل يخرجها إلى فقراء بلدته أو إلى فقراء البلدة التي كان فيها المال؟
389 فليراجع (1). قوله: (وفي الوصية مكان الموصي) أقول: كذا في الجوهرة عن الفتاوى، لكن ذكر في وصايا شرح الوهبانية عن الخلاصة: أوصى بأن يتصدق بثلث ماله في فقراء بلخ، الأفضل أن يصرف إليهم وإن أعطى غيرهم جاز، وهذا قول أبي يوسف، وبه يفتى. وقال محمد: لا يجوز اه. قوله: (مكان المؤدي) أي لامكان الرأس الذي يؤدي عنه. قوله: (وهو الأصح) بل صرح في النهاية والعناية بأنه ظاهر الرواية كما في الشرنبلالية وهو المذهب كما في البحر، فكان أولى مما في الفتح من تصحيح قولهما باعتبار مكان المؤدي عنه. قال الرحمتي: وقال في المنح في آخر باب صدقة الفطر: الأفضل أن يؤدي عن عبيده وأولاده وحشمه حيث هم عند أبي يوسف، وعليه الفتوى، وعند محمد: حيث هو اه تأمل. قلت: لكن في التاترخانية: يؤدي عنهم حيث هو، وعلي الفتوى وهو قول محمد، ومثله قول أبي حنيفة وهو الصحيح. قوله: (إلى صبيان أقاربه) أي العقلاء، وإلا فلا يصح إلا بالدفع إلى ولي الصغير. قوله: (برسم عيد) أي عادة عيد ح. قوله: (أو مهدي الباكورة) هي الثمرة التي تدرك أولا. قاموس. وقيده في التاترخانية بالتي لا تساوي شيئا، ومفهومه أنها لو لها قيمة لم يصح عن الزكاة، لان المهدي لم يدفعها إلا للعوض فلا يجوز إلا بدفع ما يرضى به المهدي والزائد عليه يصح عن الزكاة. ثم رأيت ط ذكر مثله وزاد: إلا أن ينزل المهدي منزلة الواهب اه، أي لأنه لم يقصد بها أخذ العوض وإنما جعلها وسيلة للصدقة فهو متبرع بما دفع، ولذا لا يعد ما يأخذه عوضا عنها بل صدقة، لكن الآخذ لو لم يعطه شيئا لا يرضى بتركها له فلا يحل له أخذها، والذي يظهر أنه لو نوى بما دفعه الزكاة صحت نيته ولا تبقى ذمته مشغولة بقدر قيمتها أو أكثر إذا كان لها قيمة، لان المهدي وصل إلى غرضه من الهدية، سواء كان ما أخذه زكاة أو صدقة نافلة ويكون حينئذ راضيا بترك الهدية، فليتأمل. قوله: (إلا إذا نص على التعويض) ينبغي أن يكون مبنيا على القول بأنه إذا سمى الزكاة قرضا لا تصح، وتقدم أن المعتمد خلافة، وعليه فينبغي أنه إذا نواها صحت وإن نص على التعويض، إلا أن يقال: إذا نص على التعويض يصير عقد معاوضة، والملحوظ إليه في العقود هو الألفاظ دون النية المجردة، والصدقة تسمى قرضا مجازا مشهورا في القرآن العظيم فيصح إطلاقه عليها، بخلاف لفظ العوض إذ عمل للنية المجردة مع اللفظ الغير الصالح لها، ولذا فصل بعضهم فقال: إن تأول القرض بالزكاة جاز، وإلا فلا. تأمل. قوله: (ولو دفعها لأخته الخ) قدمنا الكلام عليها عند قوله: وابن السبيل. قوله: (وإلا لا) أي لان المدفوع يكون بمنزلة العوض ط. وفيه أن
(1) قوله: (فليراجع) قال شيخنا: الظاهر اخراج زكاته لفقراء البلدة التي كان المال فيها، لان قولهم والمعتبر مكان المال اي مكانه وقت الوجوب لا وقت الاخراج لأنه بالوجوب في بلدة تعلق حق فقرائها بزكاته ا ه. 390 المدفوع إلى مهدي الباكورة كذلك فينبغي اعتبار النية، ونظيره ما مر في أول في كتاب الزكاة فيما لو دفع إلى من قضى عليه بنفقته من أنه لا يجزيه عن الزكاة إن احتسبه من النفقة، وإن احتسبه من الزكاة يجزيه، وقيل لا كما في التاترخانية، لكن فيها أيضا قال محمد: إذا هلكت الوديعة في يد المودع وأدى إلى صاحبها ضمانها ونوى عن زكاة ماله قال: إن أدى لدفع الخصومة لا تجزيه عن الزكاة اه فتأمل. وفيها من صدقة الفطر لو دفعها إلى الطبال الذي يوقظهم في السحر يجوز لان ذلك غير واجب عليه، وقد قال مشايخنا: الأحوط والابعد عن الشبهة أن يقدم إليه أولا ما يكون هدية ثم يدفع إليه الحنطة. قوله: (جاز) ويكون تمليكا لهم والنية سابقة عند العزل، وكذا إذا لم ينو ثم نوى بعد انتهابه وهو قائم في يد الفقراء كما تقدم نظيره. قلت: وينبغي تقييده بما إذا كان الانتهاب برضاه لاشراط اختياره الدفع في الأموال الباطنة كما مر في مسألة البغاة، ويدل عليه المسألة الآتية. قوله: (إن كان يعرفه) أي يعرف شخصه لئلا يكون تمليكا لمجهول، لأنه إذا لم يعرفه بأن جاء إلى موضع المال فلم يجده وأخبره أحد بأنه رفعه فقير لا يعرفه ورضى المالك بذلك لم يصح، لأنه يكون إباحة والشرط في الزكاة التمليك. تأمل. قوله: (والمال قائم) لأنه لو رضي بذلك بعد ما استهلك الفقير المال لم تصح نيته كما مر. مطلب: الأفضل على أن ينوي بالصدقة جميع المؤمنين والمؤمنات خاتمة: اعلم أن الصدقة تستحب بفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه، وإن تصدق بما ينقص مؤنة من يمونه إثم، ومن أراد التصدق بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك، وإلا فلا يجوز، ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التامة، كذا في شرح درر البحار. وفي التاترخانية عن المحيط: الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شئ اه. والله تعالى أعلم. باب صدقة الفطر وجه مناسبتها بالزكاة أن كلا منهما من الوظائف المالية، وأوردها في المبسوط بعد الصوم باعتبار ترتيب الوجود، وأوردها المصنف هنا رعاية لجانب الصدقة، ورجحه لان المقصود من الكلام المضاف لا المضاف إليه خصوصا إذا كان المضاف إليه شرطا، وحقها أن تقدم على العشر لأنه مؤنة فيها معنى العبادة وهذه بالعكس، إلا أنه ثبت بالكتاب وهي بخبر الواحد مع أنه من أنواع الزكاة، والمراد بالفطر: يومه لا الفطر اللغوي لأنه يكون في كل ليلة من رمضان، وسميت صدقة وهي العطية التي يراد بها المثوبة من الله تعالى لأنها تظهر صدق الرجل (1) كالصداق يظهر صدق الرجل في المرأة. معراج. قوله: (من إضافة الحكم لشرطه) المراد بالحكم وجوب الصدقة لأنه الحكم الشرعي فيكون على حذف مضاف، والمراد بالوجوب وجوب الأداء لأنه الذي شرطه الفطر
(1) قوله: (لأنها تظهر صدق الرجل الخ) اي في عبادة مولاه، وقوله ثانيا صدق الرجل في المرأة اي صدق رغبته في المرأة ا ه. 391 لا نفس الوجوب الذي مناطه وجود السبب وهو الرأس ح. وفي البحر: والإضافة فيها من إضافة الشئ إلى شرطه، وهو مجاز لان الحقيقة إضافة الحكم إلى سببه وهو الرأس اه: أي لأنها على الأول لأدنى مناسبة مثل كوكب الخرقاء، وعلى الثاني بمعنى اللام الاختصاصية. قوله: (والفطر لفظ إسلامي) اصطلح عليه الفقهاء كأنه من الفطرة بمعنى الخلقة، كذا في البحر تبعا للزيلعي. والظاهر أن مراده أن الفطر المضاف إليه الصدقة الذي هو اسم لليوم المخصوص لفظ شرعي: أي إطلاقه على ذلك اليوم بخصوصه اصطلاح شرعي، إذ لا شك أن الفطر الذي هو ضد الصوم لغوي مستعمل قبل الشرع، أو مراده لفظ الفطرة بالتاء بقرينة التعليل (1). ففي النهر عن شرح الوقاية أن لفظ الفطرة الواقع في كلام الفقهاء وغيرهم مولد، حتى عده بعضهم من لحن العامة اه: أي إن الفطرة المراد بها الصدقة غير لغوية لأنها لم تأت بهذا المعنى، وأما ما في القاموس من أن الفطرة بالكسر صدقة الفطر والخلقة فاعترضه بعض المحققين بأن الأول غير صحيح، لان ذلك المخرج لم يعلم إلا من الشارع، وقد عد من غلط القاموس ما يقع كثيرا فيه مخلط الحقائق الشرعية باللغوية اه. لكن في المغرب. وأما قوله في المختصر: الفطرة نصف صاع من بر، فمعناها: صدقة الفطر، وقد جاءت في عبارات الشافعي وغيره، وهي صحيحة من طريق اللغة وإن لم أجدها فيما عندي من الأصول اه. وفي تحرير النووي: هي اسم مولد ولعلها من الفطرة التي هي الخلقة. قال أبو محمد الأبهري: معناها زكاة الخلقة كأنها زكاة البدن اه. وفي المصباح: وقولهم: تجب الفطرة، الأصل تجب زكاة الفطرة وهي البدن، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه واستغنى به في الاستعمال لفهم المعنى اه. ومشى عليه القهستاني، ولهذا نقل بعضهم أنها تسمى صدقة الرأس وزكاة البدن. والحاصل: أن لفظ الفطرة بالتاء لا شك في لغويته ومعناه: الخلقة، وإنما الكلام في إطلاقه مرادا به المخرج، فإن أطلق عليه بدون تقدير فهو اصطلاح شرعي مولد، وأما مع تقدير المضاف فالمراد بها المعنى اللغوي، ولعل هذا وجه الصحة الذي أراده صاحب المغرب، وأما لفظ الفطر بدون تاء فلا كلام في أنه معنى لغوي، وبهذا تعلم ما في كلام الشارح (2) تبعا للنهر، فافهم. قوله: (وأمر بها) أي بإخراجها. وفي حاشية نوح: والحاصل أن فرض صيام رمضان في شعبان بعد ما حولت القبلة إلى الكعبة وأمر النبي (ص) بزكاة الفطر قبل العيد بيومين وذلك قبل أن تفرض زكاة الأموال، وهذا هو الصحيح، ولهذا قيل: إنها منسوخة بالزكاة وإن كان الصحيح خلافه اه. قوله: (وكان عليه الصلاة والسلام الخ) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عبد الله بن ثعلبة، قال خطب
(1) قوله: (بقرينة التعليل) لعله قول الزيلعي: كأنه من الفطرة بمعنى الخلقة ولا يظهر غيره اي الفطرة التي هي القدر المخرج مأخوذة من الفطرة بمعنى الخلقة اي منقولة من هذا المعنى إلى هذا المعنى الا الاخذ بمعنى الاشتقاق. ووجه دلالة ما ذكر حينئذ ان النقل هو استعمال اللفظ بتمامه في معنى آخر ا ه. (2) قوله: (تعلم ما في كلام الشارح) اي في قوله والفطر لفظ اسلامي ومراده استعمال لفظ الفطر في اليوم المخصوص ولا شك في حدوثه كما تقدم المحشي في توجيه عبارة الزيلعي. واما لفظ الفطر، الذي عناه المحشي، فهو بمعنى ضد الصوم حينئذ، فكلام الشارع ظاهرا لا غبار عليه، واما قوله المحشي ففيه ما فيه تأمل. 392 رسول الله (ص) قبل يوم الفطر بيوم أو يومين فقال: أدوا صاعا من بر أو قمح (1) بين اثنين، أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد صغير أو كبير فتح. قال ط: وبهذا يتقوى ما بحثه صاحب البحر سابقا في باب صلاة العيدين من أنه ينبغي أن يقدم أحكام صدقة الفطر في خطبة قبل يوم العيد لأجل أن يتمكنوا من إخراجها قبل الذهاب إلى المصلى. قوله: (وحديث فرض الخ) جواب عما استدل به الشافعي رحمه الله على فرضيتها من حديث عمر في الصحيحين أن رسول الله (ص) فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين فتح. قوله: (معناه قدر الخ) أي فإنه أحد معاني الفرض كقوله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * ويقال: فرض القاضي النفقة، وهذا الجواب ذكره في البدائع. وأجاب في الفتح بأن الثابت بظني يفيد الوجوب، وأنه لا خلاف في المعنى لان الافتراض الذي يثبته الشافعية ليس على وجه يكفر جاحده، فهو معنى الوجوب عندنا، غاية الأمر أن الفرض في اصطلاحهم أعم من الواجب في عرفنا فأطلقوه على أحد جزأيه، والاجماع على الوجوب لا يدل على أن المراد بالفرض ما هو عرفنا: أي ما يكفر جاحده، لان ذاك إذا نقل الاجماع تواترا ليكون قطعيا أكان من ضروريات الدين كالخميس لا إذا كان ظنيا، وقد صرحوا بأن منكر وجوبها لا يكفر، فكان المتيقن الوجوب بالمعنى العرفي عندنا اه ملخصا. قلت: وقد يجاب بأن قول الصحابي فرض يراد به المعنى المصطلح عندنا للقطع به بالنسبة إلى من سمعه من النبي (ص)، بخلاف غيره ما لم يصل إليه بطريق قطعي فيكون مثله، ولهذا قالوا: إن الواجب لم يكن في عصره (ص)، كما أوضحناه في حواشي شرح المنار. قوله: (وهو الصحيح) هو ما عليه المتون بقولهم: وصح لو قدم أو أخر. قوله: (مطلق) أي عن الوقت فتجب في مطلق الوقت، وإنما يتعين بتعيينه فعلا أو آخر العمر، ففي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما في سائر الواجبات الموسعة، غير أن المستحب قبل الخروج إلى المصلى لقوله عليه الصلاة والسلام: أغنوهم عنه المسألة في هذا اليوم بدائع. قوله: (كما مر) عند قول المتن: وافترضها عمري الخ. قوله: (جاز) في الجوهرة: إذا مات من عليه زكاة أو فطرة أو كفارة أو نذر لم تؤخذ من تركته عندنا، إلا أن يتبرع ورثته بذلك وهم من أ ه التبرع ولم يجبروا عليه، وإن أوصى تنفذ من الثلث اه. قوله: (وقيل مضيقا) مقابل الصحيح وهو قول الحسن بن زياد: وقت أدائها يوم الفطر من أوله إلى آخره، فإذا لم يؤدها حتى مضى اليوم سقطت كالأضحية. بدائع. ومثله في شروح الهدايا وغيرها، ورجح المحقق ابن الهمام في التحرير أنها من قبيل المقيد بالموقت المطلق لقوله عليه الصلاة والسلام: أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة فيعده قضاء، وتبعه العلامة ابن نجيم في بحره، لكنه قال في شرحه على المنار، إنه ترجيح لما قابل الصحيح اه. قلت: والظاهر أن هذا قول ثالث خارج عن المذهب، لان وقوعها قضاء بمضي يومها غير
(1) قوله: (فقال أدوا صاعا من بر أو قمح الخ) قال شيخنا هذا شك من الراوي في لفظه عليه الصلاة والسلام ا ه. 393 القول بسقوطها به. وقد رده العلامة المقدسي بأنهم كانوا يعجلون في زمنه (ص)، وأنه كان بإذنه وعلمه (ص) كما قاله ابن الهمام نفسه، فدل ذلك على عدم التقييد باليوم، إذ لو تقيد به لم يصح قبله كما في الصلاة وصوم رمضان والأضحية اه. وما قيل في الجواب: إنه تعجيل بعد وجوب السبب فيجوز كتعجيل الزكاة بعد ملك النصاب، فهو مؤكد للاعتراض لدلالته على جواز التعجيل وعلى عدم التوقيت، إذ لو كان مؤقتا لم يجز تعجيله قبل وقته وإن وجد سببه، لان الوقت شرطه، كما لا يجوز تعجيل الحج قبل وقته وإن وجد سببه وهو البيت، على أن قياس تعجيل الفطرة على الزكاة لا يصح، لان حكم الأصل مخالف للقياس كما سنذكره عن الفتح، فافهم. والامر في حديث أغنوهم محمول على الاستحباب كما يشير إليه ما قدمناه عن البدائع، وصرح في الظهيرية بعدم كراهة التأخير: أي تحريما كما في النهر، وسيأتي لقوله (ص): من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات رواه أبو داود وغيره لنقصان ثوابها فصارت كغيرها من الصدقات كما في الفتح. وأفاد أيضا أن هذا لا يدل على قول الحسن بن زيادة بسقوطها، لان اعتبار ظاهره يؤدي إلى سقوطها بعد الصلاة، وإن كان الأداء في باقي اليوم، وليس هذا قوله فهو مصروف عنه عنده: أي لأنه يقول بسقوطها بمضي اليوم لا بمضي الصلاة كما مر. قوله: (فبعده يكون قضاء) قد علمت أن المراد بالتضييق هو قول الحسن بسقوطها بمضي اليوم كما أشار إليه في الهداية، وصرح به شراحها وغيرهم، وأن هذا قول ثالث لم أر من قال به سوى ابن الهمام وعلمت ما فيه، ففي هذا التفريع نظر. قوله: (على كل حر مسلم) فلا تجب على رقيق لعدم تحقق التمليك منه، ولا على كافر لأنها قربة، والكفر ينافيها. نهر. ولا تجب على الكافر ولو له عبد مسلم أو ولد مسلم. بحر. قوله: (ولو صغيرا مجنونا) في بعض النسخ أو مجنونا بالعطف بأو، وفي بعضها بالواو، وهذا لو كان لهما مال. قال في البدائع: وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، حتى تجب على الصبي والمجنون إذا كان لهما مال ويخرجها الولي من مالهما، وقال محمد وزفر: لا تجب فيضمنها الأب والوصي لو أدياها من مالهما اه. وكما تجب فطرتهم تجب فطرة رقيقهما من مالهما، كما في الهندية والبحر عن الظهيرية. قوله: (حتى لو لم يخرجها وليهما) أي من مالهما. ففي البدائع أن الصبي الغني إذا لم يخرج وليه عنه فعلى أصل أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يلزمه الأداء لأنه يقدر عليه بعد البلوغ اه. قلت: فلو كانا فقيرين لم تجب عليهما، بل على من يمونهما كما يأتي. والظاهر أنه لو لم يؤدها عنهما من ماله لا يلزمهما الأداء بعد البلوغ والإفاقة لعدم الوجوب عليهما. قوله: (بعد البلوغ) أي وبعد الإفاقة في المجنون ح. قوله: (وإن لم ينم) يقال نمى ينمي وينمو، كذا في الاسقاطي فهو مجزوم بحذف الياء أو الواو ط. قوله: (كما مر) أي في قوله: وغني يملك قدر نصاب وقدمنا بيانه ثمة. قوله: (تحرم الصدقة) أي الواجبة، أما النافلة فإنما يحرم عليه سؤالها، وإذا كان النصاب
394 المذكور مستغرقا بحاجته، فلا تحرم عليه الصدقة ولا يجب به ما بعدها. قوله: (كما مر) أي في قوله أيضا وغنى. قوله: (ونفقة المحارم) أي الفقراء العاجزين عن الكسب أو الإناث إذا كن فقيرات، وقيد بهم لاخراج الأبوين الفقيرين، فإن المختار أن يدخلهما في نفقته إذا كان كسوبا. قوله: (هي ما يجب بمجرد التمكن من الفعل) اعترض بأن هذا تعريف للواجب المشروط بالقدرة الممكنة بكسر الكاف المشددة، وعرفها في التوضيح بأدنى ما يتمكن به المأمور من أداء ما لزمه من غير خرج غالبا، ثم فسرها بسلامة الأسباب والآلات، وقيد بقوله من غير حرج غالبا لأنهم جعلوا منها الزاد والراحلة في الحج، فإنهما من الآلات التي هي وسائط في حصول المطلوب، مع أنه يتمكن من الحج بدونهما، لكن بحرج عظيم في الغالب كما في التلويح، وكذا النصاب الغير النامي في الفطرة فإنه يتمكن من إخراجها بدونه، لكن بحرج في الغالب. قال في التلويح: وهذه القدرة شرط لأداء كل واجب فضلا من الله تعالى، لان القدرة التي يمتنع التكليف بدونها هي ما يكون عند مباشرة الفعل، فاشتراط سلامة الأسباب والآلات قبل الفعل يكون فضلا منه تعالى. قوله: (فلا يشترط بقاؤها) أي بقاء هذه القدرة وهي النصاب هنا حتى لو هلك بعد فجر يوم النحر لا تسقط الفطرة، وكذا هلاك المال في الحج كما يأتي. قوله: (لأنها شرط محض) أي ليس فيه معنى العلة المؤثرة، بخلاف القدرة الميسرة كما يأتي. قوله: (ميسرة) بضم الميم وكسر السين المشددة. قوله: (هي ما يجب الخ) فيه ما تقدم من الاعتراض، وهي كما في التلويح ما يوجب يسر الأداء على العبد ما ثبت الامكان بالقدرة الممكنة، فهي كرامة من الله تعالى في الدرجة الثانية من القدرة الممكنة، ولهذا شرطت في أكثر الواجبات المالية التي أداؤها أشق على النفس عند العامة، وذلك كالنماء في الزكاة، فإن الأداء ممكن بدونه إلا أنه يصير به أيسر، حيث لا ينقص أصل المال وإنما يفوت بعض النماء. ثم القدرة الممكنة لما كانت شرطا للتمكن من الفعل وإحداثه كانت شرطا محضا ليس فيه معنى العلة فلم يشترط بقاؤها لبقاء الواجب، إذ البقاء غير الوجود، وشرط الوجود لا يلزم أن يكون شرطا للبقاء كالشهود في النكاح شرط للانعقاد دون البقاء. بخلاف الميسرة فإنها شرط فيه معنى العلة لأنها غرت صفة الواجب من العسر إلى اليسر، إذا جاز أن يجب بمجرد القدرة الممكنة لكن بصفة العسر، فأثرت فيه القدرة الميسرة وأوجبته بصفة اليسر، فيشترط دوامها نظرا إلى معنى العلية، لأن هذه العلة مما لا يمكن بقاء الحكم بدونها، إذ لا يتصور اليسر بدون القدرة الميسرة، والواجب لا يبقى بدون صفة اليسر، لأنه لم يشرع إلا بتلك الصفة، فلهذا اشترط بقاء القدرة الميسرة دون الممكنة، مع أن ظاهر النظر يقتضي أن يكون الامر بالعكس، إذ الفعل لا يتصور بدون الامكان ويتصور بدون اليسر اه. قوله: (فغيرته الخ) أي باعتبار أنه كان يجوز أن يجب بصفة العسر: أي بمجرد القدرة الممكنة كما مر، فلما وجب بالقدرة الميسرة فكأنه تغير من العسر إلى اليسر. قوله: (لأنها شرط في معنى العلة) أي والحكم يدور مع علته وجودا وعدما ط. قوله: (ثم فرع عليه) أي
395 على ما ذكر من القدرتين. قوله: (فلا تسقط الفطرة) لأنها لم تجب بالميسرة بل بالممكنة كما مر. قوله: (وكذا الحج.) لان شرطه وهو الزاد والراحلة قدرة ممكنة، إذ الميسرة لا تحصل إلا بمراكب وأعوان وخدم، وليست شرطا بالاجماع ط. قوله: (كما لا يبطل النكاح الخ) أشار إلى ما قدمناه عن التلويح من أن الممكنة شرط لا للبقاء كالشهود في النكاح، فلا يسقط الواجب بزوالها، بخلاف الميسرة. قوله: (بخلاف الزكاة) فإنها تسقط بهلاك المال بعد الحول: يعني سواء تمكن من الأداء أم لا؟ لان الشرع علق الوجوب بقدرة ميسرة، والمعلق بقدرة ميسرة لا يبقى بدونها. ط عن الحموي. والقدرة الميسرة هنا هي وصف النماء لا النصاب، وقيد بالهلاك لأنها لا تسقط بالاستهلاك وإن انتفت القدرة الميسرة لبقائها تقديرا: زجرا له عن التعدي ونظرا للفقراء كما في التلويح. قوله: (والخراج) أي خراج المقاسمة فهو كالعشر، لان شرطه الأرض النامية تحقيقا، بخلاف الخراج الموظف فإنه يجب بمجرد التمكن من الزراعة ولا يهلك بهلاك الخارج لوجوبه في الذمة لا في الخارج، بخلافهما كما مر بيانه في بابه. قوله: (لاشتراط بقاء الميسرة) وهي وصف النماء، وهذا علة للثلاثة. قوله: (عن نفسه الخ) بيان للسبب، والأصل فيه رأسه ولا شك أنه يموت ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه ممن يمونه ويلي عليه، وتمامه في النهر. قوله: (وإن لم يصم لعذر) الظاهر أنه قيد به بناء على ما هو حال المسلم من عدم تركه الصوم إلا بعذر كما تقدم نظيره في باب قضاء الفوائت، حيث لم يقل المتروكات ظنا بالمسلم خيرا، فحينئذ تجب الفطرة وإن أفطر عامدا لوجود السبب وهو الرأس الذي يمونه ويلي عليه ولو لم يصم كالطفل الصغير والعبد الكافر. ثم رأيت في البدائع ما يشعر بذلك حيث قال: وكذا وجود الصوم في شهر رمضان ليس بشرط لوجوب الفطرة، حتى أن من أفطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه صدقة الفطر، لان الامر بأدائها مطلق عن هذا الشرط اه فافهم. قوله: (وطفله) احترز به عن الجنين فإنه لا يسمى طفلا كذا في البرجندي، إذ الطفل هو الصبي حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم، وجارية طفل وطفلة، كذا في المغرب. إسماعيل فافهم. وأشار إلى إن الام لا يجب عليها صدقة أولادها الصغار كما في منية المفتي. قوله: (الفقير) قيد به لان الغني تجب صدقة فطره في ماله عل ما مر لعدم وجوب نفقته. نهر. قوله: (والكبير المجنون) أي الفقير، أما الغني ففي ماله عندهما كما مر، وفي التاترخانية عن المحيط أن المعتوه والمجنون بمنزلة الصغير، سواء كان الجنون أصليا بأن بلغ مجنونا أو عارضا، هو الظاهر من المذهب اه. قوله: (ولو تعدد الآباء) كما لو ادعى رجلان لقيطا أو ولد أمة مشتركة بينهما. قوله: (فعلى كل فطرة) أي كاملة عند أبي يوسف، لان النبوة ثابتة من كل منهما كملا، وثبوت النسب لا يتجزأ، وكذا لو مات أحدهما كان ولدا للباقي منهما، وقال محمد: عليهما صدقة واحدة لان الولاية لهما والمؤنة، فكذا الصدقة لأنها قابلة للتجزي كالمؤنة، ولو كان أحدهما معسرا فعلى الموسر صدقة تامة عندهما. فتح. قوله: (قوله ولو زوج طفلته) أي الفقيرة إذ صدقة الغنية في مالها تزوجت أو لا ح. قوله: (الصالحة لخدمة الزوج) كذا في النهر عن القنية، وفيه عن الخلاصة:
396 الصغيرة لو سلمت لزوجها لا تجب فطرتها على أبيها لعدم المؤنة اه. فأفاد تقييد المسألة بقيدين: صلاحيتها للخدمة، وتسليهما للزوج، ولذا قال الشارح في باب النفقة فيمن تجب نفقتها على الزوج: وكذا صغيرة تصلح للخدمة أو للاستئناس إن أمسكها في بيته عند الثاني، واختاره في التحفة اه. وهو صريح بأنها لو لم تصلح لذلك لا تجب نفقتها على الزوج، وظاهره لو أمسكها في بيته فتجب على أبيها، فافهم. قوله: (فلا فطرة) أما عليها فلفقرها، وأما على زوجها فلما سيأتي في قوله: لا عن زوجته وأما على أبيها فلانه لا يمونها وإن ولى عليها ح. قوله: (كما اختاره في الاختيار) هذا رواية الحسن، وهو خلاف ظاهر الرواية من أن الجد كالأب إلا في مسائل ستأتي آخر الكتاب منها هذه، واختاره أيضا في فتح القدير لتحقق وجود السبب وهو الرأس الذي يمونه ويلي عليه ولاية مطلقة. ورد ما قيل: من أن الولاية غير تامة لانتقالها إليه من الأب فكانت كولاية الوصي، بأنه غير سديد لان الوصي لا يمونه من ماله، بخلاف الجد إذا لم يكن للصغير مال فإنه يمونه من ماله كالأب، ونازعه في البحر بما رده عليه المقدسي وصاحب النهر فلذا اختار الشارح رواية الحسن. قلت: لكن في الخانية: ليس على الجد أن يؤدي الصدقة عن أولاد ابنه المعسر إذا كان الأب حيا باتفاق الروايات، وكذا لو كان الأب ميتا في ظاهر الرواية اه. فعلم أن رواية الحسن فيما إذا كان الأب ميتا، لكن مقتضى كلام البدائع أن الخلاف في المسألتين، نعم تعليل الفتح لا يظهر إلا في الميت. تأمل. قوله: (وعبده لخدمته) احتراز عن عبد التجارة فإنها لا تجب كي لا يؤدي إلى الثني. زيلعي: أي تعدد الوجوب المالي في مال واحد، وفي النهاية له: عبد للتجارة لا يساوي نصابا وليس له مال الزكاة لا تجب صدقة فطر العبد وإن لم يؤدى إلى الثنى، لان سبب وجوب الزكاة فيه موجود والمعتبر سبب الحكم لا الحكم (1). اه بحر. قوله: (ولو مديونا) أي بدين مستغرق. بدائع. قوله: (أو مستأجرا) أي آجره للغير. قوله: (إذا كان عنده) أي الراهن وفاء بالدين: أي وفضل بعد الدين نصاب، كما في الهندية: والمراد نصاب غير العبد لأنه من حوائجه الأصلية حيث كان للخدمة. شرنبلالية: إذا لم يكن كذلك لا يلزم أحدا فطرته لان المرتهن أحق به حتى إذا هلك هلك بدينه، والفرق بين المديون والمرهون حيث لا يشترط في المديون أن يكون عند المولى وفاء بالدين: أن الدين على العبد وفي المرهون على السيد. ح عن الزيلعي. قوله: (كالعبد العارية والوديعة) فإن صدقته على المالك. قوله: (والجاني) أي عمدا أو خطأ، لان ملك المالك إنما يزول بالدفع إلى المجني عليه مقصورا على الحال لا قبله (2) خانية. قوله: (وقول الزيلعي) راجع
(1) قوله: (والمعتبر سبب الحكم الخ) اي المعتبر في منع صدقة الفطر عن العبد انما هو سبب وجود زكاة المال وهو المال النامي بنية التحارة هنا لا نفس الحكم وهو وجوب زكاة المال اي لم يشترط في منع صدقة الفطر وجود نفس الحكم حتى تجب صدقة الفطر في مسألتنا ا ه. (2) قوله: (مقصورا على الحال لا قبله) اي ليس مجرد الجناية مزيلا لملك المولى بل المزيل الدفع فقط ا ه. 397 إلى قوله: وأما الموصى بخدمته وعبارة الزيلعي: والعبد الموصى برقبته لانسان لا تجب فطرته اه. ط. قوله: (سبق قلم) يمكن حمل كلامه على نفي الوجوب عن الانسان الموصى له بخدمة العبد فلا ينافي الوجوب على مالك الرقبة، ثم رأيت ط ذكره وقال: وحمله الشلبي محشي الزيلعي على ما إذا مات السيد الموصي ولم يقبل الموصى له ولم يرد اه. تأمل. قوله: (ولو كان عبده كافرا) المراد بالعبد ما يشمل المدبر ذكرا أو أنثى وأم الولد لصحة استيلاء الكافرة ولو غير كتابية، لأن عدم حل وطئ المجوسية لا يستلزم عدم صحة استيلادها كالأمة المشتركة فليراجع، أفاده ح. قوله: (وهو رأس يمونه) أي مؤنة واجبة كاملة مطلقة، فخرج بالأول مؤنة الأجنبي لوجه الله تعالى، وبالثاني العبد المشترك، وبالثالث الزوجة فإنه ضرورية لأجل انتظام مصالح النكاح، ولهذا لا تجب عليه غير الرواتب نحو الأدوية كما في الزيلعي. أفاده ح. قوله: (ويلي عليه) أي ولاية مال لا إنكاح، فلا يرد ابن العم إذا كان زوجا لان ولايته ولاية إنكاح اه. ح. قوله: (لا عن زوجته) لقصور المؤنة والولاية، إذ لا يلي عليها في غير حقوق الزوجية، ولا يجب عليه أن يمونها في غير الرواتب كالمداواة. نهر. قوله: (وولده الكبير العاقل) أي ولو زمنا في عياله لانعدام الولاية. جوهرة. واحترز بالعاقل عن المعتوه والمجنون فحكمه كالصغير ولو جنونه عارضا في ظاهر الرواية كما مر، خلافا لما عن محمد في العارض بعد البلوغ من أنه كالكبير العاقل لزوال الولاية بالبلوغ، وأشار إلى أنها لا تجب أيضا على الابن عن أبيه، ولو في عياله إلا إذا كان فقيرا مجنونا كما في البحر والنهر، وعبر عنه في الجوهرة بقيل، وعزاه في الخانية إلى الشافعي، لكن حكى في جامع الصفار الاجماع على الوجوب معللا بوجود الولاية والمؤنة جميعا اه. وهو ظاهر. قوله: (ولو أدى عنهما) أي عن الزوجة والولد الكبير، وقال في البحر: وظاهر الظهيرية أنه لو أدى عمن في عياله بغير أمره جاز مطلقا بغير تقييد بالزوجة والولد اه. قوله: (أجزأ استحسانا) وعليه الفتوى. خانية. وأفاد بقوله (1) للاذن عادة إلى وجود النية حكما، وإلا فقد صرح في البدائع بأن الفطرة لا تتأدى بدون النية. تأمل. قوله: (أي لو في عياله) انظر هل المراد من تلزمه نفقته أو أعم؟ ظاهر ما مر عن البحر الثاني، وهو مفاد التعليل أيضا. تأمل. قوله: (وعبده الآبق) لعدم الولاية القائمة ط قوله: (والمأسور) لخروجه عن يده وتصرفه فأشبه المكاتب. بحر. قلت: ولو كان قنا ملكه أهل الحرب ويخرج عن ملكه، بخلاف المدبر وأم الولد. قوله: (إن لم تكن عليه بينة) مقتضى التصحيح الذي مر في الزكاة أن لا تجب ولو كانت عليه بينة لأنه ليس كل قاض يعدل ولا كل بينة تقبل ط. قوله: (إلا بعد عوده) راجع إلى الآبق كما في النهر والمنح، وإلى المغصوب أيضا كما في البحر. قال ح: والظاهر أن المأسور كذلك ولذا قدره الشارح معطيا حكم قرينيه. قلت: هذا إذا لم يملكه أهل الحرب. قوله: (فيجب لما مضى) أي من السنين. قهستاني. قال الرحمتي: وليوجبوا الزكاة لما مضى في مال الضمار كما
(1) قوله: (وأفاد بقوله الخ) هكذا بخطه ولعل الأنسب وأشار كما يشعر به إلى وجود النية تأمل ا ه مصححه. 398 تقدم فلينظر الفرق. قوله: (لان ما فيده لمولاه) إذ لا ملك له حقيقة لأنه عبد ما بقي عليه درهم والعبد مملوك فلا يكون مالكا. بدائع. قوله: (وعبيد مشتركة) لقصور الولاية والمؤنة في حق كل واحد من الشريكين، وهذا قول الإمام. وقالا: على كل واحد ما يخصه من الرؤوس دون الأشقاص كما في الهداية، فلو كانوا أربعة أعبد يجب على كل واحد عن اثنين، ولو ثلاثة تجب عن اثنين دون الثالث. وفي المحيط: ذكر أبا يوسف مع أبي حنيفة وهو الأصح كما في الحقائق والفتح، وفي المصفى: هذا في عبيد الخدمة ولا تجب في عبيد التجارة اتفاقا اه إسماعيل: أي لئلا يجتمع الحقان في مال واحد. قوله: (ووجد الوقت) أي وقت الوجوب وهو طلوع فجر يوم الفطر. قوله: (فتجب في قول) أي ضعيف كما في بعض النسخ لمخالفته لعموم إطلاق المتون والشروح. رحمتي. قلت: وهذا الفرع نقله في شرح المجمع وشرح درر البحار عن الحقائق، ووجه ضعفه قصور الولاية بدليل أن أحدهما لا يملك تزويجه وقصور المؤنة أيضا فإن نفقته عليهما، وسيأتي في كتاب القسمة: لو اتفقا على أن نفقة كل عبد على الذين يخدمه جاز استحسانا بخلاف الكسوة اه: أي للمسامحة في الطعام عادة دون الكسوة. قوله: (وتوقف الخ) لان الملك والولاية موقوفان، فكذا ما يبتني عليهما. بحر. قوله: (بخيار) أي للبائع أو للمشتري أو لهما لان الملك متزلزل، فإن لم يكن خيار وقبضه بعد يوم الفطر وجبت على المشتري، وإن مات قبل القبض لم تجب على أحد، وإن رد قبل القبض بخيار عيب أو رؤية فعلى البائع، وإن بعده فعلى المشتري. خانية وتمامه في البحر. قوله: (فإذا مر يوم الفطر) أو رد عليه أن مضيه ليس بلازم بل وجود الخيار وقت طلوع الفجر كاف على ما بين في الكفاية، ولذا قال في العناية: هذا من قبيل إطلاق الكل وإرادة البعض، وما قيل هذا لا يرد على من قال مر بل على من قال مضى كالدرر، لان المضي يقتضي الانقضاء، بخلاف المرور ففيه نظر لما في القاموس: مر: أي جاز وذهب. قوله: (على من يصير له) أي يستقر ملكه ليشمل البائع إذا كان الخيار له، واختار الفسخ لان ملكه لم يزل. قوله: (أو دقيقه أو سويقه) الأولى أن يراعي فيهما القدر والقيمة احتياطا وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار، هداية، لان في إسناده سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث، فوجب الاحتياط بأن يعطي نصف صاع دقيق بر أو صاع دقيق شعير يساويان نصف صاع بر وصاع شعير، لا أقل من نصف يساوي نصف صاع بر أو أقل من صاع يساوي صاع شعير، ولا نصف لا يساوي نصف صاع بر أو صاع لا يساوي صاع شعير. فتح. وقوله فوجب الاحتياط مخالف لتعبير الهداية والكافي بالأولى إلا أن يحمل (1) أحدهما على الآخر. تأمل. قوله: (وجعلاه كالتمر) أي في أنه يجب صاع منه. قوله: (وهو رواية) أي أبي حنيفة كما في بعض النسح. قوله: (وصححها البهنسي) أي في شرحه على الملتقى، والمراد
(1) قوله: (الا ان يحمل الخ) اي بان يراد بالوجوب الثبوت أو يراد بالأولى الأرجح بطريق الوجوب ا ه منه. 399 عن أنه حكى تصيحها وإلا فهو ليس من أصحاب التصحيح. قال في البحر: وصححها أبو اليسر ورجحها المحقق في فتح القدير من جهة الدليل، وفشرح النقاية: والأولى أن يراعي في الزبيب القدر والقيمة اه: أي بأن يكون نصف الصاع منه يساوي قيمة نصف صاع بر حتى إذا لم يصح من حيث القدر يصح من حيث قيمة البر، لكن فيه أن الصاع من الزبيب منصوص عليه في الحديث الصحيح، فلاتعتبر فيه القيمة كما تأتي، تأمل. قوله: (أو شعير) ودقيقه وسويقه مثله. نهر. قوله: (ولو رديئا) قال في البحر: وأطلق نصف الصاع والصاع، ولم يقيده بالجيد لأنه لو أدى نصف صاع ردئ جاز، وإن أدى عفنا أو به عيب أدى النقصان وإن أدى قيمة الردئ أدى الفضل، كذا في الظهيرية اه. ونقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي عن كفاية الشعبي لو كانت الحنطة مخلوطة بالشعير فلو الغلبة للشعير فعليه صاع، ولو بالعكس فنصف صاع. قوله: (وما لم ينص عليه الخ) قال في البدائع: ولا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة، سواء كان الذي أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان من المنصوص عليه، فكما لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز إخراج غير الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة عن الحنطة بل يقع عن نفسه وعليه تكميل الباقي، لان القيمة إنما تعتبر في غير المنصوص عليه اه. تنبيه: يجوز عندنا تكميل جنس من جنس آخر من المنصوص عليه. ففي البحر عن النظم: لو أدى نصف صاع شعير ونصف صاع تمر أو نصف ساع تمر ومنا واحدا من الحنطة أو نصب صاع شعير وربع صاع حنطة جاز، خلافا للشافعي. قوله: (وخبز) عدم جواز دفعه إلا باعتبار القيمة هو الصحيح لعدم ورود النص به، فكان كالذرة وغيرها من الحبوب التي لم يرد بها نص وكالأقط. بحر. مطلب في تحرير الصاع والمد والمن والرطل قوله: (وهو أي الصاع الخ) اعلم أن الصاع أربعة أمداد، والمد رطلان، والرطل نصف من، والمن بالدراهم مائتان وستون درهما، وبالأستار أربعون، والأستار بكسر الهمزة بالدراهم، ستة ونصف وبالمثاقيل، قيل أربعة ونصف، كذا في شرح درر البحار. فالمد والمن سواء كل منهما ربع صاع مائة وثلاثون درهما، وفي الزيلعي والفتح: اختلف في الصاع فقال الطرفان: ثمانية أرطال بالعراقي، وقال الثاني: خمسة أرطال وثلث، وقيل لا خلاف لان الثاني قدره برطل المدينة لأنه ثلاثون إستارا والعراقي عشرون، وإذا قابلت ثمانية بالعراقي بخمسة وثلث بالمديني وجدتهما سواء، وهذا هو الأشبه لان محمدا لم يذكر خلاف أبي يوسف، ولو كان لذكره لأنه أعرف بمذهبه اه. وتمامه في الفتح. ثم اعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا والمتعارف الآن ستة عشر، فإذا كان الصاع ألفا وأربعين درهما شرعيا يكون بالدرهم المتعارف تسعمائة وعشرة، وقد صرح الشارح في شرحه على
400 الملتقى في باب زكاة الخارج بأن الرطل الشامي ستمائة درهم، وأن المد الشامي صاعان، وعليه فالصاع بالرطل الشامي رطل ونصف، والمد ثلاثة أرطال، ويكون نصف الصاع من البر ربع مد شامي، فالمد الشامي يجزي عن أربع، وهكذا رأيته أيضا محررا بخط شيخ مشايخنا إبراهيم السائحاني وشيخ مشايخنا منلا علي التركماني وكفى بهما قدوة، لكني حررت نصف الصاع في عام ست وعشرين بعد المائتين فوجدته ثمنية ونحو ثلثي ثمنية، فهو تقريبا رد مد ممسوحا من غير تكويم، ولا يخالف ذلك ما مر، لان المد في زماننا أكبر من المد السابق، وكذا الرطل في زماننا أكبر من المد السابق، وكذا الرطل في زماننا فإنه الآن يزيد على سبعمائة درهم، وهذا بناء على تقدير الصاع بالماش أو العدس، أما على تقديره بالحنطة أو الشعير، وهو الأحوط كما يأتي قريبا فيزيد نصف الصاع على ذلك، فالأحوط إخراج ربع مد شامي على التمام من الحنطة الجيدة، والله تعالى أعلم. قال ط: وقدر بعض مشايخي نصف الصاع بقدح وسدس بالمصري، وعن الدفري تقديره بقدح وثلث، وعليه فالربع المصري يكفي عن ثلاث. قوله: (إنما قدر بهما) أي قدر الصاع بما يسع الوزن المذكور منهما: أي من مجموعها: أي من أي نوع منهما، لان كل واحد منهما يتساوى كيله ووزنه، إذ لا تختلف أفراده ثقلا وكبرا، فإذا ملأت إناء من ماش وزنه ألف وأربعون درهما ثم ملأته من ماش آخر يكون وزنه مثل وزن الأول لعدم التفاوت بين ماش وماش آخر، وكذا لو فعلت بالعدس كذلك، بخلاف غيرهما كالبر مثلا فإن بعض البر قد يكون أثقل من البعض فيختلف كيله ووزنه فلذا قدر الصاع بالماش أو العدس فيكون مكيالا محررا يكال به ما يراد إخراجه من الأشياء المنصوصة بلا اعتبار، وزن، لأنك لو كلت به شعيرا مثلا ثم وزنته لم يبلغ وزنه ألفا وأربعين درهما، ولو اعتبر الوزن لكان ما يسع ألفا وأربعين درهما من الشعير أكبر من الصاع الذي يسع هذا القدر من الماش أو العدس وقد اعتبروا الصاع بهما، فعلم أنه لا اعتبار بالوزن أصلا في غيرهما، ويدل على ذلك أيضا قول الذخيرة: قال الطحاوي: الصاع ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه، ومعناه أن العدس والماش يستوي كيله ووزنه، حتى لو وزن من ذلك ثمانية أرطال ووضع في الصاع لا يزيد ولا ينقص، وما سوى ذلك تارة يكون الوزن أكثر من الكيل كالشعير وتارة بالعكس كالملح، فإذا كان المكيال يسع ثمانية أرطال من العدس والماش فهو الصاع الذي يكال به الشعير والتمر والحنطة اه. وذكر نحوه في الفتح ثم قال: وبهذا يرتفع الخلاف في تقدير الصاع كيلا أو وزنا ومراده بالخلاف ما ذكره قبله حيث قال: ثم يعتبر نصف صاع من بر من حيث الوزن عند أبي حنيفة: لأنهم لما اختلفوا في أن الصاع ثمانية أرطال أو خمسة وثلث كان إجماعا منهم أنه يعتبر بالوزن. وروى ابن رستم عن محمد أنه إنما يعتبر بالكيل حتى لو دفع أربعة أرطال لا يجزيه لجواز كون الحنطة ثقيلة لا تبلغ نصف صاع اه. وفي ارتفاع الخلاف بما ذكر تأمل، فإن المتبادر من اعتبار نصف الصاع بالوزن عند أبي حنيفة اعتبار وزن البر ونحوه مما يريد إخراجه لاعتباره بالماش والعدس. والظاهر أن اعتباره بهما مبني على رواية محمد، وأن الخلاف متحقق، وعن هذا ذكر صدر الشريعة في شرح الوقاية أن الأحوط تقدير الصاع بثمانية أرطال من الحنطة الجيدة لأنه إن قدر الماش يكون أصغر ولا يسع ثمانية أرطال من الحنطة لأنه أثقل منها وهي أثقل من الشعير، فالمكيال الذي يملا بثمانية أرطال من الماش يملا بأقل من ثمانية أرطال من الحنطة الجيدة المكتنزة اه.
401 مطلب في مقدار الفطرة بالمد الشامي قلت: وبهذا يخرج عن العهدة بيقين على روايتي تقدير الصاع كيلا أو وزنا فلذا كان أحوط، ولكن على هذا الأحوط تقديره بالشعير، ولهذا نقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي للسيد محمد أمين ميرغني أن الذي عليه مشايخنا بالحرم الشريف المكي ومن قبلهم من مشايخهم وبه كانوا يفتون تقديره بثمانية أرطال من الشعير، ولعل ذلك ليحتاطوا في الخروج عن الواجب بيقين لما في مبسوط السرخسي من أن الاخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب اه. فإذا قدر بذلك فهو يسع ثمانية أرطال من العدس ومن الحنطة، ويزيد عليها البتة، بخلاف العكس، فلذا كان تقدير الصاع بالشعير أحوط اه. ولهذا قدمنا أن الأحوط في زماننا إخراج ربع شامي تام. قوله: (ودفع القيمة) أطلقها فشمل قيمة الحنطة وغيرها خلافا لمحمد. قال في التاترخانية عن المحيط: وإذا أراد أن يعطي قيمة الحنطة أو الشعير أو التمر يؤدي قيمة، أي الثلاث شاء عندهما. وقال محمد: يؤدي قيمة الحنطة. قوله: (أي الدراهم) ربما يشعر أنها المرادة بالقيمة مع أن القيمة تكون أيضا من الفلوس والعروض كما في البدائع والجوهرة، ولعله اقتصر على الدراهم تبعا للزيلعي لبيان أنها الأفضل عند إرادة دفع القيمة، لان العلة في أفضلية القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير لاحتمال أنه يحتاج غير الحنطة مثلا من ثياب ونحوها، بخلاف دفع العروض، وعلى هذا فالمراد بالدراهم ما يشمل الدنانير. تأمل. قوله: (على المذهب المفتى به) مقابله ما في المضمرات من أن دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها، سواء كانت أيام شدة أم لا، لان في هذا موافقة السنة، وعليه الفتوى. منح. فقد اختلف الافتاء ط. قوله: (وهذا) أي كون دفع القيمة أفضل. قوله: (كما لا يخفى) يوهم أنه بحث منه مع أنه عزاه في التاترخانية إلى محمد بن سلمة. وقال في النهر: وهو حسن. قوله: (بطلوع الفجر) أي الفجر الثاني، وعند الشافعي بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان. بدائع. قوله: (متعلق بيجب) أي المذكور أول الباب. قوله: (لا تجب عليه) لأنه وقت الوجوب ليس بأهل. نهر. وكذا لو افتقر قبله أو أيسره بعده كما في الهندية. قوله: (عملا بأمره وفعله عليه الصلاة والسلام) رواه الحاكم من حديث ابن عمر كما بسطه في الفتح. قوله: (أو أخره) قدمنا الكلام عليه أول الباب. قوله: (اعتبارا بالزكاة) أي قياسا عليها. واعترضه في الفتح بأن حكم الأصل على خلاف القياس فلا يقاس عليه، لان التقديم وإن كان بعد السبب هو قبل الوجوب. وأجاب في البحر بأنها كالزكاة بمعنى أنه لا فارق، لا أنه قياس اه. وفيه نظر، والأولى الاستدلال بحديث البخاري، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. قال في الفتح: وهذا مما لا يخفى على النبي (ص)، بل لا بد من كونه بإذن
402 سابق، فإن الاسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل فلم يكونوا يقدموا عليه إلا بسمع اه. قوله: فكان هو المذهب) نقل في البحر اختلاف التصحيح، ثم قال: لكن تأيد التقييد بدخول الشهر بأن الفتوى عليه فليكن العمل عليه، وخالفه في النهر بقوله: واتباع الهداية أولى. قال في الشرنبلالية: قلت: ويعضده أن العمل بما عليه الشروح والمتون، وقد ذكر مثل تصحيح الهداية في الكافي والتبيين وشروح الهداية. وفي البرهان وابن كمال باشا وفي البزازية: الصحيح جواز التعجيل لسنين، رواه الحسن عن الامام اه. وكذا في المحيط اه. قلت: وحيث كان في المسألة قولان مصححان تخير المفتي بالعمل بأيهما، إلا إذا كان لأحدهما رجح ككونه ظاهر الرواية أو مشى عليه أصحاب المتون والشروح أو أكثر المشايخ كما بسطناه أول الكتاب، وقد اجتمعت هذه المرجحات هنا للقول بالاطلاق فلا يعدل عنه، فافهم. قوله: (إلى مسكين) يغني عنه ما بعده لفهمه بالأولى ط. قوله: (فكان هو المذهب) كذا قال في البحر ردا على ظاهر ما في الزيلعي هنا والفتح من أن المذهب المنع، وأن القائل بالجواز إنما هو الكرخي اه. وكذا رده العلامة نوح بأن الامر بالعكس، فإن المانعين جمع يسير والمجوزين جم غفير، والاعتماد على ما عليه الجم الكثير. قوله: (والامر في حديث أغنوهم) هو ما خرجه الدارقطني وابن عدي والحاكم في علوم الحديث عن ابن عمر بلفظ: أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم نوح. وهذا الجواب عما يقال إن الاغناء لا يحصل إلا بدفعها جملة فيجب عملا بالامر. والجواب أن الامر للندب وإلا لم يجز التقديم والتأخير، وقد مر الدليل على جوازهما أول الباب، وذلك قرينة على أن الامر هنا للندب، فخلافه لا يكره تحريما بل تنزيها. ويتحصل من هذا الجواب أن الدفع إلى متعدد مكروه تنزيها ككراهة التأخير، إلا أن يفرق بأنه لو أخر الناس عن اليوم لم يحصل الاغناء أصلا، بخلاف ما لو فرقوا لحصول الاغناء بالمجموع كما علل به الكرخي فلم يكن مخالفا لأمر الندب لأنه أمر للمجموع لا للافراد، بقرينة أن ذا العيال لا يستغني بفطرة شخص واحد ولا يؤمر ذلك الواحد بإغنائه. تأمل. وما في البحر من أن التحقيق أنه بالتأخير يكون قاضيا لا مؤديا فيأثم للحديث: تبع فيه صاحب الفتح وقدمنا أول الباب ترجيح خلافه، فافهم. قوله: (يعتد به) تصحيح لنفي المصنف الخلاف تبعا البحر بأن المراد نفي خلاف خاص، لأنه قد صرح في مواهب الرحمن بالخلاف في المسألتين بقوله: ويجوز أخذ واحد من جمع ودفع واحدة لجمع على الصحيح فيهما اه. قلت: ولعل محل الخلاف هنا ما إذا خلط الجماعة صدقاتهم ودفعوها لواحد، أما لو دفع كل
403 واحد بانفراده للواحد فيبعد جريان الخلاف في الجواز وعدمه، فليتأمل. قوله: (أمرها زوجها) أفاد أنها إن أدت عنه بدون إذنه لم يجزه. ط عن أبي السعود. قوله: (بغير إذن الزوج) أما لو بإذنه لا تملكه بالخلط فيجزئ عنه ط. قوله: (لا عنه) لأنه أمرها بالدفع من ماله وقد ملكته بالخلط بدون إذنه فكانت متبرعة ولزمها ضمان حنطته. قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم يجز الزوج ما فعلت أو لم توجد دلالة الاذن لما في الفصل التاسع من زكاة التاترخانية: دفع رجلان لرجل دراهم يتصدق بها عن زكاتهما فخلطها ثم دفعها ضمن، إلا إذا جدد الاذن أو أجاز المالك أو وجد دلالة الاذن بالخلط كما جرت العادة بالاذن من أرباب الحنطة بخلط ثمن الغلات، وكذا الطحان ضمن إذا خلط حنطة الناس إلا في موضع يكون مأذونا بالخلط عرفا اه ملخصا. قوله: (لما مر) أي قبيل باب زكاة المال. قوله: (فيجوز إن أجاز الزوج) أي يجوز عنه أيضا، ولا حاجة إلى التقييد بالإجازة بعد قوله أولا أمرها زوجها إلا أن يقال: إنه إشارة إلى الجواز وإن لم يوجد الامر ابتداء، لكن لا بد في جواز الإجازة من كون الحنطة قائمة في يد الفقير. ففي التاترخانية سئل البقالي عمن تصدق بطعام الغير عن صدقة الفطر، قال: توقفت على إجازة المالك فتعتبر شرائطها من قيام العين ونحوه فإن لم يجز ضمن اه. وفيها من الفصل التاسع أيضا عن شرح الطحاوي: تصدق بماله عن رجل بلا أمره جاز عن نفسه وإن أجازه الرجل ولو بمال الرجل، فإن أجازه والمال قائم جاز عنه، ولو هالكا جاز عن المتطوع. قوله: (ولو بالعكس) بأن أمرته بأداء فطرتها فخلط حنطتها بحنطته ط. وقوله: (مقتضى ما مر) أي قوله: ولو أدى عنها بلا إذن أجزأ استحسانا للاذن عادة فإنه يدل على جواز أدائه عنها من ماله، وإذا خلط حنطتها بحنطته في مسألتنا صارت ملكه فيجوز عنه وعنها. ومثله في التاترخانية وغيرها: رجل له أولاد وامرأة كال الحنطة لأجل كل واحد منهم حتى يعطي صدقة الفطر ثم جمع ودفع إلى الفقير بنيتهم يجوز عنهم اه. قلت: لكن قد يقال: إن دفعها الحنطة إليه من مالها قرينة على أنها أرادت أداء الفطر من مالها لتنال فضيلة صدقة، وذلك ينافي إذنها له عادة بالدفع من ماله فينبغي عدم الجواز حيث أرادت ذلك. تنبيه: ما نقلناه عن التاترخانية دليل على جواز الجمع، وأنه لا يلزمه إفراز كل فطرة عن غيرها عند الدفع، ولكن لينظر أن الافراز أولا شرط أم لا؟ بل يكفيه دفع مد شامي مثلا جملة واحدة عن أربعة، ويكون قوله: كال الحنطة الخ بيانا للواقع: لم أ ه، وينبغي الثاني لحصول المقصود، ومثله يقال فيما لو أراد دفع قيمة الحنطة وعن عياله، والأحوط إفراز كل واحدة حتى يرى نقل صريح في المسألة، والله أعلم. قوله: (ولا يبعث الخ) في الحديث الصحيح أنه جعل أبا هريرة على صدقة الفطر، فكان يقبل من جاءه بصدقته من غير أن يذهب إليهم. رحمتي. قلت: فالمراد أنه لا يبعث عاملا كعامل الزكاة يذهب إلى القبائل بنفسه فلا ينافي ما في
404 الحديث. تأمل. قوله: (في المصارف) أي المذكورة في آية الصدقات إلا العامل الغني فيما يظهر، ولا تصح إلى من بينهما أولاد أو زوجية، ولا إلى غني أو هاشمي ونحوهم ممن مر في باب المصرف، وقدمنا بيان الأفضل في المتصدق عليه. قوله: (وفي كل حال) ليس المراد تعميم الأحول مطلقا من كل وجه، فإن لكل شروطا ليست للأخرى، لأنه يشترط في الزكاة الحول والنصاب النامي والعقل والبلوغ وليس شئ من ذلك شرطا هنا، بل المراد في أحوال الدفع إلى المصارف من اشتراط النية واشتراط التمليك فلا تكفي الإباحة كما في البدائع، هذا ما ظهر لي. تأمل. فرع: قدمنا في المصرف عن التاترخانية: لو دفع الفطرة إلى الطبال الذي يوقظهم وقت السحر جاز، إلا أن الأحوط والابعد عن الشبهة أن يقدم إليه قرصات هدية ثم يعطيه الحنطة اه. قوله: (إلا في جواز الدفع إلى الذمي) في الخانية جاز ويكره، وعند الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي يوسف: لا يجوز تاترخانية. وقدم عن الحاوي أن الفتوى على قول أبي يوسف، ومر الكلام فيه. تنبيه: ينبغي استثناء العامل كما قلنا آنفا لأنها ليست من عمالته. قوله: (وقد مر) كل من المسألتين: أما الأولى ففي باب المصرف، وأما الثانية ففي هذا الباب ح. قوله: (وإن كانت نفقتها عليه) أي على الدافع باعتبار التزامه بذلك تبرعا وجعله إياها من جملة عياله، وإلا فنفقتها على زوجها ولذا لها بيعه بها، وقد يقال: إنها على السيد حكما لان العبد ملكه، فإذا كان لها بيعه بها صارت كأنها واجبه في ماله، ويحتمل إرجاع الضمير إلى العبد ووجه المبالغة أنها إذا كانت نفقتها عليه وهو ملك لسيده ربما يتوهم عدم الجواز، فافهم. قوله: (واجبات الاسلام سبعة) عزاه صاحب الجوهرة إلى الامام المحبوبي، وقد تقرر في الأصول أن العدد لا مفهوم له، أو يقال إن واجبات خبر مقدم وسبعة مبتدأ مؤخر. والمعنى: أن هذه السبعة من واجبات الاسلام، ولعل لها خصوصية اشتركت فيها من بين سائر الواجبات فلا يرد ما في ط من أنه إن أراد المشتهر منها فغير مسلم لأنه فاته صلاة العيدين والجماعة وغيرهما وإن أراد مطلق واجب ففي الصلاة والحج وغيرهما واجبات لا تحصى، ومراده بالواجب ما يعم الواجب ديانة كخدمة المرأة لزوجها والفرض العملي كالوتر، وعد العمرة منها بناء على القول بوجوبها، وسيأتي اختلاف التصحيح فيه، والله تعالى أعلم.
405 كتاب الصوم قال في الايضاح: اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين، به قهر النفس الامارة بالسوء، وأنه مركب من أعمال القلب، ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة، يومه، وهو أجمل الخصال، غير أنه أشق التكاليف على النفوس، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ في التكاليف بالأخف، وهو الصلاة تمرينا للمكلف ورياضة له، ثم يثني بالوسط هو الزكاة، ويثلث بالأشق وهو الصوم، وإليه وقعت الإشارة في مقام المدح والترتيب. * (والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات) * وفي ذكر مباني الاسلام وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان فاقتدت أئمة الشريعة في مصنفاتهم بذلك اه. كذا في شرح ابن الشلبي. قوله: (قيل) قائله صاحب البحر. قوله: (لما في الظهيرية الخ) وجه الاستشهاد أن هذا الفرع يدل على أن الصيام جمع أقله ثلاثة أيام كما في الآية، فإن فدية اليمين صوم ثلاثة أيام، فكان التعبير به أولى لدلالته على التعدد فإن الترجمة لأنواع الصيام الثلاثة: أعني الفرض والواجب والنفل. قوله: وتعقب الخ) المتعقب صاحب النهر. وحاصل كلام الشارح أن الصوم اسم جنس له أنواع وهي الثلاثة المذكورة، فحيث عبر عنه بالصوم أو الصيام يراد منه أنواعه المترجم لها، لا ثلاثة أيام فأكثر. قال في المغرب: يقالص صام صوما وصياما فهو صائم وهو صوم وصيام اه. فأفاد أن مدلول كل من الصوم والصيام واحد، ولا دلالة في واحد منهما على التعدد، ولذا قال القاضي في تفسير قوله تعالى: * (ففدية من صيام) * أنه بيان لجنس الفدية، وأما قدرها فبينه عليه الصلاة والسلام في حديث كعب اه. نعم يأتي الصيام جمعا لصائم كما علمته، لكن لا تصح إرادته هنا ولا في الآية كما لا يخفى، ولو سلم أن الصيام جمع لافراد الصوم فلا أولوية في العدول إليه، لان أل الجنسية تبطل معنى الجمعية فيتساوى التعبير بالصوم وبالصيام، هذا تقرير الشارح على وفق ما في النهر، فافهم، وعلى هذا فيشكل ما مر عن الظهيرية، وإن قال في النهر: لعل وجهه أنه أريد بلفظ صيام في لسان الشارع ثلاثة أيام، فكذا في النذر خروجا عن العهدة، بخلاف صوم اه: يعني أن لفظ صيام وإن لم يكن جمعا لكنه لما أطلق في آية الفدية مرادا به ثلاثة أيام كما بين إجماله الحديث فيراد في كلام الناذر كذلك احتياطا، فتأمل. قوله: (والأصح الخ) قال بعضهم: الصحيح ما رواه محمد عن مجاهد ولم يحك خلافه أنه كره أن يقال: جاء رمضان، وذهب رمضان، لأنه اسم من أسمائه تعالى، وعامة المشايخ أنه لا يكره لمجيئه في الأحاديث الصحيحة كقوله (ص): من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وعمرة في رمضان تعدل حجة ولم يثبت في المشاهير كونه من أسمائه تعالى، ولئن ثبت فهو من الأسماء المشتركة كالحكيم، كذا في الدراية (1).
(1) لبعضهم: ان حادي عشرين شهر جمادى * في كلام الشهود لحن قبيح ذكروا الشهر وهو مع رمضان * والربيعين غير ذا لم يبيحوا وتعدوا في حذف واو اثبات * لنون والعكس حكم صحيح قال ذاك المحقق ابن هشام * جاد مثواه صوب غيث فسيح ا ه منه. 406 واعلم أنهم أطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر هو مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان وربيع الأول والآخر فحذف شهر هنا من قبيل حذف بعض الكلمة، وإلا أنهم جوزوه لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين، كذا في شرح الكشاف للسعد. نهر. ومقتضاه أن رجب ليس منها خلافا للصلاح الصفدي، وتبعه من قال: ولا تضف شهرا للفظ شهر * إلا الذي أوله الراء فادر ولذا زاد بعضهم قوله: واستثن من رجبا فيمتنع * لأنه فيما رووه ما سمع قوله: (إمساك مطلقا) أي عن طعام أو كلام، وظاهره أنه حقيقة لغوية في الجميع وهو ما يفيده عبارة الصحاح، وفي المغرب: هو إمساك الانسان عن الأكل والشرب، ومن مجازه: صام الفرس إذا لم يعتلف، وقول النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة نهر. قوله: (عن المفطرات الآتية) أشار بالآتية إلى أن للعهد، وأن المراد الأشياء المعدودة المعلومة في باب مفسدات الصوم فلا تتوقف معرفتها على معرفته فلا دور، فافهم. قوله: (فإنه ممسك حكما) لحكم الشارع بعدم اعتبار ذلك الاكل مثلا. قوله: (وهو اليوم) أي اليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى الغروب، وهل المراد أول زمان الطلوع أو انتشار الضوء؟ فيه خلاف كالخلاف في الصلاة، والأول أحوط والثاني أوسع كما قال الحلواني كما في المحيط، والمراد بالغروب: زمان غيبوبة جرم الشمس بحيث تظهر الظلمة في جهة الشرق، قال (ص): إذا أقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم أي إذا وجدت الظلمة حسا في جهة المشرق فقد ظهر وقت الفطر أو صار مفطرا في الحكم، لان الليل ليس ظرفا للصوم، وإنما أدى بصورة الخبر ترغيبا في تعجيل الافطار كما في فتح الباري. قهستاني. قوله: (مسلم الخ) بيان للشخص المخصوص. قوله: (كائن في دارنا الخ) أنت خبير بأن الكلام في بيان حقيقة الصوم شرعا: أي ما يمكن أن يتحقق به، ولا يخفى أن الصوم الذي هو الامساك عن المفطرات نهارا بنيته يتحقق من المسلم الخالي عن حيض ونفاس، سواء كان في دار الاسلام أو دار الحرب، علم بالوجوب أولا، على أن الكلام في تعريف الصوم فرضا أو غيره، والعلم بالوجوب أو الكون في دار الاسلام إنما هو شرط لوجوب رمضان كالعقل والبلوغ لا شرط للصحة، فالمناسب الاقتصار على قوله: طاهر الخ ثم رأيت الرحمتي ذكر نحو ما قلته، فافهم. قوله: (أو عالم بالوجوب) أي أو كائن في غير دارنا عالم بالوجوب فالكون بدار الاسلام موجب للصوم، وإن لم يعلم بوجوبه، إذ لا يعذر بالجهل في دار الاسلام، بخلاف من أسلم في دار
407 الحرب ولم يعلم به فإنه لا يجب عليه ما لم يعلم، فإذا علم ليس عليه قضاء ما مضى، إذ لا تكليف بدون العلم ثمة للعذر بالجهل، وإنما يحصل له العلم الموجب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين مستورتين أو واحد عدل، وعندهما لا تشترط العدالة ولا البلوغ والحرية كما في إمداد الفتاح. قوله: (طاهر عن حيض أو نفاس) أي خال عنهما، وإلا فالطهارة عن حدثهما غير شرط. قوله: (المعهودة) هي نية الشخص المذكور الصوم في وقتها الآتي بيانه. قوله: (وأما البلوغ والإفاقة الخ) جواب عما قد يقال: لم لم تقيد الشخص المخصوص بالبلوغ والإفاقة من الجنون أو الاغماء أو النوم؟ وبيان الجواب: أن الكلام في تعريف الصوم الشرعي وذلك بذكر ركنه، وهو الامساك المذكور وذكر ما تتوقف عليه صحته وهي ثلاثة: الاسلام، والطهارة عن الحيض والنفاس، والنية كما في البدائع، ولم يذكر في الفتح الاسلام لاغناء النية عنه، إذ لا تصح بدونه، وليس البلوغ والإفاقة من شروط الصحة لصحته بدونهما كما ذكره، نعم هما من شروط وجوب رمضان وهي أربعة ثالثها الاسلام ورابعها العلم بالوجوب أو الكون في دارنا فلا محل للتقييد بهما. على أن الكلام في تعريف مطلق الصوم لا خصوص صوم رمضان كما مر، ولذا لم يذكر شروط وجوب أدائه، وهي ثلاثة: الصحة والإقامة والخلو من حيض ونفاس. قوله: (وحكمه) أي الأخروي، أما حكمه الدنيوي فهو سقوط الواجب إن كان صوما لازما. بحر. قوله: (ولو منهيا عنه) كصوم الأيام الخمسة إذ النهي لمعنى مجاور وهو الاعراض عن ضيافة الله تعالى، وهو يفيد أن في صومها ثوابا كالصلاة في الأرض المغصوبة. ذكر في النهر ردا على البحر قوله: إنه لا ثواب في صوم الأيام المنهية، فكلام الشارح بحث لصاحب النهر ط. قلت: صرح في التلويح بأن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أن النهي يقتضي الصحة عندنا بمعنى استحقاق الثواب وسقوط القضاء وموافقة أمر الشارع، ثم نقل عن الطريقة المعينة ما حاصله أن الصوم في هذه الأيام ترك للمفطرات الثلاث وإعراض عن الضيافة، فمن حيث الأول يكون عبادة مستحسنة، ومن حيث الثاني يكون منهيا، لكن الأول بمنزلة الأصل والثاني بمنزلة التابع فبقي مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه اه. لكن بحث محشيه الفنري في إرادة استحقاق الثواب: بل المراد ما سواها، والصحة لا تقتضي الثواب كالوضوء بلا نية والصلاة مع الرياء اه. قلت: ويؤيده وجوب الفطر بعد الشروع وتصريحهم بأنه معصية. قوله: (ويلغو التعيين) من هذا يؤخذ أنه لو نذر صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع يصح صوم غيرهما عنهما ط. قلت: وهذا في غير النذر المعلق لما سيأتي قبيل الاعتكاف من قوله: والنذر غير المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير، بخلاف المعلق فإنه لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط اه: أي لان المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة هناك قوله: (والكفارات) أي سبب صومها الحنث والقتل: أي قتل النفس خطأ أو قتل الصيد محرما، والأولى
408 قول الفتح، وسبب صوم الكفارات أسبابها من الحنث والقتل اه. لان منها العزم على العود في الظاهر والافطار في فطر رمضان والحلق في حلق المحرم لعذر. قوله: (على المختار) اختاره السرخسي بحر. قوله: (وغيره) كالامام الدبوسي وأبي اليسر. بحر. قوله: (الذي يمكن إنشاء الصوم فيه) وهو ما كان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى، أما الليل والضحوة وما بعدها فلا يمكن إنشاء الصوم فيهما، والموجود في الليل مجرد النية لا إنشاء الصوم ط. لكن صرح في البحر بأن السبب هو الجزء الذي لا يتجزأ من كل يوم فيجب مقارنا إياه اه. وهذا يقتضي أنه الجزء الأول من كل يوم كما صرح به غيره أيضا، وصرح به هو في فصل العوارض عند قول الكنز: ولو بلغ صبي أو أسلم كافر الخ، ودفع ما أورده ابن الهمام من أنه يلزم مقارنة السبب للوجوب أو تقدم الوجوب على السبب بأنه يجوز مقارنته له للضرورة، كما لو شرع في الصلاة في أول جزء من الوقت فإنه يسقط اشتراط تقدم السبب على الوجوب المسبب للضرورة كما صرح به في الكشف الكبير، وتمام الكلام هناك فتأمل. قوله: (حتى لو أفاق المجنون في ليلة) أي من أول الشهر أو وسطه ثم جن قبل أن يصبح ومضى الشهر وهو مجنون. بحر. وقوله: أو في آخر أيامه بعد الزوال كذا وقع في البحر وغيره، والأحسن قول الامداد: وفيما بعد الزوال من يوم منه، ومثله في شرح التحرير. وفي نور الايضاح، ولا يلزمه قضاؤه بإفاقته ليلا أو نهارا بعد فوات وقت النية في الصحيح. قلت: ولعل التقييد بآخر يوم منه مبني على أن المراد الإفاقة التي لم يعقبها جنون، فإنها إذا كانت في وسطه لا شك في وجوب القضاء، والمراد بما بعد الزوال ما بعد نصف النهار الشرعي: أي ما بعد الضحوة الكبرى كما مر آنفا، أو هو مبني على قول القدوري كما يأتي تحريره، فافهم. تنبيه: تفريع هذه المسألة على ما ذكره من الاختلاف في السبب يخالفه ما في الهداية حيث جمع بين القولين بأنه لا منافاة، فشهود جزء منه سبب لكله، ثم كل يوم سبب وجوب أدائه، غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره كما في الفتح، ويؤيد ما قلناه قول ابن نجيم في شرح المنار: ولم أر من ذكر لهذا الخلاف ثمرة في الفروع اه. تأمل. قوله: (كما في المجتبى) ونصه: ولو أفاق أول ليلة من رمضان ثم أصبح مجنونا واستوعب كل الشهر اختلف أئمة بخارى فيه، والفتوى على أنه لا يلزمه القضاء لان الليلة لا يصام فيها، وكذا إن أفاق في ليلة من وسطه أو في آخر يوم من رمضان بعد الزوال وقبل الزوال يلزمه. قوله: (وصححه غير واحد) كصاحب النهاية والظهيرية. بحر وقاضي خان والعناية شرنبلالية. ومشى عليه الأسبيجابي وحميد الدين الضرير من غير حكاية خلاف شرح التحرير، ومشى عليه في نور الايضاح. قلت: وكذا نقل تصحيحه في الذخيرة، لكن نقل أيضا تصحيح لزوم القضاء، ومشى عليه في الفتح قائلا: لا فرق بين إفاقته وقت النية أو بعده، وفي شرح الملتقى للبهنسي أنه ظاهر الرواية.
409 قلت: ومثله في شرح التحرير عن الكشف، وعزاه في البدائع إلى أصحابنا ولم يحك غيره، وكذا في السراج، وجزم به الزيلعي، وهو ظاهر القدوري والكنز والهداية حيث أطلقوا لزوم القضاء بإفاقة بعض الشهر، وكذا في الجامع الصغير قال: وإن أفاق شيئا منه قضاه، وعبر في الملتقى بإفاقة ساعة، وفي المعراج: لو كان مفيقا في أول ليلة منه ثم جن وأصبح مجنونا إلى آخر الشهر قضاه كله بالاتفاق غير يوم تلك الليلة، ثم نقل عبارة المجتبى المارة. والحاصل أنهما قولان مصححان، وأن المعتمد الثاني لكونه ظاهر الرواية والمتون. قوله: (وهو أقسام ثمانية) فرض معين وغير معين وواجب كذلك، ونفل مسنون أو مستحب ومكروه تنزيها أو تحريما. قوله: (معين) أي له وقت خاص. قوله: (لكنه) أي صوم الكفارات. قوله: (تبعا لابن الكمال) حيث قال في إيضاح الاصلاح: وصوم النذر والكفارة واجب لم ينعقد الاجماع على فرضية واحد منهما، بل على وجوبه: أي ثبوته عملا لا علما ولهذا لا يكفر جاحده اه. وحاصله أنه وإن ثبت لزوم كل منهما عملا بالكتاب والاجماع لكن لم يثبت لزومهما علما بحيث يكفر جاحد فرضيتهما كما هو شأن الفروض القطعية كرمضان ونحوه، وعلى هذا فكان المناسب ذكر الكفارات في قسم الواجب كما فعل ابن الكمال، لان الفرض العملي الذي هو أعلى قسمي الواجب ما يفوت الجواز بفوته كالوتر وهذا ليس منه. قوله: (كالنذر المعين) أي بوقت خاص كنذر صوم يوم الخميس مثلا، وغير المعين كنذر صوم يوم مثلا، ومن الواجب صوم التطوع بعد الشروع فيه وصوم قضائه عند الافساد وصوم الاعتكاف. قوله: (وأما قوله تعالى الخ) أي أن مقتضى ثبوت الامر به في الآية القطعية كونه فرضا والجواب أنه خص منها النذر بالمعصية بالاجماع فصارت ظنية الدلالة فتفيد الوجوب، وفيه بحث لصاحب العناية مذكور مع جوابه في النهر. قوله: (قائله الأكمل) فيه أن الأكمل قرر في العناية الوجوب، إلا أن يكون وقع له في غير هذا الموضع، والذي في البحر وغيره أن قائله الكمال، فلعله سبق قلم الشارح لتشابه اللفظين. أفاده ح. وكلام الكمال في الفتح حاصله أن الفرضية مستفادة من الاجماع على اللزوم لا من الآية لتخصصها كما علمت. قوله: (لكن تعقبه سعدي الخ) أي في حاشية العناية، فإنه نقل عبارة الفتح ثم اعترضه بأنه ليس على ما ينبغي لما في أوائل كتاب السير من المحيط البرهاني والذخيرة: الفرق بين الفريضة والواجب ظاهر نظرا إلى الاحكام، حتى إن الصلاة المنذورة لا تؤدي بعد صلاة العصر وتقضي الفوائت بعد صلاة للعصر اه. وحاصله: أن ما ذكر صريح في أن المنذور واجب لا فرض. قوله: (يعني عملا) هذا صلح
410 بما لا يرتضيه الخصمان، فإن المستدل على فرضيته بالآية أراد به أنه فرض قطعي كما صرح به في الدرر لا ظني، ولذا اعترض في الفتح الاستدلال بالآية بأنها لا تفيد الفرضية لما مر من تخصيصها، وعدل عنه كصدر الشريعة إلى الاستدلال بالاجماع. قوله: (كما بسطه خسرو) أي في الدرر حيث أجاب عن قول صدر الشريعة: إن المنذور فرض لان لزومه ثابت بالاجماع، فيكون قطعي الثبوت بأن المراد بالفرض هاهنا الفرض الاعتقادي الذي يكفر جاحده كما تدل عليه عبارة الهداية، والفرضية بهذا المعنى لا تثبت بمطلق الاجماع، بل بالاجماع على الفرضية المنقول بالتواتر كما في صوم رمضان، ولما لم يثبت في المنذور نقل الاجماع على فرضيته بالتواتر بقي في الوجوب، فإن الاجماع المنقول بطريق الشهرة أو الآحاد يفيد الوجوب دون الفرضية بهذا المعنى اه. قلت: وظاهر كلامه وجود الاجماع على فرضية المنذور، لكن لما لم ينقل متواترا بل بطريق الشهرة أو الآحاد أفاد الوجوب، والأظهر ما مر عن ابن الكمال من أن الاجماع على ثبوته عملا لا علما. والحاصل أن العلماء أجمعوا على لزوم الكفارات والمنذورات الشرعية، ولا يلزم من ذلك الفرضية القطعية اللازمة منها إكفار الجاحد لها. تنبيه: في شرح الشيخ إسماعيل عن ذخيرة العقبي: اعلم أنه قد اضطرب كلام المؤلفين في كل من النذور والكفارات. فصاحب الهداية والوقاية فرض، وصدر الشريعة واجب، والزيلعي الأول واجب والثاني فرض، وابن ملك بالعكس، وتوجيه كل ظاهر إلا الأخير. قوله: (ونفل) أراد به المعنى اللغوي وهو الزيادة لا الشرعي وهو زيادة عبادة شرعية لنا لا علينا، لأنه أدخل فيه المكروه بقسميه. وقد يقال: إن المراد المعنى الشرعي لما قدمناه من أن الصوم في الأيام المكروهة من حيث نفسه عبادة مستحسنة، ومن حيث تضمنه الاعراض عن الضيافة يكون منهيا فبقي مشروعا بأصله دون وصفه. تأمل. قوله: (يعم السنة) قدمنا في بحث سنن الوضوء تحقيق الفرق بين السنة والمندوب. وأن السنة ما واظب عليها النبي (ص) أو خلفاؤه من بعده، وهي قسمان: سنة الهدى وتركها يوجب الإساءة والكراهة كالجماعة والاذان، وسنة الزوائد كسير النبي (ص) في لباسه وقيامه وقعوده، ولا يوجب تركها كراهة. والظاهر أن صوم عاشوراء من القسم الثاني، بل سماه في الخانية مستحبا فقال: ويستحب أن يصوم يوم عاشوراء بصوم يوم قبله أو يوم بعده ليكون مخالفا لأهل الكتاب، ونحوه في البدائع، بل مقتضى ما ورد من أن صومه كفارة للسنة الماضية وصوم عرفة كفارة للماضية والمستقبلة كون صوم عرفة آكد منه، وإلا لزم كون المستحب أفضل من السنة، وهو خلاف الأصل. تأمل. قوله: (والمندوب) بالنصب عطف على السنة، ولم يذكر المستحب لعدم الفرق بينه وبين المندوب عند الأصوليين، وهو ما لم يواظب عليه (ص) وإن لم يفعله بعد ما رغب إليه كما في التحرير. وعند الفقهاء: المستحب ما فعله (ص) مرة وتركه أخرى، والمندوب: ما فعله مرة أو مرتين تعليما للجواز، وعكس في المحيط. وقول الأصوليين أولى لشموله ما رغب فيه ولم يفعله كما
411 ذكره في البحر من كتاب الطهارة لكنه فرق بينهما هنا فقال: ينبغي أن يكون كل صوم رغب فيه الشارع (ص) بخصوصه مستحبا وما سواه مما لم تثبت كراهته يكون مندوبا لا نفلا لان الشارع قد رغب في مطلق الصوم فترتب على فعله الثواب، بخلاف النفلية المقابلة للندبية فإن ظاهره يقتضي عدم الثواب فيه، وإلا فهو مندوب كما لا يخفى اه. قلت: وهذا وارد على ما في الفتح حيث جعل النفل مقابلا للمندوب والمكروه. قوله: (كأيام البيض) أي أيام الليالي البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها. من كل شهر ويندب كونها البيض قوله: (ويوم الجمعة ولو منفردا) صرح به في النهر وكذا في البحر، فقال: إن صومه بانفراده مستحب عند العامة كالاثنين والخميس، وكره الكل بعضهم اه. ومثله في المحيط معللا بأن لهذه الأيام فضيلة ولم يكن في صومها تشبه بغير أهل القبلة كما في الأشباه، وتبعه في نور الايضاح من كراهة إفراده بالصوم قول البعض. وفي الخانية: ولا بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمد لما روي، عن ابن عباس أنه كان يصومه ولا يفطر اه. وظاهر الاستشهاد بالأثر أن المراد بلا بأس الاستحباب. وفي التجنيس قال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته أن يصوم قبله أو بعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوما آخر اه. قال ط: قلت: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي كما أوضحه شراح الجامع الصغير لان فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها. قوله: (لم يضعفه) صفة لحاج: أي إن كان لا يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات. محيط. فلو أضعفه كره. قوله: (والمكروه) بالنصب عطفا على السنة أو بالرفع على الابتداء، وخبره قوله: كالعيدين وحينئذ لا يحتاج إلى التكلف المار في وجه إدخاله في النفل، على أن صوم العيدين مكروه تحريما ولو كان الصوم واجبا. قوله: (كالعيدين) أي وأيام التشريق. نهر. قوله: (وعاشوراء (1) وحده) أي مفردا عن التاسع أو عن الحادي عشر. إمداد. لأنه تشبه باليهود. محيط. قوله: (وسبت وحده) للتشبه باليهود. بحر. وهذه العلة تفيد كراهة التحريم، إلا أن يقال: إنما تثبت بقصد التشبه كما مر نظيره ط. قلت: وفي بعض النسخ وأحد بدل قوله وحده وبه صرح في التاترخانية فقال: ويكرم صوم النيروز والمهرجان إذا تعمده ولم يوافق يوما كان يصومه قبل ذلك، وهكذا قيل في يوم السبت والأحد اه: أي يكره تعمد صومه إلا إذا وافق يوما كان يصومه، قبل كما لو كان يصوم يوما ويفطر يوما، أو كان يصوم أول الشهر مثلا فوافق يوما من هذه الأيام. وأفاد قوله وحده أنه لو صام معه يوما آخر فلا كراهة، لان الكراهة في تخصيصه بالصوم للتشبه. وهل إذا صام السبت مع الاحد تزول الكراهة؟ محل تردد، لأنه قد يقال: إن كل يوم منهما معظم عند طائفة من أهل الكتاب، ففي صوم كل واحد منهما تشبه بطائفة منهم. وقد يقال: إن صومهما معا ليس فيه تشبه، لأنه لم تتفق طائفة
(1) قوله: (وعاشوراء) هكذا بخطه. والذي في الشارح: كعاشوراء بكاف التمثيل وهو الأوفق بما قبله ا ه مصححه. 412 منهم على تعظيمهما معا، ويظهر لي الثاني بدليل أنه لو صام الاحد مع الاثنين تزول الكراهة لأنه لم يعظم أحد منهم هذين اليومين معا، وإن عظمت النصارى الاحد، وكذا لو صام مع عاشوراء يوما قبله أو بعده مع أن اليهود تعظمه. ويظهر من هذا أنه لو جاء عاشوراء يوم الأحد أو الجمعة لا يكره صوم السبت معه، وكذا لو كان قبله أو بعده يوم المهرجان أو النيروز لعدم تعمد صومه بخصوصه، والله تعالى أعلم. قوله: (ونيروز) بفتح النون وسكون الياء وضم الراء معرب نوروز، ومعناه اليوم الجديد، فنو معنى الجديد، وروز بمعنى اليوم، والمراد منه يوم تحل فيه الشمس برج الحمل. ومهرجان: معرب مهر كان، والمراد منه أول حلول الشمس في الميزان، وهذان اليومان عيدان للفرس اه ح. قوله: (إن تعمده) كذا في المحيط، ثم قال: والمختار أنه إن كان يصوم قبله فالأفضل له أن يصوم، وإلا فالأفضل أن لا يصوم لأنه يشبه تعظيم هذا اليوم وأنه حرام. قوله: (وصوم صمت) وهو أن لا يتكلم فيه لأنه تشبه بالمجوس فإنهم يفعلون هكذا. محيط. قال في الامداد: فعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه. قوله: (ووصال) فسره أبو يوسف ومحمد بصوم يومين لا فطر بينهما. بحر. وفسره في الخانية بأن يصوم السنة ولا يفطر في الأيام المنهية. وفي الخلاصة: إذا أفطر في الأيام المنهية المختار أنه لا بأس به. قوله: (وإن أفطر الأيام الخمسة) أي العيدين وأيام التشريق. قوله: (وهذا عند أبي يوسف) ظاهره أن صاحبيه يقولان بخلافه، وظاهر البدائع أن المخالف من غير أهل المذهب فإنه قال: وقال بعض الفقهاء: من صام سائر الدهر وأفطر يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق لا يدخل تحت نهي الوصال، ورد عليه أبو يوسف فقال: وليس هذا عندي كما قال هذا قد صام الدهر، كأن أشار إلى أن النهي عن صوم الدهر ليس الصوم هذه الأيام بل لما يضعفه عن الفرائض والواجبات والكسب الذي لا بد له منه اه. قوله: (فهي خمسة عشر) تفريع على قله يعم السنة والمندوب والمكروه: أي فصار جملة ما دخل في قوله: ونفل خمسة عشر بجعل العيدين اثنين، وجعل يوم الأحد منها على ما في كثير من النسخ، فافهم. لكن بقي عليه من المكروه تحريما أيام التشريق وصوم يوم الشك على ما يأتي تفصيله، ومن المكروه أيضا صوم المرأة والعبد والأجير بلا إذن الزوج والمولى والمستأجر، وسيأتي بيانه قبيل قول المتن: ولو نوى مسافر الفطر ومن المندوب صوم الاثنين والخميس وصوم داود عليه السلام والست من شوال على ما يأتي قبيل الاعتكاف. قوله: (وأنواعه) أي أنواع الصيام اللازم. قوله: (سبعة متتابعة) عدها في البحر سبعة أيضا، لكن أسقط صوم الاعتكاف وذكر بدله صوم اليمين المعين، كأن يقول: والله لأصومن رجبا مثلا، وكأن الشارح أدخله تحت النذر المعين بجامع الايجاب قولا. ثم قال في البحر: ويلحق به النذر المطلق إذا ذكر فيه التتابع أو نواه، وذكر أنه إذا أفطر يوما فيما يجب فيه التتابع لا يلزمه الاستقبال إن كان التتابع مأمورا به لأجل الوقت وهو رمضان والنذر المعين واليمين بصوم معين وإن كان مأمورا به لأجل الفعل وهو الصوم يلزمه الاستقبال كالستة الباقية.
413 قلت: ومن الأول ما زاده الشارح وهو صوم الاعتكاف. تأمل. قوله: (وستة يخير فيها) كذا عدها في البحر ستة أيضا، لكن أسقط النفل لان الكلام في أنواع الصيام اللازم وذكر بدله صوم اليمين المطلق مثل: والله لأصومن شهرا، وكان الشارح أدخله تحت النذر المطلق نظير ما مر. قوله: (وصوم متعة) أي وقران إذا لم يجد ما يذبح لهما فإنه يصوم ثلاثا قبل الحج وسبعا إذا رجع ط. قوله: (وفدية حلق وجزاء صيد) أي إذا اختار الصيام فيهما ط. قوله: (ونذر مطلق) أي عن التقييد بشهر كذا، وعن ذكر التتابع أو نيته. قوله: (فيصح أداء صوم رمضان الخ) قيد بالأداء لان قضاء رمضان وقضاء النذر المعين أو النفل الذي أفسده يشترطه فيه التبييت والتعيين كما يأتي في قول المصنف: والشرط للباقي الخ. قوله: (والنذر المعين) فهو في حكم رمضان لتعين الوقت فيهما. قوله: (والنفل) المراد به ما عدا الفرض والواجب أعم من أن يكون سنة أو مندوبا أو مكروها. بحر ونهر. قوله: (بنية) قال في الاختيار: النية شرط في الصوم، وهي أن يعلم بقلبه أنه يصوم، ولا يخلو مسلم عن هذا في ليالي شهر رمضان، وليست النية باللسان شرطا، ولا خلاف في أول وقتها وهو غروب الشمس، واختلفوا في آخره كما يأتي اه. وسيأتي بيان ما يبطلها. وفي البحر عن الظهيرية أن التسحر نية. قوله: (فلا تصح قبل الغروب) فلو نوى قبل أن تغيب الشمس أن يكون صائما غدا ثم نام أو أغمي عليه أو غفل حتى زالت الشمس من الغد لم يجز، وإن نوى بعد غروب الشمس جاز. خانية. وفيها: وإن نوى مع طلوع الفجر جاز، لان الواجب قران النية بالصوم لا تقدمها. قوله: (إلى الضحوة الكبرى) المراد بها نصف النهار الشرعي، والنهار الشرعي من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، والغاية غير داخلة في المغيا كما أشار إليه المصنف بقوله: لا عندها اه ح. وعدل عن تعبير القدوري والمجمع وغيرهما بالزوال لضعفه، لان الزوال نصف النهار من طلوع الشمس، ووقت الصوم من طلوع الفجر كما في البحر عن المبسوط. قال في الهداية وفي الجامع الصغير: قبل نصف النهار، وهو الأصح لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى لا وقت الزوال، فتشترط النية قبلها لتتحقق في الأكثر اه. وفي شرح الشيخ إسماعيل: وممن صرح (1) بأنه الأصح في العتابية والوقاية، وعزاه في المحيط إلى السرخسي وهو الصحيح كما في الكافي والتبيين اه. وتظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا نوى عند قرب الزوال كما في التاترخانية، المحيط، وبه ظهر أن قول البحر: والظاهر أن الاختلاف في العبارة لا في الحكم غير ظاهر. تنبيه: قد علمت أن النهار الشرعي من طلوع الفجر إلى الغروب. واعلم أن كل قطر نصف نهاره قبل زواله بنصف حصة فجره، فمتى كان الباقي للزوال أكثر من هذا النصف صح، وإلا فلا تصح النية في مصر والشام قبل الزوال بخمس عشرة درجة لوجود النية في أكثر النهار، لان نصف حصة الفجر لا تزيد على ثلاث عشرة درجة في مصر وأربع عشرة ونصف في الشام، فإذا كان الباقي
(1) قوله: (وممن صرح الخ) كذا بالأصل والمناسب حذف من ا ه. 414 إلى الزوال أكثر من نصف هذه الحصة ولو بنصف درجة صح الصوم، كذا حرره شيخ مشايخنا السائحاني رحمه الله تعالى. تتمة: قال في السراج: وإذا نوى الصوم من النهار ينوي أنه صائم من أوله، حتى لو نوى قبل الزوال أنه صائم من حين نوى لا من أوله لا يصير صائما. قوله: (وبمطلق النية) أي من غير تقييد بوصف الفرض أو الواجب أو السنة: لان رمضان معيار لم يشرع فيه صوم آخر فكان متعينا للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى التعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب الله تعالى فيصام كل بمطلق النية. إمداد. قوله: (فأل بدل عن المضاف إليه) كذا في بعض النسخ، قال ط: فلا يقال إن مطلق النية يصدق بنية: أي عباد كانت كما توهمه البعض فاعترض. قوله: (لعدم المزاحم) إشارة إلى ما ذكرناه عن الامداد. قوله: (وبخطأ في وصف) كذا وقع في عباراتهم أصولا وفروعا أن رمضان يصح مع الخطأ في الوصف: فذهب جماعة من المشايخ إلى أن نية النفل فيه مصورة في يوم الشك، بأن شرع بهذه النية ثم ظهر أنه من رمضان ليكون هذا الظن معفوا وإلا يخشى عليه الكفر، كذا في التقرير، وفي النهاية ما يرده، وهو أنه لما لغانية النفل لم تتحقق نية الاعراض. والحاصل أنه لا ملازمة بين نية النفل، واعتقاد عدم الفرضية أو ظنه إلا إذا انضم إليها اعتقادا النفلية فيكفر أو ظنها فيخشى عليه الكفر. بحر ملخصا. وبهذا ظهر لك أن المراد بالخطأ بالوصف وصف رمضان بنية نفل أو واجب آخر خطأ لأنه يبعد من المسلم أن يتعمده، وليس المراد به نية الواجب فقط، فقول المصنف تبعا للدرر: وبنية نفل وبخطأ في وصف، فيه نظر، فإنه كان عليه الاقتصار على الثاني أو إبداله بواجب آخر، لان فائدة للتعبير بالخطأ في الوصف التباعد عن تعمد نية النفل، وبعد التصريح بقوله وبنية نفل لم تبق فائدة للتعبير بالخطأ في الوصف وإن أريد به الواجب كما فسره الشارح، هذا ما ظهر لي ولم أر من نبه عليه. قوله: (فقط) أي دون النفل والنذر المعين فلا يصحان بنية واجب آخر بل يقع عما نوى كما يأتي ط. قوله: (بتعيين الشارع) أي في قوله عليه الصلاة والسلام: إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا رمضان بخلاف النذر، فإنما جعل بولاية الناذر، وله إبطال صلاحية ماله. ط عن المنح. قوله: (إلا إذا وقعت النية) أي نية النفل أو الواجب الآخر في رمضان فهو استثناء من قوله: بنية نفل وخطأ في وصف. قوله: (حيث يحتاج) أي المريض أو المسافر، وأفرد الضمير للعطف بأو التي لاحد الشيئين أو الضمير للصوم، ويؤيده عود الضمير عليه في قوله: تعينه وفي يقع. قوله: (لعدم تلينه في حقهما) لأنه لما سقط عنهما وجوب الأداء صار رمضان في حق الأداء كشعبان. قوله: (من نفل أو واجب) أما لو أطلقا النية كان عن رمضان على جميع الروايات. ح عن الامداد. قوله: (على ما عليه الأكثر). بحر أقول: الذي في البحر نسبة ذلك إلى الأكثر في حق المريض، وهو أحد ثلاثة أقوال كما يأتي، أما في حق المسافر فإن نوى واجبا آخر يقع عنه عند الامام. وإن نوى النفل أو أطلق فعنه روايتان: أصحهما وقوعه عن
415 رمضان، لان فائدة النفل الثواب وهو في فرض الوقت أكثر. وقال: وينبغي وقوعه من المريض عن رمضان في النفل على الصحيح كالمسافر اه. وحاصله أن المريض والمسافر لو نويا واجبا آخر وقع عنه، ولو نويا نفلا أو أطلقا فعن رمضان، نعم في السراج صحح رواية وقوعه عن النفل فيهما، وعليه يتمشى كلام المصنف والدرر. قوله: (الصحيح وقوع الكل عن رمضان الخ) المراد بالكل هو ما إذا نوى المريض النفل أو أطلق أو نوى واجبا آخر، وما إذا نوى المسافر كذلك، إلا إذا نوى واجبا آخر فإنه يقع عنه لاعن رمضان، لان المسافر له أن لا يصوم فله أن يصرفه إلى واجب آخر، لان الرخصة متعلقة بمظنة العجز وهو السفر وذلك موجود بخلاف المريض فإنها متعلقة بحقيقة العجز، فإذا صام تبين أنه غير عاجز. واستشكله صدر الشريعة في التوضيح بأن المرخص هو المرض الذي يزداد بالصوم، لا المرض الذي لا يقدر به على الصوم، فلا نسلم أنه إذا صام ظهر فوات شرط الرخصة. قال في التلويح: وجوابه أن الكلام في المريض لا يطيق الصوم، وتتعلق الرخصة بحقيقة العجز، وأما الذي يخاف فيه ازدياد المرض فهو كالمسافر بلا خلاف على ما يشعر به كلام شمس الأئمة في المبسوط من أن قول الكرخي بعدم الفرق بين المسافر والمريض سهو، أو مؤول بالمريض الذي يطيط الصوم وكان منه ازدياد المرض اه. تنبيه: تلخص من كلام البحر أن في المريض ثلاث أقوال: أحدها ما في الأشباه المذكور هنا واختار فخر الاسلام وشمس الأئمة وجمع وصححه في المجمع. ثانيها: ما مر في المتن أنه يقع عما نوى، واختاره في الهداية وأكثر المشايخ، وقيل إنه ظاهر الرواية، وينبغي وقوعه عن رمضان في النفل كالمسافر كما مر. ثالثها: التفصيل بين أن يضره الصوم فتتعلق الرخصة بخوف الزيادة فيصير كالمسافر يقع عما نوى بين أن لا يضره الصوم كفساد الهضم فتتعلق الرخصة بحقيقته فيقع عن فرض الوقت، واختاره في الكشف والتحرير اه. وهذا القول هو ما مر عن التلويح وجعله في شرح التحرير محمل القولين وقال: إنه تحقيق يحصل به التوفيق بحمل ما اختاره فخر الاسلام وغيره على من لا يضره الصوم، وحمل ما اختاره في الهداية على من يضره، وتعقب الأكمل في التقرير هذا القول بأن من لا يضره الصوم لا يرخص له الفطر لأنه صحيح، وليس الكلام فيه. قلت: وأجبت عنه فيما علقته على البحر بما حاصله: أن الصوم تارة يزداد به المرض مع القدرة عليه كمرض العين مثلا، وتارة لا يضره كمريض بفساد الهضم فإن الصوم لا يضره بل ينفعه، فالأول تتعلق الرخصة فيه بخوف الزيادة، والثاني بحقيقة العجز بأن يصل إلى حالة لا يمكنه معها الصوم، فإذا صام ظهر عدم عجزه فيقع عن رمضان وإن نوى غيره، لأنه إذا قدر عليه مع كونه لا يضره لا يقول عاقل بأنه يرخص له الفطر هذا ما ظهر لي والله أعلم. قوله: (والنذر المعين الخ) تصريح بما فهم من قوله: في رمضان فقط. قوله: (بنية واجب آخر) كقضاء رمضان أو الكفارة، أما لو نوى النفل فإنه يقع عن النذر المعين. سراج. ثم نقل عن الكرخي أن محمدا قال: يقع عن النفل
416 وأبا يوسف عن النذر. قوله: (يقع عن واجب نواه مطلقا) أي سواء كان صحيحا أو مريضا مقيما أو مسافرا، وإذا وقع عما نوى وجب عليه قضاء المنذور في الأصح كما في البحر عن الظهيرية. قوله: (ولو لجهله) زاد لفظة ولو ليدخل غير الجاهل، لكن الأولى إسقاطها لان العالم تقدم قريبا في قوله: وبخطأ في وصف ط. وأفاد أن الصوم واقع في رمضان ولم يذكر ما إذا جهل شهر رمضان كالأسير في دار الحرب فتحرى وصام عنه شهرا، وبيانه في البحر. وفيه أيضا: لو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في الثانية عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وهكذا، قيل يجوز، وقيل لا. وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء، وإن نوى عن السنة الثانية مفسرا لا يجوز اه. قوله: (فلا صوم إلا عن رمضان) أي لا يتحقق فيه صوم غيره، ومحله فيمن تعين عليه فلا يرد المسافر إذا نوى واجبا آخر ط. قوله: (في العادة) أي عادة الامساك حمية أو لعذر ط. قوله: (وقال زفر ومالك تكفي نية واحدة) أي عن الشهر كله. وروي عن زفر أن المقيم لا يحتاج إلى النية ولو مسافرا لم يجز حتى ينوي من الليل، وعند علمائنا الثلاثة: لا يجوز إلا بنية جديدة لكل يوم من الليل أو قبل الزوال مقيما أو مسافرا. سراج. قوله: (قلنا الخ) أي في جواب قياسه الصوم على الصلاة أن صوم كل يوم عبادة بنفسه، بدليل أن فساد البعض لا يوجب فساد الكل، بخلاف الصلاة. قوله: (والشرط الباقي من الصيام) أي من أنواعه: أي الباقي منها بعد الثلاثة المتقدمة في المتن وهو قضاء رمضان والنذر المطلق وقضاء النذر المعين والنفل بعد إفساده والكفارات السبع وما أحلق بها من جزاء الصيد والحلق والمتعة. نهر. وقوله: السبع، صوابه الأربع، وهي كفارة الظهار، والقتل، واليمين، والافطار. قوله: (للفجر) أي لأول جزء منه ط. قوله: (ولو حكما الخ) جعل في البحر القران في حكم التبييت، وأنت خبير بأن الأنسب ما سلكه الشارح من العكس، إذ القران هو الأصل، وفي التبييت قران حكما كما في النهر. قوله: (وهو) الضمير راجع إلى القران الحكمي ح. قوله: (تبييت النية) فلو نوى تلك الصيامات نهارا كان تطوعا وإتمامه مستحب، ولا قضاء بإفطاره، والتبييت في الأصل كل فعل دبر ليلا ط، عن القهستاني. قوله: (للضرورة) علة للاكتفاء بالقران الحكمي، إذ تحرى وقت الفجر مما يشق والحجر مدفوع اه ح. قوله: (وتعيينها) هو بالنظر إلى مجرد معطوف على تبييت، وبالنظر إلى عبارة الشرح معطوف على قران كما لا يخفى، والمراد بتعيينها تعيين المنوي بها، فهو مصدر مضاف إلى فاعله المجازي. قوله: (لعدم تعين الوقت) أي لهذه الصيامات، بخلاف أداء رمضان والنذر المعين فإن الوقت فيهما متعين، وكذا النفل لان جميع الأيام سوى شهر رمضان وقت له. قوله: (والشرط فيها الخ) أي في النية المعينة لا مطلقا، لان ما لا يشترط له التعيين يكفيه أن
417 يعلم بقلبه أن يصوم فلا منافاة بين ما هنا وما قدمناه عن الاختيار. وأفاد ح: أن العلم لازم للنية التي هي نوع من الإرادة، إذ لا يمكن إرادة شئ إلا بعد العلم به. قوله: (والسنة) أي سنة المشايخ، لا النبي (ص) لعدم ورود النطق بها عنه ح. قوله: (أن يتلفظ بها) فيقول: نويت أصوم غدا أو هذا اليوم إن نوى نهارا لله عز وجل من فرض رمضان. سراج. قوله: (ولا تبطل بالمشيئة) أي استحسانا، وهو الصحيح لأنها ليست في معنى حقيقة الاستثناء بل للاستعانة وطلب التوفيق، حتى لو أراد حقيقة الاستثناء لا يصير صائما كما في التاترخانية. قوله: (بأن يعز ليلا على الفطر) فلو عزم عليه ثم أصبح وأمسك ولم ينو الصوم لا يصير صائما تاترخانية. قوله: (ونية الصائم الفطر لغو) أي نيته ذلك نهارا وهذا تصريح بمفهوم قوله: بأن يعزم ليلا وفي التاترخانية: نوى القضاء فلما أصبح جعله تطوعا، لا يصح. قوله: (لان الجهل الخ) جواب عما في الفتح من قوله: قيل هذا: أي لزوم القضاء إذا علم أن صومه عن القضاء، لم تصح نيته من النهار، أما إذا لم يعلم فلا يلزم بالشروع كالمظنون. قال في البحر: وتبعه في النهر الذي يظهر ترجيح الاطلاق، فإن الجهل بالأحكام في دار الاسلام ليس بمعتبر، خصوصا أن عدم جواز القضاء بنيته نهارا متفق عليه فيما يظهر فليس كالمظنون اه. وما قدمناه عن القهستاني مبني على هذا القيل. قوله: (فلم يكن كالمظنون) إذ المظنون أن يظن أنه عليه قضاء يوم فشرع فيبشروطه، ثم تبين أن لا صوم عليه فإنه لا يلزمه إتمامه، لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما، وهو معذر بالنسيان، فلو أفسده فورا لا قضاء عليه وإن كان الأفضل إتمامه، بخلاف ما لو مضى فيه بعد علمه فإنه يصير ملتزما فلا يجوز قطعه، فلو قطعه لزمه قضاؤه، وأما من نوى القضاء بعد الفجر فإن ما نواه عليه لكنه جهل لزوم التبييت فلم يعذر وصح شروعه، فلو قطعه لزمه قضاؤه. رحمتي. قوله: (ولا يصام يوم الشك) هو استواء طرفي الادراك من النفي والاثبات. بحر. قوله: (هو يوم الثلاثين من شعبان) الأولى قول نور الايضاح: هو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان: أي لأنه لا يعلم كونه يوم الثلاثين لاحتمال كونه أول شهر رمضان، ويمكن أن يكون المراد أنه يوم الثلاثين من ابتداء شعبان، فمن ابتدائية لا تبعيضية. تأمل. [مب] مبحث في صوم يوم الشك [/ مب] تنبيه: في الفيض وغيره: لو وقع الشك في أن اليوم يوم عرفة أو يوم النحر فالأفضل فيه الصوم، فافهم. قوله: (وإن لم يكن علة الخ) قال في شرحه على الملتقى: وبه اندفع كلام القهستاني وغيره اه: أي حيث قيده بما إذا غم هلال شعبان فلم يعلم أنه الثلاثون من شعبان أو الحادي والثلاثون، أو غم هلال رمضان فلم يعلم أنه الأول منه أو الثلاثون من شعبان، أو رآه واحد أو فاسقان فردت شهادتهم، فلو كانت السماء مصحية ولم يره أحد فليس بيوم الشك اه. ومثله في المعراج عن المجتبى بزيادة: ولا يجوز صومه ابتداء لا فرضا ولا نفلا، وكلامهم مبني على القول باعتبار اختلاف المطالع كما أفاده كلام الشارح هنا. قوله: (بعدم اعتبار اختلاف المطالع) سقط من
418 أكثر النسخ لفظ اعتبار ولا بد من تقديره لأنه لا كلام في اختلاف المطالع، وإنما الكلام في اعتباره وعدمه كما يأتي بيانه. قوله: (لجواز الخ) أي فيلزم البلدة التي لم ير فيها الهلال. قوله: (ولا يصام أصلا) أي ابتداء لا فرضا ولا نفلا كما قدمناه آنفا عن المجتبى، لأنه لا احتياط في صومه للخواص، بخلاف يوم الشك، نعم لو وافق صوما يعتاده فالأفضل صومه كما أفاده في المجتبى بقوله: ابتداء فافهم. قوله: (إلا نفلا) في نسخة تطوعا. قوله: (ويكره غيره) أي من فرض أو واجب بنية معينة أو مترددة، وكذا إطلاق النية لأن المطلق شامل للمقادير كما في المعراج. قوله: (لواجب آخر) كنذر وكفارة وقضاء. سراج. قوله: (كره تنزيها) سنذكر وجهه. قوله: (كره تحريما) للتشبيه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في صومهم، وعليه حمل حديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين. بحر. قوله: (ويقع عنه) أي عن الواجب، وقيل يكون تطوعا. هداية. قوله: (إن لم تظهر رمضانيته) في السراج: إذا صامه بنية واجب آخر لا يسقط لجواز أن يكون من رمضان فلا يكون قضاء بالشك اه. فأفاد أنه لو لم يظهر الحال لا يكفي عما نوى، فكان على المصنف أن يقول كما قال في الهداية: إن ظهر أنه من شعبان أجزأه عما نوى في الأصح، وإن ظهر أنه في رمضان يجزيه لوجود أصل النية اه. قوله: (فعنه) أي عن رمضان. قوله: (لو مقيما) قيد لقوله كره تنزيها ولقوله: فعنه قال في السراج: ولو كان مسافرا فنوى فيه واجبا آخر لم يكره، لان أداء رمضان غير واجب عليه فلم يشبه صومه الزيادة ويقع عما نوى، وإن بان أنه من رمضان، وعندهما يكره كالمقيم ويجزى عن رمضان إن بان أنه منه. قوله: (وإن وافق صوما يعتاده) كما لو كان عادته أن يصوم يوم الخميس أو الاثنين فوافق ذلك يوم الشك سراج. وهل تثبت العادة بمرة كما في الحيض؟ تردد فيه بعض الشافعية. قلت: الظاهر نعم إذا فعل ذلك مرة وعزم على مثله بعدها فوافق يوم الشك، لان الاعتياد يشعر بالتكرار، لأنه من العود مرة بعد أخرى، وبالعزم المذكور يحصل العود حكما، أما بدونه فلا. تأمل. قوله: (لحديث الخ) هو ما في الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي (ص) أنه قال: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه والمراد به غير التطوع حتى لا يزاد على صوم رمضان كما زاد أهل الكتاب على صومهم، توفيقا بينه وبين ما أخرجه الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله (ص) لرجل: هل صمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: إذا أفطرت فصم يوما مكانه سرر الشهر بفتح السين المهملة وكسرها: آخرها كذا قال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة لاسترار القمر فيه: أي اختفائه، وربما كان ليلة أو ليلتين، كذا أفاده نوح في حاشية الدرر. واستدل أحمد بحديث السرر على وجوب صوم يوم الشك، وهو عندنا محمول على الاستحباب لأنه معارض بحديث التقدم توفيقا بين الأدلة ما أمكن كما أوضحه في الفتح. هذا وقد صرح في
419 الهداية وشروحها وغيرها بأن المنهي عنه هو التقدم على رمضان بصوم رمضان، ووجه تخصيصه بيوم أو يومين أن صومه عن رمضان إنما يكون غالبا عند توهم النقصان في شهر أو شهرين، فيصوم يوما أو يومين عن رمضان على ظن أن ذلك احتياط كما أفاده في الامداد والسعدية. وقال في الفتح: وعليه فلا يكره صوم واجب آخر في يوم الشك. وقال: وهو ظاهر كلام التحفة حيث قال: وقد قام الدليل على أن الصوم فيه عن واجب آخر، وعن التطوع مطلقا لا يكره، فثبت أن المكروه ما قلنا: يعني صوم رمضان، وهو غير بعيد من كلام الشارحين والكافي وغيرهم حيث ذكروا أن المراد من حديث التقدم هو التقدم بصوم رمضان، قالوا: ومقتضاه أن لا يكره واجب آخر أصلا، وإنما كره لصورة النهي في حديث العصيان الآتي، وتصحيح هذا الكلام أن يكون معناه: يترك صومه عن واجب آخر تورعا، وإلا فبعد وجوب كون المراد من النهي عن التقدم صوم رمضان كيف يوجب حديث العصيان منع غيره مع أنه يجب أن يحمل على ما حمل عليه حديث التقدم، إذ لا فرق بينهما اه ما في الفتح ملخصا. وفي التاترخانية تصحيح عدم الكراهة: أي التحريمية، فلا ينافي أن التورع تركه تنزيها، وفي المحيط: كان ينبغي أن لا يكره بنية واجب آخر، إلا أنه وصف بنو كراهة احتياطا فلا يؤثر في نقصان الثواب كالصلاة في الأرض المغصوبة اه. قوله: (فلا أصل له) كذا قال الزيلعي، ثم قال: ويروى موقوفا على عمار بن ياسر وهو في مثله كالمرفوع اه. قلت: وينبغي حمل نفي الأصلية على الرفع كما حمل بعضهم قول النووي في حديث صلاة النهار عجماء إنه لا أصل له، على أن المراد لا أصل لرفعه، وإلا فقد ورد موقوفا على مجاهد وأبي عبيدة، وكذا هذا أورده البخاري معلقا بقوله: وقال صلة عن عمار من صام الخ قال في الفتح وأخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وصححه الترمذي عن صلة بن زفر قال: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة مصلية فتنحى بعض القوم، فقال عمار من صام اليوم فقد عصى أبا القاسم. قال في الفتح وكأنه فهم من الرجل المتنحي أنه قصد صومه عن رمضان فلا يعارض ما مر، وهذا بعد حمله على السماع من النبي (ص، والله سبحانه أعلم. قوله: (وإلا يصومه الخواص) أي وإن لم يوافق صوما يعتاده ولا صام من آخر شعبان ثلاثة فأكثر استحب صومه للخواص، قال في الفتح: وقيده في التحفة بكونه على وجه لا يعلم ذلك كي لا يعتادوا صومه فيظنه الجهال زيادة على رمضان، ويدل عليه قصة أبي يوسف المذكورة في الامداد وغيره. حاصلها أن أسد بن عمرو سأله: هل أنت مفطر؟ فقال له في أذنه: أنا صائم. وفي قومه يصومه الخواص إشارة إلى أنهم يصبحون صائمين لا متلومين، بخلاف العوام، لكن في الظهيرية: الأفضل أن يتلوم غير آكل ولا شارب ما لم يتقارب انتصاف النهار، فإن تقارب فعامة المشايخ على أنه ينبغي للقضاة والمفتين أن يصوموا تطوعا ويفتوا بذلك خاصتهم ويفتوا العامة الافطار، وهذا يفيد أن التلوم أفضل في حق الكل كما في النهر، لكن في الهداية والمحيط والخانية وغيرها أن المختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذا بالاحتياط، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالافطار، والتلوم: الانتظار كما في المغرب. قوله: (بعد الزوال) في العزمية عن خط بعض العلماء في هامش الهداية: إنما لم يقل بعد الضحوة الكبرى مع أنه مختاره سابقا لان الاحتياط هنا التوسعة. قوله: (نفيا لتهمة
420 النهي) أي حديث لا تقدموا رمضان في شرحه على الملتقى، فهو علة لقوله: ويفطر غيرهم. قوله: (والنية الخ) بيان للكيفية. قوله: (فحكمه مر) أي في قوله: والصوم أحب إن وافق صوما يعتاده. قوله: (ولا يخطر بباله الخ) معطوف على قوله: ينوي وهو تفسير لقوله: على سبيل الجزم والمراد أن لا يردد في النية بين كونه نفلا إن كان من شعبان، وفرضا إن كان من رمضان، بل يجزم بنيته نفلا محضا، ولا يضره خطورة احتمال كونه من رمضان بعد جزمه بنية النفل لأنه يصوم احتياطا لذلك الاحتمال، قال في غاية البيان: وإنما فرق بين المفتي والعامة: لان المفتي يعلم أن الزيادة على رمضان لا تجوز، فلذا يصوم احتياطا احترازا عن وقوع الفطر في رمضان، بخلاف العامة فإنه قد يقع في وهمهم الزيادة فلذا كان فطرهم أفضل بعد التلوم. قوله: (ذكره أخي زاده) أي في حاشيته على صدر الشريعة، وذكره أيضا المحقق في فتح القدير، وكذا في المعراج وغيره. قوله: (وليس بصائم الخ) تكميل لأقسام المسألة المذكورة في الهداية، وهم خمسة تقدم: منها ثلاثة: وهي الجزم بنية النفل، أو بنية واجب، أو بنية رمضان، وعلمت أحكامها، والرابع الاضجاع في أصل النية، والخامس الاضجاع في وصفها. قال في المغرب: التضجيع في النية هو التردد فيها، وأن لا يبيتها من ضجع في الامر إذ وهن فيه وقصر، وأصله من الضجوع. قوله: (لعدم الجزم) في العزم فقد فات ركن النية، لكن هذا إذا لم يجدد النية قبل نصف النهار، فإن وجدها عازما على الصوم جاز كما رأيته بخط بعض العلماء على هامش الهداية، وهو ظاهر. قوله: (كما أنه الخ) تنظير لتلك المسألة بهذه، وعبارة الهداية: فصار كما إذا نوى الخ. قوله: (غداء) بالغين المعجمة والدال المهملة ممدودا. قوله: (ويصير صائما) أي لجزمه بنية الصوم، وإن ردد في وصفه بين فرض وواجب آخر أو فرض ونفل. قوله: (مع الكراهة) أي التنزيهية، لان كراهة التحريم لا تثبت إلا إذا جزم أنه عن رمضان كما أفاده الشارح سابقا ط. قوله: (للتردد الخ) علة للكراهة في المسألتين على طريق اللف والنشر المرتب، ففي الأولى الترديد بين مكروهين وهما الفرض والواجب، وفي الثانية بين مكروه وغيره وهما الفرض والنفل. قوله: (فعنه) أي فيقع عن رمضان لوجود أصل النية وهو كاف في رمضان لعدم لزوم التعيين فيه، بخلاف الواجب الآخر كما مر. قوله: (غير مضمون بالقضاء) بنصب غير على الحالية: أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده. قوله: (لعدم التنفل قصدا) لأنه قاصد للاسقاط من وجه وهو نية الفرض، فصار كالمظنون بجامع أنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما كما مر. قوله: (أكل المتلوم) أي المنتظر إلى نصف النهار في يوم الشك. قوله: (كأكلة بعدها) فلو ظهرت رمضانيته
421 ونوى الصوم بعد الاكل جاز، لان أكل الناسي لا يفطره. وقيل: لا يجوز كما في القنية، وبه جزم في السراج والشرنبلالية، وسيأتي تمام الكلام عليه في أول الباب الآتي. قوله: (رأى مكلف) أي مسلم بالغ عاقل ولو فاسقا كما في البحر عن الظهيرية، فلا يجب عليه لو صبيا أو مجنونا، وشمل ما لو كان الرائي إماما فلا يأمر الناس بالصوم، ولا بالفطر إذا رآه وحده ويصوم هو كما في الامداد وأفاد الخير الرملي أنه لو كانوا جماعة وردت شهادتهم لعدم تكامل الجمع العظيم فالحكم فيهم كذلك. قوله: (بدليل شرعي) هو إما فسقه أو غلطه. نهر. وفي القهستاني: بفسقه لو السماء متغيمة أو تفرده لو كانت مصحية. قوله: (صام) أي صوما شرعيا لأنه المراد حيث أطلق شرعا، ويدل عليه ما بعده، وفيه إشارة إلى رد قول الفقيه أبي جعفر إن معناه في هلال الفطر لا يؤكل ولا يشرب، ولكن ينبغي أن يفسده لأنه يوم عيد عنده، وإلى رد قول بعض مشايخنا من أنه يفطر فيه سرا كما في البحر، وإليه أشار الشارح بقوله مطلقا أي في هلال رمضان والفطر. تنبيه: لو صام رائي هلال رمضان وأكمل العدة لم يفطر إلا مع الامام، لقوله عليه الصلاة والسلام: صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون رواه الترمذي وغيره. والناس لم يفطروا في مثل هذا اليوم فوجب أن لا يفطر. نهر. قوله: (وجوبا وقيل ندبا) قال في البدائع: المحققون قالوا: لا رواية في وجوب الصوم عليه. وإنما الرواية أنه يصوم، وهو محمول على الندب احتياطا اه. قال في التحفة: يجب عليه الصوم. وفي المبسوط: عليه صوم ذلك اليوم، وهو ظاهر استدلالهم في هلال رمضان بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * - وفي العيد بالاحتياط. نهر. وما في البدائع مخالف لما في أكثر المعتبرات من التصريح بالوجوب. نوح. قلت: والظاهر أن المراد بالوجوب المصطلح لا الفرض، لان كونه من رمضان ليس قطعيا، ولذا ساغ القول بندب صومه وسقطت الكفارة بفطره، ولو كان قطعيا للزم الناس صومه، على أن الحسن وابن سيرين وعطاء قالوا: لا يصوم إلا مع الامام كما نقله في البحر، فافهم. قوله: (قضى فقط) أي بلا كفارة. قوله: (لشبهة الرد) علة لما تضمنه قوله فقط من عدم لزوم الكفارة: أي أن القاضي لما رد قوله: بدليل شرعي أورث شبهة، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات. هداية. ولا يخفى أن هذه علة لسقوط الكفارة في هلال رمضان، أما في هلال الفطر فلكونه يوم عيد عنده. كما في النهر وغيره، وكأنه تركه لظهوره. قوله: (قبل الرد لشهادته) وكذا لو لم يشهد عند الامام وصام ثم أفطر كما في السراج. قوله: (لان ما رآه الخ) يروى أن عمر رضي الله عنه أمر الذي قال: رأيت الهلال، أن يمسح حاجبيه بالماء، ثم قال له: أين الهلال؟ فقال: فقدته، فقال شعرة: قامت بين حاجبيك فحسبتها هلالا. سراج. قال ح: وهذا إنما يصلح تعليلا لعدم الكفارة في هلال رمضان، أما في هلال شوال فإنما لا يجب لأنه يوم عيد عنده على نسق ما تقدم. قوله:
422 (وأما بعد قبوله) أي في هلال رمضان ط. قوله: (في الأصح) لأنه يوم صوم الناس، فلو كان عدلا ينبغي أن لا يكون في وجوب الكفارة خلاف، لان وجه نفيها كونه ممن لا يجوز القضاء بشهادت، وهو منتف. بحر عن الفتح. وقوله: ممن لا يجوز: أي لا يحل، لان القضاء بشهادة الفاسق صحيح وإن أثم القاضي. قوله: (وقبل الخ) هذا أولى من قول الكنز: ويثبت رمضان لما في البحر من أن الصوم لا يتوقف على الثبوت، وليس يلزم من رؤيته ثبوته لان مجيئه لا يدخل تحت الحكم. وفي الجوهرة: لو شهد عند الحاكم رجل ظاهره العدالة وسمعه رجل وجب عليه الصوم لأنه قد وجد الخبر الصحيح. قلت: وأما قوله فيما سيأتي: وطريق إثبات رمضان الخ فالمراد إثباته ضمنا لأجل أن يثبت ما علق عليه من الزكاة، ولذا يلزم فيه الدعوى والحكم والمنفي دخوله تحت الحكم قصدا، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا كما في بيع الشرب والطريق فليس إثباته لأجل صومه كما وهم. قوله: (لأنه خبر لا شهادة) قال في الهداية: لأنه أمر ديني فأشبه رواية الاخبار. قوله: (خبر عدل) العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة والشرط أدناها وهو ترك الكبائر والإصرار على الصغائر وما يخل بالمروءة، ويلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا. بحر. قوله: (على ما صححه البزازي) وكذا صححه في المعارج والتجنيس. وقال في الفتح وهو رواية الحسن، وبه أخذ الحلواني ومشى عليه في نور الايضاح. وأقول: إنه ظاهر الرواية أيضا، فقد قال الحاكم الشهيد في الكافي، الذي هو جمع كلام محمد في كتبه التي هي ظاهر الرواية ما نصه: وتقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل اه. والمراد بغير العدل المستور كما سيأتي قريبا. قوله: (لا فاسق اتفاقا) لان قوله في الديانات غير مقبول: أي في التي يتيسر تلقيها من العدول كرواية الاخبار، بخلاف الاخبار بطهارة المال ونجاسته ونحوه، حيث يتحرى في خبره فيه إذ قد لا يقدر على تلقيها من جهة العدول. وقول الطحاوي: أو غير عدل، محمول على المستور كما هو رواية الحسن، لان المراد بالعدل من ثبتت عدالته ولا ثبوت في المستور، أما مع تبين الفسق فلا قائل به عندنا، وعليه تفرع ما لو شهدوا في آخر رمضان برؤية هلاله قبل صومهم بيوم إن كانوا في المصر ردت لتركهم الحسبة، وإن جاؤوا من خارج قبلت من الفتح ملخصا. قوله: (وهل له أن يشد الخ) قال الحلواني: يلزم العدل ولو أمة أو مخدرة أن يشهد في ليلته كي لا يصبحوا مفطرين، وهي من فروض العين، وأما الفاسق إن علم أن الحاكم يميل إلى قول الطحاوي، ويقبل قوله يجب عليه وأما المستور ففيه شبهة الروايتين. معراج. قلت: وقوله إن علم الخ مبني على ظاهر قول الطحاوي من قبول ظاهر الفسق، فإذا كان اعتقاد القاضي ذلك يجب أن يشهد، وقول الشارح وهل له يفيد عدم الوجوب بناء على عدم علمه باعتقاد القاضي كما هو مفاد التعليل بقوله: لان القاضي ربما قبله تأمل. قوله: (على المذهب)
423 خلافا للامام الفضلي حيث قال: إنما يقبل الواحد العدل إذا فسر وقال: رأيته خارج البلد في الصحراء، أو يقول: رأيته في البلدة من بين خلل السحاب، أما بدون هذا التفسير فلا يقبل، كذا في الظهيرية. بحر. قوله: (وتقبل شهادة واحد على آخر) بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الأحكام ، حيث لا تقبل ما لم يشهد على شهادة كل رجل رجلان أو رجل وامرأتان ح. قوله: (كعبد وأنثى) أي كما تقبل شهادة عبد أو أنثى. قوله: (ولو على مثلها) أفاد بهذا التعميم قول شهادتهما على شهادة حر أو ذكر، وهو بحث لصاحب النهر وقال: ولم أره. قوله: (ويجب على الجارية المخدرة) أي التي لا تخالط الرجال، وكذا يجب على الحرة أن تخرج بلا إذن زوجها، وكذا غير المخدرة والمزوجة بالأولى. قال ط: والظاهر أن محل ذلك عند توقف إثبات الرؤية عليها، وإلا فلا. قوله: (في ليلتها) أي ليلة الرؤية. قوله: (مع العلة) أي من غيم وغبار ودخان. قوله: (نصاب الشهادة) أي على الأموال، وهو رجلان أو رجل وامرأتان. قوله: (لتعلق نفع العبد) علة لاشتراط ما ذكر في الشهادة على هلال الفطر، بخلاف هلال الصوم لأن الصوم أمر ديني، فلم يشترط فيه ذلك، أما الفطر فهو نفع دنيوي للعباد فأشبه سائر حقوقهم فيشترط فيه ما يشترط فيها. قوله: (لكن لا تشترط الدعوى الخ) قال في الفتح عن الخانية: وأما الدعوى فينبغي أن لا يشترط كما في عتق الأمة، وطلاق الحرة عند الكل، وعتق العبد في قولهما. وأما على قياس قوله فينبغي أن لا تشترط الدعوى في الهلالين اه: أي قياس قول الإمام باشتراط الدعوى في عتق العبد اشتراطها أيضا في الهلالين، لكن جزم في الخانية بعدم اشتراطها في هلال رمضان، ثم ذكر هذا البحث، وفيه نظر لان اشتراط الدعوى عنده في عتق العبد لأنه حق عبد، بخلاف الأمة فإن فيه مع حق العبد حق الله تعالى وهو صيانة فرجها، والفطر وإن كان فيه حق عبد لكن فيه حق الله تعالى لحرمة صومه ووجوب صلاة العبد فهو يعتق الأمة أشبه فلا تشترط فيه الدعوى، ولذا جزم به الشارح تبعا لغيره. أفاده الرحمتي. قوله: (وطلاق الحرة) مفهومه أن الزوجة الرقيقة يشترط فيها الدعوى، والذي في جامع الفصولين الاطلاق لكنه هنا يتشرط حضور الزوج والسيد في العتق ط. قوله: (ببلدة) أي أو قرية. قال في السراج: ولو تفرد واحد برؤيته في قرية ليس فيها وال ولم يأت مصرا ليشهد وهو ثقة يصومون بقوله اه. قلت: والظاهر أنه يلزم أهل القرى الصوم بسماع المدافع أو رؤية القناديل من المصر لأنه علامة ظاهرة تفيد غلب الظن، وغلبة الظن حجة موجبة للعمل كما صرحوا به، واحتمال كون ذلك لغير رمضان بعيد، إذ لا يفعل مثل ذلك عادة في ليلة إلا لثبوت رمضان. قوله: (لا حاكم فيها) أي لا قاضي ولا والي كما في الفتح. قوله: (قوله صاموا بقول ثقة) أي افتراضا لقول المصنف في شرحه وعليهم أن يصوموا بقوله إذا كان عدلا اه ط. قوله: (وأفطروا الخ) عبارة غيره: لا بأس
424 أن يفطروا، والظاهر أن المراد به الوجوب أيضا، والتعبير بنفي البأس لأنه مظنة الحرمة كما في نفي الجناح في قوله تعالى * (فلا جناح (1) عليكم أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101) ومثله كثير في كلامهم، فافهم. قوله: (مع العلة) قيد لقوله: صاموا وأفطروا. قوله: (للضرورة) أي ضرورة عدم وجود حاكم يشهد عنده. قوله: (بين نصب شاهد) أي يحمله شهادته أفاده ح. لكن عبارة الجوهرة: بين أن ينصب من يشهد عنده الخ. والظاهر أن المعنى: أن الحاكم ينصب رجلا نائبا عنه ليشهد عند ذلك النائب كما قالوا فيما لو وقعت للحاكم خصومة مع آخر ينصب نائبا ليتحاكما عنده، إذ لا يصح حكمه لنفسه، ويدل على ذلك أنه وقع في بعض النسخ نائب بدل شاهد. قوله: (بخلاف العيد) أي هلال العيد إذ لا يكفي فيه الواحد. مطلب: لا عبرة بقول المؤقتين في الصوم قوله: (ولا عبرة بقول المؤقتين) أي في وجوب الصوم على الناس بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالاجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه، وفي النهر فلا يلزم بقول المؤقتين إنه: أي الهلاك يكون في السماء ليلة كذا وإن كانوا عدولا في الصحيح كما في الايضاح وللامام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى اعتماد قولهم لان الحساب قطعي اه ومثله في شرح الوهبانية. مطلب: ما قاله السبكي من الاعتماد على الحساب مردود قلت: ما قاله السبكي رده متأخرو أهل مذهبه، منهم ابن حجر والرملي في شرحي المنهاج. وفي فتاوى الشهاب الرملي الكبير الشافعي: سئل عن قول السبكي: لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم إمكان الرؤية تلك الليلة عمل بقول أهل الحساب، لان الحساب قطعي والشهادة ظنية، وأطال في ذلك فهل يعمل بما قاله أم لا؟ وفيما إذا رؤي الهلال نهارا قبل طلوع الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر، وشهدت بينة برؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، فهل تقبل الشهادة أم لا؟ لان الهلال إذا كان الشهر كاملا يغيب ليلتين أو ناقصا يغيب ليلة، أو غاب الهلال الليلة الثالثة قبل دخول وقت العشاء، لان (ص) كان يصلي العشاء لسقوط القمر، الثالث هل يعمل بالشهادة أم لا؟. فأجاب: بأن المعمول به في المسائل الثلاث ما شهدت به البينة، لان الشهادة نزلها الشارع منزلة اليقين، وما قاله السبكي مردود رده عليه جماعة من المتأخرين، وليس في العمل بالبينة مخالفة لصلاته (ص). ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب، بل ألغاه بالكلية بقوله: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر وهكذا وهكذا، وقال ابن دقيق العيد: الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصلاة انتهى. والاحتمالات التي ذكرها السبكي بقوله: ولان الشاهد قد يشتبه عليه الخ، لا أثر لها
(1) قوله: (فلا جناح عليكم الخ) هكذا بخطه والتلاوة (فليس عليك جناح) الخ مصححه. 425 شرعا لامكان وجودها في غيرها من الشهادات اه. قوله: (وقيل نعم الخ) يوهم أنه قيل بأنه موجب للعمل، وليس كذلك، بل الخلاف في جواز الاعتماد عليهم، وقد حكي في القنية الأقوال الثلاثة: فنقل أولا عن القاضي عبد الجبار وصاحب جمع العلوم أنه لا بأس بالاعتماد على قولهم، ونقل عن ابن مقاتل أنه كان يسألهم ويعتمد على قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم، ثم نقل عن شرح السرخسي أنه بعيد. وعن شمس الأئمة الحلواني: أن الشرط في وجوب الصوم والافطار الرؤية، ولا يؤخذ فيه بقولهم، ثم نقل عن مجد الأئمة الترجماني أنه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أنه لا اعتماد على قولهم. قوله: (وقيل بلا علة) أي إن شرط القبول عند عدم علة في السماء لهلال الصوم أو الفطر أو غيرهما كما في الامداد، وسيأتي تمام الكلام عليه إخبار جمع عظيم، فلا يقبل خبر الواحد لان التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع، وسلامة الابصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهر في غلطه. بحر. قال ح: ولا يشترط فيهم الاسلام ولا العدالة كما في إمداد الفتاح، ولا الحرية ولا الدعوى كما في القهستاني اه. قلت: ما عزاه إلى الامداد لم أره فيه، وفي عدم اشتراط الاسلام نظر لأنه ليس المراد هنا بالجمع العظيم ما يبلغ مبلغ التواتر الموجب للعلم القطعي، حتى لا يشترط له ذلك بل ما يوجب غلبة الظن كما يأتي، وعدم اشتراط الاسلام له لا بد له من نقل صريح. قوله: (يقع العلم الشرعي) أي المصطلح عليه في الأصول فيشمل غالب الظن، وإلا فالعلم في فن التوحيد أيضا شرعي، ولا عبرة بالظن هناك ح. قوله: (وهو غلبة الظن) لأنه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين، نص عليه في المنافع وغاية البيان ابن كمال، ومثله في البحر عن الفتح وكذا في المعراج. قال القهستاني: قلا يشترط خبر اليقين الناشئ من التواتر كما أشير به في المضمرات، لكن كلام الشارح مشير إليه اه. ومراده شرح صدر الشريعة فإنه قال: الجمع العظيم جمع يقع العلم بخبرهم ويحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب اه. وتبعه في الدرر ورده ابن كمال حيث ذكر في منهواته: أخطأ صدر الشريعة حيث زعم أن المعتبر ها هنا العلم بمعنى اليقين. قوله: (وهو مفوض الخ) قال في السراج: لم يقدر لهذا الجمع تقدير في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف: خمسون رجلا كالقسامة، وقيل أكثر أهل المحلة، وقيل من كل مسجد واحد أو اثنان، وقال خلف بن أيوب: خمسمائة ببلخ قليل، والصحيح من هذا كله أنه مفوض إلى رأي الامام إن وقع في قلبه صحة ما شهدوا به وكثرت الشهود أمره بالصوم اه. وكذا صححه في المواهب وتبعه الشرنبلالي. وفي البحر عن الفتح: والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة بمجئ الخبر وتواتره من كل جانب اه. وفي النهر أنه موافق لما صححه في السراج. تأمل. قوله: (واختاره في البحر) حيث قال: وينبغي العمل على هذه الرواية في زماننا، لان الناس تكاسلت عن ترائي الأهلة، فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه، فكان التفرد غير ظاهر في الغلط، ثم أيد ذلك بأن ظاهر الولوالجية والظهيرية يدل على أن ظاهر الرواية هو اشتراط العدد لا الجمع العظيم والعدد يصدق باثنين اه. وأقره في النهر والمنح ونازعه محشيه الرملي بأن ظاهر المذهب اشتراط الجمع العظيم، فيتعين العمل به لغلبة الفسق والاقتراء على الشهر الخ.
426 أقول: أنت خبير بأن كثيرا من الاحكام تغيرت لتغير الأزمان، ولو اشترط في زماننا الجمع العظيم لزم أن لا يصوم الناس إلا بعد ليلتين أو ثلاث لما هو مشاهد من تكاسل الناس، بل كثيرا ما رأيناهم يشتمون من يشهد بالشهر ويؤذونه، وحينئذ فليس في شهادة الاثنين تفرد بين الجمع الغفير حتى يظهر غلط الشاهد فانتفت علة ظاهر الرواية فتعين الافتاء بالرواية الأخرى. قوله: (وصحح في الأقضية الخ) هو اسم كتاب، واعتمده في الفتاوى الصغرى أيضا وهو قول الطحاوي، وأشار إليه الإمام محمد في كتاب الاستحسان من الأصل، لكن في الخلاصة: ظاهر الرواية أنه لا فرق بين المصر وخارجه. معراج غيره. قلت: لكن قال في النهاية عند قوله: ومن رأى هلال رمضان وحده صام الخ: وفي المبسوط وإنما يرد الامام شهادته إذا كانت السماء مصحية، وهو من أهل المصر، فأما إذ كانت متغيمة أو جاء من خارج المصر أو كان في موضع مرتفع فإنه يقبل عندنا اه. فقوله عندنا يدل على أنه قول أئمتنا الثلاثة، وقد جزم به في المحيط وعبر عن مقابله بقيل. ثم قال: وجه ظاهر الرواية أن الرؤية تختلف باختلاف صفو الهواء وكدرته وباختلاف انهباط المكان وارتفاعه، فإن هواء الصحراء أصفى من هواء المصر، وقد يرى الهلال من أعلى الأماكن ما لا يرى من الأسفل، فلا يكون تفرده بالرؤية خلا ف الظاهر بل على موافقة الظاهر اه. ففيه التصريح بأنه ظاهر الرواية، وهو كذلك لان المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا، فقد ثبت أن كلا من الروايتين ظاهر الرواية، ثم رأيته أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية. ونصه: ويقبل شهادة المسلم والمسلمة عدلا كان الشاهد أو غير عدل بعد أن يشهد أنه رأى خارج المصر أو أنه رآه في المصر وفي المصر علة تمنع العامة من التساوي في رؤيته، وإن كان ذلك في مصر ولا علة في السماء لم يقبل في ذلك إلا الجماعة اه. ويظهر لي أنه لا منافاة بينهما، لان رواية اشتراط الجمع العظيم التي عليها صحاب المتون محمولة على ما إذا كان الشاهد من المصر في مكان غير مرتفع فتكون الرواية الثانية مقيدة لاطلاق الرواية الأولى، بدليل أن الرواية الأولى علل فيها رد الشهادة بأن التفرد ظاهر في الغلط. وعلى ما في الرواية الثانية لم توجد علة الرد ولهذا قال في المحيط: فلا يكون تفرده بالرؤية خلاف الظاهر الخ. وعلى هذا فما في الخلاصة وغيرها من أنه لا فرق بين المصر وخارجه مبني على ما هو المتبادر من إطلاق الرواية الأولى، والله تعالى أعلم. قوله: (أن يدعي) بالبناء للمجهول أو للمعلوم، وفاعل ضمير المدعي المفهوم من فعله: أي بأن يدعي مدع على شخص حاضر بأن فلانا الغائب له عليك كذا من الدين وقد قال لي: إذا دخل رمضان فأنت وكيلي يقبض هذا الدين، ومثل ذلك ما لو ادعى على آخر بدين له عليه مؤجل إلى دخول رمضان فيقر بالدين وينكر الدخول، قوله. قوله: (فيقر) أي الحاضر بالدين والوكالة. واستشكله الخير الرملي بأن هذا إقرار على الغائب بقبض المدعي دينه فلا ينفذ. وأقول: لا إشكال لان الديون تقضى بأمثالها فقد أقر بثبوت حق القبض له في ملك نفسه،
427 بخلاف ما لو كانت الدعوى بعين كوديعة، لان إقراره بها إقرار بثبوت حق القبض للوكيل في ملك الموكل فلا يصح، وبخلاف ما أقر بالوكالة وجحد الدين فإنه لا يصير خصما بإقراره حتى يقيم الوكيل البينة على وكالته كما في شرح أدب القضاء للخصاف. قوله: (فيقضي عليه به) أي بثبوت حق القبض. قوله: (ويثبت دخوله الشهر ضمنا) لأنه من ضروريات صحة الحكم بقبض الدين، فقد ثبت في ضمن إثبات حق العبد لا قصدا، ولهذا قال في البحر عن الخلاصة بعدما ذكره الشارح هنا: لان إثبات مجئ رمضان لا يدخل تحت الحكم، حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجئ رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم: يعني في يوم الغيم، ولا يشترط لفظة الشهادة وشرائط القضاء، أما في العيد فيشترط لفظ الشهادة، وهو يدخل تحت الحكم لأنه من حقوق العباد اه. قلت: والحاصل أن رمضان يجب صومه بلا ثبوت، بل بمجرد الاخبار لأنه من الديانات، ولا يلزم من وجوب صومه ثبوته كما مر، وحينئذ ففائدة إثباته على الطريق المذكور عدم توقفه على الجمع العظيم لو كانت السماء مصحية، لان الشهادة هنا على حلول الوكالة بدخول الشهر لا على رؤية الهلال، ولا شك أن حلول الوكالة يكتفى فيها بشاهدين لأنها مجرد حق عبد، ولا تثبت إلا بثبوت الدخول وإذا ثبت دخوله ضمنا وجب صومه، ونظيره ما سنذكره فيما لو تم عدد رمضان ولم ير هلال الفطر للعلة يحل الفطر، وإن ثبت رمضان بشهادة واحد لثبوت الفطر تبعا وإن كان لا يثبت قصدا إلا بالعدد والعدالة، هذا ما ظهر لي. قوله: (شهدوا) منم إطلاق الجمع على ما فوق الواحد. وفي بعض النسخ شهدا بضمير التثنية وهو أولى. قوله: (شاهدان) أي بناء على أنه كان بالسماء علة، أو كان القاضي يرى ذلك فارتفع بحكمه الخلاف، أو على الرواية التي اختارها في البحر كما مر. قوله: (في ليلة كذا) لا بد منه ليتأتى الالزام بصوم يومها ط. قوله: (وقضى) أي وأنه قضى فهو عطف على شهد. قوله: (ووجد استجماع شرائط الدعوى) هكذا في الذخيرة عن مجموع النوازل، وكأنه مبني على ما قدمناه عن الخانية من بحث اشتراط الدعوى على قياس قول الإمام، أو ليكون شهادة على القضاء بدليل التعليل بقوله: لان قضاء القاضي حجة لأنه لا يكون قضاء إلا عند ذلك. والظاهر أن المراد من القضاء به القضاء ضمنا كما تقدم طريقه، وإلا فقد علمت أن الشهر لا يدخل تحت الحكم. قوله: (أي جاز) الظاهر أن المراد بالجواز الصحة فلا ينافي الوجوب. تأمل قوله. قوله: (لأنه حكاية) فإنهم لم يشهدوا بالرؤية ولا على شهادة غيرهم، وإنما حكوا رؤية غيرهم، كذا في فتح القدير، قلت: وكذا لو شهدوا برؤية غيرهم وأن قاضي تلك المصر أمر الناس بصوم رمضان، لأنه حكاية لفعل القاضي أيضا وليس بحجة، بخلاف قضائه، ولذا قيد بقوله ووجد استجماع شرائط الدعوى كما قلنا. فتأمل. قوله: (نعم الخ) في الذخيرة قال شمس الأئمة الحلواني: الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخبر إذا استفاض وتحقق فيما بين أهل البلدة الأخرى يلزمهم حكم هذه البلدة اه. ومثله في الشرنبلالية عن المغني.
428 قلت: ووجه الاستدراك أن هذه الاستفاضة ليس فيها شهادة على قضاء قاض ولا على شهادة لكن لما كانت بمنزلة الخبر المتواتر، وقد ثبت بها أن أهل تلك البلدة صاموا يوم كذا لزم العمل بها، لان البلدة لا تخلو عن حاكم شرعي عادة فلا بد من أن يكون صومهم مبنيا على حكم حاكمهم الشرعي، فكانت تلك الاستفاضة بمعنى نقل الحكم المذكور، وهي أقوى من الشهادة بأن أهل تلك البلدة رأوا الهلال وصاموا لأنها لا تفيد اليقين، فلذا لم تقبل إلا إذا كانت على الحكم أو على شهادة غيرهم لتكون شهادة معتبرة، وإلا فهي مجرد إخبار، بخلاف الاستفاضة فإنها تفيد اليقين فلا ينافي ما قبله، هذا ما ظهر لي. تأمل. تنبيه: قال الرحمتي: معنى الاستفاضة أن تأتي من تلك البلدة جماعات متعددون كل منهم يخبر عن أهل تلك البلدة أنهم صاموا عن رؤية لا مجرد الشيوع من غير علم بمن أشاعه، كما قد تشيع أخبار يتحدث بها سائر أهل البلدة ولا يعلم من أشاعها كما ورد: أن في آخر الزمان يجلس الشيطان بين الجماعة فيتكلم بالكلمة فيتحدثون بها ويقولون لا ندري من قالها، فمثل هذا لا ينبغي أن يسمع فضلا عن أن يثبت به حكم اه. قلت: وهو كلام حسن ويشير إليه قول الذخيرة: إذا استفاض وتحقق فإن التحقق لا يوجد بمجرد الشيوع. قوله: (حل الفطر) أي اتفاقا إن كانت ليلة الحادي والثلاثين متغيمة، وكذا لو مصحية على ما صححه في الدراية والخلاصة والبزازية، وصحح عدمه في مجموع النوازل والسيد الامام الاجل ناصر الدين كما في الامداد، ونقل العلامة نوح الاتفاق على حل الفطر في الثانية أيضا عن البدائع والسراج والجوهرة. قال: والمراد اتفاق أئمتنا الثلاثة، وما حكي فيها من الخلاف إنما هو لبعض المشايخ. قلت: وفي الفيض: الفتوى على حل الفطر. ووفق المحقق ابن الهمام كما نقله عنه في الامداد بأنه لا يبعد لو قال قائل إن قبلهما في الصحو: أي في هلال رمضان وتم العدد لا يفطرون، وإن قبلهما في غيم أفطروا لتحقق زيادة القوة في الثبوت في الثاني والاشتراك في عدم الثبوت أصلا في الأول فصار كشهادة الواحد اه. قال: والحاصل: أنه إذا غم شوال أفطروا اتفاقا إذا ثبت رمضان بشهادة عدلين في الغيم أو الصحو، وإن لم يغم فقيل يفطرون مطلقا، وقيل لا مطلقا، وقيل يفطرون إن غم رمضان أيضا، وإلا لا. قوله: (حيث يجوز) حيثية تقييد أي بأن قبله القاضي في الغيم أو في الصحو وهو ممن يرى ذلك، فتح: أي بأن كان شافيا أو يرى قول الطحاوي بقبول شهادته في الصحو إذا جاء من الصحراء أو كان على مكان مرتفع في المصر، وقدمنا ترجيحه، وما هنا يرجحه أيضا، فقد قال في الفتح في قول الهداية: إذا قبل الامام شهادة الواحد وصاموا الخ، هكذا الرواية على الاطلاق. قوله: (وغم هلال الفطر) الجملة حالية قيد بها لأنها محل الخلاف على ما ذكره المصنف. قوله: (لا يحل) أي الفطر إذا لم ير الهلال. قال في الدرر: ويعزز ذلك الشاهد: أي لظهور كذبه. قوله: (لكن
429 الخ) استدراك على ما ذكره المصنف من أن خلاف محمد فيما إذا غم الفطر بأن المصرح به في الذخيرة، وكذا في المعراج عن المجتبى أن حل الفطر هنا محل وفاق، وإنما الخلاف فيما إذا لم يغم ولم ير الهلال، فعندهما لا يحل الفطر، وعند محمد يحل كما قاله شمس الأئمة الحلواني، وحرره الشرنبلالي في الامداد. قال في غاية البيان: وجه قول محمد: وهو الأصح، أن الفطر ما ثبت بقول الواحد ابتداء بل بناء وتبعا، فكم من شئ ضمنا ولا يثب قصدا. وسئل عنه محمد فقال: ثبت الفطر بحكم القاضي لا بقول الواحد: يعني لما حكم في هلال رمضان بقول الواحد ثبت الفطر بناء على ذلك بعد تمام الثلاثين. قال شمس الأئمة في شرح الكافي: وهو نظير شهادة القابلة على النسب فإنها تقبل، ثم يفضي ذلك إلى استحقاق الميراث، والميراث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء اه. قوله: (وفي الزيلعي الخ) نقله لبيان فائدة لم تعلم من كلام الذخيرة، وهي ترجيح عدم حل الفطر إن لم يغم شوال لظهور غلط الشاهد، لأنه الأشبه من ألفاظ الترجيح، لكنه مخالف لما علمته من تصحيح غاية البيان لقول محمل بالحل، نعم حمل في الامداد ما في غاية البيان على قول محمد بالحل إذا غم شوال بناء على تحقق الخلاف الذي نقله المصنف وقد علمت عدمه، وحينئذ فما في غاية البيان في غير محله لأنه ترجيح لما هو متفق عليه. تأمل. قوله: (والأضحى كالفطر) أي ذو الحجة كشوال، فلا يثبت بالغيم إلا برجلين أو رجل وامرأتين، وفي الصحو لا بد من زيادة العدد على ما قدمناه، وفي النوادر عن الامام أنه كرمضان، وصححه في التحفة، والأول ظاهر المذهب، وصححه في الهداية وشروحها والتبيين، فاختلف التصحيح، وتأيد الأول بأنه المذهب. بحر. قوله: (وبقية الأشهر التسعة) فلا يقبل فيها إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول أحرار غير محدودين كما في سائر الأحكام. بحر عن شرح مختصر الطحاوي للامام الأسبيجابي. وذكر في الامداد أنها في الصحو كرمضان والفطر: أي فلا بد من الجمع العظيم، ولم يعزه لاحد، لكن قال الخير الرملي: الظاهر أنه في الأهلة التسعة لا فرق بين الغيم والصحو في قبول الرجلين لفقد العلة الموجبة لاشتراط الجمع الكثير، وهي توجه الكل طالبين، ويؤيده قوله في سائر الأحكام، فلو شهدا في الصحو بهلال شعبان وثبت بشروط الثبوت الشرعي يثبت رمضان بعد ثلاثين يوما من شعبان، وإن كان رمضان في الصحو لا يثبت بخبرهما، لان ثبوته حينئذ ضمني، ويغتفر في الضمنيات ما لا يغتفر في القصديات اه. مطلب في رؤية الهلال نهارا قوله: (ورؤيته بالنهار لليلة الآتية مطلقا) أي سواء رئي قبل الزوال أو بعده، وقوله على المذهب: أي الذي هو قول أبي حنيفة ومحمد. قال في البدائع: فلا يكون ذلك اليوم من رمضان عندهما. وقال أبو يوسف: إن كان بعد الزوال فكذلك، وإن كان قبله فهو لليلة الماضية ويكون اليوم من رمضان، وعلى هذا الخلاف هلال شوال: فعندهما يكون للمستقبلة مطلقا، ويكون اليوم من رمضان، وعنده لو قبل الزوال يكون للماضية ويكون اليوم يوم الفطر، لأنه لا يرى قبل الزوال عادة إلا أن يكون لليلتين، فيجيب في هلال رمضان كون اليوم من رمضان، وفي هلال شوال كونه يوم الفطر، والأصل عندهما أنه لا تعتبر رؤيته نهارا، وإنما العبرة لرؤيته بعد غروب الشمس لقوله (ص):
430 صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته أمر بالصوم والفطر بعد الرؤية، ففيما قاله أبو يوسف مخالفة النص اه ملخصا وفي الفتح: أوجب الحديث سبق الرؤية عن الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية آخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين والمختار قولهما اه. قلت: والحاصل إذا رئي الهلال يوم الجمعة مثلا قبل الزوال: فعند أبي يوسف هو لليلة الماضية، بمعنى أنه يعتبر أن الهلال قد وجد في الأفق ليلة الجمعة فغاب ثم ظهر نهارا فظهوره في النهار في حكم ظهوره في ليلة ثانية من ابتداء الشهر، لأنه لو لم يكن قبل ليلة لم يمكن رؤيته نهارا لأنه لا يرى قبل الزوال إلا أن يكون لليلتين، فلا منافاة بكونه لليلة الماضية وكونه لليلتين، لان النهار صار بمنزلة ليلة ثانية، وإذا كان لليلة الماضية يكون يوم الجمعة المذكور أو الشهر، فيجب صومه إن كان رمضان، ويجب فطره إن كان شوالا. وأما عندهما فلا يكون للماضية مطلقا بل هو للمستقبلة، وليس كونه للمستقبلة ثابتا برؤيته نهارا لأنه لا عبرة عندهما برؤيته نهارا وإنما ثبت بإكمال العدة، لان الخلاف على ما صرح به في البدائع والفتح إنما هو في رؤيته يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان أو من رمضان. فإذا كان يوم الجمعة المذكور يوم الثلاثين من الشهر ورئي فيه الهلال نهارا: فعند أبي يوسف ذلك اليوم أول الشهر، وعندهما لا عبرة لهذه الرؤية ويكون أول الشهر يوم السبت، سواء وجدت هذه الرؤية أو لا، لان الشهر لا يزيد على الثلاثين فلم تفد هذه الرؤية شيئا، وحينئذ فقولهم هو لليلة المستقبلة عندهما بيان للواقع، وتصريح بمخالفة القول بأنه للماضية، فلا منافاة حينئذ بين قولهم هو للمستقبلة عندهما، وقولهم لا عبرة برؤيته نهارا عندهما، وإنما كان الخلاف في رؤيته يوم الشك، وهو يوم الثلاثين لان رؤيته يوم التاسع والعشرين لم يقل أحد فيها إنه للماضية لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين كما نص عليه بعض المحققين، وشمل قولهم لا عبرة برؤيته نهارا، وأما إذا رئي يوم التاسع والعشرين قبل الشمس ثم رئي ليلة الثلاثين بعد الغروب وشهدت بينة شرعية بذلك، فإن الحاكم يحكم برؤيته ليلا كما هو نص الحديث، ولا يلتفت إلى قول المنجمين: إنه لا يمكن رؤيته صباحا ثم مساء في يوم واحد كما قدمناه عن فتاوى شمس الرملي الشافعي. وكذا لو ثبتت رؤيته ليلا ثم زعم زاعم أنه رآه صبيحتها فإن القاضي لا يلتفت إلى كلامه. كيف وقد صرحت أئمة المذاهب الأربعة بأن الصحيح أنه لا عبرة برؤية الهلال نهارا وإنما المعتبر رؤيته ليلا، وأنه لا عبرة بقول المنجمين. ومن عجائب الدهر ما وقع في زماننا سنة أربعين بعد المائتين والألف وهو أنه ثبت رمضان تلك السنة ليلة الاثنتين التالية لتسع وعشرين من شعبان بشهادة جماعة رأوه من منارة جامع دمشق وكانت السماء متغيمة، فأثبت القاضي الشهر بشهادتهم بعد الدعوى الشرعية، فزعم بعض الشافعية أن هذا الاثبات مخالف للعقل وأنه غير صحيح، لأنه أخبره بعض الناس بأنه رأى الهلال نهار الاثنين المذكور، ثم تعاهد جماعة من أهل مذهبه على نقد هذا الحكم فلم يقدروا وأوقعوا التشكيك في قلوب العوام، ثم صاموا يوم عيد الناس وعيدوا في اليوم الثاني حتى خطأهم بعض علمائهم وأظهر لهم النقول الصريحة من مذهبهم، فاعتذر
431 بعضهم بأنهم فعلوا كذلك مراعاة لمذهب الحنفية وأن الحنفية لم يفهموا مذهبهم، ولا يخفى أن هذا العذر أقبح من الذنب، فإن فيه الافتراء على أئمة الدين لترويج الخطأ الصريح، فعند ذلك بادرت إلى كتابة رسالة سميتها: تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان جمعت فيها نصوص المذاهب الأربعة الدالة على أن الخطأ الصريح هو الذي ارتكبوه، وأن الحق الصحيح هو الذي اجتنبوه. مطلب في اختلاف المطالع قوله: (واختلاف المطالع) جمع مطلع بكسر اللام موضع الطلوع، بحر، عن ضياء الحلوم. قوله: (ورؤيته نهارا الخ) مرفوع عطفا على اختلاف، ومعنى عدم اعتبارها أنه لا يثبت بها حكم من وجوب صوم أو فطر، فلذا قال في الخانية: فلا يصام له ولا يفطر وأعاده وإن علم مما قبله ليفيد أن قوله لليلة الآتية لم يثبت بهذه الرؤية، بل ثبت ضرورة إكمال العدة كما قررناه، فافهم. قوله: (على ظاهر المذهب) اعلم أن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، بمعنى أنه قد يكون بين البلدتين بعد بحيث يطلع الهلال ليلة كذا في إحدى البلدتين دون الأخرى، وكذا مطالع الشمس لان انفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار، حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس، بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين، وغروب لبعض ونصف ليل لغيرهم كما في الزيلعي. وقدر البعد الذي تختلف فيه المطالع مسيرة شهر فأكثر على ما في القهستاني عن الجواهر اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام، فإنه قد انتقل كل غدو ورواح من إقليم إلى إقليم وبينما شهر اه. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، وفي شراح المنهاج للرملي: وقد نبه التاج التبريزي على أن اختلاف المطالع لا يمكن في أقل من أربعة وعشرين فرسخا، وأفتى به الوالد، والأوجه أنها تحديدية كما أفتى به أيضا اه. فليحفظ، وإنما الخلاف في اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه هل يجب على كل قوم اعتبار مطلعهم، ولا يلزم أحدا العمل بمطلع غيره، أم لا يعتبر اختلافها بل يجب العمل بالأسبق رؤية حتى لو رئي في المشرق ليلة الجمعة، وفي المغرب ليلة السبت وجب على أهل المغرب العمل بما رآه أهل المشرق؟ فقيل بالأول، واعتمده الزيلعي وصاحب الفيض، وهو الصحيح عند الشافعية لان كل قوم مخاطبون بما عندهم، كما في أوقات الصلاة، وأيده في الدرر بما مر من عدم وجوب العشاء والوتر على فاقد وقتها، وظاهر الرواية الثاني، وهو المعتمد عندنا وعند المالكية والحنابلة لتعلق الخطاب عاما بمطلق الرؤية في حديث: صوموا لرؤيته بخلاف أوقات الصلوات، وتمام تقريره في رسالتنا المذكورة. تنبيه: يفهم من كلامهم في كتاب الحج أن اختلاف المطالع فيه معتبر، فلا يلزمهم شئ لو ظهر أنه رئي في بلدة أخرى قبلهم بيوم، وهل يقال كذلك في حق الأضحية لغير الحجاج؟ لم أره، والظاهر نعم لان اختلاف المطالع إنما لم يعتبر في الصوم لتعلقه بمطلق الرؤية. وهذا بخلاف الأضحية فالظاهر أنها كأوقات الصلوات يلزم كل قوم العمل بما عندهم، فتجزئ الأضحية في اليوم
432 الثالث عشر (1) وإن كان على رؤيا غيرهم هو الرابع عشر والله أعلم. قوله: (فيلزم) فاعله ضمير يعود إلى ثبوت الهلال: أي هلال الصوم أو الفطر وأهل المشرق مفعوله ح. أو يلزم بضم الياء من الالزام مبني للمجهول، وأهل المشرق نائب الفاعل، وبرؤيته متعلق بيلزم. قوله: (بطريق موجب) كأن يتحمل اثنان الشهادة أو يشهدا على حكم القاضي أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبرا أن أهل بلدة كذا رأوه لأنه حكاية ح. قوله: (كما مر) أي عند قوله شهد أنه شهد ح. قوله: (يكره) ظاهره ولو بقصد دلالة من لم يره، وظاهر العلة أن الكراهة تنزيهية ط. والله أعلم. باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده المفسد هنا قسمان: ما يوجب القضاء فقط، أو مع الكفار، وغير المفسد قسمان أيضا: ما يباح فعله، أو يكره. قوله: (الفساد والبطلان في العبادات سيان) أما في المعاملات فإن لم يترتب أثر المعاملة عليها فهو البطلان، وإن ترتب فإن كان المطلوب التفاسخ شرعا فهو الفساد، وإلا فهو الصحة. ح عن البحر. بيانه: لو باع ميتة فإن أثر المعاملة هنا وهو الملك غير مترتب عليها، ولو باع عبدا بشرط فاسد وسلمه ملكه المشتري فاسدا وهو واجب التفاسخ ولو بدون شرط ملكه صحيحا. قوله: (إذا أكل) شرط جوابه قوله الآتي: لم يفطر كما سينبه عليه الشارح. قوله: (ناسيا) أي لصومه لأنه ذاكر للاكل والشرب والجماع. معراج. قوله: (في الفرض) ولو قضاء أو كفارة. قوله: (قبل النية أو بعدها) قدم الشارح هذه المسألة عن شرح الوهبانية قبيل قوله: رأى مكلف هلال رمضان الخ وصوروها في المتلوم تبعا للوهبانية وشرحها لكونه في معنى الصائم إذا ظهرت رمضانية اليوم بعدما أكل ناسيا ثم نوى فيتصور منه النسيان: أي نسيان تلومه لأجل الصوم، بخلاف المتنفل فإنه لو أكل قبل النية لا يسمى ناسيا، وكذا في صوم القضاء والكفارة نعم يتصور النسيان في أداء رمضان والمنذور المعين. قوله: (على الصحيح) متصل بقوله: قبل النية وقد نقل تصحيحه أيضا في التتارخانية عن العتابية، وقيل إذا ظهرت رمضانيته لا يجزيه، وبه جزم في السراج وتبعه في الشرنبلالية، ونظم ابن وهبان القولين مع حكاية التصحيح للأول، وأقره في البحر والنهر فكان هو
(1) قوله: (الثالث عشر) صوابه (الثاني عشر). وقوله: هو الرابع عشر صوابه: الثالث عشر لان اليوم الثالث عشر من ذي الحجة هو اليوم الرابع من عيد الأضحى المبارك والأضحية في ذلك اليوم لا تصح عندنا ولعل جناب سيدي الوالد المؤلف أراد ان يكتب في اليوم الثالث فسها قلمه فكتب الثالث عشر تأمل حرره أفقر الورى محمد علاء الدين ابن المؤلف عفى عنهما آمين. 433 المعتمد، فافهم. قوله: (إلا أن يذكر فلم يتذكر) أي إذا أكل ناسيا فذكره إنسان بالصوم لم يتذكر فأكل فسد صومه في الصحيح خلافا لبعضهم. ظهيرية. لان خبر الواحد في الديانات مقبول، فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال لوجود المذكر. بحر. قلت: لكن لا كفارة عليه وهو المختار كما في التاترخانية عن النصاب، وقد نسبوا هذه المسألة إلى أبي يوسف، ونسب إليه القهستاني فساد الصوم بالنسيان مطلقا ولم أره لغيره، وسيأتي ما يرده. قوله: (ويذكره) أي لزوما كما في الولوالجية فيكره تركه تحريما. بحر. وقوله: لو قويا أي له قوة على إتمام الصوم، بلا ضعف، وإذا كان يضعف بالصوم ولو أكل يتقوى على سائر الطاعة يسعه أن لا يخبره. فتح. وعبارة غيره: الأولى أن لا يخبره، وتعبير الزيلعي بالشاب والشيخ جرى على الغالب، ثم هذا التفصيل جرى عليه غير واحد. وفي السراج عن الواقعات: المختار أنه يذكره مطلقا. نهر. مطلب: يكره السهر إذا خاف فوت الصبح قال ح عن شيخه: ومثل أكل الناسي النوم عن صلاة، لان كلا منهما معصية في نفسه كما صرحوا أنه يكره السهر إذا خاف فوت الصبح، لكن الناسي أو النائم غير قادر فسقط الاثم عنهما، لكن وجب على من يعلم حالهما تذكير الناسي وإيقاظ النائم إلا في حق الضيف عن الصوم مرحمة له اه. قوله: (وليس) أي النسيان عذرا في حقوق العباد: أي من حيث ترتب الحكم على فعله، فلو أكل الوديعة ناسيا ضمنها، أما من حيث المؤاخذة في الآخرة فهو عذر مسقط للإثم كما في حقوقه تعالى، وأما من حيث الحكم في حقوقه تعالى، فإن كان في موضع ولا داعي إليه كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره، فإن حالة المصلي مذكرة وطول الوقت الداعي إلى الاكل غير موجود، بخلاف سلامه في القعدة الأولى وأكل الصائم فإنه ساقط لوجود الداعي، وهو كون القعدة محل السلام، وطول الوقت الداعي إلى الطعام مع عدم المذكر، وبخلاف ترك الذابح التسمية فإن حالة الذبح منفرة لا مذكرة مع عدم الداعي فتسقط أيضا. من البحر مع زيادة. قوله: (استحسانا) وفي القياس يفسد: أي بدخول الذباب لوصول المفطر إلى جوفه وإن كان لا يتغذى به كالتراب والحصاة. هداية. قوله: (لعدم إمكان التحرز عنه) فأشبه الغبار والدخان لدخولهما من الانف إذا أطبق الفم كما في الفتح، وهذا يفيد أنه إذا وجد بدا من تعاطي ما يدخل غباره في حلقه أفسد لو فعل. شرنبلالية. قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: دخل أي بنفسه بلا صنع منه. قوله: (إنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورة كان الادخال، حتى لو تبخر بخور فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر لامكان التحرز عنه، وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس، ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله. إمداد. وبه علم حكم شرب الدخان، ونظمه الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية بقوله: ويمنع من بيع الدخان وشربه * وشاربه في الصوم لا شك يفطر ويلزمه التكفير لو ظن نافعا * كذا دافعا شهوات بطن فقرروا
434 قوله: (وإن وجد طعمه في حلقه) أي طعم الكحل أو الدهن كما في السراج، وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح. بحر. قال في النهر: لان الموجود في حلقه أثر داخل من المسام الذي هو خلل البدن، والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ، للاتفاق على أن من اغتسل في ماء فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر، وإنما كره الامام الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا لأنه مفطر اه. وسيأتي أن كلا من الكحل والدهن غير مكروه، وكذا الحجامة إلا إذا كانت تضعفه عن الصوم. قوله: (أو بفكر) عطف على قوله: بنظر. قوله: (أو بقي بلل في فيه بعد المضمضة) جعله في الفتح و البدائع شبيه دخول الدخان والغبار، ومقتضاه أن العلة فيه عدم إمكان التحرز عنه، وينبغي اشتراط البصق بعد مج الماء لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، نعم لا يشترط المبالغة في البصق بعده مجرد بلل ورطوبة لا يمكن التحرر منه وعلى ما قلنا ينبغي أن يحمل قوله في البزازية: إذا بقي بعد المضمضة ماء فابتلعه بالبزاق لم يفطر لتعذر الاحتراز، فتأمل. قوله: (كطعم أدوية) أي لو دق دواء فوجد طعمه في حلقه زيلعي وغيره. وفي القهستاني: طعم الأدوية وريح العطر إذا وجد في حلقه لم يفطر كما في المحيط. قوله: (ومص إهليلج) أي بأن مضغها فدخل البصاق حلقه ولا يدخل من عينها في جوفه لا يفسد صومه كما في التاترخانية وغيرها. وفي المغرب: الهليلج معروف عن الليث، وكذا في القانون. وعن أبي عبيد: الإهليلجة بكسر اللام الأخيرة ولا تقل هليلجة، وكذا قال الفراء اه. قوله: (وإن كان بفعله) اختاره في الهداية والتبيين وصححه في المحيط. وفي الولوالجية أنه المختار، وفصل في الخانية بأنه إن دخل لا يفسد، وإن أدخله يفسد في الصحيح لأنه وصل إلى الجوف بفعله فلا يعتبر فيه صلاح البدن، ومثله في البزازية، واستظهره في الفتح والبرهان. شرنبلالية ملخصا. والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن وعلى عدمه بدخول الماء. واختلف التصحيح في إدخاله. نوح. قوله: (كما لو حك أذنه إلخ) جعله مشبها به لما في البزازية أنه لا يفسد بالاجماع، والظاهر أن المراد بإجماع أهل المذهب لأنه عند الشافعية مفسد. قوله: (لأنه تبع لريقه) عبارة البحر: لأنه قليل لا يمكن الاحتراز عنه، فجعل بمنزلة الريق. قوله: (كما سيجئ) أي قبيل قوله: وكره له ذوق شئ ويأتي تفاصيل المسألة هناك. قوله: (يعني ولم يصل إلى جوفه) ظاهر إطلاق المتن أنه لا يفطر وإن كان الدم غالبا على الريق، وصححه في الوجيز كما في السراج وقال: ووجهه أنه لا يمكن الاحتراز عنه عادة فصار بمنزلة ما بين أسنانه وما يبقى من أثر المضمضة، كذا في إيضاح الصيرفي اه. ولما كان هذا القول خلاف ما عليه الأكثر من التفصيل حاول الشارح تبعا للمصنف في شرحه بحمل كلام المتن على ما إذا لم يصل إلى جوفه، لئلا يخالف ما عليه الأكثر.
435 قلت: ومن هذا يعلم حكم من قلع ضرسه في رمضان ودخل الدم إلى جوفه في النهار ولو نائما فيجب عليه القضاء، إلا أن يفرق بعدم إمكان التحرز عنه فيكون كالقئ الذي عاد بنفسه. فليراجع. قوله: (واستحسنه المصنف) تبعا لشرح الوهبانية حيث قال فيه وفي البزازية: قيد عدم الفساد في صورة غلبة البصاق بما إذا لم يجد طعمه، وهو حسن اه. قوله: (هو ما عليه الأكثر) أي ما ذكر من التفصيل بين ما إذا غلب الدم أو تساويا أو غلب البصاق هو ما عليه أكثر المشايخ كما في النهر. قوله: (وسيجئ) أي ما استحسنه المصنف حيث يقول: وأكل مثل سمسمة من خارج يفطر إلا إذا مضغ بحيث تلاشت في فمه إلا أن يجد الطعم في حلقه اه. ولا يخفى ما في كلامه من تشتيت الضمائر كما علمت. قوله: (وإن بقي في جوفه) أي بقي زجه، وهذا ما صححه جماعة منهم قاضيخان في شرحه على الجامع الصغير حيث قال: وإن بقي الزج في جوفه لم يذكر في الكتاب واختلفوا فيه. قال بعضهم: يفسده كما لو أدخل خشبة في دبره وغيبها. قال بعضهم لا يفسد، وهو الصحيح لأنه لم يوجد منه الفعل ولم يصل إليه ما فيه صلاحه اه. وحاصله أن الافساد منوط بما إذا كان بفعله أو فيه بدنه، ويشترط أيضا استقراره داخل الجوف فيفسد بالخشبة إذا غيبها لوجود الفعل مع الاستقرار، وإن لم يغيبها فلا لعدم الاستقرار، ويفسد أيضا فيما لو أوجر مكرها أو نائما كما سيأتي لان فيه صلاحه. قوله: (كما لو بقي ألقي حجر) أي ألقاه غيره فلا يفسد لكونه بغير فعله وليس فيه صلاحه، بخلاف ما لو داوى الجائفة كما سيأتي. قوله: (ولو بقي النصل في جوفه فسد) هذا على أحد القولين، إذ لا فرق بين نصل السهم ونصل الرمح، فقد صرح في فتح القدير بأن الخلاف جاز فيهما، وبأن عدم الافطار صححه جماعة اه وقد جزم الزيعلي وبه علم ما في كلام الشارح حيث جرى أولا على الصحيح، وثانيا على مقابله، فافهم. قوله: (وإن غيبه) أي غيب الطرفين أو العود بحيث لم يبق منه شئ في الخارج. قوله: (وكذا لو ابتلع خشبة) أي عودا من خشب إن غاب في حلقه أفطر، وإلا فلا. قوله: (مفاده) أي مفاد ما ذكر متنا وشرحا، وهو أن ما دخل في الجوف إن غاب فيه فسد، وهو المراد بالاستقرار وإن لم يغب بل بقي طرف منه في الخارج أو كان متصلا بشئ خارج لا يفسد لعدم استقراره. قوله: (أي دبره أو فرجها) أشار إلى أن تذكير الضمير العائد إلى المقعدة لكونها في معنى الدبر ونحوه، وإلى أن فاعل أدخل ضمير عائد على الشخص الصائم الصادق بالذكر والأنثى. قوله: (ولو مبتلة فسد) لبقاء شئ من البلة في الداخل، وهذا لو أدخل الإصبع إلى موضع المحقنة كما يعلم مما بعده. قال ط: ومحله إذا كان ذاكرا للصوم وإلا فلا فساد كما في الهندية عن الزاهدي اه.
436 وفي الفتح: خرج سرمه فغسله، فإن قام قبل أن ينشفه فسد صومه، وإلا فلا، لأن الماء اتصل بظاهره ثم زال قبل أن يصل إلى الباطن بعود المقعدة. قوله: (حتى بلغ موضع الحقنة) هي دواء يجعل في خريطة من أدم يقال لها المحقنة. مغرب. ثم في بعض النسخ: المحقنة بالميم وهي أولى. قال في الفتح: والحد الذي يتعلق بالوصول إليه لفساد قدر المحقنة اه: أي قدر ما يصل إليه رأس المحقنة التي هي آلة الاحتقان. وعلى الأول فالمراد الموضع الذي ينصب منه الدواء إلى الأمعاء. قوله: (عند ذكره) بالضم ويكسر بمعنى التذكير. قاموس. قوله: (وكذا عند طلوع الفجر) أي وكذا لا يفطر لو جامع عامدا قبل الفجر ونزع في الحال عند طلوعه. قوله: (ولو مكث) أي في مسألة التذكر ومسألة الطلوع. قوله: (حتى أمني) هذا غير شرط في الافساد، وإنما ذكره لبيان حكم الكفارة. إمداد. قوله: (وإن حرك نفسه قضى وكفر) أي إذا أمنى كما هو فرض المسألة، وقد علمت أن تقييده بالامناء لأجل الكفارة، لكن جزم هنا بوجوب الكفارة مع أنه في الفتح وغيره حكي قولين بدون ترجيح لأحدهما، وقد اعترضه ح بأن وجوبها مخالف لما سيأتي من أنه إذا أكل أو جامع ناسيا فأكل عمدا لا كفارة عليه على المذهب لشبهة خلاف مالك، لأنه يقول بفساد الصوم إذا أكل أو جامع ناسيا اه. قلت: ووجه المخالفة أنه إذا لم تجب الكفارة في الاكل عمدا بعد الجماع ناسيا يلزم منه أن لا تجب بالأولى فيما إذا جامع ناسيا فتذكر ومكث وحرك نفسه، لان الفساد بالتحريك إنما هو لكون التحريك بمنزلة ابتداء جماع، والجماع كالأكل، وإذا أكل أو جامع عمدا بعد جماعه ناسيا لا تجب الكفارة، فكذا لا تجب إذا حرك نفسه بالأولى، لكن هذا لا يخالف مسألة الطلوع، نعم يؤيد عدم الوجوب فيها أيضا إطلاق ما في البدائع حيث قال: هذا: أي عدم الفساد إذا نزع بعد التذكر أو بعد طلوع الفجر، أما إذا لم ينزع وبقي فعليه القضاء ولا كفارة عليه في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف وجوب الكفارة في الطلوع فقط، لان ابتداء الجماع كان عمدا وهو واحد ابتداء وانتهاء، والجماع العمد يوجبها، وفي التذكر لا كفارة، ووجه الظاهر أن الكفارة إنما تجب بإفساد الصوم وذلك بعد وجوده، وبقاؤه في الجماع يمنع وجود الصوم فاستحال إفساده فلا كفارة اه. فهذه يدل على أن عدم وجوبها في التذكر متفق عليه، لان ابتداءه لم يكن عمدا وهو فعل واحد فدخلت في الشبهة، ولان فيه شبهة خلاف مالك كما علمت، وإنما الخلاف في الطلوع وما وجه به ظاهر الرواية يدل على عدم الفرق بين تحريك نفسه وعدمه. وهذا وفي نقل الهندية عبارة البدائع سقط. فافهم. قوله: (كما لو نزع ثم أولج) أي في المسألتين لما في الخلاصة: ولو نزع حين تذكر ثم عاد تجب الكفارة، وكذا في مسألة الصبح اه. لكن في مسألة التذكر ينبغي عدم الكفارة لما علمت من شبهة خلاف مالك، ولعل ما هنا مبني على القول الآخر بعدم اعتبار هذه الشبهة. تأمل. قوله: (وبعده لا) أي لاستقذارها، وهذا هو الأصح كما في شرح الوهبانية عن المحيط، وفيه عن الظهيرية: إن قبل أن تبرد كفر وبعده لا. وعن ابن الفضل: إن كانت لقمة نفسه كفر، وإلا فلا اه.
437 مطلب مهم المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس قلت: والتعليل للأصح بالاستقذار يدل على تقييده بأن تبرد فيتحد مع القول الثاني لقولهم: إن اللقمة الحارة يخرجها، ثم يأكلها عادة ولا يعافها، لكن هذا مبني على أن الفداء الموجب للكفارة ما يميل الطبع، وتنقضي به شهوة البطن لا ما يعود نفعه إلى صلاح البدن، والشارح فيما سيأتي اعتمد الثاني وسيأتي الكلام فيه. وذكر في الفتح فيما لو أكل لحما بين أسنانه قدر الحمصة فأكثر عليه الكفارة عند زفر لا عند أبي يوسف لأنه يعافه الطبع فصار بمنزلة التراب، فقال: والتحقيق أن المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاده ومعرفة بأحوال الناس، وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر في صاحب الواقعة إن كان مما يعاف طبعه ذلك أخذ بقول أبي يوسف، وإلا أخذ بقول زفر. قوله: (ولم ينزل) أما لو أنزل قضى فقط كما سيذكره المصنف: أي بلا كفارة. قال في الفتح وعمل المرأتين كعمل الرجال جماع أيضا فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلا إذا أنزلت ولا كفارة مع الانزال اه. قوله: (يعني في غير السبيلين) أشار لما في الفتح حيث قال: أراد بالفرج كلا من القبل والدبر، فما دونه حينئذ التفخيذ والتبطين اه: أي لان الفرج لا يشمل الدبر لغة وإن شمله حكما. قال في المغرب: الفرج: قبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة، ثم قال: وقوله الدبر كلاهما فرج: يعني في الحكم اه. مطلب في حكم الاستمناء بالكف قوله: (وكذا الاستمناء بالكف) أي في كونه لا يفسد، لكن هذا إذا لم ينزل، أما إذا أنزل فعليه القضاء كما سيصرح به وهو المختار كما يأتي، لكن المتبادر من كلامه الانزال بقرينة ما بعده فيكون على خلاف المختار. قوله: (ولو خاف الزنى الخ) الظاهر أنه غير قيد، بل لو تعين الخلاص من الزنى به وجب لأنه أخف. وعبارة الفتح: فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء أن لا يعاقب اه. زاد في معراج الدراية وعن أحمد والشافعي في القديم الترخص فيه، وفي الجديد يحرم، ويجوز أن يستمني زوجته وخادمته اه. وسيذكر الشارح في الحدود عن الجوهرة أنه يكره، ولعل المراد به كراهة التنزيه، فلا ينافي قول المعراج. تأمل. وفي السراج: إن أراد بذلك تسكين الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب وكان عزبا لا زوجة له ولا أمة، أو كان إلا أنه لا يقدر على الوصول إليها لعذر قال أبو الليث: أرجو أن لا وبال عليه، وأما إذا فعله لاستحلاب الشهوة فهو آثم اه. بقي هنا شئ، وهو أن علة الاثم هل هي كون ذلك استمتاعا بالجزء كما يفيد الحديث وتقييدهم كونه بالكف ويلحق به ما لو أدخل ذكره بين فخذيه مثلا حتى أمنى، أم هي سفح الماء وتهييج الشهوة في غير محلها بغير عذر كما يفيده قوله: وأما إذا فعله لاستجلاب الشهوة الخ؟ لم أر من صرح بشئ من ذلك، والظاهر الأخير لان فعله بيد زوجته ونحوها فيه سفح الماء لكن بالاستمتاع بجزء مباح، كما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين بخلاف ما إذا كان بكفه ونحوه، وعلى هذا فلو أدخل ذكره في حائط أو نحو حتى أمنى أو استمنى بكفه بحائل يمنع الحرارة يأثم أيضا، ويدل أيضا على ما قلنا في الزيلعي حيث استدل على عدم حله بالكف بقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون) * الآية. وقال: فلم يبح الاستمتاع إلا بهما: أي بالزوجة والأمة اه. فأفاد عدم
438 حل الاستمتاع: أي قضاء الشهوة بغيرهما، هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم. قوله: (من غير إنزال) أما به فعليه القضاء فقط كما سيأتي. قوله: (أو قبلها) عطف على مس فهو فعل ماض من التقبيل. قوله: (فأنزل) وكذا لا يفسد صومه بدون إنزال بالأولى. ونقل في البحر وكذا الزيلعي وغيره الاجماع على عدم الافساد مع الانزال، واستشكله في الامداد بمسألة الاستمناء بالكف. قلت: والفرق أن هناك إنزالا مع مباشرة بالفرج وهنا بدونها، وعلى هذا فالأصل أن الجماع المفسد للصوم هو الجماع صورة وهو ظاهر، أو معنى فقط وهو الانزال عن مباشرة بفرجه لا في فرج أو في فرج غير مشتهى عادة أو عن مباشرة بغير فرجه في محل مشتهى عادة، ففي الانزال بالكف أو بتفخيذ أو تبطين وجدت المباشرة بفرجه لا في فرج، وكذا الانزال بعمل المرأتين فإنها مباشرة فرج بفرج لا في فرج، وفي الانزال بوطئ ميتة أو بهيمة وجدت المباشرة بفرجه في فرج غير مشتهى عادة، وفي الانزال بمس آدمي أو تقبيله وجدت المباشرة بغير فرجه في محل مشتهى، أما الانزال بمس أو تقبيل بهيمة فإنه لم يوجد فيه شئ من معنى الجماع فصار كالانزال بنظر أو تفكر فلذا لم يفسد الصوم إجماعا. هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم. قوله: (على المذهب) أي قول أبي حنيفة ومحمد معه في الأظهر. وقال أبو يوسف: يفطر، والاختلاف مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أو لا، وهو ليس باختلاف على التحقيق، والأظهر أنه لا منفذ له وإنا يجتمع البول فيها بالترشيح، كذا يقول الأطباء. زيلعي. وأفاد أنه لو بقي في قصبة الذكر لا يفسد اتفاقا، ولا شك في ذلك، وبه بطل ما نقل عن خزانة الأكمل لو حشا ذكره بقطنه فغيبها أنه يفسد، لان العلة من الجانبين الوصول إلى الجوف وعدمه، بناء على وجود المنفذ وعدمه، لكن هذا يقتضي عدم الفساد في حشو الدبر وفرجها الداخل، ولا مخلص إلا بإثبات أن المدخل فيهما تجذبه الطبيعة فلا يعود إلا مع الخارج المعتاد، وتمامه في الفتح. قلت: الأقرب التخلص بأن الدبر والفرج الداخل من الجوف إذ لا حاجز بينهما وبينه فهما في حكمه، والفم والأنف وإن لم يكن بينهما وبين الجوف حاجز إلا أن الشارع اعتبرهما في الصوم من الخارج، وهذا بخلاف قصبة الذكر فإن المثانة لا منفذ لها على قولهما، وعلى قول أبي يوسف: وإن كان لها منفذ إلى الجوف إلا أن المنفذ الآخر المتصل بالقصبة منطبق لا ينفتح إلا عند خروج البول فلم يعط للقصبة حكم الجوف. تأمل. قوله: (فمفسد إجماعا) وقيل على الخلاف، والأول أصح. فتح عن المبسوط. قوله: (أو دخل أنفه) الأولى أو نزل إلى أنفه. قوله: (وإن نزل لرأس أنفه) ذكره في الشرنبلالية أخذا من إطلاقهم، ومن قولهم بعدم الفطر ببزاق امتد ولم ينقطع من فمه إلى ذقنه ثم ابتلعه بجذبه، ومن قول الظهيرية: وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه وأنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه اه. ثم قال: لكن يخالفه ما في القنية: نزل المخاط إلى رأس أنفه لكن لم يظهر ثم جذبه فوصل إلى جوفه لم يفسد اه. حيث قيد بعدم الظهور. قوله: (فاستنشقه) الأولى
439 فجذبه، لان الاستمشاق بالأنف. وفي نسخ فاستشفه بتاء فوقية وفاء: أي جذبه بشفتيه، وهو ظاهر ط. قوله: (فينبغي الاحتياط) لان مراعاة الخلاف مندوبة، وهذه الفائدة نبه عليها ابن الشحنة، ومفاده أنه لو ابتلع البلغم بعد ما تخلص بالتنحنح من حلقه إلى فمه لا يفطر عندنا. قال في الشرنبلالية: ولم أره، ولعله كالمخاط. قال: ثم وجدتها في التاترخانية: سئل إبراهيم عمن ابتلع بلغما، قال: إن كان أقل من ملء فيه لا ينقض إجماعا، وإن كان ملء فيه ينقض صومه عند أبي يوسف، وعند أبي حنيفة لا ينقض اه. وسيذكر الشارح ذلك أيضا في بحث القئ. قوله: (وإن كره) أي لعذر كما يأتي ط. قوله: (وكذا لو فتل الخيط ببزاقه مرارا الخ) يعني إذا أراد فتل الخيط وبله ببزاقه وأدخله في فمه مرارا لا يفسد صومه وإن بقي في الخيط عقد البزاق. وفي النظم للزندويستي أنه يفسد، كذا في القنية، وحكى الأول في الظهيرية عن شمس الأئمة الحلواني ثم قال، وذكر الزندويستي إذا فتل السلكة وبلها بريقه ثم أمرها ثانيا في فيه ثم ابتلع ذلك البزاق فسد صومه اه. ثم لا يخفى أن المحكي عن شمس الأئمة مقيد بما إذا ابتلع البزاق، وإلا فلا فائدة في التنبيه على أنه لا يفسد صومه، فهو محمول على ما صرح به في النظم، فكان مراد صاحب الظهيرية أن ذلك المطلق محمول على هذا المقيد فهما مسألة واحدة، خلافا لما استظهره في شرح الوهبانية من أنهما مسألتان: بحمل الأولى على ما إذا لم يبتلع البزاق، والثاني على ما إذا ابتلعه، إذ لا يبقى خلاف حينئذ أصلا كما لا يخفى، وهو خلاف المفهوم من القنية والظهيرية. قوله: (مكرر) مبتدأ، وقوله: بالريق متعلق ببل، وقوله: بإدخاله متعلق بخبر المبتدأ الذي هو قوله: لا يتضرر ووجهه أنه بمنزلة الريق على فمه إذا لم يتقطع كما في شرح الشرنبلالي ط. قوله: (بعد ذا) أي بعد تكرار إدخاله في فيه. قوله: (يضر) أي الصوم ويفسده، لان إخراجه بمنزلة انقطاع البزاق المتدلي، كذا في شرح الشرنبلالي ط. قوله: (كصبغ) أي كما يضر ابتلاع الصبغ، وهذا مما لا خلاف فيه. وقوله: لونه أي الصبغ، وفيه: أي الريق متعلق بيظهر ط. قوله: (وإن أفطر خطأ) شرط جوابه قوله الآتي قضى فقط وهذا شروع في القسم الثاني وهو ما يوجب القضاء دون الكفارة بعد فراغه مما لا يوجب شيئا، والمراد بالمخطئ من فسد صومه بفعله المقصود دون قصد الفساد. نهر عن الفتح. قوله: (فسبقه الماء) أي يفسد صومه إن كان ذاكرا له، وإلا فلا، لأنه لو شرب حينئذ لم يفسد فهذا أولى. وقيل إن تمضمض ثلاثا لم يفسد، وإن زاد فسد. بدائع. قوله: (أو شرب نائما) فيه أن النائم غير مخطئ لعدم قصده الفعل؟ نعم صرح في النهر بأن المكره والنائم كالمخطئ اه. وليس هو كالناسي
440 لان النائم أو ذاهب العقل لم تؤكل ذبيحته وتؤكل ذبيحة من نسي التسمية. بحر عن الخانية. قال الرحمتي ومعناه: أن النسيان اعتبر عذرا في ترك التسمية، بخلاف النوم والجنون، فكذا يعتبر عذرا في تناول المفطر، لان النسيان غير نادر الوقوع، وأما الذبح وتناول المفطر في حال النوم والجنون فنادر فلم يلحق بالنسيان. قوله: (أو تسحر أو جامع الخ) أفاد أن الجماع قد يكون خطأ، وبه صرح في السراج فقال: ولو جامع على ظن أنه بليل ثم علم أنه بعد الفجر فنزع من ساعته فصومه فاسد لأنه مخطئ، ولا كفارة عليه لعدم قصد الافساد اه. وبه يستغنى عن التكلف بتصوير الخطأ في الجماع بما إذا باشرها مباشرة فاحشة فتوارث حشفته. أفاده في النهر فافهم. ومسألة التسحر ستأتي مفصلة. قوله: (أو أوجر مكرها) أي صب في حلقه شئ والايجار غير قيد، فلو أسقط قوله أوجر وأبقى قول المتن: أو مكرها معطوفا على قوله: خطأ لكان أولى، ليشمل ما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها فإنه يفسد صومه، خلافا لزفر والشافعي، كما في البدائع، وليشمل الافطار بالاكراه على الجماع. قال في الفتح: واعلم أن أبا حنيفة كان يقول أولا في المكره على الجماع: عليه القضاء والكفارة، لأنه لا يكون إلا بانتشار الآلة، ذلك أمارة الاختيار ثم رجع وقال: لا كفارة عليه، وهو قولهما لان فساد الصوم يتحقق بالايلاج وهو مكره فيه، مع أنه ليس كل من انتشرت آلته يجامع اه: أي مثل الصغير والنائم. قوله: (أو نائما) هو في حكم المكره كما في الفتح وسيأتي ما لو جومعت نائمة أو مجنونة. قوله: (وأما حديث الخ) وهو قوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهذا جواب عن استدلال الشافعي على أنه لا يفطر لو كان مخطئا أو مكرها، لان التقدير رفع حكم الخطأ الخ، لان نفس الخطأ لم يرفعه. والحكم نوعان: دنيوي وهو الفساد، وأخروي وهو الاثم فيتناولهما. والجواب: أنه حيث قدر الحكم لتصحيح الكلام كان ذلك مقتضى بالفتح وهو لا عموم له، والاثم مراد من الحكم بالاجماع فلا تصح إرادة الآخر، وإنما لم تفسد صوم الناسي مع أن القياس أيضا الفساد لوصول المفطر إلى الجوف لقوله (ص): من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه وتمام تقريره في المطولات. قوله: (جائزة) أي عقلا كما في شرح التحرير. قوله: فأكل عمدا وكذا لو جامع عمدا كما في نور الايضاح، فالمراد بالاكل الافطار. قوله: (للشبهة) علة للكل. قال في البحر: وإنما لم تجب الكفارة بإفطاره عمدا بعد أكله أو شربه جماعه ناسيا لأنه ظن في موضع الاشتباه بالنظير، وهو الاكل عمدا، لان الاكل مضاد للصوم ساهيا أو عامدا فأورث شبهة، وكذا فبه شبهة اختلاف العلماء، فإن مالكا يقول بفساد صوم من أكل ناسيا، وأطلقه فشمل ما لو علم أنه لم يفطره بأن بلغه الحديث أو الفتوى أو لا، وهو قول أبي حنيفة، وهو الصحيح. وكذا لو ذرعه القئ وظن أنه يفطره فأفطر، فلا كفارة عليه لوجود شبهة الاشتباه بالنظير، فإن القئ والاستقاء متشابهان لان مخرجهما من الفم. وكذا لو احتلم للتشابه في قضاء الشهوة وإن علم أن ذلك لا يفطره فعليه الكفارة، لأنه لو توجد شبهة الاشتباه ولا شبهة الاختلاف اه. قوله: (إلا
441 في مسألة المتن) وهي ما لو أكل، وكذا لو جامع أو شرب، لان عليه عدم الكفارة خلاف مالك، وخلافه في الأكل والشرب والجماع كما في الزيلعي والهداية وغيرهما ح. قوله: (مطلقا) أي علم عدم فطره أولا. قوله: خلافا لهما) فعندهما عليه الكفارة إذا علم بعدم فطره في مسألة المتن. قلت: وهذا يرد ما نقله ح عن القهستاني أول الباب من أن من أفطر ناسيا يفسد صومه، إذ لو فسد لم تلزمه الكفارة إذا أكل بعده عامدا، ولم أر من ذكر هذا غيره، وكذا يردع ما نقلناه عن البدائع عند قوله وإن حرك نفسه، نعم نقلوا عن أبي يوسف ما تقدم من أنه لو ذكر فلم يتذكر فسد صومه وكان هذا الوهم، فافهم. قوله: (فقيد الظن) أي في قول المتن فظن أنه أفطر إنما هو لبيان محل الاتفاق على عدم لزوم الكفارة لا للاحتراز عن العلم. قوله: (أو احتقن أو استعط) كلاهما بالبناء للفاعل من حقن المريض دواءه بالحقنة، واحتقن بالضم غير جائز وإنما الصواب حقن أو عولج بالحقنة، والسعوط: الدواء الذي صب في الانف، وأسعطه إياه، ولا يقال استعط مبنيا للمفعول. معراج. وعدم وجوب الكفارة في ذلك هو الأصح لأنها موجب الافطار صورة ومعنى، والصورة الابتلاع كما في الكافي وهي منعدمة، والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط. إمداد. قوله: (أو أقطر) في المغرب: قطر الماء صبه تقطيرا، وقطره مثله قطرا وأقطره لغة اه. وعلى هذه اللغة يتخرج كلامهم هنا، وحينئذ فيصح بناؤه للفاعل، وهو الأولى لتتفق الافعال وتنتظم الضمائر في سلك واحد، ويصح بناؤه للمفعول ونائب الفاعل قوله: في أذنه نهر. ويتعين الأول في عبارة المصنف على الأفصح المفعول الصريح وهو قوله: دهنا منصوبا. قوله: (دهنا) قيد به لأنه لا خلاف في فساد الصوم به، ولأنه مشى أولا على أن الماء لا يفسد وإن كان يصنعه، ومر الكلام عليه. قوله: (أو داوى جائفة أو آمة) الجائفة: الطعنة التي بلغت الجوف أو نفذته، والآمة من أممته بالعصا أما: من باب طلب إذا ضربت أم رأسه وهي الجلدة التي تجمع الدماغ، وقيل لها آمة: أي بالمد، ومأمومة على معنى ذات أم كعيشة راضية وليلة مزؤودة (1) وجمعها أو أم ومأمومات، مغرب. قوله: (فوصل الدواء حقيقة) أشار إلى أن ما وقع في ظاهر الرواية من تقييد الافساد بالدواء الرطب مبني على العادة من أنه يصل، وإلا فالمعتبر حقيقة الوصول، حتى لو علم وصول اليابس أفسد أو عدم وصول الطري لم يفسد، وإنما الخلاف إذا لم يعلم يقينا فأفسد بالطري حكما بالوصول نظرا إلى العادة ونفياه، كذا أفاده في الفتح. قلت: ولم يقيدوا الاحتقان والاستعاط والأقطار بالوصول إلى الجوف لظهوره فيها، وإلا فلا بد منه حتى لو بقي السعوط في الانف ولم يصل إلى الرأس لا يفطر، ويمكن أن يكون الدواء راجعا إلى الكل. تأمل. قوله: (إلى جوفه ودماغه) لف ونشر مرتب. قال في البحر: والتحقيق أن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفذا أصليا. فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن اه ط. قوله: (أو ابتلع حصاة الخ) أي فيجب القضاء لوجود صورة
(1) قوله: (وليلة مزؤودة الخ) يقال زأده أفزعه فهو مزؤود اي مفزوع والليلة لا توصف بأنها مفزوعة فيكون هذا على ضرب من التجوز ا ه. 442 الفطر، ولا كفارة لعدم وجود معناه وهو إيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف، سواء كان مما يتغذى به أو يتداوى، فقصرت الجناية فانتفت الكفارة، وتمامه في النهر، وسيأتي الخلاف في معنى التغذي قوله: (أو يستقذره) الاستقذار سبب الاعافة فمآلهما واحد، ولذا اقتصر في النظم على المستقذر ط. ومنه أكل اللقمة بعد إخراجها على ما هو الأصح كما مر. قوله: (ففي) الفاء زائدة والجار والمجرور متعلق بقوله: يهجر والتكفير مبتدأ خبره الجملة بعده، والجملة خبر المبتدأ الذي هو مستقذر وجاز الابتداء به مع أنه نكرة لقصد التعميم، ويهجر مرادف ليلغى: أي لا تجب فيه كفارة ط. قوله: (مع الامساك) قيد به ليغاير المسألة التي بعده. قوله: (لشبهة خلاف زفر) فإن الصوم عنده يتأدى من الصحيح المقيم بمجرد الامساك، ولو بلا نية حتى لو أفطر متعمدا لزمته الكفارة عنده كما صرح به في البدائع، وأما عندنا فلا بد من النية، لان الواجب الامساك بجهة العبادة، ولا عبادة بدون نية، أمسك بدونها لا يكون صائما ويلزمه القضاء دون الكفارة. أما لزوم القضاء فلعدم تحقق الصوم لفقد شرطه، وأما عدم الكفارة فلانه عند كفر صائم لم يوجد منه ما يفطر فتسقط عنه الكفارة لشبهة الخلاف وإن كان عندنا يسمى مفطرا شرعا، والأولى التعليل بعدم تحقق الصوم لان الكفارة إنما تجب على من أفسد صومه، والصوم هنا معد وإفساد المعدون مستحيل، وإنما يحسن التمسك للشبهة بعد تحقق الأصل كما في المسألة الآتية، بل الأولى عدم التعرض للكفارة أصلا، ولذا اقتصر في الكنز وغير على بيان وجوب القضاء كالاغماء والجنون الغير الممتد. هذا وقد استشكل بعض شراح الهداية وجوب القضاء هنا بأن المغمى عليه لا يقضي اليوم الذي حدث الاغماء في ليلته لوجود النية منه ظاهرا، فلا بد من التقييد هنا بأن يكون مريضا أو مسافرا ينوي شيئا أو متهتكا اعتاد الاكل في رمضان فلم يكن حاله دليلا على عزيمة الصوم. ورده في الفتح بأنه تكلف مستغنى عنه. لان الكلام عند عدم النية ابتداء لا بأمر يوجب النسيان، ولا شك أنه أدرى بحاله، بخلاف من أغمي عليه فإن الاغماء قد يوجب نسيانه حال نفسه بعد الإفاقة فبنى الامر فيه على الظاهر من حاله وهو وجود النية. قوله: (قبل الزوال) هذا عند أبي حنيفة، وعندهما كذلك إن أكل بعد الزوال، وإن كان قبل الزوال تجب الكفارة لأنه فوت إمكان التحصيل فصار كغاصب الغاصب. بحر: أي لأنه قبل الزوال كان يمكنه إنشاء النية وقد فوته بالاكل، بخلاف ما بعد الزوال، والأول ظاهر الرواية كما في البدائع، ثم المراد بالزوال نصف النهار الشرعي وهو الضحوة الكبرى، أو هو على القول الضعيف من اعتبار الزوال كما مر بيانه. قوله: (لشبهة خلاف الشافعي) فإن الصوم لا يصح عنده بنية النهار كما لا يصح بمطلق النية اه ح. وهذا تعليل لوجوب القضاء دون الكفارة إذا أكل بعد النية، أما لو أكل قبلها فالكلام فيه ما علمته في المسألة المارة. قوله: (ومفاده الخ) نقله في البحر عن الظهيرية بلفظ ينبغي أن لا تلزمه الكفارة لمكان الشبهة، ومثل
443 ما ذكر إذا نوى نية مخالفة فيما يظهر ط. قوله: (مطر أو ثلج) فيفسد في الصحيح ولو بقطرة، وقيل لا يفسد في المطر ويفسد في الثلج، وقيل بالعكس: بزازية. قوله: (بنفسه) أي بأن سبق إلى حلقه بذاته ولم يبتلعه بصنعه. إمداد. قوله: (والقطرتين) معطوف على الغبار: أي وبخلاف نحو القطرتين فأكثر مما لا يجد ملوحته في جميع فمه. قوله: (فإن وجد الملوحة في جميع فمه الخ) بهذا دفع في النهر ما بحثه في الفتح من أن القطرة يجد ملوحتها، فالأولى الاعتبار بوجدان الملوحة لصحيح الحس، إذ لا ضرورة في أكثر من ذلك، ولذا اعتبر في الخانية الوصول إلى الحلق، ووجه الدفع ما قاله في النهر من أن كلام الخلاصة ظاهر في تعليق الفطر على وجدان الملوحة في جميع الفم، ولا شك أن القطرة والقطرتين ليستا كذلك. وعليه يحمل ما في الخانية اه. وفي الامداد عن خط المقدسي أن القطرة لقلتها لا يجد طعمها في الحلق لتلاشيها قبل الوصول، ويشهد لذلك ما في الواقعات للصدر الشهيد: إذا دخل الدمع في فم الصائم إن كان قليلا نحو القطرة أو القطرتين لا يفسد صومه لان التحرز عنه غير ممكن، وإن كان كثيرا حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه، وكذا الجواب في عرق الوجه اه. ملخصا. وبالتعليل بعدم إمكان التحرز يظهر الفرق بين الدمع والمطر كما أشار إليه الشارح فتدبر، ثم في التعبير بالقطرة إشارة إلى أن المراد الدمع النازل من ظاهر العين، أما الواصل إلى الحلق من المسام فالظاهر أنه مثل الريق فلا يفطر وإن وجد طعمه في جميع فمه. تأمل. قوله: (أو وطئ امرأة الخ) إنما لم تجب الكفارة فيه وفيما بعده، لان المحل لا بد أن يكون مشتهي على الكمال. بحر. قوله: (أو صغيرة لا تشتهى) حكي في القنية خلافا في وجوب الكفارة بوطئها، وقيل: لا تجب بالاجماع وهو الوجه كما في النهر: قال الرملي: وقالوا في الغسل إن الصحيح أنه متى أمكن وطؤها من غير إفضاء فهو ممن بجامع مثلها، وإلا فلا. قوله: (أو قبل) قيد بكونه قبلها لأنها لو قبلته ووجدت لذة الانزال ولم تر بللا فسد صومها عند أبي يوسف، خلافا لمحمد، وكذا في وجوب الغسل. بحر عن المعراج. قوله: (ولو قبلة فاحشة) ففي غير الفاحشة مع الانزال لا تجب الكفارة بالأولى. قوله: (بأن يدغدغ) لعل المراد به عض الشفة ونحوها أو تقبيل الفرج. وفي القاموس: الدغدغة: حركة وانفعال في نحو الإبط والبضع والأخمص. قوله: (أو لمس) أي لمس آدميا لما مر أنه لو مس فرج بهيمة فأنزل لا يفسد صومه، وقدمنا أنه بالاتفاق. وفي البحر عن المعراج: ولو مست زوجها فأنزل لم يفسد صومه، وقيل إن تكلف له فسد اه. قال الرملي: ينبغي ترجيح هذا لأنه ادعى في سببية الانزال. تأمل. قوله: (ولو بحائل لا يمنع الحرارة) نقيض ما بعد لو وهو عدم الحائل المذكور أولى بالحكم وهو وجوب القضاء، لكن لا تظهر الأولوية بالنظر إلى عدم الكفارة مع أن الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة، وقيد الحائل بكونه لا يمنع الحرارة لما في البحر لمسها وراء الثياب فأمنى، فإن وجد حرارة جلدها فسد، وإلا فلا. قوله: (بكفه) أو بكف امرأته. سراج. قوله: (أو بمباشرة فاحشة) هي ما تكون بتماس
444 الفرجين، والظاهر أنه غير قيد هنا لان الانزال مع المس مطلقا بدون حائل يمنع الحرارة موجب للافساد كما علمته، وإنما يظهر تقييدها بالفاحشة لأجل كراهتها كما يأتي تفصيله تأمل. قوله: (ولو بين المرأتين) وكذا المجبوب مع المرأة. رملي. قوله: (كما مر) أي عند قوله: أو جامع فيما دون الفرج ولم ينزل الخ. قوله: (أو أفسد) أي ولو بأكل أو جماع. قوله: (غير صوم رمضان) صفة لموصوف محذوف دل عليه المقام: أي صوما غير صوم رمضان فلا يشمل ما لو أفسد صلاة أو حجا، وعبارة الكنز صوم غير رمضان وهي أولى، أفاده ح. قوله: (أداء) حال من صوم وقيد به لإفادة نفي الكفارة بإفساد قضاء رمضان لا لنفي القضاء أيضا بإفساد. قوله: (لاختصاصها) أي الكفارة، وهو علة للتقييد بالغيرية وبالأداء، وقوله: بهتك رمضان أي بخرق حرمة شهر رمضان فلا تجب بإفساد قضائه أو إفساد أو صوم غيره، لان الافطار في رمضان أبلغ في الجناية فلا يلحق به غيره، لورودها فيه على خلاف القياس. قوله: (أو وطئت الخ) هذا بالنظر إليها، وأما الواطئ فعليه القضاء والكفارة، إذ لا فرق بين وطئه عاقلة أو غيرها كما في الأشباه وغيرها. قوله: (بأن أصبحت صائمة فجنت) جواب عن سؤال حاصله: أن الجنون ينافي الصوم فلا يصح تصوير هذا الفرع. وحاصل الجواب: أن الجنون لا ينافي الصوم إنما ينافي شرطه: أعني النية، وهي قد وجدت في هذه الصورة ط. قال ح: ومثلها ما إذا نوت فجنت بالليل فجامعها نهارا كما في النهر، وكذا لو نوت نهارا قبل الضحوة الكبرى فجنت فجامعها اه. قوله: (أو تسحر الخ) أي يجب عليه القضاء دون الكفارة لان الجناية قاصرة وهي جناية عدم التثبيت لا جناية الافطار لأنه لم يقصده، ولهذا صرحوا بعدم الاثم عليه كما قالوا في القتل الخطأ: لا إثم فيه، والمراد إثم القتل، وصرحوا بأن فيه إثم ترك العزيمة والمبالغة في التثبيت حالة الرمي. بحر عن الفتح. قلت: لكن الظاهر عدم الاثم هنا أصلا بدليل عدم وجوب الكفارة هنا ووجوبها في القتل والخطأ لوجود الاثم فيه، لأنها مكفرة للإثم. قوله: (أي الوقت الخ) إطلاق اليوم على مطلق الوقت الشامل لليل مجاز مشهور مثل: ركب يوم يأتي العدو، والداعي إليه هنا قوله: أو تسحر. قوله: (ليلا) ليس بقيد لأنه لو ظن الطلوع وأكل مع ذلك ثم تبين صحة ظنه، فعليه القضاء، ولا كفارة لأنه بنى الامر على الأصل فلم تكمل الجناية، فلو قال: ظنه ليلا أو نهارا لكان أولى، وليس له أن يأكل لان غلبة الظن كاليقين. بحر. وأجاب في النهر بأنه قيد بالليل ليطابق قوله أو تسحر اه. قلت: مراد البحر أنه غير قيد من حيث الحكم والتسحر، وإن كان الاكل في السحر، لكن سمي به باعتبار احتمال وقوعه فيه، وإلا لزم أن لا يصح التعبير به، ولو ظن بقاء الليل لان فرض المسألة وقوعه بعد الطلوع والاكل بعد الطلوع لا يسمى سحورا، فلولا الاعتبار المذكور لم يصح قوله: أو تسحر فتدبر. قوله: (لف ونشر) أي مرتب كما في بعض النسخ. قوله: (ويكفي) أي لاسقاط الكفارة الشك في الأول: أي في التسحر، لان الأصل بقاء الليل، فلا يخرج بالشك. إمداد.
445 فكان على المتن أن يعبر هنا بالشك كما قال في نور الايضاح: أو تسحر أو جامع شاكا في طلوع الفجر وهو طالع، ثم يقول: أو ظن الغروب قال في النهر: ولا يصح أن يراد بالظن هنا ما يعم الشك كما زعم في البحر لعدم صحته في الشق الثاني، فإنه لا يكفي فيه الشك، فالصواب إبقاء الظن على بابه، غاية الأمر أن يكون المتن ساكتا عن الشك ولا ضير فيه اه ح. أقول: في وجوب الكفارة مع الشك في الغروب اختلاف المشايخ كما نقله في البحر عن شرح الطحاوي، ونقل أيضا عن البدائع تصحيح عدم الوجوب فيما إذا غلب على رأيه عدم الغروب، لان احتمال الغروب قائم فكان شبهة، والكفارة لا تجب مع الشبهة اه. ولا يخفى أن هذا يقتضي تصحيح القول بعدم الوجوب عند الشك في الغروب بالأولى، لكن ذكر في الفتح: أن مختار الفقيه أبي جعفر لزوم الكفارة عند الشك، لان الثابت حال غلبة الظن بالغروب شبهة الإباحة لا حقيقتها، ففي حال الشك دون ذلك، وهو شبهة الشبهة وهي لا تسقط العقوبات، ثم قال في الفتح: هذا إذا لم يتبين الحال، فإن ظهر أنه أكل قبل الغروب فعليه الكفارة، ولا أعلم فيه خلافا اه. ولا يخفى أن كلامنا في الثاني وبه تأيد ما في النهر، ثم إن شبهة الشبهة إذا لم تعتبر عند الشك في الغروب يلزم عدم اعتبارها عند غلبة الظن بعدمه بالأولى، وبه يضعف ما في البدائع من تصيح عدم الوجوب، ولذا جزم الزيلعي بلزوم القضاء والكفارة، وكذا في النهاية. قوله: (عملا بالأصل فيهما) أي في الأول والثاني فإن الأصل في الأول بقاء الليل فلا تجب الكفارة، وفي الثاني بقاء النهار فتجب على إحدى الروايتين كما علمت. قوله: (ولم يتبين الحال) أي فيما لو ظن بقاء الليل أو شك فتسحر، وهذا مقابل قوله: والحال أن الفجر طالع، فإن المراد به التيقن حتى لو غلب على ظنه أنه أكل بعد طلوع الفجر لا قضاء عليه في أشهر الروايات. بحر. فهذا داخل في عدم التبين. قوله: (لم يقض) أي في مسألة الظن أو الشك في بقاء الليل، لان الأصل بقاؤه فلا يخرج بالشك. بحر. وأما مسألة الظن أو الشك في الغروب مع التبيين أو عدمه فسنذكرها. قوله: (في ظاهر الرواية) فيه أنه ذكره الزيلعي وصاحب البحر بلا حكاية خلاف، وهذا وهم سرى إليه من مسألة ذكرها الزيلعي وهي: ما إذا غلب على ظنه طلوع الفجر فأكل ثم لم يتبين شئ، فإنه لا شئ عليه في ظاهر الرواية، وقيل يقضي احتياطا. أفاده ح. قوله: (تتفرع إلى ستة وثلاثين) هذا على ما في النهر، قال: لأنه إما أن يغلب على ظنه أو يظن أو يشك، وكل من الثلاثة إما أن يكون في وجود المبيح أو قيام المحرم فهي ستة، وكل منها على ثلاثة، إما أن يتبين له صحة ما بدا له أو بطلانه أولا ولا، وكل من الثمانية عشر إما أن يكون في ابتداء الصوم أو في انتهائه فتلك ستة وثلاثون اه. وفيه نظر لأنه فرق في التقسيم الأول بين الظن وغلبته، ولا فائدة له لاتحادهما حكما وإن اختلفا مفهوما، فإن مجرد ترجح أحد طرفي الحكم عند العقل هو أصل الظن، فإن زاد ذلك الترجح حتى قرب من اليقين سمي غلبة الظن وأكبر الرأي فلذا جعلها في البحر أربعة وعشرين. ويرد عليهما أنه لا وجه لجعل الشك تارة في وجود المبيح وتارة في وجود المحرم، لان
446 الشك في أحدهما شك في الآخر لاستواء الطرفين في الشك، بخلاف الظن فإنه إنما صح تعلقه بالمبيح تارة وبالمحرم أخرى لان له نسبة مخصوصة إلى أحد الطرفين، فإذا تعلق الظن بوجود الليل لا يكون متعلقا بوجود النهار وبالعكس. فالحق في التقسيم أن يقال: إما أن يظن وجود المبيح أو وجود المحرم، أو يشك وكل من الثلاثة إما أن يكون في ابتداء الصوم أو انتهائه، وفي كل من الستة إما أن يتبين وجود المبيح أو وجود المحرم أو لا يتبين، فهي ثمانية عشر تسعة في ابتداء الصوم وتسعة في انتهائه، ويشهد لذلك أن الزيلعي لم يذكر غير ثمانية عشر وذكر أحكامها، وهي أنه إن تسحر على ظن بقاء الليل: فإن تبين بقاؤه أو لم يتبين شئ فلا شئ عليه، وإن تبين طلوع الفجر فعليه القضاء فقط، ومثله الشك في الطلوع. وإن تسحر على ظن طلوع الفجر: فإن تبين الطلوع فعليه القضاء فقط، وإن لم يتبين شئ فلا شئ عليه في ظاهر الرواية. وقيل يقضي فقط، وإن تبين بقاء الليل فلا شئ عليه فهذه تسعة في الابتداء. وإن ظن غروب الشمس: فإن تبين عدمه فعليه القضاء فقط، وإن تبين الغروب أو لم يتبين شئ فلا شئ عليه، وإن شك فيه فإن لم يتبين شئ فعليه القضاء. وفي الكفارة روايتان. وإن تبين عدمه فعليه القضاء والكفارة، وإن تبين الغروب فلا شئ عليه، وإن ظن عدمه: فإن تبين عدمه أو لم يتبين شئ فعليه القضاء والكفارة، وإن تبين الغروب فلا شئ عليه، وهذه تسعة في الانتهاء. والحاصل: أنه لا يجب شئ في عشر صور، ويجب القضاء فقط في أربع، والقضاء والكفارة في أربع. أفاده ح. قوله: (في الصور كلها) أي المذكور وتحت قوله: وإن أفطر خطأ الخ لا صور التفريع. قوله: (فقط) أي بدون كفارة. قوله: (كما لو شهدا الخ) أي فلا كفارة لعدم الجناية، لأنه اعتمد على شهادة الاثبات ط. قوله: (لان شهادة النفي لا تعارض الاثبات) لان البينات للاثبات لا للنفي فتقبل شهادة المثبت لا النافي. بحر: أي لان المثبت معه زيادة علم، وإذا لغت النافية بقية المثبتة فتوجب الظن، وبه اندفع ما أورد أن تعارضهما يوجب الشك، وإذا شك في الغروب ثم ظهر عدمه تجب الكفارة كما مر، لكن قال في الفتح: وفي النفس منه شئ يظهر بأدنى تأمل. قلت: ولعل وجهه أن شهادة النفي إنما لم تقبل في الحقوق لان الأصل العدم فلم تفد شيئا زائدا، بخلاف المثبتة، لكن هنا النافية تورث شبهة فينبغي أن تسقط بها الكفارة. وفي البزازية: ولو شهد واحد على الطلوع وآخران على عدمه لا كفارة اه. تأمل. مطلب في جواز الافطار بالتحري تتمة: في تعبير المنصف كغيره بالظن إشارة إلى جواز التسحر والافطار بالتحري، وقيل لا يتحرى في الافطار وإلى أنه يتسحر بقول عدل، وكذا بضرب الطبول، واختلف في الديك. وأما الافطار فلا يجوز بقول الواحد بل بالمثنى. وظاهر الجواب أنه لا بأس به إذا كان عدلا صدقه كما في الزاهدي، وإلى أنه لو أفطر أهل الرستاق بصوت الطبل يوم الثلاثين ظانين أنه يوم العيد وهو لغيره لم يكفروا كما في المنية. قهستاني. قلت: ومقتضى قوله لا بأس بالفطر بقول عد صدقه أنه لا يجوز إذا لم يصدقه، ولا بقول
447 المستور مطلقا، وبالأولى سماع الطبل أو المدفع الحادث في زماننا لاحتمال كونه لغيره، ولان الغالب كون الضارب غير عدل فلا بد حينئذ من التحري فيجوز، لان ظاهر مذهب أصحابنا جواز الافطار بالتحري كما نقله في المعراج عن شمس الأئمة السرخسي، لان التحري يفيد غلبة الظن، وهي كاليقين كما تقدم، فلو لم يتحر لا يحل له الفطر لما في السراج وغيره: لو شك في الغروب لا يحل له الفطر، لان الأصل بقاء النهار اه. وفي البحر عن البزازية: ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه الغروب وإن أذن المؤذن اه. وقد يقال: إن المدفع في زماننا يفيد غلبة الظن وإن كان ضاربه فاسقا، لان العادة الموقت يذهب إلى دار الحكم آخر النهار فيعين له وقت ضربه ويعينه أيضا للوزير وغيره، وإذا ضربه يكون ذلك بمراقبة الوزير وأعوانه للوقت المعين، فيغلب على الظن بهذه القرائن عدم الخطأ وعدم قصد الافساد، وإلا لزم تأثيم الناس وإيجاب قضاء الشهر بتمامه عليهم، فإن غالبهم يفطر بمجرد سماع المدفع من غير تحر ولا غلب ظن، والله تعالى أعلم. قوله: (مرة بعد أخرى الخ) ظاهره أنه بالمرة الثانية تجب عليه الكفارة ولو حصل فاصل بأيام، وأنه إذا لم يقصد المعصية وهي الافطار لا تجب ط. قوله: (والأخيران) أي من تسحر وأفطر يظن الوقت ليلا الخ. وقد تبع المصنف بذلك صاحب الدرر، ولا وجه لتخصيصه كما أشار إليه الشارح فيما يأتي. قوله: (قوله على الأصح) وقيل يتحسب. فتح. وأجمعوا على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر، وعلى لزومه لمن أفطر خطأ أو عمدا أو يوم الشك ثم تبين أنه رمضان. ذكره قاضيخان شرنبلالية. قوله: (لان الفطر) أي تناول صورة المفطر، وإلا فالصوم فاسد قبله، وأشار إلى قياس من الشكل الأول ذكر فيه مقدمتا القياس وطويت فيه النتيجة وتقريره هكذا: الفطر قبيح شرعا وكل قبيح شرعا تركه واجب، فالفطر تركه واجب، فافهم. قوله: (كمسافر أقام) أي بعد نصف النهار أو قبله بعد الاكل، أما قبلهما فيجب عليه الصوم وإن كان نوى الفطر كما سيأتي متنا في الفصل الآتي، والأصل في هذه المسائل أن كل من صار في آخر النهار بصفة لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم فعليه الامساك كما في الخلاصة والنهاية والعناية، لكنه غير جامع إذ لا يدخل فيه من أكل في رمضان عمدا، لان الصيرورة للتحول ولو لامتناع ما يليه، ولا يتحقق المفاد بهما فيه. نهر أي لأنه لم يتجدد له حالة بعد فطره لم يكن عليها قبله، وكذا لا يدخل فيه من أصبح يوم الشك مفطرا أو تسحر على ظن الليل أو أفطر كذلك، ولذا ذكر في البدائع الأصل المذكور ثم قال: وكذا كل من وجب عليه الصوم لوجود سبب الوجوب والأهلية ثم تعذر عليه المضي بأن أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين طلوعه، إنه يجب عليه الامساك (1) تشبها اه. فقد جعل لوجوب الامساك أصلين تتفرع عليهما الفروع، وقد حاول
(1) قوله: (فإنه يجب عليه الامساك الخ) لا يقال هذا مخالف لما مر من اجماعهم على عدم وجوب الامساك في الحائض والنفساء والمريض والمسافر لان الكلام هناك في حال قيام الحيض وأخواته وهنا بعد زوال الاعذار تأمل ا ه. 448 في الفتح تصحيح الأصل الأول فأبدل صار بتحقق لكنه أتى ب (لو) الامتناعية فلم يتم له ما أراده كما أفاده في البحر والنهر. قوله: (طهرتا) أي بعد الفجر أو معه. فتح. قوله (ومجنون أفاق) أي بعد الاكل أو بعد فوات وقت النية، وإلا فإذا نوى صح صومه كما يأتي، والظاهر وجوبه عليه كالمسافر. قوله: (ومفطر) عبر به إشارة إلى أنه لا فرق بين مفطر ومفطر وأنه لا وجه لقول المصنف والأخيران يمسكان كما مر. أفاده ح. قوله: (وإن أفطرا) أخذه من قول البحر: سواء أفطرا في ذلك اليوم أو صاماه، لكن لا يخفى أن صوم الكافر لا يصح لفقد شرطه وهو النية المشروطة بالاسلام، فالمراد صومه بعد إسلامه إذا أسلم في وقت النية. قوله: (لعدم أهليتهما) أي لأصل الوجوب، بخلاف الحائض فإنها أهل له، وإنما سقط عنها وجوب الأداء فلذا وجب عليها القضاء، ومثلها المسافر والمريض والمجنون. قوله: (وهو السبب في الصوم) أي السبب لصوم كل يوم، وهذا على خلاف ما اختاره السرخسي ومشى عليه المصنف أول الكتاب من أنه شهود جزء من الشهر من ليل أو نهار، وقيد بالصوم لان السبب في الصلاة الجزء المتصل بالأداء، ولهذا لو بلغ أو أسلم في أثناء الوقت وجبت عليه لوجود الأهلية عند السبب وهي معدومة في أول جزء من اليوم، فلذا لم يجب صومه خلافا لزفر، وأورد في الفتح أنه لو كان السبب فيه هو الجزء الأول لزم أن لا يجب الامساك فيه، لأنه لا بد أن يتقدم السبب على الوجوب، وإلا لزم سبق الوجوب على السبب. وأجاب في البحر بأن اشتراط التقدم هنا سقط للضرورة وتمام تحقيقه فيه، وقدمنا شيئا منه أول الكتاب. قوله: (لكن لو نويا الخ) أي الأخيران، وهو استدراك على ما فهم من إمساكهما وهو أنه لا يصح صومهما، فأفاد أنه لا يصح عن الفرض في ظاهر الرواية، خلافا لأبي يوسف، ويصح نفلا لو نويا قبل الزوال حتى لو أفسداه وجب قضاؤه، وجه ظاهر الرواية ما في الهداية من أن الصوم لا يتجزى وجوبا، وأهلية الوجوب معدومة في أوله اه. ثم إن صحة نية النفل خصها في البحر عن الظهيرية بالصبي، بخلاف الكافر لأنه ليس أهلا للتطوع والصبي أهل له. وذكر في الفتح أن أكثر المشايخ على هذا الفرق، ومثله في النهاية، فما هنا قول البعض. قوله: (قبل الزوال) المراد به نصف النهار، وهذه العبارة وقعت في أغلب الكتب في كثير من المواضع تسامحا أو على القول الضعيف. قوله: (صح عن الفرض) لان الجنون الغير المستوعب بمنزلة المرض لا يمنع الوجوب. شرنبلالية. وكل من المسافر والمريض أهل للوجوب في أول الوقت وإن سقط عنهما وجوب الأداء، بخلاف من بلغ أو أسلم كما قدمناه. قوله: (ولو نوى الحائض والنفساء) قبل نصف النهار إذا طهرتا فيه. قوله: (لم يصح أصلا) أي لا فرضا ولا نفلا. شرنبلالية. قوله: (للمنافي الخ) أي فإن كلا من الحيض والنفاس مناف لصحة الصوم مطلقا، لان فقدهما شرط لصحته، ولا صوم عبادة واحدة لا يتجزى، فإذا وجد المنافي في أوله تحقق حكمه في باقيه، وإنما صح النفل ممن بلغ
449 أو من أسلم على قول بعض المشايخ لان الصبا غير مناف أصلا للصوم، والكفر وإن كان منافيا لكن يمكن رفعه، بخلاف الحيض والنفاس. هذا ما ظهر لي، وعلى قول أكثر المشايخ لا يحتاج إلى الفرق. قوله: (ويؤمر الصبي) أي يأمره وليه أو وصيه والظاهر منه الوجوب، وكذا ينهى عن المنكرات ليألف الخير ويترك الشر. ط. قوله: (إذا أطاقه) يقال أطاقه وطاقه طوقا: إذا قدر عليه، والاسم الطاقة كما في القاموس. قال ط: وقدر بسبع، والمشاهد في صبيان زماننا عدم إطاقتهم الصوم في هذا السن اه. قلت يختلف ذلك باختلاف الجسم واختلاف الوقت صيفا وشتاء، والظاهر أنه يؤمر بقدر الإطاقة إذا لم يطق جميع الشهر. قوله: (ويضرب) أي بيد لا بخشبة، ولا يجاوز الثلاث، كما قيل به في الصلاة وفي أحكام الاتسروشني الصبي إذا أفسد صومه لا يقضي لأنه يلحقه في ذلك مشقة بخلاف الصلاة فإنه يؤمر بالإعادة لأنه لا يلحقه مشقة. قوله: (وإن جامع الخ) شروع في القسم الثالث وهو ما يوجب القضاء والكفارة، ووجوبها بما يأتي من كونه عمدا لا مكرها ولم يطرأ مبيح للفطر كحيض ومرض بغير صنعه، وبما إذا نوى ليلا. قوله: (المكلف) خرج الصبي والمجنون لعدم خطابهما. قوله: (آدميا) خرج الجني أبو السعود، والظاهر وجوب القضاء بالانزال وإلا فلا، كما لا يجب الغسل بدونه. قوله: (مشتهى) أي على الكمال فلا كفارة بجماع بهيمة أو ميتة ولو أنزل. بحر. بل ولا قضاء ما لم ينزل كما مر. وفي الصغير خلا ف، وقيل: لا تجب الكفارة بالاجماع، وقدمنا أنه الأوجه. قوله: (في رمضان) أي نهارا، وفيه إشارة إلى أنه لو طلع الفجر وهو مواقع فنزع لم يكفر كما لو جامع ناسيا. وعن أبي يوسف: إن بقي بعد الطلوع كفر، وإن بقي الذكر لا، وعليه القضاء. قسهتاني. وقدمناه مفصلا. قوله: (أداء) يغني عنه قوله: في رمضان لان المراد به الشهر، وكأنه أراد به الصوم ليشمل القضاء ويحتاج إلى إخراجه. تأمل. قوله: (لما مر) أي من أن الكفارة إنما وجبت لهتك حرمة شهر رمضان، فلا تجب بإفساد قضائه ولا بإفساد صوم غيره. قوله: (أو جومع) يشمل ما لو جامعها زوجها الصغير كما في مقتضى إطلاقهم، ولتصريحهم بوجوب الغسل عليها دونه. أفاده الرملي. وفي القهستاني: الرجل بجماع المشتهاة يكفر كالمرأة بالصبي والمجنون، وفي الصورتين اختلاف المشايخ كما في التمرتاشي اه. قوله: (وتوارت الحشفة) أي غابت، وهذا بيان لحقيقة الجماع لأنه لا يكون إلا بذلك ط. قوله: (في أحد السبيلين) أي القبل أو الدبر، وهو الصحيح في الدبر، والمختار أنه بالاتفاق. ولوالجية. لتكامل الجناية لقضاء الشهوة. بحر. قوله: (أنزل أولا) فإن الانزال شبع، وقضاء الشهوة يتحقق بدونه، وقد وجب به الحد وهو عقوبة محضة، فالكفارة التي فيها معنى العبادة أولى. بحر. قوله: (ما يتغذى به) أي ما من شأنه ذلك كالحنطة والخبز واللحم، وإنما عد الماء منه وهو لا يغذو لبساطته لأنه معين للغذاء. قهستاني. قوله: (وما نقله الشرنبلالي) حيث قال في حاشيته: اختلفوا فمعنى التغذي، قال بعضهم: إن يميل الطبع إلى أكله وتنقضي شهوة البطن به، وقال بعضهم: هو ما يعود نفعه إلى صلاح البدن وفائدته
450 فيما إذا مضغ لقمة ثم أخرجها ثم ابتلعها، فعلى الثاني يكفر لا على الأول، وبالعكس في الحشيشة لأنه لا نفع فيها للبدن، وربما تنقص عقله ويميل إليها الطبع وتنقضي بها شهوة البطن اه. ملخصا. وقال في النهر: إنه بعيد عن التحقيق، إذ بتقديره يكون قولهم أو دواء حشوا، والذي ذكره المحققون أن معنى الفطر وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف أعم من كونه غذاء أو دواء يقابل القول الأول، هذا هو المناسب في تحقيق محل الخلاف اه. أقول: وحاصله أن الخلاف في معنى الفطر لا التغذي، لكن ما نقله عن المحققين لا يلزم منه عدم وقوع الخلاف في معنى التغذي، ولكن التحقيق أنه لا خلاف فيه ولا في معنى الفطر، لأنهم ذكروا أن الكفارة لا تجب إلا بالفطر صورة ومعنى، ففي الاكل: الفطر صورة هو الابتلاع، والمعنى: كونه مما يصلح به البدن من غذاء أو دواء، فلا تجب في ابتلاع نحو الحصاة لوجود الصورة فقط، ولا في نحو الاحتقان لوجود المعنى فقط كما علله في الهداية وغيرها، وذكر في البدائع أنها تجب بإيصال ما يقصد به التغذي أو التداوي إلى جوفه من الفم بخلاف غيره، فلا تجب في ابتلاع الجوزة أو اللوزة الصحيحة اليابسة لوجود الاكل صورة لا معنى، لأنه لا يعتاد أكله فصار كالحصاة والنواة، ولا في أكل عجين أو دقيق لأنه لا يقصد به التغذي والتداوي، ولو أكل ورق شجر إن كان مما يؤكل عادة وجبت إلا وجب القضاء فقط وكذا لو خرج البزاق من فمه ثم ابتلعه، وكذا بزاق غيره لأنه مما يعاف منه، ولو بزاق حبيبه أو صديقه وجبت كما ذكره الحلواني لأنه لا يعافه. ولو أخرج لقمة ثم أعادها، قال أبو الليث: الأصح أنه لا كفارة لأنها صارت بحال يعاف منها اه ملخصا. ويظهر من ذلك أن مرادهم بما يتغذى به ما يكون فيه صلاح البدن بأن كان مما يؤكل عادة على قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ فالعجين والدقيق وإن كان فيه صلاح البدن والغذاء لكنه لا يقصد لذلك، واللقمة المخرجة كذلك لأنها لعيافتها خرجت عن الصلاحية حكما كما قالوا فيما لو ذرعه القئ وعاد بنفسه لا يفطر، لأنه ليس مما يتغذى به عادة لعيافته، بخلاف ريق الحبيب لأنه يتلذذ به كما قاله في أواخر الكنز فصار ملحق بما فيه صلاح البدن، ومثله الحشيشة المسكرة، ويؤيد ما قلنا أيضا ما في المحيط حيث ذكر أن الأصل أن الكفارة تجب متى أفطر بما يتغذى به لأنها للزجر، وإنما يحتاج للزجر عما يؤكل عادة، بخلاف غيره لان الامتناع عنه ثابت طبيعة كشرب الخمر يجب فيه الحد لأنه محتاج إلى الزجر، بخلاف شرب البول والدم، ثم كل ما يؤكل عادة مقصودا أو تبعا لغيره فهو مما يتغذى به، وأما غيره فملحق بما لا يتغذى به وإن كان في نفسه مغذيا والدواء ملحق بما يتغذى به لما فيه من صلاح البدن. ثم ذكر الفروع إلى أن قال في اللقمة: وإن أخرجها ثم أعادها فلا كفارة وهو الأصح، لأنها صارت بحال تستقذر ويعاف منها، فدخل القصور في معنى الغذاء اه ملخصا. ولكن يشكل على ذلك وجوب الكفارة بأكل اللحم النئ ولو من ميتة، إلا إذا أنتن ودود فإني لم أر من ذكر فيه خلافا مع أنه أشد عيافة من اللقمة المخرجة، اللهم إلا يقال: اللحم في ذاته مما يقصد به التغذي وصلاح البدن، بخلاف اللقمة المذكورة والعجين، وبخلاف ما إذا دود لأنه يؤذي البدن، فلا يحصل به صلاحه، هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل، والله تعالى أعلم. قوله: (عمدا) خرج المخطئ والمكره. بحر. قلت: وكذا الناسي لان المراد تعمد الافطار، والناسي وإن تعمد استعمال المفطر لم يتعمد
451 الافطار. قوله: (راجع للكل) أي كل ما ذكر من الجماع والأكل والشرب. قوله: (أي فعل الخ) أشار إلى أن الحكم ليس قاصرا على الحجامة ط. واحترز به عما لو فعل ما يظن الفطر به كما لو أكل أو جامع ناسيا أو احتلم أو أنزل بنظر أو ذرعه القئ فظن أنه أفطر فأكل عمدا فلا كفارة للشبهة كما مر. قوله: (بلا إنزال) أما لو أنزل فلا كفارة عليه بأكله عمدا لأنه أكل وهو مفطر ط. قوله: (أو إدخال أصبع) أي يابسة كما تقدم ح فلو مبتلة فلا كفارة لاكله بعد تحقق الافطار بالبلة ط. قوله: (ونحو ذلك) كأكلة بعد قبلة بشهوة أو مضاجعة ومباشرة فاحشة بلا إنزال. إمداد. قوله: (في الصور كلها) أي المذكورة في قوله: وإن جامع الخ. قوله: (وكفر) ترك بيان وقت وجوب القضاء والكفارة إشعارا بأنه على التراخي كما قال محمد. وقال أبو يوسف: إنه على الفور. وعن أبي حنيفة روايتان كما في التمرتاشي، وقيل بين رمضانين. وقال الكرخي: والأول الصحيح، وكذا لا يكره نفله كما في الزاهدي، وإنما قدم القضاء إشعارا بأنه ينبغي أن يقدمه على الكفارة ويستحب التتابع كما في الهداية. قهستاني. قوله: (لأنه الخ) علة لقوله أو احتجم الخ. قوله: (حتى الخ) تفريع على مفهوم قوله لأنه ظن في غير محله أي فلو كان الظن في محله فلا كفارة حتى لو أفتاه الخ ط. قوله: (يعتمد على قوله) كحنبلي يرى (1) الحجامة مفطرة. إمداد. قال في البحر: لان العامي يجب عليه تقليد العالم إذا كان يعتمد على فتواه، ثم قال: وقد علم من هذا أن مذهب العامي فتوى مفتية من غير تقييد بمذهب. ولهذا قال في الفتح: الحكم في حق العامي فتوى مفتية. وفي النهاية: ويشترط أن يكون المفتي ممن يؤخذ منه الفقه ويعتمد على فتواه في البلدة، وحينئذ تصير فتواه شبهة ولا معتبر بغيره اه. وبه يظهر أن يعتمد مبني للمجهول فلا يكفي اعتماد المستفتي وحده، فافهم. قوله: (أو سمع حديثا) كقوله (ص): أفطر الحاجم والمحجوم وهذا عند محمد لان قول الرسول ص) أقوى من قول المفتي، فأولى أن يورث شبهة، وعن أبي يوسف خلافه، لان على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث. زيلعي. قوله: (ولم يعلم تأويله) أما إن علم تأوله ثم أكل تجب الكفارة لانتفاء الشبهة، وقول الأوزاعي: إنه يفطر، لا يورث شبهة لمخالفته القياس مع فرض علم الآكل كون الحديث مؤولا، ثم تأويله أنه منسوخ أو أن اللذين قال فيهما (ص) ذلك كانا يغتابان، وتمامه في الفتح. وعلى الثاني فالمراد ذهاب الثواب كما يأتي. قوله: (ولم يثبت الأثر) عطف على أخطأ المفتي: أي وإن لم يثبت الأثر اه ح. والمراد غير حديث الحاجم والمحجوم فإنه ثابت صحيح، وأما أحاديث فطر المغتاب فكلها مدخولة كما في الفتح. وفيه عن البدائع: ولو لمس أو قبل امرأة بشهوة أو ضاجعها ولم ينزل فظن أنه أفطر فأكل عمدا كان عليه
(1) قوله: (كحنبلي يرى الخ) ولضعف دليل الحنابلة لم نعتبر خلافهم مسقطا الكفارة مطلقا كما تقدم في خلاف مالك والشافعي بل قيدناه بالافتاء تأمل ا ه. اي ولان شبهه الاشتباه لم توجد هنا بخلاف الاكل ناسيا فان الاكل من حيث هو مناف للصوم، وكذلك ترك تبييت النية يوهم عدم صحة الصوم، وأيضا لم توجد صورة الافطار ولا معناه فيبعد توهم الافطار جدا فلذلك لم يعتبر هذا الخلاف شبهة مسقطة للكفارة مطلقا بل بعد الافتاء ا ه. 452 كفارة، إلا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فأفطر فلا كفارة عليه، وأن أخطأ الفقيه ولم يثبت الحديث، لان ظاهر الفتوى والحديث يعتبر شبهة اه. قوله: (إلا في الادهان) استثناء من قوله: لم يكفر يعني إن أدهن ثم أكل كفر لأنه معتمد، ولم يستند إلى دليل شرعي لأنه لا يعتد بفتوى الفقيه أو بتأويله الحديث هنا، لان هذا مما لا يشتبه على من له سمة من الفقه. نقله الكمال عن البدائع. لكن يخالفه ما في الخانية من أن الذي اكتحل ودهن نفسه أو شاربه ثم أكل متعمدا عليه الكفارة إلا إذا كان جاهلا فأفتى له الفطر اه. قال في الامداد: فعلى هذا يكون قولنا: إلا إذا أفتاه فقيه، شاملا لمسألة دهن الشارب اه. وهو كما ترى مرجح لعدم الاستثناء فالأولى للشارح تركه ح. قلت: لكن ما نذكره عن الخانية وغيرها في الغيبة يؤيد ما في البدائع. قوله: (وكذا الغيبة) لان الفطرة بها يخالف القياس والحديث، وهو قوله (ص): ثلاث تفطر الصائم مؤول بالاجماع بذهاب الثواب، بخلاف حديث الحجامة فإن بعض العلماء أخذ بظاهره مثل الأوزاعي وأحمد. إمداد. ولم يعتد بخلاف الظاهرية في الغيبة لأنه حدث بعد ما مضى السلف على تأويله بما قلنا. فتح. وفي الخانية: قال بعضهم: هذا والحجامة سواء. وعامة المشايخ قالوا: عليه الكفارة على كل حال، لان العلماء أجمعوا على ترك العمل بظاهر الحديث وقالوا: أراد به ثواب الآخرة، وليس في هذا قول معتبر، فهذا ظن ما استند إلى دليل فلا يورث شبهة اه. ونحوه في السراج، وكذا في الفتح عن البدائع، وجزم به في الهداية أيضا وشروحها. قال الرحمتي: وإذا لم يعد الحديث والفتوى شبهة في الغيبة فعدهن الشارب أولى اه. قلت: ولذا سوى بينهما في الفتح عن البدائع، وكذا في المعراج عن المبسوط. قوله: ( للشبهة) قد علمت أن ما خالف الاجماع لا يورث شبهة، والعمل على ما عليه الأكثر، والله تعالى أعلم. مطلب في الكفارة قوله: (ككفارة المظاهر) مرتبط بقوله: وكفر أي مثلها في الترتيب فيعتق أولا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا لحديث الاعرابي المعروف في الكتب الستة، فلو أفطر وللعذر استأنف إلا لعذر الحيض وكفارة القتل يشرط في صومها التتابع أيضا، وهكذا كل كفارة شرع فيها العتق. نهر. وتمام فروع المسألة في البحر، وفيه أيضا: ولا فرق في وجوب الكفارة بين الذكر والأنثى والحر والعبد والسلطان وغيره، ولهذا صرح في البزازية بالوجوب على الجارية فيما لو أخبرت سيدها بعدم طلوع الفجر عالمة بطلوعه فجامعها مع عدم الوجوب عليه وبأنه إذا لزمت السلطان، وهو موسر بماله الحلال وليس عليه تبعة لاحد يفتي بإعتاق الرقبة. وقال أبو نصر محمد بن سلام: يفتى بصيام شهرين، لان المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه إفطار شهر وإعتاق رقبة فلا يحصل الزجر اه. قوله: (ومن ثم) أي من أجل ثبوت كفارة الظهار بالكتاب وثبت كفارة الافطار بالسنة، شبهوا الثانية لكونها أدنى حالا بالأولى لقوتها بثبوتها بالكتاب ط. ومقتضاه الإكفار بإنكارها دون الأولى، يؤيده أنه في الفتح ذكر أن سعيد بن جبير ذهب إلى أنها منسوخة.
453 تنبيه: في التشبيه إشارة إلى أنه لا يلزم كونها مثلها من كل وجه، فإن المسيس في أثنائها يقطع التتابع في كفارة الظهار مطلقا عمدا أو نسيانا ليلا أو نهارا للآية، بخلاف كفارة الصوم والقتل فيه فإنه لا يقطعه فيهما إلا الفطر بعذر أو بغير عذر، فتأمل، فقد زلت بعض الاقدام في هذا المقام. رملي ونحوه القهستاني. وأراد بغير العذر ما سوى الحيض. والحاصل: أنه لا يقطع التتابع هنا الوطئ ليلا عمدا أو نهارا ناسيا، بخلاف كفارة الظهار. قوله: (إن نوى ليلا) أي بنية معينة لما مر من خلاف الشافعي فيهما فكان شبهة لسقوط الكفارة. قوله: (ولم يكن مكرها) أي ولو على الجماع كما مر، ولو كانت هي المكرهة لزوجها عليه، وعليه الفتوى كما في الظهيرية خلافا لما في الاختيار من وجوبها عليهما لو الاكراه منها كما في بعض نسخ البحر. قوله: (ولم يطرأ) أي بعد إفطاره عمدا مقيما ناويا ليلا فتجب الكفارة لولا المسقط. قوله: (مسقط) أي سماوي لا صنع له فيه ولا في سببه. رحمتي. قوله: (كمرض) أي مبيح للافطار. قوله: (والمعتمد لزومها) أي بعد ذلك لأنه فعل عبد، والأولى أن يقول: عدم سقوطها لأنها كانت لازمة والخلاف في سقوطها، وقيد بالسفر مكرها إذ لو سافر طائعا بعدما أفطر اتفقت الروايات على عدم سقوطها، أما لو أفطر بعدما سافر لم تجب. نهر: أي وإن حرم عليه لو سافر بعد الفجر كما يأتي. قوله: (وفي المعتاد) عطف على قوله فيما وهو اسم مفعول فيه ضمير هو نائب الفاعل عائد على الموصوف: أي الشخص العتاد. وحمى بغير تنوين مفعول به منصوب (1) بفتحة مقدرة على ألف التأنيث المقصورة، وحيضا معطوف عليه: أي واختلف في الشخص الذي اعتاد حمى وحيضا، والواو بمعنى أو. وفي بعض النسخ وحيض فيحتمل أنه مرفوع أو مجرور، لكن الجر غير جائز لان إضافة الوصف المفرد إلى معموله المجرد من أل لا تجوز، وأما الرفع فعلى إسناد المعتاد إلى الحمى والحيض: أي الذي اعتاده حمى وحيض والأصوب النصب. وقوله: والمتيقن اسم فاعل مجرور بالعطف على معتاد وقتال مفعول. قوله: (لو أفطر) أي كل من المعتاد والمتيقن. قوله: (والمعتمد سقوطها) كذا صححه في البزازية وقاضيخان في شرح الجامع الصغير في المعتاد حمى وحيضا، وشبهه بمن أفطر على ظن الغروب، ثم ظهر عدمه، وعليه مشى الشرنبلالي، وهو مخالف لما في البحر حيث قال: وإذا أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض الأظهر وجوب الكفارة، كما لو أفطر على ظن أنه يوم مرضه اه. وكتبت فيما علقته عليه جعل الثانية مشبها بها لأنها بالاجماع، بخلاف مسألة الحيض فإن فيها اختلاف المشايخ، والصحيح الوجوب كما نص على ذلك في التاترخانية اه. ولذا جزم بالوجوب في المسألتين في السراج والفيض.
(1) قوله: (مفعول به منصوب الخ) فيه ان المفعول هو ضمير الشخص المرفوع بالنيابة وحينئذ فلا وجه لنصب حمى لان معتاد لا يتعدى الا لمفعول واحد ولا لرفعه وهذا مشكل. وقال شيخنا أيضا ان معتاد اسم فاعل أصله معتيد بكسر عينه والفاعل ضمير مستتر فيه يعود على الشخص وحمى وحيضا منصوبان على المفعولية قد يكون اسم مفعول كما قيل في مختار ا ه. 454 والحاصل: اختلاف التصحيح فيهما، ولم أر من ذكر خلافا في سقوطها عمن تيقن قتال عدو والفرق كما في جامع الفضولين أن القتال يحتاج إلى تقديم الافطار ليتقوى، بخلاف المرض. قوله: (ولم يكفر للأول) أما لو كفر فعليه أخرى في ظاهر الرواية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأولى. بحر. قوله: (وعليه الاعتماد) نقله في البحر عن الاسرار، ونقل قبله عن الجوهرة لو جامع في رمضانين فعليه كفارتان وإن لم يكفر للأولى في ظاهر الرواية وهو الصحيح اه. قلت: فقد اختلف الترجيح كما ترى، ويتقوى الثاني بأنه ظاهر الرواية. قوله: (إن الفطر) إن شرطية ح. قوله: (وإلا لا) أي وإن كان الفطر المتكرر في يومين بجماع لا تتداخل الكفارة وإن لم يكفر للأول لعظم الجناية، ولذا أوجب الشافعي الكفارة به دون الأكل والشرب. قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) قال في الوهبانية: ولو أكل الانسان عمدا وشهوة ولا عذر فيه قيل بالقتل يؤمر قال الشرنبلالي: صورتها: تعمد من لا عذر له الاكل جهارا يقتل لأنه مستهزئ بالدين أو منكر لما ثبت منه بالضرورة، ولا خلاف في حل قتله والامر به، فتعبير المؤلف بقيل ليس بلازم الضعف اه ح. قوله: (وإن ذرعه القئ) أي غلبه وسبقه. قاموس. والمسألة تتفرع إلى أربع وعشرين صورة، لأنه إما أن يقئ أو يتقئ وفي كل إما أن يملا الفم أو دونه، وكل من الأربعة إما إن خرج أو عاد أو أعاده، وكل إما ذاكر لصومه أو لا، ولا فطر في الكل على الأصح إلا في الإعادة والاستقاء بشرط الملء مع التذكر شرح المنتقى. قوله: (ولو هو ملء الفم) أتى بلو مع أن ما دون ملء الفم مفهوم بالأولى لأجل التنصيص عليه، لان المعطوف عليه في حكم المذكور فافهم. وأطلق لو ملء الفم فشمل ما لو كان متفرقا في موضع واحد بحيث لو جمع ملا الفم كما في السراج. قوله: (لا يفسد) أي عند محمد، وهو الصحيح لعدم وجود الصنع ولعد وجود صورة الفطر وهو الابتلاع، وكذا معناه لا يتغذى به بل النفس تعافه بحر. قوله: (وإن أعاده) أي أعاد ما قاءه الذي هو ملء الفم. قوله: (أو قدر حمصة منه فأكثر) أشار إلى أنه لا فرق بين إعادة كله أو بعضه إذا كان أصله ملء الفم. قال الحدادي في السراج: مبني الخلاف أن أبا يوسف يعتبر ملء الفم، ومحمدا يعتبر الصنع، ثم ملء الفم له حكم الخارج، وما دونه ليس بخارج لأنه يمكن ضبطه. وفائدته تظهر في أربع مسائل: إحداها إذا كان أقل من ملء الفم وعاد أو شئ منه قدر الحمصة لم يفطر إجماعا، أما عند أبي يوسف فإنه ليس بخارج لأنه أقل من الملء، وعند محمد لا صنع له في الادخال. والثانية: إن كان ملء الفم وأعاده أو شيئا منه قدر الحمصة فصاعدا أفطر إجماعا لأنه خارج أدخله جوفه ولوجود الصنع. والثالثة: إذا كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر عند محمد للصنع لا عند أبي يوسف لعدم الملء. والرابعة: إذا كان ملء الفم وعاد بنفسه أو شئ منه كالحمصة فصاعدا أفطر عند أبي يوسف لوجود الملء لا عند محمد لعدم الصنع وهو
455 الصحيح اه. فمسألتنا الإعادة وهما الثانية والثالثة أولاهما إجماعية وهي التي ذكرها المصنف بقوله: وإن أعاده الخ والأخرى خلافية وهي التي ذكرها المصنف بقوله: وإلا لا ولا فرق فيهما بين إعادة الكل أو البعض، فافهم. قوله: (إن ملا الفم) قيد لافطاره إجماعا بالإعادة لكله أو لقدر حمصة منه. قوله: (وإلا لا) أي وأن لم يملا القئ الفم وأعاده كله أو بعضه لا يفسد صومه عند أبي يوسف، ولا ينافي ما قدمن أنه لو أعاد قدر حمصة منه أفطر إجماعا، لان ذاك فيما إذا كان القئ ملء الفم لأنه صار في حكم الخارج، لان الفم لا ينضبط عليه، وما كان في حكم الخارج لا فرق بين إعادة كله أو بعضه بصنعه، بخلاف ما دونه لأنه في حكم الداخل، فلا يفسد إلا إذا أعاده ولو قدر الحمصة منه بصنعه، وبه علم أن كلام الشارح صواب لا خطأ فيه بوجه من الوجوه، فافهم. قوله: (هو المختار) وفي الخانية: هو الصحيح وصححه كثير من العلماء. رملي. قوله: (قوله أي متذكرا لصومه) أشار به إلى أن الرد على صاحب غاية البيان حيث قال: إن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد لأنه لا يكون إلا مع العمد. وحاصل الرد أن المراد بالعمد تذكر الصوم لا تعمد القئ، فهو مخرج لما إذا فعل ذلك ناسيا فإنه لا يفطر. أفاده في البحر ط. وحاصله أن ذكر العمد لبيان تعمد الفطر بكونه ذاكرا لصومه، والاستقاء لا يفيد ذلك بل يفيد تعمد القئ. قوله: (مطلقا) أي سواء عاد أو أعاده، أو لا ولا ح. قال في الفتح: ولا يتأتى فيه تفريع العود والإعادة لأنه أفطر بمجرد القئ قبلهما. قوله: (وإن أقل لا) أي إن لم يعد ولم يعده بدليل قوله: فإن عاد بنفسه الخ ح. قوله: (وهو الصحيح) قال في الفتح: صححه في شرح الكنز: أي للزيلعي، وهو قول أبي يوسف. قوله: (لم يفطر) أي عند أبي يوسف لعدم الخروج، فلا يتحقق الدخول. فتح: أي لان ما دون ملء الفم ليس في حكم الخارج كما مر. قوله: (ففيه روايتان) أي وعن أبي يوسف، وعند محمد: لا يتأتى التفريع لما مر. تنبيه: لو استقاء مرارا في مجلس ملء فمه أفطر، لا إن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية، كذا في الخزانة، وتقدم في الطهارة أن محمدا يعتبر اتحاد السبب لا المجلس، لكن لا يتأتى هذا على قوله هنا خلافا لما في البحر لأنه يفطر عنده بما دون ملء الفم، فما في الخزانة على قول أبي يوسف. أفاده في النهر. قوله: (وهذا كله) أي التفصيل المتقدم ط. قوله: (أو مرة) بالكسر والتشديد وهي الصفراء أحد الطبائع الأربع كما مر في الطهارة. قوله: (أو دم) الظاهر أن المراد به الجامد، وإلا فما الفرق بينه (1) وبين الخارج من الأسنان إذا بلعه حيث يفطر لو غلب على
(1) قوله: (والا فما الفرق بينه الخ) قدر فرق شيخنا بينهما بما تقدم في نواقض الوضوء من أن الخارج من الأسنان دم حقيقة والصاعد من الجوف ليس بدم في الحقيقة بل في الصورة فقط في الحقيقة هو سوداء محترقة فله حكم قئ الطعام والماء ا ه. 456 البزاق أو ساواه أو وجد طعمه كما مر في أول الباب. قوله: (فإن كان بلغما) أي صاعدا من الجوف، أما إذا كان نازلا من الرأس، فلا خلاف في عدم إفساده الصوم كما لا خلا ف في عدم نقضه الطهارة. كذا في الشرنبلالية. ومقتضى إطلاقه أنه لا ينقض سواء كان ملء الفم أو دونه، وسواء عاد أو أعاده، أو لا ولا، والله أعلم بصحة هذا الاطلاق وبصحة قياسه على الطهارة فليراجع ح. قوله: (مطلقا) أي سواء قاء واستقاء وسواء كان ملء الفم أو دونه وسواء عاد أو أعاده أو لا ولا. وفي هذا الاطلاق أيضا تأمل ح. قوله: (خلافا للثاني) فإنه قال: إن استقاء ملء الفم فسد ح. قوله: (واستحسنه الكمال) حيث قال: وقول أبي يوسف هنا أحسن، وقولهما بعدم النقض به أحسن لان الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقئ عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة، فلا فرق بين البلغم وغيره، بخلاف نقض الطهارة اه. وأقره في البحر والنهر والشرح نبلالية، وهو مراد الشارح بقوله: وغيره فإنهم لما أقروه فقد استحسنوه، وقول ابن الهمام: لان الفطر إنما نيط بما يدخل أو بالقئ عمدا الخ، يؤيد النظر الذي قدمناه في إطلاق الشرنبلالية وإطلاق الشارح، فليتأمل بعد الإحاطة بتعليل الهداية. قوله: (إن مثل حمصة) هذا ما اختاره الصدر الشهيد، واختاره الدبوسي تقديره بما يمكن أن يبتلعه من غير استعانة بريق، واستحسنه الكمال لان المانع من الافطار ما لا يسهل الاحتراز عنه، وذلك فيما يجري بنفسه مع الريق لا فيما يتعمد في إدخاله اه. قوله: (لان النفس تعافه) فهو كاللقمة المخرجة، وقدمنا عن الكمال أن التحقيق تقييد ذلك بكونه ممن يعاف ذلك. قوله: (إلا إذا مضغ الخ) لأنها تلتصق بأسنانه فلا يصل إلى جوفه شئ ويصير تابعا لريقه. معراج. قوله: (كما مر) أي عند قوله: أو خرج دم بين أسنانه. قوله: (وهو) أي وجود الطعم في الحلق. قوله: (في كل قليل) في بعض النسخ في كل شئ والأولى أولى وهو الموافقة لعبارة الكمال. مطلب فيما يكره للصائم قوله: (وكره الخ) الظاهر أن الكراهة في هذه الأشياء تنزيهية. رملي. قوله: (قاله العيني) وتبعه في النهر، وقال: وجعل الزيلعي قيدا في الثاني فقط، والأولى أولى اه. قوله: (قوله ككون زوجها الخ) بيان للعذر في الأول، قال في النهر: ومن العذر في الثاني أن لا تجد من يمضغ لصبيها من حائض أو نفساء أو غيرهما ممن لا يصوم ولم تجد طبيخا. قوله: (ووفق في النهر) عبارته: وينبغي حمل الأول: أي القول بالكراهة على ما إذا وجد بدا، والثاني على ما إذا لم يجده وقد خشي الغبن اه. فقد قيد الكراهة بأن يجد بدا من شرائه: أي سواء خاف الغبن أو لا، فقول الشارح: ولم يخف غبنا مخالف لما في النهر، وقوله: وإلا لا أي وإن لم يجد بدا وخاف غبنا لا يكره في موافق
457 للنهر، فافهم. ومفهومه: أنه إذا لم يجد بدا ولم يخف غبنا يكره وهو ظاهر. قوله: (وهذا) أي الحكم بكراهة الذوق أو المضغ بلا عذر ط. قوله: (وإلا النفل) لأنه يباح فيه الفطر بالعذر اتفاقا، وبلا عذر في رواية الحسن: والثاني فالذوق أولى بعدم الكراهة لأنه ليس بإفطار، بل يحتمل أن يصير إياه، فتح، وغيره. قوله: (وفيه كلامه) أي لصاحب البحر. وحاصله: أن الكلام على ظاهر الرواية من عدم حل الفطر عند عدم العذر، فما كان تعريضا له للفطر يكره، أما على تلك الرواية فمسلم، وسيأتي أنها شاذة اه. وأجاب في النهر بأنه يمكن أن يقال: إنما لم يكره في النفل وكره في الفرض إظهارا لتفاوت الرتبتين اه. وأجاب الرملي أيضا بأنه يكره في الفرض لقوته فيجب حفظه وعدم تعريضه للفساد، فكره فيه ما يخشى منه الافضاء إليه، ولم يكره في النفل وإن لم تخل حقيقة الفطر فيه لأنه في أصله محض تطوع، والمتطوع أمير نفسه ابتداء، فهبطت مرتبته عن الفرض بعدم كراهة فعل ربما أفضى إلى الظفر من غير غلبة ظن فيه. قال: وهذا أولى مما في النهر، لان هذا يبطل العلة (1) المذكورة لهم، فتأمل اه. قوله: (وكره مضغ علك) نص عليه مع دخوله في قوله: وكره ذوق شئ ومضغه بلا عذر لان العذر فيه لا يتضح، فذكر مطلقا بلا عذر اهتماما. رملي. قلت: ولان العادة مضغه خصوصا للنساء لأنه سواكهن كما يأتي فكان مظنة عدم الكراهة في الصيام لتوهم أن ذلك عذر. قوله: (أبيض الخ) قيده بذلك، لان الأسود وغير الممضوغ وغير الملتئم، يصل منه شئ إلى الجوف. وأطلق محمد المسألة وحملها الكمال تبعا للمتأخرين على ذلك، قال: للقطع بأنه معلل بعدم الوصول، فإن كان مما يصل عادة حكم بالفساد لأنه كالمتيقن. قوله: (وكره للمضطرين) لان الدليل: أعني التشبه بالنساء، يقتضي الكراهة في حقهم خاليا عن المعارض. فتح. وظاهره أنها تحريمية ط. قوله: (إلا في الخلوة بعذر) كذا في المعراج عن البزودي والمحبوبي. قوله: (وقيل يباح) هو قول فخر الاسلام حيث قال: وفي كلام محمد إشارة إلى أنه لا يكره لغير الصائم، ولكن يستحب للرجال تركه إلا لعذر مثل أن يكون في فمه بخر اه. قوله: (لأنه سواكهن) لان بنيتهن ضعيفة قد لا تحتمل السواك فيخشى على اللثة والسن منه. فتح. قوله: (وكره قبلة الخ) جزم في السراج بأن القبلة الفاحشة بأن يمضع شفتيها تكره على الاطلاق: أي سواء أمن أو لا. قال في النهر: والمعانقة على التفصيل في المشهور، وكذا المباشرة الفاحشة في ظاهر الرواية. وعن محمد كراهتها مطلقا وهو رواية الحسن، وقيل وهو الصحيح اه. واختار الكراهة في الفتح، وجزم بها في الولوالجية بلا ذكر خلاف، وهي أن يعانقها وهما متجردان ويمس فرجه فرجها، بل قال في الذخيرة: إن هذا مكروه بلا خلاف لأنه يفضي إلى الجماع
(1) قوله: (لان هذا يبطل العلة الخ) اي التي بنوا الاعتراض عليها وهي ما ذكرها المحشي بقوله لان النفل يباح الفطر فيه بعذر اتفاقا وبلا عذر في رواية الحسن ووجه الابطال انه ذكر تعليلا لا يرد عليه الاعتراض فكأنه قال ليست العلة هي ما ذكرتم حتى يرد ما قلتم بل العلة كذا الخ ا ه. 458 غالبا اه. وبه علم أن رواية محمد بيان لكون ما في ظاهر الرواية من كراهة المباشرة ليس على إطلاقه، بهو محمول على غير الفاحشة، ولذا قال في الهداية: والمباشرة مثل التقبيل في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة اه. وبه ظهر أن ما مر عن النهر من إجراء الخلاف في الفاحشة ليس مما ينبغي، ثم رأيت في التاترخانية عن المحيط: التصريح بما ذكرته من التوفيق بين الروايتين، وأنه لا فرق بينهما ولله الحمد. قوله: (إن لم يأمن المفسد) أي الانزال أو الجماع. إمداد. قوله: (وإن أمن لا بأس) ظاهره أن الأولى عدمها، لكن قال في الفتح: وفي الصحيحين: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل ويباشر وهو صائم. وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سأله رجل عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب اه. قوله: (لا دهن شارب وكحل) بفتح الفاء مصدرين وبضمها اسمين، وعلى الثاني فالمعنى: لا يكره استعمالها، إلا أن الرواية هو الأول وتمامه في النهر. وذكر في الامداد أو الباب أنه يؤخذ من هذا أنه لا يكره للصائم شم رائحة المسك والورد ونحوه مما لا يكون جوهرا متصلا كالدخان فإنهم قالوا: لا يكره الاكتحال بحال، وهو شامل للمطيب وغيره، ولم يخصوه بنوع منه، وكذا دهن الشارب اه. مطلب في الفرق بين قصد الجمال وقصد الزينة قوله: (إذا لم يقصد الزينة) اعلم أنه لا تلازم بين قصد الجمال وقصد الزينة، فالقصد الأول لدفع الشين وإقامة ما به الوقار النعمة شكرا لا فخرا، وهو أثر أدب النفس وشهامتها، والثاني أثر ضعفها، وقالوا بالخضاب وردت السنة ولم يكن لقصد الزينة، ثم بعد ذلك إن حصلت زينة فقد حصلت في ضمن قصد مطلوب فلا يضره إذا لم يكن ملتفتا إليه. فتح. ولهذا قال في الولوالجية: لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر لان التكبر حرام، وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها اه. بحر. قوله: (أو تطويل اللحية) أي بالدهن. قوله: (وصرح في النهاية) الخ حيث قال: ما وراء ذلك يجب قطعه، هكذا عن رسول الله (ص): أنه كان يأخذ من اللحية من طولها وعرضها أورده أبو عيسى: يعني الترمذي في جامعه اه. ومثله في المعراج، وقد نقله عنها في الفتح وأقره. قال في النهر: وسمعت من بعض أعزاء الموالي أن قول النهاية يحب بالحاء المهملة، ولا بأس به اه. قال الشيح إسماعيل: ولكنه خلاف الظاهر واستعمالهم في مثله يستحب. قوله: (إلا أن يحمل الوجوب على الثبوت) يؤيده أن ما استدل به صاحب النهاية لا يدل على الوجوب، لما صرح به في البحر وغيره: إن كان بفعل لا يقتضي التكرار والدوام، ولذا حذف الزيلعي لفظ يجب وقال: وما زاد يقص. وفي شرح الشيخ إسماعيل: لا بأس بأن يقبض على لحيته، فإذا زاد على قبضته شئ جزه كما في المنية، وهو سنة كما في المبتغى. وفي المجتبى والينابيع وغيرهما: لا بأس بأخذ أطراف اللحية إذا طالت، ولا بنتف الشيب إلا على وجه التزيين، ولا بالأخذ من حاجبه وشعر وجهه ما لم يشبه فعل المخنثين، ولا يحلق شعر حلقه. وعن أبي يوسف: لا بأس به اه.
459 مطلب في الاخذ من اللحية قوله: (وأما الاخذ منها الخ) بهذا وفق في الفتح بين ما مر وبين ما في الصحيحين عن ابن عمر عنه (ص): أحفوا الشوارب واعفوا اللحى قال: لأنه صح عن ابن عمر راوي هذا الحديث أنه كان يأخذ الفاضل عن القبضة، فإن لم يحمل على النسخ كما هو أصلنا في عمل الراوي على خلاف مرويه مع أنه من غير الراوي، وعن النبي (ص) يحمل الاعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم، ويؤيده ما في مسلم عن أبي هريرة عنه (ص): جزوا الشورب واعفوا اللحى، خالفوا المجوس فهذه الجملة واقعة موقع التعليل، وأما الاخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة، ومخنثه الرجال فلم يبحه أحد اه ملخصا. مطلب في حديث التوسعة على العيال والاكتحال يوم عاشوراء قوله: (وحديث التوسعة الخ) وهو: من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها قال جابر: جربته أربعين عاما فلم يتخلف ط. وحديث الاكتحال هو ما رواه البيهقي وضعفه: من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا ورواه ابن الجوزي في الموضوعات: من اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة فتح. قلت: ومناسبة ذكر هذا هنا أن صاحب الهداية استدل على عدم كراهة الاكتحال للصائم بأنه عليه الصلاة والسلام قد ندب إليه يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه. قال في النهر: وتعقبه ابن العز بأنه لم يصح عنه (ص) في يوم عاشوراء غير صومه، وإنما الروافض لما ابتدعوا إقامة المأتم وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين قتل فيه ابتدع جهلة أهل السنة إظهار السرور واتخاذ الحبوب والأطعمة والاكتحال، ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال وفي التوسعة فيه على العيال اه. وهو مردود بأن أحاديث الاكتحال فيه ضعيفة لا موضوعة، كيف وقد خرجها في الفتح. ثم قال: فهذه عدة طرق إن لم يحتج بواحد منها، فالمجموع يحتج به لتعدد الطرق، وأما حديث التوسعة فرواه الثقاة، وقد أفرده ابن القرافي في جزء خرجه فيه اه. ما في النهر. وهو مأخوذ من الحواشي السعدية، لكنه زاد عليه ما ذكره في أحاديث الاكتحال وما ذكره عن الفتح، وفيه نظر، فإنه في الفتح ذكر أحاديث الاكتحال للصائم من طرق متعددة بعضها مقيد بعاشوراء، وهو ما قدمناه عنه، وبعضها مطلق، فمراده الاحتجاج بمجموع أحاديث الاكتحال للصائم، ولا يلزم منه الاحتجاج بحديث الاكتحال يوم عاشوراء، كيف وقد جزم بوضعه الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة وتبعه غيره منهم منلا علي القاري في كتاب الموضوعات، ونقل السيوطي في الدرر المنتثرة عن الحاكم أنه منكر. وقال الجراحي في كشف الخفا ومزيل الالباس: قال الحاكم أيضا: الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبي (ص) فيه أثر، وهو بدعة، نعم حديث التوسعة ثابت صحيح كما قال الحافظ السيوطي في الدرر. قوله: (كما زعمه ابن عبد العزيز) الذي في النهر والحواشي السعدية ابن العز. قلت: وهو صاحب النكت على مشكلات الهداية كما ذكره في السعدية في غير هذا المحل. قوله: (ولا سواك بل يسن للصائم كغيره، صرح به في النهاية لعموم قوله (ص): لولا أن أشق على
460 أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء وعند كل صلاة لتناوله الظهر والعصر والمغرب، وقد تقدم أحكامه في الطهارة. بحر. قوله: (ولو عشيا) أي بعد الزوال. قوله: (على المذهب) وكره الثاني المبلول بالماء لما فيه من إدخاله فمه من غير ضرورة، ورد بأنه ليس بأقوى من المضمضة، أما الرطب الأخضر فلا بأس به اتفاقا، كذا في الخلاصة. نهر. قوله: (وكذا لا تكره حجامة) أي الحجامة التي لا تضعفه عن الصوم، وينبغي له أن يؤخرها إلى وقت الغروب، والفصد كالحجامة، وذكر شيخ الاسلام أن شرط الكراهة ضعف يحتاج فيه إلى الفطر كما في التاترخانية. إمداد. وقال قبله: وكره له فعل ما ظن أنه يضعفه عن الصوم كالفصد والحجامة والعمل الشاق لما فيه من تعريضه للافساد اه. قلت: ويلحق به إطالة المكث في الحمام في الصيف كما في ظاهر. قوله: (ومضمضة أو استنشاق) أي لغير وضوء أو اغتسال. نور الايضاح. قوله: (للتبرد) راجع لقوله وتلفف وما بعده. قوله: (وبه يفتى) لان النبي (ص) صب على رأسه الماء، وهو صائم من العطش أو من الحر. رواه أبو داود. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل الثوب ويلفه عليه وهو صائم. ولا هذه الأشياء فيها عون على العبادة ودفع الضجر الطبيعي، وكرهها أبو حنيفة لما فيها من إظهار الضجر في العبادة، كما في البرهان. إمداد قوله: (ويستحب السحور) لما رواه الجماعة إلا أبا داود عن أنس قال: قال رسول الله (ص): تسحروا فإن السحور بركة قيل المراد بالبركة: حصول التقوي على صوم الغد أو زيادة الثواب. وقوله في النهاية: إنه على حذف مضاف: أي في أكل السحور مبني على ضبطه بالضم جمع سحر، والأعرف في الرواية لفتح، وهو اسم للمأكول في السحر وهو السدس الأخير من الليل، كالوضوء بالفتح ما يتوضأ به، وقيل يتعين الضم لان البركة ونيل الثواب إنما يحصل بالفعل لا بنفس المأكول. فتح ملخصا. قال في البحر: ولم أر صريحا في كلامهم أنه يحصل السنة بالماء وحده، وظاهر الحديث يفيده، وهو ما رواه أحمد: السحور كله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين. قوله: (وتأخيره) لان معنى الاستعانة فيه أبلغ. بدائع. ومحل الاستحباب ما إذا لم يشك في بقاء الليل، فإن شك كره الاكل في الصحيح، كما في البدائع أيضا. قوله: (وتعجيل الفطر) أي في يوم غيم، ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه غروب الشمس وإن أذن المؤذن. بحر عن البزازية. وفيه عن شرح الجامع لقاضيخان: التعجيل المستحب قبل اشتباك النجوم. تنبيه: قال في الفيض: ومن كان على مكان مرتفع كمنارة إسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده، ولأهل البلدة الفطر إن غربت عندهم قبله، وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر أو السحور. قوله: (لحديث الخ) كذا أورد الحديث في الهداية، قال في الفتح: وهو على هذا الوجه الله أعلم به. والذي في معجم الطبراني ثلاث من أخلاق المرسلين: تعجيل الافطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة اه. واستشكل بأنه كيف يكون من أخلاق المرسلين ولم يكن في ملتهم حل أكل السحور؟ وأجيب بمنع أنه لم يكن في ملتهم وإن لم نعلمه، ولو سلم فلا
461 يلزم اجتماع الخصال الثلاث فيهم اه من المعراج ملخصا. قوله: (لا يجوز الخ) عزاه في البحر إلى القنية. وقال في التاترخانية: وفي الفتاوى سئل علي بن أحمد عن المحترف إذا كان يعلم أنه لو اشتغل بحرفته مرض يبيح الفطر وهو محتاج للنفقة، هل يباح له الاكل قبل أن يمرض؟ فمنع من ذلك أشد المنع، وهكذا حكاه عن أستاذه الوبري. وفيها سألت أبا حامد عن خباز يضعف في آخر النهار هل له أن يعمل هذا العمل؟ قال: لا، ولكن يخبز نصف النهار ويستريح في الباقي، فإن قال: لا يكفيه، كذب بأيام الشتاء فإنها أقصر فما يفعله فيها يفعله اليوم اه ملخصا. وقال الرملي: وفي جامع الفتاوى: ولو ضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة فله أن يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع اه: أي إذا لم يدرك عدة من أيام أخر يمكنه الصوم فيها وإلا وجب عليه القضاء وعلى هذا الحصاد إذا لم يقدر عليه مع الصوم ويهلك الزرع بالتأخير لا شك في جواز الفطر والقضاء، وكذا الخباز. وقوله: كذب الخ فيه نظر، فإن طول النهار وقصره لا دخل له في الكفاية، فقد يظهر صدقه في قوله: لا يكفيني فيفوض إليه حملا لحاله على الصلاح. تأمل اه كلام الرملي: أي لان الحاجة تختلف صيفا وشتاء وغلاء ورخصا وقلة عيال وضدها، ولكن ما نقله عن جامع الفتاوى صوره في نور الايضاح وغيره بمن نذر صوم الأبد، ويؤيده إطلاق قوله: يفطر ويطعم، وكلامنا في صوم رمضان. والذي ينبغي في مسألة المحترف حيث كان الظاهر أن ما مر من تفقهات المشايخ لا من منقول المذهب أن يقال: إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر، لأنه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى، وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه، ولو أداه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر، وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل، وهو يقدر عليها، لان له قطع الصلاة لأقل من ذلك، لكن لو كان آجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان فالظاهر أن له الفطر، وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرض المستأجر بفسخ الإجازة كما في الظئر، فإنه يجب عليها الارضاع بالعقد، ويحل لها الافطار إذا خافت على الولد، فيكون خوفه على نفسه أولى. تأمل. هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم. قوله: (فإن أجهد الحر الخ) قال في الوهبانية: فإن أجهد الانسان بالشغل نفسه فأفطر في التكفير قولين سطروا قال الشرنبلالي: صورته: صائم أتعب نفسه في عمل حتى أجهده العطش فأفطر، لزمته الكفارة، وقيل لا وبه أفتى البقالي، وهذا بخلاف الأمة إذا أجهدت نفسها لأنها معذورة تحت قهر المولى، ولها أن تمتنع من ذلك، وكذا العبد اه ح. وظاهره، وهو الذي في الشرنبلالية عن المنتقى: ترجيح وجوب الكفارة ط. قلت: مقتضى قوله ولها أن تمتنع لزوم الكفارة عليها أيضا لو فعلت مختارة، فيكون ما قبله محمولا على ما إذا كان بغير اختيارها بدليل التعليل، والله أعلم.
462 فصل في العوارض جمع عارض، والمراد به هنا ما يحدث للانسان مما يبيح له عدم الصوم كما يشير إليه كلام الشارح. قوله: (المبيحة لعدم الصوم) عدل عن قول البدائع المسقطة لما أورد عليه في النهر (1) من أنه لا يشمل السفر فإنه لا يبيح الفطر وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم، وكذا إباحة الفطر (2) لعروض الكبر في الصوم فيه ما لا يخفى. قوله: (خمسة) هي السفر والحبل والارضاع والمرض والكبر، وهي تسع نظمتها بقوله: وعوارض الصوم التي قد يغتفر * للمرء فيها الفطر تسع تستطر حبل وإرضاع وإكراه سفر * مرض جهادق جوعه عطش كبر قوله: (وبقي الاكراه) ذكر في كتاب الاكراه أنه لو أكره على أكل ميتة أو دم أو لحم خنزير أو شرب خمر بغير ملجئ كحبس أو ضرب، أو قيد لم يحل وإن بملجئ كقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح حل، فإن صبر فقتل أثم، وإن أكره على الكفر بملجئ رخص له إظهاره وقلبه مطمئن بالايمان، ويؤجر لو صبر، ومثله سائر حقوقه تعالى كإفساد صوم وصلاة وقتل صيد حرم أو في إحرام وكل ما ثبتت فرضيته بالكتاب اه. وإنما أثم لم صبر في الأول لان تلك الأشياء مستثناة عن الحرمة في حال الضرورة، والاستثناء عن الحرمة حل، بخلاف إجراء كلمة الكفر فإن حرمته لم ترتفع، وإنما رخص فيه لسقوط الاثم فقط، ولهذا نقل هنا في البحر عن البدائع الفرق بين ما إذا كان المكره على الفطر مريضا أو مسافرا وبين ما إذا كان صحيحا مقيما، بأنه لو امتنع حتى قتل أثم في الأول دون الثاني. قوله: (وخوف هلاك الخ) كالأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم، وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل حثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل. وفي الخلاصة: الغازي إذا كان يعلم يقينا أنه يقاتل العدو في رمضان ويخاف الضعف إن لم يفطر أفطر. نهر. قوله: (ولسعة حية) عطف على العطش المتعلق بقوله: وخوف هلاك ح: أي فله شرب دواء ينفعه. قوله: (لمسافر) خبر عن قوله الآتي: الفطر وأشار باللام إلى أنه مخير (3) ولكن الصوم أفضل إن لم يضره كما سيأتي. قوله: (سفرا شرعيا) أي مقدرا في الشرع لقصر الصلاة ونحوه وهو ثلاثة أيام ولياليها، وليس المراد كون السفر مشروعا بأصله ووصفه بقرينة ما بعده. قوله: (ولو بمعصية) لان القبح المجاور لا يعدم المشروعية كما قدمه
(1) قوله: (لما أورد عليه في النهر الخ) وجه الايراد ان التعبير بالمسقط يقتضي سبق التلبس بالصوم، والمسافر إذا تلبس بالصوم لا يباح له الفطر وانما يباح له عدم الشروع فيه ابتداء ا ه. (2) قوله: (وكذا إباحة الفطر الخ) اي فان الشيخ الفاني انما يباح له ترك الشروع ابتداء لا افساده بعد الشروع فيه ا ه. (3) قوله: (وأشار باللام إلى أنه مخير الخ) فيه ان الأداة تتسلط على المعطوف كما تتسلط على المعطوف عليه، ويكون الحكم المستفاد من الأداة ثابتا لكل منهما فالتخيير في الصوم والافطار على هذا يكون ثابتا في الحامل والمرضع، وليس كذلك فان المرضع والحامل إذا خافتا على نفسيهما وولديهما يجب عليهما الافطار ويمكن ان يحمل ثبوت التخيير لهما في حالة توهم الهلاك، لكن سيأتي ان المعتبر في إباحة الفطر انما هو غلبة الظن ا ه. 463 الشارح في صلاة المسافر ط. قوله: (أو حامل) هي المرأة التي في بطنها حمل بفتح الحاء: أي ولد، والحاملة التي على ظهرها أو رأسها حمل بكسر الحاء. نهر. قوله: (أو مرضع) هي التي شأنها الارضاع وإن لم تباشره، والمرضعة هي التي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي. نهر عن الكشاف. قوله: (أما إذا كانت أو ظئرا) أما الظئر فلان الارضاع واجب عليها بالعقد، وأما الام فلوجوبه ديانة مطلقا وقضاء إذا كان الأب معسرا أو كان الولد لا يرضع من غيرها، وبهذا اندفع ما في الذخيرة، من أن المراد بالمرضع الظئر لا الام، فإن الأب يستأجر غيرها. بحر ونحوه في الفتح. وقد رد الزيلعي أيضا ما في الذخيرة بقول القدوري وغيره: إذا خافتا على نفسهما أو ولدهما إذ لا ولد للمستأجرة، وما قيل إنه ولدها من الرضاع رده في النهر بأنه يتم أن لو أرضعته، والحكم أعم من ذلك فإنها بمجرد العقد لو خافت عليه جاز لها الفطر اه. وأفاد أبو السعود أنه يحل لها الافطار ولو كان العقد في رمضان كما في البرجندي، خلافا لما في صدر الشريعة ممن تقييد حله بما إذا صدر العقد قبل رمضان اه. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية ط. قوله: (بغلبة الظن) يأتي بيانه قريبا. قوله: (أو ولدها) المتبادر منه كما عرفته أن المراد بالمرضع الام أنه ولدها حقيقة، والارضاع واجب عليها ديانة كما في الفتح: أي عند عدم تعينها وإلا وجب قضاء أيضا كما مر، وعليه فيكون شموله للظئر بطريق الالحاق لوجوبه عليها بالعقد. قوله: (وقيده البهنسي الخ) هذا مبني على ما مر عن الذخيرة، لان حاصله أن المراد بالمرضع الظئر لوجوبه عليها، ومثلها الام إذا تعينت بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو كان الأب معسرا لأنه حينئذ واجب عليها، وقد علمت أن ظاهر الرواية خلافه وأنه يجب عليها ديانة وإن لم تتعين. تأمل. قوله: (خاف الزيادة) أو إبطاء البرء أو فساد عضو. بحر. أو وجع العين أو جراحة أو صداعا أو غيره، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى. قهستاني ط: أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام. قوله: (وصحيح خاف المرض) أي بغلبة الظن كما يأتي، فما في شرح المجمع من أنه لا يفطر، محمول على أن المراد بالخوف مجرد الوهم كما في البحر والشرح نبلالية. قوله: (وخادمة) في القهستاني عن الخزانة ما نصه: إن الحر الخادم أو العبد أو الذاهب لسد النهر أو كريه إذا اشتد الحر وخاف الهلاك فله الافطار كحرة أو أمة ضعفت للطبخ أو غسل الثوب اه. ط. قوله: (بغلبة الظن) تنازعه خاف الذي في المتن وخاف وخافت اللتان في الشرح ط. قوله: (بأمارة) أي علامة. قوله: (أو تجربة) ولو كانت من غير المريض عند اتحاد المرض ط عن أبي السعود. قوله: (حاذق) أي له معرفة تامة في الطب، فلا يجوز تقليد من له أدنى معرفة فيه ط. قوله: (مسلم) أما الكافر فلا يعتمد على قوله لاحتمال أن غرضه إفساد العبادة كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعده بإعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة لما قلنا. بحر. قوله: (مستور) وقيل عدالته شرط، وجزم به الزيلعي، وظاهر ما في البحر والنهر ضعفه ط. قلت: وإذا أخذ بقول طبيب ليس فيه هذه الشروط وأفطر فالظاهر لزوم فالظاهر لزوم الكفارة، كما لو أفطر
464 بدون أمارة ولا تجربة لعدم غلبة الظن والناس عنه غافلون. قوله: (وأفاد في النهر) أخذا من تعليل المسألة السابقة باحتمال أن يكون غرض الكافر إفساد العبادة. وعبارة البحر: وفيه إشارة إلى أن المريض يجوز له أن يستطب بالكافر فيما عدا إبطال العبادة ط. قوله: (فإني) أي فكيف يتطبب بها وهو استفهام بمعنى النفي. قال ح: أيد ذلك شيخنا بما نقله عن الدر المنثور للعلامة السيوطي من قوله (ص): ما خلا كافر بمسلم إلا عزم على قتله. قوله: (للأمة أن تمتنع) أي لا يجب عليها امتثال أمره في ذلك، كما لو ضاق وقت الصلاة فتقدم طاعة الله تعالى، ومقتضى ذلك أنها لو أطاعته حتى أفطرت لزمتها الكفارة، ويفيده ما ذكره الشارح من التعليل وقدمنا نحوه قبيل الفصل. قوله: (إلا السفر) استثناء من عموم العذر، فإن السفر لا يبيح الفطر يوم العذر. قوله: (كما سيجئ) أي في قول المتن يجب على مقيم إتمام يوم منه سافر فيه ح. قوله: (وقضوا) أي من تقدم حتى الحامل والمرضع. وغلب الذكور فأتى بضميرهم ط. قوله: (بلا فدية) أشار إلى خلاف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حيث قال: بوجوب القضاء والفدية لكل يوم مد حنطة كما في البدائع. قوله: (وبلا ولاء) بكسر الواو: أي موالاة بمعنى المتابعة لاطلاق قوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * (البقرة: 481) ولا خلاف في وجوب التتابع في أداء رمضان، كما لا خلاف في ندب التتابع فيما لم يشترط فيه، وتمامه في النهر. قوله: (لأنه) أي قضاء الصوم المفهوم من قضوا، وهذا علة لما فهم من قوله بلا ولاء من عدم وجوب الفور. قوله: (جاز التطوع قبله) ولو كان الوجوب على الفور لكره، لأنه يكون تأخيرا للواجب عن وقته المضيق. بحر. قوله: (بخلاف قضاء الصلاة) أي فإنه على الفور لقوله (ص): من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لان جزاء الشرط لا يتأخر عنه. أبو السعود. وظاهره أنه يكره التنفل بالصلاة لمن عليه الفوائت ولم أره. نهر. قلت: قدمنا في قضاء الفوائت كراهته إلا في الرواتب والرغائب فليراجع ط. قوله: (قدم الأداء على القضاء) أي ينبغي له، وإلا فلو قدم القضاء وقع عن الأداء كما مر. نهر. قلت: بل الظاهر الوجوب لما مر من أول الصوم من أنه لو نوى النفل أو واجبا آخر يخشى عليه الكفر. تأمل. قوله: (لما مر) أي من أنه على التراخي. قوله: (خلافا للشافعي) حيث وجب مع القضاء لكل يوم إطعام مسكين ح. قوله: (لا أفعل تفضيل) لاقتضائه أن الافطار فيه خير مع أنه مباح. وفيه أنه ورد إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ومحبة الله تعالى ترجع إلى الإثابة، فيفيد أن رخصة الافطار فيها ثواب لكن العزيمة أكثر ثوابا، ويمكن حمل الحديث على من أبت نفسه الرخصة ط. قوله: (إن لم يضره) أي بما ليس فيه خلاف هلاك وإلا وجب الفطر.
465 بحر. قوله: (فإن شق عليه الخ) أشار إلى أن المراد بالضرر مطلق المشقة لا خصوص ضرر البدن. قوله: (أو على رفيقه) اسم جنس يشمل الواحد والأكثر. وفي بعض النسخ فقته فإذا كان رفقته أو عامتهم مفطرين والنفقة مشتركة فإن الفطر أفضل كما في الخلاصة وغيرها. قوله: (لموافقة الجماعة) لأنهم يشق عليهم قسمة حصته من النفقة أو عدم موافقته لهم. قوله: (فإن ماتوا الخ) ظاهر في رجوعه إلى جميع ما تقدم حتى الحامل والمرضع، وقضية صنيع غيره من المتون اختصاص هذا الحكم بالمريض والمسافر. وقال في البحر: ولم أر من صرح بأن الحامل والمرضع كذلك، لكن يتناولهما عموم قوله في البدائع: من شرائط القضاء القدرة على القضاء، فعلى هذا إذا زال الخوف أياما لزمهما بقدره، بل ولا خصوصية، فإن كل من أفطر بعذر ومات قبل زواله لا يلزمه شئ فيدخل المكره والأقسام الثمانية اه ملخصا من الرحمتي. قوله: (أي في ذلك العذر) على تقدير مضاف: أي في مدته. قوله: (لعدم إدراكهم الخ) أي فلم يلزمهم القضاء، ووجوب الوصية فرع لزوم القضاء، وإنما تجب الوصية إذا كان له مال كما في شرح الملتقى ط قوله: (بقدر إدراكهم الخ) ينبغي أن يستثني الأيام المنهية لما سيأتي أن أداء الواجب لم يجز فيها. قهستاني: وقد يقال: لا حاجة إلى الاستثناء لأنه ليس بقادر فيها على القضاء شرعا، بل هو أعجز فيها من أيام السفر والمرض، لأنه لو صام فيها أجزأه، ولو صام في الأيام المنهية لم يجزه رحمتي. قوله: (فوجوبها عليها بالأولى) رد لما في القهستاني من أن التقييد بالعذر يفيد عدما لاجزاء، لكن ذكر بعده أن في ديباجه المستصفى دلالة على الاجزاء. قلت: ووجه الأولوية أنه إذا أفطر لعذر وقد وجبت عليه الوصية ولم يترك هملا فوجوبها عند عدم العذر أولى، فافهم. قال الرحمتي: ولا يشترط له إدراك زمان يقضي فيه لأنه كان يمكنه الأداء وقد فوته بدون عذر. قوله: (وفدى عنه وليه) ولم يقل عنهم وليهم، وإن كان ظاهر السياق إشارة إلى أن المراد بقوله: فإن ماتوا موت أحدهم أيا كان لا موتهم جملة. قوله: (لزوما) أي فداء لازما فهو مفعول مطلق: أي يلزم الولي الفداء عنه من الثلث إذا أوصى، وإلا فلا يلزم بل يجوز. قال في السراج: وعلى هذا: الزكاة لا يلزم الوارث إخراجها عنه إلا إذا أوصى، إلا أن يتبرع الوارث بإخراجها. قوله: (الذي يتصرف في ماله) إشارة به إلى أن المراد ما يشمل الوصي كما في البحر ح. قوله: (قدرا) أي التشبيه بالفطرة من حيث القدر، إذ لا يشترط التمليك هنا، بل تكفي الإباحة، بخلاف الفطرة، وكذا هي مثل الفطرة من حيث الجنس وجواز أداء القيمة، وقال القهستاني: وإطلاق كلامه يدل على أنه لو دفع إلى فقير جملة جاز، ولم يشترط العدد ولا المقدار، لكن لو دفع إليه أقل من نصف صاع لم يعتد به، وبه يفتى اه: أي بخلاف الفطرة على قول كما مر. قوله: (بعد قدرته) أي الميت، وقوله وفوته مصدر معطوف على قدرته، والظرف متعلق بقوله وفدى.
466 والمعنى أنه إنما يلزمه الفداء إذا مات بعد قدرته على القضاء وفوته بالموت. قوله: (فلو فاته الخ) تفريع على قوله: بقدر إدراكهم أو على قوله: بعد قدرته عليه فإنه يشير إلى أنه إنما يفدي عما أدركه وفوته دون ما لم يدركه، وأشار به إلى رد قول الطحاوي: إن هذا قول محمد، وعندهما تجب الوصية والفداء عن جميع الشهر بالقدرة على يوم، فإن الخلاف في النذر فقط كما يأتي بيانه آخر الباب، أما هنا فلا خلا ف في أن الوجوب بقدر القدرة فقط، كما نبه عليه في الهداية وغيرها. قوله: (من الثلث) أي ثلث ماله بعد تجهيزه وإيفاء ديون العباد، فلو زادت الفدية على الثلث لا يجب الزائد إلا بإجازة الوارث. قوله: (وهذا) أي إخراجها من الثلث فقط، لو له وارث لم يرض بالزائد. قوله: (وإلا) أي بأن لم يكن له وارث فتخرج من كل: أي لو بلغت كل المال تخرج من الكل، لان منع الزيادة لحق الوارث، فحيث لا وارث فلا منع كما لو كان وأجاز، وكذا لو كان له وارث ممن لا يرد عليه كأحد الزوجين، فتنفذ الزيادة على الثلث بعد أخذ الوارث فرضه كما سيأتي بيانه آخر الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: (جاز) إن أريد بالجواز أنها صدقة واقعة موقعها فحسن، وإن أريد سقوط واجب الايصاء عن الميت مع موته مصرا على التقصير فلا وجه له، والأخبار الواردة فيه مؤولة. إسماعيل عن المجتبى. أقول: لا مانع من كون المراد به سقوط المطالبة عن الميت بالصوم في الآخرة وإن بقي عليه إثم التأخير، كما لو كان عليه دين عبد وماطله به، حتى مات فأوفاه عنه وصيه أو غيره، ويؤيده تعليق الجواز بالمشيئة كما نقرره، وكذا قول المصنف كغيره، وإن صام أو صلى عنه لا، فإن معناه لا يجوز قضاء عما على الميت، وإلا فلو جعل له ثواب الصوم والصلاة يجوز كما نذكره، فعلم أن قوله: جاز أي عما على الميت لتحسن المقابلة. قوله: (إن شاء الله) قيل المشيئة لا ترجع للجواز بل للقبول كسائر العبادات، وليس كذلك، فقد جزم محمد رحمه الله في فدية الشيح الكبير وعلق بالمشيئة فيمن ألحق به، كمن أفطر بعذر أو غيره حتى صار فانيا، وكذا من مات وعليه قضاء رمضان وقد أفطر بعذر إلا أنه فرط في القضاء، وإنما علق لان النص لم يرد بهذا كما قاله الإتقاني، وكذا علق في فدية الصلاة لذلك، قال في الفتح: والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ. ووجهه أن المماثلة قد ثبتت شرعا بين الصوم والاطعام، والمماثلة بين الصلاة والصوم ثابتة، ومثل مثل الشئ جاز أن يكون مثلا لذلك الشئ، وعلى تقدير ذلك يجب الاطعام، وعلى تقدير عدمها لا يجب، فالاحتياط في الايجاب، فإن كان الواقع ثبوت المماثلة حصل المقصود الذي هو السقوط، وإلا كان برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات، ولذا قال محمد فيه: يجزيه إن شاء الله تعالى من غير جزم، كما قال في تبرع الوارث بالاطعام، بخلاف إيصائه بعن عن الصوم فإنه جزم بالاجزاء اه. قوله: (ويكون الثواب للولي. اختيار) أقول: الذي رأيته في الاختيار هكذا: وإن لم يوص لا يجب على الورثة الاطعام لأنها عبادة فلا تؤدى إلا بأمره، وإن فعلوا ذلك جاز ويكون له ثواب اه. ولا شبهة في أن الضمير في له للميت، وهذا هو الظاهر، لان الوصي إنما تصدق عن الميت لا عن نفسه، فيكون الثواب للميت لما صرح به في الهداية من أن للانسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو
467 صدقة أو غيرها كما سيأتي في باب الحج عن الغير، وقدمنا الكلام على ذلك في الجنائز قبيل باب التشهد فتذكره بالمراجعة، نعم ذكرنا هنا ك أنه لو تصدق عن غيره لا ينقص من أجره شئ. قوله: (لحديث النسائي الخ) هو موقوف على ابن عباس، وأما في الصحيحين عن ابن عباس أيضا أنه قال جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق فهو منسوخ، لان فتوى الراوي على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ. وقال مالك: ولم أسمع عن أحد من الصحابة ولا من التابعين بالمدينة أن أحدا منهم أمر أحدا يصوم عن أحد ولا يصلي عن أحد، وهذا مما يؤيد النسخ وأنه الامر الذي استقر الشرع عليه، وتمامه في الفتح وشرح النقاية للقاري. قوله: (بكفارة يمين أو قتل الخ) كذا في الزيلعي والدرر والبحر والنهر. قال في الشرنبلالية: أقول: لا يصح تبرع الوارث في كفارة القتل بشئ لان الواجب فيها ابتداء عتق رقبة مؤمنة، ولا يصح إعتاق الورث عنه كما ذكره، والصوم فيها بدل عن الاعتاق لا تصح فيه الفدية كما سيأتي، وليس في كفارة القتل إطعام ولا كسوة فجعلها مشاركة لكفارة اليمين فيهما سهو اه. ومثله في العزمية. وأجاب العلامة الاقصرائي كما نقله أبو السعود في حاشية مسكين بأن مرادهم بالقتل: قتل الصيد لا قتل النفس، لأنه ليس فيه إطعام اه. قلت: ويرد عليه أيضا أن الصوم في قتل الصيد ليس أصلا، بل هو بدل لان الواجب فيه أن يشتري بقيمته هدى يذبح في الحرم، أو طعام يتصدق به على فقير نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوما، فافهم. قلت: وقد يفرق بين الفدية (1) في الحياة وبعد الموت بدليل ما في الكافي النسفي عن معسر كفارة يمين أو قتل وعجز عن الصوم لم تجزي الفدية كمتمتع عجز عن الدم والصوم، لأن الصوم هنا بدل ولا بدل للبدل فإن مات وأوصى بالتكفير صح من ثلثه، وصح التبرع في الكسوة والاطعام، لان الاعتاق بلا إيصال إلزام الولاء على الميت، وإلا إلزام في الكسوة والاطعام اه. فقوله فإن مات وأوصى بالتكفير صح، ظاهر في الفرق المذكور، وبه يتخصص ما سيأتي من أنه لا تصح الفدية عن صوم هو بدل من غيره. ثم إن قوله وأوصى بالتكفير، شامل لكفارة اليمين والقتل لصحة الوصية بالاعتاق، بخلاف التبرع به، ولذا قيد صحة التبرع بالكسوة والاطعام، وصرح بعدم صحة الاعتاق فيه، وهذا قرينة ظاهرة على أن المراد التبرع بكفارة اليمين فقط، لان كفارة اقتل ليس فيها كسوة ولا إطعام. فتلخص من كلام الكافي أن العاجز عن صوم هو بدل عن غيره كما في كفارة اليمين والقتل لو فدى عن نفسه في حياته بأن كان شيخا فانيا لا يصح في الكفارتين. ولو أوصى بالفدية يصح فيهما،
(1) قوله: (وقد يفرق بين الفدية الخ) لا دلالة على ما ادعاه في عبارة الكافي، فان النيابة قاصرة على صاحب الوصية مخصوصا على ما فهمه المحشي من أن قول الكافي وصح التبرع في الكسوة والاطعام خاص بكفارة اليمين، وما نحن فيه تبرع لا وصية فلم يتم الفرق وحينئذ فاعتراض الشرنبلالي باق ما زاده كلام المحشي الا وضوحا ا ه. 468 ولو تبرع فيه وليه لا يصح في كفارة القتل لان الواجب فيها العتق ولا يصح التبرع به، ويصح في كفارة اليمين لكن في الكسوة والاطعام دون الاعتاق لما قلنا، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام فاغتنمه فقد زلت فيه أقدام الافهام. قوله: (لما فيه الخ) أي لان الولاء لحمة كلحمة النسب على أن ذلك ليس نفعا محضا لان المولى يصير عاقلة عتيقة، وكذا عصباته بعد موته. ولا يرد ما مر عن الهداية من أن للانسان أن يجعل ثواب عمله. لغيره وهو شامل للعتق، لان المراد هنا إعاقته على وجه النيابة عن الميت بدلا عن صيامه، بخلاف ما لو أعتق عبده وجعل ثوابه للميت، فإن الاعتاق يقع عن نفسه أصالة ويكون الولاء له، وإنما جعل الثواب للميت، وبخلاف التبرع عنه بالكسوة والاطعام فإنه يصح بطريق النيابة لعدم الالزام. قوله: (كما مر الخ) تقدم هناك بيان ما إذا لم يكن للميت مال أو كان الثلث لا يفي بما عليه مع بيان كيفية فعلها. قوله: (على المذهب) وما روي عن محمد بن مقاتل أولا من أنه يطعم عنه لصلوات كل يوم نصف صاع كصومه رجع عنه وقال: كل صلاة فرض كصوم قوم وهو الصحيح سراج. قوله: (وكذا الفطرة) أي فطرة الشهر بتمامه كفدية صوم يوم، وفيه أن هذا علم من قوله أولا (1) كالفطرة ويمكن عود التشبيه إلى مسألة التبرع. وقال ح: قوله وكذا الفطرة أي يخرجها الولي بوصيته. قوله: (يطعم عنه) أي من الثلث لزوما إن أوصى وإلا جوازا، وكذا يقال فيما بعده. وفي القهستاني أن الزكاة والحج والكفارة من الوارث تجزيه بلا خلاف اه: أي ولو بدون وصيته كما هو المتبادر من كلامه، أما الزكاة فقد نقلناه قبله عن السراج، وأما الحج فمقتضي ما سيأتي في كتاب الحج عن الفتح أنه يقع عن الفاعل وللميت الثواب فقط، وأما الكفارة فقد مرت متنا. قوله: (والمالية) الأولى أو مالية وكذا قوله والمركب الأولى أو مركبة. قوله: (وللشيخ الفاني) أي الذي فنيت قوته أو أشرف على الفناء، ولذا عرفوه بأنه الذي كل يوم في نقص إلى أن يموت. نهر. ومثله ما في القهستاني عن الكرماني: المريض إذا تحقق اليأس من الصحة فعليه الفدية لكل يوم من المرض اه. وكذا في البحر: لو نذر صوم الأبد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له أن يطعم ويفطر لأنه استيقن أنه لا يقدر على القضاء. قوله: (العاجز عن الصوم) أي عجزا مستمرا كما يأتي، أما لو لم يقدر عليه لشدة الحر كان له أن يفطر ويقضيه في الشتاء. فتح. قوله: (ويفدي وجوبا) لان عذره ليس بعرضي للزوال حتى يصير إلى القضاء فوجبت الفدية. نهر. ثم عبارة الكنز: وهو يفدي، إشارة إلى أنه ليس على غيره الفداء، لان نحو المرض والسفر في عرضة الزوال فيجب القضاء، وعند العجز بالموت تجب الوصية بالفدية. قوله: (ولو في أول الشهر) أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره كما في البحر. قوله: (وبلا تعدد فقير) أي بخلاف
(1) قوله: (علم من قوله أولا الخ) اي الفطرة كغيرها من الكفارات في جواز تبرع الولي بها ا ه. 469 نحو كفارة اليمين للنص فيها على التعدد، فلو أعطي هنا مسكينا صاعا عن يومين جاز، لكن في البحر عن القنية أن عن أبي يوسف فيه روايتان، وعند أبي حنيفة لا يجزيه كما في كفارة اليمين، وعن أبي يوسف: لو أعطى نصف صاع مبرج عن يوم واحد لمساكين يجوز. قال الحسن: وبه نأخذ اه. ومثله في القهستاني. قوله: (لو موسرا) قيد لقوله: يفدي وجوبا. قوله: (وإلا فيستغفر الله) هذا ذكره في الفتح والبحر عقيب مسألة نذر الأبد إذا اشتغل عن الصوم بالمعيشة فالظاهر أنه راجع إليها دون ما قبلها من مسألة الشيخ الفاني لأنه لا تقصير منه بوجه، بخلاف الناذر لأنه باشتغاله بالمعيشة عن الصوم ربما حصل منه نوع تقصير وإن كان اشتغاله بها واجبا لما فيه من ترجيح حظ نفسه، فليتأمل. قوله: (هذا) أوجوب الفدية على الشيخ الفاني ونحوه. قوله: (أصلا بنفسه) كرمضان وقضائه والنذر كما مر فيمن نذر صوم الأبد، وكذا لو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية. بحر. قوله: (حتى لو لزمه الصوم الخ) تفريع على مفهوم قوله: أصلا بنفسه وقيد بكفارة اليمين والقتل احترازا عن كفارة الظهار والافطار إذا عجز عن الاعتاق لاعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا، لان هذا صار بدلا عن الصيام بالنص، والاطعام في كفارة اليمين ليس ببدل عن الصيام بالصيام بدل عنه. سراج. وفي البحر عن الخانية وغاية البيان: وكذا لو حلق رأسه وهو محرم عن أذى ولم يجد نسكا يذبحه ولا ثلاثة آصع حنطة يفرقها على ستة مساكين وهو فان لا يستطيع الصيام فأطعم عن الصيام لم يجز لأنه بدل. قوله: (لم تجز الفدية) أي في حال حياته، بخلاف ما لو أوصى بها كما مر تحريره. قوله: (ولو كان) أي العاجز عن الصوم، وهذا تفريع على مفهوم قوله: وخوطب بأدائه. قوله: (لم يجب الايصاء) عبر عنه الشرح بقولهم: قيل لم يجب لان الفاني يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ، وذكر في البحر أن الأولى الجزم به لاستفادته، من قولهم: إن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شئ عليه إذا مات، ولعلها ليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها اه. قوله: (ومتى قدر) أي الفاني الذي أفطر وفدى. قوله: (شرط الخلفية) أي في الصوم: أي كون الفدية خلفا عنه. قال في البحر: وإنما قيدنا بالصوم ليخرج المتيمم إذا قدر على الماء لا تبطل الصلاة المؤداة بالتيمم، لان خلفية مشروطة بمجرد العجز عن الماء لا بقيد دوامه، وكذا خلفية الأشهر عن الأقراء في الاعتداد مشروطة بانقطاع الدم مع سن اليأس لا بشرط دوامه، حتى لا تبطل الأنكحة الماضية بعود الدم على ما قدمناه في الحيض. قوله: (المشهور نعم) فإن ما ورد بلفظ الاطعام جاز فيه الإباحة والتمليك، بخلاف ما بلفظ الأداء والايتاء فإنه للتمليك كما في المضمرات وغيره. قهستاني. قوله: (فلا قضاء) يرد عليه ما لو نوى صوم القضاء نهارا فإنه يصير متنفلا وإن أفطر يلزمه القضاء كما إذا نوى الصوم ابتداء، وقدم جوابه قبيل قول المتن: ولا يصام يوم الشك فافهم. قوله: (تجنيس) نص عبارته: إذا دخل الرجل في الصوم
470 على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فلم يفطر، ولكن مضى عليه ساعة ثم أفطر، فعليه القضاء، لأنه لما مضى عليه ساعة صار كأنه نوى في هذه الساعة، فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه اه. والظاهر أن ضمير مضى للصائم وضمير عليه للصوم وأن ساعة منصوب على الظرفية: أي إذا تذكر ومضى هو على صومه ساعة بأن لم يتناول مفطرا ولا عزم على الفطر صار كأنه نوى الصوم فيصير شاعرا إذا كان ذلك في وقت النية، ولو كان ساعة بالرفع على أنه فاعل مضى كما هو ظاهر تقرير الشارح يلزم أنه لو مضت الساعة يصير شارعا، وإن عزم وقت التذكر على الفطر مع أن عزمه على الفطر ينافي كونه في معنى الناوي للصوم وإن كان لا ينافي الصوم، لان الصائم إذا نوى الفطر لا يفطر، لكن الكلام في جعله شارعا في صوم مبتدأ لا في إبقائه على صومه السابق، ولذا اشترط كون ذلك في وقت النية، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم، فافهم. قوله: (أي يجب إتمامه) تفسير لقوله لزم ولقوله أداء ط. قوله: (ولو بعروض حيض) أي لا فرق في وجوب القضاء بين ما إذا أفسده قصدا، ولا خلاف فيه أو بلا قصد في أصح الروايتين كما في النهاية، وهذا يعكر على ما في الفتح من نقله عدم الخلاف فيه. قوله: (وجب القضاء) أي في غير الأيام الخمسة الآتية، وهذا راجع إلى قوله قضاء ط. قوله: (فلا يلزم) أي لا أداء ولا قضاء إذا أفسده. قوله: (فيصير مرتبكا للنهي) فلا تجب صيانته بل يجب إبطاله، ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصيانة فلم يجب قضاء كما لم يجب أداء، بخلاف ما إذا نذر صيام هذه الأيام فإنه يلزمه ويقضيه في غيرها، لأنه لم يصر بنفس النذر مرتكبا للنهي وإنما التزم طاعة الله تعالى والمعصية بالفعل، فكانت من ضرورات المباشرة لا من ضرورات إيجاب المباشرة. منح مع زيادة ط. قوله: (أما الصلاة) جواب عن سؤال. حاصله أنه ينبغي أن لا تجب الصلاة بالشروع في الأوقات المكروهة، كما لا يجب الصوم في هذه الأيام. وحاصل الجواب: أنا لا نسلم هذا القياس فإنه لا يكون مباشرا للمعصية بمجرد الشروع فيها بل إلى أن يسجد، بدليل من حلف أنه لا يصلي فإنه لا يحنث ما لم يسجد، بخلاف الصوم في تلك الأيام فيباشر المعصية بمجرد الشروع فيها. منح. وفيه أنهم عدوه شارعا فيها بمجرد الاحرام، حتى لو أفسده حينئذ وجب قضاؤه فقد تحققت بمجرد الشروع، وأما مسألة اليمين فهي مبنية على العرف ط. قلت: صحة الشروع لا تستلزم تحقيق الحقيقة المركبة من عدة أشياء، فقد صرحوا بأن المركب قد يكون جزؤه كالكل في الاسم كالماء وقد لا يكون كالحيوان، والصوم من القسم الأول لأنه مركب من إمساكات متفقة الحقيقة كل منها صوم، بخلاف الصلاة فإن أبعاضها من القيام والركوع والسجود والقعود لا تسمى صلاة ما لم تجتمع وذلك بأن يسجد لها، فما انعقد قبل ذلك طاعة محضة، وما بعده له جهتان، وتمام تقرير هذا المحل يطلب من التلويح في أول فصل النهي، وأما بناء مسألة اليمين على العرف فيحتاج إلى إثبات العرف في ذلك. قوله: (وهي الصحيحة) وهي
471 ظاهر الرواية كما في المنح وغيرها، فلا يحسن أن يعبر عنها برواية بالتنكير لاشعاره بجهالتها، وكان حق العبارة أن يقول: ألا في رواية، فيقرر ظاهر الرواية ثم يحكي غيره بلفظ التنكير كما يفيده قول الكنز: وللمتطوع الفطر بغير عذر في رواية، فأفاد أن ظاهر الراية غيرها. رحمتي. قوله: واختارها الكمال) وقال: إن الأدلة تظافرت عليها، وهي أوجه. قوله: (وتاج الشريعة) هو جد صدر الشريعة، وقوله وصدرها أي صدر الشريعة معطوف عليه، وقوله في الوقاية وشرحها: لف ونشر مرتب، لان الوقاية لتاج الشريعة، واختصرها صدر الشريعة وسماه. نقاية الوقاية ثم شرحه، فالوقاية لجده لا له فافهم، والشرح وإن كان للنقاية لكن لما كانت مختصرة من الوقاية صح جعله شرحا لها، ثم إن الشارح قد تابع في هذه العبارة صاحب النهر. وقد أورد عليه أن ما نسبه إلى الوقاية وشرحها لم يوجد فيهما، فإن الذي في الوقاية: ولا يفطر بلا عذر في رواية، وقال في شرحها: أي إذا شرع في صوم التطوع لا يجوز له الافطار بلا عذر لأنه إبطال العمل، وفي رواية أخرى: يجوز لان القضاء خلفه اه. قلت: وقد يجاب بأن قوله في رواية يفهم أن معظم الروايات على خلافها وأنها رواية شاذة وأن مختاره خلافها لاشعار هذا اللفظ بما ذكرنا، ولو كانت هي مختارة له لجزم بها ولم يقل في رواية، ولما تبعه صدر الشريعة في النقاية على ذلك أيضا وقرر كلامه في الشرح، ولم يتعقبه بشئ علم أنه اختارها أيضا. قوله: (والضيافة عذر) بيان لبعض ما دخل في قوله: (ولا يفطر الشارع) في نفل بلا عذر، وأفاد تقييده بالنفل أنها ليست بعذر في الفرض والواجب. قوله: (للضيف والمضيف) كذا في البحر عن شرح الوقاية، ونقله عن القهستاني أيضا ثم قال: لكن لم توجد رواية المضيف. قلت: لكن جزم بها في الدرر أيضا، ويشهد لها قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه، والضيف في الأصل مصدر ضفته أضيفه ضيفا وضيافة والمضيف بضم الميم من أضاف غيره أو بفتحها وأصله مضيوف. قوله: (إن كان صاحبها) أي صاحب الضيافة، وكذا إذا كان الضيف لا يرضى إلا بأكله معه ويتأذى بتقديم الطعام إليه وحده. رحمتي. قوله: (هو الصحيح من المذهب) وقيل هي عذر قبل الزوال لا بعده، وقيل عذر إن وثق من نفسه بالقضاء دفعا للأذى عن أخيه المسلم وإلا فلا. قال شمس الأئمة الحلواني: وهو أحسن ما قيل في هذا الباب، وفي مسألة اليمين يجب أن يكون الجواب على هذا التفصيل اه بحر. قلت: ويتعين تقييد القول الصحيح بهذا الأخير، إذ لا شك أنه إذا لم يثق من نفسه بالقضاء يكون منع نفسه عن الوقوع في الاثم أولى من مراعاة جانب صاحبه، وأفاد الشارح بقوله الآتي هذا إذا كان قبل الزوال الخ تقييد الصحيح بالقول الآخر أيضا، وبه حصل الجمع بين الأقوال الثلاثة. تأمل. قوله: (ولو حلف) بأن قال: امرأته طالق إن لم تفطر، كذا في السراج، وكذا قوله: علي الطلاق لتفطرن فإنه في معنى تعليق الطلاق كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى. قوله: (أفطر) أي المحذوف عليه ندبا دفعا لتأذي أخيه المسلم. قوله: (ولا يحنثه) أفاد أنه لو لم يفطر يحنث
472 الحالف ولا يبر بمجرد قوله أفطر، سواء كان حلفه بالتعليق كما مر، أو بنحو قوله: والله لتفطرن، وأما ما صرحوا به من التفصيل، والفرق بين ما يملك وما لا يملك، فذاك فيما إذا قال: لا أتركه يفعل كذا، كما لو حلف لا يترك فلانا يدخل هذه الدار فإن لم تكن الدار ملك الحالف يبر منعه بالقول، ولو ملكه: أي متصرفا فيها فلا بد من منعه بالفعل واليمين فيهما على العلم حتى لو لم يعلم لا يحنث مطلقا، وأما لو قال: إن دخل داري، فهو على الدخول علم أو لا، تركه أو لا، وكذا لو قال: إن تركت امرأتي تدخل داري أو دار فلان فهو على العلم، فإن علم وتركها حنث وإلا فلا، ولو قال: إن دخلت فهو على الدخول كما يظهر ذلك لمن يراجع أيمان البحر وغيره، نعم وقع في كلام الشارح في أواخر كتاب الايمان عبارة موهمة خلاف ما صرحوا به كما سيأتي تحريره هناك إن شاء الله تعالى، فافهم. قوله: (بزازية) عبارتها: إن نفلا أفطر، وإن قضاء لا، والاعتماد أنه يفطر فيهما ولا يحنثه اه. وقد نقلها في النهر أيضا بهذا اللفظ، فافهم. قوله: (وفي النهر عن الذخيرة الخ) أقول: ذكر في الذخيرة مسألة الضيافة ومسألة الحلف وما فيهما من الأقوال، ثم قال: وهذا كله إذا كان الافطار قبل الزوال الخ، وبه علم أنه جاز على الأقوال كلها لا قول مخالف لها، فتأيد ما قلناه من حصول الجمع، فافهم. قوله: (قبل الزوال) قد ذكرنا أن هذه العبارة واقعة في أكثر الكتب، والمراد بها ما قبل نصف النهار أو على أحد القولين، فافهم. قوله: (إلى العصر لا بعده) هذه الغاية عزاها في النهر إلى السراج ولعل وجهها أن قرب وقت الافطار يرفع ضرر الانتظار، وظاهر قوله لا بعده أن الغاية داخلة، لكنه في السراج لم يقل لا بعده. قوله: (لو صائما غير قضاء رمضان) أما هو فيكره فطره لان له حكم رمضان كما في الظهيرية، وظاهر اقتصاره عليه أنه لا يكره له الفطر في صوم الكفارة والنذر بعذر الضيافة، وهو رواية عن أبي يوسف لكنه لم يستثن قضاء رمضاء. قال القهستاني عند قول المتن: ويفطر في النفل بعذر الضيافة في الكلام إشارة إلى أنه في غير النفل لا يفطر كما في المحيط، وعن أبي يوسف أنه في صوم القضاء والكفارة والنذر يفطر اه. فأنت تره لم يستثن قضاء رمضان، والظاهر من المصنف أنه جرى على رواية أبي يوسف فكان ينبغي له أن لا يستثنى قضاء رمضان. حموي على الأشباه بتصرف ط. قوله: (ولا تصوم المرأة نفلا الخ) أي يكره لها ذلك كما في السراج. والظاهر أن لها الافطار بعد الشروع رفعا للمعصية فهو عذر، وبه تظهر مناسبة هذه المسائل هنا تأمل، وأطلق النفل فشمل ما أصله نفل ولكن وجب بعارض، ولذا قال في البحر عن القنية: للزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الايجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان، وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به اه. قوله: (إلا عند عدم الضرر به) بأن كان مريضا أو مسافرا أو محرما يحج أو عمرة فليس له منعها من صوم التطوع، ولها أن تصوم وإن نهاها، لأنه إنما يمنعها لاستيفاء حقه في الوطئ، وأما في هذه الحالة فصومها لا يضره فلا معنى للمنع. سراج. وأطلق في الظهيرية المنع، واستظهره في البحر لأن الصوم يهزلها وإن لم يكن الزوج يطؤها الآن. قال في النهر: وعندي أن إحالة المنع على الضرر وعدمه على عدمه أولى للقطع بأن صوم يوم لا يهزلها فلم
473 يبق إلا منعه عن وطئها وذلك إضرار به، فإن انتفى بأن كان مريضا أو مسافرا جاز اه قوله: (ولو فطرها الخ) أفاد أن له ذلك كما مر، وكذا في العبد. وفي البحر عن الخانية: وإن أحرمت المرأة تطوعا: أي بالحج بلا إذن الزوج له أن يحللها وكذا في الصلوات. قوله: (أو بعد البينونة) أي الصغرى أو الكبرى، ومفهومه أنها لا تقضي في الرجعي، ولو فصل هنا كما فصل في الحداد من كون الرجعة مرجوة أو لا لكان حسنا ط. قوله: (وما في حكمه) كالأمة والمدبر والمدبرة وأم الولد. بدائع. قوله: (لم يجز) أي يكره، قال في الخانية: إلا إذا كان المولى غائبا ولا ضرر له في ذلك اه: أي فهو كالمرأة، لكن في المحيط وغيره وإن لم يضره لان منافعهم مملوكة للمولى، بخلاف المرأة فإن منافعها غير مملوكة للزوج وإنما له حق الاستمتاع بها اه. واستظهره في البحر لان العبد لم يبق على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض، وأما في النوافل فلا اه. ولم يذكر الأجير. وفي السراج: إن كان صومه يضر بالمستأجر بنقص الخدمة فليس له أن يصوم تطوعا إلا بإذنه، وإلا فله لان حقه في المنفعة، فإذا لم تنتقص لم يكن له منعه، وأما بنت الرجل وأمه وأخته فيتطوعن بلا إذنه لا حق له في منافعهن اه. قلت: وينبغي أن أحد الوالدين إذا نهى الولد عن الصوم خوفا عليه من المرض أن يكون الأفضل إطاعته أخذ من مسألة الحلف عليه بالافطار، فتأمل. قوله: (أو لم ينو) أشار إلى أن قول المصنف كغيره نوى الفطر غير قيد، وإنما هو إشارة إلى أنه لو لم ينو الفطر في وقت النية قبل الاكل فالحكم كذلك بالأولى، لأنه إذا صح مع نية المنافي فمع عدمها أولى كما في البحر، ولان نية الافطار لا عبر بها كما أفاده بقوله الآتي ولو نوا الصائم الفطر الخ؟. قوله: (قبل الزوال) أي نصف النهار وقبل الاكل. قوله: (صح) لان السفر لا ينافي أهلية الوجوب ولا صحة الشروع. بحر. قوله: (مطلقا) أي سواء كان نفلا أو نذرا معينا أو أداء رمضان ح. وبه علم أن محل ذلك في صوم لا يشترط فيه التبييت، فلو نوى ما يشترط فيه التبييت وقع نفلا كما تقدم ما يفيده ط. وإن أريد بقوله صح صحة الصوم لا بقيد كونه عما نواه فالمراد بالاطلاق ما يشمل الجميع. قوله: (ويجب عليه الصوم) أي إنشاؤه حيث صح منه بأن كان في وقت النية ولم يوجد ما ينافيه وإلا وجب عليه الامساك كحائض طهرت ومجنون أفاق كما مر. قوله: (كما يجب على مقيم الخ) لما قدمناه أول الفصل أن السفر لا يبيح الفطر، وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم، فلو سافر بعد الفجر لا يحل الفطر. قال في البحر: وكذا لو نوى المسافر الصوم ليلا وأصبح من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ثم أصبح صائما لا يحل فطره في ذلك اليوم، ولو أفطر لا كفارة عليه اه. قلت: وكذا لا كفارة عليه بالأولى لو نوى نهارا، فقوله: ليلا غير قيد. قوله: (فيهما) أي في مسألة المسافر إذ أقام ومسألة المقيم إذا سافر كما في الكافي النسفي، وصرح في الاختيار بلزوم
474 الكفارة في الثانية. قال ابن الشلبي في شرح الكنز: وينبغي التعويل على ما في الكافي: أي من عدمه فيهما. قلت: بل عزاه في الشرنبلالية إلى الهداية والعناية والفتح أيضا. قوله: (للشبهة في أوله وآخره) أي في أول الوقت في المسألة الأولى وآخره في الثانية فهو لف ونشر مرتب. مطلب يقدم هنا القياس على الاستحسان قوله: (فإنه يكفر) أي قياسا لأنه مقيم عند الاكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس نأخذ اه خانية. فتزاد هذه على المسائل التي قدم فيها القياس على الاستحسان. حموي. وقد مر أنه لو أكل المقيم ثم سافر أو سوفر به مكرها لا تسقط الكفارة، والظاهر أنه لو أكل بعدما جاوز بيوت مصره ثم رجع فأكل لا كفارة عليه، وإن عزم على عدم السفر أصلا بعد أكله وقع في موضع الترخص، نعم يجب عليه الامساك. هذا وفي البدائع من صلاة المسافر: لو أحدث في صلاته فلم يجد الماء فنوى أن يدخل مصره وهو قريب صار مقيما من ساعته وإن لم يدخل، فلو وجد ماء قبل دخوله صلى أربعا لأنه بالنية صار مقيما اه. قلت: ومقتضاه أنه لو أفطر بعد النية قبل الدخول يكفر أيضا. تأمل. تنبيه: المسافر إذا نوى الإقامة في مصر أقل من نصف شهر هل يحل له الفطر في هذه المدة كما يحل له قصر الصلاة؟ سئلت عنه، ولم أره صريحا، وإنما رأيت في البدائع وغيرها: لو أراد المسافر دخول مصره أو مصر آخر ينوي فيه الإقامة يكره له أن يفطر في ذلك اليوم وإن كان مسافرا في أوله لأنه اجتمع المحرم للفطر، وهو الإقامة والمبيح أو المرخص وهو السفر في يوم واحد فكان الترجيح للمحرم احتياطا، وإن كان أكبر رأيه أنه لا يتفق دخوله المصر حتى تغيب الشمس فلا بأس بفطر فيه اه. فتقييده بنية الإقامة يفهم أنه بدونها يباح له الفطر في يوم دخوله ولو كان أول النهار لعدم المحرم وهو الإقامة الشرعية، وكذا في اليوم الثاني مثلا. والحاصل أن مقتضى القواعد الجواز ما لم يوجد نقل صريح بخلافه. تأمل.: كما مر أي قبيل قوله: ولا يصام الشك إلا تطوعا ح. قوله: (قال وفيه خلاف الشافعي) ضمير، قال لابن الشحنة. واستشكل بأن الكلام ناسيا لا يفسد الصلاة عند الشافعي، فكيف يفسدها مجرد نية الكلام؟ قلت: فرق بين الكلام ناسيا ونية الكلام العمد، فإن العمد قاطع للصلاة. ثم رأيت ط أجاب بما ذكرته من الفرق ثم قال: والمعتمد من مذهبه عدم الفساد. قوله: (لندرة امتداده) لان بقاء الحياة عند امتداده طويلا بل أكل ولا شرب نادر ولا حرج في النوادر كما في الزيلعي. قوله: (فلا يقضيه) لأن الظاهر من حاله أن ينوي الصوم ليلا حملا على الأكمل، ولو حدث له ذلك نهارا أمكن حمله كذلك بالأولى، حتى لو كان متهتكا يعتاد الاكل في رمضان أو مسافرا قضى الكل، كذا قالوا: وينبغي أن يقيد بمسافر يضره الصوم. أما من لا يضره فلا يقضي ذلك اليوم حملا لامره على الصلاح لما مر أن صومه أفضل، وقول بعضهم: إن قصد صوم الغد في الليالي من المسافر ليس بظاهر ممنوع فيما إذا كان لا يضره. نهر.
475 قلت: هذا المنع غير ظاهر، خصوصا فيمن كان يفطر في سفره قبل حدوث الاغماء، نعم هو ظاهر فيمن كان يصوم قبله أو كان عادته في أسفاره. تأمل. قوله: (إلا إذا علم الخ) قال الشمني: وهذا إذا لم يذكر أنه نوى أو لا، إذا علم أنه نوى فلا شك في الصحة، وإن علم أنه لم ينو فلا شك في عدمها، وكلامه ظاهر في أن فرض المسألة في رمضان، فلو حدث له ذلك في شعبان قضى الكل. نهر: أي لان شعبان لا تصح عنه نية رمضان. قوله: (وفي الجنون) متعلق بقضى الآتي. قوله: (لجميع ما يمكنه إنشاء الصوم فيه) هو ما بين طلوع الفجر إلى نصف النهار من كل يوم، فالافاقة بعد هذا الوقت إلى قبيل طلوع الفجر ولو من كل يوم لا تعتبر ط: أي لأنها وإن كانت وقت النية لكن إنشاء الصوم بالفعل لا يصح في الليل، ولا بعد نصف النهار، ثم هذا خلاف إطلاق المصنف الاستيعاب، فإنه يقتضي أنه لو أفاق ساعة منه ولو ليلا أو بعد نصف النهار أنه يقضي وإلا فلا، وقدمنا أول كتاب الصوم تحرير الخلاف في ذلك، وأنهما قولان مصححان، وأن المعتمد الثاني لكونه ظاهر الرواية والمتون. قوله: (على ما مر) أي عند قوله: وسبب صوم رمضان شهود جزء من الشهر ح. قوله: (لا يقضي مطلقا) أي سواء كان الجنون أصليا أو عارضا بعد البلوغ، قيل هذا ظاهر الرواية. وعند محمد أنه فرق بينهما، لأنه إذا بلغ مجنونا التحق بالصبي فانعدم الخطاب، بخلاف ما إذا بلغ عاقلا فجن، وهذا مختار بعض المتأخرين. هداية. قال في العناية: منهم أبو عبد الله الجرجاني والامام الرستغفني والزاهد الصفار اه. وفي الشرنبلالية عن البرهان عن المبسوط: ليس على المجنون الأصلي قضاء ما مضى في الأصح اه: أي ما مضى من الأيام قبل إفاقته. تنبيه: لا يخفى أنه إذا استوعب الجنون الشهر كله لا يقضي بلا خلاف مطلقا، وإلا ففيه الخلاف المذكور، فقوله مطلقا هنا تبعا للدرر في غير محله، وكان عليه أن يذكره عقب قوله: إن لم يستوعب قضى ما قضى، ليكون إشارة إلى الخلاف المذكور. فتنبه. مطلب في الكلام على النذر قوله: (ولو نذر الخ) شروع فيما يوجبه العبد على نفسه بعد ذكر ما أوجب الله تعالى عليه. قال في شرح الملتقى: والنذر عمل اللسان، وشرط صحته أن لا يكون معصية كشرب الخمر، ولا واجبا عليه في الحال كأن نذر صوما أو صلاة وجبتا عليه، ولا في المآل كصوم وصلاة سيجبان عليه، وأن يكون من جنسه واجب لعينه مقصود، ولا مدخل فيه لقضاء القاضي اه. وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك مع بقية أبحاث النذر في كتاب الايمان. قوله: (أو صوم هذه السنة) أشار به إلى أنه لا فرق بين أن يذكر المنهي عنه صريحا كيوم النحر مثلا، أو تبعا كصوم غد فإذا هو يوم النحر، أو هذه السنة أو سنة متتابعة، أو أبدا كما في ح عن القهستاني. قوله (صح مطلقا) أي سواء صرح بذكر المنهي عنه أو لا كما في البحر، وهو ما قدمناه عن القهستاني. وسواء قصد ما تلفظ به أو لا، ولهذا قال في الولوالجية: رجل أراد أيقول: لله علي صوم فجرى على لسانه صوم شهر، كان عليه صوم شهر. بحر اه ح وكذا لو أراد أن يقول كلاما فجرى على لسانه النذر لزمه، لان هزل النذر كالجد كالطلاق. فتح. قوله: (على المختار) وروى الثاني عن الامام
476 عدم الصحة، وبه قال زفر. وروى الحسن عنه أنه إن عين لم يصح، وإن قال غدا فوافق يوم النحر صح قياسا على ما لو نذرت يوم حيضها حيث لا يصح، فلو قالت غدا فوافق يوم حيضها صح. وقد صرحوا بأن ظاهر الرواية أنه لا فرق بين أن يصرح بذكر المنهي عنه أو لا. ولا تنافي بين الصحة ليظهر أثرها في وجوب القضاء والحرمة للاعراض عن الضيافة. نهر. قوله: (بأن نفس الشروط معصية) لأنه يصير صائما بنفس الشروع كما قدمنا تقريره، فيجب تركه لكونه معصية فلا يجب قضاؤه، وأما نفس النذر فهو طاعة. قوله: (فصح الأولى فلزم لان هذا الفرق بين لزومه بالنذر، وعدم لزومه بالشروع، أما نفس الصحة فهي ثابتة فيهما، ولذا لو صامه فيهما أجزأه، ولو لم يصح لم يجزه. أفاده الرحمتي. قوله: (وجوبا) وقوله في النهاية: الأفضل الفطر تساهل. بحر. قوله: (تحاميا عن المعصية) أي المجاورة وهي الاعراض عن إجابة دعوة الله تعالى ط. قوله: (وقضاها الخ) روى مسلم من حديث زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إني نذرت أن أصوم يوما فوافق يوم أضحى أو أفطر، فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله (ص) عن صيام هذا اليوم، والمعنى: أنه يمكن قضاؤه فيخرج به عن عهدة الأمر والنهي. شرح الوقاية للقاري. قوله: (خرج عن العهدة) لأنه أداه كما التزم. بحر. قوله: (وهذا) أي قضاء الأيام المنهية في صورة نذر صوم السنة المعينة ط. قوله: (فلو بعدها) بأن وقع النذر منه ليلة الرابع عشر من ذي الحجة مثلا، فافهم. قوله: (باقي السنة) وهو تمام ذي الحجة. قوله: (على ما هو الصواب) وهو الذي حققه في الفتح، فإن صاحب الغاية لما قال يلزمه ما بقي، قال الزيلعي: هذا سهو، لأن هذه السنة عبارة عن اثني عشر شهرا من وقت النذر إلى وقت النذر. ورده في الفتح بأنه هو السهو، لان المسألة كما في الغاية منقولة في الخلاصة والخانية في هذه السنة وهذا الشهر، وهذا لان كل سنة عربية معينة عبارة عن مدة معينة، فإذا قال هذه فإنما تفيد الإشارة إلى التي هو فيها، فحقيقة كلامه أنه نذر المدة الماضية والمستقبلة، فيلغو في حق الماضي، كما يلغو في قوله: لله علي صوم أمس، كذا في النهر ح. قوله: (وكذا الحكم) الإشارة إلى ما في المتن من حكم السنة المعينة. قوله: (فيفطرها) أي الأيام المنهية، قال ح: وإن صامها خرج عن العهدة لأنه أداها كما التزمها. قوله: (لكنه يقضيها هنا متتابعة) أي موصولة بآخر السنة من غير فاضل تحقيقا للتتابع بقدر الامكان ح عن البحر. وأشار إلى أنه لا يجب عليه قضاء شهر عن رمضان كما لا يجب في المعينة، لأنه لما أدركه لم يصح نذره إذ هو مستحق عليه بإيجاب الله تعالى فلم يقدر على صرفه إلى غيره، بخلاف ما إذا أوجبه ومات قبل أن يدركه حيث يجب عليه أن يوصي بإطعام شهر لأنه لما لم يدركه صار كإيجاب شهر غيره. سراج. قوله: (ويعيد لو أفطر يوما) أي يعيد الأيام التي صامها قبل اليوم الذي أفطر فيه ح: أي ولو كان آخر الأيام ط. قوله: (بخلاف المعينة) أي فإنه لا يجب عليه قضاء الأيام المنهية فيها متتابعة، لان التتابع فيها ضرورة تعين الوقت ح، ولذا لو أفطر يوما فيها لا يلزمه إلا
477 قضاؤه ط. قوله: (ولو لم يشترط) أي في المنكرة. قوله: (يقضي خمسة وثلاثين) هي رمضان والخمسة المنهية ح: أي لان صومه في الخمسة ناقص فلا يجزيه عن الكامل، وشهر رمضان لا يكون إلا عنه، فيجب القضاء بقدرة. وينبغي أن يصل ذلك بما مضى وإن لم يصل يخرج عن العهدة على الصحيح. بحر. قوله: (في هذه الصورة) أي بخلاف المعنية أو المنكرة المشروط فيها التتباع، لأنها لا تخلو عن الأيام الخمسة فيكون ناذرا صومها: أما المنكرة بلا شرط تتابع فإنها اسم لأيام معدودة، ويمكن فصل المعدودة عن رمضان وعن تلك الأيام كما أفاده في السراج. قوله: (تحتمل اليمين) أي مصاحبة للنذر ومنفردة عنه ط. قوله: (بنذره) أي بالصيغة الدالة عليه ط. قوله: (فقط) أي من غير تعرض لليمين نفيا وإثباتا، وهو المراد بقوله دون اليمين بخلاف المسألة التي بعدها فإنه تعرض لنفي اليمين ط. قوله: (عملا بالصيغة) التي في الوجه الأول، وكذا في الثاني والثالث بالأولى لتأكد النذر بالعزيمة ما في الثالث من زيادة نفي غيره. قوله: (عملا بتعيينه) لان قوله: لله علي كذا يدل على الالتزام، وهو صريح في النذر فيحمل عليه بلا نية، وكذا معها بالأولى، لكنه إذا نوى أن لا يكون نذرا كان يمينا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لأنه يلزم من إيجاب ما ليس بواجب تحريم تركه وتحريم المباح يمين. قوله: (عملا بعموم المجاز) وهو الوجوب وهذا جواب عن قول الثاني: أي أبي يوسف أنه يكون نذرا في الأول يمينا في الثاني، لان النذر في هذا اللفظ حقيقة واليمين مجاز، حتى لا يتوقف الأول على النية ويتوقف الثاني فلا ينتظمهما، ثم المجاز يتعين بنية وعند نيتهما تترجح الحقيقة. ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين: أي جهتي النذر واليمين، لأنهما يقتضيان الوجوب، إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره: أي لصيانة اسمه تعالى، فجمعنا بينهما عملا بالدليلين كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض، كذا في الهداية، وتمام الكلام على هذا الدليل في الفتح وكتب الأصول. مطلب في صوم الستة من شوال قوله: (وندب الخ) ذكر هذه المسألة بين مسائل النذر غير مناسب وإن تبع فيه صاحب الدرر. قوله: (على المختار) قال صاحب الهداية في كتابه التجنيس: إن صوم الستة بعد الفطر متتابعة، منهم من كرهه، والمختار أنه لا بأس لان الكراهة إنما كانت لأنه لا يؤمن من أن يعد ذلك من رمضان فيكون تشبها بالنصارى، والآن زال ذاك المعنى اه. ومثله في كتا ب النوازل لأبي الليث والواقعات للحسام الشهيد والمحيط البرهاني والذخيرة، وفي الغاية عن الحسن بن زياد أنه كان لا يرى بصومها
478 بأسا ويقول: كفى بيوم الفطر مفرقا بينهن وبين رمضان اه. وفيها أيضا عامة المتأخرين لم يروا به بأسا. واختلفوا هل الأفضل التفريق أو التتابع؟ اه. وفي الحقائق: صومها متصلا بيوم الفطر يكره عند مالك، وعندنا لا يكره وإن اختلف مشايخنا في الأفضل. وعن أبي يوسف أنه كرهه متتابعا، والمختار لا بأس به اه. وفي الوافي والكافية و المصفى: يكره عند مالك، وعندنا لا يكره، وتمام ذلك في رسالة تحرير الأقوال في صوم الست من شوال للعلامة قاسم. وقد رد فيها على ما في منظومة التباني وشرحها من عزوه الكراهة مطلقا إلى أبي حنيفة وأنه الأصح بأنه على غير رواية الأصول، وأنه صحح ما لم يسبقه أحد إلى تصحيحه، وأنه صحح الضعيف وعمد إلى تعطيل ما فيه الثواب الجزيل بدعوى كاذبة بلا دليل، ثم ساق كثيرا من نصوص كتب المذهب فراجعها فافهم. قوله: (والاتباع المكروه الخ) العبارة لصاحب البدائع، وهذا تأويل لما روي عن أبي يوسف على خلاف ما فهمه صاحب الحقائق كما في رسالة العلامة قاسم، لكن ما مر عن الحسن بن زياد يشير إلى أن المكروه عند أبي يوسف تتابعها، وإن فصل بيوم الفطر فهو مؤيد لما فهمه في الحقائق. تأمل. قوله: (ولو نذر صوم شهر الخ) ويلزمه صومه بالعدد لا هلاليا. والشهر المعين هلالي كما سيجئ عن الفتح من نظائره ط. قوله: (متتابعا) أفاد لزوم التتابع إن صرح به، وكذا إذا نواه، أما إذا لم يذكره ولم ينو إن شاء تابع وإن شاء فرق، وهذا في المطلق. أما صوم شهر بعينه أو أيام بعينها فيلزمه التتابع وإن لم يذكره سراج. وفي البحر: لو أوجب على نفسه صوما متتابعا فصامه متفرقا لم يجز وعلى عكسه جاز اه. وفي المنح: ولو قال: لله علي صوم مثل شهر رمضان، إن أراد مثله في الوجوب، فله أن يفرق، وإن أراد مثله في التتابع فعليه أن يتابع، وإن لم يكن له نية فله أن يصوم متفرقا اه ط. قوله: (فأفطر) عطف على محذوف: أي فصامه وأفطر يوما ط. قوله: (لأنه أخل بالوصف) وهو التتابع ط. قوله: (مع خلو شهر عن أيام نهي) جواب عما يقال: إنه لو كان من الأيام المنهية فالفطر ضروري لوجوبه فينبغي أن لا يستقبل بل يقضيه عقبه كما مر فيما لو نكر السنة وشرط التتابع. والجواب أن السنة لا تخلو عن أيام منهية، بخلاف الشهر، وعلى هذا مال في السرج من أن المرأة إذا كان طهرها شهرا فأكثر فإنها تصوم في أول طهرها، فلو صامت في أثنائه فحاضت استقبلت، ولو كان حيضها أقل من شهر تقضي أيام حيضها متصلة. قوله: (لئلا يقع كله في غير الوقت) لأنه وإن كان لا يتعين بالتعيين كما يأتي إلا أن وقوعه بعد وقته يكون قضاء، ولذا يشترط له تبييت النية كما مر، والأداء خير من القضاء، ثم تقييده بقوله كله إنما يظهر كما قال ط فيما إذا أفطر اليوم الأخير من الشهر، أما لو أفطر العاشر منه مثلا فلا: أي لأنه لو استقبل الصوم من الحادي عشر وأتم شهرا لزم وقوع بعضه في الوقت وبعضه خارجه. قوله: (ولو معينا) أي بواحد من الأربعة الآتية فغير المعين لا يختص بواحد منها بالأولى، كما لو نذر التصدق بدرهم منكر وأطلق. قوله: (فلو نذر الخ) مثال للتعيين في الكل على النشر المرتب ط. قوله: (فخالف) أي في بعضها
479 أو كلها بأن تصدق في غير يوم الجمعة ببلد آخر على شخص آخر، وإنما جاز لان الداخل تحت النذر ما هو قربة، وهو أصل التصدق دون التعيين، فبطل التعيين، ولزمته القربة كما في الدرر وفي المعراج، ولو نذر صوم غد فأخره إلى ما بعد الغد جاز، فينبغي أن لا يكون مسيئا كمن نذر أن يتصدق بدرهم الساعة فتصدق بعد ساعة اه. تنبيه: ذكر العلامة ابن نجيم في رسالته في النذر بالصدقة أنه ذكر في الخانية أنه لو عين التصدق بدراهم فهلكت سقط النذر، قال: وهذا يدل على أن قولهم وألغينا الدينار والدرهم ليس على إطلاقه، فيقال: إلا في هذه، فإنا لو ألغيناه مطلقا لكان الواجب في ذمته فإن هلك المعنين لم يسقط الواجب وكذا قولهم ألغينا تعيين الفقير، ليس على إطلاقه لما في البدائع: لو قال: لله علي أن أطعم هذا المسكين شيئا سماه ولم يعينه فلا بد أن يعطيه للذي سمى، لأنه إذا لم يعين المنذور صار تعيين الفقير مقصودا فلا يجوز أن يعطي غيره اه. هذا، وفي الحموي عن العمادية: لو أمر رجلا وقال تصدق بهذا المال على مساكين أهل الكوفة، فتصدق على مساكين أهل البصرة لم يجز، وكان ضامنا، وفي المنتقى: لو أوصى لفقراء أهل الكوفة بكذا فأعطى الوصي فقراء أهل البصرة جاز عند أبي يوسف وقال محمد: يضمن الوصي اه. قلت: ووجهه أن الوكيل يضمن بمخالفة الآمر، وأن الوصي هل هو بمنزلة الأصيل أو الوكيل؟ تأمل. قوله: (وكذا لو عجل قبله) هذا داخل تحت قوله فخالف. قوله: (صح) أي خلافا لمحمد وزفر، غير أن محمدا لا يجيز التعجيل مطلقا، وزفر إذا كان الزمان المعجل فيه أقل فضيلة كما في الفتح. فرع: نذر صوم رجب فصام قبله تسعة وعشرين يوما وجاء رجب كذلك ينبغي أن لا يجب القضاء، وهو الأصح كما في السراج، أما لو جاء ثلاثين يقضي يوما. قوله: (أو صلاة) بالتنوين ويوم منصوب على الظرفية ح. ولو أضافه لزمه مثل صلاة اليوم غير أنه يتم المغرب والوتر أربعا، وقد تقدمت ط. قوله: (لأنه تعجيل بعد وجوب السبب) أي فيجوز كما يجوز في الزكاة خلافا لمحمد وزفر. فتح. قوله: (فيلغو التعيين) بناء على لزوم المنذور بما هو قربة فقط. فتح. وقدمناه عن الدرر: أي لان التعيين ليس قربة مقصورة حتى يلزم بالنذر. قوله: (بخلاف النذر المعلق) أي سواء علقه على شرط يريده مثل إن قدم غائبي أو شفي مريضي، أو لا يريده مثل: إن زينت فلله علي كذا، لكن إذ وجد الشرط في الأول وجب أن يوفي بنذره، وفي الثاني يخير بينه وبين كفارة يمين على المذهب لأنه نذر بظاهره يمين بمعناه كما سيأتي في الايمان إن شاء الله تعالى. قوله: (فإنه لا يجوز تعجيله الخ) لان المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال بل عند وجود شرطه كما تقرر في الأصول، فلو جاز تعجيله لزم وقوعه قبل وجود سببه فلا يصح، ويظهر من هذا
480 أن المعلق يتعين فيه الزمان بالنظر إلى التعجيل، أما تأخيره فيصح لانعقاد السبب قبله، وكذا يظهر منه أنه لا يتعين فيه المكان والدرهم والفقير لان التعليق إنما أثر في تأخير السببية فقط فامتنع التعجيل، أما المكان والدرهم والفقير فهي باقية على الأصل من عدم التعيين لعدم تأثير التعليق في شئ منها، فلذا اقتصر كغيره في بيان وجه المخالفة بين المعلق وغيره على قوله: فإنه لا يجوز تعجيله فأفاد صحة التأخير وتبديل المكان والدرهم والفقير كما في غير المعلق، وكأنه لظهور ما قررناه لم ينصوا عليه وهذا مما لا شبهة فيه لمن وقف على التوجيه، فافهم. قوله: (ولم يصمه) أما لو صامه فيأتي قريبا. قوله: (على الصحيح) هو قولهما. وقال محمد: لزمه الوصية بقدر ما فاته كما في قضاء رمضان، وأوضحه في السراج حيث قال: إذا نذر شهرا غير معين ثم أقام بعد النذر يوما أو أكثر يقدر على الصيام فلم يصم، فعندهما يلزمه الايصاء بالاطعام لجميع الشهر، ووجهه على طريقة الحاكم أن ما أدركه صالح لصوم كل يوم من أيام النذر، فإذا لم يصم جعل كالقادر على الكل فوجب الايصاء كما لو بقي شهرا صحيحا ولم يصم. وعلى طريقة الفتاوى: النذر ملزم في الذمة الساعة ولا يشترط إمكان الأداء. وثمرة الخلاف فيما إذا صام ما أدركه على الأول لا يجب عليه الإيصار بالباقي، وعلى الثاني يجب، وكذا فيما إذا نذر ليلا ومات في الليلة لا يجب على الأول لعدم الادراك، ويجب على الثاني الايصاء بالكل اه ملخصا. واقتصر في البدائع وغيره على طريقة الحاكم. ثم اعلم أن هذا كله في النذر المطلق. أما المعين ففي السراج أيضا: ولو أوجب على نفسه صوم رجب، ثم أقام يوما أو أكثر ومات ومات ولم يصم: ففي الكرخي: إن مات قبل رجب لا شئ عليه، وهو قول محمد خاصة، لان المعين لا يكون سببا قبل وقته، وعندهما على طريقة الحاكم: يوصي بقدر ما قدر، لان النذر سبب ملزم في الحال إلا أنه لا بد من التمكن، وعلى طريق الفتاوى: يوصي بالكل لان النذر ملزم بلا شرط، لان اللزوم إذا لم يظهر في حق الأداء يظهر في خلفه وهو الاطعام. وأما إن صام ما أدركه أو مات عقيب النذر: فعلى الأول لا يجب الايصاء بشئ، وعلى الثاني يجب الايصاء بالباقي. ولو دخل رجب وهو مريض ثم صح بعده يوما مثلا فلم يصم ثم مات فعليه الايصاء بالكل، أما على الثاني فظاهر، وكذا على الأول لان بخروج الشهر المعين وصحته بعده يوما مثلا وجب عليه صوم شهر مطلق، فإذا لم يصم فيه وجب لايصاء بالكل، كما في النذر المطلق إذا بقي يوما أو أكثر وقدر على الصوم ولم يصم اه ملخصا. قوله: (ومات قبل تمام الشهر) أي ولم يصم في ذلك. وعبارة غيره: ومات بعد يوم وبقي ما إذا صام ما أدركه فهل يلزمه الوصية في الباقي أم لا؟ ينبغي أن يكون على الطريقتين المذكورتين في المريض، وصرح باللزوم في بعض نسخ البحر، لكن نسخ البحر في هذا المحل مضطربة محرفة تحريفا فاحشا، فافهم. قوله: (بخلاف القضاء) أي فيما إذا فاته رمضان لعذر، ثم أدرك بعض العدة ولم يصمه لزمه الايصاء بقدر ما فاته اتفاقا على الصحيح، خلافا لما زعمه الطحاوي أن الخلاف في هذه المسألة ح. قوله: (بخلاف القضاء) جواب عن قياس محمد النذر على القضاء. وبيانه: أن النذر سبب ملزم في الحال كما مر، أما القضاء فإن سببه أدراك للعدة ولم يوجد فلا
481 تجب الوصية ألا بقدر ما أدرك. واعترض بأن القضاء يجب بما يجب به الأداء عند المحققين، وسبب الأداء شهود الشهر، فكذا القضاء. وأجيب بما فيه خفاء، فانظر النهر. قوله: (بل إن صام حنث) لان المضارع المثبت لا يكون جواب القسم أمؤكدا بالنون، فإن لم توجد وجب تقدير النفي اه ح. لكن سيذكر في الايمان عن العلامة المقدسي أن هذا قبل تغير اللغة، أما الآن فالعوام لا يفرقون بين الاثبات والنفي إلا بوجود لا وعدمها، فهو كاصطلاح لغة الفرس وغيرها في الايمان. قوله: (كرمضان) أي بوصل أو فصل. درر. قوله: (أو صوم) عطف على صوم رجب ح. قوله: (وكفر) أي فدي. قوله: (كما مر) أي في الشيخ الفاني من أنه يطعم كالفطرة. قوله: (أو الزوال) يعني نصف النهار كما مر مرارا. قوله: (قضي عند الثاني) قلت: كذا في الفتح، لكن في السراج: ولو قال لله علي صوم اليوم الذي يقدم فلان فيه أبدا، فقدم في يوم قد أكل فيه لم يلزمه صومه، ويلزم صوم كل يوم فيما يستقبل، لان الناذر عند وجود الشرط يصير كالمتكلم بالجواب فيصير كأنه قال: لله علي صوم هذا اليوم وقد أكل فيه فلا يلزمه قضاؤه. وقال زفر: عليه قضاؤه اه. ونحوه في البحر بلا حكاية خلاف، وهو مخالف لما هنا. وأما قوله: ويلزمه صوم كل يوم الخ، فهو من قوله أبدا. قوله: (خلافا للثالث) قال في النهر: ولو قدم بعد الزوال: قال محمد: لا شئ عليه ولا رواية فيه عن غيره. قال السرخسي: والأظهر التسوية بينهما اه: أي بين القدوم بعد الاكل والقدوم بعد الزوال، فالشارح جرى في الفرع الثاني على ذلك الاستظهار ط. قوله: (فلا قضاء اتفاقا) لأنه تبين أن نذره وقع على رمضان، ومن نذر رمضان فلا شئ عليه ح: أي لا شئ عليه إذا أدركه كما قدمناه عن السراج. قوله: (كفر فقط) أقول: لا وجه له، وما قيل في توجيهه لأنه صامه عن رمضان لا عن يمينه لا وجه له أيضا، لأن النية في فعل المحلوف عليه غير شرط لما صرحوا به من أن فعله مكرها أو ناسيا سواء، والمحلوف عليه الصوم وقد وجد، ثم ظهر أن في عبار الشارح اختصارا مخلا تبع فيه النهر. وأصل المسألة ما في الفتح وغيره: لو قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تعالى وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم رمضان كان عليه كفارة يمين، ولا قضاء عليه لأنه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر، ولو قدم قبل أن ينوي فنوى به الشكر لا عن رمضان بر بالنية وأجزأه عن رمضان ولا قضاء عليه اه. ويتضح بقية كلامه، فافهم. قوله: (لزمه كاملا) ويفتتحه متى شاء بالعدد لا هلاليا، والشهر المعين هلالي، كذا في اعتكاف فتح القدير ح. قوله: (فبقيته) أي بقية الشهر الذي هو فيه لأنه ذكره معرفا فينصرف إلى المعهود بالحضور، فإن نوى شهرا فعلى ما نوى لأنه محتمل كلامه فتح عن التجنيس، وتقدم الكلام في ذلك. قوله: (إلا أن ينوي اليوم) أفاد أن لزوم الأسبوع يكون فيما إذا نوى أيام جمعة أو لم ينو شيئا، لان الجمعة يذكر ويراد به يوم الجمعة وأيام الجمعة، لكن الأيام أغلب فانصرف المطلق إليه،
482 تجنيس. قال ح: وينبغي أنه لو عرف الجمعة أن يلزمه بقيتها على قياس السنة والشهر، فإن مبدأها الاحد وآخرها السبت فليراجع اه قلت: في البحر: ولو قال صوم أيام الجمعة فعليه سبعة أيام اه. فتأمل. قوله: (بخلاف الأول) أي فإن السبت يتكرر فيه فأريد المتكرر في العدد المذكور كأنه قال: السبت الكائن في ثمانية أيام وهو سبتان. قال في المنح: ولا يخفى أن هذا إذا لم تكن له نية، أما إذا وجدت لزمه ما نوى اه ط. مطلب في النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام من شمع أو زيت أو نحوه قوله: (تقربا إليهم) كأن يقول: يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الفضة أو الطعم أو الشمع أو الزيت، كذا بحر. قوله: (باطل وحرام) لوجوه: منها أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها: أن المنذور له ميت والميت لا يملك. ومنها: أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر، اللهم إلا إن قال: يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الإمام الشافعي أو الامام الليث أو أشتري حصرا لمساجدهم أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل، وذكر الشيخ إنما هو محمل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجد فيجوز بهذا الاعتبار، ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني ولا لشريف منصب أو ذي نسب أو علم، ما لم يكن فقيرا، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للاجماع على حرمة النذر للمخلوق، ولا ينعقد ولا تشتغل الذمة به، ولأنه حرام بل سحت، ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه إلا أن يكون فقيرا أو له عيال فقراء عاجزون فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة، وأخذه أيضا مكروه ما لم يقصد الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء، ويقطع النظر عن نذر الشيخ. بحر ملخصا عن شرح العلامة قاسم. قوله: (ما لم يقصدوا الخ) أي بأن تكون صيغة النذر لله تعالى للتقرب إليه ويكون ذكر الشيخ مرادا به فقراؤه كما مر، ولا يخفى أن له الصرف إلى غيرهم كما مر سابقا، ولا بد أن يكون المنذور مما يصح به النذر كالصدقة بالدراهم ونحوها، أما لو نذر زيتا لايقاد قنديل فوق ضريح الشيخ أو في المنارة كما يفعل النساء من نذر الزيت لسيدي عبد القادر ويوقد في المنارة جهة المشرق فهو باطل، وأقبح منه النذر بقراءة المولد في المناير ومع اشتماله على الغناء واللعب وإيهاب ثواب ذلك إلى حضرة المصطفى (ص). ولا سيما في هذه الاعصار ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي. نهر. قوله: (ولقد قال الخ) ذكر ذلك هنا في النهر، ويخفي على ذوي الأفهام أن مراد الامام بهذا الكلام إنما هو ذم العوام والتباعد عن نسبتهم إليه بأي وجه يرام،
483 ولو بإسقاط الولاء الثابت الانبهام، وذلك بسبب جهلهم العام وتغييرهم لكثير من الاحكام، وتقربهم بما هو باطل وحرام، فهم كالانعام يتعير بهم الاعلام، ويتبرؤون من شنائعهم العظام كما هو أدب الأنبياء الكرام حيث يتبرؤون من الابعاد والأرحام بمخالفتهم الملك العلام، فافهم ما ذكرناه والسلام. باب الاعتكاف قوله: (وجه المناسبة له والتأخير) أي وجه مناسبة الاعتكاف للصوم حيث ذكر معه، ووجه تأخيره عنه أن الصوم شرط في بعض أنواع الاعتكاف وهو الواجب والشرط يتقدم على المشروط، وإن الاعتكاف يطلب مؤكدا في العشر الأخير من رمضان فيختم الصوم به فناسب ختم كتاب الصوم بذكر مسائله. قوله: (هو لغة اللبث) أي المكث في أي موضع كان وحبس النفس فيه. قال في البحر: هو لغة افتعال من عكف إذا دام من باب طلب، وعكفه حبسه، ومنه - والهدى معكوفا - سمي به هذا النوع من العبادة لأنه إقامة في المسجد مع شرائط. مغرب. وفي النهاية: مصدر المتعدي العكف، ومنه الاعتكاف في المسجد واللازم العكوف، ومنه: * (يعكفون على أصنام لهم) * (الأعراف: 138). قوله: (ذكر) قيد به وإن تحقق اعتكاف المرأة في المسجد ميلا إلى تعريف الاعتكاف المطلوب، لان اعتكاف المرأة فيه مكروه كما يأتي، بل ظاهر ما في غاية البيان أن ظاهر الرواية عدم صحته، لكن صرح في غاية البيان بأنه صحيح بلا خلاف كما في البحر، وقد يقال: قيد به نظرا إلى شرطية مسجد الجماعة فإنه شرط لاعتكاف الرجل فقط، والأول أولى لقوله بعده أو امرأة في مسجد بيتها تأمل. قوله: (ولو مميزا) فالبلوغ ليس بشرط كما في البحر عن البدائع وشمل العبد فيصح اعتكافه بإذن المولى، ولو نذره فللمولى منعه ويقضيه بعد العتق، وكذا المرأة لكن ليس له منعها بعد الاذن، بخلاف العبد لأنه ليس من أهل الملك، وأما المكاتب فليس للمولى منعه ولو تطوعا، وتمامه في البحر. قوله: (أديت فيه الخمس أو لا) صرح بهذا الاطلاق في العناية، وكذا في النهر، وعزاه الشيخ إسماعيل إلى الفيض والبزازية وخزانة الفتاوي والخلاصة وغيرها، ويفهم أيضا وإن لم يصرح به من تعقيبه بالقول الثاني هنا تبعا للهداية، فافهم. قوله: (وصححه بعضهم) نقل تصحيحه في البحر عن ابن الهمام. قوله: (وصححه السروجي) وهو اختيار الطحاوي. قال الخير الرملي: وهو أيسر خصوصا في زماننا فينبغي أن يعول عليه، والله تعالى أعلم. قوله: (وأما الجامع) لما كان المسجد يشمل الخاص كمسجد المحلة العام، وهو الجامع كأموي دمشق مثلا أخرجه من عمومه تبعا للكافي وغيره لعدم الخلاف فيه. قوله: (مطلقا) أي وإن لم يصلوا فيه الصلوات كلها. ح عن البحر. وفي الخلاصة وغيرها: وإن لم يكن ثمة جماعة.
484 تنبيه: هذا كله لبيان الصحة. قال في النهر والفتح: وأما أفضل الاعتكاف ففي المسجد الحرام، ثم في مسجده (ص)، ثم في المسجد الأقصى، ثم في الجامع. قيل إذا كان يصلي فيه بجماعة فإن لم يكن ففي مسجده أفضل لئلا يحتاج إلى الخروج، ثم ما كان أهله أكثر اه. قوله: (في مسجد بيتها) وهو المعد لصلاتها الذي يندب لها، ولكل أحد اتخاذه كما في البزازية. نهر. ومقتضاه أنه يندب للرجل أيضا أن يخصص موضعا من بيته لصلاته النافلة. أما الفريضة والاعتكاف فهو في المسجد كما لا يخفى. قال في السراج: وليس لزوجها أيطأها إذا أذن لها لأنه ملكها منافعها، فإن منعها بعد الاذن لا يصح منعه، ولا ينبغي لها الاعتكاف بلا إذنه، وأما الأمة فإن أذن لها كره له الركوع لأنه يخلف وعده، وجاز لأنها لا تملك منافعها. قوله: (ويكره في المسجد) أي تنزيها كما هو ظاهر النهاية. نهر. وصرح في البدائع بأنه خلاف الأفضل. قوله: (كما إذا لم يكن فيه مسجد) أي مسجد بيت، وينبغي أنه لو أعدته للصلاة عن إرادة الاعتكاف أن يصح. قوله: (وهل يصح الخ) البحث لصاحب النهر ح. قوله: (والظاهر لا) لأنه على تقدير أنوثته يصح في المسجد مع الكراهة، وعلى تقدير ذكورته في البيت بوجح. قلت: لكن صرحوا بأن ما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا، وما تردد بين السنة والبدعة يتركه، ألا أن يقال: المراد بالبدعة المكروه تحريما، وهذا ليس كذلك ولا سيما إذا كان الاعتكاف منذورا. قوله: (فاللبث هو الركن) فيه أن هذا حقيقته اللغوية، أما حقيقته الشرعية فهي اللبث المخصوص: أي في المسجد. تأمل. قوله: (من مسلم عاقل) لأن النية لا تصح بدون الاسلام والعقل فهما شرطان لها، وبه يستغني عن جعلهما شرطين للاعتكاف المشروط بالنية كما أفاده في البحر. قوله: (طاهر من جنابة الخ) جعل في البدائع الطهارة من هذه الثلاثة شرطا للاعتكاف قال في النهر: وينبغي أن يكون اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس فيه على رواية اشتراط الصوم في نفله، أما على عدمه، فينبغي أن يكون من شرائط الحل فقط كالطهارة من الجنابة، ولم أر من تعرض لهذا اه. والحاصل: أن الطهارة من الثلاثة شرط للحل، ومن الأولين شرط للصحة أيضا في المنذور، وكذا في النفل على رواية اشتراط الصوم فيه. بخلاف الجنابة لصحة الصوم معها، وبحث فيه الرحمتي بما صرحوا به من أن المقصد الأصلي من شرعية الاعتكاف انتظار الصلاة بالجماعة، والحائض والنفساء ليسا بأهل للصلاة: أي فلا يصح اعتكافهما، لخلاف الجنب إذ يمكنه الطهارة والصلاة اه. ويلزمه أن الجنب لو لم يتطهر ويصلي لا يصح منه، ويلزمه أيضا أن يكون من شروط صحته الصلاة بالجماعة ولم يقل به أحد. تأمل. قوله: (شرطان) خبر المبتدأ وهو الكون وما عطف عليه. قوله: (بلسانه) فلا يكفي لإيجابه النية. منح عن شمس الأئمة. قوله: (وبالشروع) نقله في البحر عن البدائع، ثم قال: ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع، وأما على المذهب
485 من أن أقل النفل ساعة فلا اه. وسيأتي قريبا أيضا مع جوابه. قوله: (وبالتعليق) عطف على قوله: بالنذر وهذا قرينة على أنه أراد بالنذر: النذر المطلق كما قيد به في البدائع لا يرد أن صورة التعليق نذر أيضا وأن مقتضى العطف خلافه، نعم الأظهر أن يقول: واجب بالنذر منجزا أو معلقا كما عبر في البحر والامداد، فافهم. قوله: (أي سنة كفاية) نظيرها إقامة التراويح بالجماعة، فإذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين فلم يأثموا بالمواظبة على الترك لا عذر، ولو كان سنة عين لأثموا بترك السنة المؤكدة إثما دون إثم ترك الواجب كما مر بيانه في كتاب الطهارة. قوله: (لاقترانها الخ) جواب عما أورد على قوله في الهداية، والصحيح أنه سنة مؤكدة لان النبي (ص) واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان، والمواظبة دليل السنة اه: من أن المواظبة بلا ترك دليل الوجوب، والجواب كما في العناية أنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر على من تركه واجبا لأنكر اه. وحاصله: أن المواظبة إنما تفيد الوجوب إذا اقترنت بالانكار على التارك. قوله: (هو بمعنى غير المؤكدة) مقتضاه أنه يسمي سنة أيضا، ويدل عليه أنه وقع في كلام الهداية في باب الوتر إطلاق السنة على المستحب. قوله: (وشرط الصوم لصحة الأول) أي النذر حتى لو قال: لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أيعتكف ويصوم. بحر عن الظهيرية. قوله: (على المذهب) راجع لقوله فقط وهو رواية الأصل، ومقابله رواية الحسن أنه شرط للتطوع أيضا، وهو مبني على اختلاف الرواية في أن التطوع مقدر بيوم أو لا، ففي رواية الأصل غير مقدر، فلم يكن الصوم شرطا له، وعلى رواية تقديره بيوم وهي رواية الحسن أيضا يكون الصوم شرطا له كما في البدائع وغيرها. قلت: ومقتضى ذلك أن الصوم شرطا أيضا في الاعتكاف المسنون لأنه مقدر بالعشر الأخير حتى لو اعتكفه بلا صوم لمرض أو سفر، ينبغي أن لا يصح عنه بل يكون نفلا فلا تحصل به إقامة سنة الكفاية، ويؤيده قول الكنز: سن لبث في مسجد بصوم ونية فإنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية، ولا على التطوع لقوله بعده: وأقله نفلا ساعة، فتعين حمله على المسنون سنة مؤكدة، فيدل على اشتراط الصوم فيه، وقوله في البحر: لا يمكن حمله عليه لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره، فيه نظر، لأنهم إنما صرحوا بكونه شرطا في المنذور غير شرط في التطوع، وسكتوا عن بيان حكم المسنون لظهور أنه لا يكون إلا بالصوم عادة، ولهذا قسم في متن الدرر الاعتكاف إلى الأقسام الثلاثة: المنذور، والمسنون، والتطوع، ثم قال: والصوم شرط لصحة الأول لا الثالث، ولم يتعرض للثاني لما قلنا، ولو كان مرادهم بالتطوع ما يشمل المسنون لكان عليه أن يقول: شرط لصحة الأول فقط كما قال المصنف، فعبارة صاحب الدرر أحسن من عبارة المصنف لما علمته، هذا ما ظهر لي. قوله: (وإن نوى معها اليوم) أما لو نذر اعتكاف اليوم ونوى الليلة معه لزماه كما في البحر. قوله: (والفرق لا يخفى) وهو أنه في الأولى لما جعل اليوم
486 تبعا ليلة، وقد بطل نذره في المتبوع وهو الليلة: بطل في التابع وهو اليوم، وفي الثانية أطلق الليلة وأراد اليوم مجازا مرسلا بمرتبتين، حيث استعمل المقيد وهو في الليلة مطلق الزمن، ثم استعمل هذا المطلق في المقيد وهو اليوم فكان اليوم مقصودا اه ح. قلت: لكن هذا الفرع مشكل، فإن الجائز هو إطلاق النهار على مطلق الزمان دون إطلاق الليل، ولو ساغ الاطلاق المذكور بعلاقة الاطلاق والتقييد أو غيرها لساغ إطلاق السماء على الأرض أو النخلة على شئ طويل غير الانسان، مع أن المصرح به في كتب الأصول عدمه، وأيضا صرحوا بأنه إذا نوى بالعتق الطلاق صح، لان العتق وضع لإزالة ملك الرقبة والطلاق لإزالة ملك المتعة، والأولى سبب للثانية فصح المجاز، بخلاف ما لو نوى بالطلاق العتق فإنه لا يصح مع أنه لا يمكن فيه ادعاء الاطلاق والتقييد، فليتأمل. قوله: (لأنه يدخل الليل تبعا) ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل. بحر. قوله: (لا إيجاده للمشروط قصدا) أي لا يشترط إيقاعه مقصودا لأجل الاعتكاف المشروط، كما لا يشترط إيقاع الطهارة قصدا لأجل الصلاة، بل إذا حضرت الصلاة وكان متوضئا قبلها لغيرها ولو للتبرد يكفيه لها. قوله: (فلو نذر اعتكاف شهر رمضان) الظاهر أن مثله ما إذا نذر صوم شهر معين ثم نذر اعتكاف ذلك الشهر، أو نذر صوم الأبد ثم نذر اعتكافا، فليتأمل ويراجع اه ح. قلت: وجه التأمل ما ذكروا من أن الصوم المقصود للاعتكاف إنما سقط في رمضان لشرف الوقت كما يأتي تقريره، والشرف غير موجود في الصوم المنذور. قوله: (لكن قالوا الخ) قال في الفتح: ومن التفريعات أنه لو أصبح صائما متطوعا أو غير ناو للصوم، ثم قال: لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح، وإن كان في وقت تصح منه نية الصوم لعدم استيعاب النهار. وعند أبي يوسف: أقله أكثر النهار، فإن كان قاله قبل نصف النهار لزمه، فإن لم يعتكفه قضاه اه. وقد ظهر أن علة عدم الصحة عدم استيعاب الاعتكاف للنهار لا تعذر جعل التطوع واجبا، وأنه لا محل للاستدراك المفاد بلكن، بل هي مسألة مستقلة لا تعلق لها بما في المتن اه ح. قلت: ما علل به الشارح علل به في التاترخانية والتجنيس والولوالجية والمعراج وشرح درر البحار، فيكون ذلك علة أخرى لعدم صحة النذر، وبه يصح الاستدراك على قوله: الشرط وجوده لا إيجاده فإن الشرط هنا وهو الصوم موجود مع أنه لم يصح النذر بالاعتكاف. والحاصل: أنه لم يصح لعدم استيعاب النهار بالاعتكاف، وعدم استيعابه بالصوم الواجب، وبه علم أن الشرط واجب بنذر الاعتكاف أو بغيره كرمضان، ويمكن دفع الاستدراك بهذا، فافهم. قوله: (قضى شهرا غيره) أي متتابعا لأنه التزم الاعتكاف في شهر بعينه وقد فاته فيقضيه متتابعا، كما
487 إذا أوجب اعتكاف رجب ولم يعتكف فيه. بدائع. قوله: (سوء قضاء رمضان الأول) أما قضاء رمضان الأول فإنه إن قضاه متتابعا واعتكف فيه جاز لأن الصوم الذي وجب فيه الاعتكاف باق فيقضيهما بصوم شهر متتابعا. بدائع: أي لان القضاء خلف عن الأداء فأعطى حكمه كما أشار إليه الشارح. قوله: (وتحقيقه في الأصول) وهو أن النذر كان موجبا للصوم المقصود، ولكن سقط لشرف الوقت، ولما لم يعتكف في الوقت صار ذلك النذر بمنزلة مطلق عن الوقت فعاد شرطه إلى الكمال بأن واجب الاعتكاف بصوم مقصود لزوال المانع وهو رمضان. فإن قلت: على هذا كان ينبغي أن لا يتأدى ذلك الاعتكاف في صوم قضاء ذلك الشهر كما لو نذر مطلقا. قلت: العلة الاتصال بصوم الشهر مطلقا وهو موجود. فإن قلت: الشرط يراعى وجوده، ويجب كونه مقصودا، كما لو توضأ للتبرد تجوز به الصلاة، ورمضان الثاني على هذه الصفة. قلت: حدوث صفة الكمال منع الشرط عن مقتضاه، فلا بد أن يكون مقصودا ا ه ح عن شرح المنار لابن ملك. تنبيه: في البدائع: لو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله أجزأه عند أبي يوسف لا عند محمد، وهو على الاختلاف في النذر بصوم شهر معين فصام قبله اه: أي بناء على أن النذر غير المعلق لا يختص بزمان ولامكان كما مر، بخلاف المعلق، وقدمنا أن الخلاف في صحة التقديم لا التأخير، والظاهر أنه لا فرق بين نذر اعتكاف رمضان أو شهر معين غيره فيصح اعتكافه قبله وبعده في القضاء وغيره سوى رمضان آخر، غير أنه إن فعله في غير رمضان الأول أو قضائه لا بد له من صوم مقصود كما هو صريح المتن، وليس في كلامهم ما يدل على أنه لا يصح في غيرهما مطلقا، وإنما فيه فرق بينهما وبين غيرهما بأنه لو فعله فيهما أغنى عن صوم مقصود للاعتكاف بسبب شرف الوقت وخلفه، وفي غيرهما لا بد من صوم مقصود له، وهذا ظاهر لا خفاء فيه، فافهم. قوله: (ثم قطعه) الأولى ثم تركه ولكن سماه قطعا نظرا إلى رواية الحسن بتقديره بيوم. قوله: (لأنه لا يشترط له الصوم) الأولى التعليل بأنه غير مقدر بمدة لما علمته مما مر أن الاختلاف في اشتراط الصوم له وعدمه مبني على الاختلاف في تقديره بيوم وعدمه، وكلامه يفيد العكس. تأمل. قوله: (وما في بعض المعتبرات) كالبدائع، وتبعه ابن كمال كما نقله الشارح عنه فيما مر. قوله: (مفرع على الضعيف) أي على رواية الحسن أنه مقدر بيوم. أقول: لكن بعد ما صرح صاحب البدائع بلزومه بالشروع ذكر رواية الحسن، ووجهها وهو أن
488 الشروع في التطوع موجب للاتمام على أصل أصحابنا صيانة للمؤدي عن البطلان، ثم ذكر رواية الأصل أنه غير مقدر بيوم، وأجاب عن وجه رواية الحسن بقوله: وقوله الشروع فيه موجب مسلم، لكن بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج فما وجب إلا ذلك القدر فلا يلزمه أكثر من ذلك اه. فعلم أن قول البدائع أولا أنه يلزم بالشروع مراده به لزوم ما اتصل به الأداء لا لزوم يوم فهو مفرع على رواية الأصل التي هي ظاهر الرواية، فافهم. قوله: (وحرم الخ) لأنه إبطال للعبادة، وهو حرام لقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33) بدائع. قوله: (أما النفل) أي الشامل للسنة المؤكدة ح. قلت: قدمنا ما يفيد اشتراط الصوم فيها بناء على أنها مقدرة بالعشر الأخيرة، ومفاد التقدير أيضا اللزوم بالشروع. تأمل. ثم رأيت المحقق ابن الهمام قال: ومقتضى النظر لو شرع في المسنون: أعني العشر الأواخر بنيته ثم أفسده أن يجب قضاؤه تخريجا على قول أبي يوسف في الشروع في نفل الصلاة ناويا أربعا لا على قولهما اه: أي يلزمه قضاء العشر كله لو أفسد بعضه كما يلزمه قضاء أربع لو شرع في نفل ثم أفسد الشفع الأول عند أبي يوسف، لكن صحح في الخلاصة أنه لا يقضي إلا ركعتين كقولهما، نعم اختار في شرح المنية قضاء الأربع اتفاقا في الراتبة كالأربع قبل الظهر والجمعة، وهو اختيار الفضلى، وصححه في النصاب، وتقدم تمامه في النوافل، وظاهر الرواية خلافه، وعلى كل فيظهر من بحث ابن الهمام لزوم الاعتكاف المسنون بالشروع، وإن لزم قضاء جميعه أو باقيه مخرج على قول أبي يوسف، أما على قول غيره فيقضي اليوم الذي أفسده لاستقلال كل يوم بنفسه، وإنما قلنا: أي باقية بناء على أن الشروع ملزم كالنذر وهو لو نذر العشر يلزمه كله متتابعا، ولو أفسد بعضه قضى باقيه على ما مر في نذر صوم شهر معين. والحاصل أن الوجه يقتضي لزوم كل يوم شرع فيما عندهما بناء على لزوم صومه، بخلاف الباقي لان كل يوم بمنزلة شفع من النافلة الرباعية وإن كان المسنون هو اعتكاف العشر بتمامه. تأمل. قوله: (لأنه منه) اسم فاعل من أنهى اه ح: أي متمم للنفل. قوله: (كما مر) أي من قول المصنف وأقله نفلا ساعة. قوله: (الخروج) أي من معتكفه ولو مسجد البيت في حق المرأة ط. فلو خرجت منه ولو إلى بيتها بطل اعتكافها لو واجبا وانتهى لو نفلا. بحر. قوله: (إلا لحاجة الانسان الخ) ولا يمكث بعد فراغه من الطهور ولا يلزمه أن يأتي بيت صديقه القريب. واختلف فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما قيل فسد وقيل: لا، وينبغي أن يخرج على القولين ما لو ترك بيت الخلاء للمسجد القريب وأتى بيته. نهر. ولا يبعد الفرق بين الخلافية وهذه، لان الانسان قد لا يألف غير بيته. رحمتي: أي فإذا كان لا يألف غيره بأن لا يتيسر له إلا في بيته فلا يبعد الجواز بلا خلاف، وليس كالمكث بعدها ما لو خرج لها ثم ذهب لعيادة مريض أو صلاة جنازة من غير أن يكون خرج لذلك قصدا فإنه جائز كما في البحر عن البدائع. قوله: (طبيعية) حال أو خبر لكان محذوفة: أي سواء كانت طبيعية أو شرعية، وفسر ابن الشلبي الطبيعية بما لا بد منها وما لا يقضى في المسجد. قوله: (وغسل) عده من الطبيعية تبعا للاختيار و النهر وغيرهما، وهو موافق لما علمته من تفسيرها، وعن هذا اعترض بعض الشراح تفسير الكنز لها بالبول والغائط بأن الأولى تفسيرها بالطهارة ومقدماتها ليدخل الاستنجاء والوضوء والغسل لمشاركتها لهما في الاحتياج
489 وعدم الجواز في المسجد اه. فافهم. قوله: (ولا يمكنه الخ) فلو أمكنه من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به. بدائع: أي بأن كان فيه بركة ماء أو موضع معد للطهارة اغتسل في إناء بحيث لا يصيب المسجد المستعمل، قال في البدائع: فإن كان بحيث يتلوث بالماء المستعمل يمنع منه لان تنظيف المسجد واجب اه. والتقييد بعدم الامكان يفيد أنه لو أمكن كما قلنا فخرج أنه يفسد، وهل يجري فيه الخلاف المار فيما لو كان له بيتان فأتى البعيد منهما؟ محل نظر، لان ذاك بعد الخروج، وفرق بينه وبين ما قبله بدليل ما مر، من أنه بعده له الذهاب لعيادة مريض، لكن قول البدائع لا بأس به ربما يفيد الجواز، فتأمل. قوله: (أو شرعية) عطف على طبيعية، ولفظة أو من المتن والواو في والجمعة من الشرح اه ح. قوله: (وعيد) (1) أفاد صحة النذر بالاعتكاف في الأيام الخمسة المنهية، وفيه الاختلاف السابق في نذر صومها، لأن الصوم من لوازم الاعتكاف الواجب، فعلى رواية محمد عن الامام: يصح، لكن يقال له: اقض في وقت آخر ويكفر اليمين إن أراد، وإن اعتكف فيها صح، وعلى رواية أبي يوسف عنه: لا يصح نذره كالنذر بالصوم فيها. بدائع. قوله: (لو مؤذنا) هذا قول ضعيف، والصحيح أنه لا فرق بين المؤذن وغيره كما في البحر والامداد. قوله: (وباب المنارة خارج المسجد) أما إذا كان داخله فكذلك بالأولى. قال في البحر: وصعود المأذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد، وإلا فكذلك في ظاهر الرواية اه ولو قال الشارح: وأذان ولو غير مؤذن وباب المنارة خارج المسجد لكان أولى ح. قلت: بل ظاهر البدائع أن لاذان أيضا غير شرط، فإنه قال: ولو صعد المنارة لم يفسد بلا خلاف وإن كان بابها خارج المسجد لأنها منه، لأنه يمنع فيها كل ما يمنع فيه من البول ونحوه فأشبه زاوية من زوايا المسجد اه. لكن ينبغي فيما إذا كان بابها خارج المسجد أن يقيد بما إذا خرج للاذان، لان المنارة وإن كانت من المسجد لكن خروجه إلى بابها لا للاذان خروج منه بلا عذر، وبهذا لا يكون كلام الشارح مفرعا على الضعيف، ويكون قوله وباب المنارة الخ جملة حالية معتبرة المفهوم، فافهم. قوله: (مع سنتها) أي ومع الخطبة كما في البدائع، ولم يذكره للعلم به لان السنة تكون قبل خروج الخطيب، ولم يذكر تحية المسجد أيضا مع ذكرهم لها هنا لأنه ضعيف إذ صرحوا بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد لحصولها بذلك فلا حاجة إلى تحية غيرها، وكذا لو شرع في السنة كذا في البحر تبعا للفتح، لكن نقل الخير الرملي عن خط العلامة المقدسي أنه لا شك أن صلاة التحية بالاستقلال أفضل من الاتيان بها في ضمن الفريضة، ولا يخفى أن من يعتكف ويلازم باب الكريم إنما يروم ما يوجب له مزيد التفضيل والتكريم اه. فافهم. قوله: (على الخلاف) أي أربعا عنده وستا عندهما. بدائع قال في البحر: وقد ظهر بهذا أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة بنية آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب لنصهم هنا على أنه لا يصلي إلا السنة البعدية، ولان من اختارها من المتأخرين اختارها للشك في سبق جمعته بناء على
(1) قوله: (وعيد) هكذا بخطه والذي في نسخة الشارح: كعيد وهو الأنسب بقوله: أولا كبول ا ه مصححه. 490 عدم جواز تعددها في مصر، وقد نص الامام السرخسي على أن الصحيح من المذهب الجواز، فلا ينبغي الافتاء بها في زماننا لأنهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة وظن أنها غير فرض، وأن الظهر كاف عنها، واعتقاد ذلك كفر اه. ملخصا. قلت: وفي هذا الظهور خفاء، لان الأصل عدم تعدد الجمعة، وليس في كل البلاد فليكن اقتصارهم على بيان السنة مبنيا على ذلك، ولان المعتكف لا يلزم أن يأتي بها في مسجد الجمعة بل يأتي بها في معتكفه. وكون الصحيح جواز التعدد لا ينافي استحباب تلك الأربع خروجا من الخلاف القوي الواقع في مذهبنا ومذهب الغير، وقدمنا في باب الجمعة التصريح عن النهر وغيره بأنه لا شك في استحبابها وكون الأولى أن لا يفتى بها في زماننا لما ذكره لا يلزمه منه عدم الاتيان بها ممن لا يخشى منه ذلك كما مر هناك مبسوطا عن المقدسي وغيره فتذكره بالمراجعة، فافهم. قوله: (ولو مكث أكثر) كيوم وليلة أو أتم اعتكافه فيه. سراج. قوله: (لأنه محل له) أي مسجد الجمعة محل للاعتكاف، وفيه إشارة إل الفرق بين هذا وبين ما لو خرج لبول أو غائط ودخل منزله ومكث فيه حيث يفسد كما مر. وفي البدائع: وما روي عنه (ص) من الرخصة في عيادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف: ذلك محمول على اعتكاف التطوع، ويجوز حمل الرخصة على ما لو خرج لوجه مباح كحاجة الانسان أو الجمعة وعاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يخرج لذلك قصدا وذلك جائز اه. وبه علم أنه بعد الخروج لوجه مباح إنما يضر المكث لو في غير مسجد لغير عيادة. قوله: (لمخالفة ما التزمه) أي من الاعتكاف في المسجد الأول، لأنه لما ابتدأ الاعتكاف فيه فكأنه عينه لذلك فيكره تحوله عنه مع إمكان الاتمام فيه. بدائع. قلت: ولعله لم يتعين بناء على أنه لا يتعين الزمان والمكان في النذر كما مر، وعدم جواز الخروج منه بلا عذر لا لتعينه، بل لان الخروج مضاد لحقيقة الاعتكاف الذي هو اللبث والإقامة. تتمة: لم يذكر جواز خروجه لجماعة، وقدمنا عن النهر والفتح ما يفيده، ويأتي في كلامه ما يفيده أيضا، وفي البحر عن البدائع: لو أحرم بحج أو عمرة أقام في اعتكافه إلى فراغه منه، فإن خاف فوت الحج يحج ثم يستقبل الاعتكاف لان الحج أهم، وإنما يستقبله لان هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى في الاعتكاف اه. قوله: (فيقضيه) أي لو واجبا بالنذر أما التطوع لو قطعه قبل تمام اليوم فلا، إلا في رواية الحسن كما مر، ويقضي المنذور مع الصوم، غير أنه لو كان شهرا معينا يقضي قدر ما فسد، وإلا استقبله لأنه لزمه متتابعا، ولا فرق بين فساده بصنعه بلا عذر كالجماع مثلا إلا الردة، أو لعذر كخروجه لمرض، أو بغير صنعه أصلا كحيض وجنون وإغماء طويل. وأما حكمه إذا فات عن وقته المعين: فإن فات بعضه قضاه لا غير ولا يجب الاستقبال، أو كله قضى الكل متتابعا، فإن قدر ولم يقض حتى مات أوصى لكل يوم بطعام مسكين، وإن قدر على البعض فكذلك إن كان صحيحا وقت النذر، وإلا فإن صح يوما فعلى الاختلاف المار في الصوم، وإلا فلا شئ عليه. بدائع ملخصا. قوله: (إلا إذا أفسده بالردة) لأنها تسقط ما وجب علي قبلها بإيجاب الله تعالى أو إيجابه والنذر من إيجابه اه ح: أي وليس سببه باقيا لأنه النذر، وقد قال في الفتح: إن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر
491 القرب اه. وإذا بطل سببه لم يجب قضاؤه، بخلاف الحج والصلاة الوقتية لبقاء سببهما. قوله: (قالوا وهو الاستحسان) لان في القليل ضرورة، كذا فالهداية بدون لفظة قالوا المشعرة بالخلاف والضعف، ولكنه أتى بها ميلا إلى ما بحثه الكمال. قوله: (وبحث فيه الكمال) حيث قال قوله وهو استحسان يقتضي ترجيحه، لأنه ليس من المواضع المعدودة التي رجح فيها القياس على الاستحسان، ثم منع كونه استحسانا بالضرورة بأن الضرورة التي يناط بها التخفيف هي الضرورة اللازمة أو الغالبة الوقوع مع أنهما: أي الامامين يجيزان الخروج بغير ضرورة أصلا، لان فرض المسألة في خروجه أقل من نصف يوم لحاجة لا بل للعب، وأنا لا أشك في أن خرج المسجد إلى السوق للعب واللهو والقمار إلى ما قبل نصف النهار ثم قال يا رسول الله أنا معتكف قال ما أبعدك عن المعتكفين اه ملخصا. وقد أطال في تحقيق ذلك كما هو دأبه في التحقيق رحمه الله تعالى، وبه علم أنه لم يسلم كونه استحسانا حتى يكون مما رجع فيه القياس على الاستحسان كما أفاده الرحمتي، فافهم. قوله: (وهو ما مر) أي من الحاجة الطبيعية والشرعية. قوله: (وإلا لكان النسيان أولى الخ) لأنه عذر ثبت اعتبارا الصحة معه في بعض الأحكام. فتح: أي كما في أكل الصائم ناسيا وصحة الوقتية عند نسيان الفائتة. قوله: (كما حققه الكمال) حيث قال: والذي في الخانية والخلاصة أنه لو خرج ناسيا أو مكرها أو لبول فحبسه الغريم ساعة أو لمرض فسد عنده، وعلل في الخانية المرض بأنه لا يغلب وقوعه فلم يصر مستثنى عن الايجاب فأفاد الفساد في الكل، وعلى هذا يفسد لو لإعادة مريض (1) أو شهود جنازة وإن تعينت عليه، إلا أنه لا يأثم كما في المرض بل يجب كما في الجمعة، لا يفسد بها لأنها معلوم وقوعها فكانت مستثناة، وعلى هذا خرج لانقاذ غريق أو حريق أو جهاد عم نفيره فسد ولا يأثم، وكذا إذا انهدم المسجد، ونص عليه في الخانية وغيرها، وكذا تفرق أهله وانقطاع الجماعة منه، ونص الحاكم في الكافي فقال: وأما قول أبي حنيفة: فاعتكافه فاسد، إذا خرج ساعة لغير غائط أو بول أو جمعة اه ملخصا. قوله: (خلافا لما فصله الزيلعي) حيث جعل الخروج لعيادة المريض والجنازة وصلاتها وإنجاء الغريق والحريق والجهاد إذا كان النفير عاما، وأداء الشهادة مفسدا، بخلاف خروجه إلى مسجد آخر بانهدام المسجد أو تفرق أهله لعدم صلوات الخمس فيه، وإخراج ظالم كرها، وخوفا على نفسه أو ماله من المكابرين. ومشى في نور الايضاح على هذا التفصيل لا على ما يأتي عن النهر، فافهم. قوله: (لكن في النهر) حيث قال: صرح في البدائع وغيرها بأن عد الفساد في الانهدام والاكراه استحسان، لأنه مضطر إليه لما بعد الانهدام خرج من أن يكون معتكفا لأنه لا يصلي بالجماعة الصلوات الخمس، وهذا يفيد عدم الفساد بتفريق أهله اه. وفي الشرنبلالية: إنه نص على الاستحسان في ذلك في المحيط والمبتغي والجوهرة. قلت: وكذا في المجتبى والسراج والتاترخانية، وبهذا سقط ما ذكره أبو السعود في محشي مسكين من أن ما في البدائع وغيرها قول الصاحبين، وأن الزيلعي ومسكينا والشرنبلالي وغيرهم
(1) قوله: (لو لإعادة مريض) هكذا ولعل صوابه: لو لعيادة مريض. ا ه مصححه. 492 خلطوا أحد القولين بالآخر، وأطال فيه بما لا يجدي، إذ لو كان قول الصاحبين فما معنى الاستحسان في بعض الاعذار دون بعض وهما يقولان بعدم الفساد بالخروج أقل من نصف نهار بلا عذر أصلا؟ وأيضا لو كان ذلك قولهما لنقله واحد منهم، بل صرح في البدائع في مسألتي الانهدام والاكراه بأنه لا يفسد إذا دخل مسجدا آخر من ساعته استحسانا، فقوله: من ساعته. صريح في أنه على قول الإمام . والحاصل: أن مذهب الامام الفساد بالخروج إلا لبول أو غائط أو جمعة، كما مر التصريح به عن كافي الحاكم، وعليه ما مر عن الخانية والخلاصة والفتح، وأن بعض المشايخ استحسن عدمه في بعض المسائل، وكأنه في الخانية لم ير هذا الاستحسان وجيها لان انهدام المسجد لا يخرجه عن كونه معتكفا بناء على القول بأن إقامة الخمس فيه بالجماعة غير شرط كما مر أول الباب، ولان الخروج لمرض وحيض ونسيان إذا كان مفسدا مع أنه من قبل من له الحق سبحانه وتعالى فيكون للاكراه الذي هو قبل العبد مفسدا بالأول، ولعل المحقق ابن الهمام نظر إلى هذا فتبع المنقول في كافي الحاكم الذي هو تلخيص كتب ظاهر الرواية وفي الخانية وغيرها، وتبعه صاحب البحر واعتمده صاحب البرهان حيث اقتصر عليه في متنه مواهب الرحمن وتبعهم المصنف أيضا، وكذا العلامة المقدسي في شرحه وإن خالف فيه الشرنبلالي، فافهم. قوله: (وفي التاترخانية) ومثله في القهستاني. قوله: (لو شرط) فيه إيماء إلى عدم الاكتفاء بالنية. أبو السعود. قوله: (جاز ذلك) قلت: يشير إليه قوله في الهداية وغيرها عند قوله: ولا يخرج إلا لحاجة الانسان، لأنه معلوم وقوعها، فلا بد من الخروج فيصير مستثنى اه. والحاصل أن ما يغلب وقوعه يصير مستثنى حكما وإن لم يشترطه، وما لا فلا، إلا إذا شرطه. قوله: (وخص المعتكف بأكل الخ) أي في المسجد والباء داخلة على المقصور عليه، بمعنى أن المعتكف مقصور على الاكل ونحوه في المسجد لا يحل له في غيره، ولو كانت داخلة على المقصور كما هو المتبادر يرد عليه أن النكاح والرجعة غير مقصورين عليه لعدم كراهتهما لغيره في المسجد. واعلم: أنه كما لا يكره الاكل ونحوه في الاعتكاف الواجب فكذلك في التطوع كما في كراهية جامع الفتاوى، ونصه: يكره النوم والاكل في المسجد لغير المعتكف، وإذا أراد ذلك ينبغي أن ينوي الاعتكاف فيدخل فيذكر الله تعالى بقدر ما نوى أو يصلي ثم يفعل ما شاء اه. قوله: (فلو لتجارة كره) أي وإن لم يحضر السلعة واختاره قاضيخان ورجحه الزيلعي لأنه منقطع إلى الله تعالى فلا ينبغي له أن يشتغل بأمور الدنيا. بحر. قوله: (ورجعة) معطوف على أكل لا على بيع إلا بتأويل العقد بما يشملها. قوله: (لعدم الضرورة) أي إلى الخروج حيث جازت في المسجد وفي الظهيرية، وقيل يخرج بعد الغروب للاكل والشرب اه. وينبغي حمله علما إذا لم يجد من يأتي له به فحينئذ يكون من الحوائج الضرورية كالبول. بحر. قوله: (إحضار مبيع فيه) لان المسجد محرز عن
493 حقوق العباد، وفيه شغله بها، ودل تعليلهم أن المبيع لو لم يشغل البقعة لا يكره إحضاره كدراهم يسيرة أو كتاب ونحوه. بحر. لكن مقتضى التعليل الأول الكراهة وإن لم يشتغل. نهر. قلت: التعليل واحد، ومعناه أنه محرز عن شغله بحقوق العباد، وقولهم: وفيه شغله بها نتيجة التعليل ولذا أبدله في المعراج بقوله: فيكره شغله بها، فافهم. وفي البحر: وأفاد إطلاقه أن إحضار ما يشتريه ليأكله مكروه، وينبغي عدم الكراهة كما لا يخفى اه: أي لان إحضاره ضروري لأجل الاكل، ولأنه لا شغل به لأنه يسير. وقال أبو السعود: نقل الحموي عن البرجندي أن إحضار الثمن والمبيع الذي لا يشغل المسجد جائز اه. قوله: (مطلقا) أي سواء احتاج إليه لنفسه أو عياله أو كان للتجارة أحضره أو لا كما يعلم مما قبله ومن الزيلعي والبحر. قوله: (للنهي) ما رواه أصحاب السنن الأربعة وحسنه الترمذي أن رسول الله (ص) نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن ينشد فيه ضالة، أو ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة فتح. قوله: (وكذا أكله) أي غير المعتكف قوله: (لكن الخ) استدراك على ما في الأشباه، وعبارة ابن الكمال عن جامع الأسبيجابي: لغير المعتكف أن ينام في المسجد مقيما كان أو غريبا أو مضطجعا أو متكئا رجلاه إلى القبلة أو إلى غيرها، فالمعتكف أولى اه. ونقله أيضا في المعراج، وبه يعلم تفسير الاطلاق. قال ط: لكن قوله: رجلاه إلى القبلة، غير مسلم لما نصوا عليه من الكراهة اه. ومفاد كلام الشارح ترجيح هذا الاستدراك، والظاهر أن مثل النوم الأكل والشرب إذا لم يشغل المسجد ولم يلوثه، لان تنظيفه واجب كما مر، لكن قال في متن الوقاية: ويأكل: أي المعتكف ويشرب وينام ويبيع ويشتري فيه لا غيره. قال منلا علي في شرحه: أي لا يفعل غير المعتكف شيئا من هذه الأمور في المسجد اه. ومثله في القهستاني ثم نقل ما مر عن المجتبى. قوله: (وصمت) عدل عن السكوت للفرق بينهما، وذلك أن السكوت ضم الشفتين، فإن طال سمي صمتا. نهر. وإنما كره لأنه ليس في شريعتنا لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل رواه أبو داود وأسند أبو حنيفة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص) نهى عن صوم الوصال وعن صوم الصمت فتح. قوله: (ويجب) لم يقل يفترض ليشمل الواجب، فإن الكلام قد يكون حراما كالغيبة مثلا، وقد يكره كإنشاد شعر قبيح، وكذا كره لترويج سلعة، فالصمت عن الأول فرض وعن الثاني واجب، فافهم. قوله: (وتكلم إلا بخير) فيه التفريع في الايجاب، إلا أن يقال: إنه نفى معنى. ط عن الحموي: أي لان كره بمعنى لا يفعل كما قيل في قوله تعالى: * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) * (التوبة: 23) وقوله: * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * (البقرة: 54) لأنه بمعنى لا يريد، ومعنى لا تسهل كما ذكره ابن هشام في آخر المغني، ويحتمل كون إلا بمعنى غير كما في: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) ولم يدخل عليها حرف الجر، بل تخطاها لما بعدها لأنها على صورة الحرفية، والأولى جعل الجار متعلقا بمحذوف، والاستثناء من تكلم المذكور. والمعنى: وكره تكلم إلا تكلما بخير، فحذف المتعلق الخاص
494 للقرينة، فيكون الاستثناء من كلام تام موجب. تأمل. قوله: (ومنه المباح الخ) أي مما لا إثم فيه، وهذا ما استظهر في النهر أخذا من العناية، وبه رد على ما في البحر من أن الأولى تفسير الخير بما فيه ثواب، فيكره للمعتكف التكلم بالمباح، بخلاف غيره: أي غير المعتكف اه. بأنه لا شك في عدم استغنائه عن المباح عند الحاجة إليه فكيف يكره له مطلقا؟ أهو المراد ما يحتاج إليه من أمر الدنيا إذا لم يقصد به القربة، وإلا ففيه ثواب. قوله: (وهو) أي المباح عند عدم الاحتياج إليه ط. قوله: (إنه مكروه) أي إذا جلس له كما قيده في الظهيرية ذكره في البحر قبيل الوتر. وفي المعراج عن شرح الارشاد: لا بأس بالحديث في المسجد إذا كان قليلا، فأما أن يقصد المسجد للحديث فيه فلا اه. وظاهر الوعيد أن الكراهة فيه تحريمية. قوله: (في فرج) أي قبل أو دبر. قوله: (ولو كان وطؤه خارج المسجد) عممه تبعا للدرر إشارة إلى رد ما في العناية وغيرها من أن المعتكف إنما يكون في المسجد، فلا يتهيأ له الوطئ. ثم قال: وأولوه بأنه جاز له الخروج للحاجة الانسانية، فعند ذلك يحرم عليه الوطئ. وذكر في شرح التأويلات أنهم كانوا يخرجون ويقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون فيرجعون إلى معتكفهم، فنزل قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * (البقرة: 781) اه. قال الشيخ إسماعيل: وفيه نظر لامكان الوطئ في المسجد، وإن كان فيه حرمة من جهة أخرى وهي حلول الجنب فيه على أنه يحتمل أن تكون الزوجة معتكفة في مسجد بيتها فيأتيها فيه زوجها فيبطل اعتكافها اه. قوله: (في الأصح) قال في الشرنبلالية: ولم يفسده الشافعي بالوطئ ناسيا، وهو رواية ابن سماعة عن أصحابنا اعتبارا له بالصوم، كذا في البرهان اه. قوله: (حالته مذكرة) تعليل للأصح ببيان الفرق بينه وبين الصوم بأن المعتكف له حالة تذكره، فلا يغتفر نسيانه كالمحرم والمصلي، بخلاف الصائم. قوله: (وبطل بإنزال الخ) لأنه بالانزال صار في معنى الجماع. نهر. قوله: (لم يبطل لعدم معنى الجماع) ولذا لم يفسد به الصوم. قوله: (وإن حرم الكل) أي كل ما ذكر من دواعي الوطئ. إذ لا يلزم من عدم البطلان بها حلها لعدم الحرج. قال في شرح المجمع: فإن قلت: لم لم تحرم الدواعي في الصوم وحالة الحيض كما حرم الوطئ؟ قلت: لأن الصوم والحيض يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي فيهما لوقعوا في الحرج وذلك مدفوع شرعا. قوله: (ولا بأكل ناسيا الخ) والأصل أن ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع منه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم لا يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل، كالجماع والخروج من المسجد وما كان من محظورات الصوم، وهو ما منع منه لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والليل والنهار كالأكل والشرب. بدائع. قوله: (وردته) وإذا بطل بها لم يجب قضاؤه كما
495 تقدم. قوله: (إن داما أياما) المراد بالأيام أن يفوته صوم بسبب عدم إمكان النية ح. ويقضيه في الاغماء كالجنون ط. قوله: (سنة) عبارة البدائع: وغيرها سنين، والمراد المبالغة فيقضي في الأقل بالأولى. قوله: (استحسانا) والقياس لا يقضي كما في صوم رمضان. وجه الاستحسان: أن سقوط القضاء في صوم رمضان إنما كان لدفع الحرج، رمضان فيحرج في قضائه لا يتحقق في الاعتكاف. فتح. قوله: (ولزمه الليالي) أي اعتكافها مع الأيام. قوله: (بلسانه) فلا يكفي مجرد نية القلب. فتح. وقد مر. قوله: (اعتكاف أيام) كعشرة مثلا. قوله: ولاء) حال من الليالي، والأصل أنه متى دخل الليل والنهار في اعتكافه فإنه يلزمه متتابعا، ولا يجزيه لو فرق. بحر. وكذا لو نذر اعتكاف شهر غير معين لزمه اعتكاف شهر: أي شهر كان، متتابعا في الليل والنهار، بخلاف ما إذا نذر صوم شهر ولم يذكر التتابع ولا نواه فإنه يخير، إن شاء فرق لان الاعتكاف عبادة دائمة ومبناها على الاتصال لأنه لبث وإقامة، والليالي قابلة لذلك، بخلاف الصوم. وتمامه في البدائع. قوله: (كعكسه) وهو نذر اعتكاف الليالي فتلزمه الأيام ط. قوله: (بلفظ الجمع) كثلاثين يوما أو ليلة، وكذا ثلاثة أيام فإنه في حكم الجمع، ولذا يتبع به الجمع كرجال ثلاثة، وإن أراد بالعددين المعدودين، يكون التمييز في المثال الأول في حكم الجمع لوقوعه تمييزا وبيانا لذات الجمع: أعني الثلاثين. فافهم. قوله: (وكذا التثنية) فإنها في حكم الجمع فيلزمه اعتكاف يومين بليلتهما، وهذا عندهما. وقال أبو يوسف: لا تدخل الليلة الأولى. بدائع. وأفاد أن المفرد لا تدخل فيه الليلة كما يأتي قوله: يتناول الآخر أي بحكم العرف والعادة، تقول: كنا عند فلان ثلاثة أيام، وتريد ثلاثة أيام وما بإزائها من الليالي، وقال تعالى: * (ثلاث ليال سويا) * (مريم: 01) و * (ثلاثة أيام إلا رمزا) * (آل عمران: 14) فعبر في موضع باسم الليالي وفي موضع باسم الأيام، والقصة واحدة، فالمراد من كل واحد منهما ما هو بإزاء صاحبه، حتى إنه في الموضع الذي لم تكن الأيام فيه على عدد الليالي أفرد كل واحد منهما بالذكر كقوله * (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) * كما في البدائع. قوله: (فلو نوى الخ) لما ذكر لزوم الليالي تبعا للأيام ولم يقيد ذلك بنيتهما أو عدمها علم أنه لا فرق، ثم فرع عليه ما لو نوى أحدهما خاصة حيث كان في الكلام السابق إشارة إلى مخالفة حكمه لفصح التفريع، فافهم. قوله: (النهار) أي جنسه. وفي بعض النسخ: النهي بصيغة الجمع، وقيل لا يجمع كالعذاب والسراب كما في القاموس. قوله: (صحت نيته) فيلزمه الأيام بغير ليل، وله خيار التفريق لان القربة تعلقت بالأيام، وهي متفرقة، فلا يلزمه التتابع إلا بالشرط كما في الصوم، ويدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر، ويخرج بعد غروب الشمس، بدائع. قوله: (لنيته الحقيقة) أي اللغوية، أما العرفية، فتشمل الليالي كما قدمناه، وإذا كان للفظ حقيقة لغوية وحقيقة عرفية ينصرف عند الاطلاق عند أهل العرف إلى العرفية كما نصوا عليه فلذا احتاج إلى النية إذا أريد به الحقيقة اللغوية، وبه اندفع ما أورد من أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة ونية، وأفاد في البدائع أن العرف أيضا في استعمال اللغوية باق فصحت نيته اه. فكان العرف مشتركا، والظاهر أن
496 الأكثر استعمالا خلاف اللغوي، فلذا انصرف إليه عند الاطلاق واحتاج اللغوي إلى النية. قوله: (لا) أي لا تصح نيته لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه. بحر. والحاصل أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد، أو المثنى، أو المجموع، وكل من الثلاثة إما أن يكون اليوم أو الليل، وكل من السنة إما أن ينوي الحقيقة أو المجاز أو ينويهما أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون. وعلمت حكم المثنى والمجموع بأقسامهما، بقي المفرد، فلو نذر اعتكاف يوم لزمه فقط نواه أو لم ينو، وإن نوى الليلة معه لزماه، ولو نذر اعتكاف ليلة لم يصح ما لم ينو بها اليوم كما مر، وتمامه في البحر. قوله: (اعتكاف شهر) أي بأن أتى بلفظة شهر، أما لو قال ثلاثين يوما فهو ما مر. قوله: (لما مر) أي أول الباب من قوله: لعدم محليتها ح: أي فإن الباقي بعد استثناء الأيام هو الليالي المجردة، فلا يصح اعتكاف المنذور فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم. قوله: (واعلم أن الليالي تابعة للأيام) أي كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها، ألا ترى أنه يصلي التراويح في أول ليلة من رمضان دون أول ليلة من شوال، فعلى هذا إذا ذكر المثنى أو المجموع يدخل المسجد قبل الغروب، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم نذره كما صرح به في الخانية، وصرح بأنه إذا قال أياما يبدأ بالنهار فيدخل المسجد قبل طلوع الفجر اه. فعلى هذا لا يدخل الليل في نذر الأيام إلا إذا ذكر له عددا معينا. بحر. قوله: (إلا ليلة عرفة الخ) عبارة البحر عن المحيط: إلا في الحج فإنها في حكم الأيام الماضية، فليلة عرفة تابعة ليوم التروية، وليلة النحر تابعه ليوم عرفة اه. ونقل قبله عن أضحية الولوالجية: الليلة في كل وقت تبع لنهار يأتي، إلا في أيام الأضحى فتبع لنهار ماض رفقا بالناس اه. قلت: وفي حج الولوالجية أيضا: الليل في باب المناسك تبع للنهار الذي تقدم، ولهذا لو وقف بعرفة ليلة النحر قبل الطلوع أجزأه اه. والحاصل: أن ليلة عرفة تابعة لما قبلها في الحكم حتى صح الوقوف فيها، وكذا ليلة النحر والتي تليه والتي بعدها، حتى صح النحر في الليالي وجاز الرمي فيها: والمراد أن الافعال التي تفعل في النهار من نحر أو وقوف أو نحو ذلك من أفعال المناسك يصح فعلها في الليلة التي تلي ذلك النهار رفقا بالناس، وبسبب ذلك أطلق على تلك الليلة أنها تبع لليوم الذي قبلها: أي تبع له في الحكم لا حقيقة، وإلا فكل ليلة تبع لليوم الذي بعدها، ولذا يقال: ليلة النحر لليلة التي يليها يوم النحر، ولو كانت لليوم الذي قبلها لصارت اسما لليلة عرفة، ولا يسوغ ذلك لا لغة ولا شرعا. وحينئذ فلا يصح ما قيل إن اليوم الثالث من أيام النحر لا ليلة له وليوم التروية ليلتان، إلا أن يريد من حيث الحكم، وإلا لزم أنه لو نذر اعتكاف يوم التروية ويوم عرفة يجب عليه اعتكاف اليومين وثلاث ليال، والظاهر أنه لا يقول به أحد، فافهم. مطلب في ليلة القدر
497 قوله: (دائرة في رمضان اتفاقا) أي دائرة معه، بمعنى أنها توجد كلما وجد، فهي مختصة به عند الامام وصاحبيه، لكنها عندهما في ليلة معينة منه، وعنده لا تتعين، ويشير إلى ما قلنا في تفسير الدوران ما في البحر عن الكافي: ليلة القدر في رمضان دائرة لكنها تتقدم وتتأخر. وعندهما: تكون في رمضان ولا تتقدم ولا تتأخر اه. فافهم. قوله: (لجواز كونها في الأول) أي في رمضان الأول: في الأولى: أي في الليلة الأولى منه، وفي رمضان الآتي في الليلة الأخيرة منه، فإذا انسلخ رمضان الأول لا يقع للاحتمال الأول، وإذا لم ينسلخ الآتي لا يقع أيضا للاحتمال الثاني، فإذا انسلخ الآتي تحقق وجودها في أحدهما فحينئذ. قوله: (إذا مضى الخ) يعني إذا كانت هي الليلة الأولى فقد وقع بأول ليلة من القابل، وإن كانت الثانية، أو الثالثة الخ فقد وجدت في الماضي، فيتحقق عندهما وجودها قطعا بأول ليلة من القابل. رملي. قوله: (لكن قيده الخ) أي قيد صاحب المحيط الافتاء بقول الإمام يكون الحالف فقيها: أي عالما باختلاف العلماء فيها، وإلا فلو كان عاميا فهي ليلة السابع والعشرين لان يسمونها ليلة القدر، فينصرف حلفه إلى ما تعارف عنده كما هو أحد الأقوال فيها، وله أدلة من الأحاديث، وأجاب عنها الامام بأن ذلك كان في ذلك العام. تتمة: ما ذكره عن الامام هو قول له، وذكر في البحر عن الخانية أن المشهور عن الامام أنها تدور: أي في السنة كلها، قد تكون في رمضان وقد تكون في غيره اه. قلت: ويؤيده ما ذكره سلطان العارفين سيدي محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية بقوله: واختلف الناس في ليلة القدر: أعني في زمانها، فمنهم من قال: هي في السنة كلها تدور، وبه أول. فإني رأيتها في شعبان، وفي شهر ربيع، وفي شهر رمضان، وأكثر ما رأيتها في شهر رمضان وفي العشر الآخر منه، ورأيتها مرة في العشر الوسط من رمضان في غير ليلة وتر وفي الوتر منها، فأنا على يقين من أنها تدور في السنة في وتر وشفع من الشهر اه. وفيها للعلماء أقوال أخر بلغت ستة وأربعين. خاتمة: قال في معراج الدراية: اعلم أن ليلة القدر ليلة فاضلة يستحب طلبها، وهي أفضل ليالي السنة، وكل عمل خير فيها يعدل ألف عمل في غيرها. وعن ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ نصيبه منها، وعن الشافعي: العشاء والصبح، ويراها من المؤمنين من شاء الله تعالى. وعن المهلب من المالكية: لا تمكن رؤيتها على الحقيقة، وهو غلط، وينبغي لمن يراها أن يكتمها ويدعو الله تعالى بالاخلاص اه. اللهم إنا نسألك الاخلاص في القول والعمل وحسن الختام عند انتهاء الاجل، والعون على الاتمام يا ذا الجلال والاكرام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
498 كتاب الحج لما كان مركبا من المال والبدن وكان واجبا في العمر مرة ومؤخرا في حديث: بني الاسلام على خمس أخره وختم به العبادات: أي الخالصة، وإلا فنحو النكاح والعتاق والوقف يكون عبادة عند النية، لكنه لم يشرع لقصد التعبد فقط، ولذا صح بلا نية، بخلاف أركان الاسلام الأربعة فإنها لا تكون إلا عبادة لاشتراط النية فيها، هذا ما ظهر لي. وأورد في النهر على قولهم مركب: إنه عبادة بدنية محضة، والمال إنما هو شرط في وجوده لا أنه جزء مفهومه اه. وفيه أن كونه عبادة مركبه مما اتفقت عليه كلمتهم أصولا وفروعا حتى أوجبوا الحج عن الميت وإن فات عمل البدن لبقاء الجزء الآخر وهو المال كما سيجئ تقريره، وليس قولهم إنه مركب تعريفا له لبيان ماهيته حتى يقال: إن المال شرط فيه لا جزء مفهومه، بل المراد بيان أن التعبد به لا يتوصل إليه غالبا إلا بأعمال البدن وإنفاق المال لأجله، والصلاة والصوم وإن كانتا لا بد لهما من مال كثوب يستر عورته وطعام يقيم بنيته فإن ذلك ليس لأجلهما، بمعنى أنه لولاهما لم يفعله، ولذا لم يجعل المال من شروطهما، وجعل من شروطه، وأيضا فإن المال فيهما يسير لا مشقة في إنفاقه، بخلاف المال في حج الآفاقي، فإنه كثير فناسب أن يكون مقصودا في العبادة ولذا وجب دفعه إلى النائب عند العجز الدائم عن الافعال، ولم يجب الحج على الفقير القادر على المشي، ووجبت الصلاة والصوم على العاجز عن الساتر والسحور، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (بفتح الحاء وكسرها) بهما قرئ في السبع، وقيل الأول الاسم والثاني المصدر، ط على المنح والنهر. قوله: (كما ظنه بعضهم) هو الزيلعي تبعا لاطلاق كثير من كتب اللغة، ونقل في الفتح تقييده بالمعظم عن ابن السكيت، وكذا قيده به السيد الشريف في تعريفاته، وكذا في الاختيار. قوله: (وشرعا زيارة الخ) اعلم أنهم عرفوه بأنه قصد البيت لأداء ركن من أركان الدين ففيه معنى اللغة، واعترضهم في الفتح بأن أركانه الطواف، والوقوف، ولا وجود للمتشخص إلا بأجزائه المشخصة، وماهيته الكلية منتزعة منها، وتعريفه بالقصد لأجل الأعمال مخرج لها عن المفهوم، اللهم إلا أن يكون تعريفا اسميا غير حقيقي فهو تعريف لمفهوم الاسم عرفا، لكن فيه أن المتبادر من الاسم عند الاطلاق هو الأعمال المخصوصة لا نفس القصد المخرج لها عن المفهوم مع أنه فاسد في نفسه، فإنه لا يشمل الحج النفل، والتعريف إنما هو للحج مطلقا كتعريف الصلاة والصوم وغيرهما، لا للفرض فقط، ولأنه حينئذ يخالف سائر أسماء العبادات فإنها أسماء للأفعال كالصلاة للقيام، والقراءة الخ، والصوم للامساك الخ، والزكاة لأداء المال، فليكن الحج أيضا عبارة عن الافعال الكائنة عند البيت وغيره كعرفة اه. ملخصا. فعدل الشارح عن تفسير الزيلعي الزيارة بالقصد إلى تفسيرها بالطواف والوقوف تبعا للبحر ليكون اسما للأفعال كسائر أسماء العبادات، ولما ورد عليه أن يكون قوله: بفعل مخصوص حشوا، إذ المراد به كما قالوا هو الطواف والوقوف تخلص عنه بتفسيره بأن يكون محرما الخ. قيل: ولا يخفى ما فيه لأنه يلزم عليه إدخال الشرط: أي الاحرام في التعريف، فلو أبقى الزيارة على معناها اللغوي وهو الذهاب وفسر الفعل المخصوص بالطواف والوقوف لكان أولى اه.
499 وفيه أن الزيارة أيضا ليست ماهيته الحقيقية فيرد ما مر في تفسيره بالقصد على أن الاحرام وإن كان شرطا ابتداء فهو في حكم الركن انتهاء كما سيصرح به الشارح، ولو سلم فذكر الشرط لا يخل بالتعريف بل لا بد منه لأنه لا يتحقق المعنى الشرعي بدونه كمن صلى بلا طهارة ولذا ذكروا النية في تعريف الزكاة والصوم، فافهم. والتحقق أن تفسيره بالقصد لا يخرجه عن نظائره من أسماء العبادة، لان المراد بالقصد هنا الاحرام، وهو عمل القلب واللسان بالنية والتلبية، أو ما يقوم مقام التلبية من تقليد البدنة مع السوق كما سيأتي، فيكون عمل الجوارح أيضا، ولان قوله: بفعل مخصوص الباء فيه للملابسة، والمراد به الطواف والوقوف، فهو قصد مقترن بهذه الافعال لا مجرد القصد، فلم يخرج عن كونه فعلا مخصوصا كسائر أسماء العبادات، نعم فرقوا بين الحج وسائر أسماء العبادات حيث جعلوا القصد فيه أصلا والفعل تبعا، وعكسوا في غيره لان الشائع في المعاني الاصطلاحية المنقولة عن المعاني اللغوية أن تكون أخص من اللغوية لا مباينة لها. ولما كان الحج لغة هو مطلق القصد إلى معظم خصصوه بكونه قصدا إلى معظم معين بأفعال معينة، ولو جعل اسما للأفعال المعينة أصالة لباين المعنى اللغوي المنقول عنه، بخلاف نحو الصوم، فإنه في اللغة مطلق الامساك، فخصصوه، بكونه إمساكا عن المفطرات، بنية من الليل. وكذا في الزكاة في اللغة: الطهارة، وتزكية الشئ: تطهيره. وتزكية المال المسماة زكاة شرعا: تمليك جزء منه، فإنه طهارة له لقوله تعالى: * (تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 301) فهي تطهير مخصوص بفعل مخصوص، وهو التمليك، فلهذا جعل القصد أصلا في تعريف الحج شرعا دون غيره وإن كان القصد شرطا في الكل، وكذا جعل أصلا في تعريف التيمم، فإنه في اللغة مطلق القصد. وعرفوه شرعا بأنه قصد الصعيد الطاهر على وجه مخصوص، وهو الضربتان، فهو قصد مقترن بفعل فلم يخرج عن كونه اسما لفعل العبد، وهذا معنى قول الزيلعي: جعل الحج اسما لقصد خاص مع زيادة وصف كالتيمم اسم لمطلق القصد، ثم جعل في الشرع اسما لقصد خاص زيادة وصف اه. هذا ما ظهر لي في تحقق هذا المحل. قوله: (سابقا) أي على الوقوف والطواف، أما كونه من الميقات فواجب ط. قوله: (لعذر) إما لان الآية نزلت بعد فوات الوقت، أو لخوف من المشركين على أهل المدينة، أو خوفه على نفسه (ص)، أو كره مخالطة المشركين في نسكهم إذ كان لهم عهد في ذلك الوقت. زيلعي. وقدم الأول لما في حاشيته للشلبي عن الهدي لابن القيم أن الصحيح أن الحج فرض في أواخر سنة تسع. وأن آية فرضه هي قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) وهي نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، وأنه (ص) لم يؤخر الحج بعد فرضه عاما واحدا، وهذا هو اللائق بهديه وحاله (ص)، وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد، وغاية ما احتج به من قال سنة ست، أن فيها نزل قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691) وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج وإنما فيه الامر بإتمامه إذا شرع فيه، فأين هذا من وجوب ابتدائه؟ اه. قوله: (مع علمه الخ) جواب آخر غير متوقف على وجود العذر.
500 وحاصله أن وجوبه على الفور للاحتياط، فإن في تأخيره تعريضا للفوات، وهو منتف في حقه (ص) لأنه كان يعلم بقاء حياته إلى أن يعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ لقوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) * الآية، فهذا أرقي في التعليل، ولذا جعل الأول تابعا له فهو كقولك: أكرم زيدا لأنه محسن إليك مع أنه أبوك. قوله: (لان سببه البيت) بدليل الإضافة في قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) فإن الأصل إضافة الاحكام إلى أسبابها كما تقرر في الأصول، ولا يتكرر الواجب إذا لم يتكرر سببه ولحديث مسلم يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله اه؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله (ص): لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم قال في النهر: والآية وإن كانت كافية في الاستدلال على نفي التكرار لان الامر لا يحتمله إلا أن إثبات النفي بمقتضى النفي أولى. قوله: (وقد يجب) أي الحج، وهذا عطف على قوله فرض. قوله: (كما إذا جاوز الميقات بلا إحرام) أي فإنه يجب عليه أن يعود إلى الميقات ويلبي منه، وكذا يجب عليه قبل المجاوزة. قال في الهداية: ثم الآفاقي إذا انتهى إلى المواقيت على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج أو العمرة عندنا أو لم يقصد، لقوله (ص): لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما ولو لتجارة ولان وجوب الاحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه التاجر والمعتمر وغيرهما اه. قال ح: فتحصل من هذا أن الحج والعمرة لا يكونان نفلا من الآفاقي، وإنما يكونان نفلا من البستاني والحرمي اه. قلت: وفيه نظر، فإن حرمة مجاوزته بدون إحرام لا تدل على أن الاحرام لا يكون إلا واجبا من الآفاقي لان الواجب كونه متلبسا بالاحرام وقت المجاوزة، سواء كان الاحرام بحج نفل أو غيره، لان الاحرام شرط لحل المجاوزة، والشرط لا يلزم تحصيله مقصودا كما مر في الاعتكاف، ونظيره أيضا أن الجنب لا يحل له دخول المسجد حتى يغتسل، فإذا اغتسل لسنة الجمعة مثلا ثم دخل جاز، مع أنه إنما نوى الغسل المسنون وإنما يجب إذا أراد الدخول، ولم يغتسل لغيره، وهنا إذا أراد مجاوزة الميقات وكان قاصدا للنسك وأحرم بنسك فرض أو منذور أو نفل كفاه لحصول المقصود في تعظيم البقعة، فإن لم يكن قاصدا لذلك بأن قصد الدخول لتجارة مثلا فحينئذ يكون إحرامه واجبا، ونظيره تحية المسجد تندرج في أي صلاة صلاها، فإن لم يصل فلا بد في تحصيل السنة من صلاتها على الخصوص، هذا ما ظهر لي، وعن هذا والله تعالى أعلم فرض الشارح تبعا للبحر والنهر تصوير الوجوب بما إذا جاوز الميقات بلا إحرام فإنه يجب عليه العود إلى الميقات ويلبي منه، ويكون إحرامه حينئذ واجبا إذا كان لأجل المجاوزة، أما لو أحرم قبلها بنسك فرض، أو نذر أو نفل فهو على ما نوى من فرض أو غيره، ولا يجب عليه إحرام خاص لأجل المجاوزة، وحينئذ فلا حزازة في عبارته، فافهم. قوله: (كما سيجئ) أي قبيل فصل الاحرام وكذا قبيل فصل الاحصار. قوله: (فإن اختار الحج اتصف بالوجوب) فيكون من قبيل الواجب المخير: أي وإن اختار العمرة اتصفت بالوجوب، وإنما تركه لعدم اقتضاء المقام إياه اه ح.
501 مطلب فيمن حج بمال حرام قوله: (كالحج بمال حرام) كذا في البحر، والأولى التمثيل بالحج رياء وسمعة، فقد يقال: إن الحج نفسه الذي هو زيارة مكان مخصوص الخ ليس حراما، بل الحرام هو إنفاق المال الحرام، ولا تلازم بينهما، كما أن الصلاة في الأرض المغصوبة تقع فرضا، وإنما الحرام شغل المكان المغصوب لا من حيث كون الفعل صلاة. لان الفرض لا يمكن اتصافه بالحرمة، وهنا كذلك فإن الحج في نفسه مأمور به، وإنما يحرم من حيث الانفاق، وكأنه أطلق عليه الحرمة لان للمال دخلا فيه، فإن الحج عبادة مركبة من عمل البدن والمال كما قدمناه، ولذا قال في البحر: ويجتهد في تحصيل نفقة حلال، فإنه لا يقبل بالنفقة الحرام كما ورد في الحديث، مع أنه يسقط الفرض عنه معها ولا تنافي بين سقوطه وعدم قبوله، فلا يثاب لعدم القبول، ولا يعاقب عقاب تارك الحج اه. أي لأن عدم الترك يبتني على الصحة: وهي الاتيان بالشرائط، والأركان، والقبول المترتب عليه الثواب يبتني على أشياء كحل المال والاخلاص، كما لو صلى مرائيا أو صام واغتاب فإن الفعل صحيح لكنه بلا ثواب، والله تعالى أعلم. قوله: (ممن يجب استئذانه) كأحد أبويه المحتاج إلى خدمته، والأجداد والجدات كالأبوين عند فقدهما، وكذا الغريم لمديون لا مال له يقضي به، والكفيل لو بالاذن، فيكره خروجه بلا إذنهم كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية ولذا عبر الشارح بالوجوب، وزاد في البحر عن السير: وكذا إن كرهت خروجه زوجته ومن عليه نفقته اه. والظاهر أن هذا إذا لم يكن له ما يدفعه للنفقة في غيبته قال في البحر: وهذا كله في حج الفرض، أما حج النفل فطاعة الوالدين أولى مطلقا كما صرح به الملتقط. قوله: (حتى يلتحي) وإن كان الطريق مخوفا لا يخرج وإن التحى. بحر عن النوازل. قوله: (على الفور) هو الاتيان به في أول أوقات الامكان، ويقابله قول محمد: إنه على التراخي، وليس معناه تعين التأخير بل بمعنى عدم لزوم الفور. قوله: (وأصح الروايتين) لا يصلح عطفه على الثاني، فهو خبر مبتدأ محذوف، وقوله: عند الثاني خبر مبتدأ محذوف أي هذا عند الثاني، فقوله وأصح عطف عليه، فافهم. قوله: (ومالك وأحمد) عطف على الامام فيفيد اختلاف الرواية عنهما أيضا، وعبارة شرح درر البحار تفيده أيضا حيث قال: وهو أصح الروايات عن أبي حنيفة ومالك وأحمد، فافهم. قوله: (أي سنينا الخ) ذكره في البحر بحثا، وأتى بسنين منونا لأنه قد يجري مجرى حين، وهو عند قوم مطرد. قوله: (إلا بالاصرار) أي لكن بالاصرار، فهو استثناء منقطع لعدم دخول الاصرار تحت المرة ح. ثم لا يخفى أنه لا يلزم من عدم الفسق عدم الاثم فإنه يأثم ولو بمرة. وفي شرح المنار لابن نجيم عن التقرير للأكمل أن حد الاصرار إن تتكرر منه تكررا يشعر بقلة المبالاة بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك اه. ومقتضاه أنه غير مقدر بعدد بل مفوض إلى الرأي والعرف، والظاهر أنه بمرتين لا يكون إصرارا ولذا قال: أي سنينا، فقوله في شرح الملتقى: فيفسق وترد شهادته بالتأخير عن العام الأول بلا عذر غير محرر، لان مقتضاه حصوله بمرة واحدة فضلا عن المرتين، فافهم. قوله: (ووجهه الخ) أي وجه كون التأخير
502 صغيرة أن الفورية واجبة لأنها ظنية لظنية دليلها وهو الاحتياط، لان في تأخيره تعريضا له للفوات، وهو غير قطعي فيكون التأخير مكروها تحريما لا حراما، لان الحرمة لا تثبت إلا بقطعي كمقابلها، وهو الفرضية وما ذكره مبني على ما قاله صاحب البحر في رسالته المؤلفة في بيان المعاصي أن كل ما كره عندنا تحريما فهو من الصغائر، لكنه عد فيها من الصغائر ما هو ثابت بقطعي كوطئ المظاهر منها قبل التكفير والبيع عند أذان الجمعة. تأمل. قوله: (كأداء) أي ويسقط عنه الاثم اتفاقا كما في البحر، قيل: المراد إثم تفويت الحج إثم التأخير. قلت: لا يخفى ما فيه، بل الظاهر أن الصواب إثم التأخير إذ بعد الأداء لا تفويت. وفي الفتح: ويأثم بالتأخير عن أول سني الامكان، فلو حج بعده ارتفع الاثم اه. وفي القهستاني: فيأثم عند الشيخين بالتأخير إلى غيره بلا عذر إلا إذا أدى ولو في آخر عمره فإنه رافع للإثم بلا خلاف. قوله: (وإن أثم بموته قبله) أي بالاجماع كما في الزيلعي، أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فإنه وإن لم يأثم بالتأخير عنده لكن بشرط الأداء قبل الموت فإذا مات قبله ظهر أنه آثم، قيل من السنة الأولى، وقيل من الأخيرة من سنة رأى في نفسه الضعف، وقيل يأثم في الجملة غير محكوم بمعين بل علمه إلى الله تعالى كما في الفتح. قوله: (وسعه أن يستقرض الخ) أي جاز له ذلك، وقيل يلزمه الاستقراض كما في لباب المناسك. قال منلا علي القاري في شرحه عليه: وهو رواية عن أبي يوسف، وضعفه ظاهر فإن تحمل حقوق الله تعالى أخف من ثقل حقوق العباد اه. قلت: وهذا يرد على القول الأول أيضا إن كان المراد بقوله: ولو غير قادر على وفائه أن يعلم أنه ليس له جهة وفاء أصلا، أما لو علم أنه غير قادر في الحال وغلب على ظنه أنه لو اجتهد قدر على الوفاء فلا يرد. والظاهر أن هذا هو المراد أخذا مما ذكره في الظهيرية أيضا في الزكاة حيث قال: إن لم يكن عنده مال وأراد أن يستقرض لأداء الزكاة: فإن كان في أكبر رأيه أنه إذا اجتهد بقضاء دينه قدر كان الأفضل أن يستقرض، فإن استقرض وأدى ولم يقدر على قضائه حتى مات يرجى أن يقضي الله تبارك وتعالى دينه في الآخرة، وإن كان أكبر رأيه أنه لو استقرض لا يقدر على قضائه كان الأفضل له عدمه اه. وإذا كان هذا في الزكاة المتعلق بها حق الفقراء ففي الحج أولى. قوله: (على مسلم الخ) شروع في بيان شروط الحج، وجعلها في اللباب أربعة أنواع. الأول: شروط الوجوب، وهي التي إذا وجدت بتمامها وجب الحج وإلا فلا، وهي سبعة: الاسلام، والعلم بالوجوب لمن في دارا لحرب، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، والوقت: أي القدرة في أشهر الحج أو في وقت خروج أهل بلده على ما يأتي. والنوع الثاني: شروط الأداء، وهي التي إن وجدت بتمامها مع شروط الوجوب، وجب أداؤه بنفسه، وإن فقد بعضها مع تحقق شروط الوجوب، فلا يجب الأداء بل عليه الإحجاج أو الايصاء عند الموت وهي خمسة: سلامة البدن، وأمن الطريق، وعدم الحبس. والمحرم أن الزوج للمرأة، وعدم العدة لها.
503 النوع الثالث: شرائط صحة الأداء، وهي تسعة: الاسلام، والاحرام، والزمان، والمكان، والتمييز والعقل، ومباشرة الافعال إلا بعذر، وعدم الجماع، والأداء من عام الاحرام. النوع الرابع: شرائط وقوع الحج عن الفرض، وهي تسعة: الاسلام، وبقاؤه إلى الموت، والعقل، والحرية، والبلوغ، ولأداء بنفسه إن قدر، وعدم نية النفل، وعدم الافساد، وعدم النية عن الغير. قوله: (على مسلم) فلو ملك الكافر ما به الاستطاعة ثم أسلم بعد ما افتقر لا يجب عليه شئ بتلك الاستطاعة، بخلاف ما لو ملكه مسلما فلم يحج حتى افتقر حيث يتقرر وجوبه دينا في ذمته، فتح، وهو ظاهر على القول بالفورية لا التراخي. نهر. قلت: وفيه نظر، لان على القول بالتراخي يتحقق الوجوب من أول سني الامكان، ولكنه يتخير في أدائه فيه أو بعده كما في الصلاة تجب بأول الوقت موسعا وإلا لزم أن لا يتحقق الوجوب إلا قبيل الموت، وأن لا يجب الإحجاج على من كان صحيحا ثم مرض أو عمي، وأن لا يأثم المفرط بالتأخير إذا مات قبل الأداء، وكل ذلك خلاف الاجماع، فتدبر. قوله: (وقد حققناه الخ) حاصل ما ذكره هناك: أن في تكليفه بالعبادات ثلاثة مذاهب: مذهب السمرقنديين غير مخاطب بها أداء واعتقادا، والبخاريين مخاطب اعتقادا فقط، والعراقيين مخاطب بهما فيعاقب عليهما. قال: وهو المعتمد كما حرره ابن نجيم، لان ظاهر النصوص يشهد لهم وخلافه تأويل، ولم ينقل عن أبي حنيفة وأصحابه شئ ليرجع إليه اه. ولا يخفى أن قوله: في حق الأداء يفهم أنه مخاطب بها اعتقادا فقد كما هو مذهب البخاريين وهو ما صححه صاحب المنار، لكن ليس في كلام الشارح أن ما هنا هو ما اعتمده هناك، وما قيل إن ما هنا خلاف المذهب فيه نظر لما علمت من أنه لا نص عن أصحاب المذهب، فافهم. قوله: (حر) فلا يجب على عبد مدبرا كان أو مكاتبا أو مبعضا أو مأذونا به ولو بمكة، أو كانت أم ولد لعدم أهليته لملك الزاد والراحلة، ولذا لم يجب على عبيد أهل مكة، بخلاف اشتراط الزاد والراحلة في حق الفقير، فإنه للتيسير لا للأهلية، فوجب على فقراء مكة. وبهذا التقرير ظهر الفرق بين وجوب الصلاة والصوم على العبد دون الحج. نهر. وهو وجود الأهلية فيهما لا فيه، والمراد أهلية الوجوب وإلا فالعبد أهل للأداء فيقع لنفلا كما سيأتي. قوله: (مكلف) أي بالغ عاقل فلا يجب على صبي ولا مجنون. وفي المعتوه خلاف في الأصول: فذهب فخر الاسلام إلى أنه يوضع الخطاب عنه كالصبي، فيجب عليه شئ من العبادات. وذهب الدبوسي إلى أنه مخاطب بها احتياطا بحر. وقدمنا الكلام على المعتوه. في أول الزكاة فراجعه. تنبيه: ذكر في البدائع أنه لا يجوز أداء الحج من مجنون وصبي لا يعقل كما لا يجب عليهما اه. ونقل غيره صحة حجمها. ووفق في شرح اللباب بالفرق بين من له بعض إدراك وغيره. قلت: وفيه نظر، بل التوفيق بحمل الأول على أدائهما بنفسهما، والثاني على فعل الولي. ففي الولوالجية وغيرها: الصبي يحج به أبوه، وكذا المجنون لان إحرامه عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما اه. وسيأتي تمامه. قوله: (إما بالكون في دارنا) سواء سلم بالفرضية أم لا، نشأ على الاسلام فيها أم لا. بحر. وقوله: أو بإخبار عدل إلخ هذا لمن أسلم في دار الحرب، فلا
504 يجب عليه قبل العلم بالوجوب. بقي لو أدى قبله: ذكر القطبي في مناسكه بحثا أنه لا يجزيه عن الفرض، ونوزع بأن العلم ليس من شروط وقوع الحج عن الفرض كما علم مما مر، وبأن الحج يصح بمطلق النية بلا تعيين الفرضية، بخلاف الصلاة، وبأنه يصح مما نشأ في دارنا وإن لم يعلم بالفرضية علته. قوله: (أو مستورين) أفاد أن الشرط أحد شطري الشهادة العدد أو العدالة كما في النهر. قوله: (صحيح البدن) أي سالم عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في السفر، فلا يجب على مقعد ومفلوج وشيخ كبير لا يثبت على الراحلة بنفسه وأعمى، وإن وجد قائدا، ومحبوس وخائف من سلطان، لا بأنفسهم ولا بالنيابة في ظاهر المذهب عن الامام وهو رواية عنهما، وظاهر الرواية عنهما وجوب الإحجاج عليهم، ويجزيهم إن دام العجز، وإن زال أعادوا بأنفسهم. والحاصل: أنه من شرائط الوجوب عنده، ومن شرائط وجوب الأداء عندهما، وثمرة الخلاف تظهر في وجوب الإحجاج والإيصاء كما ذكرنا، وهو مقيد بما إذا لم يقدر على الحج وهو صحيح، فإن قدر ثم عجز قبل الخروج إلى الحج تقرر دينا في ذمته، فيلزمه الإحجاج، فلو خرج ومات في الطريق لم يجب الايصاء لأنه لم يؤخر بعد الايجاب، ولو تكلفوا الحج بأنفسهم سقط عنهم، وظاهر التحفة اختيار قولهما، وكذا الأسبيجابي، وقواه في الفتح ومشى على أن الصحة من شرائط وجوب الأداء اه من البحر والنهر. وحكي في اللباب اختلاف التصحيح، وفي شرحه أنه مشى على الأول في النهاية. وقال في البحر العميق: إنه المذهب الصحيح، وإن الثاني صححه قاضيخان في شرح الجامع واختاره كثير من المشايخ ومنهم ابن الهمام. قوله: (بصير) فيه الخلاف المار كما علمته. قوله: (غير محبوس) هذا من شروط الأداء كما مر، والظاهر أنه لو كان حبسه لمنعه حقا قادرا على أدائه لا يسقط عنه وجوب الأداء. تنبيه: ذكر في شرح اللباب عن شمس الاسلام أن السلطان ومن بمعناه من الامراء ملحق بالمحبوس فيجب الحج في ماله الخالي عن حقوق العباد، وتمامه فيه. ولا يخفى أن هذا إن دام عجزه إلى الموت. وإلا فيجب عليه الحج بنفسه بعد زوال عذره، وهو مقيد أيضا بما إذا كان قادرا على الحج ثم عجز، وإلا فلا يلزمه الإحجاج على الخلاف المذكور آنفا. قوله: (يمنع منه) أي من الحج: أي الخروج إليه ط. قوله: (ذي زاد وراحلة) أفاد أنه لا يجب إلا بملك الزاد وملك أجره الراحلة، فلا يجب بالإباحة أو العارية كما في البحر، وسيشير إليه. قوله: (مختصة به) فلا يكفي لو قدر على راحلة مشتركة يركبها مع غيره بالمعاقبة. شرح اللباب. قوله: (وهو المسمى بالمقتب) بضم الميم اسم مفعول: أي ذو القتب، وهو كما في القاموس: الأكاف الصغير حول السنام ح. وذكر ضمير الراحلة باعتبار كونها مركوبا. قوله: (وإلا) أي إن لم يقدر على ركوب المقتب. قوله: (على المحارة) هي شبه الهودج. قاموس: أي على شق منها بشرط أن يجد له معادلا كما صرح به في الشافعية، وما في البحر من أنه يمكنه أن يضع في الشق الآخر أمتعته، رده الخير الرملي (1) وفي
(1) قوله: (رده الخير الرملي الخ) ظاهره ان العلامة الرملي مال لقول السادة الشافعية من اشتراط المعادل مطلقا وليس كذلك، فإنه قال ما معناه: ان لم يجد معادلا فليس بقادر لكن هذا إذا كان لا يقدر على استئجار تمام المحارة أما إذا قدر فلا يشترط المعادل، بل يضع أمتعته في أحد الشقين ويركب في الاخر إذا كان لا يحصل له مشقة في تحويل الأمتعة إلى ظهر الحمل عند النزول. 505 شرح اللباب: إما بركوب زاملة: أي مقتب، أو بشق محمل. وأما المحفة فمن مبتدعات المترفهة فليس لها عبرة اه. والظاهر أن المراد بالمحفة: التخت المعروف في زماننا المحمول بين جملين أو بغلين، لكن اعترضه الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه بأنه منابذ لما قرروه من أنه يعتبر في كل ما يليق بحاله عادة وعرفا، فمن لا يقدر إلا عليها اعتبر في حقه بلا ارتياب، وإن قدر بالمحمل أو المقتب فلا يعذر ولو كان شريفا أو ذا ثروة اه. قوله: (للآفاقي) مرتبط بقوله وراحلة لا بقوله فتشترط لايهامه أن غير الآفاقي يشترط له المقتب فلا يناسب قوله لا لمكي يستطيع المشي. والحاصل: أن الزاد لا بد منه ولو لمكي كما صرح به غير واحد كصاحب الينابيع والسراج، وما في الخانية والنهاية من أن المكي يلزمه الحج ولو فقيرا لا زاد له، نظر فيه ابن الهمام، إلا أنه يراد ما إذا كان يمكنه الاكتساب في الطريق، وأما الراحلة فشرط للآفاقي دون المكي القادر على المشي، وقيل شرط مطلقا لان ما بين مكة وعرفات أربع فراسخ، ولا يقدر كل أحد على مشيها كما في المحيط، وصحح صاحب اللباب في منسكه الكبير الأول، ونظر فيه شارحه القاري بأن القادر نادر ومبنى الاحكام على الغالب، وحد المكي عندنا من كان داخل المواقيت إلى الحرم كما ذكره الكرماني، وهو بعيد جدا، بل الظاهر ما في السراج وغيره أنه من بينه وبين مكة أقل من ثلاثة أيام. وفي البحر الزاخر: واشترط الراحلة في حق من بينه وبين مكث ثلاثة أيام فصاعدا، أما ما دونه فلا إذا كان قادرا على المشي، وتمامه في شرح اللباب. تنبيه: في اللباب: الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي. قال شارحه: أي حيث لا يشترط في حقه إلا الزاد والراحلة (1) إن لم يكن عاجزا عن المشي، وينبغي أن يكون الغني الآفاقي كذلك إذا عدم الركوب بعد وصوله إلى أحد المواقيت، فالتقييد بالفقير لظهور عجزه عن المركب، وليفيد أنه يتعين عليه أن لا ينوي نفلا على زعم أنه لا يجب عليه لفقره لأنه ما كان واجبا وهو آفاقي فلما صار كالمكي وجب عليه، فلو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا اه ملخصا. ونظيره ما سنذكره في باب الحج عن الغير من أن المأمور بالحج إذا واصل إلى مكة لزمه أن يمكث ليحج حج الفرض عن نفسه، لكونه صار قادرا على ما فيه كما ستعلمه إن شاء الله تعالى. قوله: (لشبهه بالسعي إلى الجمعة) أي في عدم اشتراط الراحلة فيه. قوله: (وأفاد) أي حيث عبر بالراحلة وهيمن الإبل خاصة، وهو الموافق للهداية وشروحها، ولما في كتب اللغة من أنها المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى، وما في القهستاني ومن تفسيرها بأنها ما يحمله ويحمل ما يحتاجه من طعام وغيره، وأنها في الأصل البعير القوي على الاسفار والاحمال اه. لا يخالف ذلك لان غير البعير لا يحمل الانسان مع ما يحتاجه في المسافة البعيدة. وقد صرح في المجتبى عن شرح الصباغي بأنه لو ملك كرى حمار فهو عاجز عن النفقة اه. والذي ينبغي ما قاله الامام الأذرعي من الشافعية من اعتبار القدرة على
(1) قوله: (الا الزاد وراحلة الخ) هكذا عبارة الحشي ولعل صوابها لا الراحلة تأمل ا ه. 506 البغل والحمار فيمن بينه وبين مكة مراحل يسيرة دون البعيدة، لان غير الإبل لا يقوى عليها. قال السندي في منسكه الكبير: وهو تفصيل حسن جدا، ولم أر في كلام أصحابنا ما يخالفه بل ينبغي أن يكون هذا التفصيل مرادهم اه. فافهم. قوله: (وإنما صرحوا بالكراهة) أي التنزيهية كما استظهره صاحب البحر بدليل أفضلية مقابلة ط. قوله: (به يفتى) لعل وجهه أن فيه زيادة النفقة، وهي مقصودة في الحج، ولذا اشترط في الحج عن الغير أن يحج راكبا إذا اتسعت النفقة، حتى لو حج ماشيا ولو بأمره ضمن كما صرح به في اللباب، لكن سيأتي آخر كتاب الحج أن من نذر حجا ماشيا وجب عليه المشي في الأصح وعليه المتون، وعلله في الهداية وغيرها بأنه التزم القربة بصفة الكمال لقوله (ص): من حج ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بسبعمائة ولأنه أشق على البدن فكان أفضل، وتمامه في شرح الجامع الخاني. وقال في الفتح: إن قيل كره أبو حنيفة الحج ماشيا فكيف يكون صفة كمال؟ قلنا: إنما كرهه إذا كان مظنة سوء الخلق، كأن يكون صائما مع المشي أو لا يطيقه، وإلا فلا شك أن المشي أفضل في نفسه لأنه أقرب إلى التواضع والتذلل، ثم ذكر الحديث المار وغيره. قلت: وأما مسألة الحج عن الغير فلعل وجهها أن الميت لما عجز عن إحدى المشقتين وهي مشقة البدن، ولم يقدر إلا على الأخرى وهي مشقة المال صارت كأنها هي المقصود فلزم الاتيان بها كاملة، ولذا وجب الإحجاج من منزل الآمر والانفاق من ماله، ولم يجزه تبرع غيره عنه لعدم حصول مقصوده، فليتأمل. قوله: (والمقتب أفضل من المحارة) لأنه (ص) حج كذلك، ولأنه أبعد من الرياء والسمعة وأخف على الحيوان. قوله: (وفي إجارة الخلاصة الخ) قال الخير الرملي: نقله في الخلاصة عن الفتاوى الصغرى، ولعمري هذا إجحاف على الحمار وإنصاف في حق الجمل، فتأمل. وذكر في الجوهرة أن المن ستة وعشرون أوقية، والأوقية سبعة مثاقيل وهي عشرة دراهم، والمائتان وأربعون منا هي الوسق، وهي قنطار دمشقي تقريبا. قوله: (فظاهره أن البغل كالحمار) كذا في النهر، وكأنه أراد الحمار القوي المعد لحمل الأثقال في الاسفار فإنه كالبغل، وإلا فأكثر الحمير دون البغال بكثير، فافهم. قوله: (ولو وهب الأب لابنه الخ) وكذا عكسه، وحيث لا يجب قبوله مع أنه لا يمن أحدهما على الآخر يعلم حكم الأجنبي بالأولى، ومراده إفادة أن القدرة على الزاد والراحلة لا بد فيها من الملك دون الإباحة والعارية كما قدمناه. قوله: (وهذا) أي المذكور وهو القدرة على الزاد والراحلة. قوله: (خلافا للأصوليين) حيث قالوا: إنها من شروط وجوب الأداء، وتمامه في البحر وفيما علقناه عليه. قوله: (كما مر في الزكاة) أي من بيان مالا بد منه من الحوائج الأصلية كفرسه وسلاحه وثيابه وعبيد خدمته وآلات حرفته وأثاثه وقضاء ديونه وأصدقته ولو مؤجلة كما في اللباب وغيره، والمراد قضاء ديون العباد، ولذا قال في اللباب أيضا: وإن وجد مالا وعليه حج وزكاة يحج به، قيل: إلا أن يكون المال من جنس ما تجب فيه الزكاة فيصرف إليها اه.
507 تنبيه: ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة برسم الهدية للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك كما نبه عليه العمادي في منسكه، وأقره الشيخ إسماعيل وعزاه بعضهم إلى منسك المحقق ابن أمير حاج، وعزاه السيد أبو السعود إلى مناسك الكرماني. قوله: (ومنه المسكن) أي الذي يسكنه هو أو من يجب عليه مسكنه، بخلاف الفاضل عنه من مسكن أو عبد أو متاع أو كتب شرعية أو آلية كعربية، أو نحو الطب والنجوم وأمثالها من الكتب الرياضية فتثبت بها الاستطاعة وإن احتاج إليها كما في شرح اللباب عن التاترخانية. قوله: (فإنه لا يلزمه بيع الزائد) لأنه لا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه ولو كان عنده طعام سنة، ولو أكثر لزمه بيع الزائد إن كان فيه وفاء كما في اللباب وشرحه. قوله: (والاكتفاء) بالجر عطفا على بيع. قوله: (لا يلزمه) تبع في عزو ذلك إلى الخلاصة ما في البحر والنهر، والذي رأيته في الخلاصة هكذا: وإن لم يكن له مسكن ولا شئ من ذلك وعنده دراهم تبلغ به الحج وتبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وقوت وجب عليه الحج، وإن جعلها في غيره أثم اه. لكن هذا إذا كان وقت خروج أهل بلده كما صرح به في اللباب، أما قبله فيشتري به ما شاء لأنه قبل الوجوب كما في مسألة التزوج الآتية، وعليه يحمل كلام الشارح فتدبر. قوله: (يشترط بقاء رأس مال لحرفته) كتاجر ودهقان ومزارع كما في الخلاصة، ورأس المال يختلف باختلاف الناس. بحر. قلت: والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر لأنه لا نهاية له. قوله: (وفي الأشباه) المسألة منقولة عن أبي حنيفة في تقديم الحج على التزوج، والتفصيل المذكور ذكره صاحب الهداية في التجنيس، وذكرها في الهداية مطلقة، واستشهد بها على أن الحج على الفور عنده، ومقتضاه تقديم الحج على التزوج، وإن كان واجبا عند التوقان وهو صريح ما في العناية مع أنه حينئذ من الحوائج الأصلية، ولذا اعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأنه حال التوقان مقدم على الحج اتفاقا، لان في تركه أمرين: ترك الفرض، والوقوع في الزنا. وجواب أبي حنيفة في غير حال التوقان اه: أي في غير حال تحققه الزنا، لأنه لو تحققه فرض التزوج، أما لو خافه فالتزوج واجب لا فرض فيقدم الحج الفرض عليه فافهم. قوله: (وفضلا عن نفقة عياله) هذا داخل تحت ما لا بد منه، فهو من عطف الخاص على العام اهتماما بشأنه. نهر. والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى، ويعتبر في نفقته ونفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير. بحر: أي الوسط من حاله المعهود، ولذا أعقبه من غير تبذير الخ لا ما بين نفقة الغني والفقير، فلا يرد ما في البحر من أن اعتبار الوسط في نفقة الزوجة خلاف المفتى به، والفتوى على اعتبار حالهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى اه. لان المراد بالوسط هناك المعنى الثاني، والمراد هنا الأول، فافهم.
508 مطلب في قولهم: يقدم حق العبد على حق الشرع قوله: (لتقدم حق العبد) أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع، ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود وفيها حق العبد، يبدأ بحق العبد لما قلنا، ولأنه ما من شئ إلا ولله تعالى في حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد، كذا في شرح الجامع الصغير لقاضيخان. وأما قوله عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق فظاهر أنه أحق من جهة التعظيم، لا من جهة التقديم، ولذا قلنا: لا يستقرض ليحج إلا إذا قدر على الوفاء كما مر، وكذا جاز قطع الصلاة أو تأخيرها لخوفه على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله كخوف القابلة على الولد والخوف من تردي أعمى وخوف الراعي من الذئب وأمثال ذلك كإفطار الضيف. قوله: (إلى حين عوده) متعلق بقوله: فضلا أو بما لا بد منه لأنه بمعنى ما يحتاج أو بنفقة: أي فلا يشترط بقاء نفقة لما بعد عوده، وهذا ظاهر الرواية. قوله: (مع أمن الطريق) أي وقت خروج أهل بلده وإن كان مخيفا في غيره. بحر. وقدمنا عن اللباب أنه من شروط وجوب الأداء، وفي شرحه أنه الأصح، ورجحه في الفتح. وروي عن الامام أنه شرط وجوب، فعلى الأول تجب الوصية به إذا مات قبل أمن الطريق، أما بعده فتجب اتفاقا. بحر. قوله: (بغلبة السلامة) كذا اختاره الفقيه أبو الليث وعليه الاعتماد. واختلف في سقوطه إذا لم يكن بد من ركوب البحر، فقيل: يسقط، وقال الكرماني: إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا، وهو الأصح. بحر قال في الفتح: والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف، حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم، لا يجب، وما أفتى به الرازي من سقوطه عن أهل بغداد وقول الإسكاف في سنة ست وثلاثين وستمائة: لا أقول إنه فرض في زماننا، وقول الثلجي: ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج، إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريف ثم زال ولله المنة. قوله: (على ما حققه الكمال) حيث قال: وقول الصفار: لا أرى الحج فرضا منذ عشرين سنة من حين خرجت القرامطة لأنه لا يتوصل إليه إلا بإرشائهم، فتكون الطاعة سبب المعصية، فيه نظر، لان هذا لم يكن من شأنهم، إنما شأنهم استحلال قتل الأنفس وأخذ الأموال، وكانوا يغلبون على أماكن يترصدون فيها للحجاج، وقد هجموا عليهم مرة في مكة فقتلوا خلقا في الحرم، وقد سئل الكرخي عمن لا يحج خوفا منهم، فقال: ما سلمت البادية من الآفات: أي لا تخلو عنها لقلة الماء وهيجان السموم، وهذا إيجاب منه رحمه الله تعالى، ومحمله أنه رأى أن الغالب اندفاع شرهم عن الحاج، وبتقديره فالاثم في مثله على الآخذ على ما عرف من تقسيم الرشوة في كتاب القضاء اه. ملخصا. واعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأن ما ذكر في القضاء ليس على إطلاقه، بل فيما إذا كان المعطي مضطرا بأن لزمه الاعطاء ضرورة عن نفسه أو ماله، أما إذا كان بالالتزام منه فبالإعطاء أيضا يأثم، وما نحن فيه من هذا القبيل اه. وأقره في النهر. وأجاب السيد أبو السعود بأنه مضطر لاسقاط الفرض عن نفسه.
509 قلت: ويؤيده ما يأتي عن القنية والمجتبى، فإن المكس والخفارة رشوة، ونقل ح عن البحر أن الرشوة في مقل هذا جائزة، ولم أره فيه فليراجع. قوله: (إن قتل بعض الحجاج) أي في كل عام أو في غالب الأعوام، وحينئذ فلا تكون السلامة غالبة اه ح. قلت: فيه نظر، فإن غلبة السلامة ليس المراد بها لكل أحد بل للمجموع، وهي إلا تنتفي إلا بقتل الأكثر أو الكثير، أما قتل اللصوص لبعض قليل مع جمع كثير سيما إذا كان بتفريطه بنفسه وخروجه من بينهم فالسلامة فيه غالبة، نعم إذا كان القتل بمحاربة القطاع مع الحجاج فهو عذر إذا غلب الخوف، لما مر عن الفتح من أنه يشترط عدم غلبة الخوف الخ، على أنك قد سمعت آنفا جواب الكرخي في شأن القرامطة المستحلين لقتل الحجاج، وأيضا فإن ما يحصل من الموت بقلة الماء وهيجان السموم أكثر مما يحصل بالقتل بأضعاف كثيرة، فلو كان عذرا لزم أن لا يجب الحج إلا على القريب من مكفي أوقات خاصة، مع الله تعالى أوجبه على أهل الآفاق من كل فج عميق، مع العلم بأن سفره لا يخلو عما يكون في غيره من الاسفار من موت وقتل وسرقة، فافهم. قوله: (من المكس والخفارة) المكس: ما يأخذه العشار، والخفارة: ما يأخذه الخفير، وهو المجير، ومثله ما يأخذه الاعراب في زماننا من الصر المعين من جهة السلطان نصره الله تعالى لدفع شرهم. قوله: (والمعتمد لا) وعليه الفتوى شرح اللباب عن المنهاج. قوله: (وعليه) أي على كون المعتمد عدم كونه عذرا فيحتسب الخ ح. قوله: (كما في مناسك الطرابلسي) وعزاه في شرح اللباب إلى الكرماني. قوله: (ومع زوج أو محرم) هذا وقوله ومع عدم عدة عليها شرطان مختصان بالمرأة فلذا قال: لا مرأة وما قبلهما من الشروط مشترك، والمحرم من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة أو رضاع أو صهرية كما في التحفة، وأدخل في الظهيرية بنت موطوءته من الزنى حيث يكون محرما لها، وفيه دليل على ثبوتها بالوطئ الحرام، وبما تثبت به حرمة المصاهرة كذا في الخانية. نهر. لكن قال في شرح اللباب: ذكر قوام الدين شارح الهداية أنه إذا كان محرما بالزنى فلا تسافر معه عند بعضهم، وإليه ذهب القدوري وبه نأخذ اه. وهو الأحوط في الدين والابعد عن التهمة اه. قوله: (ولو عبدا) راجع لكل من الزوج والمحرم. وقوله: أو ذميا أو برضاع يختص بالمحرم كما لا يخفى ح. لكن نقل السيد أبو السعود عن نفقات البزازية: لا تسافر بأخيها رضاعا في زماننا اه: أي لغلبة الفساد. قلت: ويؤيده كراهة الخلوة بها كالصهرة الشابة، فينبغي استثناء الصهرة الشابة هنا أيضا لان السفر كالخلوة. قوله: (كما في النهر بحثا) حيث قال: وينبغي أن يشترط في الزوج ما يشترط في المحرم، وقد اشترط في المحرم العقل والبلوغ اه. لكن كان على الشارح أن يؤخره عن قوله: عاقل وهذا البحث نقله القهستاني عن شرح الطهاوي ح. قوله: (والمراهق كبالغ) اعتراض بين النعوت ح. قوله: (غير مجوسي) مختص بالمحرم، إذ لا يتصور في زوج الحاجة أن يكون مجوسيا ح. قوله: (ولا فاسق) يعم الزوج والمحرم ح، وقيده في شرح اللباب بكونه ماجنا لا يبالي. قوله:
510 (لعدم حفظهما) لمعد لان المجوسي يخشى عليها منه لاعتقاده حل نكاح محرمه، والفاسق الذي لا مروءة له كذلك ولو زوجا، وترك المصنف تقييد المحرم بكونه مأمونا لاغناء ما ذكره عنه، فافهم. قوله: (مع وجوب النفقة الخ) أي فيشترط أن تكون قادرة على نفقتها ونفقته. قوله: (لمحرمها) قيد به لأنه لو خرج معها زوجها فلا نفقة له عليها بل هي لها عليه النفقة، وإن لم يخرج معها فكذلك عند أبي يوسف، وقال محمد: لا نفقة لها لأنها مانعة نفسها بفعلها. سراج. قوله: (لأنه محبوس عليها) أي حبس نفسه لأجلها، ومن حبس نفسه لغيره فنفقته عليه. قوله: (لامرأة) متعلق بمحذوف صفة لزوج أو محرم أو متعلق بفرض. قوله: (حرة) مستدرك لان الكلام فيمن يجب عليه الحج، وقد مر اشتراط الحرية فيه، لكن أشابه إلى أن ما استفيد من المقام من عدم جواز السفر للمرأة إلا بزوج أو محرم خاص بالحرة، فيجوز للأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد السفر بدونه كما في السراج، لكن في شرح اللباب والفتوى: على أنه يكره في زماننا. قوله: (ولو عجوزا) أي لاطلاق النصوص. بحر. قال الشاعر: لكل ساقطة في الحي لاقطة وكل كاسدة يوما لها سوق قوله: (في سفر) هو ثلاثة أيام ولياليها فيباح لها الخروج إلى ما دونه لحاجة بغير محرم. بحر. وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهة خروجها وحدها مسيرة يوم واحد، وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان. شرح اللباب. ويؤيده حديث الصحيحين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها وفي لفظ لمسلم: مسيرة ليلة وفي لفظ يوم لكن قال في الفتح: ثم إذا كان المذهب الأول فليس للزوج منعها إذا كان بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام. قوله: (قولان) هما مبنيان على أن وجود الزوج أو المحرم شرط وجوب أم شرط وجوب أداء، والذي اختاره في الفتح أنه مع الصحة وأمن الطريق شرط وجوب الأداء فيجب الايصاء إن منع المرض، وخوف الطريق أو لم يوجد زوج، ولا محرم، ويجب عليها التزوج عند فقد المحرم، وعلى الأول لا يجب شئ من ذلك كما في البحر ح وفي النهر وصحح الأول في البدائع، ورجح الثاني في النهاية تبعا لقاضيخان، واختاره في الفتح اه. قلت: لكن جزم في الباب بأنه لا يجب عليها التزوج مع أنه مشى على جعل المحرم أو الزوج شرط أداء، ورجح هذا في الجوهرة وابن أمير حاج في المناسك، كما قاله المصنف في منحه قال: ووجهه أنه لا يحصل غرضها بالتزوج، لان الزوج له أن يمتنع من الخروج معها، بعد أن يملكها ولا تقدر على الخلاص منه، وربما لا يوافقها فتتضرر منه، بخلاف المحرم، فإنه إن وافقها أنفقت عليه، وإن امتنع أمسكت نفقتها وتركت الحج اه. فافهم. قوله: (وليس عبدها بمحرم لها) أي ولو مجبوبا أو خصيا، لأنه لا يحرم نكاحها عليه على التأييد بل ما دام مملوكا لها. قوله: (وليس لزوجها منعها) أي إذا كان معها محرم وإلا فله منعها كما يمنعها من غير حجة الاسلام، ولو واجبة بصنعها كالمنذورة، والتي أحرمت بها ففاتتها وتحللت منها بعمرة فلا تقضيها إلا بإذنه، وكذا لو دخلت مكة بعد مجاوزة الميقات غير محرمة لان حق الزوج لا تقدر على منعه بفعلها بل بإيجاب الله تعالى في حجة الاسلام. رحمتي. وإذا منعها زوجها فيما يملكه تصير محصرة كما سيأتي في بابه إن
511 شاء الله تعالى. قوله: (مع الكراهة) أي التحريمية للنهي في حديث الصحيحين: لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها محرم زاد مسلم في رواية: أو زوج ط قوله: (ومع عدم عدة الخ) أي فلا يجب عليها الحج إذا وجدت كما في شرح المجمع واللباب، قال شارحه: وهو مشعر بأنه شرط الوجوب، وذكر ابن أمير حاج أنه شرط الأداء وهو الأظهر. قوله: (أية عدة كانت) أي سواء كانت عدة وفاة أو طلاق بائن أو رجعين ح. قوله: (المانعة من سفرها) أما الواقعة في السفر: فإن كان الطلاق رجعيا لا يفارقها زوجها، أو بائنا فإن كان إلى كل من بلدها ومكة أقل من مدة السفر تخيرت، أو إلى أحدهما سفر دون الآخر تعين أن تصير إلى الآخر، أو كل منهما سفر، فإن كانت في مصر قرت فيه إلى أن تنقضي عدتها، ولا تخرج وإن وجدت محرما خلافا لهما وإن كانت في قرية أو مفازة لا تأمن على نفسها فلها أن تمضي إلى موضع أمن، ولا تخرج منه حتى تمضي عدتها، وإن وجدت محرما عنده خلافا لهما، كذا في فتح القدير. قوله: (وقت) ظرف متعلق بمحذوف خبر العبرة: أي ثابتة وقت خروج أهل بلدها، ولو قبل أشهر الحج لبعد المسافة ط. قوله: (وكذا سائر الشرائط) أي يعتبر وجودها في ذلك الوقت. تتمة: ذكر صاحب اللباب في منسكه الكبير أن من الشرائط إمكان السير، وهو أن يبقى وقت يمكنه الذهاب فيه إلى الحج على السير المعتادة، فإن احتاج إلى أن يقطع كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لا يجب الحج اه. وذكر شارح اللباب أن منها أن يتمكن من أداء المكتوبات في أوقاتها. قال الكرماني: لأنه لا يليق بالحكمة إيجاب فرض على وجه يفوت به فرض آخر اه. وتمامه هناك. قوله: (فلو أحرم صبي الخ) تفريع على اشتراط البلوغ والحرية. قوله: (أو أحرم عنه أبوه) المراد من كان أقرب إليه بالنسب، فلو اجتمع والد وأخ يحرم الولد كما في الخانية، والظاهر أنه شرط الأولوية. لباب وشرحه. قوله: (وينبغي الخ) قال في اللباب وشرحه: وينبغي لوليه أن يجنبه من محظورات الاحرام كلبس المخيط والطيب، وإن ارتكابها الصبي لا شئ عليهما. قوله: (وظاهره) أي ظاهر قول المبسوط: أو أحرم عنه أبوه بإعادة الضمير إلى الصبي العاقل، لكن تأمله مع قول اللباب: وكل ما قدر الصبي عليه بنفسه لا تجوز فيه النيابة اه. وكذا ما في جامع الاستروشني عن الذخيرة قال محمد في الأصل: والأبي الذي يحج له أبوه يقضي المناسك ويرمي الجمار، وأنه على وجهين: الأول إذا كان صبيا لا يعقل الأداء بنفسه، وفي هذا الوجه إذا أحرم عنه أبوه جاز، وإن كان يعقل الأداء بنفسه يقضي المناسك كلها، يفعل مثل ما يفعله البائع اه. فهو كالصريح في أن إحرامه عنه إنما يصح إذا كان لا يعقل. قوله: (قبل الوقوف) وكذا بعده بالأولى، وهو راجع لقوله: بلغ وعتق. قوله: (لانعقاده نفلا) وكان القياس أن يصح فرضا لو نوى حجة الاسلام حال وقوفه، لان الاحرام شرط، كما أن الصبي إذا تطهر ثم بلغ فإنه يصح أداء فرضه بتلك الطهارة، إلا أن الاحرام له شبه بالركن لاشتماله على النية فحيث لم يعده لم يصح، كما لو
512 شرع في صلاة ثم بلغ بالسن فإن جدد إحرامها ونوى بها الفرض يقع عنه، وإلا فلا. شرح اللباب. قوله: (فلو جدد الخ) بأن يرجع إلى ميقات من المواقيت ويجدد التلبية بالحج كما في شرح الملتقى. قلت: والظاهر أن الرجوع ليس بلازم، لان إنشاء الاحرام من الميقات واجب فقط كما يأتي ط. قوله: (قبل وقوفه بعرفة) قيل عبارة المبتغى: ولو أحرم الصبي أو المجنون أو الكافر ثم بلغ أو أفاق ووقت الحج باق فإن جددوا الاحرام يجزيهم عن حجة الاسلام اه. مقتضاه أن المراد بما قبل الوقوف قبل فوت وقته كما عبر به منلا علي القاري في شرحه على الوقاية واللباب، لكن نقل القاضي عيد في شرحه على اللباب عن شيخه العلامة الشيخ حسن العجيمي المكي أن المراد به الكينونة بعرفة حتى لو وقف بها بعد الزوال لحظة فبلغ ليس له التجديد، وإن بقي وقت الوقوف، وأيده الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه بقول (ص): من وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقال: وقد وقع الاختلاف في هذه المسألة في زماننا، فمنهم من أفتى بصحة تجديده الاحرام بعد ابتداء الوقوف، ومنهم من أفتى بعدمها، ولم نر فيها نصا صريحا اه ملخصا. قلت: وظاهر قول المصنف تبعا للدرر قبل وقوفه أن المراد حقيقة الوقوف لا وقته، فهو مؤيد لكلام العجيمي. قوله: (لم تجزه) أي عن حجة الاسلام ط. قوله: (لانعقاده) أي إحرام العبد نفلا لازما، فلا يمكنه الخروج عنه. بحر ط. قوله: (بخلاف الصبي) لان إحرامه غير لازم لعدم أهلية اللزوم عليه، ولذا لو أحصر وتحلل لا دم عليه ولا قضاء ولا جزاء عليه لارتكاب المحظورات، فتح. قوله: (والكافر) أي لو أحرم فأسلم فجدد الاحرام لحجة الاسلام أجزأه لعدم انعقاد إحرامه الأول لعدم الأهلية ط عن البدائع. قوله: (والمجنون) أي لو أحرم عنه وليه، ثم أفاق فجدد الاحرام قبل الوقوف أجزأه عن حجة الاسلام. شرح اللباب، وفي الذخيرة: قال في الأصل: وكل جواب عرفته في الصبي يحرم عنه الأب فهو الجواب في المجنون اه. وفي الولوالجية: قبيل الاحصار، وكذا الصبي يحج به أبوه، وكذا المجنون يقضي المناسك ويرمي الجمار لان إحرام الأب عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما اه. وفي شرح المقدسي عن البحر العميق: لا حج على مجنون مسلم، ولا يصح منه إذا حجر بنفسه ولكن يحرم عنه وليه اه. فهذه النقول صريحة في أن المجنون يحرم عنه وليه كالصبي، وبه اندفع ما في البحر من قوله: كيف يتصور إحرام المجنون بنفسه، وكون وليه أحرم عنه يحتاج إلى نقل صريح يفيد أنه كالصبي اه. مطلب في فروض الحج وواجباته قوله: (فرضه) عبر به ليشمل الشرط والركن ط. قوله: (الاحرام) هو النية والتلبية أو ما يقوم مقامها: أي مقام التلبية من الذكر أو تقليد البدنة مع السوق. لباب وشرحه. قوله: (وهو شرط ابتداء حتى صح تقديمه على أشهر الحج وإن كره كما سيأتي ح. قوله: (حتى لم يجز الخ) تفريع على شبهه بالركن: يعني أن فائت الحج لا يجوز له استدامة الاحرام، بل عليه التحلل بعمرة والقضاء من قابل كما يأتي، ولو كان شرطا محضا لجازت الاستدامة اه ح. ويتفرع عليه أيضا ما في شرح
513 اللباب من أنه لو أحرم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل احرامه، وإلا فالردة لا تبطل الشرط الحقيقي كالطهارة للصلاة اه. وكذا ما قدمناه من اشتراط النية فيه، والشرط المحض لا يحتاج إلى نية، وكذا ما مر من عدم سقوط الفرض عن صبي أو عبد أحرم فبلغ أو عتق ما لم يجدده الصبي. قوله: (ليقضي من قابل) أي بهذا الاحرام السابق المستدام ط. قوله: (في أوانه) وهو من زوال يوم عرفة إلى قبيل طلوع فجر النحر ط. قوله: (ومعظم طواف الزيارة) وهو أربعة أشواط وباقيه واجب كما يأتي ط. قوله: (وهما ركنان) يشكل عليه ما قالوا: إن المأمور بالحج إذا مات بعد الوقوف بعرفة، قبل طواف الزيارة فإنه يكون مجزئا، بخلاف ما إذا رجع قبله فإنه لا وجود للحج إلا بوجود ركنية ولم يوجدا، فينبغي أن لا يجزى الآمر سواء مات المأمور أو رجع. بحر. قال العلامة المقدسي: يمكن الجواب بأن الموت من قبل من له الحق وقد أتى بوسعه، وقد ورد الحج عرفة بخلاف من رجع اه. وأما الحاج عن نفسه فسنذكر عن اللباب أنه إذا أوصى بإتمام الحج تجب بدنة. تأمل. تتمة: بقي من فرائض الحج: نية الطواف، والترتيب بين الفرائض، الاحرام: ثم الوقوف، ثم الطواف وأداء كل: فرض في وقته. فالوقوف من زوال عرفة إلى فجر النحر، والطواف بعده إلى آخر العمر، ومكانه: أي من أرض عرفات للوقوف ونفس المسجد للطواف، وألحق بها ترك الجماع قبل الوقوف. لباب وشرحه. قوله: (وواجبه) اسم جنس مضاف فيعم، وسيأتي حكم الواجب. قوله: (نيف وعشرون) أي اثنان وعشرون هنا بما زاده الشارح أو أربعة وعشرون إن اعتبر الأخير، وهو المحظور ثلاثة، وأوصلها في اللباب إلى خمسة وثلاثين، فزاد أحد عشر أخر وهي: الوقوف بعرفة جزءا من الليل، ومتابعة الامام في الإفاضة: أي بأن لا يخرج من أرض عرفة إلا بعد شروع الامام في الإفاضة، وتأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة، والآتيان بما زاد على الأكثر في طواف الزيارة، قيل وبيتوتة جزء من الليل فيها، وعدم تأخير رمي كل يوم إلى ثانيه، ورمي القارن والمتمتع قبل الذبح، والهدي عليهما، وذبحهما قبل الحلق وفي أيام النحر، قيل وطواف القدوم اه. قلت: لكن واجبات الحج في الحقيقة الخمسة الأول المذكورة في المتن والذبح، أما الباقي فهي واجبات له بواسطة لأنها واجبات الطواف ونحوه. قوله: (وقوف جمع) بفتح فسكون: أي الوقوف فيه ولو ساعة بعد الفجر كما في شرح اللباب. قوله: (سميت بذلك) أي بجمع وبمزدلفة، فقد يشار بذا إلى ما فوق الواحد كقوله تعالى: * (عوان بين ذلك) * (البقرة: 86) فافهم. قوله: (لكل من حج) أي آفاقيا أو غيره قارنا أو متمتعا أو مفردا وهو راجع لجميع ما قبله، وإنما ذكره لئلا يتوهم رجوع قوله: لآفاقي إلى الجميع، وإلا فكثير من الواجبات الآتية لكل من حج. قوله: (وطواف الصدر) بفتحتين بمعنى الرجوع ومنه قوله تعالى: * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا * ولذا يسمى طواف الوداع بفتح الواو وتكسر لموادعته البيت. شرح اللباب. فقول الشارح: أي الوداع على حذف مضاف: أي طواف الوداع فهو تفسير لطواف الصدر لا تفسير للصدر إلا باعتبار اللزوم، لان الوداع بمعنى الترك
514 لازم للصدر بمعنى الرجوع. تأمل. قوله: (للآفاقي) اعترض النووي في التهذيب على الفقهاء في ذلك بأن الآفاق: النواحي، واحده أفق بضمتين، وبإسكان الفاء والنسبة إليه أفقي، لان الجمع إذا لم يسم به فالنسبة إلى واحده. وأجاب في كشف الكشاف بأنه صحيح لأنه أريد به الخارجي: أي خارج المواقيت فكان بمنزلة الأنصار. وتمامه في شرح ابن كمال والقهستاني. قوله: (غير الحائض) لان الحائض يسقط عنها كما سيأتي. قوله: (والحلق أو التقصير) أي أحدهما، والحلق أفضل للرجل، وفيه أن هذا شرط للخروج من الاحرام والشرط لا يكون ألا فرضا، وأجاب في شرح اللباب بأن وجوبه من حيث إيقاعه في الوقت المشروع، وهو ما بعد الرمي في الحج، وبعد السعي في العمرة. قلت: وفيه أن هذا واجب آخر سيأتي، فالأحسن الجواب بأنه لا يلزم من توقف الخروج من الاحرام عليه أن يكون فرضا قطعيا، فقد يكون واجبا كتوقف الخروج الواجب من الصلاة على واجب السلام. تأمل. ثم رأيت في الفتح قال: إن الحلق عند الشافعي غير واجب، وهو عندنا واجب لان التحلل الواجب لا يكون إلا به، ثم قال بعد كلام: غير أن هذا التأويل ظني فيثبت به الوجوب لا القطع. قوله: (من الميقات) يشمل الحرم المكي ونحوه كمتمتع لم يسق الهدي ط. والتقييد به للاحتراز عما بعده، وإلا فيجوز قبله بل هو أفضل بشروطه كما في شرح اللباب. قوله: (إلى الغروب) لم يقل من الزوال، لان ابتداءه من الزوال غير واجب، وإنما الواجب أن يمده بعد تحققه مطلقا إلى الغروب كما أفاده في شرح اللباب. قوله: (إن وقف نهارا) أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه، حتى لو وقف ساعة لا يلزمه شئ كما في شرح اللباب، نعم يكون تاركا واجب الوقوف نهارا إلى الغروب. قوله: (على الأشبه) ذكر في المطلب الفائق شرح الكنز أن الأصح أنه شرط، لكن ظاهر الرواية أنه سنة يكره تركها، وعليه عامة المشايخ، وصححه في اللباب، وذكر ابن الهمام أنه لو قيل: إنه واجب، لا يبعد لان المواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب اه. وبه صرح في المنهاج عن الوجيز وهو الأشبه والأعدل فينبغي أن يكون عليه المعول اه من شرح اللباب. قوله: (والتيامن فيه) وهو أخذ الطائف عن يمين نفسه وجعله البيت عن يساره. لباب. قوله: (في الأصح) صرح به الجمهور، وقيل أنه سنة، وقيل فرض شرح اللباب. قوله: (والمشي فيه الخ) فلو تركه بلا عذر أعاده، وإلا فعليه دم لان المشي واجب عندنا على هذا نص المشايخ وهو كلام محمد، وما في الخانية من أنه أفضل تساهل أو محمول على النافلة لا يقال، بل ينبغي في النافلة أن تجب صدقة لأنه إذا شرع فيه وجب فوجب المشي، لان الفرض أن شروعه لم يكن بصفة المشي، والشروع إنما يوجب ما شرع فيه، كذا في الفتح پ قوله: (لزمه ماشيا) قال صاحب اللباب في منسكه الكبير: ثم إن طافه زحفا أعاده، كذا في الأصل، وذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي أنه يجزيه لأنه أدى ما أوجب على نفسه، وتمامه في شرح اللباب. قوله: (فمشيه أفضل)
515 أشار إلى أن الزحف يجزيه، ولا دم عليه، لكن يحتاج إلى الفرق بين وجوبه بالشروع، ووجوبه بالنذر على رواية الأصل، ولعله أن الايجاب بالقول أقوى منه بالفعل فيجب بالقول كاملا لئلا يكون نذرا بمعصية، كما لو نذر اعتكافا بدون صوم لزمه به، ويلغو وصفه له بالنقصان، والواجب بالشروع هو ما شرع فيه، وقد شرع فيه زحفا فلا يجب عليه غيره، وإلا وجب بغير موجب. تأمل. قوله: (من النجاسة الحكمية) أي الحدث الأكبر والأصغر وإن اختلفا في الاثم والكفارة. قوله (على المذهب) وهو الصحيح وقال ابن شجاع: إنها سنة. شرح اللباب للقاري. قوله: (من ثوب) الأولى لثوب أو في ثوب ط. قوله: (ومكان طواف) لم ينقل في شرح اللباب التصريح بالقول بوجوبه، وإنما قال: وأما طهارة المكان فذكر العز بن جماعة عن صاحب الغاية أنه لو كان في مكان طوافه نجاسة لا يبطل طوافه، وهذا يفيد نفي الشرط والفرضية واحتمال ثبوت الوجوب والسنية اه. قوله: (والأكثر على أنه) أي هذا النوع من الطهارة في الثوب والبدن سنة مؤكدة. شرح اللباب. بل قال في الفتح: وما في بعض الكتب من أن بنجاسة الثوب كله يجب الدم لا أصل له في الرواية اه. وفي البدائع: إنه سنة، فلو طاف وعلى ثوبه نجاسة أكثر من الدرهم لا يلزمه شئ، بل يكره لادخال النجاسة المسجد اه. قوله: (وستر العورة فيه) أي في الطواف، وفائدة عده واجبا هنا مع أنه فرض مطلقا لزوم الدم به، كما عد من سنن الخطبة في الجمعة بمعنى أنه لا يلزم بتركه فسادها، وإلا فالسنة تباين الفرض لعدم الاثم بتركها مرة، هذا ما ظهر لي وقدمناه في الجمعة. قوله: (فأكثر) أي من الربع، فلو أقل لا يمنع، ويجمع المتفرق. لباب. قوله: (كما في الصلاة) أي كما هو القدر المانع في الصلاة. قوله: (يجب الدم) أي إن لم يعده وإلا سقط، وهذا في الطواف الواجب، وإلا تجب الصدقة. قوله: (في الأصح) مقابله ما قاله الكرماني إنه يعتد به، لكنه يكره لترك السنة، وتستحب إعادة ذلك الشوط، لتكون البداءة على وجه السنة، ومشى في اللباب على أنه شرط لصحة السعي، فعدم الاعتداد بالشوط الأول يتفرع عليه، وعلى القول بالوجوب لان المراد بعدم الاعتداد به لزوم إعادته أو لزوم الجزاء على تقدير عدمها، وإنما الفرق من حيث إنه إذا لم يعد الشوط الأول يلزمه الجزاء لترك السعي على القول بالشرطية، لأنه لا صحة للمشروط بدون شرطه، ولترك الشوط الأول على القول بالوجوب الذي هو الأعدل المختار من حيث الدليل، كما في شرح اللباب. وقد يقال: إنه إذا لم يعتد بالأول حصل البداءة بالصفا بالثاني فقد وجد الشرط، ولا يتصور تركه وإنما يكون تاركا لآخر الأشواط إلا إذا أعاد الأول، وكون ذلك شرطا لا ينافي الوجوب، إذ لا يلزم من كون الشئ شرطا لآخر تتوقف عليه صحته أن يكون ذلك الشئ فرضا، كما قدمناه في الحلق خلافا لما فهمه في شرح اللباب هنا. وفي الحلق ولو كان فرضا لزم فرضية السعي، أو فرضية بعضه ووجوب باقيه مع أنه كله واجب يجبر بدم وحينئذ تعين القول بالوجوب، إذ لا ثمرة تظهر على القول بالشرطية كما نص عليه في المنسك الكبير وإن
516 استغربه القاري في شرح اللباب، والله تعالى أعلم بالصواب. قوله: (كما مر) أي في الطواف. قوله: (قيل نعم) ضعفه هنا وإن جزم به في شرحه على الملتقى لأنه جزم بخلافه صاحب اللباب فقال: ولا تختص: أي هذه الصلاة بزمان ولا بمكان: أي باعتبار الجواز والصحة، ولا تفوت: أي إلا بالموت، ولو تركها لم تجبر بدم: أي إنه لا يجب عليه الإيصار بالكفارة. وذكر شارحه أن المسألة خلافية، ففي البحر العميق: لا يجب الدم، وفي الجوهرة والبحر الزاخر: يجب، وفي بعض المناسك: الأكثر على أنه لا يجب، وبه قال في الشافعية، وقيل يلزم. قوله: (والترتيب الآتي بيانه الخ) أي في باب الجنايات حيث قال هناك: يجب في يوم النحر أربعة أشياء: الرمي، ثم الذبح لغير المفرد، ثم الحلق، ثم الطواف لكن لا شئ على من طاف قبل الرمي والحلق، نعم يكره. لباب. كما لا شئ على المفرد إلا إذا حلق قبل الرمي لان ذبحه لا يجب اه. وبه علم أنه كان ينبغي للمصنف هنا تقديم الذبح على الحلق في الذكر ليوافق ما بينهما من الترتيب في نفس الامر، وأن الطواف لا يلزم تقديمه على الذبح أيضا، لأنه إذا جاز تقديمه على الرمي المتقدم على الذبح جاز تقديمه على الذبح بالأولى كما قاله ح. والحاصل أن الطواف لا يجب ترتيبه على شئ من الثلاثة ولذا لم يذكره هنا وإنما يجب ترتيب الثلاثة: الرمي ثم الذبح ثم الحلق، لكن المفرد لا ذبح عليه فبقي الترتيب بين الرمي والحلق. قوله: (في يوم) تقدم في الاعتكاف أن الليالي تبع للأيام في المناسك. قوله: (وراء الحطيم) لان بعضه من البيت كما يأتي بيانه. قوله: (وكون السعي بعد طواف معتد به) وهو أن يكون أربعة أشواط فأكثر، سواء طافه طاهرا أو محدثا أو جنبا، وإعادة الطواف بعد السعي فيما إذا فعله محدثا أو جنبا لجبر النقصان لا لانفساخ الأول. ح عن البحر. ثم إن كون هذا واجبا لا ينافي ما في اللباب من عده شرطا لصحة السعي كما علمته سابقا. قوله: (بالمكان) أي الحرم ولو في غير منى، والزمان: أي أيام النحر، وهذا في الحاج، وأما المعتمر فلا يتوقف حقه بالزمان كما سيأتي في الجنايات. قوله: (وترك المحذور) قال في شرح اللباب: فيه أن الاجتناب عن المحرمات فرض، وإنما الواجب هو الاجتناب عن المكروهات التحريمية كما حققه ابن الهمام، إلا أن فعل المحظورات وترك الواجبات لما اشتركا في لزوم الجزاء ألحقت بها في هذا المعنى. قوله: (كالجماع بعد الوقوف الخ) تمثيل للمحظورات، وقيد به بعد الوقوف لأنه قبله مفسد، والمراد هنا غير المفسد. تأمل. قوله: (والضابط الخ) لما لم يستوف الواجبات كما علمته مما زدناه عن اللباب ذكر هذا الضابط، وليفيد بعكس القضية حكم الواجب، لكنها تنعكس عكسا منطقيا لا لغويا فيقال: بعض ما هو واجب يجب بتركه دم لا كل ما هو واجب، لان ركعتي الطواف لا يجب بتركهما الدم وكذا ترك الواجب بعذر على ما سنذكره في أول الجنايات، لكن في الأول خلاف تقدم، فعلى
517 القول بوجوب الدم فيه مع تقييد الترك بلا عذر يصح العكس كليا. قوله: (وغيرها الخ) فيه أنه لم يستوف الواجبات، وإن كان مراده أن غير الفرائض والواجبات سنن وآداب فغير مفيد. قوله: (كأن يتوسع في النفقة إلخ) أفاد بالكاف أنه بقي منها أشياء لم يذكرها لأنها ستأتي، كطواف القدوم للآفاقي، والابتداء من الحجر الأسود على أحد الأقوال، والخطب الثلاث، والخروج يوم التروية وغيرها مما سيعلم. قوله: (وعلى صون لسانه) أي عن المباح والمكروه تنزيها وإلا فهو واجب. قوله: (ويستأذن أبويه الخ) أي إذا لم يكونا محتاجين إليه، وإلا فيكره، وكذا يكره بلا إذن دائنه وكفيله، والظاهر أنها تحريمية لاطلاقهم الكراهة، ويدل عليه قوله فيما مر في تمثيله للحج المكروه كالحج بلا إذن مما يجب استئذانه فلا ينبغي عده ذلك من السنن والآداب. قوله: (بفتح القاف وتكسر) أي مع سكون العين وحكى الفتح مع كسر العين. قوله: (وتفتح) عزاه الشيخ إسماعيل إلى تحرير الامام النووي، وقال خلافا لما في شرح الشمني من أنه لم يسمع إلا الكسر. قوله: (وعند الشافعي ليس منها يوم النحر) هو رواية عن أبي يوسف أيضا كما في النهر وغيره، وظاهر المتن يوافقه لأنه ذكر العدد فكان المراد عشر ليال، لكن إذا حذف التمييز جاز التذكير فيكون المعنى عشرة أيام. أفاده ح عن القهستاني. وقيل إن العشر اسم لهذه الأيام العشرة فليس المراد به اسم العدد حتى يعتبر فيه التذكير مع المؤنث والعكس. تأمل. قوله: (ذو الحجة كله) مبتدأ محذوف الخبر تقديره منها ح. قوله: (عملا بالآية) أي قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) *. قوله: (قلنا اسم الجمع الخ) الإضافة بيانية: أي اسم هو جمع، وإلا فأشهر صيغة حقيقة، وهذا أحد جوابين للزمخشري. حاصله: أنه تجوز في إطلاق صيغة الجمع على ما فوق الواحد لعلاقة معنى الاجتماع والتعدد. ثانيهما أن التجوز في جعل بعض الشهر شهرا فالأشهر على الحقيقة، واعترض الأول بأن فيه إخراج العشر عن الإرادة لخروجه عن الشهرين، وأجيب بأنه داخل فيما فوق الواحد، وهذا كله على تقدير الحج ذو أشهر، أما على تقدير الحج في أشهر، فلا حاجة إلى التجوز، لان الظرفية لا تقتضي الاستيعاب، لكن بين المراد الحديث الوارد في تفسير الآية بأنها شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. قوله: (وفائدة التأقيت الخ) جواب عن إشكال تقريره أن التوقيت بها إن اعتبر للفوات: أي أن أفعال الحج لو أخرت عن هذا الوقت يفوت الحج لفوته بتأخير الوقوف عن طلوع فجر العاشر يلزم أن لا يصح طواف الركن بعده، وإن خصص الفوات بفوات معظم أركانه، وهو الوقوف، يلزم
518 أن لا يكون العاشر منها كما هو رواية عن أبي يوسف، وإن اعتبر التوقيت المذكور لأداء الأركان في الجملة يلزم أن يكون ثاني النحر وثالثه منها: لجواز الطواف فيهما، وأجاب الشارح تبعا للبحر وغيره بما يفيد اختيار الأخير، وذلك بأن فائدته أن شيئا من أفعال الحج لا يجوز إلا فيها، حتى لو صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز، وكذا السعي عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحج إلا فيها، حتى لو فعله في رمضان لم يجز، ولو اشتبه عليهم يوم عرفة فوقفوا فإذا هو يوم النحر جاز لوقوعه في زمانه، ولو ظهر أنه الحادي عشر لم يجز كما في اللباب وغيره. قال القهستاني: ولا ينافيه إجزاء الاحرام قبلها ولا إجزاء الرمي والحلق وطواف الزيارة وغيرها بعدها لان ذلك محرم فيه اه. قلت: فيه نظر، لان طواف الزيارة يجوز في يومين بعد عشر ذي الحجة كما علمته وإن كان في أوله أفضل، فالمناسب الجواب عن الاشكال بأن فائدة التوقيت ابتداء عدم جواز الافعال قبله وانتهاء الفوات بفوت معظم أركانه وهو الوقوف، ولا يلزم خروج اليوم العاشر لما علمته من جوازه فيه عند الاشتباه، بخلاف الحادي عشر، هذا ما ظهر لي فافهم. قوله: (وأنه يكره الاحرام الخ) عطف على قوله: أنه لو فعل وهو ظاهر في أنه أراد بأفعال الحج غير الاحرام، فلا ينافي إجزاء الاحرام مع الكراهة، فقوله: لا يجزيه واقع في محزه، فافهم، نعم في كون الكراهة فائدة التوقيت خفاء، ولعل وجهه كون الاحرام شبيها بالركن. تأمل. قوله: (قبلها) أفاد أنه لو أحرم فيها بحج ولو لعام قابل لا يكره، ولذا قال في الذخيرة: لا يكره الاحرام بالحج يوم النحر، ويكره قبل أشهر الحج. قال في النهر: وينبغي أن يكون مكروها حيث لم يأمن على نفسه وإن كان في أشهر الحج. قوله: (لشبهه بالركن) علة لقوله: يكره أي ولو كان ركنا حقيقة لم يصح قبلها، فإذا كان شبيها به كره قبلها لشبهه وقربه من عدم الصحة. بحر. قوله: (كما مر) أي عند قوله فرضه الاحرام. قوله: (وإطلاقها) أي الكراهة يفيد التحريم، وبه قيدها القهستاني، ونقل عن التحفة الاجماع على الكراهة، وبه صرح في البحر من غير تفصيل بين خوف الوقوع في محظور أو لا. قال: ومن فصل كصاحب الظهيرية قياسا على الميقات المكاني فقد أخطأ، لكن نقل القهستاني أيضا عن المحيط التفصيل ثم قال: وفي النظم عنه أنه يكره إلا عند أبي يوسف. مطلب أحكام العمرة قوله: (والعمرة في العمر مرة سنة مؤكدة) أي إذا أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل، هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل، لان ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة. فالحاصل: أن من أراد الاتيان بالعمرة على وجه أفضل فيه فبأن يقرن معه عمرة. فتح. فلا يكره الاكثار منها خلافا لمالك، بل يستحب على ما عليه الجمهور، وقد قيل سبع أسابيع من الأطوفة كعمرة. شرح اللباب. قوله: (وصحح في الجوهرة وجوبها) قال في البحر: واختاره في
519 البدائع وقال: إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة، وهذا لا ينافي الوجوب اه. والظاهر من الرواية السنية، فإن محمدا نص على أن العمرة تطوع اه. ومال إلى ذلك في الفتح وقال بعد سوق الأدلة تعارض مقتضيات الوجوب والنفل، فلا تثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين، وذلك يوجب السنة فقلنا بها. قوله: (قلنا المأمور الخ) جواب عن سؤال مقدر أورده في غاية البيان دليلا على الوجوب، ثم أجاب عنه بما ذكره الشارح، ثم هذا مبني على أن المراد بالاتمام تتميم ذاتهما: أي تتميم أفعالهما، أما إذا أريد به إكمال الوصف وعليه ما نقله في البحر من أن الصحابة فسرت الاتمام بأن يحرم بهما من دويرة أهله، ومن الأماكن القاصية فلا حاجة إلى الجواب للاتفاق على أن الاتمام بهذا المعنى غير واجب فالامر فيه للندب إجماعا فلا يدل على وجوب العمرة، فافهم. قوله: (وحلق أو تقصير) لم يذكره المصنف لأنه محلل مخرج منها. بحر. قوله: (وغيرهما واجب) أراد بالغير من المذكورات هنا، وذلك أقل أشواط الطواف والسعي والحلق أو التقصير، وإلا فلها سنن ومحرمات من غير المذكور هنا فافهم، وأشار بقوله: هو المختار إلى ما في التحفة حيث جعل السعي ركنا كالطواف. قال في شرح اللباب: وهو غير مشهور في المذهب. قوله: (ويفعل فيها كفعل الحاج) قال في اللباب: وأحكام إحرامها كإحرام الحج من جميع الوجوه، وكذا حكم فرائضها وواجباتها وسننها ومحرماتها ومفسدها ومكروهاتها وإحصارها وجمعها: أي بين عمرتين، وإضافتها: أي إلى غيرها في النية ورفضها كحكمها في الحج: وهي لا تخالفه إلا في أمور، منها: أنها ليست بفرض، وأنها لا وقت لها معين، ولا تفوت، وليس فيها وقوف بعرفة ولا مزدلفة، ولا رمي فيها، ولا جمع: أي بين صلاتين، ولا خطبة، ولا طواف قدوم، ولا صدر، ولا تجب بدنة بإفسادها ولا بطوافها جنبا: أي بل شاة، وأن ميقاتها الحل لجميع الناس، بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي الحرم اه. قوله: (وجازت) أي صحت. قوله: (وندبت في رمضان) أي إذا أفردها كما مر عن الفتح، ثم الندب باعتبار الزمان لأنها باعتبار ذاتها سنة مؤكدة أو واجبة كما مر: أي إنها فيه أفضل منها في غيره، واستدل له في الفتح بما عن ابن عباس: عمرة في رمضان تعدل حجة وفي طريق لمسلم: تقتضي حجة أو حجة معي. قال: وكان السلف رحمنا الله تعالى بهم يسمونها الحج الأصغر، وقد اعتمر (ص) أربع عمرات كلهن بعد الهجرة في ذي القعدة على ما هو الحق وتمامه فيه. تنبيه: نقل بعضهم عن الملة علي في رسالته المسماة: الأدب في رجب أن كون العمرة في رجب سنة بأن فعلها عليه الصلاة والسلام أو أمر بها لم يثبت، نعم روي أن ابن الزبير لما فرغ من تجديد بناء الكعبة قبيل سبعة وعشرين من رجب نحر إبلا وذبح قرابين وأمر أهل مكة أن يعتمروا حينئذ شكر الله تعالى على ذلك، ولا شك أن فعل الصحابة حجة وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، فهذا وجه تحصيص أهل مكة العمرة بشهر رجب اه ملخصا. قوله: (تحريما) صرح به في الفتح واللباب. قوله: (يوم عرفة) أي قبل الزوال وبعده وهو المذهب، خلافا لما مر عن أبي يوسف
520 أنها لا تكره فيه قبل الزوال. بحر. قوله: (وأربعة) بالنصب والتنوين، والأصل أربعة أيام بعدها: أي بعد عرفة: أي بعد يومها. تنبيه: يزاد على الأيام الخمسة ما في اللباب وغيره من كراهة فعلها في أشهر الحج لأهل مكة، ومن بمعناهم: أي من المقيمين، ومن في داخل الميقات لان الغالب عليهم أن يحجوا في سنتهم، فيكونوا متمتعين، وهم عن التمتع ممنوعون، وإلا فلا منع للمكي عن العمرة المفردة في أشهر الحج، إذا لم يحج في تلك السنة، ومن خالف فعليه البيان. شرح اللباب، ومثله في البحر. وهو رد على ما اختاره في الفتح من كراهتها للمكي، وإن لم يحج ونقل عن القاضي عيد فشرح المنسك أن ما في الفتح: قال العلامة قاسم: إنه ليس بمذهب لعلمائنا ولا للأئمة الأربعة، ولا خلاف في عدم كراهتها لأهل مكة اه. قلت: وسيأتي تمام الكلام عليه في باب التمتع إن شاء الله تعالى، هذا وما نقله ح عن الشرنبلالية من تقييده كراهة العمرة في الأيام الخمسة بقوله: أي في حق المحرم أو مريد الحج يقتضي أنه لا يكره في حق غيرهما، ولم أر من صرح به فليراجع. قوله: (أي كره إنشاؤها بالاحرام) أي كره إنشاء الاحرام لها في هذه الأيام ح. قوله: (حتى يلزمه دم وإن كان رفضها) وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في آخر باب الجناية. قوله: (لا أداؤها) عطف على إنشاؤها ح. قوله: (كقارن فاته الحج) لو قال كما في المعراج: كفائت الحج، لشمل المتمتع. قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من أن المكروه الانشاء لا الأداء بإحرام سابق. قوله: (فاستثناء الخانية الخ) حيث قال: تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن اه. ووجه الانقطاع ما علمته من أن المكروه إنشاء العمر في هذه الأيام، والقارن أحرم بها بإحرام سابق على هذه الأيام فهو غير داخل فيما قبله فاستثناؤه منقطع فافهم. قوله: (فلا يختص الخ) تفريع على قوله: منقطع لان حاصله أنه لما لم يكن منشئا للاحرام فيها لم يكن داخلا فيما تكره عمرته فيها، وحينئذ فلا يختص جواز عمرته بيوم عرفة، فافهم. قوله: (كما توهمه في البحر) حيث قال بعد قول الخانية لغير القارن ما نصه: وهو تقييد حسن، وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى، وأن يلحق المتمتع بالقارن اه. قال في النهر: هذا ظاهر في أنه فهم أن معنى ما في الخانية من استثناء القارن أنه لا بد له من العمرة ليبني عليها أفعال الحج، ومن ثم خصه بيوم عرفة وهو غفلة معن كلامهم، فقد قال في السراج: وتكره العمرة في هذه الأيام: أي يكره إنشاؤها بالاحرام أما إذا أداها بإحرام سابق، كما إذا كان قارنا ففاته الحج وأدى العمرة في هذه الأيام لا يكره، وعلى هذا فالاستثناء الواقع في الخانية منقطع ولا اختصاص ليوم عرفة اه. أقول: لا يخفى عليك أن المتبادر من القارن في كلام الخانية المدرك لا فائت الحج، بخلاف ما في السراج، وحينئذ فلا شك أن عمرته لا تكون بعد يوم عرفة، لأنها تبطل الولي بالوقوف كما سيأتي في بابه، وليس في كلام البحر تعرض لمن فاته الحج، ولا لان الاستثناء متصل أو منقطع، فمن أين جاءت الغفلة؟ فتنبه وافهم.
521 مطلب في المواقيت قوله: (والمواقيت) جمع ميقات بمعنى الوقت المحدود، واستعير للمكان: أعني مكان الاحرام كما استعير للوقت في قوله تعالى: * (هنالك ابتلي المؤمنون) * (الأحزاب: 11) ولا ينافيه قول الجوهري: الميقات موضع الاحرام، لأنه ليس من رأيه التفرقة بين الحقيقة والمجاز، وكأنه في البحر استند إلى ظاهر ما في الصحاح، فزعم أنه مشترك بين الوقت والمكان المعين، والمراد هنا الثاني، وأعرض عن كلامهم السابق وقد علمت ما هو الواقع. نهر. ثم اعلم أن الميقات المكاني يختلف باختلاف الناس، فإنهم ثلاثة أصناف: آفاقي، وحلي: أي من كان داخل المواقيت، وحرمي، وذكرهم المصنف على هذا الترتيب. قوله: (مريد مكة) أي ولو لغير نسك كتجارة ونحوها كما يأتي. قوله: (لا محرما) أي بحج أو عمرة. قوله: (بضم ففتح) أي وسكون الياء مصغرا لحلقة بالفتح اسم نبت في الماء معروف. قوله: (على ستة أميال من المدينة) وقيل سبعة، وقيل أربعة. قال العلامة القطبي في منسكه: والمحرر من ذلك ما قاله السيد نور الدين علي السمهودي في تاريخه: قد اختبرت ذلك فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة ذراع بتقديم السين واثنين وثلاثين ذراعا ونصف ذراع بذراع اليد اه. قلت: وذلك دون خمسة أميال، فإن الميل عندنا أربعة آلاف بذراع الحديد المستعمل الآن، والله أعلم اه. قوله: (وعشر مراحل) أو تسع كما في البحر. قوله: (وهو كذب) ذكره في البحر عن مناسك المحقق ابن أمير حاج الحلبي. قوله: (وذات عرق في منسك القطبي: سميت بذلك لان فيها عرقا وهو الجبل، وهي قرية قد خربت الآن، وعرق هو الجبل المشرف على العقيق، والعقيق واد يسيل ماؤه إلى غوري تهامة قاله الأزهري اه. ولهذا قال في اللباب: والأفضل أن يحرم من العقيق وهو قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين. قوله: (على مرحلتين) وقيل ثلاث، وجمع بأن الأول نظر إلى المراحل العرفية، والثاني إلى الشرعية. قوله: (وجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، سميت بذلك لان السيل نزل بها وجحف أهلها: أي استأصلهم، واسمها في الأصل مهيعة، لكن قيل إنها قد ذهبت أعلامها ولم يبق بها إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي، فلذا والله تعالى أعلم اختار الناس الاحرام احتياطا من المكان المسمى برابض، وبعضهم يجعله بالغين لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك. بحر. وقال القطبي: ولقد سأل جماعة ممن له خبرة من عربانها عنها فأروني أكمة بعدما رحلنا من رابغ إلى مكة على جهة اليمين على مقدار ميل من رابغ تقريبا. قوله: (وقرن) بفتح القاف وسكون الراء: جبل مطل على عرفات لا خلاف في ضبطه بهذا بين رواة الحديث واللغة والفقه وأصحاب الاخبار وغيرهم: نهر عن تهذيب الأسماء واللغات. قوله: (وفتح الراء خطأ الخ) قال في القاموس: وغلط
522 الجوهري في تحريكه، وفي نسبة أويس القرني إليه، لأنه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده. قوله: (ويلملم) بفتح المثنا التحتية واللامين وإسكان الميم، ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها. قوله: (جبل) أي من جبال تهامة مشهور في زماننا بالسعدية، قاله بعض شراح المناسك. قال في البحر: وهذه المواقيت ما عدا ذات عرق ثابتة في الصحيحين، وذات عرق في صحيح مسلم وسنن أبي داود. قوله: (والعراقي) أي أهل البصرة والكوفة، وهم أهل العراقين، وكذا سائر أهل المشرق، وقوله والشامي مثله المصري والمغربي من طريق تبوك. لباب وشرحه. قوله: (الغير المارين بالمدينة) (1) يعني أن كون ذات عرق للعراقي، وجحفة للشامي إذا كانا غير مارين بالمدينة، أما لو مرا بها فميقاتهم ميقاتها: أعني ذا الحليفة، وهذا بيان للأفضل لأنه لا يجب عليهما الاحرام من ذي الحليفة كالمدني كما يأتي تحريره، فافهم. قوله: (بقرينة ما يأتي) أي في قوله: وكذا هي لمن مر بها من غير أهلها ح. قوله: (والنجدي) أي نجد اليمن ونجد الحجاز ونجد تهامة. لباب. قوله: (واليمني) أي باقي أهل اليمن وتهامة. لباب. قوله: (ويجمعها الخ) جمعها أيضا الشيخ أبو البقاء في البحر العميق بقوله: مواقيت آفاق يمان ونجدة * عراق وشام والمدينة فاعلم يلملم قرن ذات عرق وجحفة * حليفة ميقات النبي المكرم قوله: (وكذا هي) أي هذه المواقيت الخمسة. قوله: (قال النووي والشافعي وغيره) سقطت هذه الجملة من بعض النسخ، وهو الحق لان المسألة مصرح بها في كتب المذهب متونا وشروحا، فلا معنى لنقلها عن النووي رحمه الله تعالى ح. قوله: (وأجيب بأنه يشير إلى أنها اتفاقية. قوله: (وقالوا) أي علماؤنا الحنفية. قوله: (ولو مر بميقاتين) كالمدني يمر بذي الحليفة ثم بالجحفة فإحرامه من الابعد أفضل: أي الابعد عن مكة، وهو ذو الحليفة، لكن ذكر في شرح اللباب عن ابن أمير حاج أن الأفضل تأخير الاحرام، ثم وفق بينهما بأن أفضلية الأول لما فيه من الخروج عن الخلاف وسرعة المسارعة إلى الطاعة، والثاني لما فيه من الامن من قلة الوقوع في المحظورات لفساد الزمان بكثرة العصيان، فلا ينافي ما مر ولا ما في البدائع من قوله: من جاوز ميقاتا بلا إحرام إلى آخر جاز، إلا أن المستحب أن يحرم من الأول، كذا روي عن أبي حنيفة أنه قال في غير أهل المدينة: إذا مروا بها فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك، وأحب إلي أن يحرموا من ذي الحليفة لأنهم لما وصلوا إلى
(1) قوله: (الغير المارين) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف والذي في نسخ الشارح (الغير مار) وكثيرا ما يقع لمثل هذا نظائر ولعل منشأه اختلاف النسخ ا ه مصححه. 523 الميقات الأول لزومهم محافظة حرمته، فيكره لهم تركها اه. وذكر مثله القدوري في شرحه، إلا أن في قول الإمام: في غير أهل المدينة، إشارة إلى أن المدني ليس كذلك، وبه يجمع بين الروايتين عن الامام بوجوب الدم وعدمه، بحمل رواية الوجوب على المدني وعدمه على غيره اه. قلت: لكن نقل في الفتح أن المدني إذا جاوز إلى الجحفة فأحرم عندها فلا بأس به، والأفضل أن يحرم ممن ذي الحليفة، ونقل قبله عن كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتب ظاهر الرواية: ومن جاوز وقته غير محرم ثم أتى وقتا آخر فأحرم منه أجزأه، ولو كان أحرم من وقته كان أحب إلي اه. فالأول صريح، والثاني ظاهر في المدني أنه لا شئ عليه. فعلم أن قول الإمام المار في غير أهل المدينة اتفاقي لا احترازي، وأنه لا فرق في ظاهر الرواية بين المدني وغيره، وأما قول الهداية وفائدة التأقيت: أي المواقيت الخمسة المنع عن تأخير الاحرام عنها لأنه يجوز التقديم بالاجماع فاعترضه في الفتح بأنه يلزم عليه أنه لا يجوز تأخير المدني الاحرام عن ذي الحليفة والمسطور خلافه، نعم روي عن الامام أن عليه دما لكن الظاهر عنه هو الأول. قال في النهر: والجواب أن المنع من التأخير مقيد بالميقات الأخير، وتمامه فيه. قوله: (على المذهب) مقابلة رواية وجوب الدم. قوله: (وعبارة اللباب سقط عنه الدم) مقتضاها وجوبه بالمجاوزة ثم سقوطه بالاحرام من الأخير وهو مخالف للمسطور كما علمته، والظاهر أنه مبني على الرواية الثانية. قوله: (ولو لم يمر بها الخ) كذا في الفتح. ومفاده أن وجوب الاحرام بالمحاذاة إنما يعتبر عند عدم المرور على المواقيت، أما لو مر عليها فلا يجوز له مجاوزة آخر ما يمر عليه منها وإن كان يحاذي بعده ميقاتا آخر، وبذلك أجاب صاحب البحر عما أورده عليه العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي حين اجتماعه به في مكة من أنه ينبغي على مدعاكم أن لا يلزم الشامي والمصري الاحرام من رابغ، بل من خليص لمحاذاته لآخر المواقيت، وهو قرن المنازل. وأجابه بجواب آخر وهو أن مرادهم المحاذاة القريبة، ومحاذاة المارين بقرن بعيدة لان بينهم وبينه بعض جبال، لكن نازعه في النهر بأنه لا فرق بين القريبة والبعيدة. قوله: (تحرى) أي غلب على ظنه مكان المحاذاة وأحرم منه إن لم يجد عالما به يسأله. قوله: (إذا حاذى أحدهما) في بعض النسخ إذا حاذاه أحدها. قوله: (وأبعدها) أي عن مكة. قوله: (فإن لم يكن الخ) كذا في الفتح، لكن الأصوب قول اللباب: فإن لم يعلم المحاذاة لما قال شارحه إنه لا يتصور عدم المحاذاة اه. أي لان المواقيت تعم جهات مكة كلها فلا بد من محاذاة أحدها. قوله: (فعلى مرحلتين) أي من مكة فتح، ووجهه أن المرحلتين أوسط المسافات، وإلا فالاحتياط الزيادة. مقدسي. قوله: (وحرم الخ) فعليه العود إلى ميقات منها وإن لم يكن ميقاته ليحرم منه، وإلا فعليه دم سيأتي بيانه في الجنايات. قوله: (كلها) زاده لأجل دفع ما أورد على عبارة الهداية كما قدمناه آنفا. قوله: (أي لآفاقي) أي ومن ألحق به كالحرمي والحلي إذا خرجا إلى الميقات كما يأتي فتقييد بالآفاقي للاحتراز عما لو بقيا في مكانهما، فلا يحرم كما يأتي. قوله: (يعني الحرم) أي الآتي تحديده قريبا لا خصوص مكة، وإنما قيد بها لان الغالب قصد
524 دخولها. قوله: (غير الحج) كمجرد الرؤية والنزهة أو التجارة. فتح. قوله: (أما لو قصد موضعا من الحل) أي مما بين الميقات والحرم، والمعتبر القصد عند المجاوزة لا عند الخروج من بيته كما سيأتي في الجنايات: أي قصدا أوليا كي إذا قصده لبيع أو شراء، وأنه إذا فرغ يدخل مكة ثانيا إذ لو كان قصده الأولى دخول مكة، ومن ضرورته أن يمر في الحل فلا يحل له. قوله: (فله دخول مكة بلا إحرام) أي ما لم يرد نسكا كما يأتي قريبا. قوله: (وهو الحيلة الخ) أي القصد المذكور ه الحيلة لمن أراد دخول مكة بلا إحرام، لكن لا تتم الحيلة إلا إذا كان قصده لموضع من الحل قصدا أوليا كما قررناه ولم يرد النسك عند دخول مكة كما يأتي قريبا، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أواخر الجنايات إن شاء الله تعالى. قوله: (إلا لمأمور بالحج للمخالفة) ذكره في البحر بحثا بقوله: وينبغي أن لا تجوز هذه الحيلة للمأمور بالحج لأنه حينئذ لم يكن سفره للحج، ولأنه مأمور بحجة آفاقية، وإذا دخل مكة بغير إحرام صارت حجته مكية فكان مخالفا، وهذه المسألة يكثر وقوعها فيمن يسافر في البحر الملح وهو مأمور بالحج ويكون ذلك في وسط السنة، فهل له أن يقصد البندر المعروف بجدة ليدخل مكة بغير إحرام حتى لا يطول الاحرام عليه؟ لو أحرم بالحج فإن المأمور بالحج ليس له أن يحرم بالعمرة اه: أي لأنه إذا اعتمر ثم أحرم بالحج من مكة يصير مخالفا في قولهم كما في التاترخانية عن المحيط، وهل مخالفته لكونه جعل سفره لغير الحج المأمور به، أو لكونه لم يجعل حجته آفاقية. وعلى الثاني لو اعتمر أو فعل الحيلة بأن قصد البندر، ثم دحل مكة ثم خرج وقت الحج إلى الميقات فأحرم منه لم يكن مخالفا لان حجته صارت آفاقية، أما على الأول فهو مخالف، ويحتمل أن المخالفة لكل من العلتين كما يفيده أول عبارة البحر المذكور فتتحقق المخالفة بالعلة الأولى، لكن ذكر العلامة القاري في بعض رسائله مسألة اضطرب فيها فقهاء عصره وهي: أن الآفاقي الحاج عن الغير إذا جاوز الميقات بلا إحرام للحج، ثم عاد إلى الميقات، وأحرم هل يصح عن الآمر؟ قيل: لا، وقيل: نعم، ومال هو إلى الثاني. قال: وأفتى به الشيخ قطب الدين وشيخنا سنان الرومي في منسكه والشيخ علي المقدسي. قلت: وهذا يفيد جواز الحيلة المذكورة له إذا عاد إلى الميقات، وأحرم، والجواب عن قوله: لان سفره حينئذ لم يكن للحج، أنه إذا قصد البندر عند المجاوزة ليقيم به أياما لبيع أو شراء مثلا ثم يدخل مكة لم يخرج عن أن يكون سفره للحج كما لو قصد مكانا آخر في طريقه، ثم النقلة عنه والله تعالى أعلم، فافهم. وأما لو أحرم بالحج من الميقات وأقام بمكة حراما فإنه لا يحتاج إلى هذه الحيلة، لكنه يكره تقديم الاحرام على أشهر الحج: أي يحرم كما قدمناه قبيل أحكام العمرة. قوله: (بل هو الأفضل) قدمنا تفسير الصحابة الاتمام بالاحرام من دويرة أهله ومن الأماكن القاصية. قال في فتح القدير: وإنما كان التقديم على المواقيت أفضل، لأنه أكثر تعظيما وأوفر مشقة والاجر على قدر المشقة، ولذا كانوا يستحبون الاحرام بهما من الأماكن القاصية. روي عن ابن عمر: أنه أحرم من بيت المقدس وعمران بن الحصين من البصرة، وعن ابن عباس أنه أحرم من
525 الشأم وابن مسعود من القادسية. وقال عليه الصلاة والسلام: من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر الله له ما تقدم من ذنبه رواه أحمد وأبو داود بنحوه اه. قوله: (إن في أشهر الحج) أما قبلها فيكره وإن أمن على نفسه الوقوع في المحظورات لشبه الاحرام بالركن كما مر. قوله: (وأمن على نفسه) وإلا فالاحرام من الميقات أفضل بل تأخيره إلى آخر المواقيت على ما اختاره ابن أمير حاج كما قدمناه. قوله: (وحل لأهل داخلها) شروع في الصنف الثاني من المواقيت، والمراد بالداخل غير الخارج، فيشمل من فيها نفسها ومن بعدها، فإنه لا فرق بينهما في المنصوص من الرواية، كما صرح به في الفتح والبحر وغيرهما، وينبغي أن يراد داخل جميعها ليخرج من كان بين ميقاتين، كمن كان بين ذي الحليفة والجحفة لأنه بالنظر إلى الجحفة خارج الميقات، فلا يحل له دخول الحرم بلا إحرام. تأمل. قوله: (يعني لكل الخ) أشار إلى أن المراد بالأهل ما يشمل من قصدهم من غيرهم كما أفاده قبله بقوله: أما لو قصد موضعا من الحل الخ. قوله: (غير محرم) حال من أهل، ولم يجمعه نظرا إلى لفظ أهل فإنه مفرد وإن كان معناه جمعا ح. قوله: (ما لم يرد نسكا) أما إن أراده وجب عليه الاحرام قبل دخوله أرض الحرم فميقاته كل الحل إلى الحرم. فتح. وعن هذا قال القطبي في منسكه: ومما يجب التيقظ له سكان جدة بالجيم، وأهل حدة بالمهملة، وأهل الأودية القريبة من مكة فإنهم غالبا ما يأتون مكة في سادس أو سابع ذي الحجة بلا إحرام، ويحرمون للحج من مكة فعليهم دم لمجاوزة الميقات بلا إحرام، لكن بعد توجههم إلى عرفة ينبغي سقوطه عنهم بوصولهم إلى أول الحل ملبين، إلا أن يقال: إن هذا لا يعد عودا إلى الميقات لعدم قصدهم العود لتلافي ما لزمهم بالمجازة بل قصدوا التوجه إلى عرفة اه. وقال القاضي محمد عيد في شرح منسكه: والظاهر السقوط لان العود إلى الميقات مع التلبية مسقط لدم المجاوزة وإن لم يقصده لحصول المقصود وهو التعظيم. قوله: (للحرج) علة لقوله: وحل الخ. قوله: (كما لو جاوزها الخ) يحتمل عود الهاء إلى مكة فتكون الكاف للتمثيل، لان المكي إذا خرج إلى الحل الذي في داخل الميقات التحق بأهله كما مر آنفا، بشرط أن لا يجاوز ميقات الآفاقي، وإلا فهو كالآفاقي لا يحل له دخوله بلا إحرام، كما ذكره في البحر، ويحتمل عودها إلى المواقيت، فالكاف للتنظير للمنفي في قوله: ما لم يرد نسكا فإن من أراده من أهل الحل لا يدخل مكة بلا إحرام، ونظيره المكي إذا خرج منها وجاوز المواقيت لا يحل له العود بلا إحرام لكن إحرامه من الميقات، بخلاف مريد النسك فإنه من الحل كما علمته. قوله: (فهذا) الإشارة إلى أهل داخلها بالمعنى الذي ذكرناه، فالحرم حد في حقه كالميقات للآفاقي فلا يدخل الحرم إن قصد النسك إلا محرما. بحر. قوله: (يعني الخ) أشار إلى ما في البحر من قوله: والمراد بالمكي من كان داخل الحرم سواء كان بمكة أو لا، وسواء كان من أهلها أو لا اه. فيشمل الآفاقي المفرد بالعمرة والمتمتع والحلال من أهل الحل إذا دخل الحرم لحاجة كما في اللباب. قوله: (ليتحقق نوع سفر) لان أداء الحج في عرفة، وهي في الحل فيكون إحرام المكي بالحج من الحرم، ليتحقق له نوع
526 سفر بتبدل المكان، وأداء العمرة في الحرم فيكون إحرامه بها من الحل ليتحقق له نوع من السفر. شرح النقاية للقاري. فلو عكس فأحرم للحج من الحل أو للعمرة من الحرم لزمه دم إلا إذا عاد ملبيا إلى الميقات المشروع له كما في اللباب وغيره. قوله: (والتنعيم أفضله) هو موضع قريب من مكة عند مسجد عائشة، وهو أقرب موضع من الحل ط: أي الاحرام منه للعمرة أفضل من الاحرام لها من الجعرانة وغيرها من الحل عندنا، وإن كان (ص) أحرم منها، لامره عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بأن يذهب بأخته عائشة إلى التنعيم لتحرم منه، والدليل القولي مقدم عندنا على الفعلي، وعند الشافعي بالعكس. قوله: (ونظم حدود الحرم ابن الملقن) هو من علماء الشافعية. ونقل عن شرح المهذب للنووي أن ناظم الأبيات المذكور القاضي أبو الفضل النويري: أن على الحرم (1) علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وكان جبريل يريه مواضعها، ثم أمر النبي (ص) بتجديدها، ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية، وهي إلى الآن ثابتة في جميع جوانبه إلا من جهة جدة وجهة الجعرانة فإنها ليس فيها أنصاب اه ملخصا. قوله: (وسبعة أميال الخ) لو قال: ئ ومن يمن سبع عراق وطائف لاستوفى واستغنى عن البيت الثالث المذكور في البحر وهو: ومن يمن سبع بتقديم سينها * وقد كملت فاشكر لربك إحسانه أفاده ح عن الشرنبلالية. قوله: (جعرانة) بكسر العين وتشديد الراء، والأفصح إسكان العين وتخفيف الراء، وتمامه في ط. فصل في الاحرام مناسبة ذكره بعد ذكر المواقيت التي لا يجوز للانسان أن يجاوزها إلا محرما واضحة. وهو لغة: مصدر أحرم إذا دخل في حرمة لا تنتهك، ورجل حرام: أي محرم كذا في الصحاح. وشرعا: الدخول في حرمات مخصوصة: أي التزامها، غير أنه لا يتحقق شرعا إلا بالنية مع الذكر أو الخصوصية، كذا في الفتح، فهما شرطان في تحققه لا جزء ماهيته كما توهمه في البحر حيث عرفه بنية النسك من الحج والعمرة مع الذكر أو الخصوصية. نهر. والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من سوق الهدي أو تقليد البدن، فلا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها، فلو نوى ولم يلب أو بالعكس لا يصير محرما، وهل يصير محرما بالنية والتلبية أو بأحدهما بشرط الآخر، المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية، كما يصير شارعا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير كما في شرح اللباب، ولا يشترط لصحته زمان ولامكان ولا هيئة ولا حالة، فلو أحرم لابسا للمخيط أو مجامعا انعقد في الأول صحيحا وفي الثاني فاسدا كما
(1) قوله: (ان على الحرم) هكذا في النسخة ولعله وان ا ه. 527 في اللباب. قوله: (وصفة المفرد بالحج) أي والأوصاف التي يفعلها الحاج المفرد بعد تحقق دخوله فيه الاحرام، فهو عطف مغاير فافهم، وقدم الكلام في المفرد على القارن والمتمتع لأنه بمنزلة المفرد من المركب. قوله: (النسك) أي العبادة، ثم غلب على عبادة الحج أو العمرة. قوله: (كتكبيرة الافتتاح) المراد بها الذكر الخالي عن الدعاء لان لفظ التكبير واجب لا شرط. قوله: (فالصلاة الخ) زاد في التفريع قوله: وتحليل لتأكيد المشابهة وتحليل الصلاة بالسلام ونحوه وتحليل الحج بالحلق والطواف على ما سيأتي. قوله: (ثم الحج أقوى) أي من الصلاة ولم يقل أفضل لما قدمناه أول كتاب الزكاة عن التحرير وشرحه من أن الأفضل الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم العمرة والجهاد والاعتكاف. قوله: (من وجهين الخ) الأولى تقديم الثاني على الأول كما فعل في البحر. قوله: (ولو مظنونا) بيان للاطلاق، فلو أحرم بالحج على ظن أنه عليه، ثم ظهر خلافه وجب المضي فيه والقضاء إن أبطله، بخلاف المظنون في الصلاة، فإنه لا قضاء لو أفسده. بحر. واختلفوا في وجوب قضائه على المحصر، والأصح الوجوب أيضا كما سنذكره في بابه. قوله: (لا يخرج عنه الخ) بخلاف الصلاة، فإنه يخرج عنها بكل ما ينافيها، وأنه يحرم عليه المضي في فاسدها. وأما الحج، فيجب المضي في فاسده. بجماع قبل الوقوف كصحيحه. قوله: (إلا بعمل) استثناء من مقدر والأصل لا يخرج عنه في حالة من الأحوال بعمل من الأعمال إلا بعمل الخ. وقوله: إلا في الفوات، وإلا الاحصار استثناء من حالة القدرة: فالاستثناء الأول من أعم الظروف، والثاني من أعم الأحوال، فافهم. قوله: (فبعمل العمرة) أي يتحلل عنه بعمرة لفوات الوقت وعليه الحج من قابل. قوله: (فبذبح الهدي) أي يتحلل عنه بعد ذبح هدي في الحرم. قوله: (وغسله أحب) لأنه سنة مؤكدة والوضوء يقوم مقامه في حق إقامة السنة المستحبة لا الفضيلة: أي لا فضيلة السنة المؤكدة. لباب وشرحه، لكن في القهستاني عن الاختيار والمحيط: إنهما مستحبان. قوله: (وهو أي الغسل كما هو المتبادر وصريح كلام غير واحد. قوله: (فيجب) أي يطلب استحبابا، وهذا يؤيد ما في القهستاني إلا أن يفرق بين الحائض والنفساء وغيرهما، أو يكون المراد بيحب يسن لان المسنون محبوب للشارع. تأمل. قوله: (في حق حائض ونفساء) أي قبل انقطاع دمهما بقرينة التفريع، إذ بعد الانقطاع يكون طهارة ونظافة، والمراد من التفريع بيان صورة لا توجد فيها الطهارة ليعلم أنه لم يشرع لأجلها فقط. قوله: (وصبي) صرح به في الفتح وغيره، لكن الصبي إن كان عاقلا يكون غسله طهارة، لأنه ليس المراد بها طهارة الجنابة بل طهارة الصلاة، فإن غسل الجمعة والعيدين للطهارة والنظافة معا كما في النهر مع أنه يسن لغير الجنب، وحينئذ فعطف الصبي على الحائض يوهم أن غسله لا يكون إلا للنظافة فيتعين أن يراد به غير العاقل هنا فيكون ذكره إشارة لقول النهر: واعلم أنه ينبغي أن يندب الغسل أيضا لمن أهل عنه رفيقه أو أبوه لصغره لقولهم: إن الاحرام قائم بالمغمى
528 عليه والصغير، لا بمن أتى به لجوازه مع إحرامه عن نفسه وقد استقر ندبه لكل محرم اه فافهم. قوله: (ليس بمشروع) جزم به غير واحد كالزيلعي والبحر والنهر والفتح، وفيه رد على ما في مناسك العماد من أنه إن عجز عنهما تيمم إلا أن يحمل ما إذا أراد صلاة الاحرام. قوله: (بخلاف الجمعة والعيد) قال في البحر: يعني أن الغسل فيهما للطهارة لا للتنظيف، ولهذا يشرع التيمم لهما عند العجز. قوله: (لكن سوى) أي في عدم مشروعية التيمم. قوله: (ورجحه في النهر) حيث قال: إنه التحقيق، كذا اعترض في البحر علي الزيلعي بأن التيمم لم يشرع لهما عند العجز إذا كان طاهرا عن الجنابة ونحوها، والكلام فيه لأنه ملوث ومغبر، لكن جعل طهارة ضرورة أداء الصلاة ولا ضرورة فيهما، ولهذا سوى المصنف في الكافي بين الاحرام وبين الجمعة والعيدين اه. قوله: (وشرط الخ) بالبناء للمجهول: أي لأنه إنما شرع للاحرام حتى لو اغتسل فأحدث ثم أحرم فتوضأ لم ينل فضله، كذا في البناية معزيا إلى جوامع الفقه. نهر. قوله: (وكذا يستحب الخ) أي قبل الغسل كما في القهستاني واللباب والسراج، وفي الزيلعي، عقيب الغسل. تأمل. والإزالة شاملة لقص الأظفار والشارب وحلق العانة أو نتفها أو استعمال النورة، وكذا نتف الإبط. والعانة: الشعر القريب من فرج الرجل والمرأة، ومثلها شعر الدبر بل هو أولى بالإزالة لئلا يتعلق به شئ من الخارج عند الاستنجاء بالحجر. قوله: (وحلق رأسه إن اعتاده) كذا في البحر والنهر وغيرهما، خلافا لما في شرح اللباب حيث جعله من فعل العامة. قوله: (ولا مانع) الواو للحال. قوله: (ولبس إزار) بالإضافة. وفي بعض نسخ إزارا بالنصب على أن لبس فعل ماضي ثم هذا في حق الرجل. قوله: (من السرة إلى الركبة) بيان لتفسير الإزار والغاية داخله لان الركبة من العورة. قوله: (على ظهره) بيان لتفسير الرداء. قال في البحر: والرداء على الظهر والكتفين والصدر. قوله: (فإن زرره الخ) وكذا لو شده بحبل ونحوه لشبهه حينئذ بالمخيط من جهة أنه لا يحتاج إلى حفظه، بخلاف شد الهميان فوسطه لأنه يشد تحت الإزار عادة. أفاده في فتح القدير: أي فلم يكن القصد منه حفظ الإزار وإن شده فوقه. قوله: (ويسن أن يدخله الخ) هذا يسمى اضطباعا وهو مخالف لقول البحر والرداء على الظهر والكتفين والصدر، وما هنا عزاه القهستاني للنهاية، وعزاه في شرح اللباب للبرجندي عن الخزانة، ثم قال: وهو موهم أن الاضطباع يستحب من أول أحوال الاحرام وعليه العوام، وليس كذلك فإن محله المسنون قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير اه. قال بعض المحشين: وفي شرح المرشدي على مناسك الكنز أنه الأصح وأنه السنة، ونقله في المنسك الكبير للسندي عن الغاية ومناسك الطرابلسي والفتح. وقال: إن أكثر كتب المذهب ناطقة بأن الاضطجاع يسن في الطواف لا قبله في الاحرام، وعليه تدل الأحاديث وبه قال الشافعي اه وكذا نقل القهستاني عن عدة المناسك لصاحب الهداية أن عدمه أولى. قوله: (جديدين) أشار بتقديمه إلى أفضليته، وكونه أبيض أفضل من غيره وفي عدم غسل العتيق ترك المستحب. بحر. قوله: (ككفن
529 الكفاية) التشبيه في العدد والصفة ط. قوله: (وهذا) أي لبس الإزار والرداء على هذه الصفة بيان للسنة، وإلا فساتر العورة كاف يجوز في ثوب واحد وأكثر من ثوبين وفي أسودين أو قطع خرق مخيطة: أي المسماة مرقعة، والأفضل أن لا يكون فيها خياطة. لباب. بل لو لم يتجرد عن المخيط أصلا ينعقد إحرامه، كما قدمناه عن اللباب أيضا، وإن لزمه دم ولو لعذر إذا مضى عليه يوم وليلة وإلا فصدقة كما يأتي في الجنايات. قوله: (وطيب بدنه) أي استحبابا عند الاحرام. زيلعي. ولو بما تبقى عينه كالمسك والغالية هو المشهور. نهر. قوله: (إن كان عنده) أفاد أنه لو لم يكن عنده لا يطلبه كما في العناية وأنه من سنن الزوائد لا الهدي كما في السراج. نهر. قوله: (بما تبقى عينه) والفرق بين الثواب والبدن أنه اعتبر في البدن تابعا والمتصل بالثوب منفصل عنه، وأيضا المقصود من استنانه وهو حصول الارتفاق حالة المنع منه حاصل بما في البدن فأغنى عن تجويزه في الثوب. نهر. قوله: (ندبا) وفي الغاية أنها سنة. نهر. وبه جزم في البحر والسراج. قوله: (بعد ذلك) أي بعد اللبس والتطييب. بحر. قوله: (يعني ركعتين) يشير إلى أن الأولى التعبير بهما كما فعل في الكنز، لان الشفع يشمل الأربع. قوله: (وتجزيه المكتوبة) كذا في الزيلعي والفتح والنهر واللباب وغيرها وشبهوها بتحية المسجد. وفي شرح اللباب أنه قياس مع الفارق لان صلاة الاحرام سنة مستقلة كصلاة الاستخارة وغيرها مما لا تنوب الفريضة منابها، بخلاف تحية المسجد وشكر الوضوء، فإنه ليس لهما صلاة على حدة كما حققه في فتاوي الحجة، فتتأدى في ضمن غيرها أيضا اه. ونقل بعضهم أنه رد عليه الشيخ حنيف الدين المرشدي. قوله: (بلسانه مطبقا لجنانه) أي لقلبه: يعني أن دعاءه يطلب التيسير والتقبل لا بد أن يكون مقرونا بصدق التوجه إلى الله تعالى، لان الدعاء بمجرد اللسان عن قلب غافل لا يفيد، وليس هذا بنية للحج كما نذكره قريبا، فافهم. قوله: (لمشقته الخ) لان أداءه في أزمنة متفرقة وأمكنة متباينة، فلا يعرى عن المشقة غالبا فيسأل الله تعالى التيسير لأنه الميسر كل عسير. زيلعي. قوله: (لقول إبراهيم وإسماعيل) عليهما السلام تعليل لقوله تقبله مني لأنهما لما طلبا ذلك في بناء البيت ناسب طلبه في قصده للحج إليه فإن العبادة في المساجد عمارة لها، فافهم. قوله: (وكذا المعتمر) لوجود المشقة في العمرة وإن كانت أدنى من مشقة الحج. قوله: (والقارن) فيقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة الخ. قال ح: وترك المتمتع لأنه يفرد الاحرام بالحج ويفرده بالعمرة فهو داخل فيما قبله. قوله: (وقيل) عزاه في التحفة والقنية إلى محمد كما في النهر. قوله: (وما في الهداية أولى) كذا في النهر. قال الرحمتي: ولكن ما أعظم الصلاة وما أصعب أداءها على وجهها وما أحرى طلب تيسيرها من الله تعالى، فلذا عممه الزيلعي تبعا لغيره من الأئمة. قوله: (ناويا بها الحج) قال في النهر: فيه إيماء إلى أنها غير حاصلة بقوله: اللهم إني أريد الحج
530 الخ، لأن النية أمر آخر وراء الإرادة وهو العزم على الشئ كما قال البزازي، وقد أفصح عن ذلك ما قاله الراغب: إن دواعي الانسان للفعل على مراتب: السانح ثم الخاطر، ثم الفكر، ثم الإرادة، ثم الهمة، ثم العزم. ولو قال بلسانه: نويت الحج وأحرمت به لبيك الخ كان حسنا ليجتمع القلب واللسان، كذا في الزيلعي. قال في الفتح: وعلى قياس ما قدمناه في شروط الصلاة إنما يحسن إذا لم تجتمع عزيمته لا إذا اجتمعت، ولم نعلم أن أحدا من الرواة لنسكه (ص) روى أنه سمعه يقول: نويت العمرة ولا الحج، ولهذا قال مشايخنا: إن الذكر باللسان حسن ليطابق القلب اه. قال في البحر: فالحاصل أن التلفظ باللسان بالنية بدعة مطلقا في جميع العبادات اه. لكن اعترضه الرحمتي بما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه: سمعتهم يصرخون بهما جميعا. وعنه: ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، إلى غير ذلك مما هو مصرح بالنطق بما يفيد معنى النية، ولم يقل أحد إن النية تتعين بلفظ مخصوص، لا وجوبا ولا ندبا، فكيف يقال إنها لم توجد في كلام أحد من الرواة؟ فتأمل اه. قلت: قد يجاب بأن المراد نفي التصريح بلفظ نويت الحج، وإن ما ورد من الاهلال المذكور هو ما في ضمن الدعاء بالتيسير والتقبل، وقد علمت أن هذا ليس بنية، وإنما النية في وقت التلبية كما أشار إليه المصنف كغيره بقوله ناويا أو هو ما يذكره في التلبية. ففي اللباب وشرحه: ويستحب أن يذكر في إهلاله: أي في رفع صوته بالتلبية ما أحرم به من حج أو عمرة فيقول: لبيك بحجة، ومثله في البدائع. تأمل. قوله: (بيان للأكمل) راجع إلى قوله: تنوي بها (1) الحج كما في البحر. قوله: (بمطلق النية) من إضافة الصفة للموصوف: أي بالنية المطلقة عن التقييد بالحج بأن نوى النسك من غير تعيين حج أو عمرة، ثم إن عين قبل الطواف فيها وإلا صرف للعمرة كما يأتي. قال في اللباب: وتعيين النسك ليس بشرط فصح مبهما وبما أحرم به الغير. ثم قال في موضع آخر: ولو أحرم بما أحرم به غيره فهو مبهم فيلزمه حجة أو عمرة، وقيده شارحه بما إذا لم يعلم بما أحرم به غيره اه وكذا لو أطلق نية الحج صرف للفرض، ويأتي تمامه قريبا قبيل قوله: ولو أشعرها. قوله: (ولو بقلبه) لان ذكر ما يحرم به في الحج أو العمرة باللسان ليس بشرط كما في الصلاة زيلعي. قوله: (بذكر يقصد به التعظيم) أي ولو مشوبا بالدعاء على الصحيح. شرح اللباب. وفي الخانية: ولو قال اللهم ولم يزد، قال الإمام ابن الفضل: هو على الاختلاف الذي ذكرناه في الشروع في الصلاة. والحاصل أن اقتران النية بخصوص التلبية ليس بشرط، بل هو السنة، وإنما الشرط اقترانها بأي ذكر كان، وإذا لبى فلا بد أن تكون باللسان. قال في اللباب: فلو ذكرها بقلبه لم يعتد بها، والأخرس يلزمه تحريك لسانه، وقيل لا، بل يستحب اه. ومال شارحه إلى الثاني، لان الأصح أنه لا يلزمه التحريك في القراءة للصلاة، فهذا أولى لان الحج أوسع، ولان القراءة فرض قطعي متفق عليه، بخلاف التلبية. قوله: (ولو بالفارسية) أي أو غيرها كالتركية والهندية كما في اللباب وأشار
(1) قوله: (تنوي بها) عبارة المصنف: ناويا فلعلها عبارة غير المصنف. 531 إلى أن العربية أفضل كما في الخانية. قوله: (وإن أحسن العربية والتلبية) أي بخلاف الصلاة لان باب الحج أوسع، حتى قام غير الذكر مقامه كتقليد البدن. ح عن الشرنبلالية: وفيه أن الشروع في الصلاة يتحقق بالفارسية ولو مع القدرة على العربية، وقدمه الشارح هناك ونبه على ما وقع للشرنبلالي وغيره من الاشتباه حيث جعلوا الشروع كالقراءة ط. قوله: (وهي لبيك اللهم لبيك) أي أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءبك إجابة بعد أخرى، وجملة اللهم بمعنى يا الله معترضة بين المؤكد والمؤكد. شرح اللباب. فالتثنية لإفادة التكرار كما في * (فارجع البصر كرتين) * أي كرات كثيرة، وتكرار اللفظ لتوكيد، ذلك، ويوجد في بعض النسخ بعد اللهم لبيك: لبيك مرتين، وهو الموافق لما في الكنز والهداية والجوهرة واللباب وغيرها فتكون إعادته ثالثا لمبالغة التأكيد، قال بعض المحشين: وقد استحسن الشافعية الوقف على لبيك الثالثة ولم أره لائمتنا، فراجعه اه. قلت: مقتضى ما في القهستاني الوقف على الثانية، فإنه تكلم على قوله: لبيك اللهم لبيك، ثم قال: لبيك لا شريك لك، استئناف، فإن مفاده أن الاستئناف بقوله: لبيك الثالثة لا بقوله: لا شريك لك، وهو مفاد ما في شرح اللباب أيضا. قوله: (بكسر الهمزة وتفتح) والأول أفضل. قال في المحيط: لأنه عليه الصلاة والسلام فعله، ورده في البناية بأنه لم يعرف، نعم علل أكثرهم الأفضلية بأنه استئناف للثناء فتكون التلبية للذات، بخلاف الفتح فإنه تعليل للتلبية: أي لبيك لان الحمد لك والنعمة والملك، أو تعليق الإجابة التي لا نهاية لها بالذات أولى منه باعتبار صفة. واعترض بأن الكسر يجوز أن يكون تعليلا مستأنفا أيضا ومنه: * (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 301) * (إنه ليس من أهلك) * (هود: 64) ومنه: علم ابنك العلم إن العلم نافعه، وأجيب بأنه وإن جاز فيه كل منهما إلا أنه يحمل هنا على الاستئناف لأولويته، بخلاف الفتح إذ ليس فيه سوى التعليل، وحكى الشراح عن الامام الفتح وعن محمد والكسائي والفراء الكسر، إلا أن المذكور في الكشاف أن اختيار الإمام الكسر والشافعي الفتح وهو الذي يعطيه ظاهر كلامهم. نهر. قوله: (بالفتح) الأصوب بالنصب لأنه معرب لا مبني، وعبارة النهر بالنصب على المشهور، ويجوز الرفع الخ. قوله: (أو مبتدأ) وخبره لك وعليه فخبر إن محذوف لدلالة ما بعده عليه، والأولى جعل لك خبر إن وخبر المتبدأ محذوف كما قرروا الوجهين في قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن) * (البقرة: 26) الآية، فافهم. قوله: (والملك) بالنصب وجوز الرفع، وعلى كل فالخبر محذوف، واستحسن الوقف عليه لئلا يتوهم أن ما بعده خبره. شرح اللباب. ونقل بعضهم أنه مستحب عند الأئمة الأربعة. تنبيه: في اللباب وشرحه: ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية ثم يخفضه ويصلي على النبي (ص)، ثم يدعو بما شاء، ومن المأثور اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من غضبك والنار وفيه أيضا وتكرارها سنة في المجلس الأول وكذا في غيره، وعند تغير الحالات مستحب مؤكدا، والاكثار مطلقا مندوب، ويستحب أن يكررها كلما شرع فيها ثلاثا على الولاء ولا يقطعها بكلام. قوله: (وزد فيها) ولا تستحب الزيادة من غير المأثور كما في العناية خلافا لما مر في النهر، فافهم، نعم في شرح اللباب ما وقع مأثورا يستحب، بأن يقول: لبيك وسعديك والخير كله بيديك
532 والرغباء إليك، إله الخلق لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا، لبيك إن العيش عيش الآخرة وما ليس مرويا فجائز أو حسن. قوله: (أي عليها) فالظرف بمعنى على كما أفاده الزيلعي. قال في النهر: فافهم لان الزيادة إنما تكون بعد الاتيان بها لا في خلالها كما في السراج اه. فما مر من لبيك وسعديك الخ، ونقله في النهر عن ابن عمر: يأتي به بعد التلبية لا في أثنائها، فافهم. قوله: (تحريما لقوله إنها مرة شرط) تبع فيه النهر مخالفا للبحر، ولا يخفى ما فيه، فإنه إن أراد أن الشرط خصوص الصيغة المارة ففيه أن ظاهر المذهب كما في الفتح أنه يصير محرما بكل ثناء وتسبيح وقد مر، وإن أراد بها مطلق الذكر فلا يفيد مدعاه وهو كراهة نقص هذه الصيغة تحريما، فالحق ما في البحر من أن خصوص التلبية سنة، فإذا تركها أصلا ارتكب كراهة التنزيه، فإذا نقص عنها فكذلك بالأولى، وأن قول الكافي النسفي: لا يجوز، فيه نظر ظاهر، وقول من قال: إنها شرط، مراده ذكر، يقصد به التعظيم لا خصوصها اه. قوله: (والزيادة سنة) أي تكرارها كما قدمناه عن اللباب، وأما الزيادة على الصيغة المارة فقد مر أنها مندوبة، وهو معنى ما في الكافي وغيره أنها مستحبة، فافهم. قوله: (وبترك رفع الصوت بها) أي بالتلبية، ومقتضاه أن الرفع سنة، وبه صرح في النهر عن المحيط، وهو خلاف ما قدمناه، وصرح به في البحر والفتح من أنه مستحب، لكن ذكر في البحر في غير هذا الموضع أن الإساءة دون الكراهة فلا يلزم من قول الشارح تبعا للمحيط أنه يكون مسيئا بتركه أن يكون سنة مؤكدة. تأمل. مطلب فيما يصير به محرما قوله: (وإذا لبى ناويا) قيل الأولى أن يقول: وإذا نوى ملبيا، لان عبارته تفيد أنه يصير شارعا بالتلبية بشرط النية والواقع عكسه اه: أي على ما قول الحسام الشهيد كما مر أول الباب، والجواب كما في الفتح تبعا للزيلعي أهذه العبارة لا يستفاد منها إلا أنه يصير محرما عند النية والتلبية، أما إن الاحرام بهما أو بأحدهما بشرط الآخر فلا، فالعبارتان على حد سواء كما ذكره في النهر، فافهم. قوله: (نسكا) أي معينا كحج أو عمرة أو مبهما لما مر، ويأتي أيضا أن صحة الاحرام لا تتوقف على نية النسك: أي على تعيينه، وليس المراد أنها لا تتوقف على نية نسك أصلا، فافهم. قوله: (أو ساق الهدي الخ) بيان لما يقوم مقام التلبية من الافعال كما يأتي، لكن لو حذف هذا واقتصر على قوله: أو قلد بدنة الخ كما فعل في الكنز لكان أخصر وأظهر، لان الهدى يشمل الغنم، بخلاف البدنة، فإنها تخص الإبل والبقر، وإذا قلد شاة لم يكن محرما وإن ساقها كما صرح به في البحر وسيأتي، ولذا اعترض في شرح اللباب على قوله: ويقوم تقليد الهدي مقام التلبية: كان حقه أن يعبر بالبدنة بدل الهدي. وحاصل المسألة كما في شرح اللباب إن قامة البدن مقام التلبية شرائط. فمنها النية، ومنها سوق البدنة والتوجه معها أو الادراك والسوق إن بعث بها ولم يتوجه معها إلا في بدنة المتعة والقران، فلو قلد هديه ولم يسق، أو ساق ولم يتوجه معه ثم توجه بعد ذلك يريد النسك: فإن كانت البدنة لغير المتعة والقران لا يصير محرما حتى يلحقها، فإذا أدركها وساقها صار محرما.
533 قوله: (أي ربط الخ) وكيفيته أن يفتل خيطا من صوف أو شعر ويربط به نعلا أو عروة مزادة وهي السفرة من جلد أو لحاء شجرة: أي قشرها أو نحو ذلك مما يكون علامة على أنه هدي لئلا يتعرض أحد له ولئلا يأكل منه غني إذا عطب وذبح. قوله: (أو في إحرام سابق) قيد به لان هذا الاحرام لا يتم شروعه فيه إلا بهذا التقليد ط. قوله: (ونحوه) أي نحو جزاء الصيد من الدماء الواجبة. قوله: (كجناية) أي في السنة الماضية. درر. قوله: (وتوجه معها) أي سائقا لها. قال الكرماني: ويستحب أن يكبر عند التوجه مع سوق الهدي ويقول: الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد. شرح اللباب. قوله: (يريد الحج) إذ لا بد مع ذلك من النية على الصواب كما صرح به الأصحاب. شرح اللباب. قوله: (ينبغي نعم) البحث للشرنبلالي، وعبارة شرح اللباب: ناويا الاحرام بأحد النسكين صريحة في ذلك. قوله: (أو بعثها ثم توجه) عطف على قوله: وتوجه معها فأفاد أن الشرط أحد الشيئين إما أن يسوقها ويتوجه معها. وإما أن يبعثها ثم يلحقها ويتوجه معها. وهذا الشرط لغير المتعة والقران، فلا يشترط فيهما التوجه معها ولا لحاقها كما أفاده بقولهم بعده أو بعثها لمتعة الخ فافهم. قوله: (ولحقها) اقتصر على ذكر اللحوق لأنه شرط بالاتفاق. وأما السوق بعده فمختلف فيه: ففي الجامع الصغير لم يشترطه، واشترطه في الأصل فقال: يسوقه ويتوجه معه. قال فخر الاسلام: ذلك أمر اتفاقي، وإنما الشرط أن يلحقه. وفي الكافي: قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط اختلف الصحابة في هذه المسألة: فمنهم من يقول: إذا قلدها صار محرما، ومنهم، من يقول: إذا توجه في أثرها صار محرما، ومنهم من يقول: إذا أدركها فساقها صار محرما، فأخذنا بالمتيقن من ذلك، وقلنا: إذا أدركها وساقها صار محرما لاتفاق الصحابة على ذلك. شرح اللباب قوله: (لزمه الاحرام بالتلبية الخ) لأنه حين وصل إلى الميقات لم يكن محرما بالتقليد، لعدم لحاق الهدي، ولا يجوز له المجاوزة بدون الاحرام فلزم الاحرام بالتلبية رحمتي. قوله: (أو لقران) صرح به لزيادة الايضاح، وإلا فقول المصنف لمتعة يشمل التمتع العرفي والقران كما أوضحه في البحر. قوله: (والتوجه) أشار به إلى أن الأولى للمصنف تأخير قوله: في أشهره عن قوله: وتوجه بنية الاحرام ط. قوله: (في أشهره الخ) لان تقليد الهدى في غير أشهر الحج لا يعتد به لأنه فعل من أفعال المتعة، وأفعال المتعة قبل أشهر الحج لا يعتد بها فيكون تطوعا، وفي هدي التطوع، ما لم يدرك أو يسر معه لا يصير محرما، كذا في شرح الجامع الصغير لقاضيخان. زيلعي. قوله: (وإلا لم يصر الخ) أي بأن لم يوجد البعث والتوجه في الأشهر أو وجد التوجه دون البعث، وقوله: حتى لا يلحقها أي قبل الميقات ط. قوله: (وتوجه بنية الاحرام) أفاد أن هذه الأشياء إنما قامت مقام الذكر دون النية ط. قوله: (فقد أحرم) جواب قوله: وإذا لبى ناويا الخ. قوله: (مختص بالاحرام) احترز به عما لو أشعرها أو جللها إلى آخر ما يأتي. قوله: (لا تتوقف على نية نسك) أي
534 معين. قال في البحر: وإذا أبهم الاحرام بأن لم يعين ما أحرم به جاز، وعليه التعيين قبل أن يشرع في الافعال، فإن لم يعين وطاف شوطا كان للعمرة، وكذا إذا أحصر قبل الافعال فتحلل بدم تعين للعمرة فيجب قضاؤها لا قضاء حجة، وكذا إذا جامع فأفسد وجب المضي في عمرة. قوله: (صرف للعمرة) أما الحج فلا يصرف إليه إلا إذا عينه قبل أن يشرع في الافعال كما في البحر، لكن في اللباب وشرحه: لو وقف بعرفة قبل الطواف تعين إحرامه للحجة ولو لم يقصد الحج في وقوفه. قوله: (ولو أطلق نية الحج) بأن نوى الحج ولم يعين فرضا ولا نفلا. قوله: (ولو عين نفلا فنفل) وكذا لو نوى الحج عن الغير أو النذر كان عما نوى وإن لم يحج للفرض، كذا ذكره غير واحد، وهو الصحيح المعتمد المنقول الصريح عن أبي حنيفة وأبي يوسف من أنه لا يتأدى الفرض بنية النفل. وروي عن الثاني وهو مذهب الشافعي وقوعه عن حجة الاسلام، وكأنه قاسه على الصيام، لكن الفرق أن رمضان معيار لصوم الفرض، بخلاف وقت الحج فإنه موسع إلى آخر العمر، ونظيره وقت الصلاة. شرح اللباب، نعم وقت الحج له شبه بالمعيار باعتبار عدم صحة حجتين فيه فلذا يتأدى بمطلق النية، بخلاف فرض الظهر مثلا فإن وقته ظرف من كل وجه. قوله: (بجرح سنامها) الباء للتصوير وهو مكروه عند الامام لان كل أحد لا يحسنه فيلحق الحيوان به تعذيب ط. وأشار المصنف إلى أن الاشعار خاص بالإبل. قوله: (بوضع الجل) أي على ظهرها وهو بالضم والفتح ما تلبسه الفرس لتصان به. قاموس. قوله: (لا لمتعة وقران) وكذا لو لهما قبل أشهر الحج. رحمتي. قوله: (كما مر) أي لحوقا كاللحوق الذي مر، وهو كونه قبل الميقات، وهذا محترز قوله: ولحقها ط. قوله: (أو قلد شاة) محترز قوله: بدنة ط. قوله: (لعدم اختصاصه بالنسك) لان الاشعار قد يكون للمداواة والحل لدفع الحر والبرد والأذى، ولأنه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه عند التوجه لم يوجد إلا مجرد النية وبه لا يصير محرما، وتقليد الشاة ليس بمتعارف ولا سنة. رحمتي. قوله: (بلا مهلة) يشير إلى أن الأصوب أن يقول فيتقي بالفاء كما في القدوري والكنز. مطلب من حج فلم يرفث الخ أي من وقت الاحرام هذا وفي النهر: واعلم أنه يؤخذ ممن كلامه ما قاله بعضهم في قوله (ص): من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه إن ذلك من ابتداء الاحرام لأنه لا يسمى حاجا قبله اه. مطلب فيما يحرم بالاحرام وما لا يحرم قوله: (أي الجماع) هو قول الجمهور وشرح اللباب لقوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * (البقرة: 781) بحر. قوله: (أو ذكره بحضرة النساء) هو قول ابن عباس، وقيل ذكره ودواعيه مطلقا، قيل: وهو الأصح. شرح اللباب. وظاهر صنيع غير واحد ترجيح ما عن ابن عباس نهر.
535 قلت: والظاهر شمول النساء للحلائل لأنه من دواعي الجماع. تأمل. قوله: (أي الخروج) إشارة إلى أن الفسوق مصدر لا جمع فسق، كعلم وعلوم كما أشعر به تفسيرهم له بالمعاصي، واختاره لمناسبته للرفث والجدال، لان المنهي عنه مطلق الفسق مفردا أو جمعا. أفاده في النهر. قوله: (والجدال) أي الخصومة مع الرفقاء والخدم والمكارين. بحر. وما عن الأعمش أن من تمام الحج ضرب الجمال فقيل في تأويله: إنه مصدر مضاف لفاعله، لكن في شرح النقاية ورد أن الصديق رضي الله عنه ضرب جماله لتقصيره في الطريق قلت: وحينئذ فضربه لا للجدال بل لتأديبه وإرشاده إلى مراعاة الحفظ اه والعمل الواجب عليه، حيث لم ينزجر بالكلام وبذلك يصح كونه من تمام الحج لكونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر. تأمل. قوله: (فإنه) أي ما ذكر من الثلاثة. وفيه إشارة إلى وجه التنصيص عليها هنا تبعا للآية، كلبس الحرير فإنه حرام مطلقا وفي الصلاة أشنع. قوله: (وقتل صيد البر) أي مصيده إذ لو أريد به المصدر وهو الاصطياد لما صح إسناد القتل إليه. بحر. وعبر بالقتل دون الذبح لاستعماله في المحرم غالبا، وهذا كذلك حتى لو ذكاه كان ميتة. قوله: (لا البحر) ولو غير مأكول لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر) * (المائدة: 69) الآية. قوله: (والدلالة) بالكسر في المحسوسات وبالفتح في المعقولات وهو الفصيح. رملي. قوله: (في الغائب) أفاد به وبقوله: في الحاضر الفرق بين الإشارة والدلالة. قلت: والفرق أيضا أن الأولى باليد ونحوها والثانية باللسان ونحوه كالذهاب إليه. قوله: (إذا لم يعلم المحرم) كذا في النهر، والمراد به المدلول، والأصوب التعبير به. قال في السراج: ثم الدلالة إنما تعمل إذا اتصل بها القبض وأن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد وأن يصدقه في دلالته ويتبعه في أثرها، أما إذا كذبه ولم يتبع أثره حتى دله آخر وصدقه واتبع أثره فقتله فلا جزاء على الدال اه. تتمة: في حكم الدلالة الإعانة عليه كإعارة سكين ومناولة رمح وسوط وكذا تنفيره وكسر بيضه وقوائمه وجناحه وحلبه وبيعه وشراؤه وأكله وقتل القملة ورميها ودفعها لغيره والامر بقتلها والإشارة إليها إن قتلها المشار إليه وإلقاء ثوبه في الشمس وغسله لهلاكها. لباب. قوله: (وإن لم يقصده) قيل عليه التطيب معمول لقوله يتبقى ولا معنى لأمر غير القاصد بلا اتقاء فيجاب بأن المراد غير قاصد للتطيب بل قاصد للتداوي، ومع ذلك يكون محظورا عليه فعليه اتقاؤه. رحمتي. قوله: (وكر شمه) أي فقط فلا شئ عليه به كما في الخانية، وبهذا يشير إلى أن المراد بالتطيب استعماله في الثوب والبدن، وقالوا: لو لبس إزارا مبخرا لا شئ عليه، لأنه ليس بمستعمل لجزء من الطيب وإنما حصل مجرد الرائحة، ومن ثم قال في الخانية: لو دخل بيتا قد بخر فيه واتصل بثوبه شئ منه لم يكن عليه شئ. نهر. قوله: (وقلم الظفر) أي قطعه ولو واحدا بنفسه أو غيره بأمره أو قلم ظفر غيره إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس به. عن القهستاني. قوله: (كله أو بعضه) لكن في تغطية
536 كل الوجه أو الرأس يوما أو ليلة دم الربع منهما كالكل، وفي الأقل من يوم أو من الربع صدقة كما في اللباب وأطلقه فشمل المرأة لما في البحر عن غاية ممن أنها لا تغطي وجهها إجماعا اه: أي وإنما تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شئ متجاف لا يمس الوجه كما سيأتي آخر هذا الباب، وأما ما في شرح الهداية لابن الكمال من أنها سترها بملحفة وخمار وإنما المنهي عنه ستره بشئ فصل على قدره كالنقاب والبرقع فهو بحث عجيب أو نقل غريب مخالف لما سمعته من الاجماع، ولما في البحر وغيره في آخر هذا الباب، ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح أن هذا مما انفرد به المؤلف، والمحفوظ عن علمائنا خلافه وهو وجوب عدم مماسة شئ لوجهها اه. ثم رأيت نحو ذلك نقلا عن منسك القطبي، فافهم. قوله: (نعم في الخانية الخ) استدراك على قوله أو بعضه لأنه يوهم أن هذا محظور مع أنه عده في اللباب من مباحات الاحرام، وأما كلمة لا بأس فإنها لا تدل على الكراهة دائما، ومنه قوله الآتي قريبا كره وإلا فلا بأس به فافهم. قوله: (والرأس) أي رأس الرجل أما المرأة فتستره كما سيأتي. قوله: (بخلاف الميت) يعني إذا مات محرما حيث يغطي رأسه ووجهه لبطلان إحرامه لموته لقوله (ص): إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث والاحرام عمل فهو منقطع ولهذا لا يبني المأمور بالحج على إحرام الميت اتفاقا، وأما الاعرابي الذي وقصته ناقته فقال (ص): لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا فهو مخصوص من ذلك بإخبار النبي (ص) ببقاء إحرامه، وهو مفقود في غيره فقلنا بانقطاعه بالموت. أفاده في البحر وغيره وبه يحصل الجمع بين الحديثين، ويؤيده أن قوله: فإنه يبعث الخ واقعة حال ولا عموم لها كما تقرر في الأصول، فلا يدل على أن غير الاعرابي مثله في ذلك. قوله: (وبقية البدن) بالجر عطفا على الميت: أي وبخلاف ستر بقية البدن سوى الرأس والوجه فإنه لا شئ عليه لو عصبه، ويكره إن كان بغير عذر. لباب. وفي شرحه: وينبغي استثناء الكفين لمنعه من لبس القفازين. اه. قلت: وكذا القدمين مما فوق معقد الشراك لمنعه من لبس الجوربين كما يأتي، إلا أن يكون مراده بالستر التغطية، بما لا يكون لبسا فستر اليدين أو الرجلين بالقفازين أو الجوربين لبس، فتأمل. قوله: (ما لم يمتد يوما وليلة الخ) الواو بمعنى أو لان لبس المعتاد يوما أو ليلة موجب للدم، فغير المعتاد كذلك موجب للصدقة. ط. قلت: لكن لينظر من أين أخذ الشارح ما ذكره، فإن الذي رأيته في عدة كتب أنه لو غطى رأسه بغير معتاد كالعدل ونحوه لا يلزمه شئ فقد أطلقوا عدم اللزوم، وقد عد ذلك في اللباب من مباحات الاحرام، نعم في النهر عن الخانية: لو حمل المحرم على رأسه شيئا يلبسه الناس يكون لابسا، وإن كان لا يلبسه الناس كالإجانة ونحوها فلا، ويكره له تعصيب رأسه، ولو فعل ذلك يوما وليلة كان عليه صدقة اه. والظاهر أن الإشارة للتعصيب وكأن الشارح أرجعها للحمل أيضا. تأمل. قوله: (وقالوا الخ) نص عليه في اللباب وغيره، وكذا نص على أنه يكره كب وجهه على وسادة، بخلاف خديه. قال شارحه: وكذا وضع رأسه عليها، فإنه وإن لزم منه تغطية بعض وجهه أو رأسه إلا أنه الهيئة المستحبة في النوم، بخلاف كب الوجه اه. قوله: (كره) ظاهر إطلاقه إنها تحريمية ط.
537 قوله: (بالخطمي) بكسر الخاء نبت. نهر. والمراد الغسل بماء مزج فيه كما في القهستاني. قوله: ( لأنه طيب الخ) أشار إلى الخلاف في علة وجوب اتقائه فالوجوب متفق عليه، وإنما الخلاف في علته وفي موجبه فيتقيه عند الامام لان له رائحة طيبة وإن لم تكن زكية، وموجبة دم، وعندهما لأنه يقتل الهوام ويلين الشعر وموجبه صدقة، ومنشأ الخلاف الاشتباه فيه، ولذا قال بعضهم: لا خلاف في خطمي العراق لان له رائحة طيبة. أفاده في النهر. قوله: (بخلاف صابون) في جنايات الفتح: لو غسل بالصابون والحرض لا رواية فيه، وقالوا: لا شئ فيه لأنه ليس بطيب ولا يقتل اه. ومقتضى التعليل عدم وجوب الدم والصدقة اتفاقا، ولذا قال في الظهيرية. وأجمعوا أنه لا شئ عليه اه. ومثله في البحر، وكذا في القهستاني عن شرح الطحاوي فافهم. قوله: (ودلوك) بفتح الدال، قيل هو نبت بأرض الحجاز معروف كالأشنان، غير أنه أسود والأشنان أبيض، يرطب البدن ويزيل الحكة والجرب. قوله: (وأشنان) قيل هو بضم الهمزة وكسره كما في القاموس، ويسمى حرضا أيضا. قوله: (وسدر) هو ورق النبق ح. قوله: (وهو مشكل) فإن السدر كالخطمي يقتل الهوام، ويلين الشعر، فكان ينبغي وجوب الصدقة عندهما كما في المنح، والصابون والأشنان فيهما ذلك أيضا. رحمتي. زاد غيره أن للصابون طيب رائحة. قلت: وفيه نظر، فقد علمت الاتفاق على أن لا شئ فيه من دم ولا صدقة لأنه ليس بطيب ولا يقتل، فافهم. قوله: (وحلق رأسه) وكذا رأس غيره ولو حلالا. لباب. قوله: (وإزالة شعر بدنه) أي بقية بدنه كالشارب والإبط والعانة والرقبة والمحاجم كما في اللباب. قال في البحر - والمراد إزالة شعره كيفما كان حلقا وقصا ونتفا وتنورا وإحراقا من أي مكان كان من الرأس والبدن مباشرة أو تمكينا. قوله: (أي كل معمول الخ) أشار به إلى أن المراد الممنع عن لبس المخيط، وإنما خص المذكورات لذكرها في الحديث. وفي البحر عن مناسك ابن أمير حاج الحلبي أن ضابطه لبس كل شئ معمول على قدر البدن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو غيرهما ويستمسك عليه بنفس لبس مثله، إلا المكعب اه. قلت: فخرج ما خيط بعضه ببعض لا بحيث يحيط بالبدن مثل المرقعة فلا بأس بلبسه كما قدمناه، وأفاد قوله: أو بعضه حرمة لبس القفازين في دية الرجل، وبه صرح السندي في منسكه الكبير، وتبعه القاري في شرح اللباب، وأما المرأة فيندب لها عدمه كما في البدائع، وتمامه فيما علقناه على البحر. قوله: (كزردية) هي الدرع الحديد كما يفهم من القاموس، وفيه البرنس بالضم: قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه: أي كالذي يلبسه المغاربة يستر من الرأس إلى القدم. قوله: (وقباء) بالمد المنفرج من أمام ط. قوله: (ولو لم يدخل الخ) في اللباب: من المكروهات إلقاء القباء والعباء ونحوهما على منكبه من غير إدخال يديه في كميه، وفيه من فصل الجنايات: ولو ألقى القباء على منكبيه وزره يوما فعليه دم وإن لم يدخل يديه في كميه، وكذا لو لم يزره، ولكن أدخل يديه في كميه، ولو ألقاه ولم يزره ولم يدخل يديه في كميه فلا شئ عليه سوى الكراهة اه. وفي
538 شرحه أن إدخال إحدى اليدين في الكم كاليدين، فقول جاز المراد به نفي الجزاء لما علمت من كراهته، ويؤيده قوله: عندنا أي عند أئمتنا الثلاثة خلافا لزفر حيث قال: عليه دم كما في شرح اللباب. واعترض على اللباب حيث ذكره في مباحات الاحرام بعد ما ذكر في مكروهاته وقال: فالصواب أن يقول: وإلقاء القباء ونحوه على نفسه وهو مضطجع كما ذكره في الكبير اه. والحاصل أن الممنوع عنه لبس المخيط اللبس المعتاد، ولعل وجه كراهة إلقاء نحو القباء والعباء على الكتفين أنه كثيرا ما يلبس كذلك. تأمل. قوله: (وعمامة) بالكسر، وقلنسوة: ما يلبس في الرأس كالعرقية والتاج والطربوش ونحو ذلك. قوله: (وخفين) أي للرجال، فإن المرأة تلبس المخيط والخفين كما في قاضيخان قهستاني. قوله: (إلا أن لا يجد نعلين الخ) أفاد أنه لو وجدهما لا يقطعه لما فيه من إتلاف المال بغير حاجة، أفاده في البحر، وما عزي إلى الامام من وجوب الفدية إذا قطعهما مع وجود النعلين خلاف المذهب كما في شرح اللباب. قوله: (فيقطعهما) أما لو لبسهما قبل القطع يوما فعليه دم وفي أقل صدقة. لباب. قوله: (أسفل من الكعبين) الذي في الحديث: وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، وهو أفصح مما هنا. ابن كمال. والمراد قطعهما بحيث يصير الكعبان وما فوقهما من الساق مكشوفا لا قطع موضع الكعبين فقط كما لا يخفى، والنعل هو المداس بكسر الميم، وهو ما يلبسه أهل الحرمين ممن له شراك. قوله: (عند معقد الشراك) وهو المفصل الذي في وسط القدم، كذا روى هشام عن محمد، بخلافه في الوضوء فإنه العظم الناتئ: أي المرتفع، ولم يعين في الحديث أحدهما، لكن لما كان الكعب يطلق عليهما حمل على الأول احتياطا، لان الأحوط فيما كان أكثر كشفا. بحر. قوله: (فيجوز الخ) تفريع على ما فهم مما قبله وهو جواز لبس ما لا يغطي الكعب الذي في وسط القدم. والسرموزة قيل هو المسمى بالبابوج. وذكر ح أن الظاهر أنها التي يقال لها الصرمة. قلت: الأظهر الأول لان الصرمة المعروفة الآن هي التي تشد في الرجل من العقب وتستره، والظاهر أنه لا يجوز ستره، فيجب إذا لبسها أن لا يشدها من العقب، وإذا كان وجهها أو وجه البابوج طويلا، بحيث ستر الكعب الذي في وسط القدم يقطع الزائد الساتر أو يحشو في داخله خرقة بحيث تمنع دخول القدم كلها ولا يصل وجهه إلى الكعب، وقد فعلت ذلك في وقت الاحرام احترازا عن قطع وجه البابوج لما فيه من الاتلاف. قوله: (وثوب) بالجر عطف على قميص، وفي بعض النسخ ثوبا بالنصب عطفا على محل قميص، وأطلقه فشمل المخيط وغيره، لكن لبس المخيط المطيب تتعدد فيه الفدية على الرجل كما في اللباب. قوله: (بما له طيب) أي رائحة طيبة. قوله: (وهو الكركم) فيه نظر. ففي الصحاح: الكركم: الزعفران، وفيه أيضا والورس: نبت أصفر يكون باليمن يتخذ منه الغمرة للوجه. وفي النهاية عن القانون: الورس شئ أحمر قاني يشبه سحيق الزعفران وهو مجلوب من اليمن. قوله: (في الأصح) وقيل بحيث لا يتناثر وهو غير صحيح لان العبرة للتطيب، لا للتناثر، ألا ترى أنه لو كان ثوب مصبوغ له رائحة طيبة ولا يتناثر منه شئ فإن المحرم يمنع منه كما
539 في المستصفى وبحر. قوله: (لا ينفي الاستحمام الخ) شروع في مباحات الاحرام، وفي شرح اللباب: ويستحب أن لا يزيل الوسخ بأي ماء كان، بل يقصر الطهارة أو رفع الغبار والحرارة. قوله: (لحديث البيهقي الخ) ذكر النووي أنه ضعيف جدا، وقال ابن حجر في شرح الشمائل: موضوع باتفاق الحفاظ، ولم يعرف الحمام ببلادهم إلا بعد موته (ص). قوله: (والاستظلال الخ) أي قصد الانتفاع بظل بيت من شعر أو مدر، ومحمل بفتح الميم الأول أو كسر الثانية أو عكسه. قوله: كما مر) أي في شرح قوله: وستر الوجه والرأس. قوله: (وشدهميان) هو شئ يشبه تكة السراويل يشد على الوسط وتوضع فيه الدراهم. شمني. وفي القاموس، هو التكة والمنطقة وكيس للنفقة يشد في الوسط اه. ولا فرق بين كون النفقة له أو لغيره كما في شرح اللباب ولا بين شده فوق الإزار أو تحته لأنه لم يقصد به حفظ الإزار، بخلاف ما إذا شد إزاره بحبل مثلا كما قدمناه. قوله: (ومنطقة) بكسر الميم وفتح الطاء وتسمى بالفارسية كمر كما في العيني. قوله: (وسيف) أي وشد سيف: أي شد حمائله في وسطه. قوله: (وسلاح) تعميم بعد تخصيص وهو ما يقاتل به، فلا يدخل فيه الدرع لأنه يلبس. قوله: (وتختم واكتحال) عطف على ما قبله فيصير التقدير: ولا يتقي شد تختم واكتحال، ولا معنى له إلا أن يراد بالشد الاستعمال من باب ذكر المقيد وإرادة المطلق مجازا مرسلا، ولو قال: وتختما واكتحالا لسلم من هذا ح. ويمكن تأويله أيضا بالجر على الجوار، أو بالرفع على الابتداء، وخبره محذوف: أي كذلك. قوله: (لعدم التغطية واللبس) الأول راجع للاستظلال بالبيت والمحمل والثاني لما بعده. قوله: (فعليه صدقة) المراد بها عند إطلاقهم نصف صاع. بحر. قوله: (ولو كثيرا) أي ثلاثا فأكثر بقرينة المقابلة واستظهره في شر ح اللباب فالمراد الكثرة في الفعل لا في نفس الطيب المخالط، فلا يلزم الدم بمرة واحدة وإن كان الطيب كثيرا في الكحل كما حرره في الفتح من الجنايات. قوله: (وفصدا) أي وإن لزم تعصيب اليد لما قدمناه من أن تعصيب غير الوجه والرأس إنما يكره لو بغير عذر. قوله: (وحجامة) أي بلا إزالة شعر. لباب. وإلا فعليه دم كما سيأتي. قوله: (يتصدق بشئ) أي كتمرة وكسرة خبز. قوله: (وفي الثلاث) أي من الشعر والقمل، وأما الأكثر فسيأتي في الجنايات. قوله: (ولو نفلا) كذا في البدائع، وخصه الطحاوي في المكتوبات دون النوافل والفوائت فأجراها مجرى التكبير في أيام التشريق، والتعميم أولى. فتح. وهو الصحيح المعتمد الموافق لظاهر الرواية. شرح اللباب. قوله: (أو علا شرفا) أي صعد مكانا مرتفعا. قوله: (جمع راكب) أي اسم جمع وهم أصحاب الإبل في السفر، ولا يطلق على دون العشرة. نهر. قوله: (دخل في السحر) هو السدس الأخير من الليل. قوله: (كالتكبير في الصلاة) فكما أن التكبير في
540 الصلاة يؤتى به عند الانتقال من حال إلى حال كذلك التلبية ح. ولذا قال في اللباب: ويستحب إكثارها قائما وقاعدا، راكبا ونازلا واقفا وسائرا طاهرا ومحدثا جنبا وحائضا، وعند تغير الأحوال والأزمان، وعند إقبال الليل والنهار، وعند كل ركوب ونزول، وإذا استيقظ من النوم، أو استعطف راحلته. وقال أيضا: ويستحب تكرارها في كل مرة ثلاثا على الولاء ولا يقطعها بكلام، ولو رد السلام في خلالها جاز، ويكره لغيره أن يسلم عليه، وإذا كانوا جماعة لا يمشي أحد على تلبية الآخر، بل كل إنسان يلبي بنفسه، ويلبي في مسجد مكة ومنى وعرفات لا في الطواف وسعي العمرة. قوله: (رافعا صوته بها) إلا أن يكون في مصر أو امرأة. لباب. زاد في شارحه: أو في المسجد لئلا يشوش على المصلين والطائفين. قوله: (استنانا) فإن تركه كان مسيئا ولا شئ عليه. فتح وقيل استحبابا، والمعتمد الأول. شرح اللباب. مطلب في حديث أفضل الحج العج والثج قوله: (بلا جهد) بفتح الجيم وبالدال: أي تعب النفس بغاية رفع الصوت كي لا يتضرر، ولا تنافي بين هذا وبين ما جاء أفضل الحج العج والثج أي أفضل أفراد الحج حج يشتمل على هذا، لا أفضل أفعاله، إذ الطواف والوقوف أفضل منهما. والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إسالة الدم بالإراقة، لان الانسان قد يكون جهوري الصوت طبعا فيحصل الرفع العالي مع عدم تعبه به. نهر. قوله: (كما يفعله العوام) تمثيل للمنفي وهو الجهد لا للنفي ح. مطلب في دخول مكة قوله: (وإذا دخل مكة) المستحب دخولها نهارا كما في الخانية من باب المعلى ليكون مستقبلا في دخوله باب البيت تعظيما، وإذا خرج فمن السفلي. بحر. قوله: (نهارا) قيد لدخوله مكة كما علمت، لكن لما كان دخول المسجد عقب دخول مكة صح كونه قيدا له أيضا. قوله: (ملبيا) هو قيد لدخول مكة أيضا. قال في اللباب: ويكون في دخوله ملبيا داعيا إلى أن يصل باب السلام فيبدأ بالمسجد. قوله: (لدخولها) أي مكة بدليل تأنيث الضمير، وعبارة البحر نص في ذلك ح. قوله: (فيجب) بالحاء المهملة ح. قوله: (ومعناه الله أكبر من الكعبة) كذا في غاية البيان، والأولى من كل ما سواه. بحر. وكأن الشارح رجح الأول لاقتضاء المقام له، كما أن الشارع في شئ إذا سمى الله تعالى يلاحظ التبرك باسمه تعالى فيما شرع فيه. قوله: (وهلل) عبارة الفتح: كبر وهلل ثلاثا، وعبارة ابن الشلبي: كبر ثلاثا وهلل ثلاثا. قوله: (لئلا يقع نوع شرك) أي بتوهم الجاهل أن العبادة للبيت. قال في البحر: ولم يذكر في المتون الدعاء عند مشاهدة البيت، وهي غفلة عما لا يفعل عنه فإنه عندها مستجاب، ومحمد رحمه الله تعالى لم يعين في الأصل لمشاهد الحج شيئا من الدعوات، لان التوقيت يذهب بالرقة، وإن تبرك بالمنقول منها فحسن، كذا في الهداية. وفي
541 الفتح: ومن أهم الأدعية طلب الجنة بلا حساب، والصلاة على النبي (ص) هنا من أهم الأذكار، كما ذكره الحلبي في مناسكه اه. تنبيه: قال في اللباب: ولا يرفع يديه عند رؤية البيت، وقيل يرفع. قال القاري في شرحه: أي لا يرفع ولو حال دعائه، لأنه لم يذكر في المشاهير من كتب أصحابنا، بل قال السروجي: المذهب تركه، وصرح الطحاوي بأنه يكره عند أئمتنا الثلاثة. قوله: (ثم ابتدأ بالطواف) فإن كان حلالا فطواف التحية، أو محرما بالحج فطواف القدوم، هذا إذا دخل قبل النحر، فإن دخل فيه أغنى طواف الفرض عن التحية أو بالعمرة فطوافها، ولا طواف قدوم لها، كذا في الفتح - نهر. وأفاد اطلاقه أنه لا يكره الطواف في الأوقات التي تكره فيها الصلاة كما صرح به في الفتح. قال: إلا أنه لا يصلي ركعتيه فيها، بل يصير إلى أن يدخل ما لا كراهة فيه. قوله: (لأنه تحية البيت) أي لمن أراد الطواف، بخلاف من لم يرده وأراد أن يجلس فلا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، إلا أن يكون الوقت مكروها للصلاة. شرح اللباب للقاري. وفي شرحه على النقاية: فإن لم يكن محرما فطواف تحية لقولهم تحية هذا المسجد الطواف وليس معناه أن من لم يطف لا يصلي تحية المسجد كما فهمه بعض العوام اه. قلت: لكن قولهم تحية تحية هذا المسجد الطواف، يفيد أنه لو صلى ولم يطف لا يحصل التحية إلا أن يخص بترك الطواف بلا عذر، فمع العذر تحصل التحية بالصلاة، ثم رأيت في شرح اللباب أيضا ما يدل على ذلك حيث قال في موضع آخر: إن تحية هذا المسجد بخصوصه هو الطواف، إلا إذا كان له مانع فيصلي تحية المسجد إن لم يكن وقت كراهة اه. قوله: (ما لم يخف الخ) أي فيقدم كل ذلك على الطواف: أي طواف التحية وغيرها. لباب وشرحه. ثم يطوف. بحر. وهذا يفيد أن هذه الصلوات لا تحصل بها التحية مع أنها تحصل في بقية المساجد، وليس ذلك إلا لان تحيته هي الطواف دون الصلاة، بخلاف باقي المساجد ولهذا قال بعض العلماء: إن الفرق من وجهين: أحدهما أن الصلاة جنس، فناب بعضها مناب بعض، وليس الطواف من جنسها. والثاني أن صلاة الفرض في المسجد تحية المسجد والطواف تحية البيت لا تحية المسجد. قوله: (فوت المكتوبة) ينبغي أن يكون المراد فوت وقتها المستحب، لأنه يسقط به الترتيب على أحد القولين المصححين فبالأولى ما هنا. تأمل. وزاد في شرح اللباب: فوت الجنازة، وزاد في البحر والنهر: ما إذا دخل في وقت منع الناس من الطواف أو كان عليه فائتة مكتوبة اه. وذكر الأخير في اللباب وقيده شارحه بما إذا كان صاحب ترتيب. قلت: والظاهر أن المراد بالفائتة التي فوتها عمدا، ووجب قضاؤها فورا، وإلا فتقديم الطواف عليها لا يضر إلا إذا خاف فوت المكتوبة الوقتية إذا قدم عليها الطواف وقضاء الفائتة، وحينئذ فذكر المكتوبة الوقتية يغني عن ذكر الفائتة، فافهم. قوله: (فاستقبل الحجر الخ) أشار بالفاء إلى أنه ينوي الطواف قبل الاستقبال لما سيذكره من أنه يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، ولهذا قال في اللباب: ثم يقف مستقبل البيت بجانب الحجر الأسود مما يلي الركن اليماني، بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ويكون منكبه الأيمن عند طرف الحجر فينوي الطواف، وهذه الكيفية مستحبة والنية فرض،
542 ثم يمشي مارا إلى يمينه حتى يحاذي الحجر فيقف بحياله، ويستقبله ويبسمل ويكبر ويحمد ويصلي ويدعو اه. قال شارحه: أي يقول: بسم الله والله أكبر ولله الحمد، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إيمانا بك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد (ص). قوله: (رافعا يديه) أي عند التكبير لا عند النية فإنه بدعة. لباب. وقال شارحه القاري في موضع آخر بعد كلام: والحاصل أن رفع اليدين في غير حالة الاستقبال مكروه، وأما الابتداء من غيره فهو حرام أو مكروه تحريما أو تنزيها بناء على الأقوال عندنا من أن الابتداء بالحجر فرض أو واجب أو سنة، وإنما المستحب الابتداء بالنية قبيل الحجر للخروج عن الاختلاف. قوله: (كالصلاة) أي حذاء أذنيه، وقدم في كتاب الصلاة أنه في الاستلام وعند الجمرتين يرفع حذاء منكبيه ويجعل باطنهما نحو الحجر والكعبة اه. وعزاه القهستاني إلى شرح الطحاوي، وصححه في البدائع وغيرها، ومشى في النقاية وغيرها على الأول، وصححه في غاية البيان وغيرها فقد اختلف التصحيح. قوله: (واستلمه) أي بعد أن يرسل يديه كما في النهر عن التحفة، قال في اللباب: وصفة الاستلام: أن يضع كفيه على الحجر ويضع فمه بين كفيه ويقبله. قوله: (قيل نعم) جزم به اللباب وقال: إنه مستحب، ويكرره مع التقبيل ثلاثا. قال شارحه: وهو موافق لما نقله الشيخ رشيد الدين في شرح الكنز، وكذا نقل السجود عن أصحابنا العز بن جماعة، لكن قال قوام الدين الكاكي: الأولى أن لا يسجد عندنا لعدم الرواية في المشاهير اه. وظاهره ترجيح ما قاله الكاكي في المعراج، وهو ظاهر الفتح، ولذا اعترض في النهر على قول البحر: إنه ضعيف، بأن صاحب الدار أدرى: أي أن الكاكي من أهل المذهب الماهرين، وهو أدرى بالمذهب من غيره، فلا ينبغي تضعيف ما نقله. قلت: لكن استند الكاكي إلى عدم ذكره في المشاهير، وهو لا ينفي ذكره في غيره، وقد استند في البحر إلى أنه فعله عليه الصلاة والسلام والفاروق بعده كما رواه الحاكم وصححه، واستدرك بذلك منلا علي في شرح النقاية على ما مر عن الكاكي وأيد به ما نقله ابن جماعة عن أصحابنا. ثم رأيت نقلا عن غاية السروجي أنه كره مالك وحده السجود على الحجر وقال: إنه بدعة، وجمهور أهل العلم على استحبابه والحديث حجة عليه اه: أي على مالك، وبهذا يترجح ما في البحر واللباب من الاستحباب، إذ لا يخفى أن السروجي أيضا من أهل الدار فهو أدرى، والاخذ بما قاله موافقا للجمهور والحديث أولى وأحرى، فافهم. قوله: (وترك الايذاء واجب) أي فلا يترك الواجب لفعل السنة، وأما النظر إلى العورة لأجل الختان فليس فيه ترك الواجب لفعل السنة، لان النظر مأذون فيه للضرورة. قوله: (فإن لم يقدر) أعلى تقبيله إلا بالايذاء، أو مطلقا يضع يديه عليه ثم يقلبهما أو يضع إحداهما، والأولى أن تكون اليمنى لأنها المستعملة فيما فيه شرف، ولما نقل عن البحر العميق من أن الحجر يمين الله يصافح بها عباده والمصافحة باليمنى. قوله: (وإلا يمكنه ذلك) أي وضع يديه أو إحداهما. قوله: (يمس) بضم أوله وكسر ثانيه من الإمساس كما يشير إليه كلام الشارح الآتي. قوله: (عنهما) الأول عنه: أي الإمساس، لان العجز عن الاستلام ذكره
543 بقوله: وإلا يمس. قوله: (مشيرا إليه بباطن كفيه) أي بأن يرفع يديه حذاء أذنيه، ويجعل باطنهما نحو الحجر مشيرا بهما إليه وظاهرهما نحو وجهه، هكذا المأثور. بحر. وفي شرح النقاية للقاري: حذاء منكبيه أو أذنيه، وكأنه حكاية للقولين المارين. قوله: (ثم يقبل كفيه) أي بعد الإشارة المذكورة. قال في الفتح: ويفعل في كل شوط عند الركن الأسود ما يفعله في الابتداء اه. ويأتي تمامه عند قول المصنف، وكلما مر بالحجر فعل ما ذكر قوله: (فللكعبة) أو للقبلة كما سيذكره، لكن الأول ظاهر الرواية كما سيأتي قوله: (طواف القدوم) يسمى أيضا طواف التحية وطواف اللقاء وطواف أول عهد بالبيت وطواف حداث العهد بالبيت وطواف الوارد والورود. شرح اللباب. ويقع هذا الطواف للقدوم من المفرد بالحج وإن لم ينو كونه للقدوم أو نوى غيره لأنه وقع في محله. قال في اللباب: ثم إن كان المحرم مفردا بالحج وقع طوافه هذا للقدوم، وإن كان مفردا بالعمرة أو متمتعا أو قارنا وقع عن طواف العمرة، نواه له أو لغيره، وعلى القارن أن يطوف طوافا آخر للقدوم اه: أي استحبابا بعد فراغه عن سعي العمرة، قاري. وفي اللباب: وأول وقته حين دخوله مكة وآخره من وقوفه بعرفة، فإذا وقف فقد فات وقته، وإن لم يقف فإلى طلوع فجر النحر. قوله: ( للآفاقي) أي لا غير. فتح. فلا يسن للمكي ولا لأهل المواقيت ومن دونها إلى مكة. سراج وشر ح اللباب. إلا أن المكي إذا خرج للآفاق ثم عاد محرما بالحج فعليه طواف القدوم. لباب. فهذا خلاف ما في القهستاني من أنه يسن لأهل المواقيت وداخلها، فافهم. قوله: (عن يمينه) أي يمين الطائف لا الحجر، وقوله: مما يلي الباب أي باب الكعبة تأكيد له، وهذا واجب في الأصل كما مر. قوله: (ولو عكس) بأن أخذ عن يساره وجعل البيت عن يمينه، وكذا لو استقبل البيت بوجهه أو استدبره وطاف معترضا كما في شرح اللباب وغيره. قوله: (فلو رجع) أي إلى بلده قبل إعادته. قوله: (وكذا لو ابتدأ من غير الحجر) أي يعيده وإلا فعليه دم، وهذا على القول بوجوبه كما أشار إليه بقوله: كما مر أي في الواجبات. قوله (قالوا الخ) قال في البحر: ولما كان الابتداء من الحجر واجبا كان الابتداء في الطواف من الجهة التي فيها الركن اليماني قريبا من الحجر الأسود متعينا، ليكون مارا بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود، وكثير من العوام شاهدناهم يبتدئون الطواف وبعض الحجر خارج عن طوافهم فاحذره اه. قلت: قدمنا هذه الكيفية عن اللباب، وأنها مستحبة لا متعينة، وبه صرح في فتح القدير أيضا قائلا في تعليله وتبعه القاري في شرح اللباب للخروج عن خلاف من يشترط المرور على الحجر بجميع بدنه، وفي الكرماني أنه الأكمل والأفضل. ثم قال القاري: وإلا فلو استقبل الحجر مطلقا ونوى الطواف كفى عندنا في أصل المقصود الذي هو الابتداء من الحجر سواء قلنا: إنه سنة أو واجب أو فريضة أو شرط اه. وفي الشرنبلالية بعد ما مر عن البحر: وهذا إذا لم يكن في قيامه
544 مسامتا للحجر بأن وقف جهة الملتزم ومال ببعض جسده ليقبل الحجر، أما من قام مسامتا بجسده الحجر فقد دخل في ذلك شئ من الركن اليماني، لان الحجر وركنه لا يبلغ عرض جسد المسامت له، وبه يحصل الابتداء من الحجر اه. قلت: لكن لا يحصل به المرور بجميع البدن على جميع الحجر، لكن قد علمت أنه غير لازم عندنا، ولعل الشارح أشار إلى ضعفه بلفظ قالوا لما علمته، فافهم. قوله: (قبل شروعه) أي من حين تجرده للاحرام، بناء على ما قدمه عند قول المصنف ولبس إزار أو رداء الخ لكن قدمنا تصحيح خلافه ولذا قال في الفتح: وينبغي أن يضطبع قبل شروعه في الطواف بقليل اه. فلو قال الشارح: قبيل شروعه لكان أصوب، فافهم. هذا، وفي شرح اللباب: واعلم أن الاضطباع سنة في جميع أشواط الطواف كما صرح به ابن الضياء، فإذا فرغ من الطواف تركه حتى إذا صلى ركعتي الطواف مضطبعا يكره لكشفه منكبه، ويأتي الكلام على أنه لا اضطباع في السعي اه. قوله: (استنانا) أي في كل طواف بعده سعي كطواف القدوم والعمرة، وكطواف الزيارة إن كان آخر السعي ولم يكن لابسا، بقي من لبس المخيط لعذر: هل يسن له التشبه به؟ لم يتعرض له أصحابنا. وقال بعض الشافعية: يتعذر في حقه: أي على وجه الكمال، فلا ينافي ما ذكره بعضهم أنه قد يقال: يشرع له وإن كان المنكب مستورا بالمخيط للعذر. قلت: والأظهر فعله. شرح اللباب ملخصا. قوله: (وراء الحطيم) ويسمى حظيرة إسماعيل، وهو البقعة التي تحت الميزاب، عليها حاجز كنصف دائرة بينها وبين البيت فرجة سمي بالحطيم، لأنه حطم من البيت: أي كسر، وبالحجر لأنه حجر منه: أي منع. قوله: (لان منه ستة أذرع من البيت) لفظة منه خبر إن مقدم وستة اسمها مؤخر، ومن البيت صفة ستة، والتقدير: لان ستة أذرع كائنة من البيت ثابتة منه أو منه حال من ستة مقدم عليه، ومن البيت خبر وهو جائز كقوله: لمية موحشا باطل. قلت: والثاني أظهر فافهم. قال في الفتح: وليس الحجر كله من البيت، بل ستة أذرع منه فقط لحديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله (ص)، قال: ستة أذرع من الحجر من البيت وما زاد ليس من البيت رواه مسلم. قوله: (لم يجز) بفتح أوله وضم ثانيه من الجواز بمعنى الحل لا الصحة أو بضم أوله وسكون ثانيه من الاجزاء: أي على وجه الكمال قال القاري في شرح النقاية: ولو طاف من الفرجة لا يجزيه في تحق كماله، ولا بد من إعادة الطواف كله لتحققه، وإن أعاد من الحطيم وحده أجزأه، بأن يأخذ على يمينه خارج الحجر، حتى ينتهي إلى آخره، ثم يدخل إلى الحجر من الفرجة، من الجانب الآخر، أو لا يدخل الحجر، وهو أفضل، بأن يرجع ويبتدئ من أول الحجر، هكذا يفعل سبع مرات ويقضي صفته من رمل وغيره، ولو لم يعد صح طوافه ووجب عليه دم اه. قوله: (كاستقباله) أي فإنه إذا استقبله المصلي لم تصح صلاته، لان فرضية استقبال الكعبة تثبت بالنص القطعي، وكون الحطيم من الكعبة ثبت بالآحاد فصار كأنه من الكعبة من وجه دون وجه، فكان الاحتياط في وجوب الطواف وراءه، وفي عدم صحة استقباله والتشبيه يمكن تصحيحه
545 على الوجهين اللذين ذكرناهما في قوله: لم يجز مع قطع النظر عن المفهوم، فافهم. قوله: (وبه قبر إسماعيل وهاجر) عزاه في البحر إلى غاية البيان. وذكر بعضهم أن ابن الجوزي أورد أن قبر إسماعيل فيما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي. تنبيه: لم يذكر الشاذروان، وهو الافريز المسنم الخارج عن عرض جدار البيت قدر ثلثي ذراع، قيل إنه من البيت بقي منه حين عمرته قريش كالحطيم، وهو ليس منه عندنا، لكن ينبغي أن يكون طوافه وراءه خروجا من الخلاف كما في الفتح واللباب وغيرهما. قوله: (سبعة أشواط) من الحجر إلى الحجر شوط. خانية. وهذا بيان للواجب لا للفرض في الطواف لما مر من أن أقل الأشواط السبعة واجبة تجبر بالدم، فالركن أكثرها. بحر. لكن الظاهر أن هذا في الفرض والواجب، فقد صرحوا بأنه لو ترك أكثر أشواط الصدر لزمه دم، وفي الأقل لكل شوط صدقة. مطلب في طواف القدوم وأما القدوم فلم يصرحوا بما يلزمه لو تركه بعد الشروع، وبحث السندي في منسكه الكبير أنه كالصدر، ونازعه في شرح اللباب بأن الصدر الواجب بأصله فلا يقاس عليه ما يجب بشروعه، فالظاهر أنه لا يلزمه بتركه شئ سوى التوبة كصلاة النفل اه ملخصا. وقد يقال: وجوبه بالشروع بمعنى وجوب إكماله وقضائه بإهماله، ويلزم منه وجوب الاتيان بواجباته كصلاة النافلة، حتى لو ترك منها واجبا وجب إعادتها أو الاتيان بما يجبر ما تركه منها كالصلاة الواجبة ابتداء، وهنا كذلك لو ترك أقله تجب فيه صدقة، ولو ترك أكثره يجب فيه دم، لأنه الجابر لترك الواجب في الطواف كسجود السهو في ترك الواجب في النافلة، والله تعالى أعلم. قوله: (مع علمه به) أي بأنه ثامن لكن فعله بناء على الوهم أو الوسوسة لا على قصد دخول طواف آخر، فإنه حينئذ يلزم اتفاقا. شرح اللباب. قلت: لكن التعليل يفيد أن الخلاف فيما لو قصد الدخول في طواف آخر أيضا. قوله: (لشروعه مسقطا لا ملزما) أي لأنه شرع فيه لاسقاط الواجب عليه، وهو إتمام السبعة، لا ملزما نفسه بشوط مستأنف حتى يجب عليه إكماله لما تبين له أنه ثامن. قوله: (بخلاف الحج) فإنه إذا شرع فيه مسقطا يلزمه إتمامه بخلاف بقية العبادات. بحر. والحاصل: أن الطواف كغيره من العبادات مثل الصلاة والصوم لو شرع فيه على وجه الاسقاط بأن ظن أنه عليه ثم تبين خلافه لا يلزمه إتمامه، إلا الحج، فإنه يلزمه إتمامه مطلقا كما مر أول الفصل. تنبيه: لو شك في عدد الأشواط في طواف الركن أعاده ولا يبني على غالب ظنه، بخلاف الصلاة وقيل إذا كان يكثر ذلك يتحرى، ولو أخبره عدل بعدد يستحب أن يأخذ بقوله، ولو أخبره عدلان وجب العمل بقولهما. لباب. قال شارحه: ومفهومه أنه لو شك في أشواط غير الركن لا يعيده، بل يبني على غلبة ظنه، لان غير الفرض على التوسعة، والظاهر أن الواجب في حكم الركن
546 لأنه فرض عملي اه. قوله: (مكان) بالنصب على أنه اسم إن فهو اسم مكان لا ظرف مكان، لان ظرف المكان لا يقع اسم إن لان اسمها مبتدأ في الأصل، وقوله داخل بالرفع على أنه خبرها، وقوله: لا خارجه عطف عليه، ويجوز فيهما النصب على الظرفية، والمتعلق خبر إن فيكون من ظرفية الأخص في الأعم، فافهم. قوله: (ولو وراء زمزم) أو المقام أو السواري أو على سطحه ولو مرتفعا على البيت. لباب. قوله: (لا بالبيت) لان حيطان المسجد تحول بينه وبين البيت. بحر عن المحيط. ومفهومه أنه لو كانت الحيطان متهدمة يصح، وحقق في الفتح أن هذا المفهوم غير معتبر أخذا من تعليل المبسوط. قوله: (بنى) أي على ما كان طافه، ولا يلزمه الاستقبال. فتح. قلت: ظاهره أنه لو استقبل لا شئ عليه فلا يلزمه إتمام الأول، لان هذا الاستقبال. للاكمال بالموالاة بين الأشواط، ثم رأيت في اللباب ما يدل عليه حيث قال في فصل مستحبات الطواف: ومنها استئناف الطواف لو قطعه أو فعله على وجه مكروه. قال شارحه: لو قطعه: أي ولو بعذر، والظاهر أنه مقيد بما قبل إتيان أكثره اه. بقي ما إذا حضرت الجنازة أو المكتوبة في أثناء الشوط هل يتممه أو لا لم أر من صرح به عندنا، وينبغي عدم الاتمام إذا خاف فوت الركعة مع الامام، وإذا عاد للبناء هل يبني من محل انصرافه أو يبتدئ الشوط من الحجر؟ والظاهر الأول قياسا على من سبقه الحدث في الصلاة. ثم رأيت بعضهم نقله عن صحيح البخاري عن عطاء بن أبي رباح التابعي وهو ظاهر قول الفتح: بنى على ما كان طافه، والله أعلم. تنبيه: إذا خرج لغير حاجة كره ولا يبطل، فقد قال في اللباب: ولا مفسد للطواف وعد من مكروهاته تفريقه: أي الفصل بين أشواطه تفريقا كثيرا، وكذا قال في السعي، بل ذكر في منسكه الكبير: لو فرق السعي تفريقا كثيرا كأن سعى كل يوم شوطا أو أقل لم يبطل سعيه ويستحب أن يستأنف. قوله: (وجاز فيهما أكل وبيع) المصرح به في اللباب كراهة البيع فيهما وكراهة الاكل في الطواف لا السعي ومثل البيع والشراء، وعد الشرب فيهما من المباحات. قوله: (لكن الذكر أفضل منها) أي من القراءة في الطواف، وهذا ما نقله في الفتح عن التجنيس وقال: وفي الكافي للحاكم الذي هو جمع كلام محمد يكره أن يرفع صوته بالقراءة فيه ولا بأس بقراءته في نفسه، وفي المنتقى عن أبي حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يقرأ في طوافه، ولا بأس بذكر الله تعالى، ولا ينبو ما ذكره في التجنيس عما ذكره الحاكم، لان لا بأس في الأكثر لخلاف الأولى اه: أي ومن غير الأكثر قول المنتقى: ولا بأس بذكر الله تعالى. ثم قال في الفتح: والحاصل أن هدى النبي (ص) هو الأفضل، ولم يثبت عنه في الطواف قراءة، بل الذكر وهو المتوارث من السلف والمجمع عليه، فكان أولى اه. قوله: (فليراجع) أقول: الحاصل من هذه النقول التي ذكرناها آنفا أن القراءة خلاف الأولى، وأن الذكر أفضل منها مأثورا أو لا كما هو مقتضى الاطلاق، إلا أن يراد به الكامل وهو المأثور فيوافق ما نقله الشارح عن
547 النووي، واستحسنه في شرح اللباب، لكن كون القراءة أفضل من غير المأثور ينبو عنه قول المنتقى: لا ينبغي أن يقرأ في طوافه فإنه يشعر بالمنع عن القراءة تنزيها، والظاهر عدم المنع عن ذكر غير مأثور يدل عليه ما أسلفناه عن الهداية من أن محمدا رحمه الله لم يعين فالأصل لمشاهد الحج شيئا من الدعوات، لان التوقيت يذهب بالرقة، وإن تبر ك بالمنقول منها فحسن اه. وهذا يفيد أن المراد بالذكر هنا مطلقه كما هو قضية إطلاقهم، على خلاف ما فصله النووي، فليتأمل. تنبيه: ورد أنه (ص) قال بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة الخ ولا ينافي ما مر، لأن الظاهر أن المراد المنع عن قراءة ما ليس فيه ذكر، أو قاله على قصد الذكر أو لبيان الجواز. تأمل قوله: (ورمل) أي في كل طواف بعده سعي، وإلا فلا كالاضطباع. بدائع. قال النهر: وفي الغاية: لو كان قارنا وقد رمل في طواف العمرة لا يرمل في طواف القدوم، وفي المحيط: لو طاف للتحية محدثا وسعى بعده كان عليه أن يرمل في طواف الزيارة، ويسعى بعده لحصول الأول بعد طواف ناقص، وإن لم يعده فلا شئ عليه. قوله: (وهز كتفيه) مصدر مجرور معطوف على تقارب وهو أقرب من جعله فعلا معطوفا على مشى. قوله: (استنانا) ففي مسلم وأبي داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رمل رسول الله (ص) من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا فتح. وقال ابن عباس: لا يسن، وبه أخذ بعض المشايخ كما في مناسك الكرماني. نهر. قوله: (ولو في الثلاثة الخ) قال في الفتح: ولو مشى شوطا ثم تذكر لا يرمل إلا في شوطين، وإن لم يذكر في الثلاثة لا يرمل بعد ذلك اه: أي لان ترك الرمل في الأربعة سنة، فلو رمل فيها كان تاركا للسنتين وترك إحداهما أسهل. بحر. ولو رمل في الكل لا يلزمه شئ ولوالجية، وينبغي أن يكره تنزيها لمخالفة السنة. بحر. قوله: (وقف) وفي شرح الطحاوي: يمشي حتى يجد الرمل، وهو الأظهر لان وقوفه مخالف السنة. قاري على النقاية: وفي شرحه على اللباب: لان الموالاة بين الأشواط وأجزاء الطواف سنة متفق عليها، بل قيل واجبة فلا يتركها لسنة مختلف فيها اه. قلت: ينبغي التفصيل جمعا بين القولين بأنه إن كانت الزحمة قبل الشروع وقف، لان المبادرة إلى الطواف مستحبة فيتركها لسنة الرمل المؤكدة، وإن حصلت في الأثناء فلا يقف لئلا تفوت الموالاة. قوله: (لان له بدلا) وهو الإشارة إلى الحجر والرمل لا بدل له. قوله: (من الحجر إلى الحجر) لا إلى الركن اليماني كما قيل. قوله: (في كل شوط) أي من الثلاثة. قوله: (وكلما مر) أي في الأشواط السبعة. قوله: (من الاستلام) فهو سنة بين كل شوطين كما في غاية البيان. وذكر في المحيط والولوالجية: أنه في الابتداء والانتهاء سنة، وفيما بين ذلك أدب. بحر. ووفق في شرح اللباب بأنه في الطرفين آكد مما بينهما قال: وكذا يسن بين الطواف والسعي اه. وفي الهداية: وإن لم يستطع الاستلام استقبل وكبر وهلل على ما ذكرنا. قال في الفتح: ولم يذكر المصنف رفع اليدين في كل تكبير يستقبل به في كل مبدأ شوط، واعتقادي أن عدم الرفع هو الصواب، ولم أعنه عليه الصلاة والسلام خلافه. قوله: (واستلم الركن اليماني) أي في كل
548 شوط، والمراد بالاستلام هنا لمسه بكفيه أو بيمينه دون يساره بدون تقبيل وسجود عليه ولا نيابة عنه بالإشارة عند العجز عن لمسه للزحمة. شرح اللباب. قوله: (والدلائل تؤيده) أي تؤيد قوله: بكونه سنة، وبأنه يقبله لكن في شرح اللباب أن ظاهر الرواية الأول كما في الكافي و الهداية وغيرهما، وفي الكرماني: وهو الصحيح، وفي النخبة: ما عن محمد ضعيف جدا، وفي البدائع: لا خلاف في أن تقبيله ليس سنة، وفي السراجية: ولا يقبله في أصح الأقاويل. قوله: (ويكره استلام غيرهما) وهو الركن العراقي والشامي لأنهما ليسا ركنين حقيقة بل من وسط البيت، لان بعض الحطيم من البيت. بدائع. والكراهة تنزيهية كما في البحر. قوله: (ثم صلى شفعا) أي ركعتين يقرأ فيهما الكافرون والاخلاص اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام. نهر. ويستحب أن يدعو بعدهما بدعاء آدم عليه السلام، ولو صلى أكثر من ركعتين جاز ولا تجزئ المكتوبة ولا المنذورة عنهما ولا يجوز اقتداء مصليهما بمثله لان طواف هذا غير طواف الآخر، ولو طاف بصبي لا يصلي عنه. لباب. قوله: (في وقت مباح) قيد للصلاة فقط، فتكره في وقت الكراهة، بخلاف الطواف والسنة والموالاة وبين الطواف، فيكره تأخيرها عنه إلا في وقت مكروه، ولو طاف بعد العصر يصلي المغرب، ثم ركعتي الطواف، ثم سنة المغرب، ولو صلاها في وقت مكروه قيل صحت مع الكراهة، ويجب قطعها، فإن مضى فيها فالأحب أن يعيدها. لباب. وفي إطلاقه نظر لما مر في أوقات الصلاة من أن الواجب ولو لغيره كركعتي الطواف والنذر تنعقد في ثلاثة من الأوقات المنهية: أعني الطلوع والاستواء والغروب، بخلاف ما بعد الفجر، وصلاة العصر فإنها تنعقد مع الكراهة فيهما. قوله: (على الصحيح) وقيل يسن. قهستاني. قوله: (بعد كل أسبوع) أي على التراخي ما لم يرد أن يطوف أسبوعا آخر، فعلى الفور. بحر. وفي السراج: يكره عندهما الجمع بين أسبوعين، أو أكثر بلا صلاة بينهما وإن انصرف عن وتر. وقال أبو يوسف: لا يكره إذا انصرف عن وتر كثلاثة أسابيع أو خمسة أو سبعة، والخلاف في غير وقت الكراهة، أما فيه فلا يكره إجماعا ويؤخر الصلاة إلى وقت مباح اه. وإذا زال وقت الكراهة هل يكره الطواف قبل الصلاة لكل أسبوع ركعتين؟ قال في البحر: لم أره، وينبغي الكراهة لان الأسابيع حينئذ صارت كأسبوع واحد اه. ولو تذكر ركعتي الطواف بعد شروعه في آخر: فإن قبل تمام شوط رفضه، وإلا أتم الطواف، وعليه لكل أسبوع ركعتان. لباب، وأطلق الأسبوع فشمل طواف الفرض والواجب والسنة والنفل، خلافا لمن قيد وجوب الصلاة بالواجب. قال في الفتح: وهو ليس بشئ لاطلاق الأدلة اه. والظاهر أن المراد بالأسبوع الطواف لا العدد، حتى لو ترك أقل الأشواط لعذر مثلا وجبت الركعتان، وعليه موجب ما ترك فليراجع. وأما قوله في شرح اللباب: تجب بعد كل طواف ولو أدى ناقصا فيحتمل نقصان العدد، ونقصان الوصف كالطواف مع الحدث والجنابة، والظاهر أن مراده الثاني. قوله: (عند المقام) عبارة اللباب خلف المقام قال: والمراد به ما يصدق عليه ذلك عادة، وعرفا مع القرب، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه إذا أراد أن يركع خلف المقام جعل بينه وبين المقام صفا أو صفين، أو رجلا أو رجلين. رواه عبد الرزاق اه. قوله: (حجارة الخ) ذكره في البحر عن تفسير القاضي، لكن عبر بحجر بالافراد، وأنه الموضع الذي كان فيه حين قام عليه ودعا
549 الناس إلى الحج، وحرر بعض العلماء الأعلام أن الحجر الذي في المقام ارتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع وثمن، وأعلاه مربع من كل جانب نصف ذراع وربع وعمق غوص القدمين سبع قراريط ونصف. قوله: (قولان) لم أر من حكى القولين، سوى ما توهمه عبارة النهر وفيها نظر، والمشهور في عامة الكتب أن صلاتها في المسجد أفضل من غيره. وفي اللباب: ولا تختص بزمان ولامكان ولا تفوت، فلو تركها لم تجبر بدم، ولو صلاها خارج الحرم، ولو بعد الرجوع إلى وطنه جاز ويكره، ويستحب مؤكدا أداؤها خلف المقام، ثم في الكعبة، ثم في الحجر تحت الميزاب، ثم كل ما قرب من الحجر، ثم باقي الحجر، ثم ما قرب من البيت، ثم المسجد ثم الحرم، ثم لا فضيلة بعد الحرم بل الإساءة اه. قوله: (ثم التزم الملتزم الخ) هو ما بين الحجر الأسود إلى الباب. هذا وفي الفتح: ويستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين ثم يأتي الملتزم قبل الخروج إلى الصفا، وقيل يأتي الملتزم، ثم يصلي، ثم يأتي زمزم، ثم يعود إلى الحجر. ذكره السروجي اه. والثاني هو الأسهل والأفضل وعليه العمل. شرح اللباب، وما ذكره الشارح مخالف للقولين ظاهرا، لكن الواو لا تقتضي الترتيب فيحمل على القول الأول، وقد ذكر في شرح اللباب في طواف الصدر أنه هو المشهور من الروايات، وهو الأصح كما صرح به الكرماني والزيلعي اه. وقال هنا: ولم يذكر في كثير من الكتب إتيان زمزم والملتزم فيما بين الصلاة والتوجه إلى الصفا، ولعله لعدم تأكده. مطلب في السعي بين الصفا والمروة قوله: (إن أراد السعي) أفاد أن العود إلى الحجر إنما يستحب لمن أراد السعي بعده، وإلا فلا، كما في البحر وغيره، وكذا الرمل والاضباع تابعا لطواف بعده سعي كما قدمناه، وأشار إلى ما في النهر من أن السعي بعد طواف القدوم رخصة لاشتغاله يوم النحر بطواف الفرض والذبح والرمي، وإلا فالأفضل تأخيره إلى ما بعد طواف الفرض، لأنه واجب، فجعله تبعا للفرض أولى، كذا في التحفة وغيرها اه. لكن ذكر في اللباب خلافا في الأفضلية، ثم قال: والخلاف في غير القارن، أما القارن فالأفضل له تقديم السعي أو يسن اه. وأشار أيضا إلى أن السعي بعد الطواف، فلو عكس أعاد السعي لأنه تبع له. وصرح في المحيط بأن تقديم الطواف شوط لصحة السعي، وبه علم أن تأخير السعي واجب، وإلى أنه لا يجب بعده فورا، والسنة الاتصال به. بحر فإن أخره لعذر أو ليستريح من تعبه فلا بأس، وإلا فقد أساء ولا شئ عليه. لباب. قوله: (من باب الصفا ندبا) كذا في السراج لخروجه منه عليه الصلاة والسلام. وفي الهداية: أن خروجه منه عليه الصلاة والسلام لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا لا أنه سنة. قوله: (فصعد الصفا الخ) هذا الصعود وما بعده سنة، فيكره أن لا يصعد عليهما. بحر عن المحيط: أي إذا كان ماشيا، بخلاف الراكب كما في شرح المرشدي. واعلم أن كثيرا من درجات الصفا دفنت تحت الأرض بارتفاعها، حتى أن من وقف على أول درجة من درجاتها الموجودة أمكنه أن يرى البيت، فلا يحتاج إلى الصعود، وما يفعله بعض أهل
550 البدعة والجهلة من الصعود حتى يلتصقوا بالجدار، فخلاف طريقة أهل السنة والجماعة. شرح اللباب. قوله: (وكبر الخ) في اللباب: فيحمد الله تعالى ويثني عليه، ويكبر ثلاثا ويهلل، ويصلي على النبي (ص)، ثم يدعو للمسلمين ولنفسه بما شاء، ويكرر الذكر مع التكبير ثلاثا، ويطيل المقام عليه اه: أي قدر ما يقرأ سورة من المفصل كما في شرحه عن العدة لصاحب الهداية. قوله: (بصوت مرتفع) اقتصر في الخانية على ذكر التكبير والتهليل وقال: يرفع صوته بهما اه. وأما الصلاة على النبي (ص) فقد قدمنا في دعاء التلبية أنه يخفض صوته بها فيحتمل أن يكون هنا كذلك. تأمل. تنبيه: في اللباب: ويلبي في السعي الحاج لا المعتمر، زاد شارحه: ولا اضطباع فيه مطلقا عندنا كما حققناه في رسالة، خلافا للشافعية. قوله: (ورفع يديه) أي حذاء منكبيه. لباب وبحر. قوله: (لختمه العبادة) قال السراج: وإنما ذكر الدعاء ها هنا ولم يذكره عند استلام الحجر، لان الاستلام حالة ابتداء العبادة، وهذا حالة ختمها، لان ختم الطواف بالسعي والدعاء يكون عند الفراغ منها لا عند ابتدائها كما في الصلاة اه. وفيه أن هذا ابتداء السعي لا ختم الطواف، إلا أن يقال: إن السعي إنما يتحقق عند النزول عن الصفا، أما الصعود عليها فقد تحقق عنده ختم الطواف لقصده الانتقال عنه إلى عبادة أخرى تابعة له، فتأمل. قوله: (لأنه يذهب برقة القلب) أي لأنه بسبب حفظه له يجري على لسانه بلا حضور قلب، وهذا بخلاف الدعاء في الصلاة فإنه ينبغي الدعاء فيها بما يحفظه لئلا يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس فتفسد صلاته، كما نقله ط عن الولوالجية. قوله: (وإن تبرك بالمأثور فحسن) أي في هذا الموضع وغيره من مناسك الحج، وقد ذكرت ذلك في رسالتي بغية الناسك في أدعية المناسك. قوله: (ثم مشى نحو المروة) قال في اللباب: ثم يهبط نحو المروة ساعيا ذاكرا ماشيا على هينته، حتى إذا كان دون الميل المعلق في ركن المسجد قبل بنحو ستة أذرع سعيا شديدا في بطن الوادي، حتى يجاوز الميلين، ثم يمشي على هينته، حتى يأتي المروة، ويستحب أن يكون السعي بين الميلين فوق الرمل دون العدو، وهو في كل شوط: أي بخلاف الرمل في الطواف، فإنه مختص بالثلاثة الأول خلافا لمن جعله مثله، فلو تركه أو هرول في جميع السعي فقد أساء ولا شئ عليه، وإن عجز عنه صبر حتى يجد فرجة، وإلا تشبه بالساعي في حركته، وإن كان على دابة حركها من غير أن يؤذي أحدا اه. وقوله: قيل بنحو ستة أذرع، قال شارحه: هو منسوب للشافعي، وذكر أيضا في بعض المناسك لأصحابنا اه. قلت: ونقله في المعراج عن شرح الوجيز وقال: إن الميل كان على متن الطريق في الموضع الذي يبتدأ منه السعي، فكان يهدمه السيل فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد، ولذا سمي معلقا فوقع متأخرا عن ابتداء السعي بستة أذرع لأنه لم يكن موضع أليق منه. والميل الثاني متصل بدار العباس اه. ونقله في الشرنبلالية أيضا وأقره، ونقله بعض المحشين عن منسك ابن العجمي والطرابلسي والبحر العميق وغيرهم. قلت: ولا ينافيه قول المتون ساعيا بين الميلين لأنه باعتبار الأصل. قوله: (المتخذين) في
551 نسخة المنحوتين. قوله: (وصعد عليها) أي باعتبار الزمن الأول، أما الآن فمن وقف على الدرجة الأولى، بل على أرضها يصدق أنه طلع عليها. شرح اللباب. قوله: (وفعل ما فعله على الصفا) أي من الاستقبال بأن يميل إلى يمينه أدنى ميل ليتوجه إلى البيت، وإلا فالبيت لا يبدو اليوم لحجبه بالبنيان، ومن التكبير والذكر والدعاء المشتمل على الصلاة والثناء. شرح اللباب. قوله: (يبدأ بالصفا الخ) فيه إشارة إلى أن الذهاب إلى المروة شوط والعود منها إلى الصفا شوط، وهو الصحيح. وقال الطحاوي: إن الذهاب والعود شرط واحد كالطواف، فإنه من الحجر إلى الحجر شوط، وتمامه في الفتح وغيره قوله: (فلو بدأ بالمروة الخ) قدمنا الكلام عليه في الواجبات. قوله: (وند ب الخ) ذكره في الخانية وغيرها، وقوله: كختم الطواف ليكون ختم السعي كختم الطواف كما أن مبدأهما بالاستلام. قال في الفتح: ولا حاجة إلى هذا القياس إذ فيه نص، وهو ما روى المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله (ص) حين فرغ من سعيه جاء حتى إذا حاذى الركن فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطائفين أحد رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان، وقال في روايته: رأيت رسول الله (ص) يصلي حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه، ما بينهم وبينه سترة وتمامه فيه. مطلب في عدم منع المار بين يدي المصلي عند الكعبة تنبيه: قال العلامة قطب الدين في منسكه: رأيت بخط بعض تلامذة الكمال بن الهمام في حاشية الفتح: إذا صلى في المسجد الحرام ينبغي أن لا يمنع المار لهذا الحديث، وهو محمول، على الطائفين، لان الطواف صلاة فصار كمن بين يديه صفوف من المصلين اه. وقال: ثم رأيت في البحر العميق: حكى عز الدين بن جماعة عن: مشكلات الآثار للطحاوي أن المرور بين يدي المصلي بحضرة الكعبة يجوز اه. قلت: وهذا فرع غريب فليحفظ. قوله: (ثم سكن بمكة محرما) إنما عبر بالسكنى دون الإقامة لايهامها الإقامة الشرعية، وهي لا تصح لما في البحر من باب صلاة المسافر إذا دخل الحاج مكة في أيام العشر ونوى الإقامة نصف شهر لا يصح لأنه لا بد له من الخروج إلى عرفات، فلا يتحقق اتحاد الموضع الذي هو شرط نية الإقامة ط. قوله: (بالحج) إنما ذكره وإن كان القارن والمتمتع الذي ساق الهدي كذلك، لان الباب معقود للمفرد ط. قوله: (ولا يجوز الخ) الأولى التفريع بالفاء على قوله: محرما بالحج كما فعل في البحر: أي لا يجوز أن يفسخ نية الحج بعد ما أحرم به، ويسقط أفعاله ويجعل إحرامه وأفعاله للعمرة. لباب، وأما أمره عليه الصلاة والسلام بذلك أصحابه إلا من ساق الهدي فمخصوص بهم أو منسوخ. نهر، وقد أوضح المقام المحقق ابن الهمام. قوله: (بلا رمل وسعي) لان الرمل وكذا الاضطباع تابعان لطواف بعده سعي، والسعي من واجبات الحج والعمرة فقط، وهذا الطواف تطوع فلا سعي بعده. قال في الشرنبلالية عن الكافي: لان التنفل
552 بالسعي غير مشروع. قوله: (وهو) أي الطواف. قوله: (ينبغي تقييده) أي تقييد كون الصلاة النافلة أفضل من طواف التطوع في حق المكي بزمن الموسم لأجل التوسعة على الغرباء. وقوله: مطلقا: أي للمكي والآفاقي في غير الموسم، وقد أقره على هذا البحث في النهر. قلت: لكن يخالفه ما في الولوالجية ونصه: الصلاة بمكة أفضل لأهلها من الطواف، وللغرباء الطواف أفضل، لان الصلاة في نفسها أفضل من الطواف، لان النبي (ص) شبه الطواف بالبيت بالصلاة، لكن الغرباء لو اشتغلوا بها لفاتهم الطواف من غير إمكان التدارك فكان الاشتغال بما لا يمكن تداركه أولى اه. مطلب: الصلاة أفضل من الطواف وهو أفضل من العمرة تنبيه: في شرح المرشدي على الكنز قولهم: إن الصلاة أفضل من الطواف، ليس مرادهم أن صلاة ركعتين مثلا أفضل من أداء أسبوع لان الأسبوع مشتمل على ركعتين مع زيادة، بل مرادهم به أن الزمن الذي يؤدى فيه أسبوعا هل الأفضل فيه أن يصرفه للطواف أم يشغله بالصلاة؟ اه. ونظيره ما أجاب به العلامة القاضي إبراهيم بن ظهيرة المكي حيث سئل: هل الأفضل الطواف أو العمرة؟ من أن الأرجح تفضيل الطواف على العمرة إذا شغل به مقدار زمن العمرة، إلا إذا قيل إنها لا تقع إلا فرض كفاية فلا يكون الحكم كذلك. تتمة: سكت المصنف عن دخول البيت، ولا شك أنه مندوب إذا لم يشتمل على إيذاء نفسه أو غيره وهذا مع الزحمة قلما يكون. نهر. مطلب في دخول البيت الشريف قلت: وكذا إذا لم يشتمل على دفع الرشوة التي يأخذها الحجبة كما أشار إليه منلا علي، وسيأتي تمام الكلام على الدخول عند ذكر الشارح له في الفروع آخر الحج. قوله: (أولى خطب الحج الثلاث) ثانيها بعرفة قبل الجمع بين الصلاتين، ثالثها بمنى في اليوم الحادي عشر، فيفصل بين كل خطبة بيوم وكلها خطبة واحدة بلا جلسة في وسطها إلا خطبة يوم عرفة، وكلها بعد ما صلى الظهر إلا بعرفة، وكلها سنة. لباب. ولم يذكر المصنف ولا الشارح الخطبة الثالثة في موضعها. قوله: (وكره قبله) أي قبل الزوال. سراج. مطلب في الرواح إلى عرفات قوله: (وعلم فيها المناسك) أي التي يحتاج إليها يوم عرفة من كيفية الاحرام والخروج إلى منى والمبيت بها والرواح منها إلى عرفة والصلاة بها والوقوف فيها والإفاضة منها وغير ذلك، أو جميع ما يحتاج إليه الحاج إلى تمام حجه وإن كان بعدها خطب لان التأكيد خبر. قوله: (فإذا صلى بمكة الفجر الخ) كذا في الهداية، وقال الكمال: ظاهر هذا الترتيب إعقاب صلاة الفجر بالخروج
553 إلى منى وهو خلاف السنة، واستحسن في المحيط كونه بعد الزوال، وليس بشئ. وقال المرغيناني: بعد طلوع الشمس، وهو الصحيح. قوله: (يوم التروية سمي به لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه استعدادا للوقوف يوم عرفة إذ لم يكن في عرفات ماء جار كزماننا، شرح اللباب. فائدة: في مناسك النووي: يوم التروية هو الثامن، واليوم التاسع عرفة، والعاشر النحر، والحادي عشر القر بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم يقرون فيه بمنى، والثاني عشر يوم النفر الأولى، والثالث عشر النفر الثاني. قوله: (ومكث بها إلى فجر عرفة) أفاد طلب المبيت بها فإنه سنة كما في المحيط، وفي المبسوط: يستحب أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى ويقيم بها إلى صبيحة عرفة اه. ويصلي الفجر بها لوقتها المختار، وهو زمان الاسفار وفي الخانية: بغلس، فكأنه قاسه على فجر مزدلفة والأكثر على الأول، فهو الأفضل. شرح اللباب. وفي مناسك النووي: وأما ما يفعله الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات في اليوم الثامن فخطأ مخالف للسنة، ويفوتهم بسببه سنن كثيرة منها الصلوات بمنى والمبيت بها، والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها والخطبة والصلاة قبل دخول عرفات وغير ذلك اه. وقوله: والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها، فيه عندنا كلام يأتي قريبا. قوله: (ثم بعد طلوع الشمس) لما كانت عبارة المصنف موهمة كعبارة الكنز خلاف المراد، قيدها بذلك تبعا للفتح وغيره من شروح الهداية. قال في غاية البيان: صرح به في شرح الطحاوي وشرح الكرخي والايضاح وغيرها. قال في الايضاح: وإذا طلعت الشمس يوم عرفة خرج إلى عرفات لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك: ثم قال: وإن دفع قبله جاز، والأول أولى اه. ومثله في السراج فافهم. قوله: (راح إلى عرفات) قال في المعراج: وينزل بعرفات في أي موضع شاء، إلا الطريق وقرب جبل الرحمة أفضل. قال الأئمة الثلاثة: في نمرة أفضل لنزوله عليه الصلاة والسلام فيه. قلنا: نمرة من عرفة ونزوله عليه الصلاة والسلام فيه لم يكن عن قصد اه. وهذا مخالف لما في الفتح من أن السنة أن ينزل الامام بنمرة، ولما نقلوه عن الامام رشيد الدين من أنه ينبغي أن لا يدخل عرفة حتى ينزل بنمرة قريبا من المسجد إلى زوال الشمس، ووفق شرح اللبا ب بأن هذا بالنسبة إلى الامام لا غيره أو بأن النزول أولا بنمرة ثم بقرب جبل الرحمة. تأمل. قوله: (على طريق ضب) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة، وهو اسم للجبل الذي يلي مسجد الخيف. شرح اللباب. قوله: (كلها موقف) بكسر القاف: أي موضع وقوف. نهر. قوله: (إلا بطن عرنة) فلا يصح الوقوف بها على المشهور كما سيأتي. قوله: (بفتح الراء) أي مع ضم العين كهمزة. قاموس. قوله: (فبعد الزوال خطب الخ) أي فإذا وصل إلى عرفة ومكث بها داعيا مصليا ذاكرا ملبيا، فإذا زالت الشمس اغتسل أو توضأ والغسل أفضل، ثم سار إلى المسجد: أي مسجد نمرة بلا تأخير، فإذا بلغه صعد الامام الأعظم أو نائبه المنبر، ويجلس عليه ويؤذن المؤذن بين يديه، فإذا فرغ قام الامام فخطب خطبتين، فيحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويلبي، ويهلل ويكبر، ويصلي على النبي (ص)، ويعظ الناس، ويأمرهم، وينهاهم، ويعلمهم المناسك كالوقوف بعرفة والمزدلفة والجمع بهما والرمي والذبح والحلق والطواف، وسائر المناسك التي إلى الخطبة الثالثة، ثم يدعو الله تعالى، وينزل.
554 لباب. فإن ترك الخطبة أو خطب قبل الزوال أجزأه وقد أساء. جوهرة. وقول الزيلعي: جاز: أي صح مع الكراهة. شرنبلالية. قوله: (وبعد الخطبة صلى بهم) فظاهره عدم تأخير الصلاة، وهو صريح قول البدائع، فإذا زالت الشمس صعد الامام المنبر، فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذنون ويصلي الامام الخ، ونحوه في اللباب وفي البحر عن المعراج: أنه يؤخر هذا الجمع إلى آخر وقت الظهر، ونحوه في شرح قاضيخان على الجامع الصغير. قال في شرح اللباب: وفيه أنه يلزمه منه تأخير الوقوف، وينافي حديث جابر رضي الله عنه: حتى إذا زاغت الشمس، فإن ظاهره أن الخطبة كانت في أول الزوال فلا تقع الصلاة في آخره. قوله: (بأذان) أي واحد لأنه للاعلام بدخول الوقت، وهو واحد، وقوله: وإقامتين أي يقيم للظهر ثم يصليها ثم يقيم للعصر، لان الإقامة لبيان الشروع في الصلاة. قوله: (وقراءة سرية) لأنهما صلاتا نهار كسائر الأيام. سراج. قوله: (ولم يصل بينهما شيئا) أي ولا السنة الراتبة. قال في اللباب: وإن أخر الامام صلاة العصر لا يكره للمأموم التطوع بينهما إلى أن يدخل الامام في العصر. قوله: (على المذهب) وهو ظاهر الرواية. شرنبلالية، وهو الصحيح، فلو فعل كره وأعاد الاذان للعصر لانقطاع فوره فصار كالاشتغال بينهما بفعل آخر. بحر: أي كأكل وشرب فإنه يعيد الاذان. سراج. وما في الذخيرة والمحيط والكافي من استثناء سنة الظهر فخلاف الحديث وإطلاق المشايخ. فتح. تنبيه: أخذ من هذا العلامة السيد محمد صادق بن أحمد بادشاه أنه يترك تكبير التشريق هنا، وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء لمراعاة الفورية الواردة في الحديث، كما نقله عنه الكازروني في فتاواه. قلت: وفيه نظر، فإن الوارد في الحديث: أنه (ص) صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ففيه التصريح بترك الصلاة بينهما، ولا يلزم منه ترك التكبير ولا يقاس على الصلاة لوجوبه دونها، ولان مدته يسيرة حتى لم يعد فاضلا بين الفريضة والراتبة. والحاصل: أن التكبير بعد ثبوت وجوبه عندنا لا يسقط هنا إلا بدليل، وما ذكر لا يصلح للدلالة كما علمته، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم. قوله: (ولا بعد أداء العصر في وقت الظهر) سقطت هذه الجملة من بعض النسخ، وعزاها في الشرنبلالية إلى شرح الوهبانية لابن الشحنة. مطلب في شروط الجمع بين الصلاتين بعرفة قوله: (وشرط لصحة هذا الجمع الخ) اختلف في هذا الجمع هل هو سنة أو مستحب؟ وما قيل إن تقديم العصر عند الامام واجب لصيانة الجماعة ينبغي حمله على معنى ثبت. شرح اللباب. تنبيه: اقتصر من الشروط على الامام الاحرام. وزاد في اللباب تقدير الظهر على العصر، حتى لو تبين للامام وقوع الظهر قبل الزوال أو بغير وضوء والعصر بعده أو بوضوء أعادهما جميعا، والزمان وهو يوم عرفة، والمكان وهو عرفة ومقرب منها، والجماعة، فالشروط ستة.
555 قلت: لكن الأخير داخل في الأول، فإن معنى اشتراط الامام اشتراط صلاته بهم لا وجوده فيهم على أنه في البحر قال: إن الجماعة غير شرط، حتى لو لحق الناس فزع فصلى الامام وحده الصلاتين جاز بالاجماع على الصحيح، كذا في الوجيز، ثم نقل عن البدائع أن الجماعة شرط الجمع عند أبي حنيفة لكن في حق غير الامام لا في حق الامام، ثم قال: فما في النقاية والجوهرة والمجمع من اشتراط الجماعة ضعيف، واعترضه في النهر بأنه نقله غير واحد وصححه الأسبيجابي، وبأن الجواز في مسألة الفزع للضرورة اه. قلت: ما مر عن البدائع يصلح توفيقا بين الكلامين والتصحيحين فتدبر، ثم يكفي إدراك جزء من الصلاتين مع الامام، حتى لو أدرك بعض الظهر ثم قام يقضي ما فاته ثم أدرك جزءا من العصر معه يكفي كما أفاده في البحر واللباب. قوله: (الامام الأعظم) أي الخليفة. بحر. وقوله: أو نائبه أي ولو بعد موت الامام فإنه يجمع نائبه أو صاحب شرطه، لان النواب لا ينعزلون بموت الخليفة. بحر. وأطلق الامام فشمل المقيم والمسافر، لكن لو كان مقيما كإمام صلى بهم صلاة المقيمين، ولا يجوز له القصر ولا للحجاج الاقتداء به (1). قال الامام الحلواني: كان الامام النسفي يقول: العجب من أهل الموقف يتابعون إمام مكة في القصر، فأنى يستجاب لهم أو يرجى لهم الخير وصلاتهم غير جائزة. قال شمس الأئمة: كنت مع أهل الموقف فاعتزلت، وصليت كل صلاة في وقتها وأوصيت بذلك أصحابي، وقد سمعنا أنه يتكلف ويخرج مسيرة سفر ثم يأتي عرفات، فلو كان هكذا فالقصر جائز، وإلا لا، فيجب الاحتياط اه ملخصا من التاترخانية عن المحيط. قوله: (وإلا صلوا وحدانا) يوهم جواز صلاة العصر في وقت الظهر، وعدم جواز الجماعة لو صليت العصر في وقتها وليس بمراد، فالأصوب قول الزيلعي: صلوا كل واحدة منهما في وقتها. أفاده ح. ويمكن الجواب بأن وحدانا حال من مفعول صلوا لا من فاعله: أي صلوا الصلاتين وحدانا: أي غير مجموعات، بل كل واحدة في وقتها، غايته أن فيه إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، فافهم. قوله: (والاحرام بالحج فيهما) احترز به عما لو أحرم بالعمرة فلا يجوز الجمع، ولو أحرم بالحج قبل صلاة العصر كما لو لم يكن محرما، وأشار إلى أن الشرط حصوله عند أداء الصلاتين، ولو أحرم بعد الزوال في الأصح، وفي رواية: لا بد موجوده قبل الزوال كما في النهر، وقوله: فيهما متعلق بقوله: الامام وقوله: الاحرام ولذا فرع عليه المصنف بقوله: فلا تجوز وقوله: ولا لمن صلى الخ على طريق اللف والنشر المرتب. قوله: (لم يصل العصر مع الامام) أي بل يصليها في وقتها، ومثله ما لو صلى الظهر فقط مع الامام لا يصلي العصر إلا في وقتها ح. قوله: (قبل إحرام الحج) بأن لم يحرم أصلا أو أحرم بالعمرة فقط كما مر. قوله: (ثم أحرم) أي بالحج قبل أداء العصر ح. قوله: (إلا في وقته) أي العصر. ط. قوله: (إلا الاحرام) فهو شرط متفق عليه عندنا، والحصر بالإضافة إلى
(1) قوله: (الاقتداء به الخ) اي في حال قصره، أما إذا صلى صلاة المقيمين فيقتدون به ا ه. 556 المذكور هنا: أي فلا يشترط عندهما الاقتداء بالامام أو نائبه، وإلا فاشتراط الزمان والمكان وتقديم الظهر على العصر متفق عليه عندنا، كما أفاده في شرح اللباب. قوله: (وهو الأظهر) لعله من جهة الدليل، وإلا بالمتون على قول الإمام وصححه في البدائع وغيرها، ونقل تصحيحه العلامة قاسم عن الأسبيجابي وقال: واعتمده برهان الشريعة والنسفي. قوله: (ثم ذهب) أي الامام مع القوم من مسجد نمرة إلى الموقف: أي مكان الوقوف بعرفة. قوله: (بغسل) متعلق بقوله: صلى وقوله: ذهب قال القهستاني: أي جمع بين الصلاتين وذهب إليه حال كونه مغتسلا في وقت الجمع والذهاب، فيكون حالا من فاعل جمع وذهب، والأول في خزانة المفتين والثاني في الكافي اه. وقوله: سن بالبناء للمجهول صفة غسل. قوله: (ووقف الامام على ناقته) في الخانية: والأفضل للامام أن يقف راكبا ولغيره أن يقف عنده اه. وظاهره أن الركوب للامام فقط، وهو مفهوم كلام المصنف كالهداية والبدائع وغيرها، ويؤيده قول السراج لأنه يدعو ويدعو الناس بدعائه، فإن كان على راحلته فهو أبلغ في مشاهدتهم له اه. لكن في القهستاني: الأفضل أن يكون راكبا قريبا من الامام اه. ومثله في منن الملتقى. ونقل بعضهم عن السراج عن منسك ابن العجمي: يكره الوقوف على ظهر الدابة إلا في حال الوقوف بعرفة، بل هو الأفضل للامام وغيره اه. ولم أره في السراج. قوله: (بقرب جبل الرحمة) أي الذي في وسط عرفات ويقال له: إلال كهلال، وأما صعوده كما يفعله العوام فلم يذكر أحد ممن يعتد به في فضيلة بل حكمه حكم سائر أراضي عرفات، وادعى الطبري والماوردي أنه مستحب، ورده النووي بأنه لا أصل له لأنه لم يرد فيه خبر صحيح ولا ضعيف. نهر. قوله: (عند الصخرات الكبار) أي الحجرات السود المفروشة فإنها مظنة موقفه (ص). شرح اللباب. وفي شرح الشيخ إسماعيل عن منسك الفارسي: قال قاضي القضاة بدر الدين: وقد اجتهدت على تعيين موقفه (ص)، ووافقني عليه بعض من يعتمد عليه من محدثي مكة وعلمائها حتى حصل الظن بتعيينه، وأنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف التي عن يمينها وورائها صخرة متصلة بصخرات الجبل، وهذه الفجوة بين الجبل والبناء المربع عن يساره، وهي إلى الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالتك بيمين إذا استقبلت القبلة والبناء المربع عن يسارك بقليل وراءه اه. ونقله في اللباب أيضا باختصار. قال القاضي محمد عيد: والبناء المربع هو المعروف بمطبخ آدم، ويعرف بحذائه صخرة مخروقة تتبع هي وما حولها من تلك الصخرات المفروشة وما ورائها من الصخار السود المتصلة بالجبل. قوله: (والقيام والنية) مبتدأ ومعطوف عليه، وقوله: فيه متعلق بكل من القيام والنية، وقوله: ليست بشرط خبر المبتدأ، والأولى أن يقول: ليسا بالتثنية، وتغليب المذكر على المؤنث، فكل من القيام والنية مستحب كما في اللباب، وإنما كانت النية شرطا في الطواف دون الوقوف لأن النية عند الاحرام تضمنت جميع ما يفعل فيه، والوقوف يفعل فيه من كل وجه فاكتفى فيه بتلك النية، والطواف يفعل فيه من وجه دون وجه لأنه يفعل بعد التحلل فاشترط فيه أصل النية دون تعيينها عملا بالشرطية. شرح النقاية للقاري. لكن هذا الفرق لا يشمل طواف العمرة لأنه يفعل قبل التحلل، وسيذكر آخر الباب فرق آخر. قوله: (لان الشرط الكينونة فيه) أي في محل الوقوف
557 المعلوم من المقام. قال في شرح اللباب: والظاهر أن هذا ركن لعدم تصور الوقوف بدونه، نعم الوقت شرط اه. أي مع الاحرام. قلت: ولعله أراد بالشر ما لا بد منه، فيشمل الركن. تأمل. والمراد بالكينونة الحصول فيه على أي وجه كان ولو نائما أو جاهلا بكونه عرفة أو غير صاح أو مكرها أو جنبا أو مارا مسرعا. قوله: (مجتاز) أي مار غير واقف. قوله: (ودعا جهرا) ولا يفرط في الجهر بصوته. لباب: أي بحيث يتعب نفسه، لكن قيد شارحه الجهر بكونه في التلبية وقال: وأما الأدعية والأذكار فبالخفية أولى اه. قلت: ويؤيده قوله في السراج: ويجتهد في الدعاء. والسنة أن يخفي صوته لقوله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * (الأعراف: 55) اه. قوله: (بجهد) متعلق بدعا: أي باجتهاد وإلحاح في المسألة، وقد ورد خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رواه مالك والترمذي وأحمد وغيرهم. شرح النقاية للقاري. مطلب: الثناء على الكريم دعاء وقيل لابن عيينة: هذا ثناء فلم سماه رسول الله (ص) دعاء؟ فقال: الثناء على الكريم دعاء، لأنه يعرف حاجته. فتح. قلت: يشير بهذا إلى خبر: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ومنه قول أمية بن أبي الصلت في مدح بعض الملوك: أأذكر حاجتي أم قد كفاني * ثناؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما * كفاه من تعرضك الثناء مطلب في إجابة الدعاء قوله: (وهو) أي هذا الموقف من مواضع الإجابة أي المواضع التي تكون الإجابة أرجى فيها من غيرها كما أفاده في النهر. قوله: (وهي بمكة) أي وما قرب منها، لان الموقفين ومنى والجمار ليست في مكة. قوله: (وهي خمسة عشر موضعا الخ) كذا ذكرها في الفتح عن رسالة الحسن البصري. قال ابن حجر المكي: والحسن البصري تابعي جليل اجتمع بجمع من الصحابة، فلا يقول ذلك إلا عن توقيف اه. ونقلها بعضهم عن النقاش المفسر في مسكه مقيده بأوقات خاصة، والحسن أطلقها وذكر ذلك بعضهم نظما نقله ح عن الشرنبلالية، فراجعهما. قوله: (بكعبة) أي فيها. قوله:
558 (والموقفين) أي عرفة والمشعر الحرام في المزدلفة. قوله: (طواف) أي مكانه، والأولى أن يقول المطاف وهو ما كان في زمنه (ص) مسجدا، وإلا فالمسجد الحرام كله مطاف، بمعنى أنه يجوز فيه الطواف. شرح اللباب قوله: (وسعى) أي بين الصفاء والمروة لا سيما فيما بين الميلين. شرح اللباب. قوله: (مروتين) أي الصفا والمروة ففيه تغليب، ولعله غلب المؤنث على المذكر بناء على أحد القولين للعلماء وهو أن المروة أفضل من الصفا. قوله: (مقام) أي خلفه كما في اللباب. قوله: (جمارك) أي الثلاث، فبذلك بلغت خمسة عشر، لكن اعترض بأنه لا دعاء في جمرة العقبة بل في الأولى والوسطى. قوله: (زاد في اللباب الخ) أي لباب المناسك للشيخ رحمة الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام اختصره من منسكه الكبير، واختصره أيضا بمنسك أصغر منه، فافهم. قوله: (وعند السدرة) فيه أنه لم يذكرها في اللباب، بل ذكرها في الشرنبلالية، وهي سدرة كانت بعرفة وهي الآن غير معروفة. ذكره بعض المحشين عن تاريخ مكة للعلامة القطبي، وكذا عزاه بعض مشايخ مشايخنا لابن ظهيرة الحنفي المكي في فضائل مكة. قوله: (وفي الحجر) فيه أن هذا هو تحت الميزاب كما في الشرنبلالية عن الفتح. قوله: (ليلة البدر) وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة التي ينزلون فيها الآن. ط. قلت: وقد ألحقت هذه الخمسة نظما بنظم صاحب النهر فقلت: ورؤية بيت ثم حجر وسدرة * وركن يمان مع منى ليلة القمر قوله: (وإذا غربت الشمس الخ) بيان للواجب، حتى لو دفع قبل الغروب، فإن جاوز حدود عرفة لزمه دم إلا أن يعود قبله ويدفع بعده فيسقط خلافا لزفر بخلاف ما لو عاد بعده، ولو مكث بعد ما أفاض الامام كثيرا بلا عذر أساء، ولو أبطأ الامام ولم يفض حتى ظهر الليل أفاضوا لأنه أخطأ السنة. من البحر والنهر. قوله: (أتى) أي أفاض الامام والناس وعليهم السكينة والوقار، فإذا وجد فرجة أسرع المشي بلا إيذاء، وقيل لا يسن الإيضاع: أي لا يسن في زماننا لكثرة الايذاء. لباب وشرحه. قوله: (على طريق المأزمين) لا على طريق ضب، والمأزم بهمزة بعد الميم الأولى ويجوز تركها كما في رأس وزاي مكسورة وأصله المضيق بين جبلين ومراد الفقهاء الطريق الذي بين جبلين، وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة. إسماعيل. وعزاه بعضهم إلى العز بن جماعة، وأنه نقله عن المحب الطبري، ورد به قول النووي: إن المراد به ما بين العلمين اللذين هما حد الحرم وقال: إنه غريب، ويحمل العوام على الزحمة بين العلمين وليس لذلك أصل. قوله: (ماشيا) أي إذا قرب منها يدخلها ماشيا تأدبا وتواضعا لأنها من الحر المحترم. شرح اللباب. قوله: (إلا وادي محسر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة وبالراء، والاستثناء منقطع لأنه ليس من منى كما أشار إليه الشارح. قوله: (ليس من منى (1)) صوابه ليس من مزدلفة لأنها محل الوقوف اه. قوله:
(1) قوله: (ليس من منى) ليس: في نسخ الشارح التي بأيدينا ا ه. 559 (أو ببطن عرنة) أي الذي قرب عرفات كما مر. قوله: (لم يجز) أي لم يصح الأول عن وقوف مزدلفة الواجب، ولا الثاني عن وقوف عرفات الركن. قوله: (على المشهور) أي خلافا لما في البدائع من جوازه فيهما. فتح. قوله: (والأصح أنه المشعر الحرام) وقيل هو مزدلفة كلها. قوله: (وعليه مقيدة) قيل: هي أسطوانة من حجارة مدورة تدويرها أربعة وعشرون ذراعا وطولها اثنا عشر، وفيها خمسة وعشرون درجة وهي على خشبة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد الشمع ليلة مزدلفة وكان قبله يوقد بالحطب، وبعده بمصابيح كبار. قوله: (وصلى العشاءين الخ) أي في أول وقت العشاء الأخيرة. قهستاني. وينبغي أن يصلي قبل حط رحاله بل ينيخ جماله ويعقلها، وأشار إلى أنه لا تطوع بينهما ولو سنة مؤكدة على الصحيح، ولو تطوع أعاد الإقامة، كما لو اشتغل بينهما بعمل آخر. بحر. قال في شرح اللباب: ويصلي سنة المغرب والعشاء والوتر بعدها كما صرح به مولانا عبد الرحمن الجامي قدس الله سره السامي في منسكه اه. وأما قول الشارح قبيل باب الاذان: يكره التنفل بعد صلاتي الجمعين ففيه كلام قدمناه هناك. قوله: (لان العشاء في وقتها الخ) علة للاقتصار هنا على إقامة واحدة، بخلاف الجمع في عرفة فإنه بإقامتين، لان الصلاة الثانية هنا تؤدي في غير وقتها فتقع الحاجة إلى إقامة أخرى للاعلام بالشروع فيها، أما الثانية هنا ففي وقتها فتستغني عن تجديد الاعلام كالوتر مع العشاء. بدائع. قوله: (كما لا احتياج هنا للامام) فلو صلاهما منفردا جاز، خلافا لما في شرح النقاية للبرجندي، فإنه خلاف المشهور في المذهب. شر ح اللباب. وذكر في اللباب أن الجماعة سنة في هذا الجمع، ثم قال: وشرائط هذا الجمع: الاحرام بالحج، وتقديم الوقوف عليه، والزمان والمكان، والوقت الخ. قال شارحه: فلا يجوز هذا الجمع لغير المحرم بالحج، وأما ما ذكره المحبوبي من أن الاحرام غير شرط فيه فغير صحيح، لتصريحهم بأن هذا الجمع جمع نسك ولا يكون نسكا إلا بالاحرام بالحج اه. وبه ظهر صحة ما بحثه في النهر بقوله: وينبغي اشتراطه لكونه في المغرب مؤديا اه. وظهر أن ما في النهاية والهندية من عدم اشتراطه مبني على قول المحبوبي، فافهم. قوله: (ولو صلى المغرب والعشاء) في بعض النسخ أو العشاء بأو، وفي بعضها الاقتصار على المغرب موافقا في الكنز وغيره، وهو أولى لان المراد التنبيه على وجوب تأخير المغرب عن وقتها المعتاد، ويفهم منه بالأولى وجوب تأخير العشاء إلى المزدلفة، نعم عبارة اللباب: ولو صلى الصلاتين أو إحداهما. قوله: (أعاده) أي أعاد ما صلى، قال العلامة الشهاوي في منسكه: هذا فيما إذا ذهب إلى المزدلفة من طريقها، أما إذا ذهب إلى مكة من غير طريق المزدلفة جاز له أن يصلي المغرب في الطريق بلا توقف في ذلك، ولم أجد أحدا صرح بذلك سوى صاحب النهاية والعناية. ذكراه في باب قضاء الفوائت، وكلام شارح الكنز أيضا يدل على ذلك وهي فائدة جليلة اه. وكذا صرح به البناية الباب المذكور أيضا اه. ذكره بعض المحشين عن خط بعض العلماء. قلت: ويؤخذ هذا من اشتراط المكان لصحة هذا الجمع كما مر ويأتي، فإنه يفيد أنه لو لم
560 يمر على المزدلفة لزم صلاة المغرب في الطريق في وقتها لعدم الشرط، وكذا لو بات في عرفات، فتنبه. قوله: (الصلاة أمامك) الجملة في محل جر بدل من الحديث، وخاطب به (ص) أسامة لما نزل عليه الصلاة والسلام بالشعب فبال وتوضأ، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله ومعنى الحديث: وقتها الجائز أو مكانها ط. قوله: (ليلة النحر) سماها بذلك جريا على الحقيقة اللغوية والشرعية. وأما ما مر في آخر الاعتكاف من تبعيتها لليوم الذي قبلها فذاك بالنظر إلى الحكم كما حققناه هناك، فافهم. قوله: (والمكان مزدلفة) يرد عليه ما في البحر عن المحيط لو صلاهما بعد ما جاوز المزدلفة جاز اه. وعزاه في شرح اللباب إلى المنتقى، لكن قال بعده: وهو خلاف ما عليه الجمهور. قوله: (والوقت) الفرق بينه وبين الزمان هنا أن الثاني أعم. قوله: (فتصلح لغزا من وجوه) أي تصلح هذه المسألة فيقال: أي فرض لا تطلب له الإقامة؟ فالجواب: عشاء المزدلفة إذا لم يفصل بينها وبين المغرب بفاصل. ويقال: أي صلاة تصلى في غير وقتها وهي أداء؟ وأي صلاة إذا صليت في وقتها وجبت إعادتها؟ فالجواب: مغرب المزدلفة. وأي صلاة يجب أن تفعل في مكان مخصوص؟ فالجواب: المغرب والعشاء في المزدلفة، فتأمل. واستخرج غيرها ح. زاد ط: وأي عشاء أديت قبل المغرب من صاحب ترتيب وصحت؟ فالجواب: عشاء المزدلفة. وزاد الرحمتي: وأي صلاة يختلف وقتها في زمان دون زمان؟ وهي مغرب المزدلفة وقتها ليلة العيد غير وقتها في بقية الأيام. وأي صلاة يختلف وقتها في حالة دون حالة؟ هي هذه يختلف في حالة الاحرام بالحج، وأي صلاة فاسدة إذا خرج وقت التي بعدها انقلبت صحيحة؟ وأي صلاة يكره الاتيان بسنتها؟ هي هذه. قوله: (فيعود إلى الجواز) أي المغرب أو ما صلاه من مغرب وعشاء في الوقت قبل المزدلفة، ومفهومه أنه قبل طلوع الفجر لم يجزه وهذا قولهما. وقال أبو يوسف: يجزيه وقد أساء. هداية: أي لان المغرب التي صلاها في الطريق إن وقعت صحيحة فلا تجب إعادتها لا في الوقت ولا بعده، وإن لم تقع صحيحة وجبت فيه وبعده: أي إن لم يؤدها فيه وجب قضاؤها بعده، لان ما وقع فاسدا لا ينقلب صحيحا بمضي الوقت. وأجيب بأن الفساد موقوف يظهر أثره في ثاني الحال كما مر في مسألة الترتيب، كذا في العناية. قلت: هذا صريح في أن المراد بعدم الجواز عدم الصحة لا عدم الحل، خلافا لما فهمه من البحر، وتمام الكلام فيما علقناه عليه. قوله: (وهذا) أي عدم جواز ما صلاه في طريق المزدلفة المفهوم من قوله: أعاده ما لم يطلع الفجر فافهم. قوله: (صلاهما) لأنه لو لم يصلهما صارتا قضاء. قوله: (عاد العشاء إلى الجواز) قال في الظهيرية: وهذه المسألة لا بد من معرفتها، وهذا كما قال أبو حنيفة فيمن ترك صلاة الظهر ثم صلى بعدها خمسا وهو ذاكر للمتروكة: لم يجز، فإن صلى السادسة عاد إلى الجواز اه. واستشكل حكم المسألة الخير الرملي بأن فيه تفويت الترتيب، وهو فرض يفوت الجواز بفوته
561 كترتيب الوتر على العشاء، قال: إلا أن يحمل على ساقط الترتيب، أو على عودها إلى الجواز إذا صلى خمسا بعدها اه. وهو تأويل بعيد، بل الظاهر سقوط الترتيب هنا بقرينة التنظير بقوله في الظهيرية - وهذا كما قال أبو حنيفة الخ، وعن هذا قال السيد محمد أبو السعود: لا فرق في هذا بين أن يكون صاحب ترتيب أو لا، فتزاد هذه على مسقطات وجوب الترتيب اه. قوله: (وينوي المغرب أداء) كذا في النهر عن السراج. وفيه رد على قول البحر إنها قضاء، مع أنه صرح بعده بأن وقتها وقت العشاء. قوله: (ويترك سنتها) الموافق لما قدمناه عن الجامي أن يقول: ويؤخر سنتها. قوله: (ويحييها) يعني ليلة العيد بأن يشتغل فيها أو في معظمها بالعبادة من صلاة أو قراءة أو ذكر أن دراسة علم شرعي ونحو ذلك. وقوله: فإنها أفضل الخ قال ح: أي في حد ذاتها لا في حق من كان بمزدلفة. قوله: (كما أفتى به صاحب النهر وغيره) عبارة النهر: وقد وقع السؤال في شرفها على ليلة الجمعة وكنت ممن مال إلى ذلك، ثم رأيت في الجوهرة أنها أفضل ليالي السنة اه. وكلامه كما ترى في تفضيلها على ليلة الجمعة لا على ليلة القدر، نعم ما في الجوهرة شامل ليلة القدر، لكن هذا القدر لا يسوغ أن يقال: أفتى به صاحب النهر اه ح. مطلب في المفاضلة بين ليلة العيد وليلة الجمعة وعشر ذي الحجة وعشر رمضان قوله: (وجزم الخ) تأييد لما قبله من حيث إن الأكثر على أن ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، فإذا كان عشر ذي الحجة أفضل منه لزم تفضيله على ليلة القدر، وليلة العيد أفضل الليالي العشر فتكون أفضل من ليلة القدر. قال ط: وذكر المناوي في شرحه الصغير في حديث: أفضل أيام الدنيا أيام العشر ما نصه: لاجتماع أمهات العبادات فيه، وهي الأيام التي أقسم الله تعالى بها بقوله: * (والفجر وليال عشر) * (الفجر: 1، 2) فهي أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان على ما اقتضاه هذا الخبر، وأخذ به بعضهم، لكن الجمهور على خلافه. وقال في شرحه الكبير: وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام. قال ابن القيم: والصواب أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة، لأنه إنما فضل ليومي النحر وعرفة، وعشر رمضان إنما فضل بلية القدر اه. قلت: ونقل الرحمتي عن بعضهم ما يفيد التوفيق، وهو أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان، وليالي الثاني أفضل من ليالي الأول، لان أفضل ما في الثاني ليلة القدر وبها ازداد شرفه، وازدياد شرف الأول بيوم عرفة اه. وهذا مع ما مر عن ابن القيم كالصريح في أفضلية ليلة القدر على ليلة النحر، ويلزم منه تفضيلها على ليلة الجمعة لما مر عن النهر من تفضيل ليلة النحر على ليلة الجمعة. ولا يرد على هذا حديث مسلم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة لان الكلام في ليلتها لا في يومها، وقد ذكر الشارح في آخر باب الجمعة عن التاترخانية أن يومها أفضل من ليلتها: أي لان فضيلة ليلتها لصلاة الجمعة، وهي في اليوم. تنبيه: في المعراج: وقد صح عن رسول الله (ص) أنه قال: أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة ذكره في تجريد الصحاح بعلامة الموطأ اه. وسيأتي الكلام عليه
562 آخر الحج. ونقل ط عن بعض الشافعية: أن أفضل الليالي ليلة مولده (ص)، ثم ليلة القدر، ثم ليلة الاسراء والمعراج، ثم ليلة عرفة، ثم ليلة الجمعة، ثم ليلة النصف من شعبان، ثم ليلة العيد. قوله: (وصلى الفجر بغلس) أي ظلمة فأول وقتها، ولا يسن ذلك عندنا إلا هنا، وكذا يوم عرفة في منى على ما مر عن الخانية، وقدمنا أن الأكثر على خلافه. قوله: (لأجل الوقوف) أي لأجل امتداد. مطلب في الوقوف بمزدلفة قوله: (ثم وقف) هذا الوقف واجب عندنا لا سنة، والبيتوتة بمزدلفة سنة مؤكدة إلى الفجر لا واجبة، خلافا للشافعي فيهما كما في اللباب وشرحه. قوله: (ووقته الخ) أي وقت جوازه. قال في اللباب: أول وقته طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وآخره طلوع الشمس منه، فمن وقف بها قبل طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لا يعتد به، وقدر الواجب منه ساعة ولو لطيفة، وقدر السنة امتداد الوقوف إلى الاسفار جدا، وأما ركنه فكينونته بمزدلفة سواء كان بفعل نفسه أو فعل غيره بأن يكون محمولا بأمره أو بغير أمره، وهو نائم مغمى عليه أو مجنون أو سكران، نواه أو لم ينو، علم، بها أو لم يعلم. لباب. قوله: (كرحمة) عبارة اللباب: إلا إذا كان لعلة أو ضعف، أو يكون امرأة تخاف الزحام فلا شئ عليه اه لكن قال في البحر: ولم يقيد في المحيط خوف الزحام بالمرأة، بل أطلقه فشمل الرجل اه. قلت: وهو شامل لخوف الزحمة عند الرومي، فمقتضاه أنه لو دفع ليلا ليرمي قبل دفع الناس وزحمتهم لا شئ عليه، لكن لا شك أن الزحمة عند الرمي وفي الطريق قبل الوصول إليه أمر محقق في زماننا، فيلزم منه سقوط واجب الوقوف بمزلفة، فالأولى تقييد خوف الزحمة بالمرأة، ويحمل اطلاق المحيط عليه لكون ذلك عذرا ظاهرا في حقها يسقط به الواجب، بخلاف الرجل، أو يحمل على ما إذا خاف الزحمة لنحو مرض، ولذا قال في السراج: إلا إذا كانت به علة أو مرض أو ضعف فخاف الزحام فدفع ليلا فلا شئ عليه اه. لكن قد يقال: إن غيره من مناسك الحج لا يخلو من الزحمة، وقد صرحوا بأنه لو أفاض من عرفات لخوف الزحام وجاوز حدودها قبل الغروب لزمه دم ما لم يعد قبله وكذا لو ند بعيره فتبعه كما صرح به في الفتح، على أنه يمكنه الاحتراز عن الزحمة بالوقف بعد الفجر لحظة فيحصل الواجب ويدفع قبل دفع الناس، وفيه ترك مد الوقوف المسنون لخوف الزحمة، وهو أسهل من ترك الواجب الذي قيل بأنه ركن. وقد يجاب بأن خوف الزحام لنحو عجز ومرض إنما جعلوه عذرا هنا لحديث أنه (ص): قدم ضعفة أهله بليل ولم يجعل عذرا في عرفات لما فيه من إظهار مخالفة المشركين فإنهم كانوا يدفعون قبل الغروب، فليتأمل. قوله: (لا شئ عليه) وكذا كل واجب إذا تركه بعذر لا شئ عليه كما في البحر: أي بخلاف فعل المحظور لعذر كلبس المخيط ونحوه، فإن العذر لا يسقط كما سيأتي في الجنايات، وبه سقط ما أورده في الشرنبلالية بقوله: لكن يرد عليه ما نص الشارع بقوله: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) * (البقرة: 691) اه. نعم يرد ما قدمناه آنفا ن الفتح من أنه لو جاوز عرفات قبل الغروب لند بعيره أو لخوف الزحمة لزمه دم، وقد يجاب بما سيأتي عن شرح اللباب في الجنايات عند قول اللباب. ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصار فعليه دم من أن هذا عذر من جانب المخلوق فلا
563 يؤثر اه. لكن يرد عليه جعلهم خوف الزحمة هنا عذرا في ترك الوقوف بمزدلفة وعلمت جوابه، فتأمل قوله: (ودعا) رافعا يديه إلى السماء. ط عن الهندية. قوله: (وإذا أسفر جدا) فاعل أسفر اليوم أو الصبح، وفاعله مما لا يذكر. ذكره قرا حصاري. قال الحموي: ولم أقف على أنه مما لا يذكر في شئ من كتب النحو واللغة، وفسر الامام الاسفار بحيث لا يبقى إلى طلوع الشمس إلا مقدار ما يصلي ركعتين، وإن دفع بعد طلوع الشمس أو قبل أن يصلي الناس الفجر فقد أساء ولا شئ عليه. هندية ط. وما وقع في نسخ القدوري: وإذا طلعت الشمس أفاض الإمام قال في الهداية: إنه غلط، لان النبي (ص) دفع قبل طلوع الشمس، وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (فإذا بلغ بطن محسر) أي أول واديه. شرح اللباب. وفي البحر: وادي محسر موضع فاضل بين منى ومزدلفة، ليس من واحدة منهما. قال الأزرقي: وهو خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعا اه. قوله: (لأنه موقف النصارى) هم أصحاب الفيل. ح عن الشرنبلالية. مطلب في رمي جمرة العقبة قوله: (ورمي جمرة العقبة) هي ثالث الجمرات على حد منى من جهة مكة وليست من منى، ويقال لها الجمرة الكبرى والجمرة الأخيرة. قهستاني ولا يرمي يومئذ غيرها ولا يقوم عندها حتى يأتي منزله. ولوالجية. قوله: (ويكره تنزيها من فوق) أي فيجزيه لان ما حولها موضع النسك، كذا في الهداية إلا أنه خلاف السنة، ففعله عليه الصلاة والسلام من أسفلها سنة لا لأنه المتعين، ولذا ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها ولم يأمروهم بالإعادة، وكأن وجه اختياره عليه الصلاة والسلام لذلك هو وجه اختياره حصى الحذف، فإنه يتوقع الأذى إذا رموها من أعلاها لمن أسفلها، فإنه لا يخلو من مرو الناس فيصيبهم، بخلاف الرمي من أسفل مع المارين من فوقها إن كان، كذا في الفتح. ومقتضاه أن المراد الرمي من فوق إلى أسفل لا في موضع وقوف الرامي فوق، ومقتضى تعليل الهداية بأن ما حولها موضع نسك، أن المراد الثاني إلا أن يؤول كما أفاد الفضلاء بأن المراد موضع وقوف الناسك لا موضع وقوع الحصى. قوله: (سبعا) أي سبع رميات بسبع حصيات، فلو رماها دفعة واحدة كان عن واحدة. نهر. قوله: (خذفا) نصب على المصدر. شرنبلالية. فهو مفعول مطلق لبيان النوع، لان الحذف نوع من الرمي وهو رمي الحصاة بالأصابع كما أشار إليه الشارح. قوله: (بمعجمتين) يقال الحذف بالعصا والحذف بالحصى، فالأول بالحاء المهملة والثاني بالمعجمة.. شرح النقاية للقاري. قوله: (أي برؤوس الأصابع) قيل كيفية الرمي أن يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبابة، ويضع الحصاة على ظاهر الابهام كأنه عاقد سبعين فيرميها، وقيل أن يلحق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة. وقيل يأخذها بطرفي إبهامه وسبابته، وهذا هو الأصح لأنه الأسر المعتاد. فتح. وكذا صححه في النهاية والوالوجية وهو مراد الشارح. فافهم. والخلاف في الأولوية والمختار فافهم أنها مقدار الباقلاء. لباب: أي قدر الفولة، وقيل قدر الحمصة أو النواة أو الأنملة. قال في النهر: وهذا بيان المندوب. وأما الجواز فيكون ولو بالأكبر مع الكراهة. قوله: (ويكون بينهما) أي بين الرمي والجمرة، ويجعل منى عن يمينه والكعبة
564 عن يساره. لباب. قوله: (خمسة أذرع) أي أو أكثر، ويكره الأقل. لباب. لان ما دونه وضع فلا يجوز، أو طرح فيجوز، لكنه مسئ لمخالفته السنة. قهستاني. قوله: (وإلا) أي وإن لم تقع من على ظهره بنفسها بل بحرك الرحل أو الجمل أو وقعت بنفسها لكن بعيدا من الجمرة ح. قوله: (لا) قال في الهداية: لأنه لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص اه. وفي اللباب: ولو وقعت على الشاخص: أي أطراف الميل الذي هو علامة للجمرة أجزأه، ولو على قبة الشاخص ولم تنزل عنه أنه لا يجزيه للبعد، وإن لم يدر أنها وقعت في المرمى بنفسها أو بنفض من وقعت عليه وتحريكه ففيه اختلاف، والاحتياط أن يعيده، وكذا لو رمى وشك في وقوعها موقعها فالاحتياط أن يعيد. قوله: (وثلاثة أذرع الخ) أي بين الحصاة والجمرة، وهذا بيان لما أجمله بقوله: بقرب الجمرة لكن قدر القرب في الفتح بذراع ونحوه. قال: ومنهم من لم يقدره اعتمادا على اعتبار القرب عرفا وضده البعد. قوله: (وكبر بكل حصاة) ظاهر الرواية الاقتصار على الله أكبر غير أنه روى عن الحسن بن زياد أنه يقول: الله أكبر رغما للشيطان وحزبه، وقيل يقول أيضا: اللهم اجعل حجي مبرورا، وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا. فتح. قوله: (وقطع التلبية بأولها) أي في الحج الصحيح والفاسد مفردا أو متمتعا أو قارنا، وقيل لا يقطعها إلا بعد الزوال ولو حلق قبل الرمي أو طاف قبل الرمي والحلق والذبح قطعها، وإن لم يرم حتى زالت الشمس لم يقطعها حتى يرمي إلا أن تغيب الشمس. ولو ذبح قبل الرمي فإن كان قارنا أو متمتعا قطع، ولو مفردا لا. لباب، وقيد بالمحرم بالحج لان المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الحجر لان الطواف ركن العمرة فيقطع التلبية قبل الشروع فيها، وكذا فائت الحج لأنه يتحلل بعمرة فصار كالمعتمر، والمحصر يقطعها إذا ذبح هديه لان الذبح للتحلل، والقارن إذا فاته الحج يقطع حين يأخذ بالطواف الثاني لأنه يتحلل بعده. بحر. قوله: (جاز) أي ويكره. لباب. قوله: (لا لو رمى بالأقل) لأنه إذا ترك أكثر السبع لزمه دم كما لو لم يرم أصلا، وإن ترك أقل منه كثلاث فما دونها فعليه لكل حصاة صدقة كما سيأتي في الجنايات. تنبيه: لا يشترط الموالاة بين الرميات بل يسن فيكره تركها. لباب. قوله: (بكل ما كان من جنس الأرض) كذا في الهداية. واعترضه الشراع بالفيروزج والياقوت فإنهما من أجزاء الأرض حتى جاز التيمم بهما، ومع ذلك لا يجوز الرمي بهما، وأجاب في العناية تبعا للنهاية بأن الجواز مشروط بالاستهانة برميه، وذلك لا يحصل برميهما اه. وحاصله أن هذا الشرط مخصص لعموم كلام الهداية، فيخرج منه نحو الفيروزج والياقوت، لكن قال في التاترخانية: إن هذه الرواية: أي رواية اشتراط الاستهانة مخالفة لما ذكر في المحيط، وكذا قال في الفتح وأجازه بعضهم بناء على نفي ذلك الاشتراط، وممن ذكر جوازه الفارسي في مناسكه اه. ومفاد كلامه ترجيح الجواز وإبقاء كلام الهداية على عمومه، ولذا اعترض في السعدية على ما في العناية بما في غاية السروجي وشرح الزيلعي من أنه يجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض كالحجر والمدر والطين والمغرة والنورة والزرنيخ والأحجار النفيسة كالياقوت والزمرد
565 والبلخش ونحوها، والملح الجبلي والكحل أو قبضة من تراب، وبالزبرجد والبلور والعقيق والفيروزج، بخلاف الخشب والعنبر واللؤلؤ والذهب والفضة والجواهر، أما الخشب واللؤلؤ والجواهر وهي كبار اللؤلؤ والعنبر فإنها ليست من أجزاء الأرض. وأما الذهب والفضة فإن فعلهما يسمى نثارا لا رميا اه. قوله: (والمدر) أي قطع الطين اليابس. قوله: (والمغرة) طين أحمر يصبغ به. قوله: (ولؤلؤ كبار) قيد به تبعا للنهر، لان الكبار هي التي يتأتى بها الرمي، وإلا فالصغار لا يجوز بها الرمي أيضا لتعليلهم بأنها ليست من أجزاء الأرض. أفاده أبو السعود. قوله: (وجواهر) علمت مما مر عن الغاية أنها كبار اللؤلؤ، وعليه كان المناسب أسقاط قوله: كبار ويكون كلام المصنف جاريا على ما في الهداية والمحيط من جواز الرمي بالفيروزج والياقوت لكن لا يناسبه تعليل الشارح، فالأولى تفسير الجواهر بالأحجار النفيسة ليوافق تقييد المصنف اللؤلؤ بالكبار وتعليل الشارح. وقوله: وقيل يجوز إشارة إلى ما مر عن الهداية والمحيط، وقد علمت أن السروجي والزيلعي والفارسي مشوا عليه. قوله: (لأنه يسمى نثارا لا رميا) قال في الفتح: فلم يجز لانتفاء اسم الرمي، ولا يخفى أنه يصدق عليه اسم الرمي مع كونه يسمى نثارا، فغاية ما فيه أنه رمي خص باسم آخر باعتبار خصوص متعلقه، ولا تأثير لذلك في سقوط اسم الرمي عنه، ولا صورته. ثم قال: والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي أو مع الاستهانة أو خصوص ما وقع منه (ص)، والأول يستلزم الجواب الجواهر، والثاني بالعبرة والخشبة التي لا قيمة لها، والثالث بالحجر خصوصا، فليكن هذا أعم لكونه أسلم اه. قلت: قد يجاب بأن المأثور كون الرمي لرغم الشيطان، وما وقع منه (ص) من الرمي بالحصا، أفاد بطريق الدلالة جوازه بكل ما كان من جنس الأرض، فاعتبر كل من الثاني والثالث معا دون الأول، فلم يجز بالبعرة والخشبة ولا بالفضة والذهب، لكن هذا يستلزم عدم الجواز بالفيروزج والياقوت أيضا، وبه يترجح قول الآخر فتدبر. قوله: (خلاف المذهب) ولذا قال في المبسوط: وبعض المتقشفة يقولون: لو رمى بالبعرة أجزأه لان المقصود إهانة الشيطان وذا يحصل بالبعرة، ولسنا نقول بهذا. شرح لباب. قال في الفتح: على أن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها. قوله: (ويكره أخذها من عند الجمرة) وما هي إلا كراهة تنزيه. فتح. أشار إلى أنه يجوز أخذه من أي موضع سواه. وفي اللباب: يستحب أن يرفع من مزدلفة سبع حصيات ويرمي بها جمرة العقبة وإن رفع من المزدلفة سبعين أو من الطريق فهو جائز، وقيل مستحب اه. قال شارحه: لكن قال الكرماني: وهذا خلاف السنة وليس مذهبنا، وأما ما في البدائع وغيرها من أنه يأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من الطريق فينبغي حمله على الجمار السبعة، وكذا ما في الظهيرية من أنه يستحب التقاطها من قوارع الطريق اه. والحاصل أن التقاط ما عدا السبعة ليس له محل مخصوص عندنا. قوله: (لأنها مردودة) أي
566 فيتشاءم بها. سراج. قوله: (لحديث الخ) أي ما رواه الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله هذه الجمار التي نرمي بها كل عام فنحسب أنها تنقص، فقال: إن ما يقبل منها رفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال شرح النقاية للقاري. وفي الفتح عن سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل عليه السلام ولم تصر هضابا: أي تلألأ تسد الأفق؟ فقال: أما علمت أن من يقبل حجه يرفع حصاه اه. قال في السعدية: لك أن تقول أهل الجاهلية كانوا على الاشراك ولا يقبل عمل لمشرك اه. وأجيب بأن الكفار قد تقبل عبادتهم ليجازوا عليها في الدنيا. قال ط: ويؤيده ما رواه أحمد ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه (ص) قال: أن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا اه. قلت: لكن قد يدعي تخصيص ذلك بأفعال البر دون العبادات المشروطة بالنية، فإن النية شرطها الاسلام، إلا أن يقال: إن هذا شرط في شريعتنا فقط. تأمل. قوله: (بيقين) أما بدون تيقن فلا يكره لان الأصل الطهارة، لكن يندب غسلها لتكون طهارتها متيقنة كما ذكره في البحر وغيره. قوله: (ووقته) أي وقت جوازه أداء من الفجر: أي فجر النحر إلى فجر اليوم الثاني. قال في البحر: حتى لو أخره حتى طلع الفجر في اليوم الثاني لزمه دم عنده خلافا لهما، ولو رمى قبل طلوع فجر النحر لم يصح اتفاقا. قوله: (ويسن) كذا عبر في مجمع الروايات عن المحيط ووافقه في النهر، وعبر العين بالاستحباب. رملي. قوله: (ذكاء) من أسماء الشمس. قوله: (ويباح لغروبها) أي من الزوال إلى الغروب، وجعله في الظهيرية من المكروه، والأكثرون على الأول. بحر. قوله: (ويكره للفجر) أي من الغروب إلى الفجر، وكذا يكره قبل طلوع الشمس. بحر. وهذا عدم العذر، فلا إساءة برمي الضعفة قبل الشمس ولا برمي الرعاة ليلا كما في الفتح. قوله: (لأنه مفرد) تعليل لما استفيد من التخيير بقوله: أن شاء الله والذبح له أفضل ويجب على القارن والمتمتع ط. وأما الأضحية فإن كان مسافرا فلا يجب عليه، وإلا كالمكي فتجب كما في البحر. قوله: (ثم قصر) أي أو حلق كما دل عليه قوله: وحلقه أفضل. قال في اللباب: ويستحب بعده: أي بعد الحلق أو التقصير أخذ الشارب وقص الظفر، ولو قص أظفاره أو شاربه أو لحيته أو طيب قبل الحلق عليه موجب جنايته، وتمام تحقيقه في شرحه. قوله: (بأن يأخذ الخ) قال في البحر: والمراد بالتقصير أن يأخذ الرجل والمرأة من رؤوس شعر ربع الرأس مدار الأنملة، كذا ذكره الزيلعي، ومراده أن يأخذ منكل شعرة مقدار الأنملة كما صرح به في المحيط. وفي البدائع قالوا: يجب أن يزيد في التقصير على قدر الأنملة حتى يستوفى قدر الأنملة من كل شعرة برأسه، لان أطراف الشعر غير متساوية عادة. قال الحلبي في مناسكه: وهو حسن اه. وفي الشرنبلالية: يظهر لي أن المراد بكل شعرة: أي من شعر الربع على وجه اللزوم ومن الكل على سبيل الأولوية، فلا مخالفة في الاجزاء لان الربع كالكل كما في الحلق اه. فقول الشارح: من كل شعرة أي من الربع لا من الكل، وإلا ناقض ما بعده، وقوله:
567 وجوبا قيد لقدر الأنملة فلا يتكرر مع قوله: والربع واجب والأنملة بفتح الهمزة والميم وضم الميم لغة مشهورة، ومن خطأ راويها فقط أخطأ: واحدة الأنامل. بحر. وفي تهذيب اللغات للنووي: الأنامل أطراف الأصابع، وقال أبو عمر الشيباني والسجستاني والجرمي: كل أصبع ثلاث إنملات. قوله: (ويجب إجراء الموسى على الأقرع) هو المختار كما في الزيلعي والبحر واللباب وغيرها وقيل استحبابا. قال في شرح اللباب: وقيل استنانا وهو الأظهر اه. قوله: (وإلا سقط) أي وإن لم يمكن إجراء الموسى عليه ولا يصل إلى تقصيره سقط عنه وحل بمنزلة من حلق، والأحسن له أن يؤخر الاحلال إلى آخر الوقت من أيام النحر، ولا شئ عليه إن لم يؤخر ولو لم يكن به قروح، لكنه خرج إلى البادية فلم يجد آلة أو من يحلقه لا يجزئه إلا الحلق أو التقصير، وليس هذا بعذر. فتح. لان إصابة الآلة مرجوة في كل ساعة بخلاف برء القروح، ولان الإزالة لا تختص بالموسى. أفاده في البحر. قوله: (ومتى تعذر أحدهما) أي الحلق والتقصير. قال ط: والأحسن تأخير هذه الجملة عن قوله وحلقه أفضل اه. قوله: (فلو لبده الخ) مثال لتعذر التقصير، ومثله ما لو كان الشعر قصيرا فيتعين الحلق، وكذا لو كان معقوصا أو مضفورا كما عزى إلى المبسوط. ووجهه أنه إذا نقضه تناثر بعض الشعر، فيكون جناية على إحرامه قبل أن يحل منه فيتعين الحلق، لكن قد يقال: إن هذا التناثر غير جناية، لأنه في وقت جواز إزالة الشعر بحلق أو غيره، ولو نتفا منه أو من غيره كما يأتي فبقي ما في المبسوط مشكلا. تأمل. ومثال تعذر الحلق يمنع إمكان التقصير أن يفقد آلة الحلق أو من يحلقه أو يضره الحلق لنحو صداع أو قروح برأسه، وتقدم مثال تعذرهما جميعا في الأقرع وذي قروح شعره قصير. قوله: (وحلقه أفضل) أي هو مسنون، وهذا في حق الرجل، ويكره للمرأة لأنه مثله في حقها كحلق الرجل لحيته، وأشار إلى أنه لو اقتصر على حلق الربع جاز كما في التقصير، لكن مع الكراهة لتركه السنة، فإن السنة حلق جميع رأسه أو تقصير جميعه كما في شرح اللباب والقهستاني. قال في النهر: وإطلاقه: أي إطلاق قول الكنز: والحلق أحب، يفيد أن حلق النصف أولى من التقصير ولم أره اه. قلت: إن أراد أولى من تقصير الكل فهو ممنوع لما علمت أمن تقصير النصف أو الربع فهو ممكن. تنبيه: هذا في غير المحصر، أما المحصر فلا حق عليه كما سيأتي. بدائع. قوله: (بنحو نورة) كحلق ونتف، وكذا لو قاتل غيره فنتفه أجزأ عن الحلق قصدا. فتح. تنبيه: قالوا يندب البداءة بيمين الحالق لا المحلوق، إلا أن ما في الصحيحين يفيد العكس، وذلك أنه (ص) قال للحلاق: خذ وأشار إلى الجنب الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس قال في الفتح: وهو الصواب وإن كان خلاف المذهب اه. وأقول: يوافقه ما في الملتقط عن الامام: حلقت رأسي فخطأني الحلاق في ثلاثة أشياء: لما أن جلست قال استقبل القبلة وناولته الجانب الأيسر فقال: ابدأ بالأيمن، فلما أردت أن أذهب قال:
568 ادفن شعرك فرجعت ودفنته اه. نهر. أي فهذا يفيد رجوع الامام إلى قول الحجام، ولذا قال في اللباب: هو المختار. قال في شارحه: كما في منسك ابن العجمي والبحر، وقال في النخبة: وهو الصحيح، وقد روى رجوع الامام عما نقل عنه الأصحاب فصح تصحيح قوله الأخير واندفع ما هو المشهور عنه عند المشايخ وقال السروجي: وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق، وذكر كذلك بعض أصحابنا، ولم يعزه إلى أحد، والسنة أولى، وقد صح بداءة رسول الله (ص) بشق رأسه الكريم من الجانب الأيمن وليس لأحد بعده كلام، وقد أخذ الامام بقول الحجام ولم ينكره، ولو كان مذهبه خلافه لما وافقه اه ملخصا، ومثله في المعراج وغاية البيان. قوله: (وحل له كل شئ) أي من محظورات الاحرام كلبس المخيط وقص الأظفار ط. وأفاد أنه لا يحل له بالرمي قبل الحلق شئ، وهو المذهب عندنا كما في شرح اللباب للقاري عن الفارسي، وفي شرحه على النقاية: والرمي غير محلل من الاحرام عندنا في المشهور، ومحلل عند مالك والشافعي، وفي غير المشهور عندنا فقد نص على التحلل بالرمي عندنا في شرح المبسوط لخواهر زاده. وفي شرح الجامع الصغير لقاضيخان بقوله: وبعد الرمي قبل الحلق حل له كل شئ إلا النساء والطيب. وعن أبي يوسف أنه يحل له الطيب أيضا اه. قوله: (إلا النساء) أي جماعهن ودواعيه. قوله: (قيل والطيب والصيد) تبع في ذلك صاحب النهر، فقد عزا إلى الخانية استثناء النساء والطيب، وإلى أبي الليث استثناء الصيد، وهو غير صحيح، فإن قاضيخان قال في فتاواه: فإذا حلق أو قصر حل له كل شئ إلا النساء، وبعد الرمي قبل الحلق: يحل له كل شئ إلا الطيب والنساء الخ، ومثله ما قدمناه عنه في شرحه على الجامع الصغير، فقد استثنى الطيب من الاحلال بالرمي لا من الاحلال بالحلق، وهو مبني على خلاف المشهور كما علمته آنفا، وقد ذكر الشرنبلالي عبارة الخانية ثم قال: وبهذا يعلم بطلان ما ينسب لقاضيخان من أن الحلق لا يحل به الطيب اه. قلت: ويؤيده قوله في البدائع: وأما حكم الحلق فهو صيرورته حلالا يباح له جميع ما حظر عليه إلا النساء، وهذا قول أصحابنا. وقال مالك: إلا النساء والطيب. وقال الليث: إلا النساء والصيد اه. ومثله في المعراج والسراج وغاية البيان، فقد عزوا الأول إلى الامام مالك فقط، والثاني إلى الليث بن سعد أحد الأئمة المجتهدين، فما في النهر من عزوه إلى أبي الليث وهو السمرقندي أحد مشايخ مذهبنا فهو تصحيف، فافهم. مطلب في طواف الزيارة قوله: (ثم طاف للزيارة) أي لفعل طواف الزيارة الذي هو ثاني ركني الحج. قال في السراج: ويسمى الإفاضة وطواف يوم النحر والطواف المفروض اه. وشرائط صحته: الاسلام وتقديم الاحرام، والوقوف، والنية، وإتيان أكثره، والزمان وهو يوم النحر وما بعده، والمكان وهو حول البيت داخل المسجد، وكونه بنفسه ولو محمولا فلا تجوز النيابة إلا لمغمى عليه. وواجباته: المشي للقادر، والتيامن، وإتمام السبعة، والطهارة عن الحدث، وستر العورة، وفعله في أيام النحر. وأما الترتيب بينه وبين الرمي والحلق فسنة ولا مفسد له ولا فوات قبل الممات، ولا يجزي عنه البدل إلا إذا مات بعد الوقوف بعرفة وأوصى بإتمام الحج تجب
569 البدنة لطواف الزيارة وجاز حجه. لباب. قوله: (سبعة) أي سبعة أشواطكما مر بيانه. قوله: (بيان للأكمل) أي الطواف الكامل المشتمل على الركن والواجب، نبه على ذلك لئلا يتوهم أن السبعة ركن كما يقوله الأئمة الثلاثة، وإن وافقهم المحقق ابن الهمام بحثا فإنه خلاف المذهب فلا يتابع عليه. قوله: (إن كان سعى قبل) لم يقل إن كان رمل وسعى قبل إشارة إلى أنه لو كان سعى قبل ولم يرمل لا يرمل هنا، لان الرمل إنما يشرع في طواف بعده سعي كما مر: ولا سعي هاهنا كما في العناية، وكذا في اللباب وفيه: وأما الاضطباع فساقط مطلقا في هذا الطواف اه. سواء سعى قبله أو لا. قوله: (وإلا فعلهما) أي وإن لم يكن سعى قبل رمل وسعى وإن رمل قهستاني: أي لان رمله السابق بلا سعي غير مشروع كما علمته فلا يعتبر. تنبيه: قال الخير الرملي: ولو لم يفعلهما في طواف القدوم وطواف الزيارة فعلهما في طواف الصدر لان السعي غير مؤقت كما سيصرح به في الجنايات، وصرحوا بأن الرمل بعد كل طواف يعقبه سعي، فيه يعلم أنه يأتي بهما في الصدر لو لم يقدمهما، ولم أره صريحا وإن علم من إطلاقهم. قوله: (لان تكرارهما) علة لقوله: بلا رمل وسعي الخ ط. تنبيه: قال في الشرنبلالية: قدمنا أن الأفضل تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، وكذلك الرمل ليصيرا تبعا للفرض دون السنة كما في البحر، وقدمنا أيضا أنه لا يعتد بالسعي بعد طواف القدوم إلا أن يكون في أشهر الحج، فليتنبه له فإنه مهم اه. قلت: وكذا لا يعتد بالسعي إلا بعد طواف كامل، فلو طاف للقدوم جنبا أو محدثا، ورمل فيه وسعى بعده فعليه إعادتهما في الحد ث ندبا وفي الجنابة إعادة السعي حتما، والرمل سنة. لباب. قوله: (بعد طلوع الفجر) فلا يصح قبله. لباب. قوله: (ويمتد وقته) أي وقت صحته إلى آخر العمر، فلو مات قبل فعله فقد ذكر بعض المحدثين عن شرح اللباب للقاضي محمد عيد عن البحر العميق أنهم قالوا: إن عليه الوصية ببدنة لأنه جاء العذر من قبل من الأحق وإن كان آثما بالتأخير اه تأمل. قوله: (وحل له النساء) أي بعد الركن منه وهو أربعة أشواط. بحر. ولو لم يطف أصلا لا يحل له النساء وإن طال ومضت سنون بإجماع، كذا في الهندية ط. قوله: (بالحلق السابق) أي لا بالطواف لان الحلق هو المحلل دون الطواف غير أنه أخر عمله في حق النساء إلى ما بعد الطواف، فإذا طاف عمل الحلق عمله كالطلاق الرجعي آخر عمله الإبانة إلى انقضاء العدة لحاجته إلى الاسترداد. زيلعي. فتسمية بعضهم الطواف محللا آخر مجاز باعتبار أنه شرط، فافهم. قوله: (قبل الحلق) أي ولو بعد الرمي على المشهور عندنا كما مر تقريره. قوله: (كان جناية) أي ولو قصد به التحليل ط. قوله: (لأنه لا يخرج الخ) تصريح بما فهم من التفريع لقصد الرد على القول بأن الرمي محلل كما مر.
570 قوله: (ولياليها منها) مبتدأ وخبر، والمراد بليلة كل يوم من أيام النحر الليلة التي تعقب ذلك اليوم في الوجود كما أن ليلة يوم عرفة الليلة التي تعقبه في الوجود ح. قلت: وهذا على إطلاقه ظاهر في حق الرمي، فإنه إذا لم يرم نهارا من أيام النحر يرمي في الليلة التي تعقب ذلك، ويقع أداء بخلاف ما إذا أخره إلى النهار الثاني فإنه يقع قضاء ويلزمه دم كما سنذكره، وأما في حق الطواف فالمراد به الليالي المتخللة بين أيام النحر، لأنه إذا غربت الشمس من اليوم الثالث الذي هو آخر أيام النحر ولم يطف لزمه دم، كما يأتي في مسألة الحائض، فالليلة التي تعقب الثالث ليست تابعة له في حق الطواف، وإلا لكان فيها أداء بلا لزوم دم كما في الرمي، فتدبر. قوله: (كره تحريما الخ) أي ولو أخره إلى اليوم الرابع الذي هو آخر أيام التشريق وهو الصحيح كما في الغاية وإيضاح الطريق. وفي بعض الحواشي وبه يفتي، وهو المذكور في المبسوط وقاضيخان والكافي والبدائع وغيرها، خلافا لما ذكره القدوري في شرح مختصر الكرخي من أن آخره آخر أيام التشريق، وتبعه الكرماني وصاحب المنافع والمستصفى. شرح اللباب. تنبيه: في السراج، وكذلك إن أخر الحلق عن أيام النحر لزمه دم أيضا عند أبي حنيفة، لان الحلق يختص عنده بزمان وهو أيام النحر، وبمكان وهو الحرم. قوله: (وهذا) أي الكراهة ووجوب الدم بالتأخير ط. قوله: (إن قدر أربعة أشواط) أي إن بقي إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام النحر ما يسع طواف أربعة أشواط، والظاهر أنه يشترط مع ذلك زمن يسع خلع ثيابها واغتسالها ويراجع اه ح. وعلى قياس بحثه ينبغي أن يشترط زمن قطع المسافة إن لو كانت في بيتها ط. قلت: وبالأخير صرح في شرح اللباب، وذلك كله مفهوم من قول البحر عن المحيط: إذا ظهرت في آخر أيام النحر فإن أمكنها الطواف قبل الغروب ولم تفعل فعليها دم للتأخير، وإن لم يمكنها طواف أربعة أشواط فلا شئ عليها اه. فإن إمكان الطواف لا يكون إلا بعد الاغتسال وقطع المسافة. وفي البحر أيضا: ولو حاضت بعد ما قدرت على الطواف فلم تطف حتى مضى الوقت لزمها الدم لأنها مقصرة بتفريطها اه: أي بعد ما قدرت على أربعة أشواط: زاد في اللباب: فقولهم لا شئ عليها لتأخير الطواف، مقيد بما إذا حاضت في وقت لم تقدر على أكثر الطواف أو حاضت قبل أيام النحر ولم تظهر إلا بعد مضيها، لكن إيجاب الدم فيما لو حاضت في وقته ما قدرت عليه مشكل (1). لأنه لا يلزمها فعله في أول الوقت، نعم يظهر ذلك فيما لو علمت وقت حيضها فأخرته عنه. تأمل. تنبيه: نقل بعض المحشين عن منسك ابن أمير حاج: لو هم الركب على القفول ولم تطهر فاستفتت هل تطوف أم لا؟ قالوا: يقال لها لا يحل لك دخول المسجد، وإن دخلت وطفت أثمت
(1) قوله: (مشكل) قال شيخنا: لا اشكال فيه إذ كثير من المسائل مماثلة لهذه المسألة، ومع ذلك صرحوا فيها بالاثم الا ترى إلى المسافر إذا أفطر ثم أقام يوسع عليه القضاء لكن إذا مات قبل القضاء يكون آثما لأنه بالموت تبين عدم التوسيع فكذلك هذه المسألة وأيضا قال أبو يوسف بتوسيع وجوب الحج، ومع ذلك قال باثم التارك له إلى الموت فلا تنافي بين التأثيم وبين التوسيع ا ه. 571 وصح طوافك وعليك ذبح بدنة. وهذه مسألة كثيرة الوقوع يتحير فيها النساء اه. وتقدم حكم طواف المتحيرة في باب الحيض، فراجعه. قوله: (ثم أتى منى) أي بعد ما صلى ركعتي الطواف وكان ينبغي التصريح به كما فعل صاحب الهداية وابن الكمال. شرنبلالية. تنبيه: ذكر في اللباب أنه يصلي الظهر بعد ما يرجع إلى منى وهو مروي في صحيح مسلم، لكن في الكتب الستة: أنه (ص) صلى الظهر بمكة ومال إليه في الفتح. وقال في شرح اللباب: إنه أظهر نقلا وعقلا وتمامه فيه. وأما صلاة الجمعة فقال في اللباب: ويجمع بمنى إذا كان فيه أمير مكة أو الحجاز أو الخليفة، وأما أمير الموسم فليس له ذلك إلا إذا استعمل على مكة اه. وأما صلاة العيد ففي شرح مناسك الكنز للمرشدي عن المحيط والذخيرة وغيرهما أنه لا يصليها بها، بخلاف الجمعة، وفي شرح المنية للحلبي أنه لا يصليها بها اتفاقا للاشتغال فيه بأمور الحج اه: أي لان وقت العيد وقت معظم أفعال الحج، بخلاف وقت الجمعة، ولان الجمعة لا تقع في ذلك اليوم إلا نادرا بخلاف العيد. قال في شرح اللباب: وأراد بالاتفاق الاجماع إذ لا خلاف في المسألة بين علماء الأمة اه. مطلب في حكم صلاة العيد والجمعة في منى وفي شرح الأشباه للبيري من كتاب الصيد أن منى موضع تجوز فيه صلاة العيد، إلا أنها سقطت عن الحاج، ولم نر في ذلك نقلا مع كثرة المراجعة ولا صلاة العيد بمكة يوم الأضحى، لأنا ومن أدركناه من المشايخ لم نصلها بمكة، والله تعالى أعلم ما السبب في ذلك اه. قلت: أما عدم صلاتها بمنى فقد علمت نقله، وأما بمكة فلعل سببه (1) أن من له إقامة العيد يكون بمنى حاجا، والله تعالى أعلم. قوله: (فيبيت بها للرمي) أي ليالي أيام الرمي هو السنة، فلو بات بغيرها كره ولا يلزمه شئ. لباب. قوله: (وبعد زوال ثاني النحر) قال في اللباب: ثم إذا كان اليوم الحادي عشر وهو ثاني أيام النحر خطب الامام خطبة واحدة بعد صلاة الظهر لا يجلس فيها كخطبة اليوم السابع يعلم الناس أحكام الرمي وما بقي من أمور المناسك، وهذه الخطبة سنة وتركها غفلة عظيمة اه. مطلب في رمي الجمرات الثلاث قوله: (يبدأ استنانا الخ) حاصله أن هذا الترتيب مسنون لا متعين، وبه صرح في المجمع وغيره، واختاره في الفتح. وقال في اللباب: والأكثر على أنه سنة، وعزاه شارحه إلى البدائع والكرماني والمحيط والسراجية. ونقل في البحر كلام المحيط ثم قال: وهو صريح في الخلاف وفي اختيار السنية اه وكذا اختاره أصحاب المتون في مسائل منثورة آخر الحج كما سيأتي، وما في النهر من أن صريح ما في المحيط اختيار التعيين فيه نظر، بل جعل التعيين رواية عن محمد، فتدبر. قال في اللباب: فلو بدأ بجمرة العقبة ثم بالوسطى ثم بالأولى، ثم تذكر ذلك في يومه فإنه يعيد الوسطى والعقبة حتما أو سنة، وكذا لو ترك الأولى ورمى الأخيرتين فإنه يرمي الأولى ويستقبل
(1) قوله: (فلعل سببه الخ) فيه ان هذا لا يصلح سببا للسقوط لأنه لا يجوز تأخيرها بعذر فكان يمكنه الاتيان بها في ثاني النحر بعد الذهاب إلى مكة ا ه. 572 الباقي، ولو رمى كل جمرة بثلاث أتم الأولى بأربع ثم أعاد الوسطى بسبع ثم القصوى بسبع، وإن رمى كل واحدة بأربع أتم كل واحدة بثلاث ثلاث ولا يعيد اه: أي لان للأكثر حكم الكل فكأنه رمى الثانية والثالثة بعد الأولى. قوله: (بما يلي مسجد الخيف) وحدها من باب مسجد الخيف الكبير إليها بذراع الحديث عدد 4521 وسدس ذراع منها إلى الجمرة الوسطى عدد 578 ومن الوسطى إلى جمرة العقبة عدد 802 كما نقله القسطلاني في شرح البخاري عن القرافي المالكي ونحوه في كتب الشافعية، فما في القهستاني سبق قلم، فافهم. قوله: (الوسطى) بدل من ما ح. قوله: (ويكبر بكل حصاة (1)) أي قائلا باسم الله الله أكبر كما مر. قوله: (قدر قراءة البقرة) زاد في اللباب أو ثلاثة أحزاب: أي ثلاثة أرباع من الجزء أو عشرين آية. قال شارحه: وهو أقل المواقيت، واختاره صاحب الحاوي والمضمرات. قوله: (بعد تمام كل رمي) لا عند كل حصاة. لباب. قوله: (فلا يقف بعد الثالثة) أي جمرة العقبة لأنها ليس بعدها رمي في كل يوم. قال في اللباب: والوقوف عند الأولين سنة في الأيام كلها، وقوله: ولا بعد رمي يوم النحر أتى فيه بالواو عطفا على ما ذكره في التفريع إشارة إلى ما في عبارة المتن من القصور. قوله: (ودعا) أتى فيه بالواو حذفا على ما ذكره في التفريع إشارة إلى ما في عبارة المتن من القصور. قوله: (ودعا) عطف على قوله: ووقف حامدا. قوله: (نحو السماء أو القبلة) حكاية لقولين، قال في شرح اللباب: يرفع يديه حذو منكبيه، ويجعل باطن كفيه نحو القبلة في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف: نحو السماء، واختاره قاضيخان وغيره، والظاهر الأول اه. قوله: (ثم رمى غدا) أي في اليوم الثالث من أيام النحر، وهو الملقب بيوم النفر الأول، فإنه يجوز له أن ينفر فيه بعد الرمي، واليوم الرابع آخر أيام التشريق يسمى يوم النفر الثاني. فتح. قوله: (كذلك) أي مثل الرمي في اليوم الذي قبله بمراعاة جميع ما ذكر فيه. قوله: (إن مكث) قيد في قوله: ثم بعده كذلك فقط لا في قوله: ثم غدا كذلك أيضا اه ح. قال في النهر: أي إن مكث إلى طلوع فجر الرابع في الظاهر، عن الامام وعنه إلى الغروب من اليوم الثالث. قوله: (وهو أحب) اقتداء به عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) * الآية، فالتخيير بين الفاضل والأفضل كالمسافر في رمضان حيث خير بين الصوم والافطار، والأول أفضل إن لم يضره اتفاقا. نهر. قوله: (جاز) أي صح عند الامام استحسانا مع الكراهة التنزيهية، وقال: لا يصح اعتبارا بسائر الأيام. نهر. قوله: (فإن وقت الرمي فيه) أي في اليوم الرابع من الفجر للغروب: أي غروب شمسه، ولا يتبعه ما بعده من الليل، بخلاف ما قبله من الأيام، والمراد وقت جوازه في الجملة، فإن ما قبل الزوال وقت مكروه، وما بعده مسنون، وبغروب الشمس من هذا
(1) قوله: (ويكبر بكل حصاة) ليست في نسخ الشارح التي بأيدينا هنا بل تقدمت في عبارة المصنف في قوله ورمي العقبة من بطن الوادي سبعا خذفا وكبر بكل حصاة. 573 اليوم يفوت وقت الأداء والقضاء اتفاقا. شرح اللباب. قوله: (فمن الزوال لطلوع ذكاء) أي إلى طلوع الشمس من اليوم الرابع، والمراد أنه وقت الجواز في الجملة قال في اللباب: وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر بعد الزوال، فلا يجوز قبله في المشهور. وقيل يجوز: والوقت المسنون فيما يمتد من الزوال إلى غروب الشمس، ومن الغروب إلى الطلوع وقت مكروه، وإذا طلع الفجر: أي فجر الرابع فقد فات وقت الأداء وبقي وقت القضاء إلى آخر أيام التشريق، فلو أخره عن وقته: أي المعين له في كل يوم فعليه القضاء والجزاء، ويفوت وقت القضاء بغروب الشمس في الرابع اه. ثم قال: ولو لم يرم يوم النحر أو الثاني أو الثالث رماه في الليلة المقبلة: أي الآتية لكل من الأيام الماضية، ولا شئ عليه سوى الإساءة ما لم يركن بعذر، ولو رمى ليلة الحادي عشر أو غيرها عن غدها لم يصح، لان الليالي في الحج في حكم الأيام الماضية لا المستقبلة، ولو لم يرم في الليل رماه في النهار قضاء وعليه الكفارة، ولو أخر رمي الأيام كلها إلى الرابع مثلا قضاها كلها فيه وعليه الجزاء، وإن لم يقض حتى غربت الشمس منه فات وقت القضاء، وليست هذه الليلة تابعة لما قبلها اه. والحاصل أنه لو أخر الرمي في غير اليوم الرابع يرمى في الليلة التي تلي ذلك اليوم أخر رمية وكان أداء لأنها تابعة له، وكره لتركه السنة، وإن أخره إلى اليوم الثاني كان قضاء ولزمه الجزاء، وكذا لو أخر الكل إلى الربع ما لم تغرب شمسه، فلو غربت سقط الرمي ولزمه دم، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح تبعا للبحر، وغيره من أن انتهاءه إلى طلوع الشمس ليس بيانا لوقت الأداء فقط، بل يشمل وقت القضاء، لان ما بعد فجر الرابع وقت لرمي الرابع أداء، ولرمي غيره من الأيام الثلاثة قضاء فافهم. قوله: (وله النفر) بسكون الفاء: أي الرجوع. سراج. قوله: (قبل طلوع فجر الرابع) ولكن ينفر قبل غروب الشمس: أي شمس الثالث، فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له أن ينفر حتى يرمي في الرابع، ولو نفر من الليل قبل فجر الرابع لا شئ عليه وقد أساء، وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب، فإن نفر لزمه دم، ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي لزمه الدم اتفاقا. لباب. ولا فرق في ذلك بين المكي والآفاقي كما في البحر. قوله: (وجاز الرمي راكب الخ) عبارة الملتقى أخصر، وهي: وجاز الرمي راكبا، وغير راكب أفضل في جمرة العقبة اه. وفي اللباب: والأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبا وغيرها ماشيا في جميع أيام الرمي اه. وقوله: لأنه يقف أي للدعاء بعد رمي الأوليين في الأيام الثلاثة، بخلاف العقبة في اليوم الأول وفي الثلاثة بعده، فإنه لا دعاء بعدها، والضابط أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشيا وهو كل رمي بعده رمي كما مر، وما لا فلا، ثم هذا التفصيل قول أبي يوسف، وله حكاية مشهورة ذكرها ط وغيره، وهو مختار كثير من المشايخ كصاحب الهداية والكافي والبدائع وغيرهم. وأما قولهما فذكر في البحر أن
574 الأفضل الركوب في الكل على ما في الخانية والمشي في الكل على ما في الظهيرية، وقال: فتحصل أن في المسألة ثلاثة أقوال. قوله: (ورجحه الكمال) أي بأن أداها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع، وخصوصا في هذا الزمان، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة، ورميه عليه الصلاة والسلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدي به كطوافه راكبا اه. قال في البحر: ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة في اليوم الأخير لكان له وجه، لأنه ذاهب إلى مكة في هذه الساعة كما والعادة، وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له عليه الصلاة والسلام اه. قلت: لكن في هذا الزمان يعسر ركوبه بعد رمي العقبة، وربما ضل عنه محمله لكثرة الزحام، فلو قيل إنه في اليوم الأخير يرمي الكل راكبا له وجه أيضا مع تحصيل فضيلة الاتباع في الكل بلا ضرر عليه ولا على غيره، لان العادة أن الكل يركبون من منازلهم سائرين إلى مكة، وأما في غير اليوم الأخير فيرمي الكل ماشيا. قوله: (بفتحتين الخ) وبكسر الثاء وفتح القاف المصدر وبسكونها: واحد الأثقال. نهر. قوله: (أو ذهب لعرفة) وفي بعض النسخ بالواو بدل أو وهو تحريف، والأوضح أن يقول: أو تركه فيها وذهب لعرفة إذ لا يصلح تسليط قدم هنا إلا بتأويل. قوله: (كره) لاثر ابن شيبة (1) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: من قدم ثقله قبل النفر فلا حج له أي كاملا، ولأنه يوجب شغل قلبه وهو في العبادة فيكره والظاهر أنها تنزيهية. بحر. واعترضه في النهر بأن عمر رضي الله عنه كان يمنع منه ويؤدب عليه وهذا يؤذن بأنها تحريمية، وفيه نظر فإن كان يؤدب على ترك خلاف الأولى. تأمل. قوله: (لا إن أمن) بحث لصاحب البحر، وتبعه أخو أخذا من مفهوم التعليل بشغل القلب ط. قوله: (وكذا الخ) قال في السراج: وكذا يكره للانسان أن يجعل شيئا من حوائجه خلفه ويصلي مثل النعل وشبهه لأنه يشغل خاطره لا يتفرغ للعبادة على وجهها اه. قوله: (ولو ساعة) يقف فيه على راحلته يدعو. سراج فيحصل بذلك أصل السنة. وأما الكمال فما ذكره الكمال من أنه يصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعه ثم يدخل مكة. بحر. وفي شرح النقاية للقاري: والأظهر أن يقال: إنه سنة كفاية، لان ذلك الموضع لا يسع الحاج جميعهم، وينبي لأمراء الحج وكذا غيرهم أن ينزلوا فيه ولو ساعة إظهارا للطاعة. قوله: (الأبطح) ويقال له أيضا البطحاء والخيف. قاري. قال في الفتح: وهو فناء مكة، حده ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعدا. في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا عن بطن الوادي. قوله: (ثم إذا أراد السفر) أتى بثم وما بعدها إشارة إلى ما
(1) قوله: (ابن شيبة) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف، ولعله ابن أبي شيبة كما هو مشهور في كتب الحديث ا ه مصححه. 575 في النهر وغيره من أن أول وقته بعد طواف الزيارة إذا كان على عزم السفر، حتى لو طاف كذلك ثم أطال الإقامة بمكة ولم يتخذها دارا جاز طوافه، ولا آخر له وهو مقيم، بل لو أقام عاما لا ينوي الإقامة فله أن يطوف ويقع أداء، نعم المستحب إيقاعه عند إرادة السفر اه. وفي اللباب أنه لا يسقط بنية الإقامة ولو سنين، ويسقط بنية الاستيطان بمكة أو بما حولها قبل حل النفر الأول: أي قبل ثالث أيام النحر، ولو نوى الاستيطان بعده لا يسقط، وإن نواه قبل النفر ثم بدا له الخروج لم يجب كالمكي إذ اخرج اه. مطلب في طواف الصدر قوله: (أي الوداع) بفتح الواو، وهو اسم لهذا الطواف أيضا، ويسمى أيضا طواف آخر العهد، وأما الصدر فهو بفتحتين: رجوع المسافر من مقصده والشارب من مورده كما في القهستاني. قوله: (بلا رمل وسعي) أي إن كان فعلهما في طواف القدوم أو الصدر كما مر عن الخير الرملي. قوله: (وهو واجب) فلو نفر ولم يطف وجب عليه الرجوع ليطوف ما لم يجاوز الميقات فيخير بين إراقة الدم والرجوع بإحرام جديد بعمرة مبتدئا بطوافها ثم بالصدر، ولا شئ عليه لتأخيره، والأول أولى تيسيرا عليه ونفعا للفقراء. نهر ولباب. قوله: (إلا على أهل مكة) أفاد وجوبه على كل حاج آفاقي مفرد أو متمتع أو قارن بشرط كونه مدركا مكلفا غير معذور، فلا يجب على المكي، ولا على المعتمر مطلقا، وفائت الحج والمحصر والمجنون والصبي والحائض والنفساء كما في اللباب وغيره. قوله: (ومن في حكمهم) أي ممن كان داخل المواقيت، وكذا من نوى الاستيطان قبل حل النفر كما مر. قوله: (فلا يجب الخ) قال في النهر: والمنفى عنهم إنما هو وجوبه لا ندبه. وقد قال الثاني: أحب إلي أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج، وهذا المعنى موجود في حقهم. قوله: (كمن مكث بعده) لان المستحب إيقاعه عند إرادة السفر كما مر. قوله: (فلو طاف) أي دار حول البيت ولم تحضره النية أصلا. قوله: (أو طالبا) أي لغريم ونحوه. قوله: (لكن يكفي أصلها) أي أصل نية الطواف بلا لزوم تعيين كونه للمصدر أو غيره ولا تعيين وجوب أو فرضية. قوله: (فلو طاف الخ) الحاصل كما في الفتح وغيره أن من طاف طوافا في وقته وقع عنه، نواه بعينه أو لا أو نوى طوافا آخر، ومن فروعه لو قدم معتمرا وطاف وقع عن العمرة، أو حاجا وطاف قبل يوم النحر وقع للقدوم، أو قارنا وطاف طوافين وقع الأول عن العمرة، أو حاجا وطاف قبل يوم النحر وقع القدوم، أو قارنا وطاف طوافين وقع الأول عن العمرة والثاني للقدوم، ولو كان في يوم النحر وقع للزيارة أو بعد ما حل النفر بعد ما طاف للزيارة فهو للصدر، وإن نواه للتطوع فلا تعمل النية في التقديم والتأخير إلا إذا كان الثاني أقوى، كما لو ترك طواف الصدر ثم عاد بإحرام عمرة فيبدأ بطواف العمرة ثم الصدر، وتمامه في اللباب. قوله: (ثم بعد ركعتيه) أي بعد صلاة ركعتي الطواف، وتقدم الكلام عليهما، وتقدم أيضا أنه قيل إنه يلتزم الملتزم أولا ثم يصلي الركعتين ثم يأتي زمزم، وأنه الأسهل والأفضل وعليه العمل، وأن ما ذكره هنا من الترتيب هو
576 الأصح المشهور، ومشى عليه في الفتح هناك. وعبر عن الآخر بقيل لكن جزم بالقيل هنا. قوله: (شرب من ماء زمزم) أي قائما مستقبلا القبلة متضلعا منه متنفسا فيه مرارا ناظرا في كل مرة إلى البيت ماسحا به وجهه ورأسه وجسده صابا منه على جسده إن أمكن كما في البحر وغيره، وقد عقد في الفتح لذلك فصلا مستقلا فارجع إليه، وسيأتي بعض الكلام على زمزم آخر الحج. قوله: (وقبل العتبة) أي ثم العتبة المرتفعة عن الأرض. قهستاني. قوله: (ووضع) أي ثم وضع. قهستاني. قوله: (ووجهه) أي خده الأيمن ويرفع يده اليمنى إلى عتبة الباب. قوله: (وتشبث) أي تعلق كما عبد ذليل بطرف ثوب لمولى جليل. قهستاني. قوله: (ودعا) أي حال تشبثه بالأستار متضرعا متخشعا مكبرا مهللا مصليا على النبي (ص). قوله: (ويرجع قهقري) كذا في الهداية والمجمع والنقاية وغيرها. وفي مناسك النووي أن ذلك مكروه لأنه ليس فيه سنة مروية ولا أثر محكي، وما لا أثر له لا يعرج عليه اه وتبعه ابن الكمال والطرابلسي في مناسكه، لكنه قال: وقد فعله الأصحاب: يعني أصحاب مذهبنا. وقال الزيلعي: والعادة به جارية في تعظيم الأكابر، والمنكر لذلك مكابر. قال في البحر: لكنه يفعله على وجه لا يحصل منه صدم أو وطئ لاحد. مطلب في حكم المجاورة بمكة والمدينة تنبيه: في كلامه إشارة إلى أنه لا يجاور بمكة، ولهذا قال في المجمع: ثم يعود إلى أهله، والمجاورة بمكة مكروهة: أي عنده خلافا لهما، وبقوله قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الاحياء، قال: ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة، لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق، وقصورهم عن القيام بحق الموضع. قال في الفتح: وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك: يعني مكروها عنده، فإن تضاعف السيئات أو تعاظمها إن فقد فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الاخلال بوجوب التوقير، والاجلال قائم ا ه نهر. مطلب في مضاعفة الصلاة بمكة تتمة: قال السيد الفاسي في شفاء الغرام: يتحصل من طرق حديث ابن الزبير ثلاث روايات: إحداها أن الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة بمسجد المدينة بمائة صلاة. الثانية بألف صلاة. الثالثة بمائة ألف صلاة كما في مسند الطيالسي وإتحاف ابن عساكر. وعلى الثالثة حسب النقاش المفسر بالمسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة فيه عمر مائتي سنة وخمسين (1) سنة وستة أشهر وعشرين ليلة، والصلوات الخمس عمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال.
(1) قوله: (مئتي سنة وخمسين الخ) الذي نقله العلامة القسطلاني على البخاري في باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة عن النقاش حسبت الصلاة بالمسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة فيه عمر خمس وخمسين سنة إلى آخر ما ذكره المحشي / وحينئذ فالصواب اسقاط مائتي سنة ا ه. 577 قال السيد: ورأيت لشيخنا بدر الدين بن الصاحب المصري أن الصلاة فيه فرادى بمائة ألف، وجماعة بألفي ألف وسبعمائة ألف، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة صلاة، وصلاة الرجل منفردا في وطنه غير المسجدين المعظمين كل مائة سنة شمسية مائة ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بألف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة. فتلخص أن صلاة واحدة جماعة في المسجد الحرام يفضل ثوابها على ثواب من صلى في بلدة فرادى حتى بلغ عمر نوح عليه السلام بنحو الضعف اه. ثم ذكر للعلماء خلافا في هذا الفضل، هل يعم الفرض والنفل، أو يختص بالفرض؟ وهو مقتضى مشهور مذهبنا: أي المالكية ومذهب الحنفية، والتعميم مذهب الشافعية. واختلف في المراد بالمسجد الحرام: قيل مسجد الجماعة وأيده المحب الطبري، وقيل الحرم كله، وقيل الكعبة خاصة. وجاءت أحاديث تدل على تفضيل ثواب الصوم وغيره من القربات بمكة ألا أنها في الثبوت ليست كأحاديث الصلاة فيها اه باختصار. وذكر ابن حجر في التحفة أنه صح في الأحاديث بتكرار الألف ثلاثا، كذا كتبه بعض المحشين. وذكر البيري في شرح الأشباه في أحكام المسجد أن المشهور عند أصحابنا أن التضعيف يعم جميع مكة، بل جميع حرم مكة الذي يحرم صيده كما صححه النووي. قوله: (وسقط طواف القدوم الخ) هذه مسائل شتى عنون لها في الهداية والكنز بفصل. وذكر في البحر أن حقيقة السقوط لا تكون إلا في اللازم، فهو هنا مجاز عن عدم سنيته في حقه. إما لأنه ما شرع إلا في ابتداء الافعال فلا يكون سنة عند التأخر، ولا شئ عليه بتركه لأنه سنة، وإما لان طواف الزيار أغنى عنه كالفرض يغنى عن تحية المسجد، ولذا لم يكن للعمرة طواف قدوم لان طوافها أغنى عنه قيد بطواف القدوم، لان القارن إذا لم يدخل مكة وقف بعرفات صار رافضا لعمرته فيلزمه دم لرفضها وقضاؤها كما سيأتي في آخر القران اه. قوله: (وأساء) أي لتركه السنة، وقدمنا أن الإساءة دون الكراهة: أي التحريمية. قوله: (عرفية) أي في عرف اللغة، والأوضح أن يقول لغوية أو شرعية كما عبر في شر اللباب. قوله: (وهو اليسير) ذكر الضمير مراعاة لتذكير الخبر. قوله: (من زوال الخ) متعلق بمحذوف صفة لساعة لا بوقف لفساد المعنى باعتبار الغاية، فتدبر. قوله: (أو اجتاز) أي مر، وقوله: مسرعا حال أشار به إلى أن هذه الساعة اليسيرة يكفي منها هذا المقدار من الوقوف، فإن المسرع لا يخلو عن وقوف يسير على قدم عند القدم الأخرى، ولذا صح اعتكافه كما مر في بابه. قوله: (أو نائما أو مغمى عليه) يشير إلى أن الوقوف بعرفة يصح بلا نية كما سيصرح به، بخلاف الطواف. قال في البحر: والفرق أن الطواف عبادة مقصودة، ولهذا يتنفل به فلا بد من اشتراط أصل النية وإن كان غير محتاج إلى تعيينه كما مر، وأما الوقوف فليس بعبادة مقصودة، ولذا لا يتنفل به، فوجود النية في أصل العبادة وهو الاحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف اه. لكن أورد عليه في النهر القراءة في الصلاة فإنها عبادة مستقلة بدليل أنه يتنفل بها مع أنه لا يشترط لها النية. قال: ولم أره لاحد، ولم يظهر لي عنه جواب.
578 قلت: قد يمنع كون القراءة عبادة مستقلة والتنفل بها لا يدل على ذلك، كالوضوء فإنه يتنفل به مع كونه ليس عبادة مستقلة، ولذا لم يصح نذره وكذا القراءة. ففي القهستاني من الاعتكاف أن النذر بها لا يصح، لأنها فرضت تبعا للصلاة لا لعينها، فتأمل. قوله: (وكذا لو أهل عنه رفيقه) أي عن المغمى عليه أو النائم المريض كما في شرح اللباب، لان الاحرام شرط عندنا كالوضوء في الصلاة فصحت النيابة بعد وجود نية العبادة منه، وهو خروجه للحج. معراج. وفي النهر: ومعنى الاهلال عنه أن ينوي عنه ويلبي فيصير المغمى عليه محرما لانتقال إحرام الرفيق إليه، وليس معناه أن يجرده وأن يلبسه الإزار، لان هذا كف عن بعض محظورات الاحرام لا عين الاحرام لما مر اه. ويجزيه ذلك عن حجة الاسلام. ولو ارتكب محظورا لزمه موجبه لا الرفيق. لباب، ويصح إحرامه عنه سواء أحرم عن نفسه أولا، ولا يلزمه التجرد عن المخيط لأجل إحرامه عنه، ولو أحرم عنه وعن نفسه وارتكب محظورا لزمه جزاء واحد، بخلاف القارن لأنه محرم بإحرامين. بحر. ولا يشترط كون الاحرام عنه بأمره كما في اللباب: أي خلافا لهما حيث اشترطا الامر، وقيده في البحر بالمغمى عليه أما النائم فيشترط منه صريح الاذن لما في المحيط أن المريض الذي لا يستطيع الطواف إذا طاف به رفيقه وهو نائم: إن كان بأمره جاز، وإلا فلا اه. قلت: وقيد الجواز في اللباب في فصل طواف المغمى عليه والنائم بالفور حيث قال: ولو طافوا بمريض وهو نائم من غير إغماء إن كان بأمره وحملوه على فوره يجوز، وإلا فلا. وفي الفتح بعد كلام: والحاصل الفرق بين النائم والمغمى عليه في اشتراط صريح الاذن وعدمه. قال شارح اللباب: وقد أطلقوا الاجزاء بين حالتي النوم والاغماء في الوقوف، ولعل الفرق أن النية شرط في الطواف عند الجمهور، بخلاف الوقوف اه ملخصا. قلت: والكلام في الاحرام عن النائم، لكن إذا كان الطواف عنه لا يجوز إلا بأمره فالاحرام بالأولى. قوله: (وكذا غير رفيقه) هذا أحد قولين، وبه جزم في السراج، ورجحه في الفتح والبحر لوجود الاذن للكل دلالة، كما لو ذبح أضحية غيره في أيامها بلا إذنه، وتمامه في البحر. قوله: (أي بالحج) قال في البحر: وشمل إحرام الرفيق عنه ما إذا أحرم عنه رفيقه بحجة أو عمرة أو بهما من الميقات أو بمكة ولم أره صريحا اه. قال في الشرنبلالية: وفيه تأمل، لان المسافر من بلاد بعيدة ولم يكن حج الفرض كيف يصح أن يحرم عنه بعمرة وليست واجبة عليه؟ وقد يمتد الاغماء ولا يحصل إحرامه عنه بالحج فيفوت مقصده ظاهرا اه. وظاهر الفتح يدل على أنه لا بد من العلم بقصده، وحينئذ فإن علم فلا كلام، وإلا فينبغي تعيين الحج. قوله: (مع إحرامه عن نفسه) أو بدونه كما قدمناه. قوله: (إذا انتبه أو أفاق) الأول للنائم والثاني للمغمى عليه. قوله: (جاز) لأنه تبين أن عجزه كان في الاحرام فقط فصحت النيابة فيه ثم يجري هو على موجبه. بحر: أي موجب إحرام الرفيق عنه، وفيه إشارة إلى لزوم إتيان الافعال بنفسه لعدم العجز، وبه صرح في اللباب. قوله: (إن الاغماء بعد إحرامه) أي بنفسه، وفيه أن فرض المسألة في إحرام الرفيق عنه فكان الأظهر والاخصر أن يقول: ولو بقي الاغماء اكتفى بمباشرتهم، ولو الاغماء بعد إحرامه طيف به المناسك: أي أحضر المشاهد من وقوف وطواف ونحوهما، قال في البحر. وتشترط نيتهم الطواف إذا حملوه كما
579 تشترط نيته. قوله: (اكتفى بمباشرتهم) أي من غير أن يشهدوا به المشاهد من الطواف والسعي والوقوف وهو الأصح، نعم ذلك أولى. نهر. وانظر هل يكتفي المباشر بطواف واحد عنه وعن المغمى عليه كما لو حمله وطاف به أولا؟ لم أره. أبو السعود. قلت: الظاهر الثاني، لأنه إذا أحضر الموقف كان هو الواقف، وإذا طيف به كان بمنزلة الطائف راكبا كما صرحوا به، فلا يقاس عليه ما إذا لم يحضر فلا بد من نية وقوف عنه وإنشاء طواف وسعي عنه غير ما يفعله المباشر عن نفسه. تأمل قوله: ولم أر ما لو جن قبل الاحرام البحث لصاحب النهر. وقدمنا قبيل فروض الحج أن صاحب البحر توقف فيه وقال: إن إحرام وليه عنه يحتاج إلى نقل، وقدمنا هناك عن شرح المقدسي عن البحر العميق أنه لا حج على مجنون مسلم، ولا يصح منه إذا حج بنفسه ولكن يحرم عنه وليه اه. فمن خرج عاقلا يريد الحج ثم جن قبل إحرامه يحرم عنه وليه بالأول، ولعل التوقف في إحرام رفيقه عنه وكلام الفتح هو ما نقله عن المنتقى عن محمد: أحرم وهو صحيح ثم أصابه عته فقضى به أصحابه المناسك ووقفوا به فمكث كذلك سنين ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الاسلام اه. قال في النهر: وهذا ربما يومئ إلى الجواز اه. وإنما قال يومئ إلى الجواز لا من حيث إن كلام الفتح في المعتوه وكلامنا في المجنون، بل من حيث إن كلام الفتح فيما لو أحرم عن نفسه ثم أصابه العته، وكلامنا فيما إذا جن قبل أن يحرم عن نفسه، وإيماء الفتح إلى الجواز في ذلك في غاية الخفاء، فافهم. فرع: الصبي الغير المميز لا يصح إحرامه ولا أداؤه، بل يصحان من وليه له، فيحرم عنه من كان أقرب إليه، فلو اجتمع والد وأخ يحرم الوالد ومثله المجنون، إلا أنه إذا جن بعد الاحرام يلزمه الجزاء ويصح منه الأداء، وتمامه في اللباب. قوله: (لحديث الحج عرفة) أي معظم ركنية الوقوف بها باعتبار الامن من البطلان عند فعله، لا من كل وجه فلا ينافي أن الطواف أفضل ط. قوله: (فطاف الخ) عط ف تحلل على طاف وسعى عطف تفسير، والأولى الاتيان في الثلاثة بصيغة المضارع، بل الأولى قول الكنز في باب الفوات: فليحلل بعمرة ليفيد الوجوب، وبه صرح في البدائع، لكن المراد أنه يفعل مثل أفعال العمرة، لان ذلك ليس بعمرة حقيقة كما صرح به في باب الفوات من اللباب وغيره. وفي الكلام إشارة إلى أن إحرام الحج باق وهذا عندهما. وقال الثاني: انقلب إحرامه إحرام عمرة. وثمرة الخلاف تظهر فيما لو أحرم بحجة أخرى، صح عن الامام، ويرفضها لئلا يصير جامعا بين إحرامي حج، وعليه دم وحجتان وعمرة من قابل. وقال الثاني: يمضي فيها لانقلاب إحرام الأولى. وقال محمد: لا يصح إحرامه أصلا. قوله: (ولو حجه نذرا أو تطوعا) وكذا لو فاسدا، سواء طرأ فساده أو انعقد فاسدا كما إذا أحرم مجامعا. نهر. قوله: (فيما مر) أي من أحكام الحج ط. قوله: (لكنها تكشف وجهها لا رأسها) كذا عبر في الكنز. واعترضه
580 الزيلعي بأنه تطويل بلا فائدة، لأنها لا تخالف الرجل في كشف الوجه، فلو اقتصر على قوله لا تكشف رأسها لكان أولى. وأجاب في البحر بأنه لما كان كشف وجهها خفيا لان المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لأنه محل الفتنة نص عليه وإن كانا سواء فيه، والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شئ له، فلذلك يكره لها أن تلبس البرقع لان ذلك يماس وجهها، كذا في المبسوط اه. قلت: لو عطف قوله والمراد ب أو لكان جوابا آخر أحسن من الأول. تأمل. قوله: (وجافته) أي باعدته عنه. قال في الفتح وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل من فوقها الثواب اه. قوله: (جاز) أي من حيث الاحرام، بمعنى أنه لم يكن محظورا لأنه ليس بستر. وقوله: بل يندب أي خوفا من رؤية الأجانب. وعبر في الفتح بالاستحباب، لكن صرح في النهاية بالوجوب. وفي المحيط: ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك، وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة اه. ونحوه في الخانية. ووفق في البحر بما حاصله أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب. وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها عند الامكان، وعند عدمه يجب على الأجانب عض البصر، ثم استدرك على ذلك بأن النووي نقل أن العلماء قالوا: لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، بل يجب على الرجال الغض. قال: وظاهره نقل الاجماع. واعترضه في النهر بأن المراد علماء مذهبه. قلت: يؤيده ما سمعته من تصريح علمائنا بالوجوب والنهي. تنبيه: علمت مما تقرر عدم صحة ما في شرح الهداية لابن الكمال من أن المرأة غير منهية عن ستر الوجه مطلقا إلا بشئ فصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع كما قدمناه أول الباب. قوله: (دفعا للفتنة) أي فتنة الرجال بسماع صوتها. قوله: (وما قيل) رد على العيني. قوله: (ولا ترمل الخ) لان أصل مشروعيته لاظهار الجلد وهو للرجال، ولأنه يخل بالستر، وكذا السعي: أي الهرولة بين الميلين في المسعى والاضطباع سنة الرمل. قوله: (ولا تحلق) لأنه مثله كحلق الرجل لحيته. بحر. قوله: (من ربع شعرها) أي كالرجل والكل أفضل. قهستاني. خلافا لما قيل لا يتقدر في حقها بالربع بخلاف الرجل. قوله: (كما مر) أي عند قوله: ثم قصر من بيان قدره وكيفيته. قوله: (وتلبس المخيط) أي المحرم على الرجال غير المصبوغ بورس أو زعفران أو عصفر إلا أن يكون غسيلا لا ينفض، شرح اللباب. قوله: (والخفين) زاد في البحر وغيره: والقفازين. قال في البدائع: لان لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها وأنها غير ممنوعة عن ذلك وقوله عليه الصلاة والسلام: ولا تلبس القفازين نهى ندب حملناه عليه جمعا بين الأدلة. شرح اللباب. قوله: (ولا تقرب الحجر في الزحام الخ) أشار إلى ما في اللباب من أنها عند الزحمة لا تصعد الصفا ولا تصلي عند المقام. قوله: (لا يمنع نسكا) أي شيئا من أعمال الحج. قوله: (إلا الطواف) فهو حرام من وجهين: دخولها المسجد، وترك واجب الطهارة.
581 تنبيه: قدمنا عن المحيط أن تقديم الطواف شرط صحة السعي، فعن هذا قال القهستاني: فلو حاضت قبل الاحرام اغتسلت وأحرمت وشهدت جميع المناسك الطوف والسعي اه: أي لان سعيها بدون طواف غير صحيح، فافهم. قوله: (فلو طهرت فيها الخ) تقدمت المسألة قبيل قوله: ثم أتى منى. قوله: (وهو) أي الحيض بعد حصول ركنية: أي ركني الحج، وهو وإن كان فيه تشتيت الضمائر لكنه ظاهر. قوله: (يسقط طواف الصدر) أي يسقط وجوبه عنها كما قدمناه، ولا دم عليها كما في اللباب. قوله: (والبدن الخ) ذكره في الكنز هنا لمناسبة قوله: ومن قلد بدنة تطوع أو نذر أو جزاء صيد ثم توجه معه يريد لحج فقد أحرم الخ. وقد ذكر المصنف مسألة التقليد أول باب الاحرام لأنه محلها، فكان الأولى له ذكر هذه المسألة هناك أيضا. قوله: (كما سيجئ) أي في باب الهدي، والله الهادي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب. باب القران أخره عن الافراد وإن كان أفضل لتوقف معرفته على معرفة الافراد. قوله: (هو أفضل) أي من التمتع، وكذا من الافراد بالأولى، وهذا عند الطرفين. وعند الثاني هو والتمتع سواء. قهستاني. والكلام في الآفاقي. وإلا فالافراد أفضل كما سيأتي. وعند مالك: التمتع أفضل. وعند الشافعي: الافراد: أي إفراد كل واحد من الحج والعمرة بإحرام على حدة كما جزم به في النهاية والعناية والفتح خلافا للزيلعي. قال في الفتح: أما مع الاقتصار على أحدهما فلا شك أن القران أفضل بلا خلاف. وفي البحر: وما روي عن محمد أنه قال: حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندي من القران، فليس بموافق لمذهب الشافعي فإنه يفضل الافراد مطلقا، ومحمد إنما فضله إذا اشتمل على سفرين، خلافا لما فهمه الزيلعي من أنه موافق للشافعي، ثم منشأ الخلاف اختلاف الصحابة في حجته عليه الصلاة والسلام. قال في البحر: وقد أكثر الناس الكلام وأوسعهم نفسا فذلك الامام الطحاوي، فإنه تكلم في ذلك زيادة على ألف ورقة اه. ورجح علماؤنا أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنا، إذ بتقديره يمكن الجمع بين الروايات، بأن من روى الافراد سمعه يلبي بالحج وحده، ومن روى التمتع سمعه يلبي بالعمرة وحدها، ومن روى القران سمعه يلبي بهما، والامر الآتي له عليه الصلاة والسلام فإنه لا بد له من امتثال ما أمر به الذي هو وحي، وقد أطال في الفتح في بيان تقديم أحاديث القران فارجع إليه. تنبيه: اختار العلامة الشيخ عبد الرحمن العمادي في منسكه التمتع لأنه أفضل من الافراد وأسهل من القران، لما على القارن من المشقة في أداء النسكين، لما يلزمه بالجناية من الدمين، وهو أحرى لأمثالنا لامكان المحافظة على صيانة إحرام الحج من الرفث ونحوه، فيرجى دخوله في الحج المبرور المفسر بما لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، وذلك لان القارن والمفرد يبقيان محرمين أكثر
582 من عشرة أيام، وقلما يقدر الانسان على الاحتراز فيها من هذه المحظورات سيما الجدال مع الخدم والجمال، والمتمتع إنما يحرم بالحج يوم التروية من الحرم فيمكنه الاحتراز في ذينك اليومين فيسلم حجة إن شاء الله تعالى. قال شيخ مشايخنا الشهاب أحمد المنيني في مناسكه: وهو كلام نفيس يريد به أن القران في حد ذاته أفضل من التمتع، لكن قد يقترن به ما يجعله مرجوحا، فإذا دار الامر بين أن يقرن ولا يسلم عن المحظورات وبين أن يتمتع ويسلم عنها، فالأولى التمتع ليسلم حجه ويكون مبرورا لأنه وظيفة العمر اه. قلت: ونظيره ما قدمناه عن المحقق ابن أمير حاج من تفضيله تأخير الاحرام إلى آخر المواقيت لمثل هذه العلة، وهذا كله بناء على أن المراد من حديث: من حج فلم يرفث الخ من ابتداء الاحرام لأنه قبله لا يكون حاجا كما قدمنا التصريح به عن النهر عن قوله: فاتق الرفث والله تعالى أعلم. قوله: (لحديث الخ) لم أر من ذكر الحديث بهذا اللفظ، نعم قال في الهداية: ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معا وأسنده في الفتح إلى الطحاوي في شرح الآثار. وقال: وروى أحمد من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج وفي صحيح البخاري عن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل حجة في عمرة. قلت: وهو في شرح الآثار كذلك، فإن كان ما ذكره الشارح مخرجا فيها، وإلا فهو ملفق من هذين الحديثين وضمير فقال يعود إلى النبي (ص) لا إلى الآتي. قوله: (ولأنه أشق) لكونه أدوم إحراما وأسرع إلى العبادة، وفيه جمع بين النسكين. ط عن المنح. قوله: (والصواب الخ) نقله في البحر عن النووي في شرح المهذب ط. قوله: (لبيان الجواز) إنما قال ذلك لأنه مكروه كما يأتي ط. وكذا هو مكروه عند الشافعية كما في البحر عن النووي. قوله: (ثم التمتع) أي بقسيمه: أي سواء ساق الهدى أم لا ط. قوله: (ثم الافراد) أي بالحج أفضل من العمرة وحدها، كذا في النهر ط. قوله: (لغة الجمع بين شيئين) أي بين حج وعمرة أو غيرهما. قال في الصحاح: قرن بين الحج والعمرة قرانا بالكسر، وقرنت البعيرين أقرنهما قرانا: إذا جمعتهما في حبل واحد، وذلك الحبل يسمى القران، وقرنت الشئ بالشئ: وصلته، وقرنته: صاحبته، ومنه قران الكواكب. قوله: (أي يرفع صوته بالتلبية) تفسير لحقيقة الاهلال، وإلا فالمراد هنا التلبية مع النية، وإنما عبر عن ذلك بالاهلال للإشارة إلى أن رفع الصوت بها مستحب. بحر. قوله: (معا حقيقة) بأن يجمع بينهما إحراما في زمان واحد، أو حكما بأن يؤخر إحرام إحداهما عن إحرام الأخرى ويجمع بينهما أفعالا، فهو قران بين الاحرامين حكما. وقد عد في اللباب للقران سبعة شروط.
583 الأول: أن يحرم بالحج قبل طواف العمرة كله أو أكثره، فلو أحرم به بعد أكثر طوافها لم يكن قارنا. الثاني: أن يحرم بالحج قبل إفساد العمرة الثالث: أن يطوف للعمرة كله أو أكثره قبل الوقوف بعرفة، فلو لم يطف لها حتى وقف بعرفة بعد الزوال ارتفعت عمرته وبطل قرانه وسقط عنه دمه، ولو طاف أكثره ثم وقف أتم الباقي منه قبل طواف الزيارة. الرابع: أن يصونهما عن الفساد، فلو جامع قبل الوقوف وقبل أكثر طواف العمرة بطل قرانه وسقط عنه الدم، وإن ساقه معه يصنع به ما شاء. الخامس: أن يطوف العمرة كله أو أكثره في أشهر الحج، فإن طاف الأكثر قبل الأشهر لم يصر قارنا. السادس: أن يكون آفاقيا ولو حكما فلا قران لمكي إلا إذا خرج إلى الآفاق قبل أشهر الحج. السابع: عدم فوات الحج، فلو فاته لم يكن قارنا وسقط الدم، ولا يشترط لصحة القران عدم الإلمام بأهله، فيصح من كوفي رجع إلى أهله بعد طواف العمرة، وتمامه فيه. قوله: (قبل أن يطوف لها أربعة أشواط) فلو طاف الأربعة ثم أحرم بالحج لم يكن قارنا كما ذكرناه، بل يكون متمتعا إن كان طوافه في أشهر الحج، فلو قبلها لا يكون قارنا ولا متمتعا كما في شرح اللباب. قوله: (وإن أساء) وعليه دم شكر لقلة إساءته، ولعدم وجوب رفض عمرته. شرح اللباب. قوله: (أو بعده) أي بعد ما شرع فيه ولو قليلا أو بعد إتمامه، سواء كان الادخال قبل الحق أو بعده ولو في أيام التشريف ولو بعد الطواف، لأنه بقي عليه بعض واجبات الحج فيكون جامعا بينهما فعلا. والأصح وجوب رفضها وعليه الدم والقضاء، وإن لم يرفض فدم جبر لجمعه بينهما كما في شر ح اللباب، وسيأتي تفصيل المسألة في آخر الجنايات. قوله: (إذ القارن لا يكون إلا آفاقيا) أي والآفاقي إنما يحرم من الميقات أو قبله، ولا تحل مجاوزته بغير إحرام، حتى لو جاوزه ثم أحرم لزمه دم ما لم يعد إليه محرما كما سيأتي في باب مجاوزه الميقات بغير إحرام. ح. والحاصل أنه يصح من الميقات وقبله وبعده، لكن قيد به لبيان أن القارن لا يكون إلا آفاقيا. قال في البحر: وهذا أحسن مما في الزيلعي من أن التقييد بالميقات اتفاقي.. قوله: (أو قبله) أي ولو من دويرة أهله، وهو الأفضل لمن قدر عليه، وإلا فيكره كما مر، وقوله: أو قبلها أي قبل أشهر الحج، لكن تقديمه على الميقات الزماني مكروه مطلقا كما مر أيضا، وهذا في الاحرام، وأما الافعال فلا بد من أدائها في أشهر الحج كما قدمناه آنفا، بأن يؤدي أكثر طواف العمرة وجميع سعيها وسعى الحج فيها، لكن ذكر في المحيط أنه لا يشترط في القران فعل أكثر أشواط العمرة في أشهر الحج، وكأن مسنده ما روي عن محمد: أنه لو طاف لعمرته في رمضان فهو قارن، ولا دم عليه إ لم يطف لعمرته في أشهر الحج، وأجاب في الفتح في القران في هذه الرواية بمعنى الجمع لا القران الشرعي، بدليل أنه نفي لازم القران بالمعنى الشرعي وهو لزوم الدم شكرا، ونفي اللازم
584 الشرعي نفي لملزومه، وتمامه في البحر. لكن قال في شرح اللباب: ويظهر لي أنه قارن بالمعنى الشرعي كما هو المتبادر من إطلاق محمد وغيره أنه قارن، وبدليل أنه إذا ارتكب محظورا يتعدد عليه الجزاء، وغايته أنه ليس عليه هدى شكر لأنه، لم يقع على الوجه المسنون اه. تأمل. قوله: (إما بالنصب الخ) حاصله كما في البحر أن قوله: ويقول إن كان منصوبا عطفا على يهل يكون من تمام الحد فيراد بالقول النية لا التلفظ لأنه غير شرط، وإن كان مرفوعا مستأنفا يكون بيانا للسنة، فإن السنة للقارن التلفظ بذلك، وتكفيه النية بقلبه. وأورد في النهر على الأول أن الإرادة غير النية، فالحق أنه ليس من الحد في شئ اه: يعني أن قوله إني أريد الخ ليس نية وإنما هو مجرد دعاء، وإنما النية هي العزم على الشئ، والعزم غير الإرادة، وهو ما يكون بعد ذلك عند التلبية كما مر تقريره في باب الاحرام. تأمل. على أنه لو أريد به النية فلا ينبغي إدخالها في الحد، لأنها شرط خارج عن الماهية. وقد يجاب بأن الماهية الشرعية هنا لا وجود لها بدون النية. تأمل. وقدمنا هناك الكلام على حكم التلفظ بالنية، فافهم. قوله: (ويستحب الخ) وإنما أخرها المصنف إشعارا بأنها تابعة للحج في حق القارن، ولذلك لا يتحلل عن إحرامها بمجرد الحلق بعد سعيها. قهستاني. قوله: (وجوبا) لقوله تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * (البقرة: 691) جعل الحج غاية وهو في معنى المتعة بالاطلاق القرآني، وعرف الصحابة من شمول المتعة للمتعة والقران بالمعنى الشرعي كما حققه في الفتح. قوله: (لا يقع إلا لها) لما قدمناه من أن من طاف طوافا في وقته وقع عنه نواه له أولا، وسيأتي أيضا في كلام الشارح آخر الباب. قوله: (سبعة أشواط) بشرط وقوعها أو أكثرها في أشهر الحج على ما قدمناه آنفا. قوله: (يرمل في الثلاثة الأول) أي ويضطبع في جميع طوافه ثم ركعتيه. لباب وشرحه. قوله: (بلا حلق) لأنه وإن أتى بأفعال العمرة بكمالها إلا أنه ممنوع من التحلل عنها لكونه محرما بالحج فيتوقف تحلله على فراغه من أفعاله أيضا. شرح اللباب. قوله: (ولزمه دمان) لجنايته على إحرامين. بحر. وهو الظاهر، خلافا لما في الهداية من أنه جناية على إحرام الحج كما أوضحه في النهر. قوله: (كما مر) أي في حج المفرد. قوله: (ويسعى بعده) إن شاء، وإن شاء يسعى بعد طواف الإفاضة، والأول أفضل للقارن أو يسن، بخلاف غيره فإن تأخير سعيه أفضل، وفيه خلاف كما قدمناه، فافهم. تنبيه: أفاد أنه يضطبع ويرمل في طوا ف القدوم إن قدم السعي (1) كما صرح به في اللباب. قال شارحه القاري: وهذا ما عليه الجمهور من أن كل طواف بعده سعي فالرمل فيه سنة، وقد نص عليه الكرماني حيث قال في باب القران: يطوف طواف القدوم ويرمل فيه أيضا، لأنه طواف بعده سعي، وكذا في خزانة الأكمل: وإنما يرمل في طواف العمرة وطواف القدوم، مفردا كان أو قارنا، وأما ما
(1) قوله: (ويرمل في طواف القدوم ان قدم السعي الخ) اي قصد تقديم السعي على طواف الركن، وليس المراد تقديمه على طواف القدوم كما توهم ا ه. 585 نقله الزيلعي عن الغاية للسروجي من أنه إذا كان قارنا لم يرمل في طواف القدوم إن كان رمل في طواف العمرة فخلاف ما عليه الأكثر اه. فافهم قوله: (جاز) أطلقه فشمل ما إذا نوى أول الطوافين للعمرة والثاني للحج: أي للقدوم، أو نوى على العكس، أو نوى مطلق الطواف ولم يعين، أو نوى طوافا آخر تطوعا أو غيره فيكون الأول للعمرة والثاني للقدوم كما في اللباب. قوله: (وأساء) أي بتأخير سعي العمرة وتقديم طواف التحية عليه. هداية. قوله: (ولا دم عليه) أما عندهما فظاهر، لان التقديم والتأخير في المناسك لا يوجد الدم عندهما وعنده طواف التحية سنة، وتركه لا يوجب الدم فتقديمه أولى، والسعي بتأخيره بالاشتغال بعمل آخر لا يوجب الدم، فكذا بالاشتغال بالطواف. هداية. قوله: (وذبح) أي شاة أو بدنة أو سبعها، ولا بد من إرادة الكل للقربة وإن اختلفت جهتها، حتى لو أراد أحدهم اللحم لم يجز كما سيأتي في الأضحية، والجزور أفضل من البقر، والبقر أفضل من الشاة، كذا في الخانية وغيرها. نهر. زاد في البحر: والاشتراك في البقر أفضل من الشاة اه. وقيده في الشرنبلالية تبعا للوهبانية بما إذا كانت حصته من البقرة أكثر من قيمة الشاة اه. وأفاد إطلاقهم الاشتراك هنا جوازه في دم الجناية والشكر بلا فرق، خلافا لما في البحر حيث خصه بالثاني كما يأتي بيانه في أول الجنايات. قال في اللباب: وشرائط وجوب الذبح: القدرة عليه، وصحة القران، والعقل، والبلوغ، والحرية، فيجب على المملوك الصوم لا الهدي، ويختص بالمكان وهو الحرم والزمان هو أيام النحر. قوله: (وهو دم شكر) أي لما وفقه الله تعالى للجمع بين النسكين في أشهر الحج بسفر واحد. لباب قوله: (فيأكل منه) أي بخلاف دم الجناية كما سيأتي، ولا يجب التصدق بشئ منه، ويستحب له أن يتصدق بالثلث، ويطعم الثلث، ويدخر الثلث، أو يهدي الثلث. لباب. قال شارحه: والأخير بدل الثاني، وإن كان ظاهر البدائع أنه بدل الثالث. قوله: (بعد رمي يوم النحر) أي بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق لممر. وعبارة اللباب: ويجب أن يكون بين الرمي والحلق. قوله: (لوجوب الترتيب) أي ترتيب الثلاثة: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق على ترتيب حروف قولك رذح أما الطواف فلا يجب ترتيبه على شئ منها، والمفرد لا دم عليه فيجب عليه الترتيب بين الرمي والحلق كما قدمنا ذلك في واجبات الحج. قوله: (وإن عجز) أي بأن لم يكن في ملكه فضل عن كفاف قدر ما يشتري به الدم ولا هو: أي الدم في ملكه لباب. ومنه يعلم حد الغني المعتبر هنا، وفيه أقوال أخر، ويعلم من كلام الظهيرية أن المعتبر في اليسار والاعسار مكة لأنها مكان الدم، كما نقله بعضهم عن المنسك الكبير للسندي. قوله: (ولو متفرقة) أشار إلى عدم لزوم التتابع ومثله في السبعة، وإلى أن التتابع أفضل فيهما كما في اللباب. قوله: (آخرها يوم عرفة) بأن يصوم السابع والثامن والتاسع. قال في شرح اللباب: لكن إن كان يضعفه ذلك عن الخروج إلى عرفات والوقوف والدعوات فالمستحب تقديمه على هذه الأيام، حتى قيل يكره الصوم فيها إن أضعفه عن القيام بحقها. قال في الفتح: وفي كراهة تنزيه إلا أن يسئ خلقه فيوقعه في محظور. قوله: (ندبا رجاء
586 القدرة على الأصل) لأنه لو صام الثلاثة قبل السابع وتالييه احتمل قدرته على الأصل فيجب ذبحه ويلغو صومه، فلذا ندب تأخير الصوم إليها، وهذه الجملة سقطت من بعض النسخ. قوله: (فبعده لا يجزيه) أي لا يجزيه الصوم لو أخره عن يوم النحر ويتعين الأصل، والأولى إسقاط هذا، لان المصنف ذكره بقوله: فإن فاتت الثلاثة تعين الدم. قوله: (فيه كلام) تبع في ذلك صاحب النهر، وفيه كلام لان قول المصنف: آخرها يوم عرفة دل على شيئين: الأول أنه لا يصومها قبل السابع وتالييه. والثاني أنه لا يؤخر الصوم عن يوم النحر. الأول مندوب والثاني واجب. ولما صرح المصنف بالثاني حيث قال: فإن فاتت الثلاثة الخ اقتصر في المنح تبعا للبحر على أن قوله آخرها يوم عرفة لبيان المندوب دون الواجب، لكن قد يقال: إن قوله: فإن فاتت الخ بفاء التفريع يدل على أن المقصود من قوله آخرها يوم النحر بيان الواجب وهو عدم التأخير مع أنه الأهم، وزاد الشارح التنبيه على المندوب، فتأمل. قوله: (بعد تمام أيام حجه) الأولى إبدال الأيام بالاعمال كما فعل في البحر ليحسن قوله: فرضا أو واجبا فإنه تعميم للأعمال من طواف الزيارة والرمي والذبح والحلق، وليناسب ما حمل عليه الآية من الفراغ من الأعمال. قوله: (وهو) أي التمام المذكور بمعنى أيام التشريق، لان اليوم الثالث منها وقت للرمي لمن أقام فيه بمنى. قوله: (أين شاء) متعلق بصام: أي وصام سبعة في أي مكان شاء من مكة أو غيرها. قوله: (لكن الخ) لا يحسن هذا الاستدراك بعد قوله: وهو بمضي أيام التشريق ح، ولعل وجهه دفع ما يتوهم من أن قوله: وهو الخ ليس شرطا للصحة، بل شرط لنفي الكراهة كما في المنذور ونحوه: فإنه لو صامه فيها صح مع الكراهة. تأمل. قوله: (لقوله تعالى الخ) علة لقوله: أين شاء بقرينة التفريع. ويجوز جعله علة للاستدراك، لأنه تعالى جعل وقت الصوم بعد الفراغ ولا فراغ إلا بمضي أيام التشريق، وهذا كله بناء على تفسير علمائنا الرجوع بالفراغ عن الافعال لأنه سبب الرجوع، فذكر المسبب وأريد السبب مجازا، فليس المراد حقيقة الرجوع إلى وطنه كما قال الشافعي، فلم يجوز صومها بمكة، وإنما حملناه على المجاز لفرع مجمع عليه، وهو أنه لو لم يكن له وطن أصلا وجب عليه صومها بهذا النص، وتمامه في الفتح، وحاصله أن تفسير الشافعي لا يطرد فتعين المجاز. وادعى ابن كمال في شرح الهداية أن الأقرب الحمل على معنى حقيقي، وهو الرجوع من منى بالفراغ عن أفعال الحج لتقدم ذكر الحج، واعترضه في النهر بأنه لا يطرد أيضا إذ الحكم يعم المقيم بمنى أيضا، ولا رجوع منه إلا بالفراغ، فما قاله المشايخ أولى اه. وإلى هذا أشار الشارح بقوله: فعم من وطنه منى الخ. قلت: لكن قال في الفتح: إن صوم (1) السبعة لا يجوز تقديمه على الرجوع من منى بعد إتمام
(1) قوله: (لكن قال في الفتح ان صوم الخ) قد تقدم نقل تأويل الرجوع بالفراغ عن صاحب الفتح، فينبغي حمل هذا الفرع على مقتضى كلامه السابق، بان يقال: أطلق المسبب وأراد السبب كما فعل في الآية. أو يقال: انما أناط الحكم بالرجوع من منى، لان غالب الحجاج غير مقيمين بها، فبعد فراغهم يتوجهون إلى مكة جزما، وحينئذ فيكون كلام النهر صحيحا ويسقط بحث ابن كمال، لكن قال شيخنا: رأيت في تفسير الرجوع مذهبين منسوبين للحنفية: أحدهما، وهو المشهور، أن معناه الفراغ. والثاني: الرجوع من منى كما قال ابن كمال ا ه. 587 الأعمال الواجبات، لأنه معلق في الآية بالرجوع، والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده اه. فليتأمل. قوله: (فإن فاتت الثلاثة) بأن لم يصمها حتى دخل يوم النهر تعين الدم، لأن الصوم بدل عنه، والنص خصه بوقت الحج. بحر. قوله: (فلو لم يقدر) أي على الدم تحلل: بالحلق أو التقصير. قوله: (وعليه دمان) أي دم التمتع ودم التحلل قبل أوانه بحر عن الهداية، وتمامه فيه وفيما علقناه عليه. قوله: (ولو قدر عليه) أي على الدم، وقوله: بطل صومه أي حكم صومه وهو خليفته عن الهدي في إباحة التحلل بالحلق والتقصير في وقته، فإن الهدي أصل في ذلك، لعدم جواز التحلل قبله لوجوب الترتيب بينهما كما مر، والصوم: أي الثلاثة فقط خلف عن الهدي في ذلك عند العجز عنه، فصار المقصود بالصوم إباحة التحلل بالحلق أو التقصير، فإذا قدر على الأصل قبل التحلل وجب الأصل لقدرته عليه قبل حصول المقصود بخلفه، كما وقدر المتيمم على الماء في الوقت قبل صلاته بالتيمم، بخلاف ما لو قدر على الهدي بعد الحلق أو قبله، لكن بعد أيام النحر. وعن هذا قال في فتح القدير: فإن قدر على الهدي في خلال الثلاثة أو بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي وسقط الصوم لأنه خلف، وإذا قدر على الأصل قبل تأدي الحكم بالخلف بطل الخلف، وإن قدر عليه قبل الحلق قبل أن يصوم السبعة في أيام الذبح أو بعدها لم يلزمه الهدي، لان التحلل قد حصل بالحلق، فوجود الأصل بعده لا ينقض الخلف، كرؤية المتيمم الماء بعد الصلاة بالتيمم، وكذا لو لم يجد حتى مضت أيام الذبح ثم وجد الهدي لان الذبح مؤقت بأيام النحر، فإذا مضت فقد حصل المقصود وهو إباحة التحلل بلا هدي وكأنه تحلل ثم وجده، ولو صام في وقته مع وجود الهدي ينظر، فإن بقي الهدي إلى يوم النحر لم يجزه للقدرة على الأصل، وإن هلك قبل الذبح جاز للعجز عن الأصل فكان المعتبر وقت التحلل اه. ونحوه في شرح الجامع لقاضيخان والمحيط والزيلعي والبحر وغيرها من كتب المذهب المعتبرة، وللشرنبلالي رسالة سماها: بديعة الهدي لما استيسر من الهدي خالف فيها ما في هذه الكتب، وادعى وجوب الهدي بوجوده في أيام النحر سواء حلق أو لا، متمسكا بقولهم العبرة لأيام النحر في العجز والقدرة، وترك اشتراطهم بعد ذلك عدم الحلق لإقامة الصوم مقام الهدي، وادعى أيضا أن كلام الفتح وغيره يدل على أنه يتحلل بالهدي أصلا وبالحلق خلفا، وأن الحلق خلف عن الهدي. ولا يخفى عليك أنه ليس في كلام الفتح ذلك، وأن اتباع المنقول واجب فلا يعول على هذه الرسالة، وقد كتبت على هامشها في عدة مواضع بيان ما فيها من الخلل، والله تعالى أعلم. قوله: (فإن وقف) أي بعد الزوال، إذ الوقوف قبله لا اعتبار به، وقيد بالوقوف لأنه يكون رافضا لعمرته وبمجرد الوجه إلى عرفات هو الصحيح، وتمامه في البحر. قوله: (بطلت عمرته) لأنه تعذر عليه أداؤها لأنه يصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج وذلك خلاف المشروع. بحر. قوله: (فلو أتى الخ) محترز قوله:
588 قبل أكثر طواف العمرة. قوله: (لم تبطل) لأنه أتى بركنها ولم يبق إلا واجباتها من الأقل والسعي. بحر. قوله: (ويتمها يوم النحر) أي قبل طواف الزيارة الباب. قوله: (والأصل أن المأتي به) أي كالطواف الذي نوى به القدوم أو التطوع، ومن جنس حال منه، وما بمعنى نسك، وضمير به هو للشخص الآتي، وضمير به وله عائد على ما وفي وقت متعلق بالمأتي، وقدمنا فروع هذا الأصل عند طواف الصدر. قوله: (وقضيت) أي بعد أيام التشريق شرح اللباب، وتقدم أن المكروه إنشاء العمرة في هذه الأيام لا فعلها فيها بإحرام سابق. تأمل. قوله: (بشروعه فيها) فإنه ملزم كالنذر. بحر. قوله: (ووجب دم الرفض) لان كل من تحلل بغير طواف يجب عليه دم كالمحصر. بحر. قوله: (لأنه لم يوفق للنسكين) أي للجمع بينهما لبطلان عمرته كما علمت، فلم يبق قارنا، والله تعالى أعلم. باب التمتع ذكره عقب القران لاقترانهما في معنى الانتفاع بالنسكين، وقدم القران لمزيد فضله. نهر. قوله: (من المتاع) أي مشتق منه. لان التمتع مصدر مزيد والمجرد أصل المزيد ط. وفي الزيلعي: التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، قال الشاعر: وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من غريب مفارق جعل الانس بالقبر متاعا اه. قوله: (وشرعا أن يفعل العمرة) أي طوافها، لان السعي ليس ركنا فيها على الصحيح كالحج، وقوله الآتي: ثم يحرم بالنصب عطفا على يفعل فهو من تتمة التعريف، وأشار إلى أنه لا يشترط كون إحرام العمرة في أشهر الحج ولا كون التمتع في عام الاحرام بالعمرة، بل الشرط عام فعلها، حتى لو أحرم بعمرة في رمضان وأقام على إحرامه إلى شوال من العام القابل ثم حج من عامه ذلك كان متمتعا كما في الفتح. تنبيه: ذكر في اللباب أن شرائط التمتع أحد عشر: الأول: أن يطوف للعمرة كله أو أكثره في أشهر الحج. الثاني: أن يقدم إحرام العمرة على الحج. الثالث: أن يطوف للعمرة كله أو أكثره قبل إحرام الحج. الرابع: عدم إفساد العمرة. الخامس: عدم إفساد الحج. السادس: عدم الإلمام إلماما صحيحا كما يأتي. السابع: أي يكون طواف العمرة كله أو أكثره والحج في سفر واحد، فلو رجع إلى أهله قبل
589 إتمام الطواف ثم عاد وحج، فإن كان أكثر الطواف في السفر الأول لم يكن متمتعا، وإن كان أكثره في الثاني كان متمتعا، وهذا الشرط على قول محمد خاصة، الثامن: أداؤهما في سنة واحدة، فلو طاف للعمرة في أشهر على ما في المشاهير الحج من هذه السنة وحج من سنة أخرى لم يكن متمتعا وإن لم يلم بينهما أو بقي حراما إلى الثانية. التاسع: عدم التوطن مكة، فلو اعتمر ثم عزم على المقام بمكة أبدا لا يكون متمتعا، وإن عزم شهرين: مثلا وحج كان متمتعا. العاشر: أن لا تدخل عليه أشهر الحج وهو حلال بمكة أو محرم ولكن قد طاف للعمرة أكثره قبلها، إلى أن يعود إلى أهله فيحرم بعمرة. الحادي عشر: أن يكون من أهل الآفاق والعبرة للتوطن، فلو استوطن المكي في المدينة مثلا فهو آفاقي، وبالعكس مكي، ومن كان له أهل بهما واستوت إقامته فيهما فليس بمتمتع وإن كانت إقامته في إحداهما أكثر لم يصرحوا به. قال صاحب البحر: وينبغي أن يكون الحكم للكثير، وأطلق المنع في خزانة الأكمل اه. قوله: (مثلا) المراد أنه طاف ذلك قبل أشهر الحج سواء في ذلك رمضان وغيره. ط. قوله: (من عامه) أي عام الطواف لا عام إحرام العمرة كما مر، وأفاد أنه لو طاف الأكثر قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا ولو حج من عامه، ولا فرق بين أن يكون في ذلك الطواف جنبا أو محدثا ثم يعيده فيها أولا، لان طواف المحدث لا يرتفض بالإعادة، وكذا الجنب، وتمامه في النهر آخر الباب. قال في النهر: والحيلة لمن دخل مكة محرما بعمرة قبل أشهر الحج يريد التمتع أن لا يطوف بل يصبر إلى أن تدخل شهر الحج ثم يطوف، فإنه متى طاف وقع عن العمرة، ثم لو أحرم بأخرى بعد دخول أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا في قول الكل، لأنه صار في حكم المكي بدليل أن ميقاته ميقاتهم اه. قوله: (فلتغير النسخ) أراد بالنسخ ما وجدته في متن مجرد من قوله: هو أن يحرم بعمرة من الميقات في أشهر الحج ويطوف اه. فقيد الاحرام بكونه من الميقات وهو ليس، بقيد بل لو قدمه صح، وكذا لو أخره وإن لزمه دم إذا لم يعد إلى الميقات، وبكونه في شهر الحج وليس. بقيد، بل ولو قدمه صح، بلا كراهة وأطلق في الطواف، فمقتضاه أنه لا بد أن يقع جميعه في أشهر الحج لأنه شرط أن يكون الاحرام في أشهر الحج، والطواف لا يكون إلا بعد الاحرام مع أنه يكفي وجوده أكثر فيها، فلذلك أمر المصنف بتغيير النسخ إلى النسخة التي اعتمدها، وهي قوله أن يفعل العمرة أو أكثر أشواطها في أشهر الحج عن إحرام بها قبلها أو فيها ويطوف الخ، هكذا شرح عليها في المنح، وذكرها بعينها في الشرح أيضا، والشارح أسقط منها قوله: عن إحرام بها قبلها أو فيها اه. قلت: ولعله أسقطه استغناء بالاطلاق. ويرد على هذا التعريف أيضا ما لو أحرم بهما في عامين أو في عام واحد، لكن ألم بأهله إلماما صحيحا، وقد تفطن الشارح للثاني فقيد فيما سيأتي بقوله: في سفر واحد الخ فكان على المصنف أن يقول كما قال الزيلعي: ثم يحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا،
590 لكن يرد عليه أيضا كما في النهر أن فائت الحج إذا أخر التحلل بعمرة إلى شوال فتحلل بها فيه وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا. ويجاب بأن قول المصنف: أن يفعل العمرة يخرجه، لان فائت الحج لا يفعل العمرة لأنه أحرم بالحج لا بها، وإنما يتحلل بصورته أفعالها كما قدمناه، وأشار إليه في البحر هنا أيضا. ويرد عليه أيضا ما صرحوا به من أنه لو أحرم بعمرة يوم النحر فأتى بأفعالها ثم أحرم من يومه بالحج وبقي محرما بالحج إلى قابل فحج كان متمتعا اه. لكن هذا وارد على قول الزيلعي وغيره: ثم يحج: أما قول المصنف: ثم يحرم بالحج فلا لصدقه بما إذا أحرم به في عام العمرة ولم يحج. ويمكن حمل كلام الزيلعي عليه بأن يراد. ثم ينشئ الحج. تأمل قوله: (ويطوف ويسعى الخ) عطف تفسير على قوله: يفعل العمرة ولا حاجة إليه لان بيان أفعال العمرة تقدم مع أنه يوهم لزوم السعي في صحة التمتع وإن كان فيما قبله إشارة إلى عدمه. قوله: (كما مر) أي طوافا وسعيا مماثلين لما مر من بيان صفتهما. قوله: (إن شاء) راجع للامرين: أي إن شاء حلق، وإن شاء قصر، وإن شاء بقي محرما ح. وفي دلالة على أن المتمتع بها الذي لم يسبق الهدي لا يلزمه التحلل كما ذكره الأسبيجابي وغيره، وظاهر الهداية خلافه، وتمامه في شرح اللباب. قوله: (في أول طوافه للعمرة) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر، رواه أبو داود. نهر. قوله: (وأقام بمكة حلالا) هذا ليس بلازم في المتمتع، بل إن أقام بها حج كأهلها فميقاته الحرام، وإن أقام بالمواقيت أو داخلها حج كأهلها فميقاته الحل، وإن أقام خارج المواقيت أحرم فيها، كذا في القهستاني، فقوله: ثم يحرم بالحج يجري على هذا التفصيل ط. تنبيه: أفاد أنه يفعل ما يفعله الحلال، فيطوف بالبيت ما بدا له ويعتمر قبل الحج، وصرح في اللباب بأنه لا يعتمر: أي بناء على أنه صار في حكم المكي، وأن المكي ممنوع من العمرة في أشهر الحج وإن ليحج وهو الذي حط عليه كلام الفتح. وخالفه في البحر وغيره بأنه ممنوع منها إن حج من عامه، وسيأتي تمامه. قوله: (في سفر واحد) كان عليه أن يزيد في عام واحد ليخرج ما إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها وبقي محرما إلى العام الثاني فأحرم بالحج بلا تخلل سفر بينهما فإنه لا يسمى متمتعا كما أشرنا إليه، فافهم. قوله: (حقيقة) أي كما قدمه في قوله: وأقام بمكة حلالا ح. قوله: (أو حكما بأن يلم الخ) أي بأن يكون العود إلى مكة مطلوبا منه، إما بسرق الهدي، وإما بأن يلم بأهله لقبل أن يحلق، أما في الأول فلان هديه يمنعه من التحلل قبل يوم النحر، وأما في الثاني فلان العود إلى الحرم مستحق عليه للحلق في الحرم، وجوبا عندهما، واستحبابا عند أبي يوسف. فالإلمام الصحيح أن يلم بأهله بعد أن حلق في الحرم ولم يكن ساق الهدي لكون العود غير مطلوب منه. والأولى للشارح أن يقول، بأن لا يلم بأهله إلماما صحيحا ليشمل ما إذا كان كوفيا، فلما اعتمر ألم بالبصرة اه ح. والمراد بأن لا يلم في سفره فلا يصدق بعدم الإلمام أصلا، فافهم. ثم اعلم أن ما ذكره من شروط الإلمام الصحيح إنما هو في الآفاقي، أما المكي فلا يشترط فيه ذلك، بل إلمامه صحيح مطلقا لعدم تصور كون عوده إلى الحرام غير مستحق عليه لأنه في الحرم، سواء تحلل أو لا، ساق الهدي أو لا، ولذا لم يصح تمتعه مطلقا كما سيأتي. قوله: (يوم
591 التروية) لأنه يوم إحرام أهل مكة، وإلا فلو أحرم يوم عرفة جاز. معراج. قال في اللباب: والأفضل أن يحرم من المسجد، ويجوز من جميع الحرم مكة أفضل من خارجها، ويصح ولو خارج الحرم، ولكن يجب كونه فيه إلا إذا خرج إلى الحل لحاجة فأحرم منه لا شئ عليه، بخلاف ما لو خرج لقصد الاحرام اه. قوله: (لكنه يرمل في طواف الزيارة) أي لأنه أول طواف يفعله في حجه: أي بخلاف المفرد فإنه يرمل في طواف القدوم كالقران كما مر. قال في البحر: وليس على المتمتع طواف قدوم كما في المبتغى: أي لا يكون مسنونا في حقه، بخلاف القارن، لان المتمتع حيث قدومه محرم بالعمرة فقط، وليس لها طواف قدوم ولا صدر اه. فالاستدراك في محله، فافهم. قوله: (إن لم يكن قدمهما) أي عقب تطوع بعد الاحرام، فلا دلالة في هذا على مشروعية طواف القدوم للمتمتع، خلافا لما فهمه في النهاية والعناية كما بسطه في الفتح. قوله: (وذبح كالقارن) التشبيه في الوجوب والاحكام المارة في هدي القران. قوله: (ولم تنب الأضحية عنه) لأنه أتى بغير الواجب عليه، إذ لا أضحية على المسافر ولم ينو دم التمتع، والتضحية إنما تجب بالشراء بنيتها أو الإقامة ولم يوجد واحد منهما، وعلى فرض وجوبها لم تجز أيضا لأنهما غيران، فإذا نوى عن أحدهما لم يجز عن الآخر معراج الدراية. قال في النهر: وفيه تصريح باحتياج دم المتعة إلى النية، قال في البحر: وقد يقال: إنه ليس فوق طواف الركن ولا مثله، وقد مر أنه لو نوى به التطوع أجزأه، فينبغي أن يكون الدم كذلك بل أولى اه. وأجاب في الشرنبلالية بأن الطواف لما كان متعينا في أيام النحر وجوبا كان النظر لايقاع ما طافه عنه وتلغو نية عيره. وأم الأضحية فهي متعينة في ذلك الزمن كالمتعة، فلا تقع الأضحية مع تعينها عن غيرها اه. والمراد بتعينها تعين زمنها لا وجوبها، حتى يرد عليه أنها لا تجب على المسافر: يعني أن الأضحية لا تسمى أضحية إلا إذا وقعت في أيام النحر، وكذا دم المتعة، فلما كان زمنها متعينا وقد نواها أضحية فلا تقع عن دم المتعة، بخلاف الطواف فإن التطوع به غير مؤقت، فإذا كان عليه طواف مؤقت ونوى به غيره ينصرف إلى الواجب المؤقت لأنه يمكنه التطوع بعده، وكذا لو نوى طوافا آخر واجبا ينصرف إلى الذي حضر وقته ووجب فيه ويلغو الآخر مراعاة للترتيب، كما لو نوى القارن بطوافه الأول القدوم يقع عن العمرة كما مر، فافهم. وأجاب الرحمتي بأن الدم ليس من أفعال الحج والعمرة، ولذا لم يجب على المفرد بأحدهما، بل وجب شكرا على المتمتع بهما فلم يكن داخلا تحت نية الحج والعمرة، فلا بد له من النية والتعيين، فلو نوى غيره لا يجزي كما لو أطلق النية، بخلاف الأطوفة فإنها من أعمالها داخلة تحت إحرامهما فتجزئ بمطلق النية. قوله: (أي العمرة) لأنه صيام بعد وجوب سببه وهو التمتع فإنه يحصل بالعمرة على نية المتعة. وعند الشافعي: لا يجوز حتى يحرم بالحج، وتمام في المحيط. قوله: (لكن في أشهر الحج) مرتبط بالصوم والاحرام، فلو أحرم قبلها وصام فيها لم يصح لأنه لا يلزم من صحة الاحرام بالعمرة قبل الأشهر صحة الصوم. أفاده في الشرنبلالية. قوله: (وتأخيرها)
592 أي إلى السابع والثامن والتاسع كما في القران. قوله: (وإن أراد الخ) هذا هو القسم الثاني من التمتع، وقوله: وهو أفضل أي من القسم الأول الذي لا سوق هدي معه لما في هذا الموافقة لفعل رسول الله (ص) ط. قوله: (أحرم ثم ساق الخ) أتى بثم إشارة إلى أنه يحرم أولا بالنية مع التلبية فإنه أفضل من النية مع السوق وإن صح بشروط وتفصيل قدمناه في باب الاحرام. قوله: (وهو شق سنامها) بأن يطعن بالرمح أسفله حتى يخرج الدم ثم يلطخ بذلك الدم سنامها ليكون ذلك علامة كونها هديا كالتقليد. لباب وشرحه. قوله: (أو الأيمن) اختاره القدوري، لكن الأشبه الأول كما في الهداية. قوله: (لان كل أحد لا يحسنه) جرى على ما قاله الطحاوي والشيخ أبو منصور الماتريدي من أن أبا حنيفة لم يكره أصل الاشعار، وكيف يكرهه مع ما اشتهر به مع من الاخبار، وإنما كره إشعار أهل زمانه الذي يخاف منه الهلاك خصوصا في حر الحجاز فرأى الصواب حينئذ سد هذا الباب على العامة فأما من وقف على الحد بأن قطع الجلد دون اللحم فلا بأس بذلك. قال الكرماني: وهذا هو الأصح، وهو اختيار قوام الدين وابن الهمام، فهو مستحب لمن أحسنه. شرح اللباب. قال في النهر: وبه يستغنى عن كون العمل على قولهما بأنه حسن. قوله: (واعتمر) أي طاف وسعى، والشرط أكثر طوافها كما. قوله: (ولا يتحلل منها حتى ينحر) لان سوق الهدي مانع من إحلاله قبل يوم النحر، فلو حق لم يتحلل من إحرامه ولزمه دم: أي إلا أن يرجع إلى أهله بعد ذبح هديه وحلقه. لباب وشرحه، وتمامه فيه. قال في البحر: ومقتضاه: أي مقتضى لزوم الدم بالحلق أنه يلزمه كل جناية على الاحرام كأنه محرم اه. قلت: بل مقتضى قول اللباب لم يتحلل أنه محرم حقيقة، ويدل له قولهم: إذا كان لسوق الهدي تأثير في إثبات الاحرام ابتداء يكون له تأثير في استدامته بقاء بالأولى لأنه أسهل من الابتداء. قوله: (ثم أحرم للحج) اعلم أن المتمتع إذا أحرم بالحج، فإن كان ساق الهدي أو لم يسق، ولكن أحرم به قبل التحلل من العمرة صار كالقارن، فيلزمه بالجناية ما يلزم القارن، وإن لم يسقه وأحرم بعد الحلق صار كالمفرد بالحج إلا في وجوب دم المتعة وما يتعلق به. شرح اللباب. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية من بقاء إحرام العمرة إلى الحلق، ويحل منه في كل شئ حتى في النساء، لان المانع له من التحلل سوقه الهدي وقد زال بذبحه. وفي القارن يحل منه في كل شئ إلا في النساء كإحرام الحج، وهذا هو الفرق بين المتمتع الذي ساق الهدي وبين القارن، وإلا فلا فرق بينهما بعد الاحرام بالحج على الصحيح كما ذكرنا. بحر. وعليه فإذا حلق ثم جامع قبل الطواف لزمه دم واحد لو متمتعا ودمان لو قارنا، وفي هذا رد لما قيل من أن إحرام العمرة ينتهي بالوقوف كما أوضحه البحر وغيره. قوله: (ومن في حكمه) أي من أهل داخل المواقيت. قوله: (يفرد فقط) هذا ما دام مقيما، فإذا خرج إلى الكوفة وقرن صح بلا كراهة، لان عمرته وحجته ميقاتان فصار بمنزلة الآفاقي. قال المحبوبي: هذا إذا خرج إلى الكوفة قبل أشهر الحج. وأما إذا خرج بعدها
593 فقد منع من القران فلا يتغير بخروجه من الميقات، كذا في العناية. وقول المحبوبي: هو الصحيح، نقله الشيخ الشلبي عن الكرماني شرنبلالية، وإنما قيد بالقران لأنه لو اعتمر هذا المكي في أشهر الحج من عامه لا يكون متمتعا لأنه ملم بأهله بين النسكين حلالا إن لم يسق الهدي، وكذا إن ساق الهدي لا يكون متمتعا، بخلاف الآفاقي إذا ساق الهدي ثم ألم بأهله محرما كان متمتعا لان العود مستحق عليه فيمنع صحة إلمامه. وأما المكي فالعود غير مستحق عليه وإن ساق الهدي فكان إلمامه صحيحا، فلذا لم يكن متمتعا، كذا في النهاية عن المبسوط. قوله: (ولو قرن أو تمتع جاز وأساء الخ) أي صح مع الكراهة للنهي عنه، وهذا ما مشى عليه في التحفة وغاية البيان والعناية والسراج وشرح الأسبيجابي على مختصر الطحاوي. واعلم أنه في الفتح ذكر إن قولهما لا تمتع ولا قران لمكي يحتمل نفي الوجود، ويؤيده أنهم جعلوا الإلمام الصحيح من الآفاقي مبطلا تمتعه والمكي ملم بأهله فيبطل تمتعه. ويحتمل نفي الحل بمعنى أنه يصح لكنه يأثم به للنهي عنه، وعليه فاشتراطهم عدم الإلمام لصحة التمتع بمعنى أنه شرط لوجوده على الوجه المشروع الموجب شرعا للشكر، وأطال الكلام في ذلك. والذي حط عليه كلامه اختيار الاحتمال الأول لأنه مقتضى كلام أئمة المذهب، وهو أولى بالاعتبار من كلام بعض المشايخ: يعني صاحب التحفة وغيره، بل اختار أيضا مع المكي من العمرة المجردة في أشهر الحج وإن لم يحج، وهو ظاهر عبارة البدائع، وخالفه من بعده كصاحب البحر والنهر والمنح والشرنبلالي والقاري، واختاروا الاحتمال الثاني، لان إيجاب دم الجبر فرع الصحة، ولما في المتون في باب إضافة الاحرام إلى الاحرام من أن المكي إذا طاف شوطا للعمرة فأحرم بحج رفضه، فإذا لم يرفض شيئا أجزأه. قال في الفتح وغيره: لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما، إلا أنه منهي والنهي عن فعل شرعي لا يمنع تحقق الفعل على وجه مشروعية الأصل، غير أنه يتحمل إثمه كصيام يوم النحر بعد نذره اه. فهذا يناقض ما اختاره في الفتح أولا: أي فإن هذا تصريح بأنه يتصور قران المكي لكن مع الكراهة، وتمامه في الشرنبلالية. أقول: وقد كنت كتبت على هامشها بحثا حاصله أنهم صرحوا بأن عدم الإلمام شرط لصحة التمتع دون القران، وأن الإلمام الصحيح مبطل للتمتع دون القران، ومقتضى هذا أن تمتع المكي باطل لوجود الإلمام الصحيح بين إحراميه سواء ساق الهدي أو لا، لان الآفاقي إنما يصح إلمامه إذا لم يسق الهدي وحلق، لأنه لا يبقى العود إلى مكة مستحقا عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة لكونه فيها كما صرح به في العناية وغيرها. وفي النهاية والمعراج عن المحيط أن الإلمام الصحيح أن يرجع إلى أهله بعد العمرة، ولا يكون العود إلى العمرة مستحقا عليه، ومن هذا قلنا: لا تمتع لأهل مكة وأهل المواقيت اه. أي بخلاف القران فإنه يتصور منهم لان عمد الإلمام فيه ليس بشرط، ولعل وجهه أن القران المشروع ما يكون بإحرام واحد للحج والعمرة معا، والإلمام الصحيح ما يكون بين إحرام العمرة وإحرام الحج، وهذا يكون في التمتع دون القران، فمن هذا قلنا: إن تمتع المكي باطل دون قرانه، هذا قول ثالث لم أر من صرح به، لكن يدل عليه تصريح البدائع بعدم تصور تمتع المكي. وأما قوله في
594 الشرنبلالية: إنه خاص بمن لم يسق الهدي وحلق دون من ساقه أو لم يسقه ولم يحلق لان إلمامه حينئذ غير صحيح، فغير صحيح لما علمت من التصريح بأن إلمامه صحيح ساق الهدي أو لا، ويدل عليه أيضا عبارة المحيط المذكور، وكذا ما مر من الفرع المذكورة في باب إضافة الاحرام فإنه صريح في عدم بطلان قرانه. ثم رأيتما يدل على ذلك أيضا، وذلك ما في النهاية عن الاسرار للامام أبي زيد الدبوسي حيث قال: ولا متعة عندنا ولا قران لمن كان وراء الميقات على معنى أن الدم لا يجب نسكه. أما التمتع فإنه لا يتصور لفلمام الذي يوجد منه بينهما. وأما القران فيكره ويلزمه الرفض، لان القران أصله أن يشرع القارن في الاحرامين معا والشروع معا من أهل مكة لا يتصور إلا بخلل في أحدهما، لأنه إن جمع بينهما في الحرم فقط أخل بشرط إحرام العمرة فإن ميقاته الحل، وإن أحرم بهما من الحل فقد أخل بميقات الحجة لان ميقاتها الحرم، والأصل في ذلك أهل مكة فلذا لم يشرع في حق من وراء ا لميقات أيضا اه: أي إن من كان وراء الميقات: أي داخله لهم حكم أهل مكة، فهذا صريح في أهل مكة ومن في حكمهم لا يتصور منهم التمتع ويتصور منهم القران، لكن مع الكراهة للاخلال بميقات أحد الاحرامين. ثم رأيت مثل ذلك أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كتب ظاهر الرواية. ونصه: وإذا خرج المكي إلى الكوفة لحاجة فاعتمر فيها من عامه وحج لم يكن متمتعا، وإن قرن من الكوفة كان قارنا اه. ونقله في الجوهرة معللا موضحا فراجعها. وعلى هذا فقول المتون: ولا تمتع ولا قران لمكي، معناه نفي المشروعية والحل، ولا ينافي عدم التصور في أحدهما دون الآخر، والقرينة على هذا تصريحهم بعده ببطلان التمتع بالإلمام الصحيح فيما لو عاد المتمتع إلى بلده، وتصريحهم في باب إضافة الاحرام بأنه إذا قرن ولم يرفض شيئا منهما أجزأه، هذا ما ظهر لي فاغتنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب. قوله: (ولا يجزئه الصوم لو معسرا) لأن الصوم إنما يقع بدلا عن دم الشكر لا عن دم الجبر. شرح اللباب. قوله: (ثم بعد عمرته) قيد به لأنه لو عاد بعد ما طاف لها الأقل لا يبطل تمتعه، لان العود مستحق عليه لأنه ألم بأهله محرما، بخلاف ما إذا طاف الأكثر (1). بحر. قوله: (عاد إلى بلده) فلو عاد إلى غيره لا يبطل تمتعه عند الامام وسويا بينهما. نهر. قوله: (وحلق) ظاهره أن الحلق بعد العود، ففيه ترك الواجب عندهما. والمستحب عند أبي يوسف كما مر، ولو حذفه لفهم مما قبله. قال في البحر: ودخل في قوله: بعد العمرة الحلق فلا بد للبطلان منه لأنه من واجباتها وبه التحلل، فلو عاد بعد طوافها قبل الحلق ثم حج من عامه قبل أن يحلق في أهله فهو متمتع، لان العود مستحق عليه عند من جعل الحرم شرط جواز الحلق، وهو أبو حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف: إن لم يكن مستحقا فهو مستحب، كذا في البدائع وغيره اه. قوله: (فقد ألم إلماما صحيحا) لان العود لم يبعد مستحقا عليه كما مر. قوله: (فبطل
(1) قوله: (بخلاف ما إذا طاف الأكثر) ظاهره ان طواف الأكثر يمنع استحقاق العود عليه، وفيه نظر، فنا طواف الأقل واجب، فيكون العود مستحقا عليه كما إذا عاد قبل الحلق بل أولى، لما في مسألة الحلق من الخلاف في وجوب كونه في الحرم بخلاف هذه تأمل. ا ه. 595 تمتعه) أي امتنع التمتع الذي أراده لفقد شرطه وهو عدم إلمام الصحيح. قوله: (ومع سوقه تمتع) أي لا يبطل تمتعه بعوده عندهما خلافا لمحمد، لان العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع لان السوق يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه، كذا في الهداية. وفي قوله ما دام إيماء إلى أنه لو بدا له بعد العمرة أن لا يحج من عامه كان له ذلك، لأنه لم يحرم بالحج بعد. وإذا ذبح الهدي أو أمر بذبحه وقع تطوعا. أما إذا لم يعد إلى بلده وأراد نحر الهدي والحج من عامه لم يكن له ذلك، وإن فعل وحج من عامه لزمه التمتع ودم آخر لإحلاله قبل يوم النحر. كذا في المحيط. نهر. قال في البحر: فالحاصل أنه إذا ساق الهدي، فلا يخلو إما أن يتركه إلى يوم النحر أو لا. فإن تركه إليه فتمتعه صحيح ولا شئ عليه غيره سواء عاد إلى أهله أو لا. وإن تعجل ذبحه: فإما أن يرجع إلى أهله أو لا، فإن رجع فلا شئ عليه مطلقا سواء حج من عامه أو لا، وإن لم يرجع إليهم، فإن لم يحج من عامه فلا شئ عليه، وإن حج منه لزمه دمان: دم المتعة، ودم الحل قبل أوانه. قوله: (كالقارن) فإنه لا يبطل قرانه بعوده. نهر. لأن عدم الإلمام غير شرط فيه كما مر. قوله: (وإن طاف لها الخ) قدم الشارح المسألة أول الباب، وقدمنا الكلام عليها. قوله: (اعتبارا للأكثر) علة للمسألتين ط. قوله: (أي آفاقي) أشار به إلى أن ذكر الكوفي مثال، وأن المراد به من كان خارج الميقات، لان المكي لا تمتع له كما مر. قوله: (حل من عمرته فيها) لأنه لو اعتمر قبلها لا يكون متمتعا اتفاقا. نهر. قوله: (أي داخل المواقيت) أشار إلى أن ذكر مكة غير قيد، بل المراد هي أو ما في حكمها. قوله: (أي غير بلده) أفاد أن المراد مكان لا أهل له فيه، سواء اتخذه دارا بأن نوى الإقامة فيه خمسة عشر يوما أو لا، كما في البدائع وغيرها، وقيد به لأنه لو رجع إلى وطنه لا يكون متمتعا اتفاقا أيضا إن لم يكن ساق الهدي. نهر. قوله: (لبقاء سفره) أما إذا قام بمكة أو داخل المواقيت فلانه ترفق بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج، وهو علامة التمتع. وأما إذا أقام خرجها فذكر الطحاوي أن هذا قول الإمام. وعندهما: لا يكون متمتعا لان التمتع من كانت عمرته ميقاتية وحجته مكية، وله أن حكم السفر الأول قائم ما لم يعد إلى وطنه، وأثر الخلاف يظهر في لزوم الدم، وغلطه الجصاص في نقل الخلاف بل يكون متمتعا اتفاقا، لان محمدا ذكر المسألة ولم يحك فيها خلافا. قال أبو اليسر: وهو الصواب. وفي المعراج أنه الأصح، لكن قال في الحقائق: كثير من مشايخنا قالوا: الصواب ما قاله الطحاوي. وقال الصفار: كثيرا ما جربنا الطحاوي فلم نجده غالطا، وكثيرا ما جر بنا الجصاص فوجدناه غالطا. قال الزيلعي: والمسألة الآتية تؤيد ما حكاه الطحاوي نهر. قوله: (ولو أفسدها) أي في أشهر الحج بأن جامع قبل أفعالها. أما لو أفسدها قبلها ثم خرج قبل أشهر الحج وقضاها فيها وحج من عامه كان متمتعا اتفاقا. نهر. قوله: (ورجع من البصرة) الأولى أن يقول: إلى البصرة لأنه كان في مكة حين شرع بالعمرة. وعبر في
596 الملتقي بقوله: ولو أفسدها وأقام ببصرة، وعبر في الكنز بقوله: وأقام بمكة، فعلم أن كلا من البلدين غير قيد، ولذا قال في النهر: والمراد موضع لا أهل له فيه، دل على ذلك قوله: إلا إذا ألم بأهله. قوله: (لأنه كالمكي) لان سفره انتهى بالفاسدة وصارت عمرته الصحيحة مكية، ولا تمتع لأهل مكة. نهر. قوله: (إلا إذا ألم بأهله) أي بعد ما أفسدها وحل منها. نهر. قوله: وأتى بهما أي بقضاء العمرة وبأداء الحج. شرنبلالية. وإذا لم يلم بأهله، فإن أقام بمكة فهو بالاتفاق، وإن أقام ببصرة فهو غير متمتع عنده. وقالا: متمتع لأنه أنشأ سفرا وقد ترفق فيه بنسكين. وله أنه باق على سفره ما لم يرجع إلى وطنه كما في الهداية، وهذا يؤيد ما مر عن الطحاوي. قوله: (لأنه سفر آخر) أي لان رجوعه بعد الإلمام إنشاء سفر آخر للحج والعمرة فيكون متمتعا لبطلان سفره الأول، ولا يضر تمتعه كونه عمرته قضاء. قوله: (أتمه) أي مضى فيه لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الاحرام إلا بالافعال. هداية. قوله: (بلا دم للتمتع) لأنه لم يترفق بأداء نسكين صحيحين في سفرة واحدة. هداية. قوله: (بل للفساد) أي بل عليه دم لم أفسده وهو دم جناية، فالمنفي دم الشكر. باب الجنايات لما فرغ من ذكر أقسام المحرمين وأحكامها شرع في بيان عوارضهم، باعتبار الاحرام والحرم من الجنايات والفوات والاحصار، وقدم الجنايات لان الأداء القاصر أفضل من العدم وهي ما تجنيه من شر، تسمية بالمصدر من جنى عليه جناية، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جنى الثمر: وهو أخذه من الشجر كما في المغرب، والمراد هنا خاص منه وهو ما ذكره الشارح، وجمعها باعتبار أنواعها. نهر. قوله: (بسبب الاحرام أو الحرم) حاصل الأول سبعة نظمها الشيخ قطب الدين بقوله: محرم الاحرام يا من يدري * إزالة الشعر وقص الظفر واللبس والوطئ مع الدواعي * والطيب والدهن وصيد البر زاد في البحر ثامنا: وهو ترك واجب من واجبات الحج، فلو قال: محرم الاحرام ترك واجب الخ كان أحسن. وحاصل الثاني التعرض لصيد الحرم وشجره. وقال في البحر: وخرج بقوله: بسبب الخ ذكر الجماع بحضرة النساء لأنه منهي عنه مطلقا فلا يوجب الدم. وقال ط: وفيه أن ذكره إنما نهى عنه مطلقا بحضرة من لا يجوز قربانه، أما الحلائل، فلا يمنع إلا المحرم وهو داخل فيما تكون حرمته بسبب الاحرام وإن كان لا يجب عليه شئ. قوله: (وقد يجب بها دماء) كجناية القارن والمتمتع الذي ساق الهدي بعد أن تلبس بإحرام الحج ط. قوله: (أو دم) كأكثر جنايات المفرد. قوله: (أو صوم أو صدقة) أو فيهما للتخيير، وذلك فيما إذا جنى على الصيد أو تطيب أو لبس أو حلق بعذر، فيخير بين الذبح والتصدق والصيام على ما سيأتي، أو أن الثانية فقط للتخيير فيخير بين
597 الصوم والصدقة في نحو ما لو قتل عصفورا. وفي الهداية: وكل صدقة في الاحرام غير مقدرة فهي نصف صاع من بر، إلا ما يجب بقتل القملة الجرادة اه. زاد الشرح: أو بإزالة شعرات قليلة. لكن أراد بالصدقة هنا الأعم بدليل قوله في شرح الملتقى أو صدقة ولو ربع صاع بقتل حمامة أو تمرة بقتل جرادة. قوله: (ففصلها) أي فلما اختلفت أنواعه فصلها ط فالفاء تفريعية. قوله: (الواجب دم) فسره ابن ملك بالشاة، وأشار في البحر إلى سره بقوله: إن سبع البدنة لا يكفي في هذا الباب، بخلاف دم الشكر، لكن قال بعده: فيما لو أفسد حجه بجماع في أحد السبيلين أنه يقوم الشرك في البدنة مقام الشاة، فليتأمل. اه شرنبلالية. قلت: وفي أضحية القهستاني: لو ذبح سبعة عن أضحية ومتعة وقران وإحصار وجزاء الصيد أو الحلق والعقيقة والتطوع فإنه يصح في ظاهر الأصول. وعن أبي يوسف: الأفضل أن تكون من جنس واحد، فلو كانوا متفرقين، وكل واحد متقرب جاز، وعن أبي يوسف أنه يكره كما في النظم. اه ثم رأيت بعض المحشين قال: وما فالبحر مناقض لما ذكره وهو في باب الهدي أن سبع البدنة يجزي، وكذلك أغلب كتب المذهب والمناسك مصرخة بالاجزاء اه. فافهم. تنبيه: في شرح النقاية للقاري: ثم الكفارات كلها واجبة على التراخي، فيكون مؤديا في أي وقت، وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره في وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤده لفات، فإن لم يؤد فيه حتى مات أثم وعليه الوصية به، ولو لم يوص لم يجب على الورثة، ولم تبرعوا عنه جاز إلا الصوم. قوله: (ولو ناسيا الخ) قال في اللباب: ثم لا فرق في وجوب الجزاء بين ما إذا جنى عامدا أو خاطئا، مبتدئا أو عائدا، ذاكرا أو ناسيا، عالما أو جاهلا طائعا أو مكرها، نائما أو منتبها، سكران أو صاحيا، مغمى عليه أو مفيقا، موسرا أو معسرا بمباشرته أو مباشرة غيره بأمره. قال شارحه القاري: وقد ذكر ابن جماعة عن الأئمة الأربعة أنه إذا ارتكب محظور الاحرام عامدا يأثم، ولا تخرجه الفدية والعزم عليها عن كونه عاصيا. قال النووي: وربما ارتكب بعض العامة شيئا من هذه المحرمات وقال: أنا أفدي، متوهما أنه بالتزام الفداء يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، فإذا خالف أثم ولزمته الفدية وليست الفدية مبيحة للاقدام على فعل المحرم وجهالة هذا كجهالة من يقول: أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئا مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه من أن يكون مبرورا اه. وقد صرح أصحابنا بمثل هذا في الحدود فقالوا: إن الحد لا يكون طهرة من الذنب ولا يعمل في سقوط الاثم، بل لا بد من التوبة، فإن تاب كان الحد طهرة له وسقطت عنه العقوبة الأخروية بالاجماع، وإلا فلا، لكن قال صاحب الملتقط في كتاب الايمان: إن الكفارة ترفع الاثم وإن لم توجد منه التوبة من تلك الجناية اه. ويؤيده ما ذكره الشيخ نجم الدين النسفي في تفسيره - التيسير - عند قوله تعالى: * (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) (البقرة: 871) أي اصطاد بعد هذا الابتداء (1)، قيل هو العذاب في الآخرة مع
(1) قوله: (اي اصطاد بعد هذا الابتداء الخ) لعل الصواب ابداله بالابتلاء، لأنه المتقدم ذكره في الآية، وليس للابتداء فيما ذكر أصلا تأمل ا ه. 598 الكفارة في الدنيا إذا لم يتب منه فإنها لا ترفع الذنب عن المصر اه. وهذا تفصيل حسن وتقييد مستحسن يجمع به بين الأدلة والروايات، والله أعلم اه: أي فيحمل ما في الملتقط على غير المصر وما في غيره على المصر، وقد ذكر هذا التوفيق العلامة نوح في حاشية الدرر. تتمة: يستثنى من الاطلاق المار في وجوب الجزاء ما في اللباب: لو ترك شيئا من الواجبات بعذر لا شئ عليه ما في البدائع. وأطلق بعضهم وجوبه فيها إلا فيما ورد النص به، وهي ترك الوقوف بمزدلفة وتأخير طواف الزيارة عن وقته، وترك الصدر للحيض والنفاس، وترك المشي في الطواف والسعي، وترك السعي، وترك الحلق لعلة في رأسه اه. لكن ذكر شارحه ما يدل على أن المراد بالعذر ما لا يكون من العباد حيث قال عند قول اللباب: ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصار فعليه دم: هذا غير ظاهر لان الاحصار من جملة الاعذار، إلا أن يقال: ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصار فعليه دم: هذا غير ظاهر لان الاحصار من جملة الاعذار، إلا أن يقال: إن هذا مانع من جانب المخلوق فلا يؤثر، ويدل له ما في البدائع فيمن أحصر بعد الوقوف حتى مضت أيام النحر ثم خلى سبيله أن عليه دما لترك الوقوف بمزدلفة ودما لترك الرمي ودما لتأخير طواف الزيارة اه. ومثله في إحصار البحر، وسيأتي توضيحه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (فيجب) تفريع على ما يفهم من المقام من عدم اشتراط الاختيار الذي أفاده ذكر الناسي والمكروه، ووجه الوجوب أن الارتفاق حصل للنائم وعدم الاختيار أسقط الاثم عنه، كما إذا أتلف شيئا. منح ط. قوله: (غطى رأسه) بالبناء للفاعل أو المفعول. قوله: (إن طيب) أي المحرم عضوا أي من أعضائه كالفخذ والسابق والوجه والرأس لتكامل الجناية بتكامل الارتفاق، والطيب جسم له رائحة مستلذة كالزعفران والبنفسج والياسمين ونحو ذلك، وعلم من مفهوم شرطه أنه لو شم طيبا أو ثمارا طيبة لا كفارة عليه وإن كره، وقيد بالمحرم لان الحلال لو طيب عضوا ثم أحرم فانتقل منه إلى آخر فلا شئ عليه اتفاقا، وقيدنا بكونه من أعضائه لأنه لو طيب عضو غيره أو ألبسه المخيط منه فلا شئ عليه إجماعا كما في الظهيرية. نهر. قوله: (كاملا) لان المعتبر الكثرة. قال ابن الكمال في شرح الهداية: واختلف المشايخ في الحد الفاصل بين القليل والكثير لاختلاف عبارات محمد، ففي بعضها جعل حد الكثرة عضوا كبيرا، وفي بعضها في تنفس الطيب، فبعضهم اعتبر الأول، وبعضهم اعتبر الثاني فقال: إن بحيث يستكثره الناظر كالكفين من ماء الورد والكف من مسك وغالية فهو كثير، وما لا فلا. وبعضهم اعتبر الكثرة بربع العضو الكبير فقال: لو طيب ربع الساق أو الفخذ يلزم الدم، وإن كان أقل يلزم الصدقة. وقال شيخ الاسلام: إن كان الطيب في نفسه قليلا فالعبرة للعضو الكامل، وإن كان كثيرا لا يعتبر العضو (1) ا ه ملخصا. وهذا توفيق بين الأقوال الثلاثة، حتى لو طيب بالقليل عضوا كاملا أو بالكثير ربع عضو لزم الدم وإلا فصدقة، وصححه في المحيط. وقال في الفتح: إن التوفيق هو التوفيق، ورجح في البحر الأول وهو ما في المتون، فافهم.
(1) قوله: (وان كان كثيرا لا يعتبر الخ) بل يعتبر ربع عضو كبير، ولا بد من هذا الاعتبار ليتم التوفيق، لان الأحوال ثلاثة ا ه. وحاصل التوفيق بين الأقوال الثلاثة ان من اعتبر العضو يقيده بحالة قلة الطيب ومن اعتبر ربع العضو يقيده بحالة كثرة الطيب، ومن اعتبر كثرة الطيب يشترط بلوغ المدهون ربع عضو كبير ا ه. 599 هذا وقال في الشرنبلالية: قوله كالرأس بيان للمراد من العضو فليس كأعضاء العورة، فلا تكون الاذن مثلا عضوا مستقلا اه. وكذا قال ابن الكمال: أن المراد الاحتراز عن العضو الصغير مثل الانف والاذن لما عرفت أن من اعتبر في حد الكثرة العضو الكامل قيده بالكبير اه. ثم ما ذكر من أن فيما دون الكامل صدقة هو قولهما. وقال محمد: يجب بقدره، فإن بلغ نصف العضو تجب صدقة قدر نصف قيمة الشاة أو ربعا فربع وهكذا. قال في البحر: واختاره الامام الأسبيجابي مقتصرا عليه بلا نقل خلاف. قوله: (بأكل طيب) أي خالص بلا خلط وبلا طبخ وإلا فسيأتي حكمه. قوله: (كثير) هو ما يلتزق بأكثر فمه فعليه الدم. قال في الفتح، وهذه تشهد لعدم اعتبار العضو مطلقا في لزوم الدم، بل ذاك إذا لم يبلغ مبلغ الكثرة في نفسه على ما قدمناه اه. بحر. أي فإن لزوم الدم بالطيب الكثير هنا وإن لم يعم جميع الفم يشهد لما مر من التوفيق، وبه يظهر أن قول الشارح ولو فمه بعد قوله: عضوا كاملا فيه ما فيه فإنه يوهم أن المراد بالكثير هنا ما يعم جميع الفم. تأمل. قوله: (أو ما يبلغ عضوا الخ) عطف على عضوا أي أو طيب مواضع لو جمعت تبلغ عضوا كاملا فإنه يجب عليه الدم. والظاهر اعتبار بلوغ أصغر عضو من الأعضاء المطيبة كما اعتبروه بانكشاف العورة، لكن بعد كون ذلك الأصغر عضوا كبيرا لما علمت من أن الصغير لا يجب فيه الدم إلا إذا كان الطيب كثيرا على ما مر من التوفيق. قوله: (فلكل طيب) أي طيب مجلس من تلك المجالس إن شمل عضوا واحدا أو أكثر. قوله: (كفارة) سواء كفر للأول أم لا عندهما. وقال محمد: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول. بحر. قوله: (لتركه) لان ابتداءه كان محظورا فيكون لبقائه حكم ابتدائه. بحر. قوله: (المطيب أكثره) ظاهره أن المعتبر أكثر الثوب لا كثرة الطيب، وقد تبع في ذلك الشرنبلالية مع أنه ذكر فيها وفي الفتح وغيره أن المعتبر كثرة الطيب في الثوب وأن المرجع فيه العرف، حتى أنه في البحر جعل هذا مرجحا للقول الثاني من الأقوال المارة لأنه يعم البدن والثوب. قلت: لكن نقلوا عن المجرد: إن كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما يطعم نصف صاع، وإن كان أقل من يوم فقبضة. قال في الفتح: يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في القليل ا: أي حيث أوجب به صدقة لا دما، ومع هذا يفيد اعتبار الكثرة في الثوب لا في الطيب إلا أنه لا يفيد أن المعتبر أكثر الثواب، بل ظاهره أن ما زاد على الشبر كثير موجب للدم لكثرة الطيب حينئذ عرفا، فرجع إلى اعتبار الكثرة في الطيب لا في الثوب، وعلى هذا فيمكن إجراء التوفيق والمار هنا أيضا بأن الطيب إذا كان في نفسه كثيرا لزم الدم وإن أصاب من الثوب أقل من شبر، وإن كان قليلا لا يلزم حتى يصيب أكثر من شبر في شبر، وربما يشير إليه قولهم: لو ربط مسكا أو كافورا أو عنبرا كثيرا في طرف إزاره أو ردائه لزمه دم أي إن دام يوما ولو قليلا فصدقة، فتأمل. قوله: (فيشترط للزوم الدم) أفرد الدم، لان المراد بالثوب ثوب المحرم من إزار أو رداء، أما لو كان مخيطا فيجب بدوام لبسه دم آخر سكت عن بيانه لأنه سيأتي. قوله: (دوام لبسه يوما) أشار بتقدير الطيب في الثوب بالزمان إلى الفرق بينه وبين العضو فإنه لا يعتبر فيه الزمان، حتى لو غسله من ساعته فالدم واجب كما في الفتح، بخلاف الثوب. قوله: (أو خضب رأسه) أي مثلا، وإلا فلو
600 خضبت يدها أو خضب لحيته بحناء وجب الدم أيضا كما حرره في النهر على خلاف ما في البحر. قوله: (بحناء) بالمد منونا لأنه فعال لا فعلاء ليمنع صرفه ألف التأنيث. فتح. وصرح به مع دخوله في الطيب للاختلاف فيه. بحر. قوله: (أما المتلبد الخ) التلبيد أن يأخذ شيئا من الخطمي والآس والصمغ فيجعله في أصول الشعر ليتلبد. بحر. فالمناسب أن يقول: أما الثخين، قال في الفتح: فإن كان ثخينا فلبد الرأس ففيه دمان للطيب والتغطية إن دام يوما وليلة لي جميع رأسه أو ربعه اه. أما لو غطاه أقل من يوم فصدقة وهذا في الرجل، أما المرأة فلا تمنع من تغطية رأسها. واستشكل في الشرنبلالية إلزام الدم بالتغطية بالحناء بقولهم: إن التغطية بما ليس بمعتاد لا توجب شيئا. قلت: وقد يجاب بأن التغطية بالتلبيد معتادة لأهل البوادي لدفع الشعث والوسخ عن الشعر، وقد فعله (ص) في إحرامه. واستشكله في البحر بأنه لا يجوز استصحاب التغطية الكائنة قبل الاحرام، بخلاف الطيب، لكن أجاب المقدسي بأن التلبيد الذي فعله عليه الصلاة والسلام يجب حمله على ما هو سائغ وهو اليسير الذي لا تحصل به تغطية. قلت: وعليه يحمل ما في الفتح عن رشيد الدين في مناسكه: وحسن أن يلبد رأسه قبل إحرامه. قوله: (أو ادهن) بالتشديد: أي دهن عضوا كاملا لباب. وذكر شارحه أن بعضهم اعتبر كثرة الطيب بما يستكثره الناظر. قال: ولعل محله فيما لا يكون عضو كاملا على ما مر: أي من التوفيق، وأنه في النوادر أوجب الدم بدهن ربع الرأس أو اللحية، وأنه تفريع على رواية الربع في الطيب، والصحيح خلافها. قوله: (لأنهما أصل الطيب) باعتبار أنه يلقى فيهما الأنوار كالورد والبنفسج فيصيران طيبا، ولا يخلوان عن نوع طيب، ويقتلان الهوام، ويلينان الشعر، ويزيلان التفث والشعث. بحر. وهذا عند الامام. وقالا: عليه صدقة. قوله: (بخلاف بقية الادهان) عبارة البحر: وأراد بالزيت دهن الزيتون والسمسم وهو المسمى بالشيرج فخرج بقية الادهان كالشحم والسمن اه. ومقتضاه خروج نحو دهن اللوز ونوى المشمش، فليتأمل. قوله: (فلو أكله) أي دهن الزيت أو الخل، وأفرد الضمير لمكان أو وهذا تفريع على مفهوم قوله: ادهن. قوله: (أو استعطه) أي استنشقه بأنفه. قوله: (اتفاقا) لأنه ليس بطيب من كل وجه، فإذا لم يستعمل على وجه التطيب لم يظهر حكم الطيب. قوله: (ولو على وجه التداوي) لكنه يتخير بين الدم والصوم والاطعام على ما سيأتي. نهر. قوله: (ولو جعله) أي الطيب في طعام الخ. اعلم أن خلط الطيب بغيره على وجوه، لأنه إما أن يخلط بطعام مطبوخ أو لا. ففي الأول لا حكم للطيب سواء كان غالبا أو مغلوبا، وفي الثاني الحكم للغلبة: إن غلب الطيب وجب الدم، وإن لم يظهر رائحته كما في الفتح، وإلا فلا شئ عليه، غير أنه إذا وجدت معه الرائحة كره، وإن خلط
601 بمشروب فالحكم فيه للطيب سواء غلب غيره أم لا، غير أنه في غلبة الطيب يجب الدم، وفي غلبة الغير تجب الصدقة، إلا أن يشرب مرارا فيجب الدم. وبحث في البحر أنه ينبغي التسوية بين المأكول والمشروب المخلوط كل منهما بطيب مغلوب. إما بعدم وجوب شئ أصلا أو بوجوب الصدقة فيهما، وتمامه فيه. تنبيه: قال ابن أمير حاج الحلبي: لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر الغلبة، ولم يفصلوا بين القليل والكثير كما في أكل الطيب وحده. والظاهر أنه إن وجد من المخالط رائحة الطيب كما في الخلط فهو غالب وإلا فمغلوب، وإذا كان غالبا فإن أكل منه أو شرب شيئا كثيرا وجب عليه دم، والكثير ما يعده العارف العدل كثيرا والقليل ما عداه، فإن أكل ما يتخذ من الحلوى المبخرة بالعود ونحوه فلا شئ عليه، غير أنه إن وجدت الرائحة منه كره، بخلاف الحلوى المضاف إلى أجزائها الماورد والمسك، فإن في أكل الكثير دما والقليل صدقة اه. نهر. قلت: لكن قول الفتح المار في غير المطبوخ: وإن لم تظهر رائحته، يفيد اعتبار الغلبة بالاجزاء لا بالرائحة، وقد صرح به في شرح اللباب. ثم الظاهر أنه أراد بالحلوى الغير المطبوخة، وإلا فالمطبوخ لا تفصيل فيه كما علمت. تأمل. هذا حكم المأكول والمشروب، وأما إذا خلط بما يستعمل في البدن كأشنان ونحوه، ففي شرح اللباب عن المنتقى: إن كان إذا نظر إليه قالوا هذا أشنان فعليه صدقة، وإن قالوا هذا طيب عليه دم. قوله: (كره) أي إن وجدت معه الرائحة كما مر. قوله: (أو لبس مخيطا) تقدم تعريفه في فصل الاحرام. قوله: (لبسا معتادا) بأن لا يحتاج في حفظه عند الاشتغال بالعمل إلى تكلف. وضده أن يحتاج إليه بأن يجعل ذيل قميصه مثلا أعلى وجيبه أسفل. شرح اللباب. قوله: (أو وضعه الخ) أي لو ألقى القباء على كتفيه ولم يدخل فيه يديه ولم يزره لا شئ عليه إلا الكراهة، وتقدم تمام الكلام في فصل الاحرام. قوله: (أو ستر رأسه) أي كله أو ربعه، ومثله الوجه كما يأتي، بخلاف ما لو عصب نحو يده، وعطفه على لبس المخيط، لان الستر قد يكون بغيره كالرداء والشاش. أفاده في النهر. قوله: (بمعتاد) أي بما يقصد به التغطية عادة. قوله: (إجانة) بكسر الهمزة وتشديد الجيم: أي مركن. شرح اللباب. وكطاسة وطست. قوله: (أو عدل) بكسر العين وقد تفتح: أي أحد شقي حمل الدابة شرح اللباب، وقيد العدل في البحر والمنح بالمشغول، بل لا يسمى عدلا إلا بذلك، لأنه حينئذ يعادل به قرينه، فلذا أطلقه هنا. رحمتي. قلت: لكني لم أر في البحر والمنح التقييد بما ذكر، فلتراجع نسخة أخرى. قوله: (يوما كاملا أو ليلة) الظاهر أن المراد مقدار أحدهما، فلو لبس من نصف النهار إلى نصف الليل من غير انفصال أو بالعكس لزمه دم كما يشير إليه قوله: وفي الأقل صدقة شرح اللباب. قوله: (وفي الأقل صدقة) أي نصف صاع من بر، وشمل الأقل الساعة الواحدة: أي الفلكية وما دونها، خلافا لما في حزانة الأكمل أنه في ساعة نصف ساع وفي أقل من ساعة قبضة من بر اه. بحر. ومشى اللباب على ما في الخزانة، وأقره شارحه واعترض بمخالفته لما ذكره الفقهاء. تنبيه: ذكر بعض شراح المناسك: لو أحرم بنسك وهو لابس المخيط وأكلمه في أقل من يوم
602 وحل منه لم أر فيه نصا صريحا، ومقتضى قولهم إن الارتفاق الكامل والموجب للدم لا يحصل إلا بلبس يوم كامل أن تلزمه صدقة. ويحتمل أن يقال: إن التقدير باليوم باعتبار كمال الارتفاق إنما هو فيما إذا طال زمن الاحرام، أما إذا قصر كما في مسألتنا فقد حصل كمال الارتفاق فينبغي وجوب الدم، ولكن مع هذا لا بد من نقل صريح. قوله: (وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا) ومثله العكس كما. في شرح اللباب. قوله: (ولو جميع ما يلبس) مبالغة على قوله: أو لبس مخيطا أي لو جمع اللباس من قميص وقباء وعمامة وقلنسوة وسراويل وخف ولبس يوما فعليه دم واحد إن اتحد السبب كما في اللباب: أي إن كان لبس الكل لضرورة أو لغيرها، فلو اضطر للبعض تعدد الدم كما يأتي، وظاهر ما ذكر أنه لا يلزم لبس الكل في مجلس واحد خلافا لما قيده به القاري، بل يكفي جمعها في يوم واحد، ويدل عليه قوله في اللباب: ويتحد الجزاء مع تعدد اللبس بأمور منها اتحاد السبب، وعدم العزم على الترك عند النزع، وجمع اللبس كله في مجلس أو يوم اه: أي مع اتحاد السبب كما علمت، أما لو لبس البعض في يوم والبعض في يوم آخر تعدد الجزاء وإن اتحد السبب. قوله: (ما لم يعزم على الترك) فإن نزعه على قصد أن يلبسه ثانيا أو ليلبس بدله لا يلزمه كفارة أخرى لتداخل لبسيه وجعلهما لبسا واحد حكما. شرح اللباب. قوله: (كإنشائه بعده) أي في وجوب الدم إن دام يوما أو ليلة، وفيه إشارة إلى صحة إحرامه وهو لابس بلا عذر، خلافا لما يعتقده العوام، لان التجرد عن المخيط من واجبات الاحرام لا من شروط صحته. قوله: (ولو تعدد سبب اللبس) كما إذا كان به حمى فاحتاج إلى اللبس لها فزالت وأصابه مرض آخر أو حمى غيرها ولبس فعليه كفارتان، كفر للأول أو لا، وإذا حصره العدو فاحتاج إلى اللبس للقتال أياما يلبسها إذا خرج وينزعها إذا رجع فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو،، فإن ذهب وجاء عدو غيره لزمه كفارة أخرى، ومقتضى ذلك كما قال الحلبي أنه إذا لبس لدفع برد ثم صار ينزع ويلبس لذلك ثم زال ذلك البرد وأصابه برد آخر فلبس لذلك أنه يجب عليه كفارتان. بحر. قوله: (ولو اضطر الخ) تخصيص لما قبله من تعدد الجزاء بتعدد السبب. قال في الذخيرة: والأصل في جنس هذه المسائل أن الزيادة في موضع الضرورة لا تعتبر جناية مبتدأة. وفي اللباب: فإن تعدد السبب كما إذا اضطر إلى لبس ثوب فلبس ثوبين، فإن لبسهما على موضع الضرورة نحو أن يحتاج إلى قميص فليس قميصين أو قميصا وجبة أو يحتاج إلى قلنسوة فلبسها مع العمامة فعليه كفارة واحدة يتخير فيها. قال شارحه: وكذا إذا لبسهما على موضعين لضرورة بهما في مجلس واحد، بأن لبس عمامة وخفا يعذر فيهما فعليه كفارة واحدة اه وإن لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة وغير الضرورة، كما إذا اضطر إلى لبس العمامة فلبسها مع القميص مثلا، أو لبس قميصا للضرورة وخفين لغيرها، فعليه كفارتان: كفارة الضرورة يتخير فيها، وكفارة الاختيار لا يتخير فيها اه. قوله: (لزمه دم وإثم) لزوم الدم بأحدهما والاثم
603 بالآخر، والمناسب التعبير بلزوم الكفارة المخيرة كما قدمناه، لأنه حيث كان بعذر لا يتعين الدم كما سيأتي، ولزوم كفارة واحدة في لبس العمامة مع القلنسوة كما في القميصين هو المنصوص عليه كما مر عن اللباب، ومثله الفتح والمعراج خلافا لما في البحر من التفرقة بينهما كما نبه عليه في الشرنبلالية. وما ذكر من لزوم الاثم نبه عليه في البحر عن الحلبي، ثم قال: فليحفظ هذا، فإن كثيرا من المحرمين يغفل عنه كما شاهدناه. قوله: (ولو تيقن الخ) أما لو استمر مع الشك في زوالها فلا شئ عليه. بحر. قوله: (كفر أخرى) أي بلا تخيير إن دام يوما بعد التيقن. قوله: (كالكل) هو المشهور من الرواية عن أبي حنيفة، وهو الصحيح على ما قاله غير واحد. شرح اللباب. قوله: (ولا بأس بتغطية أذنيه وقفاه) وكذا بقية البدن إلا الكفين والقدمين للمنع من لبس القفازين والجوربين، ومر تمامه في فضل الاحرام. قوله: (بلا ثوب) كذا في الفتح والبحر. والظاهر أنه لو كان الوضع بالثوب ففيه الكراهة التحريمية فقط، لان الانف لا يبلغ ربع الوجه. أفاده ط. قوله: (أي أزال) أي أراد بالحلق الإزالة بالموسى أو بغيره مختارا أو لا، فلو أزاله بالنورة أو نتف لحيته أو احترق شعره بخبزه أو مسه بيده وسقط فهو كالحلق، بخلاف ما إذا تناثر شعر بالمرض أو النار. بحر عن المحيط. قلت: وشمل أيضا التقصير كما في اللباب. قال شارحه وصرح به في الكافي والكرماني: وهو الصواب، قياسا على التحلل. ووقع في الكفاية شرح الهداية أن التقصير لا يوجب الدم اه. قوله: (ربع رأسه الخ) هذا هو الصحيح المختار الذي عليه جمهور أصحاب المذهب. وذكر الطحاوي في مختصره أن في قول أبي يوسف ومحمد: لا يجب الدم ما لم يحلق أكثر رأسه. شرح اللباب، وإن كان أصلح إن بلغ شعره ربع رأسه فعليه دم وإلا فصدقة، وإن بلغت لحيته الغاية في الخفة إن كان قدر ربعها كاملة، فعليه دم وإلا فصدقة. لباب، واللحية مع الشارب عضو واحد. فتح. قوله: (محاجمه) أي موضع الحجامة من العنق كما في البحر. قوله: (وإلا فصدقة) أي وإن لم يحتجم بعد الحلق فالواجب صدقة. قوله: (كما في البحر عن الفتح) قال في النهر: لم أر ذلك في نسختي من الفتح اه. قلت: كأنه سقط من نسخته، وإلا فقد رأيته في الفتح، واستشهد له بقول الزيلعي: إن حلقه لمن يحتجم مقصود وهو المعتبر، بخلاف الحلق لغيرها. قوله: (كلها) أي كل الثلاثة، وإنما قيد به لان الربع من هذه الأعضاء لا يعتبر بالكل، لان العادة لم تجر فيها بالاقتصار على البعض، فلا يكون حلق البعض ارتفاقا كاملا، بخلاف ربع الرأس واللحية فإنه معتاد لبعض الناس. وما في المحيط من أن الأكثر من الرقبة كالكل، لان كل عضو لا نظير له في البدن يقوم أكثره مقام كله ضعيف، وكذا ما في الخانية من أن الإبط إذا كان كثير الشعر يعتبر الربع لوجوب الدم، وإلا فالأكثر. والمذهب ما ذكره المصنف من اعتبار الربع في الرأس واللحية والكل في غيرهما في لزوم الدم. بحر ملخصا.
604 وذكر في اللباب: مثل الثلاثة ما لو حلق الصدر أو الساق أو الركبة أو الفخذ أو العضد أو الساعد فعليه دم، وقيل صدقة. وإن حلق أقله فصدقة، ولا يقوم الربع منها مقام الكل اه. قال شارحه: يشير بقوله وقيل صدقة إلى ما في المبسوط: متى حلق عضوا مقصودا بالحلق فعليه دم، وإن حلق ما ليس بمقصود فصدقة.. ثم قال: ومما ليس بمقصود حلق شعر الصدر والساق، ومما هو مقصود حلق الرأس والإبطين، ومثله في البدائع والتمرتاشي. وفي النخبة: وما في المبسوط هو الأصح. قال ابن الهمام: إنه الحق اه. والحاصل أن كل واحد من الثلاثة: أعني الإبط أو العانة والرقبة مقصود بالحلق وحده فيجب به دم، لكن لا يقوم ربعه مقام كله لما مر، بخلاف الصدر والساق ونحوهما فيجب بهما صدقة. قال في الفتح: لان القصد إلى حلقهما إنما هو في ضمن غيرهما، إذ ليست العادة تنوير الساق وحده بل تنوير المجموع من الصليب إلى القدم، فكان بعض المقصود بالحلق. قال في البحر: فعلى هذا فالتقييد بالثلاثة للاحتراز عن الصدر والساق مما ليس بمقصود. واعلم أن المتفرق من الحلق يجمع كالطيب، فلو حلق ربع رأسه من مواضع متفرقة فعليه دم. لباب. وسيأتي أن في حلق الشارب صدقة. تنبيه: ذكر الحلق في الإبطين تبعا للجامع الصغير إيماء إلى جوازه، وإن كان النتف هو السنة، ولذا عبر به في الأصل. واختلف في المسنون في الشارب، هل هو القص أو الحلق؟ والمذهب عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص. قال في البدائع: وهو الصحيح. وقال الطحاوي القص حسن، والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثلاثة. نهر. قال في الفتح: وتفسير القص أن ينقص حتى ينتقص عن الإطار، وهو بكسر الهمزة: ملتقي الجلدة واللحم من الشفة، وكلام صاحب الهداية على أن يحاذيه اه. وأما طرفا الشارب وهما السبالان، فقيل هما منه، وقيل من اللحية، وعليه فقيل لا بأس بتركهما، وقيل يكره لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الكتاب، وهذا أولى بالصواب، وتمامه في حاشية نوح. ورجح في البحر ما قاله والطحاوي، ثم قال: وإعفاء اللحية: أي الوارد في الصحيحين تركها حتى تكث وتكثر، والسنة قدر القبضة، فما زاد قطعه اه. وتمامه فيما علقناه عليه، ومر بعض ذلك في كتاب الصوم، وأما العانة، ففي البحر عن النهاية أن السنة فيها الحلق، لما جاء في الحديث: عشر من السنة منها الاستحداد وتفسيره حلق العانة بالحديد. قوله: (كحلق إبطيه في مجلسين) كون ذلك من اتحاد المحل، بخلاف قص أظفار اليدين مشكل، ومع هذا فلا رواية فيه كما ذكره في العناية: أي بل هو من تخريج بعض مشايخ المذهب إن كان أحد نقل أن فيه دما واحدا كما هو مقتضى صنيع الشارح، ولم أر من صرح بذلك. وأجاب في العناية عن الاشكال على تقدير ثبوت الرواية بأن ثمت ما يوجب اتحاد المحال وهو التنوير، فإنه لو نور جميع البدن لم تلزمه إلا كفارة واحدة، والحلق مثل التنوير، وليس في صورة النزاع: أي مسألة القص ما يجعلها كذلك اه. وفيه أن القص كذلك، على أنه يلزم منه أنه لو تعدد محل الحلق واختلف المجلس يجب فيه كفارة مع أنه يجب لكل مجلس موجب جنايته كما صرح به في
605 البحر وغيره. قوله: (أو رأسه في أربعة) أي بأن حلق في كل مجلس ربعا منه ففيه دم واحد اتفاقا ما لم يكفر للأول. شرح اللباب. قوله: (لوجوبه بالشروع) أشار إلى أن الحكم كذلك في كل طواف هو تطوع، فيجب الدم لو طافه جنبا، والصدقة لو محدثا كما في الشرنبلالية عن الزيلعي. وأفاد أن الكفارة تجب بترك الواجب الاصطلاحي بلا فرق بين الأقوى والأضعف، فإن ما وجب بالشروع دون ما وجب بإيجابه تعالى كطواف الصدر لاشتراكهما في الوجوب الثابت بالدليل الظني، بخلاف الطواف الفرض الثابت بالقطع فلذا وجبت فيه مع الجناية بدنة إظهارا للتفاوت من حيث الثبوت، فافهم. قوله: (أو للفرض محدثا) قيد بالحدث لان الطواف مع نجاسة الثوب أو البدن مكروه فقط. وما في الظهيرة من إيجاب الدم في نجاسة كل الثوب لا أصل له في الرواية، وأشار إلى أنه لو طاف عريانا قدر ما لا تجوز الصلاة معه يلزمه دم بترك الستر الواجب، وقيد بالفرض وهو الأكثر، لأنه لو طاف أقله محدثا ولم يعد وجب عليه لكل شوط نصف صاع، إلا إذا بلغت قيمته دما فينقص منه ما شاء. بحر قوله: (ولو جنبا فبدنة) أما لو طاف أقله جنبا ولم يعد وجب عليه شاة، فإن أعاده وجبت عليه صدقة لكل شوط نصف صاع لتأخير الأقل من طواف الزيارة. بحر. لكن في اللباب: لو طاف أقله جنبا فعليه لكل شوط صدقة، وإن أعاده سقطت. تأمل. قوله: (إن لم يعده) أي الطواف الشامل للقدوم والصدر والفرض، فإن أعاده فلا شئ عليه فإنه متى طاف أي طواف مع أي حدث ثم أعاده سقط موجبه اه ح. قلت: لكن إذا أعاد طواف الفرض بعد أيام النحر لزمه دم الامام للتأخير، وهذا إن كانت الإعادة لطوافه جنبا، وإلا فلا شئ عليه، كما لو أعاده في أيام النحر مطلقا كما في الهداية، ومشى عليه في البحر، وصححه في السراج وغيره، وزعم في غاية البيان أنه سهو لتصريح الرواية في شرح الطحاوي بلزوم الدم بالتأخير مطلقا، وأجاب في البحر بأن هذه رواية أخرى. تنبيه: من فروع الإعادة ما ذكره في اللباب: لو طاف للزيارة جنبا وللصدر طاهرا، فإن طاف للصدر في أيام النحر فعليه دم لترك الصدر، لأنه انتقل إلى الزيارة، وإن طاف للزيارة ثانيا فلا شئ عليه: أي لانتقال الزيارة إلى الصدر، وإن طاف للصدر بعد أيام النحر فعليه دمان: دم لترك الصدر: أي لتحوله إلى الزيارة ودم لتأخير الزيارة، وإن طاف للصدر ثانيا سقط عنه دمه، وإن طاف للزيارة محدثا وللصدر طاهرا، فإن حصل الصدر في أيام النحر انتقل إلى الزيارة، ثم إن طاف للصدر ثانيا فلا شئ عليه، وإلا فعليه دم لتركه، وإن حصل بعد أيام النحر لا ينتقل وعليه دم لطواف الزيارة محدثا، ولو طاف للزيارة محدثا وللصدر جنبا فعليه دمان. قوله: (والأصح وجوبها) أي وجوب الإعادة المفهومة منقوله بعده، وهذا أيضا شامل للقدوم والصدر والفرض. قال في البحر: لو طاف للقدوم جنبا لزمه الإعادة اه. وإذا وجبت الإعادة في القدوم ففي الصدر والفرض أولى اه ح. تنبيه: قال في البحر: الواجب أحد شيئين: إما الشاة، أو الإعادة. والإعادة هي الأصل ما دام بمكة ليكون الجابر من جنس المجبور، فهي أفضل من الدم. وأما إذا رجع إلى أهله، ففي الحديث اتفقوا على أن بعث الشاة أفضل من الرجوع. وفي الجناية اختار في الهداية أن الرجوع أفضل لما ذكرنا. واختار في المحيط أن البعث أفضل لمنفعة الفقراء، وإذا رجع للأول يرجع بإحرام جديد بناء
606 على أنه حل في حق النساء بطواف الزيارة جنبا، فإذا أحرم بعمرة يبدأ بها ثم يطوف للزيارة ويلزمه دم لتأخيره عن وقته. قوله: (وإن المعتبر الأول) عطف على وجوبها، وهذا ما ذهب إليه الكرخي وصححه في الايضاح خلافا للرازي، وهذا في الجناية، أما في الحدث فالمعتبر الأول اتفاقا. سراج. وقوله: فلا تجب الخ بيان لثمرة الخلاف، فعلى قول الرازي تجب إعادة السعي لان الطواف الأول قد انفسخ فكأنه لم يكن. سراج. فقوله في البحر: لا ثمرة للخلاف، خلاف الواقع. قوله: (وفي الفتح الخ) عزاه إلى المحيط، ونقله في الشرنبلالية، ومثله في اللباب حيث قال: ولو طاف للعمرة كله أو أكثره أو أقله ولو شوطا جنبا أو حائضا أو نفساء محدثا فعليه شاة، لا فرق فيه بين الكثير والقليل والجنب والمحدث، لأنه لا مدخل في طواف العمرة للبدنة ولا للصدقة، بخلاف طواف الزيارة، وكذا لو ترك منه: أي من طواف العمرة أقله ولو شوطا فعليه دم وإن أعاد سقط عنه الدم اه. لكن في البحر عن الظهيرية: لو طاف أقله محدثا وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة إلا إذا بلغت قيمته يوما فينقص منه ما شاء اه. ومثله في السراج والظاهر أنه قول آخر، فافهم، وأما ما سيأتي من قول المصنف: وكل ما على المفرد به دم بسبب جنايته على إحرامه فعلى القارن دمان وكذا الصدقة. وذكر الشارح هناك أن المتمتع كالقارن، فلا يرد على ما هنا وإن كانت جناية المتمتع على إحرام الحج وإحرام العمرة، لان المراد هناك الجناية بفعل شئ من محظورات الاحرام، بخلاف ترك شئ من الواجبات كما سيأتي في كلام الشارح، وهنا الجناية بترك واجب الطهارة فلا ينافي وجوب الصدقة في العمرة بفعل المحظور، ولهذا لم يعمم في اللباب، بل قال: لا مدخل في طواف العمرة للصدقة وإن أطلق الشارح العبارة تبعا للفتح، فتنبه قوله: (أو أفاض من عرفة الخ) بأن جاوز حدودها قبل الغروب وإلا فلا شئ عليه كما في اللباب. قوله: (ولو بند بعيره) الند بفتح النون وتشديد الدال المهملة: الهروب ح. قال في اللباب: ولو ند بعيره فأخرجه من عرفة قبل الغروب لزمه دم، وكذا لو ند بعيره فتبعه لاخذه اه. قال شارحه القاري: وفيه أن ترك الواجب لعذر مسقط للدم اه. وأجيب بأنه يمكنه التدارك بالعود، وهو مسقط للدم. قلت: الأحسن الجواب بما قدمناه أول الباب من أن المراد بالعذر المسقط للدم ما لا يكون من قبل العباد، وسيأتي توضيحه في الاحصار. قوله: (والغروب) قصد بهذا العطف بيان أن مرادهم بالامام الغروب لما بينهما من الملابسة، فإن الامام لما كان الواجب عليه النفر بعد الغروب كان النفر معه نفرا بعد الغروب وإلا فلو غربت فنفروا ولم ينفر الامام لا شئ عليهم، ولو نفر الامام قبل الغروب فتابعوه كان عليه وعليهم الدم، وذلك لان الوقوف في جزء من الليل واجب، فبتركه يلزم الدم كما في البحر. ح. قوله: (ولو بعده في الأصح) إذا عاد بعده فظاهر الرواية عدم السقوط. وصحح القدوري رواية ابن شجاع عن الامام أنه يسقط. وأفاده أنه لو عاد قبل الغروب يسقط الدم على الأصح بالأولى كما في البحر، فافهم. وفي شرح النقاية للقاري أن الجمهور على أن ظاهر
607 الرواية هو الأصح، ولو عاد قبل الغروب فالأظهر عدم السقوط، لان استدامة الوقوف إلى الغروب واجب فيفوت بفوت البعض اه. قلت: وذكر ابن الكمال في شرحه في الهداية ما حاصله أن الشراح هنا أخطأوا في نقل الرواية، لما في البدائع أنه لو عاد قبل الغروب وقبل نفر الامام سقط عندنا، خلافا لزفر، وإن عاد قبل الغروب بعد ما خرج الامام من عرفة روى ابن شجاع عن الامام أنه يسقط، واعتمده القدوري. وذكر في الأصل عدمه، ولو عاد بعد الغروب لا يسقط بلا خلاف لتقرر الواجب فلا يحتمل السقوط بالعود اه. قوله: (سبع الفرض) بفتح السين، والفرض بمعنى المفروض صفة لمحذوف: أي الطواف الفرض، أو على تقدير مضاف: أي طواف الفرض، لقول الوقاية أو أخر طواف الفرض أو ترك أقله، وعلى كل فإضافة سبع على معنى اللام، ولا يصح جعلها بيانية على معنى سبع هي الفرض، لان الفرض في أشواط الطواف أكثر السبع لا كلها، وإن قال المحقق ابن الهمام: إن الذي ندين الله تعالى به أن لا يجزئ أقل من السبع، ولا يجبر بعضه بشئ، فإنه من أبحاثه المخالفة لأهل المذهب قاطبة كما في البحر. وقد قال تلميذه العلامة قاسم: إن أبحاثه المخالفة للمذهب لا تعتبر، فافهم. قوله: (حتى لو طاف للصدر) أي مثلا، لان أي طواف حصل بعد الوقوف كما للفرض كما قدمناه. شرنبلالية. وأفاد ذلك بقوله: يعني ولم يطف غيره. قوله: (ثم إن بقي أقل الصدر) أي إن بقي عليه أقل أشواط الصدر وهو قدر ما انتقل منه إلى الركن، بأن ترك من الفرض ثلاثة أشواط وطاف للصدر سبعة، فإنه ينتقل منها ثلاثة لطواف الفرض وتبقى هذه الثلاثة عليه من طواف الصدر فيلزمه لها صدقة، أما لو كان طاف للصدر ستة وانتقل منها ثلاثة يبقى عليه أكثر الصدر وهو أربعة فيلزمه لها دم، ثم هذا إن لم يكن أخر طواف الصدر إلى آخر أيام التشريق، وإلا لزمه مع الصدقة أخرى الدم صدقة أخرى، لتأخير أقل الفرض عند الامام لكل شوط نصف صاع من بر، خلافا لهما كما في البحر، مثله في التاترخانية والقهستاني واللباب. لكن في الشرنبلالية عن الفتح: وإن كان ترك أقله: أي أقل طواف الفرض لزمه للتأخير دم وصدقة للمتروك من الصدر اه. فأوجب دما لتأخير الأقل كما ترى، فتأمل. قوله: (بقي محرما) فإن رجع إلى أهله فعليه حتما أن يعود بذلك الاحرام، ولا يجزي عنه البدل. لباب. قوله: (في حق النساء) لأنه بالحلق حل له ما سواهن حتى يطوف. قوله: (لزمه دم) أي شاة أو بدنة على ما سيأتي. قوله: (إلا أن يقصد الرفض) أي فلا يلزمه بالثاني شئ وإن تعدد المجلس، مع أن نية الرفض باطلة لأنه لا يخرج عنه إلا بالاعمال، لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد وهو تعجيل الاحلال كانت متحدة فكفاه دم واحد. بحر. قال في اللباب: واعلم أن المحرم إذا نوى رفض الاحرام فجعل يصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع وقتل الصيد فإنه لا يخرج بذلك من الاحرام، وعليه أن يعود كما كان محرما، ويجب دم واحد لجميع ما ارتكب ولو كل المحظورات، وإنما يتعدد الجزاء بتعدد الجنايات إذا لم ينو الرفض، ثم نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله مسألة عدم الخروج، وأما من علم أنه لا يخرج منه بهذا القصد فإنها لا تعتبر منه اه.
608 قلت: وما ذكر من أن نية الرفض باطلة وأنه لا يخرج من الاحرام إلا بالافعال محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما سنذكره آخر الجنايات، ومن المأمور بالرفض المحصر بمرض أو عدو لأنه بذبح الهدي يحل ويرتفض إحرامه على ما سيأتي في بابه، وسنذكره هنا أيضا أن كل من منع عن المضي في موجب الاحرام لحق العبد فإنه يتحلل بغير الهدي، كالمرأة لو أحرما بلا إذن الزوج والمولى، فإن لهما أن يحللاهما في الحال بلا ذبح. وبما قررناه اندفع ما في الشرنبلالية حيث زعم المنافاة بين ما مر من أنه لا يخرج عن الاحرام إلا بالافعال وبين مسألة تحليل المولى أمته بنحو قص ظفر أو جماع. قوله: (أو أربعة منه) أما لو ترك أقله ففيه صدقة كما سيأتي. تنبيه لم يصرحوا بحكم طواف القدوم لو شرع فيه وترك أكثره أو أقله. والظاهر أنه كالصدر لوجوبه بالشروع، وقدمنا تمامه في باب الاحرام. قوله: (ولا يتحقق الترك إلا بالخروج من مكة) لأنه ما دام فيها لم يطالب به ما لم يرد السفر. قال في البحر: وأشار بالترك إلى أنه لو أتى بما تركه لا يلزمه شئ مطلقا لأنه ليس بمؤقت اه: أي ليس له وقت يفوت بفوته، وقدمنا عن النهر واللباب أنه لو نفر ولم يطف وجب عليه الرجوع ليطوف ما لم يجاوز الميقات فخير بين إراقة الدم والرجوع بإحرام جديد بعمرة، ولا شئ عليه لتأخيره. قوله: (بلا عذر) قيد للترك والركوب. قال في الفتح عن البدائع: وهذا حكم ترك الواجب في هذا الباب اه أي أنه إن تركه بلا عذر لزمه دم، وإن بعذر فلا شئ عليه مطلقا. وقيل فيما ورد بالنص فقط، وهذا بخلاف ما لو ارتكب محظورا كاللبس والطيب فإنه يلزمه موجبه ولو بعذر كما قدمناه أول الباب، ثم لو أعاد السعي ماشيا بعد ما حل وجامع لم يلزمه دم لان السعي غير مؤقت، بل الشرط أن يأتي به بعد الطواف وقد وجد. بحر. قوله: (أو الرمي كله) إنما وجب بتركه كله دم واحد لان الجنس متحد كما في الحلق، والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر الرمي وهو الرابع، لأنه لم يعرف قربة إلا فيما، وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف، ثم بتأخيرها يجب الدم عنده خلافا لهما. بحر. وبه علم أن الترك غير قيد لوجوب الدم بتأخير الرمي كله أو تأخير رمي يوم إلى ما يليه، أما لو أخره إلى الليل فلا شئ عليه كما مر تقريره في بحث الرمي. قوله: (أو في يوم واحد) ولو يوم النحر لأنه نسك تام. بحر. قوله: (أو الرمي الأول) داخل فيما قبله كما علمت، لكنه نص عليه تبعا للهداية، لأنه لو ترك جمرة العقبة في بقية الأيام يلزمه صدقة لأنها أقل الرمي فيها بخلاف اليوم الأول فإنها كل رمية. رحمتي. فافهم. قوله: (وأكثره) كأربع حصيات فما فوقها في يوم النحر أو إحدى عشرة فيما بعده، وكذا لو أخر ذلك. أما لو ترك أقل من ذلك أو أخره فعليه لكل حصاة صدقة إلا أن يبلغ دما فينقص ما شاء. لباب. قوله: (أي أكثر رمي يوم) المفهوم من الهداية عود الضمير إلى الرمي الأول وهو رمي العقبة في يوم النحر، وهو المفهوم من عبارة المصنف أيضا لكن ما ذكره الشارح أفود. قوله: (أو حلق في حل بحج أو عمرة) أي يجب دم لو حلق للحج أو العمرة في الحل لتوقته بالمكان، وهذا عندهما للثاني. قوله: (في أيام النحر) متعلق بحلق بقيد كونه للحج، ولذا قدمه علي
609 قوله: أو عمرة فيتقيد حلق الحاج بالزمان أيضا، وخالف فيه محمد، وخالف أبو يوسف فيهما، وهذا الخلاف في التضمين بالدم لا في التحلل، فإنه يحصل بالحلق في أي زمان أو مكان. فتح. وأما حلق العمرة فلا يتوقف بالزمان إجماعا. هداية. وكلام الدرر يوهم أن قوله: في أيام النحر قيد للحج والعمرة، وعزاه إلى الزيلعي مع أنه لا إيهام في كلام الزيلعي كما يعلم بمراجعته. قوله: (فدمان) دم للمكان ودم للزمان ط. قوله: (لاختصاص الحلق) أي لهما بالحرم وللحج في أيام النحر ط. قوله: (خرج) أي من الحرم. قوله: (ثم رجع من حل) أي قبل أن يحلق أو يقصر في الحل. قوله: (وكذا الحاج الخ) فيه رد على صاحب الدرر وصدر الشريعة وابن كمال حيث أطلقوا وجوب الدم بخروجه قبل التحلل ثم رجوعه، فإن ذات الخروج من الحرم لا يلزم المحرم به شئ. قال في الهداية: ومن اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عندهما. وقال أبو يوسف: لا شئ عليه، وإن لم يقصر حتى رجع وقصر فلا شئ عليه في قولهم جميعا لأنه أتى به في مكانه فلم يلزمه ضمانه اه. قال في العناية ولو فعل الحاج ذلك لم يسقط عنه دم التأخير عند أبي حنيفة اه. فقد نص على إن الدم الذي يلزم الحاج إنما هو لتأخير الحلق عن أيام النحر، ويفيد أنه إذا عاد بعد ما خرج من الحرم وحلق فيه في أيام النحر، لا شئ عليه، وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى إلمام بمسائل الفقه فليتنبه له. أفاده الشرنبلالية. قوله: (أو قبل الخ) حاصله أن دواعي الجماع كالمعانقة والمباشرة الفاحشة والجماع فيما دون الفرج والتقبيل واللمس بشهوة موجبة للدم، أنزل أو لا قبل الوقوف أو بعده، ولا يفسد حجه شئ منه كما في اللباب، وشمل قوله قبل الوقوف أو بعده ثلاث صور: ما إذا كان قبل الوقوف والحلق أو بعده قبل الحلق، أو بعده الوقوف والحلق قبل الطواف، ففي الأوليين حصل الفرق بين الدواعي والجماع لمقتض، وهو أن الجماع في الأولى مفسد لتعلق فساد الحج بالجماع حقيقة كما قال في البحر. وإنما لم يفسد الحج بالدواعي كما يفسده بها الصوم، لان فساده معلق بالجماع حقيقة بالنص، والجماع معنى دونه فلم يلحق به، وفي الثانية موجب للبدنة لغلظ الجناية كما في البحر، ولم يفسد لتمام حجه بالوقوف ولا شئ من ذلك في الدواعي. وأما الثالثة فاشترك الجماع ودواعيه في وجوب الشاة لعدم المقضي للتفرقة المذكورة، لان الجماع هنا ليس جناية غليظة لوجوب الحل الأول بالحلق، فلذا لم تجب به بدنة، ودواعيه ملحقة به في كثير من الاحكام، فافهم. تنبيه: أطلق في التقبيل واللمس فعم ما لو صدرا في أجنبية أو زوجته أو أمته، والظاهر أن الأمرد كالأجنبية وإن توقف فيه الحموي، وأخرج بهما النظر إلى فرج امرأة بشهوة فأمنى فإنه لا شئ عليه كما لو تفكر، ولو أطال النظر أو تكرار، وكذا الاحتلام لا يوجب شيئا. هندية ط. قوله: (في الأصح) لم أر من صرح بتصحيحه، وكأنه أخذه من التصريح بالاطلاق في المبسوط والهداية والبدائع وشرح المجمع وغيرها كما في اللباب، ورجحه في البحر بأن الدواعي محرمة لأجل الاحرام
610 مطلقا فيجب الدم مطلقا، واشترط في الجامع الصغير الانزال، وصححه قاضيخان في شرحه. قوله: (وأنزل) قيد للمسألتين، فإن لم ينزل فيهما فلا شئ عليه ط. قوله: (أو أخر الحاج) قيد به لان حلق المعتمر لا يتقيد بالزمان، وكذا طوافه، فلا يلزمه بتأخيرهما شئ ط. قوله: (أو طواف الفرض) أي كله أو أكثره فلو أخر أقله يجب صدقة، وأشار إلى أنه لو أخر طواف الصدر لا يجب شئ. قهستاني. قوله: (لتوقتهما) أي الحلق وطواف الفرض بها: أي بأيام النحر عند الامام، وهذا علة لوجوب الدم بتأخيرهما. قال في الشرنبلالية: وهذا إذا كان تأخير الطواف بلا عذر، حتى لو حاضت قبل أيام النحر واستمر بها حتى مضت لا شئ عليها بالتأخير، وإن حاضت في أثنائها وجب الدم بالتفريط فيما تقدم، كذا في الجوهرة عن الوجيز. وأفاد شيخنا أنه لا تفريط لعدم وجوب الطواف عينا في أول وقته، ففي إلزامها بالدم وقد حاضت في الأثناء نظر اه. وتقدم تمامه في بحث الطواف. قوله: (أو قدم نسكا على آخر) أي وقد فعله في أيام النحر لئلا يستغني عنه بقوله قبله: أو آخر الحلق الخ شرنبلالية. قوله: (فيجب الخ) لما كان قوله: أو قدم الخ بيانا لوجوب الدم بعكس الترتيب فرع عليه أن الترتيب واجب مع بيان ما يجب ترتيبه وما لا يجب، فافهم. قوله: (لغير المفرد) أما هو فالذبح له مستحب كما مر. قوله: (لكن لا شئ على من طاف) أي مفردا أو غيره. شرح اللباب. قوله: (قبل الرمي والحلق) أي وكذا قبل الذبح بالأولى، لان الرمي مقدم على الذبح، فإذا لم يجب ترتيب الطواف على الرمي لا يجب على الذبح. قوله: (وقد تقدم) أي عند ذكر الواجبات. قوله: (كما لا شئ على المفرد الخ) فيجب تقديم الرمي على الحلق للمفرد وغيره، وتقديم الرمي على الذبح والذبح على الحلق لغير المفرد، ولو طاف المفرد وغيره قبل الرمي والحلق لا شئ عليه. لباب. وكذا لو طاف قبل الذبح كما علمت. والحاصل أن الطواف لا يجب ترتيبه على شئ من الثلاثة، وإنما يجب ترتيب الثلاثة: الرمي ثم الذبح ثم الحلق، لكن المفرد لا ذبح عليه فيجب عليه الترتيب بين الرمي والحلق فقط. قوله: (حلق قبل ذبحه) وكذا لو حلق قبل الرمي بالأولى. بحر. وإنما وضع المسألة في القارن، لان المفرد لا شئ عليه في ذلك لأنه لا ذبح عليه، فلا يتصور تأخير النسك وتقديمه بالحلق قبله. ابن كمال. قوله: (كما حرره المصنف) أي تبعا لشيخه في البحر. قوله: (وبه) أي بما ذكر من أن المذهب أن أحد الدمين للتأخير والآخر للقران الذي هو دم شكر، فافهم. قوله: (ما توهمه بعضهم) أي صاحب الهداية حيث قال: دم بالحلق في غير أوانه، لان أوانه بعد الذبح ودم بتأخير الذبح عن الحلق اه. وقد خطأه شراح الهداية من وجوه. منها: مخالفته لما نص عليه في الجامع الصغير من أن أحد الدمين للقران والآخر للتأخير.
611 ومنها: أنه يلزمه منه أن يجب عليه خمسة دماء على قول من يقول: إن إحرام العمرة لا ينتهي بالوقوف، لان جنايته على إحرامين والتقديم والتأخير جنايتان، ففيهما أربعة دماء ودم القران. وأجاب في البحر عن الأول بأن ما مشى عليه رواية أخرى غير رواية الجامع وإن كان المذهب خلافه. وعن الثاني بأن التضاعف على القارن إنما يكون فيما إذا أدخل نقصا في إحرام عمرته، وإلا فلا يجب إلا دم واحد، ولهذا إذا أفاض القارن قبل الامام أو طاف للزيارة جنبا أو محدثا لا يلزمه إلا دم واحد لأنه لا تعلق للعمرة بالوقوف وطواف الزيارة، وتمام الكلام عليه وعلى الجواب عن بقية ما أورد عليه مبسوط فيه وفيما علقناه عليه. قوله: (أقل من عضو) أي ولو أكثره كما مر. ط. وهذا إذ كان الطيب قليلا على ما مر من التوفيق. قوله: (في الخزانة الخ) أفاد في البحر ضعفه كما قدمناه أول الباب. قوله: (أو حلق شاربه) لأنه تبع للحية ولا يبلغ ربعها، والقول بوجوب الصدقة فيه هو المذهب المصحح، وقيل فيه حكومة عدل، وقيل دم كما حرر في البحر. قوله: (أو أقل من ربع رأسه الخ) ظاهره كالكنز أن الواجب نصف صاع ولو كان شعرة واحدة، لكن في الخانية: إن نتف من رأسه أو أنفه أو لحيته شعرات فلكل شعرة كف من طعام. وفي خزانة الأكمل: في خصلة نصف صاع، فظهر أن في كلام المصنف اشتباها لأنه لم يبين الصدقة ولم يفصلها. بحر. قوله: (وقد استقر الخ) إشارة إلى ما في عبارة المصنف من الايهام كعبارة الدرر وصدر الشريعة وابن كمال، لأن مفادها أنه يجب فيما فوق الواحد إلى الخمس نصف صاع. قال في الشرنبلالية: وهو غلط لما في الكافي والهداية وشروحها من أنه لو قص أقل من خمسة فعليه بكل ظفر صدقة، إلا أن يبلغ ذلك دما فينقص ما شاء، ولو قص ستة عشرة ظفرا من كل عضو أربعة يجب بكل ظفر طعام مسكين إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص ما شاء اه. تنبيه: قال في اللباب: كل صدقة تجب في الطواف فهي لكل شوط نصف صاع، أو في الرمي فلكل حصاة صدقة، أو في قلم الأظفار فلكل ظفر، أو في الصيد ونبات الحرم فعلى قدر القيمة اه فليحفظ. قوله: (فينقص ما شاء) أي لئلا يجب في الأقل ما يجب في الأكثر. قال في اللباب: وقيل ينقص نصف صاع اه. ويأتي بيانه قريبا. قوله: (أو طاف للقدوم) وكذا كل طواف تطوع جبر لما دخله من النقص بترك الطهارة. نهر. قوله: (من سبع الصدر) أما لو ترك ثلاثة من سبع القدوم فلم يذكروه وقدمنا الكلام عليه. قوله: (ومن السعي) أي لو ترك ثلاثة منه أو أقل فعليه لكل شوط منه صدقة، إلا أن يبلغ دما فيخير بين الدم وتنقيص الصدقة. لباب. قوله: (أو إحدى الجمار الثلاث) أي التي بعد يوم النحر ط. والمراد أن يترك أقل جمار يوم كثلاث من يوم النحر وعشرة مما بعده. رحمتي. قوله: (فكما مر) أي ينقص ما شاء. قوله: (وأفاد الحدادي) أي في السراج، وتقدم عن
612 اللباب التعبير عنه بقيل إشارة إلى ضعفه لمخالفته لما في عامة الكتب من إطلاق التنقيص بما شاء، لكنه غير محرر لأنه صادق بما لو شاء شيئا قليلا مثل كف من طعام في ترك ثلاث حصيات مثلا لو بلغ الواجب فيها قيمة دم، مع أنه لو ترك حصاة واحدة يجب نصف صاع، وقد التزم ذلك بعض شرح اللباب وقال إنه الظاهر من إطلاقهم، وهو بعيد كما علمت لأنهم نقصوا عن قيمة الدم لئلا يجب في القليل ما يجب في الكثير فينبغي أن يكون ما في السراج بيانا لما أطلقوه بمعنى أنه ينقص ما شاء إلا نصف صاع لا أكثر لما قلنا، لكن في السراج مجمل، وقد فسره ما نقله بعضهم عن البحر الزاخر إذا بلغ قيمة الصدقات دما ينقص منه نصف صاع ليبلغ قيمة المجموع أقل من ثمن الشاة، وهكذا إذا نقص نصف صاع وكان ثمن الباقي مقدار ثمن الشاة ينقص إلى أن يصير ثمن الصدقة الباقية أقل من ثمن الشاة، حتى لو كان الواجب ابتداء نصف الصاع فقط بأن قلم ظفرا واحدا وكان يبلغ هديا ينقص منه ما شاء بحيث يصير ثمن الباقي أقل من ثمن الهدي اه. قوله: (أو حلق الخ) اعلم أن الحالق والمحلوق إما أن يكونا محرمين أو حلالين، أو الحالق محرما والمحلوق حلالا أو بالعكس، ففي كل على الحالق صدقة إلا أن يكونا حلالين، وعلى المحلوق دم إلا أن يكون حلالا نهاية، لكن في حلق المحرم رأس حلال يتصدق الحالق بما شاء، وفي غيره الصدقة نصف صاع كما في الفتح والبحر، وبه يعلم ما في قوله: أو حلال ووقع في العناية: فيما إذا كان الحالق حلالا والمحلوق محرما أنه لا شئ على الحالق اتفاقا، فليتأمل. قوله: (فإنه لا شئ عليه) أي على الفاعل، أما المفعول فعليه الجزاء إذا كان محرما. لباب وشرحه. قوله: (كالفطرة) أفاد أن التقييد بنصف الصاع من البر اتفاقي فيجوز إخراج الصاع من التمر أو الشعير. ط عن القهستاني. قال بعض المحشين: وأما المخلوط بالشعير فإنه ينظر: فإن كانت الغلبة للشعير فإنه يجب عليه صاع، وإن كانت للحنطة فنصفه، كذا في خزانة الأكمل، فإن تساويا ينبغي وجوب الصاع احتياطا، وما ذكروه في الفطرة يجري هنا اه. قوله: (بعذر) قيد الثلاثة وليست الثلاثة قيدا، فإن جميع محظورات الاحرام إذا كان بعذر ففيه الخيارات الثلاثة كما في المحيط. قهستاني. وأما ترك شئ من الواجبات بعذر فإنه لا شئ فيه على ما مر أول الباب عن اللباب، وفيه: ومن الاعذار الحمى والبرد والجرح والقرح والصداع والشقيقة والقمل، ولا يشترط دوام العلة ولا أداؤها إلى التلف، بل وجودها مع تعب ومشقة يبيح ذلك، وأما الخطأ والنسيان والاغماء والاكراه والنوم وعدم القدرة على الكفارة فليست بأعذار في حق التخيير، ولو ارتكب المحظور بغير عذر فواجبه الدم عينا، أو الصدقة فلا يجوز عن الدم طعام أو صيام، ولا عن الصدقة صيام، فإن تعذر عليه ذلك بقي في ذمته اه. وما في الظهيرية من أنه إن عجز عن الدم صام ثلاثة أيام ضعيف كما في البحر، وفيه: ومن الاعذار خوف الهلاك، ولعل المراد بالخوف الظن لا مجرد الوهم، فتجوز التغطية والستر إن غلب على ظنه، لكن بشرط أن لا يتعدى موضع الضرورة، فيغطي رأسه بالقلنسوة فقط إن اندفعت الضرورة بها، حينئذ قلف العمامة عليها موجب للدم أو الصدقة اه. قلت: يعني إذا كانت نازلة عن الرأس بحيث تغطي ربعا مما تحرم تغطيته، وإلا فقدمنا عن الفتح
613 وغيره التصريح بخلافه، وأنه مثل ما لو اضطر لجبة فلبس جبتين، نعم يأثم، بخلاف ما لو لبس جبة وقلنسوة فإن فيه كفارتين. قوله: (إن شاء ذبح الخ) هذا فيما يجب فيه الدم، أما ما يجب فيه الصدقة، إن شاء تصدق بما وجب عليه من نصف صاع أو أقل على مسكين أو صام يوما كما في اللباب. قوله: (ذبح) أفاد أنه يخرج عن العهدة بمجرد الذبح، فلو هلك أو سرق لا يجب غيره. بخلاف ما لو سرق وهو حي وإنما لا يأكل منه رعاية لجهة التصدق، وتمامه في البحر. قوله: (في الحرم) فلو ذبح في غيره لم يجز إلا أن يتصدق باللحم على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع حنطة فيجزيه بدلا عن الاطعام. بحر. قوله: (أو تصدق) أفاد أنه لا بد من التمليك عند محمد، ورجحه في البحر تبعا للفتح، فلا تكفي الإباحة، خلافا لأبي يوسف. واختلف النقل عن الامام. قوله: (بثلاثة أصوع طعام) بإضافة أصوع وهو بفتح الهمزة وضم الصاد وسكون الواو أو بسكون الصاد وضم الواو: جمع صاع. شرح النقاية للقاري. والطعام البر بطريق الغلبة. قهستاني. قوله: (على ستة مساكين) كل واحد نصف صاع، حتى لو تصدق بها على ثلاثة أو سبعة فظاهر كلامهم أنه لا يجوز لان العدد منصوص عليه. وعلى قول من اكتفى بالإباحة ينبغي أنه لو غدى مسكينا واحدا وعشاه ستة أيام أن يجوز أخذا من مسألة الكفارات. نهر تبعا للبحر. قوله: (أين شاء) أي في غير الحرم أو فيه ولو على غير أهله لاطلاق النص، بخلاف الذبح والتصدق على فقراء مكة أفضل. بحر. وكذا الصوم لا يتقيد بالحرم، فيصومه أين شاء كما أشار إليه في البحر وصرح به الشرنبلالية عن الجوهرة وغيرها. قوله: (ووطؤه) أي بإيلاج قدر الحشفة وإن لم ينزل ولو بحائل لا يمنع وجود الحرارة واللذة، وسواء كان في امرأة واحدة أو أكثر، أجنبية أولا، مرة أو مرارا، ولا يتعدد الدم إلا بتعدد المجلس إذا لم ينو بالثاني رفض الاحرام كما مر بيانه. أفاده في البحر. قوله: (في إحدى السبيلين) السبيل يذكر ويؤنث: أي القبل والدبر. قال في النهر: ثم هذا في الدبر أصح الروايتين، وهو قولهما. قوله: (من آدمي) فلا يفسد بوطئ البهيمة مطلقا لقصوره. بحر: أي سواء أنزل أو لا، وقد ألحقوا التي لا تشتهي بالبهيمة كما مر في الصوم فيقتضي عدم الفساد بوطئ الميتة والصغيرة التي لا تشتهي. رملي، ونحوه في شرح اللباب. قوله: (ولو ناسيا) شمل التعميم العبد، لكن يلزمه الهدي وقضاء الحج بعد العتق سوى حجة الاسلام، وكل ما يجب فيه المال يؤاخذ به بعد عتقه، بخلاف ما فيه الصوم فإنه يؤاخذ به للحال ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الاحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو، فإذا عتق فعليه حجة وعمرة. بحر. قوله: (أو مكرها) ولا رجوع له على المكره كما ذكره الأسبيجابي، وحكى في الفتح خلافا في رجوع المرأة بالدم إذا أكرهها الزوج، ولم أر قولا في رجوعها بمؤنة حجها بحر. قوله: (أو صبيا) يؤيده أن المفسد للصلاة والصوم لا فرق بين المكلف وغيره فكذلك الحج، وما في الفتح من أنه لا يفسد حجه ضعيف. بحر ونهر. قوله: (لكن لا دم ولا قضاء عليه) أي على الصبي أو المجنون، وأفرد الضمير لمكان أو وكذا لا مضي عليهما في إحرامهما لعدم تكليفهما. شرح اللباب. قوله: (قبل وقوف فرض) بالإضافة البيانية: أي وقوف هو فرض أو بدونهما مع التنوين فيهما على الوصفية: أي وقوف
614 مفروض، والمراد بالفرضية الركنية فشمل حج النفل، وخرج وقو ف المزدلفة إذا جامع قبله فإن لا يفسد الحج لكن فيه بدنة. قوله: (يفسد حجه) أي ينقصه نقصه نقصانا فاحشا ولم يبطله كما في المضمرات قهستاني. قال صاحب اللباب بعد نقله عنه: وهو قيد حسن يزيل بعض الاشكالات. قال القاري: قلت: من جملتها المضي في الافعال، لكن في عدم الابطال أيضا نوع إشكال وهو القضاء، إلا أنه يمكن دفعه بأنه ليؤدي على وجه الكمال اه. أقول: حاصله أنه ليس المراد بالفساد هنا البطلان بمعنى عدم وجود حقيقة الفعل الشرعية كالصلاة بلا طهارة، بل المراد به الخلل الفاحش الموجب لعدم الاعتداد بفعله ولوجوب القضاء ليخرج عن العهدة، فالحقيقة الشرعية موجودة ناقصة نقصانا أخرجها عن الاجراء، ولهذا صرح في الفتح عن المبسوط فإنه بإفساد الاحرام لم يصر خارجا عنه قبل الأعمال اه. ولو كان باطلا من كل وجه لكان خارجا عنه، ولما كان يلزمه موجب ما يرتكبه بعد ذلك من المحظورات. وذكر في اللباب وغيره أنه لو أهل بحجة أخرى ينوي قبل أدائها فهي هي، ونيته لغو لا تصح ما لم يفرغ من الفاسدة، وبهذا ظهر أن قول بعض معاصري صاحب البحر أن الحج إذا فسد لم يفسد الاحرام، معناه لم يبطل بالمعنى الذي ذكرنا، فلا يرد ما أورده عليه من تصريحهم بفساده، ثم إن هذا يفيد الفرق بين الفساد والبطلان في الحج، بخلاف سائر العبادات فهو مستثنى من قولهم لا فرق بينهما في العبادات، بخلاف المعاملات، ويؤيده أنه صرح في اللباب في فصل محرمات الاحرام بأن مفسده الجماع قبل الوقوف ومبطله الردة، والله تعالى أعلم. قوله: (وكذا لو استدخلت ذكر حمار) والفرق بينه وبين ما إذا وطئ بهيمة حيث لا يفسد حجه أن داعي الشهوة في النساء أتم فلم تكن في جانبهن قاصرة، بخلاف الرجل إذا جامع بهيمة ط. قوله: (أو ذكرا مقطوعا) ولو لغير آدمي ط. قوله: (ويمضي الخ) لان التحلل من الاحرام لا يكون إلا بأداء الافعال أو الاحصار ولا وجود لأحدهما، وإنما وجب المضي فيه مع فساده لما أنه مشروع بأصله دون وصفه، ولم يسقط الواجب به لنقصانه. نهر. قوله: (كجائزة) أي فيفعل جميع ما يفعله في الحج الصحيح ويجتنب ما يجتنب فيه، وإن ارتكب محظورا فعليه ما على الصحيح. لباب. قوله: (ويذبح) ويقوم سبع البدنة مقام الشاة كما صرح به غاية البيان. بحر. قلت: وهذا صريح، بخلاف ما ذكره قبل هذا كما قدمناه أول الباب. قوله: (ويقضي) أي على الفور كما نقله بعض المحشين عن البحر العميق وقال الخير الرملي: ويقضي: أي من قابل لوجوب المضي، فلا يقضي إلا من قابل، وسيأتي في مجاوزة الوقت بغير إحرام أنه لو عاد ثم أحرم بعمرة أو حجة ثم أفسد تلك العمرة أو الحجة وقضى الحج في عامه يسقط عنه الدم، فهو صريح في جواز القضاء من عامه لتدارك ما فاته، فليتأمل اه. قوله: (ولو نفلا) لوجوبه بالشروع. قوله: (هل يجب قضاؤه) أي قضاء القضاء الذي أفسده حتى يقضي حجتين للأولى والثانية. قوله: (لم أره الخ) البحث لصاحب النهر حيث قال فيه لما سئل عن ذلك: لم أر المسألة، وقياس كونه إنما شرع فيه مسقطا لا ملزما أن المراد بالقضاء معناه اللغوي، والمراد الإعادة
615 كما هو الظاهر اه. ويوافقه قول القهستاني: الأولى أن يقول وأعاد، لان جميع العمر وقته اه. ولذا قال ابن الهمام في التحرير إن تسميته قضاء مجاز، قال شارحه: لأنه في وقته وهو العمر فهو أداء على قول مشايخنا اه. أي وحيث كان الثاني أداء لم يكن حجا آخر أفسده لأنه لم يشرع فيه ملزما نفسه حجا آخر، بل شرع فيه مسقطا لما عليه في نفس الامر، وليس هو ظانا حتى يرد أن الظان يلزمه القضاء كما مر أول فصل الاحرام كما لا يخفى، وحينئذ فلا يلزمه قضاء حج آخر وإنما يلزمه أداؤه ثالثا، لان الواجب عليه حج كامل حتى يسقط به الواجب، فكلما أفسده لا يلزمه سوى الواجب عليه أولا، كما لو شرع في صلاة فرض فأفسدها. وقد وجد العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي هذه المسألة منقولة فقال: ولفظ المبتغى: لو فاته الحج ثم حج من قابل يريد قضاء تلك الحجة فأفسد حجه لم يكن عليه إلا قضاء حجة واحدة، كما لو أفسده قضاء صوم رمضان اه. تنبيه: تقدم في كتاب الصلاة أن الإعادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد، وهنا الخلل هو الفساد فلا يكون إعادة، لكن مرادهم هناك بالفساد البطلان بناء على عدم الفرق بينهما في العبادات، وقد علمت آنفا الفرق بينهما في الحج، فصدق عليه التعريف المذكور، على أنا قدمنا هناك عن الميزان تعريفها بالاتيان بمثل الفعل الأولى على صفة الكمال، فافهم. قوله: (ولم يتفرقا) أي الرجل والمرأة في القضاء بعد ما أفسدا حجهما بالجماع: أي بأن يأخذ كل منهما طريقا غير طريق الآخر بحيث لا يرى أحدهما صاحبه. نهر. قوله: (بل ندبا إن خاف الوقاع) كذا في البحر عن المحيط وغيره، ومثله في اللباب، وكذا في القهستاني عن الاختيار، وقد راجعت الاختيار فرأيته كذلك، فافهم. قال في شرح اللباب: وأما ما في الجامع الصغير: وليست الفرقة بشئ: أي بأمر ضروري. وقال قاضيخان: يعني ليس بواجب. وقال زفر ومالك والشافعي: يجب افتراقهما. وأما وقت الافتراق: فعندنا وزفر إذا أحرما، وعند مالك إذا خرجا من البيت وعند الشافعي إذا انتهيا إلى مكان الجماع. قوله: (بعد وقوفه) أي قبل الحلق والطواف. قوله: (وتجب بدنة) شمل ما إذا جامع مرة إن اتحد المجلس، فإن اختلف فبدنة للأول وشاة للثاني. بحر. وشمل العامد والناسي كما صرح به في المتون واللباب، خلافا لما في السراج من أن الناسي عليه شاة. قال في شرح اللباب: وهو خلاف ما في المشاهير من الروايات من عدم الفرق بينهما في سائر الجنايات، وصرح بخصوص المسألة في الخانية. قوله: (قبل الطواف) أي طواف الزيارة كله أو أكثره كما في النهر. قوله: (لخفة الجناية) أي لوجود الحل الأول بالحلق في حق غير النساء، وما ذكره من التفصيل هو ما عليه المتون، ومشى في المبسوط والبدائع والأسبيجابي على وجوب البدنة قبل الحلق وبعده. وفي الفتح أنه الأوجه لاطلاق ظاهر الرواية وجوبها بعد الوقوف بلا تفصيل، وناقشه في البحر والنهر. وأما لو جامع بعد طواف الزيارة كله أو أكثره قبل الحلق فعليه شاة. لباب. قال شارحه القاري: كذا في البحر الزاخر وغيره، ولعل وجهه أن تعظيم الجناية إنما كان لمراعاة هذا الركن، وكان مقتضاه أن يستمر هذا الحكم ولو بعد الحلق قبل الطواف، إلا أنه سومح فيه لصورة التحلل ولو كان متوقفا على أداء الطواف بالنسبة إلى الجماع اه. وظاهره أن وجوب الشاة في هذه المسألة لا نزاع فيه لاحد، خلافا لما في شرح النقاية للقاري حيث جعلها محل الخلاف المذكور قبله، نعم استشكلها في
616 الفتح بأن الطواف قبل الحلق لم يحل به من شئ، فكان ينبغي وجوب البدنة. ويعلم جوابه من التوجيه المذكور عن شرح اللباب هذا، ولم يذكر حكم جماع القارن. قال في النهر. فإن جامع قبل الوقوف وطواف العمرة فسد حجه وعمرته ولزمه دمان وسقط عنه دم القران، وإن بعدهما قبل الحلق لزمه بدنة للحج وشاة للعمرة. واختلف فيما بعده اه. وتوضيحه في البحر. قوله: (ووطؤه في عمرته) شمل عمرة المتعة ط. قوله: (وذبح) أي شاة بحر. قوله: (ووطؤه بعد أربعة ذبح ولم يفسد) المناسب أن يقول: لم يفسد وذبح ليصح الاخبار عن المبتدأ بلا تكلف إلى تقدير العائد. قال في البحر: وشمل كلامه ما إذا طاف الباقي وسعى أولا لكن بشرط كونه قبل الحلق، وتركه للعلم به لأنه بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية، بخلاف إحرام الحج. ولما بين المصنف حكم المفرد بالحج والمفرد بالعمرة علم منه حكم القارن والمتمتع اه. قوله: (أي حيوانا بريا الخ) زاد غيره في التعريف ممتنعا بجناحه أو قوائمه، احترازا عن الحية والعقرب وسائر الهوام. والبري ما يكون توالده في البر، ولا عبرة بالمثوى: أي المكان. واحترز به عن البحري، وهو ما يكون توالده في المال ولو كان مثواه في البر، لان التوالد أصل، والكينونة بعده عارض، ككلب الماء والضفدع المائي كما قيده في الفتح قال: ومثله السرطان والتمساح، والسلحفاة البحري يحل اصطياده للمحرم بنص الآية وعمومها متناول لغير المأكول منه وهو الصحيح، خلافا لما في مناسك الكرماني من تخصيصه بالسمك خاصة. أما البري فحرام مطلقا ولو غير مأكول كالخنزير كما في البحر عن المحيط، إلا ما يستثنيه بعد من الذئب والغراب والحدأة والسبع الصائل، وأما باقي الفواسق فليست بصيد. قال في اللباب: وأما طيور البحر فلا يحل اصطيادها لان توالدها في البر، وعزاه شارحه إلى البدائع والمحيط، فما قاله في البحر من أن توالدها في الماء سبق قلم وإلا نافى ما مر من اعتبار التوالد، فافهم. ودخل في المتوحش بأصل خلقته نحو الظبي المستأنس وإن كانت ذكاته بالذبح وخرج البعير والشاة إذا استوحشا وإن كانت ذكاتهما بالعقر، لان المنظور إليه في الصيدية أصل الخلقة، وفي الذكاة الامكان وعدمه. بحر. وخرج الكلب ولو وحشيا لأنه أهلي في الأصل، وكذا السنور الأهلي، أما البري ففيه روايتان عن الامام. فتح. وجزم في البحر أنه كالكلب. تنبيه: قال في شرح اللباب: والظاهر أن ماء البحر لو وجد في أرض الحرم يحل صيده أيضا لعموم الآية وحديث: هو الطهور ماؤه والحل ميتته وقد صرح به الشافعية حيث قالوا: لا فرق بين أن يكون البحر في الحل أو الحرم اه. وفيه: وقد يوجد من الحيوانات ما تكون في بعض البلاد وحشية الخلقة، وفي بعضها مستأنسة كالجاموس، فإنه في بلاد السودان مستوحش ولا يعرف منه مستأنس عندهم اه. ولم يبين حكمه. وظاهره أن المحرم منهم في بلاده يحرم عليه صيده ما دام فيها، والله تعالى أعلم. قوله: (أو دل عليه قاتله) أراد بالدلالة الإعانة على قتله، سواء كانت دلالة حقيقية بالأعلام بمكانه وهو غائب أو لا. بحر. فدخل فيها الإشارة كما يشير إليه كلام الشارح وهي ما يكون بالحضرة، وفسرها في الفتح بأنها تحصيل الدلالة بغير اللسان اه. ومقتضاه أن الدلالة أعم لحصولها باللسان وغيره.
617 وذكر الشيخ إسماعيل عن البرجندي ما نصه: ولا يخفى أن ذكر الدلالة يغني عن الإشارة، وقد تخص الإشارة بالحضرة والدلالة بالغيبة اه. فكما ينبغي أن يزيد المصنف أو أعانه عليه أو أمره بقتله لحديث أبي قتادة في الصحيحين هل منكم أجد أمره أو أشار إليه وفي رواية مسلم: هل أشرتم أو أعنتم؟ قالوا: لا، قال: فكلوا وقول البحر إن المراد بالدلالة الإعانة لا يشمل الامر، إذ لا إعانة فيه ما لم تكن معه دلالة على ما يأتي قريبا، نعم يشمل ما لو دخل الصيد مكانا فدله على طريقه أو على بابه، وما لو دله على آلة يرميه بها، وكذا لو أعارها له على المعتمد، إلا إذا كان مع القاتل سلاح غيرها على ما عليه أكثر المشايخ. تنبيه: قيد الدال بالمحرم بإرجاع الضمير إليه، وأطلق في القاتل لان الدال الحلال لا شئ عليه إلا الاثم على ما في المشاهير من الكتب، وقيل عليه نصف القيمة. شرح اللباب. ولا يشترط كون المدلول محرما، فلو دل محرم حلالا في الحل فقتله فعلى الدال الجزاء دون المدلول. لباب. قوله: (مصدقا له) هذه الشروط لوجوب الجزاء على الدال المحرم، أما الاثم فمتحقق مطلقا كما في البحر. زاد في النهر: وليس معنى التصديق أن يقول له صدقت، بل أن لا يكذبه: حتى لو أخبر محرم بصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر فلم يصدق الأول ولم يكذبه، ثم طلب الصيد فقتله كان على كل واحد منها الجزاء، ولو كذب الأول لم يكن عليه. قوله: (غير عالم) حتى لو دله والمدلول يعلم به: أي برؤية أو غيرها لا شئ على الدال لكون دلالته تحصيل الحاصل فكانت كلا دلالة. لباب وشرحه. وعليه فيشكل ما في المحيط عن المنتقى: لو قال خذ أحد هذين وهو يراهما فقتلهما فعلى الدال جزاء واحد، وإلا فجزاءان. وأجاب في البحر بأن الامر بالأخذ ليس من قبيل الدلالة فيوجب الجزاء مطلقا. قال: ويدل عليه ما في الفتح وغيره: لو أمر المحرم غيره بأخذ صيد فأمر المأمور آخر فالجزاء على الآمر الثاني لأنه لم يمتثل أمر الأول لأنه لم يأتمر بالامر، بخلاف ما لو دل الأول على الصيد وأمره فأمر الثاني ثالثا بالقتل حيث يجب الجزاء على الثلاثة فقد فرقوا بين الامر المجرد والامر مع الدلالة اه. والحاصل أن عدم العلم شرط للدلالة لا للامر، بل هو موجب للجزاء مطلقا بشرط الائتمار. قوله: (واتصل القتل بالدلالة) أي تحصل بسببها. شرح اللباب. قوله: (والدال والمشير) الأولى أو المشير بأو لان الحكم ثابت لأحدهما وليصح قوله بعد: باق واحترز بذلك عما إذا تحلل الدال أو المشير فقتله المدلول لا شئ عليه ويأثم. هندية ط. قوله: (قبل أن ينفلت عن مكانه) فلو انفلت عن مكانه ثم أخذه بعد ذلك فقتله فلا شئ على الدال. هندية ط. قوله: (بدءا أو عودا) أي لا فرق في لزوم الجزاء بين قتل أول صيد وبين ما بعده، وقال ابن عباس: لا جزاء على العائد، وبه قال داود وشريح، ولكن يقال له: اذهب فينتقم الله منك. معراج. قوله: (سهوا أو عمدا) وكذا مباشرا ولو غير متعد كنائم انقلب على صيد أو متسببا إذا كان متعديا، كما إذا نصب شبكة أو حفر له حفيرة، بخلاف ما لو نصب فسطاطا لنفسه فتعلق به صيد أو حفر حفيرة للماء أو لحيوان مباح القتل كذئب فعطب فيها صيد أو أرسل كلبه إلى حيوان مباح فأخذ ما يحرم أو إلى صيد في الحل وهو
618 حلال فجاوز إلى الحرم حيث لا يلزمه شئ لعدم التعدي، وتمامه في النهر والبحر. قوله: (أو مملوكا) ويلزمه قيمتان قيمة لمالكه وجزاؤه حقا لله تعالى. بحر عن المحيط. ولو كان معلما فيأتي حكمه. قوله: (فعليه جزاؤه) ويتعدد بتعدد المقتول إلا إذا قصد به التحلل ورفض إحرامه كما صرح به في الأصل. بحر. وقدمناه عن اللباب. قوله: (ولو سبعا) اسم لكل مختطف منتهب جارح قاتل عاد عادة، وأراد به كل حيوان لا يؤكل لحمه مما ليس من الفواسق السبعة والحشرات سواء كان سبعا أم لا، ولو خنزيرا أو قردا أو فيلا كما في المجمع. بحر. ودخل فيه سباع الطير كالبازي والصقر، وقيد بغير الصائل لما سيأتي أنه لو صال لا شئ بقتله. قوله: (أو مستأنسا) عطف على سبعا: أي ولو ظبيا مستأنسا، لان استئناسه عارض، والعبرة للأصل كما مر. قوله: (ولو مسرولا) صرح به لخلاف مالك فيه، فإنه يقول: لا جزاء فيه لأنه ألوف لا يطير بجناحيه كالبط. قوله: (كما يلزمه) أي المضطر إلى الاكل. قوله: (ويقدم الميتة على الصيد) أي في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف والحسن: يذبح الصيد، والفتوى على الأول كما في الشرنبلالية ح. قلت: ورجحه في البحر أيضا بأن في أكل الصيد ارتكاب حرمتين الاكل والقتل، وفي أكل الميتة ارتكاب حرمة الاكل فقط اه. والخلاف في الأولوية كما هو ظاهر قول البحر عن الخانية، فالميتة أولى اه. والمراد بالحرمة والحرمتين ما هو في الأصل قبل الاضطرار إذ لا حرمة بعده. قوله: (والصيد على مال الغير) ترجيحا لحق العبد لافتقاره زيلعي. تنبيه: في البحر عن الخانية وعن بعض أصحابنا: من وجد طعام الغير لا تباح له الميتة، وهكذا عن ابن سماعة وبشر: أن الغصب أولى من الميتة، وبه أخذ الطحاوي. وقال الكرخي: هو بالخيار. قوله: (ولحم الانسان) أي لكرامته، ولان الصيد يحل في غير الحرم أو في غير حالة الاحرام، والآدمي لا يحل بحال ح. قوله: (قيل والخنزير) بالجر عطفا على الانسان. وعبارة البحر عن الخانية: وعن محمد الصيد أولى من لحم الخنزير اه. وأفاد الشارح ضعفها، لكن إن كان المراد بالخنزير الميت وهو الظاهر، فوجه الضعف ظاهر، لأنه كباقي الميتة فيه: ارتكاب حرمة الاكل فقط، وإلا فلا، لأنه صيد أيضا فاصطياد غيره أولى، لان في كل ارتكاب حرمتين، لكن حرمته أشد، هذا ما ظهر لي. وفي البحر عن الخانية: والاكل أولى من الصيد لان في الصيد ارتكاب المحظورين. قوله: (ولو الميت نبيا الخ) غير منصوص في المذهب، بل نقله في النهر عن الشافعية. قوله: (الصيد المذبوح أولى) أي ما ذبحه محرم آخر أو ذبحه هر قبل الاضطرار، لان في أكله ارتكاب محظور واحد، بخلاف اصطياد غيره للاكل. قوله: (ويغرم أيضا الخ) أي يغرم الذابح قيمة ما أكله زيادة على الجزاء لو كان الاكل بعد الجزاء أما قبله فيدخل ما أكل في ضمان الصيد، فلا يجب له شئ بانفراده، ولا فرق بين أكله وإطعام كلابه، وقالا: لا يغرم بأكله شيئا، وتمامه في النهر. قال في اللباب: ولو أكل منه غير الذابح فلا شئ عليه، ولو أكل الحلال مما ذبحه في الحرم
619 بعد الضمان لا شئ عليه للاكل. قوله: (والجزاء هو ما قومه عدلان) أي ما جعله العدلان قيمة للصيد، فما مصدرية أو ما قومه به على أنها موصولة، والأول أولى فافهم. ويقوم بصفته الخلقية على الراجح كالملاحة والحسن والتصويت لا ما كانت بصنع العباد إلا في تضمين قيمته لمالكه فيقوم بها أيضا، إلا إذا كانت للهو كنقر الديك ونطح الكبش فلا تعتبر كما في الجارية المغنية، والمراد بالعدل من له معرفة وبصارة بقيمة الصيد، لا العدل في باب الشهادة. بحر ملخصا. وأطلق في كون الجزاء هو القيمة فشمل الصيد الذي له مثل وغيره وهو قولهما، وخصه محمد بما لا مثل له فأوجب فيما له مثل مثله، ففي نحو الظبي شاة، والنعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وتوجيه كل في المطولات. قوله: (وقيل الواحد ولو القاتل يكفي) الأولى إسقاط قوله: ولو القاتل لأنه بحث من صاحب البحر، وقال بعده: لكنه يتوقف على نقل ولم أره اه. على أن صاحب اللباب صرح بخلافه حيث قال: ويشترط للتقويم عدلان غير الجاني، وقيل الواحد يكفي اه. وعكس في الهداية حيث اكتفى بالواحد، وعبر عن المثنى بقيل ميلا إلى أن العدد في الآية للأولوية، وتبعه في التبيين للزيلعي والسراج والجوهرة والكافي، وهو ظاهر العناية أيضا فافهم. وما مشى عليه المصنف واللباب استظهره في الفتح. وقال في المعراج عن المبسوط على طريقة القياس: يكفي الواحد للتقويم كما في حقوق العباد وإن كان المثنى أحوط، لكن تعتبر حكومة المثنى بالنص اه. ومثله في غاية البيان، ومقتضاه اختيار المثنى، وعزا في البحر والنهر تصحيحه إلى شرح الدرر، وكأنه من جهة اقتصاره عليه متناوبه اندفع اعتراض الشرنبلالي عليهما بأنه لم يصرح في الدرر بتصحيحه، والمراد بالدرر لمله خسروا ومثله في درر البحار للقونوي، ومشى في شرحها غرر الأذكار على الاكتفاء بواحد. قوله: (في مقتله) أي موضع قتله. قال في المحيط: وعلى رواية الأصل اعتبر مع المكان الزمان في اعتبار القيمة، وهو الأصح. نهر. قوله: (فأو للتوزيع الخ) أي أن المعتبر هو مكانه إن كان يباع فيه الصيد، وإلا فالمعتبر هو أقرب مكان يباع فيه، لان العدلين يخيران في تقويمه مطلقا. قوله: (في سبع) أي غير صائل كما مر، أما الصائل فلا شئ في قتله كما سيأتي. قوله: (أي حيوان لا يؤكل) تفسير مراد، وإلا فالسبع أخص كما علمت من تفسيره الذي قدمناه، ولا بد من زيادة: وليس من الفواسق السبعة والحشرات كما مر. قوله: (على قيمة شاة) المراد بها هنا أدنى ما يجري في الهدي والأضحية: وهو الجذع من الضأن. بحر. قوله: (أكبر منها) الأولى أكثر قيمة منها، لان ما ذكره إنما يناسب قول محمد: باعتبار المثل صورة. قوله: (ليس إلا بإراقة الدم) أي دون اللحم لأنه غير مأكول. أما مأكول اللحم ففيه فساد اللحم أيضا فتجب قيمته بالغة ما بلغت. نهر عن الخانية. قوله: (وكذا) أي كما أنه لا يزاد على قيمة الشاة، وإن كان السبع أكثر قيمة منها، فكذا لو كان معلما لا يضمن ما زاد بالتعليم لحق الله تعالى أما لو كان مملوكا فيضمن قيمة ثانية لمالكه معلما، وقيد بالتعليم
620 لأنه يضمن لحق الله تعالى أيضا الوصف الخلقي كالحسن والملاحة كما في الحمامة المطوقة كما مر. قوله: (ثم له أي للقائل الخ) وقيل الخيار للعدلين، وله أن يجمع بين الثلاثة في جزاء صيد واحد، بأن بلغت قيمته هدايا متعددة فذبح هديا وأطعم عن هدي وصام عن آخر، وكذا لو بلغت هديين، إن شاء ذبحهما أو تصدق بهما أو صام عنهما أو ذبح أحدهما وأدى بالآخر: أي الكفارات شاة أو جمع بين الثلاثة. ولو بلغت قيمته بدنة: إن شاء اشتراها أو اشترى سبع شياه، والأول أفضل، وإن فضل شئ من القيمة: إن شاء اشترى به هديا آخر إن بلغه، أو صرفه إلى الطعام أو صام، وتمامه في اللباب وشرحه. قوله: (ويذبحه بمكة) أي بالحرم، والمراد من الكعبة في الآية الحرم كما قال المفسرون. نهر، فلو ذبحه في الحل لا يجزيه عن الهدي بل عن الاطعام، فيشترط فيه ما يشترط في الاطعام. وأفاد بالذبح أن المراد التقرب بالإراقة، فلو سرق بعده أجزأه لا لو تصدق به حيا، ولو أكله بعد ذبحه غرمه، ويجوز التصدق بكل لحمه أو بما غرمه من قيمة أكله على مسكين واحد. بحر. قوله: (ولو ذميا) تقدم في المصرف أن المفتي به قول الثاني: أنه لا يصح دفع الواجبات إليه. قوله: (نصف صاع) حال أو مفعول لفعل محذوف: أي وأعطى، لان تصدق لا يتعدى بنفسه إلا أن يضمن معنى قسم مثلا. قوله: (كالفطرة) الظاهر أن التشبيه إنما هو في المقدار لا غير، كما جرى عليه الزيلعي وغيره، فلا يرد ما في البحر من أن الإباحة هنا كافية، كما سيأتي. أفاده في النهر. قوله: (أو أكثر) كأن يكون الواجب ثلاث صيعان مثلا دفعها إلى مسكينين، وكذا لو دفع الكل إلى واحد، لكنه سيأتي التصريح به، فافهم. قوله: (بل يكون تطوعا) أي يكون الجميع في صورة الأقل والزائد على نصف صاع كل مسكين في صورة الأكثر تطوعا ح. قوله: (أو صام) أطلق فيه وفي الاطعام، فدل أنهما يجوزان في الحل والحرم ومتفرقا ومتتابعا لاطلاق النص فيهما. بحر. قوله: (أقل منه) بأن قتل يربوعا أو عصفورا فهو مخير أيضا. بحر. قوله: (تصدق به) أي على غير الذين أعطاهم أولا، شرح اللباب. قوله: (ويجوز الخ) تكرار مع قوله: لا أقل منه. قوله: (قال المصنف تبعا للبحر الخ) عبارة البحر: وقد حققنا في باب صدقة الفطر أنه يجوز أن يفرق نصف الصاع على مساكين على المذهب، وأن القائل بالمنع الكرخي، فينبغي أن يكون كذلك هنا، والنص هنا مطلق فيجري على إطلاقه. لكن لا يجوز أن يعطي لمسكين واحد كالفطرة، لان العدد منصوص عليه اه. وحاصله اختيار الجواز إذا فرق نصف صاع على مساكين لاطلاق النص وقياسا على الفطرة، إلا إذا أعطى كل الواجب لمسكين واحد لتكوين العدد المنصوص في قوله تعالى: * (طعام مساكين) * (المائدة: 59) لكن لا يخفى أن جواز التفريق مخالف لعامة كتب المذهب. على أن إطلاق النص يحمل على المعهود في الشرع وهو دفع نصف الصاع لفقير واحد، تأمل. قوله: (وتكفي الإباحة هنا) أي
621 بخلاف الفطرة كما مر. قال في شرح اللباب: وهذا عند أبي يوسف، خلافا لمحمد. وعن أبي حنيفة روايتان. والأصح أنه مع الأول، لكن هذا الخلاف في كفارة الحلق عن الأذى. وأما كفارة الصيد فيجوز الاطعام على وجه الإباحة بلا خلاف، فيصنع لهم طعاما بقدر الواجب ويمكنهم منه حتى يستوفوا أكلتين مشبعتين غداء وعشاء. وإن غداهم وأعطاهم قيمة العشاء أو بالعكس جاز. والمستحب كونه مأدوما، ولا يشترط الادام في خبز البر، واختلف في غيره، وتمامه فيه. وانظر لو لم يستوفوا الأكلتين بما صنع لهم من القدر الواجب هل يلزمه أن يزيد إلى أن يشبعوا؟ والظاهر نعم. تأمل. قوله: (كدفع القيمة) فيدفع لكل مسكين قيمة نصف صاع من بر، ولا يجوز النقص عنها كما في العين. بحر. لكن لا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة، حتى لو أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط أو أدى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته نصف صاع من بر أو أكثر لا يعتبر، بل يقع عن نفسه ويلزمه تكميل الباقي. شرح اللباب. قلت: والمنصوص هو البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب، بخلاف نحو الذرة والماش والعدل فلا يجوز إلا باعتبار القيمة، وكذا الخبز، فلا يجوز مقدار وزن نصف صاع في الصحيح كما في شرح اللباب. قوله: (ولا أن يدفع الخ) قال في شرح اللباب: ولو دفع طعام ستة مساكين إلى مسكين واحد في يوم دفعة واحدة أو دفعات فلا رواية فيه. واختلف المشايخ فيه، وعامتهم لا يجوز إلا عن واحد، وعليه الفتوى اه. واحترز بقوله في يوم عما لو دفع إلى واحد في ستة أيام كل يوم نصف صاع فإنه يجزئه عندنا كما صرح به قبله، ولا يخفى أن المسكين الواحد غير قيد، حتى لو دفع الكل إلى مسكينين يكفي عن اثنين فقط والباقي تطوع، كما مر في قوله: أو أكثر منه. قوله: (إلى من لا تقبل شهادته له) علد في البحر عن تعبيرهم بهذا إلى التعبير بقوله: إلى أصله الخ وقال إنه الأولى، فلذا تبعه المصنف، لكن خالفه الشارح لأنه أخصر وأظهر لشموله مملوكه، ولا يرد النقض بالشريك لأنه لا تقبل شهادته له فيما هو مشترك بينهما لا مطلقا، فافهم. قوله: (وهذا) أي عدم جواز الدفع إلى أصله الخ. قوله: (كما مر في المصرف) أي في باب مصرف الزكاة وغيرها حيث قال: ولا إلى من بينهما أولاد أو زوجية الخ، فذكر ذلك في ذلك الباب صريح في أنه الحكم في كل صدقة واجبة، فافهم. قوله: (ووجب بجرحه) أفاد بذكره بعد ذكر القتل أنه لم يمت منه، فلو غاب ولم يعلم موته ولا حياته فالاستحسان أن يلزمه جميع القيمة احتياطا، كمن أخذ صيدا من الحرم ثم أرسله ولا يدري أدخل الحرم أم لا. محيط، ولو برئ من الجرح ولم يبق له أثر لا يسقط الجزاء. بدائع. وفي المحيط خلافه، واستظهر في البحر الأول، ومشى في اللباب على الثاني وقواه في النهر. قوله: (ما نقص) فيقوم صحيحا ثم ناقصا، فيشتري بما بين القيمتين هديا: أو يصوم. ط عن القهستاني. قال: وهذا لو لم يخرجه الجرح ونحوه عن حيز الامتناع وإلا ضمن كل القيمة اه. ولو لم يكفر حتى قلته ضمن قيمته فقط وسقط نقصان الجراحة
622 كما حققه في الفتح تبعا للبدائع على خلاف ما في البحر عن المحيط، وتمامه فيما علقته عليه. قوله: (حتى خرج عن حيز الامتناع) عبر تبعا للدرر بحرف الغاية دون التعليل، لان المراد بالريش والقوائم جنسهما الصادق بالقليل منهما، إذ لا شك أنه لا يشترط في لزوم كل القيمة نتف كل الريش وقطع كل القوائم، بل المراد ما يخرجه عن حيز الامتناع: أي عن أن يبقى ممتنعا بنفسه، فافهم، والحيز كما في الصحاح: بمعنى الناحية، فهو هنا مقحم كما في القهستاني، فهو كظهر في قولهم ظهر الغيب، ولا وجه للقول بأنه من إضافة المشبه به للمشبه، فافهم. قوله: (غير المذر) بكسر الذال بمعنى الفاسد، قيد به لأنه لو كسر بيضة مذرة لا شئ عليه، لان ضمانها ليس لذاتها بل لعرضية أن تصير صيدا وهو مفقود في في الفاسدة، ولو كان لقشرها قيمة كبيض النعام خلافا لما قاله الكرماني، لان المحرم غير منهي عن التعرض للقشر كما في الفتح. بحر ملخصا. قوله: (وخروج فرخ ميت به) معطوف على قوله: بنتف قال في اللباب: وإن خرج منها: أي من البيضة فرخ ميت فعليه قيمة الفرخ حيا ولا شئ في البيضة اه. وقوله: به متعلق بميت. قال في البحر: وقيد بقوله: به لأنه لو علم موته بغير الكسر فلا ضمان عليه للفرخ لانعدام الإماتة ولا للبيض لعدم العرضية اه. ولو لم يعلم أن موته بسبب الكسر أو لا فالقياس أن لا يغرم غير البيضة، لان حياة الفرخ غير معلومة. وفي الاستحسان: عليه قيمة الفرخ حيا. عناية. قوله: (وذبح حلال صيد الحرم) سيعيد المصنف هذه المسألة، ونتكلم عليها هناك. قوله: (وحلبه لبنه) لان اللبن من أجزاء الصيد فتجب قيمته كما صرح به في النقاية والملتقى، وكذا لو كسر بيضه أو جرحه يضمن كما في البحر. ثم إن ذكر الشارح المفعول وهو لبنه يفيد أن الحلب مصدر مضاف إلى ضمير الفاعل وهو الحلال مع أنه غير قيد، فلو ترك ذكر لبنه وجعل المصدر مضافا إلى ضمير المفعول وهو الصيد لكان أولى، لأنه يشمل حينئذ ما إذا كان الحالب محرما لكنه لا يختص بصيد الحرم. تأمل. قوله: (وقطع حشيشه وشجره) ذكر النووي عن أهل اللغة أن العشب والخلا بالقصر اسم للرطب والحشيش لليابس، وأن الفقهاء يطلقون الحشيش على الرطب أيضا مجازا باعتبار ما يؤول إليه اه. وفي الفتح: والشجرة اسم للقائم الذي بحيث ينمو فإذا جف فهو حطب اه. وأطلق في القاطع فشمل الحلال والمحرم، وقيد بالقطع لأنه ليس في المقلوع ضمان، وأشار بضمان قيمته إلى أنه لا مدخل للصوم هنا، وإلى أنه يملكه بأداء الضمان كما في حقوق العباد. ويكره الانتفاع به بيعا وغيره، ولا يكره للمشتري، وتمامه في البحر. قوله: (غير مملوك ولا منبت) اعلم أن النابت في الحرم إما جاف أو منكسر أو إذخر أو غيرها، والثلاثة الأول مستثناة من الضمان كما يأتي. وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أو لا، والأول لا شئ فيه، سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان. والثاني إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء، فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت، ولا منكسرا ولا جافا ولا إذخرا كما قرره في البحر. وذكر أن المراد من قول الكنز: غير مملوك، هو النابت بنفسه مملوكا أو لا لئلا يرد عليه ما لو نبت في ملك رجل ما لا يستنبت كأم غيلان فإنه مضمون أيضا كما نص عليه في المحيط. وما أجاب به في النهر لم يظهر لي وجه
623 صحته، فلذا خالف الشارح عادته ولم يتابعه بل تابع البحر، ويأتي قريبا في الشرح. قوله: (فقطعها إنسان) لم يذكر ما إذا قطعها المالك. ونقل في غاية الاتقان عن محمد أنه قال في أم غيلان: تنبت في الحرم في أرض رجل ليس لصاحبه قطعه، ولو قطعه فعليه لعنة الله، ومقتضاه أن لا يجب عليه جزاء، لكنه مخالف لما مر من أن كل ما ينبت بنفسه ولم يكن من جنس ما ينبته الناس ففيه القيمة، سواء كان مملوكا أو لا، فينبغي أن تلزمه قيمة واحدة لحق الشرع. أفاده نوح أفندي، وصرح في شرح اللباب بضمانه جازما به. قوله: (بناء على قولهما الخ) أما على قول الإمام: إن أرض الحرم سوائب: أي أوقاف في حكم السوائب، فلا يتصور قولهم: لو نبت في ملكه بحر. وعليه فالواجب قيمة واحدة لحق الشرع فقط. قوله: (فلو من جنسه الخ) لان الذي ينبته الناس غير مستحق للأمن بالاجماع، وما لا ينبتونه عادة إذا أنبتوه التحق بما ينبتونه عادة، فكان مثله بجامع انقطاع كمال النسبة إلى الحرم عند النسبة إلى غيره بالانبات كما في الهداية والعناية شرنبلالية. قوله: (كمقلوع) أي إذا انقلعت شجرة إن كان عروقها لا تسقيها فلا شئ بقطعها. لباب. قوله: (ولذا) أي لكون الشجر أو الحشيش الذي هو من جنس ما ينبته الناس لا شئ فيه من جزاء لحق الشرع ولا من حرمة. ط. قوله: (حل قطع الشجر المثمر) أي وإن لم يكن من جنس ما ينبته الناس، لكن إن كان له مالك توقف على إجازته، وإلا وجبت قيمته له كما لا يخفى ط. قوله: (لان إثماره الخ) بدل من قوله: ولذا الخ لان ما كان من جنس ما ينبته الناس إذا نبت بنفسه إنما لا يجب فيه شئ لأنه بمنزلة ما أنبتوه. تأمل. قوله: (قيمته) فاعل وجب، وقوله: في كل ما ذكره أي قيمة ما أتلفه في كل ما ذكر من المسائل الثمانية، ففي الأوليين والخامسة قيمة الصيد، وفي الثالث البيض، وفي الرابعة الفرخ، وفي السادسة اللبن، وفي السابعة الحشيش، وفي الثامن الشجر. قوله: (إلا ما جف أو انكسر) أي فلا يضمنه القاطع إلا إذا مملوكا فيضمن قيمته لمالكه كما في شرح اللباب، والجاف بالجيم: اليابس، وقد مر أنه يسمى حطبا. قوله: (أو ضرب فسطاط) أي خيمة، ومثله ما لو ذهب بمشيه أو مشى دوابه كما في اللباب. قوله: (لعدم إمكان الاحتراز عنه لأنه تبع) كذا في بعض النسخ، والصواب ذكر قوله: لأنه تبع بعد قوله: لا لغصنه كما في بعض النسخ. قوله: (والعبرة للأصل الخ) في البحر عن الأجناس: الأغصان تابعة لأصلها وذلك على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون أصلها في الحرم والأغصان في الحل، فعلى قاطع الأغصان القيمة. الثاني: عكسه، فلا شئ عليه فيهما. الثالث: بعض الأصل في الحل وبعضه في الحرم ضمن، سواء كان الغصن من جانب الحل أو الحرم اه. قوله: (والعبرة لمكان الطائر) أي لمكانه من الشجرة لأصلها لان الصيد ليس تابعا
624 لها ط. قوله: (بحيث لو وقع الصيد) فسر الضمير به مع أن مرجعه الطائر قصدا للتعميم، فإن هذا الحكم لا يخص الطير اه ح. قوله: (وإلا لا) أي لو وقع في الحل فهو من صيد الحل، ولو أخذ الغصن شيئا من الحل والحرم فالعبرة للحرم ترجيحا للحاظر كما يعلم من نظائره ط. قوله: (القائم) محترزه ما يذكره من النائم، ولو قال: والعبرة لقوائم الطير لكان أخصر وأعم، لأنه يفيد حكم ما إذا كانت في الحل ط. قوله: (وبعضها ككلها) أي لو كان بعض قوائمه في الحرم فهو ككلها فيجب الجزاء. قال في شرح اللباب: أي من غير نظر إلى الأقل والأثر من القوائم في الحل أ الحرم، وهذا في القائم لا حاجة إليه مع قوله سابقا القائم ط. قوله: (ولو كان نائما فالعبرة لرأسه) مقتضاه أنه لو كان رأسه في الحل فقط فهو من صيد الحل، وبه صرح في السراج. لكن مقتضى قوله: فاجتمع المبيح والمحرم أنه من صيد الحرم، لان القاعدة ترجيح المحرم. وعبارة البحر كالصريحة فيما قلنا، وكذا قوله في اللباب: لو كان مضطجعا في الحل وجزء منه في الحرم فهو من صيد الحرم وروى، قال في شرحه القاضي: أي جزء كان. وقال الكرماني لو مضطجعا في الحل ورأسه في الحرم يضمن لان العبرة لرأسه، وهو موهم أن الجزاء المعتبر هو الرأس لا غير وليس كذلك، بل إذا لم يكن مستقرا على قوائمه يكون بمنزلة شئ ملقى، وقد اجتمع فيه الحل والحرمة فيرجح جانب الحرمة احتياطا. ففي البدائع: إنما تعتبر القوائم في الصيد إذا كان قائما عليها، وجميعه إذا كان مضطجعا اه. وهو بظاهره كما قال في الغاية: يقتضي أن الحل لا يثبت (1) إلا إذا كان جميعه في الحل حالة الاضطجاع، وليس كذلك. ففي المبسوط: إذا كان جزء منه في الحرم حالة النوم فهو من صيد الحرم، والله أعلم اه. فافهم. قوله: (والعبرة لحالة الرمي) أي المعتبر في الرامي لا حالة الوصول عند الامام، حتى لو رمى مجوسي إلى صيد فأسلم ثم وصل السهم إليه لا يؤكل، ولو رمى مسلم فارتد ثم وصل السهم يؤكل. ح عن البحر. قوله: (إلا إذا رماه الخ) أقول: قال في اللباب: ولو رمى صيدا في الحل فهرب فأصابه السهم في الحرم ضمن، ولو رماه في الحل وأصابه في الحل فدخل فمات فيه لم يكن عليه الجزاء، ولكن لا يحل أكله، ولو كان الرمي في الحل والصيد في الحل إلا أن بينهما قطعة من الحرم فمر فيها السهم لا شئ عليه اه. ولا يخفى أن ما ذكره الشارح هو المسألة الأخيرة كما هو المتبادر، مع أنه قد جزم في البحر أيضا بأنه لا شئ فيها من غير حكاية استحسان أو قياس، وإنما حكى ذلك في المسألة الأولى حيث نقل أولا عن الخانية وجوب الجزاء، وأنه اختلف كلام المبسوط: ففي موضع لا يجب، وفي موضع يجب، وأن هذه المسألة مستثناة من أصل أبي حنيفة، فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه
(1) قوله: (يقتضي ان الحل لا يثبت الخ) لعل الصواب ابدال الحل بالحرمة، أو يقول: وهو كذلك، بدل وليس كذلك تأمل ا ه. 625 المسألة خاصة. ثم نقل عن البدائع أن الوجوب استحسان وعدمه قياس، ووفق به بين كلامي المبسوط. وكذا صرح القاري عن الكرماني بأنها مستثناة احتياطا في وجوب الضمان، وبه ظهر أن الشارح اشتبه عليه إحدى المسألتين بالأخرى، وسبقه إلى ذلك صاحب النهر، ولا يصح حمل كلامه على ما إذا مر السهم في الحرم وأصاب الصيد في الحرم، لأنه إن كان الصيد وقت الرمي في الحرم لم تكن المسألة مستثناة من اعتبار حالة الرمي ويكون وجوب الجزاء لا شك فيه قياسا واستحسانا، وما نقله ح عن البحر لم أره فيه، وإن كان الصيد وقت الرمي في الحل والإصابة في الحرم يصير قوله: ومر السهم في الحرم لا فائدة فيه، فافهم. قوله: (وجاز بيعه الخ) ومثله لو قطع حشيش الحرم أو شجرة وأدى قيمته ملكه، ويكره بيعه. وقال في الهداية: لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له بيعه لتطرق الناس إلى مثله، إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة، بخلاف الصيد اه: أي لأنه بيع ميتة. قوله: (لعدم الذكاة) علة لجواز أكله وبيعه: أي لأنه لا يفتقر إلى الذكاة فلا يصير ميتة، ولذا يباح أكله قبل الشئ. بحر عن المحيط. قوله: (بخلاف ذبح المحرم) أي ذبحه صيد الحل أو الحرم، وقوله: أو صيد الحرم عطف على المحرم: أي وبخلاف ذبح صيد الحرم من حلال أو محرم، والمصدر في المعطوف عليه مضاف إلى فاعله، وفي المعطوف إلى مفعوله. وفي نسخة أو حلال صيد الحرم وهي أحسن، لكن كون ذبح الحلال صيد الحرم ميتة أحد قولين كما ستعرفه. قوله: (ولا يرعى حشيشه) أي عندهما. وجوزه أبو يوسف للضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر، وتمامه في الهداية. ونقل بعض المحشين عن البرهان تأييد قوله بما حاصله أن الاحتياج للرعي فوق الاحتياج للأذخر، وأقرب حد الحرم فوق أربعة أميال، ففي خروج الرعاة إليه ثم عودهم قد لا يبقى من النهار وقت تشبع فيه الدواب، وفي قوله (ص): لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها وسكوته عن نفي الرعي إشارة لجوازه وإلا لبينه، ولا مساواة بينهما ليلحق به دلالة، إذ القطع فعل العاقل والرعي فعل العجماء وهو جبار، وعليه عمل الناس، وليس في النص دلالة على نفي الرعي ليلزم من اعتبار الضرورة معارضته، بخلاف الاحتشاش اه. لكن في قوله: والرعي فعل العجماء نظر، لأنها لو ارتعت بنفسها لا شئ عليه اتفاقا، وإنما الخلاف في إرسالها للرعي وهو مضاف إليه. قوله: (بمنجل) كمفصل: ما يحصل به الزرع. قوله: (إلا الإذخر) بكسر الهمزة والخاء وسكون الذال المعجمتين: نبت بمكة طيب الرائحة له قضبان دقاق يسقف بها البيوت بين الخشبات، ويسد بها الخلاء في القبور بين اللبنات. قهستاني ملخصا. ووجه استثنائه في الحديث مذكور في البحر وغيره. قوله: (ولا بأس) هي هنا للإباحة لمقابلتها بالحرمة لا لما تركه أولى. قاري. قوله: (وبقتل قملة الخ) متعلق بقوله بعده: تصدق والمراد بالقتل ما يشمل المباشرة والتسبب القصدي كما أفاده بقوله: لتموت احترازا عما لو لم يقصد بإلقاء الثوب القتل، كما لو غسل ثوبه فماتت، وكإلقاء الثوب إلقاؤها، لان الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما في البحر، والمراد بالقملة ما دون الكثير الآتي بيانه، وفصل في اللباب بأن في الواحدة تصدقا بكسرة، وفي الثنتين والثلاث قبضة
626 من طعام، وفي الزائد مطلقا نصف صاع. قوله: (والجراد كالقمل) قال في البحر: ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل، وينبغي أن يكون كالقمل، ففي الثلاث وما دونها يتصدق بما شاء، وفي الأكثر نصف صاع. وفي المحيط: مملوك أصاب جرادة في إحرامه إن صام يوما فقد زاد، وإن شاء جمعها حتى تصير عدة جرادات فيصوم يوما اه. وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد، لما علم أن العبد، لا يكفر إلا بالصوم اه. ولا يخفى أن ما في المحيط صريح في الفريق بين حكم القليل والكثير، ولكن ليس فيه بيان الفرق بين مقدار القليل والكثير، وعليه يحمل قول البحر: ولم أر الخ، وبه اندفع اعتراض النهر. قوله: (إلا العقعق) هو طائر أبيض فيه سواد وبياض يشبه صوته العين والقاف. قاموس. ومثله في الحكم الزاغ. وأنواع الغراب على ما في فتح الباري خمسة: العقوق. والأبقع: الذي في ظهره أو بطنه بياض. والغداف وهو المعروف عند أهل اللغة بالأبقع، ويقال له غراب البين، لأنه بان عن نوح عليه الصلاة والسلام واشتغل بجيفة حين أرسله ليأتي بخبر الأرض. ولاعصم: وهو ما في رجله أو جناحه أو بطنه بياض أو حمرة. والزاغ. ويقال له غراب الزرع: وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب. ح عن القهستاني. قوله: (وتعميم البحر) حيث جعل العقعق كالغراب. واعتراض على قول الهداية: إنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى بقوله فيه نظر، لأنه دائما يقع على دبر الدابة كما في غاية البيان. قوله: (رده في النهر) أي بما في المعراج من أنه لا يفعل ذلك غالبا، وبما في الظهيرية حيث قال: وفي العقعق روايتان، والظاهر أنه من الصيود اه. قوله: (وكلب عقور) قيد بالعقور اتباعا للحديث، وإلا بالعقور وغيره، سواء أهليا كان أو وحشيا. بحر. قوله: (أو وحشي) ليس تفسيرا لعقور بل تقييد له. ح: أي لان العقور من العقر: وهو الجرح، وهو ما يفرط شره وإيذاؤه. قهستاني. قوله: (أما غيره) أي غير الوحشي: وهو الأهلي، فليس بصيد أصلا فلا معنى لاستثنائه، لكن قدمنا عن الفتح أن الكلب مطلقا ليس بصيد لأنه أهلي في الأصل، وأيضا فإن العقرب وما بعده ليس بصيد أيضا. قوله: (وبعوض) هو صغير البق، ولا شئ بقتل الكبار والصغار. شرنبلالية. قوله: (لكن لا يحل الخ) استدراك على الاطلاق في النمل، فإن ظاهره جواز إطلاق قتله بجميع أنواعه مع أن فيه ما يؤذي، وهذا الحكم عام في كل ما لا يؤذي كما صرحوا به في غير موضع ط. قوله: (أي إذا لم تضر) تقييد للنسخ. ذكره في النهر أخذا مما في الملتقط: إذا كثرت الكلاب في قرية وأضرت بأهلها أمر أربابها بقتلها، فإن أبوا رفع الامر إلى القاضي حتى يأمر بذلك اه. قوله: (وبرغوث) بضم الباء والغين ط. قوله: (وفراش) جمع فراشة: هي التي تهافت في السراج. قاموس. قوله: (ووزغ) هو
627 سام أبرص تشديد الميم. قوله: (وأم حبين) بمهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية على وزن زبير: دويبة تشبه الضب. قوله: (وكذا جميع هوام الأرض) الأولى إبدال جميع بباقي، لان ما قبله من الهوام وهي جمع هامة كل حيوان ذي سم. وقد تطلق على مؤذ ليس له اسم كالقملة، أما الحشرات فهي جمع حشرة: وهي صغار دواب الأرض كما في الديوان. ط عن أبي السعود. قوله: (وسبع) هو كل حيوان مختطف عاد عادة. قوله: (أي حيوان) أشار إلى ما في النهر من أن هذا الحكم لا يخص السبع، لان غيره إذا صال لا شئ بقتله. ذكره شيخ الاسلام. فكان عدم التخصيص أولى، إذ المفهوم معتبر في الروايات اتفاقا اه. لكن ينبغي تقييد الحيوان بغير المأكول، لما في البحر من أن الجمل لو صال على إنسان فقتله فعليه قيمته بالغة ما بلغت، لان الاذن في قتل السبع حاصل من صاحب الحق وهو الشارع. أما الجمل فلم يحصل الاذن من صاحبه. قوله: (صائل) أي قاهر حامل على المحرم، من الصولة أو الصألة بالهمزة. قهستاني. وقيد به لما مر من أن غير الصائل يجب بقتله الجزاء ولا يجاوز عن شاة. وما في البدائع من أن هذا أو عدم وجوب شئ إنما هو فيما لا يبتدئ بالأذى كالضبع والثعلب وغيرهما، أما ما يبتدئ به غالبا كالأسد والذئب والنمر والفهد فللمحرم قتله ولا شئ عليه. قال بعض المتأخرين: إنه بمذهب الشافعي أنسب. نهر. قلت: والقائل ابن كمال، لكن ذكر في الفتح أول الباب كلام البدائع، وجعله مقابل المنصوص عليه في ظاهر الرواية. ثم قال: ثم رأيناه رواية عن أبي يوسف. قال في الخانية: عن أبي يوسف الأسد بمنزلة الذئب، وفي ظاهرة الرواية: السباع كلها صيد إلا الكلب والذئب اه. فافهم. قوله: (كما تلزمه قيمته) أي بالغة ما بلغت لمالكه: يعني وقيمته لله تعالى لا تجاوز قيمة شاء. بحر. قلت: هذا لو غير صائل، أما الصائل فقد علمت أنه لا يجب فيه لله تعالى شئ، فلذا اقتصر الشارح على قيمة واحدة، فافهم. قوله: (وله) أي للمحرم. قوله: (ولو أبوها ظبيا) أحرج الام إذا كانت ظبية فإن عليه الجزاء لما ذكره الشارح ط. قوله: (وبط أهلي) هو الذي يكون في المساكن والحياض، لان ألوف بأصل الخلقة، احترازا عن الذي يطير فإنه صيد فيجب الجزاء بقتله. بحر. قوله: (ولو لمحرم) للام للتعليل: أي ولو صاده الحلال لأجل المحرم بلا أمره خلافا للامام مالك كما في الهداية. قوله: (وذبحه في الحل) أما لو ذبحه في الحرم فهو ميتة كما قدمه. وفي اللباب: إذا ذبح محرم أو حلال في الحرم صيدا فذبيحته ميتة عندنا لا يحل أكلها له ولا لغيره من محرم أو حلال، سواء اصطاده هو: أي ذابحه أو غيره محرم أو حلال ولو في الحل، فلو أكل المحرم الذابح منه شيئا قبل أداء الضمان أو بعده فعليه قيمة ما أكل، ولو أكل منه غير الذابح فلا شئ عليه، ولو أكل الحلال مما ذبحه في الحرام بعد الضمان لا شئ عليه للاكل، ولو اصطاد حلال فذبح له محرم أو اصطاد محرم فذبح له حلال فهو ميتة اه.
628 قال شارحه القاري: اعلم أنه صرح غير واحد كصاحب الايضاح والبحر الزاخر والبدائع وغيرهم بأن ذبح الحلال صيد الحرم يجعله لا يحل وإن أدى جزاءه من غير تعر ض لخلاف. وذكر قاضيخان أنه يكره أكله تنزيها. وفي اختلاف المسائل: اختلفوا فيما إذا إذا ذبح الحلال صيدا في الحرم: فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يلح أكله. واختلف أصحاب أبي حنيفة: فقال الكرخي: هو ميتة، وقال غيره: هو مباح اه. قوله: (على المختار) راجع لقوله: لا للمحرم وهذا ما رواه الطحاوي. وقال الجرجاني: لا يحرم، وغلطه القدوري واعتمد رواية الطحاوي. فتح وبحر. قوله: (وتجب قيمته بذبح حلال) هذا مكرر مع قوله سابقا وذبح حلال صيد الحرم إلا أنه أعاده ليرتب عليه قوله: ولا يجزئه الصوم ط. وأراد بالذبح الاتلاف ولو تسببا على وجه العدوان، فلو أدخل في الحرم بازيا فأرسله فقتل حمام الحرم لم يضمن لأنه أقام واجبا وما قصد الاصطياد فلم يكن تعديا في السبب بل كان مأمورا. بحر. قوله: (ولا يجزئه الصوم) إنما اقتصر على نفي الصوم ليفيد أن الهدي جائز، وهو ظاهر الرواية كما في البحر. وفي اللباب: فإن بلغت قيمته هديا اشتراه بها إن شاء، وإن شاء اشترى بها طعاما فيتصدق به كما مر، ويجوز فيه الهدي إن كانت قيمته قبل الذبح مثل قيمة الصيد، ولا يشترط كونها مثلها بعد الذبح. وأما الصوم في صيد الحرم فلا يجوز للحلال ويجوز للمحرم. قوله: (لأنها غرامة) لأن الضمان فيه باعتبار المحل وهو الصيد فصار كغرامة الأموال، بخلاف المحرم فإنه ضمانه جزاء الفعل لا المحل والصوم يصلح له لأنه كفارة. بحر. قوله: (في دلالته) أي دلالة الحلال ولو لمحرم، والفرق بين دلالة المحرم ودلالة الحلال أن المحرم التزم ترك التعرض بالاحرام، فلما دل ترك ما التزمه فضمن كالمودع إذا دل السارق على الوديعة، ولا التزام من الحلال فلا ضمان بها، كالأجنبي إذا دل السارق على مال إنسان. بحر. قوله: (ولو حلالا) الأولى أن يقال: وهو حلال كما قيده به في مجمع الأنهر. قال: وإنما قيدنا به لتظهر فائدة قيد الدخول في الحرم، فإن وجوب الارسال في المحرم لا يتوقف على دخول الحرم، لأنه بمجرد الاحرام يجب عليه كما في الاصلاح وغيره، وبهذا يظهر ضعف ما قيل حلالا أو محرما اه. وعليه ينبغي أن يقال: وهو في الحل، بدل قوله: ولو في الحل اه ح. والحاصل أن الكلام فيمن كان حلالا في الحل وأراد الاحرام أو دخول الحرم وكان في يديه صيد وجب عليه إرساله. وفي اللباب وشرحه: اعلم أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء: بإحرام الصائد، أو بدخوله في الحرم، أو بدخول الصيد فيه. ولو أخذ صيدا في الحل أو الحرم وهو محرم أو في الحرم وهو حلال لم يملكه ووجب عليه إرساله، سواء كان في يده أو قفصه أ في بيته، ولو لم يرسله حتى هلك وهو محرم أو حلال فعليه الجزاء. قوله: (يعني الجارحة) محترزه قوله: لا إن
629 كان في بيته أو قفصه. قوله: (وجب إرساله) قال في البحر اتفاقا. قوله: (أي إطارته) لو قال: أي إطلاقه، لكان أشمل لتناول الوحش، فإن هذا الحكم لا يخص الطير اه ح. وشمل إطلاقه ما لو غصبه وهو حلال محلال فأحرم الغاصب فإنه يلزمه إرساله وعليه قيمته لمالكه، فلو رده له برئ ولزمه الجزاء. كذا في الدراية معزيا إلى المنتقى. قال في الفتح: وهذا لغز غاصب يجب عليه عدم الرد، بل إذا فعل يجب به الضمان. قوله: (أو إرساله للحل وديعة) هذا قول ثان في تفسير الارسال، حكاه القهستاني بعد حكاية الأول، وعزاه للتحفة. ويشكل عليه مسألة الغاصب حيث لزمه الجزاء وإن رده لمالكه. وأيضا فالرسول في حال أخذ الصيد هو في الحرم فيلزمه إرساله وضمان قيمته للمالك كالغاصب كما أفاده ط. وأيضا اعترضه ابن كمال بأن يد المودع يد المودع، لكن رده في النهر بما في فوائد الظهيرية أن يد خادمه كرحله. وحاصله أن المحظور كون الصيد في يده الحقيقية، ويده فيما عند المودع غير حقيقة، بل هي مثل يده على ما في رحله أو قفصه أو خادمه، لكن يرد عليه ما مر عن ط. وقد يجاب بأنه يمكنه أن يناوله في طرف الحرم لمن هو في الحل أو يرسله في قفص. ثم اعلم أن الذي يظهر من كلامهم أن هذين القولين في المسألة الثانية فقط، وهي من أحرم في الحل وفي يده صيد، أما الأولى وهي لو دخل الحرم وفي يده صيد فالواجب عليه الارسال بمعنى الإطارة لقوله في الهداية: عليه أن يرسله فيه: أي في الحرم، وتعليله له بأنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وصار من صيد الحرم، وكذا ما قدمناه عن اللباب من أن الصيد يصير آمنا بثلاثة أشياء الخ، وكذا قول اللباب: ولو أدخل محرم أو حلال صيد الحل الحرم صار حكمه حكم صيد الحرم، وكذا قول المصنف الآتي: فلو كان جارحا الخ فإنه لو كان له إيداع الجارح بعد ما أدخله الحرم لم يجز له إرساله مع العلم بأن عادة الجارح قتل الصيد، وكذا قول اللباب: ولو أخذ صيد الحرم فأرسله في الحل لا يبرأ من الضمان حتى يعلم وصوله إلى الحرم آمنا، فكيف إذا أودعه؟ فتأمل. قوله: (على وجه غير مضيع له) يفسره ما قبله، فكان الأولى تأخيره عنه كما فعل في شرحه على الملتقي حيث قال: كأن يودعه أو يرسله في قفص. قوله: (وفي كراهة جامع الفتاوى) إلى قوله: لا يجب ساقط من بعض النسخ. وحاصله أن إعتاق الصيد: أي إطلاقه من يده جائز إن أباحه لمن يأخذه وهو تقييد لقوله: لان تسييب الدابة حرام وقيل لا: أي لا يجوز إعتاقه مطلقا كما هو ظاهر إطلاق حرمة التسييب، لأنه وإن أباحه فالأغلب أنه لا يقع في يد أحد فيبقى سائبة، وفيه تضييع لماله وقوله: ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه يحتمل معنيين. الأول: أنه لا يخرج عن ملكه قبل أن يأخذ أحد، فإن أخذه أحد بعد الإباحة ملكه كما تفيده عبارة مختارات النوازل. الثاني: أنه لا يخرج مطلقا لان التمليك لمجهول لا يصح مطلقا أو إلا لقوم معلومين، لما في لقطة البحر عن الهداية: إن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون
630 إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع بمن غير تعريف، ولكن يبقى ملك مالكه لان التمليك من المجهول لا يصح. قال: وفي البزازية: للمالك أخذها منه إلا إذا قال عند الرمي من أخذه فهو له، لقوم معلومين، ولم يذكر السرخسي هذا التفسير اه. فينبغي أن يكون إعتاق الصيد كذلك، وتكون فائدة الإباحة حل الانتفاع به مع بقائه على ملك المالك. لكن في لقطة التاترخانية: ترك دابة لا قيمة لها من الهزال ولم يبحها وقت الترك فأخذها رجل وأصلحها فالقياس أن تكون للآخذ كقشور الرمان المطروحة. وفي الاستحسان: تكون لصاحبها. قال محمد: لأنا لو جوزنا ذلك في الحيوان لجوزنا في الجارية ترمى في الأرض مريضة لا قيمة لها فيأخذها رجل وينفق عليها فيطؤها من غير شراء ولا هبة ولا إرث ولا صدقة أو يعتقها من غير أن يملكها، وهذا أمر قبيح اه ملخصا. ومقتضاه غير الحيوان كالقشور يكون طرحه إباحة بدون تصريح وأنه يملكه الآخذ بخلاف الحيوان فلا يملكه إلا بالتصريح بالإباحة كما هو مفهوم قوله: ولم يبحها وهذا حلال ما ذكرناه عن البحر، وعلى هذا يتخرج ما في مختارات النوازل. ويأتي قريبا قول ثالث، وهو أن غير المحرم لو أرسله يكون، إباحة لأنه أرسله باختياره فيكون كقشور الرمان. قوله: (وحينئذ) أي حين إذ كان إعتاق الصيد لا يجوز إلا إذا أباحه لمن يأخذه تقيد الإطارة: أي التي فسر بها الارسال بالإباحة، ويؤيده قول المعراج: ولو كان في يده فعليه إرساله على وجه لا يضيع، فإن إرسال الصيد ليس بمندوب كتسييب الدابة، بل هو حرام إلا أن يرسله للعلف أو يبيح للناس أخذه، كذا في الفوائد الظهيرية اه. وقال بعده: على وجه لا يضيع بأن يخليه في بيته أو يودعه عند حلال اه. لكن ظاهر ما قدمناه عن القهستاني من حكاية القولين في تفسير الارسال أن من فسره بالافطار لم يقيد بالإباحة، لأنه يقول: إن الارسال واجب فلم يكن في معنى التسييب المحظور، ومن فسر الارسال بالوديعة فكأنه يقول: حيث أمكنه دفع التعرض للصيد بها فلا حاجة إلى الإطارة المضيعة للملك لاندفاع الضرورة بدونها، ولذا قال قاضيخان في شرح الجامع: لو أحرم والصيد في يده عليه أن يرسله، لكن على وجه لا يضيع، لان الواجب ترك التعرض بإزالة اليد الحقيقية لا بإبطال الملك اه. وكون الإباحة تنفي التضييع ممنوع، لان الغالب على الصيد أنه إذا أرسل يصاد ثانيا فيبقى ملكه ضائعا، والتسييب لا يجوز، وإنما يجب الارسال مطلقا فيما صاده وهو محرم كما مر، لأنه لم يملكه فليس فيه تضييع ملك، هذا ما ظهر لي، وقد علمت مما قدمناه أن هذا كله فيما لو أخذ صيدا ثم أحرم، أما لو دخل به الحرم فإنه يلزمه إرساله بمعنى إطارته، وأنه ليس له إيداعه لأنه صار من صيد الحرم. قوله: (فتأمل) كذا في بعض النسخ وفي بعضها: قبل وقال ح: وهو ظرف مبني على الضم: أي قبل الإطارة العامل فيه الإباحة. قوله: (وأصلحها) ليس بقيد فيما يظهر، لان الدار في التمليك على الإباحة. وقد يقال: إنما قيد به لمنع الاخذ لان قوله: من أخذها فهي له ينزل هبة، والاصلاح زيادة تمنع من الرجوع منها، وبدونه له الرجوع إذ لا مانع ويحرر ط. قوله: (والقول له) أي للمالك إنه لم يبحها لاحد لأنه ينكر إباحة التمليك، وإن برهن الآخذ أو نكل عن اليمين سلمت للآخذ، ط عن لقطة البحر. قوله:
631 (لا إن كان في بيته أو قفصه) أي ولم يكن اصطاده في الاحرام، أما لو اصطاده في الاحرام يلزمه إرساله بالاجماع. معراج. قوله: (لجريان العادة) أي من لدن الصحابة إلى الآن، وهم التابعون ومن بعدهم يحرمون وفي بيوتهم حمام في أبراج وعندهم دواجن وطيور لا يطلقونها وهي إحدى الحجج، فدلت على أن استبقاءها في الملك محفوظة بغير اليد ليس هو التعرض الممتنع. فتح. والدواجن، جمع داجن وهو الذي ألف المكان من صيود وحشيات ومستأنسة. قوله: (ولو القفص في يده) أي مع خادمه أو في رحله. معراج. وقيل إن كان القفص في يلزمه إرساله لكن على وجه لا يضيع. هداية، وهو ضعيف كما في النهر. قال ح: والظاهر أن مثله ما إذا كان الحبل المشدود في رقبة الصيد في يده. قوله: (بدليل الخ) فإنه بأخذ الغلاف بيده لم يجعل المصحف بيده، فكذا بأخذ القفص لا يكون الطير في يده. قوله: (أخذه منه) صفة لانسان، والضمير في منه للحل، ومثله ما لو أخذه من الحرم بالأولى، لأنه لو كان غير مملوك لا يملكه الآخذ فالمملوك أولى، فافهم. قوله: (لأنه لم يخرج عن ملكه) الأولى حذفه، والاقتصار على التعليل الثاني لأنه عين قول المصنف ولا يخرج عن ملكه ط. قوله: (لأنه ملكه وهو حلال) علة لعدم خروج الصيد عن ملكه، ومفهومه أنه لو ملكه وهو محرم يخرج عن ملكه مع أن المحرم لا يملك الصيد، فلو قال: لأنه أخذه وهو حلال لكان أحسن. ح. قوله: (لما يأتي) أي في قول المصنف: والصيد لا يملكه المحرم الخ. قوله: (لأنه لم يرسله عن اختيار) كذا في بعض النسخ: أي لان الشرع ألزمه بإرساله فكان مضطرا شرعا إليه، والمناسب عطفه بالواو لأنه علة ثانية لقوله: وله أخذه الخ وقد علل به التمرتاشي كما عزاه إليه في الفتح وقال: إنه يدل على أنه لو أرسله من غير إحرام يكون إباحة اه: أي فليس له أخذه ممن أخذه وإن لم يصرح بالإباحة وقت إرساله لأنه غير مضطر إليه، فكان مجرد إرساله إباحة كإلقاء قشر الرمان كما قدمناه. قوله: (فلو كان جارحا) تفريع على قوله: وجب إرساله. والجارح: من الصيد ما له ناب: أي مخلب يصيد به. قوله: (لفعله ما وجب عليه) وهو إرساله على قصد الاصطياد، والمسألة مفروضة فيما إذا دخل به الحرم، وهذا مؤيد لما قلنا من أن من دخل الحرم بصيد وجب عليه إرساله، بمعنى إطارته لأنه صار من صيد الحرم، وليس له إيداعه وإلا لكان الواجب الايداع في الجوارح دون الارسال، لان الجوارح عادتها قتل الصيد فيكون متعديا بإرساله في الحرم. قوله: (فلو باعه) مفرع أيضا على قوله: وجب إرساله والضمير فيه للصيد الذي أخذه حلال ثم أحرم أو دخل به الحرم، لان في قوله: رد المبيع الخ إشارة إلى أن البيع فاسد لا باطل كما نص عليه في الشرنبلالية عن الكافي والزيلعي، بخلاف ما لو أخذ الصيد وهو محرم وباعه فإن بيعه باطل كما سيذكره، وأطلق في البيع فشمل ما إذا باعه في الحرم أو بعد ما أخرجه إلى الحل لأنه صار بالادخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه بعد ذلك، كذا عزاه في البحر إلى الشارحين، ثم نقل عن
632 المحيط خلافه من جواز البيع والاكل بعد الاخراج مع الكراهة، لكن ذكر في النهر أنه ضعيف. قلت: لكن هذا إذا لم يؤد جزاءه بعد الاخراج، أما لو أداه فإنه يملكه ويخرج عن كونه صيد الحرم كما يأتي في مسألة الظبية. ثم إن هذا أيضا مؤيد لما قلناه من أنه إذا دخل الحرم بصيد ليس له أن يرسله إلى الحل وديعة لما علمت من أنه لا يحل إخراجه بل عليه إرساله في الحرم، وأما ما مر من أنه لا يخرج عن ملكه بهذا الارسال فله أخذه في الحل وله أخذه ممن أخذه، ومقتضاه أن له بيعه وأكله أيضا، فلا ينافي ما هنا لان ذاك فيما لو أرسله وخرج الصيد بنفسه بخلاف ما إذا أخرجه. قال في اللباب: ولو خرج الصيد من الحرم بنفسه حل أخذه وإن أخرجه أحد لم يحل، فافهم. قوله: (وإلا) أي وإن لم يبق المبيع في يد المشتري، بأن أتلفه أو تلف أو غاب المشتري ولا يمكن إدراكه. ط عن أبي السعود. قوله: (فعليه الجزاء) تقدم قريبا بيانه وأن الصوم في صيد الحرم لا يجوز للحلال ويجوز للمحرم. قوله: (لان حرمة الحرم) أي فيما لو أدخل الصيد الحرم ثم باعه فيه أو بعد ما أخرجه لكونه صار صيد الحرم فيمتنع بيعه مطلقا كما مر، فافهم. وقوله: والاحرام أي فيما لو أخذه ثم أحرم. قوله: (ولو أخذ حلال) أي في الحل. لباب. وقوله: ضمن مرسله لان الآخذ ملك الصيد ملكا محترما فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه، بخلاف ما أخذه في حال الاحرام، لأنه لا يملكه والواجب عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا. هداية. ومقتضى هذا مع ما قدمناه أنه لو دخل به الحرم فأرسله أحد لا يضمن المرسل، لان الآخذ يلزمه إرساله وإن كان ملكه، ولا يمكنه تخليته في بيته فلم يكن المرسل متعديا. تأمل. قوله: (وقولهما استحسان) وجهه أن المرسل آمر بالمعروف ناه عن النكر، وما على المحسنين من سبيل. مطلب: لا يجب الضمان بكسر آلات اللهو قال في الهداية: ونظيره الاختلاف في كسر المعازف: أي آلات اللهو كالطنبور. وقال في البحر: وهو يقتضي أن يفتي بقولهما هنا، لان الفتوى على قولهما في عدم الضمان بكسر المعازف اه. قال ط: وأشار الشارح إلى ذلك لان الفتوى على الاستحسان إلا فيما استثنى من مسائل قليلة. قوله: (لم يملكه) لان الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم، فصار كما إذا اشترى الخمر. هداية. قوله: (بل بسبب جبري) هو ما يحصل به الملك بلا اختيار وقبول. قوله: (والسبب الجبري) أتى به ظاهرا، ولم يقل: وهو ليفيد أن المراد مطلق السبب لا بقيد كونه في الصيد. أفاده ط. قوله: (في إحدى عشر) حق العبارة إحدى عشرة لأنه تجب المطابقة فيه بتأنيث الجزأين لتأنيث المعدود. قوله: (مبسوطة في الأشباه) لا حاجة إلى ذكرها هنا وقد ذكرها المحشي
633 قوله: (فلذا قال الخ) الأولى أن يقول: ومثل للجبري تبعا للبحر بقوله الخ ط. قوله: (وجعله في الأشباه بالاتفاق) حيث قال: لا يدخل في ملك أحد شئ بغير اختياره إلا الإرث اتفاقا الخ. قوله: (لكن في النهر الخ) هذا الاستدراك ليس في محله، لان كلام الأشباه كما رأيت مطلق لا يتقيد بهذه الصورة، ولا شك في الاتفاق على كون الإرث مطلقا سببا جبريا، وإنما لم يكن سببا في صورة المحرم إذا مات مورثه عن صيد على كلام السراج لقيام المانع وهو الاحرام كقيام الموانع الأربعة: أي الرق، والكفر، والقتل، واختلاف الملك، فكما لا يقدح قيام تلك الموانع في سببية الإرث لا يقدح هذا فيها اه. وإن جعل استدراكا على المتن كان في محله ط. قوله: (وهو الظاهر) هذا من كلام النهر حيث قال: وهو الظاهر لما سيأتي: أي من كون الصيد محرم العين على المحرم، ولم يظهر لي وجه ظهوره، إذ بعد تحقق سبب الإرث وهو موت المورث لا بد من قيام نص يدل على كون الاحرام مانعا من إرث الصيد كقيامه على الموانع الأربعة وكون الصيد محرم العين على المحرم بقوله تعالى: * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * ولذا لو منع من سائر التصرفات لا يدل على مع إرثه، فإن الخمرة محرمة العين أيضا وتورث. قوله: (فإن قتله) أي الصيد الذي أخذه المحرم. قوله: (محرم آخر الخ) احترز به عن البهيمة، وبالبالغ المسلم عن الصبي والكافر كما يأتي، وكان ينبغي زيادة عاقل للاحتراز عن المجنون فإنه في حكم الصبي كما في ط الحموي. وخرج أيضا ما لو قتله حلال فإنه إن كان في الحرم لزمه الجزاء وإلا فلا، لكن يرجع عليه الآخذ بما ضمن، فالرجوع فيه لا فرق فيه بين المحرم والحلال. بحر. قوله: (لأنه قرر عليه ما كان بمعرض السقوط) فإنه كان محتمل الارسال قبل قتله، وللتقرير حكم الابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا كما في الهداية. قوله: (على ما اختاره الكمال) وجزم به الزيلعي، وصرح به في المحيط عن المبتغى. وظاهر ما في النهاية أن يرجع الآخذ بالقيمة مطلقا. ح عن البحر. قوله: (لم يرجع على ربها) عبارة اللباب: ولو قتله بهيمة في يده فعليه الجزاء ولا يرجع على أحد. قال شارحه: أي من صاحب البهيمة أو راكبها وسائقها وقائدها، والمسألة مصرحة في البحر الزاخر اه. أقول: وهذا في الرجوع على الراكب ونحوه، أما ضمان الراكب ونحوه الجزاء فلا شك فيه. قال في معراج الدراية: وكذا لو كان راكبا أو سائقا أو قائدا فأتلفت الدابة بيدها أو رجلها أو فمها صيدا فعليه الجزاء. فافهم. قوله: (ولو صبيا أو نصرانيا) محترز قوله: بالغ مسلم. وعبارة المعراج: لا يجب على الصبي والمجنون والكافر، فزاد المجنون لأنه كالصبي كما مر، وعبر بالكافر لان النصراني غير قيد، وإخراجه عن قوله: محرم باعتبار الصورة، وإلا فالكافر ليس أهلا للنية التي هي شرط الاحرام. قوله: (فلا جزاء عليه) بل على الآخذ وحده. قوله: (لأنه يلزمه حقوق العباد) وهنا لما قرر على الآخذ ما كان بمعرض السقوط لزمه. قوله: (وكل ما على
634 المفرد به دم) لو قال كفارة لشمل الصدقة واستغنى عن قوله وكذا الحكم في الصدقة، ثم المراد بالكفارة ما يشمل كفارة الضرورة، فإن القارن إذ لبس أو غطى رأسه للضرورة تعددت الكفارة كما في البحر. قوله: (يعني بفعل شئ من محظوراته الخ) أي محظورات الاحرام: أي ما حرم عليه فعله بسبب نفس الاحرام لا من حيث كونه حجا أو عمرة، ولا ما حرم بسبب غير الاحرام وذلك كاللبس والتطيب وإزالة شعر أو ظفر، فخرج ما لو ترك واجبا، كما لو ترك السعي أو الرمي أو أفاض قبل الامام أو طاف جنبا أو محدثا للحج أو العمرة فإن عليه الكفارة، ولا تعدد على القارن لان ذلك ليس جناية على نفس الاحرام، بل هو ترك واجب من واجبات الحج أو العمرة، وكذا لو طاف جنبا وهو غير محرم لزمه دم كما نص عليه في البحر، بخلاف نحو اللبس فإنه جناية على الاحرام مع قطع النظر عن كونه حجا أو عمرة، ولذا حرم عليه ذلك قبل الشروع في أفعالهما، فيتعدد الجزاء على القارن لتلبسه بإحرامين. وخرج أيضا ما لو قطع نبات الحرم فلا يتعدد الجزاء به أيضا على القارن. قال في البحر: لأنه من باب الغرمات لا تعلق للاحرام به، بخلاف صيد الحرم إذا قتله القارن فإنه يلزمه قيمتان لأنها جناية على الاحرام وهو متعدد، ولا ينظر إلى كونه جناية على الحرم، لان أقوى الحرمتين تستتبع أدناهما والاحرام أقوى، فكان وجوب القيمة بسبب الاحرام فقط لا بسبب الحرم، وإنما ينظر إلى الحرم إذا كان القاتل حلالا اه. هذا ما ظهر لي تقريره هنا. وظاهر تقرير السراج أن المراد بقوله: وما على المفرد به دم ما كان فعلا احترازا عما كان تركا، كترك السعي وحد الوقوف والطهارة، وبه يشعر كلام الشارح، لكن يرد عليه قطع النبات فإنه فعل. تأمل. قوله: (ومثله متمتع ساق الهدي) أولى منه قول اللباب: وما ذكرناه من لزوم الجزاءين على القارن هو حكم كل من جمع بين إحرامين، كالمتمتع الذي ساق الهدي أو لم يسقه، لكن لم يحل من العمرة حتى أحرم بالحج، وكذا من جمع بين الحجتين أو العمرتين، وعلى هذا لو أحرم بمائة حجة أو عمرة ثم جنى قبل رفضها فعليه مائة جزاء اه. فافهم. قوله: (لجنايته على إحراميه) أي إحرام الحج وإحرام العمرة، وهو علة لتعدد الدم والصدقة، وما ذكره الشارح قبيل قول المصنف: أو أفاض من عرفة قبل الامام من أنه لا مدخل للصدقة في العمرة يقتضي عدم تعدد الصدقة على القارن، لكن قدمنا جوابه هناك، لا فتدبر. قوله: (فعليه دم واحد) لتأخير الاحرام عن الميقات، ولو عاد إلى الميقات وأحرم سقط الدم ط. وذكر في النهاية صورة يلزم القارن فيها دمان للمجاوزة، وهي ما لو جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة فأحرم بعمرة ولم يعد إلى الحل محرما، وهي غير واردة، لان الدم الأول للمجاوزة، والثاني لتركه ميقات العمرة، لأنه لما دخل مكة التحق بأهلها. بحر. قوله: (لأنه حينئذ) أي حين المجاورة ليس بقارن وهذا تعليل لوجوب الدم الواحد ويكون الاستثناء منقطعا. وذلك لان الدم يلزمه، سواء أحرم بعد ذلك بحج أو عمرة أو بهما، أو لم يحرم أصلا، فلا دخل لكونه قارنا في وجوب ذلك الدم ط.
635 قوله: (لتعدد الفعل) أي الجناية، لان كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية. هداية، فافهم. قوله: (لاتحاد المحل) فإن الضمان في حق المحرم جزاء الفعل وهو متعدد، وفي حق صيد الحرم جزاء المحل وهو ليس بمتعدد كرجلين قتلا رجلا خطأ يجب عليهما دية واحدة لأنها بدل المحل، وعلى كل منهما كفارة لأنها جزاء الفعل بحر. وينبغي أن يقسم على عدد الرؤوس إذا قتله جماعة، ولو قتله حلال ومحرم فعلى المحرم جميع القيمة وعلى الحلال نصفها. ولو قتله حلال ومفرد وقارن فعلى الحلال ثلث الجزاء، وعلى المفرد جزاء، وعلى القارن جزءان. قهستاني. وتمامه في البحر. قوله: (وبطل بيع المحرم صيدا الخ) أطلقه فشمل ما إذا كان العاقدان محرمين أو أحدهما، فأفاد أن بيع المحرم باطل ولو كان المشتري حلالا وأن شراءه باطل وإن كان البائع حلالا. وأما الجزاء فإنما يكون على المحرم حتى لو كان البائع حلالا والمشتري محرما لزم المشتري فقط، وعلى هذا كل تصرف. بحر. قوله: (وكذا كل تصرف) أي من هبة ووصية وجعله مهرا وبدل خلع، لأن العين خرجت عن كونها محلا لسائر التصرفات ط. ثم الأولى تأخيره عن قوله: وشراؤه ليكون تعميما بعد تخصيص. قوله: (إن اصطاده وهو محرم) أي لان لم يملكه كما مر. وأفاد بهذا الشرط أن البطلان إذا صاده وهو محرم وباعه كذلك، أما لو صاده وهو محرم وباه وهو حلال فالبيع جائز كما في السراج، ولو صاده وهو حلا وباعه وهو محرم فالبيع فاسد كما صرح به تبعا للسراج أيضا: أي إذا كان المشتري حلالا، أما لو كان محرما فالبيع باطل، ولو كان البائع حلالا كما مر آنفا. ثم إن ما ذكره من الشرط إنما هو في بيع المحرم كما مر في النهر. قال ح: إذ لا معنى لقولك وبطل شراء المحرم إن اصطاده وهو محرم، فكان عليه أن يذكر الشرط بعد الأول اه. قوله: (وفي الفاسد يضمن قيمته) أي يضمن المشتري قيمة الصيد للبائع لأنه ملكه اه ح. قوله: (أيضا) أي مع ضمانه: أي المشتري الجزاء المذكور في قوله وعليه وعلى البائع الجزاء فافهم، ولا يخفى أن ضمانه الجزاء إنما هو إذا كان محرما وإلا فليس عليه سوى ضمان القيمة. قوله: (كما مر) الكاف فيه للتنظير: أي نظير ما مر من ضمان المرسل القيمة في قوله: أخذ حلال صيدا ضمن مرسله. تنبيه: ذكر في البحر عن المحيط قبيل قول الكنز: وحل له لحم ما صاده حلال لو وهب محرم لمحرم صيدا فأكله. قال أبو حنيفة: على الآكل ثلاثة أجزئة: قيمة للذبح، وقيمة للاكل المحظور، وقيمة للواهب، لان الهبة كانت فاسدة وعلى الواهب قيمة. وقال محمد: على الآكل قيمتان: قيمة للواهب، وقيمة للذبح، ولا شئ للاكل عنده اه. والظاهر أن وجوب قيمة للواهب خاص فيما إذا اصطاده وهو حلال ليكون ملكه فلا تجب له قيمة، ولذا كانت الهبة فاسدة لا باطلة. قيل: وهذا بناء على القول بأن الهبة الفاسدة لا تفيد الملك بالقبض، أما عن مقابله فلا شئ عليه للواهب. قلت: وهذا غير صحيح لأنها مضمونة على كل من القولين كالبيع الفاسد يملك بالقبض ويضمن بمثله أو قيمته، كما سيذكره في كتاب الهبة إن شاء الله تعالى. قوله: (بعد ما أخرجت) أي
636 أخرجها محرم أو حلال. معراج. قوله: (وماتا) علم حكم ذبحهما وإتلافهما بأي وجه كان بالأولى ط. قوله: (غرمهما) لان الصيد بعد الاخر من الحرم بقي مستحق الامن شرعا، ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد اه ح. قوله: (لم يجزه) بفتح الياء من جزاه به، وهو ثلاثة معتل الآخر كما في القاموس، وضميره المستتر للمخرج والبارز للولد ح. وكل زيادة في الصيد كالسمن والشعر فضمانها على هذا التفصيل. نهر: أي إن لم يؤد جزاءها قبل موتها ضمن الزيادة وإن أداه فلا. بحر. وبه علم أنها لو حبلت بعد إخراجها فهو كذلك كما أفاده ط. قوله: (لعدم سراية الامن) أي إلى الولد لأنه لما أدى ضمان الأصل ملكها فخرجت من أن تكون صيد الحرم وبطل استحقاق الامن. قاضيخان. قال في النهر: حتى لو ذبح الام والأولاد يحل، لكن مع الكراهة كما في الغاية. قوله: (والظاهر نعم) نقله في النهر عن البحر بقوله: فإذا أدى الجزاء ملكها ملكا خبيثا، ولذا قالوا بكراهة أكلها، وهي عند الاطلاق تنصرف إلى التحريم، فدل على أنه يجب ردها بعد أداء الجزاء اه. قوله: (آفاقي الخ) ترجمه في الكنز بباب مجاوزة الميقات بغير إحرام، ووصله المصنف بما سبق لأنه جناية أيضا، لكن ما سبق جناية بعد الاحرام وهذا قبله. قال ح: لو عبر بمن جاوز الميقات كما عبر به في الكنز لشمل قوله: كمكي يريد الحج الخ ولشمل حرميا أحرم لعمرته من الحرم وبستانيا أحرم لحجته أو لعمرته من الحرم. فإن كل من لم يحرم من ميقاته المعين له لزمه دم ما لم يعد إليه، سواء كان حرميا أم بستانيا أم آفاقيا، غاية الأمر أنه يشترط للزوم الاحرام في البستاني والحرمي قصد النسك، ويكفي في الآفاقي قصد دخول الحرم قصد مع ذلك نسكا أم لا اه. وأراد بالبستاني الحلي: أي من كان في الحل داخل المواقيت. والحاصل أن المحرم ثلاثة أصناف: آفاقي، وحلي، وحرمي. ولكل ميقات مخصوص تقدم بيانه في المواقيت، فمن أراد نسكا وجاوز وقته لزمه العود إليه. قوله: (مسلم بالغ) فلو جاوزه كافر أو صبي فأسلم وبلغ لا شئ عليهما، ولم يقيد بالحر ليشمل الرقيق، فإنه لو جاوزه بلا إحرام ثم أذن له مولاه فأحرم من مكة فعليه دم يؤخذ به بعد العتق. فتح. قوله: (يريد الحج أو العمرة) كذا قاله صدر الشريعة، وتبعه صاحب الدرر وابن كمال باشا، وليس بصحيح لما نذكر، ومنشأ ذلك قول الهداية: وهذا الذي ذكرنا أي من لزوم الدم بالمجاوزة إن كان يريد الحج أو العمرة، فإن كان دخل البستان لحاجة فله أن يدخل مكة بغير إحرام اه. قال في الفتح: يوهم ظاهره أن ما ذكرنا من أنه إذا جاوز غير محرم وجب الدم إلا أن يتلافاه، محله ما إذا قصد النسك، فإن قصد التجارة أو السياحة لا شئ عليه بعد الاحرام، وليس كذلك، لان جميع الكتب ناطقة بلزوم الاحرام على من قصد مكة سواء قصد النسك أم لا. وقد صرح به المصنف: أي صاحب الهداية في فصل المواقيت، فيجب أن يحمل على أن الغالب فيمن قصد مكة من الآفاقيين قصد النسك، فالمراد بقوله: إذا أراد الحج أو العمرة إذا أراد مكة اه. ملخصا من ح عن الشرنبلالية. وليس المراد بمكة خصوصها، بل قصد
637 الحرم مطلقا موجب للاحرام كما مر قبيل فصل الاحرام، وصرح به في الفتح وغيره. قوله: (فلو لم يرد الخ) قد علمت ما فيه ح. قوله: (على ما مر) أي أول الكتاب في بحث المواقيت في قوله: وحرم تأخير الاحرام عنها لمن قصد دخول مكة ولو لحاجة. وفي بعض النسخ على ما سيأتي في المتن قريبا: أي في قوله: وعلى من دخل مكة بلا إحرام حجة أو عمرة. قوله: (وجاوز وقته) أي ميقاته، والمراد آخر المواقيت التي يمر عليها، إذ لا يجب عليه الاحرام من أولها كما مر أول الكتاب. قوله: (اعتبار الإرادة عند المجاوزة) أي أن الآفاقي الذي جاوز وقته تعتبر إرادته عنه المجاوزة، فإن كان عند قصد المجاوزة أراد دخول مكة لحج أو غيره لزمه الاحرام من الميقات، وإلا بأن أراد دخول مكان في الحل لحاجة فلا شئ عليه. واستظهر في البحر اعتبار الإرادة عند الخروج من بيته، لكن ذكر ذلك في مسألة البستان الآتية، وأشار الشارح إلى أنه لا فرق بين الموضعين حيث ذكر ذلك فيهما، وسنذكر عبارة البحر والنهر. فافهم. قوله: (إلى ميقات ما) في بعض النسخ بدون لفظة ما وعلى كل فالمرد أي ميقات كان، سواء كان ميقاته الذي جاوزه غير محرم أو غيره أقرب أو أبعد، لأنها كلها في حق المحرم سواء. والأولى أن يحرم من وقته. بحر عن المحيط. قوله: (ثم أحرم) أي بحج ولو نفلا أو بعمرة، وهذا ناظر إلى قول الشارح: كما إذا لم يحرم وقوله: أو عاد الخ ناظر إلى قوله: جاوز وقته ثم أحرم وعبارة المتن بمجردها فيها حزازة، فتأمل. قوله: (صفة محرما) أي صفة معنوية، وإلا فجملة لم يشرع حال من فاعله المستتر أو من فاعل عاد، فهي حال بعد حال متداخلة أو مترادفة. قوله: (كطواف) وكذا لو وقف بعرفة قبل أن يطوف للقدوم. فتح. قوله: (ولو شوطا) أخذه من البحر، ومقتضاه أنه لا بد في لزوم الدم وعدمه إمكان سقوطه من الشوط الكامل. وعبارة الهداية: ولو عاد بعد ما ابتدأ الطواف واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق فقال: واستلم الحجر بالواو، وفي بعض نسخها بالفاء. قال ابن الكمال في شرحها: إنما ذكره تنبيها على أن المعتبر في ذلك الشوط التام، فإن المسنون الفصل بين الشوطين بالاستلام، وإلا فهو ليس بشرط اه. ومثله في العناية. وعليه فالمراد بالاستلام ما يكون بين الشوطين، لا ما يكون في أول الطواف، ويؤيده قول البدائع: بعد ما طاف شوطا أو شوطين: وبه ظهر أن ما في الدرر من عطفه بأو غير ظاهر لاقتضائه الاكتفاء ببعض الشوط، فافهم. قوله: (لان الشرط الخ) أي في سقوط الدم، وليس المراد أنه شرط في صحة النسك، لان تعيين الاحرام من الميقات واجب حتى يجبر بالدم، ولو كان شرطا لكان فرضا وبتركه يفسد الحج. أفاده الحموي ط. قوله: (عند الميقات) احتراز عن داخل الميقات لا خارجه، حتى لو عاد محرما ولم يلب فيه لكن لبى بعد ما جاوزه ثم رجع ومر به ساكتا فإنه يسقط
638 عنه بالأولى، لأنه فوق الواجب عليه في تعظيم البيت كما في البحر ح. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: يسقط الدم وإن لم يلب كما لو محرما ساكتا، وله أن العزيمة في الاحرام من دويرة أهله، فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية، فكان التلافي بعوده ملبيا. هداية. وفي شرحها لابن الكمال: اعلم أن الناظرين في هذا المقام من شراح الكتاب وغيرهم اتفقوا على أن العزيمة للآفاقي ما ذكر، ولا يخلو عن إشكال، إذ لم ينقل عن النبي (ص) ولا عن أحد من أصحابه أنه أحرم من دويرة أهله، فكيف يصح اتفاق الكل على ترك العزيمة وما هو الأفضل؟ اه. قلت: وهو ممنوع، فإن المراد بالاحرام من دويرة أهله: أي مما قرب من أهل الحرم من الأماكن البعيدة عن الميقات، وقد ورد فعل ذلك عن جماعة من الصحابة، وورد طلبه في الحديث كما قدمناه عن الفتح عند بحث المواقيت. وفسر الصحابة الاتمام في: * (وأتموا الحج) * (البقرة: 691) بذلك، وهذا في حق من قدر عليه كما مر هنا، فافهم. قوله: (والأفضل عوده) ظاهر ما في البحر عن المحيط وجوب العود، وبه صرح في شر ح اللباب. قوله: (إلا إذا خاف فوت الحج) أي فإنه لا يعود ويمضي في إحرامه وعلله في البحر عن المحيط بقوله: لان الحج فرض الاحرام من الميقات واجب وترك الواجب أهون من ترك الفرض اه. ومقتضاه أنه لو لم يخف الفوت يجب العود كما قلنا لعدم المزاحم، وأنه إذا خافه يجب عدم العود، وبه يعلم ما في قول النهر: ومتى خاف فوت الحج لو عاد فالأفضل عدمه، وإلا فالأفضل عوده كما في المحيط اه. هذا وفي البحر: واستفيد منه: أي مما ذكره عن المحيط أنه لا تفصيل في العمرة، وأنه يعود لأنها لا تفوت أصلا اه. ولا يخفى أن هذا بالنظر إلى الفوات، وإلا فقد يحصل مانع من العود غير الفوات لخوفه على نفسه أو ماله فيسقط وجوب العود في العمرة أيضا. قوله: (أو عاد بعد شروعه) بقي عليه أن يقول: أو قبل شروعه ولم يلب عند الميقات ح. قوله: (كمكي يريد الحج) أما لو خرج إلى الحل لحاجة فأحرم منه ووقف بعرفة فلا شئ عليه، كالآفاقي إذا جاوز الميقات قاصدا ثم أحرم منه، ولم أر تقييد مسألة المتمتع بما إذا خرج على قصد الحج، وينبغي إن تقيد به، وأنه لو خرج لحاجة إلى الحل ثم أحرم بالحج منه لا يجب عليه شئ كالمكي. فتح. قوله: (وصار مكيا) لان من وصل إلى مكان على وجه مشروع صار حكمه حكم أهله، وهنا لما وصل إلى مكة محرما بالعمرة وفرغ منها صار في حكم المكي سواء ساق الهدي أم لا؟ فإذا أراد الاحرام بالحج فميقاته الحرم أو العمرة فالحل، ومثل ذلك يقال في الحلي وهو من كان داخل المواقيت فإن ميقاته للحج أو العمرة الحل، فإذا أحرم من الحرم فعليه دم إلا أن يعود كما مر عن ح. وصرح به هناك في النهر واللباب. قوله: (وكذا لو أحرما) أي المكي والمتمتع الذي في حكمه فإن ميقات المكي للعمرة الحل. قوله: (وبالعود) أراد به مطلق الذهاب إلى الميقات الواجب ليشمل قول: وكذا لو أحرما
639 بعمرة من الحرم فإن الواجب خروجهما إلى الحل ليسقط الدم، وليس فيه عود إليه بعد الكينونة فيه. قوله: (كما مر) أي عودا مماثلا لما مر في الآفاقي بأن يعود إلى الميقات، ثم يحرم إن لم يكن أحرم، وإن كان أحرم ولم يشرع في نسك يعود إليه ويلبي. قوله: (أي آفاقي) أفاد أن المراد بالكوفي: كل من كان خارج المواقيت. قوله: (البستان) أي بستان بني عامر: وهو موضع قريب من مكة داخل الميقات خارج الحرم، وهي التي تسمى الآن نخلة محمود بن كمال. زاد غيره: أن منه إلى مكة أربعة وعشرين ميلا. قال بعض المحشين: قال النووي: قال بعض أصحابنا: هذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفات. وفي غاية السروجي: بالقرب من جبل عرفات على طريق العراق والكوفة إلى مكة. قوله: (أي مكانا من الحل) أشار إلى أن البستان غير قيد، وأن المراد مكان داخل المواقيت من الحل. والظاهر أنه لا يشرط أن يقصد مكانا معينا لان الشرط عدم قصد دخول الحرم عند المجاوزة، فأي مكان قصده من داخل المواقيت حصل المراد كما سيتضح، فافهم. قوله: (لحاجة) كذا في البدائع والهداية والكنز وغيرها، وهو احتراز عما إذا أراد دخول مكان من الحل لمجرد المرور إلى مكة، فإنه لا يحل له إلا محرما فلا بد من هذا القيد، وإلا فكل آفاقي أراد دخول مكة لا بد له من دخول مكان في الحل، على أنه في البحر جعل الشرط قصده الحل من حين خروجه من بيته: أي ليكون سفره لأجله لا لدخول الحرم كما يأتي، ولذا قال ابن الشلبي في شرحه ومله مسكين: لحاجة له بالبستان لا لدخول مكة، ويأتي توضيحه، فافهم. قوله: (ولو عند المجاوزة) الظرف متعلق بقصدها: أي لو كان قصد الحاجة التي هي علة إرادته دخول البستان عند مجاوزة الميقات، أما بعد المجاوزة فلا يعتبر قصد الحاجة لكونه عند المجاوزة كان قاصدا مكة فلا يسقط الدم ما لم يرجع. وأفاد أنه لو قصد دخول البستان لحاجة قبل المجاوزة فهو كذلك بالأولى وإن قصده لذلك من حين خروجه من بيته غير شرط، خلافا لما في البحر حيث قال عقب ذكره: إن ذلك حيلة لآفاقي أراد دخول مكة بلا إحرام، ولم أر أن هذا القصد لا بد منه حين خروجه من بيته أو لا، والذي يظر هو الأول، فإنه لا شك أن الآفاقي يريد دخول الحل الذي بين الميقات والحرم، وليس ذلك كافيا فلا بد من وجود قصد مكان مخصوص من الحل الداخل الميقات حين يخرج من بيته اه. وحاصله أن الشرط أن يكون سفره لأجل دخول الحل، وإلا فلا تحل له المجاوزة بلا إحرام. قال في النهر: الظاهر أن وجود ذلك القصد عند المجاوزة كاف، ويدل على ذلك ما في البدائع بعد ما ذكر حكم المجاوزة بغير إحرام قال: هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام، فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتي بستان بني عامر أو غيره لحاجة فلا شئ عليه اه. فاعتبر الإرادة عند المجاوزة كما ترى اه. أي إرادة الحج ونحوه وإرادة دخول البستان فالإرادة عند المجاوزة معتبرة فيهما، ولذا ذكر الشارح ذلك في الموضعين كما قدمناه، فافهم. وقول البحر: فلا بد من وجود قصد مكان مخصوص من الحل غير ظاهر، بل الشرط قصد الحل فقط. تأمل. قوله: (على ما مر) أي قريبا في قوله: ظاهر ما في النهر عن البدائع الخ.
640 قوله: (على المذهب) مقابله ما قاله أبو يوسف: إنه إن نوى إقامة خمسة عشر يوما في البستان فله دخول مكة بلا إحرام، وإلا فلا. ح. عن البحر. قوله: (دخول مكة غير محرم) أي إذا أراد دخول البستان لحاجة لا لدخول مكة ثم بدا له دخول مكة لحاجة له دخولها غير محرم كما في شرح ابن الشلبي ومله مسكين. قال في الكافي: لان وجوب الاحرام عند الميقات على من يريد دخول مكة وهو لا يرد دخولها وإنما يريد البستان وهو غير مستحق التعظيم فلا يلزمه الاحرام بقصد دخوله اه. قلت: وهذا إذا أراد دخول مكة لحاجة غير النسك، وإلا فلا يجاوز ميقاته إلا بإحرام ولذا قال قبيل فصل الأحوال عند ذكر المواقيت: وحل لأهل داخلها دخول مكة غير محرم ما لم يرد نسكا. قوله: (ووقته البستان) أي لو أراد النسك فميقاته للحج أو العمرة البستان: يعني جميع الحل الذي بين المواقيت والحرم كما مر في بحث المواقيت، فلو أحرم من الحرم لزمه دم ما لم يعد كما قدمناه قريبا عن النهر واللباب. إلا إذا دخل الحرم لحاجة ثم أراد النسك فإنه يحرم من الحرم لأنه صار مكيا كما مر. قوله: (ولا شئ عليه) مرتبط بقوله: له دخول مكة غير محرم فكان الأولى ذكره قبل قوله: ووقته البستان. قوله: (كما مر) أي قبيل فصل الاحرام حيث قال: أما لو قصد موضعا من الحل كخليص وحدة حل له مجاوزته بلا إحرام، فإذا حل به التحق بأهله. فله دخول مكة بلا إحرام. قوله: (هذه حيلة لآفاقي الخ) أي إذا لم يكن مأمورا بالحج عن غيره كما قدمه الشارح هناك وقدمنا الكلام عليه. ثم إن هذه الحيلة مشكلة لما علمت من أنه لا يجوز له مجاوزة الميقات بلا إحرام ما لم يكن أراد دخول مكان في الحل لحاجة، وإلا فكل آفاقي يريد دخول مكة لا بد أن يريد دخول الحل، وقدمنا أن التقييد بالحاجة احتراز عما لو كان عند المجاوزة يريد دخول مكة، وإنه إنما يجوز له دخولها بلا إحرام إذا بدا له بعد ذلك دخولها كما قدمناه عن شرح ابن الشلبي ومله مسكين. فعلم أن الشرط لسقوط الاحرام أن يقصد دخول الحل فقط، ويدل عليه أيضا ما نقلناه عن الكافي من قوله: وهو لا يريد دخولها: أي مكة، وإنما يريد البستان، وكذا ما نقلناه عن البدائع من قوله: فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتي بستان بني عامر، وكذا قوله في اللباب: ومن جاوز وقته يقصد مكانا من الحل ثم بدا له أن يدخل مكة فله أن يدخله بغير إحرام، فقوله: ثم بدا له: أي ظهر وحدث له يقتضي أنه لو أراد دخول مكة عند المجاوزة يلزمه الاحرام وإن أراد دخول البستان، لان دخول مكة لم يبد لبل هو مقصوده الأصلي، وقد أشار في البحر إلى هذا الاشكال، وأشار إلى جوابه بما تقدم عنه من أنه لا بد أن يكون قصد البستان من حين خروجه من بيته: أي بأن يكون سفره المقصود لأجل البستان لا لأجل دخوله مكة كما قدمناه. وأجاب أيضا في شرح اللباب بقوله: والوجه في الجملة أن يقصد البستان قصدا أوليا، ولا يضره دخول الحرم بعده قصدا ضمنيا أو عارضيا، كما إذا قصد هندي جدة لبيع أو شراء ولا يكون في خاطره أنه إذا فرغ منه أن يدخل مكة ثانيا، بخلاف من جاء من الهند بقصد الحج أولا، ويقصد دخوله جدة تبعا ولو قصد أنه لا بد أن يكون دخولها عارضا غير مقصود لا أصالة ولا تبعا، بل يكون المقصود دخول الحل فقط كما هو ظاهر جواب البحر وكلام الكافي والبدائع واللباب وغيرها، وهذا مناف لقولهم: إنه الحيلة لآفاقي
641 يريد دخول مكة بلا إحرام، لأنه إذا كان قصده دخول الحل فقط لم يحتج إلى حيلة إذا بدا له دخول مكة، على أن هذا أيضا فيمن أراد دخول مكة لحاجة غير النسك فلا يحل له دخولها بلا إحرام، لأنه إذا صار من أهل الحل فميقاته ميقاتهم وهو الحل كما مر مرارا، فكيف من خرج من بيته لأجل الحج؟ فافهم. قوله: (ويجب على من دخل مكة) أي والحرم سواء قصد التجارة أو النسك أم غيرهما، كما تفيد عبارة البدائع السابقة، وتقدم التصريح به شرحا ومتنا قبيل فصل الاحرام، وصرح به في اللباب أيضا. قوله: (فلو عاد) أي إلى الميقات كما قيد به في الهداية، لكن في البدائع أنه إذا أقام بمكة حتى تحولت السنة يجزئه ميقات أهل مكة وهو الحرم للحج والحل للعمرة، لأنه لما أقام بمكة صار في حكم أهلها اه. والعليل يفيد أن تحول السنة غير قيد، كذا في الفتح، ثم بالخروج إلى الميقات لأجل سقوط الدم لا للاجزاء، لان الواجب عليه بدخول مكة بلا إحرام أمران: الدم، والنسك، وبه يحصل التوفيق كما أفاده في الشرنبلالية. قوله: (عن آخر دخوله) أي وعليه قضاء ما بقي لباب. قوله: (وتمامه في الفتح) حيث علل ذلك بأن الواجب قبل الأخير صار دينا في ذمته فلا يسقط إلا بالتعيين بالنية اه. ح. قوله: (وصح منه الخ) أي إذا دخل مكة بلا إحرام ولزمه بذلك حجة أو عمرة فخرج إلى الميقات وأحرم بحجة أو عمرة واجبة عليه بسبب آخر، فإنه يجزئه ذلك عما لزمه بالدخول وإن لم ينوه إذا كان ذلك في عام الدخول لا بعده. قوله: (من حجة الاسلام الخ) احترز به عما لو أحرم عما عليه بسبب الدخول فإنه قدمه في قوله: فإن عاد الخ والظاهر أنه لو عاد إلى الميقات ونوى نسكا نفلا يقع واجبا عما عليه بالدخول، ولا يكون نفلا لأنه بعد تقرر الوجوب عليه، بخلاف ما إذا نواه نفلا قبل مجاوزة الميقات فإنه يقع نفلا لعدم وجوب شئ عليه بعد لحصول المقصود من تعظيم البقعة بالاحرام كما حققناه أو الحج، فافهم. قوله: (في عامة ذلك الخ) أي عام الدخول. قال في الهداية: لأنه تلاقي المتروك في وقته، لان الواجب عليه تعظيم هذه القبعة بالاحرام، كما إذا أتاه: أي الميقات محرما بحجة الاسلام في الابتداء، بخلاف ما إذا تحولت السنة لأنه صار دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور، فإنه يتأدى بصوم رمضان في هذه السنة دون العام الثاني اه. قال في الفتح: ولقائل أن يقول: لا فرق بين سنة المجاوزة وسنة أخرى، ففي أي وقت فعل ذلك يقع أداء، إذ الدليل لم يوجب ذلك في سنة معينة ليصير بفواتها دينا يقضى، فمهما أحرم من الميقات بنسك عليه تأدى هذا الواجب في ضمنه، وعلى هذا إذا تكرر الدخول بلا إحرام منه ينبغي أن لا يحتاج إلى التعيين، كمن عليه يومان من رمضان فنوى مجرد قضاء ما عليه ولم يعين، وكذا لو كانا من رمضانين على الأصح، وكذا نقول إذا رجع مرارا فأحرم كل مرة بنسك حتى أتى على عدد دخلاته خرج عن عهدة ما عليه اه. وأقره في البحر. قوله: (لصيرورته) أي المتروك دينا، وعلمت ما فيه من بحث الفتح.
642 وأورد عليه أيضا أنه ينبغي أن تسقط العمرة الواجبة بدخول مكة غير محرم بالعمرة المنذور في السنة الثانية كالمنذورة في الأولى، لأن العمرة لا تصير دينا لعدم توقتها بوقت معين، بخلاف الحج. وأجاب في غاية البيان بأن تأخير العمرة إلى أيام النحر والتشريق مكروه، فإذا أخرها إليها صار كالمفوت لها فصارت دينا اه. وأقره في البحر. ولا يخفى ما فيه، فأن المكروه فعلها في تلك الأيام لا بعدها. فتأمل. قوله: (فأحرم بعمرة) يعلم منه ما إذا أحرم بحجة بالأولى. نهر، فافهم. قوله: (لترك الوقت) مصدر مضاف إلى مكانه: أي لترك إحرامه في الميقات. قوله: (لجبره بالاحرام منه في القضاء) علة لقوله: ولا دم عليه الخ وضمير منه للوقت أشار به إلى أنه لا بد في سقوط الدم من إحرامه في القضاء من الميقات كما صرح به في البحر، فلو أحرم من الميقات المكي لم يسقط الدم، وهو مستفاد أيضا مما قدمناه، عن الشرنبلالية. قوله: (مكي طاف لعمرته الخ) شروع في الجمع بين إحرامين، وهو في حق المكي ومن بمعناه جناية دون الآفاقي إلا في إضافة إحرام العمرة إلى الحج، فبالاعتبار الأول ذكره في الجنايات، وبالاعتبار الثاني جعل له في الكنز باب على حدة. ثم اعلم أن أقسامه أربعة: إدخال إحرام الحج على العمرة، والحج على مثله، والعمرة على مثلها، والعمرة على الحج، قدم الأول لكونه أدخل في الجناية، ولذا لم يسقط به الدم بحال، ثم ذكره الثاني مقدما له على غيره لقوة حاله لاشتماله على ما هو فرض، ثم الثالث على الرابع لما فيه من الاتفاق في الكيفية والكمية. نهر. قوله: (ومن بحكمه) أشار إلى ما في النهر من أن المراد بالمكي غير الآفاقي، فشمل كل من كان داخل المواقيت من الحلي والحرمي، فافهم. فالاحتراز عن الآفاقي لأنه لا يرفض واحدا منهما غير أنه إن أضاف بعد فعل الأقل كان قارنا، وإلا فهو متمتع إن كان ذلك في أشهر الحج كما مر. نهر. قوله: (أي أقل أشواطها) يفيد أن الشوط ليس بقيد، وأطلقه فشمل ما إذا كان في أشهر الحج أو لا كما في البحر عن المبسوط. وفي النهر عن الفتح: ولو طاف الأكثر في غير أيام الحج، ففي المبسوط أن عليه الدم أيضا لأنه أحرم بالحج قبل الفراغ من العمرة، وليس للمكي أن يجمع بينهما، فإذا صار جامعا من وجه كان عليه دم اه. وفيه أيضا قيد بالعمرة لأنه لو أهل بالحج وطاف له ثم بالعمرة رفضها اتفاقا، وبكونه طاف لأنه لو لم يطف رفضها أيضا اتفاقا، وبالأقل لأنه لو أتى بالأكثر رفضه: أي الحج اتفاقا. وفي المبسوط أنه لا يرفض واحدا منهما، وجعله الأسبيجابي ظاهر الرواية. قوله: (رفضه) أي تركه من باب طلب وضرب كما في المغرب. وهذا: أي رفض الحج أولى عند الامام. وعندهما الأولى رفض العمرة لأنها أدنى حالا، وله أن إحرامها تأكد بأداء شئ من أعمالها، ورفض غير المتأكد أيسر، ولان رفضها إبطال العمل وفي رفضه امتناعا عنه. أفاده في البحر. قوله: (وجوبا) مخالفا لما في البحر حيث قال بعد ما مر: وقد ظهر أن رفض الحج مستحب لا واجب اه: أي وإنما الواجب رفض أحدهما لا بعينه. قوله: (بالحلق) أي مثلا. قال في البحر: ولم يذكر بماذا يكون
643 رافضا، وينبغي أن يكون الرفض بالفعل بأن يحلق مثلا بعد الفراغ من أفعال العمرة ولا يكتفي بالقول أو بالنية، لأنه جعله في الهداية تحللا وهو لا يكون إلا بفعل شئ من محظورات الاحرام. قلت: وفي اللباب: كل من عليه الرفض يحتاج إلى نية الرفض، إلا من جمع بين حجتين قبل فوات الوقوف أو بين العمرتين قبل السعي للأولى، ففي هاتين الصورتين ترتفض إحداهما من غير نية رفض، لكن إما بالسير إلى مكة أو الشروع في أعمال أحدهما اه. فعلم من مجموع ما في البحر واللباب أنه لا يحصل إلا بفعل شئ من محظورات الاحرام مع نية الرفض به، وما قدمناه أوائل الجنايات عند قوله: وبترك أكثره يبقى محرما من أن المحرم إذا نوى رفض الاحرام فصنع ما يصنعه الحلال من لبس وحلق ونحوهما لا يخرج به من الاحرام وأن نية الرفض باطلة، فهو محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما نبهنا عليه هناك، وقيد بكون الحلق بعد الفراغ من العمرة لئلا يكون جناية على إحرامها. قوله: (لأنه كفائت الحج) وحكمه أن يتحلل بعمرة ثم يأتي بالحج من قابل ط. قوله: (حتى لو حج) غاية للتعليل المفيد أنه قضاه في غير عامه ط. قوله: (سقطت العمرة) لأنه حينئذ ليس في معنى فائت الحج، بل كالمحصر إذا تحلل ثم حج من تلك السنة، فإنه حينئذ لا تجب عليه عمرة، بخلاف ما إذا تحولت السنة. ط. قوله: (ولو رفضها) أي العمرة التي طاف لها وأدخل عليها الحج. قوله: (قضاها) أي ولو في ذلك العام، لان تكرار العمرة في سنة واحدة جائز بخلاف الحج. أفاده صاحب الهندية ط. قوله: (فقط) أي ليس عليه عمرة أخرى كما في الحج، وليس مراده نفي الدم، لقول الهداية: وعليه دم بالرفض أيهما رفض اه ح. قوله: (صح) لأنه أدى أفعالهما كما التزم. نهر. قوله: (وأساء) أي مع الاثم، لما صرحوا به من أن المكي منهي عن الجمع بينهما وأنه يأثم به، وقدمنا الاختلاف في أن الإساءة دون الكراهة وفوقها والتوفيق بينهما، فافهم. قوله: (وذبح) أي لتمكن النقصان من نسكه بارتكاب المنهي عنه لأنه قارن، ولو أضاف بعد فعل الأكثر في أشهر الحج فمتمتع، ولا تمتع ولا قران لمكي كما مر، وهذا يؤيد قول من قال: إن نفي التمتع والقران لمكي معناه نفي الحل كما مر. نهر: أي لا نفي الصحة. قلت: وقد مر ذلك في باب التمتع، وقدمنا هناك تحقيق قول ثالث، وهو أن تمتع المكي باطل وقرانه صحيح غير جائز، فتذكره بالمراجعة. قوله: (وهو دم جبر) لان كل دم يجب بسبب الجمع أو الرفض فهو دم جبر وكفارة، فلا يقوم الصوم مقامه وإن كان معسرا، ولا يجوز له أن يأكل منه ولا أن يطعمه غنيا، بخلاف دم الشكر. شرح اللباب. قوله: (ومن أحرم بحج الخ) شروع في القسم الثاني والثالث: أعني إدخال الحج على مثله والعمرة على مثلها. واعلم أن الاحرام بحجتين فصاعدا، إما أن يكون على التراخي، أو معا، أو على التعاقب، فالأول ما ذكره في المتن ولذا أتى بثم. وأما الأخيران، ففي النهر يلزمه الحجتان عند الامام. والثاني: لكن يرتفض أحدهما إذا توجه سائرا في ظاهر الرواية. وقال الثاني: عقب صيرورته محرما
644 بلا مهلة، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا جنى قبل الشروع. وقال محمد: يلزمه في المعية أحدهما وفي التعاقب الأول فقط، والعمرتان كالحجتين اه. قلت: وأثر الخلاف لزوم دمين بالجناية عندهما، ودم واحد عند محمد كما في البدائع. واستشكله في شرح اللباب بأنه عند الثاني يرتفض أحدهما عقب الاحرام بلا مكث: أي فلم تكن الجناية عنده على إحرامين بل على واحد، فيلزمه بالجناية دم واحد كقول محمد. قوله: (ثم أحرم يوم النحر بآخر) قيد كونه يوم النحر، لأنه لو أحرم بعرفات ليلا أو نهارا رفض الثانية وعليه دم الرفض وحجة وعمرة، ثم عند الثاني يرتفض كما مر، وعند الأول بوقوفه كما في المحيط. وينبغي أنه لو أحرم ليلة النحر بعد الوقوف نهارا أن يرتفض بالوقوف بالمزدلفة لا بعرفة لأنه سابق. بحر. لكن قياس ظاهر الرواية المتقدم أن تبطل بالمسير إليها. نهر. قوله: (فإن كان قد حلق للأول) أي لحجه الأول قبل إحرامه بالثاني. قوله: (لزمه الآخر) أي فيبقى محرما إلى أن يؤديه في العام القابل. لباب. قوله: (لانتهاء الأول) لان الباقي بعد الحلق الرمي وبذلك لا يصير جانبا بالاحرام ثانيا. نهر. ومقتضاه أن الاحرام الثاني وقع بعد الحلق وبعد طواف الزيارة أيضا، وأنه لو أحرم بعد الحلق قبل الطواف لزمه دم الجمع، لان الاحرام الأول بقي في حق حرمة النساء، وبه صرح الكرماني، لكن المتبادر من المتن وغيره كالهداية وشروحها والكافي خلافه، لاطلاقهم نفي الدم بعد الحلق من غير تقييد بما بعد الطواف أيضا، لكن قال في شرح اللباب: إن إطلاقهم لا ينافي تقييد الكرماني اه: فيحل المطلق على المقيد. قلت: لكن ما في الكرماني مبني على وجوب دم للجميع بين إحرامي الحج كإحرامي العمرة، ويأتي الكلام فيه قريبا. قوله: (فمع دم) الفاء داخلة على فعل مقدر: أي فيلزمه الآخر مع دم. قوله: (قصر أولا) أي إذا لم يحلق للأول ثم أحرم بالثاني لزمه دم، سواء حلق عقب الاحرام الثاني أو لا بل أخره حتى حج في العام القابل، وهذا عنده، وهما يخصان الوجوب بما إذا حلق لأنهما لا يوجبان بالتأخير شيئا كما في البحر. قوله: (عبر به الخ) أشار إلى أن التقصير غير قيد، وإنما عبر به ليشمل المرأة، لكن فيه أنه عبر قبله بالحلق. وقد يقال: إنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يصرح في كل موضع بما سكت عنه في الآخر ليفيد إرادة كل من الاختصار. وما في النهر من أن المراد هنا بالتقصير الحلق إذا التقصير لا دم فيه إنما فيه الصدقة، فقد قدمنا أول الجنايات أن الصواب خلافه، فافهم. قوله: (لجنايته على إحرامه) أي إحرام الحجة الثانية، أما إحرام الحجة الأولى فقد انتهى بهذا التقصير فلا جناية عليه، وقوله: أو التأخير عطف على مدخول اللام لا على التقصير، لان تأخير الحلق عن أيام النحر ترك واجب لا جناية على الاحرام، ولو أسقط قوله: على إحرامه لكان أولى، وأشار بجعل العلة لوجوب الدم أحد هذين إلى أنه لا يلزمه دم للجميع بين إحرامي الحجين لأنه ليس جناية كما يأتي. أفاده ح. قوله: (ومن أتى بعمرة إلا الحلق الخ) قدمنا أن الحكم في الجمع بين العمرتين كالجمع بين
645 الحجتين: أي في اللزوم والرفض ووقته مما يتصور في العمرة كما في اللباب. ثم قال: فلو أحرم بعمرة فطاف لها شوطا أو كله أو لم يطف شيئا ثم أحرم بأخرى لزمه رفض الثانية وقضاؤها ودم للرفض، ولو طاف وسعى للأولى ولم يبق عليه إلا الحلق فأهل بأخرى لزمته ولا يرفضها وعليه دم الجمع، وإن حلق للأولى قبل الفراغ من الثانية لزمه دم آخر، ولو بعده لا، ولو أفسده الأولى: أي بأن جامع قبل طوافها فأهل بالثانية رفضها، ويمضي في الأولى، ولو نوى رفض الأولى وإن يكون عمله الثانية لم ينفعه وكذا هذا في الحجتين اه. لكن قدمنا عنه أنه لو جمع بين عمرتين قبل السعي للأولى ترتفض إحداهما بالشروع من غير نية رفض، فقوله هنا: لزمه رفض الثانية، فيه نظر فتدبر. قوله: (فيلزم الدم) أي لجناية الجمع ولا دم لتأخير الحلق هنا لأنه في العمرة غير موقت بالزمان كما مر إلا إذا حلق قبل الفراغ من الثانية فيلزم دم آخر كما علمته آنفا. قوله: (لا لحجتين) عطف على العمرتين، وقوله: فلا يلزم أي دم الجمع، بل يلزم دم التأخير أو التقصير فقط كما مر، وقد تبع الشارح في ذلك صاحب البحر حيث قال: وصرح في الهداية بأنه: أي الجمع بين إحرامي حجين أو عمرتين بدعة، وأفرط في غاية البيان بقوله إنه حرام لأنه بدعة وهو سهو، لما في المحيط، والجمع بين إحرامي الحج لا يكره في ظاهر الرواية، لأنه في العمرة إنما كره لأنه يصير جامعا بينهما في الفعل لأنه يؤديهما في سنة واحدة، بخلاف الحج اه. فلذا فرق المصنف بين الحج والعمرة تبعا للجامع الصغير فإنه أوجب دما واحدا للحج. وقال بعض المشايخ: يجب دم آخر للجمع اتباعا لرواية الأصل، وقد علمت أن الفرق بينهما ظاهر الرواية، هذا خلاصة ما في البحر. أقول: وفي المعراج عن الكافي: قيل لا خلاف بين الروايتين: أي رواية الجامع الصغير ورواية الأصل، لأنه سكت في الجامع عن إيجاب الدم للجمع وما نفاه، وقيل بل فيه روايتان اه. وفي شرح اللباب: وقالوا فيه روايتان أصحهما الوجوب، وبه صرح التمرتاشي وغيره، وقيل ليس إلا رواية الوجوب. قال ابن الهمام: وهو الأوجه اه. وتعقب ابن الهمام ما في المحيط بأن كونه يتمكن من أداء العمرة الثانية في سنة لا يوجب الجمع بينهما فعلا، فاستوى الحج والعمرة. قلت: وكتاب الأصل، وهو المبسوط من كتب ظاهر الرواية أيضا، فلذا صححوا رواية الوجوب بناء على تحقق اختلاف الرواية، وإلا فالأصل عدمه، فإن كلا من الأصل والجامع من كتب الإمام محمد، فالظاهر أنما أطلقه في أحدهما محمول على ما قيده في الآخر، فلذا استوجه في الفتح أنه ليس ثمة إلا رواية الوجوب، ويؤيده ما مر من كلام الهداية وغاية البيان، فقوله في البحر: إنه سهو مما لا ينبغي، كيف وقد قال في التاترخانية: الجمع بين إحرام الحج والعمرة بدعة. وفي الجامع الصغير: العتابي حرام لأنه من أكبر الكبائر، هكذا روي عن النبي (ص) اه: قوله: (آفاقي الخ) شروع في القسم الرابع. قوله: (ثم أحرم بعمرة) أي قبل أن يشرع في طواف القدوم. لباب، ويدل عليه المقابلة بقوله: فإن طاف له أي شرع فيه ولو قليلا كما تعرفه قريبا، وقدمناه في أول باب القران، ولم يتقدم خلافه، فافهم. قوله: (لزماه) لان الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي فيصير بذلك قارنا، لكنه أخطأ السنة فيصير مسيئا. هداية. لان السنة في القران أن يحرم بهما معا أو يقدم
646 إحرام العمرة على إحرام الحج. زيلعي. لكن الثاني يسمى تمتعا عرفا. قوله: (وصار قارنا مسيئا) قال في شرح اللباب: وعليه دم شكر لقلة إساءته ولعدم وجوب رفض عمرته اه. قلت: والأولى أن يقول: ولعدم ندب رفض عمرته، بخلاف ما إذا أحرم لها بعد طواف القدوم للحج فإنه يندب رفضها كما يأتي. قوله: (كما مر) (1) أي في أوائل باب القران. قوله: (ولذا بطلت عمرته) المناسب أن يقدم عليه قوله الآتي: لأنها لم تشرع الخ لان كونه صار قارنا مسيئا معلل بكون العمرة لم تشرع مرتبة على الحج، وبطلان عمرته بالوقوف مفرع على هذا التعليل كما يعلم من الهداية وغيرها، فافهم. قوله: (بالوقوف) أي إذا وقف بعرفة قبل أن يدخل مكة فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف، وإن توجه إلى عرفات ولم يقف بها بعد لا يصير رافضا لأنه يصير قارنا. زيلعي. والمراد أنه أحرم بالعمرة ولم يأت بأكثر أشواطها حتى وقف بعرفات، فالاتيان بالأقل كالعدم. بحر. فالمراد بقوله: قبل أفعالها أكثر أشواطها. قوله: (فإن طاف له) أي للحج ولو شوطا كما ذكره في البحر في باب القران. وقال في الفتح: وإن أدخل إحرام العمرة على إحرام الحج، فإن كان قبل أن يطوف شيئا من طواف القدوم فهو قارن مسئ وعليه دم شكر، وإن كان بعد ما شرع فيه ولو قليلا فهو أكثر إساءة وعليه دم اه. وقدمنا مثله في باب القران عن اللباب وشرحه، فهذا نص صريح في وجوب الدم في الصورتين، وأن الأول دم شكر: أي اتفاقا، والثاني دم جبر أو شكر على الخلاف الآتي، وفي أن المراد بالطواف فيهما الشروع فيه ولو شوطا، فافهم. وأما ما قدمناه آنفا عن البحر من أن الأقل كالعدم فذاك في طواف العمرة، والكلام في طواف الحج، فافهم. قوله: (فمضى عليهما) قال الزيلعي: المراد بالمضي عليهما أن يقدم أفعال العمرة على أفعال الحج لأنه قارن على ما بينا، ولكنه أساء أكثر من الأول حيث أخر إحرام العمرة على طواف الحج: أي طواف القدوم، غير أنه ليس بركن فيه فيمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، ويجب عليه دم. قوله: (وهو دم جبر) أي على ما اختاره فخر الاسلام، ودم شكر على ما اختاره شمس الأئمة. وثمرته تظهر في جواز الأكل. زيلعي. وصحح الأول في الهداية، واختار الثاني في الفتح وقواه وأطال الكلام فيه. بحر. قلت: وكذا اختاره في اللباب: وعبر عن الأول بقيل. قوله: (لتأكده بطوافه) أي لان إحرام الحج قد تأكل بشئ من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج. هداية: أي فإنه لا يستحب له رفضها لعدم تأكده لأنه لم يقدم إلا الاحرام، ولا ترتيب فيه، أما هنا فقد فاته الترتيب من وجه لتقديم طواف القدوم، وإنما لم يجب الرفض لان المؤدي ليس بركن الحج كما في الزيلعي. قوله: (قضى) أي العمرة، وقوله: لصحة الشروع أي وهي مما يلزم بالشروع ط. قوله: (حج الخ) من تتمة المسألة التي قبلها، لان ما مر فيما إذا أدخل العمرة على الحج قبل الوقوف بعد الشروع في طواف القدوم أو قبله، وهذا فيما لو أدخلها بعد الوقوف قبل الحلق أو طواف الزيارة أو
(1) قول المحشي: (كما مر) ليس في نسخ الشارح التي بأيدينا ا ه مصححه. 647 بعده في يوم النحر أو أيام التشريق، كما أفاده في اللباب وصرح فيه بأنه لا يكون قارنا لكنه خلاف ظاهر ما يأتي. قوله: (بالشروع) لان الشروع فيها ملزم كما مر. قوله: (ورفضت) حكى فيه خلافا في الهداية بقوله: وقيل إذا حلق للحج ثم أحرم لا يرفضها على ظاهر ما ذكر في الأصل. وقيل برفضها احترازا عن النهي. وقال الفقيه أبو جعفر: ومشايخنا على هذا اه: أي على وجوب الرفض وإن كان بعد الحلق، وصححه المتأخرون لأنه بقي عليه واجبات من الحج كالرمي وطواف الصدر وسنة المبيت. وقد كرهت العمرة في هذه الأيام، فيكون بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج بلا ريب، كذا في الفتح. قلت: وظاهره أنه قارن مسئ. تأمل. قوله: (صح) لان الكراهة لمعنى في غيرها وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أعمال الحج. هداية. قوله: (لارتكاب الكراهة) أي لجمعه بينهما، إما في الاحرام أو في الأعمال الباقية. هداية: أي في الاحرام إن أحرم بالعمرة قبل الحلق، وفي الأعمال إن أحرم بعده. معراج. ويلزم من الأول الثاني بلا عكس. تنبيه: قال في شرح اللباب بعد تقرير حكم المسألة: ومنه يعلم مسألة كثيرة الوقوع لأهل مكة وغيرهم أنهم قد يعتمرون قبل أن يسعوا لحجهم اه: أي فيلزمهم دم الرفض أو دم الجمع، لكن مقتضى تقييدهم الاحرام بالعمرة يوم النحر أو أيام التشريق أنه لو كان بعد هذه الأيام لا يلزم الدم، لكن يخالفه ما علمته من تعليل الهداية، فالسعي وإن جاز تأخره عن أيام النحر والتشريق، لكنه إذا أحرم بالعمرة قبله يصير جامعا بينها وبين أعمال الحج. ويظهر لي أن العلة في الكراهة ولزوم الرفض هي الجمع أو وقوع الاحرام في هذه الأيام، فأيهما وجد كفى، لكن لما كانت هذه الأيام هي أيام أداء بقية أعمال الحج على الوجه الأكمل قيدوا بها كما يشير إليه ما قدمناه عن الهداية، وكذا قوله فيها معللا للزوم الرفض، لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال الحج من كل وجه، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا فلهذا يلزمه رفضها اه. فقوله: وقد كرهت الخ، بيان العلة الأخرى، ولما لم يأت بها على طريق التعليل كما أتى بما قبلها صرح بكونها علة أيضا بقوله: فلذا يلزمه رفضها. قوله: (فائت الحج الخ) من تتمة ما قبله أيضا ولذا قال في الهداية فاته فإن الحج بالفاء التفريعية فهو إشارة إلى أن ما مر من المنع عن الجمع لا فرق فيه بين من أدرك الحج ومن فاته. قوله: (به أو بها) أي بالحج أو بالعمرة. قوله: (لان الجمع الخ) بيانه أن فائت الحج حاج إحراما، لان إحرام الحج باق، ومعتمر أداء لأنه يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة، فإذا أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما وهو بدعة فيرفضها، وإن أحرم بعمرة يصير جامعا بين العمرتين أفعالا وهو بدعة أيضا فيرفضها، كذا في الزيلعي وغيره. واعلم أن في كلام الشارح هنا أمرين: الأول: أنه كان ينبغي أن يقول: لان الجمع بين حجتين أو عمرتين بإسقاط قوله إحرامين، لما علمت من أن اللازم من الاحرام بعمرة هو الجمع بين عمرتين أفعالا لا إحراما إذا لم ينقلب إحرام الحج إحرام عمرة.
648 والثاني: أن قوله: غير مشروع مخالف لما مشى عليه أولا من أن الجمع بين إحرامي العمرتين مكروه دون الحجتين في ظاهر الرواية، فإن غير المشروع ما نهى الشارح عن فعله أو تركه، ومن جملته المكروه، والمشروع بخلافه، فلا يتناول المكروه، كما في القهستاني على الكيدانية. قلت: ويمكن الجواب عن الأول بأن قوله: أو لعمرتين معطوف على الظرف المتعلق بالجمع فيتعلق به أيضا لا بإحرامين بقرينة إعادته حرف الجر. وعن الثاني بأنه مشى على الرواية الثانية، وقد علمت ترجيحها أيضا فلا مانع منه، فافهم. قوله: (وبعده) (1) أي بعد التحلل بأفعال العمرة. قوله: (للرفض) أي رفض ما أحرم به ثانيا وهو علة للتحلل. وفي بعض النسخ بالرفض وفيه قلب، لان الرفض المطلوب منه يكون بالتحلل: أي بالحلق، أو بفعل شئ من المحظورات مع النية كما مر، فالأولى عبارة البحر وغيره، وهي للرفض بالتحلل قبل أوانه، فافهم والله سبحانه أعلم. باب الاحصار لما كان التحلل بالاحصار نوع الجناية بدليل أن ما يلزمه ليس له أن يأكل منه ذكره عقب الجنايات، وأخره لان مبناه على الاضطرار وتلك على الاختيار. نهر. قوله: (لغة المنع) أي بخوف أو مرض أو عجز أما لو منعه عدو بحبس في سجن أو مدينة فهو حصر كما في الكشاف وغيره. وفي المغرب أن هذا هو المشهور، وتمامه في شرح ابن كمال. قوله: (وشرعا منع عن ركنين) هما الوقوف والطواف في الحج، لكن سيأتي أن العمرة يتحقق فيها الاحصار، ولها ركن واحد وهو الوقوف (2). وفي بعض النسخ عن ركن بالافراد، والمراد به الماهية: أي عما هو ركن النسك متعددا أو متحدا. تأمل. قوله: (بعدو) أي آدمي أو سبع. قوله: (أو مرض) أي يزداد بالذهاب. قوله: (أو موت محرم) أراد به من لا تحرم خلوته بالمرأة فيشمل زوجها، وكموتهما عدمهما ابتداء، فلو أحرمت وليس لها محرم ولا زوج فهي محصرة كما في اللباب والبحر، ثم هذا إذا كان بينها وبين مكة مسيرة سفر وبلدها أقل منه أو أكثر، لكن يمكنها المقام في موضعها، وإلا فلا إحصار فيما يظهر. قوله: (أو هلاك نفقة) فإن سرقت نفقته، إن قدر على المشي فليس بمحصر، وإلا فمحصر، وإن قدر عليه للحال إلا أنه يخاف العجز في بعض الطريق جاز له التحلل. لباب. وظاهر كلامهم هذا أن المراد بالنفقة ما يشمل الراحلة. تأمل.
(1) قول المحشي: (وبعده) الذي في نسخ الشارح التي بأيدينا (ثم بعده). (2) قوله: (لعله الطواف) ا ه منه. والحاصل ان الحصر هو المنع عن الوصول إلى المطلوب بمرض أو عدو فلا يرد اجماع المفسرين على أن قوله تعالى: (فان أحصرتم) نزلت في المنع من العدو، لان الاحصار أعم من الحصر لشموله منع العدو وغيره، بخلاف الحصر، ولهذا نقل بعض شراح الهداية عن تفسير القتبي: الاحصار: هو ان يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عدو، يقال احصر الرجل احصارا فهو محصر، فان حبس في سجن أو دار قيل حصر فهو محصور ا ه منه. 649 تتمة: زاد في اللباب: مما يكون به محصرا أمور أخر. منها: العدة، فلو أهلت بالحج فطلقها زوجها ولزمتها العدة صارت محصرة ولو مقيمة أو مسافرة معها حرم. ومنها: لو ضل عن الطريق، لكن إن وجد من يبعث الهدي معه فذلك الرجل يهديه إلى الطريق وإلا فلا يمكنه التحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله. قال في الفتح: فهو كالمحصر الذي لم يقدر على الهدي. ومنها: منع الزوج زوجته إذا أحرمت بنفل بلا إذنه، أو المولى مملوكه عبدا كان أو أمة، فلو بإذنه أو أحرمت بفرض فغير محصرة لو لها محرم، أو خرج الزوج معها، وليس له منعها وتحليلها، وهذا لو إحرامها بالفرض في أشهر الحج أو قبلها في وقت خروج أهل بلدها أو قبله بأيام يسيرة، وإلا فله منعها. وأما المملوك فيكره لمولاه منعه بعد الاحرام بإذنه وهو محصر، وليس لزوج الأمة منعها بعد إذن المولى. واعلم أن كل من منع عن المضي في موجب الاحرام لحق العبد فإنه يتحلل بغير الهدي، فإذا أحرمت المرأة أو العبد بلا إذن الزوج أو المولى فلهما أن يحللاهما في الحال كما سيأتي بيانه آخر الحج، ولا يتوقف على ذبح، وعلى المرأة أن تبعث الهدي أو ثمنه إلى الحرام، وعليها إن كان إحرامها بحج حج وعمرة، وإن بعمرة فعمرة، بخلاف ما لو مات زوجها أو محرمها في الطريق فلا تتحلل إلا بالهدي، ولعل الفرق أن إحصارها حقيقي والأولى حكمي، وعلى العبد هدي الاحصار بعد العتق وحجة وعمرة اه. ملخصا من اللباب وشرحه. قوله: (حل له التحلل) أفاد أنه رخصة في حقه حتى لا يمتد إحرامه فيشق عليه، وأن له أن يبقى محرما كما يأتي. قوله: (بعث المفرد) أي بالحج أو العمرة إلى الحرم. قهستاني. قوله: (دما) سيأتي بيانه في باب الهدي، فلو بعث دمين تحلل بأولهما، لان الثاني تطوع كما في الينابيع. قهستاني. قوله: (أو قيمته) أي يشتري بها شاة هناك وتذبح عنه. هداية. وفيه إيماء إلى أنه لا يجوز التصدق بتلك القيمة. شرح اللباب. قوله: (فإن لم يجد بقي محرما) فلا يتحلل عندنا إلا بالدم نهاية، ولا يقوم الصوم والاطعام مقامه. بحر. ولا يفيد اشتراط الاحلال عند الاحرام شيئا. لباب. قال شارحه: هذا هو المسطور في كتاب المذهب. ونقل الكرماني والسروجي عن محمد أنه إن اشترط الاحلال عند الاحرام إذا أحصر جاز له التحلل بغير هدي. قوله: (أو يتحلل بطواف) أي ويسعى ويحلق. (بحر عن الخانية). وهذا إن قدر على الوصول إلى مكة، فإن عجز عنه وعن الهدي يبقى محرما أبدا. قال في (الفتح): هذا هو المذهب المعروف. قوله: (وعن الثاني) رده في (الفتح) بأنه مخالف للنص. قوله: (والقارن دمين) فيه إشارة إلى أنه لا يتحلل إلا بذبح الثاني، وأنه لا يشترط تعيين أحدهما للحج والآخر للعمرة. (قهستاني). وكالقارن من جمع بين حجتين أو عمرتين فأحصر قبل السير إلى مكة، فلو بعده يلزمه دم واحد. (لباب). لأنه يصير رافضا لأحدهما. (بحر). قوله: (فلو بعث واحدا الخ) عبارة الهداية: فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن
650 الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما، لان التحلل منهما شرع في حالة واحدة اه. زاد في (اللباب): ولو بعث ثمن هديين فلم يوجد بذلك القدر بمكة إلا هدي واحد فذبح لم يتحلل عن الاحرامين ولا عن أحدهما. قوله: (وعين يوم الذبح) لا بد أيضا من تعيين وقته من ذلك اليوم إذا أراد التحلل فيه لئلا يقع قبل الذبح، فإذا عين وقت الزوال مثلا يتحلل بعده، وإلا احتمل أن يكون الذبح وقت العصر والتحلل قبله. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: إنه لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء. هداية. فعلى قولهما لا حاجة إلى المواعدة في الحج لتعين يوم النحر وقتاله، إلا إذا كان بعد أيام النحر فيحتاج إليها عند الكل كما في المحصر بالعمرة. أفاده في (شرح اللباب). قال في (البحر): وفيه نظر، لأنه الوقت عندهما بأيام النحر لا باليوم الأول فيحتاج إلى المواعدة لتعيين اليوم الأول أو الثاني أو الثالث. وقد يقال: يمكنه الصبر إلى مضي الثلاثة، فلا يحتاج إليها اه. قوله: (الخوف) المراد به المانع خوفا أو غيره. قوله: (وإلا) بأن فاته الحج بفوت الوقوف ط. وهذا لو محصرا بالحج، فلو بالعمرة زال إحصاره بقدرته عليها. قوله: (لان التحلل) علة لقوله جاز. قوله: (فيشق) بالنصب في جواب النفي ط. وهو من باب نصر، فالشين مضمومة. قوله: (وبذبحه يحل) في (اللباب): ولا يخرج من الاحرام بمجرد الذبح حتى يتحلل بفعل اه: أي من محظورات الاحرام ولو بغير حلق. قاري. قلت: وهذا مخالف لكلام المصنف وغيره مع أنه لا تظهر له ثمرة. تأمل. وأفاد أنه لو سرق بعد ذبحه لا شئ عليه، وإن لم يسرق تصدق به ويضمن الوكيل قيمة ما أكل منه لو غنيا ويتصدق بها على الفقراء لما في اللباب. قوله: (ولو بلا حلق وتقصير) لكن لو فعله كان حسنا، وهذا عندهما. وعن الثاني روايتان: وفي رواية يجب أحدهما، وإن لم يفعل فعليه دم. وفي رواية: ينبغي أن يفعل وإلا فلا شئ عليه وهو ظاهر الرواية. كذا في الحقائق عن مبسوط خواهر زاده وجامع المحبوبي، فلا خلاف على ظاهر الرواية. وفي السراج: وهذا الخلاف إذا أحصر في الحل، أما في الحرم فالحلق واجب اه. قال في الشرنبلانية: كذا جزم به في الجوهرة والكافي، وحكاه البرجندي عن المصفى بقيل فقال: وقيل إنما لا يجب الحلق على قولهما إذا كان الاحصار في غير الحرم، أما فيه فعليه الحلق. قوله: (هذا) أي ما أفاده قوله وبذبحه يحل من أنه لا يحل قبل الذبح. قوله: (ففعل كالحلال) أي كما يفعل الحلال من حلق وطيب ونحو ذلك. قوله: (أو ذبح في حل) محترز قول المصنف في الحرم ط. قوله: (لزمه جزاء ما جنى) ويتعدد بتعدد الجنايات ط. قلت: ولم أر من صرح بذلك، نعم هو ظاهر كلامهم، ولينظر الفرق بينه وبين ما مر من أن المحرم لو نوى الرفض ففعل كالحلال على ظن خروجه من الاحرام بذلك لزمه دم واحد لجميع ما ارتكب لاستناد الكل إلى قصد واحد، وعللوا ذلك بأن التأويل الفاسد معتبر في دفع الضمانات الدنيوية كالباغي إذا أتلف مال العادل أو قتله، ولا يخفى استناد الكل هنا إلى قصد واحد أيضا، ولذا
651 قال بعض محشي الزيلعي: ينبغي عدم التعدد هنا أيضا. قوله: (ويجب) أي يلزم، فيشمل الفرض القطعي، كما لو أحصر عن حجة الفرض، والواجب الاصطلاحي كما لو أحصر عن النفل. أفاده ط. قوله: (ولو نفلا) أفاد شمول وجوب القضاء للفرض والنفل والمظنون والمفسد والحج عن الغير والحر والعبد، إلا أن وجوب أداء القضاء على العبد يتأخر إلى ما بعد العتق. لباب والمظنون: هو ما لو أحرم على ظن أن عليه الحج ثم ظهر عدمه فأحصر. وصرح البزدوي وصاحب الكشف أنه لا قضاء عليه، لكن صرح السروجي في الغاية بأن الأصح وجوبه كما لو أفسده بلا إحصار. أفاده القاري. قوله: (بالشروع) أي بسبب شروعه فيها. وفيه أن هذا إنما يظهر في النفل، أما الفرض فهو واجب القضاء بالامر لا بالشروع. تأمل. قوله: (للتحلل) لأنه في معنى فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، فإذا لم يأت بها قضاها. نهر. والحاصل أن المحرم بالحج يلزمه الحج ابتداء، وعند العجز تلزمه العمرة، فإذا لم يأت بهما يلزمه قضاؤهما كما لو أحرم بهما كما في جامع قاضيخان. قوله: (إن لم يحج من عامه) أما لو حج منه لم يجب معها عمرة لأنه لا يكون كفائت الحج. فتح. وأيضا إنما تجب عمرة مع الحج إذا حل بالذبح. أما إذا حل بأفعال العمرة فلا عمرة عليه في القضاء. شرح اللباب. تنبيه: إذا قضى الحج والعمرة إن شاء قضاهما بقران أو إفراد. واعلم أن نية القضاء إنما تلزم إذا تحولت السنة اتفاقا لو إحصاره بحج نفل، فلو بحجة الاسلام فلا، لأنها قد بقيت عليه حين لم يؤدها فينويها من قابل. فتح. قوله: (وعلى المعتمر عمرة) أي على المعتمر إذا أحصر قضاء عمرة، وهذا فرع تحقيق الاحصار عنها. ومن فروع المسألة ما لو أهل بنسك مبهم، فإن أحصر قبل التعيين كان عليه أن يبعث بهدي واحد ويقضي عمرة استحسانا، وفي القياس: حجة وعمرة وتمامه في النهر. قوله: (وعلى القارن حجة وعمرتان) ويتخير في القضاء بين الافراد والقران كما صرحوا به، وحققه في (البحر)، فيفرد كلا من الثلاثة أو يجمع بين حجة وعمرة ثم يأتي بعمرة كما في شرح اللباب. قوله: (إحداهما للتحلل) يشير إلى أن لزوم العمرتين فيما إذا لم يحج من عام الاحصار، إذ لو حج من عامه بأن زال الاحصار بعد الذبح وقدر على تجديد الاحرام والأداء ففعل كان عليه عمرة القران فقط كما في الفتح، لأنه لا يكون كفائت الحج، فلا تلزمه عمرة التحلل كما مر في المفرد. قلت: ومثله لو حل بأفعال العمرة كما يفهم مما مر. قوله: توجه وجوبا) أي ليؤدي الحج لقدرته على الأصل قبل حصور المقصود بالبدل. نهر. ويفعل بهديه ما شاء: أي من بيع أو هبة أو صدقة ونحو ذلك. شرح اللباب. قوله: (وإلا يقدر عليهما) مجموعهما، بأن لم يقد على واحد منهما أو قدر على الهدي فقط أو الحج فقط. قوله: (لا يلزمه التوجه) أما إذا لم يقدر عليهما أو قدر على الهدي فقط فظاهر، لكنه لو توجه ليتحلل بأفعال العمرة، جاز له، لأنه هو الأصل في التحلل، وفيه سقوط العمرة عنه، وأما إذا قدر على الحج دون الهدي، فجواز التحلل قول الإمام،
652 وهو الاستحسان، لأنه لو لم لم يتحلل لضاع ماله مجانا، وحرمة المال كحرمة النفس، إلا أن الأفضل أن يتوجه، وتمامه في النهر. تنبيه: لا يتصور في حق المعتمر فقط عدم إدراك العمرة لان وقتها جميع العمر، فلها من الأربع صورتان فقط: أن يدرك الهدي والعمرة، أو يدرك العمرة فقط وقد علم حكمهما. أفاده الرحمتي، ونحوه في اللباب. فرع: لو بعث الهدي ثم زال إحصاره وحدث إحصار آخر، فإن علم أنه يدرك الهدي ونوى به إحصاره الثاني جاز وحل به، وإن لم ينو لم يجز، ولو بعث هديا لجزاء صيد ثم أحصر ونوى أن يكون لإحصاره جاز، وعليه إقامة غيره مقامه. لباب. قوله: (ولا إحصار بعد ما وقف بعرفة) فلو وقف بعرفة ثم عرض له مانع لا يتحلل بالهدي بل يبقى محرما في حق كل شئ إن لم يحلق: أي بعد دخول وقته وإن حلق فهو محرم في حق النساء لا غير إلى أن يطوف للزيارة، فإن منع حتى مضت أيام النحر فعليه أربعة دماء لترك الوقوف بمزدلفة والرمي، وتأخير الطواف، وتأخير الحلق كما في اللباب والزيلعي وغيرهما. مطلب: كافي الحاكم هو جمع كلام محمد في كتبه الستة كتب ظاهر الرواية ونقله في البحر عن كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر الرواية. ثم استشكله في البحر بأن واجب الحج إذا ترك لعذر لا شئ فيه، حتى لو ترك الوقوف بمزدلفة خوف الزحام لا شئ عليه، كالحائض تترك طواف الصدر. ولا شك أن الاحصار عذر. ثم أجاب بحمل ما هنا على الاحصار بالعدو مطلقا، فإنه إذا كان بالمرض فهو سماوي يكون عذرا في ترك الواجبات، بخلاف ما كان من قبل العبد فإنه لا يسقط حق الله تعالى كما في التيمم اه. ونقله في النهر، وبه جزم المقدسي في شرح نظم الكنز، وذكر مثله في جنايات شرح اللباب. قلت: ولا ترد مسألة ترك الوقوف لخوف الزحام، لما مر في التيمم أن الخوف إن لم ينشأ بسبب وعيد العبد فهو سماوي. قوله: (للأمن من الفوات) فيه أن المعتمر كذلك، لأن العمرة لا تتوقف مع تحقق الاحصار فيها. وأجيب بأن المعتمر يلزمه ضرر بامتداد الاحرام فوق ما التزمه، ولا يمكنه أن يتحلل بالحلق في يوم النحر فله الفسخ، أما الحاج فيمكنه ذلك فلا حاجة إلى التحلل بالهدي من غير عذر. أفاده الزيلعي، لكن قيل ليس له أن يحلق في مكانه في الحل بل يؤخره إلى ما بعد طواف الزيارة، وقيل له ذلك. وفي غاية البيان عن العتابي أنه الأظهر. قوله: (على الأصح) مقابله ما روي عن الامام من أنه لا إحصار في مكة اليوم لأنها دار إسلام. قوله: (والقادر على أحدهما الخ) تصريح بمفهوم قوله والممنوع بمكة عن الركنين محصر وذكره بعد قوله ولا إحصار بعد ما وقف بعرفة من قبيل ذكر الأعم بعد الأخص فليس بتكرار محض. قوله: (فلتمام حجه به) قالوا: المأمور بالحج إذا مات بعد الوقوف بعرفة قبل طواف الزيارة يكون مجزئا. بحر. وقدمنا الكلام فيه أول كتاب الحج. قوله: (وأما على الطواف) سماه أحد ركني الحج باعتبار الصورة، وإلا
653 كالطواف الركن هو ما يقع بعد الوقوف ولا وقوف هنا. أفاده ط. قوله: (فلتحلله به) لان فائت الحج يتحلل به والدم بدل عنه في التحلل، فلا حاجة إلى الهدي. زيلعي وفي شرح اللباب أنه يكون في معنى فائت الحج فيتحلل عن إحرامه بعد فوات الوقوف بأفعال العمرة، ولا دم عليه ولا عمرة في القضاء اه. فالاقتصار على ذكر الطواف لأنه ركن العمرة، وإلا فلا يحصل التحلل بمجرد الطواف، بل لا بد من السعي والحلق، وإليه أشار بقوله كما مر: أي في قول المصنف وإلا تحلل بالعمرة وكذا مر قبل باب القران في قوله ومن لم يقف فيها فات حجه فطاف وسعى وتحلل وقضى من قابل وتقدم الكلام عليه هناك. تنبيه: أسقط المصنف من هنا باب الفوات المذكور في الكنز وغيره اكتفاء بما ذكره قبل باب القران، وقد علم أن الأسباب الموجبة لقضاء الحج أربعة: الفوات، والاحصار عن الوقوف، والفرق بينهما في كيفية التحلل. والثالث الافساد بالجماع وإن لزمه المضي في فاسده. والرابع الرفض، وفروعه مذكورة في الباب السابق، والله تعالى أعلم. باب الحج عن الغير اعترض في الفتح بأن إدخال أل على الغير واقع على وجه الصحة بل هو ملزوم الإضافة اه. لكن قال بعض أئمة النحاة، منع قوم دخول الألف واللام على: غير، وكل، وبعض، وقالوا: هذه كما لا تتعرف بالإضافة لا تتعرف بالألف واللام. مطلب في دخول أل على غير وعندي أنها تدخل عليها، فيقال فعل الغير كذا، والكل خير من البعض، وهذا لان الألف واللام هنا ليست للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة، لأنه قد نص أن غير تتعرف بالإضافة في بعض المواضع. ثم إن الغير قد يحمل على الضد، والكل على الجملة، والبعض على الجزء، فيصلح دخول الألف واللام عليه أيضا من هذا الوجه: يعني أنها تتعرف على طريقة حمل النظير على النظير، فإن الغير نظير الضد، والكل نظير الجملة، والبعض نظير الجزء وحمل النظير على النظير سائغ شائع في لسان العرب كحمل الضد على الضد، كما لا يخفى على من تتبع كلامهم، وقد نص العلامة الزمخشري على وقوع هذين الحملين وشيوعهما في لسانهم في الكشاف. أفاده ابن كمال. مطلب: في إهداء ثواب الأعمال للغير قوله: (بعبادة ما) أي سواء كانت صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة، أو غير ذلك من زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء والأولياء والصالحين، وتكفين الموتى، وجميع أنواع البر كما في الهندية ط. وقدمنا في الزكاة عن التاترخانية عن المحيط: الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات لأنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شئ اه. وفي البحر بحثا أن إطلاقهم شامل للفريضة، لكن لا يعود الفرض في ذمته، لان
654 عدم الثواب لا يستلزم عد السقوط عن ذمته اه. على أن الثواب لا ينعدم كما علمت، وسنذكر فيما لو أهل بحث عن أبويه أنه قيل إنه يجزيه عن حج الفرض، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر، ويؤيد أيضا قوله في جامع الفتاوى: وقيل لا يجوز في الفرائض. وبحث أيضا أن الظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم يجعل ثوابه لغيره لاطلاق كلامهم اه. قلت: وإذا قلنا بشموله للفريضة أفاد ذلك، لان الفرض ينويه عن نفسه، فإذا صح جعل ثوابه لغيره دل على أنه لا يلزم في وصول الثواب أن ينوي الغير عند الفعل، وقدمنا في آخر الجنائز قبيل باب الشهيد عن ابن القيم الحنبلي أنه اختلف عندهم في أنه هل يشترط نية الغير عند الفعل؟ فقيل: لا، لكن الثواب له فله التبرع به لمن أراد، وقيل نعم، وهو الأولى لأنه إذا وقع له لم يقبل انتقاله عنه، وقدمنا عنه أيضا أنه لا يتشرط في الوصول أن يهديه بلفظه، كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة لان السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم لو فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف، كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق وأنه يصح إهداء نصف الثواب أو ربعه. ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل ربعه، وتمامه هناك. مطلب فيمن أخذ في عبادته شيئا من الدنيا تنبيه: قال في البحر: ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطي، وينبغي أن لا يصح ذلك اه. أي لأنه إن كان أخذه على عبادة سابقة يكون ذلك بيعا لها، وذلك باطل قطعا، وإن كان أخذه ليعمل يكون إجارة على الطاعة وهي باطلة أيضا كما نص عليه في المتون والشروح والفتاوى، إلا فيما استثناه المتأخرون من جواز الاستئجار على التعليم والاذان والإمامة، وعللوه بالضرورة وخوف ضياع الدين في زماننا لانقطاع ما كان يعطى من بيت المال. وبه علم أنه لا يجوز الاستئجار على الحج عن الميت لعدم الضرورة كما يأتي بيانه في هذا الباب، ولا على التلاوة والذكر لعدم الضرورة أيضا، وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا شفاء العليل وبل الغليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل، فافهم. قوله: (له جعل ثوابها لغيره) أي خلافا للمعتزلة في كل العبادات، ولمالك والشافعي في العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يقولان بوصولها، بخلاف غيرها كالصدقة والحج، وليس الخلاف في أن له ذلك أو لا، كما هو ظاهر اللفظ، بل في أنه ينجعل بالجعل أو لا، بل يلغو جعله. أفاده في الفتح: أي الخلاف وفي وصول الثواب وعدمه. قوله: (لغيره) أي من الاحياء والأموات. بحر عن البدائع. قلت: وشمل إطلاق الغير النبي (ص)، ولم أر من صرح بذلك من أئمتنا، وفيه نزاع طويل لغيرهم. والذي رجحه الامام السبكي وعامة المتأخرين منهم: الجواز كما بسطناه آخر الجنائز، فراجعه. قوله: (وإن نواها الخ) قدمنا الكلام عليه قريبا. قوله: (لظاهر الأدلة) علة لقوله له جعل ثوابها لغيره وهو من إضافة الصفة للموصوف: أي للأدلة الظاهرة: أي الواضحة الجلية، فالظهور بالمعنى اللغوي الأصولي، لان الأدلة فيه متواترة قطعية الدلالة على المراد، لا تحتمل التأويل كما تعرفه. قوله: (أي إلا إذا وهبه) جواب قوله: وأما وأسقط الفاء من جوابها، وهو لا يسقط إلا في
655 ضرورة الشعر كقوله: فأما القتال لا قتال لديكم كما في المغني، وأجاب عن قوله تعالى: * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم) * (سورة آل عمران: الآية 601) بأن الأصل فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف. قال: ورب شئ يصح تبعا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره يصلي عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لا يصح على الصحيح اه. وكذلك الجواب هنا محذوف مع الفاء استغناء عنه بأي المفسرة له. والتقدير: وأما قوله تعالى فمؤول: أي إلا إذا وهبه، على أن الدماميني اختار جواز حذف الفاء في سعة الكلام واستشهد له بالأحاديث والآثار. قوله: (كما حققه الكمال) حيث قال ما حاصله: إن الآية وإن كانت ظاهرة فيما قاله المعتزلة، لكن يحتمل أنها منسوخة أو مقيدة، وقد ثبت ما يوجب المصير إلى ذلك، وهو ما صح عنه (ص) أنه ضحى بكبشين أملحين: أحدهما عنه، والآخر عن أمته فقد روي هذا عن عدة من الصحابة وانتشر مخرجوه، فلا يبعد أن يكون مشهورا يجوز تقييد الكتاب به بما لم يجعله صاحبه لغيره. وروى الدارقطني أن رجلا سأله عليه الصلاة والسلام فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما، فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال (ص): إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صومك وروى أيضا عن علي عنه (ص) قال: من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الاجر بعدد الأموات وعن أنس قال: يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك لهم؟ قال: نعم، إنه ليصل إليهم، وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي له رواه أبو حفص العكبري. وعنه أنه (ص) قال: اقرؤوا على موتاكم يس رواه أبو داود فهذا كله ونحوه مما تركناه خوف الإطالة يبلغ القدر المشترك بينه وهو النفع بعمل الغير مبلغ التواتر، وكذا ما في الكتاب العزيز من الامر بالدعاء للوالدين، ومن الاخبار باستغفار الملائكة للمؤمنين قطعي في حصول النفع، فيخالف ظاهر الآية التي استدلوا بها، إذ ظاهرها أن لا ينفع استغفار أحد لاحد بوجه من الوجوه لأنه ليس من سعيه، فقطعنا بانتفاء إرادة ظاهرها فقيدناها بما لا يهبه العامل، وهذا أولى من النسخ، لأنه أسهل إذا لم يبطل بعد الإرادة، ولأنها من قبيل الاخبار ولا نسخ في الخبر اه. قوله: (أو اللام بمعنى على) جواب آخر، ورده الكمال بأنه يعيد من ظاهر الآية من سياقها فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلا وأكدى اه. وأيضا فإنها تتكرر مع قوله تعالى: * (ألا تزر وازرة وزر أخرى) * (سورة النجم الآية: 83) وأجيب بأجوبة أخرى ذكرها الزيلعي وغيره. منها: النسخ بآية: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * (سورة الطور الآية: 12). وعلمت ما فيه. ومنها: أنها خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما السلام، لأنها حكاية عما في صحفهما. ومنها: أن المراد بالانسان: الكافر. ومنها: أنه ليس من طريق العدل، وله من طريق الفضل. ومنها: أنه ليس له إلا سعيه، لكن قد يكون سعيه بمباشرة أسبابه بتكثير الاخوان وتحصيل الايمان. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث فلا يدل على
656 انقطاع عمل غيره، والكلام فيه. زيلعي. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب كما في البحر. قوله: (ولقد أفصح الزاهدي الخ) حيث قال في المجتبى بعد ذكره عبارة الهداية. قلت: ومذهب أهل العدل والتوحيد أنه ليس له ذلك الخ، فعدل عن الهداية وسمى أهل عقيدته بأهل العدل والتوحيد، لقولهم بوجوب الأصلح على الله تعالى، وأنه لو لم يفعل ذلك لكان جورا منه تعالى ولقولهم بنفي الصفات، وأنه لو كان له صفات قديمة لتعدد القدماء والقديم واحد، وبيان إبطال عقيدتهم الزائغة في كتاب الكلام، وقد نقل كلامه في معراج الدراية وتكفل برده، وكذلك الشيخ مصطفى الرحمتي في حاشيته فقد أطال وأطاب، وأوضح الخطأ من الصواب. قوله: (والله الموفق) لا يخفى على ذوي الأفهام ما فيه من حسن الايهام. مطلب في الفرق بين العبادة والقرب والطاعة قوله: (العبادة) قال الامام اللامشي: العبادة عبارة عن الخضوع والتذلل. وحدها فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى بأمره. والقربة: ما يتقرب به إلى الله تعالى فقط، أو مع الاحسان للناس كبناء الرباط والمسجد. والطاعة: ما يجوز لغير الله تعالى، وهي. موافقة الامر. قال تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (سورة النساء الآية: 95). اه. ملخصا من ط عن أبي السعود. قوله: (كزكاة) أي زكاة مال أو نفس كصدقة الفطر أو أرض كالعشر، ودخل في الكاف النفقات، وأشار إلى أن المراد بالمالية ما كان عبادة محضة، أو عبادة فيها معنى المؤنة، أو مؤنة فيها معنى العبادة كما عرف في الأصول. قوله: (وكفارة) أي بأنواعها من إعتاق وإطعام وكسوة. بحر. قوله: (تقبل النيابة) الأصل فيه أن المقصود من التكاليف الابتلاء والمشقة، وهي في البدنية بإتعاب النفس والجوارح بالافعال المخصوصة، وبفعل نائبه لا تتحقق المشقة على نفسه، فلم تجز النيابة مطلقا إلا عند العجز ولا القدرة، وفي المالية بتنقيص المال المحبوب للنفس بإيصاله إلى الفقير، وهو موجود بفعل النائب. والقياس أن لا تجزئ النيابة في الحج لتضمنه المشقتين البدنية والمالية، والأولى لا يكتفى فيها بالنائب، لكنه تعالى رخص في إسقاطه بتحمل المشقة المالية عند العجز المستمر إلى الموت رحمة وفضلا، بأن تدفع نفقة الحج إلى من يحج عنه. بحر. قوله: (لان العبرة الخ) علة للتعميم وبيان لوجه إنابة الذمي في العبادة المالية المشروط لها النية بأن الشرط نية الأصل دون النائب. قوله: (ولو عند دفع الوكيل) دخل في التعميم ما لو نوى الموكل وقت الدفع إلى الوكيل أو وقت دفع الوكيل إلى الفقراء أو فيما بينهما كما في البحر. وبقي ما لو عزلها ونوى بها الزكاة قبل الدفع إلى الوكيل. وعبارة الشارح تشملها، والظاهر الجواز كما قالوا فيما دفعها في هذه الحالة إلى الفقير بنفسه لوجود النية وقت الدفع حكما. وعليه يمكن دخولها أيضا في البحر وقت الدفع إلى الوكيل. وبقي أيضا ما لو نوى بعد دفع الوكيل إلى الفقير وهي في يد الفقير، والظاهر الجواز، كما
657 قالوا فيما لو دفعها إلى الفقير بنفسه، فافهم. قوله: (وصوم) معنى كونه بدنيا أن فيه ترك أعمال البدن. نهر عن الحواشي السعدية، والأولى أن يقال: إن الصوم إمساك عن المفطرات: أي منع النفس عن تناولها، والمنع من أعمال البدن. قوله: (والمركبة منهما) قال في غاية السروجي وفي المبسوط: جعل المال في الحج شرط الوجوب، فلم يكن الحج مركبا من البدن والمال. قلت: وهو أقرب إلى الصواب، ولهذا لا يشترط المال في حق المكي إذا قدر على المشي إلى عرفات وفي قاضيخان: الحج عبادة بدنية كالصوم والصلاة اه. وكون الحج يشترط له الاستطاعة وهي ملك الزاد والراحلة لا يستلزم أن الحج مركب من المال، لان الشرط غير المشروط، والشئ لا يتركب من شرطه، كما أن صحة الصلاة يشترط لها ستر العورة والمال للطهارة وهما بالمال، ولم يقلب أحد بأنها مركبة من المال اه. كذا ذكره بعض المحشين، وقدمنا جوابه في أول الحج. قوله: (كحج الفرض) أطلقه فشمل الحجة المنذورة كما في البحر، وقيد به نظر الشرط دوام العجز إلى الموت، لان الحج النفل يقبل النيابة من غير اشتراط عجز فضلا عن دوامه كما ستأتي ح. ومن هذا القسم الجهاد لا من قسم البدنية فقط كما توهم، بل هو أولى من الحج، إذ لا بد له من آلة الحرب، أما الحج فقد يكون بلا مال، كحج المكي، وتمام تحقيقه في شرح ابن كمال. قوله: (لأنه فرض العمر) تعليل لاشتراط دوام العجز إلى الموت: أي فيعتبر فيه عجز مستوعب لبقية العمر ليقع به اليأس عن الأداء بالبدن، ابن كمال عن الكافي. فافهم. تنبيه: محل وجوب الإحجاج على العاجز إذا قدر عليه ثم عجز بعد ذلك عند الامام. وعندهما يجب الإحجاج عليه إن كان له مال، ولا يشترط أن يجب عليه وهو صحيح. زيلعي. والحاصل أن من قدر على الحج وهو صحيح، ثم عجز لزمه الإحجاج اتفاقا، أما من لم يملك مالا حتى عجز عن الأداء بنفسه فهو على الخلاف. وأصله أن صحة البدن شرط للوجوب عنده، ولوجوب الأداء عندهما، وقدمنا أول الحج اختلاف التصحيح وأن قول الإمام هو المذهب. قوله: (حتى تلزم الإعادة بزوال العذر) أي العذر الذي يرجى زواله كالحبس والمرض، بخلاف نحو العمى، لاف إعادة لو زال على ما يأتي. قوله: (وبشرط نية الحج عنه) كان ينبغي للمصنف ذكر هذا عند قوله بعده وبشرط الامر لان ما بينهما من تمام الشرط الأول. قوله: (ولو نسي اسمه الخ) ولو أحرم مبهما: أي بأن أحرم بحجة وأطلق النية عن ذكر المحجوج عنه، فله أن يعينه من نفسه أو غيره قبل الشروع في الافعال كما في اللباب وشرحه. وقال في الشرح بعد أن نقل عن الكافي إنه لا نص فيه، وينبغي أن يصح التعيين إجماعا: لا يخفى أن محل الاجماع إذا لم يكن عليه حجة الاسلام، وإلا فلا يجوز له أن يعين غيره، بل ولو عين غيره لوقع عنه عند الشافعي. قوله: (كالحبس والمرض) أشار إلى أنه لا فرق بين كون العذر سماويا أو بصنع العباد.
658 وفي البحر عن التجنيس: وإن أحج لعدو بينه وبين مكة، إن أقام العدو على الطريق حتى مات أجزأه، وإلا فلا اه. ومن العجز الذي يرجى زواله عدم وجود المرأة محرما، فتقعد إلى أن تبلغ وقتا تعجز عن الحج فيه: أي لكبر أو عمى أو زمانة، فحينئذ تبعث من يحج عنها، أما لو بعثت قبل ذلك لا يجوز لتوهم وجود المحرم، إلا إن دام عدم المحرم إلى أن ماتت فيجوز، كالمريض إذا أحج رجلا ودام المرض إلى أن مات كما في البحر وغيره. قوله: (فلا إعادة مطلقا الخ) ظاهر إطلاق المتون اشتراط العجز الدائم أنه لا فرق بين ما يرجى زواله وغيره في لزوم الإعادة بعد زواله، وعليه مشي في الفتح. قال في البحر: وليس بصحيح، بل الحق التفصيل كما صرح به في المحيط والخانية والمعراج اه. وأقره في النهر، وتبعه المصنف، وحققه في الشرنبلالية، ونقل التصريح به عن كافي النسفي. قوله: (ثم عجز) أي بعد فراغ النائب عن الحج، بأن كان وقت الوقوف صحيحا، أما لو عجز قبل فراغ النائب واستمر أجزأه، وقوله: لم يجزه أي، عن الفرض وإن وقع نفلا للآمر، أفاده في البحر. قال الحموي: ومن هنا يؤخذ عدم صحة ما يفعله السلاطين والوزراء من الإحجاج عنهم، لان عجزهم لم يكن مستمرا إلى الموت اه. أو لعدم عجزهم أصلا، والمراد عدم صحته عن الفرض بل يقع نفلا. اه. قلت: لكن قدمنا عن شرح اللباب، عن شمس الاسلام أن السلطان ومن بمعناه من الامراء ملحق بالمحبوس، فيجب الإحجاج في ماله الخالي عن حقوق العباد اه. أي إذا تحقق عجزه بما ذكر ودام إلى الموت. قوله: (وبشرط الامر به) صرح بهذا الشرط في البحر عن البدائع وفي اللباب. قوله: (فلا يجوز) أي لا يقع مجزئا عن حجة الأصل بل يقع عن النائب، فله جعل ثوابه للأصل، وسيأتي توضيح ذلك. قوله: (إلا إذا حج أو أحج الوارث) أي فيجزئه إن شاء الله تعالى كما في البدائع واللباب، وهذا إذا لم يوص المورث، أما لو أوصى بالاحجاج عنه فلا يجزئه تبرع غيره عنه كما يأتي في المتن. ثم اعلم أن التقييد بالوارث يفهم منه أن الأجنبي يخالفه وإلا لزم إلغاء هذا الشرط من أصله، والعجب أنه في اللباب ذكر هذا الشرط وعمم شارحه الوارث وغيره من أهل التبرع وعبارة اللباب وشرحه هكذا الرابع الامر أي بالحج فلا يجوز حج غيره بغير أمره إن أوصى به أي بالحج عنه فإنه إن أوصى بأن يحج عنه فتطوع عنه أجنبي أو وارث لم يجز وإن لم يوص به أي بالاحجاج فتبرع عنه الوارث وكذا من هم أهل التبرع فحج أي الوارث ونحوه بنفسه أي عنه أو أحج عنه غيره جاز والمعنى: جاز عن حجة الاسلام إن شاء الله تعالى كما قاله في الكبير. وحاصله أن ما سبق يحكم بجوازه البتة، وهذا مقيد بالمشيئة. ففي مناسك السروجي: لو مات رجل بعد وجوب الحج ولم يوص فحج رجل عنه أو حج عن أبيه أو أمه عن حجة الاسلام من غير وصية، قال أبو حنيفة: يجزيه إن شاء الله، وبعد الوصية يجزيه
659 من غير المشيئة اه. ثم أعاد في شرح اللباب المسألة في محل آخر وقال: فلو حج عنه الوارث أو أجنبي يجزيه وتسقط عنه حجة الاسلام إن شاء الله تعالى لأنه إيصال للثواب، وهو لا يختص بأحد من قريب أو بعيد على ما صرح به الكرماني والسروجي اه. وسيأتي تمامه. فالظاهر أن في هذا الشرط اختلاف الرواية، وذكر الوارث غير قيد على الرواية الأخرى. (لوجود الامر دلالة) لان الوارث خليفة المورث في ماله فكأنه صار مأمورا بأداء ما عليه، أو لان الميت يأذن بذلك لكل أحد، بناء على ما قلنا من أن الوارث غير قيد. وعلل في البدائع بالنص أيضا. والظاهر أنه أراد به حديث الخثعمية. قوله: (النفقة من مال الآمر الخ) أي المحجوج عنه، ومحترزه قوله الآتي ولو أنفق من مال نفسه الخ ويأتي بيانه. قوله: (وحج المأمور بنفسه) فليس له إحجاج غيره عن الميت وإن مرض ما لم يأذن له بذلك كما يأتي متنا. قوله: (وتعينه إن عينه) هذا يغني عن الشرط الذي قبله. تأمل. والمراد بتعيينه منع حج غيره عنه. قوله: (لم يجز حج غيره) أي وإن مات فلان المذكور، لان الموصي صرح بمنع حج غيره عنه كما أفاده في اللباب وشرحه. قوله: (ولو لم يقل لا غيره) جاز، قال في اللباب وإن لم يصرح بالمنع بأن قال يحج عني فلان فمات فلان وأحجوا عنه غيره جاز. مطلب: شروط الحج عن الغير عشرون قوله: (وأوصلها في اللباب إلى عشرين شرطا) تقدم منها ستة، وذكر الشارح السابع بعد ذلك. والثامن: وجوب الحج، فلو أحج الفقير أو غيره ممن لم يجب عليه الحج عن الفرض لم يجز حج غيره عنه وإن وجب بعد ذلك. التاسع: وجود العذر قبل الإحجاج، فلو أحج صحيح ثم عجز لا يجزيه. العاشر: أن يحج راكبا، فلو حج ماشيا ولو بأمره ضمن النفقة، والمعتبر ركوب أكثر الطريق إلا إن ضاقت النفقة فحج ماشيا جاز. الحادي عشر: أن يحج عنه من وطنه إن اتسع الثلث، وإلا فمن حيث يبلغ كما سيأتي بيانه. الثاني عشر: أن يحرم من الميقات، فلو اعتمر وقد أمره بالحج ثم من مكة لا يجوز ويضمن. وبحث فيه شارحه بما حاصله أنه غير ظاهر، ويتوقف على نقل صريح. قلت: قدمنا الكلام عليه مستوفى قبيل باب الاحرام فراجعه. الثالث عشر: أن لا يفسد حجه. فلو أفسده لم يقع عن الآمر وإن قضاه، وسيأتي بيانه. الرابع عشر: عدم المخالفة، فلو أمره بالافراد فقرن أو تمتع ولو للميت لم يقع عنه ويضمن النفقة كما سيأتي، ولو أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه أو بالحج فحج ثم اعتمر عن نفسه جاز، إلا أنفقة إقامته للحج أو العمرة عن نفسه في ماله، وإذا فرغ عادت في مال الميت وإن عكس لم يجز.
660 الخامس عشر: أن يحرم بحجة واحدة، فلو أهل بحجة عن الآمر ثم بأخرى عن نفسه لم يجز إلا إن رفض الثانية. السادس عشر: أن يفرد الاهلال لواحد لو أمره رجلان بالحج، فلو أهل عنهما ضمن، وسيأتي تمام الكلام عليه. السابع عشر والثامن عشر: إسلام الآمر والمأمور وعقلهما كما سيأتي، فلا يصح من المسلم للكافر ولا من المجنون لغيره ولا عكسه، لكن لو وجب الحج على المجنون قبل طرو جنونه صح الإحجاج عنه. التاسع عشر: تمييز المأمور فلا يصح إحجاج صبي غير مميز، ويصح إحجاج المراهق كما سيأتي. العشرون: عدم الفوات، وسيأتي الكلام عليه. قال في اللباب: وهذه الشرائط كلها في الحج الفرض وأما النفل فلا يشترط فيه شئ منها، إلا الاسلام والعقل والتمييز، وكذا الاستئجار، ولم نجده صريحا في النفل، وجزم به شارحه، لكن هذا مبني على أن الحج لا يقع عن الميت، وفيه ما نذكره بعيده. مطلب في الاستئجار على الحج قوله: (لم يجز حجه عنه) كذا في اللباب، لكن قال شارحه: وفي الكفاية: يقع الحج عن المحجوج عنه في رواية الأصل عن أبي حنيفة اه. وبه كان يقول شمس الأئمة السرخسي وهو المذهب اه. وصرح في الخانية بأن ظاهر الرواية الجواز، لكنه قال أيضا: وللأجير أجر مثله. واستشكله في فتح القدير بما قالوا من أن ما ينفقه المأمور إنما هو على حكم ملك الميت، لأنه لو كان ملكه لكان بالاستئجار، ولا يجوز الاستئجار على الطاعات، فالعبارة المحررة ما في كافي الحاكم: وله نفقة مثله. وزاد إيضاحها في المبسوط فقال: وهذه النفقة ليس يستحقها بطريق العوض بل بطريق الكفاية، لأنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به المستأجر. هذا، وإنما جاز الحج عنه لأنه لما بطلت الإجارة بقي الامر بالحج فتكون له نفقة مثله اه. قلت: وعبارة كافي الحاكم على ما نقله الرحمتي: رجل استأجر رجلا ليحج عنه، قال: لا تجوز الإجارة، وله نفقة مثله. وتجوز حجة الاسلام عن المسجود إذا مات فيه قبل أن يخرج اه. ومثله ما في البحر عن الأسبيجابي: لا يجوز الاستئجار على الحج، فلو دفع إليه الاجر فحج يجوز عن الميت وله من الاجر مقدار نفقة الطريق ويرد الفضل على الورثة، إلا إذا تبرع به الورثة أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج اه ملخصا. والحاصل أن قول الشارح لم يجز حجه عنه خلاف ظاهر الرواية، وأن قول الخانية له أجر مثله يشعر بأن الإجارة فاسدة مع أنها باطلة كالاستئجار على بقية الطاعات. وأجاب بعضهم بأن المراد من أجر المثل نفقة المثل كما عبر في الكافي، وإنما سماها أجرا مجازا، وهذا أحسن مما قيل إنه مبني على مذهب المتأخرين القائلين بجواز الاستئجار على الطاعات، لما علمته مما قدمناه أول
661 الباب من أن المتأخرين لم يطلقوا ذلك، بل أفتوا بجواز الاستئجار على التعليم والاذان والامام للضرروة لا على جميع الطاعات كما أوضحه المصنف في منحه في كتاب الإجارات وإلا لزم الجواز على الصوم والصلاة ولا يقول به أحد ولا ضرورة للاستئجار على الحج، لامكان دفع المال إليه لينفق على نفسه على حكم ملك الميت بطريق النيابة كما علمت التصريح به عن المبسوط والمتون المصرح فيها بجواز الاستئجار على التسليم ونحوه ليذكر فيها جوازه على الحج، بل المصرح به في عامة متون المذهب أنه لا يجوز الاستئجار على الحج كالكنز والوقاية والمجمع والمختار ومواهب الرحمن وغيرها، بل قال العلامة الشرنبلالي في رسالته بلوغ الإرب إنه لم يذكر أحد من مشايخنا جواز الاستئجار على الحج اه. قلت: ولو قيل بجوازه لزم عليه هدم فروع كثيرة: منها ما مر من أن المأمور ينفق على حكم ملك الميت وأنه يجب عليه رد الفضل، واشتراط الانفاق بقدر مال الآمر أو أكثره، وأن الوصي لو دفع المال لوارث ليحج به لا يجوز إلا بإجازة الورثة وهم كبار لأنه كالتبرع بالمال، فلا يجوز للوارث بلا إجازة الباقين كما في الفتح، ولو كان بطريق الاستئجار لم يصح بشئ من هذه الفروع كما أوضحناه في رسالتنا شفاء العليل فافهم. قوله: (ولو أنفق من مال نفسه الخ) قال في الفتح: فإن أنفق الأكثر أو الكل من مال نفسه وفي المال المدفوع إليه وفاء بحجه رجع به فيه، إذ قد يبتلي بالانفاق من مال نفسه لبغتة الحاجة ولا يكون المال حاضرا فجوز ذلك، كالوصي والوكيل يشتري لليتيم والموكل، ويعطي الثمن من مال نفسه ويرجع به في مال اليتيم والموكل اه. قال في البحر: وبهذا علم أن اشتراطهم أن تكون النفقة من مال الآمر للاحتراز عن التبرع لا مطلقا اه. وقال في الخانية: إذا خلط المأمور بالحج النفقة بمال نفسه قال في الكتاب: يضمن، فإن حج وأنفق جاز وبرئ عن الضمان اه. إذا عرفت هذا فقوله وأنفق كله أو أكثره الضميران لمال الآمر، وفيه مضاف مقدر: أي مقدار كله أو مقدار أكثره، وهذا يرجع إلى المسألتين. والمعنى: ولو أنفق المأمور بالحج من مال نفسه وحج وأنفق مقدار كل مال الآمر المدفوع إليه أو مقدار أكثره جاز، وكذا إذا خلط النفقة بماله وحج وأنفق الخ. أفاده ح. وقوله: وبرئ من الضمان أي الحاصل بسبب الخلط على ما علمته، وهذا لو بلا إذن الآمر، بل نقل السائحاني عن الذخيرة: له الخلط بدراهم الرفقة أمر به أو لا للعرف. تنبيه: سنذكر أنه لو أوصى أن يحج عنه بألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك، لان الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل اه. بحر. قلت: وعلى هذا إذا أضاف المال إلى نفسه فليس للمأمور أن يبدله بماله كالوصي إلا أن يفرق بينهما بأن المأمور قد يضطر إلى ذلك على ما مر، فليتأمل. قوله: (وشرط العجز الخ) قد علمت مما قدمناه عن اللباب أن الشروط كلها شروط للحج الفرض دون النفل، فلا يشترط في النفل شئ منها إلا الاسلام والعقل والتمييز، وكذا عدم الاستئجار على ما بيناه. قوله: (لاتساع بابه) أي إنه يتسامح في النفل ما لا يتسامح في الفرض. قال في الفتح: أما الحج النفل فلا يشترط فيه
662 العجز، لأنه لم يجب عليه واحدة من المشقتين: أي مشقة البدن ومشقة المال، فإذا كان له تركهما كان له أن يتحمل إحداهما تقربا إلى ربه عز وجل، فله الاستنابة فيه صحيحا اه. قوله: (على الظاهر من المذهب) كذا في المبسوط، وهو الصحيح كما في كثير من الكتب. بحر. ويشهد بذلك الآثار من السنة وبعض الفروع من المذهب. فتح. قوله: (وقيل عن المأمور نفلا الخ) ذهب إليه عامة المتأخرين كما في الكشف، قالوا: وهو رواية عن محمد، وهو اختلاف لا ثمرة له، لأنهم اتفقوا أن الفرض يسقط عن الآمر لا عن المأمور، وأنه لا بد أن ينويه عن الآمر، وتمامه في (البحر). قلت: وعلى القول بوقوعه عن الآمر لا يخلو المأمور من الثواب، بل ذكر العلامة نوح عن مناسك القاضي: حج الانسان عن غيره أفضل من حجه عن نفسه بعد أن أدى فرض الحج لان نفعه متعد، وهو أفضل من القاصر اه. تأمل. قوله: (كالنفل) مقتضاه أن النفل يقع عن المأمور اتفاقا، وللآمر ثواب النفقة وبه صرح بعض الشراح ومشى عليه في اللباب. ورده الإتقاني في غاية البيان بأنه خلاف الرواية لما قاله الحاكم الشهيد في الكافي: الحج التطوع عن الصحيح جائز، ثم قال: وفي الأصل يكون الحج عن المحج اه. قوله: (لكنه يشترط الخ) استدراك على قوله يقع عن الآمر فإن مقتضاه صحته ولو من غير الأهل ط: أي كما تصح إنابة ذمي في دفع الزكاة قوله: ( لصحة الافعال) عبر بالصحة دون الوجوب ليعم المراهق فإنه أهل للصحة دون الوجوب ط. قوله: (ثم فرع عليه) أي على أن الشرط هو الأهلية دون اشتراط أن يكون المأمور قد حج عن نفسه ودون اشتراط الذكورة والحرية والبلوغ. قوله: (بمهملة) أي بصاد مهملة وبتخفيف الراء. مطلب في حج الصرورة قوله: (من لم يحج) كذا في القاموس. وفي الفتح: والصرورة يراد به الذي لم يحج عن نفسه اه. أي حجة الاسلام، لان هذا الذي فيه خلاف الشافعي، فهو أعم من المعنى اللغوي، فكان ينبغي للشارح ذكره، لأنه يشمل من لم يحج أصلا، ومن حج عن غيره أو عن نفسه نفلا أو نذرا أو فرضا فاسدا أو صحيحا ثم ارتد ثم أسلم بعده كما أفاده ح. قوله: (وغيرهم أولى لعدم الخلاف) أي خلاف الشافعي فإنه لا يجوز حجهم كما في الزيلعي ح. ولا يخفى أن التعليل يفيد أن الكراهة تنزيهية، لان مراعاة الخلاف مستحبة، فافهم. وعلل في الفتح الكراهة في المرأة بما في المبسوط من أن حجها أنقص، إذ لا رمل عليها، ولا سعي في بطن الوادي، ولا رفع صوت بالتلبية، ولا حلق، وفي العبد بما في البدائع من أنه ليس أهلا لأداء الفرض عن نفسه، وأطلق في صحة إحجاج العبد، فشمل ما إذا كان بإذن مولاه أو بغير إذنه كما صرح به في المعراج، فافهم. وقال في الفتح أيضا: والأفضل أن يكون قد حج عن نفسه حجة الاسلام خروجا عن الخلاف، ثم قال: والأفضل إحجاج الحر العالم بالمناسك الذي حج عن نفسه. وذكر في البدائع كراهة إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج. ثم قال في الفتح بعد ما أطال الاستدلال: والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة
663 عن غيره إن كان بعد تحقق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة فهو مكروه كراهة تحريم، لأنه تضيق عليه في أول سني الإمكان فيأثم بتركه، وكذا لو تنفل لنفسه، ومع ذلك يصح لان النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره وهو الفوات، إذ الموت في سنة غير نادر اه. قال في البحر: والحق أنها تنزيهية على الآمر لقولهم: والأفضل الخ، تحريمية على الصرورة المأمور الذي اجتمعت فيه شروط الحج ولم يحج عن نفسه، لأنه أثم بالتأخير اه. قلت: وهذا لا ينافي كلام الفتح لأنه في المأمور، ويحمل كلام الشارح على الآمر، فيوافق ما في البحر) من أن الكراهة في حقه تنزيهية وإن كانت في حق المأمور تحريمية. تنبيه: قال في نهج النجاة لابن حمزة النقيب بعد ما ذكر كلام البحر المار: أقول وظاهره يفيد أن الصرورة الفقير لا يجب عليه الحج بدخول مكة، وظاهر كلام البدائع بإطلاقه الكراهة: أي في قوله: يكره إحجاج الصرورة لأنه تارك فرض الحج يفيد أنه يصير بدخول مكة قادرا على الحج عن نفسه وإن كان وقته مشغولا بالحج عن الآمر وهي واقعة الفتوى، فليتأمل اه. قلت: وقد أفتى بالوجوب مفتي دار السلطنة العلامة أبو السعود، وتبعه في سكب الأنهر، وكذا أفتى به السيد أحمد بادشاه، وألف فيه رسالة. وأفتى سيدي عبد الغني النابلسي بخلافه وألف فيه رسالة، لأنه في هذا العام لا يمكنه الحج عن نفسه لان سفره بمال الآمر، فيحرم عن الآمر ويحج عنه، وفي تكليفه بالإقامة بمكة إلى قابل ليحج عن نفسه ويترك عياله ببلده حرج عظيم، وكذا في تكليفه بالعود وهو فقير حرج عظيم أيضا. وأما ما في البدائع فإطلاقه الكراهة المنصرفة إلى التحريم يقتضي أن كلامه في الصرورة الذي تحقق الوجوب عليه من قبل كما يفيده ما مر عن الفتح، نعم قدمنا أول الحج عن اللباب وشرحه أن الفقير الآفاقي إذا وصل إلى ميقات فهو كالمكي في أنه إن قدر على المشي لزمه الحج ولا ينوي النفل على زعم أنه فقير لأنه ما كان واجبا عليه وهو آفاقي، فلما صار كالمكي وجب عليه، حتى لو نواه نفلا لزمه الحج ثانيا اه. لكن هذا لا يدل على أن الصرورة الفقير كذلك، لان قدرته بقدرة غيره كما قلنا، وهي غير معتبرة، بخلاف ما لو خرج ليحج عن نفسه وهو فقير، فإنه عند وصوله إلى الميقات صار قادرا بقدرة نفسه فيجب عليه وإن كان سفره تطوعا ابتداء، ولو كان الصرورة الفقير مثله لما صح تقييد ابن الهمام كراهة التحريم بما إذا كان حجه عن الغير بعد تحقق الوجوب عليه، وتعليله للكراهة بأنه تضيق الوجوب عليه، فليتأمل. قوله: (لا يصح) أي لعدم الأهلية المذكورة. قوله: (وإذا مرض) أي عرض له مانع من ذهابه كمرض وحبس وشمل ما لو عليه الآمر أو لا. قوله: (عن الميت) أي عن المحجوج عنه حيا أو ميتا. قوله: (إلا إذا أذن له) بالبناء للمجهول ليناسب ما بعده، ويشمل ما لو أذن له الميت أو وصيه ولم يكن عينه الميت بمنع إحجاج غيره كما مر. قوله: (خرج المكلف الخ) أما إذا لم يخرج وأوصى بأن يحج عنه وأطلق: أي لم يعين مالا
664 ولا مكانا فإنه يحج عنه من ثلث ماله من بلده إن بلغ الثلث، لان الواجب عليه الحج من بلده الذي يسكنه، وإلا فمن حيث يبلغ، وإن لم يكن من مكان بطلت الوصية كما في اللباب، قال شارحه: ولعل المكان مقيد بما قبل المواقيت، وإلا فبأدنى شئ يمكن أن يحج عنه من مكة، وكذا الحكم إذا أوصى أن يحج عنه بمال وسمى مبلغه، فإنه إن كان يبلغ من بلده فمنها، وإلا فمن حيث يبلغ اه. واحترز بالمكلف عن غيره كالصبي والمجنون فإن وصيته لا تعتبر. واحترز بقوله إلى الحج عما لو خرج للتجارة ونحوها وأوصى فإنه يحج عنه من وطنه إجماعا كما في المعراج وغيره، وقيد بخروجه بنفسه لأنه لو أمر غيره ومات المأمور في الطريق فسيذكر تفصيله بعد. قوله: (ومات في الطريق) أراد به موته قبل الوقوف بعرفة ولو كان بمكة بحر. وفي التجنيس: إذا مات بعد الوقوف بعرفة أجزأ عن الميت، لان الحج عرفة بالنص، وقدمنا عند الكلام على فرض الحج أن الحاج عن نفسه إذا أوصى بإتمام الحج تجب بدنة. قوله: (إنما تجب الوصية به الخ) كذا في التجنيس. قال الكمال: وهو قيد حسن. شرنبلالية. قوله: (فالامر عليه) أي الشأن مبني على ما فسره: أي عينه، فإن فسر المال يحج عنه من حيث يبلغ وإن فسر المكان يحج عنه منه ح. قلت: والظاهر أنه يجب عليه أن يوصي بما يبلغ من بلده إن كان في الثلث سعة، فلو أوصى لما دون ذلك أو عين مكانا دون بلده يأثم لما علمت أن الواجب عليه الحج من بلد يسكنه. قوله: (من بلده) فلو كان له أوطان فمن أقربها إلى مكة، وإن لم يكن له وطن فمن حيث مات، ولو أوصى خراساني بمكة أو مكي بالري يحج عنهما من وطنهما، ولو أوصى المكي، أي الذي مات بالري أن يقرن عنه يقرن عنه من الري لباب: أي لأنه لا قران لمن بمكة. مطلب: العمل على القياس دون الاستحسان هنا قوله: (قياسا لا استحسانا) الأول قول الإمام، والثاني قولهما، وأخر دليله في الهداية فيحتمل أنه مختار له، لان المأخوذ به في عامة الصور الاستحسان. عناية. وقواه في المعراج، لكن المتون على الأول، وذكر تصحيحه العلامة قاسم في كتاب الوصايا، فهو مما قدم فيه القياس على الاستحسان وإليه أشار بقوله: فليحفظ. قوله: (فلو أحج الوصي عنه من غيره أي من غير بلده فيما إذا وجب الإحجاج من بلده لم يصح ويضمن ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا، لأنه خالف، إلا أن يكون ذلك المكان قريبا من بلده بحيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل كما في اللباب والبحر. قوله: (ثلثه) أي ثلث مال الموصي، فإن بلغ الثلث الإحجاج راكبا فأحج ماشيا لم يجز، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده، قال محمد: يحج عنه من حيث بلغ راكبا. وعن الامام أنه يخير بينهما. وأما إن كان الثلث يكفي لأكثر من حجة، فإن عين الميت حجة واحدة فالفاضل للورثة، وإن أطلق أحج عنه في كل سنة حجة واحدة أو أحج في سنة حججا، وهو الأفضل تعجيلا
665 لتنفيذ الوصية لأنه ربما يهلك المال، وإن عين الميت في كل سنة حجة فهو كافطلاق، كما لو أمر الوصي رجلا بالحج السنة فأخره إلى القابلة جاز عن الميت ولا يضمن، لان ذكر السنة للاستعجال لا للتقيد. بحر. قلت: ومثل الثلث ما لو قال أحجوا عني بألف، وبالألف يبلغ حججا كما في اللباب وشرحه. قوله: (وإن لم يف فمن حيث يبلغ) لكن لو أحج عنه من حيث يبلغ وفضل من الثلث وتبين أنه يبلغ من موضع أبعد منه يضمن الوصي ويحج عن الميت من حيث يبلغ، إلا أن يكون الفاضل شيئا يسيرا من زاد أو كسوة فلا يضمن. شرح اللباب. ونقله في الفتح عن البدائع. قوله: (ووارثه الأولى العطف بأو كما فعل في اللباب، لأنه لو كان وصى فلا كلام للوارث في الوصية، نعم لو كان الميت هو الذي دفع للمأمور ثم مات كان للوارث استرداد ما في يد المأمور، وإن أحرم كما سيأتي في الفروع: أي ولو مع وجود الوصي لان الباقي صار ميراثا لكون الميت لم يوص به. قوله: (ما لم يحرم) فلو أحرم ليس له الاسترداد، والمحرم يمضي في إحرامه، وبعد فراغه من الحج ليس له استرداده حتى يرجع إلى أهله، وإن أحرم حين أراد الاخذ فله أن يأخذه ويكون إحرامه تطوعا عن الميت. شرح اللباب عن خزانة الأكمل. قوله: (وإلا) يعني بأن رده لعلة غير الخيانة كضعف رأي فيه أو جهل بالمناسك، أما لو بلا علة فالنفقة في مال الدافع. قال في البحر: إن استرد بخيانة ظهرت منه: أي من المأمور فالنفقة في ماله خاصة وإن استرد لا بخيانة ولا تهمة فالنفقة على الوصي في ماله خاصة، وإن استرد لضعف رأي فيه أو لجهله بأمور المناسك فأراد الدفع إلى أصلح منه فنفقته في مال الميت لأنه استرد لمنفعة الميت اه. أفاده ح. قوله: (أوصى بحج الخ) قيد بالوصية لأنه لو كان لم يوص فتبرع عنه الوارث بالحج أو الإحجاج يصح كما قدمه المصنف: أي يصح عن الميت عن حجة الاسلام إن شاء الله تعالى كما قدمناه. ونقل ط عن الولوالجية أن التعليق بالمشيئة على القبول لا على الجواز، وقدمنا أيضا عن شرح اللباب أن الوارث غير قيد، فإذا لم يوص بجزئه تبرع الوارث والأجنبي عنه، وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (فتطوع عنه رجل) أطلق الرجل المتطوع فشمل الوارث، وبه صرح قاضيخان بقوله: الميت إذا أوصى بأن يحج عنه بماله فتبرع عنه الوارث أو الأجنبي: لا يجوز اه. قلت: يعني لا يجوز عن فرض الميت، وإلا فله ثواب ذلك الحج. ح عن الشرنبلالية. ولهذا قال المصنف: لم يجزه من الاجزاء، لكن سيأتي ما يدل على أن الثواب إنما يحصل للميت إذا جعله له الحاج بعد الأداء. قوله: (وإن أمره الميت) أي إن الميت إذا أوصى بالاحجاج عنه وأمر أن يحج عنه زيد فحج عنه زيد من مال نفسه لم يجز عن الميت للعلة المذكورة، فافهم. قوله: (لكن لو حج عنه ابنه) أي مثلا، وإلا فكذا حكم بقية الورثة. شرح اللباب. قلت: بل الوصي كذلك كما يفيده ما يأتي قريبا عن عمدة الفتاوى. ثم إن هذا استدراك على إطلاق الرجل في قوله: فتطوع عنه رجل بأن الوارث أو الوصي يخالف الأجنبي في أنه لو تطوع من وجه بأن أنفق من ماله ليرجع في التركة جاز، بخلاف الأجنبي، لان الوارث خليفة عن الميت، ولذا
666 لو قضى الدين من مال نفسه ليرجع جاز. قال في البحر: ولو حج على أن لا يرجع فإنه لا يجوز عن الميت لأنه لم يحصل مقصود الميت وهو ثواب الانفاق اه. قلت: وقدمنا أن الوارث ليس له الحج بمال الميت إلا أن تجيز الورثة وهم كبار، لان هذا مثل التبرع بالمال، فالظاهر تقييد حج الوارث هنا بذلك أيضا. تأمل. قوله: (إن لم يقل من مالي) في البحر عن آخر عمدة الفتاوى للصدر الشهيد: لو أوصى بأن يحج عنه بألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع ليس له ذلك، لان الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل اه قوله: (وكذا لو أحج لا ليرجع) أي إنه يجوز. واستفيد منه أنه لو أحج ليرجع أنه يجوز بالأولى، وقد نص عليهما في الخانية حيث قال: إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه فأحج الوارث رجلا من مال نفسه ليرجع في مال الميت جاز، وله أن يرجع في مال الميت، وكذا الزكاة والكفارة، ولو فعل ذلك الأجنبي لا يرجع، ولا أوصى بأن يحج عنه فأحج الوارث من مال نفسه لا ليرجع عليه جاز للميت عن حجة الاسلام اه. قال في شرح اللباب بعد نقله: وفيه بحث لا يخفى اه. أي لما مر من أنه يشترط في الحج عن الغير إذا كان بوصية الانفاق من مال المحجوج عنه احترازا عن التبرع كما مر بيانه، فتجويزه فيما لو أحج من ماله لا ليرجع مخالف لذلك، ولذا لم يجز فيما لو حج الوارث بنفسه لا ليرجع، ولا يظهر فرق بينهما، لما علمت من أن مقصود الميت بالوصية ثواب الانفاق من ماله، وهو حاصل فيما لو حج الوارث أو أحج عنه ليرجع دون ما إذا أنفق لا ليرجع فيهما. واستشكل ذلك في (الشرنبلالية) أيضا، والتفرقة بأنه في الإحجاج قام الوارث مقام الميت في دفع المال، فكأن المأمور أنفق من مال الميت، بخلاف ما إذا حج الوارث بنفسه فإنه لم يحصل منه دفع المال، بل ما حصل منه إلا مجرد الافعال، فلم يجز ما لم ينو الرجوع في ماله غير ظاهرة، لان حجه بنفسه لا بد له من النفقة أيضا، فافهم. قوله: (ومن حج) أي أهل بحج لأنه يصير مخالفا بمجرد الاهلال بلا توقف على الأعمال. أفاده ح. قلت: أي في صورة المتن وإلا فقد لا يصير مخالفا إلا بالشروع كما سيظهر لك. قوله: (عن آمريه) أي لو كانا أبويه أو أجنبيين كما صرح به في الفتح، فقوله في البحر: شمل الأبوين وسيأتي إخراجهما، فيه نظر، لان الآتي في الاحرام عنهما بغير أمرهما، والكلام هنا في الاحرام عن الآمرين، فافهم. قوله: (وقع عنه) أي عن المأمور نفلا، ولا يجزئه عن حجة الاسلام. بحر ونهر. وفيه نظر يأتي قريبا. قوله: (لأنه خالفهما) علة لوقوعه عنه وللضمان: أي لان كل واحد إنما أمره أن يخلص النفقة له، وقد صرفها لحج نفسه لأنه لا يمكنه إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية. قوله: (وينبغي صحة التعيين لو أطلق) أي كما لو قال لبيك بحجة وسكت. قال الزيلعي: وإن أطلق، بأن سكت عن ذكر المحجوج عنه معينا ومبهما، قال في الكافي: لا نص فيه، وينبغي أن يصح التعيين هنا إجماعا لعدم المخالفة اه. وقوله وينبغي أن يصح التعيين
667 أي تعيين أحد آمريه قبل الطواف والوقوف كما في مسألة الابهام، وقوله إجماعا قال شيخنا: ينبغي أن يجري فيه خلاف أبي يوسف الآتي في مسألة الابهام لجريان علته هنا أيضا ح. قوله: (ولو أبهمه) بأن قال لبيك بحجة عن أحد آمري ح. قوله: (قبل الطواف) المراد به طواف القدوم كما قال أبو حنيفة، فيما لو جمع بين إحرامين لحجتين ثم شرع في طواف القدوم ارتفضت إحداهما. فإن قلت: ذكر الوقوف مستدرك. قلت: يمكن أن لا يطوف للقدوم فيكون الوقوف حينئذ هو المعتبر اه. ح. قوله: (جاز) أي عندهما. وقال أبو يوسف: بل وقع ذلك عن نفسه بلا توقف وضمن نفقتهما وهو القياس، لان كل واحد منهما أمره بتعين الحج له، فإذا لم يعين فقد خالف. وجه قولهما وهو الاستحسان أن هذا إبهام في الاحرام، والإحرم ليس بمقصود، وإنما هو وسيلة إلى الافعال، والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين فاكتفى به شرطا. ح عن الزيلعي. قلت: والحاصل أن صور الابهام أربعة: أن يهل بحجة عنهما وهي مسألة المتن، أو عن أحدهما على الابهام، أو يهل بحجة ويطلق، والرابعة أن يحرم عن أحدهما معينا بلا تعيين لما أحرم به من حج أو عمرة، ولم يذكر الشارح الرابعة لجوازها بلا خلاف كما في الفتح. وقد ذكر في الفتح أن مبنى الجواب في هذه الصور على أنه إذا وقع المأمور لا يتحول بعد ذلك إلى الآمر، وأنه بعد ما صرف نفقة الآمر إلى نفسه ذاهبا إلى الوجه الذي أخذ النفقة له، لا ينصرف الاحرام إلى نفسه إلا إذا تحققت المخالفة أو عجز شرعا عن التعيين. ففي الصورة الأولى من الصور الأربع: تحققت المخالفة والعجز عن التعيين، ولا ترد مسألة الأبوين الآتية لأنها بدون الآمر كما يأتي، فلا تتحقق المخالفة في ترك التعيين، ويمكنه التعيين في الانتهاء لان حقيقته جعل الثواب، ولذا لو أمره أبواه بالحج كان الحكم كما في الأجنبيين. وفي الصورة الثانية من الأربع: لم تتحقق المخالفة بمجرد الاحرام قبل الشروع في الأعمال، ولا يمكن صرف الحجة له لأنه أخرجها عن نفسه بجعلها لاحد الآمرين فلا تنصرف إليه إلا إذا وجد تحقق المخالفة أو العجز عن التعيين ولم يتحقق ذلك لأنه يمكنه التعيين إلا إذا شرع في الأعمال ولو شوطا، لان الأعمال لا تقع لغير معين فتقع عنه ثم لا يمكنه تحويلها إلى غيره، وإنما له تحويل الثواب فقط، ولولا النص لم يتحول الثواب أيضا. وفي الصورة الثالثة: لا خفاء أنه ليس فيها مخالفة لاحد الآمرين ولا تعذر التعيين ولا تقع عن نفسه لما قدمناه. وأما الرابعة: فأظهر الكل. اه ما في الفتح ملخصا. وأنت خبير بأن ما قرره في الصورة الثانية صريح في أنه إذا شرع في الأعمال قبل تعيين أحد الآمرين وقعت الحجة عن نفسه لتحقق المخالفة والعجز عن التعيين، وكذا تقع عن نفسه بالأولى في الصورة الأولى. والظاهر أنها تجزئه عن حجة الاسلام لأنها تصح بالتعيين وبالاطلاق، بخلاف ما لو نوى بها النفل والمأمور إن كان صرفها عن نفسه بجعلها للآمرين أو لأحدهما، لكن لما تحققت المخالفة بطل ذلك الصرف وإلا لم تقع عن نفسه أصلا، فيكون حينئذ كما لو أحرم عن نفسه ابتداء ولم ينو النفل فتقع عن حجة الاسلام، ولذا قال في الفتح أيضا فيما لو أمره بالحج فقرن معه عمرة لنفسه: لا يجوز ويضمن اتفاقا. ثم قال: ولا
668 تقع عن حجة الاسلام عن نفسه، لان أقل ما تقع بإطلاق النية وهو قد صرفها عنه في النية وفي نظر. اه. كلامه. والظاهر أن وجه النظر ما قررناه من أنه حيث تحققت المخالفة، ووقعت عن نفسه بطل صرف النية فتجزئه عن حجة الاسلام، فقوله في البحر فيما مر: تقع عن المأمور نفلا ولا تجزئه عن حجة الاسلام، فيه نظر، وقد صرح الباقاني في شرح الملتقى، وتبعه الشارح في شرحه عليه أيضا بأنه يخرج بها عن حجة الاسلام، فهذا ما تحرر لي، فافهم والسلام. قوله: (بخلاف ما لو أهل الخ) مرتبط بقوله: ومن حج عن آمريه وقوله: جاز جملة مستأنفة لبيان جهة المخالفة بين المسألتين، فإنه في الأولى لا يجوز والثانية بخلافها، لكن الجواز هنا مشروط بما إذا لم يأمره بالحج، وقوله: عن أبويه أو غيرهما تنبيه على أن ذكر الأبوين في الكنز وغيره ليس بقيد احترازي، وإنما فائدته الإشارة إلى أن الولد يندب له ذلك جدا كما في النهر، وبه علم أن التقييد بالأبوين في هذه المسألة لا يدل على أن المراد بالآمرين في التي قبلها الأجنبيان، بل الأبوان إذا أمراه فحكمهما كالأجنبيين كما قدمناه عن الفتح، فظهر أنه لا فرق بين الأبوين والأجنبيين في المسألتين وإنما العبرة للامر وعدمه: أي صريحا كما يظهر قريبا، فإذا أحرم بحجة عن اثنين أمره كل منهما بأن يحج عنه وقع عنه ولا يقدر على جعله لأحدهما، وإن أحرم عنهما بغير أمرهما صح جعله لأحدهما أو لكل منهما، وكذا لو أحرم عن أحدهما مبهما يصح تعيينه بعد ذلك بالأولى كما في الفتح، قال: ومبناه على أن نيته لهما تلغو لعدم الامر، فهو متبرع فتقع الأعمال عنه البتة. وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء فتلغو نيته قبله، فيصح جعله بعد ذلك لأحدهما أو لهما. ولا أشكال في ذلك إذ كان متنفلا عنهما، فإن كان على أحدهما حج الفرض وأوصى به لا يسقط عنه بتبرع الوارث عنه بمال نفسه، وإن لم يوص به فتبرع الوارث عوه بالاحجاج أو الحج بنفسه، قال أبو حنيفة: يجزيه إن شاء الله تعالى لقوله (ص) للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين الحديث انتهى. وبهذا ظهر فائدة أخرى للتقييد بالأبوين في هذه المسألة، وهي سقوط الفرض عن الذي عينه له بعد الابهام لو بدون وصية، لكن يشكل عليه أنه إذا لغت نيته لهما لعدم الامر ووقعت الأعمال عنه البتة كيف يصح تحويلها إلى أحدهما؟ وقد مر أن الحج إذا وقع عن المأمور لا يمكن تحويله بعد ذلك إلى الآمر، نعم يمكن تحويل الثواب فقط للنص كما مر، ولهذا والله أعلم قال في الفتح: ولا إشكال في ذلك إذا كان متنفلا عنهما: أي لان غاية حال المتنفل أن يجعل ثواب عمله لغيره وهو صحيح. أما وقوع عمله عن فرض الغير بغير أمره فهو مشكل. والجواب ما مر في كلام الشارح من أن الوارث إذا حج أو أحج عن مورثه جاز لوجود الامر دلالة: أي فكأنه مأمور من جهته بذلك، وعليه فتقع الأعمال عن الميت لا عن العامل، فقوله في الفتح: ومبناه على أن نيته لهما تلغو الخ، مخصوص بما إذا لم يكن عليهما فرض لم يوصيا به، وقدمنا عن البدائع تعليله بالنص أيضا وهو ما علمته من حديث الخثعمية، وبهذا فارق الوارث الأجنبي، لكن قدمنا عن شرح اللباب عن الكرماني والسروجي أن الأجنبي كذلك، نعم هذا مخالف لاشتراط الامر في الحج عن الغير، والأجنبي غير مأمور لا صريحا ولا دلالة، وقدمنا الجواب بأنه مبني على اختلاف الرواية في هذا الشرط والمشهور اشتراطه، وحيث علم وجوده في الوارث دلالة ظهر لاقتصار الكنز وغيره على الأبوين. فائدة ثالثة، وهي أن الامر دلالة ليس له حكم الامر حقيقة من كل وجه لما علمت من أن
669 الأبوين لو أمراه حقيقة لم يصح تعيين أحدهما بعد الابهام كما في الأجنبيين، وإن لم يأمراه صريحا صح التعيين، ولو فرضوا المسألة ابتداء في الأجنبيين لتوهم أن الأبوين لا يصح تعيين أحدهما لوجود الامر دلالة ففرضوها في الأبوين لإفادة صحة التعيين وإن وجد الامر دلالة، وليفيدوا أن المراد بالامر في المسألة الأولى الامر صريحا، والله أعلم. تنبيه: الذي تحصل لنمن مجموع ما قررناه أن من أهل بحجة عن شخصين، فإن أمراه بالحج وقع حجه عن نفسه البتة، وإن عين أحدهما بعد ذلك، وله بعد الفراغ جعل ثوابه لهما أو لأحدهما وإن لم يأمراه فكذلك، إلا إذا كان وارثا وكان على الميت حج الفرض ولم يوص به فيقع عن الميت حجة الاسلام للامر دلالة وللنص بخلاف ما إذا أوصى به لان غرضه ثوا ب الانفاق من ماله، فلا يصح تبرع الوارث عنه، وبخلاف الأجنبي مطلقا لعدم الامر. قوله: (لأنه متبرع بالثواب) بيان لوجه صحة التعيين في مسألة الأبوين دون مسألة الآمر، وهو معنى ما قدمناه من قوله في الفتح: ومبناه على أن نيته لهما تلغى لعدم الامر فهو متبرع الخ. قال في الشرنبلالية: قلت: وتعليل المسألة يفيد وقوع الحج عن الفاعل، فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره، ويفيد ذلك الأحاديث التي رواها في الفتح بقوله: اعلم أن فعل الولد ذلك مندوب إليه جدا. لما أخرج الدارقطني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عنه (ص) لمن حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار. وأخرج أيضا عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال: من حج عن أبيه وأمه فقد قضى عنه حجته، وكان له فضل عشر حجج. وأخرج أيضا عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما، وكتب عند الله برا اه. أقول: قد علمت مما قررناه أنه إذا حج الوارث عنهما وعلى أحدهما فرض لم يوص به يقع عن الميت لسقوط الفرض عنه بذلك إن شاء الله تعالى. وحينئذ فكيف يصح دعوى سقوط الفرض به عن الفاعل أيضا وقد صرفه إلى غيره وأجزنا صرفه، نعم يظهر ذلك فيما إذا كان على أحدهما فرض أو وصي به أو لم يكن عليه فرض أصلا، ويدل على ذلك قوله في الفتح: وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء، ومثله قول قاضيخان في شرح الجامع: وإنما يجعل ثواب فعله لهما، وهو جائز عندنا وجعل ثواب حجه لغيره لا يكون إلا بعد أداء الحج، فبطلت نيته في الاحرام، فكان له أن يجعل الثواب لأيهما شاء اه. فهذا صريح في أن النية لم تقع لهما، وأن الأعمال وقعت له، فله جعل ثوابها لمن شاء بعد الأداء، فيمكن ادعاء سقوط الفرض عن الفاعل بذلك كما حررناه في مسألة الحج عن الآمرين، وبه يعلم جواز جعل لانسان ثواب فرضه لغيره كما ذكرناه أول الباب. وأما إذا كان على الميت فرض لم يوص به وسقط به فرض الميت يلزم منه وقوع النية والأعمال له لا للفاعل، إلا أن يقال إن الأعمال تقع للعامل هنا أيضا كما هو مقتضى إطلاق عبارة الفتح وقاضيخان وغيرهما، ولكن يسقط بها الفرض عن الميت فضلا من الله تعالى عملا بالنص، وهو حديث الخثعمية وإن خالف القياس، ولذا علقه أبو حنيفة بالمشيئة، ويسقط بها الفرض عن الفاعل أيضا أخذا من الأحاديث المذكورة، ولذا كان الوارث مخالفا لحكم الأجنبي في ذلك.
670 فإن قلت: ما مر من تعليل جواز حج الوارث بوجود الامر دلالة يقتضي وقوع الأعمال عن الميت، لأنه لو أمره صريحا وقعت عنه بلا شبهة، فخالف ما اقتضاه إطلاق الفتح وغيره. وحينئذ فلا يمكن سقوط فرض العامل بذلك أيضا. قلت قد علمت أن الامر دلالة ليس كالأمر صريحا من كل وجه، ولذا صح تعيين أحد أبويه بعد الابهام، ولو أمره صريحا لم يصح كالأجنبيين كما قدمنا، فلو اقتضى الامر دلالة وقوع الأعمال عن الميت لم يصح التعيين فقلنا بوقوع الأعمال للعامل، وكذا فيسقط فرضه بها، وكذا يسقط فرض الأب أو الام عملا بالأحاديث المذكورة، والله أعلم. هذا غاية ما وصل إليه فهمي القاصر في تحرير هذه المواضع المشكلة التي لم أر من أوضحها هذا الايضاح، ولله الحمد. قوله: (وفي الحديث) كلامه يوهم أن هذا الحديث واحد مع أنه مأخوذ من حديثين كما علمت مع تغيير بعض اللفظ بناء على الصحيح من جواز رواية الحديث بالمعنى للعارف اه ح. قوله: (لا غير) أي لا غير دم الاحصار من باقي الدماء الثلاثة، وهو ذم الشكر في القران والتمتع ودم الجناية. قوله: (على الآمر) هذا عندهما وعليه المتون، وعند أبي يوسف: على المأمور. قوله: (قيل من الثلث) لان الوصية بالحج تنفذ من الثلث، وهذا من توابع الوصية، وقيل من الكل لأنه دين وجب حقا للمأمور على الميت فيقضى من جميع ماله، كما لو أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه فباعه الوصي وضاع الثمن من يده ثم استحق العبد فإن المشتري يرجع بالثمن على الوصي، ويرجع الوصي في قول أبي حنيفة الأخير في جميع التركة من شرح الجامع لقاضيخان، واستوجه ط الأول والرحمتي الثاني. قوله: (ثم إن فاته الخ) أي فات المأمور المعلوم من المقام، وأطلق ألفوا ت فشمل ما يكون بسبب الاحصار وغيره، فإن الاحصار يمكن أن يكون بتقصير منه كأن تناول دواء ممرضا قصدا حتى أحصره. أفاده ح. هذا، وقد صرحوا بأن عليه الحج من قابل بمال نفسه كفائت الحج كما في البحر. ثم قال: ولم يصرحوا بأنه في الاحصار والفوات إذا قضى الحج، هل يكون عن الآمر أو يقع المأمور، وإذا كان للآمر فهل يجبر على الحج من قابل بمال نفسه؟ اه. أقول: قال في البدائع: فإن فاته الحج يصنع ما يصنعه فائت الحج بعد شروعه، ولا يضمن النفقة لأنه فاته بغير صنعه، وعليه في نفسه الحج من قابل، لان الحجة قد وجبت عليه بالشروع فلزمه قضاؤها وهذا على قول محمد ظاهر، لان الحج عنده يقع عن الحاج اه. ونقله في النهر عن السراج، ثم قال: وعلى قول غير محمد من أنه يقع عن الآمر ينبغي أن يكون القضاء عن الآمر وتلزمه النفقة اه. ويؤيده أنه صرح في اللباب بأنه إن فاته بآفة سماوية لم يضمن ويستأنف الحج عن الميت: أي بناء على قول غير محمد. فعلم أن على قول محمد عليه الحج عن نفسه، وعلى قول غيره عن الميت. وظاهره أنه يجب عليه من ماله، لكن في التاترخانية عن المتنقى قال محمد: يحج
671 عن الميت من بلده إذا بلغت النفقة نفسه ولا ضمان عليه فيما أنفق ولا نفقة له بعد الفوات عن الميت من ماله وعلى المأمور حج آخر قضاء لما شرع ويخالفه ما في التاترخانية أيضا عن التهذيب. قال أبو يوسف: إذا فسد حجه قبل الوقوف عليه ضمان النفقة، وعليه الحج الذي أفسده وعمرة وحجة للآمر، ولو فاته الحج لا يضمن لأنه أمين، وعليه قضاء الفائت وحج عن الآمر اه. فإن قوله: وعليه قضاء الفائت الخ، يقتضي أن عليه الحجتين من ماله إلا أن يكون قوله: وحج عن الآمر، بضم أوله مبنيا للمفعول: أي وعلى الورثة الإحجاج من ماله. ثم إن الظاهر أن هذا من مقول أبي يوسف، فينافي ما مر عن النهر، فليتأمل، وسيأتي بقية الكلام عليه. وقوله: (والجناية) أطلقه فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد والحلق ولبس المخيط والطيب والمجاوزة بغير إحرام. بحر. قوله: (على الحج) أي المأمور. أما الأول فلانه وجب شكرا على الجمع بين النسكين وحقيقة الفعل منه، وإن كان الحج يقع عن الآمر لأنه وقوع شرعي لا حقيقي. وأما الثاني فباعتبار أنه تعلق بجنايته. أفاده في البحر. قوله: (فيصير مخالفا) هذا قول أبي حنيفة. ووجهه أنه لم يأت بالمأمور به لأنه أمره بسفر يصرفه إلى الحج لا غير، فقد خالف أمر الآمر فضمن. بدائع. زاد في المحيط: لأن العمرة لا تقع عن الآمر لأنه ما أمره بها فصار كأنه حج عنه واعتمر لنفسه فيصير مخالفا، ولو أمره بالحج فاعتمر ثم حج من مكة فهو مخالفة لأنه مأمور بحج ميقاتي، ولو أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه لم يكن مخالفا، بخلاف ما إذا حج أولا ثم اعتمر اه. وانظر ما قدمناه قبيل باب الاحرام. قوله: (وضمن النفقة الخ) أما الدم فهو على المأمور على كل حال. بحر. قوله: (فيعيد بمال نفسه) لأنه إذا أفسده ولم يقع مأمورا به فكان واقعا عن المأمور فيضمن ما أنفق في حجه من مال غيره، ثم إذا قضى الحج في السنة القابلة على وجه الصحة لا يسقط الحج عن الميت، لأنه لما خالف في السنة الماضية بالافساد صار الاحرام واقعا عنه، فكذا الحج المؤدي به صار واقعا عنه. ابن كمال، وعليه حجة أخرى للآمر كما قدمناه آنفا عن التاترخانية عن التهذيب: أي سوى حج القضاء، وهو الأصح كما في المعراج، وبه اندفع ما في البحر من قوله: وإذا فسد حجه لزمه الحج من قابل بما نفسه، وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر اه. قوله: (وإن مات الخ الأنسب ذكر هذه المسألة عند قوله المار خرج المكلف الخ. قوله: (قبل وقوفه) قيد به لأنه لو مات بعده قبل الطواف جاز عن الآمر لأنه أدى الركن الأعظم. خانية وفتح، وقدمنا نوع عن التجنيس. فما بحثه في البحر من أن أعظميته للأمن من الافساد بعده لا لأنه يكفي فيجب على الآمر الإحجاج ا ه. مخالف للمنقول، وأما لو بقي حيا وأتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع ولم يطفه فقال في الفتح: لا يضمن النفقة، غير أنه حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ليقضي ما بقي عليه لأنه جان في هذه الصورة ا ه. قوله: (من منزل آمره) أي إن لم يعين منزلا وإلا اتبع كما مر. قوله: (فإن مات) أي المأمور الثاني. قوله: (من ثلث الباقي بعدها) أي بعد
672 النفقة: أي ثلث الباقي بعد هلاكها، وهو المراد بقولهم: بثلث ما بقي من المال، فافهم، وهذا عند الامام، وعند أبي يوسف: بالباقي من الثلث، وعند محمد: بما بقي مع المأمور. مثاله: أوصى بأن يحج عنه ومات عن أربعة آلاف فدفع الوصي لمأمور ألفا فسرقت، فعند الامام يؤخذ ما يكفي من ثلث ما بقي من التركة وهو ألف، فإن سرقت يؤخذ من ثلث الألفين الباقيين، وهكذا إلى أن يبقى ما ثلثه يكفي الحج. وعند أبي يوسف: إذا سرق الألف الأول لم يبق من ثلث التركة إلا ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فتدفع له إن كفت، ولا تؤخذ مرة أخرى. وعند محمد: إن فضل من الألف الأولى ما يبلغ الحج حج به، وإلا فلا، هكذا ذكر الخلاف عامة المشايخ وبعضهم قالوا: هذا إن أوصى بأن يحج عنه من الثلث أو بأن يحج عنه وليؤد، أما لو أوصى بأن يحج عنه بثلث ما له فقول محمد كقول أبي يوسف، وتمامه في جامع قاضيخان والفتح. وهذا الاختلاف إذا هلك في يد المأمور فلو في يد الوصي بعد ما قاسم الورثة يحج عنه بثلث ما بقي اتفاقا كما في التاترخانية. قوله: (وظاهره أنه رجوع في تركة المأمور) إن كان المراد أنه لا رجوع لورثة الآمر في تركة المأمور بما بقي معه، فهذا بعيد جدا، لان ما بقي مع المأمور لا يملكه، بل لو أتم الحج يجب عليه رد الفاضل كما يأتي، فيصدق على هذا الباقي أنه من مال الآمر فيحسب من الثلث، وقد صرح به القهستاني حيث قال بثلث الباقي مما في أيدي الورثة، والمأمور وإن كان المراد أنه لا رجوع لهم بما أنفقه قبل موته أو بما سرق منه فهو لا شبهة فيه، حيث لم يخالف كما مر فيما لو فاته الحج بغير صنعه، وإن كان المراد أنه لا رجوع في تركته بما يدفع للمأمور الثاني، فهذا هو المتبادر من قولهم بثلث ما بقي من ماله: أي مال الآمر، والظاهر أن هذا مراد الشارح نبه به على أنه لو فاته الحج بلا صنعه ولزمه القضاء أن القضاء يكون في نفسه اتفاقا خلافا لما قدمناه من أن هذا ظاهر على قول محمد، وأنه على قول غيره يكون القضاء عن الآمر وتلزم المأمور نفقته، فإن مقتضاه أن المأمور إذا مات في الطريق ترجع ورثة الآمر على تركته بنفقة الذي يأمرونه بالحج عن مورثهم، وهذا خلاف ما قرره الفقهاء هنا في المسألة الخلافية، حيث جعلوا الإحجاج ثانيا بثلث ما بقي من جميع مال الآمر أو الباقي من الثلث أو الباقي مع المأمور، ولم يقل أحد إنه يكون من مال المأمور، فينافي ما تقدم بحثا عن البدائع والسراج والنهر، فلله در هذا الشارح ما أبعد مرماه، فافهم. قوله: (خلافا لهما) أي في الموضعين فيما يدفع ثانيا، وفي المحل الذي يجب الإحجاج منه ثانيا. (فتح). قوله: (وقولهما استحسان) يعني قولهما في المحل، أما فيما يدفع ثانيا فلم يذكروا فيه الاستحسان. وفي الفتح: قول الإمام في الأول: أي فيما يدفع ثانيا أوجه وقولهما هنا أوجه، وقدمنا ما يفيد ترجيحه أيضا عن العناية والمعراج، لكن قدمنا أيضا أن المتون على قول الإمام، ونقل تصحيحه العلامة قاسم. قوله: (كما مر) أي في قوله: ولا فيصير مخالفا فيضمن ح. قوله: (لا للتقييد) لان
673 الحج لا يختلف باختلاف السنين، ففي أي سنة حصل فيها وقع عنه، ولا يخفى أن الأولى إيقاعه في السنة المعينة خوفا من ذهاب النفقة أو تعطل الحج ط. قوله: (والأفضل أن يعود إليه) أي إلى منزل الآمر المذكور في المتن. قال في البحر: ولو أحج رجلا فحج ثم أقام بمكة جاز، لان الفرض صار مؤدى، والأفضل أن يحج ثم يعود إلى أهله، فافهم قوله: (وعليه رد ما فضل من النفقة) قال في البحر: فالحاصل أن المأمور لا يكون ملكا لما أخذه من النفقة، بل يتصرف فيه على ملك الآمر حيا كان أو ميتا معينا كان القدر أولا، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط الآتي، سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من الزاد، كما صرح به في الظهيرية ا ه. قلت: وهذا مما يدل على أن الاستئجار على الحج لا يصح عند المتأخرين كما قدمنا الكلام عليه، فافهم. قوله: إلا أن يوكله الخ) قال في الفتح: وإذا أراد أن يكون ما فضل للمأمور يقول له: وكلتك أن تهب الفضل من نفسك وتقبضه لنفسك، فإن كان على موت قال: والباقي مني لك وصية ا ه. زاد في اللباب: وإن لم يعين الآمر رجلا يقول للوصي: أعط ما بقي من النفقة من شئت، وإن أطلق فقال: وما يبقى من النفقة فهو للمأمور، فالوصية باطلة ا ه. أي لأنها لمجهول. قوله: (ولوارثه الخ) هذه المسألة تقدمت عند. قوله: إن وفى به ثلثه لكن ذكرت في كل من الموضعين مع زيادة، لم توجد في الآخر، ففي الأول زاد الوصي، والتفصيل في نفقة الرجوع وفي هذا زاد قوله كذا إن أحرم الخ وكان عليه أن ينظمهما في سلك واحد ح. قوله: (وكذا إن أحرم وقد دفع إليه ليحج عنه وصيه الخ) هذا التركيب فاسد المعنى. ووجد في نسخة ليحج عنه بلا وصية وهي الصواب، لان المراد أن المحجوج عنه إذا لم يوص بالحج ولكنه دفع إلى رجل ليحج عنه ثم مات الدافع فللورثة استرداد المال الباقي من الرجل، وإن أحرم بالحج. قال في النهر: وقيدنا بكون الآمر أوصى بالحج عنه لما في المحيط: لو دفع إلى رجل مالا ليحج به عنه فأهل بحجة ثم مات الآمر فلورثته أن يأخذوا ما بقي من المال معه ويضمنونه ما أنفق بعد موته لان نفقة الحج كنفقة ذوي الأرحام تبطل بالموت ا ه. قوله: (وللوصي أن يحج الخ) قال في فتح القدير: ولا يجوز الاستئجار على الطاعات، وعن هذا قلنا: لو أوصى أن يحج عنه ولم يزد على ذلك كان للوصي أن يحج عنه بنفسه إلا أن يكون وارثا، أو دفعه لوارث ليحج فإنه لا يجوز إلا أن تجيز الورثة وهم كبار، لان هذا كالتبرع بالمال فلا يصح للوارث إلا بإجازة الباقين، ولو قال الميت للوصي: ادفع المال لمن يحج عني لم يجز له أن يحج بنفسه مطلقا اه. قوله: (ولو قال منعت) أي عن الحج وكذبوه، أي الورثة لم يصدق، ويضمن ما أنفقه من مال الميت إلا أن يكون أمرا ظاهرا يشهد على صدقه. لان سبب الضمان قد ظهر فلا يصدق في دفعه إلا بظاهر يدل على صدقه. فتح. قوله: (صدق بيمينه) لأنه يدعي الخروج عن عهدة ما هو أمانة في يده. فتح. قوله: (إلا الخ أي فإنه لا يصدق إلا ببينة لأنه يدعي قضاء الدين هكذا في كثير من الكتب، وعليه المعول خلافا لما في خزانة
674 الأكمل. بحر. قوله: (وقد أمر بالانفاق) أي مما عليه من الدين ط. قوله: (ولا تقبل الخ) لأنها شهادة على النفي. بحر. أي لان مقصودهم نفي حجه وإن كانت صورة شهادتهم إثباتا. ح. قوله: (إلا إذا برهنا الخ) لان إقراره وهو تلفظه بهذه الجملة إثبات ح. وفي بعض النسخ برهنوا بصيغة الجمع: أي الورثة، وهي أولى. تتمة: في المحيط عن المنتفى: أوصى لرجل بألف وللمساكين بألف ولحجة الاسلام بألف والثلث ألفان يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم تضاف حصة المساكين إلى الحجة، فما فضل عن الحجة فللمساكين، لان البدءة بالفرض أهم، ولو عليه حجة وزكاة وأوصى لانسان يتحاصون في الثلث ثم ينظر إلى الزكاة والحج فيبدأ بما بدأ به الموصي ولو فريضة ونذر بدئ بالفريضة، ولو تطوع ونذر بدئ بالنذر، ولو كلها تطوعات أو فرائض أو واجبات بدئ بما بدأ به الميت ا ه. وتوضيح هذه المسألة سيأتي في الوصايا فاحفظها، فإنها مهمة كثيرة الوقوع، وبقي فروع كثيرة من هذا الباب تعلم من الفتح واللباب، والله أعلم بالصواب. باب الهدي لما دار ذكر الهدي فيما تقدم من المسائل نسكا وجزاء احتيج إلى بيانه ومن يتعلق به. ابن كمال، ويقال فيها هدي بالتشديد على فعيل الواحد هدية كمطية ومطايا. مغرب. قوله: (ما يهدى) مأخوذ من الهدية التي هي أعم من الهدي لا من الهدي، وإلا لزم ذكر المعرف في التعريف، فيلزم تعريف الشئ بنفسه ح. قلت: لو أخذ من الهدي يكون تعريفا لفظيا وهو سائغ ط. واحترز بقوله: إلى الحرم عما يهدى إلى غيره نعما كان أو غيره، وبقوله: من النعم عما يهدى إلى الحرم من غير النعم. فإطلاق الفقهاء في باب الايمان والنذور الهدي على غيره مجاز. بحر. وبقوله ليتقرب به) أي بإراقة دمه فيه: أي في الحرم عما يهدى من النعم إلى الحرم هدية لرجل. وأفاد به أنه لا بد من النية: أي ولو دلالة. ففي البحر عن المحيط: الواحد من النعم يكون هديا بجعله صريحا أو دلالة، وهي إما بالنية أو بسوق بدنة إلى مكة وإن لم ينو استحسانا، لان نية الهدي ثابتة عرفا، لان سوق البدنة إلى مكة في العرف يكون للهدي لا للركوب والتجارة. قال: وأراد السوق بعد التقليد لا مجرد السوق. قوله: (أدناه شاة) أي وأعلاه بدنة من الإبل والبقر، وفي الحكم الأدنى سبع بدنة. شرح اللباب. وأفاد ببيان الأدنى أنه لو قال: لله علي أن أهدي، ولا نية له، فإنه يلزمه شاة لأنها الأقل، وإن عين شيئا لزمه، ولو أهدى قيمتها جاز في رواية، وفي أخرى، لا وهي الأرجح، ولا كلام فيما لو كان مما لا يراق دمه من المنقولات، فلو عقارا تصدق بقيمته في الحرم أو غيره لأنه مجاز عن التصدق. أفاده في
675 البحر واللباب. قوله: (ابن خمس سنين الخ) بيان لأدنى السن الجائز في الهدي وهو الثني، وهو من الإبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة، ومن البقر ما طعن في الثالثة، ومن الغنم ما طعن في الثانية لكنه يوهم أن الجذع من الغنم لا يجوز. قال في اللباب: ولا يجوزون الثني إلا الجذع من الضأن وهو ما أتى عليه أكثر السنة، وإنما يجوز إذا كان عظيما، وتفسيره أنه لو خلط بالثنايا اشتبه على الناظر أنه منها ا ه. قوله: (ولا يجب تعريفه) أي الذهاب به إلى عرفات أو تشهيره بالتقليد. ح عن البحر. قوله: (بل يندب) أي التعريف بمعنييه ح. لكن الشاة لا يندب تقليدها. وفي اللباب: ويسن تقليد بدن الشكر دون بدن الجبر، وحسن الذهاب بهدي الشكر إلى عرفة ا ه. فعبر في الأول بالبدن ليخرج الشاة، وفي الثاني بالهدي ليدخلها فيه. وأفاد أيضا أن الأول سنة، والثاني مندوب، ففي كلام الشارح إجمال. قوله: (في دم الشكر) أي القران والتمتع، وكذا يقلد هدي التطوع والنذر، ولو قلد دم الاحصار والجناية جاز ولا بأس به كما سيأتي. قوله: (ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاوز في الضحايا) كذا عبر في الهداية، وعلله بأنه قربة تعلقت بإراقة الدم كالأضحية فيختصان بمحل واحد ا ه. فأشار إلى أنه مطرد منعكس، فيجوز هنا ما يجوز ثمة، ولا يجوز هنا ما لا يجوز ثمة. ولا يرد على طرده ما قدمناه من جواز إهداء قيمة المنذور في رواية مع أنه لا يجوز في الأضحية، لان ما واقعة على الحيوان كما اقتضاه قوله: وهو إبل وبقر وغنم ولو سلم فتلك الرواية مرجوحة، على أن القيمة قد تجزي في الأضحية كما إذ مضت أيامها ولم يضح الغني فإنه يتصدق بقيمتها، فافهم. قوله: (فصح اشتراك ستة) أي لان ذلك جائز في الضحايا، فيجوز هنا لما علمته من القاعدة، واشتراك افتعال مصدر الرباعي المتعدي كالاختصاص والاكتساب، وهو مضاف إلى مفعوله: أي اشتراك واحد ستة. قال في الفتح عن الأصل والمبسوط: فإن اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه، لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا، بعضها بإيجاب الشرع، وبعضها بإيجابه، فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن، وأن نوى أن يشرك فيها ستة أجزأته، لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء، فإن لم يكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى شرك الستة جاز. والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة في الابتداء ا ه. وقوله: لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء الخ، يدل على أن معنى إيجابها لنفسه أن يشتريها لنفسه أو ينوي بعده القربة، ومثله قوله في شرح اللباب: أي بتعيين النية وتخصيصها له. إذا عرفت ذلك فالصور ستة: إما أن يشتريها لنفسه خاصة، أو يشتريها بلا نية ثم يعينها لنفسه، أو يشتريها بلا نية ولم يعينها لنفسه، أو يشتريها بنية الشركة، أو يشتريها مع ستة، أو يشتريها وحده بأمرهم، فقول الشارح: شريت لقربة لا يصلح على إطلاقه، بل هو خاص بما عدا الصورتين الأوليين، لكن ينبغي أن يكون هذا التفصيل محمولا على الفقير، لان الغني لا تجب عليه بالشراء
676 بدليل ما ذكره في أضحية البدائع عن الأصل، من أنه لو اشترى بقرة ليضحي بها عن نفسه فأشرك فيها يجزئهم، والأحسن فعل ذلك قبل الشراء. قال: وهذا: أي قوله: يجزئهم محمول على الغني لأنها لم تتعين، أما الفقير فلا يجوز أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت. ا ه. لكن سوى في الخانية في مسألة الأضحية بين الغني والفقير، فتأمل. قوله: (وإن اختلفت أجناسها) في الفتح عن الأصل والمبسوط كل من وجب عليه من المناسك جاز أن يشارك ستة نفر قد وجبت الدماء عليهم وإن اختلفت أجناسها من دم متعة وإحصار وجزاء صيد وغير ذلك، ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب إلي ا ه. وذكر نحوه في البحر هنا، وبه يظهر ما في قول البحر في القران والجنايات: إن الاشتراك لا يكفي في الجنايات، بخلاف دم الشكر، وقد نبهنا على ذلك أول باب الجنايات. قوله: (في الحج) أي في كل دم له تعلق بالحج كدم الشكر والجناية والاحصار والنفل. قال في النهر: فلا يرد أن من نذر بدنة أو جزورا لا تجزئه الشاة. قوله: (إلا الخ) أي فتجب فيهما بدنة، ولا ثالثة لهما في الحج. لباب. قال شارحه: وفيه نظر إذ تقدم أنه إذا مات بعد الوقوف وأوصى بإتمام الحج تجب البدنة لطواف الزيارة وجاز حجه، وكذا عند محمد تجب في النعامة بدنة، ثم قوله في الحج: احتراز عن العمرة، حيث لا تجب البدنة بالجماع قبل أداء ركنها من طواف العمرة ولا أداء طوافها بالجناية أو الحيض أو النفاس ا ه. قوله: (قبل الحلق) أما بعده ففي وجوبها خلاف، والراجح وجوب الشاة. ط عن البحر. قوله: (كما مر) أي في الجنايات ح. قوله: (كالأضحية) أشار به إلى أن المستحب أن يتصدق بالثلث، ويطعم الأغنياء الثلث، ويأكل ويدخر الثلث. ح عن البحر. قوله: (إذا بلغ الحرم) قيد به لما سيأتي من أن حل الانتفاع به لغير الفقراء مقيد ببلوغه محله. وأفاد في البحر أنه لا حاجة إلى هذا القيد، لأنه قبل بلوغه الحرم ليس بهدي، فلم يدخل تحت عبارة المصنف ليحتاج إلى إخراجه. قال: والفرق بينهما أنه إذا بلغ الحرم فالقربة فيه بالإراقة وقد حصلت فالاكل بعد حصولها، وإذا لم يبلغ فهي بالتصدق والاكل ينافيه ا ه. ونظر فيه في النهر، ولم يبين وجه النظر، ولعل وجهه منع أنه لا يسمى هديا قبل بلوغه الحرم، لان قوله تعالى: * (هديا بالغ الكعبة) * (سورة المائدة: الآية 95) يدل على تسميته هديا قبل بلوغه، سواء قدر بالغ صفة أو حالا مقدرة، ولان المتوقف على بلوغه الحرم جواز الأكل منه وإطعام الغني دون كونه هديا، ولذا لا يركبه في الطريق بلا ضرورة، ولا يحلبه، ولو عطب أو تعيب قبله نحره وضرب صفحة سنامه بدمه ليعلم أنه هدي للفقراء فلا يأكله غني كما يأتي، فافهم. قوله: (ولو أكل من غيرها) أي غير هذه الثلاثة من بقية الهدايا، كدماء الكفارات كلها والنذور وهدي الاحصار والتطوع الذي لم يبلغ الحرم، وكذا لو أطعم غنيا، أفاده في البحر. قوله: (ضمن ما أكل) أي ضمن قيمته. وفي اللباب وشرحه فلو استهلكه بنفسه بأن باعه ونحو ذلك، بأن وهبه لغني أو أتلفه وضيعه
677 لم يجز وعليه قيمته: أي ضمان قيمته للفقراء إن كان مما يجب التصدق به، بخلاف ما إذا كان لا يجب عليه التصدق به فإنه لا يضمن شيئا ا ه. وفيه كلام يعلم من البحر ومما علقناه عليه. قوله: (أي وقته) أشار إلى أن المراد باليوم مطلق الوقت فيعم أوقات النحر، أو هو مفرد مضاف فيعم ط. قوله: (فقط) أي لا يتعين غيرهما فيها، ومنه هدي التطوع إذا بلغ الحرم فلا يتقيد بزمان هو الصحيح، وإن كان ذبحه يوم النحر أفضل كما ذكره الزيلعي خلافا للقدوري. بحر. قوله: (فلم يجز) أي بالاجماع، وهو بضم أوله من الاجزاء. قوله: (بل بعده) أي بل يجزئه بعده: أي بعد يوم النحر: أي أيامه، إلا أنه تارك للواجب عند الامام فيلزمه دم للتأخير، أما عندهما فعدم التأخير سنة، حتى لو ذبح بعد التحلل بالحلق لا شئ عليه. قوله: (لا منى) أي بل يسن لما في المبسوط من أن السنة في الهدايا أيام النحر منى، وفي غير أيام النحر فمكة هي الأولى. شرح اللباب. قوله: (للكل) بيان لكون الهدي موقتا بالمكان سواء كان دم شكر أو جناية لما تقدم أنه اسم لما يهدى من النعم إلى الحرم ودخل فيه الهدي المنذور، بخلاف البدنة المنذورة فلا تتقيد بالحرم عندهما. وقاسها أبو يوسف على الهدي المنذور، والفرق ظاهر. بحر عن المحيط. قوله: (لا لفقيره) المعطوف محذوف تعلق به المجرور، والتقدير: لا التصدق لفقيره، واللام بمعنى على، وهذا أولى من قول ح. الصواب لا فقيره بالرفع عطفا على الحرم ط. قوله: (فإن أعطاه ضمنه) أي إن أعطاه بلا شرط، أما لو شرطه لم يجز كما في اللباب. قال شارحه: وتوضيح ما قاله الطرابلسي أنه إذا شرط إعطاءه منه يبقى شريكا له فيه فلا يجوز الكل لقصده اللحم ا ه. أقول: وفيه نظر، لان صيرورته شريكا فرع صحة الإجارة، وسيأتي في الإجارة الفاسدة أنه لو دفع لآخر غزلا لينسجه له بنصفه أو استأجر بغلا ليحمل طعامه ببعضه أو ثورا ليطحن بره ببعض دقيقه فسدت لأنه استأجره بجزء من عمله، وحيث فسدت الإجارة يجب أجر المثل من الدراهم كما صرحوا به أيضا، وهذا يقتضي أن يجب له أجر مثله دراهم، ولا يستحق شيئا من اللحم فلم يصر شريكا فيه، فليتأمل. ثم رأيت في معراج الدراية ما نصه: والبضعة التي جعلت أجرة بمنزلة قفيز الطحان لأنها من منافع عمله فلا تكون أجرة ا ه. ثم ذكر أنه لو تصدق عليه منها جاز، ولو أعطاه شيئا بجزارته ضمته، فعلم أن كلامه الأول فيما لو شرط الأجرة منها، والأخير فيما لو لم يشرطه، وأنه لا فرق بينهما، والله أعلم. قوله: (ولا يركبه مطلقا) أي سواء جاز له الاكل منه أو لا. نهر. قال: وضرح في المحيط بحرمته. قوله: (شرنبلالية) نقل ذلك في الشرنبلالية عن الجوهرة والبرجندي والهداية وكافي النسفي وكافي الحاكم، ومثله في اللباب، فما في البحر والنهر من أن ظاهر كلامهم أنها إن
678 نقصت بركوبه لضرورة فإنه لا ضمان عليه مخالف لصريح المنقول. قوله: (فإن أطعم منه) أي مما ضمنه من النقص، وقوله: ضمن قيمته لان الصدقة لا تصح على غني. وعبارة البحر: لو ركبها أو حمل عليها فنقصت فعليه ضمان ما نقص، ويتصدق به على الفقراء دون الأغنياء لأن جواز الانتفاع بها للأغنياء معلق ببلوغ المحل. قوله: (وينضح) أي يرش بفتح الضاد وكسرها. بحر. وفائدته قطع اللبن. قوله: (لو المذبح قريبا) مفعل بمعنى الزمان: أي زمان الذبح لقولهم: هذا إذا كان قريبا من وقت الذبح ح. وفي بعض النسخ لو الذبح بدون ميم، وهذا أولى ليشمل ما قرب وقته ومكانه، فإنه قد يكون في الحرم ولم يدخل وقته وهو يوم النحر، وقد يكون في خارجه ودخل وقته، ولا يصح أن يراد كل من الزمان والمكان في المصدر الميمي لان المشترك لا يستعمل في معنييه. أفاده الرحمتي. قوله: (وتصدق به) أي على الفقراء، فإن صرفه لنفسه أو استهلكه أو دفعه لغني ضمن قيمته: أي فيتصدق بمثله أو بقيمته. شرح اللباب. قوله: (ويقيم الخ) لان الوجوب متعلق بذمته، وهذا إذا كان موسرا، أما إذا كان معسرا أجزأه ذلك المعيب، لان المعسر لم يتعلق الايجاب بذمته، وإنما يتعلق بما عينه. سراج. قوله: (واجب) هل يدخل فيه هنا ما لو نذر شاة معينة فهلكت فيلزمه غيرها أو لا لكون الواجبة في العين لا في الذمة؟ بحر. والظاهر الثاني كما يفيده ما نقلناه عن السراج وما ننقله عنه قريبا. قوله: (عطب أو تعيب) أي قبل وصوله إلى محله من الحرم أو زمانه المعين له. شرح اللباب. والعطب: الهلاك وبابه علم. قوله: (بما يمنع الأضحية) كالعرج والعمى. ط عن القهستاني. قوله: (ما شاء) أي من بيع ونحوه. فتح. قوله: (ولو كان المعيب) خصه بالذكر لان ما عطب لا يمكن ذبحه. ولما فرض المسألة في الهداية في المعطوف قال في الفتح: المراد بالعطب الأول حقيقته، وبالثاني القرب منه، ومثله في البحر، وهذا أولى لان ما قرب من العطب لا يمكن وصوله إلى الحرم فينحره في الطريق، بخلاف المعيب الذي لم يصل إلى هذه الحالة فإنه إذا أمكن سوقه لا داعي لنحره في غير الحرم بل يذبحه فيه، ففي التعبير بالمعيب إيهام. قوله: (نحره الخ) أي وليس عليه غيره لأنه لم يكن متعلقا بذمته، كمن قال: لله علي أن أتصدق بهذه الدراهم، وأشار إلى عينها فتلفت سقط الوجوب ولم يلزمه غيرها. سراج. قوله: (ولا يطعم) بفتح الياء من باب علم أي لا يأكل ح. فإن أكل أو أطعم غنيا ضمن. لباب قوله: (للدم بلوغه محله) قال في الهداية: لان الاذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله فينبغي أن لا يحل قبل ذلك أصلا، إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يتركه جزرا للسباع، وفيه نوع تقرب والتقرب هو المقصود. قوله: (بدنة التطوع) قيد بالبدنة لأنه لا يسن تقليد الشاة ولا تقلد عادة. بحر. قوله: (ومنه النذر) لأنه لما كان بإيجاب العبد كان تطوعا: أي ليس بإيجاب الشارع ابتداء. بحر قوله: (فقط) أفاد أنه لا يقلد دم الجنايات ولا دم
679 الاحصار لأنه جابر فيلحق بجنسها كما في الهداية، ولو قلده لا يضر. بحر عن المبسوط. فرع: كل ما يقلد يخرج إلى عرفات، وما لا فلا، ويذبح في الحرم، ولو ترك التعريف بما يقلد لا بأس به. سراج. قوله: (شهدوا الخ) بيانه ما في اللباب: إذا التبس هلال ذي الحجة فوقفوا بعد إكمال ذي القعدة ثلاثين يوما ثم تبين بشهادة أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجهم تام، ولا تقبل الشهادة ا ه. قوله: (حتى الشهود) أي حجهم صحيح وإن كان عندهم أن هذا اليوم يوم النحر، حتى لو وقفوا على رؤيتهم ولم يجز وقوفهم، وعليهم أن يعيدوا الوقوف مع الامام، وإن لم يعيدوا فقد فاتهم الحج، وعليهم أن يحلوا بالعمرة وقضاء الحج من قابل كما في اللباب وغيره. قوله: (للحرج الشديد) بيان لوجه الاستحسان: أي لان فيه بلوى عامة لتعذر الاحتراز عنه والتدارك غير ممكن، وفي الامر بالإعادة حرج بين فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه، بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية لان التدارك ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة. هداية. قوله: (وقبله الخ) أي ولو شهدوا بعد الوقوف بوقوفهم قبل وقته قبلت شهادتهم، وقوله: إن أمكن التدارك فيه نظر، لأنهم إذا شهدوا أن اليوم الذي وقفوا فيه يوم التروية فلا شك أن التدارك بأن يقفوا يوم عرفة ممكن، كما قاله ابن كمال. واعترض قول الهداية في الجملة الخ بأن لا حاجة إليه. قلت: لكن اعتراضه ساقط، لان قول الهداية بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة بيان لقوله في الجملة، ومعناه: أنهم إذا شهدوا يوم عرفة وزال الاشتباه بشهادتهم يمكن تدارك الوقوف، بخلاف ما إذا شهدوا يوم النحر فإنه لا يمكن التدارك، فلما أمكن التدارك هنا في الجملة: أي في بعض الصور قبلت الشهادة، بخلاف الشهادة بأنهم وقفوا بعد يومه فإن التدارك غير ممكن أصلا فلذا لم يقبل، ومقتضى هذا الفرق المذكور بين المسألتين أنه إذا شهدوا بالوقوف قبل وقته أن تقبل الشهادة وإن لم يمكن التدارك، لأنه لما بالوقوف بعد وقته فإنه أمكن التدارك في بعض صورها صار لقبولها محل فقبلت مطلقا. بخلاف الشهادة بالوقوف بعد وقته فإنه حيث لم يمكن التدارك فيها أصلا لمن يكن لقبولها محل. ثم رأيت التصريح بذلك في شرح الجامع لقاضيخان حيث قال في توجيه القياس في المسألة الأولى: ولهذا لو تبين أنهم وقفوا يوم التروية لا يجزئهم وإن لم يعلموا بذلك إلا يوم النحر. ا ه. وحاصله أن القياس هناك أن تقبل الشهادة ولا يصح الحج، وإن لم يمكن التدارك كما في هذه المسألة إذا لم يعلموا بوقوفهم يوم التروية إلا يوم النحر، فهذا صريح فيما قلناه ولله الحمد. فإذا علمت ذلك ظهر لك أن قول المصنف قبلت إن أمكن التدارك غير صحيح، بل الشهادة في المسألة مقبولة مطلقا، نعم ذكروا هذا التقييد في مسألة ثالثة. قال في البحر: وقد بقي هنا مسألة ثالثة، وهي ما إذا شهدوا يوم التروية والناس بمنى أن هذا اليوم يوم عرفة، ينظر: فإن أمكن للامام أن يقف مع الناس أو أكثرهم نهارا قبلت شهادتهم قياسا واستحسانا للتمكن من الوقوف، فإن لم يقفوا عشية فاتهم الحج، وإن أمكنه أن يقف معهم ليلا لا
680 نهارا فكذلك استحسانا، وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثرهم لا تقبل شهادتهم ويأمرهم أن يقفوا من الغد استحسانا، والشهود في هذا كغيرهم كما قدمناه. وفي الظهيرية: ولا ينبغي للامام أن يقبل في هذا شهادة الواحد والاثنين ونحو ذلك ا ه. فإن قلت: فهل يمكن حمل كلام المصنف على هذه المسألة تصحيحا لكلامه؟ قلت: يمكن بتكلف، وذلك بأن يجعل قوله وقبله ظرفا لشهدوا لا لوقوفهم، ويجعل المشهود به محذوفا، فيصير التقدير: ولو شهدوا قبل وقوفهم بأن هذا اليوم يوم عرفة قبلت إن أمكن التدارك الخ. واقتصر الشارح على إمكان التدارك ليلا لأنه على تقدير إمكانه يفهم قبول الشهادة بالأولى، فافهم واغتنم هذا التحرير المفرد. تتمة: قال في اللبا ب: ولا عبرة باختلاف المطالع، فيلزم برؤية أهل المغرب أهل المشرق، وإذا ثبت في مصر لزم سائر الناس في ظاهر الرواية، وقيل يعتبر في كل بلد مطلع بلدهم إذا كان بينهما مسافة كثيرة وقدر الكثير بالشهر ا ه. وقدمنا تمام الكلام على ذلك في الصوم، وقدمنا هناك أن ظاهر كلامهم هنا اعتبار اختلاف المطالع لما علمته من هذه المسائل. تأمل. قوله: (أو الثالث أو الرابع أشار إلى أن اليوم الثاني مثا لما يتكرر فيه الرمي، فهو للاحتراز عن اليوم الأول فإنه لا رمي فيه إلا جمرة العقبة. قوله: (حسن) الأولى فحسن بالفاء: أي هو مسنون، لقوله: لسنية الترتيب ثم إن رمي في وقت الرمي لا شئ عليه، وإن أخره إلى الثاني كان عليه بتأخير الجمرة الواحدة سبع صدقات لأنها أقل رمي يومها، وإن أخر الكل أو إحدى عشرة حصاة التي هي أكثر رمي اليوم فعليه دم عند الامام، ولا شئ بالتأخير عندهما. رحمتي، فافهم، وقدمنا في بحث الرمي أن رمي كل يوم فيه أو في ليلة تليه سوى اليوم الرابع أداء، وفي اليوم الذي يليه قضاء فيه الجزاء، وبغروب الشمس الرابع فات وقت الأداء والقضاء ولزم الجزاء. قوله: (لسنية الترتيب) هو المختار. وعن محمد أنه واجب كما قدمناه في بحث الرمي. قوله: (وجوبا) راجع لقوله مشى ولقوله من منزلة وقوله في الأصح راجع للوجوب فيهما. ومقابل الأول رواية الأصل: أي المبسوط لمحمد بالتخيير بين الركوب والمشي، ورواية عن الامام أن الركوب أفضل. ومقابل الثاني القول بأن محل وجوب ابتداء المشي من الميقات، والقول بأنه من محل يحرم منه لان ابتداء الحج الاحرام وانتهاؤه طواف الزيارة فيلزمه بقدر ما التزم، والمعول عليه التصحيح الأول، لما روي عن أبي حنيفة: لو أن بغداديا قال: إن كلمت فلانا فعلي أن أحج ماشيا، فلقيه بالكوفة فكلمه فعليه أن يمشي من بغداد، وتمامه في الفتح والبحر. تنبيه: صريح كلامهم هنا أن الحج ماشيا أفضل منه راكبا، خلافا لما قدمه الشارح أول كتاب الحج وقد قدمنا الكلام عليه هناك. قوله: (حتى يطوف الفرض) وفي النذر بالعمرة حتى يحلق. لباب. قال شارحه: وقياسه في الحج أن يقيد بحلقه قبل الطواف أو بعده ليخرج عن إحرامه ا ه.
681 قلت: لكن مجرد الطواف في الحج إحلال عن غير النساء، فتأمل. قوله: (وفي أقله بحسابه) أي يلزمه التصدق بقدره من قيمة الشاة الوسط. بحر. قوله: (لا شئ عليه) لعدم العرف بالتزام النسك به، ولان مسجد المدينة يجوز دخوله بلا إحرام فلم يصر به ملتزما للاحرام كما في الفتح وغيره. قوله: (اشترى محرمة) وكذا لو اشترى عبدا محرما له أن يحلله بحر. قوله: (ولو بالاذن) أي ولو كانت محرمة بإذن البائع. قوله: (لعدم خلف وعده) أي وعد المشتري فإنه ما وعدها، بخلاف البائع لو أذن لها فإنه كان يكره له أن يحللها كما في البحر. قوله: (بقص شعرها الخ) أفاد أنه لا يثبت التحليل بقوله حللتك، بل بفعله أو بفعلها بأمره كافمتشاط بأمره بحر. قلت: وأفاد أيضا أنه لا يتوقف تحليلها على أفعال الحج، بل تخرج من الاحرام بمجرد ما هو من المحظورات ولا يرد عليه ما صرحوا به من أن من فسد حجه لا يخرج عن الاحرام إلا بالافعال، ويلزمه التحلل بها كما توهمه الشرنبلالي في الجنايات للفرق الواضح بين المأمور بالرفض والمنهي عنه، ألا ترى أن من أحرم بحجين لزمه رفض أحدهما ويتحلل منه بالحلق ولا يلزمه أفعاله؟ وكذا المحصر بعد أو مرض يتحلل بالهدي، فكذا هنا فإن الأمة ممنوعة عن المضي لحق المولى، ومثله الزوجة، أما من فسد حجه فإنه مأمور بالمضي في فاسده كما نبهنا على ذلك في الجنايات، فافهم. وأفاد أيضا أنه لا يتوقف تحليلهما على الهدي وإن وجب عليهما بعد كما صرح به في اللباب، فعليهما إرسال هدي وحج وعمرة إن كان إحرامهما بالحج، وعمرة إن كان بالعمرة، وذلك على الأمة والعبد بعد العتق كما قدمناه أول باب الاحصار. قوله: (وهو أولى الخ) لان الجماع أعظم محظورات الاحرام حتى تعلق به الفساد بحر. وذكر بعده أن جماعها تحليل لها إن علم بإحرامها، وإلا فلا وفسد حجها. قوله: (وكذا) أي له أن يحللها، ولا يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي بحر. قوله: إن لها محرم) فإنها استجمعت حينئذ شرائط الوجوب فليس له منعها ح. قوله: (إن لها محرم) فإنها استجمعت حينئذ شرائط الوجوب فليس له منعها ح. قوله: (وإلا) أي إن لم يكن لها محرم. قوله: (فهي محصرة) لعدم المحرم، فللزوج منعها لعدم وجوب خروجه معها فكانت محصرة شرعا. قوله: (فلا تتحلل إلا بالهدي) أي ليس له أن يحللها من ساعته كما في حج النفل، بل يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي، وهذا أحد قولين، وعزاه في المنسك الكبير إلى الكرخي والمبسوط، وعزا إلى الأصل أن للزوج تحليلها بلا هدي كما في شرح اللباب، فعلى رواية الأصل لا فرق بين النفل والفرض. قوله: (وكذا المكاتبة) لأنها حرة من وجه ط. قوله: (بخلاف الأمة) فله أن يرجع بعد الاذن لأنه ملكها منافعها وهي لا تملك فيكون الامر إليه ط. لكنه يكره كما مر. قوله: (إلا إذا أذن) استثناء منقطع ط. قوله: (فليس لزوجها منعها) وذلك لأنها في تصرف السيد بعد زواجها، فيجوز له أن
682 يستخدمها ولا يجب عليه تبوئتها ط. وهذا أولى من قوله في شرح اللباب: لعل هذا إذا لم يبوئها. قوله: (حج الغني أفضل من حج الفقير) لان الفقير يؤدي الفرض من مكة وهو متطوع في ذهابه، وفضيلة الفرض أفضل من فضيلة التطوع. ح عن المنح. وهذا إنما يظهر في حج الفرض كما قاله ط. وفيما إذا أحرما من الميقات، أما لو أحرما من بلدهما فقد تساويا في وجوب الذهاب. قوله: (حج الفرض أولى من طاعة الوالدين) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه وتعالى، لكن هذا إذا لم يضيعا بسفره لما قدمه أول الحج أنه يكره بلا إذن ممن يجب استئذانه: كأحد الأبوين المحتاج إلى خدمته، وقدمنا أن الأجداد والجدات كالأبوين عند فقدهما. قوله: (بخلاف النفل) أي فإن طاعتهما أولى منه مطلقا كما قدمناه عن البحر عن الملتقط. مطلب في تفضيل الحج على الصدقة قوله: (ورجح في البزازية أفضلية الحج) حيث قال: الصدقة أفضل من الحج تطوعا، كذا روي عن الامام، لكنه لما حج وعرف المشقة أفتى بأن الحج أفضل، ومراده: أنه لو حج نفلا وأنفق ألفا فلو تصدق بهذه الألف على المحاويج فهو أفضل، لا أن يكون صدقة فليس أفضل من إنفاق ألف في سبيل الله تعالى، والمشقة في الحج لما كانت عائدة إلى المال والبدن جميعا فضل في المختار على الصدقة ا ه. قال الرحمتي: والحق التفصيل، فما كانت الحاجة فيه أكثر والمنفعة فيه أشمل فهو الأفضل كما ورد حجة أفضل من عشر غزوات وورد عكسه فيحمل على ما كان أنفع، فإذا كان أشجع وأنفع في الحرب فجهاده أفضل من حجه، أو بالعكس فحجه أفضل، وكذا بناء الرباط إن كان محتاجا إليه كان أفضل من الصدقة وحج النفل، وإذا كان الفقير مضطرا أو من أهل الصلاح أو من آل بيت النبي (ص) فقد يكون إكرامه أفضل من حجات وعمر وبناء ربط. كما حكي في المسامرات عن رجل أراد الحج فحمل ألف دينار يتأهب بها فجاءته امرأة في الطريق وقالت له: إني من آل بيت النبي (ص) وبي ضرورة فأفرغ لها ما معه، فلما رجع حجاج بلده صار كلما لقي رجلا منهم يقول له: تقبل الله منك، فتعجب من قولهم، فرأى النبي (ص) في نومه وقال له: تعجبت من قولهم تقبل الله منك؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: إن الله خلق ملكا على صورتك حج، وهو يحج عنك إلى يوم القيامة بإكرامك لامرأة مضطرة من آل بيتي، فانظر إلى هذا الاكرام الذي ناله لم ينله بحجات ولا ببناء ربط. مطلب في فضل وقفة الجمعة قوله: (لوقفة الجمعة الخ) في الشرنبلالية) عن الزيلعي: أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة، رواه رزين بن معاوية في تجريد الصحاح ا ه.
683 لكن نقل المناوي عن بعض الحفاظ أن هذا حديث باطل لا أصل له، نعم ذكر الغزالي في الاحياء): قال بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفل كل أهل عرفة، وهو أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله (ص) حجة الوداع وكان واقفا إذ نزل قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (سورة المائدة الآية: 3). فقال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناه يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد أنزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله (ص) وهو واقف بعرفة ا ه. قوله: (بلا واسطة) في المنسك الكبير للسندي: فإن قيل قد ورد أنه يغفر لجميع أهل الوقف مطلقا فما وجه تخصيص ذلك بيوم الجمعة؟ قيل: لأنه يغفر الجمعة بلا واسطة، وفي غيره يهب قوما لقوم وقيل: إنه يغفر في وقفة الجمعة للحاج وغيره، وفي غيره للحاج فقط. فإن قيل: قد يكون في الموقف من لا يقبل حجه فكيف يغفر له؟ قيل: يحتمل أن تغفر له الذنوب ولا يثاب ثواب الحج المبرور، فالمغفرة غير مقيدة بالقبول، والذي يوجب هذا أن الأحاديث وردت بالمغفرة لجميع أهل الموقف فلا بد من هذا القيد، والله أعلم. مطلب في الحج الأكبر تتمة: قال العلامة نوح في رسالته المصنفة في تحقيق الحج الأكبر: قيل إنه الذي حج فيه رسول الله (ص) وهو المشهور. وقيل يوم عرفة جمعة أو غيرها، وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم. وقيل يوم النحر، وإليه ذهب علي وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة. وقيل إنه أيام منى كلها، وهو قول مجاهد وسفيان الثوري. وقال مجاهد: الحج الأكبر القران، والأصغر الافراد. وقال الزهري والشعبي وعطاء: الأكبر الحج، والأصغر العمرة. قوله: (ضاق وقت العشاء والوقوف) بأن كان لو مكث ليصلي العشاء في الطريق يطلع الفجر قبل وصوله إلى عرفة، ولو ذهب ووقف يفوت وقت العشاء. قوله: (يدع الصلاة الخ) مشى عليه في (السراج)، واختار في شرح اللباب عكسه، لان تأخير الوقوف لعذر مع إمكان التدارك في العام القابل جائز، وليس في الشرع ترك فرض حاضر لتحصيل فرض آخر. قال: وهذا هو الظاهر المتبادر من الأدلة النقلية والعقلية، وهو مختار الرافعي خلافا للنوي من الأئمة الشافعية. وقال صاحب النخبة: يصلي ماشيا مومئا على قول من يراه ثم يقضيه احتياطا، قال: وهذا قول حسن وجمع مستحسن ا ه. مطلب في تكفير الحج الكبائر قوله: (قيل نعم الخ) أي لحديث ابن ماجة في سننه المروي عن عبد الله بن كنانة ابن عباس بن مرداس أن أباه أخبر عن أبيه أن رسول الله (ص) دعا لامته عشية عرفة، فأجيب: إني قد غفرت لهم، ما خلا المظالم فإني أخذ للمظلوم منه، فقال: أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم، فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل الحديث. وقال ابن حبان: إن كنانة روى عنه ابنه منكر الحديث كلاهما ساقط الاحتجاج. وقال البيهقي: هذا الحديث له شواهد كثير ذكرناها في كتاب الشعب، فإن صح بشواهده ففيه الحجة، وإلا فقد قال تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (سورة النساء: الآية 84). وظلم بعضهم بعضا دون الشرك ا ه.
684 وروى ابن المبارك أنه (ص) قال: إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات، فقام عمر فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير ربنا وطاب وتمامه في الفتح، وساق فيه أحاديث أخر. والحاصل أن حديث ابن ماجة وإن ضعف فله شواهد تصححه، والآية أيضا تؤيده، ومما يشهد له أيضا حديث البخاري مرفوعا من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وحديث مسلم مرفوعا: إن الاسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله لكن ذكر الأكمل في الشرح مشارق في هذا الحديث أن الحربي تحبط ذنوبه كلها بالاسلام والهجرة والحج، حتى لو قتل وأخذ المال وأحرز بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشئ من ذلك، وعلى هذا كان الاسلام كافيا في تحصيل مراده، ولكن ذكر (ص) الهجرة والحج تأكيدا في بشارته وترغيبا في مبايعته، فإن الهجرة والحج لا يكفران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر، وإنما يكفران الصغائر. ويجوز أن يقال: والكبائر التي ليست من حقوق أحد كإسلام الذمي اه ملخصا. وكذا ذكر الامام الطبي في شرحه وقال: إن الشارحين اتفقوا عليه، وهكذا ذكر النووي والقرطبي في شرح مسلم كما في البحر. وفي شرح اللباب): ومشى الطيبي على أن الحج يهدم الكبائر والمظالم. ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطيبي وبين الشيخ ابن حجر المكي من الشافعية، وقد مال إلى قول الجمهور وكتبت رسالة في بيان هذه المسألة ا ه. قلت: وظاهر كلام الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضا، وعليه مشى الامام والسرخسي في شرح السير الكبير، وقاس عليه الشهيد الصابر المحتسب، وعزاه أيضا المناوي إلى القرطبي من شرح حديث من حج فلم يرفث الخ فقال: وهو يشمل الكبائر والتبعات، وإليه ذهب القرطبي. وقال عياض: هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها. وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله تعالى لا العباد، ولا يسقط الحق نفسه بل من عليه صلاة يسقط عنه إثم تأخيرها لا نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر ا ه. ونحوه في البحر. وحقق ذلك البرهان اللقاني في شرحه الكبير على جوهرة التوحيد بأن قوله (ص)، خرج من ذنوبه لا يتناول حقوق الله تعالى وحقوق عباده، لأنها في الذمة ليست ذنبا، وإنما الذنب المطل فيها، فالذي يسقط: إثم مخالفة الله تعالى ا ه. والحاصل أن تأخير الدين وغيره وتأخير نحو الصلاة والزكاة من حقوقه تعالى، فيسقط إثم التأخير فقط عما مضى دون الأصل ودون التأخير المستقبل. قال في البحر: فليس معنى التكفير كما يتوهمه كثير من الناس أن الدين يسقط عنه، وكذا قضاء الصلاة والصوم والزكاة إذ لم يقل أحد بذلك ا ه. وبهذا ظهر أن قول الشارح كحربي أسلم في غير محله لاقتضائه كما قال ح: سقوط نفس الحق، ولا قائل به كما علمته، بل هذا الحكم يخص الحربي كما مر عن الأكمل
685 . قلت: قد يقال بسقوط نفس الحق إذا مات قبل المقدرة على أدائه، سواء كان حق الله تعالى أو حق عباده، وليس في تركته ما يفي به، لأنه إذا سقط إثم التأخير ولم يتحقق منه إثم بعده فلا مانع من سقوط نفس الحق، أما حق الله تعالى فظاهر، وأما حق العبد فالله تعالى يرضي خصمه عنه كما مر في الحديث. والظاهر أن هذا هو مراد القائلين بتكفير المظالم أيضا، وإلا لم يبق للقول بتكفيرها محل، على أن نفس مطل الدين حق عبد أيضا، لان فيه جناية عليه بتأخير حقه عنه، فحيث قالوا بسقوطه فليسقط نفس الدين أيضا عند العجز كما تقدم عن عياض، لكن تقييد عياض بالتوبة والعجز غير ظاهر، لان التوبة مكفرة بنفسها، وهي إنما تسقط حق الله تعالى لا حق العبد، فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الأحاديث المارة، وأما إنه لا قائل بسقوط الدين فنقول: نعم: ذلك عند القدرة عليه بعد الحج، وعليه يحمل كلام الشارحين المار، وحينئذ صح قول الشارح كحربي أسلم بهذا الاعتبار، فافهم. ثم اعلم أن تجويزهم تكفير الكبائر بالهجرة والحج مناف لنقل عياض الاجماع على أنه لا يكفرها إلا التوبة، ولا سيما على القول بتكفير المظالم أيضا، بل القول بتكفير إثم المطل وتأخير الصلاة ينافيه لأنه كبيرة، وقد كفرها الحج بلا توبة، وكذا ينافيه عموم قوله تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وهو اعتقاد أهل الحق أن من مات مصرا على الكبائر كلها سوى الكفر فإنه قد يعفى عنه بشفاعة أو بمحض الفضل. والحاصل كما في البحر أن المسألة ظنية، فلا يقطع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى فضلا عن حقوق العباد، والله تعالى أعلم. قوله: (ضعيف) أي بكنانة وابنه عبد الله فإنهما ساقطا الاحتجاج كما مر، لا بأبيه العباس بن مرداس كما وقع في البحر فإنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما بين في محله، فافهم. مطلب في دخول البيت قوله: (يندب دخول البيت) وينبغي أن يقصد مصلاه (ص). وكان عمر إذا دخله مشى قبل وجهه وجعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع، ثم يصلي يتوخى مصلى رسول الله (ص)، وليست البلاطة الخضراء بين العمودين مصلاه عليه الصلاة والسلام، فإذا صلى إلى الجدار المذكور يضع خده عليه ويستغفر ويحمد، ثم يأتي الأركان فيحمد ويهلل ويسبح ويكبر ويسأل الله تعالى ما شاء، ويلزم الأدب ما استطاع بظاهره وباطنه. فتح. قوله: (إذا لم يشتمل الخ) ومثله فيما يظهر دفع الرشوة على دخوله لقوله في شرح اللباب: ويحرم أخذ الأجرة ممن يدخل البيت أو يقصده زيارة مقام إبراهيم عليه السلام بلا خلاف بين علماء الاسلام وأئمة الأنام، كما صرح به في البحر وغيره ا ه. وقد صرحوا بأن ما حرم أخذه حرم دفعه إلا لضرورة ولا ضرورة هنا، لان دخول البيت ليس من مناسك الحج.
686 مطلب في استعمال كسوة الكعبة قوله: (ولا يجوز الخ) قيل ذكر المرشدي في تذكرته ما نصه: قال العلامة قطب الدين الحنفي: والذي يظهر لي أن الكسوة إن كانت من قبل السلطان من بيت المال فأمرها راجع إليه يعطيها لمن شاء من الشيبيين أو غيرهم، وإن كانت من أوقات السلاطين وغيرهم فأمرها راجع إلى شرط الواقف فيها فهي لمن عينها له، وإن جهل شرط الواقف فيها عمل فيها بما جرت به العوائد السالفة كما هو الحكم في سائر الأوقاف، وكسوة الكعبة الشريفة الآن من أوقاف السلاطين ولم يعلم شرط الواقف فيها، وقد جرت عادة بني شيبة أنهم يأخذون لأنفسهم الكسوة العتيقة بعد وصول الكسوة الجديدة فيبقون على عادتهم فيها، والله أعلم. قوله: (وله لبسها) أي للشاري إن كان امرأة أو كان رجلا وكانت الكسوة من غير الحرير كما في شرح اللباب. ونقل بعض المحشين عن المنسك الكبير للسندي تقييد ذلك أيضا بما إذا لم تكن عليها كتابة لا سيما كلمة التوحيد. مطلب فيمن جنى في غير الحرم ثم التجأ إليه قوله: (إلا إذا قتل فيه) وإلا المرتد فإنه يعرض عليه الاسلام، فإن أسلم وإلا قتل، كذا في شرح الشيخ إسماعيل عن المنتقى، لكن عبارة اللباب هكذا: من جنى في غير الحرم، بأن قتل أو ارتد أو زنى أو شرب الخمر أو فعل غير ذلك مما يوجب الحد ثم لاذ إليه لا يتعرض له ما دام في الحرم، ولكن لا يبايع ولا يؤاكل ولا يجالس ولا يؤوي إلى أن يخرج منه فيقتص منه وإن فعل شيئا من ذلك في الحرم يقام عليه الحد فيه، ومن دخل الحرم مقاتلا فتل فيه ا ه. وكذا سيأتي في المتن قبيل باب القود من الجنايات. مباح الدم التجأ إلى الحرام لم يقتل فيه ولم يخرج عنه للقتل الخ. زاد الشارح هناك: وأما فيما دون النفس فيقتص منه في الحرم إجماعا ا ه. ونقل في شرح اللباب) عن النتف مثل ما مر عن المنتقى من التفصيل وقال: إنه مخالف بظاهره لاطلاقهم. ثم أجاب بتقييد إطلاقهم عدم قتله بما إذا لم يحصل أعراض وإباء، لان إباءه عن الاسلام جناية في الحرم. وذكر أيضا عن الخانية عن أبي حنيفة: لا تقطع يد السارق في الحرم، خلافا لهما ا ه. قلت: وتمام عبارة الخانية: وإن فعل شيئا من ذلك في الحرم يقام عليه الحد فيه، فأفاد كلام الخانية وكلام اللباب المار أن الحدود لا تقام في الحرم على من جنى خارجه ثم لجأ إليه، ولو كان ذلك فيما دون النفس، بخلاف ما إذا كانت الجناية فيه، وعلى هذا فيفرق فيما دون النفس بين إقامة الحد وبين القصاص من حيث إن الحد فيه لا يقام في الحرم إلا إذا كانت الجناية فيه، بخلاف القصاص، ولعل وجه الفرق ما صرحوا به من أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال. ومن جنى على المال إذا لجأ إلى الحرم يؤخذ منه لأنه حق العبد، فكذا يقتص منه في الأطراف، بخلاف الحد لأنه حق الرب تعالى، وبخلاف القصاص في النفس لأنه ليس بمنزلة المال. وأما ما في صحيح البخاري من قطعه (ص) عام الفتح يد المخزومية بمكة فلا ينافي ما قلناه، إلا إذا ثبت أنها سرقت خارج الحر، والله تعالى أعلم. قوله: (لا يقتل
687 فيه) لان فيه تقدير البيت الشريف، وقد أمر الله تعالى بتطهيره، وكذا الحكم في سائر المسجد لأنه يجب تطهيره عن الأقذار. رحمتي. قلت: إن كانت هذه هي العلة فهي شاملة لكل مسجد. مطلب في كراهية الاستنجاء بماء زمزم قوله: (يكره الاستنجاء بماء زمزم) وكذا إزالة النجاسة الحقيقية من ثوبه أو بدنه، حتى ذكر بعض العلماء تحريم ذلك. ويستحب حمله إلى البلاد، فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله (ص) كان يحمله وفي غير الترمذي أنه كان يحمله، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم وأنه حنك به الحسن والحسين رضي الله عنهما من اللباب وشرحه. تنبيه: لا بأس بإخراج التراب والأحجار التي في الحرم، وكذا قيل في تراب البيت المعظم إذا كان قدرا يسيرا للتبرك به بحيث لا تكون به عمارة المكان، كذا في الظهيرية. وصوب ابن وهبان المنع عن تراب البيت لئلا يتسلط عليه الجهال فيفضي إلى خراب البيت والعياذ بالله تعالى، لان القليل من الكثير كثير، كذا في معين المفتي للمصنف. قوله: (لا حرم للمدينة عندنا) أي خلافا للأئمة الثلاثة. قال في الكافي: لأنا عرفنا حل الاصطياد بالنص القاطع، فلا يحرم إلا بدليل قطعي ولم يوجد. قال ابن المنذر: وقال الشافعي في الجديد ومالك في المشهور وأكثر من لقينا من علماء الأمصار: لا جزاء على قاتل صيده ولا على قاطع شجره. وأوجب الجزاء ابن أبي ليلى وابن أبي ذئب وابن نافع المالكي، وهو القديم للشافعي ورجحه النووي، وتمامه في المعراج. قوله: (على الراجح) يوهم أن فيه خلافا في المذهب، ولم أره. مطلب في تفضيل مكة على المدينة وفي آخر اللباب وشرحه: أجمعوا على أن أفضل البلاد مكة والمدينة زادهما الله تعالى شرفا وتعظيما. واختلفوا أيهما أفضل، فقيل مكة وهذا مذهب الأئمة والمروي عن بعض الصحابة، وقيل المدينة وهو قول بعض المالكية والشافعية، قيل وهو المروي عن بعض الصحابة، ولعل هذا مخصوص بحياته (ص) أو بالنسبة إلى المهاجرين من مكة، وقيل بالتسوية بينهما، وهو قول مجهول لا منقول ولا معقول. مطلب في تفضيل قبره المكرم (ص) قوله: (إلا الخ) قال في اللباب: والخلاف فيما عدا موضع القبر المقدس، فما ضم أعضاؤه الشريفة فهو أفضل بقاع الأرض بالاجماع اه. قال شارحه: وكذا أي الخلاف في غير البيت: فإن الكعبة أفضل من المدينة ما عدا الضريح الأقدس، وكذا الضريح أفضل من المسجد الحرام. وقد نقل القاضي عياض وغيره الاجماع على تفضيله حتى على الكعبة، وأن الخلاف فيما
688 عداه ونقل عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش، وقد وافقه السادة البكريون على ذلك. وقد صرح التاج الفاكهي بتفضيل الأرض على السماوات لحلوله (ص) بها، وحكاه بعضهم على الأكثرين لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها. وقال النووي: الجمهور على تفضيل السماء على الأرض، فينبغي أن يستثنى منها مواضع ضم أعضاء الأنبياء للجمع بين أقوال العلماء. قوله: (مندوبة) أي بإجماع المسلمين كما في اللباب، وما نسب إلى الحافظ ابن تيمية الحنبلي من أنه يقول بالنهي عنها، فقد قال بعض العلماء: إنه لا أصل له، وإنما يقول بالنهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة. أما نفس الزيارة فلا يخالف فيها كزيارة سائر القبور، ومع هذا فقد رد كلامه كثير من العلماء، وللامام السبكي فيه تأليف منيف، قال في شرح اللباب وهل تستحب زيارة قبره (ص) للنساء؟ الصحيح نعم بلا كراهة بشروطها على ما صرح به بعض العلماء، أما على الأصح من مذهبنا وهو قول الكرخي وغيره من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعا فلا إشكال. وأما على غيره فكذلك نقول بالاستحباب لاطلاق الأصحاب، والله أعلم بالصواب. قوله: (بل قيد واجبة) ذكره في شرح اللباب وقال كما بينته في الدرة المضية في الزيارة المصطفوية. وذكره أيضا الخير الرملي في حاشية المنح عن ابن حجر وقال: وانتصر له، نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنها قريبة من الوجوب لمن له سعة. وقد ذكر في الفتح ما ورد في فضل الزيارة وذكر كيفيتها وآدابها وأطال في ذلك، وكذا في شرح المختار واللباب، فليراجع ذلك من أراده. قوله: (ويبدأ الخ) قال في شرح اللباب: وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا كان الحج فرضا فالأحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة، وإن بدأ بالزيارة جاز اه. وهو ظاهر. إذ يجوز تقديم النفل على الفرض إذا لم يخش الفوت بالاجماع ا ه. قوله: (ما لم يمر به) أي بالقبر المكرم: أي ببلده، فإن مر بالمدينة كأهل الشام بدأ بالزيارة لا محالة، لان تركها مع قربها يعد من القساوة والشقاوة، وتكون الزيارة حينئذ بمنزلة الوسيلة وفي مرتبة السنة القبلية للصلاة. شرح اللباب. قوله: (ولينو معه الخ) قال ابن الهمام: والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام، ثم يحصل له إذا قدم زيارة المسجد أو يستمنح فضل الله تعالى في مرة أخرى ينويها فيها، لان في ذلك زيادة تعظيمه (ص) وإجلاله، ويوافقه ظاهر ما ذكرناه من قوله (ص): من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون شفيعا له يوم القيامة ا ه. ح. ونقل الرحمتي عن العارف الملة جامي أنه أفرز الزيارة عن الحج حتى لا يكون له مقصد غيرها في سفره. قوله: (فقد أخبر الخ) أي بقوله (ص): صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وصححه ابن عبد البر وقال: إنه مذهب عامة أهل الأثر. شرح اللباب. وقدمنا الكلام على المضاعفة المذكورة قبيل باب القران، وفي الحديث المتفق عليه: لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى والمعنى كما أفاده في الاحياء أنه لا تشد الرحال لمسجد من المساجد إلا
689 لهذه الثلاثة لما فيها من المضاعفة، بخلاف بقية المساجد فإنها متساوية في ذلك، فلا يرد أنه قد تشد الرحال لغير ذلك كصلة رحم وتعلم علم وزيادة المشاهد كقبر النبي (ص) وقبر الخليل عليه السلام وسائر الأئمة. قوله: (وكذا بقية القرب) أي كالصوم والاعتكاف والصدقة والذكر والقراءة ونقل الباقاني عن الطحاوي اختصاص هذه المضاعفة بالفرائض، وعن غيره النوافل كذلك. مطلب في المجاورة بالمدينة المشرفة ومكة المكرمة قوله: (ولا تكره المجاورة بالمدينة الخ) وقيل تكره كمكة، وقيل إنها على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه وقدمناه قبيل القران، واختار في اللباب أن المجاورة بالمدينة أفضل منها بمكة وأيده بوجوه، وبحث فيها شارحه القاري ترجيحا لما اختاره في الفتح حيث ذكر فضل المجاورة بمكة، ثم قال: لكن الفائز بهذا مع السلامة أقل القليل، فلا يبنى الفقه باعتبارهم، ولا يذكر حالهم قيدا في الجواز، لان شأن النفوس الدعوى الكاذبة، وأنها لأكذب ما تكون إذا حلفت فكيف إذا ادعت. وعلى هذا فيجب كون الجوار بالمدينة المشرفة كذلك، فإن تضاعف السيئات أو تعاظمها إن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الاخلال بواجب التوقير والاجلال قائم ا ه. قال ح: وهو وجيه، فكان ينبغي للشارح أن ينص على الكراهة ويترك التقييد بالوثوق: أي اعتبارا للغالب من حال الناس لا سيما أهل هذا الزمان، والله المستعان. خاتمة: يستحب إذا عزم على الرجوع إلى أهله أن يودع المسجد بصلاة، ويدعو بعدها بما أحب، وأن يأتي القبر الكريم فيسلم ويدعو ويسأل الله تعالى أن يوصله إلى أهله سالما، ويقول: غير مودع يا رسول الله ويجتهد في خروج الدمع فإنه من أمارات القبول: وينبغي أن يتصدق بشئ على جيران النبي (ص) ثم ينصرف متباكيا متحسرا على مفارقة الحضرة النبوية كما في الفتح. وفيه: ومن سنن الرجوع أن يكبر على كل شرف من الأرض ويقول: آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده وهذا متفق عليه عنه عليه الصلاة والسلام. وإذا أشرف على بلده حرك دابته ويقول: آيبون الخ، ويرسل إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم فإنه منهي عنه، وإذا دخلها بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة، ثم يدخل منزلة ويصلي فيه ركعتين، ويحمد الله ويشكره على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع بالسلامة، ويديم حمده وشكره مدة حياته، ويجتهد في مجانبة ما يوجب الاحباط في باقي عمره، وعلامة الحج المبرور أن يعود خيرا مما كان. وهذا إتمام ما يسر الله تعالى لعبده الضعيف من ربع العبادات، أسأل الله رب العالمين ذا الجود العميم أن يحقق لي فيه الاخلاص، ويجعله نافعا إلى يوم القيامة إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وأن يسهل إكمال هذا الكتاب من الاخلاص والنفع العميم لي ولعامة العباد في أكثر البلاد، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أقول: الظاهر